وَبَشِّرْ المُؤْمِنِين

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا ٤٥ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجا مُّنِيرا ٤٦ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضۡلا كَبِيرا﴾ .


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2024-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق


المقدّمة

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على خير خلقه محمّد، وآله الطيّبين الطاهرين.

قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِيرا ٤٥ وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجا مُّنِيرا ٤٦ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضۡلا كَبِيرا﴾[1].

إنّ أشهرَ النور المباركة، رجب وشعبان وشهر رمضان، أشهرٌ متناهية الشرف؛ فشهر رجب، شهرٌ فضّله الله، وعظّم حرمتَه، وأوجب للصائمين فيه كرامتَه؛ وشهر شعبان، شهرٌ منسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد دعانا (صلى الله عليه وآله) إلى إعانته على شهره، بالصوم والاستغفار، حبًّا وتقرّبًا إلى الله تعالى، علّنا نكون ممّن ينال شفاعته (صلى الله عليه وآله) في القيامة؛ أمّا شهر رمضان، فهو شهر الضيافة والكرم الإلهيَّين، حيث يوجّه الله تعالى دعوتَه إلى عباده، لتوطيد العلاقة معه سبحانه، من خلال


 


[1]  سورة الأحزاب، الآيات 45 - 47.

 

7


1

المقدّمة

تطهير الروح، وبناء الإرادة المرتبطة بقوّة الإيمان، الّتي تحكم علاقة الإنسان بربّه ومجتمعه على مستوى الدنيا، وتحدّد مصيرَه على مستوى الآخرة.

هذه الأشهر الثلاثة، أشهرٌ ينبغي اغتنامُها بالعبادة والطاعة والعمل الصالح، بالصوم والصلاة وتلاوة القرآن وحضور المساجد، بالعلاقات الطيّبة والحسنة مع الناس والأرحام والأسرة.

وفي طريق الحكمة والموعظة الحسنة، كانت «سلسلة زاد الواعظ»، وجاء هذا العدد من السلسلة «وبشِّر المؤمنين»، ليتكلَّم على هذه العناوين والموضوعات، مبيّنًا فضائل هذه الأشهر الكريمة، وحاثًّا المؤمنين على اغتنامها والنيل من بركاتها العظيمة، راجين من المولى الكريم أن يكون ما فيها من هدي القرآن الحكيم والسنّة الشريفة هدًى ورحمة.

 

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

8


2

الموعظة الأولى: فضائل شهرَي رجب وشعبان

الموعظة الأولى:
فضائل شهرَي رجب وشعبان

 

 

هدف الموعظة

تعرّف فضائل شهرَي رجب وشعبان، وحثّ المؤمنين على الاستفادة من بركاتهما.

 

محاور الموعظة

فضائل شهر رجب
الصيام في شهر رجب
فضائل شهر شعبان
ليلة النصف من شهر شعبان

 

تصدير الموعظة

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا وإنّ رجب شهرُ الله، وشعبان شهري، وشهر رمضان شهر أمّتي»[1].

 

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، فضائل الأشهر الثلاثة، تحقيق وإخراج ميرزا غلام رضا عرفانيان، دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1412هـ - 1992م، ط2، ص24.

 

 

9


3

الموعظة الأولى: فضائل شهرَي رجب وشعبان

إنّ شهر رجب هو شهر الله العظيم، له حرمة وفضل كبيران، فيه رضوان الله الأكبر، وهو شهر الاستغفار والرحمة، وكان أهل الجاهليّة يعظّمونه، ولمّا جاء الإسلام، لم يزدد إلّا تعظيمًا وفضلًا. وقد استفاضت الروايات في بيان مكانته وحرمته، وكيف ينبغي للمؤمن أن يستفيد من بركاته وفضائله، وفيه مناسبات عظيمةٌ جدًّا، كولادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمبعث النبويّ الشريف.

فضائل شهر رجب

1. رجب شهر الله الأصمّ والأصبّ: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا إنّ رجب شهر الله الأصمّ، وهو شهرٌ عظيم، وإنّما سُمّي الأصمّ؛ لأنّه لا يقارنه شهرٌ من الشهور عند الله عزّ وجلّ، حرمةً وفضلًا، وكان أهل الجاهليّة يعظّمونه في جاهليّتها، فلمّا جاء الإسلام لم يزدد إلّا تعظيمًا وفضلًا»[1].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ... وسُمّي شهر رجب الأصبّ؛ لأنّ الرحمةَ تُصَبّ على أمّتي فيه صبًّا، ويُقال: الأصمّ؛ لأنّه نُهي فيه عن قتال المشركين، وهو من الشهور الحرم»[2].

 

 


[1] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، مصدر سابق، ص24.

[2]  الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، إيران - قمّ، 1414هـ، ط2، ج10، ص512.

 

10


4

الموعظة الأولى: فضائل شهرَي رجب وشعبان

2. رجب شهر الاستغفار: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رجب شهر الاستغفار لأمّتي، أكثروا فيه من الاستغفار، فإنّه غفور رحيم»[1].

3. شهرٌ فضّله الله وعظّم حرمتَه: عن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ هذا الشهر قد فضّله الله وعظّم حرمته... وأوجب للصائمين فيه كرامته»[2].

4. شهرُ تضاعفِ الحسنات ومحوِ السيئات: عن أبي الحسن [الإمام الكاظم (عليه السلام)]: «رجب شهرٌ عظيم، يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيّئات»[3].

الصيام في شهر رجب

وإنّ للصيام في شهر رجب أثرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلًا، يستوجب به الصائمُ رضوان الله تعالى، ويُغلَق عنه بابٌ من أبواب النيران، وقد بيّنت الروايات فضل الصيام فيه، نذكر منها:

1. لا يعلم مبلغَه إلّا الله: روى عليّ بن سالم عن أبيه، قال:

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج10، ص512.

[2]  الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، مصدر سابق، ص17.

[3]  المصدر نفسه، ص23.

 

11


5

الموعظة الأولى: فضائل شهرَي رجب وشعبان

دخلتُ على الصادق جعفر بن محمّد(عليهما السلام) في رجب، وقد بقيَت أيّام، فلمّا نظر إليّ، قال لي: «يا سالم، هل صمتَ في هذا الشهر شيئًا؟»، قلت: لا والله يابن رسول الله، قال لي: «لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغَه إلّا اللهُ عزّ وجلّ»[1].

2. صوم يومٍ واحد من رجب: عن أبي الحسن [الإمام الكاظم (عليه السلام)]: «رجب نهرٌ في الجنّة، أشدّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل؛ مَن صام يومًا من رجب، سقاه الله من ذلك النهر»[2].

3. صوم ثلاثة أيّام: عن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن صام أوّل يوم من رجب رغبةً في ثواب الله عزّ وجلّ وجبَت له الجنّة، ومَن صام يومًا في وسطه شُفِّع في مثل ربيعة ومُضَر، ومَن صام في آخره جعله اللهُ من ملوك الجنّة، وشفّعه في أبيه وأمّه وابنه وابنته وأخيه وعمّه وعمّته وخاله وخالته ومعارفه وجيرانه، وإن كان فيهم مستوجبٌ للنار»[3].

4. اغتنام فرصة صيام آخر أيّام رجب: عن الإمام الصادق

 

 


[1] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، مصدر سابق، ص17.

[2]  المصدر نفسه، ص23.

[3]  المصدر نفسه، ص17.

 

12


6

الموعظة الأولى: فضائل شهرَي رجب وشعبان

(عليه السلام): «مَن صام يومًا من آخر هذا الشهر، كان ذلك أمانًا له من شدّة سكرات الموت، وأمانًا له من هول المطلع وعذاب القبر، ومَن صام يومين من آخر هذا الشهر، كان له بذلك جوازٌ على الصراط، ومَن صام ثلاثة أيّام من آخر هذا الشهر، أمِن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده، وأُعطِي براءةً من النار»[1].

5. صوم يوم المبعث الشريف: إنّ يومَ السابع والعشرين من شهر رجب، هو اليوم الّذي بُعث فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونزلت الرسالة على قلبه الشريف، وهو يوم عظيم، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تدع صيامَ يوم سبعةٍ وعشرين من رجب؛ فإنّه اليوم الّذي نزلَت فيه النبوّة على محمّد (صلى الله عليه وآله)، وثوابه مثل ستّين شهرٍ لكم»[2].

فضائل شهر شعبان

شهر شعبان هو شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيه تتشعّب الخيرات لشهر رمضان، وتُغفَر فيه الذنوب. وثمّة مناسبة عظيمة في هذا الشهر المبارك تزيده فضلًا، ألا وهي ولادة بقيّة الله الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه).

 


[1]  الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، مصدر سابق، ص17.

[2]  المصدر نفسه، ص20.

 

13


7

الموعظة الأولى: فضائل شهرَي رجب وشعبان

وفي ما يأتي نذكر بعضًا من فضائله وخصائصه:

1. شهر رسول الله(صلى الله عليه وآله): عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وشعبان شهري»[1].

2. شهر الصلاة على النبيّ(صلى الله عليه وآله): عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وأكثروا في شعبان من الصلوات على نبيّكم»، إلى أن قال: «وإنّما سُمِّي شعبان شهر الشفاعة؛ لأنّ رسولَكم يشفع لكلّ مَن يصلّي عليه فيه»[2].

3. شهر الاستغفار: عن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن استغفر اللهَ تبارك وتعالى في شعبان سبعين مرّة، غفر الله ذنوبَه، ولو كانت مثل عدد النجوم»[3].

الصيام في شهر شعبان

إنّ صيام شهر شعبان ذخرٌ للعبد يوم القيامة، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصوم هذا الشهر، ويوصل صيامه بشهر رمضان، وقد وعد (صلى الله عليه وآله) مَن يصوم يومًا منه بالشفاعة يوم القيامة.

 


[1] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، مصدر سابق، ص24.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج10، ص512.

[3] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، مصدر سابق، ص44.

 

14


8

الموعظة الأولى: فضائل شهرَي رجب وشعبان

1. يصلح أمر المعيشة ويكفي شرّ العدوّ: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وما من عبدٍ يُكثر الصيام في شعبان، إلّا أصلح اللهُ أمرَ معيشته، وكفاه شرَّ عدوِّه»[1].

2. صوم يومٍ يغفر الذنوب: عن الإمام الصادق(عليه السلام): «حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن صام يومًا من شعبان، إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له»[2].

3. يوجب الجنّة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وإنّ أدنى ما يكون لمن يصوم يومًا من شعبان، أن تجب له الجنّة»[3].

4. صوم أيّامٍ من شهر شعبان: عن الإمام الصادق(عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شعبان شهري، وشهر رمضان شهر الله، فمَن صام يومًا من شهري كنت شفيعَه يوم القيامة، ومَن صام يومين من شهري غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومَن صام ثلاثة أيّام من شهري، قيل له: استأنف العمل»[4].

 


[1] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، مصدر سابق، ص43.

[2]  المصدر نفسه، ص38.

[3]  المصدر نفسه، ص43.

[4] المصدر نفسه، ص44.

 

15


9

الموعظة الأولى: فضائل شهرَي رجب وشعبان

ليلة النصف من شهر شعبان

هي ليلة بالغة الشرف، بل هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر، كما عن الإمام الباقر (عليه السلام): «هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها، فإنّها ليلة آلى الله عزّ وجلّ على نفسه أن لا يردّ سائلًا فيها، ما لم يسأل المعصية، وإنّها الليلة الّتي جعلها الله لنا أهل البيت، بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا (صلى الله عليه وآله)، فاجتهدوا في دعاء الله تعالى والثناء عليه»[1].

ومن عظيم بركات هذه الليلة، أنّها ليلةُ ولادة صاحب العصر الزمان(عجل الله تعالى فرجه)، وهذا ما يزيدها فضلًا وشرفًا.

 

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج10، ص512.

 

 

16


10

الموعظة الثانية: آداب تلاوة القرآن الكريم

الموعظة الثانية:
آداب تلاوة القرآن الكريم

هدف الموعظة

تعرّف فضل تلاوة القرآن الكريم، وبيان آدابها.

محاور الموعظة

آداب التلاوة الظاهريّة
آداب التلاوة الباطنيّة

تصدير الموعظة

﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ﴾[1].

 


[1]  سورة الأنفال، الآية 2.

 

17


11

الموعظة الثانية: آداب تلاوة القرآن الكريم

إنّ القرآن الكريم كتابُ هدايةٍ، ورسالةٌ للعالمين حتّى قيام الساعة، ولقد حدّد الله تعالى ورسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) لنا سبلَ الاستفادة منه، بالتدبّر والتعلّم والحفظ، والعمل بآياته الكريمة، وتربية الأمّة على هديها.

وإنّ تلاوة هذا الكتاب العزيز وقراءته من أفضل العبادة، ينظر الله إلى قارئه بالرحمة، ويعطيه بأحرفه نورًا على الصراط. وللتلاوة آدابها الظاهريّة والباطنيّة، والّتي ينبغي للقارئ مراعاتها والاهتمام بها تأدّبًا مع الكتاب الكريم، وسعيًا في تحصيل الثواب العظيم.

آداب التلاوة الظاهريّة

1. الطهارة: والمراد منها الخلوّ من الحدث الأكبر والأصغر بالغسل أو الوضوء أو التيمّم بدلًا عنهما، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتّى يتطهّر»[1].

2. تنظيف الفمّ: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «طيّبوا أفواهكم، فإنّ أفواهكم طريقُ القرآن»[2].

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج6، ص196.

[2]  المتّقي الهنديّ، علاء الدين عليّ المتقي بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409هـ - 1989م، لا.ط، ج1، ص603.

 

18


12

الموعظة الثانية: آداب تلاوة القرآن الكريم

3. اتّخاذ مجلسٍ خالٍ: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء: قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خالٍ... وإذا اتّخذ مجلسًا خاليًا، واعتزل من الخلق، بعد أن أتى بالخصلتين الأوليَين، استأنس روحه وسرّه بالله، ووجد حلاوة مخاطبات الله عزّ وجلّ عبادَه الصالحين، وعلم لطفه بهم، ومقام اختصاصه لهم، بفنون كراماته، وبدائع إشاراته»[1].

4. الدعاء قبل التلاوة: كان الإمام الصادق (عليه السلام) إذا قرأ القرآن، قال قبل أن يقرأ، حين يأخذ المصحف: «اللهمّ إنّي أشهد أنّ هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمّد بن عبد الله، وكلامك الناطق على لسان نبيّك، جعلته هاديًا منك إلى خلقك، وحبلًا متّصلًا في ما بينك وبين عبادك، اللهمّ إنّي نشرت عهدك وكتابك، اللهمّ فاجعل نظري فيه عبادة، وقراءتي فيه ذكرًا، وفكري فيه اعتبارًا، واجعلني ممّن اتّعظ ببيان مواعظك فيه، واجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قراءتي على قلبي، ولا على سمعي، ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراءتي قراءةً لا تدبّر فيها، بل اجعلني أتدبّر آياته

 


[1]  المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج82، ص43.

 

19


13

الموعظة الثانية: آداب تلاوة القرآن الكريم

وأحكامه، آخذًا بشرائع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلة، ولا قراءتي هذرًا، إنّك أنت الرؤوف الرحيم»[1].

5. البدء بالاستعاذة: وهي طلب العوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ﴾[2]. كما تُعَدّ الاستعاذة من الأبواب الّتي يستعين بها المؤمن على طاعة الله تعالى، ومن أهمّ الطرق الّتي تساعده على سدّ أبواب المعصية، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أغلقوا أبواب المعصية بالاستعاذة»[3].

6. الدعاء بعد التلاوة: ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه كان إذا ختم القرآن الكريم، قال: «اللهمّ اشرح بالقرآن صدري، واستعمل بالقرآن بدني، وأعنّي عليه ما أبقيتني، فإنّه لا حول ولا قوّة إلّا بك»[4].

 


[1]  الطبرسيّ، الشيخ الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قمّ، 1392هـ - 1972م، ط6، ص343.

[2]  سورة النحل، الآية 98.

[3]  قطب الدين الراونديّ، أبو الحسين سعيد بن هبة الله، الدعوات (سلوة الحزين)، مدرسة الإمام المهديّ(عج)، إيران - قمّ، 1407هـ، ط1، ص52.

[4]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج89، ص202.

 

20


14

الموعظة الثانية: آداب تلاوة القرآن الكريم

7. تحسين الصوت: كان من عادة أهل البيت (عليهم السلام) أن يقرؤوا القرآن بصوت حسن، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وكان السقّاؤون يمرّون، فيقفون ببابه، يسمعون قراءته»[1]؛ وذلك يعود إلى أنّ القرآنَ كتابٌ عظيم، وتحسين الصوت به يؤدّي إلى خشوع القلب، واطمئنانه بذكر الله تعالى، والصوت الحسن هو زينة القرآن الكريم وحليته، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لكلّ شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن»[2].

آداب التلاوة الباطنيّة

1. التمهّل والخشوع: عندما يجلس العبد بين يدي الله سبحانه، ينبغي أن يجلس جلسة العبد الآبق إلى مولاه، فتكون جلسةَ وقار وخشوع وتأمّل، وخصوصًا عند قراءته للآيات الّتي فيها تشويق أو تحذير وإنذار، قال تعالى: ﴿أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِير

 


[1] ابن إدريس الحليّ، الشيخ أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد، مستطرفات السرائر، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1411هـ، ط2، ص189.

[2] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص615.

 

21


15

الموعظة الثانية: آداب تلاوة القرآن الكريم

مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ﴾[1]. وعنه (صلى الله عليه وآله): «إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرؤوه بالحزن»[2].

2. التدبّر في التلاوة: على قارئ القرآن أن يتدبّر حين تلاوته في كلّ آية، وكلّ كلمة، في معانيه العالية الدقّة والروعة والجمال، وإلى أهمّيّة التدبّر يشير تعالى في كتابه العزيز: ﴿كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَك لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾[3].

3. الإخلاص في القراءة: فلا يكون نظر القارئ إلى الشهرة والسمعة، أو إلى رضا الناس عنه، عن الإمام الباقر(عليه السلام): «قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن، فاتّخذه بضاعة، واستدرّ به الملوك واستطال به على الناس؛ ورجل قرأ القرآن، فحفظ حروفَه، وضيّع حدودَه، وأقامه إقامة القدح، فلا كثّر اللهُ هؤلاء من حملة القرآن؛ ورجل قرأ القرآن، فوضع دواءَ القرآن على داء قلبه، فأسهر به ليله، وأظمأ به نهاره، وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع الله العزيز

 


[1]  سورة الحديد، الآية 16.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص614.

[3]  سورة ص، الآية 29.

 

22


16

الموعظة الثانية: آداب تلاوة القرآن الكريم

الجبّار البلاء، وبأولئك يديل الله من الأعداء، وبأولئك ينزّل الله الغيث من السماء، فوالله لَهؤلاء في قرّاء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر»[1].

4. التفكّر: من آداب التلاوة التفكّر، وإعمال النظر في آياته وكلماته وقصصه، وفي كلّ ما يحتويه، يقول تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ
ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ﴾[2].

5. فهم مقاصده: إنّ القرآنَ الكريم كتابُ هداية للبشريّة، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[3]، وفيه تبيانٌ لكلّ شيء، وفيه رحمة وبشرى وهداية إلى الطريق المستقيم، قال تعالى: ﴿وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ فِي كُلِّ أُمَّة شَهِيدًا عَلَيۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنا لِّكُلِّ شَيۡء وَهُدى وَرَحۡمَة وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ﴾[4].

6. التطبيق: لا قيمة للعلاقة بكتاب الله على مستوى القراءة والتدبّر والحفظ وغيرها، من دون العمل والالتزام بتعاليم الله تعالى وتشريعاته؛ لذا مَن أراد أن يأخذ من القرآن

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص604.

[2] سورة النحل، الآية 44.

[3]  سورة الإسراء، الآية 9.

[4]  سورة النحل، الآية 89.

 

23


17

الموعظة الثانية: آداب تلاوة القرآن الكريم

الحظّ الوافر، عليه أن يقوم بتطبيق الآيات على نفسه ومَن حوله؛ لكي تتحقّق الاستفادة الفعليّة من التلاوة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ﴾[1]، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن تعلّم القرآنَ، فلم يعمل به، وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتَها، استوجب سخطَ الله تعالى، وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الّذين ينبذون كتابَ الله وراء ظهورهم»[2].‏

 


[1] سورة الأنفال، الآية 2.

[2]  الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم السيّد محمّد مهديّ السيّد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قمّ، 1368ش، ط2، ص282.

 

24


18

الموعظة الثالثة: صلة الرحِم

الموعظة الثالثة:
صلة الرحِم

هدف الموعظة

حثّ المؤمنين على التواصل مع أرحامهم، وبيان الآثار الّتي تستوجبها القطيعة.

محاور الموعظة

معنى قطع الرحِم
حرمة قطيعة الرحِم
وجوب صلة الرحِم وضرورتها
آثار قطيعة الرحِم
كيف تتحقَّق الصلة؟

تصدير الموعظة

﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾[1].

 

 


[1]  سورة النساء، الآية 36.

 

25


19

الموعظة الثانية: آداب تلاوة القرآن الكريم

معنى قطع الرحِم

إنّ قطع الرحِم هو كلّ تصرّف يُفهم منه في نظر العُرف ويُفسّر على أنّه قطيعة، مثل: عدم التحيَّة أو التهجم أو الإعراض أو ترك الاحترام والأدب، أو عدم جواب الرسالة في السفر أو عدم الزيارة والملاقاة، أو عدم عيادته إذا مرض أو إذا كان عائدًا من السفر...

وقطع الرحِم يختلف بحسب الزمان والمكان ومراتب الأرحام، وخصوصيّاتهم، فيمكن أن يكون عملٌ ما قطعًا بالنسبة للرِحم القريبة، أمّا بالنسبة للرِحم البعيدة فليس قطعًا. وهكذا، هو قطعٌ بالنسبة للرِحم الفقيرة، وليس كذلك بالنسبة لغيره. ومن أقبح أقسام قطع الرحِم أن لا يحترم الغنيُّ ذو الجاه الفقراءَ من أرحامه، أو الّذي لا جاه له، ولا يعرف له قرابتَه ويتكبَّر عليه.

حرمة قطيعة الرحِم

وقد وردت في هذا الموضوع أخبار كثيرة، تؤكّد هذه الحرمة، نذكر منها ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أنّ رجلًا من خثعم جاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال: أيُّ الأعمال أبغضُ إلى الله عزّ وجلّ؟ فقال: الشِّرك بالله، قال: ثمّ ماذا؟ فقال:

 

26


20

الموعظة الثالثة: صلة الرحِم

قطيعة الرحِم، قال: ثمّ ماذا؟ فقال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف»[1].

وجوب صلة الرحِم وضرورتها

لم تكتفِ الشريعة بتحريم القطيعة، بل أكّدت ضرورةَ التواصل، وشدّدت عليه، كما قرن القرآنُ الكريم الإحسان إلى الوالدَين وذي القربى بعبادته وعدم الشرك به، قال سبحانه: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾[2]، وقال أيضًا: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾[3].

وفي بيان أهمّيّة صلة الرِحم، ذكرَت الروايات عناوين عديدة وآثارًا جميلة تترتّب على هذا العمل الشريف، منها:

1. التعاضد الاجتماعيّ: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ؛ فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ، وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ، وَيَدُكَ الَّتِي بِهَا تَصُولُ»[4].


 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص290.

[2] سورة النساء، الآية 36.

[3]  سورة النحل، الآية 90.

[4]  الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص405، الكتاب 31.

 

27


21

الموعظة الثالثة: صلة الرحِم

. تزكية الأعمال ونماء الأموال وطول العمر: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «صلة الأرحام تُزكِّي الأعمال، وتُنمِّي الأموال، وتدفع البلوى، وتُيسِّر الحساب، وتُنسِى‏ء الأجل»[1].

3. العصمة من الذنوب: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ صلةَ الرحِم والبرَّ لَيهوِّنان الحساب ويعصمان من الذنوب؛ فصِلوا أرحامَكم وبرّوا بإخوانكم، ولو بحسن السلام وردّ الجواب»[2].

4. آثارٌ على المستوى الخُلُقيّ: عن الإمام الباقر(عليه السلام): «صلة الأرحام تُحسِّن الخُلق، وتُسمِّح الكفّ، وتُطيِّب النَّفس»[3].

آثار قطيعة الرحِم

وفي المقابل، ثمّة آثار وعواقب وخيمة تترتّب على قطيعة الرحِم، نذكر منها:

1. تفكّك أواصر المجتمع: تجدر الإشارة إلى مبدأ مهمّ جدًّا، وهو أن لا يقطع الإنسان مَن يقطعه؛ لأنّه يساهم

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص150.

[2] المصدر نفسه، ج2، ص157.

[3]  المصدر نفسه، ج2، ص151.

 

28


22

الموعظة الثالثة: صلة الرحِم

في تفكُّك أواصر المجتمع والناس في ما بينهم، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تقطع رحِمَك، وإن قطعك»[1].

2. فقدان الرحمة الإلهيّة: رُوي أنّ رجلًا جاء إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، فشكا إليه أقاربَه، فقال (عليه السلام): «اكظم غيظَك، وافعل»، فقال: إنَّهم يفعلون ويفعلون، فقال (عليه السلام): «أتريد أن تكون مثلَهم، فلا ينظر اللهُ إليكم»[2].

3. تعجيل الفناء: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أعوذ بالله من الذنوب الّتي تُعجِّل الفناء»، فقام إليه عبد الله بن الكوّاء، فقال: يا أمير المؤمنين، أوتكون ذنوبٌ تُعجِّل الفناء؟ فقال: «نعم، وتلك قطيعة الرحِم، إنَّ أهلَ البيت ليجتمعون ويتواسَون، وهم فجرة، فيرزقهم الله، وإنّ أهلَ البيت ليتفرَّقون ويقطع بعضهم بعضًا، فيحرمهم الله، وهم أتقياء»[3].

كيف تتحقَّق الصلة؟

إنّ أيَّ عمل يعَدّ في العرف صلة، فهو صلة للرِحم، وإن

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج71، ص104.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص347.

[3] المصدر نفسه، ج2، ص348.

 

29


23

الموعظة الثالثة: صلة الرحِم

كان صغيرًا، ولو بالابتداء بالسلام أو ردّ السلام بالأحسن؛ فصلة الرحِم لا تعني إهدار الوقت والجهد في سبيل وصل الأخرين، فالمعيار أن لا يقال عُرفًا: إنّ فلانًا قاطع لرحمه؛ فصلة الرحِم على مراتب ودرجات، وما لا يُدرك كلّه لا يُترك كلُّه. والله تعالى لا يكلّف نفسًا إلّا وسعها. وإنّ أعظم مراتب صلة الرحِم هي الصلة بالنفس، وقد وردت في ذلك أخبار كثيرة. وبعده، الصلةُ بدفع الضرر، بمعنى دفع الضرر عن الرحِم إذا توجّه له. وبعده، الصلةُ بإيصال المنفعة له. وبعده، صلة مَن تجب نفقته على الرحِم، مثل زوجة الأب وزوجة الأخ. وأدنى مراتب الصلة أداء السلام للرِحم، وأدنى منه إرسال السلام إليه، وهكذا الدعاء له في غيبته، والقول الحسن حال حضوره. عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فصِلوا أرحامَكم وبرّوا بإخوانكم، ولو بحسن السلام وردّ الجواب»[1].وفي حديث آخر: «صِلْ رَحِمَكَ، وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ»[2].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص157.

[2] المصدر نفسه، ج2، ص151.

 

30


24

الموعظة الرابعة: العِشرة الحسنة

الموعظة الرابعة:
العِشرة الحسنة

هدف الموعظة

تعرّف أصول العشرة الحسنة، والحثّ عليها.

محاور الموعظة

الإسلام دين تواصل
أصول العشرة في الكتاب والسنّة
حقوق العشرة وآدابها
من آثار حسن العشرة
حسن العشرة في المنزل‏

تصدير الموعظة

أمير المؤمنين (عليه السلام): «خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً، إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ»[1].

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص470، الحكمة 10.

 

 

31


25

الموعظة الرابعة: العِشرة الحسنة

الإسلام دين تواصل

إنّ العشرة الحسنة من الأمور الّتي حثّت عليها الشريعة الإسلامية المقدّسة، وعدّتها من القضايا المحوريّة في الحياة الداخليّة بين المسلمين، يقول تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾[1]، وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «مَثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمَثَل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر»[2]، وكذلك الأمر في العلاقات الخارجيّة مع أبناء الأديان الأخرى، فالقاعدة الأوّليّة في الإسلام هي الاجتماع والعشرة والتعارف والتعاون وتبادل الخبرات بين الأمم، فلا ينبغي للمسلمين التقاطع والتحارب مع الشعوب الأخرى، بل السلام والوئام حاكمان على علاقات المسلمين مع غيرهم، يقول تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾[3].

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 103.

[2]  ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشيّ الدمشقيّ، تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، تقديم يوسف عبد الرحمن المرعشليّ، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، 1412هـ - 1992م، لا.ط، ج2، ص383.

[3]  سورة الحجرات، الآية 13.

 

32


26

الموعظة الثالثة: صلة الرحِم

أصول العِشرة في الكتاب العزيز

وضع القرآن الكريم أصولًا واضحةً للعشرة بين أبناء الأسرة والمجتمع الإسلاميّ، إذ حثّ على حسنها مع الوالدين والأقرباء واليتامى والمساكين والجيران وأبناء السبيل، وملك اليمين ونحوهم، وقد قرن الله عزّ وجلّ الأمر بعبادته وتوحيده بالأمر بالإحسان إلى الناس، سواء ما ارتبط بالوالدين أو بالأصحاب، قال تعالى: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالا فَخُورًا﴾[1].

ووضع في مورد آخر قواعد التفاهم والحوار بين أفراد المجتمع، فأكّد القول الحسن، والخطاب اللين، والجدال بالّتي هي أحسن، واعتماد أسلوب الموعظة الحسنة، قال تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنا﴾[2]، وقال سبحانه: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾[3]، وقال أيضًا:

 


[1]  سورة النساء، الآية 36.

[2] سورة البقرة، الآية 83.

[3]  سورة النحل، الآية 125.

 

33


27

الموعظة الثالثة: صلة الرحِم

﴿ٱذۡهَبَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ٤٣ فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلا لَّيِّنا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ﴾[1].

أصول العِشرة في السنّة الشريفة

1. الميزان في معاشرة الناس‏: حدّد أمير المؤمنين (عليه السلام) مجموعةً من القواعد المهمّة، تصلح كميزان للعشرة والتعامل بين الناس، فقال (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَانًا فِي مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِم كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَةُ الْأَلْبَابِ؛ فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ، وَلاَ تَكُنْ خَازِنًا لِغَيْرِكَ»[2].

2. الحثّ على حسن المصاحبة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وأحسِن مصاحبةَ مَن صاحبَكَ، تكن مسلمًا»[3]، وعن الإمام

 


[1]  سورة طه، الآيتان 43 و44.

[2]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص397، الكتاب 31.

[3]  الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الأمالي، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، إيران - قمّ، 1417هـ، ط1، ص269.

 

34


28

الموعظة الثالثة: صلة الرحِم

الصادق (عليه السلام): «إنّه ليس منّا مَن لم يُحسِن صحبةَ مَن صحِبه، ومرافقةَ مَن رافقه، وممالحةَ مَن مالحه، ومخالقةَ من خالقه»[1].

3. الحثّ على التودّد والتحبّب إلى الناس: عدّت الروايات التودّدَ إلى الناس نصفَ العقل، والتحبّبَ إليهم رأسَه، عن الإمام الكاظم  (عليه السلام): «التودّدُ إلى الناس نصفُ العقل»[2]، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رأس العقل بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ التحبّب إلى الناس»[3].

حقوق العِشرة وآدابها

حدّدت الروايات حقوقَ العشرة وآدابَها، وذلك بالتمسّك بلين الجانب والبشر والإحسان وغفران الزلّات... وقد جعلَت البِشْرَ لعموم الناس، وخصّت الإخوان والمعارف ببعض الأمور، منها:

1. الدفاع عنه ومواساته: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ابذل

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص286.

[2] المصدر نفسه، ج2، ص643.

[3]  الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1403هـ - 1362ش، لا.ط، ج‏1، ص15.

 

35


29

الموعظة الثالثة: صلة الرحِم

لأخيك دمَك ومالَك، ولعدوّك عدلَك وإنصافَك، وللعامّة بِشرَك وإحسانَك»[1].

2. النصيحة والمعونة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ابذل لصديقك نصحَك، ولمعارفك معونتَك، ولكافّة الناس بِشرك»[2].

3. الإحسان وغفران الذنوب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «صاحب الإخوان بالإحسان، وتغمّد ذنوبَهم بالغفران»[3].

من آثار حسن العشرة

ولهذه العشرة آثارها ونتائجها المهمّة، الّتي بيّنها أهل البيت (عليهم السلام) في العديد من الأخبار، منها:

1. دوام المودّة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «بحسن العشرة تدوم المودّة»[4].

 


[1]  الحرّانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسولP، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1404هـ - 1363ش، ط2، ص212.

[2] الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجنديّ، دار الحديث، إيران - قمّ، 1418هـ، ط1، ص80.

[3]  المصدر نفسه، ص303.

[4]  المصدر نفسه، ص187.

 

36


30

الموعظة الرابعة: العِشرة الحسنة

2. عمارة القلوب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «عمارة القلوب في معاشرة ذوي العقول»[1].

3. أنس الرفيق: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «بحسن العشرة تأنس الرفاق»[2].

4. السعادة والنبل: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «عاشر أهلَ الفضل، تسعد وتنبل»[3].

5. السلامة من الغوائل: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «جاملوا الناسَ بأخلاقكم تسلموا من غوائلهم، وزايلوهم بأعمالكم لئلّا تكونوا منهم»[4].

حسن العِشرة في المنزل‏

حينما يكون الكلام على حسن العشرة، فإنّه يستهدف المجموع، ولا يكون المراد منه الاكتفاء بفردٍ دون آخر، فلو كانت علاقة الإنسان جيّدة وسليمة مع إخوانه وأصدقائه، أو

 


[1]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص340.

[2]  المصدر نفسه، ص187.

[3]  التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيّدمهديّ رجائيّ‏، نشر دار الكتاب الإسلاميّ‏، إيران- قمّ‏، 1410هـ، ط2، ص465.

[4] المالكيّ الأشتريّ، ورّام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1368ش، ط2، ج‏2، ص333.

 

37


31

الموعظة الرابعة: العِشرة الحسنة

مع جيرانه، لكنّه في الوقت نفسه لا يهتمّ بمراعاة الآداب والعشرة الحسنة مع عائلته داخل المنزل، بحيث تلقى منه الويلات والمصائب في كلماته النابية ومعاملته السيّئة، فهو ليس على خير، ولم يقم بما هو مطلوب منه كاملًا؛ لأنّ المطلوب هو المجموع، أي حسن العشرة مع الجميع، ولا يُعذَر المرء في إساءته معاملةَ أولادِه أو بعضِ أرحامه، وإن كان محافظًا على حسن ارتباطه بالآخرين، فالمعاشرة المنزليّة الجميلة أمرٌ لا غنى عنه، وجزءٌ لا يتجزّأ من منظومة المعاشرة بإحسان، بل هي الجزء الأهمّ والأساس، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ المرءَ يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خِلالٍ يتكلّفها، وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصُّن»[1]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لولده الإمام الحسن (عليه السلام) :«وَلَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ»[2].

 


[1]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مصدر سابق، ص322.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص403، الكتاب 31.

 

38


32

الموعظة الخامسة: آداب عصر الغيبة

الموعظة الخامسة:
آداب عصر الغيبة

 

هدف الموعظة

بيان الوظائف والآداب الّتي ينبغي التحلّي بها في عصر الغيبة الكبرى.

محاور الموعظة

معرفته
انتظار فرجه
الدعاء بتعجيل الفرج
التوسّل به
الصَّلاة عليه
الطاعة والتسليم

تصدير الموعظة

عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنّه سأل النبيَّ(صلى الله عليه وآله): هل ينتفع الشيعة بالقائم (عليه السلام) في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): «إي، والّذي بعثني بالنبوّة، إنّهم لَينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس، وإن جلَّلها السحاب»[1].


 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج52، ص93.

 

39


33

الموعظة الخامسة: آداب عصر الغيبة

بوفاة السفير الرابع، انتهت الغيبة الصغرى لصاحب الزمان (عليه السلام) سنة 329هـ، وبدأت الغيبة الكبرى، والّتي لا نعلم أمدها، ولكنّ غيبته لا تعني الانقطاع الكامل والتامّ، بل ثمّة علاقة قائمة بين الإمام (عليه السلام) وبين شيعته ومحبّيه ومنتظريه، وثمّة منفعة حاصلة من وجوده المبارك، كما في الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). من هنا، كان لا بدّ من تسليط الضوء على بعض الوظائف والآداب المطلوبة من المنتظرين في عصر الغيبة الكبرى، نذكر منها:

معرفته

ورد في الدعاء: «اللَّهمّ‏ عرّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إنْ لَمْ تَعرّفْني نَفْسَكَ لَمْ أعرِفْ نَبِيّك، اللَّهُمّ‏ عَرِّفْني رَسَولَكَ، فَإنَّكَ إن لَمْ تُعرّفْني رَسولَكَ لَمْ أعرفْ حُجّتَك، اللَّهُمّ‏ عَرّفْني حَجّتَكَ، فَإنَّكَ إن لَمْ تُعرّفْني حُجّتَكَ ضَلَلْتُ عَن ديْني»[1].

إنّ الوظيفة الاعتقاديّة الأولى للمكلَّف في غيبة الإمام المهديّ (عليه السلام) هي معرفته، والمعرفة تكون من خلال تشخيصه، وإدراك معنى إمامته، ومعنى أنّه إمام مفترَض الطاعة، ففي الرواية عن الإمام الباقر(عليه السلام): «إنّما يعبد

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص337.

 

40


34

الموعظة الخامسة: آداب عصر الغيبة

اللهَ مَن يعرِف الله، فأمّا مَن لا يعرِف الله، فإنّما يعبده هكذا ضلالًا»، قال الراوي: جُعِلتُ فداك! فما معرفة الله؟ قال: «تصديق الله عزّ وجلّ، وتصديق رسوله (صلى الله عليه وآله)، وموالاة عليّ(عليه السلام)، والائتمام به وبأئمّة الهدى(عليهم السلام)، والبراءة إلى الله عزّ وجلّ من عدوّهم، هكذا يُعرَف الله عزّ وجلّ»[1].

الثبات على القول بإمامته

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يا منصور، إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إِياس، لا والله حتّى تُمَيَّزُوا، لا والله حتّى تُمَحَّصُوا، لا والله حتّى يشقى مَن يشقى، ويسعَد مَن يسعَد»[2].

انتظار فرجه

إنّ الانتظار الّذي عدَّته الروايات من أفضل العبادات وأفضل الأعمال، هو الانتظار الّذي يدفع صاحبَه إلى العمل والتمهيد لتعجيل الفرج بكلّ ما يقدر عليه، ويعدّ العدّة بقدر المستطاع. وإنّ الثباتَ على إمامته والمضيَّ في مشروعه من أوجب الواجبات الّتي ينبغي الالتزام بها، مهما علَت التضحيات؛ فالانتظار يعني الاستعدادَ التامَّ والشاملَ للأفراد

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص180.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج52، ص111.

 

41


35

الموعظة الخامسة: آداب عصر الغيبة

والمجتمع وكلّ الأمّة، ومن مختلف الجوانب، العقائديّة، والروحيّة، والعلميّة، والعسكريّة، والسياسيّة، وغيرها ممّا تحتاجه الدولة والأمّة.

وقد وُصف الانتظار بالعبادة، والمنتظرون بالمجاهدين والشهداء، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أفضل أعمال أمّتي، انتظار الفرج من الله عزَّ وجلّ‏»[1].

الدعاء بتعجيل الفرج

فمن أهمّ آداب عصر الغيبة، والّذي أكّدته الروايات وشدّدت عليه، الدعاء للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وقد وردت أدعية كثيرة للإمام (عليه السلام)، مثل دعاء العهد، ودعاء الندبة المستحبّ في الأعياد، بما في ذلك كلّ يوم جمعة، وفي دعاء الافتتاح المستحبّ في كلّ ليلةٍ من شهر رمضان المبارك مقطعٌ خاصٌّ بالدعاء للإمام (عليه السلام). وجاء في عدّة روايات الحثّ على الدعاء لصاحب الأمر (عليه السلام)، عن الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه): «وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبتها عن الأبصار السَّحاب، وإنّي لَأمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1405هـ - 1363ش، لا.ط، ص644.

 

42


36

الموعظة الخامسة: آداب عصر الغيبة

أمان لأهل السماء، فأغلقوا باب السُّؤال عمَّا لا يعنيكم، ولا تتكلَّفوا علمَ ما قد كُفيتم، وأكثروا الدُّعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجُكم»[1].

التوسّل به

جاء في بعض الروايات توسّلٌ خاصّ بالإمام صاحب العصر والزمان (عليه السلام)، منها: «اللهمّ إنّي أسألك بحقّ وليّك وحجّتك صاحب الزمان، إلّا أعنتني به على جميع أُموري، وكفيتني به مؤونة كلّ مؤذٍ وطاغٍ وباغٍ، وأعنتني به، فقد بلغ مجهودي، وكفيتني كلَّ عدوٍّ وهمٍّ وغمٍّ ودَينٍ، وولدي وجميع أهلي وإخواني ومَن يعنيني أمره وخاصّتي، آمين ربّ العالمين»[2].

الصَّلاة عليه

فقد ورد استحباب الصلاة عليه في أكثر من موردٍ، كما في دعاء الافتتاح، وكالصلاة الواردة عن الإمام العسكريّ (عليه السلام): «اللّهُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَابْنِ أَوْلِيائِكَ الَّذِينَ فَرَضْتَ طاعَتَهُمْ، وَأَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ، وَاذْهَبْتَ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيرًا»[3].


 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص485.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج91، ص35.

[3] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، مصدر سابق، ص405.

 

43


37

الموعظة الخامسة: آداب عصر الغيبة

الطاعة والتسليم

عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «إنّ للقائم منّا غيبتين؛ إحداهما أطول من الأخرى... فلا يثبُت عليه إلّا مَن قويَ يقينُه، وصحّت معرفتُه، ولم يجد في نفسه حرجًا ممّا قضينا، وسلّم لنا أهل البيت»[1]. ويلازم الثبات على الإمامة الطاعة للإمام (عليه السلام)، ولنائبه في عصر الغيبة الوليّ الفقيه، الّذي يتمتّع بصلاحيّة إدارة شؤون البلاد والعباد، وحفظ ورعاية المصالح العليا للإسلام والمسلمين، تمهيدًا لقدومه الشريف.

 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص323 - 324.

 

44


38

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

الموعظة السادسة:
وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

 

هدف الموعظة

إبراز مكانة هذه السورة الكريمة، وبيان فضلها وأهمّيّتها.

محاور الموعظة

فضل سورة الفاتحة
المحتوى العامّ للسورة
في رحاب السورة

تصدير الموعظة

﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣ مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤ إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٥ ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ﴾[1].

 


[1] سورة الفاتحة.

 

45


39

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

فضل سورة الفاتحة

1. السبع المثاني: يقول تعالى: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ﴾[1]؛ فهذه الآية قابلَت بها القرآنَ العظيم، وفي ذلك تمام التجليل لشأنها والتعظيم لخطرها، والتسمية بالمثاني لأنّ بعضَها يوضّح حالَ بعضها الآخر، ويلوي وينعطف عليه[2].

2. شفاء من كلّ داء: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجابر: «ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟»، قال جابر: بلى، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، علّمنيها، فعلّمه الحمد لله أمّ الكتاب، قال: ثمّ قال له: «يا جابر، ألا أخبرك عنها؟»، قال: بلى، بأبي أنت وأمّي، فأخبرني، قال: «هي شفاء من كلّ داء، إلّا السامّ»؛ يعني الموت[3].

3. منّة من الله، وعدل القرآن، وأشرف ما في كنوز العرش: عن الإمام العسكريّ، عن آبائه، عن أمير المؤمنين(عليهم السلام): «سمعتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ الله عزّ وجلّ قال لي:

 


[1] سورة الحجر، الآية 87.

[2] راجع: الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1417هـ‏، ط5، ج13، ص191.

[3] العيّاشيّ، محمّد بن مسعود بن عيّاش السلميّ السمرقنديّ، تفسير العيّاشيّ، تحقيق الحاجّ السيّد هاشم الرسوليّ المحلّاتيّ، المكتبة العلميّة الإسلاميّة، إيران - طهران، 1422هـ‏، ط1، ج1، ص20.

 

46


40

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

يا محمّد، ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ﴾[1]؛ فأفرد الامتنانَ عليّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإنّ فاتحةَ الكتاب أشرفُ ما في كنوز العرش، وإنّ اللهَ عزّ وجلّ خصّ محمّدًا وشرّفه بها»[2].

4. أفضل ما أنزل الله على رسله في كتبه المقدّسة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «والّذي نفسي بيده، ما أنزل اللهُ في التوراة والإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان، مثلَها، وهي أمُّ الكتاب»[3].

المحتوى العامّ للسورة

أهمّيّة هذه السّورة تتّضح من محتواها، فهي في الحقيقة عرض لكلّ محتويات القرآن الكريم، فجانب منها يختصّ بالتوحيد وصفات الله، وجانب آخر بالمعاد ويوم القيامة، وقسم منها يتحدّث عن الهداية والضلال، باعتبارهما علامة التمييز بين المؤمن والكافر، وفيها أيضًا إشارات إلى حاكميّة الله المطلقة، وإلى مقام ربوبيّته، ونعمه اللامتناهية، العامّة والخاصّة «الرحمانيّة والرحيميّة»، وإلى مسألة العبادة

 


[1] سورة الحجر، الآية 87.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص240 - 241.

[3] الشعيري، محمّد بن محمّد، جامع الأخبار، المطبعة الحيدريّة، العراق - النجف، لا.ت، ط1، ص43.

 

47


41

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

والعبوديّة، واختصاصهما بذات الله دون سواه.

إنّها تتضمّن في الواقع توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال، وتوحيد العبادة.

في رحاب السورة

1. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: إنّ كلّ ما في الكون يتّجه إلى الزّوال والفناء، إلّا الذّات الأبديّة الخالدة، ذات الله سبحانه، فهو يختصّ بها من بين سائر الموجودات، ومن هنا ينبغي أن يُبدأ كلّ شيء باسمه وتحت ظلّه وبالاستمداد منه؛ ولذلك كانت البسملة أوّل آية في القرآن الكريم. عن الإمام العسكريّ (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَعْمَلَ عَمَلًا، فَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؛ فَإِنَّهُ تُبَارَكُ لَهُ فِيهِ»[1].

2. الله: هو عَلَم للذات الإلهيّة المقدَّسة، وكلّ اسم ورد لله في القرآن الكريم وسائر المصادر الإِسلاميّة يُشير إلى جانبٍ معيّن من صفات الله، والاسم الوحيد الجامع لكلّ الصفات والكمالات الإِلهيّة، أو الجامع لكلّ صفات الجلال والجمال، هو «الله».

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج89، ص242.

 

48


42

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

3. الرحمة الإِلهيّة الخاصّة والعامّة: إنّ صفة «الرحمن» تُشير إلى الرحمة الإِلهيّة العامّة لكلّ البشر، وهي تشمل الأولياء والأعداء، والمؤمنين والكافرين، والمحسنين والمسيئين، فرحمته تعمّ المخلوقات. وصفة «الرحيم» إشارة إلى رحمته الخاصّة بعباده الصالحين المطيعين، قد شملتهم بإيمانهم وعملهم الصالح، وَحُرِم منها المنحرفون والمجرمون، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وَالله إلهُ كُلِّ شَيْء والرَّحْمنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، والرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنينَ خَاصَّةً»[1].

4. الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: إنّ أوّل واجبات العباد استحضار مبدأ عالم الوجود دومًا، ونِعَمه اللامتناهية، هذه النِّعم الّتي تُحيطنا وتغمر وجودنا، وتهدينا إلى معرفة الله من جهة، وتدفعنا إلى طريق العبوديّة من جهة أخرى.

وعندما نقول: إنّ النِّعم تُشكِّل دافعًا ومحرِّكًا إلى طريق العبوديّة؛ فذلك لأنّ الإِنسان مفطور على البحث عن صاحب النعمة حينما تصله النعمة، ومفطور على أن يشكر المنعم على إنعامه، وهو دافع نحو معرفة الله سبحانه.

 


[1] القمّيّ، عليّ بن إبراهيم بن هاشم، تفسير القمّيّ، تصحيح وتعليق وتقديم السيّد طيّب الموسويّ الجزائريّ، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر، إيران - قمّ، 1404هـ، ط3، ج1، ص28.

 

49


43

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

وخطّ التوحيد الّذي دعا إليه الأنبياء (عليهم السلام) يتميّز بنبذ فكرة الأرباب المتعدِّدين، وهداية البشريّة نحو الإله الواحد الأحد، وانطلاقًا من هذه الأهمّيّة القصوى للقضاء على الآلهة المتعدِّدة، جاء التأكيد القرآنيّ بعد آية البسملة بقوله: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾. وهذا التأكيد يتلوه الإِنسان المسلم عشر مرّات في صلواته اليوميّة، لتترسّخ فكرة التوحيد، ورفض ربوبيّة الأرباب المدّعاة، غير ربوبيّة الله ربّ العالمين.

5. ربوبيّة الله طريق لمعرفة الله: كلمة (الربّ)، وإن كانت تعني في الأصل المالك والصاحب، إلّا أنّها تتضمّن أيضًا معنى الصاحب المتعهّد بالتربية والرعاية. وإمعان النظر في المسيرة التكامليّة للموجودات الحيّة، وفي التغييرات والتحوّلات الّتي تجري في عالم الجماد، وفي الظروف الّتي تتوفّر لتربية الموجودات، وفي تفاصيل هذه الحركات والعمليّات، هو أفضل طريق لمعرفة الله. والتنسيق اللاإراديّ بين أعضاء جسدنا هو نموذج حيّ لذلك. يقول تعالى: ﴿سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء شَهِيدٌ﴾[1].

 


[1] سورة فصِّلت، الآية 53.

 

50


44

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

6. مَٰلِكِ يَومِ ٱلدِّينِ: يوم القيامة، وبذلك يكتمل محور المبدأ والمعاد، الّذي يُعَدّ أساس كلِّ إصلاح في وجود الإِنسان. وسبب تسمية هذا اليوم بيوم الدِّين، فلأنّ يوم القيامة يوم الجزاء، و«الدِّين» في اللغة «الجزاء»، وهو أبرز مظاهر القيامة، عن الإِمام العسكريّ (عليه السلام): «وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام): ﴿يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾ هُوَ يَوْمُ الْحِسَابِ»[1].

وهو يوحي بسيطرة الله التامّة وهيمنته المستحكمة على كلّ شيء وعلى كلّ فرد في ذلك اليوم، حيث تحضر البشريّة في تلك المحكمة الكبرى، تقف أمام مالكها الحقيقيّ للحساب، وترى كلّ ما فعلته وقالته، بل وحتّى ما فكّرت به، حاضرًا، قال تعالى: ﴿يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡس لِّنَفۡس شَيۡ‍ٔاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذ لِّلَّهِ﴾[2]، ثمّ إنّ الإِيمان بيوم القيامة، وبتلك المحكمة الإِلهيّة الكبرى الّتي يخضع فيها كلّ شيء للإحصاء الدقيق، له الأثر الكبير في ضبط الإِنسان أمام الزلّات، ووقايته من السقوط في المنحدرات، والانحراف نحو الذنوب والمعاصي. ورُوي

 


[1] الإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكريّ(عليه السلام)، تحقيق وتصحيح مدرسة الإمام المهديّ (عج)، إيران - قمّ‏، 1409هـ، ط1، ص38.

[2] سورة الانفطار، الآية 19.

 

51


45

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

أنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) كَانَ إذا قَرَأَ ﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾ يُكَرِّرُهَا حَتَّى يَكَاد أَنْ يَمُوتَ[1].

7. إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ: في هذه الآية يبدأ فيها دعاء العبد لربّه والتضرّع إليه. ويشعر الإِنسان بعد رسوخ أساس العقيدة ومعرفة الله في نفسه، بحضوره بين يدي الله... يُخاطبه ويُناجيه، ويُقرّ أوّلًا بتعبّده، ثمّ يستمدّ العون منه وحده دون سواه.

وهذه العقيدة التوحيديّة العميقة، ذات عطاء يتمثّل في:

أ. الإخلاص والتحرّر من العبوديّة للآلهة الخشبيّة والبشريّة والشهويّة.

ب. الاستمداد من ذات الله تبارك وتعالى خاصّة دون غيره.

ثمرة هذا الاعتقاد أنّ الإِنسان يُصبح معتمدًا على الله دون سواه، ويرى أنّ الله هو القادر العظيم فقط، ويرى ما سواه شبحًا، لا حول له ولا قوّة، بل لا يرى شيئًا غير الله، وهو وحده سبحانه اللائق بالاتّكال والاعتماد عليه. وبالتالي، هو الواحد الّذي يستحقّ العبادة فلا معبود سواه.

 

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج6، ص151.

 

 

52


46

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

8. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُستَقِيمَ: بعد أن يُقرّ الإِنسان بالتسليم لربّ العالمين، ويرتفع إلى مستوى العبوديّة لله والاستعانة به تعالى، يتقدّم هذا العبد من بارئه بطلب الهداية إلى الطريق المستقيم، طريق الطهر والخير، طريق العدل والإِحسان، طريق الإِيمان والعمل الصالح، ليهبه الله نعمة الهداية كما وهبه جميع النِّعم الأخرى.

والصراط المستقيم هو دين الله، وله مراتب ودرجات لا يستوي في طيّها جميع الناس، ومهما سما الإِنسان في مراتبه، فثمّة مراتب أُخرى أبعد وأرقى، والإنسان المؤمن توّاقٌ دومًا إلى السير الحثيث على هذا السلّم الارتقائيّ، وعليه أن يستمدّ العون من الله في ذلك. عن الإمام العسكريّ (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في تفسير ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾؛ أي «أَدِمْ لَنَا تَوْفِيقَكَ الَّذِي بِهِ أَطَعْنَاكَ فِي مَاضي أيَّامِنَا، حَتَّى نُطِيعَكَ كَذَلِكَ في مُسْتَقْبَلِ أَعْمَارِنَا»[1].

9. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّين: ولأنّنا لسنا على معرفة تامّة بمعالم طريق الهداية، فإنّ الله تعالى يأمرنا في هذه الآية الكريمة أن نطلب منه

 


[1] الإمام العسكريّ (عليه السلام)، التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام)، مصدر سابق، ص44.

 

53


47

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

هدايتنا إلى طريق الأنبياء والصالحين من عباده: ﴿ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ﴾، ويُحذِّرنا كذلك من أنّ أمامنا طريقين منحرفين، وهما طريق ﴿ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ﴾، وطريق ﴿ٱلضَّآلِّينَ﴾، وبذلك يتبيّن للإِنسان طريق الهداية بوضوح.

أ. مَن هم ﴿ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ﴾؟

تُبيّن الآية الكريمة من سورة النساء من هم الّذين أنعم الله عليهم، إذ يقول تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقا﴾[1].

ب. من هم ﴿ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ﴾ ؟ ومن هم ﴿ٱلضَّآلِّينَ﴾؟

يتّضح من الآية الكريمة أنّ ﴿ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ﴾ و﴿ٱلضَّآلِّينَ﴾ مجموعتان؛ فالضالّون هم التائهون العاديّون، والمغضوب عليهم هم المنحرفون المعاندون، أو المنافقون؛ ولذلك استحقّوا لعن الله وغضبه، قال سبحانه: ﴿وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ﴾[2].

 


[1] سورة النساء، الآية 69.

[2] سورة الفتح، الآية 6.

 

54


48

الموعظة السادسة: وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

﴿ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ﴾ إذًا يسلكون -مضافًا إلى كفرهم- طريق اللّجاج والعناد ومعاداة الحقّ، ولا يألون جهدًا في توجيه ألوان التنكيل والتعذيب لقادة الدعوة الإِلهيّة.

سورة الفاتحة بين العبد وربّه

وإلى هذا التقسيم يُشير رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَّمْتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بَيْني وَبَيْنَ عَبْدِي، فِنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سأَلَ.

إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾، قَالَ الله جَلَّ جَلاَلُهُ: بَدَأ عَبدِي باسْمِي، وَحَقٌّ عَلَيَّ أنْ أُتَمِّمَ لَهُ أُمُورَهُ، وَأُبارِكَ لَهُ فِي أحوَالِهِ.

فَإذا قَالَ: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾، قَالَ اللهُ جَلَّ جلالُهُ: حَمَدَنِي عَبدِي، وَعَلِمَ أَنَّ النِعَمَ الَّتِي لَهُ مِنْ عِنْدِي، وَأَنَّ اْلبَلايَا الَّتِي دَفَعْتُ عَنْهُ فبِتَطَوُّلِي، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أُضِيفُ لَهُ إلى نِعَمِ الدُّنْيَا نِعَمَ الآخِرَةِ، وَأَدْفَعُ عَنْهُ بَلاَيَا الآخِرَةِ كَمَا دَفَعْتُ عَنْهُ بَلاَيَا الدُّنْيَا.

وَإِذَا قَالَ: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾، قَالَ الله جَلَّ جَلاَلُهُ: شَهِدَ لِي عَبْدِي أَنِّي اَلرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، أُشْهِدُكُمْ لأُوَفِّرَنَّ مِنْ رَحْمَتِي حَظَّهُ، وَلأُجْزِلَنَّ مِنْ عَطَائِي نَصِيبَهُ.

 

55


49

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

فَإِذَا قَالَ: ﴿مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾، قَالَ الله تَعالى: أُشهِدُكُمْ كَمَا اعْتَرَفَ بِأَنِّي أَنَا مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ، لَأُسَهِّلَنَّ يَوْمَ الْحِسابِ حِسَابَهُ، وَلأَتَقَبَّلَنَّ حَسَنَاتِهِ، وَلأَتَجَاوَزَنَّ عَنْ سَيِّئاتِهِ.

فَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ عَبْدِي، إِيَّايَ يَعْبُدُ، أُشْهِدُكُمْ لأُثِيبَنَّهُ عَلَى عِبَادَتِهِ ثَوَابًا يَغْبِطُهُ كُلُّ مَنْ خَالَفَهُ في عِبَادَتِهِ لي.

فَإِذَا قَالَ: ﴿وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾، قَالَ اللهُ تَعالى: بِيَ اسْتَعَانَ عَبْدِي، وَإِلَيَّ اِلْتَجَأَ، أُشْهِدُكُمْ لأُعِينَنَّهُ عَلى أمْرِهِ، ولأُغيثَنَّهُ فِي شَدَائِدِهِ، وَلآخُذَنَّ بِيَدِهِ يَوْمَ نَوَائِبِهِ.

فَإِذَا قَالَ: ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾ -إلى آخر السّورة- قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، وَقَد اسْتَجَبْتُ لِعَبْدِي، وَأَعْطَيتُهُ مَا أَمَّلَ، وَآمَنْتُهُ مِمَّا مِنْهُ وَجِلَ»[1].

 


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص239 - 240.

 

56


50

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

الموعظة السابعة:
الدور العباديّ للمسجد

هدف الموعظة

حثّ المؤمنين على حضور المسجد، وعدم هجرانه.

محاور الموعظة

مفهوم المسجد ومعناه
الدور العباديّ للمسجد
آداب المسجد وفضائله
آداب الدخول إلى المسجد

تصدير الموعظة

الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن مشى الى المسجد، لم يضع رجلًا على رطبٍ ولا يابسٍ، إلّا سبّحت له الأرض إلى الأرضين السابعة»[1].

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج5، ص200.

 

57


51

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

مفهوم المسجد ومعناه

المسجد -لغةً- هو مكان السجود ومحلّ العبادة، يقول الزجّاج في تعريفه: «كلّ موضع يُتعبّد فيه، فهو مسجد»[1]، وجاء في مفردات الراغب الأصفهانيّ: «المسجد موضع الصلاة اعتبارًا بالسجود»[2]. إذًا، فقد أُطلق المسجد على محلّ العبادة ومكان الصلاة؛ ذلك أنّ السجود أهمّ أفعال الصلاة وأشرفها، وأبرز مظاهر العبوديّة لله سبحانه. وفي الاصطلاح العرفيّ يُعَدّ المسجد مكان العبادة الخاصّ بالمسلمين، وفي الاصطلاح الشرعيّ أُطلق المسجد على المكان المحدَّد الموقوف للصلاة. ومضافًا إلى كلمة المسجد، يُطلَق على هذا المكان أحيانًا «الجامع»، وهو المسجد الّذي يحضر فيه عموم أهل البلد، ولا يختصّ بأهل محلّة أو منطقة أو صنفٍ خاصّ من الناس.

الدور العباديّ للمسجد

المسجد هو المكان الطبيعيّ لنشر القيم الإسلاميّة، وغرس

 


[1] ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ، ط3، ج‏3، ص204.

[2] الراغب الأصفهانيّ، حسين بن محمّد، مفردات ألفاظ القرآن، دار القلم، لبنان - بيروت، الدار الشاميّة، سوريا - دمشق، 1412هـ، ط1، ص397.

 

58


52

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

الآداب والأخلاق الحميدة، وإبراز سموّ الإنسان وكرامته، والحفاظ على وجوده وحياته وتقويم سلوكه، وإشعاره بالأمن والطمأنينة من خلال الأدوار المتعدّدة، وأبرزها الدور العباديّ، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدا﴾[1].

والمراد بالدعاء في هذه الآية الكريمة العبادة، فقد ورد الدعاء بمعنى العبادة أيضًا في الآية: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[2]. فالإنسان المسلم يحتاج إلى المكان المناسب الّذي يخلو فيه مع خالقه، حيث يعمّق العلاقة الروحيّة والاتّصال بخالق الكون من خلال ممارسة العبادة، والمسجد هو المكان المناسب والمفضَّل لتأدية الصلاة، حيث يحتاج المصلّي إلى حالةٍ من الاطمئنان والراحة والسكينة وحضور القلب وخشوع الجوارح وعدم انشغال الفكر بأمور الدنيا والأمور الثانويّة الّتي تصرفه عن حقيقة العبادة وأهدافها؛ لذا جاء في النصوص هذه المعاني الّتي يغنمها الساعي للمسجد والمصلّي فيه:

 


[1] سورة الجنّ، الآية 18.

[2] سورة غافر، الآية 60.

 

59


53

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

1. تسبيح الأرض: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن مشى إلى المسجد، لم يضع رجلًا على رطبٍ ولا يابسٍ، إلّا سبّحت له الأرض إلى الأرض السابعة»[1].

2. بشرى المشّائين: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قال الله تبارك وتعالى: إنّ بيوتي في الأرض المساجد، تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض... ألا طوبى لعبدٍ توضّأ في بيته، ثمّ زارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر، ألا بشّر المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة»[2].

3. سوق الآخرة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المساجد سوق من أسواق الآخرة، قُراها المغفرة، وتحفتها الجنّة»[3].

4. الصلاة في المسجد: عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن صلّى المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة في المسجد في جماعة، فكأنّما أحيى الليلَ كلَّه»[4].

 


[1] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج‏3، ص255.

[2] البرقيّ، أحمد بن محمّد بن خالد، المحاسن، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - قمّ، 1371هـ، ط2، ج‏1، ص47.

[3] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص139.

[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص329.

 

60


54

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

5. أنفاس الجالس في المسجد درجات في الجنّة: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «يا أبا ذرّ، إنّ اللّه تعالى يُعطيك ما دمت جالسًا في المسجد بكلِّ نَفَس تنفّست فيه درجةً في الجنّة، وتُصلّي عليك الملائكة، ويُكتَب لك بكلِّ نفَس تنفَّست فيه عشر حسنات، ويُمحى عنك عشر سيّئات»[1].

آداب المسجد وفضائله

ثمّة روايات كثيرة تبيّن أهمّيّة المساجد ومكانتها الرفيعة، ولزوم احترامها، وإعمارها بالحضور المستمرّ فيها لأداء الصلاة وطلب العلم، وعدم إهمال حقّها وآدابها، منها:

1. احترام المسجد: عن الإمام الصادق (عليه السلام) ليونس بن يعقوب: «ملعون ملعون مَن لم يوقّر المسجد، أتدري -يا يونس- لِمَ عظّم اللّه تعالى حقّ المساجد، وأنزل هذه الآية: ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدا﴾[2]؟ كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسَهم اشركوا باللّه تعالى، فأمر اللّه سبحانه نبيَّه أن يوحّدَ اللّه تعالى فيها ويعبدَه»[3].

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص467.

[2] سورة الجنّ، الآية 18.

[3] الكراجكيّ، محمّد بن عليّ، كنز الفوائد، دار الذخائر، إيران - قمّ، 1410هـ، ط1، ج‏1، ص150.

 

61


55

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

2. الحضور الدائم: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن اختلف إلى المساجد، أصاب إحدى الثمان: أخًا مستفادًا في اللّه عزّ وجلّ، أو علمًا مستطرفًا، أو آيةً محكمة، أو رحمةً منتظرة، أو كلمةً تردُّه عن ردى، أو يسمع كلمةً تدلّه على هدى، أو يترك ذنبًا خشيةً أو حياءً»[1].

3. الجلوس في المسجد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنّة، فإنّ الجنّة فيها رضا نفسي والجامع فيها رضا ربّي»[2].

4. عمارة المساجد: من وصيّة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ، مَن أجاب داعي اللّه، وأحسن عمارة مساجد اللّه، كان ثوابه من اللّه الجنّة»، فقلت: ... كيف يعمر مساجد اللّه؟ قال: «لا يُرفَع فيها الأصوات، ولا يُخاضُ فيها بالباطل، ولا يُشترى فيها ولا يُباع، فاتركِ اللغوَ ما دمتَ فيها»[3].

 

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، مَن لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1414هـ، ط2، ج‏1، ص237.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏80، ص362.

[3] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص467.

 

62


56

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

5. النهي عن ترك المساجد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد، إلّا أن يكون له عذر، أو به علّة»، فقيل: مَنْ جار المسجد يا أمير المؤمنين؟ فقال: «مَن سمع النداء»[1].

ورُوي أنّه رُفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة أنّ قومًا من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعةً في المسجد، فقال (عليه السلام): «لَيحضرُنَّ معنا صلاتنا جماعةً، أو ليتحولُنَّ عنّا، ولا يجاورونا ولا نجاورهم»[2].

آداب الدخول الى المسجد

1. الوضوء: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قال الله تعالى: إنّ بيوتي في الأرض المساجد... ألا طوبى لعبدٍ توضّأ في بيته، ثمّ زارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر»[3].

2. اللباس: عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِد﴾[4]: «أي خذوا ثيابَكم

 


[1] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، تحقيق آصف بن عليّ أصغر فيضيّ، دار المعارف، مصر - القاهرة، 1383هـ - 1963م، لا.ط، ج‏1، ص148.

[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج5، ص196.

[3] البرقيّ، المحاسن، مصدر سابق، ج‏1، ص47.

[4] سورة الأعراف، الآية 31.

 

63


57

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

الّتي تتزيّنون بها للصلاة في الجمعات والأعياد»[1].

ورُوي أنّ علي بن الحسين (عليه السلام)، استقبله مولى له في ليلة باردة، وعليه جبّة خزّ، ومطرف خزّ، وعمامة خزّ، وهو متغلّف بالغالية، فقال له: جُعِلتُ فداك! في مثل هذه الساعة، على هذه الهيئة، إلى أين؟ فقال: «إلى مسجد جدّي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)»[2].

3. الدخول: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا دخلتَ المسجد، فأَدخِل رجلَك اليمنى، وصلِّ على النبيِّ وآله»[3].

4. صلاة التحيّة: ومن الآداب إقامة صلاة التحيّة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أبا ذرّ، إنّ للمسجد تحيةً... ركعتان تركعهما»[4].

5. الابتعاد عن حديث الدنيا: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد، فيقعدون حلقًا، ذكرهم للدنيا وحبّ الدنيا، لا تُجالسوهم، فليس للّه فيهم حاجة»[5].

 


[1] الطبرسيّ، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق لجنة من العلماء والمحقّقين المختصّين، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، ط1، ج4، ص244.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص517.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج81، ص23.

[4] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، مصدر سابق، ص333.

[5] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج‏3، ص371.

 

 

64


58

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

6. عدم رفع الصوت: أجمع الفقهاء على كراهة رفع الصوت في المساجد، قال صاحب العروة في ذلك: يكره... ورفع الصوت إلّا في الآذان ونحوه[1]، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تُرفَع فيها الأصوات»[2].

 

 


[1] اليزديّ، السيّد محمّد كاظم الطباطبائيّ، العروة الوثقى، تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1417هـ، ط1، ج‏2، ص408.

[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج‏5، ص234.

 

65


59

الموعظة الثامنة: مستحبّات الصلاة

الموعظة الثامنة:
مستحبّات الصلاة

 

هدف الموعظة

تشجيع المؤمنين على الالتزام بمستحبّات الصلاة.

محاور الموعظة

المستحبّات العامّة للصلاة
المستحبّات التفصيليّة للصلاة
مستحبّات ما بعد الصلاة

تصدير الموعظة

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ اللهَ جعل قرّةَ عيني في الصلاة»[1].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏79، ص233.

 

66


60

الموعظة الثامنة: مستحبّات الصلاة

الصلاة حبّ وإيمان وعروج بالروح إلى الله، هي أفضل العبادات وأرقّها، بها يشعر الإنسان بعظمة الله ووحدانيّته، وبها يشعر بلذة العبوديّة والخضوع لله العزيز، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء»[1].

والصلاة مصدر راحة واطمئنان لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكان يقول عند دخول وقتها: «أرِحنا يا بلال»[2]. وعن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أبا ذرّ، إنّ الله جعل قرّة عيني في الصلاة، وحبّبها إليّ، كما حبّب إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء، وإنّ الجائع إذا أكل الطعام شبع، والظمآن إذا شرب الماء روي، وأنا لا أشبع من الصلاة»[3].

وللصلاة آدابها ومستحبّاتها الّتي ينبغي الاهتمام بها ومراعاتها، نذكر منها:

المستحبّات العامّة للصلاة

1. في اللباس: يستحبّ تعدّد اللباس، ولبس أنظف ثيابه،


 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج‏3، ص264.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏79، ص193.

[3] المصدر نفسه، ج‏79، ص233.

 

67


61

الموعظة الثامنة: مستحبّات الصلاة

وأن يكون أبيض اللون، من القطن أو الكتّان، كما يستحبّ لبس الخاتم حال الصلاة، وأن يكون من العقيق، واستعمال الطيب. ويستحبّ ستر القدمين للمرأة، وأن تلبس قلادتها.

2. الأذان والإقامة: يستحبّ الأذان والإقامة استحبابًا مؤكّدًا للصلوات الخمس، أداءً وقضاءً، حضرًا وسفرًا، في الصحّة والمرض، للجامع والمنفرد، للرجال والنساء، وفي تركهما حرمان من ثوابٍ جزيل.

ويستحبّ فيهما: الاستقبال، القيام، الطهارة في الأذان، وأمّا الإقامة فهي شرط فيها، عدم التكلّم في أثنائهما، الاستقرار في الإقامة، الجزم في أواخر فصولهما مع التأنّي في الأذان، والحدر في الإقامة (أسرع من الأذان)، الإفصاح بألف وهاء لفظ الجلالة، في أخر كلّ فصلٍ هو فيه، ووضع الأصبعين في الأذنين في الأذان، ومدّ الصوت ورفعه، والفصل بين الأذان والإقامة بخطوة أو سجدة أو تكلّم أو سكوت أو صلاة ركعتين.

المستحبّات التفصيليّة للصلاة

1. تكبيرة الإحرام: يستحبّ زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام، قبلها أو بعدها أو بالتوزيع، والأحوط استحبابًا ترك وصلها بما بعدها.

 

68


62

الموعظة الثامنة: مستحبّات الصلاة

يستحبّ رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام إلى الأذنين أو إلى حيال وجهه، مبتدئًا بالتكبير بابتداء الرفع ومنتهيًا بانتهائه. وأن يضمّ أصابع الكفّين ويستقبل بباطنهما القبلة.

2. القراءة: الاستعاذة قبل القراءة، وتكون إخفاتيّة. التأنّي في القراءة، وتبيين الحروف، على وجٍه يتمكّن السامع من عدّها (وهو الترتيل). تحسين الصوت بلا غناء. الوقف على فواصل الآيات. ملاحظة معاني ما يقرأ، والاتّعاظ بها. السكتة بين الحمد والسورة، وكذا بعد الفراغ منها. أن يقول بعد سورة التوحيد «كذلك الله ربّي»، أو «كذلك الله ربّنا»، مرّة أو مرتين أو ثلاثًا. أن يقول بعد فراغ الإمام من قراءة الحمد -إذا كان مأمومًا-: «الحمد لله ربّ العالمين».

ولا تجب مراعاة تدقيقات علماء التجويد في مخارج الحروف. نعم، الأحوط استحبابًا مراعاة التسكين عند الوقف والتحريك عند الوصل، ولكنّه ليس بواجب.

3. القنوت: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أطولكم قنوتًا في دار الدنيا، أطولكم راحةً يوم القيامة في الموقف»[1]، و«أفضل

 


[1] الشيخ الصدوق، مَن لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج‏1، ص487.

 

69


63

الموعظة الثامنة: مستحبّات الصلاة

الصلاة ما طال قنوتها»[1]، و«كان (صلى الله عليه وآله) لا يُصلّي مكتوبةً إلاّ قنتَ فيها»[2].

يستحبّ القنوت في الفرائض اليوميّة، والأحوط استحبابًا عدم تركه في الجهريّة. كما يستحبّ في كلّ نافلة ثنائيّة. ويستحبّ أكيدًا في الوتر.

يستحبّ فيه الجهر، سواء أكانت الصلاة جهريّة أم إخفاتيّة، إمامًا أو منفردًا، بل أو مأمومًا إذا لم يسمع الإمام صوتَه. كما يستحبّ رفع اليدين فيه.

4. الذكر (السبحانيّات): يستحبّ تكرار الذكر في الركعتين الأخيرتين: «سبحانَ اللهِ، والحمدُ لِلهِ، ولا إلهَ إلّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ» ثلاث مرّات. كما يستحبّ إضافة الاستغفار إليه.

5. الركوع: يستحبّ فيه أمور: التكبير له وهو قائم منتصب، ورفع اليدين حال التكبير. وضع الكفّين على الركبتين، مفرّجات الأصابع. ردّ الركبتين إلى الخلف. تسوية الظهر، بحيث لو صبّ عليه قطرةً من الماء استقّرت في

 

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج‏6، ص291.

[2] الأحسائيّ، ابن أبي جمهور محمّد بن زين الدين، عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، تحقيق الحاجّ آقا مجتبى العراقيّ، دار سيّد الشهداء للنشر، إيران - قمّ، 1403هـ - 1983م، ط1، ج‏2، ص42.

 

70


64

الموعظة الثامنة: مستحبّات الصلاة

مكانها. مدّ العنق موازيًا للظهر. أن يكون نظره بين قدميه. التجنيح بالمرفقين (عدم ضمّهما إلى الجسد). وضع اليد اليمنى على الركبة قبل اليسرى. أن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين. تكرار التسبيح ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، بل أزيد، على أن يختمه على وتر. أن يقول بعد الانتصاب: «سمع الله لمن حمده»، ويستحبّ أن يضمّ إليه قوله: «الحمد لله ربّ العالمين». الصلاة على النبيّ محمدّ وآله (صلى الله عليه وآله) بعد الذكر، أو قبله. الأحوط استحبابًا اختيار «سبحانَ ربّيَ العظيمِ وبحمده» في الركوع.

6. القيام: ويستحبّ فيه: إسدال المنكبين. إرسال اليدين. وضع الكفّين على الفخذين. ضمّ جميع أصابع الكفّين. أن يكون نظره إلى موضع سجوده. أن يصفّ قدميه، مستقبلًا بهما متحاذيتَين، بحيث لا تزيد إحداهما على الأخرى، ولا تنقص عنها. التفرقة بين القدمين بثلاثة أصابع مفرَّجات أو أزيد إلى شبر. التسوية بينهما في الاعتماد. أن يكون من الخضوع والخشوع كقيام العبد الذليل بين يدَي المولى الجليل.

7. السجود: ويستحبّ فيه: التكبير حال الانتصاب من الركوع، ورفع اليدين حال التكبير. السبق باليدين الى الأرض

 

71


65

الموعظة السابعة: الدور العباديّ للمسجد

عند الهوي إلى السجود. الإرغام بالأنف على ما يصحّ السجود عليه. بسط اليدين، مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء الأذنين، متوجّهًا بهما إلى القبلة. تكرار الذكر، مع ختمه على الوتر. مساواة جميع المساجد. الدعاء في السجود الأخير، بأن يقول: «يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين، ارزقني وارزق عيالي من فضلك، فإنّك ذو الفضل العظيم». التورك في كلّ جلسة. أن يقول في الجلوس بين السجدتين: «أستغفر الله ربّي وأتوب إليه». التكبير بعد الرفع من السجدة الأولى، بعد الجلوس مطمئنًّا (أي ليس التكبير أثناء الرفع)، والتكبير أثناء القعود للسجدة الثانية، والتكبير بعد الرفع من الثانية بعد الجلوس مطمئنًّا، ورفع اليدين حال التكبيرات. وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس. رفع البطن عن الأرض حال السجود، والتجنّح. الصلاة على النبيّ محمّد وآله (صلى الله عليه وآله). أن يسبق برفع ركبتيه قبل يديه عند القيام. أن يقول عند النهوض للقيام: «بحول الله وقوّته أقوم أقعد». وضع الركبتين قبل اليدين للمرأة (عكس الرجل) عند الهوي للسجود، ويستحبّ لها أن تفترش ذراعيها. إطالة السجود والإكثار فيه من التسبيح والذكر. السجود على التربة الحسينيّة.

8. التشهّد: يستحبّ فيه: أن يجلس الرجل متورّكًا. أن يقول

 

72


66

الموعظة الثامنة: مستحبّات الصلاة

قبل الشروع في الذكر: «الحمد لله»، أو يقول: «باسم الله، وبالله، والحمد لله، وخير الأسماء لله (أو: الأسماء الحسنى كلّها لله)». أن يجعل يديه على فخذيه، منضمّة الأصابع. أن يكون نظره إلى حِجره. أن يقول بعد الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله): «وتقبّل شفاعته، وارفع درجته» في التشهّد الأوّل. أن يقول حال النهوض: «بحول الله وقوّته أقوم وأقعد». وضع الرجل اليمنى على باطن الرجل اليسرى في جلسة الاستراحة.

مستحبّات ما بعد الصلاة

يستحبّ التعقيب بعد الفراغ من الصلاة ولو نافلة، وفي الفريضة آكد. والتعقيبات الواردة كثيرة، منها التكبيرات الثلاث الاختتاميّة، ومن التعقيبات الشريفة تسبيحة السيّدة الزهراء(عليها السلام)، وهي أفضل التعقيبات.

وتستحبّ سجدة الشكر، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «سجدة الشكر... تتمّ بها صلاتك، وتُرضي بها ربّك، وتعجب الملائكة منك»[1].

 


[1] الشيخ الصدوق، مَن لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص333.

 

73


67

الموعظة الثامنة: مستحبّات الصلاة

ويستحبّ أن يقول عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».

والتعقيبات المرويّة كثيرة، مذكورة في كتب الأدعية، والأولى في التعقيب الجلوس في مصلّاه، والاستقبال، والطهارة.

 

74


68

الموعظة التاسعة: فضل شهر رمضان

الموعظة التاسعة:
فضل شهر رمضان

هدف الموعظة

تعرّف فضل شهر رمضان وكيفيّة الاستفادة منه، عباديًّا وروحيًّا وتربويًّا واجتماعيًّا.

محاور الموعظة

أوصاف شهر رمضان المبارك
بركات الشهر المبارك

تصدير الموعظة

الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): أيّها الناس، إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به، وحضركم، وهو سيّد الشهور»[1].


 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص67.

 

75


69

الموعظة التاسعة: فضل شهر رمضان

الموعظة التاسعة:
فضل شهر رمضان

هدف الموعظة

تعرّف فضل شهر رمضان وكيفيّة الاستفادة منه، عباديًّا وروحيًّا وتربويًّا واجتماعيًّا.

محاور الموعظة

أوصاف شهر رمضان المبارك
بركات الشهر المبارك

تصدير الموعظة

الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): أيّها الناس، إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به، وحضركم، وهو سيّد الشهور»[1].


 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص67.

 

75


69

الموعظة التاسعة: فضل شهر رمضان

ينبغي للمؤمن أن يتعرّف حقيقةَ شهر رمضان المبارك ومكانته عند اللّه تعالى. لذلك، نجد في الروايات الشريفة كيف كان يتعامل المعصومون (عليهم السلام) مع هذا الشهر، ومن ضمنها ما يعلِّمنا إيّاه إمامنا زين العابدين (عليه السلام) من خلال دعائه الشريف: «اللهمّ، صلِّ على محمّد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته...»[1]. وعلى المؤمن تحصيل الاطّلاع الصحيح على خصوصيّات هذا الشهر المبارك، وذلك قبل القيام بأيّ عمل أو سلوك عباديّ، لتكون صورة الأعمال متناسبة ومنسجمة مع مقام الشهر الشريف؛ لذا نجد الأسلوب الّذي كان يلفت فيه النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنظار المسلمين إلى أهمّيّة شهر رمضان، وبيانه لفضله ومكانته وخصوصيّاته، وبالتالي كيفيّة التعاطي مع الشهر الفضيل، فقد روى أنس بن مالك قائلًا: لمّا حضر شهر رمضان، قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «سبحان اللّه! ماذا تستقبلون، وماذا يستقبلكم»، قالها ثلاث مرّات...[2]. وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضًا: «لو يعلم العبد ما في رمضان، لودّ أن يكون رمضان السنة»[3].

 


[1] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، تحقيق السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحيّ الأصفهانيّ، نشر مؤسّسة الإمام المهديّ (عج) ومؤسّسة الأنصاريان للطباعة والنشر، إيران - قمّ، 1411هـ، ط1، ص210، دعاؤه في دخول شهر رمضان.

[2] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، مصدر سابق، ج7، ص425.

[3] المصدر نفسه،ج7، ص424.

 

76


70

الموعظة التاسعة: فضل شهر رمضان

أوصاف شهر رمضان المبارك

اختصّ شهر رمضان المبارك بأوصاف كثيرة جدًّا، يمكن تعرّفها من خلال ملاحظة الآيات المباركة والروايات الشريفة وأدعية أهل البيت (عليهم السلام)، وعلى وجه الخصوص أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ومنها دعاء وداع شهر رمضان، والّذي يقول فيه: «السلام عليك يا شهر اللّه الأكبر، ويا عيد أوليائه، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات، ويا خير شهر في الأيّام والساعات، السلام عليك من شهر قَرُبت فيه الآمال، ونُشرت فيه الأعمال، السلام عليك من قرينٍ جلّ قدره موجودًا، وأفجع فقده مفقودًا...»[1]. ونقرأ في مصباح المتهجِّد أنّه يستحبّ أن يدعوَ في كلّ يوم بهذا الدعاء، والّذي يعدّد فيه جملةً من أوصاف الشهر الفضيل: «اللهمّ، هذا شهر رمضان الّذي أنزلت فيه القرآن، هدًى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان، وهذا شهر الصيام، وهذا شهر القيام، وهذا شهر الإنابة، وهذا شهر التوبة، وهذا شهر المغفرة والرحمة، وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنّة، وهذا شهر فيه ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر...»[2].

 

 


[1] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص285، دعاء وداع شهر رمضان.

[2] الكفعميّ، الشيخ إبراهيم، المصباح (جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية)، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط3، ص618.

 

77


71

الموعظة التاسعة: فضل شهر رمضان

ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الأوصاف الّتي جاءت في الروايات الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام)، منها:

1. شهر اللّه: إذ أضاف الله تعالى هذا الشهر إلى نفسه من بين الشهور، والإضافة هنا تشريفيّة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ [عدّة] الشهور عند اللّه اثنا عشر شهرًا في كتاب اللّه يوم خلق السماوات والأرض، فغرّة الشهور شهر اللّه -عزَّ ذكره-، وهو شهر رمضان»[1].

2. شهر رمضان: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «لا تقولوا هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان؛ فإنّ رمضان اسم من أسماء اللّه عزّ وجلّ... ولكن قولوا: شهر رمضان»[2].

3. الشهر المبارك: عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، شهر فرض اللّه عليكم صيامه»[3]، ورُوي أنّه كان يدعو في أوّل ليلة من شهر رمضان بقوله: «الحمد للّه الّذي أكرمنا بك أيّها الشهر المبارك»[4].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص66.

[2] المصدر نفسه، ج4، ص70.

[3] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيّد حسن الموسويّ الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1364ش، ط3، ج4، ص152.

[4] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يُعمَل مرّة في السنة، تحقيق جواد القيّوميّ الأصفهانيّ، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران - قمّ، 1414هـ، ط1، ج1، ص146.

 

78


72

الموعظة التاسعة: فضل شهر رمضان

بركات الشهر المبارك

ويمكن تعرّف سرِّ بركة شهر رمضان، ونيله هذا الوصف العظيم، وملاحظة الخيرات الكثيرة الّتي تحصل منه، من خلال

1. بركة التكليف: فالله فضّل أمّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بهذا التكليف وكرّمها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّما فرض اللّه صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم، ففضّل به هذه الأمّة، وجعل صيامه فرضًا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وعلى أمّته»[1].

2. البركات الروحيّة: من خلال تحصيل ملكة التقوى، يقول تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾[2]. والتقوى هي ضبط النفس، والسيطرة عليها من ارتكاب المعاصي والمحرّمات، ومنعها من الالتجاء إلى متطلّبات النفس الشهوانيّة والرغبات الحيوانيّة. والوقت الأفضل لتحقيق معاني التقوى هو شهر رمضان المبارك، والسبيل الأفضل هو الصيام.

3. البركات الجسميّة: فلا تقتصر بركات هذا الشهر الفضيل على الأبعاد المعنويّة والروحيّة، وإنّما تتعدّى ذلك لتشكّل


 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج10، ص240.

[2] سورة البقرة، الآية 183.

 

79


73

الموعظة التاسعة: فضل شهر رمضان

أحد العناوين الرئيسة في سلامة بدن الإنسان وجسمه، فعن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «صوموا تصحّوا»[1].

4. البركات الاجتماعيّة: فإنّ شهر رمضان شهر تقوية العلاقات الاجتماعيّة وترميم ما انثلم منها، فقد رُوي عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «في أوّل ليلة من شهر رمضان تُغلّ المردة من الشياطين، ويغفر في كلّ ليلة لسبعين ألفًا، فإذا كان في ليلة القدر، غفر اللّه بمثل ما غفر في رجب وشعبان وشهر رمضان إلى ذلك اليوم، إلّا رجلٌ بينه وبين أخيه شحناء، فيقول اللّه عزّ وجلّ: انظروا هؤلاء حتّى يصطلحوا»[2]. ومن جهة أخرى، حتّى يشعر الغنيّ بجوع الفقير، فيودّي إليه حقّه، عن حمزة بن محمّد، قال: كتبت إلى أبي محمّد [الإمام العسكريّ (عليه السلام)]: لِمَ فرض اللّه الصوم؟ فورد الجواب: «ليجد الغنيُّ مضضَ الجوع، فيحنَّ على الفقير»[3].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج59، ص267.

[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، تصحيح الشيخ حسين الأعلميّ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404هـ - 1984م، لا.ط، ج2، ص76.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص181.

 

 

80

 


74

الموعظة العاشرة: وقفات تفسيريّة مع سورة الإخلاص

الموعظة العاشرة:
وقفات تفسيريّة مع سورة الإخلاص

 

هدف الموعظة

بيان عظمة هذه السورة وما تحويه من معانٍ توحيديّة.

محاور الموعظة

تفسير المفردات
أهمّيّتها وفضلها
في رحاب السورة

تصدير الموعظة

﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾[1].

 


[1] سورة التوحيد.

 

81

 


75

الموعظة العاشرة: وقفات تفسيريّة مع سورة الإخلاص

تفسير المفردات

1. الله: من (أله) بمعنى عبد، والإله هو المعبود. وهو اسم علَم يدلّ على الذات الإلهيّة المستجمعة لجميع صفات الكمال.

2. الصمد: هو السيّد الّذي يقصده الناس بحوائجهم.

3. كفوًا: الكفؤ المثل والنظير في المقام والمنزلة والقدر، وأطلقت الكلمة على كلّ شبيه ومثيل.

أهمّيّتها وفضلها

1. ليس من المصلّين مَن لم يقرأها: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن مضى به يوم واحد، فصلّى فيه خمس صلوات، ولم يقرأ فيها بـ ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾، قيل له: يا عبد الله، لست من المصلّين»[1].

2. ثلث القرآن: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان أبي (عليه السلام) يقول: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ ثلث القرآن»[2].

3. سورة التحدّي للمعاندين: سُئل الإمام السجّاد (عليه السلام) عن التوحيد، فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ علم أنّه يكون في

 


[1] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، مصدر سابق، ص127.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص621.

 

82


76

الموعظة التاسعة: فضل شهر رمضان

آخر الزمان أقوام متعمّقون، فأنزل اللهُ ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ والآيات من سورة الحديد إلى قوله ﴿عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾، فمَن رام وراء ذلك فقد هلَك»[1].

في رحاب السورة

1. التوحيد أساس دعوة الأنبياء: التوحيد من أهمّ المسائل الاعتقادية الّتي تصدَّرت التعاليم السماويّة، إذ يُعدُّ أساسًا لسائر التعاليم والمعارف الإلهيّة الّتي جاء بها الأنبياء والرسل، ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ﴾[2]. وجاء في قصّة قوم نوح (عليه السلام) أنّه دعاهم إلى توحيد الله: ﴿وَلَا تَجۡعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِير مُّبِين﴾[3]، فكان جوابهم له ولدعوته: ﴿كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ﴾[4].

فالتوحيد أصل من أصول الدين، يجب الإيمان به، ومُنكره يُعَدّ كافرًا وخارجًا عن ملّة المسلمين.

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص91.

[2] سورة الأنبياء، الآية 25.

[3] سورة الذاريات، الآية 51.

[4] سورة الذاريات، الآية 52.

 

83


77

الموعظة العاشرة: وقفات تفسيريّة مع سورة الإخلاص

2. معنى التوحيد: الاعتقاد بأنّ الله تعالى واحد أحد، لا شريك له، لا شبيه له ولا مثيل، قال تعالى: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءۖ وَهُوَ
ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾[1].

3. مراتب التوحيد: للتوحيد مراتب، ويؤدّي إنكارها أو إنكار بعضها إلى الخروج عن الإيمان والإسلام، هي:

أ. التوحيد في الذات‏: والمراد به أنّه سبحانه واحد لا نظير له، فردٌ لا مثيل له، بل لا يمكن أن يكون له نظير أو مثيل، ويدلّ على ذلك مضافًا إلى البراهين العقليّة قوله سبحانه: ﴿فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ أَزۡوَٰجا يَذۡرَؤُكُمۡ فِيهِۚ لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾[2].

ومَن ادّعى له شريكًا أو مثيلًا أو جعله ثالث ثلاثة فقد كفر، يقول تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ
ثَالِثُ ثَلَٰثَةۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰه وَٰحِدۚ﴾[3].

ولو كان لله تعالى شريك لاختلَّ نظام الكون وفسد، ولذهب كلّ إله بما خلق، كما يقول تعالى: ﴿لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ

 


[1] سورة الشورى، الآية 11.

[2] سورة الشورى، الآية 11.

[3] سورة المائدة، الآية 73.

 

84


78

الموعظة العاشرة: وقفات تفسيريّة مع سورة الإخلاص

ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ﴾[1].

وجاء في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام): «وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ، لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وَصِفَاتِهِ وَلَكِنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ»[2]. من الطبيعيّ أنّه لو كان هناك شريك لله تعالى لظهرت آثاره، ولأرسل الرسل تبشّر به وتدعو إليه. ومع عدم وجود هذه الآثار كيف نحكم بوجوده؟ فهذا يدلّ على عدم وجود شريك له سبحانه.

ب. التوحيد في الخالقيّة: أي ليس في الوجود خالق أصيل غير الله، ولا فاعل مستقلّ سواه، وأنّ كل ما في الكون من مجرَّات ونجوم وكواكب وأرض وجبال وبحار، وما فيها ومن فيها، وكلّ ما يُطلق عليه أنّه فاعل وسبب فهي موجودات مخلوقة لله تعالى. وأنّ كلّ ما ينتسب إليها من الآثار ليس لذوات هذه الأسباب، وإنّما ينتهي تأثير هذه المؤثّرات إلى الله سبحانه، فجميع هذه الأسباب والمسبّبات برغم ارتباط بعضها ببعض مخلوقة لله، فإليه تنتهي العلّيّة والسببيّة، فهو خالق

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 22.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص396، الحكمة 31.

 

85


79

الموعظة العاشرة: وقفات تفسيريّة مع سورة الإخلاص

العلل ومسبِّبها. ويدلّ على ذلك مضافًا إلى الأدلّة العقليّة قوله سبحانه: ﴿قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡء وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ﴾[1]، وغيرها الكثير من الآيات.

ج. التوحيد في الربوبيّة: فإنّ للكون مدبّرًا واحدًا، ومتصرّفًا واحدًا لا يشاركه في التدبير شيء، وأنّ تدبير الملائكة وسائر الأسباب إنّما هو بأمره سبحانه. وهذا على خلاف رأي بعض المشركين الّذين يعتقدون أنّ الّذي يرتبط بالله تعالى إنّما هو الخلق والإيجاد والابتداء، وأمّا التدبير فقد فوِّض إلى الأجرام السماويّة والملائكة والجنّ والموجودات الروحيّة الّتي تحكي عنها الأصنام المعبودة، وليس له أيّ دخالة في تدبير الكون وإدارته وتصريف شؤونه، يقول تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾[2].

فإذا كان هو المدبِّر وحده فكيف يكون معنى قوله تعالى: ﴿فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرا﴾[3]، وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۖ وَيُرۡسِلُ عَلَيۡكُمۡ حَفَظَةً﴾[4].

 


[1] سورة الرعد، الآية 16.

[2] سورة يونس، الآية 3.

[3] سورة النازعات، الآية 5.

[4] سورة الأنعام، الآية 61.

 

86


80

الموعظة العاشرة: وقفات تفسيريّة مع سورة الإخلاص

إنّ هذه مدبِّرات بأمره وإرادته تعالى وتحت سلطانه وقدرته، فلا يُنافي ذلك انحصار التدبير الاستقلاليّ في الله سبحانه، وقد دلّ القرآن الكريم على وحدة المدبّر في العالم في آيتين: ﴿لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾[1]، ﴿مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَد وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنۡ إِلَٰهٍۚ إِذا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهِۢ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾[2].

د. التوحيد في العبادة: وهو أن تؤمن بأنّ المستحقّ للعبادة هو الله تعالى وحده؛ لأنّه هو الخالق، والعبوديّة من شأن الخالق الغنيّ غير المحتاج، لذلك يستحقّها وحده دون غيره، كما نقرأ في سورة الحمد: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾[3]، فهنا القرآن الكريم حصر العبوديّة بالله تعالى، ويقول: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَة سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔا﴾[4].

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 22.

[2] سورة المؤمنون، الآية 91.

[3] سورة الفاتحة، الآية 5.

[4] سورة آل عمران، الآية 64.

 

87


81

الموعظة الحادية عشرة: فضل الدعاء ودوره

الموعظة الحادية عشرة:
فضل الدعاء ودوره

هدف الموعظة

بيان فضل الدعاء ومنزلته ومدى تأثيره في حياة المرء.

محاور الموعظة

فلسفة الدعاء
فضل الدعاء
دور الدعاء وآثاره
ترك الدعاء استكبار

تصدير الموعظة

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ﴾[1].

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 186.

 

88


82

الموعظة الحادية عشرة: فضل الدعاء ودوره

فلسفة الدعاء

إنّ علّة مطلوبيّة الدعاء هي كونه مَظْهَرَ فقر الإنسان واحتياجه إلى الله، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ﴾[1].

فإنّ الإنسان إذا ما رأى نفسه فقيرًا محتاجًا، لا ينفكّ عن طلب العون من ربّ العزّة والجلالة؛ فإذا لجأ إلى الله، فإنّما يلجأ إليه لعِلمه بأنّه سبحانه وتعالى بيده ملكوت السماوات والأرض، وأنّه مبدأ الخير وأصله، ومنبع الفيض ومصدره، وأنّه المعطي والمانع، والضارّ والنافع، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِي ٱلۡبَحۡرِ ضَلَّ مَن تَدۡعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ أَعۡرَضۡتُمۡۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ كَفُورًا﴾[2].

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لبعض أصحابه: «ألَا أَدُلُّكُمْ عَلَى سِلَاحٍ يُنْجِيكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ويُدِرُّ أَرْزَاقَكُمْ؟»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «تَدْعُونَ رَبَّكُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ؛ فَإِنَّ سِلَاحَ الْمُؤْمِنِ الدُّعَاءُ»[3].

وإنّ استحضار الداعي لصفات الله، من صفات الجمال والجلال، وتبلوُرها في وجدانه، يقطع عنه كلّ تعلُّق


 


[1] سورة فاطر، الآية 15.

[2] سورة الإسراء، الآية 67.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص468.

 

89


83

الموعظة الحادية عشرة: فضل الدعاء ودوره

وارتباط، سوى تعلُّقه وارتباطه بخالقه سبحانه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الدُّعَاءُ مَفَاتِيحُ النَّجَاحِ ومَقَالِيدُ الْفَلَاحِ، وخَيْرُ الدُّعَاءِ مَا صَدَرَ عَنْ صَدْرٍ نَقِيٍّ وقَلْبٍ تَقِيٍّ؛ وفِي الْمُنَاجَاةِ سَبَبُ النَّجَاةِ، وبِالإِخْلَاصِ يَكُونُ الْخَلَاصُ؛ فَإِذَا اشْتَدَّ الْفَزَعُ، فَإِلَى الله الْمَفْزَعُ»[1].

فضل الدعاء

وإنّ للدعاء فضلًا عظيمًا، ولم يطلب الله تعالى من عباده أن يتقرّبوا إليه بشيء إلّا لأنّ فيه نفعًا وفائدةً تعود عليهم، وقد بيّنت الروايات مكانة الدعاء وفضله، نذكر منها

1. أفضل العبادة: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[2]، قال: هو الدعاء، وأفضل العبادة الدعاء»[3].

2. منزلة لا تُنال إلّا بمسألة: عن ميسر بن عبد العزيز، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال لي: «يا ميسر، ادعُ، ولا تقل: إنّ الأمر قد فُرغ منه؛ إنّ عند اللّه عزّ وجلّ منزلة لا تُنال إلّا بمسألة،


 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص468.

[2] سورة غافر، الآية 60.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص466.

 

90


84

الموعظة الحادية عشرة: فضل الدعاء ودوره

ولو أنّ عبدًا سدّ فاه ولم يسأل، لم يُعطَ شيئًا، فسل تُعطَ. يا ميسر، إنّه ليس من باب يُقرع إلّا يوشَك أن يُفتح لصاحبه»[1].

3. أفضل القربات: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «عليكم بالدعاء؛ فإنّكم لا تقربون بمثله، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار»[2].

4. أحبّ الأعمال إلى الله: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ في الأرض الدعاء»[3].

5. سلاح المؤمن: عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدرّ أرزاقكم؟»، قالوا: بلى، قال: «تدعون ربّكم بالليل والنهار؛ فإنّ سلاح المؤمن الدعاء»[4].

دور الدعاء وآثاره

إنّ حياة الإنسان محفوفة بالبلاءات والاختبارات، وثمّة تحدّيات دائمة تعترض سبيله، وفي سبيل تحقيق السلامة

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص467.

[2] المصدر نفسه، ج2، ص467.

[3] المصدر نفسه، ج2، ص467 - 468.

[4] المصدر نفسه، ج2، ص468.

 

91


85

الموعظة الحادية عشرة: فضل الدعاء ودوره

والأمان، واستنزال الرحمة الإلهيّة، واستدرار الصفح من غضبة الجبار، وفي سبيل استحقاق الرضا الربّانيّ، لا بدّ له من سلاحٍ ماضٍ، ووسيلة قويّة، يطوّع من خلالها المصاعب، ويذلّل المتاعب، ويحقّق المطالب، وقد جعل الله تعالى له ذلك، إذ فتح لنا بابًا اسمه الدعاء، وجعله سلاحًا حاميًا، ودرعًا واقيةً، حتّى للأنبياء (عليهم السلام)، فضلًا عن المؤمنين، عن الإمام الرضا (عليه السلام): «عليكم بسلاح الأنبياء»، فقيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: «الدعاء»[1]، وفي ما يأتي نذكر بعضًا من آثار الدعاء ودوره:

1. يردّ البلاء والقضاء: قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ ٱلۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ ٱلسُّوٓءَ﴾[2]، وقال: ﴿وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ٨٣ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَكَشَفۡنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرّۖ﴾[3]، وقال أيضًا: ﴿وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ﴾[4]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الدعاء يردّ القضاء، وقد نزل من السماء، وقد أُبرم إبرامًا»[5].

 


[1] المصدر نفسه، ج2، ص468.

[2] سورة النمل، الآية 62.

[3] سورة الأنبياء، الآيتان 83 و84.

[4] سورة الأنبياء، الآية 76.

[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص469.

 

92


86

الموعظة الحادية عشرة: فضل الدعاء ودوره

2. شفاء من كلّ داء: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «عليك بالدعاء؛ فإنّه شفاء من كلّ داء»[1].

3. مفاتيح خزائن الله: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته للإمام الحسن  (عليه السلام): «واعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِه خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإِجَابَةِ، وأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَه لِيُعْطِيَكَ، وتَسْتَرْحِمَه لِيَرْحَمَكَ، ولَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَه مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْه، ولَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْه... ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِه، بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيه مِنْ مَسْأَلَتِه، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِه»[2].

4. حفظ الأموال: عن عبد اللّه بن هلال قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) تفرُّق أموالنا وما دخل علينا، فقال: «عليك بالدعاء وأنت ساجد؛ فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد»[3].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص470.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص398 - 399، الحكمة 31.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص324.

 

93


87

الموعظة الحادية عشرة: فضل الدعاء ودوره

ترك الدعاء استكبار

من جهة، حبّب الله تعالى إلى عباده أن يدعوه بأصناف الدعوات وفي مختلف الأحوال والأوقات، وبكلّ الألسنة واللغات، متحرّرين من أيّ تكلّف، متجاوزين كلّ السدود والحواجز؛ ومن جهة ثانية، عُدّ التارك لدعاء ربّه أعجز الناس، فعن رسول الله  (صلى الله عليه وآله): «إنّ أعجز الناس من عجز عن الدعاء»[1].

بل إنّ التارك للدعاء عاصٍ، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ترك الدعاء معصية»[2]، ولقد صنّف الله تعالى هذه المعصية استكبارًا، وهذا ما صرّحت الآية الكريمة: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي﴾[3]؛ أي يتركون دعائي، ﴿سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[4]. فضلًا عن أنّ تارك الدعاء سوف يُحرم من آثاره وبركاته وتوفيقاته، الدنيويّة والأخرويّة.

 

 


[1] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الأمالي، تحقيق حسين الأستاد وليّ وعليّ أكبر الغفاريّ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1993م، ط2، ص317.

[2] الأمير ورّام، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، مصدر سابق، ج2، ص439.

[3] سورة غافر، الآية 60.

[4] سورة غافر، الآية 60.

 

94


88

الموعظة الثانية عشرة: واجبات الأبناء تجاه الوالدَين

الموعظة الثانية عشرة:
واجبات الأبناء تجاه الوالدَين

هدف الموعظة

بيان نظرة الإسلام إلى الوالدَين، والحثّ على عدم التقصير تجاههما.

محاور الموعظة

نظرة الإسلام إلى الوالدَين
التوجيه القرآنيّ في التعامل معهما
عقوق الوالدَين من الكبائر
حقوق الوالدَين بعد الموت

تصدير الموعظة

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلا كَرِيما ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا﴾[1].


 


[1] سورة الإسراء، الآيتان 23 و24.

 

95


89

الموعظة الثانية عشرة: واجبات الأبناء تجاه الوالدَين

إنّ الإسلام الّذي رضيه الله للناس دينًا، هو تشريعٌ كاملٌ يشمل كافّة جوانب الحياة، ويهتمّ بتربية هذا الإنسان، وذلك من خلال تنظيم علاقة الفرد بخالقه، ضمن إطار منهج عباديّ وروحيّ وتربويّ، وتنظيم علاقة الفرد بباقي أفراد المجتمع، وتنظيم الروابط الأسريّة والعائليّة، هذا مضافًا إلى منظومة تربويّة وأخلاقيّة واجتماعيّة، تكون إلى جانب النظام وتبثّ فيه الروح والعزيمة والإرادة.

ونظام الأسرة هو حاجة طبيعية، وضرورة نفسيّة واجتماعيّة وقانونيّة، لا غنى عنها في الحياتين العامّة والخاصّة. ويمثّل الوالدان الركيزة والركن الأساس فيها.

نظرة الإسلام إلى الوالدَين

على الرغم من أنّ العاطفة الإنسانيّة والعقل ومعرفة الحقائق، يكفيان لوحدهما لاحترام حقوق الوالدَين ورعايتها، إلّا أنّ الإسلام لا يلتزم الصمت في القضايا الّتي يمكن للعقل أن يتوصّل فيها بشكلٍ مستقلّ، أو أن تدلّ عليها العاطفة الإنسانيّة المحضة؛ لذلك تراه يُعطي التعليمات اللازمة إزاء قضيّة احترام الوالدَين ورعاية حقوقهما، وما جاء في القرآن الكريم يعبّر عن أهمّيّة استثنائيّة لاحترام الوالدَين، حيث ورد

 

96

 


90

الموعظة الثانية عشرة: واجبات الأبناء تجاه الوالدَين

لفظ الوالدَين أو مشتقّاتهما أكثر من مرّة في القرآن في موارد ومواضع مختلفة، أهمّها:

1. اقتران الإحسان إلى الوالدَين بالتوحيد: فقد ذكر الإحسان إلى الوالدَين بعد التوحيد مباشرة في أربعة مواضع، وهذا يدلّ على مدى الأهمّيّة الّتي يوليها الإسلام للوالدَين: ﴿لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانا﴾[1]، ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنا﴾[2]، ﴿أَلَّا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰناۖ﴾[3]، ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ﴾[4].

فالملاحظ في هذه الآيات الكريمة أنّها تذكر نوع التوحيد في العبادة، وحصر العبادة بالله تعالى، إذ العبادة نوع من الخضوع الكلّيّ أمام عظمة المعبود، (معبود واحد، وإله واحد). ولا بدّ في تحقّقها من التحلّي بأعلى درجات الصفاء، والتذلّل والاحترام والقدسيّة لله تعالى. وكذا في الآيات الأخرى، ثمّة نهي عن الشرك، ويلازمه التوحيد.


 


[1] سورة البقرة، الآية 83.

[2] سورة النساء، الآية 36.

[3] سورة الأنعام، الآية 151.

[4] سورة الإسراء، الآية 23.

 

97

 


91

الموعظة الحادية عشرة: فضل الدعاء ودوره

وفي الحالتين، قرن المولى في هذه الآيات الإحسان إليهما بعبادته، ليدلّ على الأهمّيّة والموقع الخاصّ، وهذه من الحالات الخاصّة في القرآن الكريم، وعلى أنّ الإحسان إليهما والبرّ بهما واجب، كما عبادته.

2. منزلة شكر الوالدَين ومنزلة شكر الله: رفع القرآن الكريم منزلة شكر الوالدَين إلى منزلة شكر الله تعالى، قال تعالى: ﴿أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ﴾[1]، وهذا دليل على عمق حقوق الوالدَين وأهمّيّتها في منطق الإسلام وشريعته، بالرغم من أنّ نعم الله الّتي ينبغي أن يشكرها الإنسان لا تُعدّ ولا تحصى.

3. وجوب الإحسان للوالدَين حتى المشركين: يؤكّد القرآن الكريم ضرورة الإحسان للوالدَين، حتّى لو كانا مشركين، قال تعالى: ﴿وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡم فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفاۖ﴾[2].

التوجيه القرآنيّ في التعامل معهما

يذكر القرآن الكريم في الآيتين 23 و24 من سورة الإسراء

 


[1] سورة لقمان، الآية 14.

[2] سورة لقمان، الآية 15.

 

98


92

الموعظة الثانية عشرة: واجبات الأبناء تجاه الوالدَين

توجيهاتٍ عدّة في التعامل مع الأبوين:

1. ﴿وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ﴾[1].

2. ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوۡلا كَرِيما﴾[2].

3. ﴿وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ﴾[3].

4. ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّ﴾[4].

5. ﴿وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا﴾[5].

6. ﴿وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا﴾[6].

هذه الآيات تعبّر عن دستور ونظام اجتماعيّ شامل، ينظّم علاقةً هي من أهمّ العلاقات الاجتماعيّة، وهي علاقة الأولاد بوالديهم، ويتضمّن هذا الدستور:

1. احترام الوالدَين ورعايتهما أمران واجبان.

2. الإحسان والرحمة والرأفة في التعامل مع الوالدَين أساس.

 


[1] سورة الإسراء، الآية 23.

[2] سورة الإسراء، الآية 23.

[3] سورة الإسراء، الآية 24.

[4] سورة الإسراء، الآية 23.

[5] سورة الإسراء، الآية 23.

[6] سورة الإسراء، الآية 24.

 

99


93

الموعظة الثانية عشرة: واجبات الأبناء تجاه الوالدَين

3. القول الكريم والعفو والتسامح عنوان التعامل مع الوالدَين.

4. عدم الغلظة والتأفّف أو نهرهما.

5. الدعاء لهما بالرحمة.

عقوق الوالدَين من الكبائر

وكما أنّ البرّ مع الوالدَين واجبٌ وله آثاره العظيمة، فلا شكّ في حرمة عقوقهما وعدم طاعتهما والإحسان إليهما، بل إنّ الله جعل ذلك من الذنوب الكبيرة الّتي توجب النار، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أكبر الكبائر، الشرك بالله وعقوق الوالدَين»[1].

وقد قرنَت الروايات سخط الوالدَين وغضبهما بسخط الله وغضبه، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن أسخط والديه فقد أسخط الله، ومَن أغضبهما فقد أغضب الله»[2].

وفي قصّةٍ حول سخط الوالدَين وغضبهما، رُوي عن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)حضر شابًّا عند وفاته، فقال له: قل: لا إله إلّا الله، فاعتقل لسانه مرارًا، فقال لامرأةٍ عند رأسه: هل لهذا أمّ؟ قالت: نعم، أنا أمّه، قال: أفساخطة أنتِ عليه؟ قالت: نعم، ما كلّمته منذ ستّ حجج، قال لها: ارضي

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص330.

[2] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج15، ص193.

 

100


94

الموعظة الثانية عشرة: واجبات الأبناء تجاه الوالدَين

عنه، قالت: رضيَ الله عنه برضاك يا رسول الله. فقال له رسول الله: قل: لا إله إلّا الله، قال: فقالها. فقال النبيّ  (صلى الله عليه وآله): ما ترى؟ فقال: أرى رجلًا أسود، قبيح المنظر، وسخ الثياب، منتن الريح، قد وليني الساعة، فأخذ بكظمي، فقال له النبيّ  (صلى الله عليه وآله): قل: يا مَن يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، اقبل منِّي اليسير واعفُ عنِّي الكثير، إنّك أنت الغفور الرحيم، فقالها الشابّ، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): انظر، ما ترى؟ قال: أرى رجلًا أبيض اللون، حسن الوجه، طيِّب الريح، حسن الثياب، قد وليني، وأرى الأسود قد تولّى عنِّي، قال: أعِد، فأعاد، قال: ما ترى؟ قال: لست أرى الأسود، وأرى الأبيض قد وليني، ثمّ طفى على تلك الحال»[1].

ولعقوق الوالدَين أثره في عدم قبول الصلاة، الّتي هي عمود الدين، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ، وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة»[2].

كما أنّ العقوق من الذنوب الّتي يُعجَّل عقابها في الدُّنيا قبل الآخرة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله):

 


[1] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص65.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص349.

 

101


95

الموعظة الثانية عشرة: واجبات الأبناء تجاه الوالدَين

ثلاثة من الذُّنوب تعجَّل عقوبتها ولا تؤخَّر إلى الآخرة: عقوق الوالدَين، والبغي على الناس، وكفر الإحسان»[1].

حقوق الوالدَين بعد الموت

ولعظمة مكانتهما عند الله تعالى، فإنّ العلاقة بهما لا تقتصر على حياتهما في الدنيا، بل تستمرّ حتّى بعد وفاتهما، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في جواب من سأله عن الوالدَين بعد الموت: هل لهما حقّ؟ فقال (صلى الله عليه وآله): «من برَّ أباه في حياته، ولم يدعُ له بعد وفاته، سمّاه الله عاقًّا»[2].

فالإنسان قد يكون بارًّا بوالديه في حياتهم، ولكن مع ذلك، إن قصّر تجاههما بعد الوفاة، قد يُكتب عاقًّا، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنَّ العبد ليكون بارًّا بوالديه في حياتهما، ثمّ يموتان، فلا يقضي عنهما ديونهما، ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عاقًّا؛ وإنّه ليكون عاقًّا لهما في حياتهما، وغير بارٍّ بهما، فإذا ماتا، قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه الله عزّ وجلّ بارًّا»[3].

 

 


[1] الشيخ المفيد، الأمالي، مصدر سابق، ص237.

[2] عليّ بن بابويه القمّيّ، فقه الرضا (الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام)‏)، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قمّ، 1406هـ، ط1، ص334.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص163.

 

 

102


96

خلاصات

الموعظة الأولى
فضائل شهرَي رجب وشعبان

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا وإنّ رجب شهرُ الله، وشعبان شهري، وشهر رمضان شهر أمّتي» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص24).

 فضائل شهر رجب

1. رجب شهر الله الأصمّ والأصبّ: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا إنّ رجب شهر الله الأصمّ، وهو شهرٌ عظيم، وإنّما سُمّي الأصمّ؛ لأنّه لا يقارنه شهرٌ من الشهور عند الله عزّ وجلّ، حرمةً وفضلًا، وكان أهل الجاهليّة يعظّمونه في جاهليّتها، فلمّا جاء الإسلام لم يزدد إلّا تعظيمًا وفضلًا» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص24).

2. رجب شهر الاستغفار: الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله): رجب شهر الاستغفار لأمّتي، أكثروا فيه من الاستغفار، فإنّه غفور رحيم» (فضائل الأشهرالثلاثة، ص24).

3. شهرٌ فضّله الله وعظّم حرمتَه: الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ هذا الشهر قد فضّله الله وعظّم حرمته... وأوجب للصائمين فيه كرامته» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص17).

4. شهرُ تضاعفِ الحسنات ومحوِ السيئات: الإمام الكاظم (عليه السلام): «رجب شهرٌ عظيم، يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص23).

 

105


97

خلاصات

الصيام في شهر رجب

1. لا يعلم مبلغَه إلّا الله: روى عليّ بن سالم عن أبيه، قال: دخلتُ على الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في رجب، وقد بقيَت أيّام، فلمّا نظر إليّ، قال لي: «يا سالم، هل صمتَ في هذا الشهر شيئًا؟»، قلت: لا

والله يابن رسول الله، قال لي: «لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغَه إلّا اللهُ عزّ وجلّ» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص17).

2. صوم يومٍ واحد من رجب: الإمام الكاظم (عليه السلام): «رجب نهرٌ في الجنّة، أشدّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل؛ مَن صام يومًا من رجب، سقاه الله من ذلك النهر» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص23).

3. صوم ثلاثة أيّام: الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن صام أوّل يوم من رجب رغبةً في ثواب الله عزّ وجلّ وجبَت له الجنّة، ومَن صام يومًا في وسطه شُفِّع في مثل ربيعة ومُضَر، ومَن صام في آخره جعله اللهُ من ملوك الجنّة، وشفّعه في أبيه وأمّه وابنه وابنته وأخيه وعمّه وعمّته وخاله وخالته ومعارفه وجيرانه، وإن كان فيهم مستوجبٌ للنار» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص17).

4. اغتنام فرصة صيام آخر أيّام رجب: الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن صام يومًا من آخر هذا الشهر، كان ذلك أمانًا له من شدّة سكرات الموت، وأمانًا له من هول المطلع وعذاب القبر، ومَن صام يومين من آخر هذا الشهر، كان له بذلك جوازٌ على الصراط، ومَن صام ثلاثة أيّام من آخر هذا الشهر، أمِن يوم الفزع الأكبر من أهواله 

 

106


98

خلاصات

وشدائده، وأُعطِي براءةً من النار» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص17).

5. صوم يوم المبعث الشريف: الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تدع صيامَ يوم سبعةٍ وعشرين من رجب؛ فإنّه اليوم الّذي نزلَت فيه النبوّة على محمّد (صلى الله عليه وآله)، وثوابه مثل ستّين شهرٍ لكم» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص20).

 

107


99

خلاصات

 فضائل شهر شعبان

1. شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله): رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وشعبان شهري» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص24).

2. شهر الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله): الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وأكثروا في شعبان من الصلوات على نبيّكم»، إلى أن قال: «وإنّما سُمِّي شعبان شهر الشفاعة؛ لأنّ رسولَكم يشفع لكلّ مَن يصلّي عليه فيه» (وسائل الشيعة، ج10، ص512).

3. شهر الاستغفار: الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن استغفر اللهَ تبارك وتعالى في شعبان سبعين مرّة، غفر الله ذنوبَه، ولو كانت مثل عدد النجوم» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص44).

 الصيام في شهر شعبان

1. يصلح أمر المعيشة ويكفي شرّ العدوّ: الإمام الصادق (عليه السلام): «وما من عبدٍ يُكثر الصيام في شعبان، إلّا أصلح اللهُ أمرَ معيشته، وكفاه شرَّ عدوِّه» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص43).

2. صوم يومٍ يغفر الذنوب: الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن صام يومًا من شعبان، إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص38).

 

108


100

خلاصات

3. يوجب الجنّة: الإمام الصادق (عليه السلام): «وإنّ أدنى ما يكون لمن يصوم يومًا من شعبان، أن تجب له الجنّة» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص43).

4. صوم أيّامٍ من شهر شعبان: الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شعبان شهري، وشهر رمضان شهر الله، فمَن صام يومًا من شهري كنت شفيعَه يوم القيامة، ومَن صام يومين من شهري غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، ومَن صام ثلاثة أيّام من شهري، قيل له: استأنف العمل» (فضائل الأشهر الثلاثة، ص44).

 ليلة النصف من شهر شعبان

الإمام الباقر (عليه السلام): «هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها، فإنّها ليلة آلى الله عزّ وجلّ على نفسه أن لا يردّ سائلًا فيها، ما لم يسأل المعصية، وإنّها الليلة الّتي جعلها الله لنا أهل البيت، بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا (صلى الله عليه وآله)، فاجتهدوا في دعاء الله تعالى والثناء عليه» (وسائل الشيعة، ج10، ص512).

 

109


101

خلاصات

الموعظة الثانية
آداب تلاوة القرآن الكريم

﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (سورة الأنفال، الآية2).

 آداب التلاوة الظاهريّة

الطهارة: أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتّى يتطهّر» (وسائل الشيعة، ج6، ص196).
تنظيف الفمّ: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «طيّبوا أفواهكم، فإنّ أفواهكم طريقُ القرآن» (كنز العمّال، ج1، ص603).
اتّخاذ مجلسٍ خالٍ: الإمام الصادق (عليه السلام): «قارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء: ... وموضع خالٍ... وإذا اتّخذ مجلسًا خاليًا، واعتزل من الخلق، بعد أن أتى بالخصلتين الأوليَين، استأنس روحه وسرّه بالله، ووجد حلاوة مخاطبات الله عزّ وجلّ عبادَه الصالحين، وعلم لطفه بهم، ومقام اختصاصه لهم، بفنون كراماته، وبدائع إشاراته» (بحار الأنوار، ج82، ص43).
الدعاء قبل التلاوة: كان الإمام الصادق (عليه السلام) إذا قرأ القرآن، قال قبل أن يقرأ، حين يأخذ المصحف: «اللهمّ إنّي أشهد أنّ هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمّد بن عبد الله، وكلامك الناطق على لسان نبيّك، جعلته هاديًا منك إلى خلقك...» (مكارم الأخلاق، ص343).

 

110


102

خلاصات

البدء بالاستعاذة: قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ﴾ (سورة النحل، الآية 98).


الدعاء بعد التلاوة: أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللهمّ اشرح بالقرآن صدري، واستعمل بالقرآن بدني، وأعنّي عليه ما أبقيتني، فإنّه لا حول ولا قوّة إلّا بك» (بحار الأنوار، ج89، ص202).

 

 

111

 


103

خلاصات

تحسين الصوت: الإمام الصادق (عليه السلام): «كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وكان السقّاؤون يمرّون، فيقفون ببابه، يسمعون قراءته» (مستطرفات السرائر، ص189).

 آداب التلاوة الباطنيّة

التمهّل والخشوع: النبي(صلى الله عليه وآله): «إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرؤوه بالحزن» (الكافي، ج2، ص614).
التدبّر في التلاوة: قال تعالى: ﴿كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَك لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ (سورة ص، الآية 29).
الإخلاص في القراءة: الإمام الباقر (عليه السلام): «قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن، فاتّخذه بضاعة، واستدرّ به الملوك واستطال به على الناس؛ ورجل قرأ القرآن، فحفظ حروفَه، وضيّع حدودَه، وأقامه إقامة القدح، فلا كثّر اللهُ هؤلاء من حملة القرآن؛ ورجل قرأ القرآن، فوضع دواءَ القرآن على داء قلبه، فأسهر به ليله، وأظمأ به نهاره، وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع الله العزيز الجبّار البلاء، وبأولئك يديل الله من الأعداء، وبأولئك ينزّل الله الغيث من السماء، فوالله لَهؤلاء في قرّاء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر» (الكافي، ج2، ص604).
التفكّر: قال تعالى: ﴿وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (سورة النحل، الآية 44).
فهم مقاصده: قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ (سورة الإسراء، الآية 9).

 

 

112


104

خلاصات

التطبيق: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (سورة الأنفال، الآية 2).‏

 

 

113


105

خلاصات

الموعظة الثالثة
صلة الرحِم

﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾ (سورة النساء، الآية 36).

معنى قطع الرحِم

إنّ قطع الرحِم هو كلّ تصرّف يُفهم منه في نظر العُرف ويُفسّر على أنّه قطيعة، مثل: عدم التحيَّة أو التهجم أو الإعراض أو ترك الاحترام والأدب، أو عدم جواب الرسالة في السفر أو عدم الزيارة والملاقاة، أو عدم عيادته إذا مرض أو إذا كان عائدًا من السفر...، وقطع الرحِم يختلف بحسب الزمان والمكان ومراتب الأرحام، وخصوصيّاتهم.

حرمة قطيعة الرحِم: الإمام الصادق (عليه السلام): «أنّ رجلًا من خثعم جاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال: أيُّ الأعمال أبغضُ إلى الله عزّ وجلّ؟ فقال: الشِّرك بالله، قال: ثمّ ماذا؟ فقال: قطيعة الرحِم، قال: ثمّ ماذا؟ فقال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف» (الكافي، ج2، ص290).

وجوب صلة الرحِم وضرورتها: قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ﴾ (سورة النحل، الآية 90).

 أهمّيّة صلة الرِحم

 

114


106

خلاصات

1. التعاضد الاجتماعيّ: أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ؛ فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ، وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ، وَيَدُكَ الَّتِي بِهَا تَصُولُ» (نهج البلاغة، ص405، الكتاب 31).

2. تزكية الأعمال ونماء الأموال وطول العمر: الإمام الباقر (عليه السلام): «صلة الأرحام تُزكِّي الأعمال، وتُنمِّي الأموال، وتدفع البلوى، وتُيسِّر الحساب، وتُنسِى‏ء الأجل» (الكافي، ج2، ص150).

3. العصمة من الذنوب: الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ صلةَ الرحِم والبرَّ لَيهوِّنان الحساب ويعصمان من الذنوب؛ فصِلوا أرحامَكم وبرّوا بإخوانكم، ولو بحسن السلام وردّ الجواب» (الكافي، ج2، ص157).

4. آثارٌ على المستوى الخُلُقيّ: الإمام الباقر (عليه السلام): «صلة الأرحام تُحسِّن الخُلق، وتُسمِّح الكفّ، وتُطيِّب النَّفس» (الكافي، ج2، ص151).

 آثار قطيعة الرحِم

1. تفكّك أواصر المجتمع: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تقطع رحِمَك، وإن قطعك» (بحار الأنوار، ج71، ص104).

2. فقدان الرحمة الإلهيّة: رُوي أنّ رجلًا جاء إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، فشكا إليه أقاربَه، فقال (عليه السلام): «اكظم غيظَك، وافعل»، فقال: إنَّهم يفعلون ويفعلون، فقال (عليه السلام): «أتريد أن تكون مثلَهم، فلا ينظر اللهُ إليكم» (الكافي، ج2، ص347).

 

115


107

خلاصات

3. تعجيل الفناء: أمير المؤمنين (عليه السلام): «أعوذ بالله من الذنوب الّتي تُعجِّل الفناء»، فقام إليه عبد الله بن الكوّاء، فقال: يا أمير المؤمنين، أوتكون ذنوبٌ تُعجِّل الفناء؟ فقال: «نعم، وتلك قطيعة الرحِم، إنَّ أهلَ البيت ليجتمعون ويتواسَون، وهم فجرة، فيرزقهم الله، وإنّ أهلَ البيت ليتفرَّقون ويقطع بعضهم بعضًا، فيحرمهم الله، وهم أتقياء» (الكافي، ج2، ص348).

 كيف تتحقَّق الصلة؟

الإمام الصادق (عليه السلام): «فصِلوا أرحامَكم وبرّوا بإخوانكم، ولو بحسن السلام وردّ الجواب» (الكافي، ج2، ص157).

 

 

116


108

خلاصات

الموعظة الرابعة
العشرة الحسنة

أمير المؤمنين (عليه السلام): «خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً، إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ» (نهج البلاغة، ص470، الحكمة 10).

الإسلام دين تواصل: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمَثَل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر» (تفسير ابن كثير، ج2، ص383).

أصول العشرة في الكتاب العزيز: قال تعالى: ﴿وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالا فَخُورًا﴾ (سورة النساء، الآية 36).

 أصول العشرة في السنّة الشريفة

1. الميزان في معاشرة الناس‏: أمير المؤمنين (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَانًا فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلمِ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَةُ الْأَلْبَابِ؛ فَاسْعَ 

 

 

117


109

خلاصات

فِي كَدْحِكَ، وَلاَ تَكُنْ خَازِنًا لِغَيْرِكَ» (نهج البلاغة، ص397، الكتاب 31).

2. الحثّ على حسن المصاحبة: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وأحسِن مصاحبةَ مَن صاحبَكَ، تكن مسلمًا» (أمالي الصدوق، ص269).

3. الحثّ على التودّد والتحبّب إلى الناس: الإمام الكاظم (عليه السلام): «التودّدُ إلى الناس نصفُ العقل» (أمالي الصدوق، ج2، ص643).

 حقوق العشرة وآدابها

1. الدفاع عنه ومواساته: أمير المؤمنين (عليه السلام): «ابذل لأخيك دمَك ومالَك، ولعدوّك عدلَك وإنصافَك، وللعامّة بِشرَك وإحسانَك» (تحف العقول، ص212).

2. النصيحة والمعونة: أمير المؤمنين (عليه السلام): «ابذل لصديقك نصحَك، ولمعارفك معونتَك، ولكافّة الناس بِشرك» (عيون الحكم والمواعظ، ص80).

3. الإحسان وغفران الذنوب: أمير المؤمنين (عليه السلام): «صاحب الإخوان بالإحسان، وتغمّد ذنوبَهم بالغفران» (عيون الحكم والمواعظ، ص303).

 آثار حسن العشرة

دوام المودّة: أمير المؤمنين (عليه السلام): «بحسن العشرة تدوم المودّة» (عيون الحكم والمواعظ، ص187).

 

118


110

خلاصات

عمارة القلوب: أمير المؤمنين (عليه السلام): «عمارة القلوب في معاشرة ذوي العقول» (عيون الحكم والمواعظ، ص340).
أنس الرفيق: أمير المؤمنين (عليه السلام): «بحسن العشرة تأنس الرفاق» (عيون الحكم والمواعظ، ص187).
السعادة والنبل: أمير المؤمنين (عليه السلام): «عاشر أهلَ الفضل، تسعد وتنبل» (غرر الحكم ودرر الكلم، ص465).
السلامة من الغوائل: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «جاملوا الناسَ بأخلاقكم تسلموا من غوائلهم، وزايلوهم بأعمالكم لئلّا تكونوا منهم» (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ج‏2، ص333).

حسن العشرة في المنزل‏: الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ المرءَ يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خِلالٍ يتكلّفها، وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصُّن» (تحف العقول، ص322).

 

119


111

خلاصات

الموعظة الخامسة
آداب عصر الغيبة

عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنّه سأل النبيَّ (صلى الله عليه وآله): هل ينتفع الشيعة بالقائم (عليه السلام) في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): «إي، والّذي بعثني بالنبوّة، إنّهم لَينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس، وإن جلَّلها السحاب» (بحار الأنوار، ج52، ص93).

 آداب عصر الغيبة

1. معرفته: «اللَّهمّ‏ عرّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ إنْ لَمْ تَعرّفْني نَفْسَكَ لَمْ أعرِفْ نَبِيّك، اللَّهُمّ‏ عَرّفُني رَسَولَكَ، فَإنَّكَ إن لَمْ تُعرّفْني رَسولَكَ لَمْ أعرفْ حُجّتَك، اللَّهُمّ‏ عَرّفْني حَجّتَكَ، فَإنَّكَ إن لَمْ تُعرّفْني حُجّتَكَ ضَلَلْتُ عَن ديْني» (الكافي، ج1، ص337).

2. الثبات على القول بإمامته: الإمام الصادق (عليه السلام): «يا منصور، إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إِياس، لا والله حتّى تُمَيَّزُوا، لا والله حتّى تُمَحَّصُوا، لا والله حتّى يشقى مَن يشقى، ويسعَد مَن يسعَد» (بحار الأنوار، ج52، ص111).

3. انتظار فرجه: رسول الله (صلى الله عليه وآله):«أفضل أعمال أمّتي، انتظار الفرج من الله عزَّ وجلّ‏» (كمال الدين، ص644).

 

120


112

خلاصات

4. الدعاء بتعجيل الفرج: الإمام المهديّ (عليه السلام): «وأكثروا الدُّعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجُكم» (كمال الدين، ص485).

5. التوسّل به: «اللهمّ إنّي أسألك بحقّ وليّك وحجّتك صاحب الزمان، إلّا أعنتني به على جميع أُموري، وكفيتني به مؤونة كلّ مؤذٍ وطاغٍ وباغٍ، وأعنتني به، فقد بلغ مجهودي، وكفيتني كلَّ عدوٍّ وهمٍّ وغمٍّ ودَينٍ، وولدي وجميع أهلي وإخواني ومَن يعنيني أمره وخاصّتي، آمين ربّ العالمين» (بحار الأنوار، ج91، ص35).

6. الصَّلاة عليه: الإمام العسكريّ (عليه السلام): «اللّهُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَابْنِ أَوْلِيائِكَ الَّذِينَ فَرَضْتَ طاعَتَهُمْ، وَأَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ، وَاذْهَبْتَ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيرًا» (مصباح المتهجّد، ص405).

7. الطاعة والتسليم: الإمام زين العابدين (عليه السلام): «ولم يجد في نفسه حرجًا ممّا قضينا، وسلّم لنا أهل البيت» (كمال الدين، ص323).

 

121


113

خلاصات

الموعظة السادسة
وقفات تفسيريّة مع سورة الفاتحة

﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ١ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣ مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤ إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٥ ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ﴾ (سورة الفاتحة).

 فضل سورة الفاتحة

1. السبع المثاني: يقول تعالى: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ﴾ (سورة الحجر، الآية 87).

2. شفاء من كلّ داء: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجابر: «يا جابر، ألا أخبرك عنها؟، قال: بلى، بأبي أنت وأمّي، فأخبرني، قال: «هي شفاء من كلّ داء، إلّا السامّ»؛ يعني الموت (تفسير العيّاشيّ، ج1، ص20).

3. منّة من الله، وعدل القرآن، وأشرف ما في كنوز العرش: أمير المؤمنين (عليه السلام): «سمعتُ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ الله عزّ وجلّ قال لي: يا محمّد، ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ﴾ (سورة الحجر، الآية 87)؛ فأفرد الامتنانَ عليّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القران العظيم، وإنّ فاتحةَ الكتاب أشرفُ ما في كنوز العرش، وإنّ اللهَ عزّ وجلّ خصّ محمّدًا وشرّفه بها» (الأمالي، ص240).

 

122


114

خلاصات

4. أفضل ما أنزل الله على رسله في كتبه المقدّسة: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «والّذي نفسي بيده، ما أنزل اللهُ في التوراة والإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان، مثلَها، وهي أمُّ الكتاب» (جامع الأخبار، ص43).

 في رحاب السورة

1. بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ: الإمام العسكريّ (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَعْمَلَ عَمَلًا، فَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؛ فَإِنَّهُ تُبَارَكُ لَهُ فِيهِ» (بحار الأنوار، ج89، ص242).

2. الله: هو عَلَم للذات الإلهيّة المقدَّسة.

3. الرحمة الإِلهيّة الخاصّة والعامّة: الإمام الصادق(عليه السلام): «وَالله إلهُ كُلِّ شَيْء والرَّحْمنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، والرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنينَ خَاصَّةً» (تفسير القمّيّ، ج1، ص28).

4. ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ: إنّ أوّل واجبات العباد استحضار مبدأ عالم الوجود دومًا، ونِعَمه اللامتناهية، هذه النِّعم الّتي تُحيطنا وتغمر وجودنا، وتهدينا إلى معرفة الله من جهة، وتدفعنا إلى طريق العبوديّة من جهة أخرى.

5. ربوبيّة الله طريق لمعرفة الله: (الربّ)، الصاحب المتعهّد بالتربية والرعاية.

6. مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ: الإِمام العسكريّ (عليه السلام): «وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام): ﴿يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾ هُوَ يَوْمُ الْحِسَابِ» (تفسير العسكريّ (عليه السلام)، ص38).

 

123


115

خلاصات

7. إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ: في هذه الآية يبدأ فيها دعاء العبد لربّه والتضرّع إليه. ويشعر الإِنسان بعد رسوخ أساس العقيدة ومعرفة الله في نفسه، بحضوره بين يدي الله... يُخاطبه ويُناجيه، ويُقرّ أوّلًا بتعبّده، ثمّ يستمدّ العون منه وحده دون سواه.

8. ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ: الإمام العسكريّ (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَدِمْ لَنَا تَوْفِيقَكَ الَّذِي بِهِ أَطَعْنَاكَ فِي مَاضي أيَّامِنَا، حَتَّى نُطِيعَكَ كَذَلِكَ في مُسْتَقْبَلِ أَعْمَارِنَا» (تفسير العسكريّ (عليه السلام)، ص44).

9. صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ: يأمرنا الله تعالى بأن نطلب منه هدايتنا إلى طريق الأنبياء والصالحين من عباده: ﴿ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ﴾، ويُحذِّرنا كذلك من أنّ أمامنا طريقين منحرفين، وهما طريق ﴿ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ﴾، وطريق ﴿ٱلضَّآلِّينَ﴾ ، وبذلك يتبيّن للإِنسان طريق الهداية بوضوح.

أ. مَن هم ﴿ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ﴾؟ يقول تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقا﴾ (سورة النساء، الآية 69).

ب. من هم ﴿ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ﴾؟ ومن هم ﴿ٱلضَّآلِّينَ﴾ ؟

 

124


116

خلاصات

يتّضح من الآية الكريمة أنّ ﴿ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ﴾ و﴿ٱلضَّآلِّينَ﴾ مجموعتان؛ فالضالّون هم التائهون العاديّون، والمغضوب عليهم هم المنحرفون المعاندون، أو المنافقون؛ ولذلك استحقّوا لعن الله وغضبه، قال سبحانه: ﴿وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ﴾ (سورة الفتح، الآية 6).

 

 

125


117

خلاصات

الموعظة السابعة
الدور العباديّ للمسجد

الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن مشى الى المسجد، لم يضع رجلًا على رطبٍ ولا يابسٍ، إلّا سبّحت له الأرض إلى الأرضين السابعة» (وسائل الشيعة، ج5، ص200).

مفهوم المسجد ومعناه: «كلّ موضع يُتعبّد فيه، فهو مسجد» (لسان العرب، ج‏3، ص204).

 الدور العبادي للمسجد

قال تعالى: ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدا﴾ (سورة الجنّ، الآية 18).

تسبيح الأرض: الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن مشى إلى المسجد، لم يضع رجلًا على رطبٍ ولا يابسٍ، إلّا سبّحت له الأرض إلى الأرض السابعة» (تهذيب الأحكام، ج‏3، ص255).
بشرى المشّائين: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قال الله تبارك وتعالى: إنّ بيوتي في الأرض المساجد، تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض... ألا طوبى لعبدٍ توضّأ في بيته، ثمّ زارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر، ألا بشّر المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة» (المحاسن، ج‏1، ص47).
سوق الآخرة: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المساجد سوق من أسواق الآخرة، قُراها المغفرة، وتحفتها الجنّة» (أمالي الطوسيّ، ص139).

 

127


118

خلاصات

الصلاة في المسجد: الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن صلّى المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة في المسجد في جماعة، فكأنّما أحيى الليلَ كلَّه» (أمالي الصدوق، ص329).
أنفاس الجالس في المسجد درجات في الجنّة: رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «يا أبا

ذرّ، إنّ اللّه تعالى يُعطيك ما دمت جالسًا في المسجد بكلِّ نَفَس تنفّست فيه درجةً في الجنّة، وتُصلّي عليك الملائكة، ويُكتَب لك بكلِّ نفَس تنفَّست فيه عشر حسنات، ويُمحى عنك عشر سيّئات» (مكارم الأخلاق، ص467).

 آداب المسجد وفضائله

احترام المسجد: الإمام الصادق (عليه السلام) ليونس بن يعقوب: «ملعون ملعون مَن لم يوقّر المسجد، أتدري -يا يونس- لِمَ عظّم اللّه تعالى حقّ المساجد، وأنزل هذه الآية: ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدا﴾ (سورة الجنّ، الآية 18)؟ كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسَهم أشركوا باللّه تعالى، فأمر اللّه سبحانه نبيَّه أن يوحّدَ اللّه تعالى فيها ويعبدَه» (كنز الفوائد، ج‏1، ص150).
الحضور الدائم: أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن اختلف إلى المساجد، أصاب إحدى الثمان: أخًا مستفادًا في اللّه عزّ وجلّ، أو علمًا مستطرفًا، أو آيةً محكمة، أو رحمةً منتظرة، أو كلمةً تردُّه عن ردى، أو يسمع كلمةً تدلّه على هدى، أو يترك ذنبًا خشيةً أو حياءً» (مَن لا يحضره الفقيه، ج‏1، ص237).
الجلوس في المسجد: أمير المؤمنين (عليه السلام): «الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنّة، فإنّ الجنّة فيها رضا نفسي والجامع فيها رضا ربّي» (بحار الأنوار، ج‏80، ص362).

 

128


119

خلاصات

عمارة المساجد: من وصيّة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ، مَن أجاب داعي اللّه، وأحسن عمارة مساجد اللّه، كان ثوابه من اللّه الجنّة»، فقلت: ... كيف يعمر مساجد اللّه؟ قال: «لا يُرفَع فيها الأصوات، ولا يُخاضُ فيها بالباطل، ولا يُشترى فيها ولا يُباع، فاتركِ اللغوَ ما دمتَ فيها» (مكارم الأخلاق، ص467).
النهي عن ترك المساجد: أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد، إلّا أن يكون له عذر، أو به علّة»، فقيل: مَنْ جار المسجد يا أمير المؤمنين؟ فقال: «مَن سمع النداء» (دعائم الإسلام، ج‏1، ص148).

 

آداب الدخول الى المسجد

1. الوضوء: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قال الله تعالى: إنّ بيوتي في الأرض المساجد... ألا طوبى لعبدٍ توضّأ في بيته...» (المحاسن، ج‏1، ص47).

2. اللباس: الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِد﴾ (سورة الأعراف، الآية 31): «أي خذوا ثيابَكم الّتي تتزيّنون بها للصلاة في الجمعات والأعياد» (مجمع البيان، ج4، ص244).

3. الدخول: الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا دخلتَ المسجد، فأَدخِل رجلَك اليمنى، وصلِّ على النبيِّ وآله» (بحار الأنوار، ج81، ص23).

 

 

129


120

خلاصات

4. صلاة التحيّة: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أبا ذرّ، إنّ للمسجد تحيةً... ركعتان تركعهما» (معاني الأخبار، ص333).

5. الابتعاد عن حديث الدنيا: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد، فيقعدون حلقًا، ذكرهم للدنيا وحبّ الدنيا، لا تُجالسوهم، فليس للّه فيهم حاجة» (مستدرك الوسائل، ج‏3، ص371).

6. عدم رفع الصوت: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تُرفَع فيها الأصوات» (وسائل الشيعة، ج‏5، ص234).

 

 

130


121

خلاصات

الموعظة الثامنة
مستحبّات الصلاة

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ اللهَ جعل قرّةَ عيني في الصلاة» (بحار الأنوار، ج‏79، ص233).

 أهمّية الصلاة

الإمام الصادق (عليه السلام): «أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء» (الكافي، ج‏3، ص264).

 المستحبّات العامّة للصلاة

1. في اللباس: لبس أنظف ثيابه، لبس الخاتم حال الصلاة، واستعمال الطيب. ويستحبّ ستر القدمين للمرأة.

2. الأذان والإقامة: الاستقبال، عدم التكلّم في أثنائهما، الاستقرار في الإقامة، الإفصاح بألف وهاء لفظ الجلالة، ووضع الأصبعين في الأذنين في الأذان، ومدّ الصوت ورفعه.

 المستحبّات التفصيليّة للصلاة

1. تكبيرة الإحرام: زيادة ستّ تكبيرات، رفع اليدين إلى الأذنين أو إلى حيال وجهه، يضمّ أصابع الكفّين ويستقبل بباطنهما القبلة.

2. القراءة: الاستعاذة، التأنّي في القراءة، تحسين الصوت، السكتة بين الحمد والسورة.

 

 

132


122

خلاصات

3. القنوت: يستحب في الفرائض اليوميّة،الجهر، رفع اليدين فيه.

4. الذكر (السبحانيّات): تكرار الذكر في الركعتين الأخيرتين، إضافة الاستغفار إليه.

5. الركوع: الانتصاب، ورفع اليدين، ردّ الركبتين إلى الخلف، تسوية الظهر، مدّ العنق موازيًا للظهر، تكرار التسبيح ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، إضافة الصلاة على النبيّ محمدّ وآله بعد الذكر، أو قبله. الأحوط استحبابًا اختيار.

6. القيام: إسدال المنكبين، إرسال اليدين. وضع الكفّين على الفخذين، النظر إلى موضع سجوده، التفرقة بين القدمين بثلاثة أصابع مفرَّجات أو أزيد إلى شبر.

7. السجود: سبق باليدين إلى الأرض، الإرغام بالأنف على ما يصحّ السجود عليه، بسط اليدين، تكرار الذكر، التورك في كلّ جلسة، وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس.

8. التشهّد: الجلوس متورّكًا، أن يجعل يديه على فخذيه، منضمّة الأصابع، أن يكون نظره إلى حِجره، وضع الرجل اليمنى على باطن الرجل اليسرى في جلسة الاستراحة.

 مستحبّات ما بعد الصلاة

يستحبّ التعقيب بعد الفراغ من الصلاة ولو نافلة، منها تسبيحة السيّدة الزهراء (عليها السلام)،سجدة الشكر، وأن يقول عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».

 

133


123

خلاصات

ويستحبّ في التعقيب الجلوس في مصلّاه، والاستقبال، والطهارة.

 

 

134


124

خلاصات

الموعظة التاسعة
فضل شهر رمضان

الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): أيّها الناس، إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به، وحضركم، وهو سيّد الشهور» (الكافي، ج4، ص67).

 أوصاف شهر رمضان المبارك

في الأدعية: الإمام زين العابدين (عليه السلام): «السلام عليك يا شهر اللّه الأكبر، ويا عيد أوليائه، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات، ويا خير شهر في الأيّام والساعات، السلام عليك من شهر قَرُبت فيه الآمال، ونُشرت فيه الأعمال، السلام عليك من قرينٍ جلّ قدره موجودًا، وأفجع فقده مفقودًا...» (الصحيفة السجّاديّة، ص285).

ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الأوصاف الّتي جاءت في الروايات الشريفة عن المعصومين(عليهم السلام)، منها:
شهر اللّه: الإمام الصادق (عليه السلام): «فغرّة الشهور شهر اللّه -عزَّ ذكره-، وهو شهر رمضان» (الكافي، ج4، ص66).
شهر رمضان: الإمام الباقر (عليه السلام): «لا تقولوا هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان؛ فإنّ رمضان اسم من أسماء اللّه عزّ وجلّ... ولكن قولوا: شهر رمضان» (الكافي، ج4، ص70).
الشهر المبارك: النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، شهر فرض اللّه عليكم صيامه» (تهذيب الأحكام، ج4، ص152).

 بركات الشهر المبارك

 

 

135


125

خلاصات

1. بركة التكليف: الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّما فرض اللّه صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم، ففضّل به هذه الأمّة، وجعل صيامه فرضًا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وعلى أمّته» (وسائل الشيعة، ج10، ص240).

2. البركات الروحيّة: يقول تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ (سورة البقرة، الآية 183).

3. البركات الجسميّة: النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «صوموا تصحّوا» (بحار الأنوار، ج59، ص267).

4. البركات الاجتماعيّة: الإمام العسكريّ (عليه السلام) في جواب من سأله لِمَ فرض اللّه الصوم؟: «ليجد الغنيُّ مضضَ الجوع، فيحنَّ على الفقير» (الكافي، ج4، ص181).

 

 

136


126

خلاصات

الموعظة العاشرة
وقفات تفسيريّة مع سورة الإخلاص

﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢ لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾ (سورة التوحيد).

 أهمّيّتها وفضلها

ليس من المصلّين مَن لم يقرأها: الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن مضى به يوم واحد، فصلّى فيه خمس صلوات، ولم يقرأ فيها بـ ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾، قيل له: يا عبد الله، لست من المصلّين» (ثواب الأعمال، ص127).
ثلث القرآن: الإمام الصادق (عليه السلام): «كان أبي (صلوات الله عليه) يقول: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ ثلث القرآن» (الكافي، ج2، ص621).
سورة التحدّي للمعاندين: الإمام السجّاد (عليه السلام):«إنّ الله عزّ وجلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون، فأنزل اللهُ ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ والآيات من سورة الحديد إلى قوله ﴿عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾، فمَن رام وراء ذلك فقد هلَك» (الكافي، ج1، ص91).

 في رحاب السورة

1. التوحيد أساس دعوة الأنبياء: قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ﴾ (سورة الأنبياء، الآية 25).

 

 

137


127

خلاصات

2. معنى التوحيد: قال تعالى: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾ (سورة الشورى، الآية 11).

 مراتب التوحيد

أ. التوحيد في الذات‏

- لا نظير له: قال تعالى: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾ (سورة الشورى، الآية 11).

- لا شريك له: قال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰه وَٰحِدۚ﴾ (سورة المائدة، الآية 73).

ب. التوحيد في الخالقيّة: قال سبحانه: ﴿قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡء وَهُوَ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّٰرُ﴾ (سورة الرعد، الآية 16).

ج. التوحيد في الربوبيّة: قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ إِذۡنِهِۦۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (سورة يونس، الآية 3).

د. التوحيد في العبادة: نقرأ في سورة الحمد: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ (سورة الفاتحة، الآية 5).

 

 

138


128

خلاصات

الموعظة الحادية عشرة
فضل الدعاء ودوره

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ﴾ (سورة البقرة، الآية 186).

 فلسفة الدعاء

قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ﴾ (سورة فاطر، الآية 15).

 فضل الدعاء

1. أفضل العبادة: الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (سورة غافر، الآية 60)، قال: هو الدعاء، وأفضل العبادة الدعاء» (الكافي، ج2، ص466).

2. منزلة لا تُنال إلّا بمسألة: الإمام الصادق (عليه السلام) لميسر بن عبد العزيز: «يا ميسر، ادعُ، ولا تقل: إنّ الأمر قد فُرغ منه؛ إنّ عند اللّه عزّ وجلّ منزلة لا تُنال إلّا بمسألة، ولو أنّ عبدًا سدّ فاه ولم يسأل، لم يُعطَ شيئًا، فسل تُعطَ. يا ميسر، إنّه ليس من باب يُقرع إلّا يوشَك أن يُفتح لصاحبه» (الكافي، ج2، ص467).

3. أفضل القربات: الإمام الصادق (عليه السلام): «عليكم بالدعاء؛ فإنّكم لا تقربون بمثله، ولا تتركوا صغيرة 

 

 

139


129

خلاصات

لصغرها أن تدعوا بها، إنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار» (الكافي، ج2، ص467).

4. أحبّ الأعمال إلى الله: الإمام الصادق (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ في الأرض الدعاء» (الكافي، ج2، ص467 - 468).

5. سلاح المؤمن: النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدرّ أرزاقكم؟»، قالوا: بلى، قال: «تدعون ربّكم بالليل والنهار؛ فإنّ سلاح المؤمن الدعاء» (الكافي، ج2، ص468).

 دور الدعاء وآثاره

1. يردّ البلاء والقضاء: الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الدعاء يردّ القضاء، وقد نزل من السماء، وقد أُبرم إبرامًا» (الكافي، ج2، ص469).

2. شفاء من كلّ داء: الإمام الصادق (عليه السلام): «عليك بالدعاء؛ فإنّه شفاء من كلّ داء» (الكافي، ج2،ص470).

3. مفاتيح خزائن الله: أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته للإمام الحسن (عليه السلام): «واعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِه خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإِجَابَةِ...» (نهج البلاغة، ص398، الحكمة 31).

4. حفظ الأموال: عبد اللّه بن هلال قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) تفرُّق أموالنا وما دخل علينا، فقال: 

 

 

140


130

خلاصات

«عليك بالدعاء وأنت ساجد؛ فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد» (الكافي، ج3، ص324).

ترك الدعاء استكبار: قال تعالى: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي﴾ (سورة غافر، الآية 60).

 

141


131

خلاصات

الموعظة الثانية عشرة
واجبات الأبناء تجاه الوالدَين

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلا كَرِيما ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا﴾ (سورة الإسراء، الآيتان 23 و24).

 نظرة الإسلام إلى الوالدَين

اقتران الإحسان إلى الوالدَين بالتوحيد: قال تعالى: ﴿لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانا﴾ (سورة البقرة، الآية 83).
منزلة شكر الوالدَين ومنزلة شكر الله: قال تعالى: ﴿أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ﴾ (سورة لقمان، الآية 14).
وجوب الإحسان للوالدَين حتى المشركين: قال تعالى: ﴿وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡم فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفاۖ﴾ (سورة لقمان، الآية 15).

 التوجيه القرآنيّ في التعامل معهما

الإحسان: ﴿وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ﴾ (سورة الإسراء، الآية 23).
المعاملة: ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوۡلا كَرِيما﴾ (سورة الإسراء، الآية 23).
﴿وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ﴾ (سورة الإسراء، الآية 24).
قول أفّ: ﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّ﴾ (سورة الإسراء، الآية 23).

رفع الصوت: ﴿وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا﴾ (سورة الإ

 

142


132

خلاصات

رفع الصوت: ﴿وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا﴾ (سورة الإسراء، الآية 23).
الدعاء لهما: ﴿وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا﴾ (سورة الإسراء، الآية 24).

عقوق الوالدَين من الكبائر: الإمام الصادق (عليه السلام): «أكبر الكبائر، الشرك بالله وعقوق الوالدَين» (وسائل الشيعة، ج15، ص330).

حقوق الوالدَين بعد الموت: الإمام الباقر (عليه السلام): «إنَّ العبد ليكون بارًّا بوالديه في حياتهما، ثمّ يموتان، فلا يقضي عنهما ديونهما، ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عاقًّا؛ وإنّه ليكون عاقًّا لهما في حياتهما، وغير بارٍّ بهما، فإذا ماتا، قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه الله عزّ وجلّ بارًّا» (الكافي، ج2، ص163).

 

143


133
وَبَشِّرْ المُؤْمِنِين