دروس من فكر الإمام الخامنئي (دام ظله) - 1

للإمام الخامنئيّ (دام ظله) إسهامات علميّة في العديد من المجالات المعرفيّة الّتي تركت بصماتها المؤثّرة في النفوس والعقول والمجتمع الإسلاميّ بشكل عامّ


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2023-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمّد وآله الطاهرين.

يشكّل الإسلامُ منظومةً متكاملةً للحياة في مختلف أبعادها ومتطلّباتها، سعياً في بناء المجتمع الإنسانيّ النموذجيّ والكامل، الذي يصل إلى أرقى درجات الإنسانيّة. لذا، كانت الدعوة للإنسان إلى معرفة ذاته ومعرفة العالم؛ لما في ذلك من أثر في جوانب حياته كافّة، وبالتالي بناء نظامٍ معرفيّ سليم على ضوء تعاليم الإسلام، يستند إلى القرآن والسنّة النبويّة الشريفة؛ إذ إنّ النظام الفكريّ للإنسان هو الأساس والمستند الذي ترجع إليه أفعاله ومواقفه.

وإنّ الإنسان السليم، عندما يدرك نقصَه، فإنّه يتحرّك للبحث عمّا يسدّه ويرفعه، وإنّ شعورَه بالجهل والقصور يولّد لديه دافعاً نحو المعرفة؛ لما لها من دور أساس في تحديد شخصيّته وسلوكه، ومن هنا كان الإنسانُ باحثاً عن الحقيقة في كافّة شؤونه.

بناءً عليه، كانت هذه السلسلة «سلسلة متون الفكر الإسلاميّ»، الّتي تسلّط الضوء على المواضيع الفكريّة المهمّة الداخلة في بناء النظام المعرفيّ للإنسان وتطويره.

وللإمام الخامنئيّ (دام ظله) إسهامات علميّة في العديد من المجالات المعرفيّة الّتي تركت بصماتها المؤثّرة في النفوس والعقول والمجتمع

 

9


1

المقدّمة

الإسلاميّ بشكل عامّ؛ لذا، كان هذا الإصدار أحدَ كتب هذه السلسلة الذي يحكي هذا المبتغى، وهو الإصدار الأوّل من سلسلةٍ بعنوان: «دروس من فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)».

هذا الكتاب، يبيّن رؤية الإمام الخامنئيّ (دام ظله) حول عناوين أساسيّة مهمّة، كالرؤية المعرفيّة الفكريّة، الحضارة الإسلاميّة، الوحدة، العدالة، الجهاد، الشهادة، العلم، التبيين... على أن يليه إصدار آخر يحمل عناوين أخرى إن شاء الله.

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

10


2

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

الرؤية المعرفيّة والفكريّة
تمهيد

لا يمكن لأيِّ إنسان أن يعيش بلا نظام فكريٍّ يكون هو الهادي لسلوكيَّاته ومعايير القيمة عنده، بل إنَّ المواقف التي يتَّخذها أيُّ إنسان إنَّما تكون مستندة بشكل قهريّ -سواء أعرف الإنسان أم لم يعرف - إلى نظام فكريٍّ ورثه، أو تلقَّاه بالتعليم، أو نقشه بسعيه الجادّ عبر التعلُّم، أو غير ذلك، وأمَّا الشكوكيُّ ذو المِرْيَةِ الذي لم يعر المنظومة أهمِّيَّتها؛ فإنَّه يعيش في شتات على مستوى السلوك والمواقف.

إنّ الاطّلاع على رؤية الإمام الخامنئيّ (دام ظله) الكونيّة، بتعمّق ودقّة أكبر، يلزم البحث في عناوين من قبيل نظريّة المعرفة ومعرفة الله ومعرفة الإنسان ومعالم الولاية والإسلام وفهم العالم وعلم الاجتماع، ليتّضح لنا أكثر أنّ التوحيد هو جوهر الرؤية المنهجيّة في النظام الفكريّ لقائد الثورة الإسلاميَّة، وعلى أساسه تُنظّم ولاية العالم والإنسان في ظلّ القرب من الله عزّ وجلّ.

وقد شخّص الإمام الخامنئيّ (دام ظله) الرؤية الكونيّة والفكريّة العامّة في خمس نقاط مؤثّرة ومهمّة:

1. التوحيد.

2. تكريم الإنسان.

3. استمرار الحياة بعد الموت.

 

11

 

 


3

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

4. قابليّة الإنسان غير المتناهية لامتلاك جميع الأشياء اللَّازمة لرُقيّه.

5. حركة العالم نحو الصلاح وحاكميّة الحقّ.

إنّ محوريّة هذه الرؤية الكونيّة شكّلت النظام الفكريّ للإمام الخامنئيّ (دام ظله)، وكانت العماد الرئيس لأفكاره ورؤاه، يقول (دام ظله): «التوحيد في الرؤية الكونيّة الإسلاميَّة يعني أنّ للعالم خالقًا وصانعًا. بعبارة أخرى، له روح نقيّة ولطيفة. للعالم مبدع، وأجزاء هذا العالم كلّه، العباد والعبيد والموجودات، هم تحت تصرّف ذلك الخالق والمبدع. هذا هو التوحيد في الرؤية الكونيّة الإسلاميَّة؛ أي عندما ينظر المسلم من منظار الإسلام إلى هذا العالم، لا يرى هذا العالم موجودًا مستقلًّا، بل يراه موجودًا مرتبطًا ومتعلّقًا بقدرة أعلى»[1].

نظريّة المعرفة

نظريّة المعرفة فرع من الفلسفة، تبحث في ماهيّة المعرفة ومجالها، والفرضيّات المسبَّقة للحصول على المعرفة واعتباريّة أقسام المعرفة المتنوّعة، ويقوم فهم الدين على الاجتهاد: «الاجتهاد في الدين يعني التدبّر فيه؛ بمعنى أنّ الدين الدقيق والمنظور فيه بنظرة متفحّصة والممنهج... هو متعلَّق المعرفة الدينيَّة»[2].

يقول (دام ظله) في هذا السياق: «النظام الإسلاميِّ هو النظام المبنيّ على الهندسة الإلهيّة للمجتمع، وعلى الخطّة التي رسمها الخالق للمجتمع. إذا تحقّقت هذه الخطّة أمكن غضّ الطرف عن كثير من المخالفات وحالات الزيغ والزلل الفرديّة والشخصيّة والجزئيّة»[3].

 


[1]  الإمام الخامنئيّ، السيد علي، الفكر الإسلاميِّ في ضوء القرآن الكريم، ترجمة: أ.د. محمّد علي آذرشب، دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، 2017م، ط1، ص186.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 10/10/1998م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/02/2010م.

 

12


4

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

كما أنّ المصادر الرئيسة لفهم الحقيقة الدينيَّة والمعرفة الإسلاميَّة وإدراكها، هي القرآن والسنّة والعقل.

يقول (دام ظله): «عندما يريد الفقيه الاستنباط من أجل تدوين فقه الإسلام... الشيء الأوّل الذي سيكون أمامه هو القرآن، الذي يُعبَّر عنه بـ«الكتاب»، ويأتي بعد الكتاب، وإلى جانبه، «السنّة»... والسنّة هي قول المعصوم وفعله وتقريره»[1].

ويأتي العقل بعد القرآن والسنّة بوصفه ثالث المصادر الرئيسة للمعرفة الدينيَّة، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «العقلانيّة هي الأداة الأهمّ في فهم الفكر الإسلاميِّ»[2].

معرفة الله

تترافق معرفة الله مع عِلم التوحيد، ولا تتحقّق تلك المعرفة من دونه، يقول سماحته: «التوحيد ليس منحصرًا بالاعتقاد بالله، بل هو الاعتقاد بالله والكفر بالطاغوت، والعبوديّة لله وعدم عبوديّة غيره»[3].

ويقول أيضًا: «إنّ التوحيد لا يعني الاعتقاد بوجود الله فحسب، بل لا بدّ من نفي الألوهيّة والعظمة عن غيره، كالأصنام والحجارة والأخشاب المصنوعة، والناس الذين يدّعون الألوهيّة، والناس الذين لا يدّعونها، لكنّهم يريدون القيام بأعمال الإله»[4].

إنّ روح التوحيد ومعناه هو نفي العبوديّة لغير الله وعدم السجود إلّا له، يقول (دام ظله): «التوحيد يعني عبوديّة الله تعالى وحده؛ بمعنى أن لا تسيطر الأهواء والشهوات والغضب على حياة الإنسان؛ بمعنى أن لا تكون الديكتاتوريّات، ولا الاستبداد، ولا الأنانيّات، هي التي تدير

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 1972م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/08/2004م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/11/2012م.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/12/2000م.

 

13


5

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

حياة الإنسان؛ أن يكون العلم الإلهيّ والقدرة الإلهيّة والرحمة والفيض والهداية الإلهيّة، الأساس والمصدر لإدارة حياة الإنسان. هذا هو معنى التوحيد... إنّنا، إن كنّا نعتقد بالتوحيد، فلا يمكننا أن نخضع للظلم والاستبداد، ولا يمكننا البقاء ساكتين أمام الظلم. هذه هي ماهيّة التوحيد»[1].

وتتّسع رقعة التوحيد في النظام الفكريّ والعمليّ للإمام الخامنئيّ (دام ظله)، وتتّخذ مراتب عديدة؛ التوحيد النظريّ، التوحيد العمليّ، التوحيد الأفعاليّ، التوحيد في الذات، التوحيد في المالكيّة، التوحيد في الربوبيّة، التوحيد في العبادة، التوحيد في الحاكميّة، التوحيد في المحبّة، التوحيد في الاستعانة.

ثمّ يبيّن الشرط الأساس في التوحيد، فيقول (دام ظله): «الشرط الأساس في التوحيد، هو مخالفة النفس وعدم اتّباع أهوائها»[2].

معرفة العالم

إنّ تدوين القوانين والعلاقات الاجتماعيّة وارتباط الإنسان بالله والمجتمع والطبيعة يقوم على معرفة العالم، والتي تشمل معرفة عوالم الوجود، ومن بينها عالم الجبروت، وعالم الملكوت، وعالم الأفلاك، وعالم الآخرة.

وفي النظام الفكريّ للإمام الخامنئيّ (دام ظله)، تتعلّق سائر الظواهر في العالم بالقدرة العليا، التي هي الله؛ فموجودات العالم كلّها مقهورة لأمره تعالى، يمسك بزمامها جميعًا، خلقًا وتنظيمًا واستمرارًا.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/03/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/12/2000م.

 

14


6

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

يقول (دام ظله): «العالم حقيقة غير مستقلّ بنفسه، فهو لم يُوجِد نفسَه بنفسِه، ولم يُنْتَجْ من تلقاء نفسه، بل إنّ يدًا قديرة هي التي خلقت هذه الظواهر المختلفة، يدًا قديرة هي التي أوجدت تلك الحركة المفرطة في قلب الذرّة، وخلقت في أعلى العوالم غير المكتشفة، المجرّات وما يحيط بها من أشياء، والتي يمكن اكتشاف مليارات الأضعاف ممّا اكتشفناه إلى الآن منها»[1].

معرفة الإنسان

يتميّز الإنسان من سائر المخلوقات بجوانب متعدّدة، تجعله موضوعًا للبحث في مختلف العلوم، إذ يُبحث عنه من حيث الحقائق والخصائص الوجوديّة المتعلّقة به، فيُسأل عن إنسانيّته وأصالته ومنشئه ومآله والهدف من وجوده، يقول (دام ظله): «إنّ قوّة التفكير والاختيار والإرادة في الإنسان هي التي ميّزته مِن سائر الموجودات. والإنسان في مقابلهم شيء مختلف... هذه الميزات كلُّها الموجودة في الإنسان، إنّما هي نتيجة لنفخ روح الله فيه، وتجلّي روح الله في الإنسان»[2].

يؤمن الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بوجود غرائز وصفات خاصّة في الإنسان تأخذ به نحو الصلاح والخير والإحسان، فيقول: «ثمّة قوًى متعدّدة في وجود الإنسان وطبيعته، تنظّم فطرته، وتقع هذه القوى جميعًا في امتدادٍ واحد، ولا يوجد بينها أيّ تعارض أو تضادّ. توجد في قوام الشخصيّة الإنسانيّة، غير العوامل والعناصر المشكّلة لوجود الإنسان الخارجيّ والظاهريّ، مقوّمات أخرى لها جانب تأسيسيّ، كالأفكار والرؤية الكونيّة التي لها تأثير أساسيّ في تشكيل شخصيّته»[3].

 

 


[1]  الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، الفكر الإسلاميِّ في ضوء القرآن الكريم، مصدر سابق، ص185.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/06/1989م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/06/1989 م.

 

15


7

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

معرفة الإسلام

إنّ تبيين الإسلام المحمّديّ الأصيل، من خلال رؤية الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، يكون بالكلام على أصول الدين وفروعه، على الله تعالى والنبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، على حدود الأحكام الشرعيّة من الواجب والحرام والمستحبّ والمكروه والمباح، على الكتاب والسنّة، على الأخلاق والمعنويّات وتسامي الإنسان وتكامله، وسنوجز الكلام ونكتفي بالحديث عن كلّيّات الإسلام المحمّديّ الأصيل.

يؤمن سماحته -كما الإمام الخمينيّ (قدس سره) - بالإسلام المحمّديّ الأصيل، فيقول: «الإسلام المحمّديّ يعني الإسلام المناهض للظلم، والإسلام الرامي لتحقيق العدل والإسلام المجاهد، والإسلام المنافح عن المحرومين والإسلام المدافع عن حقوق الحفاة والمظلومين والمستضعفين»[1].

ويرى (دام ظله) أنّ الإسلام الأصيل كان همّ الإمام الخمينيّ الأوّل، معتبرًا أنّ الثورة الإسلاميَّة هي التي بلورت هذا الإسلام في العالم الراهن، فيقول: «في الثورة الإسلاميَّة، حلّ إسلام الكتاب والسنّة مكان إسلام الخرافة والبدع، وإسلام الجهاد والشهادة مكان إسلام القعود والخضوع والذلّة، وإسلام التعبّد والتعقّل مكان إسلام الالتقاط والجهل، وإسلام الدنيا والآخرة مكان إسلام حبّ الدنيا أو إسلام الرهبانيّة، وإسلام العلم والمعرفة مكان إسلام التحجّر والغفلة، وإسلام السياسة والدين مكان إسلام التحلّل من القيود واللَّامبالاة، وإسلام القيام والعمل مكان إسلام الخمول والبرود، وإسلام الفرد والمجتمع مكان إسلام المظاهر وعدم الاكتراث وعدم التأثير، والإسلام المنقذ للمحرومين مكان الإسلام الذي هو ألعوبة بأيدي القوى الكبرى والسلطات؛ والخلاصة الإسلام المحمّديّ (صلى الله عليه وآله) الأصيل مكان الإسلام الأميركيّ»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 04/06/2010م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 31/05/1990م.

 

 

16


8

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

معرفة الإسلام

إنّ تبيين الإسلام المحمّديّ الأصيل، من خلال رؤية الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، يكون بالكلام على أصول الدين وفروعه، على الله تعالى والنبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، على حدود الأحكام الشرعيّة من الواجب والحرام والمستحبّ والمكروه والمباح، على الكتاب والسنّة، على الأخلاق والمعنويّات وتسامي الإنسان وتكامله، وسنوجز الكلام ونكتفي بالحديث عن كلّيّات الإسلام المحمّديّ الأصيل.

يؤمن سماحته -كما الإمام الخمينيّ (قدس سره) - بالإسلام المحمّديّ الأصيل، فيقول: «الإسلام المحمّديّ يعني الإسلام المناهض للظلم، والإسلام الرامي لتحقيق العدل والإسلام المجاهد، والإسلام المنافح عن المحرومين والإسلام المدافع عن حقوق الحفاة والمظلومين والمستضعفين»[1].

ويرى (دام ظله) أنّ الإسلام الأصيل كان همّ الإمام الخمينيّ الأوّل، معتبرًا أنّ الثورة الإسلاميَّة هي التي بلورت هذا الإسلام في العالم الراهن، فيقول: «في الثورة الإسلاميَّة، حلّ إسلام الكتاب والسنّة مكان إسلام الخرافة والبدع، وإسلام الجهاد والشهادة مكان إسلام القعود والخضوع والذلّة، وإسلام التعبّد والتعقّل مكان إسلام الالتقاط والجهل، وإسلام الدنيا والآخرة مكان إسلام حبّ الدنيا أو إسلام الرهبانيّة، وإسلام العلم والمعرفة مكان إسلام التحجّر والغفلة، وإسلام السياسة والدين مكان إسلام التحلّل من القيود واللَّامبالاة، وإسلام القيام والعمل مكان إسلام الخمول والبرود، وإسلام الفرد والمجتمع مكان إسلام المظاهر وعدم الاكتراث وعدم التأثير، والإسلام المنقذ للمحرومين مكان الإسلام الذي هو ألعوبة بأيدي القوى الكبرى والسلطات؛ والخلاصة الإسلام المحمّديّ (صلى الله عليه وآله) الأصيل مكان الإسلام الأميركيّ»[2].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 04/06/2010م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 31/05/1990م.

 

16


9

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

يقول سماحته: «لقد كان الهدف الأعلى للدين الإسلاميِّ تحقّق كلمة التوحيد في الحياة الفرديّة والاجتماعيّة. وتشكيل الأمّة الواحدة التي تؤدّي حقّ العبوديّة لله تعالى هو الهدف الذي تهيّئ كلّ واحدة من العبادات والفرائض الإسلاميَّة الأرضيّة لتحقّقه»[1].

هذا الإسلام يُغضِب بشدّة من عقدوا آمالهم على زوال الإسلام في إيران وفي سائر البلدان الإسلاميَّة؛ ولهذا السبب يخشى الطواغيت والقوى العظمى من الإسلام المحمّديّ الأصيل، ولم يفوّتوا منذ اليوم الأوّل لانتصار الثورة الإسلاميَّة حتّى اليوم، فرصة للهجوم على هذا الإسلام ونظام الجمهوريّة الإسلاميَّة في إيران وتوجيه الضربات له والإضرار به.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «الإسلام الأصيل هو الذي يخيف أمثال أبي جهل. لو كان الإسلام بحيث لا يخافه أمثال أبي جهل وأبي سفيان ولا يعادونه، لوجب علينا أن نشكّ في كونه إسلامًا. فالإسلام الذي لا تعقد الطبقات المحرومة والمستضعفة الآمال عليه ولا تحبّه، ليس إسلامًا. والإسلام الذي لا يستطيع إحياء الآمال المسروقة والخامدة للشرائح المظلومة في أرجاء العالم -لا على مستوى بلدنا وحسب - فلتشكّوا بأنّه دين الإسلام»[2].

وخلاصة الكلام: لقد عرّف الإمام الخامنئيّ (دام ظله) الإسلام المحمديّ الأصيل وقدّمه للبشريّة، بعد تطرّقه بشكلٍ ممنهج إلى أبحاث معرفة الإسلام، بالشكل الآتي:

1. الإسلام الحقيقيّ هو التسليم لله عزّ وجلّ، وترك جميع أنواع العبوديّة لغيره، وإخلاص العبوديّة له.

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/06/1991م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/03/1990م.

 

17


10

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

2. إنّ بعثة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بداية لحركة ثوريّة استقرّت في المدينة المنوّرة على هيئة نظام إسلاميّ، واستمرّت إلى عهد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) في إطار نهضة لنشر الإسلام الأصيل.

3. إنّ الإيمان بالعقيدة الإسلاميَّة يبثّ الأمل بالله والثقة بعونه في قلوب البشر، والإنسان بدوره وبامتلاكه لهذه النفسيّة والروح السامية يقاوم سائر التهديدات والصعوبات التي يواجهها من قِبل المتسلّطين والمستكبرين.

4. المعنويّة والعدالة والعقلانيّة، ثلاثة معالم ومكوّنات رئيسة للإسلام المحمّديّ الأصيل، والمعْلَم الرابع له ارتباطه الوثيق بمصالح الشعب ومصيره.

5. يلبّي الإسلام المحمّديّ الأصيل سائر احتياجات الإنسان الفرديّة والاجتماعيّة للحصول على السعادة الدنيويّة والأخرويّة، والإيمان بتعاليمه طريقٌ للوصول إلى الازدهار والتطوّر.

6. إقامة النظام العادل في المجتمع هو أحد أهمّ ثمار تطبيق الإسلام الأصيل عمليًّا.

7. الإسلام الأصيل عامل للوحدة والانسجام بين أطياف المجتمع، ليغدو جسدًا واحدًا متّحدًا.

الإسلام والسياسة

الإسلام في النظام الفكريّ للإمام الخامنئيّ (دام ظله) شاملٌ للشؤون الحياتيّة كافّة، والتي منها السياسة والحكم؛ وقد سعى المسلمون، وناضلوا في سبيل تشكيل الحكومة الإسلاميَّة والنظام السياسيّ، يقول (دام ظله): «يَرى الإسلام أنّ الدنيا قَنطرةُ الإنسان لبُلوغ الكمال، وأنّها مزرعة الآخِرة؛ ومن هذه الزاوية وهذه الرؤية تكون الدنيا عبارة عن الإنسان والعالم. وأنّ حياة البشر: عقلهم وعلمهم، حقوقهم، واجباتهم

 

18


11

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

وتكاليفهم، ميادينهم السياسيّة، واقتصاد المجتمعات والميادين التربويّة، ومَيادين العدالة، تُشكّل مجتمعة ميادين الحياة. وعليه تكون الدنيا المضمار الأساسيّ للتكليف والمسؤوليّة والرسالة الدينيَّة. لقد جاء الدين كي يُنظّم الجهود الإنسانيّة ويعمل على هِدايتها في هذا الميدان الواسع والمتنوّع. وعلى هذا التفسير وهذا الفهم للدنيا لا يمكن الفصل بين الدين والدنيا»[1].

ويقول أيضًا: «عندما تنفصل السياسة عن الدين، فإنّها ستنفصل عن الأخلاق، وعن المعنويّة... وعندما ينفصل الدين عن السياسة، تصبح السياسة غير خُلُقيَّة، قائمة على الحسابات المادّيّة والنفعيّة كافّة»[2].

ويُلقي سماحته المسؤوليّة على كاهل علماء الدين وأهله، فيحتّم عليهم تعرّف الشؤون السياسيّة وفهمها: «عندما تقولون بعدم فصل الدين عن السياسة، فعلى أهل الدين أن يكونوا عارفين بالسياسة، وفاهمين لها، ويكونوا فعّالين في الأماكن التي يكون ميدان العمل فيها سياسيًّا، أمّا في الأماكن التي يكون فيها ميدان العمل هو بيان الأحكام الدينيَّة المحضة، فعليهم أن يبيّنوها انطلاقًا من وعيهم للأمور والأوضاع السياسيّة»[3].

معرفة الولاية والإمامة

الولاية ارتباط وتواصل قويّ، واتّحاد جبهويّ لمجموعة من الناس، يؤمنون بالفكر نفسه والعقيدة نفسها، ويسعَون للوصول إلى هدف واحد. وهي أحد المفاهيم المفتاحيّة في النظام الفكريّ للإمام الخامنئيّ (دام ظله).

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 04/06/2005م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 11/09/2009م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/05/1997م.

 

19


12

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

يقول سماحته: «الترابط الولائيّ الذي يُعَدّ ظاهرة سياسيّة واجتماعيّة وموقفًا مصيريًّا في الحياة، يتحقّق بالجهد والحركة والهجرة والعمل المشترك والموقف الموحّد. ولهذا لا يكون الوليّ في النظام الإسلاميِّ بمعزلٍ عن الأمّة. فالولاية تعني التلاحم والانسجام والترابط، كما تعني، في أحد أبعادها المحبّة، وتعني في موضعٍ آخر التآزر والتعاون. وهذه المعاني كلّها تمثّل في الواقع مصاديق للارتباط والتضامن والاتّحاد والوحدة؛ أمّا المعنى الحقيقيّ فهو الاتّحاد والتلاحم»[1].

والولاية، في نظر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، هي المنصب الثاني للرسل في قيادة المجتمع وإنشاء الحكومة؛ إذ إنّ الرسالة هي المنصب الأوّل: «كان أنبياء الله قادة البشر؛ لأنّهم يعلمون أمر الله ونهيه، ولأنّهم يعرفون طريق إرشاد البشر وتربيتهم وتكاملهم. والرسالة التي هي المنصب الأوّل للرسل، توضّح لهم البرامج والمشاريع الإلهيّة. والإمامة والولاية التي هي المنصب الثاني للرسل، تعدّهم لإدارة المجتمع؛ أي منصب قيادة المجتمع؛ غاية الأمر على نحو الإمامة والولاية؛ أي العلاقة العميقة والمتلاحمة بين الشعب والقائد»[2]، «الإمامة تعني حكومة المجتمع الإسلاميِّ»[3].

وهذا المنصب كان يتطلّب نضالًا سياسيًّا من قِبل الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) بغية تشكيل النظام القائم على أساس العدالة، وتحقيق هدف الأنبياء (عليهم السلام) من خلال خطّ الإمامة والولاية الذي هو امتداد لخطّ النبوّة، يقول (دام ظله): «أحد الأمور التي كان الأئمّة (عليهم السلام) جميعًا يشرعون بها، بمجرّد انتقال الإمامة إليهم، كانَ النضال السياسيّ، العمل السياسيّ من أجل تسلّم الحكومة. هذا العمل السياسيّ هو كسائر النشاطات والأعمال التي كان يقوم بها أولئك الذين يريدون تشكيل نظامٍ ما...، إنّ تشكيل


 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/04/1998م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 28/09/1982م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/04/1985م.

 

20


13

الرؤية المعرفيّة والفكريّة

مجتمعٍ ما قائم على أساس العدالة والقسط هو عمل سياسيّ...، وهذا هو هدف الأنبياء؛ ليس نبيّنا فحسب، بل عيسى وموسى وإبراهيم والأنبياء جميعًا، جاؤوا لتشكيل النظام الإسلاميِّ»[1].

ويقول أيضًا: «بحسب تصوّري، إنّ استمرار النبوّة على هيئة الإمامة، وولادة نهجٍ وخطٍّ باسم الإمامة من خطّ ونهج آخر هو النبوّة، إنّما هما لهدفين:

1. تدوين الدين وتبيينه.

2. استمرار خطّ النبوّة، وتحقيق أهداف النبيّ ومقاصده.

ليقرأ ويفهم الكتاب وسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومنهجه وأقواله، وينضجها في عقله، أن يطبّقها على احتياجاته، أن يبيّن الأفكار الأصيلة ويشرحها، أن يكون على رأس المجتمع الإسلاميِّ، ويتابع تلك الحركة والمسار والسعي الذي كان يقوم به الرسول (صلى الله عليه وآله) من أجل التقدّم بهذا المجتمع وإيصاله إلى السمّو والتكامل»[2].

بل يرى سماحته أنّ عدم قيام الإمام أو الوليّ بهذه المهمّة، يُبقي النبوّة ناقصة، يقول: «إذا لم يجرِ تطبيق هذه المسؤوليّات عمليًّا، فستبقى النبوَّة ناقصة. فلو بقي الجناح السياسيّ ناقصًا، ولم يتسلّم الإمام زمام المجتمع الإسلاميِّ، ولم يتحرّك نحو الهدف، فسيشوب النبوّة نقص»[3].

في الختام، وباختصار، إنّ الإمامة في نظر الإمام الخامنئيّ (دام ظله) هي القيادة العليا والكاملة لقيادة المجتمع المنشود: «الإمامة هي المعنى الأعلى لقيادة المجتمع المنشود في مقابل أنواع القيادات النابعة من النقائص والشهوات والتكبّر والطمع الإنسانيّ»[4].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 22/08/2006م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ شباط 1973م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ شباط 1973م.

[4] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/03/2002م.

 

21


14

الحضارة الإسلاميَّة

الحضارة الإسلاميَّة


مفهوم الحضارة الإسلاميَّة

الإسلام في روحه دين حضاريّ، يسعى لأن يبني الإنسان في مجالاته المتعدِّدة، أي مجال علاقته بنفسه وعلاقته بخالقه وعلاقاته بسائر الموجودات البشريَّة وغيرها، وقد سعت الأطروحات البشريَّة المتعدِّدة أن تنجز مشروعًا حضاريًّا يكون له صفة الخلود، أي الصلاح لإنسان العصور كافَّة، والإسلام كذلك يطرح مَشروعَه الحضاريّ الذي يبتني على محوريَّة التوحيد والوحي، ويستقي ثباته وخلوده وصلاحه لكلِّ زمان ومكان من ارتباطه الوحيانيّ بالله تعالى.

من هنا، صار الفقهاء والعلماء بصدد الكشف عن وجه هذه الحقيقة، وتقديم الدين الإسلاميِّ كمشروع حضاريّ، ويقع على رأسهم الإمام الخمينيّ (قدس سره) والإمام الخامنئيّ (دام ظله)، وهما صاحبا ريادة في مجال العلم والعمل. يبيّن الإمام الخامنئيّ (دام ظله) مفهوم الحضارة الإسلاميَّة، رابطًا إيّاه بالغاية الأساس التي خلق الله عزّ وجلّ الإنسان من أجلها، فيقول (دام ظله): «الحضارة الإسلاميَّة تعني ذلك الجوّ الذي يستطيع فيه الإنسان التطوّر من الناحيتين المعنويّة المادّيّة، والوصول إلى الغايات المنشودة التي خلقه الله تعالى من أجل الوصول إليها؛ أن يحيا حياةً طيّبة، حياةً عزيزة، أن يكون إنسانًا عزيزًا، إنسانًا قويًّا، صاحب إرادة، مبتكرًا، بانيًا لعالم الطبيعة، هذا ما تعنيه الحضارة الإسلاميَّة»[1].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/09/2013م.

 

23


15

الحضارة الإسلاميَّة

والحضارة الإسلاميَّة، من وجهة نظر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، هي الهدف المهمّ بالنسبة إلى النظام الاجتماعيّ الإسلاميِّ، وينبغي أن تكون مشتملة على التقدّم المادّيّ والمعنويّ، يقول سماحته: «نحن نتقدّم، ونعيد إعمار بلدنا، ونعمل على بناء حضارة. ما أودّ أن أقوله لكم: ليست مشكلتنا مقتصرة على أن ننقذ حياتنا ونقتلع الشوك بأيدينا من أنفسنا، بل إنّ المشكلة هي أنّ الأمّة الإيرانيّة -كما هو شأنها- تعمل على صناعة حضارة. القاعدة الأساسيّة للحضارة، لا تقوم على مُجرَّدِ الصناعة والتكنولوجيا والعلم، بل على الثقافة، والرؤية، والمعرفة، والكمال الفكريّ البشريّ»[1].

ويقول أيضًا: «لو أخذنا التقدّم من جميع الأبعاد بمعنى بناء الحضارة الإسلاميَّة الجديدة -ففي النهاية يوجد مصداقٌ عينيّ وخارجيّ للتقدّم وفق المفهوم الإسلاميِّ- هنا سنقول إنّ هدف الشعب الإيرانيّ، وهدف الثورة الإسلاميَّة، هو إيجاد حضارة إسلاميّة جديدة. فهذه حسابات صحيحة؛ لهذا، فالحضارةُ الجديدة قسمان: القسم الأوّل يتعلّق بالأداة، والقسم الآخر يرتبط بالمضمون والأساس والأصل. ويجب تناول كلا القسمين.

القسم المتعلّق بالأداة والوسيلة، أي تلك القيم التي نطرحها اليوم تحت عنوان تطوّر البلد: العلم، والاختراع، والصّناعة، والسياسة، والاقتصاد، والاقتدار السياسيّ والعسكريّ، والشأنيّة الدوليّة، والإعلام وأدواته، فذلك كُلُّه هو من القسم المتعلِّق بأداة الحضارة ووسيلتها. وحتمًا لقد تطوّرنا جيّدًا في هذا القسم على صعيد البلد. لقد أُنجزت أعمالٌ كثيرة وجيّدة، سواءٌ في المجال السياسيّ أو العلميّ أو القضايا الاجتماعيّة، وكذلك في مجال الاختراعات وما شابه إلى ما شاء الله

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/03/1994م.

 

24


16

الحضارة الإسلاميَّة

على مستوى البلد كلّه. ففي هذا القسم المتعلّق بالأداة والوسيلة، حصل تطوّرٌ جيّدٌ في البلاد بالرغم من الضغوط كُلِّها والحظر وأمثاله.

أمّا القسم الحقيقيّ فهو تلك الأمور التي تشكّل مضمون حياتنا، وهو نمط الحياة الّتي تحدّثنا عنه. فهذا هو القسم الحقيقيّ والأساسيّ للحضارة، كقضيّة الأسرة، ونمط الزواج، ونوع المسكن واللباس ونمط الاستهلاك، ونوعيّة الغذاء والطبخ والترفيه، ومسألة الخطّ، واللغة، وقضيّة التكسّب والعمل، وسلوكنا في مكان العمل والجامعة وفي المدرسة، وفي النشاط السياسيّ وفي الرياضة، وفي الإعلام، وفي سلوكنا مع الأب والأّم، ومع الزوج والأبناء ومع الرئيس والمرؤوس والشرطة والعامل الحكوميّ، وفي أسفارنا ونظافتنا وطهارتنا وسلوكنا مع الصديق والعدوّ والأجنبيّ، فهذه كلّها ترتبط بالقسم الأساسيّ للحضارة التي تمثّل صلب حياة الإنسان»[1].

متطلّبات الحضارة الإسلاميَّة

إنّ بناء الحضارة الإسلاميَّة، في النظام الفكريّ للإمام الخامنئيّ (دام ظله)يستلزم أمورًا نشير إليها:

1. الإيمان بالإسلام.

2. التوكّل على الله والمعنويّة.

3. الإخلاص والعمل الصادق.

4. التقوى العمليّة.

5. اجتناب تقليد الحضارة الغربيّة.

6. مواجهة الحضارة الغربيّة.

7. التطوّر العلميّ.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 14/10/2012م.

 

25


17

الحضارة الإسلاميَّة

8. وحدة الشعب والمسؤولين.

9. الصمود والمقاومة.

10. إنتاج الفكر.

11. تربية الإنسان.

يقول (دام ظله): «يجب إعداد جيل شجاع، متعلّم، متديّن، مبدع، متفوّق، مبادر، واثق بنفسه...، يتحلّى بالإيمان، والعلم، والثقافة، والغيرة، والشجاعة، والثقة بالنفس، والدافع الكافي للحركة والنشاط، أن يتحلّى بالطاقة والقدرة الجسديّة والفكريّة، أن يركّز الهدف وينظر إلى الأهداف البعيدة»[1].

خصائص الحضارة الإسلاميَّة

يرى الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنّ الحضارة الإسلاميَّة بإمكانها خدمة البشريَّة وإنقاذها؛ وذلك من خلال خصائصها المرتبطة بالله والوحي، في قبال الحضارة الغربيّة التي تعتمد التسافل الخلقيّ، فيقول: «إرادتنا هي إيجاد حضارة، بهذه الخصائص ستكون: معتمدة على المعنويّات، معتمدة على الله، مستندة إلى الوحي الإلهيّ، مستندة إلى التعاليم الإلهيّة، معتمدة على الهداية الإلهيّة. هذه الحضارة، هي الحضارة الإسلاميَّة، وحضارة كهذه يمكنها إنقاذ البشريَّة... الحضارة الإسلاميَّة بمقوّماتها الإيمانيّة والعلميّة والخُلُقيَّة، ومن خلال الجهاد الدائم، قادرة علی أن تقدّم للأمّة الإسلاميَّة وللبشريّة المشاريع الفكريّة المتقدّمة والأخلاق السامية، وأن تكون منطلق الخلاص من مظالم الرؤية الكونيّة المادّيّة الظالمة، ومن الأخلاق الغارقة في مستنقع الرّذيلة التي تشكّل أركان الحضارة الغربيّة القائمة»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19/10/2016م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 29/04/2013م.

 

26


18

الحضارة الإسلاميَّة

ويقول أيضًا: «يستطيع الإسلام أن يوصل هذه الأجيال إلى آفاق جديدة، ويدخل الفرحة والسرور إلى قلوبهم، ويمنحهم الكرامة اللَّائقة بالإنسان؛ هذه هي الحضارة الإسلاميَّة الجديدة»[1].

أركان الحضارة الإسلاميَّة

يرسم الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أركان الحضارة الإسلاميَّة، من خلال سلسلة حلقاتٍ منطقيّة مترابطة، فيقول: «الحلقة الأولى (في السلسلة) الثورة الإسلاميَّة، والحلقة الثانية تشكيل النظام الإسلاميِّ، والحلقة الثالثة تشكيل الحكومة الإسلاميَّة، والحلقة الرابعة تشكيل المجتمع الإسلاميِّ، والحلقة الخامسة تشكيل الأمّة الإسلاميَّة».

ثمّ يبيّن (دام ظله) مراده من كلِّ ركنٍ راسمًا معالمه ومحدّدًا ماهيّته، فيقول: «المقصود بالثورة الإسلاميَّة الحركة الثوريّة... تلك الحركة الثوريّة نفسها، التي تسقط النظام الرجعّي والقديم والفاسد والتابع، وتهيّئ الأرضيّة المناسبة لقيام النظام الجديد؛ النظام الإسلاميِّ، وأعني به هنا الهويّة الكلّيّة ذات التعريف المحدَّد، التي يختارها البلد والشعب وأصحاب الثورة، الذين هم الناس بالنسبة إلينا، النظام الذي تنبثق حاكميّة الشعب فيه من الإسلام، ويتوافق مع القيم الإسلاميَّة.

المقصود بالحكومة الإسلاميَّة، أنّ هناك دستورًا وقوانين أصليّة ومؤسّسات وبُنى إداريّة للبلاد، قد تحدّدت على أساس ما وُجد في مرحلة تعيين النظام الإسلاميِّ. هذه المجموعة من المؤسّسات الإداريّة هي الحكومة الإسلاميَّة... يعني مجموع الأجهزة الإداريّة في البلاد التي تُلقَى على عاتقها مهمّة إدارة البلاد والنُّظم الإداريَّة المختلفة في البلد.

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/05/2014م.

 

27

 


19

الحضارة الإسلاميَّة

الحلقة التي تليها هي المجتمع الإسلاميِّ... هو المجتمع الذي تتحقّق فيه المثل العليا الإسلاميَّة والأهداف الإسلاميَّة والآمال الكبرى التي يرسمها الإسلام للبشريّة. هو مجتمع عادل، مفعم بالعدالة، مجتمع حرّ، يكون للناس فيه دور وتأثير أساسيّ في إدارة البلاد وبناء مستقبلهم وتقدّمهم؛ مجتمع ذو عزّة وطنيّة واكتفاء وطنيّ، مجتمع يتمتّع بالرفاهية، وخالٍ من الفقر والجوع، مجتمع متقدّم في جميع الأبعاد تقدّمًا علميًّا، تقدّمًا اقتصاديًّا، تقدّمًا سياسيًّا. وأخيرًا، هو مجتمع لا يعرف السكون، ولا الركود، ولا التوقّف، بل يكون في حال مسير دائم إلى الأمام»[1].

هذا -باختصار- رؤية سماحته (دام ظله) لمفهوم الحضارة الإسلاميَّة، ولقد تُرجمت هذه الرؤية بشكلٍ عمليٍّ وفعليّ، وذلك من خلال الخطوات الإجرائيّة والأشواط التي طواها الشعب الإيرانيّ في هذا المسير. ولو لم تتعرّض الثورات الشعبيَّة في العالم للمؤامرات ولم تتغيّر وتتبدّل، فستصبح كيفيّةُ عمليّة بناء النظام، وتدوين القانون وإدارة البلدان والثورات القضيّةَ الأساسيّة للشعوب. وهذه نفسها قضيّة بناء الحضارة الإسلاميَّة المهمّة وتشكيل الأمّة الإسلاميَّة.

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/10/2011م.

 

28


20

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة
تمهيد

سعت الأنظمة السياسيَّة التي راجت في القرنين الماضيين، وخصوصًا مع تبلور فكرة الدولة، وبعد نبذ الأنظمة الإقطاعيَّة والأنظمة الاستبداديَّة، إلى طرح نموذج حكم سياسيّ منسجم مع الحقوق الإنسانيّة التي تحفظها الطبيعة والغاية من الوجود، ولكنَّ الإسلام، من خلال ارتباطه بالسّماء وكونه دينًا حضاريًّا يسعى لبناء العالم على الهيئة لإلهيّة، يطرح نموذجًا سياسيًّا للحكم والولاية لا يطغى فيه حقٌّ على آخر، ولا تكليف على آخر.

يرتكز الدين الإسلاميِّ على فكرة منح الإنسان القدرة على التطوُّر، والازدهار، والرقيّ في كافّة مجالات الحياة؛ فقد دعا الإسلام إلى التعلّم، وكسب المهارات السلوكيّة التي تعزّز شخصيّة الإنسان، وتدفعه إلى الرقيّ والتطوّر، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ الإسلام يمكنه أن يمنح العزّة لأيّ بلد، ويمكن أن يرفع رأس أيِّ شعب، ويمكن أن يرسم أهدافًا جيِّدةً، ويمكن أن يُعبِّد الطرق نحو هذه الأهداف، ويمكن أن يوجد حركةً علميّة، ويمكن أن يُحقّق حركةً تقنيّة وصناعيّة، ويمكن أن يوجِد حركةً تقوائيّة وخُلُقيَّة، ويُمكِن أن يُبيِّض وجوههم في مقابل الشعوب الأخرى»[1].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2012م.

 

29


21

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

وانطلاقًا من ذلك، يؤمن الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بأنّ الإنسان لديه القدرة على أن يشكّل الدولة القويّة، العادلة، وأن يكون مؤثِّرًا وفعّالًا في ذلك، فقد قال (دام ظله): «أنا العبد، أقول لكم: أنا أعتقد وأؤمن، بالصِّدقِ كُلِّه، بالسيادة الشعبيَّة الدينيَّة. نحن نعتقد حقًّا بالسيادة الشعبيَّة الدينيَّة، وكلّ من ينتخبه الشعب نعدّه رئيسًا، ومسؤولًا، وأنّ مساعدته واجبة ومسؤوليّة علينا»[1].

السيادة الشعبيَّة

1. تقدُّم الأكثريّة

إنّ مفهوم السيادة الشعبيَّة الدينيَّة يرتكز على قاعدة «تقدّم الأكثريّة الكفوءة» على الأقليّة في مقام العمل، وتحمّل المسؤوليّات، يقول سماحته: «معنى قاعدة السيادة الشعبيَّة، هو أن تتقدّم الأكثريّة على الأقليّة، في مقام العمل؛ بمعنى أن يتولّى المسؤوليّةَ الشخصُ الذي تمنحه الأكثريّةُ أصواتَها. هذه هي قاعدة السيادة الشعبيَّة... وكلّ فرد من الشعب، ينتخب النائب، وينتخب رئيس الجمهوريّة، أي ينتخب الوزراء عبر وسيط، ينتخب الخبراء، ينتخب القائد عبر وسيط، هذا العمل هو بيد الشعب. هذه هي الركيزة الأساسيّة»[2].

ثمّ إنّ السيادة الشعبيَّة الدينيَّة تنبثق من الشعب، باعتبار أنّ الرؤية الإسلاميَّة تنظر إلى الإنسان على أنّه من يمنح الشرعيّة للحاكم، وأنّ له الدور الأساس في منح الحاكم الولاية والسلطة على أبناء المجتمع كافّة؛ يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «السيادة الشعبيَّة تعني أنَّ الشعب هو الأصل، ليس فقط في تعيين الحاكم؛ لأنّه، وبمجرّد أن نقول: السيادة الشعبيَّة، ينصرف ذهن الجميع إلى صناديق الاقتراع؛ حسنًا،

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 09/01/2018م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 04/06/2014م.

 

30


22

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

هذا صحيح بدوره، تعيين رئيس الجمهوريّة، وتعيين خبراء القيادة، وفي الواقع، تعيين القائد، تعيين الأجهزة المختلفة، ذلك كلّه يحصل في الواقع بوساطة الشعب. هذا أمرٌ مصيريٌّ حاسم، وهو صحيح، ولكنّه ليس الشيء الوحيد. الأمر المهمّ هو أنَّ السيادة الشعبيَّة تعني جعلَ الشعب صاحبَ الرأي والتدبير واتّخاذ القرار في شؤون الحياة كلّها، وهذا في النقطة المعاكسة تمامًا للوضع الذي كان قبل الثورة في هذا البلد طوال قرون متمادية»[1].

2. جوهرها الإسلام

إنّ السيادة الشعبيَّة الدينيَّة يجب أن تكون وفق الرؤية الإسلاميَّة، وأن تخضع للإسلام وقوانينه، وسننه، وأحكامه، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «يشكّل الإسلام روح السيادة الشعبيَّة الإسلاميَّة ومضمونها ولُبّها. في مسألة سنّ القوانين واختيار الأشخاص، معيارنا هو الإسلام. طبيعة العمل وقالبه، أسلوب الإدارة هو السيادة الشعبيَّة؛ أي الناس هم من يشاركون في الساحات؛ يعتقدون بالإسلام بشكل جذريّ»[2].

ويقول (دام ظله): «لقد نبع مبدأ السيادة الشعبيَّة الذي نعتقد به من قلب الإسلام. عندما نقول السيادة الشعبيَّة الدينيَّة، هذا لا يعني أبدًا تركيب مفهوم السيادة الشعبيَّة مع مفهوم آخر، أو تركيب الدين مع مفهوم آخر على الإطلاق. إنّ مفهوم السيادة الشعبيَّة الذي نتحدّث عنه نبع من الدين»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/02/2018م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2012م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19/01/2014م.

 

31


23

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

ثمّ إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميَّة في إيران، انطلق من هذه الفكرة الإنسانيّة الشعبيَّة الموافقة لمنطق الإسلام وأحكامه ومبادئه، يقول سماحته: «إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميَّة هو النظام الذي تُستقى فيه السيادة الشعبيَّة من الإسلام، ويسير موازيًا للقيم الإسلاميَّة. إنّ ما يُقصد بالحكومة الإسلاميَّة، وهو الشيء الذي وُجِدَ زمان تحديد النظام الإسلاميِّ، ونتج منه الدستور، إدارات الدولة ومؤسّساتها»[1].

3. الانتخابات مظهر إسلاميّ

ينبغي مراعاة الشريعة الإسلاميَّة في كافّة الإجراءات المطبّقة في الدولة، خصوصًا قضيّة تشكيل الدولة والحكومة وانتخاب الرئيس، فالانتخابات تُعَدّ مظهرًا إسلاميًّا، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «لا يظنّنّ بعضٌ أنّ الإمام الخمينيّ (قدس سره) قد أخذ الانتخابات من الثقافة الغربيّة، ودمجها بالفكر الإسلاميِّ والشريعة الإسلاميَّة. لا ليس الأمر كذلك، فلو لم تكن الانتخابات والسيادة الشعبيَّة والرجوع إلى رأي الناس، جزءًا من الدين، ولو لم تكن مرتكزة على الشريعة الإسلاميَّة، لَمَا كان الإمامُ التزم بها. إذًا، الشريعة الإسلاميَّة هي الإطار. وفي كافّة التقنيّنات، والإجراءات والعزل والتنصيب، والسلوكات العامّة التابعة لهذا النظم السياسيّ والمدنيّ، يجب أن تراعى الشريعة الإسلاميَّة»[2].

4. نظامٌ إلهيٌّ مقابل الطاغوت

إنّ انتصار الثورة الإسلاميَّة في إيران على النظام الطاغوتيّ، يُعَدّ انتصارًا للإسلام ومبادئه الداعية إلى مواجهة الظلم والهيمنة والغطرسة؛ يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ أهمّ عمل أساسيّ قامَت به الثورة، هو استبدال نظام السيادة الشعبيَّة بنظام سيادة الطاغوت، وذلك انطلاقًا من التعاليم الإسلاميَّة، وليس باستلهام آراء هذا المنظِّر

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/11/2011م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 04/06/2014م.

 

32


24

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

وذاك المنظِّر ومدارسهم، والنواقص والتعارضات الموجودة في أفكارهم، كلّا، بل استلهامًا من الإسلام والقرآن، ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ﴾[1]. إنّه النظام الإلهيّ في مقابل النظام الطاغوتيّ. والجمهوريّة الإسلاميَّة والثورة الإسلاميَّة أعطت معنًى للنظام الإلهيّ بأنّه نظامُ السيادة الشعبيَّة الدينيَّة. هذا هو ما تعنيه الجمهوريّة الإسلاميَّة؛ لقد بدّلت النظام الطاغوتيّ إلى نظام السيادة الشعبيَّة. هذا هو أهمّ عمل قامَت به الثورة»[2].

5. مظهرٌ لعقلانيّة الإمام الخمينيّ (قدس سره) وحكمته

استطاع الإمام الخمينيّ (قدس سره) أن يحقّق السيادة الشعبيَّة الدينيَّة انطلاقًا من عقلانيّته، وإدراكه لدور الشعب في تحقيق الانتصار، ولدور الشعب أيضًا في ضرورة مشاركته في تشكيل الدولة، وسيادتها، وحفظها؛ يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «النموذج الأوّل من عقلانيّة الإمام الخمينيّ (قدس سره) هو اختياره نظام السيادة الشعبيَّة للنظام السياسيّ في البلاد؛ أي الاعتماد على أصوات الشعب. وانتخاب السيادة الشعبيَّة واحدٌ من المظاهر الجليّة لعقلانيّة الإمام في مدرسته المنقذة الباعثة على الحياة. منذ قرون والحكومات الفرديّة متسلّطة على بلادنا، وحتّى في الفترة التي كان في إيران حالة دستوريّة، وكان القانون نافذًا في البلاد حسب الظاهر، كان استبداد الحقبة البهلويّة ودكتاتوريّتها أشدّ في الواقع وأسوَأَ مصابًا من استبداد الماضين. ففي بلدٍ كهذا، نجح الإمام الخمينيّ (قدس سره) في تحويل مشاركة الشعب والانتخابات الشعبيَّة إلى حقيقة مؤسّساتيّة راسخة»[3].

 


[1] سورة النساء، الآية 76.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/02/2018م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/09/2011م.

 

33


25

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

6. قيمة واقعيّة

إنّ السيادة الشعبيَّة الدينيَّة تدفع المجتمع إلى تحقيق قيمه بواقعيّة؛ لأنّ هذه القيم هي مطالب عامّة للشعب، وهي وقائع المجتمع، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «يزعم بعضهم أنّ النزوع إلى القيم لا ينسجم مع الرؤية الواقعيّة، ونحن نرفض هذا بشدّة. فالكثير من أهداف مجتمعنا ومطالبه تُعدّ من وقائعه. فالشعب يريد العزّة الوطنيّة، والحياة التي تتمحور حول الإيمان والدين، والمشاركة في إدارة البلد -أي السيادة الشعبيَّة- والتقدّم والاستقلال السياسيّ والاقتصاديّ، فهذه مطالبُ عامّة للشعب. هذه المطالب هي وقائع المجتمع، وهي بالدقّة تدلّ على مسار الحركة القيميّة نفسها، وهذه ليست قضايا تحليليّة أو ذهنيّة، أو أوهامًا وأفكارًا، إنّها وقائعُ موجودةٌ في المجتمع. إنّه مجتمعٌ حيٌّ ومؤمنٌ يسعى نحو هذه الأمور، يريد العزّة الوطنيّة، ويريد أن يكون مستقلًّا ومتطوّرًا وعزيزًا بين الشعوب. فهذه المطالب التي ينادي بها الشعب تقع على مسار القيم، وما يطلبه يُعدّ من الوقائع الثابتة في المجتمع، ولهذا يمكن أن تكون الوقائع مساعدةً ومتوجّهةً إلى القيم. أجل، إنّ ذكر القيم والأهداف من دون التوجّه إلى الوقائع، ومن دون التنبّه إلى الوسائل المعقولة والمنطقيّة للوصول إلى القيم، يُعدّ نسجًا من الخيال، وسوف تبقى القيم في إطار الشعارات»[1].

7. نزيهة وديمقراطيّة

تتّصف السيادة الشعبيَّة بالنزاهة والبعد عن التملّق والخداع السياسيّ؛ يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «السيادة الشعبيَّة الدينيَّة، هي السيادة الشعبيَّة السليمة؛ البعيدة عن الأعمال والحِيَل والخدع

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2013م.

 

34


26

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

المُتّبعة في العالم. أنا آسف لعدم اطّلاع عدد كبير من شبابنا على هذه الحِيَل المستخدمة في العالم، في أمريكا، في الغرب، في أوروبا، في مسألة الانتخابات، التي تحمل ظاهرًا ديمقراطيًّا، لكنّها في الباطن بعيدة عن الديمقراطيّة»[1].

آثار السيادة الشعبيَّة

1. وسيلةٌ لتحقُّق الأهداف الإلهيّة

إنّ السيادة الشعبيَّة الدينيَّة تهدف إلى تحقيق الأهداف الإلهيّة التي يدعو لها الإسلام، وذلك انطلاقًا من إيمان الإسلام بقيمة الإنسان وجوهره وحقيقته؛ يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّه لمن الخطأ أن يُقال إنّنا تعلّمنا السيادة الشعبيَّة من الغرب. الوجه الظاهر واحدٌ، لكنّ السيادة الشعبيَّة التي نعتقد بها لها جذورها النابعة من رؤية إلى الكون ومعارف دينيّة أخرى، على خلاف ما يعتقدون هم به. نحن نعتقد بكرامة البشر، نعتقد بقيمة آرائهم، ونعدّ حضورهم ومشاركتهم وسيلة لتحقُّق الأهداف الإلهيّة، ومن دونها لن يكون هذا الأمر ممكنًا»[2].

2. إحياءٌ لمشاعر الثقة الوطنيّة

تهدف السيادة الشعبيَّة الدينيَّة إلى تحقيق الثقة الوطنيّة للإنسان، وزرع الثقة بين أفراد الشعب؛ لإخراج الشعب من الذلّة والمهانة، والركون إلى الآخرين؛ يقول سماحته (دام ظله): «إنّ سيادة الشعب ليست في الإدارة السياسيّة للبلاد فقط، بل هي في الخدمات العامّة في المدن والقرى أيضًا، وفي إحياء روحيّة الأعمال العظيمة والكبيرة في البلاد -والتي ترون نماذج لها ومصاديق واقعيّة لها في تأسيس

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2013م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2012م.

 

35


27

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

الحرس الثوريّ، وفي تأسيس جهاد البناء، وفي تأسيس التعبئة- في تنمية الطاقات الشعبيَّة، وإبرازها، وظهورها؛ أي الطاقات والموارد البشريَّة في البلاد. والحال أنّكم أنتم الشباب، لم تشهدوا، ولم ترَوا ذلك الزمان. أمَّا الأكبر سنًّا منكم، فيعلمون أنّه كان يَفِدُ علينا الأطبّاء من الفليبّين والهند وما شاكل، وليس في القرى والمناطق النائية، بل حتّى في المدن القريبة جدًّا، كان يأتينا أطبّاء من الفليبّين مثلًا. بلدٌ كان عاجزًا إلى هذا الحدّ في موارده البشريَّة، نراه اليوم، قد نهض، وتطوّر إلى درجةٍ أصبح موازيًا لتلك الدُّوَل في مجال الصحَّة هذا، وقُطبًا جاذِبًا للعلاج في المنطقة. تتفجّر المواهب والطاقات الإنسانيّة، وفجأة، تشاهدون [أيضًا] أنّه في المجالات العلميّة الفلانيّة النادرة في العالَم، تحتلّ البلاد المرتبة الرابعة أو الخامسة في العالَم، بين أكثر من مئتَي بلد! هذه هي السيادة الشعبيَّة. السيادة الشعبيَّة تُنتِج إحياء المواهب والطاقات. عندما يدخل الشعب إلى الساحة ويشارك، وعندما تُمنَح الثقة به، ويجري الاهتمام به، ستكون هذه هي النتيجة. سوف تحيا مشاعر الثقة الوطنيّة بالنفس عند الشعب. عندها، سوف يتقدّم الناس في الميادين العلميّة، وفي الميادين الصناعيّة، وفي العلوم الحديثة، وفي التأثير السياسيّ في المنطقة. هذا كلّه ناتجٌ من وجود الشعب، ومشاركته، وتأثيره في أحداث البلاد، وبذلك يكتسب البلدُ والشعبُ العظمةَ»[1].

3. استقطاب الشعوب

تُعَدّ السيادة الشعبيَّة الدينيَّة نظريّة لتشكيل الدولة وبنائها في قبال النظريّات السياسيّة الأخرى المطروحة في الأوساط الفكريّة، وهذه النظريّة يتطلّع إليها شعوب العالم المستضعَف؛ يقول الإمام

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/02/2018م.

 

 

36


28

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

الخامنئيّ (دام ظله): «لقد انجذب الناس والمنظِّرون في العالم إلى فكرة سيادة الشعب الدينيَّة التي طُرِحَت في الأوساط العالَميّة. ففي قبال المدارس المختلفة، كالليبراليّة والشيوعيّة والفاشيّة وما شاكلها، أنزل الإمام الخمينيّ العظيم فكرة سيادة الشعب الدينيَّة إلى الساحة، واستقطب بها الشعوب والخواصّ من النخب في جميع أنحاء العالم»[1].

4. المواءمة بين الدين والحياة

تدعو السيادة الشعبيَّة الدينيَّة إلى المواءمة بين الدين والحياة، بين الجانب الروحيّ والجانب المادّيّ في شخصيّة الإنسان؛ يقول سماحته (دام ظله): «في مقابل عقم الغرب في استخراج الأفكار الجديدة وتوليدها -إذ إنّه بعد النزعة الإنسانيّة، والمدارس التي نشأت منها والفلسفات الوليدة، والناشئة من النّزعة الإنسانية الغربيّة، لم يقدّم الغرب أيّ إنتاجٍ فكريّ أو فكرٍ جديد للبشريّة والحياة الإنسانيّة- فإنّ الجمهوريّة الإسلاميَّة لديها إنتاجٌ فكريّ، إنّ لدينا كلامًا جديدًا في ما يتعلّق بالقضايا الروحيَّة للإنسان وقضاياه الاجتماعيّة وقضايا الحكومة، إلَّا أنّ الكلام الجديد، إذا قيل، لا يعني أنّه سيقبل به العالم كلّه، بل معناه أنّه يوجد تيّارٌ جديدٌ وسط هذه البحيرة الفكريّة البشريَّة العظيمة يلقي بأمواجه.

نحن اليوم، على صعيد القضايا السياسيّة نقدّم السيادة الشعبيَّة الدينيَّة، وعلى صعيد القضايا الاجتماعيّة العامّة نعرض ابتناء الحضارة على المعنويّات، وفي المجالات المختلفة نعرض كرامة الإنسان وامتزاج الدين والحياة، فهذه كلماتٌ جديدة ولم تكن في العالم من قبل، حتَّى قبل عصر المادّيّة والنزعة الإنسانيّة الغربيّة وهيمنة الأفكار العلمانيّة، لم يكن الدين متوائمًا ومتلازمًا مع الحياة أبدًا»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/03/2017م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/08/2012م.

 

37


29

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

الانتخابات في السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

1. من الواجبات

إنّ نظام السيادة الشعبيَّة الدينيَّة يعتمد على الانتخابات الحرّة النزيهة؛ لذا، تُعَدّ المشاركة في الانتخابات واجبًا على الشعب، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «الانتخابات ليست حدثًا عابرًا، بل حدث مؤثّر. لذلك، علينا أن نمعن النظر فيها. إنّ الانتخابات من أركان النظام المهمّة. نظام السّيادة الشعبيَّة الدينيَّة يعتمد على الانتخابات. لن يكون هناك سيادة شعبيّة من دون انتخابات. المعيار هو الرجوع إلى الناس، الانتخابات معيار مشهود وملموس وقابل للقياس والمحاسبة. لذلك، على كلّ من يعتقد بالنظام الإسلاميِّ، صادقًا في اعتقاده هذا، أن يعدّ مشاركته في الانتخابات واجبًا من واجباته، وإن كان لديه اعتراضٌ على أمر ما على الانتخابات، على طريقة إجرائها، لكن مع وجود اعتراضه، يشارك في ساحة الانتخابات؛ هذا واجبٌ وتكليف. لذلك، فإن جميع الذين يشاركون في هذه العمليَّة من أنحاء البلاد كافّة، يقومون بتأدية هذا الواجب والتكليف، ويعلنون عن إدراكهم الصحيح والسليم»[1].

الانتخابات قوّةٌ واقتدار

تُعَدّ الانتخابات مفخرة الشعب الإيرانيّ في نظريّة السيادة الشعبيَّة الدينيَّة أمام كلّ الناس، يقول سماحته (دام ظله): «إنّ سيادة الشعب الدينيَّة ترتكز على ركنَين: أحدهما رأي الناس والانتخابات. ونحن، بفضل الانتخابات، نتباهى، ونفتخر أمام العالَم. وأمّا الأعداء، فإنّهم يتجاهلون الانتخابات، ويرشقونها بالتهم، قمعًا للشعب الإيرانيّ

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2012م.

 

38


30

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

وللجمهوريّة الإسلاميَّة؛ وهذا يدلّ على مدى أهمِّيَّة الانتخابات[1]. فهي مدعاة للعزّة الوطنيّة، وتقوية الشعب الإيرانيّ، وصيانة سمعته وكرامته. إنّ الانتخابات ظاهرةٌ تمنحُ القوّةَ والاقتدار.

من جملة المباني والشعارات المطروحة من قِبَل الإمام، كانت مسألة السيادة الشعبيَّة؛ أي أن يكون اختيار حاكميّة البلد في يد الشعب، أن يختار الناس ما يريدون في جميع ميادين الحياة. أحدُ شعارات الإمام كان إيمان الشعب بذاته وثقته بنفسه؛ أي إنّه كان يقول للشعب، ويكرّر: «إنّكم تستطيعون»، «إنّكم قادرون»؛ في العلم، والصناعة، والأعمال الأساسيّة، وفي إدارة البلاد، وإدارة القطاعات المهمّة في البلاد، في الاقتصاد وغيره، أنتم قادرون على الاعتماد على أنفسكم! كانت هذه جاذبيّات شخصيّة الإمام التي استطاعت أن تجذب الشباب، فجاء الشباب والتحقوا بثورة الإمام، وانتصرت الثورة»[2].

تجسيدٌ كامل للحرّيّة

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ إجراء الانتخابات في النظام الإسلاميِّ يثبت أنّ الدّين تجسيدٌ كامل للحرّيّة والديمقراطيّة وإجراء 27 دورة انتخابات طوال 41 عامًا يُثبت اهتمام النظام الإسلاميِّ الاستثنائيّ بالسيادة الشعبيَّة»[3].

بين سيادتنا الشعبيَّة الدينيَّة و«سيادتهم»

1. أُطُر إلهيّة وأخرى ظالمة

إنّ الغرب يناقض الفطرة الإنسانيّة، ويناقض إدراك الإنسان

 

 


[1]  يردّ سماحته على الهاتفين «هيهات منّا الذلّة!» قائلًا: التفتوا! إذا كان لا بدّ من قولكم: هيهات، فيجب أن تهتفوا: هيهات من عدم الانتخابات!

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2012م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2012م.

 

39


31

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

السليم، ويسعى لإنتاج أفكار خياليّة غير واقعيّة، بخلاف السيادة الشعبيَّة الدينيَّة التي تدعو إلى احترام الفطرة الإنسانيّة، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في التمييز بين الفكر الغربيّ وأطروحة السيادة الشعبيَّة الدينيَّة: «إنّ الغرب أُطُرهم أطرٌ ظالمة؛ فلو اعترض شخص ما على أسطورة الهولوكوست، وقال: إنّني لا أتقبّل هذه الفكرة، سوف يقومون بسجنه وإدانته، لماذا تقوم بإنكار حادثة تاريخيَّة خياليّة! حتّى ولو لم تكن حادثة خياليّة، وكانت حادثة واقعيّة، هل يُعدّ إنكار حادثة تاريخيّة واقعيّة جرمًا؟ لو كانت هذه الحادثة غير واضحة، أو غير ثابتة لشخص ما، وقام بإنكارها أو الشكّ فيها، سوف يقومون بسجنه! الآن في الدول الأوروبيّة التي تدّعي الحضارة، لو اعترض شخص ما أو شكّ أو لم يتقبّل هذه الفكرة ستقوم المحاكم بإدانته؛ في هذه الظروف يقومون علنًا بإهانة النبيّ الأعظم، هذه الشخصيّة البارزة على مرّ التاريخ. يقومون بالإساءة إلى مقدّسات مليار ونصف المليار مسلم. لا يحقّ لأحد الاعتراض، وقول: لماذا قمت بارتكاب هذا الفعل؟

انظروا إلى هذه الأطر الخاطئة والمفتضحة. أطرهم تقول: لو ارتدتِ امرأة الحجاب في الجامعة أو محيط العمل تعتبر مجرمة! هذا هو إطار آخر، لكنّه إطار خاطئ ومنحرف، يناقض الفطرة الإنسانيّة، ويناقض إدراك الإنسان السليم. أطرنا هي الأطر الإلهيّة: نحن نعارض الفساد، نعارض الفحشاء، نعارض أنواع الانحرافات الإنسانيّة، وَفقًا لما علّمتنا إيّاه شريعتنا وديننا. نحن نعتقد بوجوب الوقوف في وجه هذه الانحرافات، يجب أن تكون سبل حياتنا نابعةً من الإسلام والقرآن والإلهام والوحي الإلهيَّيْن. هذا هو إطارنا. هذه هي السيادة الشعبيَّة الدينيَّة، والتي نعدّها نموذجنا»[1].


 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2012م.

 

40


32

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

2. شعبٌ حاضر وآخر غائب

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في تظهير دور الشعب الإيرانيّ الحرّ والمقاوم في الحكم تمييزًا له من باقي الشعوب الأخرى: «لاحِظوا اليوم مثلًا، كيف أنَّ البلد الفلانيّ التابع لأمريكا، والذي يبيع في اليوم الواحد عشرة ملايين برميل نفط، وتوجد في خزينته الأموالُ الطائلة، لكنّه بلدٌ فقيرٌ ومتخلِّفٌ، ولا اسم ولا ذكر للشعب في ذلك البلد، ولا دور له أبدًا! الشيء البارز في ذلك البلد هو عددٌ من الطواغيت على رأس الحكم، ولا أثر للشعب، ولا خبر عن ذلك البلد في أيّ مكانٍ من العالم؛ بأنّ الشعب الفلانيّ فعل الشيء الفلانيّ، أو قام بالحركة الفلانيّة، والإنجاز الفلانيّ. أمّا عندما تتوافر السيادة الشعبيَّة الدينيَّة، ففي النظرة العامّة التي يلقيها العالَم على إيران، يجد أنَّ الشعب بارزٌ وذو دور أساسيّ. لذلك، فإنَّ عداء الأعداء موجّهٌ ضدّ الشعب. الأمريكيّون، الذين يُعادوننا حاليًّا، لا يُعادُون شخصِي أنا الحقير، أو أشخاصًا عدّة من رجال السياسة والحكم، بل يُعادون الشعب. فالشعب هو «الكلُّ بالكلِّ» هنا، وكلُّ ما يغيظهم ويغضبهم هو أفعالُ الشعب، وعظمةُ الشعب»[1].

السيادة الشعبيَّة أَحَدُ عوامل استعداء الجمهوريّة الإسلاميَّة

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ كلّ ناظرٍ يشعر ويرى أنّ سعي الأعداء في مواجهة الجمهوريّة الإسلاميَّة في هذه السنوات الأخيرة، لا سيّما في السنوات التي مضت، وبالأخصّ في السنتين الأخيرتين، قد تضاعف. برأيي، يوجد عاملان أو ثلاثة مؤثّرة. لو أنّنا نعلم من أين تنشأ دوافع العدوّ، لكنّا أدركنا مسؤوليَّتنا في التخطيط بنحوٍ أفضل. برأيي، إنّ من أسباب هذه العداوات هو كلّ هذا التطوّر منكم، أي

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/02/2018م.

 

41


33

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

إنّهم يريدون إبطاء هذا التطوّر كُلَّه. إنّ الجمهوريّة الإسلاميَّة بدعوتها للإسلام والسيادة الشعبيَّة الإسلاميَّة، ورفض الليبراليَّة الديمقراطيَّة بصورةٍ استدلاليَّة تمثّل خطرًا بالنسبة إلى التشكيلات الاستكباريّة في العالم، وكلّما تقدّمتم يزداد هذا الخطر بالنسبة إليهم، وهم يريدون الوقوف في وجهه.

نموذج السيادة الشعبيَّة الدينيَّة مجهول بالنسبة إلى العالم، وفي المقابل تنشط اليوم ملايين وسائل الإعلام ضدّ الجمهوريّة الإسلاميَّة»[1].

مشكلة العالم معنا تتمثّل في دعوتنا الدينيَّة

يعارض الغرب الدعوة الدينيَّة الداعية إلى إحياء القيم الإنسانيّة والإلهيّة، وتطبيقها في المجتمعات الإنسانيّة، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ مشكلة العالم تكمن في بروز الدعوة الدينيَّة. أقصد بالعالم، هذه الأجهزة التي تتحكَّم بالعالم؛ قوام هؤلاء وهويّتهم الإغارة على الإنسان، توجيه الضربات للإنسانيّة، للقيم الإنسانيّة، من أجل تحصيل اللذائذ المادّيّة. عندما تؤسّسون في مواجهة هؤلاء دولةً تميل للمعنويّة، وتدافع عن القيم الإلهيّة والإنسانيَّة؛ إذ إنّ روح القيم الإنسانيّة وقالبها ومضمونها هي هذا الأمر، من الطبيعيّ أن تُواجَهَ باعتراضات. في مواجهة هذه الاعتراضات، يجب الاستناد إلى قوّة معيّنة. هذه القوّة ليست قوّة السلاح المادّيّ والقنبلة النوويّة وما شابه ذلك؛ هذه القوّة، هي القوّة المعنويّة؛ الاتّكال على الله»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/08/2012م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/08/2012م.

 

42


34

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

لا قيمة لنظامٍ بلا منهجٍ ثوريّ!

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «انتبهوا إلى أنّ النظام يتعرّض لحملات هائلة. حين قلت: إنّ علينا أن نعرف موقعنا ومكاننا، أن ندرك القضيّة بشكل صحيح. أصل المسألة هو هذا: أنتم وسط ميدانٍ يتعرّض للهجوم، هناك حملات كبيرة، يجب أن تستشعروا هذه الحملة، يجب أن تعرفوا الطرف المقابل؛ وهكذا يتمّ تحديد تكاليفنا جميعًا. لا قيمة للنظام من دون المسار والنهج الثوريّ. حقًّا لا قيمة له! إن لم يَسِرْ النظام على النهج الثوريّ، فلن يصل إلى تلك الآمال والمُثُل، ولن يتحرّك لتحقيقها، وعندها، لن يختلف عن الأنظمة السابقة في تاريخ البلاد، ولن يكون له أيّ قيمة»[1].

عودوا إلى الإسلام الأصيل

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ أهمّ واجباتكم في المرحلة المقبلة أنْ حافظوا على التزامكم بالشريعة الإسلاميَّة التقدّميّة من دون أن تقعوا في الجمود والتحجّر، واعرفوا كيف تكونون مستقلّين من دون أن تنزووا، وكيف تتطوّرون من دون أن تكونوا تابعين، وكيف تمارسون الإدارة العلميّة من دون أن تكونوا علمانيّين ومحافظين. تجب إعادة قراءة التعاريف وإصلاحها. الغرب يقترح عليكم نموذجين: «الإسلام التكفيريّ» و«الإسلام العلمانيّ»، وسوف يواصل التلويح بذلك كي لا يقوى ساعد التيّار الإسلام الأصوليّ العقلانيّ المعتدل بين ثورات المنطقة.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2012م.

 

43


35

السيادة الشعبيَّة الدينيَّة

أعيدوا تعريف هذه الاصطلاحات مرّة أخرى وبدقّة. إذا كانت «الديمقراطيّة» بمعنى الشعبيَّة والانتخابات الحرّة في إطار أسس الثورات، فلتكونوا جميعًا ديمقراطيّين. وإذا كانت بمعنى السقوط في شراك الليبراليّة الديمقراطيّة التقليديّة المتخلّفة فلا يكن أحد منكم ديمقراطيًّا»[1].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2012م.

 

44


36

الوحدة الإسلاميَّة

الوحدة الإسلاميَّة


تمهيد

لا يمكن لمجتمع أو حضارة أن يستقيم أمره إلّا بهويّة فكريّة تعبِّر عن ذاتها، بها تنطلق إلى كافّة الحضارات، لتعلن عن شخصيّتها، وهذا الأمر لا يتمّ إلّا باجتماعها على ركن وثيق يمثّل وحدتها، فالتشرذم والتشتُّت الحضاريّ هو تعبير آخر عن زوال الهويّة؛ ومن ثمّ زوال الحضارة.

من هنا، تُعَدّ قيمة الوحدة بين أفراد الحضارة الواحدة قيمةً تشكّل إحدى أهمّ البنى التحتيّة لتشكُّل القيم، وتكون بذلك مساعي أعداء الحضارة متوجِّهةً، بالدرجة الأولى، نحو تشتيت الاتّصال بين طوائف الأمّة والحضارة الواحدة وأفرادها.

ومن هنا، تُطرَح قيمة الوحدة الإسلاميَّة، إذ يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «القواسم المشتركة بين المسلمين أكثر من نقاط الافتراق والاختلاف. النقطة الأخرى هي: إذا تقرَّر طرح القيم الإسلاميَّة كقيم حاسمة في العالم، تجتذب قلوب الناس، ويحصل على أساسها تغيير معيَّن في حياة المسلمين، فينبغي الحفاظ على الوحدة بين المسلمين. في ظروف التمزُّق والعداء والحروب الطائفيّة، لا يمكن للمسلمين أن يتمتَّعوا بالوحدة.

لا نُوصِي فِرَقَ العالم الإسلاميِّ بالتخلّي عن عقائدهم الخاصّة

 

45


37

الوحدة الإسلاميَّة

واعتناق عقائد فرقة أخرى، لكنّنا نقول لكلّ المسلمين: إنّ المساحات المشتركة بيننا أكبر وأهمّ من مساحات الاختلاف. أعداؤنا يشدِّدون على مواطن الاختلاف، ونحن على العكس منهم، يجب أن نعزِّز مواطن الاشتراك، ولا نَدَع للعدوّ بتفرّقنا ذريعةً يجد بموجبها مناطق الضغط في جسد الأمّة الإسلاميَّة»[1].

معنى الوحدة الإسلاميَّة

إذا أردنا البحث عن الجامع المشترك بين المسلمين، وما يُعَبَّر عنه بالوحدة الإسلاميَّة، فإنّنا قد نصطدم بالدرجة الأولى باختلافاتهم الطائفيّة والفكريّة في ما بينهم. وعليه، لا يمكن للتوافق الطائفيّ أن يكون مدعاةً لتحقيق الوحدة، بل «ليس المراد منها ذوبان جميع المذاهب في مذهب واحد. بعضهم يرفض المذاهب من أجل بلوغ الاتّحاد بين المسلمين. رَفْضُ المذاهب لا يعالج مشكلة. الاعتراف بالمذاهب يعالج المشكلات. ليمارس كلّ واحد من المذاهب الموجودة مهمّاته الطبيعيّة في منطقته، ولكن ليحسّنوا علاقاتهم في ما بينهم»[2].

ولا نعني بالوحدة الإسلاميَّة «أن يتخلّى المسلمون عن مذاهبهم، ويعتنقوا مذهبًا آخر ويعملوا به. لا، ليس هذا المراد. حين ندعو للوحدة، لا نقصد أنّ الفِرَق الإسلاميَّة -شيعيّة وسنّيّة- أو الفِرَق داخل التشيُّع والتسنُّن، مرغمة ومضطرة للتخلّي عن عقائدها، لتنتمي إلى عقيدة ثالثة أو عقيدة الطرف المقابل. هذا أمر يعود إلى تحقيق الشخص نفسه وبحثه ودراسته، وهو تكليفه بينه وبين الله. ليس هذا موضوعنا. موضوعنا هو أنّنا نروم القول لكلّ المسلمين -من شيعة وسُنَّة- ونذكّرهم: بأنّ لكم نقاط اشتراك ونقاط افتراق. أنتم متشاركون

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/06/1989م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/05/1376هـ.ش.

 

46


38

الوحدة الإسلاميَّة

في أمور تفكِّرون وتعملون فيها بنحو واحد، وثمّة أمور أخرى لكلّ فرقة فيها طريقتها ومنهجها الخاصّ. المسألة أوّلًا هي أنّ نقاط الاشتراك أكثر من نقاط الافتراق. فالمسلمون كلّهم يؤمنون بإله واحد، وقبلة واحدة، ونبيّ واحد، وأحكام، وصلاة، وصوم، وزكاة، وحجّ.

لا تجدون اثنَين من المسلمين لا ينهضان للصلاة عند الصباح، إلّا إذا لم يشأ المسلم العمل بتكليفه، وإلّا فجميع مسلمي العالَم يعتقدون بوجوب الصلاة عند الصبح والظهر والعصر والعشاء، ومن المستحَبّ أداء صلاة الليل عند منتصف الليل. كلّ المسلمين في العالم يعتقدون أنّ الصلاة يجب أداؤها باتّجاه الكعبة، وبلغة القرآن وآيات القرآن.

حينما يحلّ شهر رمضان، يصوم جميع المسلمين، إذا علموا أنّه اليوم الأوّل من رمضان، إلّا مَن يريد أن يفسق ولا يعمل بواجبه، وإلّا فجميع مسلمي العالَم يعتقدون بهذه الأمور… نحن نقول: يا مسلِمي العالَم، أينما كنتم مِن العالَم، إذا عرفتم أعداءكم وأصدقاءكم، فسوف يختلف واقع حياتكم عمّا هو عليه اليوم. أنتم اليوم تعانون مِنَ الشتات والضعف والتخلُّف. البلدان الإسلاميَّة فقيرة وتابعة وأسيرة غالبًا. أعداء الإسلام يريدون إقصاء الإسلام بالقوّة عن البلدان الإسلاميَّة. قلوب جميع المسلمين مع الله والإسلام. إنّهم يحبّون الإسلام. السياسات والقوى العالَميّة الكبرى تحاول، بوساطة الحكومات العميلة، إبعاد الجماهير عن الإسلام. إذا كنتم مع بعضكم وتركتم الخلافات والشجار، ولم توظّفوا طاقاتكم -وهي عنصر هائل يمكن استخدامه لتحسين شؤون دينكم ودنياكم- ضدّ بعضكم، فلن تتحقَّق أهداف الأعداء القذرة.

ليتّحد المسلمون مع بعضهم، ولا يعادي أحدهم الآخر. لا نقول: ليدخل سُنَّة العالَم في التشيُّع، أو ليتخلّى شيعة العالَم عن

 

47

 

 


39

الوحدة الإسلاميَّة

معتقداتهم. طبعًا، إذا حقَّق السنّيّ أو أيّ شخص آخر وبحث، فيجب عليه العمل وفقًا لعقيدته وتحقيقه، مهما أصبحَت عقيدته. أمرُه يعود إلى الله. كلامُنا في أسبوع الوحدة، وكرسالة للوحدة، هو أن يتّحد المسلمون، ولا يعادوا بعضهم. والمحور هو كتاب الله وسُنَّة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) والشريعة الإسلاميَّة. ليس هذا كلامًا سيّئًا. إنّه كلامٌ يوافقه كلُّ عاقل مُنصِف حَسَن النيّة»[1].

وعليه، يظهر أنّ حقيقة الوحدة التي ينبغي أن تشكّل النظام الجامع بين أفراد المجتمع والأمّة الإسلاميَّة، هي اجتماع القوى والطاقات على اختلاف طوائفها ومذاهبها، في سبيل القيام الحضاريّ بالأمّة، وفي سبيل مواجهة العدوّ الذي يهدف إلى تَخلِيَة جسد الأمّة وروحها من طاقاتها وإمكاناتها.

بعبارة أخرى، «نحن بكلامنا هذا، لا نريد القول طبعًا: إنّ على الشيعة أن يصبحوا سُنَّة، أو على السنَّة أن يغدوا شيعة، ولا أن نوصي الشيعة والسنَّة بالكفّ عن العمل العلميّ لتعضيد معتقداتهم في حدود قدراتهم. بل العمل العلميّ جيّد جدًّا، ولا إشكال فيه. ليؤلِّفوا الكتب العلميّة في المناخات العلميّة، وليس المناخات غير العلميّة وبأساليب سيّئة وخاطئة.

إذًا، لو استطاع شخصٌ إثبات منطقه، فيجب علينا ألّا نعرقل عمله... إذا اتّحَدَت الأمّة الإسلاميَّة في قضاياها الرئيسيّة، بسكّانٍ يصلون لمليار ونصف المليار نسمة، فلكم أن تلاحظوا أيّة قوّة عظيمة ستظهر في العالَم. أمّا إذا تضعضعَت الوحدة الوطنيّة، فسيكون الحديث عن وحدة العالَم الإسلاميِّ كلامًا أُسطوريًّا يضحك منه الجميع. بعضهم يريدون إشاعة هذه الحالة»[2].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 11/10/1989م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 26/03/2000م.

 

48


40

الوحدة الإسلاميَّة

الوحدة الإسلاميَّة مقابل مؤامرات العدوّ

نهض أعداء الإسلام، بعدما رأوا ما يحتويه الإسلام وبلاد الإسلام من مقدّرات وطاقات، للحؤول دون قيام تجمُّع بشريّ حضاريّ يمثّل قوّة الإسلام الإلهيّ ومنعته، فسعوا بشتّى الأسلحة لمنع اتّحادهم. وفي تاريخنا الحاضر، يتميّز العدوّ بمميّزات لم تكن موجودة من قبل، «إنّه متسلِّح غاية التسلُّح بالمال والسياسة والإعلام وأنواع أدوات التأثير والنفوذ وتوجيه الضربات. مَن هو عدوّ الإسلام؟ إنّه جبهة الاستكبار، من الصهيونيّة إلى أمريكا، إلى الشركات النفطيّة، إلى الكُتَّاب المأجورين والمثقَّفين الذين يعملون لها. إنّها جبهة مدجَّجة بالسلاح، من أقصى العالم إلى أقصاه. لم تكن الجبهة المعادية للإسلام متسلّحة ومجهَّزة بكلّ المعدّات والأدوات كما هي اليوم… ماذا سيفعل هذا العدوّ؟ أفضل وسيلة يمتلكها العدوّ هي أن يزرع الخلاف بين المسلمين، وخصوصًا بين الأجزاء التي بوسعها إلهام سائر المسلمين وتوفير النموذج لهم»[1].

الوحدة الإسلاميَّة ليست شعارًا خاويًا

يحلو لبعضهم أن يصوّر الوحدة الإسلاميَّة بأنّها شعار سياسيّ خاوٍ لا جوهر له، وهذا في الواقع مجانب للصواب، إذ إنّنا بمجرَّد أن نقف على العمق الحضاريّ للإسلام، والحاجة الماسّة لتشكيل الحضارة الإسلاميَّة، وما تتطلّبه من تكاتُف حقيقيّ وواقعيّ بين المسلمين، نعرف أنّ شعار الوحدة يبتني على أصول حقيقيّة؛ ولذلك، كانت توصيات الإمام الخامنئيّ (دام ظله) تصبّ في هذا المجال، حيث يقول: «توصيتي للإخوة المسلمين هي أنّ الاتّحاد بين المسلمين ضرورة حيويّة للمسلمين في الوقت الراهن. إنّه ليس مزاحًا أو شعارًا. ينبغي

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/08/1995م.

 

49


41

الوحدة الإسلاميَّة

للمجتمعات الإسلاميَّة أن تعيش مع بعضها حالة اتّحاد الكلمة بحقّ، وتتحرَّك وتسير بشكل متواكب. الوحدة طبعًا أمرٌ معقَّد. خَلْقُ الاتّحاد عمليّة معقَّدة. الاتّحاد بين الشعوب الإسلاميَّة ممكنٌ مع اختلاف المذاهب، ومع اختلاف أساليب الحياة وتقاليدها، ومع اختلاف الآراء الفقهيّة. معنى الاتّحاد بين الشعوب الإسلاميَّة هو أن تتحرَّك باتّجاهٍ واحد في القضايا الخاصّة بالعالم الإسلاميِّ، وتتعاون في ما بينها، ولا تستخدم إمكاناتها وأرصدتها ضدّ بعضها... قضيّة الاتّحاد بين المسلمين قضيّة جدّيّة، وينبغي التعاطي معها بجدّ. كلّ يوم يتأخّر فيه تحقيق هذه القضيّة، يخسر فيه العالَم الإسلاميِّ يومًا كاملًا، وبعض هذه الأيّام حسّاسة إلى درجة أنّها تؤثّر في عمرٍ بكامله. يجب أن لا تسمحوا بتأخُّر هذه القضيّة»[1].

الثورة في إيران ثورة إسلاميّة لا ثورة شيعيّة

منذ انطلاقة الثورة، ركّز الإمام الخمينيّ (قدس سره)، ومِن بعده الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، على أنّ حقيقة هذه الثورة أنّها تنبع من الأصول والركائز الإسلاميَّة، التي ينبغي لأيّ حضارة إسلاميّة القيام عليها. لذا، كان أعداء الثورة يسعون في طريق تهديمهم لأُسُس الثورة، إلى بَثّ الفرقة، الذي يؤدّي إلى نفور باقي الطوائف عن الثورة الإسلاميَّة. «العدوّ يريد نشوب النـزاع بين الفرق الإسلاميَّة في أسبوع الوحدة؛ الوحدة بين الأمّة الإسلاميَّة. خصوصًا بعد انتصار الثورة الإسلاميَّة، أراد العدوّ الفصل بين إيران الثورة الإسلاميَّة وسائر الشعوب. يتمنّى من الله أن يُقال في العالَم الإسلاميِّ: «هؤلاء شيعة وثورتهم شيعيّة، لا علاقة لها بنا نحن السنّة». قال الشعب الإيرانيّ منذ مطلع الثورة: نعم، نحن شيعة موالون لأهل بيت الرسول، لكنّ هذه الثورة ثورةٌ إسلاميّة، قامت

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/08/1995م.

 

50


42

الوحدة الإسلاميَّة

على أساس القرآن والتوحيد والإسلام الخالص الأصيل، وعلى أساس الوحدة والأخوّة بين كافّة المسلمين. هذا ما قاله شعبنا منذ البداية، ونادى به إمامُنا. لا تدعوا لهذه الوحدة أن تتشوَّه»[1].

القطب الجامع للمسلمين

إذا أردنا البحث عن القطب الجامع للمسلمين، والذي يحقِّق وحدتهم، فإنّنا نجد إلى جانب الأصول العَقَديَّة المشتركة، والتي يكون على رأسها التوحيد، شخصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله). فإنّ شخصيّته محلّ تقديس من كافّة المسلمين، وهو أمرٌ جامعٌ بينهم، لا يختلفون عليه. وفي هذا الصدد، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «المهمّ لنا نحن المسلمين، هو أن نضاعف معرفتنا بالإسلام والرسول الأكرم. من المآسي الكبرى في العالم الإسلاميِّ اليوم، مأساة التفرقة والانفصالات، ويمكن لشخصيّة الرسول المقدَّسة أن تكون محور الوحدة في العالم الإسلاميِّ، فهو العقيدة التي يحملها الجميع، والبؤرة التي تجتمع فيها عواطف الناس كافّة. ليس لنا نحن المسلمين قطبٌ بهذا الوضوح والشموليّة، كما هي شخصيّة الرسول المقدَّسة؛ الشخصيّة التي يؤمن بها المسلمون، وتهفو قلوبهم ومشاعرهم نحوها بوشائج عاطفيّة ومعنويّة. هذا هو أفضل قطب للوحدة.

من واجب علماء الإسلام والمستنيرين المسلمين والكُتّاب والشعراء والفنّانين في العالم الإسلاميِّ اليوم، أن يرسموا للمسلمين وغير المسلمين شخصيّة النبيّ الأكرم، وأبعاد عظمة هذه الشخصيّة الكبرى، في حدود قدراتهم. هذا شيء سيساعد على اتّحاد الأمّة

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/09/1991م.

 

51


43

الوحدة الإسلاميَّة

الإسلاميَّة والنهضة والاندفاع نحو الإسلام، الذي يُشاهَد اليوم لدى الأجيال الشابّة من الأمّة الإسلاميَّة»[1].

من هنا، جعل الإمام الخمينيّ (قدس سره) ولادة النبيّ (صلى الله عليه وآله) محطّةً لنشر قيمة الوحدة الإسلاميَّة، عبر فكرة «أسبوع الوحدة». وكانت بالفعل خطوة ذكيّة، تقف مقابل خطط الأعداء، وهي «صدقة جارية» حسب تعبير الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، حيث يقول: «من الصدقات الجارية للثورة، والتي جاءت ببركة الذهن الواعي للإمام الراحل(قدس سره) ، هو إعلان أيّام ولادة النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله) أيّامًا للوحدة الإسلاميَّة. هذه القضيّة لافتة من زاوية أنّ الوحدة الإسلاميَّة تمثّل أحد المطامح والآمال. بعضهم يحملون هذا الأمل حقًّا، وبعضهم يذكرونه كلقلقة لسان، لا أكثر.

على كلّ حال، لا بدّ لهذا الطموح من سبيل عمليّ. ما من طموح يمكن أن يتحقَّق بدون مساعٍ وجهود. وحينما نفكّر في السُّبُل العمليّة لهذا الهدف والطموح، نجد أنّ من أفضلها وأكبرها الشخصيّةَ العظيمةَ في عالم الخلقة؛ أي الكيان المبارك للرسول الكريم، واستقطابه لعواطف عامّة المسلمين وعقائدهم»[2].

الوحدة الإسلاميَّة أوّل طرق العزّة الإسلاميَّة

العزّة الإسلاميَّة تعني، في أحد معانيها، عدم التبعيّة، الاستقلال، وهذا الأمر يتّضح بعدما نعرف أنّ سُبُل الاستعمار تبدأ من خلال تفريق القوى المختلفة وتشتيتها، بغية السيطرة عليها. لذلك، يكون رفع شعار الوحدة بين المسلمين إحدى الضرورات التي تُمليها حاجة بناء الحضارة، عبر تمكين عزّتها الداخليّة، في مقابل مَن يريد استغلالها. يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «الذين يرفعون شعار الاتّحاد والوحدة

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/06/2000م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/08/1995م.

 

52


44

الوحدة الإسلاميَّة

والأخوّة بين المسلمين، ليسوا أعداء المسلمين، بل هم أصدقاؤهم، ويريدون لهم الخير، ويطمحون لعزّة جميع المسلمين في العالم. ما فائدة أن يقف المسلمون من مختلف المذاهب في وجه بعضهم، ويوجِّهوا الضربات لبعضهم، ويأتي العدوّ فيحاصر كِلا الطرفَين، ويضرب رأسًا برأس، ثمّ يتفرَّج عليهما وينتفع من خلافاتهما؟ هل هذا حَسَن؟... اتّحاد المسلمين سيُكسِب العالَم الإسلاميِّ العزّة. هناك مليار إنسان في العالَم، لهم عقيدة واحدة حول الله، والرسول، والصلاة، والحجّ، والكعبة، والقرآن، والكثير من الأحكام الدينيَّة، وهناك اختلافات قليلة بينهم؛ فهل من المعقول أن يركِّزوا على هذه الاختلافات القليلة ويتقاتلوا، كي يُتاح لِمَن يعارض الله والرسول والدين وكلّ شيء، تمرير مشاريعه؟!»[1].

ويقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في مكان آخر: «الأمّة الإسلاميَّة اليوم بحاجة إلى الوحدة من أجل حياتها وشموخها ونجاتها ورفعها راية الإسلام. الوحدة لها الأولويّة على كافّة الضرورات والأمور المهمّة، فهي مقدَّمة عليها. لماذا لا نفهم ضرورة الاتّحاد بين المسلمين؟! هناك مسؤوليّة ثقيلة على كواهلنا، والفترة فترة حسّاسة. إذا استطاع الأعداء احتلال هذه المنطقة بالقوّة، سيتأخّر العالَم الإسلاميِّ مئة سنة أخرى، كما حصل له في عهد الاستعمار، وسوف يزداد البَون بينه وبين العالَم المتحضِّر الصناعيّ مئة سنة أخرى.

نحن مَن يجب أن يتحمّل المسؤوليّة، نحن المسؤولون اليوم. الحكومات، والنخب، والشخصيّات الثقافيّة والدينيَّة هي المسؤولة اليوم. كلّنا مسؤولون حيال وحدة العالم الإسلاميِّ. وحدة الأمّة الإسلاميَّة، واتّحاد المسلمين، وعدم تضخيم الذرائع الصغيرة، كان

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/10/1990م.

 

53


45

الوحدة الإسلاميَّة

دومًا من أهمّ ما قاله إمامُنا الكبير (قدس سره)، منذ ما قبل انتصار الثورة، وحتّى الفترة الأخيرة من حياته. ونحن نرى اليوم ونفهم أنّها كانت توصيةً جدّ حكيمة وصائبة»[1].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/05/2004م.

 

54


46

العدالة الاجتماعيّة

العدالة الاجتماعيّة


أهمِّيَّة بحث القيم

تعيش أيّ حضارة في العالم والتاريخ على ثلاثة أركان رئيسة، تشكّل هرم بنيتها الثقافيّة: القاعدة المتمثّلة بالرؤية الكونيّة والفلسفيّة التي تفسّر الوجود، ورأس الهرم هو النظام العمليّ والسلوكيّ الفرديّ والاجتماعيّ الذي يكون متوافقًا مع الرؤية للعالم، وبين القاعدة والرأس توجد طبقة مهمّة هي طبقة القيم. ونقصد بالقيم، الأمور والأفكار التي تحكم محيط السلوك، وهي الحُسن والقبح. فمن أمثلة الرؤية الكونية: القول بوجود مبدأ للعالم ومعاد، ومن أمثلة السلوك: حرمة شرب الخمر، ومن أمثلة القيم: حُسن العدل وقبح الظلم.

وبحث القيم كان من الأبحاث التي شغلت مفكِّري العالَم عبر التاريخ، ويقع على رأس هذه القيم التي نالت اهتمام المفكِّرين، قيمةُ العدالة. «العدالة كانت هَمَّ البشر عبر التاريخ، وعلى الدوام. وتبعًا للشعور بالحاجة إلى العدالة، التي شملت جميع الناس على مرّ التاريخ وإلى يومنا هذا، دخل مفكّرو البشريَّة والفلاسفة والحكماء في هذه المقولة، وأضحَت مورد اهتمامهم. لذا، تمّ البحث بشأن العدالة والعدالة الاجتماعيّة، من الأزمنة القديمة وإلى يومنا هذا، بهذا المعنى العامّ، وقُدِّمَت النظريّات»[1].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

55


47

العدالة الاجتماعيّة

أمّا الأديان، فقد كانت قضيّة العدالة فيها تشكّل ركنًا أساسيًّا في تبليغ أمر الله تعالى. والأنبياء -كما يصوّرهم القرآن الكريم- كانوا دعاة عدل وإزالة ظلم طواغيت عصرهم. لذلك، نجد في التاريخ النظريّ والعمليّ للعدالة، أنّ «دور الأديان كان دورًا استثنائيًّا؛ أي إنّ ما ذكرته الأديان عبر الأزمنة حول العدالة، وأرادته واهتمَّت به، كان منقطع النظير واستثنائيًّا. ومثل هذا الاهتمام الذي أَوْلَتْه الأديان، لا نشاهده في آراء الحكماء والعلماء»[1].

أنواع العدالة في الإسلام

في الإسلام، لا تنحصر العدالة ضمن مفهوم واحد، بل لها امتدادات في شتّى الميادين. فهناك ثلاثة أنحاء من العدالة بشكل عامّ:

1. العدالة التي تُبحَث في علم الأخلاق، ويُقصَد بها التوازن بين قوى النفس ومَلَكاتها، هي رأس الأخلاق؛ لأنّ المَلَكات لها طَرَفا تفريط وإفراط، والعدالة فيها هي المطلوبة. إلّا أنّ هذا المفهوم ليس محلّ كلامنا هنا؛ لأنّنا نبحث عن قيمة العدالة الاجتماعيّة.

2. العدالة التي يبحثها الفقه، هي مَلَكة راسخة تبعث على ملازمة التقوى، من ترك المحرَّمات وفعل الواجبات، وهي أيضًا ليست محلّ البحث هنا.

3. العدالة الاجتماعيّة، والتي تعني تشييد أُسُس الإنصاف في شرائح المجتمع الإسلاميِّ وطبقاته، هي محلّ بحثنا هنا في القيم.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في التفريق بين هذه الأمور: «... العدالة بين الإنسان ونفسه، والتي لا ربط لها بالعدالة الاجتماعيّة. في القرآن تكرّر ظلم النفس في آيات عديدة. حسنًا، الظلم هو النقطة المقابلة

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

 

56

 


48

العدالة الاجتماعيّة

للعدل. في دعاء كميل نقرأ «ظَلَمْتُ نَفْسِي»[1]، في المناجاة الشعبانيّة الشريفة نقول: «قَدْ جرْتُ عَلَى نَفْسِي في النَّظَرِ لَهَا، فَلَهَا الوَيْلُ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَهَا»[2]. الذنوب والزلّات والسعي وراء الشهوات واتّباع الأهواء والابتعاد عن الذكر والخشوع لربّ العالمين هو ظلمٌ للنفس. وهذا يُعَدّ ميدانًا مهمًّا. حين نقوم بالبحث في باب العدالة -العدالة في العلاقات الاجتماعيّة، وفي تشكيل النظام الاجتماعيّ- لا يمكننا أن نغفل العدالة مع النفس. فلا ينبغي أن نظلم أنفسنا، بل أن نعاملها بالعدالة. والنقطة المقابلة لـِ «قَدْ جرْتُ عَلَى نَفْسِي» هي هذا العدل؛ فلا نجور، بل نعدل. لو أنّ الله تعالى وفّقَنا أن نجتنب هذا الظلم، فإنَّنا عِبادَ الله، لدينا أملٌ كبير في أن نُوَفَّق، إن شاء الله، بإقامة العدل في المجتمع»[3].

ضرورة الأصالة في البحث النظريّ حول العدالة الاجتماعيّة

إذا أردنا أن نستخلص رأي الإسلام في أيّ قيمة، ومنها العدالة الاجتماعيّة، فلا بدّ لنا من مراجعة المتون والمصادر الأصيلة، كالقرآن والأحاديث وسيرة المعصومين. لذلك، فإنّ أوّل ما يجب التوجُّه إليه عند البحث في العدالة، هو أصالة البحث من الجهة الإسلاميَّة.

يشير الإمام الخامنئي (دام ظله) إلى ذلك بقوله: «لهذا، في المرحلة النظريّة والتنظير، يجب أن نتوجَّه إلى المصادر الإسلاميَّة، ونحصل على النظريّة الأصيلة في باب العدالة من المتون الإسلاميَّة. واعتمادي في هذه النكتة على أنّنا لا نريد أن نستخرج نظريّة أو ننتجها من خلال

 

 


[1]  الكفعميّ، إبراهيم بن عليّ العامليّ‏، البلد الأمين والدرع الحصين‏، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات‏‏، لبنان - بيروت، 1418هـ، ط1، ص188.

[2]  ابن طاووس، عليّ بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة في ما يُعمَل مرّة في السنة، تحقيق وتصحيح: جواد قيّومي الأصفهانيّ، نشر مكتب الإعلام الإسلاميِّ‏، إيران - قم، 1418هـ، ط1‏، ج3، ص296.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

57


49

العدالة الاجتماعيّة

التجميع والتركيب من النظريّات المختلفة للمفكّرين والحكماء الذين تحدّثوا في هذا المجال؛ أي إنّنا في هذه القضيّة، يجب أن نحترز تمامًا من الالتقاط... في القرآن والحديث ونهج البلاغة والمدوّنات الفقهيّة والكلاميّة والحكميّة، يوجد أبحاث كثيرة، يمكن لجميعها أن تمثّل مصدرًا مفيدًا لاكتشاف النظريّة الإسلاميَّة الأصيلة... بالطبع، كغيرها من الموارد المختلفة، يمكن للتعرُّف على آراء الآخرين أن يعيننا في فهم المتون الإسلاميَّة. وهذا الأمر واردٌ في جميع المجالات، وفي الأبحاث الحقوقيّة والفقهيّة أيضًا.

حين نتعرّف على رأيٍ أجنبيّ، ويتّسع ذهننا بطريقة صحيحة، فإنّنا سنستفيد بشكل أفضل وأكمل من مصادرنا الإسلاميَّة، والأمر هنا كذلك. لكن ينبغي أن نكون ساعِين نحو الوصول إلى النظريّة الإسلاميَّة الأصيلة، وأن نحترز من الالتقاط.

وبالطبع، من البديهيّ أنّ سبب قولنا: بأنّ النظريّة الإسلاميَّة ينبغي أن تكون خالصةً وأصيلةً، هو أنّ قضيّة العدالة مبنيّة على الأُسُس والمباني لمعرفة الوجود وعلم المعرفة والأركان الأساسيّة؛ وإذا أردنا أن نعتمد على النظريّات الغربيّة -والتي هم عمدتها- فإنّنا نكون في الواقع، قد اعتمدنا على المباني الفلسفيّة التي لا نقبلها ولا يمكننا قبولها، وهي الآراء المتعلِّقة بمعرفة الوجود»[1].

العبوديّة هدف العدالة في الدين

يصوّر القرآن الكريم أنّ دعوة الأنبياء لم تكن منفصلة بتاتًا عن العدالة الاجتماعيّة، بل إنّ القرآن قد جعل العدالة أحد أهداف رسائل الأنبياء، وذلك في قوله:

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

58


50

العدالة الاجتماعيّة

﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ﴾[1]. يفسّر الإمام الخامنئي (دام ظله) الآية فيقول: «وبالقطع، إنّ هذه الآية تحكم بأنّ هدف إرسال الرسل وإنزال الكتب ومجيء البيّنات -أي الحجج المتقنة التي لا تقبل الشكّ ممّا عَرَضَه الأنبياء، الكتاب يعني منشور الأديان فيما يتعلّق بالمعارف والأحكام والأخلاقيّات، والميزان يعني ما يحدّد ويضع المعايير- هو القيام بالقسط، ﴿لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ﴾»[2].

وممّا ينبغي الالتفات إليه في تفسير دعوة الأنبياء للعدالة، أنّهم لم يكونوا دُعاة عدالة على مستوى واحد، بل كانت دعوتهم للعدالة تنبثق من عمق الدين الشامل للدنيا والآخرة. لذلك، كانت العدالة طريقًا لتحقيق الغاية القصوى التي لأجلها خَلَق اللهُ الخَلْقَ، وهي العبوديّة. يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في هذا المجال: «لا شكّ بأنّ القيام بالقسط وكلّ ما يتعلّق بالحياة الدنيويّة والاجتماعيّة والفردية للنّاس، هو مقدّمة لذاك الهدف المتعلِّق بالخَلق: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾[3]؛ أي إنّ العبوديّة هي في الأساس هدف الخلقة، وصيرورة الإنسان عبدًا لله، حيث إنّها تُعَدّ أعلى الكمالات»[4].

سيرة الأنبياء مع المظلومين

لم يكتفِ الأنبياء، كما بعض المفكِّرين، ببيان أصول النظريّة الإلهيّة للعدالة، بل سعوا جاهدين عمليًّا لإحقاق العدالة. لذلك، كانوا مجاهدين لطواغيت عصرهم، يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «كانوا على مرّ التاريخ إلى جانب المظلومين، فقد جاهدوا عمليًّا من

 

 


[1]  سورة الحديد، الآية 25.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

[3]  سورة الذاريات، الآية 56.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

59


51

العدالة الاجتماعيّة

أجل العدالة. لاحِظوا، لقد صرّح القرآن الكريم بأنَّ الأنبياء يواجهون الطواغيت والمترفين والملأ، حيث إنّ هؤلاء جميعًا من الطبقات الظالمة... فالمترفون يقفون مقابل الأنبياء، ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ﴾[1]. فما نجد من نبيٍّ إلّا وكان في مقابله مترفون، وكان النبيّ يحاربُهم، وهكذا كان حال الملأ الذين هم الممسكون بالقدرة والسلطة. والطاغوت له معنى يشمل جميع هؤلاء. لذا، فإنّ الأنبياء كانوا دائمًا إلى جانب المظلوم في الصراع بين الظالم والمظلوم، فكانوا ينزلون إلى الميدان من أجل العدالة ويحاربون، وهذا ما لا نظير له. لقد تحدّث الحكماء حول العدالة، ولكنّهم، في كثيرٍ من الأوقات، كانوا كالعديد من المفكّرين المختلفين، الذين يكتفون بالكلام، ولكنّهم لا ينزلون إلى الميدان حين يحين دور العمل... لم يكن الأنبياء هكذا، بل كانوا ينزلون إلى الميدان ويعرّضون أنفسهم للخطر، حتَّى عندما كان المترفون يقولون لهم: لماذا تقفون إلى جانب الطبقات المظلومة؟ ويطلبون منهم الانفصال عن هذه الطبقات وأن يواجهوهُم. فالآية الشريفة: ﴿وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِيٓ أَنفُسِهِمۡ إِنِّيٓ إِذا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[2]، والتي تتحدّث عن جواب النبيّ نوح لمعارضيه، هي في هذا المجال أيضًا. لهذا، أولئك الذين كانوا محرومين من العدالة، كانوا أوّل من يؤمن بالأنبياء أيضًا»[3].

العدالة ونهاية العالم

سعى كثيرٌ من المفكِّرين وفلاسفة التاريخ إلى البحث عن الصورة النهائيّة للعالَم. وبعضهم كان ذا فكر تشاؤميّ، يسعى إلى التنظير لنهاية مأساويّة للعالَم، بينما نجد أنّ الأمل بتحقيق العدالة في العالم هو الأمر الذي يصوِّره القرآن وجميع الأديان، يقول الإمام الخامنئي (دام ظله):

 

 


[1]  سورة سبأ، الآية 34.

[2] سورة هود، الآية 31.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

60


52

العدالة الاجتماعيّة

«جميع الأديان تتّفق على أنّ نهاية هذه الحركة التاريخيّة العظيمة هي نهايةٌ مليئةٌ بالأمل بالعدل؛ أي إنّها تقول بشكل قاطع: إنّه سيأتي عصرٌ يكون عصر العدل، وهو عصر استقرار الدين الكامل. وقد جاء في الدعاء الذي يُقرَأ بعد زيارة آل ياسين: «يَملَأُ اللهُ بِهِ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا»[1] أو «عَدْلًا وَقِسْطًا»[2]، -حيث تختلف في مواضع عديدة- «كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا»[3]... فالأنبياء جميعُهُم، والأديان كُلُّها، والنبوّات جميعُها أشارت إلى هذه النهاية، وأكّدَت عليها، وأصرَّت وقالت: إنَّها في طور التحرُّك نحو ذلك. لذا، فإنّه في المبدأ وفي المسير وفي المنتهى، كان اعتماد النبوّات على العدل، وهذا ما لا نظير له»[4].

سلّم القيم والعدالة

في البحث حول القيم، لا بدّ من الالتفات إلى أنّ هذه القيم ليست على حدٍّ سواء في ما بينها، بل هناك قيم محكومة لقيم أخرى، وقيم حاكمة. ولذلك، حين تتعارض قيمتان في حالة واحدة مثلًا، لا بدّ من تحكيم النظر لمعرفة الأولويّات القيميّة لأيّ جهة تصبّ؛ فالسلام مثلًا قيمة؛ لأنّ الحرب خروج عن الطبيعة، وليست مرغوبة في نفسها، لكن إذا تعارضت قيمة السلام مع العدالة، أيّهما نقدِّم؟ فلو وُضِعْنا بين خيارَي الظلم أو الحرب، أيّهما نختار؟ هل نقول: السلم قيمة يجب أن نقدّمها على العدل، فنقبل بالظلم لأجل السلم؟

بالطبع، الإسلام يعدّ العدالة قيمةً لا تُقَيَّد بشيء، وليست محكومةً لأيّ قيمة أخرى، بل هي التي تقيِّد وتحكم القيم الأخرى. يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «السلام ليس قيمةً مطلقةً، هو قيمة نسبيّة. ففي بعض

 

 


[1]  الهلاليّ، سليم بن قيس‏، كتاب سليم بن قيس الهلاليّ‏، تحقيق وتصحيح الأنصاريّ الزنجانيّ الخوئينيّ، نشر الهادي‏، إيران - قُمّ‏، 1405هـ، ط1، ج2، ص567.

[2]  سليم بن قيس، كتاب سليم بن قيس، ج2، ص775.

[3]  المصدر نفسه، ص567.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

61


53

العدالة الاجتماعيّة

الأماكن، يكون السلام جيّدًا، وفي أماكن أخرى، يكون السلام سيّئًا، والحرب جيّدة. لكنّ العدالة ليست كذلك، فالعدالة قيمة مطلقة؛ أي إنّنا لا نجد مكانًا تكون العدالة فيه سيّئة»[1].

 

منشأ قيمة العدالة في الإسلام

ثَمَّ سؤال عند علماء المعرفة، يشكّل نقطة مركزيّة، وهو: ما هو منشأ القيم؟ من أين تنشأ قيمة العدالة؟ والإسلام، تبعًا لرؤيته الكونيّة المبنيّة على التوحيد، يرى أنّ الله تعالى الذي هو محور الوجود، هو أساس النظام القيميّ. بتعبير آخر، يجب على القيم أن تترتَّب على وفق الحقّ والألوهيّة. فالله تعالى خَلَق العالم على صورة الحقّ والحكمة، والنظام التشريعيّ والقيميّ يجب أن يكون تابعًا للنظام التكوينيّ؛ أي يكون نابعًا من الحقّ كذلك؛ هذا من حيث المنشأ. وأمّا من حيث التنفيذ، فليست قيمة العدالة من القيم التي يمكن التهاون بها، فالإسلام لا يرضى أن يقول العبد: أنا أُسقِط حقّي في العدالة، لا أمانع بقبول الظلم. لا، فهذه المسألة تندرج في النظام الفقهيّ الحقوقيّ في الإسلام، تحت عنوان «الوجوب».

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «... ففي الإسلام تنشأ العدالة من الحقّ... وبالإضافة إلى هذا، يوجد في العدالة «الوجوب»؛ أي إنّ التوجُّه نحو العدالة في الإسلام يُعَدّ وظيفةً إلهيّة، في حين أنّ الأمر في المذاهب الغربيّة ليس كذلك. في المذاهب الغربيّة، تُطرَح العدالة بأشكالٍ مختلفة -ففي الاشتراكيّة بنحو، وفي الليبراليّة بنحو آخر- مع التطوّرات كُلِّها والأشكال المختلفة لهذه المذاهب، وفي هذه المذاهب جميعِها، لم يكن النظر إلى العدالة نظرًا بنيويًّا وأساسيًّا ومبنيًّا على القيم الأصوليّة، كما هو الحال في الدين والإسلام»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

62


54

العدالة الاجتماعيّة

ارتباط قيمة العدالة بالرؤية الكونيّة

إنّ القيم، في أيّ حضارة، تُبتَنى على الرؤية الكونيّة. لذلك، فإنّ من الأمور التي تحقِّق الانسجام في النظريّة الإسلاميَّة حول العدالة، والتي تحمي الباحِثين من الانزلاق إلى الالتقاط في الفكر، هو الحرص على ربط العدالة بمناشئها العقائديّة. وفي هذا المجال، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ الاعتقاد بالمبدأ والمعاد في قضيّة العدالة له دورٌ أساسيّ ينبغي أن لا نغفل عنه. فينبغي أن لا نتوقّع استتباب العدالة في المجتمع بمعناها الحقيقيّ، بدون أن يكون هناك اعتقاد بالمبدأ والمعاد. فأينما انعدم هذا الاعتقاد، تصبح العدالة كشيءٍ مفروض وإجباريّ، لا أكثر. وهذا هو السبب في أنّ بعض الأطروحات الغربيّة الجميلة في باب العدالة، لم تتحقّق مطلقًا؛ لأنَّها لم يكن لديها ركائز اعتقاديّة. الكلام جميل -على الأقلّ في ظاهره، وإن لم يكن برهانيًّا كثيرًا- لكن في العمل في المجتمعات الغربيّة، في الحياة الغربيّة، لا خبر عنه ولا أثر. في الأساس، لا يشاهد المرء تحقُّقَه، بل إنّ ما هو موجود هو اللَّاعدالة المطلقة هناك. وسبب هذا أنّه لم يكن هناك ركيزة الاعتقاد بالمبدأ والمعاد فيه. فالاعتقاد بالمعاد، والاعتقاد بتجسُّم الأعمال، والاعتقاد بتجسُّم المَلَكات في القيامة، له تأثير كبير. أن نكون عادِلين ومطالِبين بالعدالة، ونمدح العدل، ونسعى لأجله، كلّ هذا سيتجسّم يوم القيامة. هذه هي النقطة المقابِلة (للغرب). هذا الاعتقاد يمنح الإنسان النشاط والطاقة. فليعلم الإنسان أيَّ بلاءٍ جلبَه على نفسه جرّاء سلوكه الظالم، بل حتّى فكره الظالم على صعيد تجسُّم الأعمال في القيامة، فمثل هذا يقرّبه إلى العدالة طبعًا»[1].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

63


55

العدالة الاجتماعيّة

اقتراحان لتقوية بحث العدالة نظريّاً

أوّلًا، يعدّ الإمام الخامنئيّ (دام ظله) الحوزةَ العلميّةَ والجامعةَ أساسَ الفكر الذي يتغذّى به المجتمع. ولذلك، عند السعي لإحداث أيّ تغيير بنيويّ في المجتمع، لا بدّ أن يكون المنطلَق هو الحوزة والجامعة، يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «أحد أهمّ الأعمال في الميدان النظريّ، هو أن نعرّف بحث العدالة في الحوزة وفي الجامعة، كفرعٍ علميٍّ محدَّد. وهذا ما ليس موجودًا اليوم، لا في الحوزة، ولا في الجامعة. فلا إشكال في أن نفرض في الحوزة أنّ أحد المواضيع التي يتمّ بحثها من قِبَل فقيهٍ أو أسلوب فقهيّ، قضيَّة العدالة... فما هو الإشكال في أن يكون في الحوزة العلميّة، أحد المجالات التي يتابعها الفقيه في درس الفقه الاستدلاليّ الذي يعطيه، قضيّة العدالة؟»[1].

ثانيًا، النظريّة التي تتشكّل من مفاهيم عامّة، قد تكون بعيدة عن ميدان التطبيق، إنْ لم تظهر شواخص تطبيقها. لذا، إلى جانب البحث النظريّ التأصيليّ للعدالة، من حيث المفهوم والركائز النظريّة، يجب وضع الشواخص العمليّة ومعايير التطبيق لهذه النظريّة في شتّى المجالات الاجتماعيّة. يشير الإمام الخامنئي (دام ظله): «إنّ أحد الأعمال النظريّة المهمّة التي ينبغي أن نقوم بها، هي أن نكتشف شواخص العدالة. حسنًا، إنّ الشواخص التي يطرحها الغرب اليوم، قابلة للقبول بشروط؛ فبعضها ليس شاخصًا بالمطلق، وبعضها شواخص ناقصة، وبعضها يمكن أن يكون شاخصًا في بعض الظروف. علينا أن نجلس ونكتشف، بشكلٍ مستقلّ، شواخص العدالة واستقرارها في المجتمع، وأحد الجوانب المهمّة للعمل هو هذا. بالطبع، يجب إنجاز الكثير في ساحة العمل، وأحدها أن نضع للعدالة معيارًا أساسيًّا في التشريع»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2011م.

 

64


56

العدالة الاجتماعيّة

الجهاد طريق العزَّة
تمهيد

الجهاد، في الرؤية الإسلاميَّة، يقوم على النشاط والعمل والمثابرة في مختلف المجالات، ولا يقتصر النشاط والعمل الجهاديّ على النشاط العسكريّ فقط؛ فمجالاتُ الحياة والعمل كُلُّها هي جهاد إسلاميّ، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «الجهاد يعني الحضور في ميدان المجاهدة مع السعي الهادف والإيمان. لهذا، قال الله تعالى: ﴿وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ﴾[1]؛ فالجهاد هو أن يرى الإنسان نفسه دومًا في ساحة النشاط والحركة والكفاح ضدّ العقبات والموانع والعراقيل، ويشعر بالواجب والالتزام. هذا هو الجهاد الإسلاميِّ»[2].

والمجالات التي ينبغي أن يكون الجهاد فيها فاعلًا هي المجالات المؤثّرة في المجتمع والناس والوطن، يقول سماحته (دام ظله): «إنّ الحضور الجهاديّ في المجالات المختلفة، خصوصًا في المجالات المؤثّرة، أحد عوامل النجاح والتقدّم. والعمل الجهاديّ يعني عدم التعب في مواجهة الصعوبات والحواجز، والإيمان بالمسير والحركة على أساس الفكر والمنطق. إنّه ذلك السعي مقابل عدوّ ما أو خصم ما»[3].

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 41.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/06/2010م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/01/2017م.

 

65


57

العدالة الاجتماعيّة

قيمة الجهاد

1. تيّارٌ بقيادة الحسين (عليه السلام)

قيمة الجهاد في سبيل الله ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالشخصيّة الجهاديَّة القدوة التي تقود هذه المسيرة، وتتقدّم أمامها، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ قيام سيّد الشهداء (عليه السلام) هو الذي حفظ الإسلام، كذلك فإنّ هذه الحادثة ازدادت حيويّةً ونضارةً يومًا بعد يوم، على مرّ القرون. وازدادت مراسم إحياء هذه الحادثة في الوقت الراهن، بالمقارنة بما قبل مئة سنةٍ -حيث لم يكن لتديّن الناس، بحسب الظاهر آنذاك، معارضون كمعارضي اليوم- حرارةً وجاذبيّةً وحماسةً واتّساعًا. هذا كلّه له معناه. هذا كلّه يدلّ على حقائق، وعلى تيّارٍ يسير ويتقدّم حاليًّا في العالَم، بقيادة الحسين بن عليّ (عليه السلام)، وسوف يتقدّم أكثر، إن شاء الله، وسيكون فتحًا للآفاق وحلًّا لعقد مشاكل الشعوب»[1].

2. بابٌ من أبواب الجنّة

يقول سماحته (دام ظله) في شرح خطبة الإمام عليّ (عليه السلام)في نهج البلاغة حول الجهاد: «عندما يقول الإمام عليّ(عليه السلام) في نهج البلاغة: «إِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَتَحَه الله لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِه»[2]، فما معنى ذلك؟ معناه أنّ شبابكم وشهداءكم وأعزّاءكم من خاصّة أولياء الله، حيث استطاعوا اجتياز هذا الباب. لماذا يعدّ الله تعالى هؤلاء خاصّة أوليائه؟ لأنّه لو لم يكن هذا الجهاد، لبقي الشعب ذليلًا متأخِّرًا ضعيفًا خاضعًا للعسف على الدوام»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/09/2017م.

[2]  الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص69، الخطبة 27.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/05/2009م.

 

66


58

العدالة الاجتماعيّة

3. ثروةٌ ثقافيّة قيّمة

الإمام الخامنئي (دام ظله): «إنّ الإيمان يُحيي في الإنسان روحَ الجهاد والرغبةَ في الجهاد، وهذه بذاتها قيمة ثقافيّة، إنّها قيمة ثقافيّة كبرى، هذا أوّلًا، والإيمان بالصمود في وجه المتسلّط قيمةٌ ثقافيّة أيضًا. فالاعتقاد بأنّنا لو صمدنا وثبتنا، فإنّنا في نهاية المطاف سوف ننتصر على العدوّ لا محالة، قيمةٌ ثقافيّة وثروةٌ ثقافيّة. لذا، فإن روحيّة الجهاد والمقاومة لدى أيّ شعب، من مصادر الاقتدار؛ لذلك، فهؤلاء الأعداء يواجهون روحيّة الجهاد والمقاومة»[1].

4. أُسُّه الإيثار

الجهاد هو التعالي عن النظر إلى الذات، والنظر إلى تحقيق الهدف الأسمى، وهو الدعوة إلى سبيل الله تعالى، يقول سماحته (دام ظله): «يجب أن يكون الجهاد مصحوبًا بالإيثار، وإلّا لَمَا كان جهادًا. معنى الجهاد هو التجاوز عن الذات وغضّ الطرف عنها. فلماذا أغضُّ الطرف عن ذاتي؟ إنّه الإيمان بالمعاد الذي يجعل هذا الأمر منطقيًّا وعقلانيًّا. حينما نؤمن أنّه ما من عمل سوف يذهب سُدًى، بل ستُحفظ الأعمال جميعُها، وسوف نراها في حياتنا الحقيقيّة، الآخرة ﴿وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ﴾[2]. عندها، لو خسرنا هنا شيئًا في سبيل أداء التكليف والواجب، فلن نشعر بالخسارة حتَّى لو كان ذلك الشيء هو أرواحنا أو أحبَّاءَنا وأبناءَنا»[3].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 06/03/2017م.

[2] سورة العنكبوت، الآية 64.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/12/2010م.

 

67


59

العدالة الاجتماعيّة

5. جوهره الإيمان

الإمام الخامنئي (دام ظله): «إنّ الجهاد حراكٌ نابعٌ من عقيدة وقناعة قلبيّة وإيمان وتوظيف للطاقات والقدرات. إذا توفّر ذلك الإيمان وتلك القناعة القلبيّة»[1].

6. مستقبل الشعوب

إنّ الجهاد يدعو الشعب إلى الاعتزاز والقوّة والثبات، ويدفعه إلى النموّ والرشد، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ الشيء الذي يقوّي الشعب من الداخل، هو هذا الجهاد. لن نصل إلى أيّ نتيجة بالوهن والتراخي، ولن نكسب أيّ مرتبة في مضمار السباق بين الشعوب، مع الرضوخ للتعسُّف والهيمنة»[2].

ويشير سماحته: «الجهاد في سبيل الله، هو ما يحقّق الرشد والنموّ للشعب، ويمنحه الضراوة والتوثّب، والحركيّة والأمل، ويتقدّم به إلى الأمام»[3].

7. لازمٌ على الدوام

يتحدّث الإمام الخامنئيُّ (دام ظله)، في معرض تفسيره لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ﴾[4] عن ديمومة الجهاد، وعدم توقّفه في زمن ومكان مُعَيَّنَيْن، يقول: «لا تسرْ وراءهم واحذرهم، ويقول في موضع آخر: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ﴾[5]. يقول تعالى «جاهد»، وليس «قاتل الكفَّار والمنافقين»؛

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/08/2019م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/05/2009م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/11/2010م.

[4]  سورة الأحزاب، الآية 1.

[5] سورة التوبة، الآية 73.

 

68


60

العدالة الاجتماعيّة

لأنّ القتال ليس واجبًا ضروريًّا دومًا، ولكنَّ الجهاد ضروريّ ولازم على الدوام»[1].

ميادين الجهاد

1. الجهاد الكبير

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «إنّ الحرب العسكريّة غير متوقّعة حاليًّا، [أو فلنقل] إنّ احتمال اندلاع حربٍ عسكريّة تقليديّة في بلادنا حاليًّا، ضعيف جدًّا جدًّا، لكنّ الجهاد مستمرّ، الجهاد هو أمر آخر.

الجهاد لا ينحصر بالقتال فقط، الجهاد لا يقتصر على الحرب العسكريّة، وإنّما يشمل معنى أوسع بكثير. بين حالات الجهاد، ثمّة جهاد عبّر الله تعالى عنه في كتابه بـ«الجهاد الكبير» ﴿وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادا كَبِيرا﴾[2]، كما في سورة الفرقان المباركة، وقوله: ﴿بِهِۦ﴾ يعني بالقرآن، ﴿وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ﴾؛ أي جاهدهم بالقرآن ﴿جِهَادا كَبِيرا﴾.

التفتوا جيّدًا أيّها الشباب الأعزّاء! لم تكن في مكّة حربٌ عسكريّة، ولم يُكلَّف النبيّ والمسلمون بشنّ حربٍ عسكريّةٍ فيها، والمهمّة التي كانوا يقومون بها مهمّة أخرى، وهي التي أمر الله تعالى بها في هذه الآية الشريفة قائلًا: ﴿وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادا كَبِيرا﴾. فما هي تلك المهمّة الأخرى؟ هي عمل آخر؛ إنّها الصمود والمقاومة وعدم التبعيّة: ﴿فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادا كَبِيرا﴾.

إنّ عدم إطاعة الكفّار هو الذي عبّر الله تعالى عنه بالجهاد الكبير. وهذا التصنيف يختلف عن تقسيم الجهاد إلى جهاد أكبر وجهاد أصغر: فالجهاد الأكبر الذي يفوق أنواع الجهاد كلّها صعوبةً، هو

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/12/07م.

[2]  سورة الفرقان، الآية 52.

 

69


61

العدالة الاجتماعيّة

جهاد النفس؛ ذلك الجهاد الذي يحافظ على هويّتنا وباطننا. والجهاد الأصغر، هو مقاتلة العدوّ، ولكن، بين أقسام الجهاد الأصغر، هناك جهادٌ أطلق الله تعالى عليه «الجهاد الكبير»، وهو هذا الجهاد. ولكن، ماذا يعني «الجهاد الكبير»؟ يعني عدم إطاعة العدوّ والكافر والخصم الذي نواجهه في ساحة النزال، وماذا تعني الإطاعة؟ تعني التبعيّة. ولا يجوز الاتّباع في أيّ المجالات؟ في مختلف الساحات والميادين، التبعيَّة في مجال السياسة، في مجال الاقتصاد، في مجال الثقافة، في مجال الفنّ. فلا تتّبع العدوّ في شتّى الميادين والمجالات، هذا هو «الجهاد الكبير»[1].

2. أنواع أخرى

يقول سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله): «إنّ أحد أنواع الجهاد بالنفس هو أن تقضوا وقتكم من المساء وحتّى الصباح على مشروع تحقيقيّ أو بحثيّ من دون أن تلتفتوا إلى مرور الوقت. إنّ الجهاد بالنفس هو أن تضحّوا بأوقات ترفيهكم وراحة أجسامكم، وتعرضوا عن ذاك العمل الذي يدرّ الكثير من المال والمدخول وتقضوا وقتكم في هذا المحيط العلميّ والبحثيّ حتّى تستنبطوا حقيقة علميّة حيّة وتقدّموها كباقة ورد إلى مجتمعكم. هذا هو الجهاد بالنفس، وقسم صغير منه هو الجهاد بالمال»[2].

ويقول أيضًا: «يكون الجهاد أحيانًا بالنفس، وأحيانًا بالمال، وأحيانًا بالفكر، وأحيانًا برفع الشعارات، وأحيانًا بالنـزول إلى الشوارع، وأحيانًا بالحضور عند صناديق الاقتراع»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/05/23م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/06/2010م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/11/2010م.

 

70


62

العدالة الاجتماعيّة

وفي كلمة أخرى له (دام ظله) يحدّد فيها أنواع الجهاد وتفرّعه، فيقول: «الجهاد جهاد سياسيّ تارةً، وجهاد ثقافيّ تارةً أخرى، ومَرّةً جهاد ناعم، وأخرى جهاد صلب، وتارةً جهاد بالسلاح، وأخرى جهاد بالعلم؛ هذا كلّه جهاد»[1].

وفضَّلَ اللهُ المجاهدين

يشير الإمام الخامنئيّ (دام ظله) إلى فضل الجهاد في سبيل الله تعالى من خلال تفسيره للآية المباركة: «قال تعالى: ﴿وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيما﴾[2]، وهذا هو السبب الذي أدّى إلى أن يجعل الله تعالى للمجاهدين فضلًا ودرجة عالية. يجاهد بعضهم في هذه المدّة، ويوصلهم جهادهم هذا إلى المقامات العليا، ولا يبني لهم آخرتهم فحسب، بل يبني دنيا الآخرين ويصوغها ويقوّيها أيضًا. وعندها، فإنّ نصيب الجهاد ونصيب الشهداء، هو: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[3]. هكذا هي القضيّة؛ هذا كلام الله، وهذه هي بشرى الله بأنّ هؤلاء أحياء عند ربّهم، يحظون بلطف الله ورزقه، وهم في فرحة وسرور، ويقولون لي ولكم: إنّ المنزل الذي ستبلغونه إذا ما سرتم في هذا الطريق، لا خوف فيه ولا حزن: ﴿أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾. هذا هو الطريق»[4].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/12/2016م.

[2]  سورة النساء، الآية 95.

[3]  سورة آل عمران، الآيتان 169 - 170.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/06/25م.

 

71


63

العدالة الاجتماعيّة

ويؤكّد الإمام الخامنئيّ (دام ظله) ضرورة الحفاظ على أهل الجهاد وإكرامهم، فيقول: «المجاهدون الذين جاهدوا وكافحوا وناضلوا، فجُرِح بعضُهم، وتحمَّل بعضُهم الآخر مشكلات ومتاعب كبيرة، وصبروا. الكثير منهم لا يُلتفت إليهم، ولا يهتمّ بهم المجتمع. إنّ تضحية هذا المجاهد لا تختلف عن تضحية ذلك الشهيد، فكِلاهما توجَّهَ إلى جبهات القتال، لكنّ القذيفة التي انفجرَت لم تصب شظاياها هذا المجاهد، وأصابت ذاك؛ هذا هو الفرق بينهما فقط. وبالطبع، فإنّ الشهداء يحظون بلطفٍ خاصّ مِن قِبَل الله، وهذا اللطف لم يُمنَح بعدُ للذين لم يستشهدوا، وقد ينالون الشهادة لاحقًا؛ لقاء العناء الذي تحمّلوه، إذًا، للمجاهد قيمة الجهاد، وينبغي تثمين هذه القيمة، وتكريمها»[1].

عندما يكون جهادكم لله

إنّ العدوّ يعمل بوسائله وأساليبه كُلِّها ضدّ النظام الإسلاميِّ، إلّا أنَّه عجز، في النهاية، عن تحطيم هذا النظام الإسلاميِّ القويّ؛ لأنّه يقوم على الإيمان بالله سبحانه وتعالى، يقول سماحته (دام ظله): «إنّ الذين عملوا في سبيل الله، وجاهدوا، وبذلوا مساعيهم، بارك الله في عملهم. لذلك، استطاعت الثورة والنظام الإسلاميِّ الترسّخ في القلوب. انظروا اليوم كم ألف وسيلة إعلاميّة مرئيّة ومسموعة، وأنواع الوسائل الإعلاميّة وصنوفها بأحدث الأساليب تعمل ضدّ النظام. مئات الأدمغة والأفكار تجلس في الغرف السوداء وتبتكر كلّ يوم كلامًا أو شعارًا أو فكرة أو حيلة ضدّ هذه الثورة، لكنّهم عاجزون عن الإضرار بالثورة والنظام الإسلاميِّ. ما السبب في ذلك؟ متانة هذا البناء وصلابتُه بسبب قيامه على مبدأ الإيمان بالله. الذين ساروا في هذا الدرب إنّما قاموا بعمل إلهيّ»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/12/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/02/2010م.

 

72


64

العدالة الاجتماعيّة

بقاء الروح الجهاديّة

يؤكّد الإمام الخامنئيّ (دام ظله) ضرورة أن تبقى الروح الجهاديّة حيّة في وِجداننا وقلوبنا: «اجعلوا العمل والجهاد والروح الجهاديّة نصبَ أعيُنِكم، في جميع الميادين المتنوّعة لنشاطكم»[1].

وينبغي علينا إدراك أنَّ الجهاد وعد إلهيٌّ بالنصر، لا يمكن أن نُهزم إذا نصرنا الله سبحانه وتعالى، يقول سماحته: «واعلموا أنّ الجهاد في سبيل الله وعد إلهيّ بالنصر؛ فعندما تتحرّكون لله وفي سبيل الله ستصلون إلى النصر، ولا يمكن لأيّة قوّة أن تتغلّب عليكم. هذا وعد الله»[2].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/10/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 28/03/2011م.

 

73


65

الشهادة لقاء الله

الشهادة لقاء الله

إنَّ حضور الآخرة ضمن الرؤية الكونيَّة الإسلاميَّة له أهمِّيَّةٌ فائقة من عدَّة جهات، منها أنَّ عمل الإنسان وسعيه غير محدود بآفاق المادّة والطبيعة، بل تمتدُّ يد القيم لتشمل عوالم ما بعد الطبيعة، ولأجل ذلك لا يشكِّل الموت بالنسبة إلى الإنسان السائر على التوحيد إلَّا معبرًا لدخول العوالم الأرحب والأجمل.

هنا، تأتي قيمة الشهادة وبذل النفس في سبيل الله، وذلك أنّ الشهادة في سبيل الله وسيلة القرب إلى الله تعالى، وهبة إلهيّة خاصّة من الله سبحانه للإنسان الذي يمتاز بالشرف والعزّة الإنسانيّة، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ الشهادة في سبيل الله وحمل الأرواح على الأكفّ والتضحية في سبيل الله، هي قِمم الشرف الإنسانيّ»[1].

وفي كلامٍ له (دام ظله) يبيّن في منزلة الشهادة عند الله سبحانه وتعالى: «أنَّ الشهادة بذاتها هي وسيلة للقرب إلى الله، يحتاج الإنسان إلى ذخيرة عالية من القرب الإلهيّ للوصول إلى الشهادة. من دون هذه المقدّمة اللازمة، لن يصل أحدٌ إلى هذا المقام»[2].

ويقول (دام ظله): «الشهادة هبةٌ إلهيّةٌ خاصّةٌ بالخواصّ، وعظمة هذه المنزلة الرفيعة متناسبةٌ مع عظمة الإيثار الخالص، الذي يدفع بالشهيد إلى ساحة الجهاد، ويسقيه شهد الشهادة»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 15/08/2011 م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/08/2017م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/09/2017م.

 

75


66

الشهادة لقاء الله

عظمة الشهادة

1. تجارة مع الله

يشرح الإمام الخامنئيّ (دام ظله) معنى الشهادة، ويبيّن أنَّها تجارة رابحة مع الله سبحانه وتعالى، فيقول: «إنّ الشهادة تعني التجارة مع الله تعالى؛ تجارة ذات طرفين، لا قلق ولا خوف فيها مع الله المتعال. البضاعة فيها معلومة، وكذلك الثمن. البضاعة هي النفس، النفس التي هي الرأسمال الأساسيّ لكلّ إنسان في هذا العالم المادّيّ، هذه هي البضاعة، وهذا ما تقدّمونه أنتم. علامَ ستحصلون في المقابل؟ ستحصلون على السعادة الأبديّة، والحياة الخالدة في أفضل النعم الإلهيّة.

هذا وعد إلهيّ، فالله يعدكم ويقول: سأشتري منكم هذه البضاعة مقابل الجنّة؛ أي السعادة الأبديّة، سعادة ليست كالثلج هنا، تذوب لحظة بلحظة، لا بل هي البقاء الدائم والأبديّ، واللذّة الدائمة، والنعمة الدائمة؛ يأخذ منك هذا البدن الزائل، ويشتريه مقابل هذا الثمن، هذا وعد الله. هذا هو الوعد الحقّ الذي وعدكم الله تعالى به، وهو ليس مختصًّا بدينكم، بل جاء في الكتب السماويّة السابقة أيضًا: ﴿وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ﴾[1]، هذه هي الشهادة»[2].

2. موتٌ مربح

يشير سماحة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) إلى أنَّ الشهادة موت مربح لا خسارة، ولا ضياع فيه: «إنّ المهمّ في قضيّة الشهادة أن يستعدّ الشخص لحمل روحه على كفّه؛ لبذلها في سبيل الله، فمُضحُّونا، ومقاتِلُونا، والذين حملوا أرواحهم على أكفِّهم ومضوا، يتمتّعون جميعهم بهذه الفضيلة، لكنَّ الله تعالى يتفضّل أحيانًا على بعض

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 111.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/06/2017م.

 

76


67

الشهادة لقاء الله

الأشخاص تفضّلًا خاصًّا، فيمنحهم ثوابهم، ألا وهو الشهادة، نقدًا عاجلًا؛ لذلك تكون قيمتهم ومكانتهم مضاعفتَين أضعافًا عدّة؛ لأنّهم نالوا ثواب هذا الجهاد من الله تعالى نقدًا: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ﴾[1]؛ أي إنّ الله تقبَّل منهم أرواحهم، تقبَّل منهم هذا المتاع، ومنحهم، في المقابل، الجنّةَ. وهذه أرقى صفقة، وأعلى ربح.

إنّ أرواحنا هي الرصيد الذي سوف يذهب على كلِّ حال، شئنا أم أبينا، فما من أحد يستطيع الاحتفاظ بهذه الروح وهذا العمر الذي هو أثمن رصيدٍ لدى الإنسان، فهو موجودٌ لفترةٍ معيّنةٍ، ثمّ يؤخَذ منّا. يؤخَذ بأشكال متعدِّدة مختلفة، فقد يقع لشخصٍ ما حادثُ سَيرٍ في الشارع، ويموت بحادث سَير، وشخصٌ آخر يموت بالمرض، ولكنَّ هناك مَن يتاجر بهذه الروح مع الله. يتاجر بهذه الروح التي سوف تُؤخَذ منه على كلّ حال»[2].

3. قوّة غالبة

يقول الإمام الخامنئيُّ (دام ظله): «قال الإمام الخمينيّ الجليل: «الشعبُ الذي يعرف الشهادة، لا يعرف الأَسر». عندما تنظرون إلى التضحية في سبيل الله، على أنهّا فوزٌ عظيم، وتخوضون المخاطر من أجل الشهادة، ولا تخافون شيئًا، فلن تستطيع أيّ قوّة في العالَم الوقوف في وجهكم.

إنّ الغلبة والقدرة هما من نصيب الشعب والأمّة التي تؤمن بأنّها إذا ما تعرَّضت في هذا الطريق لخطر وأذى واستشهاد ومفارقة للدنيا،

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 111.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/02/2018م.

 

 

77

 


68

الشهادة لقاء الله

فإنّها ستكون الفائزة، وليست الخاسرة. والشعب الذي يتمتّع بهذه الروحيّة، وهذه العقيدة، لن يُهزَم، ولن يعرف الانكسار، وسيتقدّم إلى الأمام»[1].

4. تحرُّك بأمل

الشهادة تزرع في الإنسان الأمل، وترفع عنه اليأس والخوف والقلق، يقول الإمام الخامنئيُّ (دام ظله): «إنّه لأمر مهمّ أن لا يُصاب المجتمع بالخوف والحزن في مسيرة تقدّمه، وأن يسير ويتحرّك بأمل. هذه هي رسالة الشُّهداء لنا، وينبغي الاستماع إلى هذه الرسالة»[2].

شهداؤنا

1. أفراد مميّزون وبارزون

يشير الإمام الخامنئيُّ (دام ظله) إلى صفة الشهداء باعتبارهم مميّزين من بين أقرانهم من المجاهدين ومن عامَّة الناس، فيقول: «إنّ الذين ذهبوا وجاهدوا واستشهدوا، كانوا أفرادًا مميَّزين بارزين، ولا فرق بين أن تكون أعمارهم كبيرة أو صغيرة. ولو لم يكونوا مميَّزين، لَما مَنَّ الله تعالى عليهم بموهبة الشهادة. مجرَّد أن يكون الله تعالى قد مَنَّ على هذا الشابّ، أو هذا الحدث، أو هذا الرجل، أو هذا الكهل بالفوز بالشهادة في ميدان الجهاد في سبيل الله، فهذا دليلٌ على ميزة وسمة يتمتَّع بها؛ وحين يقرأ المرء أحواله وسيرته ووضعه، إذا كانت قد كُتِبَت بدقّة، يرى أنّ الأمر كما كان متوقَّعًا، فهناك مميّزات وعلامات بروز في حياته وتصرّفاته وكلماته وأقواله، يتعجَّب منها المرء بشدّة أحيانًا، يتعجَّب من مستوى الحكمة الرفيع لدى أصحاب هذه المراتب السامية العالية، ومن الكلمات التي يقولونها، ومن أقوالهم وما يصدر عنهم»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/12/2018م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/02/2015م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 30/09/2019م.

 

78


69

الشهادة لقاء الله

إنّ صفوة المحضر الإلهيّ وخاصّته يصلون إلى مقام الشهادة؛ أي إنّ ما أريد قوله، مضافًا إلى أنّ الشهادة بذاتها هي وسيلة للقرب إلى الله، فإنّ الإنسان يحتاج إلى ذخيرة عالية من القرب الإلهيّ للوصول إلى الشهادة. من دون هذه المقدّمة اللَّازمة، لن يصل أحدٌ إلى مقام الشهادة»[1].

2. خالصون من علائق الدنيا

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ شهداءنا الأعزّاء وجرحانا هم أشخاصٌ قطعوا علاقتهم القلبيّة برغباتِهِم الشخصيّة كُلِّها. إنّ هذا أمرٌ سهلٌ على اللسان. ولم يكن هذا القطع للعلاقة بالمال فقط، بل بالعواطف أيضًا. فالشهيد ينقطع بقلبه عن عاطفة الأمّ وظلّ الأب، وضحكة الطفل، وعشق الزوجة، ويتحرّك نحو أداء التكليف»[2].

3. عاشقون للجهاد

يبيّن سماحة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) صفة العشق للجهاد التي كان يتميّز بها الشهداء، وهذه الصفة التي تدفع الشابَّ المجاهد للذَّهاب إلى ساحات الجهاد كُلِّها في أيّ زمان ومكان، يقول سماحته (دام ظله): «إنّ الشابّ اليوم، الذي لم يشهد فترة الحرب، ولا فترة الإمام الخمينيّ، وليست لديه ذكريات عن ذلك الزمن، حين يعلم بأنّ هناك من يقاتلون الأعداء في مكان ما من الناحية الأخرى من المنطقة، وعلى بعد آلاف الفراسخ، سيعشق السير إلى ساحة الجهاد، وسينهض ويذهب إلى حلب، وإلى البوكمال، وإلى الزينبيّة، ويقاتِل ويستشهد»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/08/2017م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/10/2012م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/02/2019م.

 

80


70

الشهادة لقاء الله

4. يؤثرون على أنفسهم

ثقافة الشهادة هي ثقافة السَّعي والتَّضحية، وبذل النفس في سبيل الأهداف البعيدة الأمد، المشتركة بين جميع الناس، وهذه الأهداف النبيلة نابعة من الإنسانيّة، وينبغي تكريس هذا النوع من الشهادة حتَّى يصل المجتمع والشعب إلى مرحلة الإيثار والتضحية والعطاء، يقول سماحته (دام ظله): «إذا ما تكرّست هذه الثقافة لدى شعب لأصبحت في الجهة المقابلة تمامًا لثقافة النزعة الفرديّة السائدة في الغرب، والتي تقيس كلّ شيء بمعيار المصلحة الخاصّة والنَّفع الشَّخصيّ، وتقيّم كلّ شيء بمعيار ماليّ وقيمة العملات النقديّة، وكلّ هذا بهدف الحصول على المال والنفع المادّيّ. وهذا مناقض لثقافة ﴿وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ﴾[1]. فهؤلاء أفراد يعملون بالإيثار وبثقافة الإيثار والصَّفح والتَّضحية بالنفس من أجل مصير المجتمع والشَّعب. إذا ما انتشرت هذه الثقافة وعمّت، وإذا ما توفّرت لأيِّ بلد وأيِّ مجتمع فلن يتوقّف أبدًا، ولن يتراجع إلى الوراء، بل سيتقدّم إلى الأمام»[2].

5. لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إذا نزلنا إلى ساحة الكفاح -وهو ما يخافه أعداؤنا ويخشونه- فيجب أن نعلم أنّ الله سيُبعِد عنّا الخوف والحزن والقلق»[3].

6. يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم

يتحدّث الإمام الخامنئيّ (دام ظله) عن استبشار الشهداء في سبيل الله في معرض تفسيره لبعض الآيات القرآنيَّة التي تتحدَّث عن الشهادة

 


[1]  سورة الحشر، الآية 9.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/02/2015م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/02/2019م.

 

80


71

الشهادة لقاء الله

والشهداء، فيقول «إنّنا نعلم في ما يتعلّق بالشهداء، أنّهم راضون مسرورون فرحون، ﴿فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ﴾، وفوق ذلك ﴿وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم﴾؛ أي إنّهم يتحدّثون معنا ويخاطبوننا: ﴿أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[1]. هذا شيء مهمّ للغاية. يجب أن نوجد في أنفسنا هذه الأذن التي يمكنها أن تسمع نداء الشهداء الملكوتيّ، إنّهم يُبشّروننا ويخبروننا بأن لا نخاف ولا نحزن، ﴿أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾. فنحن نصاب بالخوف نتيجة حالات الضعف عندنا، ونعاني من الحزن، وهم يقولون لنا يجب أن لا نخاف ولا نحزن، فهم إمّا يتحدّثون عن أنفسهم أو عنّا -حسب الاختلافات الموجودة بشأن تفسير هذه الآية الشريفة- وهم ينفون الخوف والحزن، سواء في هذه النشأة أو تلك النشأة»[2].

مجاهدونا

1. يعيشون أجواء الإخلاص والصفاء والمعنويّة

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): أثناء فترة الدفاع المقدَّس، الذين كانوا يذهبون إلى الجبهات، ويبقون هناك مدّة من الزمن، عندما كانوا يريدون العودة إلى أجواء العائلة والمدينة، كانت أجواء المدينة ثقيلة على قلوبهم؛ أي إنّها، واقعًا، كانت تشكّل ضغطًا عليهم، بينما كانت أجواء الجبهة كالجنّة لهم. فهناك كانوا يعيشون حالة معنويّة وروحانيّة، وكانوا سعداء بالمعنى الروحيّ والمعنويّ للكلمة، وغارقين في ذكر الله؛ هكذا كانوا.

كان الشباب هناك يشعرون باللذّة حقًّا، وهم [يعيشون] تحت النيران والرصاص والقذائف والشظايا. وهذه من سمات التضحية

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 170.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/02/2015م.

 

 

81


72

الشهادة لقاء الله

والحضور في ساحة الكفاح من أجل الله والجهاد في سبيل الله. حينما كانوا يعودون إلى داخل المدينة، ويرون هذه العلاقات والنظم المُدُنيّة والعلاقات المختلفة السائدة في الأجواء، غالبًا ما كانوا يشعرون بالضيق وانقباض القلب، وكانوا يخبروننا بذلك. وهذا هو الواقع. والسبب هو أنّهم كانوا يعيشون، في الجبهات، أجواءَ الإخلاص والنقاء والصفاء والمعنويّة والجنان. وكان الوضع هناك مصداقًا كاملًا لـ ﴿لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[1]»[2].

2. يبكون لعدم التوفيق للشهادة

يشير سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله): «يبكي الشابّ من أبنائكم، ويتمنّى أن يُستشهد في سبيل الله. يتوسّل إلى أبيه وأمّه، ويقول لهما: لقد ذهبتُ وشاركتُ في العمليَّات، ولم أستشهد؛ لأنّكما لم تكونا راضيَين. فيتوسّل إليهما بأن يرضَيا؛ لكي ينال هو الشهادة. يقول لزوجته -وقد قرأتُ هذا في سيرة أحد الشهداء المدافعين عن المراقد المقدّسة- يقول لزوجته: إنّكِ لم تكوني راضيةً بأن استشهد، وإنّكِ لا تسمحين لي بالشهادة، فيتوسّل إلى زوجته بأن ترضى؛ لينال هو الشهادة. العالَم المادّيّ لا يفهم معنى هذا الكلام، ولا يُدركه، لكنّه موجود. وهذه الروح، وهذه العقيدة، هي التي تُثَبِّتُ شبابَنا المؤمنين الثوريّين، وتُبقِيهم كالجبل الراسخ في مقابل الأحداث»[3].

فليكن هدفكم أداء التكليف

إنَّ الشهادة في سبيل الله تعالى لا تعتبر هدفًا مُستقِلًّا بذاته، بل ينبغي أن تكون نتيجة لأداء التكليف، فالهدف الأساس لعمل الإنسان أداء التكليف، والقيام بما يجب عليه، فإن كانت النتيجة الشهادة،

 

 


[1]  سورة الأعراف، الآية 62.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/02/2019م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/12/2018م.

 

82


73

الشهادة لقاء الله

فهذا يُعَدُّ أمرًا مُميَّزًا وإلا يكون قد أدّى تكليفه أمام الله سبحانه وتعالى، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «لا تكن الشهادة هدفكم. فليكن هدفكم أداء التكليف الحاليّ، وفي وقته المناسب. القيام بهكذا نوع من التكليف، ينتهي أحيانًا بالشهادة، وأحيانًا لا ينتهي بالشهادة. بالطبع، فإنّ أمنيّة الشهادة جيّدة، ولكن لا تجعلوا الشهادة هدفًا لعملكم وحركتكم. اجعلوا هدفَ العملِ العملَ. الهدف هو العملُ نفسه الذي يجب على الإنسان إنجازُه والوصول إلى نتائجه المطلوبة»[1].

وفي كلمة أخرى له (دام ظله) يشير إلى عمل الإمام الحسين(عليه السلام) وثورته، وأنها كانت بقصد أداء التكليف الملقى على عاتقه: «ولقد تحدّثتُ في بعض المناسبات، عن حركة أبي عبد الله (عليه السلام)، بالتفصيل. قال بعضهم: إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) سار وخرج وتحرّك؛ لِتَسلُّم السلطة -وهذا ما كان يقوله حتّى بعض المؤمنين المتديّنين- لكنّهم على خطأ. وبعضهم يقولون: إنّه سار وتحرَّك؛ لكي ينال الشهادة. أنا أقول: إنّه تحرَّك لأداء الواجب، ولكن عند أداء الواجب، ثمّة احتمال أن يتسلّم الإنسان السلطة، فما الضير في ذلك، إذا حصل؟ وثمّة احتمال أن ينال الإنسان الشهادة، هنا أيضًا، ما الضير؟ القصد هو أنّنا نستطيع القيام بهذا العمل وأداء هذا الواجب، هذه هي القضيّة، هذا هو السبب الذي يجعلنا لا نتنازل في مواجهتنا مع أميركا»[2].

ويقول أيضًا: «لماذا نقول: إنّه واجب؟ لأنّ هناك سياسة ترمي إلى إيداع رموز الثورة غياهب النسيان. ومن هذه الرموز، ومن أهمّها وأرقاها، الجهاد والشهادة في سبيل الله. يريدون إنساء اسم الشهداء وذكراهم ونهجهم ومواقفهم وأعمالهم، وطمسها»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 26/03/2017م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 13/10/2019م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/12/2019م.

 

83


74

الشهادة لقاء الله

إحياء ذكرى الشهداء؛ استمرار وبقاء

يقول الإمام الخامنئيُّ (دام ظله): «إنّ المؤتمرات التي تُعقَد إحياء لذكرى الشهداء هي استمرارٌ لمسيرة الجهاد والشهادة. لو لم يتكرّر ذكرُ أسماء شهدائنا ويُكرّموا ويُعظّموا، ولو لم يتحوّل احترامهم واحترام أُسرِهم في مجتمعنا إلى ثقافة، لطوى النسيان الكثيرَ من هذه الذكريات القيّمة والثمينة، ولكان هذا التعظيم الكبير الذي يظهر في المجتمع بفضل مسيرة الشهادة، قد غاب في مطاوي النسيان. لا تسمحوا بحدوث مثل هذا الأمر بعد الآن.

ينبغي أن تصبح ذكرى الشهداء، وذكر أسمائهم، والبحث في سِيَرهم، والتدقيق في زوايا حياتهم يومًا بعد يوم أكثر رواجًا في أوساط المجتمع. وإذا ما حصل هذا الشيء فستبقى قضيّة الشهادة قويّة راسخة في مجتمعنا. وإذا ما تحقّق هذا الأمر فلن يُمنى المجتمع بالهزيمة، ولن يعرف للهزيمة معنى بالنسبة إليه، بل سيتقدّم باستمرار. وهذا الأمر هو تمامًا كسيرة الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام) وما حدث له، وها قد مضى اليوم 1300 عامٍ أو أكثر على استشهاد سيّدنا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وما زالت قضيّة الحسين (عليه السلام) تتعاظم وتكبر يومًا بعد يوم»[1].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/02/2015م.

 

84


75

حسن الظنّ بالله

حسن الظنّ باللّه
أهمِّيَّة حسن الظنّ بالله

حضور الله سبحانه في حياة الإنسان يعني بدرجة كبيرة حضور القدرة المطلقة والعلم المطلق والحياة المطلقة، وأنَّ التفات الإنسان إلى هذه الصفات يجعل الهموم الدنيويَّة والصعاب التي يواجهها قليلة المأخذ بالنسبة إلى هدفه الأقصى؛ فارتباط الإنسان بمنبع القدرة الإلهيَّة يجعله بشكل قهريّ يحسن الظنَّ به، لاقتران هذه القدرة باللطف والحكمة.

ثمَّ إنَّ تعزيز الروح الإيمانيّة لدى الإنسان عامل مهمّ في مواجهة التحدّيات في كافَّة الميادين، فينبغي على الإنسان أن يعزز هذه الروحية، ويعلي من شأنها في شخصيّته، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ الإيمان بالله، والتوكّل عليه، وحُسن الظنّ به، تجعل القلب مستعدًّا لخوض الميادين الصعبة، وتثبّت الأقدام للسير في الطرق الوعرة، فتصغِّر المشاكل في الأعين، وتحقّق للإنسان أهدافًا كبيرةً أمام ناظرَيه، وتجعلها في صلب طموحاته. لذا، علينا أن نعمل على تعزيز الروح الدينيَّة والإيمان الحقيقيّ بالوعد الإلهيّ والتوكّل على الله تعالى»[1].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 06/10/2009م.

 

85


76

حسن الظنّ بالله

الغفلة عن الحسابات المعنويّة

إنّ سرّ الانتصار واستمرار التحرّك هو التوكّل على الله، وحسن ظنّنا بالله، والاعتماد عليه تعالى، وحفظ الوحدة والتلاحم، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ للإقبال على الله والاتصال به دورًا كبيرًا وأساسيًّا في طريق العظمة والعزّة.

بعضهم غافلون، يعمدون إلى الحسابات المادّيّة المحضة، لا مكان للحسابات المعنويّة، ولا للمدد الإلهيّ، أو التوكّل على الله وحسن الظنّ بالوعد الإلهيّ في حساباتهم، وكأنّه لا طريق آخر.

علينا اختيار الطريق الأنسب في مواجهة العدوّ الدوليّ، وذلك بالاعتماد على الإرادة القويّة، والشعور بالعزّة، والاعتماد على هذا الشعب، بالتوكّل على الله العظيم وحسن الظنّ بالوعد الإلهيّ، وأن نتقدّم بنظرة صائبة، عاقلة ومُدبّرة. عندها، سيبارك الله -المتعالي- هذا العمل وتشملنا جميعًا العناية الإلهيّة»[1].

حسنُ الظنِّ بوعدِ اللهِ تعالى بالنصر

يقول الإمام الخامنئيُّ (دام ظله): «إنّ المقاومة، بدورها، غير ممكنةٍ، إلّا في ظلّ الإيمان بالله، والتوكّل عليه، والثقة بالوعد الإلهيّ؛ فلقد وعد الله بالنّصر تعالى وعدًا مؤكَّدًا: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[2]، وهذا الوعد سوف يتحقّق. إذا أصلحنا أنفسَنا، ونظرنا إلى الوعد الإلهيّ بحسن ظنّ، لا بسوء ظنّ، فسوف ننتصر. إنّ سوء الظنّ بالله مِن فعلِ الكفّار ﴿ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ﴾[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/06/2013م.

[2]  سورة الحجّ، الآية 40.

[3]  سورة الفتح، الآية 6.

 

86


77

حسن الظنّ بالله

من الواضح أنَّ الذين يُسِيئون الظنَّ بالوعد الإلهيّ، لن ينالوا شيئًا من [هذا] الوعد الإلهيّ. وقد أثبتَ الشعبُ الإيرانيّ حُسنَ ظنِّه بالوعد الإلهيّ، وقاوم، وصمد. لقد تعرَّضنا لهجوم عسكريّ، وتعرّضنا للحظر، وتعرّضنا لتغلغل الجواسيس، وقدَّمنا الشهداء، لكنّ الشعب الإيرانيّ قاوم كالجبل، واستطاع أن يُثبِتَ نفسَه»[1].

حسن الظنّ بالله عنصر رئيس للاقتدار

إنَّ قوَّة الشعوب وعزّتها تكمن في حسن الظنّ بالله تعالى، فبحسن الظنِّ بالله يمكن لأيِّ شعب أن يصل إلى تحقيق أحلامه، وبناء مستقبله، ومواجهة عدوّه، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ اقتدار الشعب لا يقتصر على القوّات المسلّحة، إنّ اقتدار الشعب حقيقةٌ متعدّدة الجوانب. القوّات المسلّحة هي الخطّ الأماميّ للتحرُّك، وعلامة اقتدار الشعب، لكنّ الشعب يجب أن يكون متقدّمًا من حيث العلم، ومن حيث الأخلاق، ومن حيث الإيمان، ومن حيث العزيمة والإرادة؛ حتّى يستطيع الحفاظ على اقتداره.

إنّنا نشدّد على العناصر المعنويّة للاقتدار. إنّ العنصر المعنويّ الرئيس للاقتدار هو الإيمان بالله، والتوكّل عليه، وحُسن الظنّ به؛ هذا ما يجعل القلب مستعدًّا لخوض الميادين الصعبة، وما يثبّت الأقدام للسير في الطرق الوعرة، وهذا ما يصغّر المشاكل في الأعين، ويحقّق للإنسان أهدافًا كبيرةً أمام ناظرَيه، ويجعلها في صلب طموحاته؛ إنَّه الإيمان بالله»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/11/2018م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 06/10/2009م.

 

87


78

حسن الظنّ بالله

وهذه الأمور ليست أمورًا شخصيّة محضة، بل هي أمور اجتماعيّة عامّة. عندما يتحقّق لدى المجتمع المؤمن والفئة المؤمنة مثل هذه الثقة، عندئذٍ تتبدّل التهديدات بالعزم الراسخ إلى فرص.

على سبيل المثال: تصلُ إلينا التقارير بإجراء عمليّات صيانة لعدد معيّن من الطائرات المقاتلة أو المدنيّة، وإنجاز تصليحات أساسيّة فيها، ما وفّر مبالغ كبيرة... متى تمكّنت قوّتنا الجوِّيَّة من هذه الإنجازات؟ عندما صرفت النظر عن الآخرين. فالآخرون هدّدوا بالمقاطعة، وقالوا لن نمدّكم، ولن نساعدكم، ولن نبيعكم، ولن نسمح لكم، ولا تزال بضائعنا العسكريّة موجودة في مخازن الشركات العسكريّة الأميركيّة... لا تزال موجودة هناك ولم يزوّدونا بها، ولا ندري ما الذي فعلوه بها. والطريف أنّهم طالبونا قبل سنوات بتكاليف تخزينها في مخازنهم. البضائع التي قبضوا أثمانها ولم يسلّموها، يطالبوننا بتكاليف تخزينها عندهم. هذا معناه أنّه يجب ألَّا يمتلك نظام الجمهوريّة الإسلاميَّة القدرة على إدارة قوّة جوِّيّة جديرة.

ولكن ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنّ قوّتنا الجوِّيّة التي لم يكن بوسعها في ذلك العهد صيانة القطعة الفلانيّة من الطائرة المقاتلة أو الطائرة الكذائيّة، ولم يكن من حقّها صيانتها، باتت اليوم قادرة على صناعة الطائرة كلّها. بمعنى أنّها بدلت التهديد إلى فرصة، وقلبت الحَظْر إلى منفعة وربح. هذه هي خصوصيّة الفئة المؤمنة»[1].

عدم اليأس من روح الله

يؤكّد الإمام الخامنئيُّ (دام ظله) على ضرورة الالتفات إلى عدم اليأس من روح الله، وأن يبقى الإنسان على إيمانه المطلق بحسن الظنّ بالله، وبالوعد الإلهيّ، وهذا ما بيّنه في شرحه للآيات المباركة حول بني


 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/02/2020م.

 

88


79

حسن الظنّ بالله

إسرائيل ونبيِّ الله موسى(عليه السلام): «يروي لنا القرآن الكريم قصّة النبيّ موسى (عليه السلام) حينما عاد ومعه الألواح، ورأى حادثة العجل قد وقعَت، فيقول تعالى على لسان نبيّه موسى (عليه السلام): ﴿قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ﴾[1]، لقد وعدكم اللهُ أن يحسّن لكم حياتكم ويصلحها،
﴿أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ﴾، فهل طال عليكم الأمد؟ هل انقضى الزمن الذي كان ينبغي أن يُنجَز فيه الوعد الإلهيّ، حتّى رحتم تتبرّمون هكذا؟ انتظِروا إذًا، واصبِروا، وسوف يُنجِز الله وعدَه.

إنّ حُسن الظنّ بالله تعالى أمرٌ ضروريّ، وسوء الظنّ بالوعد الإلهيّ، كما القول: «لماذا لم يحصل؟ ولماذا لم يحصل؟» أمرٌ مذمومٌ جدًّا.

في الآيات ﴿أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَب مِّن رَّبِّكُمۡ﴾. أنا أحتمل أنّ آية ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوۡاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْۚ﴾[2] تشير إلى هذا الشيء: ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ﴾[3]، ربّما كانت إشارة إلى أنّهم كانوا يضغطون ويصرّون عليه دائمًا، أنْ «لماذا لم يحصل كذا؟ ولماذا لم يحصل كذا؟». وهذا حتمًا، يعود إلى ما بعد النجاة من أيدي فرعون، لكنّ الأمر كان على هذا النحو حتّى قبل النجاة من أيدي فرعون: ﴿قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ﴾[4]، كانوا يعترضون على النبيّ موسى بأنّ الأذى لا يزال يطالنا، حتّى من بعد ما جئتنا؛ أي إنّ الاعتراضات والإشكالات الإسرائيليّة التي تَرِد ويتكلّمون عنها، هي، حقيقةً، من هذا القبيل، فيجب أن نحذر من أن نُصاب بها، ونفقد حسن ظنّنا بالله»[5].

 

 


[1]  سورة طه، الآية 86.

[2]  سورة الأحزاب، الآية 69.

[3]  سورة الصفّ، الآية 5.

[4]  سورة الأعراف، الآية 129.

[5]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 14/03/2019م.

 

89


80

حسن الظنّ بالله

وهذا الأمر يجب أن ينسحب على مختلف حياة الإنسان، كما حصل في الثورة الإسلاميَّة في إيران، التي كان فيها عامل التوكّل على الله واضحًا، وكان الإمام الخمينيُّ(قدس سره) يشير دائمًا إلى ضرورة التوكّل على الله سبحانه، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «هذه الثورة قد جُرّبت واختُبرت، شعاراتها أثبتت صدقيّتها في ميدان العمل. فإمامنا العزيز كان يعلّمنا التوكّل على الله، والثقة به، وأن نحسن الظنّ به، ونعمل جاهدين، وكان يقول إنّ النصر سيكون حليفنا إذا ما قمنا بهذا العمل، وكما حصل في صدر الإسلام، حيث جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: «فَلَمَّا رَأَى الله صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ»[1]»[2].

الكفاح والإيمان بالله تعالى ووعده

قال الله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[3]، هذه الآية المباركة تأكيد على أنّ النصر الإلهيّ حتميٌّ، وأنّ وعد الله للمؤمنين بالنصر وعد صادق. وانطلاقًا من ذلك يشير الإمام الخامنئيّ (دام ظله) إلى ضرورة أن يكون كفاح الشعوب دائمًا مصحوبًا بالإيمان بالله سبحانه ووعوده: «إذا لم يكن الكفاح مصحوبًا بعنصر الإيمان سيكون هشًّا ضعيفًا. الكفاح ينجح حينما يشتمل على الإيمان بالله والتوكّل عليه. ينبغي تعزيز الروح الدينيَّة والإيمان الحقيقيّ بالوعد الإلهيّ والتوكّل على الله تعالى لدى الجماهير. ينبغي تقوية حسن الظنّ بالله تعالى وبوعده لدى الشعب، ونحن أيضًا يجب أن نحسن الظنّ بالله تعالى. الله تعالى أصدق القائلين، وهو القائل:

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص92، الخطبة 56.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/05/2013م.

[3]  سورة الحجّ، الآية 40.

 

90


81

حسن الظنّ بالله

﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾، وقد ورد أنّ «مَن كان لله كان الله له»[1]، ويقول لا تخشوا الأعداء ﴿إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا﴾[2]؛ هذا ما يبثّه فينا ويبيّنه لنا. الله تعالى صادق. ونحن إذا عملنا بواجبنا في هذا السبيل وتحرّكنا في سبيل الله، وناضلنا من أجله، وجعلنا الهدف رضاه فسوف يكون النصر نصيبنا لا مراء»[3].

وانطلاقًا من ذلك ينبغي أن تبقى الثقة بالوعد الإلهيّ قائمة في مجالات الحياة، يقول الإمام الخامنئيُّ (دام ظله): «لقد وعد الله تعالى في مواضع عدّة من القرآن -بوضوح وصراحة- أنّ الإنسان إذا سعى سعيه في سبيل الله وطريق الدين فسوف ينصره. إنّه وعد إلهيّ. فيقول: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[4]. وفي عبارة: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ﴾ أدوات تأكيد عدّة، بمعنى أنّ الله تعالى سوف ينصر الذين ينصرون الله، وينصرون دين الله بشكل مؤكّد جدًّا جدًّا. إنّه وعد، وعد إلهيّ، ويجب الثقة بهذا الوعد.

في يوم التاسع عشر من بهمن، ورغم وقوع تلك الحادثة، والناس شاهدوا أنّ فئة من الجيش قد جاءت وبايعت الثورة، ولكن كان لا يزال هناك أفراد غير مطمئنّين وغير واثقين وغير متفائلين بأن يؤتي هذا الفعل نتائجه، لكنّ الإمام الخمينيّ كان واثقًا من الوعد الإلهيّ. كان الإمام الخمينيّ وأتباع فكره ورأيه ودربه يعلمون أنّ هذا الوعد سيتحقّق حتمًا، ولم يسمحوا لهذه المسيرة بأن تتباطأ.

 

 


[1]  الفيض الكاشانيّ، المولى محمد محسن، الشافي في العقائد والأخلاق والأحكام، تحقيق وتصحيح: مهديّ الأنصاريّ القميّ، دار اللواح المحفوظ، لا.م، 1383هـ، ط1، ص54.

[2]  سورة النساء، الآية 76.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/02/2010م.

[4]  سورة الحج، الآية 40.

 

91


82

حسن الظنّ بالله

عندما تتوفّر الثقة والأمل بالمستقبل، لن يسمحوا بأن تبطؤ المسيرة.

إنّها لحسابات مهمّة أن يعلم الإنسان أنّ الله تعالى يفي بوعده، كما تقول الآية القرآنيّة: ﴿وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ﴾[1]، ما من أحد أوفى بوعده من الله تعالى حين يعد. لقد وعد الله تعالى وسوف يفي بوعده. كانت النتيجة أن بدّلت قوّتنا الجويّة التهديد إلى فرصة!»[2].

إيران مثال حُسن الظنّ بالله

يشرح الإمام الخامنئيُّ (دام ظله) كيف استطاعت الجمهوريَّة الإسلاميَّة بإيمانها بالله سبحانه وتعالى، وحسن الظنِّ به، والتوكّل عليه، أن تصل إلى نتائج عظيمة في مواجهة العدوّ ومخطَّطاته، يقول سماحته: «نحن نُحسِن الظنّ بالله، وقد تعامل الله تعالى معنا طوال السنوات الماضية طِبقًا لحُسن ظنِّنا به، واجهتنا مشكلات عديدة، وقد خرجنا منها جميعًا منتصرين.

إنّ الحظر الاقتصاديّ ليس شيئًا قليلًا ولم يكن كذلك، لكنّنا سحقنا الحظر بأقدامنا. في الفترة الأخيرة قالوا إنّنا لن نبيعكم البنزين، ونحن بلد ينتج النفط لكنّنا نستورد البنزين، لكنّ طاقاتنا سَعَت مُؤمِّلة بالله، واستطعنا في ظرف أقلّ من سنة أن نستغني عن استيراد البنزين. هذا نموذج صغير جدًّا، ولدينا المئات من النماذج الأخرى من هذا القبيل.

فَرَضوا علينا الحرب ثمانية أعوام، وضعونا مقابل عدوّ عنيد، سيّئ، خبيث جدًّا مثل صدّام حسين، ودافعوا عنه ودعموه بطاقاتهم كلّها، واستطعنا -والحمد لله- التغلّب على تلك الحادثة.

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 111.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/02/2020م.

 

92


83

حسن الظنّ بالله

تَقَدَّمنا في جميع الميادين مؤمِّلين بالله، ونتقدّم اليوم في الميدان العلميّ. وقد أشاروا إلى قضيّتنا النوويّة. لقد استطعنا بتوفيق من الله وبقدرته أن نحلّ قضيّتنا النوويّة، ونتقدّم بها إلى الأمام.

اليوم يُثير الغربيّون الضجيج، لكنّهم متخلّفون عن القضيّة، ويوجّهون التُهَم، ويتكلّمون، ويُثيرون الإعلام، ويضغطون، لكنّهم لا يستطيعون فعل شيء.

إنّ مُضيّ الوقت لصالحنا، إنّنا نتقدّم باستمرار وهم يقرعون رؤوسهم باستمرار ويثيرون الضجيج. هكذا هو الحال حينما ندخل متوكّلين على الله»[1].

ويقول أيضًا: «من الممكن أن نتغلّب على هذه الموانع والآفات كلّها، وأن نجتازها بنجاح وانتصار، بالاتّكال على الله، والاعتماد عليه، وحسن ظنّنا بما ورد في كتابه العزيز من وعدٍ بالنصر، والتحلّي بالتعقّل والعزم والشجاعة»[2].

بالثقة بالوعد الإلهيّ

يشرح الإمام الخامنئيّ (دام ظله) الخطوة الأساسيّة في مواجهة الأعداء، وهذه الخطوة هي حسن الظنّ بالله تعالى من خلال الثقة بوعد الله عزّ وجلّ، فيقول شارحًا المخطَّطات العدوانيَّة ضدَّ الجمهوريَّة الإسلاميَّة: «لقد فُرض علينا الحظر منذ بداية الثورة، وتواصل الحظر في الأعوام الأخيرة بدرجات أشدّ، وهم يفاخرون بأنّهم فرضوا أشدّ أنواع الحظر ضدّ الجمهوريّة الإسلاميَّة. وهذا الحظر جريمة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، إنّها جريمة يرتكبونها؛ أي إنّه تهديد مدان من وجهة نظر الرأي العامّ العالميّ؛ لأنّ الكلام ليس عن الحظر الأميركيّ نفسه،

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/02/2011م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/09/2011م.

 

 

93


84

حسن الظنّ بالله

بل عن الحظر التعسّفيّ الذي يُفرض على الآخرين من قبل أميركا؛ بمعنى أنّ الأجهزة الأميركيّة المختلفة تحاول الاتصال دائمًا بالشركات والشخصيّات والحكومات المختلفة لتقنعها بعدم التعامل مع إيران؛ أي إنّه حظر شامل. أمَّا نجاحهم في ذلك فمسألة أخرى، هم يقومون بمساعيهم وهي -بحقّ- خطوةٌ إجراميّة».

ثُمَّ يشير إلى أهمِّ ما يمكن أن يستفيده الناس من الأحداث السابقة من الثقة بالوعد الإلهيّ، فيقول (دام ظله): «إذًا، الدرس المهمّ المستلهَم من التاسع عشر من بهمن هو الثّقة بالوعد الإلهيّ وانتظار «الرزق غير المُحتسَب»، والتشجيع على المشاركة والحراك المستمرّ المفضي إلى النصرة الإلهيّة.

جاءت أميركا بإمكانيّاتها وطاقاتها كلّها إلى الساحة في أيّام التاسع عشر من بهمن وقبله بأيّام، وبعثت شخصيّة عسكريّة رفيعة المستوى (هايزر) إلى طهران، واتّصل بكبار المسؤولين عسى أن يستطيعوا فعل شيء من قبيل الانقلاب أو ما شاكل من أجل إيقاف تيّار الثورة، وقد فعلوا الكثير، لكنّ الشعب انتصر على الرغم من مساعيهم كلّها، وكانت الهزيمة نصيبهم؛ كان هذا بفضل الثقة بالوعد الإلهيّ، والاعتماد عليه»[1].

ثُمَّ يشير سماحته إلى ضرورة عدم الثقة بالظالمين والأعداء؛ لأنهم سبب في فشل الشعوب، وفي سلبها حقوقها، وفي تدمير مستقبلها، يقول (دام ظله): «في مقابل الثقة بالله تعالى، علينا أن لا نثق بالظالمين؛ يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾[2]؛ ومعنى ذلك لا تثقوا بالمستبدّ، بالظالم، ولا تميلوا نحوه -«الركون» يعني الميل إليه، والتوجّه نحوه، والوثوق به- لا تثقوا بالإنسان الظالم.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/02/2020م.

[2]  سورة هود، الآية 113.

 

94


85

حسن الظنّ بالله

 

إنّ نتيجة الثقة بالظالم هي ما ترونه حاليًّا، حيث الدول والجماعات الإسلاميَّة تثق بأكبر الظالمين وأشدّ المستبدّين في العالم، وهم يرون نتائجها، وترونها أيضًا»[1].

ويشير سماحته: «لذا، اجعلوا التقوى والتوكّل والثقة بالله رأس مالكم اللَّامتناهي، وامضوا بقوّة وجدّيّة في هذه الحياة»[2].

المشكلة مع الغرب في التبعيّة

لا مشكلة للجمهوريَّة الإسلاميَّة في العلاقات مع البلدان الغربيّة، إنّما المشكلة في التبعيّة التي يفرضها الغرب على الجمهوريَّة الإسلاميَّة، وعلى الشعوب في العالم، هذه التبعيَّة الخبيثة، التي تحطِّم آمال الشعوب، وتدمِّر مستقبلها، يحذِّر منها الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بقوله: «ربّما كان الكثير، أو بعض مشكلاتنا بالحدّ الأدنى، ناجمًا من حصول الثقة بالغربيّين؛ ففي المفاوضات المختلفة، وفي الاتّفاقيّات المختلفة، وفي القرارات السياسيّة المختلفة، جرى الاعتماد على الغربيّين، والثقة بهم.

لا مانع من العلاقات، ولتكن لكم علاقاتكم معهم، لكن اعرفوا الطرف المقابل، ولا تضلّوا الطريق بفعل ابتساماتهم وأحابيلهم وأكاذيبهم. هذا ما أقوله؛ لا مانع من العلاقات إطلاقًا.

من حُسن الحظّ، أنّ مسؤولينا الحكوميّين اليوم، قد توصّلوا إلى هذه النتيجة، وهي أنّه لا يمكن السير مع الغربيّين في مسار واحد تمامًا. هذا ما باتوا يشعرون به، وعسى أن تتغيّر السّلوكيّات والتعامل في المستقبل، إن شاء الله؛ نتيجة هذا الفهم الجديد للأمور»[3].

 


 [1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/04/2020م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/05/2020م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/03/2019م.

 

95


86

حسن الظنّ بالله

ويقول أيضًا: «لا يمكن الثقة بالغرب، لكن يجب إقامة علاقات معهم، والاستفادة من علومهم ومن إيجابيّاتهم، ولكن لا ينبغي أبدًا أن نثق بهم، ولا ينبغي أن نطمئنّ إليهم»[1].

النصر سنّة إلهيّة

يؤكّد الإمام الخامنئيُّ (دام ظله) أنّ النصر سنّة إلهيّة، فيقول: «إنّ التغلّب على الموانع والآفات كلّها التي تواجهنا أمر ممكن، نستطيع أن نجتازه بنجاح وانتصار، بالاتّكال على الله، والاعتماد عليه وحسن ظنّنا به.

لقد وعد اللهُ بالنصر وعدًا مؤكّدًا، وهذا الوعد سوف يتحقّق. إذا أصلحنا أنفسَنا، ونظرنا إلى الوعد الإلهيّ بحسن ظنّ، لا بسوء ظنّ، فسوف ننتصر»[2].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/03/2019م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/11/2018م.

 

96


87

العِلم

العِلْم


تمهيد

موقع قيمة العلم والفكر في البنية الحضاريَّة

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «أن يكون شعبٌ ما قويًّا، لا يعني أن يمتلك أسلحة متطوّرة. بالتأكيد الأسلحة مطلوبة، ولكن لا يمكن لأيّ شعبٍ أن يصبح قويًّا فقط بامتلاك السلاح. حين أنظر في هذا الأمر، أجد أنّ هناك ثلاثة عناصر أساسيّة للقوّة والاقتدار، ويتضمّن البيان الذي أعلنته بمناسبة أوّل السنة، عنصرَين من هذه الثلاثة. إذا أصبحَت هذه العناصر الثلاثة أهدافًا لشعبٍ ما، فإنّه سيصبح قويًّا: أحدها الاقتصاد، والآخر الثقافة، والثالث العلم والمعرفة»[1].

إنّ عنصر الفكر والعلم يُعَدّ من العناصر التي لا يمكن بناء حضارة من دونها، فهو البنية التحتيّة التي على أساسها يبني الناس والدولة والمؤسّسات أنماط حياتهم وسلوكهم. ولذلك، يقول سماحته: «لإيجاد حضارة إسلاميّة -كأيّ حضارة أخرى- فإنّ الأمر يستلزم وجود عنصرَين رئيسَين: أحدهما «إنتاج الفكر»، والآخر «تربية الإنسان». والفكر الإسلاميِّ كبحر عميق، أو يُشبه المحيط... والغوص في هذا المحيط العظيم، وبلوغ أعماقه واستكشافه -وهذا كلّه مستفاد من الكتاب والسنّة- هو عمل واجب على الجميع، وفعل ينبغي القيام

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 21/03/2014م.

 

97


88

العِلم

به على مرّ الزمن. وإنّ «إنتاج الفكر» في كلّ عصر، بما يتناسب مع احتياجات ذلك العصر من هذا المحيط المعرِفيّ العظيم، لهو أمر ممكن وميسور»[1].

ولذلك، يرى الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنّ المعيار الذي يمكن على أساسه قياس تقدُّم أو تقهقر أيّ حضارة، هو مقياس قوّة البنية العلميّة والفكريّة لديها، أو ضعفها. ومن هذا المنطلق، قال في خصوص الحضارة الغربيّة: «فإنّ هذه الحضارة، وحُماة هذه الحضارة، قد تعرّضوا للهزيمة في مجال منطق الهويّة أيضًا؛ لأنّ الأُسُس العلميّة للحضارة الغربيّة المادّيّة تتهاوى، واحدة بعد الأخرى. لقد ظهر علماءٌ وأبطلوا أفكارهم -سواء في مجال العلوم الإنسانيّة أو في مجال العلوم الأخرى- وهكذا، فإنّ تلك الأُسُس العلميّة لهذه الحضارة تتزلزل الآن»[2].

ارتباط العلم ببعض القيم

1. ارتباط قيمة العلم بالحرّيّة والعدالة

إنّ العلاقة بين القيم في ما بينها، علاقة طوليّة يحكم بعضها على بعض، ويُقدّم بعضها على بعض آخر. وفي موضوع العلم، سواء أكنّا نقصد العلم الأكاديميّ أو العلم الحوزويّ، فإنّ العلم ليس قيمة مطلقة مقدَّمة على باقي القيم، بل هي قيمة محكومة للعدالة الاجتماعيّة كقيمة أخرى، كما هي محكومة -ككلّ القيم- للغاية النهائيّة للبشريّة، ألا وهي العبوديّة لله تعالى. يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ الحرّيّة الحقيقيّة للناس والشعوب هي توظيف إرادتها وعزمها وقوّتها وقدرتها من أجل سعادتها ورفاهيتها، وأن يكون رخاؤها في سبيل العبوديّة

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 14/07/1379هـ.ش.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 06/03/2014م.

 

98


89

العِلم

الحقّة لله تعالى، وهذا ما نسعى إلى القيام به. إنّ هذا هو الفراغ الذي يُثقل كاهل عالَم الليبراليّة والديمقراطيّة الغربيّة. لقد أنشؤوا المصانع، وأداروا المحرّكات، ووسّعوا من رقعة العلم، ولكنّهم عجزوا عن تحقيق العدالة الاجتماعيّة. لقد أخذوا بالأخلاق الإنسانيّة إلى هاوية الهبوط والانحطاط»[1].

ولذلك، فإنّ ما ينبغي الالتفات إليه عند السعي إلى التطوير العلميّ في أيّ تنظيم أو مجتمع، أن ينصبّ الاهتمام على هدفيّة قيمة العلم، وارتباطها بالغاية النهائيّة للإنسان؛ لأنّ «سعادة الإنسان لا تتحقَّق بتطوّره العلميّ، على قاعدة العلم وسيلة للسعادة، بل تتحقَّق بهدوء البال، وراحة الفكر، وصفاء الروح، وخلوّ الحياة من القلق والاضطراب، واستتباب الأمن الخُلُقيّ والمعنويّ والمادّيّ، والشعور بتوفُّر العدالة في المجتمع»[2].

2. ارتباط العلم بالاقتدار

لا يمكن لأيّ حضارة أن تثبت في النظام العالميّ، من دون اقتدار سياسيّ واقتصاديّ، وإلّا لكانت تابعة لغيرها، ولن تكون مستقلّة عندئذٍ. وللاقتدار أسباب عديدة، ومن أهمّها «العلم».

يقول سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله): «فما هو مهمٌّ بالدرجة الأولى، في إيجاد القدرة الوطنيّة، هو بنظري شيئان: أحدهما العلم، والثاني الإيمان. فالعلم أساس القدرة، سواء اليوم أو على مرّ التاريخ، وسوف يبقى الأمر كذلك في المستقبل. إنّ هذا العلم يؤدّي أحيانًا إلى ابتكارٍ أو اختراعٍ ما، وفي بعض الأحيان لا يكون كذلك. وكذلك المعرفة، فإنّها أساس الاقتدار، وهي تخلق الثروات، وتؤدّي إلى الاقتدار العسكريّ والسياسيّ.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/01/2008م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/01/2008م.

 

99


90

العِلم

فقد ورد في رواية: «العِلْمُ سُلْطَانٌ؛ مَنْ وَجَدَهُ صَالَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ صِيلَ عَلَيْهِ»[1].

أي إنّ للقضيّة بُعدَين: إذا كنتم تمتلكون العلم، يمكن أن تكون لكم الكلمة العليا واليد العليا، وإذا لم تمتلكوا ذلك، فلا تُوجد حالة وسطى؛ فالذي يمتلك العلم تكون له اليد العليا عليكم، وسوف يتدخّل في ثرواتكم وفي مصيركم. وإنّ كنوز المعارف الإسلاميَّة مليئة بمثل هذه الكلمات.

الآخر هو الإيمان، حيث إنّ بحث الإيمان له شأنٌ آخر، ويحتاج إلى بحثٍ مفصّل. بناءً عليه، يجب الاعتماد على العلم»[2].

ويقول: «وإنّ اعتمادنا على العلم لا ينحصر بالاحترام المبدئيّ للعلم -الأمر الذي يُعَدّ بذاته نقطة مهمّة، وقد أَوْلَى الإسلامُ العلمَ قيمةً ذاتيّة- بل بالإضافة إلى هذه القيمة الذاتيّة، فإنّ العلم هو القدرة. فإذا ما أراد شعب أن يعيش براحةٍ وعزّةٍ وكرامةٍ، فإنّه بحاجة إلى القدرة. فالعامل الأساس الذي يمنح الاقتدار لأيّ شعب هو العلم. العلم بإمكانه تحقيق الاقتدار الاقتصاديّ، وإيجاد الاقتدار السياسيّ أيضًا، وكذلك مَنْح السمعة والكرامة الوطنيّة لأيّ شعبٍ في نظر العالم»[3].

العلم مقياس الثقة بالنفس

إنّ مثل العلم للمجتمع والشعب، كمثل العلم للفرد، فكما أنّ العلم غنى لا فقر بعده، كما ورد في مضمون بعض الروايات، كذلك فإنّ المجتمع العالِم الذي يسعى لتطبيق قيمة العلم في نمط حياته،

 

 


[1] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح: محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ‏، إيران - قُمّ، 1404هـ، ط1‏، ج20، ص319.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/02/2010م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 06/08/2013م.

 

100


91

العِلم

وفي مؤسّساته، تبرز فيه الثقة الاجتماعيّة، وتكون هذه الثقة طريقًا لقيم أخرى، كرفض الظلم والاستعمار وكالحرّيّة. يقول سماحته: «إنّ من أهمّ هواجس الاستعمار والاستكبار وأمريكا والصهاينة الصانعين للفساد في العالَم اليوم، أن لا يسمحوا للبلدان ذات الأنظمة الثوريّة بالتقدُّم من الناحية العلميّة، وهذه الحساسيّة تتضاعف لبلدنا؛ لأنّ الحساسيّة التي يحملونها تجاه الإسلام والثورة الإسلاميَّة لم يكن، ولن يكون، لهم مثلها تجاه أيّ ثورة أخرى. اليوم، يجب على الذين يستطيعون أن يطوّروا العلم في هذا البلد، أن يشعروا بمسؤوليّتهم أكثر من ذي قبل؛ لأنّ العدوّ لا يريد أن يسمح لنا بالوقوف على أرجلنا. وهذا الاعتماد على النفس يتحقّق فقط حين يكون العلم نابعًا من عندنا، وحين لا تكون أيدينا ممدودة للاستجداء من الأعداء»[1].

ولذلك، نجد الإمام الخامنئيّ (دام ظله) يعدّ تطوُّر الشعب الإيرانيّ في مجال العلم، كمؤَشِّر على ثقته بنفسه، حيث يقول: «إنّ أحد دلائل هذه الثقة بالنفس دخول الشعب الإيرانيّ إلى ميادين الاكتشافات العلميّة على أعلى المستويات، ومن ذلك مشروع الطاقة النوويّة، الذي بات حديث الساعة في أوساط شعبنا، بل إنّ الأمر لا يقتصر على ذلك، فلقد أثبت شبابنا وجودهم في الكثير من المجالات الحسّاسة والدقيقة والحديثة جدًّا، ودخل علماؤنا وخبراؤنا الميدان بكلّ قوّة، فأنجزوا الكثير من الأعمال الكبرى، من قبيل الخلايا التأسيسيّة واكتشاف الدواء لبعض الأمراض المستعصية»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 29/09/1368هـ.ش.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/01/2008م.

 

101


92

العِلم

ارتباط قيمة العلم بباقي فروع بناء المجتمع

يتألّف بناء المجتمع من عدّة عناصر لا تنفكّ عن بعضها، فلا ينبغي أن تكون قيمة العلم لاغيةً للأمور الأخرى، مثل الأدب والفنّ. ولذلك، يجب توخّي التكامل بين جميع الفروع الحضاريَّة التي تقف إلى جانب التقدُّم العلميّ. يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّني لستُ من أولئك الذين ينكرون قيمة الشعر والفنّ، ويصادرونه لصالح العلم. فمع أنّني أؤمن بأنّ العلم يحتلّ المرتبة الأولى من حيث الأهمِّيَّة في تقدُّم البلاد... إلّا أنّني أعتقد بأنّ العلم لا ينفكّ عن الدين والفنّ والذوق والصناعة، وكافّة أنواع البناء والزراعة والخدمات العامّة والعلاقات الخارجيّة، فهي كلّها تشكّل مجموعة واحدة، ويجب أن تتقدَّم الى الأمام معًا، كلٌ منها على النحو المناسب»[1].

هذا بالإضافة إلى ضرورة مراعاة المبادئ والأهداف، فقد عانى المجتمع الإنسانيّ في كثير من محطّاته التاريخيّة، من انفصال المبادئ القيميّة والخُلُقيَّة عن التطوُّر العلميّ. لذا، من الأُسُس التي ينبغي البناء عليها، التلاحم بين نزعتَي العلم والمبادئ، فالمتوقَّع «من الجامعة دومًا، وفي كلّ مكان، أن تكون قطبًا لتدفُّق وتألُّق تيّارَين حيويَّين في البلاد: الأوّل تيّار العلم والبحث العلميّ، والثاني تيّار النـزعة المبدئيّة ونشدان المُثُل ورسم الأهداف السياسيّة والاجتماعيّة»[2].

الخطوة الأولى لتكريس قيمة العلم في المجتمع

ليس العلم من الأمور التي لها كيان منفصل عن حامله، فالعلماء والأساتذة والمفكِّرون هم ممثِّلو هذه القيمة. لذا، يكون تهميش العلماء وسلب حقوقهم من أكثر الأمور التي تستدعي عدم تبنّي

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/01/2008م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 14/12/2008م.

 

102


93

العِلم

أيّ مجتمع أو تنظيم لقيمة العلم. وبالمقابل، يمكن القول: إنّ أوّل خطوة ينبغي اتّباعها لتكريس قيمة العلم في نفوس الناس، هي تكريم العلماء، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «الاحترام الذي أحمله في قلبي للأستاذ والعالِم، أردتُ أن ينعكس على مستوى المجتمع. نحن بحاجة لأنْ يشعر علماؤنا وأساتذتنا بالكرامة والاحترام في المجتمع. أفضل مشجِّع على نشر العلم هو تكريم حامله. أساتذة جامعاتنا، والشخصيّات البارزة، والنخبة في مراكز البحث العلميّ، هم ممّن يعدّون شخصيّات علميّة ونخبويّة مميّزة»[1].

وظيفة المعلِّم في نشر قيمة العلم

كما أنّ حامل العلم يجب تكريمه لأجل نشر قيمة العلم في المجتمع، كذلك تقع على عاتق المعلِّم وأيّ مشتغل في حقل الفكر والثقافة، مسؤوليّات مهمّة لبناء أذهان المتعلِّمين والطلّاب على احترام قيمة العلم وتبنّيها على مستواهم الفرديّ. فليست وظيفة المعلِّم التعليم فقط، بل يمكن جعل أهمّ وظائف المعلِّم ضمن أمور ثلاثة:

1. تعليم المعلومة: والمقصود منها نقل المعلومات المطلوبة للطالب، وفق المرحلة الدراسيّة التي ينتمي إليها.

2. تعليم الفكر: ونعني به تعليمه الأساليب المنطقيّة التي تمكّنه من إنتاج المعرفة.

3. التزكية الخُلُقيَّة: وهي التي تحمي الشخصيّة العلميّة من الطغيان؛ لأنّ العلم بنفسه قد يؤدّي إلى الفساد، من دون رادع خُلُقيّ.

4. تأمين البيئة العلميّة الباعثة على التفاؤل والثقة بالنفس.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/09/2008م.

 

103


94

العِلم

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): على المعلِّم أن يعطي العلم، وعليه في الوقت نفسه أن يعلِّم منهج التفكير وعمليّة التفكير، وكذلك أن يشمل بعمله تعليم السلوك والأخلاق. إذا أخذنا التعليم بمعناه الواسع، فإنّه يشمل هذه الساحات الثلاث:

الأُولى: تعليم العلم؛ أي تدريس محتويات الكتب والعلوم التي ينبغي لأولادنا -رجال بلادنا ونسائها في المستقبل- أن يتعلّموها، هذا واحد من الأعمال.

العمل الثاني: وهو أهمّ من الأوّل: تعليم التفكير. يجب أن يتعلّم أطفالنا كيف يفكّرون -الفكر الصحيح والمنطقيّ- وينبغي أن تتمّ هدايتهم نحو التفكّر الصحيح. إنّ النظرة السطحيّة وتعليم السطحيّة في قضايا الحياة، يشلّ المجتمع، ويسبّب الفشل والشقاء للمجتمع على المدى البعيد...

الأمر الثالث: هو السلوك والأخلاق؛ أي تعليم السلوك والأخلاق»[1].

ويقول: «للأستاذ مكانة مؤثِّرة في أذهان طلّابه، وهذه هي خاصّيّة «الأستذة»، بمعنى أنّ تفوّقكم العلميّ على الطالب. والعلم والتعلُّم الذي تمنحونه إيّاه، يُعطيكم موقعًا مؤثّرًا في ذهنه وفي شخصيّته، فاستفيدوا من هذا الموقع لتربية الطلّاب وتعليمهم. نحتاج اليوم إلى أن يكون شبابُنا ذوي روحيّة متفائلة، ويتحلّون بالشجاعة والأمل، ولديهم ثقة بالنفس وإيمان، وروحيّة بُعد النظر والتفكير في المستقبل، وروحيّة الخدمة، نحتاج إلى أن يصبح الطالب هكذا. حسنًا، يمكنكم أن تؤمّنوا هذا في البيئة العلميّة وفي الصفّ الدراسيّ»[2].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 07/05/2014م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/07/2014م.

 

104


95

العِلم

الفرق بين اكتساب العلم وإنتاجه

تطوُّر أيّ جماعة مرهونٌ بما تحمله من علم وثقافة وفكر، وهذه الأمور تعطيها هويّتها الأصيلة. لذا، ينبغي لهذه الجماعة أن توجِد الفكر اللائق بها، عبر إبداع مفكِّريها والعاملين في مجال الثقافة والعلم. وهذا لا يمنع من أن يسعى المفكِّرون والعلماء إلى الاستفادة من غيرهم، وهذه الاستفادة هي التي تُسَمَّى «اكتساب العلم». بينما نجد أنّ مرحلة بناء الحضارة والمجتمع تحتاج، إلى جانب الاكتساب، إلى إبداع العلم وإنتاجه بما تحتاج إليه أرض المجتمع. يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «يجب أن لا نقنع بالتحصيل العلميّ فقط، بل يجب أن يكون الهدف من بحوثنا وتعليمنا إنتاج العلم؛ أي بلوغ النقطة التي تنطلق منها شرارة الإبداعات العلميّة في العالَم الإنسانيّ اليوم. فنحن من ناحية الإمكانيّات، لا ينقصنا شيء، قياسًا بالذين أنتجوا العلم في العالَم، وعملوا على تنميته وتطويره، واستطاعوا إيجاد تقنيّات معقّدة بالاعتماد على علومهم»[1].

ويقول: «التقدُّم العلميّ يحصل باكتساب العلم من البلدان والمراكز العلميّة الأكثر تقدُّمًا، لكنّ اكتساب العلم شيء، وإنتاج العلم شيء آخر. في قضيّة العلم، يجب أن لا نربط عرَبَتَنا بقاطرةِ الغرب. طبعًا، لو كانت هذه التبعيّة، لحصل تقدُّم معيَّن... هذا ممّا لا شكّ فيه، بَيْدَ أنّ التبعيّة وعدم الإبداع والخضوع المعنويّ، من التداعيات الحتميّة لمثل هذه الحالة، وهذا غير جائز. إذًا، علينا أن نُنتِج العلم بأنفسنا، ونفجّره من أعماقنا. كلّ درجة يرتفع بها الإنسان في سلالم العلم، تعدّه للخطوة اللاحقة، والارتفاع إلى درجة عُلْيَا. علينا مواصلة هذا التحرُّك من أنفسنا، وفي دواخلنا، وباستخدام مصادرنا الفكريّة وكنوز تراثنا الثقافيّ»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/08/1382هـ.ش.   

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/09/2008م.

 

105


96

العِلم

إنتاج العلم جهادٌ

مفهوم الجهاد في الإسلام يشير إلى الحركة الناشطة الموجَّهة نحو تحقيق الأهداف الإلهيّة التي يريدها الله تعالى من المجتمع الإسلاميِّ، فهو يشمل جوانب متعدِّدة، وغير مقتصر على الجانب العسكريّ. وحيث إنّ العلم من القيم التي لا يمكن لأيّ مجتمع أن يقوم من دونها، فإنّ تحقيق العلم وإنتاجه من مصاديق الجهاد.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «لا يجوز في هذه الحركة، الركونُ إلى الكسل والتقاعس والنـزعة الاتّكاليّة. ينبغي العمل بطريقة جهاديّة. ليس الجهاد في سوح الحرب فقط، إنّما لا بدّ من الجهاد في ميدان العلم أيضًا، كسائر ميادين الحياة. الجهاد معناه العمل بلا توقُّف، وتقبُّل الأخطار -بالحدود المعقولة طبعًا- والتقدُّم والأمل بالمستقبل»[1].

مراعاة الأولويّات العلميّة

على المجتمع عدم الانشغال بالقضايا العلميّة التي لا ثمرة حضاريَّة لها، بل ينبغي أن تنصبّ الجهود في مختلف مجالات إنتاج العلم، على الأولويّات التي يحتاج إليها المجتمع. فيجب علينا، إذا أردنا تطوير مجتمعنا، يشير الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «أن نشخِّص الاحتياجات والأولويّات العلميّة، ونأخذها بنظر الاعتبار في البرمجة التعليميّة. بخصوص العلوم الإنسانيّة، والعلوم الأمّ، وبعض العلوم التجريبيّة، أو على مستويات مختلفة من البحث العلميّ، قد تظهر أولويّات معيّنة بعد الدراسة والنظر الدقيق... ينبغي ملاحظة هذه الأولويّات، وأخذها بنظر الاعتبار في عمليّات البرمجة. إنّنا، بما لنا من إمكانيّات محدودة واحتياجات كثيرة، يجب أن لا نسمح لأنفسنا بالاستثمار الفكريّ والماليّ والوقتيّ والإنسانيّ في مشروعٍ لا يتمتّع بالأولويّات»[2].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/09/2008م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/09/2008م.

 

106


97

العِلم

واجب الجامعة تجاه طلّابها

جانب آخر في كيفيَّة حفظ مجتمعنا وشبابنا على جميع الأصعدة، إنما هو بيد الجامعيِّين والجامعات، وقد بيّن الإمام الخامنئيّ (دام ظله) ذلك في مواضع عديدة من كلماته، نذكرها تباعًا ضمن العناوين الآتية:

1. الاهتمام بتربية الطلبة

يقول سماحته (دام ظله): «على الجامعة الاهتمام بتربية الطلبة، من حيث الثقافة والأخلاق والهويّة؛ أي إنَّ قضيّة التربية تفوق قضيّة التعليم. وطبعًا، التربية ذات التوجّه الخُلُقيّ والمعنويّ، والتلطيف الروحيّ، وبثّ روح الشعور بالهويّة في شريحة الطلبة الجامعيّين الشباب»[1].

2. تربية الطلبة بما يؤهّلهم لقيادة المجتمع (في الأخلاق والثقافة والهويّة)

ينبغي على الجامعات أن تسعى إلى تربية طلبة مؤهَّلين لقيادة المجتمع الإسلاميِّ، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «وفي ما يتعلّق بتربية الطلبة الجامعيّين، من حيث الأخلاق والثقافة والهويّة: إعداد القوّة العاقلة. فما هي القوّة العاقلة؟ وما هو العقل؟ العقل في الأدبيّات الإسلاميَّة، ليس مجرّد ذلك الجهاز الذي يُنجِز لنا الحسابات المادّيّة، لا، «العَقْلُ مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحمٰنُ وَاكْتُسِبَ بِهِ الجِنَانُ»[2]. هذا هو العقل. «اَلعَقْلُ يَهْدِيْ وَيُنْجِيْ»[3]. هذا هو العقل. ينبغي للعقل أن يتسامى بالإنسان. العقل، في مستوى من المستويات،

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 10/06/2018م.

[2]  الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاريّ، دار الكتب الإسلاميَّة، إيران - طهران، 1407هـ‏، ط4، ج1، ص11.

[3]  التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيّد مهديّ رجائي‏، نشر دار الكتاب الإسلاميِّ‏، إيران- قمّ، 1410هـ، ط2، ص124.

 

107


98

العِلم

هو ذلك العامل الذي يوصل الإنسان إلى مقام القرب ومقام التوحيد. وبمستوى أدنى منه، العقل هو ذلك الشيء الذي يوصل الإنسان إلى نمط الحياة الإسلاميَّة. وبمستوى آخر، العقل هو ذلك الشيء الذي ينظّم العلاقات المادّيّة للحياة الدنيا. هذا كلّه من عمل العقل. القوّة العاقلة هي تلك القوّة التي يمكن أن تتوفّر على هذه الأشياء كلّها. لذا، فهي بحاجة إلى التربية المعنويّة.

ربّوا الطلبةَ الجامعيّين تربيةً معنويّةً. هؤلاء شباب، والشابّ لطيفٌ بنحوٍ طبيعيّ، وطاهرٌ نسبيًّا، وله قابليّةُ السير بالاتّجاه المعنويّ، وهذا ما يجب توفيره في الجامعة. «لَا يُسْتَعَانُ عَلَى الدَّهْرِ إِلَّا بِالعَقْلِ»[1]. الحياة غير ممكنة من دون العقل. لذا، ينبغي أن يكون الجانب التربويّ لهذه القوّة العاقلة قويًّا. وينبغي للجامعة أن تربّي شبابًا ذوي إيمان وشرف ومبادرة، وغير كسالى، ومن أهل الجِدّ والسعي والثقة بالنفس، وممّن يقبلون الحقّ، ويطالبون به. هذه خصال الإنسان السامي، هذا هو الإنسان الذي يريده الإسلام، وهذا هو الإنسان الذي لو تولّى إدارة المجتمع، لاستطاع توجيه المجتمع نحو الصلاح والفلاح، وإلّا، افترضوا مثلًا أنّه من الشائع الآن في الفضاء الافتراضيّ، أن يسيء الناس بعضهم إلى بعض، وأن يتّهم هذا ذاك، وذاك يتّهم هذا، وأنْ يُضَخِّموا نقطة ضعف صغيرة، ويُريقوا ماءَ وجهِ إنسانٍ مؤمنٍ، ولا يُعلَم من هو، طبعًا هذا شيءٌ سيِّئٌ جدًّا. ثمّة مثل هذه الأشياء بين شبابنا، ويجب الحؤول دونها، وهذا الشيء ممكنٌ بالتربية المعنويّة»[2].

 


[1]  المجلسّي، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقيّ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار ، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج75، ص7.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 10/06/2018م.

 

108


99

العِلم

ثمَّ يضع الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بعض النماذج التي ينبغي تسليط الضوء عليها في العمليَّة التربويّة في الجامعة، وهي كالتالي، حسب كلماته:

أ. لتربيتهم على أخلاق الحياة الإسلاميَّة

يقول (دام ظله): «في مجلس الرسول (صلى الله عليه وآله)، نال شخصٌ مِن عرض مؤمنٍ، وأراق ماءَ وجهه -ولم تذكر الرواية بأيِّ شكلٍ نال منه- ودافع شخصٌ آخر عن ذلك المؤمن الذي جرى النيل منه، فقال الرسول (صلى الله عليه وآله): إنّ هذا الذي فعلتَه -حيث دافعت عن حرمة مؤمن- حجابٌ دون نار جهنّم. هذا حجاب دون نار جهنّم! هذا هو نمط الحياة الإسلاميَّة. يعني «اِرْحَمْ، تُرْحَمْ»[1]. ارحمْ؛ لكي يرحمَك الله تعالى. هذا ما يجب تعليمه ونشره بين شبابنا. ينبغي لشبابنا أن يكونوا ﴿أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ﴾[2] -هذه الآية التي تُلِيَت هنا- يجب أن يتربّى [الشابّ] بهذه الطريقة؛ أن يقف بوجه الظلم، ويقف بوجه المعتدي، لكنّه يتعامل بعطف وتسامح مع أخيه المؤمن. يجب أن نُعلِّم شبابنا العفو والتجاوز. إذا لم يجرِ تهذيب هذا الشابّ اليوم، وأصبح غدًا مسؤولًا عن قطاعٍ ما، فسوف يُنجِز الأعمال بطريقة ضعيفة، أو غير موثوقة، أو خاطئة. الذي يكون اليوم على استعداد للنيل من شخصٍ ما بدافعٍ من المزاح، أو تمضيةً للوقت، أو لإشباع حسٍّ داخليّ، عندما يكون غدًا في تنافس انتخابيّ مثلًا، سيكون على استعدادٍ أنْ يسحق إنسانًا مؤمنًا بالكامل؛ من أجل الفوز! هذا ما سيصبح عليه [غدًا]. وسيكون لهذا أثره هناك أيضًا»[3].

 


[1]  الصدوق، الشيخ محمد بن علي، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قم، 1417هـ، ط1، ص209.

[2] سورة الفتح، الآية 29.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 10/06/2018م.

 

 

109


100

العِلم

ب. تربيتهم على خُلُقيَّات العِشْرة

يقول سماحته: «بأن تكون علاقات الناس ومعاشرتهم خُلُقيَّةً. وتتمثّل في الرحمة والإيثار والتعاون والمساعدة وأمثالها. رُشد هذه الخُلُقيَّات ونموّها يرتبط بمعاشرة الناس بعضهم لبعض في المجتمع»[1].

ج. إعداد الأجواء للرشد والسموّ المعنويّ

يقول (دام ظله): «إعداد الأجواء لرُشد المعنويّات والتحرّر من عبوديّة الشهوة والغضب لدى الأفراد اللائقين؛ هذه من أعلى الأمنيّات والآمال التي يتمّ الغفلة عنها غالبًا! يجب أن تصل الأجواء إلى مستوى يمكن للأشخاص المستعدِّين، مِن ذوي اللياقة، أن يتحرّكوا في هذه الفضاءات، فينمو أمثال الحاجّ ميرزا عليّ القاضي، وأمثال العلّامة الطباطبائيّ، والشخصيّات البارزة بهذا الشكل. [هؤلاء] من الأفراد المتعالِين والراقين، الذين استطاعوا أن يتحرَّروا من هذا الجوّ المادّيّ، ويتساموا ويحلّقوا للأعلى. يجب إعداد الأجواء لهذا الرشد والسموّ المعنويّ. بالطبع، لا نمتلك كلّنا مثل هذا الاستعداد، ولكن يوجد بيننا من لديهم اللياقة لهذه الحركة، وخاصّة في مرحلة الشباب.

قال له: أنت عبدُ عبيدي، فكيف أقف لك!

في تلك الحادثة المعروفة عن «ديوجانس» الحكيم[2]، حيث خاطب الإسكندر: أنت عبدٌ لعبيدي! كان الإسكندر يسير على طريق، وكان الحكيم جالسًا، فلم يلتفت إليه، ولم يقم احترامًا. انزعج الإسكندر، وقال لحرّاسه: اُنظروا من هو هذا؟ أحضروه. سأله: لماذا لم تقف احترامًا لي؟ قال: ليس عندي أيُّ سبب لأقوم لك، فأنت عبدٌ

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 28/05/2018م.

[2]  ديوجانس الكلبيّ، فيلسوف يونانيّ (421 - 323ق.م).

 

110


101

العِلم

لعبيدي! قال الإسكندر: ماذا تعني؟ أنا الإسكندر عبدٌ؟ قال: نعم، الشهوة والغضب هما عبيدي، وتحت تصرُّفي، وأنت عبدٌ للشهوة والغضب، فأنت عبدٌ لعبدٍ! الإنسان المطلوب [المنشود] هو الذي يتمكّن من النجاة من عبوديّة الشهوة والغضب، حسنًا، هذه مُثلٌ عليا وأهداف كبرى»[1].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 28/05/2018م.

 

111


102

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

في المعركة ضدّ أعداء الإسلام، لا يكفي الدفاع وبناء الأسوار فقط، بل لا بدّ من العمل الدؤوب من أجل تبيان المفاهيم والمبادئ الإسلاميَّة.

فلسفة جهاد التبيين

1. أصل الدعوة

إنّ بيان الحقيقة هو أساس الفكر الإسلاميِّ القائم على إظهار المعرفة، ودحض الافتراءات، وتنوير مواطن الجهل الناجم عن الجهل بالحقيقة. بدأ الأنبياء (عليهم السلام) مسيرة التبيين، واستكمالها الأئمّة (عليهم السلام) من أجل حماية الحقّ، ودحض الباطل، وإحباط فرص تضليل الناس من قبل أعداء الدين في مختلف المجالات، يقول الإمام الخامنئيُّ (دام ظله): «من حيث الخلفيّة الدينيَّة والعقائديّة، فإنّ أصل الدعوة في صدر الإسلام كانت تقوم على التبيين. فالتبيين والتوضيح من أهمّ مهامّ الأنبياء (عليهم السلام)، بينما أعداء الأنبياء يستخدمون الجهل والطمس»[1].

وفي مورد آخر يقول (دام ظله): «إنّ التبيين هو أساس الفكر الإسلاميِّ، ﴿فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ﴾[2]، حيث يقول الله لرسوله إنّ واجبك هو الإبلاغ، يجب أن توصلوا الكلام والأفكار، يجب أن تبيّنوا كلماتكم وآراءكم،


 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/05/05م.

[2] سورة الرعد، الآية 40.

 

113


103

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

تكلّموا وعبّروا عن مواقفكم وأفكاركم، وكان تبيين الحقائق بارزًا جدًّا في السيرة العلويّة، ففي خطب نهج البلاغة الكثير من التبيين لحقائق كانت موجودة في المجتمع في تلك الأيّام، وكان التبيين أيضًا المبدأ المهمّ للثورة الحسينيّة، يجب ألّا يُعرف الإمام الحسين (عليه السلام) فقط من خلال معركة يوم عاشوراء؛ فذلك جانب من جهاد الإمام الحسين (عليه السلام). ينبغي معرفته من خطبه وكلماته، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وإيضاحه للقضايا والأمور في منى وعرفات، وخطابه للعلماء وللنخب -للإمام الحسين كلمات عجيبة ومهمّة مسجّلة في الكتب- ثمّ في الطريق إلى كربلاء، وفي ساحة كربلاء نفسها.

كان (عليه السلام)، في ساحة كربلاء نفسها، صاحب تبيينٍ وتنوير، فكان يذهب ويتحدّث. مع أنّها ساحة حرب، والمتوقَّع إراقة الدماء، لكنّه (عليه السلام) كان ينتهز أيّ فرصة للتحدُّث إلى الطرف المقابل، عسى أن يستطيع إيقاظهم. بعض النيام استيقظوا طبعًا، وبعض المتظاهرين بالنوم لم يستيقظوا حتّى النهاية»[1].

2. أساس العمل

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ التبيين هو أساس عملنا الإسلاميِّ، نحن نتعامل مع الأذهان، مع القلوب؛ ينبغي أن تقتنع القلوب، فإن لم تقتنع القلوب، فإنّ الأجسام لا تتحرّك، ولا تنهض للعمل؛ هذا هو الفرق بين الفكر الإسلاميِّ والأفكار غير الإسلاميَّة»[2].

3. توجيه البلاد باتجاه محدَّد

يشير الإمام الخامنئيّ (دام ظله) إلى أنَّ التبيين ينبغي أن يوجد في المؤسَّسات كُلِّها، وخصوصًا المؤسَّسات التعليميَّة؛ لأهميّتها ودورها

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/07/2009م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/07/2016م.

 

114


104

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

في توجيه البلاد: «إنّ مسألة الثقافة هي إحدى المسائل المهمّة، اعملوا على تبيينها. هذا التبيين ينبغي أن يكون في أجواء الجامعة، وكذلك خارج الجامعة، في صلاة الجمعة وأمثالها، وهذا التبيين يصنع «خطابًا»، ويوجِد فكرًا ومطالبة عند الرأي العامّ، وهذا ذو قيمة عالية، إنّه يوجّه البلاد باتجاه محدَّد»[1].

4. رفع الجهل وإتمام الحجّة

إنَّ الهدف الرئيس للتبيين هو بيان الأهداف الإلهيَّة التي سعى الأنبياء (عليهم السلام) إلى تحقيقها في المجتمعات الإنسانيّة، يقول سماحته (دام ظله): «إنّ الهدف الرئيس لأنبياء الله (عليهم السلام) هو التبيين؛ بيان الحقيقة؛ إذ ما يوجب ضلال الناس غالبًا هو جهلهم بالحقيقة، هذا هو الأساس. ويوجد بالطبع مَن ينكر الحقيقة بعد معرفتها، إلّا أنّ أساس الانحرافات ناجم عن الجهل بالحقيقة. ولقد جاء أنبياء الله (عليهم السلام) لبيان الحقيقة وتوضيحها وإظهارها وإتمام الحجّة على الناس»[2].

5. بيان صواب العمل

يشير سماحته (دام ظله) إلى أنَّ التبيين يؤدّي إلى بيان صوابيَّة العمل، حيث يقول: «يجب أن يكون التصدّي مصحوبًا بالتبيين والتوضيح. وهذه إحدى الممارسات المهمّة، والتي تعود إلى قضيّة التبليغ والإعلام؛ أي إنّكم عندما تحاكمون فاسدًا مثلًا، وتحكمون عليه بجزاء وعقوبة معيّنة، يجب تبيين هذا الشيء للناس، بحيث يشعر الجميع بأنَّ هذا العمل صائب، وكان يجب أن يتمّ على هذا النحو»[3].

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/07/2016م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 04/01/2016م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/06/2018م.

 

115


105

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

ويعطي سماحته (دام ظله) شاهدًا من التاريخ في سيرة المعصومين (عليهم السلام) فيقول: «ورد في سيرة الإمام الحسن (عليه السلام) أنّ عبيد الله بن عبّاس كان قائدًا لقسمٍ مهمٍّ جدًّا من جيش الإمام الحسن (عليه السلام). نام الجيش مساءً، واستيقظوا صباحًا، ليجدوا أنّ عبيد الله بن عبّاس غيرُ موجود في خيمته؛ كان قد هرب والتحق بمعاوية. فقد جاؤوا إليه، ورشوه بأموال وأشياء، فذهب والتحق بمعاوية. مثل هذا الحدث كان حدثًا قاصِمًا جدًّا لجيش الإمام الحسن (عليه السلام). هناك، جاء أحد الصحابة المقرَّبين، وخطب بالناس، وقدَّم بيانًا وتوضيحًا لِمَا حدث. بعد كلمته تلك، فرح الجميع، وقالوا: الحمد لله أنْ ذهبَ هذا عنّا! لاحِظوا! هكذا يكون التوضيح والتبليغ بالمعنى الواقعيّ؛ يتقدّم ويتكلّم ويوضِّح بأنّ ما حدث هو لصالحنا. وعلى حدّ التعبير الدارج اليوم: «تحويل التهديد إلى فرصة»[1].

6. نشر حقائق الإسلام

إنّ جانبًا كبيرًا من الجهاد الكبير في هذا اليوم مرهونٌ بالتبيين، وبيان الحقائق، وإنارة الأفكار؛ حاولوا بالتعمّق إيصال الأذهان إلى أعماق الحقائق والمسائل. الجامعات بوسعها أن تقوم بإنجازات كبرى في هذا المجال، وأن تجعل التبيين والتنوير واحدًا من برامجها الأساسيّة، سواءٌ في المنظومة التابعة لها، أو في نطاق أوسع، بحسب ما تسمح لها إمكانيّاتها»[2].

إنّ أسس الفكر الإسلاميِّ وتبيين مصاديقه، مثل صمود الجمهوريّة الإسلاميَّة، جذّابة بالنسبة إلى العالم، وهذه الجاذبيّة نابعة من صمود نظام مستقلّ أمام متغطرس، وهذا سبب غضب الأميركيّين.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/06/2018م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/05/23م.

 

116


106

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

يجب استغلال هذه الجاذبيّة من أجل نشر حقائق الإسلام والشعب الإيرانيّ»[1].

7. هداية المجتمع إلى التقوى

انظروا إلى خطب نهج البلاغة، فإنّ الكثير منها هو تبيين للوقائع الجارية في المجتمع، في تلك الأيّام، سواء الخطب أو الرسائل، تلك الرسائل كانت موجَّهة غالبًا، للذين يعارضون الإمام أو يعاندونه، مثل معاوية وغيره، أو ولاة أمير المؤمنين والذين كان يوجّه إليهم الإمام اللوم والاعتراض؛ غالبًا كان الأمر هكذا. بعض الرسائل كذلك كانت توصيات وقوانين وأوامر، مثل عهد مالك الأشتر، كان الإمام يبيّن، في هذه الخطب والرسائل كلّها، الحقائقَ للناس، وكانت هذه سلسلة أعمال أمير المؤمنين (عليه السلام)، قَلَّما توجد خطبة من خطبه ليس فيها أمرٌ بالتقوى»[2].

من الأعمال المهمّة لأئمّة الجماعات المحترمين في المساجد، تبيين مسألة الصلاة للناس، كي نعرف قدر الصلاة، فإنْ تحقَّق هذا الأمر، فإنّ الصلاة سترتقي بشكل نوعيّ. في الواقع، إنّ صلواتنا إمّا أنّها في حالات كثيرة ليست نوعيّة، أو أنّها ذات نوعيّة متدنّية أو ليست عالية؛ يجب الوصول إلى عمق أذكار الصلاة»[3].

التبيين واجب العلماء والمثقّفين أوّلًا

إنّ الواجب الملقى على أعناق المجتمع الإسلاميِّ أجمع والأمّة الإسلاميَّة جمعاء، في الدرجة الأولى، هو الجهاد في سبيل تنوير الأفكار وتوعيتها. والمسؤوليّة هذه تقع على عاتق العلماء والمثقّفين

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/01/2020م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/09/20م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/08/21م.

 

117


107

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

والدارسين وكلّ مَن له منبر، فليعملوا على إنارة الأفكار وتبيان حقائق العالم الإسلاميِّ للناس. والتنوير هذا جهاد؛ إذ الجهاد لا يقتصر على رفع السلاح والنضال في ميدان القتال، وإنما يشمل الجهاد الفكريّ، والجهاد العمليّ، والجهاد التبيينيّ والتبليغيّ، والجهاد الماليّ أيضًا.

اليوم، وبسبب أنّنا لم نؤدِّ فريضة التبيين بشكل صحيح، وقع بعضهم في ضلالة، وراحوا يعملون ضدّ الإسلام، زاعمين أنّ عملهم هذا يصبّ في خدمة الإسلام. وهؤلاء هم الجماعات الإرهابيّة في منطقتنا، الذين سلبوا الأمن والاستقرار من الشعوب المسلمة، وأخذوا يحاربون المسلمين بالنيابة عن العدوّ. إنّ هذه الجماعات الإرهابيّة المقرّبة من الوهّابيّة، قد أخذت على عاتقها عناء العدوّ، وباتت تنفّذ، بالنيابة عنه، ما كان يصبو إليه، وتثير الخلاف والشقاق بين المسلمين.

فلا بدّ من التبيين والتوعية والعمل، وعليكم أن تستثمروا المحافل والاجتماعات، قوموا بإرشاد شعوبكم وتوعيتها على أساس التعليمات القرآنيّة، والجهاد القرآنيّ، والتبيين الذي ينشده القرآن: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ﴾[1]. هذا ما يجب عليكم بيانه وإيضاحه لهم»[2].

التبيين نظريّة المقاوَمة مقابل العدوِّ القويِّ

لا يتصوَّرَنَّ بعضهم أنّه علينا التراجع؛ لكون العدوّ يمتلك قنابل وصواريخ، ولديه أجهزة إعلاميّة وما شابه؛ لا، أبدًا؛ فنظريّة المقاومة نظريّة أصيلة وصحيحة، سواء على المستوى النظريّ، أو على المستوى العمليّ، ويجب أن يُرَوَّج لها على كِلا المستويَين.

 


[1] سورة آل عمران، الآية 187.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/05/18م.

 

118


108

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

على المستوى النظريّ، عليكم أن تبيِّنوا وتوضحوا نظريّة المقاومة بشكلٍ جيّد جدًّا، سواء في ما بينكم، أو في البيئة والأجواء التي تعيشون فيها، أو حتّى في العلاقات مع البلدان الأخرى، والشباب الآخرين.

بَيِّنُوا للجميع نظريّةَ المقاومة، وأنّ هدف الاستكبار هو السيطرة والهيمنة والتسلُّط على الشعوب، وليعلم الجميع بأنّ هذا هو هدف الاستكبار»[1].

ميادين التبيين

1. الفضاء المجازيّ

يقول الإمام الخامنئي: إنّ الفضاء المجازيّ هو ساحةٌ للتبيين، جهّزوا أنفسكم بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، وادخلوا هذا الميدان، ميدان التبيين والكشف… يمكنكم نشر الأفكار الصائبة والصحيحة، والإجابة عن الإشكالات والإبهامات المختَلَقة في هذا الفضاء، يمكنكم الجهاد في هذا المجال بالمعنى الحقيقيّ للكلمة»[2].

2. صلاة الجمعة ومجالس العزاء

يقول سماحته (دام ظله): «إنّ صلاة الجمعة، كما هو ظاهر من اسمها، مكانٌ للتجمّع ومحلٌّ للاجتماع. وهي تشكّل فرصة كبيرة للتبيين. فإنّكم أحيانًا تُضْطَرُّون إلى أن تطرقوا باب هذا المنزل وذاك المنزل، أو أن تستخدموا أساليب غير مباشرة، مثل وسائل التواصل الاجتماعيّ المتاحة اليوم وغيرها، هي واسعة النطاق، غير أنّ الرؤية المباشرة والنظرات المتبادلة، والجلوس وجهًا لوجه، والإحساس بالحضور،

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 03/11/2018م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/09/2021م.

 

 

119


109

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

والشعور بالأنفاس المتبادلة ما بين المتكلّم والمستمع، والاجتماع مع بعضهم بعضًا شيء آخر. فقد تصل كلمة أو رسالة عبر المواقع الإلكترونيّة أو الهواتف الجوّالة لبضع مئات الآلاف من الناس، ولكن شتّان ما هذا وأن يجتمع هذا العدد نفسه في مكان واحد للاستماع إلى مَن يحدّثهم ويخاطبهم. إنّ للحضور وجهًا لوجه تأثيرًا استثنائيًّا آخر، وهذه الفرصة في متناول أيديكم»[1].

ويقول (دام ظله): «إنّ مجالس العزاء وهذه المنابر، هذه اللقاءات الشعبيَّة والجماهيريّة ليست رائجة في العالم؛ أن يتمّ دعوة شخص إلى مكان ومنبر ما، فيأتي ألف أو ألفان أو خمسة آلاف شخص بدون أن تُوجَّه لهم دعوة، يجتمعون بطيب خاطر، وبكلِّ شوق، يجلسون ساعة مثلًا، ويستمعون إلى كلام قارئ العزاء ومدائحه؛ لا يوجد شيء في العالم كهذا؛ حيث يستخدمون غالبًا البروباغاندا والإعلانات الباهرة، والجذب الجنسيّ، وأنواع الجذب والاستدراج وأشكالها لشدّ الناس إلى الحفلات واللقاءات.

نحن نملك هذا، أمّا الآخرون فليس لديهم ظاهرة كهذه؛ إنّها نعمة، وعلينا أن نُقدّرها، وأن نستغلّ هذه الفرصة»[2].

3. ميادين الفنّ المختلفة

لا يقتصر جهاد التبيين على بعض الوسائل العامَّة، بل يمكن أن نقوم بجهاد التبيين بالوسائل المشروعة كُلِّها، كما في الفنّ مثلًا، يقول الإمام الخامنئيُّ (دام ظله): «على فنّانينا أن ينزلوا إلى الميدان -فنّ الكتابة، فنّ التجسيد في النصّ والكتابة، هذه أمور بالغة الأهمِّيَّة-، ولا يسعوا فقط لإنتاج الأفلام. الأفلام جيّدة، وهي من الأمور الضروريّة جدًّا، ولطالما

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 04/01/2016م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/07/14م.

 

 

120


110

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

أكّدتُ أنا العبد عليها وأوصيتُ بها، واليوم أيضًا أوصي مجدّدًا بإنتاج الأفلام، غير أنّ هذا التأكيد على الأفلام ينبغي ألّا يجعلنا نغفل عن الكتاب.

فليقم مَن هم مِن أهل الكتابة وأصحاب الأقلام المبدعة والذوق الرفيع بتصوير مفاهيمنا وتجسيدها، وليؤلّفوا كتبًا قصيرة، بحيث يتمكّن الشباب من قراءتها بسهولة، لينتجوا وينشروا الكتب. لا داعي للمبالغة أصلًا، ولا لكتابة أشياء غير واقعيَّة، فليقوموا بتبيين ما حدث في الواقع بشكل صحيح، فليبيّنوا بكلّ جمال وبلاغة، فإنّ هذا ما يجذب القلوب، هذا ما يترك تأثيرًا في الناس»[1].

وكذلك يشير سماحته إلى قضيّة الاستفادة من المسرح، فيقول (دام ظله): «من الأساليب الأخرى أن تستفيدوا من الوسائل الفنّيّة والتي قلّما جرى استخدامها؛ المسرح على سبيل المثال، المسرح الجامعيّ. مع الأسف، في أجوائنا الفنّيّة، فإنّ المسرح كان سيّئًا منذ ولادته. أي إنّ مسرحنا كان إمَّا مسرحًا لَغويًّا لا معنى له ولا فائدة، مثل فرق «الزفّة» وما شابه، وإمّا مسرحًا اعتراضيًّا ليس له توجّه وهدف واضح وسليم، مضافًا إلى استخدامه لغة الإبهام والغموض، حيث كانوا يتخيّلون أنّ من شروط المسرح أن يكون بلغة مبهمة ورمزيّة غامضة. والحال أنّ الأمر ليس كذلك. هنا يُمكن للكثير من الأمور أن يكون مؤثّرًا وبنّاءً.

المسرح، المسرحيّات الطالبيَّة، فليجلس أعضاء المجموعات الفنّيّة، ويقوموا بتبيين المفاهيم الإسلاميَّة الحقيقيّة بشكل واقعيّ. هنا، في هذه الحسينيّة، ومنذ سنوات طويلة -لعلّها عشرون سنة- قُدّمت مسرحيّة حول قصّة النبيّ أيّوب واستمرّت نحو ساعتين، حين

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/09/26م.

 

121


111

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

انتهت قُلتُ لذلك المخرج[1]: إنّني قد قرأتُ قصّة النبيّ أيّوب في القرآن أكثر من مئة مرّة أو لعلّه مئات المرّات، ولكنّي لم أصل إلى هذا الفهم حول هذه القصّة والذي شاهدته اليوم في هذه المسرحيّة وفهمته منها. فهل هذا بالأمر البسيط؟»[2].

4. سيرة الشهداء ومثُلهم العليا

يقول الإمام الخامنئيُّ (دام ظله): «علينا أن نرسم ونصوّر ونعرض لشبابنا وأجيالنا الصاعدة سيرة الشهداء، ونمط حياة الشهداء ليروا كيف كانوا، وإلى أين وصلوا. إنّ الحرب المفروضة، التي كانت في الواقع دفاعًا مقدسًا، لم تكن بالأمر البسيط؛ فنحن لا نزال، ورغم مرور هذه السنوات كلّها، عاجزين عن شرح أبعادها المهمّة وتحليلها لمخاطبينا بشكل صحيح؛ لقد كانت حربًا عالميّة ضدّ الإسلام، وضدّ حكم الإسلام، وضدّ الإمام العظيم؛ كانت حربًا كهذه. مع أنّهم وضعوا قمّتها وما يُسمّى برأس حربتها، ذلك السيّئ الحظّ العديم العقل البعثيّ صدّام، ولكنّ الآخرين كانوا يقفون وراءه ويدعمونه. مَن الذين كانوا يساعدونه، يدلّونه على الطريق، البعضُ يزوّده بالذخائر والتجهيزات، وبعضهم يقوّيه إذا ما أصيب بالضعف والوهن، ويحول دون سقوطه؛ كنّا نواجه حربًا كهذه. فمَن هم أولئك الذين استطاعوا إنقاذ البلاد من مثل هذا البلاء الكبير؟ هذه قضيّة مهمّة لشبابنا اليوم. مَن هم هؤلاء الذين تمكّنوا من إنقاذ البلد والنزول إلى وسط الميدان؟ هذه أمورٌ مهمّة يجب تبيان سلوكات هؤلاء الشباب، وتوضيحها للجمهور الحاليّ.

 

 


[1]  فرج الله سلحشور؛ كاتب وممثِّل، مخرج مسلسل النبيّ يوسف(عليه السلام)، ومخرج مسرحيّة النبيّ أيّوب (عليه السلام).

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 11/07/2015م.

 

122


112

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

هذا، مضافًا إلى بيان المُثُل العليا والأهداف الكبرى للشهداء. ما هي المثل العليا لهؤلاء الشباب؟ ما هي الأهداف السامية التي قاتلوا من أجلها؟ هل كانت القضيّة فقط مسألة حربٍ على الأرض، وترسيم الحدود وما شابه، بحيث إنّ هناك عدوًّا قد اعتدى على حدودنا، ونريد طرده وإخراجه من أرضنا. هل كان الأمر يقتصر على ذلك؟ ما كانت المثل العليا للآباء والأمّهات؟ هذا الأب وهذه الأمّ اللذان ربّيا هذا الشابّ، ولم يقبلا أدنى أذى لشوكة في قدمه، أو أن يُصاب بأي مرض طفيف، فإذا بهما يرسلانه هكذا إلى جبهات القتال، على الرغم من أنّهما غير متأكّدين كثيرًا من أنّه سيعود إليهما سالمًا؛ هذا أمرٌ بالغ الأهمِّيَّة. على أيّ أساس أرسل هؤلاء الآباء والأمّهات هذا الشابّ للحرب؟ هذه مسائل مهمّة، فالتفتوا إليها واهتمّوا بها.

لقد حاول الكثيرون من الأشخاص إخفاء هذه الحقائق وكتمانها. كانت المثل العليا عبارة عن الإسلام، والله، والحكم الدينيّ والإسلاميِّ؛ هذه المثل كانت تشدّ ذلك الشابّ إلى الجبهة، ومَن لا يصدّق ذلك فلينظر إلى وصاياهم؛ أيّ جاذبيّة وأيّ مغناطيس شدَّه وحرَّكه، وما الذي دفعه ليتجاوز أهواء الشباب، ويترك دراسته وجامعته، ويتخلّى عن أجواء حياته المريحة قرب أمّه وأبيه، ويتوجّه إلى صقيع المناطق الغربيّة، أو حرارة منطقة خوزستان، ليقاتل العدوّ، حاملًا روحه على كفّه!»[1].

غياب التبيين فرصة للعدوّ

يشرح الإمام الخامنئيّ (دام ظله) الآثار المترتبة على ترك التبيين، وعدم القيام بهذا الواجب، فيقول: «في حال غياب التبيين، فإنّ الفرصة ستُفتح للعدوّ لإغواء الناس وتضليلهم في مختلف المجالات، وكان إنتاج تنظيم «داعش» أحد الأمثلة على هذه المسألة في السنوات. اليوم،

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 2016/09/26م.

 

123


113

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

لأنّنا لم نقم بواجب التبيين بنحو صحيح، هناك مجموعة من الناس أصيبوا بالضلال، ويتصوّرن أنّهم يعملون من أجل الإسلام، لكنّهم يعملون ضدّ الإسلام… إنّهم يحاربون المسلمين بدلًا من العدوّ»[1].

ضوابط التبيين

يحدّد الإمام الخامنئيّ (دام ظله) الضوابط الأساسيّة لجهاد التبيين، وهي:

1. عدم تأجيج الفتنة وإثارة الصراع

يقول سماحته (دام ظله): «إنّ تكليفنا الأساس هو التبيين، ولا بدّ لنا من التصدّي لذلك، بيد أنّ هذا التبيين قد يتمّ بأشكال مختلفة، فإن كان بالشكل الذي يؤول إلى تأجيج الفتنة وإثارة الصراع، فهو مرفوض، وإن كان بالشكل الذي يؤدّي إلى توعية الناس، وتنبّه المسؤولين إلى طرق الحلّ، فهو مطلوب للغاية، ولا يوجد فيه إشكال»[2].

2. أن يكون مرتبطًا بقضايا اليوم، واحترافيًّا

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «يجب أن تُبيّنوا للناس القضايا الجارية في البلاد، وهي من الواجبات المهمّة لطلّاب الجامعات؛ قولوا مواقفكم وآراءكم بشأن القضايا المهمّة للبلاد، وبيّنوا ما يتعلّق بقضيّة الاقتصاد المقاوم، وقضيّة التقدّم العلميّ، والعلاقة بأميركا، هي ليست قضايا واضحة للكثيرين»[3].

ويقول (دام ظله): «في ميدان جهاد التبيين، إنّ الاهتمام باحتياجات اليوم، والإبداع في الأدب والأساليب بما يرضي قلوب المخاطبين وعقولهم، هو من الشروط اللازمة»[4].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18/05/2016م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 10/03/2016م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/07/2016م.

[4] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 19/08/2018م.

 

124


114

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

3. اتباع نهج خُلُقيّ

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنَّ للتبيين التزاماته، والتي يُعدُّ مراعاتها شرطًا لفاعليّة الكلام الحقّ. والمبدأ الحاسم في هذا الشأن هو ضرورة اتباع نهج خُلُقيّ في أداء هذا العمل.

علينا أن نجتنب بشدّة ما يفعله بعضهم في الفضاء المجازيّ أو المطبوعات والمقالات وهنا وهناك من مواجهة للرأي العامّ بالسِّباب والافتراء والخداع والكذب»[1].

4. البعد عن الضجّة والصخب

يقول سماحته (دام ظله): «إنّ تبيين الحقائق لا يتحقّق بالضجّة والصخب، بل بالعمل السليم المتّسم بالذكاء والوعي، وهذا ما يحقّق النفع والفائدة»[2].

5. الوعي والعقلانيّة وتكاتف الجهود

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إذا كان التبيين هو أساس العمل الإسلاميِّ، فلا بدّ من أن يستند إلى الوعي والعقلانيّة، ولا بدّ من نشر الحقائق بمنطق قويّ، وخطاب متين، وعقلانيّة تامّة، مع تزيينه بالعاطفة والمشاعر الإنسانيّة، وتطبيق الأخلاق.

علينا جميعًا أن نتحرّك في ميدان التبيين، كلّ واحد بطريقته وفي مجال عمله، حتّى نكون شركاء في صناعة النصر على الجهل والأكاذيب التي تُبَثُّ هنا وهناك، متسلّحين بسلاح المعرفة والوعي والعلم، والحقيقة المقرونة بالدلائل والأسباب»[3].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/09/2021م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/05/2016م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 27/09/2021م.

 

125


115

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

الحذر من سياسة العدوّ الإعلاميّة

يقول سماحته (دام ظله): «إنّ السياسة القاطعة لوسائل الإعلام المعادية للجمهوريّة الإسلاميَّة وللإسلام هي تحريف الحقائق. إنّهم يعملون باستمرار على تحريفها، وبثّ الأكاذيب. يخلطون الأخبار المرتبطة بالجمهوريّة الإسلاميَّة، ويمزجونها بأنواع الأكاذيب وأقسامها -الأكاذيب الاحترافيّة التي جلسوا، وعملوا من أجلها، وعوّلوا عليها- ويزيّنون ويجمّلون الوجه القبيح والفاسد لنظام الطاغوت، ويتستّرون على آلاف الجرائم والخيانات التي ارتكبوها... لهذا، إنّ «جهاد التبيين» فريضة. «جهاد التبيين» فريضة حتميّة وفوريّة، وكلّ مَن يستطيع عليه ذلك»[1].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/02/2022م.

 

126


116

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

الوسائل الثقافيّة أهمّيّتها وأنواعها ودورها
أوّلًا: الكتاب والكتابة
تعريف الكتاب وأهمِّيَّته الحضاريَّة

إنّ قيام الحضارة بشكل عامّ، يتقوّم بعدَّة عناصر، يقع على رأسها العنصر الثقافيُّ والفكريُّ الذي يُمثِّلُ البنية التحتيّة التي تقوم عليها البنية الحضاريَّة ككلّ، وبالإضافة إلى هذا العنصر، تأتي عناصر أخرى مثل ما سنطلق عليه اسم «الأدوات الحضاريَّة»، ونقصد بها مجموع الآليّات والأدوات والأجهزة والمبتكرات الإنسانّية التي تستخدمها حضارة ما لِنَشْر هويَّتها الثقافيَّة بين الأفراد، ومن هذه العناصر: الكتاب.

فالكتاب هو، حسب تعبير الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «نتاج فكرٍ ودماغ وتجربة وفنِّ شخصٍ ما أو عدّة أشخاص قاموا بإعداده وإنتاجه»[1]. وهو أن «يقوم الإنسان بتنضيج ما في ذهنه وتنميته وتصفيته من الاخطاء والأغلاط، ومن ثَمَّ صبِّه في قالب الألفاظ. وإنّ من العناصر المهمَّة في باب الكتابة، أن يرفع الإنسان كيفيَّتها ونوعيَّتها يومًا بعد يوم»[2]. فإذا كان هذا الفكر المنتج للكتاب نابعًا من هويَّة حضاريَّة ويحاول نقلها

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/07/2011م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/02/1992م.

 

 

127


117

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

عبر الألفاظ، فعندها، سيكون الكتاب وسيلة وأداة لصناعة الذهنيَّة العامّة عند الناس تجاه الثقافة التي تنتهجها الحضارة.

قد يتصوَّر بعض الناس والمشتغلين بأمور الثقافة أنَّنا قد نصل إلى مرحلة نستغني فيها عن الكتاب، بسبب وجود مصادر أو آليات أخرى تحلُّ محلَّ الكتاب، ولكنَّنا في الحقيقة «كلّما تقدّمنا ازداد احتياجنا إلى الكتاب. ومن يتصوّر أنّه بظهور وسائل الاتصال الحديثة سيُعزل الكتاب فهو مخطئٌ؛ فالكتاب، يومًا بعد يوم، يزداد أهمِّيَّة في المجتمع الإنسانيّ. والوسائل الحديثة مهارتها الأساس هي في نقل مضامين الكتب ومحتوياتها والكتب ذاتها بسهولة ويُسر. فلا يمكن لأيِّ شيء آخر أن يحلّ محلّ الكتاب»[1].

المسؤوليَّات تجاه الكتاب

الإسلام دين يدعو إلى تحمُّل المسؤوليَّة تجاه النفس والمجتمع البشريّ ككلّ، وليس الإعتزال عن القضايا الكبرى من شيم المسلم. من هنا، تتأكَّد قيمة تحمُّل المسؤوليَّة تجاه أيِّ غذاء فكريّ يسعى الكتاب إلى نَشْرِه في المجتمع وبين ظهراني الناس، وهذا ما يشدّد عليه الإمام الخامنئيّ قائلًا: «ليعرف الخطباء والكتّاب، ومن يتوجّه نحو الرأي العامّ، ما هم صانعون وماذا يقولون؛ فالمسؤوليّة فادحة، ومن ارتكب خطيئة في هذا المجال ــ لا سمح الله ــ فإنَّ الله لن يغفر له خطيئته، وليس من السهولة التوبة عن مثل هذه الخطايا؛ لأنها ليست قضايا شخصيَّة»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/07/2011م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 18 شوّال 1422هـ.

 

128


118

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

في الكلام حول الكتاب، كعنصر وأداة للحضارة الإسلاميَّة، ينقسم الكلام إلى ثلاثِ شعب، وذلك استنادًا إلى ما حدَّده الإمام الخامنئيّ (دام ظله)من مسؤوليَّات ووظائف تقع على عاتق المفكِّرين وأصحاب القرارات حيث يقول (دام ظله): «في مجال الكتاب نتحمَّل عدَّة مسؤوليَّات وتكاليف: الأوّل هو أن ننتج الكتب في المجالات الفكريَّة المختلفة.. والتكليف الثاني هو أن تتحوَّل المطالعة إلى عادة رائجة.. والتكليف الثالث هو نقد الكتاب وتحليلُهُ»[1].

المسؤوليَّة الأولى: إنتاج الكتاب

أمَّا لجهة المسؤوليّة الأولى - أي إنتاج الكتاب- فلا بُدَّ من الالتفات إلى وجود أولويَّات في نوعيَّة الكتب التي يجب نشرها. وانطلاقًا من فهم الدين، كمنظومة فكريَّة، تقع السياسة وإدارة المجتمعات على رأسها، فإنَّ توعية الناس على القضايا السياسيَّة المصيريَّة والتي تشكِّل التحدِّي الأكبر أمام بناء أيّ حضارة، تُعتبر -التوعية- من أوَّليَّات قضايا التي يجب تبيينها ونشرها بين الفاعلين في المجتمع، ولاسيَّما الشباب؛ لأنَّ عدم الوعي السياسيّ قد يودِّي بمجتمع بأكمله إلى هاوية التبعيَّة والاستعمار، أو بالمقابل، فإنّ الوعي السياسيّ قد يرفع البلاد إلى أرقى أنواع الاستقلال والتحرُّر من نير المستكبرين وفراعنة العصر حتّى تحصيل الاستقلال في الهويَّة الدينيَّة للمجتمع والشعب، ويقع على الدرجة نفسها من الأهمِّيَّة، الكتب التي تحاكي ذائقة الشباب والعنصر الفعّال من شرائح المجتمع من حيث الأسلوب والمضمون. ولذا، يحدِّد الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنَّه: «بالنسبة إلى الأَوْلويَّة، ففي الدرجة الأولى، فتِّشوا عن الكتب السياسيَّة، والكتب الأدبيَّة، والكتب الفنِّيَّة والكتب التي تجذب أفكار الشباب»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 10/05/1993م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/04/1987م.

 

129


119

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

نعم، لا يمكن إغفال النظر عن الكتابات التخصُّصية أيضًا في مجال ترسيخ الفكر الإسلاميِّ وقيمه ومعنويَّاته، فالتوجُّه لتعميق الفكر في الحوزات الدينيَّة وتأصيل الأفكار استنادًا إلى المتون المقدَّسة كالقرآن والسنَّة أمر ضروريّ، ويجب أن يسير بموازاة العمل الفكريّ العامّ الذي يسعى لاجتذاب الشباب ومن ليس شغلهم الفكر بالمعنى الخاصّ للكلمة. ومن هنا، يخاطب الإمام الخامنئيّ (دام ظله) المشتغلين بأمور التأسيس النظريّ للفكر الإسلاميِّ قائلًا: «قوموا بالكتابة حول قوانين الإسلام وآثارها الاجتماعية وفوائدها وانشروا ذلك. سيروا في طريقة عملكم التوجيهيّ ونَمَطِهِ وأنشطتكم نحو التكامل، وتذكَّروا أنَّكم مكلَّفون بتأسيس الحكومة الإسلاميَّة. اعتمدوا على أنفسكم، واعلموا أنَّكم ستنجحون في هذا العمل. لقد هيّأ المستعمرون الأرضيَّة منذ ثلاثة أو أربعة قرون، شرعوا من الصفر حتّى وصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن. لنشرع نحن من الصفر أيضًا. لا تسمحوا لضجيج بعض المتغرِّبين والمستسلمين لخدم الاستعمار أن يخيفكم. عرَّفوا الناس على الإسلام»[1].

المسؤوليّة الثانية: تحويل المطالعة إلى عادة رائجة

ويشجع الإمام الخامنئيّ (دام ظله) على القراءة والمطالعة قائلًا: «لا ينبغي للطالب أن يدع الكتاب جانبًا، فليقرأ، وليطالع في مرحلة الشباب، وليكن حاله هكذا دائمًا. املؤوا وعاء الذاكرة هذا، الذي ليس له حدٌّ قدر المستطاع في مرحلة الشباب. فكلّ ما أودعناه في ذاكرتنا في مرحلة الشباب، ما زال موجودًا اليوم، وكلّ ما نحصل عليه في مرحلة الشيخوخة -حيث إنّني أنا العبد الآن في هذه الأيّام مع كلّ ابتلاءاتي أطالع أكثر من الشباب- فإنّه لا يبقى. أنتم الآن شبابٌ،

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17 جمادى الثانية 1422هـ.

 

130


120

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

فادّخروا ما أمكنكم من المعلومات القيّمة والمفيدة والضروريّة في المجالات المختلفة التي تحتاجون إليها للتبليغ، فسوف تستفيدون منها»[1].

إن الكتاب، بما هو ورق وحبر، لا يشكِّل قيمة حضاريَّة بالمعنى المنشود، بل إنَّ المؤمَّل هو تصيير الكتاب صانعًا لخطاب فكريّ وصانعًا لهويَّة ثقافيَّة إسلاميّة، وهذا لا يتمُّ من دون جعل المطالعة عادة رائجة في المجتمع، وبعبارة أخرى: «الاهتمام بالكتاب في الواقع، قوامه الاهتمام بالمطالعة. فيجب ترويج عادة المطالعة في المجتمع. وهذه هي فائدة التعلّم. فالآثار الناجمة عن التحرّك والنهضة التي تجري في البلاد من أجل اقتلاع جذور الأمِّيَّة هي عبارة عن هذا الأمر: التمكّن من الاستفادة من مجموع ما يعرضه فكر الآخرين وذائقتُهم وقدراتهم. ومثل هذا لا يمكن أن يتحقّق بدون المطالعة. وأظنُّ أنّ من أسوأ أنواع الكسل وأشدِّها خسارة هو الكسل في مطالعة الكتاب. وكلّما فسح الإنسان المجال لهذا الكسل فإنّه سيزداد. فيجب ترويج المطالعة في المجتمع»[2].

وعند الخوض في البرامج التي تمكّن من جعل المطالعة عادة رائجة، نجد أنَّ الإمام الخامنئيّ (دام ظله) يركّز بشكل أساسيّ على ضرورة أن تبدأ عمليّة تعويد الإنسان على المطالعة من مراحل الطفولة الأولى حيث «ينبغي أن تكون البرامج متوجّهة نحو أبنائنا ابتداءً من مرحلة الطفولة على مطالعة الكتاب؛ المطالعة بالتدبّر والتأمُّل والتحقيق»[3].

وممَّا لا بُدَّ من الالتفات إليه أيضًا؛ هو أنَّ عمليَّة ترويج المطالعة لا تكون بدون عمل إعلاميّ واسع بما يستحقُّه الكتاب؛ فترويج

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 10/10/2012م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/07/2011م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/07/2011م.

 

131


121

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

البضائع والسلع يتمُّ بطريقة مدهشة في هذا العالم، بحيث يتوجَّه الفرد لشرائها بشكل تلقائيّ لما يحتويه الإعلان من تركيز على الجنبات الجاذبة -سواء كانت الجنبة هذه حقًّا أم باطلًا- في السلع، فاللازم، بطريق أولى، أن يتمَّ الاهتمام بالترويج الإعلاميّ للكتاب باعتباره السلعة التي تتكفَّل بنقل الفكر والعلم للناس. ومن هنا، يذكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنّ: «من الأعمال الكبرى والمهمَّة على صعيد المجتمع أن تتَّسع رقعة الدعاية والترويج المتعلّقة بالمطالعة. نحن نرى اليوم كيف أنّ أصحاب البضائع القليلة الأهمِّيَّة التي لا تأثير لها في حياة البشر يروّجون لبضائعهم بطريقة مبهرجة عجيبة ومدهشة؛ فأجهزة الاتّصال العامّ والمطبوعات والتلفزيون والإذاعة تبثّ تلك الدعايات، في حين أنّ تلك المنتجات ليست ضروريَّة إطلاقًا ولا لزوم لها، بل هي إضافة إلى حياة الإنسان. فأحيانًا، وجودها يكون مفيدًا وأحيانًا لا يكون مفيدًا البتّة؛ بل لعلّه يكون مضرًّا. ونتاجٌ بعظمة الكتاب وقيمته جديرٌ بأن يروّج له ويرغَّب به من يمكنه مطالعته؛ هذا ما ينبغي أن نحوّله إلى عادة... ويجب العمل بحيث يصبح الكتاب شريكًا مقبولًا في سلّة مشتريات العائلة، وذلك لكي يُقرأ، لا لأجل تزيين غرفة المكتبة وعرضها على هذا وذاك. وهذه نقطة ترتبط بقضيَّة المطالعة في المجتمع»[1].

ومن الأمور التي ينبغي العمل عليها في سبيل نشر عادة المطالعة، تعليم الناس طريقة المطالعة السليمة، كي لا يُصاب الفرد بالتضجُّر او العشوائيَّة في انتخاب الكتب التي يطالعها، وهذا ما يطلق عليه الامام الخامنئيّ (دام ظله) السرّ (التنظيم في المطالعة): «ومن الأعمال المهمّة تعويد أذهاننا على التنظيم في المطالعة. فأحيانًا، لو كان الرجوع إلى كتابٍ ما بشكل صحيح؛ بمعنى أن يتمَّ قبل الشروع بقراءته مطالعة

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/07/2011م.

 

132


122

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

كتب أخرى متناسبة مع موضوعه، ومن بعدها نشرع بمطالعته، فإنّ التأثير سيكون أعلى بكثير وأعمق مما لو اكتفينا بهذا الكتاب بدون ملاحظة ما يرتبط به. حسنًا، هذا ما يتطلّب إرشادًا. بعض الذهنيَّات هي من أهل الكتاب؛ أي الكتاب السهل، الكتاب الذي لا يحتاج إلى إعمال الفكر. لا عيب في ذلك، فهذه مطالعة ونحن لا نرفضها؛ لكنّ ما هو أفضل من هذا الأسلوب في المطالعة هو أن يمزج الإنسان في مجموع مطالعاته بين الكتاب السهل، على سبيل المثال، رواية أو مذكّرات أو كتب تاريخية سهلة، والكتب التي تحتاج إلى التفكير والمطالعة؛ فمثل هذا النوع من الكتب يجب إدراجه ضمن عمليّة المطالعة؛ فنعوّد الذهن على أن يصبح مُتأمّلًا ومُدقّقًا؛ وحينها ينشط عند تعامله مع الكتاب؛ وهذا ما يحتاج إلى إرشاد».

ومن الأمور التي ينبغي التخطيط لها لترويج عادة المطالعة: وضع برامج مطالعة خاصَّة بالشرائح المختلفة «فغالبًا ما يحصل أن نرغّب الشباب والأحداث بالمطالعة فيراجعوننا ويقولون: «أيّها السيّد ماذا نقرأ؟» وهذا السؤال ليس له جواب واحد، فمن المحتمل أن تكون له أجوبة متعدّدة. والمتصدّون لأمر الكتاب، سواء في وزارة الإرشاد أم في عالم المكتبات، عليهم أن ينهضوا بجدّيَّة للعمل على هذه القضيَّة في القطاعات المختلفة ولأجل الشرائح المختلفة بأنواعٍ مختلفة وأشكالٍ مناسبة ليعرضوا مسارًا للمطالعة، فهذا الكتاب في البداية وذاك الكتاب يليه وهكذا. فعندما يأتي هذا الشابُّ أو ذاك الحدَث أو من لم يأنس بالكتاب حتّى الآن، ويتحرّك ويسير، ففي الأغلب سيكتشف مسيره»[1].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/07/2011م.

 

133


123

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

ومن الأفكار التي يطرحها الإمام الخامنئيّ (دام ظله) لتطوير عادة المطالعة وترسيخها لدى الشباب، الاهتمام بالمكتبات وجعلها مائدة مرتَّبة ومنظَّمة تسرّ الناظر وتروي الظمآن. ومن أهمّ ما يجب إقراره في المكتبات وجود أمناء المكتبات الذين يحيطون بالمصادر الموجودة في مكتباتهم ويرشدون كلَّ طالب يبحث عن مصدر فيها، يقول (دام ظله): «قضيَّة أخرى ترتبط بالمكتبات. حسنًا، أمناء المكتبات المحترمون يبذلون جهودًا أساسًا في هذا المجال ويتصدّون للأمر ويباشرونه. وأنا العبد، ومنذ حداثتي، شاهدتُ عن قرب دور أمناء المكتبات عند مراجعتي للمكتبات. كنتُ أذهب إلى مكتبة العتبة الرضويَّة المقدّسة وأشاهد ما يقوم به أمناء المكتبات وما يبذلونه من جهود وما يصدر عنهم من حرص واهتمام. فأمانة المكتبات تُعدّ عملًا إنسانيًّا ثقافيًّا ممتازًا؛ غاية الأمر أنّ أمين المكتبة ليس مجرّد من يقدّم الكتاب ويسترجعه؛ فأمين المكتبة يمكنه أن يكون مصدرًا ومنشأً ومرجعًا مُرشدًا للمُراجِعين»[1].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/07/2011م.

 

134


124

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

المسؤوليَّة الثالثة: نقد الكتب

إنَّ الكتاب، بما هو أداة حضاريَّة، يفرض التخلِّي عن كلِّ استنسابيّة في اختيار الكتب أو نشرها أو تركها للناس بدون تمحيص ونقد وتحليل، وفي ذلك يقول سماحته: « فالذين يتصدّون لشأن الكتاب لا يمكنهم بالاعتماد على فكرة «ترك الآخرين يختارون بحرِّيَّتهم» أن ينزلوا كلّ كتاب مُضرّ إلى سوق المطالعة، مثلما أنّ المهتمّين بالأدوية لا يسمحون بجعل الأدوية المُسمّة والخطرة والمُخدّرة في متناول الجميع، بل يُبعدونها عنهم وأحيانًا يُحذّرون منها، وهذا غذاءٌ معنويّ لو فسد وأصبح سامًّا أو مُضرًّا، فنحن، كناشرين وأمناء وأصحاب المكتبات تحت أيّ عنوانٍ يرتبط بالكتاب، ليس لنا الحقّ في أن نضعه في متناول من ليس لديه اطلاعٌ أو التفات؛ حيث إنّ لهذا الأمر، في فقه الإسلام، فصلًا مختصًّا به. فيجب مراقبة الأمور. ويجب وضع الكتاب الجيّد والسليم في متناول الأيدي. والأكثر أهمِّيَّة هو الالتفات إلى كون الكتاب عاملًا في التنمية الفكريَّة وسببًا لإضاءة الطريق الصحيح. لهذا، يجب الالتفات إلى هذه المسألة إلى جانب برنامج المطالعة»[1].

هذا، مضافًا إلى ضرورة المساهمة في جعل همِّ الكتاب والكاتب تسليط الضوء على معالجة القضايا الاساسيَّة في الحياة لدى الناس والاحتراز عن صبِّ الاهتمام في القضايا الثانويَّة، أو التي لا تحتلُّ المرتبة الأُولى في الحاجات مع إهمال القضايا الأُولى، يقول سماحته: «ففي إنتاج الكتاب سواء بمعنى إيجاده أم ترجمته أم بمعنى نشره وعرضه على هذا وذاك يجب النظر إلى الاحتياجات والفراغات الموجودة في المجتمع، تلك الفراغات والاحتياجات الفكريَّة ينبغي أن تُحدّد ويُختار منها ما ينبغي سدّه وتأمينه. نحن نرى في ما يتعلّق بالكتاب وسُوقه

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/07/2011م.

 

135


125

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

أنّه أحيانًا، يتمّ اتّباع خطوات متلازمة مع الانحراف، وخصوصًا في ما يتعلّق بالقضايا المضرّة لذهنيَّة المجتمع والبلد سواء من الناحية الخُلُقيَّة أو الدينيَّة والاعتقاديَّة أم السياسيَّة. يشاهد المرء بوضوح في سوق الكتاب وفي عالمه أياديَ ناشطة، تجلب أشياء وترجمات لأغراضٍ سياسيَّة، وإن كانت في ظاهرها ثقافيَّة. لكنّها في باطنها سياسيَّة»[1]

 

وممّا يلفت النظر إلى تأصيل الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنَّه يحاول التأسيس للنوعيَّة الجيِّدة والتي تشبع حاجات الأُمَّة من الكتب والمؤلَّفات، منطلقًا إلى ذلك من القرآن ابتداء من لغته العربيَّة فيقول: «فالكتاب العلميُّ الجيِّد والذي يُطرَح على المجامع العلميَّة الإسلاميَّة باعتباره كتابًا متميزًا، يجب أن يكتب بلغة عربيَّة جيِّدة، ويكون خاليًا من الإشكالات اللفظيَّة واللغويَّة؛ لأنَّ اللغة العربيّة تمثِّل لغتنا العلميّة، التي يمكن أن يستفيد الجميع منها»[2].

 

ولا يخفى على كلِّ ناظر في أمور تطوُّر الحركة الإسلاميَّة في العصر الحديث أنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة التي تشكِّل ركيزة التحرُّك ضدَّ الاستعمار والاستكبار، وهذه الركيزة تحتاج إلى كتابات تبصّر من ليس لديه عمق في معرفة حقيقة الصراع، فنحن نحتاج إلى التأصيل الفكريّ للمواجهة، إلى جانب الصراع الاقتصاديّ والعسكريّ وغيره، والعدوّ لا يتوانى عن تضليل الفكر في هذا المجال عبر نشر الأغذية الفكريَّة السامَّة من كتابات تحرف الرؤية عن حقيقة ما يجري، يقول (دام ظله): «إنّ ما نحتاج إليه اليوم، هو رفع الروح المعنويَّة لدى المجاهدين، وإشعارهم بأنَّ مستقبلهم يبعث على الأمل؛ ولكن ما يؤسف له هو مشاهدة عكس ذلك أحيانًا؛ فوسائل الإعلام الغربيَّة تسعى إلى تحطيم هذا الأمل، وفي غضون الأشهر الأخيرة، حيث مرّت الانتفاضة بغاية حاجتها إلى

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/07/2011م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 29/11/2007م.

 

136


126

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

الدعم، شُوهِدَت بعض الأقلام في العالم الإسلاميِّ، وهي تخطّ ما كان يمثّل سمًّا زُعافًا بالنسبة إلى الانتفاضة، إذ تكلّموا عن ضعف الانتفاضة ووهنها، وهذا بمثابة السمّ، فهذه الكتابات إنّما تعني: ليس ثمَّة سبيل أمام الشعب الفلسطينيّ سوى الاستسلام والخنوع أمام الصهاينة!»[1].

نصيحة للشباب

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «يشاهد المرء أحيانًا في التلفاز سؤالًا يوجّه إلى هذا أو ذاك: كم ساعة تقرأ في اليوم؟ أو كم تعطي للمطالعة من وقت؟ فواحدٌ يقول خمس دقائق وآخر يقول نصف ساعة! يتعجّب الإنسان! يجب علينا أن نعوّد الشباب على المطالعة، وكذلك الأطفال بحيث ترافقهم إلى آخر العمر. إنّ تأثير المطالعة في مثل سنّي -أنا العبد- وأنا العبد أقرأ من الكتب ما هو أضعاف ما يقرؤه الشباب، هو في الأغلب أقلّ بدرجات من المطالعة في سِنِي الشباب، أو في عمركم أيّها الأعزّاء الموجودون هنا. إنّ ما يبقى للإنسان دومًا هو المطالعة في السنوات الأولى. فليطالع تلامذتكم من الشباب والأطفال ما أمكن، وليتعلّموا كلّ ما يمكنهم في مختلف الحقول، وبالطرق والأساليب المختلفة. بالطبع، يجب اجتناب الاستهتار في بيئة الكتاب، وإن كانت هذه القضيّة لاحقة. إنّما القضيَّة الأُولى هي أن يتعلّموا ويعتادوا على الرجوع إلى الكتاب من الأساس والنظر فيه. وبالطبع، يجب على الأجهزة أن تراقب، وكذلك الأشخاص، ويتولَّوا التوجيه نحو الكتاب الجيّد، حتّى لا يضيع العمر في الكُتُب السيّئة»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17 ذي القعدة 1422هـ.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 11/10/2012م.

 

137


127

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

ثانيًا: الصحف

1. دورها وأهمّيّتها

ليس خافيًا على أحد دور وسائل الإعلام العامّة، وخصوصًا الصحف، وقد حازت مكانةً وأهمِّيَّة خاصّة في النظام الإسلاميِّ الثوريّ، إذ إنّ لها دورًا كبيرًا ووظيفةً أساسًا في مواجهة الهجوم الثقافيّ الذي يُشنّ من قبل الاستكبار والعدوّ. من هذا المنطلق، يبيّن الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أهمّيّتها وضرورتها، بل إنّ زيادة أعداد الصحف أفضل لكونها مصدر توعية للناس.

يقول (دام ظله): «لطالما كانت صفحات الصحف المسؤولة والعارفة بوظائفها، في هذه السنوات الأخيرة، ساحة مواجهة واعية من قبل أصحاب الأقلام الملتزمة والواعية للمشكلة ضدّ الهجوم الثقافيّ الذي يشنّه الاستكبار والعناصر الممسوخة والمسلوبة الهويّة... الوظيفة الأهمّ للصحف في النظام الإسلاميِّ هي الدور الثقافيّ في التعريف والدفاع عن القيم والمبادئ التي هي موضع رضا هذه الأمّة الثوريّة، ورفع مستوى وعيها ومعرفتها»[1].

ويقول: «إذا ما صدر بدل العشرين صحيفة مئتا صحيفة، فسأكون أكثر سرورًا، فأنا لا أشعر بالسوء لزيادة أعداد الصحف. وإذا ما كانت الصحف مصدرًا للتنوّر والوعي، وكانت تكتب لمصلحة الناس والدين، كما جاء في الدستور، فكلّما زاد عدد هذه الصحف، كان أفضل»[2].

2. مضامينها

يشدّد الإمام الخامنئيّ (دام ظله) على ضرورة الاهتمام بما يُكتب في الصحف، محذِّرًا من عدم المبالاة بالحاجات الفكريّة والثقافيّة

 

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/09/1991م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/04/2000م.

 

 

138


128

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

للشعب، بل يجب الحرص على عدم الانزلاق في ما يهدّد دين الناس وإيمانهم. وثمّة بون شاسع بين طرح الحقائق وبين الكذب والتحريف، وصولًا إلى صيرورة الصحيفة بوقًا إعلاميًّا للعدوّ، فهذا ممّا يجب الحذر منه بشدّة، ولا يُقبل الوقوع فيه أبدًا.

يقول (دام ظله): «أن تكون الصحف ركنًا من أركان الحرّيّة وحقوق الناس وحسب، فهذا لا يحتّم القبول بكلّ ما يمرّ في الصحف وميدان العمل الصحفيّ، وتجاهل الأخطار الثقافيّة الواضحة التي تعمل ضدّ عقل الناس ودينهم وإيمانهم، وهي دائمًا في حال استحكام وتقوية»[1].

ويقول: «يجب أن تُطرح الأفكار والآراء والأذواق المختلفة في البلاد، بصورة صحيحة وصائبة، لكنّ طرح المعارف المختلفة شيء، والكذب على الناس وكتابة الكذب وتحريف الحقائق والصيرورة بوقًا للعدوّ شيء آخر... إن كان البناء أن تكتب الصحيفة المنتشرة، وهي التي تستفيد من إمكانات هذا الشعب، ومن بيت مال هذا الشعب، ومن مساعدات هذا الشعب، ضدّ مصالح هذا الشعب، وعلى نحو الكذب والافتراء، لا عن عقيدة واقتناع أيضًا، والبناء أن تصبح بوقًا لإذاعةِ إسرائيل أو إذاعة أميركا في هذا البلد، فهذا ليس مقبولًا أبدًا»[2].

3. تصنيفها

يصنِّف الإمام الخامنئيّ (دام ظله) صحف البلاد لناحية علاقتها بالنظام، في مجموعاتٍ ثلاث: الصحف المدافعة عن النظام، الصحف غير المبالية، الصحف المعاندة (المعارضة).

يقول (دام ظله): «من هذه الناحية، يمكن تقسيم الصحافة إلى ثلاثة أقسام؛ الأوّل: يرتضي النظام ويتّفق معه، لا بمعنى الاتّفاق معه في

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 06/01/1999م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/09/1999م.

 

139


129

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

جميع الأمور، وهم شريحة كبيرة، تنقد الحكومة كما تنتصر لها، وتعترض على الوزارة الكذائيّة ومن يدافع عنها من اللجان والأجهزة... القسم الثاني: الصحف التي لا شأن لها بالنظام، فلا تُبدي أيّ مساندة للنظام، ولو بذكر خبرٍ واحد، وكذلك في المقابل لا تمسُّ النظام، كالمجلّات العلميّة والثقافيّة المحضة والمجلّات المتخصّصة وأمثال ذلك. القسم الثالث: الصحف التي نُطلق عليها بالصحف المعاندة، وهي ليست كثيرة، ومن جملة الأخطاء الشائعة هي أنّ بعضهم يسمّي هؤلاء بأصحاب الفكر الآخر، وهو كلام خاطئ، فأيّ فكرٍ آخر؟ وأولئك السادة يفرحون أيضًا بهذه التسمية، ويقولون: إنّ النظام ساخط علينا لأنّ لنا فكرًا آخر، لكنّ الكلام ليس في الفكر والفكر الآخر، إذ إنّ جميع الأفكار حرّة في الجمهوريّة الإسلاميَّة»[1].

4. الصحف المعاندة

للصحف المعاندة مواصفات بنظر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، نذكر منها:

1. الاستفادة من الأفراد غير اللائقين وغير الموثوقين.

2. عدم الصدق في بيان المواضيع.

3. توجيه التهم إلى النظام.

4. التشكيك بمسؤولي النظام.

5. الغرضيّة إزاء الجمهوريّة الإسلاميَّة.

6. مخالفة القيم الإسلاميَّة والإيرانيّة وانتهاكها.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/05/1999م.

 

 

140


130

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

يقول (دام ظله): «إن سمَّيت صحف الصنف الثالث معاندة، فليس معنى ذلك أنّنا سنحمل السيف بيدنا وننهال عليها. لا، فهذا لن يغيّر وضعها في الغد عن وضع الأمس». ويضيف (دام ظله): «صبرنا كبير جدًّا. حقيقةً، ففي النظام الإسلاميِّ، تحمُّلُنا لسماع الكلام المخالف كبير جدًّا... لكنَّ للغرضيّة والإجحاف حدودًا! هؤلاء مغرضون ومجحفون. وكلّما ساق أعداؤنا خارج البلاد تهمةً ضدّ الجمهوريّة الإسلاميَّة، فإنّها تكرّر في هذه الصحف نفسها بالأسلوب نفسه أو بأساليب أخرى... لِم يتعاون إنسان مع العدوّ إلى هذا الحدّ؟! لِمَ يشمئزّ إنسان ويُعرِض إلى هذه الدرجة عن وطنه وعن الأشخاص الذين يعملون بإخلاص من أجل هذا الوطن؟! حقًّا لِمَ؟! بأيّ مرض مبتلون هؤلاء؟! أنا أعجب!»[1].

ثالثًا: الشعر

1. دوره وأهمّيّته

إنّ للشعر في نظر الإمام الخامنئيّ (دام ظله) دورًا تحميسيًّا، إرشاديًّا، توجيهيًّا، وهو عنصر مؤثّر جدًّا، وبإمكانه سوق الناس نحو الهداية، كما أنّه بإمكانه سوقهم نحو الانحراف.

يقول (دام ظله): «إنّ الشعر عنصر مؤثِّر، وله بين مجموعة الأنواع البيانيّة والكلاميّة تأثير مضاعف؛ فليس لأيّ قول، مهما بلغ من الفصاحة والجمال وجودة المضمون، ما للشعر من أثر الشعر وسيلة كهذه»[2].

«بالإمكان هداية المخاطب عبر الشعر إلى الطريق الصحيح والصراط المستقيم. وبالإمكان أيضًا سوقه إلى الانحراف وإلى التسافل والسقوط»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/05/1999م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/07/2015م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/07/2015م.

 

 

141


131

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

يقول (دام ظله): «إن سمَّيت صحف الصنف الثالث معاندة، فليس معنى ذلك أنّنا سنحمل السيف بيدنا وننهال عليها. لا، فهذا لن يغيّر وضعها في الغد عن وضع الأمس». ويضيف (دام ظله): «صبرنا كبير جدًّا. حقيقةً، ففي النظام الإسلاميِّ، تحمُّلُنا لسماع الكلام المخالف كبير جدًّا... لكنَّ للغرضيّة والإجحاف حدودًا! هؤلاء مغرضون ومجحفون. وكلّما ساق أعداؤنا خارج البلاد تهمةً ضدّ الجمهوريّة الإسلاميَّة، فإنّها تكرّر في هذه الصحف نفسها بالأسلوب نفسه أو بأساليب أخرى... لِم يتعاون إنسان مع العدوّ إلى هذا الحدّ؟! لِمَ يشمئزّ إنسان ويُعرِض إلى هذه الدرجة عن وطنه وعن الأشخاص الذين يعملون بإخلاص من أجل هذا الوطن؟! حقًّا لِمَ؟! بأيّ مرض مبتلون هؤلاء؟! أنا أعجب!»[1].

ثالثًا: الشعر

1. دوره وأهمّيّته

إنّ للشعر في نظر الإمام الخامنئيّ (دام ظله) دورًا تحميسيًّا، إرشاديًّا، توجيهيًّا، وهو عنصر مؤثّر جدًّا، وبإمكانه سوق الناس نحو الهداية، كما أنّه بإمكانه سوقهم نحو الانحراف.

يقول (دام ظله): «إنّ الشعر عنصر مؤثِّر، وله بين مجموعة الأنواع البيانيّة والكلاميّة تأثير مضاعف؛ فليس لأيّ قول، مهما بلغ من الفصاحة والجمال وجودة المضمون، ما للشعر من أثر الشعر وسيلة كهذه»[2].

«بالإمكان هداية المخاطب عبر الشعر إلى الطريق الصحيح والصراط المستقيم. وبالإمكان أيضًا سوقه إلى الانحراف وإلى التسافل والسقوط»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/05/1999م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/07/2015م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/07/2015م.

 

 

141


131

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

2. شعر الثورة

يرى الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنَّ شعر الثورة اليوم يمتاز بالأسلوب الجيّد، المعنى الجيّد، اللحن والموسيقى الجيّدين، اختيار المفردات الجيّدة والمخيّلة القويّة؛ وفيه مضامين عالية، سواءٌ المضامين الثوريّة والاجتماعيّة، أم المضامين الدينيَّة والإسلاميَّة والعرفانيّة. وهذا يدلّ على نموّ غرسة الشعر وتعاليها في إيران الإسلاميَّة. الشعر اليوم شعر هادٍ ومتقدّم، يقول (دام ظله): «عندما أقارن شعر الشباب اليوم بشعرهم قبل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، تنتابني حالة من الشوق والشكر لرؤية هذا التقدّم»[1].

ويقول أيضًا: «إنّني أعبّر هنا عن رضاي وارتياحي المتزايد لتقدّم الشعر في البلد في مرحلة ما بعد الثورة الإسلاميَّة. فالحقيقة أنّ الشعر بلغ من الجودة مرتبة رفيعة»[2].

توصياته (دام ظله) للشعراء

يدلي الإمام الخامنئيّ (دام ظله) دائمًا بتوصيات مهمّة للشعراء أثناء لقاءاته إيّاهم، نذكر منها:

1. الاهتمام بالمضامين الغنيّة والمهمّة جدًّا للمعارف الإسلاميَّة.

2. الاستفادة من المعارف والمعاني العميقة الموجودة في القرآن ونهج البلاغة والصحيفة السجّاديّة.

3. ضرورة الحفاظ على القيم وحراستها.

4. وضع الشعر في خدمة أهداف الثورة وخطابها.

5. الاهتمام بحراسة منجزات الثورة الإسلاميَّة.

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/06/2016م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 01/07/2015م.

 

142


132

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

6. الاهتمام بنقل ثقافة الدفاع المقدّس وطلب الشهادة إلى الجيل الآتي.

7. الاهتمام بالجوانب الفنّيّة والأدبيّة للشعر.

8. الحفاظ والمراعاة الدقيقان لمعايير اللغة والأدب الفارسيّ.

9. الاستفادة من الشعر وسيلةً لهداية الناس نحو الخير.

10. وقوف الشعراء في وجه الباطل والأجهزة الإعلاميّة للاستكبار.

11. رفع مستوى المخاطَبين من خلال الأشعار الجيّدة والمضامين العالية.

12. الاهتمام بتطوّر نمط الحياة الإسلاميِّ، العيش بنقاء وطهارة، والعاقبة الحسنة.

13. الاهتمام بالأناشيد الجيّدة وترويجها بالوسائل الفنّيّة.

14. ضرورة بذل الهمّة لإنشاد الأشعار المتضمِّنة القضايا الراهنة للبلد والعالم الإسلاميِّ والترويج لها.

15. الاهتمام بإنشاد الأشعار الدينيَّة.

16. الاهتمام بترجمة أشعار الثورة والعالم الإسلاميِّ إلى لغات العالم الحيّة.

يقول (دام ظله): «إذا ما دار الأمر بين أن نختار من بين عدّة فنون، كالفنون المسرحيّة، والفنّ التجسيديّ، فنًّا لنصرف عليه هذه الميزانيّة المحدودة، برأيي يجب أن نختار الشعر؛ لأنّه إذا ما توفَّر الشعر في المجتمع، فإنّ ذلك سيمهّد الأرضيّة للفنون الأخرى. لا يمكن مقارنة الشعر ببعض الفنون الأخرى؛ هكذا هو الأمر، في بلدنا ومجتمعنا وتجاربنا التاريخيّة بالحدّ الأدنى. نحن تاريخ، بحيث أصبحنا أساتذة في الشعر؛ أي لدينا تاريخ قديم مهمّ جدًّا من الميراث الشعرّي... إنّنا من حيث تطوّر الشعر، ومن حيث تجذّر هذا الفنّ في مجتمعنا، في عداد

 

143


133

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

البلدان المتقدِّمة في هذا المجال. حسنًا، هذا الفنّ بارز، لذا، مهما فعلنا من أجل الشعر، وأجرينا الدراسات والأبحاث، ومهما أنجزنا من الأعمال الإداريّة من قبيل التنظيم، والجمع، والتقسيم، فليس بالكثير. أنا هنا أرجو من قُدامى الشعراء والمتمرّسين في الشعر... ومن المسؤولين الرسميّين والمرتبطين بالأجهزة الحكوميّة أن يجتمعوا ويناقشوا مسألة إدارة الشعر في البلد، ويعملوا، ويفكّروا، ويضعوا التصاميم والخطط. فثمّة الكثير من الاستعدادات والقابليّات الموجودة»[1].

رابعًا: الفنّ

1. دوره وتأثيره

الفنّ ليس بعيدًا عن الثورة، بل إنّ له دورًا كبيرًا وفعّالًا، وقد بات الآن أكثر حضورًا وفعاليّةً عمّا سبق، وإنّ الفنّ وسيلةٌ أساس، بنظر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، في تخليد الأعمال والأفكار ومضاعفة تأثيرها، حيث يقول: «مع الأسف، في النظام السابق، كان الفنّ في يد أصحاب السلطة، وقد ابتُلي حقًّا بالانحطاط، ولم يكن له حضور في الساحة، لكن منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة دخل الفنّ الساحة... وترون الآن أنّ كثيرين من فنّانينا المعروفين، هم من شباب مرحلة ما بعد الثورة. هؤلاء أشخاص، من خلال تحلّيهم بالإيمان، آمنوا بأنفسهم، إمّا في جبهات الحرب، وإمّا في ميادين الثورة، واتّجهوا نحو فنّ من الفنون؛ على سبيل المثال، حملوا آلة التصوير وذهبوا إلى الجبهات لالتقاط الصور. هذه الأعمال هي التي ساقت هؤلاء نحو الفنّ... منذ انتصار الثورة إلى الآن، كان للفنّ دور كبير، فدخلت الميدان أنواع كثيرة من الفنون، وفي الحقول المختلفة، وأُنجزت أعمال مهمّة وعظيمة، ونشأ وتربّى الفنّانون الشباب»[2].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 25/08/2010م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/02/1999م.

 

144


134

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

يقول سماحته: «إنِ استُفيد من الوسائل الفنيّة في الأعمال والدروس العلميّة والفكريّة التي تُبثّ في الإذاعة والتلفزيون، فستخلّد هذه الأعمال وسيتضاعف تأثيرها»[1].

2. آفاته

إنّ الانحطاط والتحلّل من القيود وتضييع البوصلة، من أبرز آفات الفنّ التي يحذّر منها الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، إذ يقول سماحته: «يجب في استخدام الفنّ وكما كلّ الوسائل الأخرى الحاملة لفكرٍ ما، أن يكون اتّجاهه في غاية الدقّة والوضوح والاستقامة، وأن لا يقع الخطأ في الاتّجاه»[2].

3. واجبنا تجاه الفنّ

يقول (دام ظله): «الفنّان ملتزم إزاء شكل فنّه وقالبه، وإزاء المضمون أيضًا»[3]، «ينبغي تقديم العمل بإبداع فنّيّ كامل، وملؤه تمامًا بالمضمون العالي والمرتقي [بالإنسان] والمتقدّم به إلى الأمام والصانع للفضيلة»[4].

هذا الفنّ هو فنّ دينيّ وثوريّ، إذا ما تضمّنت القصّة والمسرحيّة والسينما والفيلم والرسم والشعر واللحن والموسيقى والإنشاد في نفسها الخصائص اللازمة، فإنّها ستحتلّ مكانًا ضمن أنواع الفنّ الثوريّ. على الفنّانين والمسؤولين والناس واجبات إزاء الفنّ نشير إليها:

1. ضرورة ارتقاء الفنّ يومًا بعد يوم.

2. المعرفة التامّة بحدود الفنّ.

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 17/05/2004م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/11/1989م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/07/2001م.

[4]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 23/07/2001م.

 

145


135

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

3. استخدام الفنّ في الاتّجاه الإسلاميِّ.

4. عدم جرّ الفنّ والفنّانين نحو الألاعيب الحزبيّة والسياسيّة.

5. تجنّب التذبذب في العمل الفنّيّ.

6. التوجّه والالتفات إلى المكانة الحقيقيّة للفنّ.

7. الاهتمام بالوضع الاقتصاديّ للفنّانين.

8. الالتفات إلى المردود الماليّ للمستثمرين في أنواع الفنون.

9. الحؤول دون فساد الشباب بوساطة الوسائل الفنّيّة.

10. التوجّه إلى الرسائل التي توصلها الآثار الفنّيّة.

11. اختيار النماذج الفنّيّة المليئة بالمضامين والمعاني.

12. تنظيم شؤون الفنّ والفنّانين.

13. وضع الإمكانات بين أيدي المجموعات الفنّيّة في الأعمال الجيّدة.

14. الاستفادة الفضلى من الفنّ والأدوات والوسائل الفنّيّة.

خامسًا: الأدب

من الوسائل الأساسيّة في نشر ثقافة الثورة، هو الأدب بأشكاله كُلِّها، ويعتبر ركنًا من أركان الثقافة في أيّ بلد. من هذا المنطلق يصوّب الإمام الخامنئيّ (دام ظله) نحو أهمِّيَّة الاهتمام بالأدب، يقول: «الأدب، في الحقيقة، هو ناقل الميراث الثقافيّ لبلد ما من جيل إلى جيل... الأدب، كالجينات الناقلة للخصائص التي تحفظ الوراثة والنسل»[1].

ويقول سماحته: «المطَّلعون على الأدب الأوروبيّ، الشعر الأوروبيّ، الرواية والقصّة والمسرحيّات الأوروبيّة، يعرفون أنّ المرأة كانت، بنظر الثقافة الأوروبيّة، منذ القرون الوسطى إلى أواسط القرن الحاليّ [القرن العشرين]، موجودًا من الدرجة الثانية!»[2].

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 24/02/1997م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 22/10/1997م.

 

146


136

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

وفي كلام له يشير إلى دور الأدب في حفظ التراث: «انظروا إلى الأدب الفرنسيّ؛ من المؤكد أنَّ قسمًا من هذا الأدب يحكي عن بطولات مرحلة الحرب. فقد امتدّت الحرب أربع سنوات، تعرّض الفرنسيّون فيها مدَّة سنتين أو ثلاث لضغوط وهُزموا؛ لكنّهم بيّنوا مختلف أنواع البطولات سواءٌ في ميدان الحرب، أو في النضالات الشعبيَّة داخل باريس، أو في العلاقات الإنسانيّة وأمثالها. انظروا كم تتكرّر هذه الأمور في الروايات الفرنسيّة. إنَّ آثار تلك الأيّام وعلاقتها تبقى في أفضل الروايات وفي أهمّ الأعمال الأدبيّة»[1].

ويقول سماحته: «كانت الحرب حقلًا خصبًا لبروز مثل هذه الطاقات. وأنتم تعلمون أنّ الأحداث الكبرى والعصيبة التي تمرُّ بكلِّ بلد، ومن ضمنها الحرب، تؤدّي عادة إلى ازدهار الآداب والفنون فيه. ومن المعروف أنّ أجمل الروايات وأفضل الأفلام، وربّما أطول الأشعار هي تلك التي أُلّفت وأعدَّت وأُنتجت وأُنشدت للحروب وفي أيّام الحروب. وهكذا كانت الحال في حربنا أيضًا»[2].

على صعيد أدب الصمود والحرب، أُلّفت كتب يمكنها نقل ثقافتنا إلى العالم.

ويقول (دام ظله) في موضع آخر: «تقريبًا، قرأت كلّ هذه الكتب التي نشرتموها في مكتب الأدب والفنّ المقاوم، ووجدت بعضها فائقًا للعادة... عندما كنت أقرأ هذه الكتب، كانت تخطر في بالي هذه الفكرة وهي، لو كنَّا ننشر هذه الكرّاسات والكتب بغية تصدير مفاهيم الثورة، لما كان هذا بالشيء القليل، بل لأنجزنا بذلك عملًا كبيرًا»[3].

 


[1] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 05/03/1991م.

[2] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 12/05/1998م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 16/07/1991م.

 

 

147


137

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

سادسًا: قراءة المراثي والمدائح

يبدي الإمام الخامنئيّ (دام ظله) اهتمامًا كبيرًا بالمراثي والمدائح، وبالرواديد والمنشدين الذين يقومون بأداء القصائد والأشعار، معتبرًا أنّ هذه المهنة مهنة شريفة وعظيمة، لما لها من آثار جليلة في نشر الثقافة الإسلاميَّة والفضائل، من كلام له (دام ظله): «إنّ مهنة المدح مهنة شريفة جدًّا... سخَّرتم ألسنتكم وأنفاسكم وحناجركم وقدراتكم الفنِّيّة لمدح الفضائل. إنّ أهل بيت الرسول هم أهل الفضيلة؛ وجودهم ينضح بالفضيلة... أنتم تحملون كتاب مدح الفضائل في أيديكم؛ هذا شرف كبير»[1].

ويقول سماحته: «هذه الظاهرة بما تشمل من إنشاد الأشعار في المدح والرثاء وذكر مصائب أهل البيت (عليهم السلام) وما إلى ذلك، من المميِّزات الخاصَّة التي لا نجد لها نظيرًا عند الآخرين في أيّ مكان... إنَّها ظاهرةٌ جديرة ومناسبة للعمل العلميّ. الحقيقة أنّه يجدر بطلَّاب جامعاتنا وأساتذتنا وباحثينا أن يتناولوا هذه الظاهرة بالتدبُّر والتفكُّر والبحث والتفسير والتحليل، كما عليهم أن يحدِّدوا لنا الطرائق العلميَّة لنشرها وترويجها، ويعلِّمونا تلك الأساليب»[2].

ويعتبر سماحته، أنّ الإنشاد والرثاء، هو شكل من أشكال الإعلام، لوصول ما يقدِّمونه إلى أصناف متعدِّدة من الناس، يقول (دام ظله): «وأنتم وسيلة إعلام مهمَّة جدًّا. إنَّ مسؤوليَّة جماعة المدّاحين مسؤوليَّة خطيرة. أنتم تذهبون إلى كلِّ مكان وتلتقون مختلف أصناف الناس وفئاتهم، ولديكم ميادينكم وساحاتكم للتكلُّم والحديث؛ هناك آذان مستعدَّة لسماع أصواتكم، وهذا ما يضاعف جسامة مسؤوليَّتكم»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 09/04/2015م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 30/03/2016م.

[3]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 08/03/2018م.

 

 

148


138

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

مسؤوليّة قرّاء المراثي والمدائح

يذكر الإمام الخامنئيّ وظائف ومسؤوليّات للمدّاحين:

1. الاستفادة من فرصة قراءة العزاء والمدائح لنشر معارف الدين وتقوية إيمان الناس.

2. بيان النماذج العمليّة من صفات الأئمّة والسيّدة الزهراء (عليهم السلام).

3. الاهتمام بأحداث إيران والعالم الراهنة، وإطلاع الناس عليها.

4. الارتقاء بمعرفة المخاطبين وإيمانهم من خلال ارتقاء الشعر والحديث والأخلاق.

5. ضرورة التوجّه إلى حاجات العصر الفكريّة.

6. الاستفادة من قراءة المراثي والمدائح بما ينفع الإسلام والمسلمين.

7. نشر أفكار أهل البيت (عليهم السلام)، خطّهم ونهجهم في المجتمع.

8. صناعة الخطاب ونشر الأفكار العمليّة.

9. جلب الرضا الإلهيّ.

10. معرفة آفات قراءة المراثي والمدائح.

11. الاستفادة من الأشعار الجيّدة والمتينة أسلوبًا ومضمونًا.

12. أن يكونوا من أهل المحبّة والمعرفة.

13. السعي لرفع الثغرات المعرفيّة لدى الشباب.

14. الالتفات إلى اتّساع جبهة التبليغ وتعقيدها.

ويعتبر أنّ ما يمتلكه المدَّاحون من قدرة على مخاطبة الناس، إنَّما هو مسؤولَّية عليهم ينبغي تأديتها: «أنتم القادرون على مخاطبة النّاس، بالفنّ والشعر، بالصوت واللّحن، تستطيعون التواصل مع النّاس،

 

149


139

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

هذا يستدعي المسؤوليّة. إنّ امتلاك هذه الفرَص كُلِّها والإمكانات، بحدّ ذاته مسؤوليّة؛ وهي مسؤوليّة عليكم تأديتها على أكمل وجه. إذا استطاع مدّاحو البلاد اللّائقون لهذه المرتبة وهذا المقام، القيام بمسؤوليّتهم، فسينتج من ذلك تحوّل في البلاد»[1].

سابعًا: الوعظ

من كلام للإمام الخامنئيّ مبيّنًا أهمِّيَّة الحضور الشخصيّ للمبلِّغين بين الناس، يقول (دام ظله): «إنّ هناك فرقًا بين ما تُحدِّثون به الناس في جلسة عن المنبر، وما سوف تحدِّثهم به الإذاعة، حتّى لو صدر هذا الكلام عنكم أنتم. ولقد قلت مرَّات عديدة إنَّ هناك أثرًا للجلوس معًا ومشاهدة كلٍّ منّا الآخر والاستماع إلى نَفَسِه وصوته والإحساس بحضوره وحرارة وجوده، وهذا الأثر تخلو منه الرسالة القادمة من بعيد. فلنعرف، نحن المعمَّمين، قيمة ذلك. لقد كرَّرت هذا الموضوع مرَّات عديدة في لقاءاتي أهل العلم والوعَّاظ، وقلت إنَّ هذه الميزة المتوافرة في لقاءات الناس، ونحن نتحدَّث إليهم مباشرة وجهًا لوجه، لا عبر الأمواج الصوتيَّة وحسب، بل إنَّهم يلمسون وجودنا، هي ميزة تخصُّنا نحن. وهذا أمر عظيم الفائدة وذو تأثير مضاعف»[2].

ويقول سماحته في هذا الصدد أيضًا: «تبليغ الدين بالنحو التقليديّ، أي حضور عالم الدين في جموع الناس المختلفة والاستفادة من المنبر الدينيّ والتبليغ، هو من أهمّ الوسائل والنعم التي منحكم الله إيّاها»[3].

 

 


[1]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 20/04/2014م.

[2]  من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 02/08/1989م.

[3] من كلامٍ له (دام ظله)، بتاريخ 22/04/1998م.

 

150


140

التبيين جهادٌ في سبيل تنوير الأفكار

ضوابط عمل الوعّاظ

في النظام الفكريّ للإمام الخامنئيّ ثمّة ضوابط وقواعد للوعّاظ نشير إليها في ما يأتي:

1. الالتفات إلى حاجة الناس إلى الأخلاق وعمق التفكير الثوريّ.

2. مراعاة الاعتدال في توضيح المسائل السياسيّة.

3. مراعاة مقتضى الحال، وبيان المطالب المسندة.

4. نشر أجواء المحبّة والوحدة بين المسؤولين والناس.

5. توعية الناس إزاء خطر العدوّ.

6. بثّ الأمل في نفوس الناس، وجعلهم متفائلين بالمستقبل.

7. جعل الناس آملين خيرًا في النظام الإسلاميِّ.

8. مزج المواضيع الدقيقة، المتقنة والخالصة بأنواع الشروح الفنّيّة.

9. السعي لزيادة محبّة الناس لأهل البيت(عليهم السلام)، وتأجيج محبّتهم لأولياء الله.

10. العمل على ازدياد إيمان الناس ومعرفتهم الدينيَّة.

 

151


141
دروس من فكر الإمام الخامنئي (دام ظله) - 1