في ميدان الانتظار

القضية المهدوية في كلمات سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه)


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2023-01

النسخة:


الكاتب

مجلة بقية الله

بقية الله مجلة إسلامية جامعة متنوعة المواضيع متوجهة إلى جمهور القراء؛ لذا فهي تعتمد أسلوب اللغة الواضحة، والمفهومة، وبساطة التعبير، مع المحافظة على العمق والدقة؛ بحيث يمكن للجميع قراءة مضمونها مهما كانت مستوياتهم العلمية، حيث يجد كل منهم ما يستحق القراءة ويحقق الاستفادة.


المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5).

تحيّة وبعد..

إنّ في القضيّة المهدويّة في الإسلام أبعاداً ومفاهيم جليلة وعظيمة، حريّ بكلّ مؤمن وتائقٍ لنشر العدل والسلام في العالم، أن يتعرّف إليها ويسبر غور تفاصيلها ومضامينها، والتي ترتبط تارةً بشخصه المبارك (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وتارةً بالقضيّة نفسها والمهمّة العظيمة التي سيخرج بها إلى الناس، وتارةً ثالثة بظروف خروجه وظهوره، من أحداث ومواقف سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة وغير ذلك.

 

11


1

المقدّمة

ولأنّ الارتباط بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يحتاج إلى معرفة، فلا بدّ للمنتظِر من أن يحرص على قراءة ومطالعة ومتابعة كلّ ما ورد حوله(عجل الله تعالى فرجه الشريف) من أخبار وكلام، وأن ينتقي مصادر معرفته انتقاءً دقيقاً، حيث لا مغالاة هنا ولا تفريط هناك.

ولقد كان علماؤنا الأبرار أشدّ الناس حرصاً على تعريف الناس بالإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، بما ينسجم مع الإسلام المحمّديّ الأصيل، معتمدين في ذلك على ما ورد من أخبار المعصومين (عليهم السلام)؛ ومن أولئك العلماء الذين عاشوا الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)في قلوبهم، وسلكوا نهجه بعملهم وسيرتهم، الشهيد السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه)، الذي ما غفل يوماً عن ذكر صاحب العصر والزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، أكان في خلواته أم في علانيّته.

وإنّ أجلّ مصاديق ارتباطه (رضوان الله عليه) بالإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو نظرته العميقة إلى القضيّة المهدويّة، وظهورها حيّة في نهجه السياسيّ والجهاديّ الذي سلكه في حياته، ليظهر جليّاً أنّ كلّ ما كان يُقدم عليه من حركة وسكنة، كان مرتبطاً به (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وبدولته المباركة، مؤمناً أنّ أيّ جهدٍ نبذله اليوم، إنّما يصبّ في خدمة إقامة تلك الدولة العظيمة. وهذا في الواقع ينمّ عن اعتقاده التامّ وإيمانه الكامل بالقضيّة المهدويّة، وبمدى مؤثّريّتها على الواقع

 

12


2

المقدّمة

المعيش للمؤمنين به (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، على مستواهم الفرديّ والجماعيّ. ولأجل ذلك كان يحثّ على التعرّف إلى هذه القضيّة، وتربية أجيالنا عليها بكلّ ما أوتينا من مقدّرات على أصعدة شتّى.

حول ما أبداه السيد الشهيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه)، في ما يخصّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقضيّة غيبته وظهوره، تُقدّم لكم مجلّة «بقيّة الله»، كتابها السنويّ لهذا العام، بحيث يحتوي على مقتطفاتٍ من خطاباته (رضوان الله عليه) التي ألقاها في مناسبات متعدّدة، يتناول خلالها القضيّة المهدويّة من أكثر من جانب.

وقد اقتصر عملنا في هذا الكتاب على تصنيف الخطابات وتبويبها، ثمّ تحديد موضوعات القضيّة المهدويّة فيها، فخرج الكتاب بسبع قضايا أساسيّة، شكّلت فصوله، تنطوي تحتها مجموعةٌ من العناوين، هي مقاطع متفرّقة من مجموع الخطابات، تمّ توثيقها بحسب مناسباتها المختلفة.

راجين من المولى العليّ القدير أن يمنّ علينا جميعاً بشرف نشر ثقافة هذه القضيّة العالميّة، ونشر آثار علمائنا الأبرار الذين عاشوا ورحلوا، وكان الله من وراء قصدهم، في كلّ ما قدّموه من بذلِ جهدٍ وجهاد، في سبيل إعلاء راية الإسلام وكلمة الحقّ عالياً.

مجلة بقية الله

 

13


3

تمهيد

تمهيد
• مشاهد حبّ وعقيدة[1]

ثمّة مشاهد تُعبّر عن ارتباط سماحة السيد الشهيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) بالإمام صاحب العصر والزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وقد كان لها وقعٌ قويّ في قلوب من عايشه ورأى ذاك الارتباط الشديد بسلوكه اليوميّ، نذكر بعضها:

• أوّل من دعا لقراءة دعاء الندبة جماعةً

في بدايات عمليّات المقاومة، ضمّت (جنّة الشهداء)، وهي روضة الشهداء في بعلبك، ستّة شهداء فقط، كان السيّد عبّاس (رضوان الله عليه) يصرّ دوماً على قراءة دعاء الندبة جماعةً كلّ يوم جمعة، إبّان شروق الشمس. كان يؤمن أنّ الشهداء هم أكثر من يربطنا بصاحب الأمر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فكان يقول: «الشهداء

 


[1]  نقلها للمجلة نجله السيد ياسر عباس الموسوي.

 

15


4

تمهيد

تمهيد
• مشاهد حبّ وعقيدة[1]

ثمّة مشاهد تُعبّر عن ارتباط سماحة السيد الشهيد عباس الموسوي (رضوان الله عليه) بالإمام صاحب العصر والزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وقد كان لها وقعٌ قويّ في قلوب من عايشه ورأى ذاك الارتباط الشديد بسلوكه اليوميّ، نذكر بعضها:

• أوّل من دعا لقراءة دعاء الندبة جماعةً

في بدايات عمليّات المقاومة، ضمّت (جنّة الشهداء)، وهي روضة الشهداء في بعلبك، ستّة شهداء فقط، كان السيّد عبّاس (رضوان الله عليه) يصرّ دوماً على قراءة دعاء الندبة جماعةً كلّ يوم جمعة، إبّان شروق الشمس. كان يؤمن أنّ الشهداء هم أكثر من يربطنا بصاحب الأمر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فكان يقول: «الشهداء

 


[1]  نقلها للمجلة نجله السيد ياسر عباس الموسوي.

 

 

15


5

تمهيد

هم أوّل من التزم بأمر الإمام الحجّة(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وأوّل من مهّد بدمه للإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هم أحياء، يرون تجمّعنا، ويسمعون كلامنا..». ومنذ ذلك الوقت، بات يجتمع نحو 60 إلى 70 شخصاً لقراءة الدعاء. ولم يكتفِ بذلك، بل إنّه عندما التقى بأحد الإخوة المجاهدين، الذي يعمل تحت قيادته عدد من الإخوة، سأله: «أين جماعتك؟ لمَ لا يحضرون الدعاء؟». خجل الأخ، فقال له السيّد: «لم أسألك لتخجل، إنّما لتحدّثهم وتُبيّن لهم أهميّة هذا الدعاء لمسيرتنا؛ في هذا الدعاء نخاطب الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)ونحدّثه مباشرةً، ويحثّنا الدعاء لنلحّ في الطلب، وكلّما زاد الإلحاح كلّما نظر إلينا الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وتمثّل لنا في الإجابة». بعدها، زاد الحضور كثيراً. وكان يقام التجمّع كلّ يوم جمعة في الصيف، فيما تتعذّر إقامته في الشتاء لأنّنا كنّا نقرأه تحت السماء مباشرة، ومع ذلك، لم يترك السيّد (رضوان الله عليه) فرصةً لإهمال الدعاء وتجاهله، فكان يذكّر مراراً: «اقرؤا دعاء الندبة في بيوتكم شتاءً، لا تتركوه».

وتلبية لوصيّته في إحياء دعاء الندبة بات يُقرأ اليوم في مقامه.

 

 

16


6

تمهيد

• أطفال اليوم: الممهّدون لدولة صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

كان (رضوان الله عليه) يحرص على أن يحضر الأطفال مع آبائهم إلى مسجد الإمام عليّ (عليه السلام) في بعلبك حيث يقيم صلاة الجمعة. وكان الأطفال يتحلّقون حوله ويصافحونه. ورغم وجود جمع غفير من المصليّن، وكثرة انشغاله وضغط مهامه، ووضعه الأمنيّ، كان (رضوان الله عليه) يشدّد على مرافقيه أن يسمحوا للجميع بمصافحته وإلقاء التحيّة عليه، ولا سيّما الأطفال؛ فكان يقترب منهم ويحتضنهم، لأنّهم محبّبون إلى قلبه. أخبر والد أحدهم: «كنت أصطحب ابني معي إلى مسجد الإمام عليّ  (عليه السلام)، وقد تعلّق بالسيّد كثيراً، لأنّه كان يقترب من الأطفال ويداعبهم ويحتضنهم، وكانت عاطفته ظاهرة واهتمامه بهم كبيراً، فسألته مرّة: لم تهتمّ بالأطفال هكذا؟ فأجابني: (هؤلاء سيكملون المسيرة، هم سيمهّدون لدولة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في الوقت الذي لن نعود فيه نحن على قيد الحياة)». يتابع ذلك الأخ: «عندما استشهد السيّد، بكى ابني أكثر منّي، وكان يردّد: (كيف سنراه بعد اليوم؟ أيُعقل أن لا نراه؟)». هذا الطفل بات اليوم شهيداً على خطّ التمهيد هذا، مضافاً إلى غيره الكثير من هؤلاء الأطفال الذين باتوا شهداء لاحقاً، وبعضهم مهّد للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من خلال عمله الجهاديّ والثقافيّ والأخلاقيّ والعمليّ والعلميّ أيضاً.

 

17


7

تمهيد

• يوم الجمعة يوم الإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

كان يوم الجمعة في منزل السيد (رضوان الله عليه) مختلفاً، فقد كان يذكّر أهل بيته دائماً أنّه يوم الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، واهتمامه فيه كان يظهر جليّاً من خلال قراءة دعاء الندبة في الروضة، وزيارة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وقيامه هو وزوجته السيدة الشهيدة أم ياسر (رحمهما الله) بتعويد أولاده على اغتنامه بحرص، عن طريق الصدقة، وصلة الرحم، والتوجّه للإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف). وقد رسّخا فيهم (رحمهما الله) اعتقاداً أنّهم جميعاً في يوم الجمعة ضيوف لدى مولانا صاحب الأمر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولقد كانت حوائج كثيرة ومستعصية لأهل بيته تحلّ وتقضى بنيّة أنّهم ضيوفه(عجل الله تعالى فرجه الشريف) في يومه، ماديّةً كانت أم معنويّة.

• دعاء العهد

لا ينسى أهل بيته غصّة صوته (رضوان الله عليه) حين كان يدعو دعاء العهد صبيحة كلّ يوم، وعندما يصل إلى هذا المقطع: «اللّهمّ إن حال بيني وبينه الموت [...]، فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني، شاهراً سيفي، ملبّياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي»، يرفع كفّيه، ويتوجّه إلى الناحية المقدّسة بقلبه ووجدانه وعاطفته، فيختفي صوته، ثمّ يعيد العبارة ثلاثاً، ثمّ

 

18


8

تمهيد

يأخذ في البكاء، كأنّما عرف قلبه أنّه سيستشهد، وعليه أن يدعو بمجامع قلبه أن يعود ليستشهد مرّة أخرى بين يدي الإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف).

لقد صدق السيّد عبّاس الموسويّ ما عاهد الله عليه، وأنبت فينا حبّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والارتباط به في القلب والقول والعمل، ورُزق الشهادة في سبيل التمهيد للمولى(عجل الله تعالى فرجه الشريف).

 

19


9

الفصل الأوّل: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 

كان المسلمون يسألون قبل ولادة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف): ما معنى يوم الخامس عشر من شعبان؟ ما هي فضيلته؟ ما هو السرّ الأعظم الذي يكمن في ليلته؟ إلى أن وُلد (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وكان تقدير الله أن يكون لهذا اليوم، كتابة خاتمة سعيدة للبشريّة.

(1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ)

 

 

22


10

الفصل الأوّل: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

«هذا اليوم -يوم النصف من شعبان- هو يوم الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الإمام الذي يعدّ بقيّة الله في أرضه، الحجّة المنتظر، الذي تتطلّع إليه قلوب المستضعفين والمسلمين في كلّ أنحاء العالم. من هو هذا الإمام؟ وما هي وظيفته ومَهمّته؟ ثمّ ما هي مسؤوليّتنا تجاهه؟ هو ابن الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام). وُلد في العراق ضمن ظروفٍ قاسية وصعبة على أهل البيت  (عليهم لسلام)، وكانت قسوة الظروف وصعوبتها إلى الحدّ الذي اضطرّ إلى الغياب بإذن الله عزّ وجلّ»[1].

• سرّ الخامس عشر من شعبان

يوم النصف من شعبان، هو يومٌ مبارك. عندما نقرأ في الروايات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطيّبين الطاهرين (عليهم السلام)، نقرأ عن عظمة هذا اليوم، وأنّ هذه الليلة من حيث مستوى الفضيلة تأتي بعد ليلة القدر مباشرةً. لم يدرك المسلمون عظمة هذا اليوم إلّا بعد أن وُلد صاحب هذا اليوم. كان المسلمون يسألون قبل

 

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

 

23


11

الفصل الأوّل: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

خرج الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء؟ هذه الوظيفة التي دفع الإمام الحسين (عليه السلام) من أجلها دماءه المباركة، هي الوظيفة نفسها التي سيدفع إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بكلّ طاقاته وإمكاناته لتحقيقها وتنفيذها[1].

• تهيئة الشيعة لمفهوم الغيبة

كثيرة هي المسائل التي وَجّه إليها الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، كما هو الحال بالنسبة إلى بقيّة أئمّتنا (عليهم السلام). فعندما أصبحت المسؤوليّة ملقاة على عاتق الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بشكلٍ مباشر سنة 260 للهجرة، بعد شهادة الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)، وصار هو الحجّة القائم وإمام العصر والزمان، كان عليه أن يقود مسيرة المستضعفين، ويتحمّل مسؤوليّاته تُجاههم، وهو الغائب عن الناس وعن أنظارهم. ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ وفعلاً بدأ، ابتدأ الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يهيّئ الناس نفسيّاً، ويهيّئ لهم المقدّمات، حتّى يبقوا في حالة الارتباط الكامل بالقيادة الصحيحة، بالإمام المعصوم، من جهة، ويسدّد خطواتهم في غيبته، من جهة ثانية.

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

25


12

الفصل الأوّل: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

ولكي نفهم هذه المسألة بشكلٍ أوضح، علينا أن نفهم طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين أهل البيت (عليهم السلام) وبين مواليهم. فالموالون لأهل البيت (عليهم السلام) كانوا قد تعوّدوا أنّه عندما يُسْتَشهد معصوم، سيقوم مقامه معصومٌ آخر. صحيح أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قد استشهد، ولكنّ الموالين لعليّ (عليه السلام) اطمأنّوا لوجود الإمام الحسن (عليه السلام)، الذي سيكون بديلاً عن الإمام الذي استُشهد. ثمّ عندما استُشهد الإمام الحسن (عليه السلام)، اطمأنّ شيعة الإمام الحسن (عليه السلام) أيضاً إلى أنّ الولاية مستمرّة عبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وهكذا، إلى أن وصلت الأمور إلى الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام). ولكن، عندما استُشهد الإمام العسكريّ (عليه السلام)، كان من الطبيعيّ أن يقع هؤلاء الناس في حَيرة؛ فبعدما كان هذا الإنسان قد تعوّد، عبر أجيال عدّة، على نمط من العلاقة والقيادة، فبمن سيرتبط بعد شهادة الإمام؟ ومع مَنْ يقيم علاقته؟ ومَنْ يسأل؟ وما هي قيادته؟ لذلك، لم يرد الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أن يصدم الشيعة، فبدأ يعوّدهم، من خلال الارتباط بالسفراء، أنّني ما زلت موجوداً، وهذا سفيري، والسفير كان يُسمّى النائب الخاصّ للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). أيّ مسألة كان يطرحها الشيعة في ذلك العصر؛ كان يأتي السفير إلى الإمام المعصوم ليأخذ منه

 

 

26


13

الفصل الأوّل: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

الجواب، ثمّ يتوجّه بالجواب إلى الشيعة، وبقيت هذه المسألة عبر أربعة سفراء بالتتالي[1].

• ربط الموالين بالسفراء والفقهاء قضيّة تربويّة

هذه القضيّة أستطيع أن أسمّيها قضيّة تربويّة، أي أنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أراد أن يربّي الشيعة على العلاقة الجديدة والقائد الجديد الذي ينبغي أن يرتبطوا به من الآن فصاعداً؛ يعني أثناء الغَيْبة، أراد أن يعلِّمهم كيف يرتبطون بالوليّ الفقيه، الفقيه الذي تتوفّر فيه كفاءة معيّنة، ويتوفّر فيه إخلاص معيّن لله عزّ وجلّ ولأهل البيت (عليهم السلام)؛ هذا الإنسان هو خليفتي فيكم أيّها الناس، ولذلك، عندما ابتدأت الغَيْبة الكبرى مع انتهاء عهد السفراء الأربعة، لم يُصدم الشيعة، بل كانوا قد تعوَّدوا على ذلك، فانتقلوا بشكلٍ طبيعيّ إلى تقليد النائب العام، المرجع الأعلى، الذي هو نائبٌ للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في عصر غيبته الكبرى[2].

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م.

 

27

[2] من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م.


14

الفصل الأوّل: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• دور الفقهاء في عصر الغيبة هو حفظ الشريعة

من خلال هذه المقدّمة، أراد الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنْ يطمئِنّ إلى مستقبل المسيرة، ولو بعد قرون عدّة، لأنّه لا يمكن أن يُؤتمن على هذه الرسالة إلّا بهؤلاء؛ هذا النوع من الناس الذين يعيشون فقه أهل البيت (عليهم السلام) وتتنامى علومهم على محبّة أهل البيت (عليهم السلام) والارتباط بهم. ولذلك، عندما نقرأ سيرة المراجع -سواءٌ الشيخ المفيد أو الشيخ الطوسي أو الشهيد الأوّل أو الشهيد الثاني أو الحرّ العاملي (رضوان الله عليهم) وكل الفقهاء المتقدّمين- نجد أنّ هَمّ هؤلاء الفقهاء كان الحفاظ على شريعة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، رغم كلّ ما تعرّضوا له من ظلم على مرّ العصور. فالشيخ الطوسي أُحرقت مكتبته بالكامل في بغداد وهُدّد في حياته، فاضطرّ إلى أن يفرّ إلى النجف الأشرف. والشهيد الأوّل استُشهد، بعد أن أحرقوا جسده المبارك. رغم كلّ هذه الظروف الصعبة والأليمة، تحمّل هؤلاء المراجع كلّ هذه المصائب من أجل أن تُحفظ شريعة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). إذاً، الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كان يُريد من خلال تولية هؤلاء الناس أنْ يحفظ الشريعة ولو بعد قرون عدّة، حتّى إذا خرج (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يتسلّم الأمانة خالصةً من الشوائب. من هنا، ندرك معنى الدعاء الذي نطلب فيه من الله عزّ وجلّ أن يطيل في عمر إمام الأمّة حتّى يُسلّم

 

27


15

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• دور الفقهاء في عصر الغيبة هو حفظ الشريعة

من خلال هذه المقدّمة، أراد الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنْ يطمئِنّ إلى مستقبل المسيرة، ولو بعد قرون عدّة، لأنّه لا يمكن أن يُؤتمن على هذه الرسالة إلّا بهؤلاء؛ هذا النوع من الناس الذين يعيشون فقه أهل البيت (عليهم السلام) وتتنامى علومهم على محبّة أهل البيت (عليهم السلام) والارتباط بهم. ولذلك، عندما نقرأ سيرة المراجع -سواءٌ الشيخ المفيد أو الشيخ الطوسي أو الشهيد الأوّل أو الشهيد الثاني أو الحرّ العاملي (رضوان الله عليهم) وكل الفقهاء المتقدّمين- نجد أنّ هَمّ هؤلاء الفقهاء كان الحفاظ على شريعة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، رغم كلّ ما تعرّضوا له من ظلم على مرّ العصور. فالشيخ الطوسي أُحرقت مكتبته بالكامل في بغداد وهُدّد في حياته، فاضطرّ إلى أن يفرّ إلى النجف الأشرف. والشهيد الأوّل استُشهد، بعد أن أحرقوا جسده المبارك. رغم كلّ هذه الظروف الصعبة والأليمة، تحمّل هؤلاء المراجع كلّ هذه المصائب من أجل أن تُحفظ شريعة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). إذاً، الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كان يُريد من خلال تولية هؤلاء الناس أنْ يحفظ الشريعة ولو بعد قرون عدّة، حتّى إذا خرج (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يتسلّم الأمانة خالصةً من الشوائب. من هنا، ندرك معنى الدعاء الذي نطلب فيه من الله عزّ وجلّ أن يطيل في عمر إمام الأمّة حتّى يُسلّم

 

28


16

الفصل الأوّل: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

الراية للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لأنّ أمثال هذا المرجع من المراجع والعلماء، هم وحدهم الأمناء على تسليم الرسالة والراية. ولذلك، من المقدّمات الطبيعيّة لحفظ الشريعة من جهة، ولحفظ تسليم الأمانة خالصةً للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من جهة ثانية، كان تعيين النائب الخاصّ أوّلاً، ثمّ تعيين النائب العامّ ثانياً، حتّى تصل الراية إلى الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ثمّ نقرأ في الروايات تركيزاً على الفقهاء الذين سيشكّلون المقدّمة لتسليم هذه الراية، سواءٌ الرواية التي تتحدّث عن الرجل الذي يخرج من قُم، أو أنّ ثمّة راية تظهر من المشرق، أو رواية «إن اتّبعتم طالع المشرق»[1]، وهكذا. هذه كلّها تصبّ في هذه الخانة نفسها: أنّ الأئمّة (عليهم السلام) وجّهوا المسلمين إلى المقدّمات التي يجب أن يتمسّكوا بها حتّى يستقبلوا الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[2] .

• الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من أهمّ الشخصيّات الدينيّة والتاريخيّة

إنّ الحديث عن شخصيّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو الحديث عن إحدى أهمّ الشخصيّات الدينيّة والتاريخيّة؛ فهو من سلالة

 


[1]  يراجع: الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط 4، 1362 هـ. ش، ج 8، ص67.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

29


17

الفصل الأوّل: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو الذي ادّخره الله تبارك وتعالى لأكبر مهمّة في التاريخ. عندما نقرأ كلّ مراحل التاريخ مرحلةً مرحلة، حتّى في الفترات الأكثر إنارةً وإضاءةً في التاريخ، مثل فترة حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونبيّ الله سليمان (عليه السلام)، وذي القرنين، وهكذا، نجد أنّ الله تبارك وتعالى ادّخر هذا الإمام العظيم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لأعظم المهمّات التغييريّة في تاريخ الإنسان. فأنت عندما تقرأ تاريخ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو تاريخ حكومات الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام)؛ تجد أنَّ تلك الفترة كانت فترةً مضيئة ومضيئةً جداً، لكنّها لم تكن شاملة لكل أرجاء الأرض، بينما البشارات من كتاب الله العزيز، والأحاديث والروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، كلّها تشير إلى أنّ فترة حكم الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ستنير الأرض كلّها، وسترتفع راية «لا إله إلّا الله» على كلّ ربوع الدنيا دون استثناء. أنت تقرأ عن السلطان والملك الواسع الذي لا ينبغي لأحد في عهد سليمان (عليه السلام)، تقرأ أيضاً، حسب القصّة القرآنيّة، عندما رجع الهُدهد لإخبار سليمان (عليه السلام) أنّ ثمّة مجتمعاً يعبد أهله الشمس: ﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ (النمل: 24). إذاً، حتّى في تلك الفترات المضيئة من حياة الإنسان، كنت تجد مجتمعات بشريّة تعمّها وتشملها الظلمة[1].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان1408هـ.

 

30


18

الفصل الأوّل: معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• لماذا غاب الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟

أنتم تعلمون أنّ البليّة التي عاشها كلّ الأئمّة (عليهم السلام)، ومنهم الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نفسه، هي بليّة قِلّة الأنصار؛ هذه هي البليّة الأساس، التي كانت سبباً لغربة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في كربلاء، والبليّة التي جعلت الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يُستفرد به في محراب مسجد الكوفة، ثمّ يُستفرد بولده الإمام الحسن (عليه السلام) ويُقتل بِسُمِّ معاوية. فعندما تسأل: لماذا اضطرّ الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) للغَيبة، سواءٌ في فترة الغَيْبة الصغرى أيّام السفراء الأربعة أم في فترة الغَيْبة الكبرى؟ الجواب هو: لقلّة الأنصار، وإلّا لو تزاحم الأنصار حول الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولو تداعى الناس لنصرته؛ لبقي الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بينهم يقاتل ويجاهد ويقود المسيرة. الضرورات هي التي استدعت غَيْبة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). أمّا عندما يكثر الأنصار، فسيجد الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نفسه أمام مسؤوليّة شرعيّة؛ عندها، يجب أن يخرج، ويتحمّل مسؤوليّته، ويقود المسيرة[1].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان1408هـ.

 

31


19

المقدّمة

• أهدافه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أعظم الأهداف

إنّ العلم والوعي أساسيّان، إذا كان وعيي متدنّياً، فكيف أستطيع أن أعي أهداف الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ بمعنى: هل يوجد هدف أعلى من أهداف الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ أهدافه هي كُبريات الأهداف. أكبر هدف على مستوى الأنبياء والرسل (عليهم السلام) هو الهدف الذي يحمل رايته الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويسعى إلى تحقيقه. ولذلك، نجد في بعض الروايات أنّ الكثير من الناس، بعد أن ينضووا تحت راية الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويلتحقوا به، يتركونه. حاولت أن أستقصي في بعض الروايات عن الأسباب، فوجدت في بعضها، مثلاً، أنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يقتل أقواماً، فلا يعي هؤلاء سبب قتلهم، فيضلّون نتيجة ذلك[1].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 

32


20

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

قدّر الله تبارك وتعالى أن تكون البداية على وجه هذه الأرض على يد نبيّ هو آدم (عليه السلام)، وتكون النهاية على يد إمامٍ معصوم هو الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

من خطبة له بتاريخ: 24/4/1986م لموافق 15 شعبان 1406هـ.

 

 

34


21

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• تطبيق الشريعة

عندما نقرأ في كتب التاريخ –لا سيّما في روايات أهل البيت (عليهم السلام)- ندرك أنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وحده فقط مَنْ سيطبّق الشريعة كاملةً على كلّ شبرٍ من الأرض، وهذا ما لم يتوفّر لكلّ الأنبياء في التاريخ، حتّى لرسول الله (صلى الله عليه وآله). وما لم يتوفّر لكلّ هؤلاء، سيوفّره الله تبارك وتعالى لإمامنا المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). عندما يُسأل إمامنا الصادق عن قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33، الصف: 9)، يقول له السائل: في كلّ الفترات الماضية، لم نجد أنّ الأديان الكافرة والمشركة قد انتهت؛ وفعلاً، تقرأ عن مُلك سليمان، الملك الذي لا ينبغي لأحد، وتقرأ في القصّة نفسها عن ظلم بلقيس، ثمّ تقرأ عن مُلك ذي القرنين، الملك الذي امتدّ من المشرق إلى المغرب، فتجد أنّ ﴿يَأجُوجَ وَمَأۡجُوجَ مُفسِدُونَ فِي ٱلأَرضِ﴾ (الكهف: 94)، ثمّ تقرأ عن دولة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، التي، مع أنّها انتصرت والمسلمون فيما بعد، إلّا أنّه بقيت بقايا للشرك هنا وهناك. أمّا في زمن الإمام القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فلن يبقى شبرٌ من

 

 

35

 

 


22

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

الأرض إلّا وترتفع فوقه راية «لا إله إلا الله محمّد رسول الله». ولذلك، تقول الروايات التي تتحدّث عن الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ومنها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب»[1]، أي أنّه لن تبقى بُقعةٌ مهما صغُرتْ إلّا وهي تحت عين الله وحكمه[2].

• تقويم الواقع

إنّنا نؤمن، سواءٌ من خلال المعتقدات التي نعتقد بها أو الروايات التي تُبشرّنا ببعض المراحل المتأخّرة من التاريخ، أنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو صاحب القدرة على التغيير، وأنّ كلّ الواقع المنكسر من حولنا، مهما كانت هويّته ومهما كان جاثماً على أرض الواقع؛ سوف يقتلعه إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من جذوره ليغيّره بواقع الإسلام. هذا اعتقادنا ببقيّة الله في أرضه، الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[3].

 


[1]  الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1405هـ. ق، ص653.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 24/4/1986م الموافق 15 شعبان 1406هـ

[3]  من خطبة له بتاريخ: 25/4/1986م الموافق 16 شعبان 1406هـ.

 

36


23

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• فاتحة وخاتمة خير

أراد الله أن تكون المرحلة الأولى لحياة هذا المخلوق مرحلةً سليمةً، كما يعبّر الله عن المرحلة الأخيرة بتعبيرٍ واضح: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5)؛ فالوراثةُ الأخيرة لهذه الأرض هي للإنسان المؤمن، والدين هو الذي سوف يسيطر سيطرةً كاملةً على حياة الإنسان. لذلك، الفاتحة على وجه هذه الأرض هي فاتحة خير، والخاتمة أيضاً على وجه هذه الأرض ستكون خاتمة خير على يد الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

• صاحب العزم

مَنْ يستطيع أن يقوم بعمليّة التغيير الواسعة هو صاحب العزم الذي ادَّخرهُ الله لهذه المرحلة. الأنبياء خُتموا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يأتِ نبيٌّ بعده. وعمليّة التغيير هذه ستكون أوسع من عمليّة التغيير في كلّ مراحل التاريخ الماضية؛ فرغم الانتصارات الدينيّة الكبيرة والواسعة في عصر الأنبياء (عليهم السلام)، إلّا أنّه بقي هناك انحراف وكفر في عصرهم[2].

 

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 25/4/1986م الموافق 16 شعبان 1406هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 25/4/1986م الموافق 16 شعبان 1406هـ.

 

 

37


24

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• القضاء على عناصر الانحراف

يُراد للمرحلة الأخيرة أن لا يبقى فيها أيُّ عنصر من عناصر الانحراف، وأن تصبح كلمة «لا إله إلّا الله» في كل شبرٍ من هذه الأرض؛ لا يريد الله في آخر الزمن أن يبقى أيُّ نوعٍ من أنواع الانحراف. سُئِل إمامنا الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33)، (الصف: 9)، وقيل له إنّ الدين الإسلاميّ في كلّ مراحل التاريخ، وحتّى في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يظهر على الدين كلّه، بل بقي هناك أديانٌ أخرى وكفرٌ في الأرض، فقال لهم (عليه السلام): إنّ هذه الآية لقائمنا، لقائم آل محمّد (عجل الله تعالى فرجه الشريف): »والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتّى يخرج القائم (عليه السلام)»[1][2].

• التغيير العالميّ

لقد انتُخب الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لهذا الدور العظيم. ولذلك، وبينما نحن نقرأ عن غَيْبة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، نجد بعض التفاسير الخاطئة حول هذه الغَيْبة، حيث يرى بعضهم أنّ الإمام غاب

 

 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص670.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 25/4/1986م الموافق 16 شعبان 1406هـ.

 

38


25

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

خوفاً! في الحقيقة، لقد عرف الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنَّ الدّوْرَ الذي هُيّئ له من قِبل الله تبارك وتعالى ليس في سنة 260 للهجرة، أي بعد شهادة الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)، فليس ذلك الموعد هو موعد الدور العالميّ للتغيير الكامل على وجه هذه الأرض، الذي تتحدّث عنه الآية القرآنيّة: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5)، ولا تتحدث الآية عن خاتمة الأرض التي تقوم القيامة من بعدها، ويقف الجميع بين يدي الله للحساب. الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو صاحب تلك العمليّة التغييريّة الواسعة. ولذلك، كما كان مطلوباً من الله تبارك وتعالى أن يُسلّح إبراهيم (عليه السلام) بالعزم، ويسلّح أنبياءً وصلوا إلى مراتب عالية في مسؤوليّاتهم وأقوامهم بالعزم أيضاً، فقد سلّح كذلك إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بسلاح العزم. لقد أراد الله بحكمته البالغة أن يُفهمنا معنى عزم الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وكيف أنّ قوّته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ستضرب أطراف العالم، كُلَّ العالم، كي لا نتفاجأ عند ظهوره الشريف (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعزمٍ لن نستطيع أن نصل إلى مستواه. لذلك، مهّد لنا (الأرضيّة) برجلٍ يحمل صفة العزم والإرادة، ولكن ليس بمستوى الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو عزم الإمام الخمينيّ (دام ظله)[1].

 

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 25/4/1986م الموافق 16 شعبان 1406هـ. والخطبة في حياة الإمام الخميني.

 

 

39


26

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• يعيش بيننا

الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حيٌّ قائمٌ بيننا، فهو الآن موجودٌ بيننا، يعيش ويحيا معنا، وهذه ثمرة وفائدة أن يكون الإمام على قيد الحياة، حتّى لو كان غائباً؛ أي أن تَشعُر أنّه موجودٌ معك. لذلك، يجب أنْ تُسلّم عليه في الصباح وفي كلّ وقت، وتودّعه في الوقت الفلانيّ، وتبايعه في الوقت الفلانيّ، وتستعدّ بصلاتك وعبادتك، ثمّ تقول له: «أعبّئ نفسي لخروجك». وهكذا، في كلّ لحظة من لحظات وجودنا، يجب أن نعيش ظاهرة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كَهَمٍّ أساسيّ، لا أن تكون هذه المسألة بعيدة عن حياتنا، أو لا علاقة لها في حياتنا إلّا في مناسبة سنويّة[1].

هذه الفكرة التي نؤمن بها، أرادها الله تبارك وتعالى أن تكون -وعلى امتداد الأجيال والقرون- إلى جانب الإنسان، تمشي معه وتماشيه في كلّ خطواته. ولذلك، كانت المشيئة والإرادة الإلهيّة أن يكون صاحب هذه المهمّة الكبرى، الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، على قيد الحياة. مثلاً، عندما كان الناس ينتظرون عيسى (عليه السلام) قبل ولادته، أو ينتظرون محمّداً (صلى الله عليه وآله) قبل ولادته؛ كانوا يؤمنون بمسألة إيمانيّة، بفكرة أنّه سيولد رجل في يومٍ من الأيّام اسمه كذا،

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

40


27

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

وسيتحمّل مسؤوليّاته في إنقاذ البشريّة. أمّا هنا، فمشيئة الله أرادت أن يكون القائد متعايشاً في كلّ هذه المراحل مع الناس؛ فيشعرون بوجوده وهو ينظر إليهم، ينصرهم إذا ما احتاجوا إلى النصر، ويكون عوناً لهم إذا ما احتاجوا إلى المعونة[1].

• المخلّص: فكرة عالميّة

إنّ أمريكا تحكم ظلماً وعدواناً وجوراً كلّ شعوب الأرض، من أمريكا اللاتينيّة، إلى الشرق الأوسط، حتّى كلّ أنحاء العالم، وهكذا بقيّة الدول الطاغية والظالمة في العالم. ولذلك، فإنّ كلّ واحدٍ من هؤلاء المظلومين المستضعفين يُعبِّر بوسيلته وطريقته عن احتجاجه واستنكاره لهذا الظلم، كما يعبّر في الوقت نفسه عن حالة اليأس والقنوط التي يعيشها. أنا كإنسان متديّن يمكن أنْ أعبّر بدعاء الفرج: «إلهي عظم البلاء، وبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وضاقت الأرض، ومنعت السماء»[2]، أي أنّني كمتدين أعبِّر بهذه العبارات التي تعلّمتها من أئمّتي (عليهم السلام).

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان1408هـ.

[2]  الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان، مؤسسة بنت الهدى، بيروت، لبنان، 2015م، ص148.

 

41


28

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

أمّا الآخرون، فيعبّرون بكلمات وتعبيرات أخرى: «أين العدالة؟ أين المعاملة الإنسانيّة؟ أين الحريّة؟ أين الكرامة؟»، هم يتطلّعون إلى يومٍ ينتهي فيه هذا الظلم. ولذلك، تجد حتّى في غير الديانة الإسلاميّة، في الديانات السماويّة الأخرى ولدى الاتّجاهات حتّى الماديّة منها؛ أنّ الناس يتطلّعون إلى يوم يعبِّرون عنه بيوم الخلاص.

يؤمن النصارى بظهور المخلّص، واليهود أيضاً يؤمنون أنّ فلاناً سيخلّص البشريّة وينقذها، والشيوعيّون يقولون إنَّ آخر مرحلة من مراحل البشريّة هي ما يسمّونه هم في قاموسهم «الشيوعيّة الأخيرة»، حيث تسود العدالة ويسود الخير وينتهي الظلم وتنتهي الأنانيّات. إذاً، حتّى المادّيّون يتطلّعون إلى يومٍ يكون فيه الخلاص. أمّا نحن، فنُعبّر عن هذا اليوم بيوم الإمام المهْديّ المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

• الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو البوصلة

إذا كان الإنسان وسط البحر أو وسط الصحراء دون بوصلة، ماذا سيحلّ به؟ سوف يقع في التيه؛ إن كان في البحر سيغرق،

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان1408هـ.

 

42


29

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

وإن كان في الصحراء سيموت عطشاً وجوعاً. لذلك، الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو البوصلة التي من خلالها نعرف كيف نسير وماذا ننهج في هذه الدار. ولذلك، إذا سُئلت أيّها العبد المؤمن من هو إمام عصرك وزمانك، ماذا ستقول؟ إنّه إمام العصر والزمان الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ثمّ إنّ مسؤوليّات هذا الإمام الشرعيّة أن يرسم لنا الطريق ومعالِمه بأكملها حتّى نسير (بشكلٍ صحيح). ولهذا السبب قال لنا (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «في غيبتي اتّبعوا فلاناً»، فحدّد السفير الأوّل من سفرائه الأربعة، ثمّ بعد وفاة السفير الأوّل حدّد السفير الثاني، وهكذا، حتّى توفّي السفير الرابع، وانتهت بوفاته الغَيْبة الصغرى.

وقد حدّد لنا أئمّتنا (عليهم السلام) الوظيفة في زمن الغَيْبة الكبرى، فعن الإمام العسكريّ (عليه السلام): «فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه»[1]، فحدّد لنا النائب الذي يجب أن نتّبعه في غيبته. وفي هذا العصر، كان الإمام الخمينيّ (قدس سره) نائب الإمام، فمنذ أن فتحنا أعيننا وجدناه إماما قويّاً عزيزاً، ثمّ يتجسّد الآن النائب بآية الله الخامنئيّ (حفظه الله). إذاً، ارتباطك

 

 


[1]  الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، إيران، ط 2، 1414 ه. ق، ج27، ص131.

 

 

43


30

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

بالإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يُشكّل البوصلة التي على أساسها يجب أن تسير، وإلا سيكون مصيرك التيه في الصحراء، لا تدري إلى أين تذهب[1].

الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو البوصلة التي من خلالها نهتدي مهما كان البحر هائجاً. نحن في عصرٍ تكثُر فيه الفتن، وستكثُر فيه الفتن أكثر في المستقبل، وستزداد فيه الرايات المضلِّلة للعباد. في وسط هذا البحر الهائج والرايات التي تتناقض وتفتن عباد الله عن عبادة الله، كيف يستطيع الإنسان أن يعرف الحقّ من الباطل ويميّز الخبيث من الطيّب[2]؟

• ذخيرة الله لإعلاء كلمته

لقد ادّخر الله الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لهذه الحقبة، من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا ويصبح الدين كله لله. كلّ الدول ستصبح على يديه بلاداً إسلاميّة، يوحَّدُ فيها الله تحت راية الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[3].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

[3]  من خطبة له ما بين 14و30/6/1985م الموافق ما بين 25 شهر رمضان و12 شوال 1405هـ.

 

44


31

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• خليفة الإمام في عصر الغيبة

هل عيّن الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من سيخلفه كما حصل في حادثة غدير خمّ؟ صحيحٌ أنَّ إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لم يُعيِّن شخصاً بعينه في الغَيْبة الكبرى، لكنّه حدّد شخصاً مناسباً ضمن مواصفاتٍ محدّدة، فعندما ينصُّ الحديث الشريف: «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه»[1]، فهذا تعيينٌ لكنّه ليس تعييناً لشخصٍ بعينه، وإنّما ضمن مواصفات. هذا التعيين أصبح أسلوباً للكثير من المناصب الأساسيّة في العالم الإسلاميّ. حتّى إنّ أسلوب التعيين للقاضي يتمّ بهذه الطريقة؛ يعني أن يكون ذَكَراً، وإنساناً مجتهداً وعابداً... كلّها مواصفات محدّدة لتعيين الشخص الذي يقضي بين المسلمين[2].

 


[1]  الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج27، ص131.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 29/8/1986م الموافق 24 ذو الحجة 1406هـ.

 

45


32

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

أنت كإنسانٍ مؤمن، أليس حلمك الكبير أن تصبح نصيراً للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ إذا كان هذا هو همّك وهدفك؛ كيف تستطيع أن تصل إلى هذا المستوى؟

 

(16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ)

 

48

 


33

الفصل الثاني: من خصائص حاكميّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• الارتباط بالإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

أنت الذي تقوم لصلاة الفجر، يجب أن تعرف أنّ إمامك أيضاً يقوم في هذا الوقت من أجل الصلاة، لأنّه حيٌّ يُرزق. كلّ ما هنالك أنّه غائب عن الأنظار، ومن حقّه عليك أن تُسلِّم عليه: السلام عليك أيّها الإمام المهْديّ المنتظر. وطبعاً، نحن نؤمن في عقيدتنا، أنّنا إذا ألقينا السلام على الإمام في قبره، فإنّه يرُدّ الجواب، فكيف إذا كان حياً يُرزق؟ ثمّ مطلوبٌ منك أن تتعامل معه بشكلٍ مباشر: في حربك وفي سلمك، وفي صلاتك وفي صيامك، وفي ولائك لأهل البيت (عليهم السلام)، وهكذا. حتّى منذ نشأتك، منذ أن تبتدئ بالانفتاح على الحياة، يجب أن تعيش مع القائد الحقيقيّ، مع إمام العصر والزمان، وهو ما تؤكّده أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) التي تركّز على ضرورة أن يعرف الإنسان إمام زمانه. ومعرفة إمام الزمان ليست لقلقة على اللسان. هل تعرفون ما معنى أن تعرفوا شخصاً؟ إذا لم أحترمك احتراماً كبيراً، ولم أضحّ من أجلك في المواقع التي تحتاج إلى التضحية، ولم أقدّم لك بعض

 

 

49


34

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

المسائل والاحتياجات، لا سيّما إذا شعرتُ أنَّ حاجتك كبيرة وما أعطيتك إيّاه قليل، سوف تحتجّ عليّ وتستنكر، وتقول لي: وكأنّك لا تعرفني! فما قيمة هذه المعرفة إذاً؟ هذا يحصل في تعامل إنسان مع أخيه الإنسان العاديّ، فأين نحن في موقع التعامل مع الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ من يريد أن يعرف إمام العصر والزمان وأن يبايعه، يجب أن يتعامل معه تعاملاً حقيقيّاً.

لقد فتح شباب الجيل الجديد -بارك الله بهم- أعينهم وهم يستمعون إلى أناشيد وأدعية وشعارات عن الإمام المهْديّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف). أمّا نحن كبار السنّ، فكيف كنّا نعيش ظاهرة الإمام المهْديّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ أنا واثق أنَّ السنة بأكملها كانت تمرُّ دون أن نعرف شيئاً عن الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وربّما كانت المعرفة مقتصرة على يوم الخامس عشر من شعبان، يوم الولادة. بتعبير آخر، كانت المعرفة معرفة سنويّة. وإذا أردنا أن نُقدِّر هذه المناسبة ونحييها، فإنّنا نحييها أيضاً في هذا التاريخ نفسه، في الخامس عشر من شعبان، إمّا من خلال زيارة العتبات المقدّسة أو من خلال بعض الأدعية في المساجد، وغالباً ما كانت تُحيا هذه المناسبة من قِبل كبار السنّ من الرجال، في حين كان الشباب لا يعرفون ذلك. هذا واقع كنا نعيشه جميعاً في الوقت الذي يحثّنا فيه أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على معرفة إمام زماننا معرفةً حقيقيّةً، أي

 

 

50


35

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

أن يكون الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ماثلاً أمام أنظارنا في كلّ ساعة من ساعات حياتنا: «وَاكْحُلْ ناظِري بِنَظْرَة منِّي إلَيْهِ»[1]. هذا يعني أن تحاول رؤية الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وتسعى إلى ذلك، وتحاول أن تعيش معه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عيشاً حقيقيّاً وتتفاعل معه تفاعلاً حقيقيّاً. وفعلاً، إذا تمكنّا أن نصل إلى هذه المرحلة؛ آنذاك فقط سيشعر الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنّ له أنصاراً يتفاعلون ويعيشون معه، وهو أيضاً يعيش ويتفاعل معهم[2].

• تجديد البيعة للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

هل يكفي أن أقف بين يدي الله، وأعاهده تبارك وتعالى، على بيعة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ كلّ هذا لا يقبله الله تبارك وتعالى إلّا مع استعدادٍ وعهد أساسيٍّ، وهو أن توجّه الخطاب لإمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وتقول في كلّ يوم، لا سيّما في الأيّام المباركة: يوم عيد، ليلة قدر، يوم القدس، وغيرها: «اَللّهُمَّ إِنّي أُجَدِّدُ لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي»[3]؛ تعاهده، وتعقد معه عقداً، وتبايعه، ولكن على

 


[1]  من دعاء العهد، راجع: مفاتيح الجنان، مصدر سابق، ص576.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان1408هـ.

[3]  مقطع من دعاء العهد، راجع: مفاتيح الجنان، مصدر سابق، ص576.

 

51


36

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

أيّ شيء؟ هل البيعة أن تبايعه على الصلاة؟ وإن كانت الصلاة أساس الدين وأوّل ما يُسأل عنها يوم القيامة، هل تبايعه من أجل الصوم؟ البيعة معناها أن تعطي رقبتك ورأسك وروحك للإمام المهْديّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، أن تقول له: مولاي تصرَّف، أنت مولاي ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة، وها هي رقابنا بين يديك، «اَللّـهُمَّ هذِهِ بَيْعَةٌ لَهُ في عُنُقي إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ»[1]. إلى أين يقودك الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ يقودك إلى تحرير العالم كلّه، هذا معنى بيعة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). هل ثمّة أحد منّا لا يفكّر بأنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيخرج في آخر الزمان «ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت ظلما وجوراً»[2]؟ أليس هذا تفكيرنا ومعتقدنا؟ من لا يعتقد بهذا، يخرج عن كونه مسلماً.

إذاً، بيعة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا تعني تحرير القدس فقط، بل تحرير العالم كلّه، وغزو الاستكبار العالميّ في عقر داره. إنّ طرح الإمام الخمينيّ (قدس سره) لا يزال بسيطاً أمام طرح الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ فالإمام الخمينيّ يطرح تحرير البلاد الإسلاميّة، أمّا الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فطرحه متقدّم أكثر، وهو غزو الاستكبار

 

 


[1]  مما يزار به مولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كل يوم بعد صلاة الفجر، راجع: مفاتيح الجنان، مصدر سابق، ص574.

[2] حديث مستفيض مروي بطرق وأسانيد كثيرة عن أكثر من معصوم.

 

52


37

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

العالميّ في عقر داره وإزالته من الوجود، وأن تصبح راية «لا إله إلّا الله» فوق كلّ شبرٍ من الأرض. نحن نلتفّ على طرح الإمام الخمينيّ (قدس سره) مع أنّ طرحه يعدّ بسيطاً أمام طرح إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولذلك، يكفر الكافرون براية المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). لقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) للعرب: «والله لتمحّصنّ، والله لتميزنّ، والله لتغربلنّ حتّى لا يبقى منكم إلّا الأندر»[1]. وعندما سُئِل من يكون مع الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من العرب؟ أجاب: لا يبقى مع الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من العرب إلّا النفر اليسير. يجب أن نطوِّر عقلنا ليستوعب مرحلة الإمام الخمينيّ في هذا العصر، حتّى يكون عقلنا قابلاً للتطوّر، فيتقبّل طرح الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[2].

• مبايعته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) على السمع والطاعة

هذه الليلة، كما نعرف جميعاً، هي ليلة المستضعفين، ليلة الخامس عشر من شعبان. أيّها المستضعفون، هذا اليوم دوركم. ولذلك، نتوجّه جميعاً في هذا اليوم إلى إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، نعاهده ونعاهد آباءه وأجداده، ونقول له: سيّدنا ومولانا

 

 


[1]  العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، بيروت، لبنان، ط2، 1983م، ج5، ص216.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 25/4/1986م الموافق 16 شعبان 1406هـ.

 

53


38

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

نبايعكم على السمع والطاعة، ونرفع أيدينا إلى الله من أجل أن نُوفّق للشهادة في سبيل الله بين يدي الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

أيّها الإمام (الخميني)، نودّعك بقلبٍ مملوءٍ دماً، بعينٍ تذرف دمعاً، أنت إمامنا وقائدنا، عزاؤنا أيّها الإمام أنّنا ننظر إلى الطلعة البهيّة، إلى طلعة إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ها هي أمامكم. أيّها المسلمون، انظروا، الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بينكم، يقدّم لكم العزاء، يقدّم لكم الحنان والعطف، يُظلّكم برأفته، يطلب منكم البيعة، هل تبايعون إمامَكم؟ بايعوا إمامَكم، بايعوا إمام العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، بايعوا إمامكم القائد، بايعوا إمامكم الحجّة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو ينتظركم، ينتظر بيعتكم كما تنتظرونه أنتم[2].

• الارتباطُ بنائبه في غيبته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وطاعتُه

ثمّة شرط أساسيّ للانتظار، وهو الارتباط بنائب الإمام، بالتالي، من لا يلتزم بهذا الارتباط وبهذه العلاقة مع نائبه، يستحيل أن يكون منتظراً للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف). في هذا المجال، نفهم الزيف في كلّ الروايات التي حاولت أن تبعدنا عن هذا الارتباط، والتي تذهب

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 2/4/1988م الموافق 14 شعبان 1408هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 4/6/1989م الموافق 1 ذو القعدة 1409هـ.

 

54


39

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

إلى القول إنّ كلّ راية خرجت قبل راية الإمام هي راية ضلالة، وهو ما يعني أن: أيّها الناس، لا ترتبطوا براية الإمام الخمينيّ، لا ترتبطوا بأيّ رايةٍ من الرايات! إذاً، كيف يمكن لهذا الإنسان الذي يعيش في زمن الغَيْبة أن يكون من دون علاقات وارتباطات؟ بمن أرتبط؟ أنا بحاجة حتّى في صلاتي، في هذا النموذج العباديّ الواضح، أن أعرف أجزاء الصلاة، وكيفيّة أدائها. أمّا وقائع الحياة الأخرى المعقّدة، سواءٌ في المجال الاقتصاديّ أو السياسيّ أو في غيرهما من المجالات، فهنا المشكلة الكبرى؛ بمن أرتبط عندما يكون مثل هذا الفراغ العظيم؟ لا راية ولا ولاية فوق رؤوس المسلمين؛ عندها، فلان سيرتبط بالسياسيّ الفلانيّ، وفلان سيرتبط بالزعيم الفلانيّ، وهكذا... حتّى المؤمنون في المساجد سيرتبطون بزعماء سياسيّين هنا وهناك. بالتالي، كيف يمكن أن يكون العابدون في هذه المساجد من الممهّدين لظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ هذا هو التخبّط بعينه. لذلك، إنّ من الشروط الأساسيّة لانتظار إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أن نحافظ على هذه العلاقة. هذه مسألة من جملة المسائل التي وجّهنا إليها أئمّتنا (عليهم السلام)، وبشكلٍ خاصّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

عندما يُطلق الإمام (الخميني) فتواه للجهاد، ولمقاومة أعداء

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

55


40

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

الله، في مواجهة الشرق والغرب على حدّ سواء، ثمّ لا يجد من يستجيب، فكيف يمكن (لمن لم يستجب لتلك الفتوى) أنْ يستجيب لنداء الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عند خروجه وظهوره؟ هذه مسائل يستطيع كلّ إنسانٍ منّا أن يفهمها كمسؤوليّة شرعيّة وتكليفٍ شرعيّ من خلال أدنى قراءة في كتاب الله أو الرسائل العمليّة لمراجعنا وعلمائنا[1].

• نصرة الوليّ الفقيه

أنتم تتصوّرون أنّ من لم يناصر الإمام الخمينيّ(قدس سره) يستطيع أن يكون نصيراً للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ هذا مستحيل. إنّ جهاد الإمام الخمينيّ(قدس سره) لا يساوي واحداً في المليون من جهاد الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، مع كلّ عظمة جهاد الإمام الخمينيّ[2].

• بناء الذات

لا تزال المناسبة المباركة التي تظلّلنا جميعاً هي مناسبة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). هذه المناسبة تُعدّ بالنسبة إلى حاضر

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

[2] من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 

56


41

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

البشريّة ومستقبلها من أهمّ المناسبات وأعظمها. من يدرس فكرة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومتطلّباتها، والأهداف العليا والكبرى التي يحملها الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ يُدرك أنّ أهمّ قضيّة ينبغي أن نحملها ونتحمّل مسؤوليّتها هي بناء أنفسنا، بناء شخصية الإنسان المؤمن بناءً قويّاً ومستقيماً، حتّى يجهّز كلّ واحدٍ منّا نفسه من خلال بناء شخصيته الإيمانيّة والإسلاميّة، ويُعدّ نفسه لنصرة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

من هذا المنطلق، سأركّز في هذه الكلمة على بناء الشخصيّة -شخصيّة الإنسان المؤمن- والسُبل التي يستطيع على أساسها الإنسان المؤمن أن يبني شخصيّةً متماسكةً وقويّةً، يستحقّ معها –مستقبلاً- شرف الانتساب إلى أنصار الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[2].

أنت كإنسانٍ مؤمن، أليس حلمك الكبير أن تصبح نصيراً للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ إذا كان هذا هو همّك وهدفك؛ كيف تستطيع أن تصل إلى هذا المستوى؟ أنا سأذكر لكم بعض المسائل الأساسيّة على ضوء بعض الأحاديث وبعض التوجيهات من أئمّتنا (عليهم السلام)، حتّى نعرف كيف تُبنى شخصيّةٌ بهذا المستوى، بحيث يستطيع

 

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 

 

57


42

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

معها الإنسان أن يبادر فوراً إلى نصرة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) دون شكّ أو تردّد.

1- الصلة بالإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف): المسألة الأولى التي يجب أن نلتفت إليها في مقام بناء شخصيّتنا هي الصلة بالإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، بحيث يصل الإنسان من خلال برنامج محدّد إلى مستوى من العلاقة مع الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يشعر معها بحضور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) معه أو بين يديه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) باستمرار؛ بمعنى أن تصبح العلاقة العاطفيّة بينك وبين الإمام المهْديّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف) علاقة خاصّة، تصل إلى مستوى المناجاة والتكلّم باستمرار معه (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

ولأجل هذا الأمر، نجد في بعض الأدعية أنّ لقاء الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو أنشودةٌ ينشدها الإنسان العاشق للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، المشتاق للقائه (عجل الله تعالى فرجه الشريف). هذا الإنسان يتمنّى على الله أن يُكحل ناظريه بنظرةٍ إلى الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «وَاكْحُلْ ناظِري بِنَظْرَة منِّي اِلَيْهِ»[1]. طبعاً، عندما يصل الإنسان إلى مستوى العاطفة الخاصّة والعلاقة الحميمة مع الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ يصبح همّه الأكبر -ولو للحظات- أن يرى الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ أن ينظر إليه، فيكحّل

 

 


[1] من دعاء العهد، راجع: مفاتيح الجنان، مصدر سابق، ص576.

 

 

58


43

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

ناظريه بنظرةٍ إليه (عجل الله تعالى فرجه الشريف). (ولكن) كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى هذا المستوى أو هذا الهدف؟ إنّه يصل إليه ضمن برنامج. وفيه:

أ- المواظبة على قراءة دعاء العهد: تؤكّد الروايات علينا قراءة دعاء العهد دائماً، هذا الدعاء الذي يجعلك مشتاقاً إلى الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حتّى لتتمنّى بعد وفاتك أن تُنشر من قبرك ثمّ تخرج لتلتقيه، ولذلك ورد في دعاء العهد: «اَللّهُمَّ إنْ حالَ بَيْني وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ الذي جَعَلْتَهُ عَلى عِبادِكَ حَتْما مَقْضِيّاً، فَأخْرِجْني مِنْ قَبْري مُؤْتَزِراً كَفَنى شاهِراً سَيْفي مُجَرِّداً قَناتي مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدّاعي فِي الْحاضِرِ وَالْبادي»[1]. عندما تقرأ هذا الدعاء قراءةً حقيقيّة ضمن برنامج عباديّ خاصّ، تتهيّأ له تهيئةً خاصّة، وتجلس بين يدي الله متطهّراً مخلصاً صادقاً، ثمّ تتمنّى على الله عزّ وجلّ أن يُحدث هذا المستوى من العلاقة بينك وبين الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). لو قرأت هذا الدعاء أربعين صباحاً، يبشّرك الله عزّ وجلّ بأنّك ستكون من أنصار الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فعلاً.

 


[1]  الشيخ القمي، مفاتيح الجنان، مصدر سابق، ص576.

 

59


44

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

ب- ذكر الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في كلّ لحظة: عند يقظتك في الصباح، عند نومك، عند صلاتك، اذكر الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). عندما يصبح ذكر الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ذكراً دائماً يتحرّك به لسانك كما يتحرّك به قلبك، فكيف ستصبح العلاقة بعد فترةٍ من الزمن؟ في الأيّام والأشهر الأولى قد لا تشعر بحميميّة هذه العلاقة، لكن بعد سنة وسنتين من هذا التوجّه، ومن هذه العادة، سيصبح الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من حياتك، وتفكيرك وقلبك، وممارساتك. أيّ حبيب تذكره دائماً يصبح جزءاً من حياتك، فكيف إذا كان الحبيب هو الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟! هذا النحو من العلاقة شرطٌ أساسيّ من الآن حتّى نتمكّن من أن نجهّز أنفسنا بشخصيّةٍ إسلاميّةٍ كاملةٍ لنصرة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

هذه هي العلاقة الخاصّة التي ينبغي أن تكون. ولذلك، يجب علينا جميعاً أن نضع برنامجاً حتّى نرتبط ارتباطاً عمليّاً بالإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

ج- استحضار آخر وداع الشهداء: (راقب) الشهداء، خصوصاً في جبهات الحقّ ضدّ الباطل في إيران، وفي جبهة المقاومة الإسلاميّة ضدّ «العدو الإسرائيلي»، (ستلاحظ)

 

 

60


45

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

أنّ العبارة التي كان يوَدّع فيها (المجاهد) هذه الحياة هي «يا مهديّ»، التي ستصبح كلمةً أساسيّةً في حياة الإنسان المؤمن، هذه كانت المسألة الأولى.

2- تهيئة الروح الجهاديّة: أمّا المسألة الثانية، فهي أن تربّي نفسك كإنسانٍ مؤمن على مستوى من الجهاد، وأن تنمّي روحك الجهاديّة تنمية خاصّة ضمن برنامجٍ خاصّ أيضاً. طبعاً، إنّ (حال) الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليس كحال رسول الله  (صلى الله عليه وآله) والأنبياء السابقين لناحية أنّه سيولد، وبعد سنين عدّة يكتشف الناس أنّه أصبح نبيّاً، (فيبدأ بالدعوة إلى رسالته)، بل الإمام المهْديّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف) رجلٌ قد وُلد ومرّ على ولادته قرون، وبمجرّد أن يخرج، ستبتدئ الحالة الجهاديّة في أعلى المستويات منذ اللّحظة الأولى لوجوده. إذا كانت ساحة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والعلاقة معه تعني الجهاد في سبيل الله، فهذا معناه أن تهيّئ نفسك وروحك الجهاديّة في هذا الإطار من الآن[1].

 

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 

 

61


46

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

• الارتباط بالإمام الحسين (عليه السلام) أساس الروح الجهاديّة

أنا لا أرى قدرةً للإنسان على تربية روحه الجهاديّة بمعزل عن الإمام الحسين (عليه السلام). هذا هو الأساس. يجب أن تنمّي علاقتك مع الإمام الحسين (عليه السلام) هنا حتّى تفعّل روحك الجهاديّة من خلال هذه العلاقة. ساحة كربلاء تعيشها بكلّ تفاعلاتها العاطفيّة والجهاديّة؛ بتضحيات الإمام الحسين (عليه السلام)، بعطاء أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، بمواقف السيّدة زينب i، بشجاعة الإمام زين العابدين (عليه السلام) وعليّ الأكبر(عليه السلام)، كلّ هؤلاء يجب أن تتفاعل معهم تفاعلاً كبيراً في ساحة كربلاء. عندما تصل إلى مستوى من العلاقة الخاصّة مع الإمام الحسين (عليه السلام)؛ ساعتئذٍ تستطيع أن تضمن لنفسك روحاً جهاديّة، لأنّه ليس ثمّة مسألة تعبّئ الروح الجهاديّة كثورة الإمام الحسين (عليه السلام). ولذلك، حتّى أسلوب التعبئة الذي سيمارسه الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نفسه، في استنهاضه للناس، وفي صنع الروح الجهاديّة في أعماق نفوسهم، وفي استثارة الثورة في قلوبهم؛ سيعتمد على مشاهد كربلاء كأساس. ومن هنا، تقول الروايات إنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيفاجئ العالم والناس بطفلٍ مذبوح يحمله بين يديه، هو طفل الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، ويقول للناس: «ما ذنب هذا الطفل؟». كما أنّه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، سيستخدم مشهد استشهاد

 

 

62


47

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

جدّه الإمام الحسين(عليه السلام) على أرض كربلاء، ومشهد السيّدة زينب(عليها السلام)وهي مسبيّة في كربلاء وفي الشام وفي الكوفة[1].

• التربية الخاصّة

ثمّة بعض المسائل الأساسيّة التي تحتاجها شخصيّة الإنسان المؤمن حتّى يكون نصيراً للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ما أريد التأكيد عليه؛ أنّ المسألة تحتاج إلى نحو من التربية الخاصّة، إلى منهاجٍ تربويٍّ خاصّ. عندما نعتمد برنامجاً تربويّاً خاصّاً نقوّم فيه شخصيّتنا ونصنع فيه شخصيّةً حقيقيّةً في سبيل الإسلام؛ ساعتئذٍ يصبح الإنسان مهيَّأً وجاهزاً، وإلّا العواصف والزلازل في عهد الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كثيرة جداً، والتجارب صعبة جداً. عندما يبشّرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه بالإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فإنّه ينبّهنا إلى ذلك. لقد وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الناس وقال لهم: «أبشّركم بالمهْديّ، يُبعث في أمّتي على اختلاف من الناس وزلزال، يملأُ الأرضَ عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض»[2]؛ والزلزال هنا في هذه الرواية، ليس الزلزال الطبيعيّ، بل الزلزال بمعنى

 

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

[2] الشيخ الطوسي، الغَيْبة، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة، إيران، ط1، 1411هـ. ق، ص178.

 

63


48

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

الامتحان الصعب، الزلزال نفسه الذي امتحن الله به قلوب المؤمنين في معركة الأحزاب[1].

• تحمّل ضريبة التمهيد

نحن نعلم أنّ من يعمل من أجل التمهيد لظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيكلّفه ذلك كثيراً. نحن نعلم أنّنا سنمرّ في حالاتٍ من الضيق والحرج، والأئمّة (عليهم السلام) بلَّغونا هذا الأمر؛ أنّ إيران، بعد أن تُحقّق انتصارها الكبير، سيُضيّق عليها الخناق من الشرق والغرب، وأنَّ الحالة الإسلاميّة كلّها ستعيش العسر والضيق. هذا كلّه ندركه، لأنّه من جملة علامات ظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أن يُطارد الإنسان من شيعته ويُحارب، ويتكالب عليه الأعداء جميعاً[2].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

[2] من خطبة له بتاريخ: 6/1/1989م الموافق 29 جمادى الأولى 1409هـ.

 

64


49

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

أرى لِزاماً عليّ أن أوجّه نفسي أولّاً، ثمّ أوجّه كلّ المؤمنين المجاهدين أن يهيّئوا أنفسهم لهذا الحدث الكبير. لا يتصورنّ الإنسان أنّ حدث خروج الإمام المهْديّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيكون حدثاً عاديّاً، وأنّه بمجرّد أن يخرج الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، سيعلن التحاقه بركبه وبموكبه.

 

(11/3/1990م الموافق 14 شعبان 1410هـ)

 

66


50

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• تهيئة مقدّمات ظهوره المبارك (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

كلّنا نعلم، ونحن في هذه المرحلة، أنّ ثمّة ثورة ستحصل، هي ثورة الإنقاذ الحقيقيّة لكلّ المستضعفين في الأرض. كلّ المسلمين والمتديّنين في العالم، من يهود ومن نصارى، يعلمون أنّ ثورةً ستحصل على المستوى البشريّ كلّه، ستشمل الأرض بكاملها، على يد رجلٍ مُصلح، نسمّيه نحن الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). كما كان الرسول (صلى الله عليه وآله) وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والإمام الحسن (عليه السلام) مسؤولين عن تجهيز المقدّمات لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، فنحن مسؤولون عن تجهيز كلّ المقدّمات لثورة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). إنّ أُولى مسؤوليّاتنا الشرعيّة كأمّة مسلمة في عصرنا الحاضر، هي هذه المسؤوليّة؛ كيف نهيّئ المقدّمات الحقيقيّة والأساسيّة لثورة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الكبرى[1]؟

 

 


1]  من خطبة له بتاريخ: 28/7/1990م الموافق 5 محرم 1411هـ.

 

67


51

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

• التجهيز مسؤوليّة خطيرة

يقول لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تقوم الساعة حتّى يقوم قائم للحقّ منّا»[1]. إنّ هذا الحديث ليس مجرّد خبر عن مسألة عاديّة، وإنّما يدفعنا لأن نعرف معنى هذا الحدث، وكيف يمكن أن نهيّئ مقدّمات هذا الحدث الكبير. أنت بشكلٍ طبيعيّ -حتّى في المسائل العاديّة- عندما تتوقّع مسألة معيّنة، أو حدوث حادثة، ألا تبتدئ بتهيئة بعض المسائل والمقدّمات، أو بعض الظروف والأجواء؟ مثلاً: عندما ترى أنّ البلد قادم على مجاعة -لا سمح الله- وهذا حدث خطير، تبادر بشكلٍ طبيعيّ إلى تهيئة المقدّمات الاحتياطيّة، فتقول: سواء حدث هذا الحدث أم لم يحدث، فإنّ واجبي أمام مسألة خطيرة بهذا المستوى أن أُهيّئ لها مقدّماتها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى احتمال حدوث حرب، أو معركة معيّنة، وحتّى الجانب الاقتصاديّ للمعركة، يجب أن تهيّئ له مقدّماته احتياطاً، فضلاً عن الذخيرة والسلاح وكلّ مقوّمات المعركة ومقدّماتها. إذاً، يجب أن ينظر الإنسان بهذه الطريقة تُجاه أيّ حدث من الأحداث، حتّى ولو كانت أحداثاً عاديّة. أمّا عندما يصل

 


[1]  الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، مؤسسة الأعلمي، بيروت، لبنان، 1984م، ج1، ص65.

 

68


52

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

الحدث إلى هذا المستوى، (وهو التمهيد للظهور المبارك)، فيصبح أخطر وأهمّ حدث في تاريخ البشريّة جمعاء، وحدث بهذا المستوى يجب أن تُهيّأ له مقدّمات أيضاً بمقدار أهميّته. من هذا المنطلق، حاول أئمّتنا (عليهم السلام) أن يذكِّروا حتّى ببعض التكاليف البسيطة كمقدمة لظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

• التجهيز يعزز الصّلة بالإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

ثمّ تقرأ في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) العلامات عن ظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، التي تحثّ المسلمين على تهيئة كلّ ما يمكن أن يكون من مقدّمات في زمن الانتظار. هذه التوجيهات، ونتيجة اختمارها في ذهن علمائنا ومراجعنا؛ كانت تصل إلى حدّ أنّ بعض المراجع كان يهيّئ حتّى السلاح في فترات لم تشهد قتالاً أو نزاعاً. كان المرجع من مراجع المسلمين أو العالِم من علماء المسلمين يهيّئ حتّى السيف في بيته في فترة استخدام السيوف، أو البندقية في فترة استخدام البنادق، وكانوا يتفقّدون هذا السلاح باستمرار؛ لأنّهم يبايعون الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). هذا كلّه نتيجة توجيهات أهل البيت (عليهم السلام). ما أريد قوله من خلال

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

69


53

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

كلّ هذه الكلمات، إنّ الأئمّة (عليهم السلام) أرادوا أن نعيش مع الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في كلّ حركة من حركاتنا، وكلّ فترة من فترات حياتنا، وأن نتعايش مع هذا الإمام العظيم[1].

في هذه الأجواء التي يجب أن نهيّئ فيها كلّ هذه المقدّمات، بحمد الله وبفضله، حصلت مقدّمات أساسيّة، في مواجهة أمريكا و«الكيان الصهيوني»، وهي ثورات إسلاميّة، بعضها ثورات كبرى، وبعضها ثورات صغيرة، وبعضها ثورات متوسّطة، على امتداد العالم الإسلاميّ، وبعضها لا يزال نواة ثورة في بعض البلدان الإسلاميّة[2].

• تربية الأجيال لنصرة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

نحن في هذا العصر، (إذا ربّينا) أجيالنا على مبايعة أمريكا، والاتحاد السوفياتيّ، و«إسرائيل»، والحكّام الظالمين، فهذا تعبيرٌ آخر عن مبايعة يزيد بن معاوية في عصر الإمام الحسين  (عليه السلام). بمقدار ما نربّي أجيالنا هذه التربية الخاطئة؛ سنساهم في أن يكون إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في موقعٍ صعب.

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 28/7/1990م الموافق 5 محرم 1411هـ.

 

70


54

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

كان هاجس أمّ البنين وهمّها كيف تنشئ أولادها لنصرة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). أليس المطلوب منّا على مستوى التكليف الشرعيّ أن نمهِّد الأرض لنصرة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ حسناً، إذا خرج الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في فترة من الفترات، ووجد أجيالاً بين يديه غير مستعدَّة للشهادة في سبيل الله، هل يستطيع أن يقاتل الظالمين؟ نحن نعلم أنّ أهل الكوفة والبصرة والناس من أهل مكّة والمدينة مشوا مع الإمام الحسين (عليه السلام) وكتبوا له الرسائل، ولكن في نهاية المطاف، وجد الإمام الحسين (عليه السلام) نفسه وحيداً! نحن اليوم، ملايين من الشيعة، ندَّعي النصرة للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وأنّه لو خرج، فلن نكون كأهل الكوفة، الذين راسلوه وقالوا له: عجّل، وإلّا احتججنا عليك يوم القيامة، ثمّ خذلوه بعد ذلك وتركوه وحيداً في وسط الميدان. نحن اليوم أيضاً نقول لإمام زماننا في أدعيتنا وزياراتنا: «يا مَوْلانا يا صاحِبَ الزَّمانِ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ، أدْرِكْني أدْرِكْني أدْرِكْني، السّاعَةَ السّاعَةَ السّاعَةَ، الْعَجَلَ الْعَجَلَ الْعَجَل»[1]. لكن، إذا خرج الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ولم يجد أنصاراً، نكون تماماً كأهل الكوفة. ونحن نستطيع أن نُمهِّد لظهور الإمام

 

 


[1]  من دعاء صاحِب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وقد علّمه سجيناً فأُطلق سراحه، ويعرف بدعاء الفَرَج، راجع: مفاتيح الجنان، مرجع سابق، ص148.

 

71

 


55

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ونعجّل فيه، عندما نُربّي ونُهيئ أنصاراً متكاملين بدينهم وإسلامهم، حسينيّين يعيشون ثورة الحسين (عليه السلام)، وينادون: «يا لثارات الحسين»، هذا وحده الذي يستطيع أن يضمن لنا ثورةً حسينيّةً مستمرّة[1].

• طاعة الله ... مهمة دائمة

نحن، لكي نُسمّى بالمنتظرين، وحتّى يكون انتظارنا هو أشرف العبادة وأفضلها، كما ورد في الروايات الشريفة[2]، يجب أن نعوّد أنفسنا على طاعة الله، وأن نروّض أنفسنا على المزيد من الجهاد في سبيل الله. فعندما نكون في حالة دائمة من الطاعة لله عزّ وجلّ، نكون في حالة دائمة من الجهاد في سبيل الله؛ عندئذٍ، بمجرّد أن يخرج الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، سنجد أنفسنا طبيعيّاً في ركبه(عجل الله تعالى فرجه الشريف)[3].

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 23/8/1988م الموافق 11 محرم 1409هـ.

[2] منها ما روي عن رسول الله: "أفضل العبادة انتظار الفرج" (الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص287). ومنها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث الأربعمائة: "ولا تيأسوا من رَوح الله، فإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن" (الشيخ الصدوق، الخصال، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، 1403هـ. ق.، 1362هـ. ش، ص616).

[3]  من خطبة له بتاريخ: 11/3/1990م الموافق 14 شعبان 1410هـ.

 

72

 


56

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

• تحمّل المسؤوليّات من تهيئة النفس

إنَّ نصّ الرواية «مُلئت ظلماً وجَوراً» ينطبق انطباقاً كاملاً على كلّ المجتمعات البشريّة؛ فالظلم هو الذي يُخيِّم، والجَور هو الذي يطغى، وكلّما حاول الحقّ أن يتقدّم أو حاولت رسالة الإسلام أن تتقدّم، تجد السدود والصدود بكلّ أشكاله. عشرات الآلاف من الشهداء قُدِّموا في جبهة الحرب لتحرير العراق من ظلم صدام وفساد الشرق والغرب، وإذ بكلّ الغرب والشرق والعرب قد اجتمعوا وصنعوا سدّاً منيعاً ليمنعوا تقدّم الإسلام. هذا هو معنى سيطرة الظلم والفساد. لكن في مقابل هذه الصورة أيضاً، ذكرت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) المقدّمات التي ما إن تتحقّق، حتّى يخرج الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، مثل ما ورد عن راية المشرق وطالع المشرق، ودولة الإسلام في المشرق، ثم أبدالٌ في الشام، وعصائبُ في العراق، حتّى بعض الروايات التي تتحدّث عن الرايات والمجاهدين حول المسجد الأقصى والقدس الشريف. فكلّ هؤلاء يشكّلون نواة الأنصار للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فضلاً عن أنّ كلّ هذه المقدّمات قد تحقّقت. لا أريد أن أقول إنّنا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) -وإنْ كانت هذه أُمنية نعيشها كمؤمنين- لكن ما أريد قوله، وهذه المسألة الأساسيّة: ما هو المطلوب منّا؟ وما هي مسؤوليّتنا؟ فعندما

 

73


57

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

أقول في الصباح وفي كلّ وقت: «الّلهمّ اجعلني من أنصار الإمام المهْديّ»، ثمّ أُجدّد له البيعة في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، هل يكفي أن أجدّد البيعة من خلال ألفاظ تجري على اللسان أم أنَّ ثمّة مسؤوليّات يجب أن أتحمّلها على مستوى الحياة الميدانيّة والعمليّة؟ تقول كلّ الروايات والأحاديث، وحتّى ما يقتضيه العقل والعُرف، إنّك إذا أردت أن تُمهِّد لبيعة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والانتصار له (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، يجب أن تتحمّل مسؤوليّاتك ميدانيّاً، وأن تهيّئ نفسك على كلّ المستويات، تربويّاً وروحيّاً وماديّاً[1].

• الاستعداد انتماءٌ لجنده (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

أرى لِزاماً عليّ أن أوجّه نفسي أوّلاً، ثمّ أوجّه كلّ المؤمنين المجاهدين أن يهيّئوا أنفسهم لهذا الحدث الكبير. لا يتصورنّ الإنسان أنّ حدث خروج الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيكون حدثاً عاديّاً، وأنّه بمجرّد أن يخرج الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، سيعلن التحاقه بركبه وبموكبه. أنا أعتقد أنّ الإنسان الذي لا يروّض نفسه على فعل الخيرات منذ هذه اللحظات، ولا يروّض نفسه على الجهاد المستمرّ من خلال

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان 1408هـ.

 

 

74


58

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

المشاركة في العمل الجهاديّ الحقيقيّ والقتال الحقيقيّ ضدّ أعداء الله منذ هذه اللحظات، ولا يهيّئ نفسه تربويّاً وروحيّاً على مستوى عالٍ؛ لن يستطيع أن يواجه هذا الحدث الكبير. حتّى نستطيع أن نواجه هذه الأحداث الكبرى التي سترافق ظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ يجب أن يكون استعدادنا كبيراً. أمّا أن نتعامل مع هذا الحدث كبقيّة الأحداث التي تمرّ على الأمّة الإسلاميّة، فلا يحتاج إلى الكثير من الاستعداد والجاهزية؛ فأعتقد أنّ هذه المسألة خطيرة جداً على مستقبل المؤمنين وهذه المسيرة[1].

• التعبئة الجادّة في كلّ المناسبات

1- في النصف من شعبان: أي في يوم ولادة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ثمّة مستحبّات (كثيرة)، من جملتها: زيارة الحسين (عليه السلام)، وزيارة العتبات المقدّسة، وفي الحدّ الأدنى، إن لم تستطع أن تصل إلى الحسين (عليه السلام) ترشدك الروايات إلى أن تصعد، ولو إلى السطح، وتتوجّه إلى قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وتقول له: «السلام عليك يا أبا عبد الله». طبعاً، إنّ الهدف الأساسيّ لمثل

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 11/3/1990م الموافق 14 شعبان 1410هـ.

 

 

75


59

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

هذه المستحبّات في هذا اليوم، هو التعبئة؛ أي أن يعبّئ الإنسان نفسه لظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإلّا لماذا كان من أفضل المستحبّات في يوم ولادة الإمام المهْديّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في الخامس عشر من شعبان أن تزور أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) بالتحديد؟ إنّ زيارة الإمام الحسين  (عليه السلام) أفضل المستحبّات، وهي جهادٌ وبيعةٌ لسيّد الشهداء  (عليه السلام) على الشهادة في سبيل الله.

2- شهر محرم الحرام: يمرّ على الإنسان المسلم شهر محرّم أيضاً، شهر الحسين (عليه السلام)، هذا الشهر الذي أتمنّى أن تقرأوا فيه زيارة الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وكيف يتوجّه الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام). إنّ هذه الأيّام وبالأخصّ اليوم العاشر من المحرّم، أيّام الإمام الحسين (عليه السلام)، ليست للبكاء فحسب، فالبكاء جزء من التعبئة الروحيّة والمعنويّة، وهكذا كلّ المناسبات الدينيّة ومناسبات أهل البيت (عليهم السلام)، (ولكن) عليك أن تتهيّأ بكلّ أشكال التهيّؤ، وتُعدّ العُدّة بكلّ أشكال الاستعداد حتّى تستطيع أن تكون جنديّاً من جنود الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

 

 

76


60

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

3- التعبئة الجادّة بالقول والعمل يوميّاً: أمّا أن يجدّد أحدهم البيعة للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في كلّ يوم، ثمّ لا يقرن هذه البيعة بهذه التعبئة الجادّة اليوميّة؛ مثل هذا الإنسان -أيّها الإخوة والأخوات- والله لن يستطيع أن يكون من أنصار الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ لأنّ متطلّبات المعركة في ظلّ وجود الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي متطلّبات كبيرة. لا تتصوّروا أبداً أن تكون متطلِّبات المعركة في عصر الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومستلزماتها ومسؤوليّاتها أقلّ من متطلّبات المعركة بين يدي أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، والمعركة في عصر الإمام الخمينيّ (حفظه الله).

4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: سأضرب مثلاً عمليّاً على هذه المسألة: ثمّة أشخاص من أصحاب اللِّحى يدّعون الإيمان، ويذكرون في كلّ مجالسهم الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والانتصار له (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولكنّهم يقولون: نحن ننتظر الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ونبايعه هو فقط، وليس لنا علاقة بأيّ راية أخرى أو إمام آخر! ثمّ تجد هؤلاء حياديّين تُجاه كلّ ما يجري من صراعات في العالم، مثل المعركة التي تدور على أشدّها بين الإسلام والكفر في عصرنا الحاضر، الإسلام بقيادة الإمام الخمينيّ (حفظه الله) والكفر بقيادة أمريكا،

 

 

77


61

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

رايتان متقابلتان، ولكن هؤلاء لا علاقة لهم بأيّ حدثٍ يجري في هذه المعركة. إنّ فتوى الإمام الخمينيّ بالجهاد لإسقاط صدام والشاه، مسألة لا تعنيهم، وكذلك أمر الإمام بقتال «الكيان الصهيوني» حتّى إزالته من الوجود، مسألة لا تعنيهم، وأيضاً فتوى الإمام الخمينيّ (حفظه الله) بقتل سلمان رشدي، ومطالبته كلّ المسلمين في العالم بحماية الإسلام والتظاهر لهذه الغاية، مسألة لا تعنيهم. عندما لا أتحمّل هذه المسؤوليّات، ماذا أنتظر إذا أصبح وجهي في وجه الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يوماً من الأيّام؟ ألن يعاتبني؟ ألن يسألني لماذا لم تأمر بالمعروف؟ لماذا لم تنهَ عن المنكر؟ لماذا لم تتحمّل مسؤوليّاتك؟ لماذا تركت الأرض تعجّ بالفساد، وأنت قادرٌ على فعل ولو الشيء اليسير؟ ولذلك، من يؤمن بالإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويبايعه، يجب أن يفهم كلّ هذه المستلزمات والمسؤوليّات، وإلّا تُصبح المسألة إيماناً في القلب لا أكثر ولا أقلّ، فإيمان أهل الكوفة وحبّهم بقلوبهم لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، لم ينفعهم شيئاً ولم ينفع الإسلام شيئاً، ولم يستفد منه أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) في كربلاء. هذا واقع يجب أن نفهمه من خلال هذه المناسبات

 

 

78


62

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

الكريمة، المناسبات التي تربط ذاكرتنا بالإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وتذكّرنا بهذا الإمام العظيم[1].

• قرن الجهاد بالعبادة

لكي نبتدئ بدايةً سليمةً في التعامل مع إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، يجب أن نرسم، منذ البداية، برنامجاً لحياتنا. هذا البرنامج أساسه الجهاد في سبيل الله، وهو يشتمل أيضاً على الصلاة، والعبادة، والدعاء، وقراءة القرآن، وهكذا، أي برنامج تعبئة روحيّة ومعنويّة، حتّى تتمكّن مع ظهوره أن تكون جندياً من جنوده. ولذلك، كلّ مَن لم يجاهد في سبيل الله ليس منتظراً. تصوّروا معي هذا المشهد: إنسان جالس في بيته والعدو الإسرئيلي في جواره، ثمّ يقول: «أنا منتظر»، أيّ انتظار هذا؟! العدوّ رابض على صدورنا ويتهدّدنا في بلدنا ونحن جالسون في بيوتنا، ثمّ نقول: نحن من المنتظرين! من لم يجاهد أعداء الله في غيبة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لن يجاهدهم ويقاتلهم مع حضوره، فلتكن هذه قاعدة ثابتة. وإذا كان له ما يبرّر تخاذله في هذه المرحلة، سيجد عشرات المبرّرات عندما يظهر الإمام

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان 1408هـ.

 

79

 


63

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). بعض الناس كانوا يبرّرون لأنفسهم خذلانهم للإمام الحسين (عليه السلام). ألم يتركوا مُسلم بن عقيل وحيداً في شوارع الكوفة، ووجدوا لفعلهم مبرّرات كثيرة؟ سنجد مثل هؤلاء الناس المتخاذلين في فترة الغَيْبة، سيكونون متخاذلين في فترة الظهور أيضاً، ولا سيّما بعد أن أعلن الإمام (حفظه الله) في هذا الخطاب الأخير (حينها) أنّنا ما زلنا في نقطة البداية في صراعنا مع الشرق والغرب[1].

• جهاد اليوم، نُصرةُ الغد

سيفاجِئ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الناس من خلال صرخة تدوّي في السماء: «ظهر القائم المهْديّ». فإذا كنت ضعيفاً على المستوى الروحيّ والجهاديّ، لن تستطيع أن تفعل شيئاً، (بل) ستنكِّس رأسك ذليلاً، وستندم على ما فرّطتَ في كلّ أيّامك، وستقول: لماذا لم أتدرّب على السلاح؟ لماذا لم أنزل إلى سوح الجهاد؟ لماذا لم أوفّق وأتشرّف بقتال العدوّ الإسرائيليّ مع المقاومة الإسلاميّة؟ ستندم على كلّ أيّامك الماضية، وسوف تخسر أيضاً كلّ أيّامك الحاضرة والمستقبليّة، لأنّك لن تستطيع

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

80


64

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

أن تكون مع الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). أمّا من يكون مجاهداً حقيقيّاً، فبمجرّد أن تُعلن الصرخة في السماء، يرى نفسه تلقائيّاً وبشكلٍ طبيعيّ مُستجيباً (للإمام)، لأنّه في هذا الإطار وفي هذا الطريق (الذي) سلكه منذ البداية. من تعوّد على الجهاد منذ الآن، لن تفاجئه الصرخة يوم الظهور المبارك. إنّ قولي هذا برسم كلّ الذين ينتظرون الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهم في بيوتهم. فالإنسان الذي تعوّد على القعود والجلوس في بيته كلّ هذه الفترة الماضية، عندما يُطلب إلى أهمّ ساحة جهاديّة، هل تتصوّرون أنّه سينتقل فوراً من بيته إلى ساحة الجهاد؟ هذا مستحيل. من سلك طريق الجهاد منذ البداية، يجد نفسه نصيراً طبيعيّاً للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإلّا كيف استطاع عمّار بن ياسر أن يكون مناصراً لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في معركة صفّين؟ كم كانت النفوس التي ضعفت عن نصرة عليّ (عليه السلام)؟ كم كانت الجماعات التي تخلّت عن الجهاد مع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لمجرّد قعودها -ولو لفترة من الزمن- عن الجهاد والاستمرار فيه[1]؟

 

يقول بعض الناس: «إذا ظهر الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، أنا سأكون أوّل أنصاره»! أُشهد الله أنّ أمثال هؤلاء سيكونون أوّل

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 

81


65

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

المعاندين، وأول من سيحمل السلاح ويقاتل الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)! من لم يروّض نفسه ويربّها على الجهاد من الآن؛ يستحيل أن يكون نصيراً للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

• المقاومة الإسلاميّة مشروع تمهيد

إذا أردتم أن تقدّموا مشروعاً يثبت صدقكم بين يدي الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فأهمّ مشروع وأعظم هديّة يمكن أن تقدّموهما للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هي المقاومة الإسلاميّة؛ إنّها أهمّ مشاريعكم وهداياكم. المقاومة الإسلاميّة ليست مسألةً بسيطة، وإنّما مسألة تتقابل فيها الدنيا والآخرة، من جهة، وفيها أهمّ الأهداف التي سيحمل رايتها الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، (من جهةٍ ثانية). ولذلك، أيّ ضعف وخدش في المقاومة، هو إضعاف لهذا المشروع ولهذه الهديّة التي نقدّمها للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). نحن عندنا نطوّر جهادنا ضدّ «الكيان الصهيوني»، ونرتقي إلى مستوىً كبير في قتالنا وروحيّة جهادنا ضدّ (هذا العدوّ)، عندما يخرج الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، سيجد أرضيّةً ينطلق منها، وعندها، نثبت لإمامنا، من خلال المقاومة، أنّ هؤلاء المجاهدين حقيقةً قد مهّدوا، وهذا معنى التمهيد لظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[2].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

[2] من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 

82


66

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

المقاومة الإسلامية كانت تمهيداً، الانتفاضة في فلسطين كانت تمهيداً، روح العداء لليهود التي تحرّكت كنتاج للمقاومة الإسلاميّة وللانتفاضة، هذه كلّها تمهيد ومقدّمات[1].

• لا حياد في معركة الحقّ والباطل

إنّ جزءاً من مسؤوليّتي في خضمِّ هذه المعركة، أن لا أكون حياديّاً تُجاه ما يجري من أحداث هنا وهناك، لأنّ من يكون حياديّاً -كما قلت- في هذه المرحلة، لن يكون إيجابيّاً عند ظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ما هو موقفي في هذه المرحلة؟ هل أتفرّج من بعيد؟ هل أترك المعركة تتفاعل حتّى أكون أنا في النهاية ضحيّتها[2]؟

• تحمّل المسؤوليّة

من يريد أن يبايع الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في هذا اليوم، يجب أن لا يقف موقف المتفرّج، موقفاً حياديّاً، بل يجب أن يتحمّل مسؤوليّاته بالكامل تُجاه هذه المعركة. ولذلك، نحن بلّغنا الجميع أنّ الموقف في هذه المرحلة يجب أن يكون موقفاً

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 28/7/1990م الموافق 5 محرم 1411هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان 1408هـ.

 

 

83


67

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

حاسماً: لا تتركوا الناس كما تُركوا لأربعة عشر عاماً تنهشهم القذائف والصواريخ من بعيد. هذه حرب الأربعة عشر عاماً، التي تسمَّى بحرب الخطوط الحمر والقذائف من بعيد، (ستنعكس سلباً) بكلّ تبعاتها وآثارها على شعبنا، وهي ليست لصالحه. أمّا عندما تحمّل الجميع مسؤوليّاتهم، لمّا كان «العدو الإسرائيلي» على مشارف بيروت، تحطّمت هذه الأسطورة. المهمّ أن تكون أنت في موقع الإرادة الحقيقيّة والجادَّة في مواجهة أعداء الله. الآن «إسرائيل» ضعيفة، وهي تعيش حالاتها السيّئة والضعيفة نتيجة الانتفاضة داخل فلسطين، وتعيش في هذه الأيّام عقدة الهزيمة في لبنان، وأمريكا أيضاً من ورائها تعيش عقدة الهزيمة في لبنان، كلّ هذه العُقد لم تكن عام 1982م، ومع ذلك هُزموا. المهم أن نملك كمسلمين إرادة حقيقيّة في مواجهة أعداء الله[1].

• العطاء بلا حدود

أعطوا الله بلا حدود؛ سترون كرم الله غير المحدود، فيعطيكم بلا حدود. لننتظر الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بهذه الروحيّة والعقليّة؛ فهو، من جهة، يشكّل ضمانة لروحنا، ولقدرتنا

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان 1408هـ.

 

84


68

الفصل الرابع: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (2)

على العطاء، ولرفع مستوى عطائنا، وفي الوقت نفسه، يُشكّل الضمانة الحقيقيّة لمسلكيّتنا في هذه الحياة[1].

أعظم طرق التمهيد للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو أن نتربّى على هذه الروحيّة، روحيّة العطاء من دون طلب أو ثمن. لا نريد شيئاً (في المقابل). طبعاً، إذا طلبت بعملك وجه الله فقط، فالله أكرم الأكرمين، سيعطيك كلّ شيء[2].

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

 

 

85


69

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

الإمام الخمينيّ هو أعظم من مهّد للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لأنّه بنى له جمهوريّة وسمّاها «جمهوريّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)». وعندما قدّم الإمام (هذه الدولة) للناس وللعالم قال: «هذه دولة القائم، جمهوريّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)».

 

(16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ)

 

88


70

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• مواجهة الظلم والاستكبار

المسألة الأساسيّة التي يجب أن تؤخذ كعِبْرة وكدرس من هذا اليوم الكريم -ونحن نُحْيي ذكرى ولادة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)- هي أن نعرف كيف نتحمّل مسؤوليّاتنا الشرعيّة، والتي سأذكر من خلالها كيف يعرف المؤمن أنّه نصير لراية الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف): قامت دولة الإسلام في إيران، فانتشرت روح المواجهة لأمريكا على مستوى العالم المستضعف كلّه، وضُربت مصالحها في كلّ مكان، حتّى شعرت أمريكا أخيراً أنّها فقدت كلّ هيبتها في العالم، أمريكا التي كانت تحكم الدنيا بأكملها بهذه الهيبة، وتسيطر على أنحاء العالم كلّه بوهم قدرتها. وكان يكفي لدولة أو لزعيم ما، مهما كانا قويّين، الانسحاب من المعركة، بمجرّد أن يكتشفا أنّ أمريكا وراء مؤامرة من المؤامرات أو في الخطّ المواجه[1].

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 24/4/1986م الموافق 15 شعبان 1406هـ.

 

89


71

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

• نصرة الجمهوريّة الإسلاميّة

أمريكا تخاف على مصالحها في الخليج، وستدفع بكلّ قوّتها من أجل حماية الخليج، وستصبح، بالتالي، دولة الإسلام -لا أقول في خطر، لأنّ الدولة الإسلاميّة لن تكون في خطر بإذن الله- كثيرة الأعداء، وستزداد المؤامرات، وسيزداد تكالب الأعداء على جُمهوريّتنا الإسلاميّة. أمّا نحن المسلمين في لبنان، فكيف سنتعامل مع هذا التكالب على دولة الإمام المهْديّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ هل نتعامل معه بانتظار الفرج على طريقة المنتظرين في بيوتهم؟ (وهل نكون) كهؤلاء الذين ينتظرون الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حتّى ينصرهم، ولا يهيّئون أنفسهم لنصرته (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ لهؤلاء يقول الإمام الخمينيّ (حفظه الله) في يوم ولادة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): «يا من تدّعون أنّكم أولياءٌ لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ها هي دولة عليٍّ قد قامت، ماذا قدّمتم لدولة عليّ؟». عندما يتكالب الأعداء على هذه الدولة من كلّ حَدَبٍ وصَوب، كيف سأتحرّك، أنا كمسلم، في كلّ أنحاء العالم؟ أنا لا أستطيع أن أكون نصيراً حقيقيّاً للمهديّ المنتظَر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلاّ عندما أُوصِلُ «ريغان»[1] والدول الأوروبيّة كلّها إلى هذا المستوى من التفكير، أنّهم لا يحسبون

 

 


[1] رونالد ريغان، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من العام 1981م حتّى العام 1989م.

 

 

90


72

الفصل الثالث: مسؤوليّة المنتظِر في عصر الغيبة (1)

حساباً لأربعين مليون إنسان يسكنون إيران فحسب، وإنّما يحسبون حساب المليار مسلم في كلّ أنحاء العالم. هذا هو الموقف الوحيد الذي نتمكّن من خلاله من أن نبرّئ ذمّتنا أمام الله تعالى، وأن نصبح جنداً لهذه الدولة الإسلاميّة. طبعاً، في الوقت الذي يتكالب فيه الأعداء على الجمهوريّة الإسلاميّة؛ أقول لكم مُطَمْئنّاً: سترتدّ كلّ مؤامراتهم إلى نحورهم، سيفشلون في كلّ مؤامراتهم ومكائدهم، وحتّى عندما تُحاصَر إيران -لا سمح الله- سوف يكون أمر الله كما كان يوم معركة الأحزاب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾ (الأحزاب: 9). وحتّى نطمئنَّ أكثر، نقرأ هذه الرواية عن صادق أهل البيت (عليهم السلام): «وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجّة على الخلائق، وذلك في زمان غيبة قائمنا (عليه السلام) إلى ظهوره، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها». إنّ أهل قُم، بإيمانهم، هم الضمانة لبقاء الإنسان على وجه هذه الأرض، وإلّا لساخت الأرض بأهلها بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، ثمّ يقول (عليه السلام): «وإنّ الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهله، وما قصده جبّار بسوء إلّا قصمه قاصم الجبّارين وشغله عنهم بداهية أو مصيبة أو عدوّ»[1].

 


[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج57، ص213.

 

91


73

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

التفتوا، وهذا هو الأهمّ: «وشغله عنهم بداهية أو مصيبة أو عدوّ»[1].

• الدولة الموطّئة للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

دولة الإسلام في إيران هي الدولة الموطّئة لدولة الإمام المهْديّ المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) العالميّة. والإمام القائد في عصرنا الحاضر -بما يحمل من العزم والإرادة- هو أيضاً مقدّمة لقيادة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، قائد كلّ المستضعفين في العالم. أراد الله هذه المقدّمات حتّى تتحقّق تلك النتيجة ويتحقّق قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5)[2].

• راية المشرق

بعد ظهور راية المشرق، هذه الراية المباركة، بدأنا نسمع على لسان هذا القائد العظيم، الإمام الخمينيّ (حفظه الله)، العبارات التي تعبِّر عن كامل ولاء هذا الإمام ودولته وشعبه

 

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 24/4/1986م الموافق 15 شعبان 1406هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 25/4/1986م الموافق 16 شعبان 1406هـ.

 

92


74

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ بأنّ هذه الدولة ليست دولتنا، هذه دولة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهذا الشعب وهؤلاء الأنصار ليسوا شعبنا، وإنما هم شعب الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وأنصاره، وهكذا. ثمّ بدأت تسمع أنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في جبهات الحرب يعيش مع المجاهدين والمقاتلين هناك، وهم يعيشون ويتفاعلون معه، وهو أيضاً يُسدِّد خطواتهم ويعيش معهم وينصرهم. أنا أتمنّى لو أنّنا وُفِّقنا جميعاً لزيارة هذه المدرسة العظيمة؟ نستطيع أن نعدّ جبهة الحرب في الجمهوريّة الإسلاميّة لثماني سنوات مدرسة حقيقيّة. وأفضل دروس هذه المدرسة الكبيرة هي الدروس التوجيهيّة نحو الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، حتّى كنت ترى الشابّ المجاهد المقاتل يقوم في أواسط الليل، يصلّي، ويبكي، ثمّ يطلب من الله طلباً، حاجةً أساسيّة واحدة: أن يريَه الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). عندما نصل إلى هذا المستوى، فإنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يلمس الأنصار، يلمس أنَّ قلوب هؤلاء الرجال متعلّقة بإمام العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، بدعائهم وأنشودتهم ورغبتهم ومحبّتهم[1].

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان 1408هـ.

 

93


75

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• الإمام الخمينيّ (قدس سره) أعظم الممهّدين

الإمام الخمينيّ هو أعظم من مهّد للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لأنّه بنى له جمهوريّة وسمّاها «جمهوريّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)». وعندما قدّم الإمام (هذه الدولة) للناس وللعالم قال: «هذه دولة القائم، جمهوريّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)». ولذلك، فإنّ التنافس والتسابق الأساسيّ الذي يجب أن يتسابق ويتنافس عليه كلّ المسلمين في العالم، هو في هذا المجال: من يقدّم أكثر للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ فهذا يقدّم جمهوريّة، وذاك يقدّم ثورة إسلاميّة ضدّ «الكيان الصهيونيّ»[1].

• النهضة الحقيقيّة

يمكن أن نعتبر بحقّ، أنّ هذا الزمن هو زمن التوطئة للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). وبتعبير آخر: هذا الزمن ليس كالأزمنة الماضية؛ ففي الأزمنة الماضية لم نرَ هذه المشاهد، ولم نرَ أيّ مقدّمة حقيقيّة لظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، أمّا الآن، فالرجل الذي يخرج من قم قد خرج، وبنى دولته، وثبّت أركان الثورة الإسلاميّة في العالم، ثمّ امتحننا الله بفقده، وبدأت راية أهل المشرق

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 

 

94


76

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

(ترفرف) بقيادة الإمام آية الله الخامنئيّ a، وكذلك، تواصل راية المواجهات شرقاً وغرباً في كلّ العالم الزحف والصحوة الإسلاميّة، وهي دائماً في اتّساع[1].

النهضة الحقيقيّة بدأت بعد نهضة الإمام الخمينيّ(قدس سره)، وهي ستستمرّ حتّى يظهر الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً[2].

• ارتباط الشعب الإيرانيّ بأهل البيت (عليهم السلام)

اسألوا أنفسكم، اسألوا الشعب المسلم في إيران: كيف كان ارتباطهم بأهل البيت (عليهم السلام) وبالإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) خاصّةً، من خلال واسطة اسمها الإمام الخمينيّ (قدس سره)؟ الإمام الخمينيّ لم يكن إماماً معصوماً، لكنّه إمامٌ بالواسطة، هو نائب الإمام الحجّة المنتظر. كيف ارتبط به الناس؟ كيف كانت محبّة الناس للإمام؟ تستطيع أن تكتشف هذه المحبّة والمودّة عند وفاة الإمام الخمينيّ (قدس سره). أكثرنا توفّي أقرباءٌ له: والدٌ، أو أخٌ، أو ولدٌ، وبكى عليهم، وعبّر عن عاطفته نحوهم، لكن عندما كانت هذه التجربة – المحنة، تجربة وفاة الإمام (قدس سره)؛ أحسسنا

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

[2] من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 

95


77

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

بأنّنا فقدنا أنفسنا، بل من هو أغلى من أنفسنا، ولذلك، كما استقبلته الدموع في طهران عندما وفد إليها، ودّعه الناس بالدموع (أيضاً)، ووضعوا بين يديه كلّ شيء: الوالد وضع نفسه وولده وزوجته وكلّ عياله وأمواله بين يدي الإمام: «أنت أولى بنا من أنفسنا». هذه هي المودّة والعلاقة التي عدّها رسول الله (صلى الله عليه وآله)[1] أجراً على الرسالة[2].

• المُمَهّد الحقيقيّ

من هو أوَّل من علّمنا هذا العلم، وعرَّفنا على هذه الوظيفة، وحدّد لنا الأعداء والأصدقاء وطبيعة مهمّتنا؟ هو الإمام الذي نعدّه الممهّد الحقيقيّ لظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، إنّه الإمام الخمينيّ (قدس سره). ماذا قال الإمام الخمينيّ بحقّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ ماذا قال عن نفسه وطبيعة مهمّته بين يدي الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ ماذا أعلن عن طبيعة الجمهوريّة وطبيعة ارتباطها وعلاقتها بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ لم يرتضِ أبداً أن يُقال عن الجمهوريّة جمهوريّة الإمام الخمينيّ، بل أصرّ أن يقدّم هذه الجمهوريّة العظيمة، التي بناها بعرق جبينه، هديّةً للإمام

 

 


[1]  في إشارة إلى قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى، 23).

[2] من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

 

 

96


78

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). أراد الإمام من خلال هذا الموقف أن يقول لكلّ الذين يبذلون ويضحّون في سبيل الإسلام: لا تقولوا «أنا»، لا تنسبوا أفعالكم وجهادكم لأنفسكم، لا يقولنّ الرجل منكم إنّني قد عملت للإسلام، أو إنّني قدّمت في الوقت الفلانيّ ولداً، لا تقولوا ذلك. أراد الإمام أن يقول: إنّ أعظم إنجازاتي، أعظم ما عندي، هو بفضل الإمام المهْديّ وللإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، حتّى يعوّدنا على معنى العطاء وطبيعته وأسلوبه[1].

• عزم الإمام الخمينيّ (قدس سره) من عزم الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

هذا العصر هو عصر الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، عصر إمامٍ معصومٍ يمتلك قدرة كبيرة على إعزاز كلمة الحقّ في كلّ أنحاء الأرض. شاء الله تبارك وتعالى أن يكون التمهيد للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) على يد هذا الرجل القائد[2]. كم نتصوّر الإمام المهْديّ عظيماً؟ كم نتصوّر كفاءة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ لكن هذا الرجل الذي يمهّد الراية للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، أخذ جزءاً من عزم الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومن إرادته (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولذلك، هو يدير معركةً من أشرس المعارك في عصرنا الحاضر[3].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

[2]  المقصود هو الإمام الخميني .

[3]  من خطبة له بتاريخ: 31/1/1986م الموافق 21 جمادى الأولى 1406هـ.

 

97


79

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

• نائب الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

الإنسان الذي يستحقّ نيابة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو الإنسان الذي تتوفّر فيه هذه المواصفات: مجتهد، وعادل، وأن يكون أعلم الموجودين، وأن يكون ذكراً، وهكذا. عندما نريد أن نطبّق هذه المواصفات على الواقع في عصرنا الحاضر، حقيقةً، لا نجد لها مصداقاً واضحاً بيِّناً إلّا إِمام الأمّة وقائد المسيرة الإمام الخمينيّ (حفظه الله)[1].

• الممهّد الأكبر

كان الممهّد الأساس والأكبر الذي مهّد ورحل، هو الإمام الخمينيّ(قدس سره). أمّا الآن، فيقود المسيرة آية الله الخامنئيّ (حفظه المولى). كلّ ذلك ينبغي أن يكون في إطار واحد اسمه: كيف نهيّئ المقدّمات الحقيقيّة لظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وثورته(عجل الله تعالى فرجه الشريف)[2] ؟

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 29/8/1986م الموافق 24 ذو الحجة 1406هـ.

[2] من خطبة له بتاريخ: 28/7/1990م الموافق 5 محرم 1411هـ.

 

98

 


80

الفصل السادس: فترة ما قبل الظهور

نقرأ في الروايات أنّه يخرج من كلّ عشيرة الواحد والاثنان والثلاثة... وهؤلاء يُطلق عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) اسم الأبدال، أبدال أهل الشام. هذه القلّة القليلة ستكون من جُند الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). وفي منطقة واسعة كالعراق، تطلق عليهم الروايات اسم «عصائب أهل الحقّ»، وهم أيضاً قلّة قليلة، وهكذا. عندما تقيس هؤلاء الأبدال بالمفسدين وبالظَلمة في منطقة الشام؛ تجد أنّك تقيس القليل والقليل جداً على الشيء الكثير والكثير جداً، وهكذا في كلّ أنحاء العالم.

(25/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ)

 

 

100


81

الفصل السادس: فترة ما قبل الظهور

• أبدال الشام

كيف يمكن أن يقف الإنسان في هذه المرحلة الصعبة في لبنان مع كلّ المشاكل والتعقيدات من حولنا؟ كيف نستطيع أن نؤدّي مسؤوليّتنا بالكامل بانتظار إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ قبل أن أبدأ بهذه المسألة، أذكر لكم رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مقام حديثه عن أهل الشام. كما تعلمون، منطقة الشام هي لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، والرسول (صلى الله عليه وآله) يتحدّث عن هذه المنطقة فيقول: «يكون في آخر الزمان فتنة تحصل الناس كما يحصل الذهب في المعدن، فلا تسبّوا أهل الشام ولكن سبّوا شرارهم»؛ أي لا تسبّوا أهل الشام بشكلٍ عام، فقط سبّوا الظلمة منهم، «فإنّ فيهم الأبدال»، أي الأبدال الذين سيكونون جنوداً للإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هم من أهل الشام، «يوشك أن يرسل على أهل الشام سيب من السماء ففرّق جماعتهم»؛ فيفرّق أهل الشام، «حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم»[1]؛ أي أنّهم سيمزّقون ويفرّقون حتّى يصبحوا في حالة ضعف كبير، حتّى لو هجمت عليهم الثعالب لغلبتهم. أنا أتمنّى من خلال هذه

 

 


[1] الهندي، كنز العمال، ج14، ص586.

 

101

 


82

الفصل السادس: فترة ما قبل الظهور

الرواية، التي ينظر من خلالها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعين الله، أن نقرأ واقعنا جيّداً ونكون على بصيرة من أمرنا.

لو أردنا تطبيق الرواية على واقعنا الراهن، فإنّ الثعالب تنطبق على الصهاينة، ولو أردنا أن نتكلّم بلغة القوّة والضعف، (فسنجد) أنّهم ضعفاء، ولكن من يستطيع أن يحكم عليهم بالضعف بعد كلّ بطشهم وانتصاراتهم؟ لا يمكن أن نقول (في هذه الحالة) إلّا أنّهم أقوياء وأنّهم قدرة كبيرة في المنطقة، مع أنّ عددهم في المنطقة لا يتجاوز الثلاثة ملايين، في حين أنّ (أصغر) وأضعف بلد مجاور للأراضي المحتلة يوازيها عدداً، وقد يكون عددنا وعدد اليهود في فلسطين متساويَين أو قد نزيد عنهم قليلاً. أمّا مصر على سبيل المثال، فإنّ عدد سكّانها يفوق الأربعين مليوناً. كم هو عدد الشعوب العربيّة؟ كم هو عدد المسلمين في العالم؟ إنّهم أكثر من مليار مسلم، وإذ بثلاثة ملايين يهدّدون ملياراً من المسلمين. إنّ حالة الضعف بدأت تدبّ في جسم المسلمين[1].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م.

 

102

 


83

الفصل السادس: فترة ما قبل الظهور

• ظروف تهيّـئ الأبدال وعصائب أهل الحقّ

عندما نقرأ مثل هذه الروايات، يجب أن ندرس وضعنا جيّداً، ونفهم لماذا هذا الضعف القاتل الذي تعيشه الساحة، ولماذا أصبحت القلّة القليلة في هذا البلد قمّة في القوّة؟ قلّة قليلة من المؤمنين في فلسطين، في الضفّة الغربيّة والقطاع، أصبحت تشكّل تهديداً حقيقيّاً على الكيان الصهيوني، بينما منطقة بأكملها، بكامل جيوشها وعساكرها وامتداداتها الشعبيّة، تخاف منه في هذه الأيّام.

أمّا الذين يبحثون عن الأسباب، فجوابنا واضح على هذه المسألة: إنّ الأجواء اختلفت عن سنة 1982م. حسناً، ما الذي طرأ على الواقع؟ الطارئ على الأجواء هو أبدال أهل الشام، «لا تسبّوا أهل الشام فإنّ فيهم الأبدال». يقولون في تحليلاتهم السياسيّة أنّ ثمّة انتفاضة للمسلمين داخل الضفّة والقطاع أرهقت الكيان الصهيوني، وأنّه إذا أراد أن يجتاح لبنان اليوم، سيلقى مواجهةً حقيقيّةً من هؤلاء الأبدال من مسلمين لبنانيّين وفلسطينيّين على حدٍّ سواء، وكلّ يومٍ تتأكّد هذه الحقيقة أكثر فأكثر. لذلك، عندما يرى محلّلٌ سياسيٌّ هذه المسائل، يقول إنّه مستبعد جداً أو يستحيل أن يقوم «العدوان الإسرائيلي»

 

 

103


84

الفصل السادس: فترة ما قبل الظهور

باجتياح جديد. ماذا يعني هذا؟ هذا معناه أنّ الحصن الوحيد لهذه الأمّة هم هؤلاء الأبدال، هذه هي التحصينات الوحيدة التي يتحصّن وراءها أبناء هذه الأمّة، وإلّا، فإنّ هذه التحصينات لم تكن موجودة في الماضي؛ حيث كان أمام «الكيان الصهيونيّ» شعب لا يقاتل، ولا يشعر بكرامته وبضرورة الدفاع عن عزّته، لذلك، كان (جنود العدوّ) يدخلون البيت والمدينة والقرية، ويستهينون بكلّ شيء دون أن يلقوا أيّ مواجهة! هذا الواقع الجديد كلّه بفضل الله عزّ وجلّ، وبفضل من ينتظر الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف). أمام هذا الوضع، يصبح الإنسان قادراً أن يتكلّم بشيء من الجرأة والشجاعة. عندما ينظر الإنسان إلى كلّ الظروف من حوله قد يشعر بالخيبة والإحباط؛ أمّا عندما يرى هذه الوجوه المؤمنة الطاهرة المجاهدة، فتتجدّد عزيمته وإرادته[1].

نقرأ في الروايات أنّه يخرج من كلّ عشيرة الواحد والاثنان والثلاثة... وهؤلاء يُطلق عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) اسم الأبدال، أبدال أهل الشام. هذه القلّة القليلة ستكون من جُند الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). وفي منطقة واسعة كالعراق، تطلق

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

104

 


85

الفصل الخامس: الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران الدولة المُوَطِّئَة للمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

عليهم الروايات اسم «عصائب أهل الحقّ»، وهم أيضاً قلّة قليلة، وهكذا. عندما تقيس هؤلاء الأبدال بالمفسدين وبالظَلمة في منطقة الشام؛ تجد أنّك تقيس القليل والقليل جداً على الشيء الكثير والكثير جداً، وهكذا في كلّ أنحاء العالم[1].

• مواجهة الصهاينة

ونحن نتوجّه لإمام عصرنا وزماننا الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في هذه الفترة العصيبة من حياة أُمّتنا؛ نتذكّر شرفاً كبيراً وعظيماً على مستوى أُمّتنا، وبالخصوص على مستوى هذه الساحة، وهو أنّ جهاد المسلمين في لبنان ضدّ الصهاينة هو أوّل جهادٍ قامت به الأمّة الإسلاميّة ضدّ الكيان الصهيوني. هذا شرفٌ عظيم، هذا الشرف هو أفضل سِجِلّ نستطيع من خلاله أن نفتح علاقة جيّدة وحميمة مع الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لأنّ إحدى أهمّ الرايات التي سيواجهها الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وجهاً لوجه هي راية اليهود، وعلى يديه سينتهي الكيان الصهيوني ويزول، ذلك الكيان الذي يأتي إليه اليهود من كلّ أنحاء العالم[2].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان 1408هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 16/3/1990م الموافق 19 شعبان 1410هـ.

 

105

 


86

الفصل السادس: فترة ما قبل الظهور

• الانتظار الإيجابيّ

ما هي مهمّتنا قبل ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ لقد ظَلمَ الناس أنفسهم كثيراً عندما اعتقدوا أنّ مقدّمات الظهور ومهمّاته تكون بالانتظار في البيوت؛ أي أن يجلس أحدهم في بيته منتظراً، ولا يأمر حتّى أولاده بالمعروف أو ينهاهم عن المنكر، ويتهجّد ويتعبّد في ليله ونهاره، ثمّ يبكي ويدّعي الانتظار بفارغ الصبر! إنّ هؤلاء قد خسروا الدنيا. أمّا الذين خرجوا من بيوتهم، واستعدّوا لمواجهة الباطل في كلّ الميادين دون تردّد أو خوف أو وجل، مهما كَبُرَ ثمنها، هؤلاء هم المنتظرون بحقّ. نحن أصحاب راية، نحن حَمَلَة إسلام، ونريد لدعوة الله أن (تشمل) كلّ الناس، أن يصبح كلّ الناس مسلمين، هذا ما نريده[1].

• تهيئة الظروف

لا يظهر الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلّا بعد أن تتهيّأ الظروف الحقيقيّة للمعركة مع الاستكبار العالميّ. ولذلك، تلاحظون في الروايات التي تتحدّث عن علامات الظهور، أنّها تذكر أنّ العلامة والمقدّمة الفلانيّة سوف تحصل، وأنّ هناك دولة في المشرق يرفع شبابها

 

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

 

 

106


87

الفصل السادس: فترة ما قبل الظهور

راية «لا إله إلّا الله»، ثمّ تعلو راية المستكبر حتّى تصبح خفّاقةً في وجه الإسلام، وتصبح هناك جبهتان: جبهة مستقلّة بقيادة جمهوريّة ودولة إسلاميّة، في مقابلها (جبهة) المستكبر، ساعتئذٍ، وبظروفٍ يحدّدها الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نفسه، يخرج على ضوء القرار الإلهيّ. والروايات تحدّد عدد الأنصار الذين سيكونون عندما يخرج الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وحتّى عدد القيادات، وبعضها يذكر الأسماء. هذا معناه أنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مسؤول أن يلحظ الظروف المناسبة التي تُهيّئ لقرارٍ مستقلّ، حتّى يحمل الراية ويقارع قوى الاستكبار العالميّ. إذا كانت هذه مسؤوليّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فكيف الحال بالنسبة إلينا[1]؟

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

 

 

107


88

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

عندما نقرأ في تاريخ الثورة المهدويّة، نجد أنّ الأساس في ثورة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومواجهاته هي المواجهات ضدّ اليهود. هذه المسألة تجدها في الروايات بشكلٍ واضح؛ أي أنّ إحدى المواجهات والمعارك الأساسيّة بين الإسلام المهدويّ وبين الكفر والشرك والانحراف العالميّ؛ هي قتال اليهود ومواجهتهم.

 

(28/7/1990م الموافق 5 محرم 1411هـ)

 

 

110


89

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

• عظمة الظّهور

تنصّ روايات كثيرة جداً على أنّ الساعة لا يمكن أن تقوم إلّا مع قيام قائم أهل البيت (عليهم السلام). هذه المضامين في الروايات الشريفة لا تريد فقط أن تُطلعنا على خبر؛ فعندما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّ هذا الموضوع سيتحقّق، فإنّ هذه الرواية أو هذا التوجيه منه (صلى الله عليه وآله) ليس مجرّد خبر، المسألة ليست كذلك، وإنّما يريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يُعْلِمنا بأهمّ حدث عالميّ وتاريخيّ. ليس ثمّة حدث أعظم من هذا الحدث في تاريخ الإنسانيّة جمعاء، لأنّ كلّ التحوّلات الأساسيّة في العالم ستتحقّق يوم ظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). الصراع سيبلغ مراحله الأخيرة، وفي الوقت نفسه، سيصل تطبيق الإسلام إلى أوجه، إلى القمّة، بحيث تنتشر كلمة «لا إله إلّا الله» فوق كلّ ربوع الدنيا والعالم. هذا الحدث ليس حدثاً عاديّاً، ولذلك، نجد أنّ الجميع ينتظر هذا الحدث، حتّى على مستوى الديانات غير الإسلاميّة؛ تجد انتظاراً لهذا الحدث: المسيحيّون بعنوان انتظار المخلّص، واليهود بعناوين أخرى، وهكذا... كلّ الديانات السماويّة تنتظر حدثاً غير عاديّ في العالم[1].

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

111

 


90

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

تعدّ ظاهرة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من أهمّ الظواهر الإسلاميّة. وخروج الإمام المهْديّ القائم المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيكون من أهمّ الأحداث العالميّة وأعظمها. لا أتصوّر أنّ حدثاً تاريخيّاً سيكون بمستوى هذا الحدث الذي سيقع حتماً في يومٍ من الأيّام. بقدر ما يعدّ ظهور الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وخروجه إلى العالم وإلى الناس من أهم الأحداث، فسوف يرافقه -حسب الروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن أهل البيت (عليهم السلام)- حالة من الصعوبة والشدّة الكبيرة على المؤمنين والمصلحين في العالم، بحيث إنّ قوى الاستكبار العالميّ تكون قد بلغت أعلى مستوى من الضغط الكبير على المؤمنين، فضلاً عن مطاردة المجاهدين في كلّ مكان. في تلك الظروف الصعبة والكبيرة، سيكون خروج الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

• يخرج بقلبه المؤمن

إنّ فكرة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تقوم على أن يواجه الإنسان بإيمانه كلّ الآلة العسكريّة المتطوّرة. هل تتصوّرون أنّه إذا خرج الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فسيكون معه مصانع سلاح وقنابل ذرّيّة

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 11/3/1990م الموافق 14 شعبان 1410هـ.

 

 

112


91

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

وهيدروجينيّة؟ الأمر ليس كذلك، بل سيخرج بقلبه المؤمن وبإرادته المؤمنة وبالقبضة المهدويّة. هذه القبضة المهدويّة فقط هي التي سيقاتل بها (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أعداءه ويواجههم بها، هي سرّ القوّة الحقيقيّة، وهي التي يواجه بها المسلمون في داخل فلسطين في هذه الأيّام، وهي التي واجه بها المسلمون في إيران جبروت الشاه في عصره[1].

• سلاح الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

يذكر بعض المفسّرين أنّ ما ورد في بعض الروايات من أنّ البارود ينطفئ، وأنّ السلاح الماديّ ينتهي، أنّ الإنسان يرجع إلى الآلة العسكريّة القديمة كالسيف مثلاً؛ وهذا ليس صحيحاً، بل الصحيح أنّ ما يحمله الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من سلاح -وهو سلاح الإيمان- يُطفئ كلّ هذه الأسلحة وينهي دورها. كنت أقرأ في رواية أنّ سيف الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يقدح ناراً؛ وليس المقصود أن ينتفي هذا السلاح الذي بين أيدي الناس، وإنّما المقصود أنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يحمل سلاحاً جديداً للناس هو سلاح المعنويّات وسلاح الإيمان الكبير، الذي يُحطِّم كلّ الإمكانات

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989م الموافق 7 شعبان1408هـ.

 

113


92

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

المادّيّة والآلة العسكريّة. ولكي يوضّح لنا الله تبارك وتعالى هذه الفكرة في أذهاننا؛ جعل مقدّمةً في عصرنا الحاضر، وهي الجمهوريّة الإسلاميّة، فرأينا كيف أنّ الإنسان هو الذي يواجه؛ فبعد أن تربّينا لفترةٍ طويلةٍ من الزمن على أيدي المستعمرين وعلى أفكارهم وأطروحاتهم، وقادتنا هذه التربية في كلّ مراحل الماضي إلى أن نعتقد أنّ الآلة العسكريّة هي (أهمّ) شيء، كان لنا هذا الدرس، الذي تجسّد بشكلٍ كبير وقوّي في الجمهوريّة الإسلاميّة، والذي فهمتْه الشعوب المستضعفة جيّداً؛ أنّ القلّة إذا آمنت بالله، وحملت سلاح الإيمان في صدرها، تستطيع أن تواجه نيران الظالمين وأكبر آلات المستعمرين. وكانت المفاجأة لأمريكا أنّ القلّة المسلمة في لبنان فهمت الدرس جيّداً، وبدأت بتنفيذه وتطبيقه، فاحترقت سياستها ومصالحها في لبنان، ثمّ هُزم «الكيان الصهيونيّ» لأوّل مرّةٍ في تاريخه، وتحرّك شعبنا المسلم في أفغانستان، وكذلك كلّ الشعوب المستضعفة في العالم، من خلال هذا السلاح الجديد. هذا هو سلاح الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الذي سيقهر به كلَّ العالم المستكبر[1].

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 24/4/1986م الموافق 15 شعبان 1406هـ.

 

 

114


93

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

• قوّة أصحابه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وشيعته

في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قاصداً الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «إذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، ووضع يده على رؤوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلّا صار قلبه أشدّ من زُبُر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوّة أربعين رجلاً»[1]. يجب أن تذكّرنا هذه المسألة بمسؤوليّاتنا الشرعيّة[2].

• نصرته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وطلب الشهادة بين يديه

لقد بشَّرتنا الروايات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ووجَّهتنا لنصرته، ولطلب معونته، وللشهادة بين يديه. مثلاً: نُقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «لا تقوم الساعة حتّى يقوم قائم للحقّ منّا»؛ لا يمكن أن تتمّ الساعة التي تعلن عن نهاية الإنسان على وجه هذه الأرض قبل قيام القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، إلى أن يقول (صلى الله عليه وآله) «الله الله عباد الله فأتوه ولو على الثلج، فإنّه خليفة الله عزّ وجلّ وخليفتي»[3] [4]

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص 653.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 24/4/1986م الموافق 15 شعبان 1406هـ

[3]  الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، مصدر سابق، ج1، ص65.

[4]  من خطبة له بتاريخ: 24/3/1989م الموافق 17 شعبان 1409هـ.

 

115

 


94

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

• الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يستنهض كربلاء

نشعر أنّ ثمّة غُصّة حقيقيّة في هذا اليوم، لا يمكن أن تزول إلّا بعد أن تُكسر شوكة المستكبرين والظالمين في العالم.، ولذلك، حتّى الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو أكثر من يُفجع بالحسين (عليه السلام) وأوّل من يُعبّر عن حزنه على الحسين (عليه السلام). وأكثر المواقف التي يُعبّر فيها عن حزنه؛ كيف وقفت السيّدة زينب i أسيرةً بين يدي يزيد وعبيد الله بن زياد، حتّى أنّه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يُفجع -كما ورد في بعض الروايات - على الطفل الرضيع الذي استشهد بين يدي الحسين (عليه السلام). ماذا يريد أن يقول لنا الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من خلال هذه اللفتة؟ يريد أن يقول (عجل الله تعالى فرجه الشريف): أنتم كموالين لأهل البيت (عليهم السلام) يجب أن تتذكّروا موقف هذه المرأة الصالحة، المرأة الثائرة، المرأة العزيزة، التي رفضت -وهي وحدها على أرض كربلاء وفي الشام والكوفة- إلّا أن تكون عزيزةً كريمة قويّة[1].

تقول الروايات التي تتحدّث عن ثورة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف): إنّ تعبئة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) للجماهير تعتمد على ثورة كربلاء كأساس. مثلاً، سيتفاجأ الناس بطفل يرفعه الإمام المهْديّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

 

116


95

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

بيديه، فيسألون: ما شأن هذا الطفل؟ ولماذا يرفعه الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بيديه؟ فيجيبهم الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف): ما ذنب هذا الطفل؟ ما ذنب عبد الله الرضيع، طفل الإمام الحسين (عليه السلام)؟ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يحمله بيديه، حتّى يحرّض الناس على مواجهة الظالمين والمستكبرين ويعبّئهم ضدّهم[1].

 

• يا لثارات الحسين!

أيّها المسلمون، عندما نتذكّر الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم ولادة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، نستذكر معاً الشعار الذي يرفعه الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الشعار الذي لا يرضى إمامنا (عجل الله تعالى فرجه الشريف) شعاراً غيره: «يا لثارات الحسين»، هذا شعار التعبئة عند الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الشعار الذي يستنهض به الأمّة، الشعار الذي يُحرِّض من خلاله الجماهير والأجيال، وكأنّه يريد أن يقول للناس ولكلّ الأجيال: ما بالكم استهترتم على مرّ التاريخ بدم الحسين (عليه السلام)؟ لماذا لم تأخذوا، حتّى هذا الوقت، بثأر الإمام الحسين (عليه السلام)؟ لماذا ادّعت أجيال المسلمين وكلّ هذه الشعوب المسلمة أنّها على خطّ أهل البيت (عليهم السلام)؟ لماذا

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 28/7/1990م الموافق 5 محرم 1411هـ.

 

 

117


96

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

لم تنتقموا، إلى اليوم، لدم الحسين (عليه السلام)؟ لقد أعطاكم الإمام الحسين (عليه السلام) كلّ شيء. أخبروني: ما الذي لم يعطه الحسين (عليه السلام)؟ هل ادّخر شيئاً لنفسه؟ هل ادخّر نساءه في البيوت لحفظ كرامتهنّ من السبي؟ هل ادّخر طفله الرضيع عن الشهادة؟ هل ادّخر إخوته عن الشهادة؟ هل ادّخر أولاد أخيه الحسن (عليه السلام)؟ هل ادّخر أولاد السيّدة زينب i؟ لم يدّخر أحداً من أهل بيته وأصحابه، ثمّ قدّم نفسه ذبيحاً بين يدي الله على أرض كربلاء. هذا الرجل الذي أعطى البشريّة كلّ شيء؛ يتفاجأ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنّ البشرية لم تعطه حقّه. لماذا لم تكافئه على هذا العطاء؟ لماذا لم تأخذ بعد بثأره من الظالمين والمستكبرين على امتداد الأزمان؟ لذلك، (عندما يظهر) الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، (يحمل) الراية بين يديه وينادي: «يا لثارات الحسين!»، وتظلّ هذه الراية تسير بقوّة حتّى (ترفرف) فوق كلّ بقاع الأرض، فيُبيد المستكبرين جميعاً: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33)، وعندها، يظهر الإسلام ويصبح عزيزاً، هذا الإسلام الذي قال عنه أحد الشعراء بلسان حال الإمام الحسين (عليه السلام): «إن كان دين محمّد لم يستقم إلّا بقتلي فيا سيوف خذيني»[1]. وإن كان الدين قد استقام

 

 


[1] السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ج1، ص581.

 

 

118


97

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

بشهادة الحسين (عليه السلام) بشكلّ جزئيّ، سوف يستقيم استقامةً كاملة وشاملة على يدي الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

• رسالة عالميّة

من أسرار عظمة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومعجزاته، أنّه بعد أن يصل الاستكبار العالميّ إلى قمّة قدرته، سوف ينشر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) رسالة الإسلام في كلّ أنحاء العالم ويجعلها مسيطرة. هل وصل الاستكبار في زمن الفراعنة، أو الصينيّين، أو الرومان، أو فارس إلى ما وصلت إليه القدرة الأمريكيّة في عصرنا الحاضر؟ عندما كان ثمّة صراع بين أمريكا والاتّحاد السوفياتيّ، كان الأمريكيّون يقولون للسوفييت: نحن نستطيع أن ندمّر العالم كلّه مرّة واحدة، فيقول لهم السوفييت: نحن نستطيع أن ندمّر العالم مرّتين! إنّها مباراة شيطانيّة قذرة، لأنّهما –في الحقيقة- مقتدران، لديهما القدرة؛ أمريكا مقتدرة والاتّحاد السوفياتيّ أيضاً مقتدر. من هنا، كان سرُّ عظمة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عندما ينشر الرسالة الإسلاميّة في كلّ أنحاء العالم، ويسيطر على الشرق والغرب، فيأخذ زمام القدرة من أمريكا والاتّحاد السوفياتيّ بعد أن امتلكا كلّ القدرة على الأرض. هذا سرُّ العظمة. عندما نتباهى بإمامنا

 


[1] من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

 

119


98

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لا يجوز أن ننظر إلى أنفسنا على أنّنا صغارٌ، فنحن مؤمنون، والمؤمن عزيز على الله، والمؤمن التّقيّ الذي يخاف الله، يسخّر الله له كلّ شيء[1].

عندما نمسك بهذه الوسائل الإعلاميّة السريعة؛ نتمكّن أن نصنع خير الأمم، ليس أمّتنا فقط، وإنّما كلّ الأمم، في ضوء ما يريده الله تبارك وتعالى. وهذه المسألة هي التي قد تُفسِّر لنا سرعة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عند ظهوره. فعندما نقرأ في الروايات، نجد أنّ الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يجاهد أعواماً معدودة؛ وذلك عندما تُسخّر له (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كلّ هذه الوسائل الإعلاميّة المتطوّرة، مضافاً إلى وسائل إعلام الإسلام الكبرى والقويّة؛ عندها، يستطيع (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وبكلّ بساطة، أن يبلِّغ رسالات ربّه، وبشكلٍ سريع[2].

• قتاله (عجل الله تعالى فرجه الشريف) اليهود

إنّ أُولى واجباتنا ومسؤوليّاتنا الشرعيّة: كيف نحافظ على هذه المقدّمات ونطوّرها. لا أريد أن أتحدّث عن كلّ هذه المقدمات،

 

 


[1]  من خطبة له في حزيران 1985م الموافق شهر رمضان 1405هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 22/12/1985م الموافق 9 ربيع الثاني 1406هـ.

 

 

120


99

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

سآخذ جانباً واحداً منها، وهو جانب المواجهة مع اليهود. عندما نقرأ في تاريخ الثورة المهدويّة، نجد أنّ الأساس في ثورة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومواجهاته هي المواجهات ضدّ اليهود. هذه المسألة تجدها في الروايات بشكلٍ واضح؛ أي أنّ إحدى المواجهات والمعارك الأساسيّة بين الإسلام المهدويّ وبين الكفر والشرك والانحراف العالميّ؛ هي قتال اليهود ومواجهتهم[1].

• دعاءٌ وسلام

- نبارك لكم هذه المناسبة العظيمة، ونسأل الله أن يجعلها محطّة أساسيّة في حياتنا جميعاً، نتطلّع من خلالها إلى الحقّ، وننتظر الراية الكبرى التي سترتفع عاليةً على يد منقذ البشريّة الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)[2].

- نسألك يا ربّ أن تجعلنا من أنصار إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وتجعلنا من المستشهدين بين يديه[3].

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 28/7/1990م الموافق 5 محرم 1411هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991م الموافق 15 شعبان 1411هـ.

[3]  من خطبة له بتاريخ: 24/4/1986 الموافق 15 شعبان 1406هـ

 

121


100

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

- نسأل الله أن يجعلنا من الممهّدين لسلطان إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وأن يوفّقنا لنصرته. الّلهمّ أعزّه وأعزز به، وانصره وانتصر به يا ناصر المستضعفين[1].

- التحيّة والسلام للإمام الحجّة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وجعلنا (الله) من أنصاره وأحبّائه والمستشهدين بين يديه[2].

- نرجو الله، ونحن في مناسبة وليّ من أوليائه؛ أن نُوفّق لرؤية إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ونصرته. نتوجّه إليك يا الله بالدعاء، نتوجّه بقلوبنا وبصدق نوايانا، نتوجّه ونسألك أن تسامحنا وترحمنا وتغفر ما تقدّم من ذنوبنا وما تأخّر منها، وأن تُتمّ نعمتك علينا بظهور إمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وأن تجعلنا من أعوانه وأنصاره وأحبّائه والمستشهدين بين يديه[3].

- ما نتوجّه به في هذا اليوم المبارك إلى إمامنا المهْديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو أن ندعو الله لأن نوفّق للشهادة بين يديه: اللهمّ ارزقنا الشهادة بين يدي إمامنا ومولانا صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف). اللهم اجعلنا ممّن يخلص لراية الإسلام ولراية نائب إمامنا المنتظر آية الله الخامنئيّ a. اللهمّ اجعلنا ممّن يتمسّك بهذا الخطّ وبهذا

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 25/4/1986 الموافق 16 شعبان 1406هـ.

[2]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989 الموافق 7 شعبان1408هـ.

[3]  من خطبة له بتاريخ: 25/3/1989 الموافق 7 شعبان1408هـ.

 

122


101

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

النهج، لتكون انتصارات الحقّ على الباطل على أيدي المسلمين والمؤمنين[1].

- اللهمّ بلّغ مولاي صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وسهلها وجبلها، حيّهم وميّتهم، وعن والديّ وولدي وعنّي من الصلوات والتحيّات زنة عرش الله ومداد كلماته ومنتهى رضاه وعدد ما أحصاه كتابه وأحاط به علمه. اللهمّ هذه المسألة الأساسيّة. اللهم إنّي أُجدّد له العهد. اللهمّ إنّي أُجدّد له في هذا اليوم وفي كلّ يوم عهداً وعقداً وبيعةً في رقبتي. اللهمّ فكما شرّفتني بهذا التشريف وكرّمتني بهذه الفضيلة وخصصتني بهذه النعمة؛ فصلِّ على سيّدي ومولاي صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، واجعلني من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه. اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد. نسأل الله أن يجعل عهدنا وعقدنا وبيعتنا للإسلام ولإمامنا المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ولنائبه بالحقّ الإمام الخمينيّ بيعة ثابتة، وأن يجعلنا عند عهودنا وعقودنا لكي نكمل مسيرة الإسلام بإذن الله[2].

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 1/3/1991 الموافق 15 شعبان 1411هـ.

[2]  من خطبة له ما بين 14و30/6/1985م الموافق ما بين 25 شهر رمضان و12 شوال 1405هـ.

 

123


102

الفصل السّابع: الظهور المبارك وما بعده

- نسأل الله عزّ وجلّ أن يوفّقنا للثبات على دين محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، وللمزيد من الثبات على الحقّ حتّى نتمكّن من الالتحاق بركب الإمام المهْديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومسيرته، ونكون جنداً مجنّدةً له[1].

 

 


[1]  من خطبة له بتاريخ: 11/3/1990 الموافق 14 شعبان 1410هـ.

 

124


103
في ميدان الانتظار