الحرب الناعمة المفهوم- النشأة- وسبل المواجهة


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-10

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للدراسات الثقافيَّة


الفهرس

 الفهرس

تمهيد

8

نحو إستراتيجية إسلامية لمواجهة الحرب الناعمة

11

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

11

تعريف الحرب الناعمة ومصادرها ومواردها

12

موارد ومصادر الحرب الناعمة

13

الفــرق بين الحرب الناعمة والحرب النفسية والدعاية

15

الحرب الناعمة هي البديل المجدي لأميركا بعد الإخفاقات والتكاليف المالية والبشرية والمعنوية الباهظة لحروبها الصلبة

18

الباب الثاني :تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

21

شريط وثائقي لتطور وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات

22

تقييم أهل الخبرة لوظائف وأدوار وسائل الاتصال والإعلام والمعلومات

24

الحرب الناعمة والجيل الرابع من تكنولوجيا الاتصال والإعلام

30

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

32

الحرب الناعمة احد وجهي العملة لثنائية العقل السياسي الأميركي

34

 

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

عوامل الانتقال من أدوات التأثير الصلبة HARD إلى الناعمة SOFT

35

التشريح العلمي لتقنيات الحرب الناعمة التي تدخل عبر المنافذ الحسية

38

المحفزات اللاشعورية واللاوعية من أخطر تقنيات البرمجة الناعمة

41

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

47

معركة كسب الشرعية ونزع الشرعية من وظائف الحــــرب الناعمة

48

بث اليأس والإحباط والشكوك حيال الرموز والمعتقدات والمستقبل

51

زيادة حدة الانقسامات والصراعات واخذ العدو لدور المنقذ والمخلص

53

 تهيئة الأرضية للتحرك الاستخباراتي من أهم وظائف الحرب الناعمة

55

الصدم والترهيب وظيفة الحــرب النــاعمة أثناء الحـــرب

56

خلاصة وختام

58

مراجع الدراسة

59

المقال الثاني: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

64

تمهيد

64

الحرب الناعمة في بعدها السياسي

65

في المشاكل السياسية

66

أميركا ترضخ للمقولة الإسرائيلية

69

الحرب الناعمة في بعدها الاقتصادي

70

في الهوية والثقافة وإستراتيجية مواجهة الحرب الناعمة

77

المراجع

84

 

 

 

 

 

 

6


2

تمهيد

 تمهيد


لم يكن مصطلح الحرب الناعمة مألوفا في الأذهان، على الأقل على المستوى الجماهيري في منطقتنا إلى أن جرى تداوله على نطاق واسع بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية وخاصة من قبل الإمام الخامنئي دام ظله وقادة الحرس الثوري الإسلامي في إيران، وعدد كبير من الشخصيات الإعلامية العربية ( كالإعلامي المصري محمد حسنين هيكل)، وسابقا راجت مصطلحات كثيرة للدلالة على المجال الذي تؤثر فيه دولة على فكر ورأي دولة او شعب أخر معادي لها نذكر منها (حرب الأعصاب / الحرب الباردة / حرب الإرادات / حرب المعنويات / الحرب السياسية كما سماها البريطانيون / الدعاية كما سماها النازيون الألمان / حرب الكلمات والمعتقدات / حرب الإيديولوجيات / غسيل المخ والدماغ / الحرب بلا قتال / الغزو الثقافي والفكري) ولكن أكثر المصطلحات رواجا في الساحة الإعلامية والأكاديمية والعسكرية هو الحرب النفسية والدعاية، كما استعمل بعض الكتاب مصطلحات وعبارات خاصة مركبة للدلالة على تأثير الدعاية والإعلام على العقول مثل " قصف العقول " و" التلاعب بالعقول " وما شاكل، إلى أن روج الكاتب الأميركي جوزيف ناي اصطلاحه الجديد في العام 1990 في كتاب تحت عنوان " ملزمون بالقيادة " وكرره في كتابه الثاني تحت عنوان " مفارقة القوة الأميركية " العام 2001 وختمه بنظرية متكاملة في كتابه الشهير " القوة الناعمة SOFT POWER " 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

تمهيد

 وحينها دخل بقوة إلى قاموس العلاقات الدولية والجامعات ومراكز البحث. 


ولعل المنصب الذي كان يشغله هذا الكاتب في رئاسة مجلس المخابرات الوطني الأميركي وفي منصب مساعد وزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس بيل كلينتون، وفي صفته كعميد لكلية العلوم الحكومية في جامعة هارفرد هو ما أعطى هذه المقولة أهمية خاصة، فالكاتب م قلب المؤسسات السياسية والأكاديمية والأمنية الأميركية، وإلا لما كان تم الالتفات إليها بهذا الشكل، لان هذه الأفكار كانت موجودة سابقا على شكل أبحاث ومقالات في مراكز البحث والجامعات الأميركية والغربية ... 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

 الباب الاول: 


ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة 
مواردها / مفهومها


. تعريف الحرب الناعمة ومصادرها ومواردها
. موارد ومصادر الحرب الناعمة
. الفرق بين الحرب الناعمة والحرب النفسية والدعاية
. الحرب الناعمة هي البديل المجدي لأمريكا بعد الإخفاقات و التكاليف المالية والبشرية والمعنوية الباهضة لحروبها الصلبة



 
 
 
 
 
10

5

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

 أولاً: تعريف الحرب الناعمة ومصادرها ومواردها 

 

عرف ناي القوة الناعمة بأنها " القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة، وهذا ما حصل مع الاتحاد السوفياتي حيث تم تقويضه من الداخل، لأن القوة لا تصلح إلا في السياق الذي تعمل فيه، فالدبابة لا تصلح للمستنقعات، والصاروخ لا يصلح لجذب الآخرين نحونا1
 
وقد اقتبس الكاتب جوزيف ناي ثنائية الصلب والناعم من التقسيم المعروف لتكوين أجهزة أو قطع الكومبيوتر الذي يتألف من أدوات ناعمة software وأدوات صلبة hardware ، فهذا التقسيم راج في التسعينات على أثر انتشار الكومبيوتر والانترنت .. 
 
وقد افرد قسما خاصا لعنوان " الطبيعة المتغيرة للقوة " وعلاقات وتوازنات القوة على المسرح الدولي، وتوصل إلى أهمية وضرورة تكامل القوة الناعمة إلى جانب القوة الصلبة، لما للقوة الناعمة من ميزات وخصائص تفوق عائدات القوة الصلبة، وسرد لتأثيرات وميزات الحرب الناعمة خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، وشرح للتكاليف الباهظة التي تدفع في حالة الحرب الصلبة على ضوء مجموعة من المتغيرات أبرزها عدم ردعية السلام النووي للمجموعات المسلحة المسماة " إرهابية " حيث إن السلاح النووي
 
 
 

1- جوزيف ناي، القوة الناعمة ، مكتبة العبيكان 2007 ص 12 ، ص 20. 
 
 
 
 
 
 
 
11

6

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

  أصبح كالعضلات المربوطة، ولا يمكن استعماله لأسباب دولية وعملية إلا في الحالات الاستثنائية جداً ويكفي للاستدلال على ذلك خسارة أميركا للحرب ضد فيتنام بالرغم من امتلاكها للقدرات النووية، كما أن توسع انتشـــار تكنولوجيا الاتصال والإعلام، وما سماها "عولمة وديمقراطية المعلومات" ورخصها وتوفرها بسهولة ويسر في السوق العالمي، ويقظة المشاعر القومية والدينية، كـل هذه العوامل قوضت من قدرة الدول الكبرى على منع التنظيمات الإرهابية من امتلاك هذه الوسائل واستخدامها للتسبب في إحداث الدمار للغرب، والنموذج الأكثر وضوحا لهذا الوضع الجديد إحداث 11 أيلول2001..


كما تحدث عن مصادر قوة أميركا الناعمة وقوة الآخرين الناعمة (أي أعداء أميركا أو منافسيها على الحلبة الدولية)، وعن البراعة في استخدام القوة الناعمة، وأخيرا القوة الناعمة وسياسة أميركا الخارجية، وقد أغفل الكاتب عن قصد ذكر التطبيقات السرية للقوة الناعمة في حالات الحرب والمواجهات العسكرية، لان هذه المخططات ستبقى طــــي الكتمان في أروقة البنتاغون والمخابرات المركزية الأميركية ما دام إنها في صلب المواجهة الدائرة حاليا مع إيران وقوى المقاومة والممانعة في المنطقة.. وبالرغم من محاولته أخفاء هذه المخططات لكنها أفلتت منه في ثنايا بعض النصوص والعبارات في مطاوي الكتاب .

ثانياً: موارد ومصادر الحرب الناعمة 

حدد جوزيف ناي المنظر الأول لمصطلح القوة الناعمة هذه الموارد بثلاثة محاور: القيم والمؤسسات الأميركية/ جاذبية الرموز الثقافية والتجارية 
 
 
 
 
 
 
 
12

7

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

 والإعلامية والعلمية الأميركية / وصورة أميركا وشرعية سياساتها الخارجية وتعاملاتها وسلوكياتها الدولية. 


كما حدد ناي مصادر القوى الناعمة بأنها: مصانع هوليـــود وكل الإنتاج الإعلامي والسينمائي الأميركي / الطلاب والباحثين الأجانب الوافدين للدراسة في الجامعات والمؤسسات التعليمية، فهم سيشكلون جيوش يحملون معهم آلاف النوايا الطيبة والودائع الحسنة عندما يعودون إلى بلدانهم وأوطانهم ويتقلدون المراكز والمواقع العليا وسيصبحون سفراء غير رسميين لخدمة أميركا / والمهاجرين ورجال الإعمال الأجانب العاملين في السوق الأميركي وقطاع الأعمال/ شبكات الانتــــرنت والمواقع الأميركية المنتشرة في الفضاء الالكتروني/ برامج التبادل الثقافي الدولي والمؤتمرات الدولية التي ترعاها وتشارك في تنظيمها أميركا / الشركات الاقتصادية العابرة للقارات / الرموز والعلامات التجارية مثل كوكا كولا وماكدونالدز وغيرها.

وبالإجمال ترتكز القوة الناعمة على كل المؤثرات الإعلامية والثقافية والتجارية والعلاقات العامة، وكل مورد لا يدخل ضمن القدرات العسكرية المصنفة ضمن القوة الصلبة. 

في حين ركز الباحث الاستراتيجي الأميركي جون كوللينز على الموضوع الإعلامي والثقافي في تعريفه وتحديده لموارد الحرب الناعمة بقوله " الحرب الناعمة عبارة عن استخدام الإعلام والتخطيط للتأثير على ثقافة العدو وفكره بما يخدم حماية الأمن القومي الأميركي وتحقيق أهدافه وكسر إرادة العدو " .
 
 
 
 
 
 
 
13

8

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

 ثالثا ً: الفــرق بين الحرب الناعمة والحرب النفسية والدعاية 

 
عرفت الحرب النفسية والدعاية بأكثر من 100 تعريف، اخترنا منها تعريفين يعبران عن هذه التعاريف لجهة الإحاطة والشمولية، التعريف الأول هو التعريف الضيق ذا الطابع التقني البحت أوردته الموسوعة العسكرية للحرب النفسية بالقول" الحرب النفسية هي مجموعة من الإعمال التي تستهدف التأثير على أفراد العدو بما في ذلك القادة السياسيين والإفراد غير المقاتلين بهدف خدمة غرض مستخدمي هذا النوع من الحرب ".
 
والتعريف الثاني للباحث الدكتور فخري الدباغ وهو الموسع بأنها " شن هجوم مبرمج على نفسية وعقل العدو سواء كان فرد أو جماعة لغرض أحداث التفكك والوهن والارتباك فيهما وجعلهما فريسة مخططات وأهداف الجهة صاحبة العلاقة مما يمهد للسيطرة عليها وتوجيهها إلى الوجهة المقصودة ضد مصلحتها الحقيقية أو ضد تطلعاتها وآمالها في التنمية أو الاستقلال أو الحياد أو الرفض1 .
 
أما أساليب وتكتيكات الحرب النفسية المعروفة تاريخيا فنورد أمثلة عليها: (الدعاية ضد معتقدات الخصم / الإشاعة / بث الرعب / الخداع / افتعال الأزمات / أثارة القلق / إبراز التفوق المادي والتقني والعسكري / التقليل من قوة الخصم والعدو / التهديد والوعيد/ الإغراء والإغواء والمناورات / الاستفادة من التناقضات والخلافات / الضغوطات الاقتصادية / إثارة مشاعر الأقليات القومية والدينية / الاغتيالات / تسريب معلومات عسكرية وأمنية وسياسية حساسة عن
 
 
 

1- د. احمد نوفل. الحرب النفسية. دار الفرقان . ط. 1989 ص 34 . 
 
 
 
 
 
 
 
14

9

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

  العدو في الصحافة / الإفصاح عن امتلاك نوعية خاصة من الأسلحة الفتاكة / وغيرها من الوسائل طابعها العام عسكري أو شبه عسكري1

 
في حين تعتمد الحرب الناعمة على نفس الأهداف مع اختلاف التكتيكات التي أصبحت تكتيكات ناعمة، فبدلاً من تكتيكات التهديد تعتمد الحرب الناعمة على الجذب والإغواء عبر ولعب دور المصلح والمنقذ، وتقديم النموذج الثقافي والسياسي وزرع الأمل بان الخلاص في يد أميركا، المانحة لحقوق الإنسان والديمقراطية وحريات التعبير وما شاكل من عناوين مضللة للعقول ومدغدغة للأحلام وملامسة للمشاعر، وبدلا من استعراض الصواريخ أو بث الرعب عبر الإذاعات والمنشورات للفتك بإرادة العدو يتم إرسال أشرطة الفيديو أو الأقراص الممغنطة أو صفحات facebook للشباب والأطفال والنساء والرجال كل حسب رغباته ومعقولاته.. وبناء على التعاريف المذكورة، لا تعد الحرب الناعمة منهجا جديدا في مناهج الحرب النفسية الدعاية، بل هي نتاج تطور كمي ونوعي في وسائل ووسائط الاتصال والإعلام، وهي إفراز طبيعي وحتمي للجيل الرابع من وسائط تكنولوجيا الاتصال والإعلام كما يرى اغلب خبراء الإعلام والمعلومات، والمتغيرات التي طرأت على نظريات استخدام القوة العسكرية، فقد بدأت الدول والجماعات باستعمال الوسائل المتوفرة للدعاية والحرب النفسية كالشائعات والجواسيس والمنشورات، وهي وسائل الدعاية والحرب النفسية الأقدم في تاريخ الحروب في العالم، كذلك تطورت الصحافة المكتوبة والإذاعات بفعل انتشار المطابع وتقدم الاكتشافات التلغرافية والهرتزية في الحرب العالمية الأولى، وأضيف إليها الإذاعات ذات البث المتقدم التي طورت نمط الخطابة الجماهيرية والدعائية، وأنضم التلفزيون وتقنيات الصورة 
 
 
 

1- احمد نوفل . مصدر سابق . ص . 80 . 
 
 
 
 
 
 
 
15

10

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

 والصوتيات في الحرب العالمية الثانية، وشهدنا ابرع نماذجها مع القائد الألماني غوبلز صاحب النظريات المشهورة في الدعاية والحرب النفسية، وسجلت الدعاية والحرب النفسية أعلى صعودها أثناء الحرب الباردة بين المحورين الغربي الأميركي والشرقي السوفياتي بفضل تطور وتقدم عالم الشاشة والصورة والأفلام والسينما والتلفزيون1

 
وفي التقيم والتشخيص نستنتج بعد المقارنة والمطابقة بين الحرب النفسية والحرب الناعمة انهما يسيران على خط سكة في الأهداف، ويتعاكسان في الوسائل والأساليب. فيتفقان ويشتركان في الهدف لجهة قصد تطويع إرادة العدو (الدول والنظم والشعوب والجيوش والرأي العام والمنظمات والجماعات) ولكنهما يختلفان ويتعاكسان في الوسائل والأساليب . 
 
ويختلفان في نوعية الأساليب بسبب درجة انتشار الأدوات الإعلامية والاتصالية لدى الرأي العام، فالحرب الناعمة دخلت إلى كل البيوت 24 / 24 ساعة من خلال شاشات التلفزيون والانترنت والهواتف الخلوية، في ظل عولمة إعلامية وثقافية ومعلوماتية فورية ومفتوحة ومتفاعلة ومترابطة بشكل لا سابق له، في حين كانت الحرب النفسية تنطلق بشكل أساسي نحو الجيوش والحكومات التي كانت تمتلك وتسيطر بصورة شبه احتكارية على وسائل الاتصال والإعلام التقليدية ( الإذاعات / الصحف / الشاشات) التي كانت محدودة العدد والانتشار نظرا لكلفتها الاقتصادية..
 
فمعركة الحرب الناعمة تبدأ أولا مع الرأي العام تمهيدا للانقضاض على النظام
 
 
 

1- للتوسع في هذا البحث مراجعة كتاب قصف العقول ..الدعاية للحرب منذ العالم القديم حتى العصر النووي/ د. فيليب تيلور / مجلة عالم المعرفة . 
 
 
 
 
 
 
 
16

11

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

  المعادي، في حين تبدأ الحرب النفسية بمهاجمة الدولة وجيشها ومؤسساتها العامة أي تبدأ المعركة ضد النخبة السياسية والعسكرية اولاً ومن ثم تنتقل لأجل ضرب الرأي العام المعادي لفك ارتباطه وولائه ولحمته مع الدولة والنظام المستهدف.


فكل ما هو من الإرغام والضغط والفرض بوسائل أكثر صلابة دون أن تصل لمستوى الوسائل العسكرية هو من الحرب النفسية (خطابات عالية النبرة وتهديدات وعروض عسكرية وشائعات واغتيالات وحرب جواسيس) وكل ما هو من جنس الاستمالة والجذب والإغواء الفكري والنفسي بوسائل أكثر نعومة (أفلام وأقراص ممغنطة وصفحات face book ومسلسلات وsms ) يدخل في تعريف الحرب الناعمة . 

رابعاً: الحرب الناعمة هي البديل المجدي لأميركا بعد الإخفاقات والتكاليف المالية والبشرية والمعنوية الباهظة لحروبها الصلبة 

تعتبر الحرب الناعمة خلاصة تراكم مجموعة من السياسات والأفكار التي جرى تطبيقها بشكل مستقل على مراحل تاريخية متعاقبة وفي مواجهة أوضاع دولية مختلفة، بدأت من فكرة الاحتواء المزدوج التي اعتمدتها الاستراتيجيات والخطط الأميركية في التسعينات للتعامل مع البيئات والنظم المعادية لها وخاصة العراق وإيران، التي كانت تقوم على خلطة من السياسات ترتكز على الردع العسكري والعزل السياسي والدبلوماسي والمقاطعة الاقتصادية..مروراً بعقيدة الصدمة والترويع ـ أو الصدمة والترهيب التي اعتنقتها وزارة الدفاع الأميركية في برامجها العسكرية منذ منتصف التسعينات وطبقتها ضد يوغسلافيا العام 1995 – 1999 وضد 
 
 
 
 
 
 
 
17

12

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

 أفغانستان بعد 11 أيلول 2001 كما جرى تطبيقها في الحروب العسكرية ضد العراق وخاصة خلال احتلال العراق العام 2003....لكن مجموعة متغيرات ومراجعات حصلت بعد الإخفاقات الكبيرة للولايات المتحدة وخاصة في حربيها الأخيرتين في أفغانستان والعراق والتكاليف المادية والبشرية المؤلمة والباهظة التي دفعتها أميركا سواء من رصيدها المادي أو البشري، والاهم من تآكل رصيدها المعنوي والإعلامي وتشوه صورتها السياسية والدبلوماسية بفعل حجم الخروقات والجرائم الوحشية التي ارتكبتها في حروبها الأخيرة (نموذج غوانتنامو) هي ما دفع بعشرات الباحثين وصناع القرار وكبار ضباط البنتاغون والاستخبارات الأميركية لاستخلاص العبر والاستنتاج بان هذا الإخفاق ناجم عن " فرط استعمال القوة الصلبة على حساب القوة الناعمة " وانه يجب العودة إلى سياسات القوة الناعمة التي طبقت أيام الحرب الباردة، وأثمرت سقوطا للاتحاد السوفياتي والمحور التابع له بدون إطلاق أي رصاصة أو قصف أي صاروخ، وهذا ما أكده جوزيف ناي نفسه صاحب كتاب القوة الناعمة في قولته الحساسة والخطيرة " أن دولار واحد ينفق لشراء قرص فيديو DVD يحمله شاب أو فتى إيراني بمواجهة سلطة رجال الدين في معركة حرب الأفكار أجدى وأفضل بأضعاف من دفع 100$ لشراء أسلحة وموارد للمواجة العسكرية مع إيران 1..

 
وبناء عليه تبلورت في الأفق الأميركي بعد عدد من المؤتمرات التي عقدتها مراكز الأبحاث التابعة للبنتاغون والخارجية والاستخبارات بإشراف مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية CSIS، وبعد مراجعات وتوصيات بيكر هاملتون الشهيرة حول العراق وأفغانستان ومع تمكن الديمقراطيين من الفوز بالانتخابات الرئاسية
 
 
 

1- القوة الناعمة / مصدر سابق ص 83 . 
 
 
 
 
 
 
 
18

13

الباب الاول: ماهيــــة الحـــرب الناعمــــة مواردها / مفهومها

  وتنصيب اوباما لقيادة أميركا سادت مناهج التفكير الاستراتيجي عقيدة جديدة تقوم على مبدأ تنويع السياسات بحيث ترتكز على "التطبيق المدروس والحكيم لمجموعة من السياسات على المسرح الدولي أطلق عليها القوة الذكية POWER SMART بحيث تعطي أفضل النتائج في السياسة الدولية مع أقل قدر من التكاليف المادية والبشرية وتتلخص فكرة القوة الذكية بمعادلة زرع الآمل والإقناع 1عبر جمع فوائد الاحتواء المزدوج عبر العزل والحصار ومنافع الصدم والترهيب والقوة العسكرية الصلبة لأجل الردع والعمليات الموضعية المحدودة وميزات وحسنات القوة الناعمة للجذب والتأثير في سلوك الدول والأنظمة "..

 
وعلى ضوئه يصبح مفهوم الحرب الناعمة في خلايا التفكير الأميركية والغربية على اثر المتغيرات في السياسات العسكرية والخارجية بالمعادلة التالية " عندما تفشل الضغوطات الطرق الدبلوماسية والمقاطعة الاقتصادية في تطويع إرادة العدو وتصل خيارات القوة العسكرية إلى وضع مسدود ومقفل، ينبغي الاقتصار على التلويح والتهويل باستعمال القوة العسكرية بالتزامن مع شن حملة تشهير دولية بالنظم المعادية وزعزعة عقائدها وخلخلت ركائزها الفكرية والسياسية وإسقاط رموزها الدينية والوطنية والقومية، وبلبلة أفكار جماهيرها وبث برامج لتضليل الوعي وحرف المشاعر، وتسميم إيمان وثقة الجماهير بالقادة، وإرباك العدو بصراعات ونزاعات وأزمات داخلية بين أجنحته ورجالاته بهدف أنهاك قواه وأحداث حالة من التآكل والاهتراء الذاتي تمهد لإسقاطه "2.
 
 
 

1- منذر سليمان / مقالة بعنوان " أميركا ..انعطاف استراتيجي مؤجل ..لكنه قادم " 2009 / موقع مركز دراسات قناة الجزيرة www.aljazeera.net 
2- مقتبس من كتاب أرث من الرماد : تاريخ CIA للكاتب الأميركي تيم واينر / شركة المطبوعات للنشر والتوزيع 2010 .
 
 
 
 
 
 
 
 
19

14

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 الباب الثاني :

 
تقييم وسائل الإعلام والاتصال
 المستخدمة في الحرب الناعمة


 
. شريط وثائقي لتطور وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات
. تقييم أهل الخبرة لوظائف وأدوار وسائل الاتصال والإعلام والمعلومات 
. الحرب الناعمة والجيل الرابع من تكنولوجيا الاتصال والإعلام 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

15

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 اولاًًًً: شريط وثائقي لتطور وسائل الإعلام والاتصال والمعلومات 


(1) - في العام 1438 اخترع غوتنبرغ مكبس الطباعة... وبدأ عصر الصحافة. 

(2) - في العام 1605 نشأت الدوريات الصحفية المتخصصة الأولى . 

(3) - في العام 1631 اخترعت الصحف كوسائل جماهيرية وكانت صحيفة التايمز Times أول صحيفة. 

(4) - في العالم 1660 نشأت الصحيفة اليومية الأولى في العالم وهي صحيفة المانية. 

(5) - العام 1839 تم اختراع آلة التصوير الفوتغرافية التي حلت محل الرسم اليدوي. 

(6) - في العام 1895 ولدت آلة صناعة السينما مع الأخوة لوميير Lumiere . 

(7) - في العام 1876 تم اختراع التلغراف . 

(8) - وفي العام 1894 تم اختراع المذياع . 

(9) - في العام 1917 استفادت الثورة الروسية من التلغراف لتذيع بياناتها عبره...

(10) - في العام 1922 تأسست أول إذاعة في العالم واسمها " راديو لا " والراديو هو أول وسيلة اتصال في التاريخ تستطيع الوصول مباشرة إلى الجمهور الكبير... 

(11) - في العام 1923 تم اختراع كاميرا الفيديو . 

(12) - في العام 1923 تم اختراع التلفزيون أو نافذة العالم كما يسميه خبراء الإعلام وتطورت خطوطه إلى أن انتشر في العام 1948. 
 
 
 
 
 
 
 
21

16

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

  (13) - في العام 1968 أصبح التلفزيون بالألوان..


(14) - في العام 1951 تم اختراع الكومبيوتر ( الحاسوب ) . 

(15) - في العام 1957 بدأ مشروع البحث المتقدم في وزارة الدفاع الأميركية بربط 4 جامعات أميركية ببعضها بشبكة حواسيب لحاجات الجيش الأميركي، 

(16) - في العام 1980 بدأ الانترنت بالانتشار كوسيلة إعلام جماهيرية . 

(17) - في العام 1989 تم ولادة شبكة الانترنت العالمية المسماة بلغة الكومبيوتر الويب Web التي تسمح بنقل الرسوم والنصوص والصور والبيانات عبر شاشة الكومبيوتر من خلال شبكات الهاتف ويستطيع أي مشترك موصول إلى الخادم الاستفادة منها، وتكون أما على الخط مباشرة أو عبر الأقراص الصلبة . 

(18) - في العام 1993 نشأت أول صحيفة الكترونية على شبكة الانترنت... 

(19) - في العام 1976 تم اختراع أول هاتف نقال..وبلغ تطوره في الوقت الراهن إلى حد أن يزود بكاميرات تصوير بنقاء الكاميرات الرقمية ويمكنه التواصل مع شبكات الانترنت وإرسال واستقبال الرسائل النصية SMS والعديد من الخدمات المعلوماتية والإعلامية، وهو ما استفادت منه الحركات الشبابية الجديدة . 

(20) - في العام 1982 أرسلت أول رسالة بريد الكتروني Email على الشبكة. 

(21) - في العام 1995 دخل موقع Classmate كاول شبكة اجتماعية انترنتية. 

(22) - في العام 2002 انتشرت الشبكات الاجتماعية خاصة Face book . 

(23) - في العام 2006 دخل موقع Twitter ومواقع استقبال وعرض الفيديو YouTube وحازت على الإقبال الجماهيري. 
 
 
 
 
 
 
 
22

17

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 ثانياً: تقييم أهل الخبرة لوظائف وأدوار وسائل الاتصال والإعلام والمعلومات 

 
بعد أن استعراضنا تاريخ تطور وسائل الاتصال والإعلام والمعلومات جمعنا مجموعة تقييمات وملاحظات أثبتها خبراء الإعلام والاتصال حول وظائف هذه الوسائط وتأثيراتها على الجمهور ودور الدول والحكومات فيها، وراعينا فيها اخذ وجهتي النظر الفرنسية والأميركية لوجود الاختلاف بينهما 1
 
1 - إن وسائل الاتصال هي تقنيات تتخذ قيمتها في حقل استخدامها، فالتقنية محايدة ولا تفرض على الإنسان الاتصال الإعلامي ولا الأخذ بآرائها ومعلوماتها، هي وسائط تقترح والإنسان يحدد كيفية الاستفادة والتدبر 2.
 
في حين يخالف هذا الاتجاه الخبراء الأميركيين الذين يعتبرون أن الوسيلة الإعلامية رسالة بذاتها لأنها تخلق أوضاعا وحاجات لمجرد اتصالها بالأنساق الفردية والاجتماعية. 
 
2 - أن وسائل الاتصال والأعلام تتعرض دائما للتغير والتشعب وغالبا ما تغيير اتجاهها، وهي وسائل تفاجئنا على الدوام ذالك أن استخدامها نادرا ما يتطابق مع تصور مخترعيها، تماما كما حصل مع الشبكات الاجتماعية على الانترنت التي استعملت للتحريض السياسي في حي إنها نشأت لغايات اجتماعية وطلابية وشبابية 3...
 
 
 

1- استقينا أراء المفكر الفرنسي فرنسيس بال ، والمفكر الأميركي بروس بمببر . 
2- فرنسيس بال . الميديا . ترجمة فؤاد شاهين . دار الكتاب الجديد . طبعة أولى . ص 9 . 
3- فرنسيس بال . مصدر سابق . ص 11. 
 
 
 
 
 
 
 
23

18

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 3 - أن وسائل الاتصال هي وسائل خادمة وليست سيدة ولا قائدة والاختيار الشخصي للفرد أو للمجتمع هو الذي يجعل منها سيدة ويجعلنا عبيدا أمامها. 

 
4 - أن وسائل الاتصال والإعلام أصبحت صناعة وسوق وإنتاج، وهي تخضع لقوانين هذه الصناعة ولمعادلات السوق، وتنشد قبل أي شيء تحقيق الربح المادي لتمويل حركتها في تقديم الخدمات الإعلامية كسلع سواء كانت سلع ترفيهية أو ثقافية أو سياسية، وبالتالي فهي مؤسسات تجهد بالدرجة الأولى لتلبية رغبات الممولين وثانيا مستهلكي خدماتها، وليس للقيم والمعايير والمبادئ إلا دور ثانوي. 
 
5 - على الرغم من أن وسائل الاتصال والإعلام هي أجهزة لترميم الفكر والتفكير، ولكن بعضها خطر لأنها تقدم فكر وثقافة مشتتة ومتناثرة لا تصنع انساقا من الوعي والمعارف المتكاملة، وخاصة الثقافة التلفزيونية والشبكية الانترنتية، فهي ثقافة عولمية متشظية تشكل تحديا لكل الثقافات والهويات المحلية والإقليمية1 ..
 
6 - تتداخل البيئة الاجتماعية والشخصية لكل متلقي مع درجة وكيفية تفاعله مع منتجات وسائل الإعلام والمعلومات، حتى أن شخصين يحملان أفكارا وقيمة متطابقة ويتعرضان للمعلومات ذاتها قد تتكون لديهما معارف مختلفة وقد يتصرفان بصورة مختلفة2
 
7 - توصلت بعض الدراسات إلى أن وسائل الإعلام والاتصال وخاصة الجيل الرابع (الفضائيات والهواتف النقالة والانترنت) أجهزت وقضت على مركزية
 
 
 

1- فرنسيس بال . مصدر سابق . ص 101 . 
2- بروس بمبر Bruce Bimber. الديمقراطية الأمريكية وثورة المعلومات / الحوار الثقافي 2006. ص . 268
 
 
 
 
 
 
 
24

19

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 المعلومات، وساهمت في تعزيز النزعات والاتجاهات الفردية وأدت إلى تقليص وأحيانا إلغاء دور الجغرافيا والحدود الإقليمية ومؤسسات القطاع العام والأخطر تشتيت وتمزيق مجالات وانساق المفاهيم والمشاعر العامة. 


8 - وعلى الرغم من كل هذه التحولات استنتجت الأبحاث أن وسائل الإعلام التقليدية التابعة للمؤسسات الحكومية والقوى والتيارات السياسية ( كجريدة الأخبار في لبنان والعالم العربي مثلاً ...أو كقناة BBC أو الجزيرة القطرية على المستوى الدولي أو حتى وكالات الأنباء والمعلومات كرويترز وفرنس برس واسوشياتد برس) سيبقى لها اليد الطولي في الاستثمار والتوظيف الأمثل لوسائل ووسائط الإعلام بحكم تفرغها وخبرتها وتخصصها ... 

9 - أدى التنوع الهائل في مصادر ووسائل الإعلام والاتصال إلى توسيع مروحة الخيارات لدى الجمهور المستفيد (المشاهدين أو المستمعين أو المتصفحين للانترنت) لدرجة المزاجية والعبثية وخاصة بين الأفراد العوام والأميين وغير المتعلمين، فهم أصبحوا انتقائيين جدا في اختيارهم للقنوات والمواقع والصحف .. 

10 - ترضي الصحف التقليدية اهتمام الإفراد ذوي الحنكة والمعرفة المسبقة، لأنها صحف ورقية تتيح تحكما اكبر من الناحية العملية وتسمح بقصد وتركيز اكبر، في حين لا تحوز الصحف على اهتمام الأفراد الأقل معرفة وحنكة . 

11 - تعد الدوافع والفئات العمرية للمستفيدين من وسائل الإعلام من أبرز العوامل المؤثرة في توجيه سلوكهم، وقد دلت الدراسات أن الشباب والمراهقين يفضلون الانترنت لأنه الأكثر تمردا وتحرراً على سلطة الأهل والمجتمع..
 
 
 
 
 
 
 
25

20

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 في حين يفضل الكبار وذوي الخبرة وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والتلفزيونات المعروفة والموثوقة لديهم1

 
12 - أثبت الباحث الخبير في شؤون المعلومات والإعلام انطوني دونز طبقا لبعض الدراسات السلوكية والرياضية " أن تلقي المعلومات والمعطيات من قبل الجمهور في الحقل السياسي خاضع لقانون تلاشي العائدات الحدية، حيث يستمر طالب المعلومات من وسائل ووسائط الإعلام في استثمار المصادر لجمع البيانات إلى أن يعادل العائد الحدي من المعلومات كلفتها الحدية " والكلفة الحدية تشمل النفقات المالية والجهد والوقت الزمني المبذول في سبيل كسبها وتحصيلها، وهو يكاد يساوي صفر من الناحية المالية، لكن الجهد والوقت هو العامل الحاسم هذه الأيام.. 
 
13 - كما أثبت أن الشخص الملتزم التزاما كليا بشخصية أو قضية أو موضوع معين ليس لديه الدافع والرغبة الكبيرة للحصول على المزيد من المعلومات، لان أي معلومات جديدة لن تغيير من تفضيلاته وخياراته، في حين أن الشخص الغير ملتزم قد يحجم عن الاستفادة والتأثر بهذه المعلومات نتيجة تشككه بهذه المعلومات بالنظر إلى حالة التضارب الحاصلة في السوق الإعلامي وعدم توفر الوقت لديه لإجراء الأبحاث ومعالجة المعلومات فيلجأ إلى وسطاء المعلومات الأقرب إلى الوثاقة من وجه نظره، وبالعموم القاعدة هي أن الجمهور الملتزم يبحث غالبا عن ما يرسخ معتقداته لأنه يتشكك بكل المصادر التي تخالف هذه المعتقدات2
 
 
 

1- بروس بمبر مصدر سابق . ص 282 و309
2- المصدر السابق . ص 259. 

 
 
 
 
 
 
 
 
26

21

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 14 - اختبر الأميركيون تأثير شبكات الانترنت الاجتماعية والشبابية العام 1998 في اندونيسيا مع ثورة الشباب والجماهير لإطاحة نظام سوهارتو، ولاحظوا قدرتها على تأمين التعبئة والحشد، فقاموا بتوفير بوابات الخدمة على الشبكة servers خارج سيطرة الحكومة الاندونيسية، وقد أدت شبكة الانترنت دورا في تأجيج الاحتجاجات وتحريك الرأي العام الذي احتل الساحات والشوارع وحاصر البرلمان ومقرات الحكومة. 

 
15 - كما لاحظ الخبراء الأمريكان إمكانيات كبيرة لان تتحول وسائل الإعلام والاتصال إلى أدوات وأسلحة بيد حركات وتنظيمات مناهضة للغرب، وآثارهم الاستفادة الفعالة للحركة اليسارية الزاباتية Zapatista ضد الحكومة المكسيكية من الوسائط الإعلامية وخاصة شبكات الانترنت..وكذلك لاحظوا استخدام التنظيمات الإسلامية كتنظيم القاعدة وطالبان لهذه الوسائل والوسائط وجعلها في صلب نشاطها السري والإعلامي1
 
16 - يختلف تأثير وسائل الإعلام حسب سيطرة وتحكم الدولة بقطاع الاتصال والإعلام والمعلومات وطريقة أدارتها له والضوابط القانونية والإجرائية التي تضعها، وتستطيع عن طريق ضبط بوابات الانترنت الحد من تأثيره على شعبها . 
 
17 - إن تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والجيل الرابع خاصة أدت إلى تحولات وتبدلات في العلاقات من النمط والمشهد القروي والريفي نحو المشهد الاجتماعي المدني والصناعي، وهذا ما أدى إلى انهيار وتفكك الروابط الأسرية، وبروز التوترات العرقية والاثنية والمذهبية والثقافية، وتشظي
 
 
 

1- بروس بمبر مصدر سابق . ص 296 

 
 
 
 
 
 
27

22

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 وتداعي التماسك التنظيمي للمؤسسات السياسية والجماعات التقليدية، وبالمقابل برزت الجماعات الشبكية الافتراضية غير الواقعية أو ما سمي بـ جيل الانترنت1 و facebook" .. 

 
18 - تعتبر وسائل الأعلام الانترنتية الشبكية facebook وtwitter الأكثر استقطابا لمستخدمي الانترنت، وبحسب بعض الإحصاءات فأنها تحوز على نسبة ثلثي المتصفحين 2/3 ، كما أنها أثبتت فعاليتها في الحشد والتعبئة بما يفوق وسائل الإعلام التقليدية خاصة في وقت الأزمات والطوارئ فهي شبكات متمردة تستيقظ فجأة بزخم وقدرة حشد عالية وسريعة، وتستطيع تنظيم احتجاجات واضطرابات، ولكنها في نهاية المطاف شبكات ذات روابط سطحية ولا تصنع جماعات سياسية وفكرية منظمة ومتماسكة على المدى البعيد .. 
 
19 - وعلى ضوئه اعتبر الخبراء أن ليس بإمكان الدول العظمى أو غيرها عن طريق سيطرتها على الانترنت أن تحدث انقلابا أو ثورة في دولة معادية لها، لان التماسك التنظيمي وأنماط الاتصال الذي توفره شبكات الإعلام والانترنت والمعلومات التي تتسم باللامركزية والركاكة والسطحية والعاطفية لأنها منتجة عبر مسارات فردية ولا يمكن أن تعوض المزايا البديلة والجدية لنمط العلاقات التنظيمية والنفسية والإدارية الذي تقدمه النخب والقادة للجماهير.. ولكنها قد تساهم في تعبئة الجمهور نحو تحركات مطلبية قطاعية أو تحركات إصلاحية سياسية غير جذرية، أو حتى قد تصل لصناعة تمرد مدني، وقد تساهم في نقل صورة حية عن حركة الاحتجاجات
 
 

1- بروس بمبر مصدر سابق . ص 291 . 
 
 
 
 
 
 
 
28

23

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 أو الاضطرابات الطلابية والشبابية والشعبية وتضخيمها عبر شبكات الانترنت باعتبارها وسائل بعيدة نسبياً عن سيطرة الحكومات، وهذا يختلف بين دولة وأخرى حسب النظام الإعلامي والاتصالي والمعلوماتي الذي تعتمده، وبالمقابل فان هذه التحركات عرضة للاستغلال والتلاعب من قبل أجهزة الاستخبارات للتخريب والتأثير السياسي. 

 
20 - وهذا ما استنتجه الباحث الكندي ماكسيمان فورت في دراسته للحالة الإيرانية1 عندما حاولت أميركا والغرب القيام بثورة مضادة للثورة الإسلامية في إيران معتمدة على شبكات Twitter على الانترنت ..فتبين أن عدد الذين قاموا بهذه الثورة عددهم اقل من 45 من الفتيان والمراهقين والشباب، والكثير من المواد والصور عن إيران كانت وهمية ومزروة قامت بنشرها جهات مخابراتية أمريكية وإسرائيلية، فكان نصيبها الفشل والتشتت بعد أسابيع من الضخ لمعلومات كاذبة ومغلوطة. 
 
ثالثاً: الحرب الناعمة والجيل الرابع من تكنولوجيا الاتصال والإعلام 
 
أدى وصول الجيل الرابع من وسائل الإعلام والاتصال إلى الناس كافة إلى تحولات وانقلابات في موازين العالم الاجتماعي والسياسي والثقافي، هذا الجيل يشمل (الفضائيات والانترنت وأجهزة الاتصال المحمولة- الهاتف الخلوي الذي أصبح يزود بكاميرا للتصوير وخدمات بريد ورسائل نصية SMS وخط انترنت وشاشة تلفزيونية) وهو الذي قطع أشواطا في قدرته
 
 
 
 

1- 2. مقالة تحت عنوان " ثورة تويتر....أحلام أميركا في إيران " للكاتب الكندي ماكسيمان فورت / مركز قناة الجزيرة للدراسات 2009
 
 
 
 
 
 
 
29

 


24

الباب الثاني: تقييم وسائل الإعلام والاتصال المستخدمة في الحرب الناعمة

 على اختراق كافة الأنسجة الإنسانية والاجتماعية، بما يفوق التصور والتحمل البشري، بحيث امتدت وتسللت وسائل الإعلام والاتصال إلى داخل البيوت والمقاهي وداهمت العقول والحواس بغير استئذان، وغزت النفوس والأحلام والمنامات، وأصبحت بمتناول الأطفال والمراهقين والشباب " فالتقنيات الإعلامية الموظفة حالياً معق-ــدة وماك-ـرة لدرجة لا تصدق، فهي قادرة على دحر كل الدفاعات والموانع الطبيعية للإنسان " كما عبر ويلسون براين صاحب كتاب خفايا الاستغلال في وسائل الإعلام1 ما أسهم في حدوث تحول كبير في مناهج الحرب النفسية والدعائية ألبسها لباساً ناعماً مخملياً وأعطاها قدرة فائقة على الخداع والسحر ...بفضل توفرها بسهولة واستعمالها ببساطة وتيسرها بمجانية أو شبه مجانية...وهكذا احدث هذا الجيل من وسائط الإعلام والاتصال قفزات وتطورات حتمية وطبيعية ومتوقعة على صعيد مناهج الدعاية السياسية والنفسية والحربية من وجهة نظر كبار مفكري علم الوسائط الإعلامية كمارشال مكلوهان وريجيس دوبرية، لان كل تطور في تكنولوجيا وسائل الاتصال والإعلام يؤدي إلى أحداث تغييرات وتحولات نوعية موازية " ليس فقط في القيم والأنساق الاجتماعية والثقافية بل وحتى في البنى والتنظيمات والاستخدامات السياسية والعسكرية والأمنية والحساسيات والسلوكيات الإنسانية ". 

 
 
 

1- برمجة الوعي . سامي الموصللي . دار شعاع 2008 ص 61.
 
 
 
 
 
 
30

25

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

 الباب الثالث:


الحرب الناعمة
 في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي


. الحرب الناعمة احد وجهي العملة لثنائية العقل السياسي الأميركي
. عوامل الانتقال من أدوات التأثير الصلبة HARD إلى الناعمة SOFT 
. التشريح العلمي لتقنيات الحرب الناعمة التي تدخل عبر المنافذ الحسية 
.  المحفزات اللاشعورية واللاوعية من أخطر تقنيات البرمجة الناعمة 
 
 
 
 
 
 
31

26

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

 أولاً: الحرب الناعمة احد وجهي العملة لثنائية العقل السياسي الأميركي 


منذ تبلور العقل الأميركي المؤسس على نظريات ومدارس التفكير البراغماتية والنفعية والواقعية والتجريبية والسلوكية والكثير من الأفكار ويتجاذبه ثنائيتان اثنتان يتركب منهما، الصلابة والنعومة، تماما كما يتألف جهاز الكومبيوتر من قسمين وجانبين ناعم وصلب software وhardware كما أسلفنا، بحيث مثلت عقيدة الصدمة والترهيب ونظريات القوة والتفوق جانب الخشونة والصلابة في هذا الفكر وهي عقائد يتبناها بقوة تيار المحافظيين الجدد وقادة الحزب الجمهوري، وهذا التيار له فروعه وامتداته ورموزه في مؤسسات ومراكز صناعة القرار الأميركي، في حين مثلت العقيدة الناعمة واللينة الجانب الذي يتبناه التيار الليبرالي وقادة الحزب الديمقراطي الأميركي، وهي أيضا عقيدة متغلغلة في كافة الفروع والامتدادات الأميركية، فكلاهما يغلب ناحية على أخرى، والخلاف والتمايز بينهما يظهر في الارجحيات والأسبقيات، فلا الحزب الجمهوري يؤمن فقط بالجانب الصلب على إطلاقه، ولا الحزب الديمقراطي يؤمن بالجانب الناعم على إطلاقه، فالخلاف في النهاية يدور فقط حول ترتيب الأولويات والأهداف الحاكمة، وأساليب تنفيذ هذه الأهداف والسياسات، وتحديد أيهما ينبغي أن يحكم الاستراتيجيات والسياسات الخارجية والدولية لأميركا، والحزبين في صراع على هذه الأساس، وقد انبثقت من خلالهما عقائد وسياسات يتم تجريبها بدول وشعوب ونظم العالم الثالث خاصة.. ولهذا من الطبيعي أن يصدر عن دونالد رامسفليد وزير الدفاع 
 
 
 
 
 
 
 
32

27

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

 الأميركي الجمهوري الانتماء تصريح ينسجم مع المنطق العسكري ومنطق الصدم والترهيب الذي يقود الحزب الجمهوري والمحافظين الجدد فنراه يقول " أن الضعف يحرض عليك العنف " في حين تعبر القيادات الديمقراطية عن منطق القوة الناعمة كما في أفكار جوزيف ناي صاحب نظرية القوة الناعمة هو من مفكري الحزب الديمقراطي، كلك الأمر بالنسبة لجون برينان مساعد أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب الذي قال بأننا " سنحارب التطرف بالقوة الناعمة " ولعل من الطريف أن نقرب الأمر للأذهان بشكل محسوس أن نضرب مثل الشعارات والرسوم التي يتبناها كلا الحزبين في إعلامهما، فالحزب الجمهوري شعاره الفيل كناية عن القوة والضخامة والهجوم، في حين يتبنى الحزب الديمقراطي شعار ورسم الحمار كناية على الصبر وطول النفس 1... 

 
ثانياً: عوامل الانتقال من أدوات التأثير الصلبة HARD إلى الناعمة SOFT 
 
تعتبر الاستخبارات الأميركية CIA ووزارة الدفاع البنتاغون أول من بدأ برعاية أبحاث ومحاولات لتطوير وسائل وتقنيات مادية ( كيمياوية / الكترونية / كهرمغناطيسية /...) للسيطرة على الدماغ والعقل البشري والإدراك الحسي لتجنيده وتوجييه وضبط سلوكه وفقا للأجندات التي تخدم المشاريع والأهداف الأميركية، وجربت في البداية عمليات لبرمجة وعي وسلوك المجندين والعملاء والجواسيس الذين سيعملون مع CIA،
 
 
 

1- فقرة الحياة السياسية الأميركية، موقع وزارة الخارجية الأميركية على الانترنت vog.america.www

 
 
 
 
 
 
33
 

28

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

  وعلى أسرى العدو بهدف انتزاع المعلومات، وتحويلهم إلى عملاء مزدوجين، وذلك بهدف ضمان أعلى درجة من الوثوق، واستمرت هذه المحاولات لفترة طويلة منذ الأربعينات وحتى السبعينات مستعينة بأمهر الأطباء وعلماء النفس، وشارك فيها أكثر من 44 جامعة و12 مستشفى، وبقيت طي الكتمان حتى العام 1977 حين كشفت عنها صحيفة النيويورك تايمز على غلاف صفحتها الأولى تحت عنوان صادم "CIA تسعى لأسر واستعباد العقل البشري" وقد أثارت هذه القضية آنذاك ضجة كبيرة في الأوساط الأميركية والعالمية، وقد عطلت مجموعة عوامل سير هذه الأبحاث، ومنها كلفتها المالية والبشرية العالية وعدم ضمان وموثوقية نتائجها، والمعارضة الشديدة التي واجهتها بعد انكشاف أمرها، فانتقلت هذه المحاولات نحو البحث في حقول التأثير والبرمجة بالوسائل النفسية وما فوق النفسية عبر استغلال آخر ما توصلت إليه وسائل الاتصال والإعلام والمعلومات.. 

 
وقد قدمت على أثرها دراسات وأبحاث اعتمدت أحدث انجازات مناهج علم النفس وخاصة مبادئ المدرسة السلوكية الأميركية التي ترتكز على عقيدة تقول أن خلق بيئة محددة من القيم يعطي نتائج محددة من السلوكيات، كما ساعد تطور علوم البرمجيات اللغوية والعصبية والبارابسيكولوجي وما توصلت إليه تكنولوجيا الإعلام والاتصال التي بلغت ذروتها في العقدين الأخيرين في هذا الانتقال1.
 
كما توسعت الأبحاث نوعيا، كذلك توسعت كميا من برمجة عقل شخص أو مجموعة أشخاص إلى مستوى برمجة وتضليل وخداع رأي عام وعقل جماعي ونظم وشعوب بكاملها، وكذلك استهداف جيوش ودول وأحزاب ومنظمات...
 
كما استعيرت بعض التقنيات والوسائل التي تعتمد في الاستجوابات العسكرية 
 
 
 

1- برمجة الوعي . سامي الموصللي . دار شعاع 2008 ص . 85 . 

 
 
 
 
 
 
34

29

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

 وجرى تطبيقها في الحرب الناعمة، لأن منطق وعقيدة الصدمة والترهيب تغلغل إلى العقل الأميركي وامتدت تأثيراته إلى كافة فروعه سواء السياسية منها أو الاقتصادية 

 
أو الإعلامية أو العسكرية أو الاستخباراتية1 فكما يؤخذ الشخص الخاضع للاستجواب من قبل الجهة المستجوبة عبر مهاجمته بألوان وأصناف المؤثرات والصدمات والتهديدات الحسية والصلبة، وكذلك ألوان وأصناف المؤثرات والإغراءات والاغواءات الناعمة عبر جرعات تتناسب مع مراحل التحقيق لأجل" شل جهازه الفكري وتحطيم معنوياته والمس بمعتقاداته الإيمانية والدينية وتشتيت قدرته على المقاومة والتركيز والوعي وسلبه لإرادته وهذا ما يؤدي إلى الانهيار تحت ضغط الاستجواب المتواصل " كما جاء في النصوص الحرفية لوثيقة وكراس بند الاستجوابات لدى وكالة الاستخبارات الأميركية 2....
 
فان الشيء نفسه يحدث في حالة السعي للسيطرة على حالة جماهيرية أو شعبية عامة سواء كانت تابعة لدولة معادية او لتنظيم معادي، عبر أسرها وأخذها رهينة، ومهاجمتها دفعة واحدة بكل الوسائل بغية العبث بوظيفته الطبيعية وتوجيهها نحو السلوك المستهدف وتسمى هذه العملية ببرمجة الوعي والسلوك، فيتم توجيه مجموعة مؤثرات متناسبة مع مقتضى الحال وظيفتها الفعلية " إزالة ومحو وتنظيف المكونات الذهنية والنفسية السابقة للفرد أو الجماعة، وتفكيك الشخصية، عندها تبدأ عملية القيادة النفسية والفكرية عبر التلاعب بالمشاعر العامة وتضليل العقل الجمعي العامة وهزم الروح الجمعية العامة" ..
 
ومن ينظر بدقة وعمق إلى حالة جمهورنا العربي والإسلامي مع الإعلام 
 
 
 

1- نعومي كلاين . عقيدة الصدمة / شركة المطبوعات للنشر والتوزيع ط. 2009 . ص 31 وص42. 
2- المصدر السابق . ص 32 . 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

30

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

 ووسائل الاتصال وبرامج التأثير الناعم يكتشف أن العدو يعمل وفق نفس الآليات المطبقة في حالات الاستجواب، فوسائل الإعلام أصبحت تداهم حواس وعقول ونفوس الجماهير بعيدا عن أي سيطرة لأي نوع من المرجعيات الثقافية والسياسية والاجتماعية سواء كانت دولاً أو أحزابا أو نخبا فكرية أو حتى العائلات والأسر، وأصبحت الناس تؤخذ على غفلة من أمرها، ولا داعي في ظل هذه الأوضاع من استعمال القوة الصلبة ما دام أن القوة الناعمة أكثر فعالية وأقل كلفة.. 


وهل نحتاج إلى دليل على تعرض الإسلام والمسلمين وخط أهل البيت عليهم السلام ونظام الجمهورية الإسلامية في إيران والمقاومة وحزب الله وقوى المقاومة في المنطقة وسائر العالم الإسلامي إلى عمليات استجواب وبرمجة يومية ومتواصلة منذ 30 سنة ؟؟.. 

ثالثاً: التشريح العلمي لتقنيات الحرب الناعمة التي تدخل عبر المنافذ الحسية 

تعني برمجة الوعي بالمعنى التقني كجزء من الحرب الناعمة " التأثير والتلاعب بالوعي بهدف السيطرة عليه والتحكم بتصرفاته وسلوكياته ومواقفه أو توجيهه نحو أفكار ونماذج وسلوكيات جديدة، وعلى أقل التقادير إحداث نوع من الاضطراب النفسي وبلبلة الأفكار المفضية إلى حالة من التقاعس والتشويش والاضطراب النفسي والسلوكي". 

فأحداث وخلق بيئة فكرية ونفسية مضطربة لدى عينة من الإفراد والجماهير هي شرط لتحضير وتهيئة الأرضية الضرورية لتقبل النماذج
 
 
 
 
 
.
 
36

31

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

  والسلوكيات المصممة مسبقا طبقا للمدرسة السلوكية التي تشكل جوهر العقل الأميركي1 ..

 
وكي تحدث هذه البرمجة يجب تعريض الجمهور لمواد ومعطيات ومعلومات إعلامية مركزة على منافذ التلقي الذهني والنفسي التي تعتمد حسب الأبحاث العلمية بنسبة 80 % على المصادر الحسية البصرية والسمعية2 كما وتشارك هذه المعطيات الحسية المختزنة عبر تفاعلها في الذاكرة وفي عمليات صناعة المعرفة الذاتية عبر الوعي واللاوعي في النسبة 20% الباقية، وإذا كان الجهاز المعرفي والإدراكي للإنسان هو جهاز حسي بنسبته الغالبة، وربطاً بذلك فإن الجهاز العصبي الذي ينفذ أوامر الجهاز الإدراكي ينفعل ويتفاعل مع المعطيات والمواد الحسية أشد الانفعال ويترك بصماته الفيزيولجية والبيولوجية على الدماغ....والدماغ يركز على أخر المعلومات والمعطيات المختزنة، وهذا ما يمكن هذه الوسائل من فرض جدول أعمالها وتوجيهاتها على الجمهور..ولنا أن نتخيل كم يتم برمجة رأينا العام وجمهورنا وتغذيته بأفكار وسلوكيات وميول لا علاقة لها لا بالمعقول ولا بالمنقول. 
 
ولكي نقارب القضية من وجهة نظر فكرية إسلامية سنورد نصا رائعا وعظيما من تراث الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) تحدث فيه عن الطبيعة الحسية للجهاز المعرفي للإنسان، مؤكداً أن الترقي الروحي يحدث في سويعات ولحظات محدودة3 يقول " الإنسان خلق حسياً أكثر منه عقلياً خلق
 
 
 

1- برمجة الوعي . سامي الموصلي . دار شعاع 2008 ص 85. 
2- مقالة بعنوان " التربية والإعلام . مواجهة مرشحة للتزايد" للدكتورة نهوند القادري عيسى / إذاعات عربية / المجلة الدورية الصادرة عن اتحاد إذاعات الدول العربية عدد 2005 . 
3- أهل البيت عليهم السلام تنوع ادوار ووحدة هدف . الشهيد السيد محمد باقر الصدر .. ص 48. 

 
 
 
 
 
 
37

32

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

  يتفاعل مع حسه أكثر مما يتفاعل مع عقله، يعني أن النظريات والمفاهيم العقلية العامة في إطارها النظري هذه المفاهيم حتى لو آمن بها الإنسان إيماناً عقلياً حتى لو دخلت إلى ذهنه دخولاً نظرياً مع هذا لا تهزه ولا تحركه ولا تبنيه ولا تزعزع ما كان فيه ولا تنشئه من جديد إلا في حدود ضيقة جداً. على عكس الحس فان الإنسان الذي يواجه حساً، ينفعل بهذا الحس و ينجذب إليه، وينعكس هذا الحس على روحه ومشاعره وانفعالاته وعواطفه بدرجة لا يمكن أن يقاس بها انعكاس النظرية والمفهوم المجرد عن أي تطبيق حسي.


وليس من الصدفة أن كان الإنسان على طول الخط في تاريخ المعرفة البشرية أكثر ارتباطاً بمحسوساته من معقولاته وأكثر تمسكاً بمسموعاته ومنظوراته من نظرياته.

فإن هذا هو طبيعة التسليم الفكري والمعرفي عند الإنسان وليس من الصدفة أن قرن إثبات أي دين بالمعجزة وكانت أكثر معاجز الأنبياء معاجز على مستوى الحس لأن الإنسان يتأثر بهذا المستوى أكثر مما يتأثر بأي مستوى آخر..أي عبر هذا المستوى من الانخفاض من المعرفة أكثر مما هو متفاعل مع المستوى النظري المجرد عن المعرفة وهذا يعني أن الحس أقدر على تربية الإنسان من النظر العقلي المجرد ويحتل من جوانب وجوده وشخصيته وأبعاد مشاعره وعواطفه وانفعالاته أكثر مما يحتل العقل" المفهوم النظري المجرد" وبناء على هذا كان لا بد للإنسانية من حس مربي، زائد على العقل والمدركات العقلية الغائمة الغامضة التي تدخل إلى ذهن الإنسان بقوالب غير محدودة وغير واضحة. 

إضافة إلى هذه القوالب كان لا بد لكي يربى الإنسان على أهداف السماء على مجموعة من القيم والمثل والاعتبارات كان لا بد من أن يربى على أساس الحس وهذا
 
 
 
 
 
 
38

33

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

  هو السبب في أن كل الحضارات التي يعرفها تاريخ النوع البشري إلى يومنا هذا إلى حضارة الإنسان الأوروبي التي تحكم العالم ظلماً وعدواناً كل هذه الحضارات التي انقطعت عن السماء رباهاً الحس ولم يربها العقل، لأن الحس هو المربي الأول دائماً فكان لا بد لكي يمكن تربية الإنسان على أساس حس يبعث في هذا الإنسان إنسانيته الكاملة الممثلة لكل جوانب وجوده الحقيقية كان لا بد من خلق حس في الإنسان يدرك تلك القيم والمثل والمفاهيم ويدرك التضحية في سبيل تلك القيم والمثل إدراكاً حسياً لا إدراكاً عقلانياً بقانون الحسن والقبح العقليين" ...


رابعاً: المحفزات اللاشعورية واللاوعية من أخطر تقنيات البرمجة الناعمة 

نشير في بداية هذه الفقرة إلى أننا وكي لا نذهب بعيدا في اعتماد مقولات علم النفس الحديث وتقسيمه للعقل بين وعي ولا وعي وشعور ولا شعور ولكي لا ندخل في إجابات حاسمة والجدل بشأنها، سنقرب الفكرة بما ذكره الباحث العراقي علي الوردي لجهة مقارنتها بما ورد في علم الأخلاق الإسلامي وما أشار إليه صاحب كتاب جامع السعادات العلامة النراقي من أن" الخاطر ما يعرض في القلب من أفكار فان كان مذموما سمي بالوسوسة وإذا كان ممدوحا داعيا للخير سمي إلهاما ". 

ولو ذهبنا نحو المزيد من التشريح الدقيق ودائما بحسب الأرقام والأبحاث العلمية نشير إلى أن العقل والدماغ البشري يستقبل المعطيات الحسية والمواد والرسائل الإعلامية عن طريق وسائل الاتصال والإعلام المختلفة ( تلفزيون / إذاعة / فضائيات / صحف ومطبوعات ومجلات / مواقع انترنت / إعلانات /
 
 
 
 
 
 
 
39

34

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

  أجهزة الاتصال الفردية الخلوي / الخ) بمعدل يصل إلى مليوني معلومة وجزئية في الجرعة الواحدة) مليوني Beta باللغة العلمية) يدخل منها إلى الوعي نسبة قليلة جدا تقل عن 10% ويذهب القسم الباقي أي 90% إلى اللاوعي محدثا أثاره البطيئة عبر عمليات التأثير وعبر فتح قنوات وآليات الاتصال والتفاعل بين اللاوعي والوعي في أروقة وعوالم العقل الباطن..


بمعنى آخر فأن المنظومة الدماغية والعصبية تسيطر ليس فقط على حركة الجسم وإنما أيضا على إفرازات الهرمون والمعايشة والتفكير والوعي والسلوك وفهم العالم والذات. في نفس الوقت ليس كل ما يتحكم فيه الدماغ يخضع لرغبتنا الواعية، بل أن بعض الوظائف يقوم الدماغ بإدارتها بدون الحاجة إلى قرارات واعية. 

وبناء على ما سبق، فان الإنسان في تواصله وتلقيه المعرفي والثقافي والترفيهي وحتى الاجتماعي أصبح مدين وتحت تأثير هذه الوسائل وخاصة التلفزيون والانترنت، ولا يحتاج هذا الأمر إلى كثرة استدلال، يكفي أن نشير إلى إحصائية علمية تكشف إن الجمهور يتعرض لوسائل الإعلام بمعدل 3- 4 ساعات يوميا، أي ما يوازي 1000 ساعة سنوياً، مقابل 800 ساعة يقضيها التلاميذ والطلاب في المدارس أو الجامعات، وهناك إحصائيات تقول أن المتلقي العربي يتعرض ل ـ 6 ساعات يومياً و1500 ساعة سنوياً من مختلف أنواع الوسائل الإعلامية. 

هذا التعرض (المشاهدة التلفزيونية أو الاستماع والسماع الإذاعي أو التصفح الالكتروني الانترنتي) سيؤدي إلى حدوث أثار ومضاعفات هائلة في صوغ وتشكيل وتشويش أذهان الناس وتوجيه ميولها النفسية والجمالية والاستهلاكية والأخطر
 
 
 
 
 
 
 
 40

35

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

  من كل هذا برمجة وعيها الثقافي والديني والسياسي وخاصة الشرائح الرخوة الأكثر عرضة للتأثير - الأطفال والمراهقين والشباب... 

 
وكما هو معروف فان اللاوعي نظام تخزيني وترميزي هائل في الذاكرة، ومن الناحية التقنية تحصل عمليات التفريغ والاستبدال لمعطيات ومكونات الوعي بما يشبه تقنية الأثقال البصري المعروفة والتي تقوم على تحميل الوعي كمية معطيات ومواد بصرية وسمعية أكثر من قدرته على الاحتمال لدرجة الإفاضة فيقوم بتصديرها بالضرورة إلى اللاوعي مضخما إياه بأجزاء ونتف من المعلومات والصور والأفكار والآراء التي لم يجري معالجتها وتصنيفها وتصريفها بحكمة ورشد ووعي، وكلما امتلئ العقل الباطن بها زادت نسبة تشوش الجهاز الفكري والنفسي للفرد، فالعقل الباطن والعقل الظاهر يتعاكسان في الطبيعة وكلما اشتدت فعالية احدهما ضعفت فعالية الأخر، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى عدم الانسجام والتوازن بل والصراع بين العقل الباطن والعقل الظاهر، فينتج عنه سلوكيات مزدوجة كالنفاق والرياء والتناقض بين الأقوال والأفعال1، الأمر الذي يشاهده بالعيان في سلوك أغلبية الناس هذه الأيام، حيث اللايقين واللامبالاة إزاء قضايا مقدسة وكبرى وأمواج من الضياع والتيه والتشتت الفكري والروحي والنفسي والتفسخ القيمي والاجتماعي وتبرير وتقبل للباطل بسهولة منقطعة النظير واقتحام للمعاصي والجريمة بألفة واستأناس ..!! . 
 
ولهذا، فالعقل الإنساني لا يستطيع محو أثار المعطيات المختزنة بدون أن تترك بصماتها وتشوشاتها عليه، وقد يستطيع استقبال وإضافة معلومات صحيحة
 
 
 

1- خوارق اللاشعور . علي الوردي الوراق للنشر . ط. 2 عام 2008. ص 222 . 
 
 
 
 
 
 
41

36

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

  وجديدة وضمها إلى المعلومات المغلوطة القديمة، ولكن التفاعل والتسرب سيحصل بين اللاوعي والوعي بصورة حتمية لاإرادية، ومهما حاول الإنسان ضبط وعيه وشعوره فان اللاوعي واللاشعور سيطلقان بالحد الأدنى محفزات وإيحاءات ذاتية يصعب التفلت منها، ولوا في حالات الاسترخاء والنوم والأحلام، وهذا التحول يحدث بأسلوب تدريجي جرعة اثر جرعة قد يحصل في غضون أسابيع وأشهر وليس في ساعات...... 


مثال على ذلك فيما لوا بثت 10 قنوات تلفزيونية حملة مركزة على مدى شهر كامل وبشكل متكرر أمام جمهور محدد مجموعة من الرسائل والمقولات والمغالطات من مثل (ولاية الفقية هي ديكتاتورية دينية / ولاية الفقيه تقمع الحريات وتمنع الديمقراطية / ولاية الفقيه ضد الإبداع / ولاية الفقيه تصادر العقول / ولاية الفقيه هي احتكار للسلطة من قبل رجال الدين / الولي الفقيه فوق القانون/ الولي الفقيه يتحكم بشؤون البلاد والعباد).... فان الوعي أما آن يتقبلها وإما أن يرفضها، فإذا قبلها دخلت وركزت في الوعي وفق عملية تسمى بالإرساء حسب مصطلحات علم البرمجة اللغوية والعصبية وأصبحت معتقدا، وإذا رفضها ذهبت إلى اللاوعي، وهناك كلما ازدادت كميتها أطلقت في النفس محفزات ووسوسات لاواعية ولاشعورية، وبالطبع ليس كل الناس على درجة واحدة من التأثر والتفاعل، فكلما كان الشخص يقظ الوعي نافذ البصيرة راسخ الإيمان صلب الإرادة، كلما منع هذه السلبيات من أن ترسي في وعيه ونفسه، ولكن الخطورة تبقى في الفئات الرخوة ( الأطفال / الشباب / الأميين ) فهؤلاء كالأوراق البيضاء التي يمكن أن يكتب على صفحاتها كل شيء .. 
 
 
 
 
 
 
42

37

الباب الثالث: الحرب الناعمة في الإطار الفكري والتاريخي والعلمي

 واستطراداً، فلوا فرضنا أننا قمنا بعملية برمجة إعلامية مضادة العادة فرد آو جماعة تعرضت لضخ إعلامي سلبي فليس من السهل أخراجها من هذا المستنقع بدون مضاعفات، هذا إذا قطعت الخطوات المطلوبة وتابت وعادت إلى رشدها، لان محو المعطيات والمواد المغلوطة والمزورة من الدماغ والعقل البشري ليس بالسهولة التي قد يتصورها البعض، وعندها تكون الأغلبية من هذا الجمهور قد سقطت وغرقت في وحول الكفر واللايمان وسقطت على الطريق أو في منتصف الطريق قبل أن تتلقفها يد الهداية الإلهية. 


ومن هنا خطورة الإدمان والتعرض السلبي لوسائل الإعلام، فالتكرار والتوكيد يصنعان التصورات والمعتقدات خاصة إذا ما شحنا بجرعات عاطفية ومؤثرات بصرية ايحائية كما يقول الباحث الشهير غوستاف لوبون. 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

38

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 الباب الرابع:


وظائف الحرب الناعمة



. معركة كسب الشرعية ونزع الشرعية من وظائف الحــــرب الناعمة 
. بث اليأس والإحباط والشكوك حيال الرموز والمعتقدات والمستقبل
. زيادة حدة الانقسامات والصراعات واخذ العدو لدور المنقذ والمخلص 
. تهيئة الأرضية للتحرك الاستخباراتي من أهم وظائف الحرب الناعمة
. الصدم والترهيب وظيفة الحــرب النــاعمة أثناء الحـــرب


 
 
 
 
 
 
 
45

39

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 أولاً: معركة كسب الشرعية ونزع الشرعية من وظائف الحــــرب الناعمة 


من يقرأ كلام روبرت رايلي مدير إذاعة صوت أميركا التي يقول فيها "أن الطبيعة الحقيقية للصراع اليوم هو صراع المشروعية في عقول وقلوب الناس والرأي العام، وليس صراع القوى العسكرية، أن الحروب تخاض ويتم تحقيق النصر أو الهزيمة فيها في ساحات العقول والقلوب قبل أن تصل إلى ميادين القتال" يتعرف على ماهية المعركة على الشرعية في عالم اليوم.

هذا النص يبرز إحدى أهم وظائف الحرب الناعمة، ويبين طبيعة الصراع الدائر، انه سلاح كسب الشرعية، ونزع الشرعية، لان طبيعة المتغيرات والتحولات في القانون والعلاقات الدولية في الستين عاما الماضية، ورسوخ بعض المبادئ على المستوى الدولي، وخاصة احترام الحد الأدنى لبعض قواعد حقوق الإنسان وقواعد الحرب حسب معاهدات جنيف، ونظرية عدالة الحروب ومبرراتها، والتي أصبح لها مقبولية عالمية، تقف حائلاً يمنع أميركا وإسرائيل وغيرهما من التوغل إلى مالا نهاية في سفك الدماء وأحداث الدمار، وطبعا الاهتمام بالشرعية ازدادت أهميته بعد فشل نظريات القوة الصلبة والحسم العسكري، فلوا أن الحروب نجحت في تدمير الأعداء بسرعة معقولة بنظرهم لما تم الرجوع لا إلى الشرعية ولا إلى القانون الدولي، ولهذا دفعت أميركا ثمنا باهظا من صورتها وسمعتها في حروبها في أفغانستان والعراق، لأنها ذهبت بدون موافقة دولية، ولأنها انكشفت تكذب على المجتمع الدولي حول أسلحة الدمار الشامل، ولأنها انكشفت ترتكب إعمالا وحشية مصنفة جرائم في القانون الدولي الإنساني، وكل هذا حصل بعد أن
 
 
 
 
 
 
 
46

40

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

  فشلت في تحقيق الهزيمة العسكرية، فالشرعية الدولية فعالة في المحاسبة اللاحقة للأسف أي بعد ارتكاب الجرائم وليس قبلها..وهذه القضية من أهم القضايا التي قوضت الشرعية الدولية للأمم المتحدة. 


وكذلك الأمر مع العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة، فبعد فشل إسرائيل في حربها في تموز 2006 أتى من يقول أن هذه الحرب لا تتفق مع القانون الدولي وان القنابل محرمة دوليا وما شاكل، وفي تقرير غولدستون الأخير الذي أدان إسرائيل في عدوانها على غزة 2009 شعرت إسرائيل بالإحراج أمام المجتمع الغربي فقط ليس لخجلها من ارتكاب الجريمة بل بسبب الإدانة الدولية من جهة دولية محترمة في الغرب ..وبناء عليه لسنا سذج لنقول إن المجتمع الدولي عادل وتسوده القوانين ولكن هناك حد أدنى لا يمكن للعالم أن يقبل بتخطية ليس حفاظا على المسلمين بل على الأقل حفاظا على قوانين اللعبة الدولية وسمعة الأمم المتحدة وماء وجهها وما يسمى بالشرعية الدولية من جهة، وثانيا لان هناك نوع من الرأي العام الغربي لا يقبل بأي عمل تقوم به هذه الحكومات إذا لم يكن شرعيا وقانونيا ويخدم مصالح الغرب وفقا للقواعد المرعية في بلادهم، فرئيس الوزراء البريطاني توني بلير اتهم وحوكم واحرج وادين لأنه كاذب ومخالف للقوانين البريطانية وليس لأنه ارتكب الجرائم في العراق وأفغانستان، ولهذا تسعى أميركا وبريطانيا وإسرائيل في حروبهم المتنقلة ليكون هناك نوع من الغطاء والدعم والحشد الدولي لأي معركة بالنظر لهذه الأسباب. 

وبالعودة إلى وسائل الإعلام والاتصال، فهي لاعب مهم في معركة الشرعية، في تقديم الصورة عن كل طرف وعن طبيعة المعركة الدائرة، فعندما سرب التقرير عن التعذيب في سجن غوانتناموا أحرجت أميركا اشد الإحراج ليس من
 
 
 
 
 
 
 
47

41

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 هول الجريمة بل من انكشاف الفضيحة، لان ضبطت ترتكب خروقات تشكك في شرعية المعركة... على ضوء هذه المقدمة، تريد أميركا وإسرائيل ومن يتحالف معهما من وسائل الإعلام تسويغ نظريات ومقولات ضد إيران وحزب الله وسوريا وحماس وكل القوى التي تواجههما، لكسب شرعية المعركة، عبر شعارات لها سوقها الرائج في المجتمع الدولي ولدى الرأي العام الغربي خاصة " السلم والأمن الدولي وحقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب " وما شاكل من عناوين باطلة .. ولهذا رأينا أن إسرائيل أفردت محور خاص في مؤتمر هرتسليا الأخير وهو من أهم المؤتمرات الصهيونية لقضية كسب الشرعية الدولية، شرعية وجود إسرائيل ودفاعها عن نفسها، وغيرها من العناوين التي تراها إسرائيل شرعية من وجهة نظرها، وأوصى المؤتمر بالعمل على تعديل بعض قواعد القانون الدولي الإنساني ومعاهدات جنيف لآجل تبرير المزيد من الجرائم في فلسطين ولبنان والمنطقة...  


وبناء عليه ، فمن أهم وظائف الحرب الناعمة معركة الشرعية، الشرعية الدولية والشعبية والإعلامية ( الرأي العام ) ..فعندما يجري وصف إيران بأنها تعمل لزعزعة السلام والأمن الدولي فان هذا يسهل اخذ الإجراءات الصارمة بحقها في مجلس الأمن بدو أي ردة فعل أو اعتراض من احد، ويصبح مبررا القيام بأي عمل أو عدوان ضدها، وكذلك الأمر إذا ما ادين حزب الله بارتكاب إعمال إرهابية فان هذا يدينه أمام المجتمع العربي والإسلامي واللبناني ويسهل القيام بأي عمل عدواني ضده . 

كما أن معركة الشرعية لها مستوى داخلي أي مواجهة الشرعية الداخلية للنظم والقوى المعادية لأميركا وإسرائيل في بيئاتها الخاصة والداخلية، فشن حملة قوية لمواجهة شرعية ولاية الفقيه العمود الفقري لنظام الجمهورية الإسلامية
 
 
 
 
 
 
 
48

42

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

  الإيرانية يخدم السياسيات الأميركية والصهيونية 100%، والقول أن ولاية الفقيه تتنافى مع الديمقراطية وحكم الشعب وحقوق الرأي والتعبير وما شاكل من عناوين يخدم هذا الهدف، كذلك الأمر مع حزب الله، فقد شنت حملة على سلاح المقاومة، وانه سلاح للسيطرة، وسلاح للفتن، وسلاح للإرهاب، وسلاح للإخلال بالأمن والسلام في المنطقة وما شاكل يصب في نفس هذا المخطط والتوجيه. فنزع الشرعية بنظرهم يؤدي إلى انفضاض الناس من حوله، وانحسار الالتفاف والتأييد الشعبي من حوله، وإنهاكه بمعارك لإثبات الشرعية أمام جمهوره وشعبه وأصدقائه.وهذا ما يخسره نقطة قوة رئيسية ومركزية حسب حساباتهم وقرائاتهم. وهذا ما يصدق على الوظيفة الحقيقية للمحكمة الدولية في اغتيال الحريري. فهي لها هدف استراتيجي واحد في إطار معركة نزع الشرعية عن حزب الله وأشغاله بصراعات داخلية. 


ثانياً: بث اليأس والإحباط والشكوك حيال الرموز والمعتقدات والمستقبل

وهذه الوظيفة من الأدوار المهمة التي تقوم بها الحرب الناعمة، فالعدو يجهد لدب اليأس والإحباط في قلوب الجماهير والناس، لتقليب الناس على نظمها الشرعية، وقادتها، وللتشكيك بقضاياها ورموزها ومقدساتها، وزرع فكرة المستقبل القاتم، وعدم الجدوى من مواصلة الطريق، وان هذا الطريق مدمر وانتحاري، ولا عقلاني، وغيرها من الحملات الإعلامية والعناوين الزائفة والاتهامات والإشاعات المتواصلة والمبرمجة الطويلة المدى، وتستهدف هذه الحملات تحقيق ثلاثة غايات: 
 
 
 
 
 
 
 
49

43

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 1ـ استمالة جزء من هذا الجمهور نحو مشروعهم، وتوجيهه للانقلاب والارتداد على شعاراته وأفكاره السابقة. 

 
2ـ بلبلة الأفكار وتشويش النفوس لتعطيل وتجميد نشاطات وطاقات جزء من جمهورنا من خلال الدعوة لنظريات ومواقف الحياد. 
 
3ـ إحداث حالة من التردد المفضي إلى اللامبالاة والتقاعس عن نصرة الحق. 
 
هذه الأساليب ليست جديدة، فقد شهدتها ساحات المعركة في صدر الإسلام مع الأراجيف والإشاعات التي كانت تبثها جبهة الكفر والنفاق والشرك ضد الرسول (ص) وإتباعه لهدم إيمانهم وإضعاف إرادتهم والفت من عزائمهم، كما استعملها يزيد وولاته لإحباط ثورة أهل الكوفة عليه والحؤل دو التفافهم على مسلم بن عقيل سفير ورسول الحسين(ع) إليهم، كما شهدها التاريخ البشري على امتداد حضاراته..ولكن الفرق هو بالوسائل، فبينما كانت الإطراف تعتمد في السابق على الجواسيس والعملاء المزدوجين للقيام بهذا الدور كما فعل عبيد الله بن زياد مع أهل الكوفة وكما فعل جنكيزخان القائد المغولي مع ملوك وبلدان العالم الإسلامي، أصبح يتم الآن الوصول لنفس الأهداف بوسائل ناعمة، عبر الرسائل الالكترونية والصور المرئية عبر المسلسلات والأفلام والخطابات والحوارات التلفزيونية اليومية وصفحات وشبكات الانترنت، وحتى في العاب فيدو الأطفال والمراهقين1 playstation ..
 
حيث يتم زراعة أنماط تفكير وتصاميم ثقافية غربية ورؤية غربية للعالم وتمرير مصطلحات وتعابير ويتم سحب واستدراج الناس إليها بإرادتها الحرة ؟ 
 
إذا هناك إمكانيات وفرص كبيرة للتلون والاختفاء تؤمنها تكنولوجيا الاتصال
 
 
 

1- بحث منشور بعنوان " ولت ديزني وصناعة العقول ـ قوة ناعمة اشد فتكاً" www.quran-radio.com/
 
 
 
 
 
 
 
 
50

44

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

  والإعلام لم تكن متوفرة سابقا، كما أن هذه الوسائل دخلت البيوت جميعها، بعنوان أنها وسائل محايدة، فلك أن تختار أن تشاهد إي قناة أو إي وسيلة، فلا أرغام في ذلك، وهكذا يتربى أطفالنا وشبابنا ويتشربوا هذه الرسائل وهذه الثقافة التي يرسمها العدو قبل أن تصل إليهم أيدي الهداية والإرشاد، ومن هنا خطورة الحرب الناعمة، واخطر ما في الحرب الناعمة هو عدم تقدير البعض لهذه الخطورة.. 


ثالثاً: زيادة حدة الانقسامات والصراعات واخذ العدو لدور المنقذ والمخلص 

وهذه السياسية ليست جديدة فهي إستراتيجية قديمة أسسها البريطانيون في بلادنا لكن الجديد فيها هو الدخول المباشر والعلني والوقح على خط ولعبة الاجتذاب والاستقطاب والفرز لإطراف وتيارات وشخصيات إسلامية وعربية من خلال تصنيفات وعناوين تبعا لقربها وارتباطها بشعارات قريبة أو بعيدة من المشروع الغربي الصهيوني (اعتدال- تطرف - حداثي - ليبرالي- إسلامي متشدد - إسلامي عصري - راديكالي - براغماتي -...الخ) وعبر اخذ دور المنقذ والمخلص لها في مواجهة بعضهم البعض، حيث مع اتساع دائرة الانقسامات والاختلافات بين الشركاء والإطراف والشخصيات داخل أجنحة النظام في البلد المعادي لهم أو لدى أي شعب أو دين أو طائفة أو مذهب يعادي مشاريعهم، يتم الدخول على الخط بالخفاء لزيادة وتأجيج وتعميق الصراعات أولا، والزج بلعبة التصنيفات وتكريس حدة الانقسامات ثانيا، وبث الخوف من خطر انتصار طرف على طرف ثالثا، وبعدها يتم السعي للوصول إلى مستوى يتمنى فيه الطرف الذي يقترب من مشاريعهم أو مجرد أن يتقاطع معهم العمل شبه العلني تحت رايتهم 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

45

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 والانتصار لأفكارهم ويتم عندها دعمه إعلاميا وماليا وزجه بمواجه كاملة مع الطرف الشريك والصديق في الدين والوطن والنظام الواحد، وعندها يصل البعض إلى درجة تبرير العمل تحت راية العدو لأجل هزيمة شريكه تحت شعار وحجة أن هذا جزءاً من التكتيك وضرورات المعركة، وهنا وعند الوصول الى هذه النقطة تدخل الجهات الاستكبارية على الخط للتجنيد والاجتذاب السياسي والإعلامي والناعم، عبر الأذرع والفروع الإعلامية والدبلوماسية والفكرية والبحثية المنتشرة والمرتبطة بالعدو، وهذا ما تقوم به للأسف إطراف وتيارات إسلامية وعربية سواء عن علم وعمالة وارتباط حقيقي، أو بداعي الحقد والانتقام والجهل والمكابرة وسوء التقدير، وهذه الأمور ليست تحليلات وتخيلات نظرية، بل هي في صلب خطة كشفت عنها وثيقة دراسة راند البحثية الأميركية المقربة من البنتاغون1... مع العلم أن الدراسة أكدت على ضرورة توخي الحذر والسرية في مباشرة الأنشطة المفضية إلى تأجيج الصراعات، كما شددت على ضرورة عدم أظهار أي دعم علني للطرف المصنف حسب طبيعة المرحلة ووفقا لسير الخطة وتبعا لتلائمها مع الأهداف، كي لا ينكشف هذا الطرف المتعاون معهم في مرحلة مبكرة فيضعف موقفه أمام الرأي العام وتظهر حقيقة المستفيد الحقيقي من المعركة التي يخوضها. 

 
وهذا شبيه بالإجراءات والتكتيكات التي تقوم بها الجهات الاستخبارية أثناء عمليات تجنيد الأفراد والعملاء، فهي تقوم بتامين ساتر وغطاء لعميلها كي يتمكن من تنفيذ برنامجه والتحرك المرن على أكمل وجه. وفي النهاية
 
 
 

1- الدراسة مدرجة في البند اللاحق. 
 
 
 
 
 
 
52

46

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

  يتم أنهاك هذه الإطراف والجهات بصراعات داخلية تخدم العدو 100%، وبعد انقشاع غبار المعركة يكتشف الطرف الذي صارع وقاتل شريكه لأجل قضايا وهمية بصورة متأخرة وبعد فوات الأوان انه كان يخدم أجندة العدو ويصبح في وضع يصعب عليه الاعتراف بانخداعه وتتعقد احتمالات عودته عن الخطأ.


رابعاً: تهيئة الأرضية للتحرك الاستخباراتي من أهم وظائف الحرب الناعمة
 
من وظائف الحرب الناعمة الأساسية تهيئة الأرضية والبيئة الملائمة للتحرك الاستخباراتي والعملاني على الأرض لكي تصبح جاهزة لتقبل وتمرير وتنفيذ السياسات الأمريكية، فالحرب الناعمة جزء من كل أي أنها لا تعمل كسياسة منفصلة ومستقلة عن الخطة الكبرى..

ولا يتصور احد أن العقل الأميركي والغربي قد يكتفي باعتماد الحرب الناعمة لإسقاط النظم المعادية عبر وسائل وأجهزة الاتصال والإعلام بشكل منفصل عن أي تحركات على الأرض، فهذا لا ينسجم مع الدواعي المنهجية ولا مع طريقة عمل الأجهزة الأميركية والغربية والصهيونية، ولا تتطابق مع ما كشفته المستندات والوثائق والتصريحات التي أعلنها ضباط سابقون في الاستخبارات الأميركية حول طريقة إعدادهم للانقلابات أو لإسقاط الأنظمة والقوى المعادية لهم، فالحرب الناعمة لا بد أن تتزامن مع تأسيس شبكات ودعم وتمويل قوى معارضة ومنشقة عن النظم والقوى المعادية لأميركا بالخفاء والسر، أو عبر الدعم غير المباشر عبر تقاطع المصالح من خلال الدعم السياسي والإعلامي عبر تضخيم أدوارهم 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

47

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 وتسليط الضوء عليهم لصناعة نجوميتهم، وإبرازهم كدعاة ورموز للديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحريك الرأي العام للالتفاف حولهم، ولا بد من تجنيد المؤسسات الإعلامية والإعلاميين ورؤساء التحرير وكتاب الأعمدة والمراسلين وبعض الفنانين والمثقفين وبعض القطاعات المدنية المخترقة لخدمتهم وخدمة شعاراتهم، كما تتزامن الحرب الناعمة مع عمليات استخباراتية على الأرض، لتخريب وهدم الوئام والانسجام بين قادة ورجال النظام وبث الفرقة والفتن بين النظام ومختلف فئات الشعب وتياراته، ولا مانع إذا تطلب الموقف ووصلت الحرب الناعمة إلى نتائج حاسمة في تهديد النظام المستهدف من اغتيال بعض هذه الشخصيات المعارضة أو القيام بتفجير أهداف مدنية أو عامة لأجل تحقيق الأهداف الأميركية..فهذا ما يسمح به ميثاق وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA تحت عنوان" حذف شخصيات مؤثرة لدعم أهداف نفسية ودعائية ضمن خطة تحرك كبرى" وهذا ما حدث بالفعل في عدة بلدان تحركت فيها الاستخبارات الأميركية لتغيير النظم وإسقاط الحكومات والرؤساء وتنصيب العملاء1.. 

 
خامساًً: الصدم والترهيب وظيفة الحــرب النــاعمة أثناء الحـــرب
 
إما في حالة الحرب والمواجهة العسكرية حيث يفرض مبدأ الحسم السريع للمعركة دمج وسائل وأساليب القوة العسكرية والمادية الصلبة مع أساليب ووسائل الحرب النفسية، فيصبح وظيفة الحرب الناعمة في تقديم وتمهيد وتحضير الأرضية لأجل نجاح ودعم العمليات العسكرية، عبر معركة الشرعية كما أسلفنا، وهذه قد تأخذ سنوات، ريثما يتم إقناع الإطراف التي يعنيهم أمر أقناعها، إي الأطراف الدولية أو الداخلية التي تعتبر ضمن
 
 


1- ارث من الرماد. تاريخ CIA . مصدر سابق . ص 437 و465. 
 
 
 
 
 
 
 
54

48

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 خطة الحرب عندهم كجزء ضروري من عوامل النصر في المعركة، وليس لأجل سواد عيونها، سواء لكسب صوتها أو جرها إلى المعركة أو لأجل ضمان عزلها وتحييدها وتجميد نشاطها، وغيرها من المستلزمات والمتطلبات، كما تلعب القوة الناعمة أدوراً لاحقة لما بعد سقوط الهدف المعادي سواء كان دولة أو نظاما أو حزبا ضمن بقعة جغرافية واقليمية محددة بهدف شرح بعض الملابسات وغسل الخسائر والجرائم التي ارتكبت في الحرب وتبريرها أمام الرأي العام العالمي. 

 
وهناك الحرب النفسية المباشرة أثناء وقوع الحرب، حيث نصبح هنا أمام حرب نفسية وليس حرب ناعمة، وتستخدم فيها عمليات الترهيب والصدم والترويع، وكل ما يدمر إرادة المقاومة لدى العدو والخصم في فترة وجيزة، وقد أوردت الباحثة الكندية نعومي كلاين في كتابها " عقيدة الصدمة " نصا هاماً يؤكد ما اشرنا إليه اقتبسته من وثيقة سرية في عقيدة الصدم والترهيب / إستراتيجية تحقيق الهيمنة السريعة لقوات الولايات المتحدة الأميركية تضمنت سرداً للتكتيكات والتطبيقات السرية التي تستعملها الولايات المتحدة الأميركية في حربها النفسية في حالة العمليات العسكرية الصلبة جاء فيه " يجب على الولايات المتحدة الأميركية وضع مخططات لحرب نفسية ودعائية توجه إلى إرادة العدو لإضعاف قدرته على المقاومة واستعمال تكتيكات الحرمان الحسي والإثقال الحسي بهدف إحداث حالة من التقاعس والتشويش على الأدمغة لأجل السيطرة السريعة على المحيط وشل قدرة العدو على فهم الأحداث ومنعه من رؤيتها والتلاعب بالأحاسيس والمعطيات وحرمان العدو من القدرة على التواصل والملاحظة "1 
 
 

1- عقيدة الصدمة . مصدر سابق . ص 377. 
 
 
 
 
 
 
 
55

49

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 خلاصة وختام:


الحرب الناعمة شكل جديد من أشكال الحروب التي تخاض ضد أمتنا، وهي حرب قد تطول حتى يحسم احد طرفي الصراع معركته ضد الآخر كما عبر الجنرال مسعود جزائري مساعد الشؤون الثقافية والإعلام الدفاعي في قيادة الأركان العامة للقوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو كلام دقيق واستراتيجيي، فالمشاريع والخطط الكبرى التي تريد فرض وجودها وسيطرتها على امتنا لن تنتهي حتى يسود الإسلام وتصبح يده هي العليا، ولن يكون هذا الأمر إلا بفهم الغرب فهما عميقا وفهم أدوات وتكتيكات اللعبة الإعلامية بكفاءة ودقة، والبراعة في استنزاف طاقات وقدرات العدو الناعمة قبل الصلبة، وتقديم نموذج إسلامي رائد ومشروع إسلامي شامل في شتى الفروع والميادين كما عبر الرئيس محمود احمدي نجاد في اللقاء الوطني الإيراني لمواجهة الحرب الناعمة، وهذا ما تقوم به وتقوده اليوم بحق إيران الإسلام بقيادة سماحة الإمام الخامنئي المفدى، ولكن هذا المشروع يحتاج إلى جهود كل المخلصين والسائرين على هذا الخط الذي اثبت حقانيته وصلابته في كل الأحداث والوقائع وبمواجهة كل التحديات والصعاب، والى وضع خطط وروئ بعيدة وجهود جبارة وصبر استراتيجي طويل المدى، لا يلين ولا يكل، والى العمل على وضع بوادر وعوامل لإصلاح الذات والأحوال والأفكار وتطوير الأسباب والوسائل والمؤسسات في كل بقاع امتنا التي يغرق بعضها في سبات عميق جراء موجات الحرب الناعمة الأمريكية والغربية والصهيونية، وهذا يحتاج ايضاً إلى تظافر جهود وتوحد أبناء المذاهب والفرق والتيارات الإسلامية على امتداد العالم في إطار مشروع عزة الإسلام . 
 
 
 
 
 
 
 
56

50

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 مراجع الدراسة


جوزيف ناي، القوة الناعمة ، مكتبة العبيكان 2007 
ارث من الرماد تاريخ CIA تيم واينر شركة المطبوعات للنشر والتوزيع 2010
فرنسيس بال . الميديا . ترجمة فؤاد شاهين . دار الكتاب الجديد . طبعة اولى 2008
برمجة الوعي . سامي الموصللي . دار شعاع 2008
بروس بمبر . الديمقراطية الأمريكية وثورة المعلومات / دار الحوار الثقافي 2006 . 
نعومي كلاين . عقيدة الصدمة / شركة المطبوعات للنشر والتوزيع ط. 2009 
قصف العقول .الدعاية للحرب منذ العالم القديم حتى العصر النووي فيليب تيلور عالم المعرفة 
المتلاعبون بالعقول . هيربرت شيللر . مجلة عالم المعرفة 
د. احمد نوفل. الحرب النفسية. دار الفرقان . ط. 1989 
أهل البيت . تنوع ادوار ووحدة هدف . محمد باقر الصدر . 
خوارق اللاشعور . علي الوردي الوراق للنشر . ط. 2 عام 2008
افكار وجدت لتبقى . شيب ودان هي. الدار العربية للعلوم ناشرون 2008 ط1. ترجمة شادي يونس. 
مشاريع التجديد والاصلاح في الحوزة العلمية. خطاب الامام الخامنئي نموذجاً . اعداد نجف علي ميرزائي. اصدار مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي. 
دور الميديا في ادارة الازمات والحروب . رفيق نصر الله . دار بيسان. طبعة اولى 2011 
التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية . اصدار مؤسسة الفكر العربي. طبعة اولى 2010 
التقرير العربي الاول للتنمية الثقافية . اصدار مؤسسة الفكر العربي. طبعة اولى 2008 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

51

الباب الرابع: وظائف الحرب الناعمة

 العقل العربي ومجتمع المعرفة . نبيل علي . ط2009. مجلة عالم المعرفة. 

مجلة اذاعات عربية صادرة عن اتحاد اذاعات الدول العربية اعداد 2002 / 2005
موقع وزارة الخارجية الاميركية على الانترنت www.america.gov
موقع مركز دراسات قناة الجزيرة على الانترنت www.aljazeera.net 
موقع وكالة تابناك الايرانية على الانتنرت www.tabnak.ir . 
موقع اسلام اون لاين على الانتنرت www.islamonline.net
موقع شام برس على الانترنت www.champress.net 
موقع تلفزوين المنار على الانترنت www.almanartv.com.lb 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

52

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 الباب الخامس:


الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة




د.بولس عاصي 
أستاذ في الجامعة اللبنانية

 
 
 
 
 
 
 
61

53

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 فهرس العناوين:



. الحرب الناعمة في بعدها السياسي:
. في المشاكل السياسية:
. أمريكا ترضخ للمقولة الإسرائيلية
. الحرب الناعمة في بعدها الاقتصادي
. في الهوية والثقافة واستراتيجية مواجهة الحرب الناعمة
. المراجع
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

54

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 تمهيد


منذ انهيار الخلافة العثمانية وقيام الكيانات العربية ومن ثم قيام الكيان الصهيوني عام 1948سادت في عالمنا العربي والإسلامي معادلة قامت على ثنائية متناقضة بين تفوق وهيمنته المشروع الغربي والصهيوني وبين الإخفاق وعدم القدرة على قيام مشروع مواجهة يستند إلى مقومات ثقافية وذاتية لشعوب المنطقة. هذه الثنائية ،كانت محكومة ببعدها الغربي والصهيوني،إلى أحد المرتكزات التي ساعدت على ضمان استمرار هذا الخلل . هذا المرتكز هو الحرب الناعمة التي تجلت بإبعاد شتى منها البعد السياسي القائم في امتداداته على التفتيت والتجزئة ، والآخر يرتكز على البعدين الاقتصادي والثقافي بعد انهيار منظومة العالم الاشتراكي وسيادة العولمة.

سنحاول في هذا البحث مقاربة هذه الإبعاد كأساليب للحرب الناعمة وتبيان ملامحها على أن يجري بعدها طرح مجموعة من الأفكار التي تعدّ بنظرنا اقتراحات تصب في خانة إستراتيجية المواجهة.
 
 
 
 
 
 
 
 
64

 


55

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 أولاً: الحرب الناعمة في بعدها السياسي:


يتجلى هذا البعد بأساليب التجزئة ومنع قيام كيان عربي أو إسلامي موحد عن طريق المؤامرات وتأكيد ضمان تفوق الكيان الصهيوني بمعزل عن الحروب. في حين أن خيارات الحروب أصبحت ماثلة فلا بد من استنادها إلى اساليب نفسية ناعمة وتسويغات تترافق معها للاستفادة منها في مشاريع التجزئة وتأكيد الهيمنة على المنطقة. فمنذ معاهدة سايكس بيكو سنة 1916 التي أنهت عملياً مشروع الدولة العربية الكبرى وقيام الكيان- الدويلة والذي تقاسم النفوذ في كل واحد منها كل من بريطانياً وفرنسا، هذا الواقع أنهى مشروع النظام العربي الواحد القادر إقليميا والفاعل دولياً . وإذا كان التأثير في الحرب العالمية الأولى أوروبيا وتحديداً للقوتين المذكورتين ، والذي استمر حتى الحرب العالمية الثانية ، التي دمّرت البنى التحتية والقدرات السياسية لهاتين القوتين. فقد أجبرتا على أخلاء الساحة تباعاً للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي اللذين لعباً دوراً حاسماً في تقاسم النفوذ في مختلف مناطق العالم وذلك حتى نهاية الثمانيات. بعد غياب الاتحاد السوفياتي عن المسرح العالمي واحتكار الولايات المتحدة الأحادية في قيادة العالم وتفسّخ واضح للموقف العربي مما عزّز الطروحات الإسرائيلية وارجحيتها على حساب الحق العربي،علماً أن اتفاقية"كامب دافيد"بين مصر وإسرائيل سنة 1979 قد زادت من الشرخ العربي وأخرجت عملياً من الصراع العربي الإسرائيلي اكبر قوة كان يراهن عليها منذ وصول الثورة الناصرية سنة 1952 إلى السلطة في مصر.

كما أن دول الصمود والتصدّي التي شكّلت في أعقاب هذه المعاهدة لم توفّق في وقف اندفاع النظام المصري نحو التطبيع مع إسرائيل. غير أن الرفض الشعبي لهذه المعاهدة والعمليات العدائية ضدّ البعثات والوفود الإسرائيلية في مصر هو الذي جمّد عملية التطبيع وفق نصوص معاهدة " كامب دافيد".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

56

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 وبدأت إعادة العلاقات المصرية العربية تباعاً، منذ قمة عمان 1987،دون أن تقطع العلاقات الرسمية المصرية – الإسرائيلية. واتت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران لتستنزف القدرات العربية ولتحيّد عملياً الصراع المركزي إلى خلافات جانبية بدأت بين العراق وإيران وانتهت بحرب مدمّرة بعد احتلال العراق للكويت ولم تنته ذيولها حتى عام 2003 عندما قامت أميركا بتوجيه ضربة عسكرية جديدة للعراق بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وعدم انصياعه للمقررات الدولية . فهل كانت أميركا تقدر على توجيه مثل هذه الضربات لو كانت البلدان العربية متماسكة ومتفقتة على برنامج متكامل لمجابهة المشكلات الدولية بوحدة حقيقية وإقامة العلاقات وفق المصلحة العربية العليا؟


إن القوى الاستعمارية في المنطقة العربية أرست كيانات يسهل اختراقها فأقامت الحدود بين كيان وآخر مع التركيز على سياسة دفاعية خاصة لكل كيان بحيث أن الدول العربية الحديثة النشأة أعطت الأولوية لتركيز دعائم حكمها الجديد وأهملت القضايا القومية بحيث أن مشاركتها في مثل هذه القضايا لم يبلور قناعة وفكراً بقدر ما كان مشاركة شكلية لرفع العتب أكثر منه برنامجاً قومياً يعطى كل الفرص من أجل نجاحه. لهذا يمكن القول أن البلدان العربية تعاني من مشاكل متنوعة سياسية- ثقافية واقتصادية تمنعها من لعب دورها كاملاً في المنطقة والعالم. 

أولاً:في المشاكل السياسية:

في ظل غياب الدولة العربية الواحدة توحدت الكيانات العربية في مؤسسة الجامعة العربية التي كان مؤهلة أن تلعب دوراً تخطيطياً وتنفيذياً ما بين الدول الأعضاء من جهة وبينها وبين مختلف الدول والمنظمات الدولية من جهة ثانية.ولكن عدم قدرة الجامعة على حلّ المشكلات العربية- العربية لأن إسهاماتها كانت شكلية
 
 
 
 
 
 
 
66

57

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  لعدم توفّر مسببات الإقناع السياسي والإيديولوجي والعسكري. فكيف تستطيع هذه الجامعة أن ترأب الصدع بين أعضاء يختلفون في الانتماء الفكري والسياسي، فهذا يدين بالرأسمالية المحافظة وآخر يدين بالاشتراكية المؤمنة وكل واحد يعمل للتربّص بالآخر حتى شلّ عمل الجامعة وأصبح إمكان انعقادها متعذراً.


ولكن المرحلة الحالية للوهن العربي يجب إلا ينسينا المحاولات الجادة في بلورة مشروع وحدوي سنة 1958 وتمثل بالوحدة بين مصر وسوريا. إضافة إلى القمم العربية التي انعقدت بعد هزيمة 1967 وأطلقت الشعارات المعروفة - لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض. وكانت البلدان العربية متوحدة في معالجة قضية العرب الأولى، قضية فلسطين، وقد تمثلت هذه الوحدة لتخصيص المقاومة والبلدان المجاورة لإسرائيل بكل أنواع الدعم المادي والمعنوي وقد تكوكبت الجماهير العربية حول هذه الطروحات وانتظرت كل الخير من عناصر الوحدة التي أظهرتها القمم العربية المذكورة. ولكن الطرح النظري يبقى بعيداً عن التنفيذ إذا ما دخلت عوامل خارجية حالت وتحول لغاية اليوم من تمكين العرب بكافة مواقعهم من بلورة مشروع سياسي وعسكري يهدف إلى تحرير الأراضي المحتلة والحدّ من التدخلات الخارجية في الشؤون العربية.

فمنذ نهاية حرب 1973 على الجبهتين المصرية والسورية والجامعة العربية تعاني من الانشقاق والتباعد بين قطر وآخر حتى أمسى عقد اجتماع قمّة من المهام الصعبة علماً إن الموضوعات الساخنة من احتلال العراق للكويت والاعتداء السافر على العراق من الولايات المتحدة وحلفائها سنة 2003 ومصير المفاوضات العربية – الإسرائيلية والعلاقات الثنائية تستأهل أكثر من قمة في الظرف الراهن.

أما المؤسسات الرديفة التي نشأت إلى جانب الجامعة العربية والتي أعطيت أبعاداً إقليمية كاتحاد دول المغرب العربي - وبلدان مجلس التعاون الخليجي كانت
 
 
 
 
 
 
 
67

58

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  في فكرة إنشائها تهدف إلى الحد من دور الجامعة من جهة وإلى الابتعاد عن مقولة النظام العربي والوحدة العربية ، فأصبحنا نعايش ظاهرة القطرية والمناطقية على حساب القومية والعروبة. حتى انّ الجدران الأمنية ارتفعت بين قطر وآخر أكثر بكثير مما خصصّ للصراع العربي- الإسرائيلي ويستمر بعض المفكرين بطرح فكرة النظام العربي الواحد الذي يستفيد من خيرات الأمة ليوظفها في برامجها الدفاعية والتنموية بينما الواقع يعكس الفرقة والتباعد حتى بين البلدان العربية ذات التوجيه السياسي والاقتصادي الواحد. هذا التباعد جراء السياسية الاستثمارية في عهد الانتدابات والاستثمار المباشر فالخلافات لا زالت قائمة على الحدود بين السعودية واليمن وقطر والإمارات وكلها مآزق لتأزيم العلاقة بين قطر وآخر . فالنظام العربي كاد ينجح لو تسنّت له المؤسسات السياسية المتناغمة ذات التوجيه المشترك والجيش الواحد والاستغلال العقلاني والموضوعي للموارد الطبيعية لا سيما البترول والمياه.


إن العوامل الخارجية الغربية حالت وتحول دون تحقيق هذه الأهداف التي كانت ستمكن الدول العربية من لعب دور حاسم في الصراع الإقليمي وفي القضايا العالمية. وبدل أن تعتمد بعض الدول العربية على المعونة الخارجية ، العسكرية والتقنية، لتأمين استقرار نظامها السياسي وما يقابل ذلك من كلفة من مواردها الطبيعية وارتهانها لقوى خارجية، كان النظام العربي الموعود الحلّ الأمثل لكلّ المشكلات التي تعترض العالم العربي في الوقت الحاضر.

ويحلّ مؤتمر مدريد في عام 1991 مع وعود كثيرة ناعمة في سلام عادل وشامل وشرق أوسط جديد حسب ما قدّمه رئيس وزراء إسرائيل السابق شمعون بيريز والذي يركز على إقامة علاقات تعاونية وتطبيعية بين العرب والإسرائيليين وتشريع احتلال فلسطين .
 
 
 
 
 
 
 
 
68

59

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 إن مشاريعها للسلام ليست مستعجلة في ظلّ انقسام عربي واضح وغياب برنامج للمواجهة متكامل ومنسّق مع كافة الدول العربية لا سيّما سوريا ولبنان. وقد بدا واضحاُ انّ الممارسة الإسرائيلية خلال المفاوضات مع سوريا ولبنان سادتها المماطلة وعدم استعداد للانسحاب من الجولان وجنوب لبنان إلا بعد أن تحرز المفاوضات المتعددة الإطراف تقدماً في خصوص المياه وحصة إسرائيل فيها. وقد حسمت المقاومة الصراع سنة 2000 بإجبار العدو الإسرائيلي على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في جنوب لبنان باستثناء مزارع شبعاً وتلال كفر شوبا مما يبقى المقاومة على سلاحها حتى التحرير الكامل للأراضي المحتلة.


أميركا ترضخ للمقولة الإسرائيلية 

إن الترتيب السياسي الذي يحضر لمنطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من مقولة التوازن الإقليمي بين المشروع الأميركي والمشروع القومي يبقى الرهان على وعي قومي عربي يحرّك الجماهير ويضغط على الأنظمة من اجل إعادة إحياء برنامج سياسي متكامل تلتزم به كافة الدول العربية يكون شعاره الأول والأخير الحفاظ على الحقوق العربية السياسية والاقتصادية علماً أنّ العامل الديني يسهل مدّ هذا الفكر إلى كل من تركيا وإيران ويستحيل عندها إنجاح المشروع الإسرائيلي الذي يطرح التطبيع قبل انجاز السلام الشامل والعادل مع كافة الدول المعنية وفي طليعتها سوريا ولبنان . كما إن معاودة الحديث الذي تردّد عقب أحداث لبنان في عام 1975 عن مشروع لإقامة دويلات طائفية في الشرق انطلاقاً من هذا البلد نرى أن نفس مشروع يتردد انطلاقاً من العراق بعد تعرضه للاحتلال الأميركي وتفتيت مؤسساته سنة 2003 لنستنتج أن المستفيد الوحيد من ترويج هذه الأفكار هو إسرائيل التي تعمل على إنشاء دويلات أثنية تبرر استمرار وجودها العنصري
 
 
 
 
 
 
 
 
69

60

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  في منطقة الشرق الأوسط. وعلى كافة الدول المعنية العمل الدؤوب لإفشال مثل هذه المخططات التي تحفظ إسرائيل كقوّة نوويّة وحيدة تتملّك ما بين 200 إلى 400رأس نووي ضمن مجموعة دول أثنية تتصارع على حماية وجودها. ولنا في ثورة الياسمين في تونس التي أودت بنظام زين العابدين بن علي وثورة 25 كانون الثاني في مصر التي أطاحت بحكم حسني مبارك الذي استمر لأكثر من ثلاثين سنة دون أن يتمكن من الإجابة على تطلعات الأجيال الشابة والقوى المعارضة في قيام حياة ديموقراطية حقيقية تمكن الشعب من اختيار ممثليه حسب الأهلية والكفاءة ويبدو إن السبحة ستكر على الكثير من الأنظمة التي تجاهلت حتى اليوم الرأي الشعبي والشبابي. هل الهيمنة الأميركية على العالم بعد تفتيت الاتحاد السوفياتي إلى اثنيات متناقضة تكفي لفرض مشاريع وصاية جديدة على مختلف مناطق العالم دون موافقة شعوبها وفي كثير من الأحيان دون موافقة أنظمتها المحمية من الولايات المتحدة الأميركية؟ إن الإحساس العربي الموضوعي بالانحياز الأميركي الفاضح إلى جانب إسرائيل كفيل بأن يحيي الوعي الجماهيري ويجبر الأنظمة المتحالفة مع أميركا إلى اعتماد خيارات جديدة يكون عنوانها الأبرز تكامل الجماهير مع الأنظمة في رفض مقولة الاستتباع السائدة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية والبحث عن مشروع سياسي جديد يرفض الاستغلال والتبعية والوصاية.


ثانياً: الحرب الناعمة في بعدها الاقتصادي

إنّ الوجه المقابل للانهيار السياسي والتفتت العربي يستتبعه وضع اليد على الموارد الطبيعية وتنظيم اقتصاد المنطقة وفق المنظور السياسي المهيمن وهي تمثل بعداً آخر من الحرب الناعمة الذي يتيح لإسرائيل تأكيد هيمنتها على العالم العربي والإسلامي دون الحاجة للمزيد من الحروب .
 
 
 
 
 
 
 
70

61

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 ويأتي كتاب شمعون بيريز"شرق أوسط جديد" ليكمل الفكر التسلطي من خلال أهمية التطبيع باعتباره أحد الأساليب الناعمة وفتح الحدود بين إسرائيل والعرب مع تأكيد مسبق على أهمية المواصفات للسلع المتبادلة وضرورة الأخذ بعين الاعتبار كلفة الإنتاج في الدول المعنية مع تهميش واضح للسلع الزراعية على حساب السلع الصناعية حيث التكنولوجيا الإسرائيلية متفوقة وعروض الشراء ستتوالى من كافة دول المنطقة.علماً أن المشروع الاقتصادي الإسرائيلي للشرق الأوسط ينطلق من عدّة حلقات بالتوجه السياسي لكل حلقة. مثلاً إن مبدأ التعامل الاقتصادي بين إسرائيل والفلسطينيين والأردنيين كحلقة أولية ضرورية لتكبر بعدها الحلقات بقدر ما تتطور عملية الانفتاح السياسي والتطبيع الشعبي . ولكن النظرة الاقتصادية السريعة إلى هذه النواة الأولية تظهر تفوّق إسرائيلي واضح صناعي وتجاري وحتى زراعي عن كلّ من الأردن وفلسطين علماً إن متوسط دخل الفرد في إسرائيل هو في حدود الستّة عشر الف دولار بينما في الأردن يقع في حدود الأربعة آلاف دولار وفي الضفّة والقطاع لا يتجاوز الألفي دولار . إن الفرو قات الكبيرة في معدلات الدخل ستزيد الخلل في التبادل السلعي بين البلدان الثلاثة وستبقى الأرجحية للسلع "الإسرائيلية" وسيلعب الاقتصاد الفلسطيني ومن ثم الأردني دور الوسيط في تصريف الإنتاج الإسرائيلي على باقي الدول العربية.


وتستكمل فكرة السوق بتوسيع شبكة الطرق التي تربط إسرائيل بجيرانها العرب وتركيا من خلال خط ساحلي يمرّ "بإسرائيل" – فلسطين- مصر وخط ثان من إسرائيل- لبنان- سوريا فتركيا وثالث يربط إسرائيل بالأردن فالعراق.

هذه الأولوية للطرق التي تنطلق من إسرائيل تعطى الأفضلية على باقي الطرق التي لا تمر حكماً بإسرائيل. وهذا يظهر بشكل جدّي الأفضلية المعطاة للطرق السريعة التي ستمرّ "بإسرائيل" بينما غيرها يهمل أو يؤجل ولنا مثال واضح على
 
 
 
 
 
 
 
71

62

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  لبنان البلد المنهك من سنوات الحرب الطويلة التي عرفها. إذ نرى أن حكومة الرئيس رفيق الحريري الأولى سارعت فور تشكيلها إلى مواكبة عمليات المفاوضات برسم خطط لتوسيع الطريق الساحلي من الناقورة في الجنوب حتى الحدود مع سوريا بينما أهملت لغاية اليوم الاوتستراد العربي الذي يربط بيروت دمشق بباقي الدول العربية. 


إن توسيع البنى التحتية في الشرق الأوسط وربطها مباشرة "بإسرائيل" يمكن هذه الدولة من الوصول بالسرعة المطلوبة إلى الأسواق الخليجية فتؤمن بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية إشرافا كلياً على المنابع النفطية وتصبح شريكاً فعلياً في رسم البرامج الاقتصادية الإستراتيجية لدول المنطقة كما تمكنها تقنيتها المتطورة والمتفوقة إضافة إلى قدراتها العسكرية من تلبية طلبات إي فريق يطلب خدماتها الاقتصادية أو الدفاعية ولا ننسى لما لهذه الخدمات من تكلفة على المستوى السيادي والاقتصادي وعند تطبيق هذه المقولة يصبح التطبيع واقعاّ لا هروب منه بين العرب والإسرائيليين شجعت فريقاً كبيراً من العرب بالانفراد في مباشرة عمليات التطبيع قبل انتهاء مفاوضات السلام وكل ذلك من أجل حفظ موقع في البرامج المستقبلية المطروحة على صعيد السوق الشرق أوسطية. وعندما نعلم أن الأجزاء التي ستشكل هذه السوق تتألف من عناصر عربية وإسرائيلية إضافة إلى التركية . يتضح جلياً أن هذا التناقض في العناصر يؤثر على هيمنة الأقوى تكنولوجياً وتخطيطاً بينما العناصر الباقية ستتلقى تأثيرات العنصر الفاعل الذي هو "إسرائيل" وتركيا بينما نرى أن العنصر العربي فشل حتى الآن في تأسيس السوق العربية الواحدة بين قوى متشابهة في المصالح والتكنولوجياً والعقلية فكيف سيتمكن من اخذ دور فاعل في سوق سيتلقى تأثيراتها دون أن يفعل أو يوثر في مجرياتها؟

ومنظمة التجارة العالمية التي تسعى إلى الإشراف الفعلي على الاقتصاد العالمي
 
 
 
 
 
 
 
72

63

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  لن تفسح المجال لاقتصاديات الدول العربية أن تلعب دوراً فاعلاً في هذه المنظمة طالماً هي عاجزة على تأمين المواصفات التقنية والاقتصادية والمالية للانتساب إليها بينما السوق الشرق أوسطية المقترحة تبقى الحل الأمثل لبعض الدول العربية للدخول من خلالها إلى الاقتصاد العالمي .


وهنا تطرح القدرة على المنافسة ضمن مواصفات الجودة والنوعية وأي من الدول العربية يستطيع تأمين مثل هذه الشروط؟ 

وما المؤتمرات الدولية التي عقدت في نهاية القرن العشرين ومطلع هذه الألفية الثالثة إلا الترويج لفتح الحدود والأسواق أمام السلع الوافدة من الدول ذات القدرة التنافسية لتبقى الدول العربية تلعب دور الرافعة للاقتصاد العالمي إما من حيث تأمين الموارد الأولية لا سيما النفط أو تأمين أسواق التصريف لسلع فائضة لدى الدول المصنعة وعندما يعم الأمن والاستقرار دول المنطقة ويأتي هذا الفيض من المشاريع التي تدعو إلى التعاون الإقليمي لا سيما بين العرب والإسرائيليين بعد أن اقتنع الافرقاء بعدم قدرة الواحد على إلغاء الآخر بالحرب. فتأتي الطروحات الاقتصادية الجديدة مشروعاً للهيمنة على المقدرات العربية الإستراتيجية وإداراتها من قبل قوى السوق الفاعلة وعلى رأسها الشركات الأميركية والإسرائيلية فالتعاون الاقتصادي بين دول المنطقة يعطي لإسرائيل مواقع لم تستطع تحقيقها في حروبها مع العرب إذ أنها تعتبر أن التعاون الاقتصادي يعزز إمكانية السلام مع جيرانها وقد أسهب بيريز في كتابه بشرح أهمية المشاركة في إدارة الموارد الطبيعية والتكنولوجية والبشرية وفي الأخص عملية جذب الاستثمارات من الدول النفطية والأجنبية وتشجيع الدول الصناعية على الاستثمار في التنمية الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط. ونلاحظ أن التركيز من الجانب الإسرائيلي على العناصر التي يفتقدها اقتصاده وأمنه المستقبلي فنرى إن"إسرائيل" تركز خلال المحادثات
 
 
 
 
 
 
 
 
73

64

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  المتعددة الأطراف على المياه ومشكلة النقص التي تعاني منها كباقي دول المنطقة.مع العلم إنّ الثروات المائية العربية في كل من سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وغزّة تعرّضت وتتعرّض للسرقة من جانب إسرائيل وهي تمدّ طموحاتها المائية إلى النيل والفرات مع عروض تكنولوجية متطورة إلى دول الخليج العربي لتحلية مياه البحر.


في مقابل الرؤية التطبيعية الناعمة لشمعون بيريز المستندة إلى البعد التفاوضي يقف على الضفة الأخرى بنيامين نتنياهو متسلحاً بقدرة إسرائيل العسكرية كأهم الرهانات لتأكيد تفوقها على أن أفكاره الناعمة تتجه نحو المخاطب الغربي الذي يستريح إلى المقولات التي سبق لليهود إثارتها حول تأكيد الحقوق في إقامة كيانهم وفي استمرار هذا الكيان كأحد واجهات الديمواقراطية في العالم العربي الذي تسوده الدكتاتورية والتسلط .

إنّ بنيامين نتنياهو في كتابه " مكان بين الأمم " بالانكليزية والذي نقل إلى العبرية تحت اسم " مكان تحت الشمس" يظهر بوضوح فكره السياسي وإبرازه الإرادة الصلبة لليهود في تحدّى الأزمات "والأفران" وهنا عودة إلى تذكير العالم بما سببته النازية من مآسي لليهود . ومن ثم يسترسل بتفسير التوراة وبحق اليهود الكامل بأرض فلسطين التي هي في عرفه أرض إسرائيل. كما يركز على المفهوم الديمقراطي الغربي الذي تعيشه إسرائيل باستثناء كافة دول المنطقة ويبرر الأطماع التوسعية الإسرائيلية تنفيذاً لما جاء في التوراة والتلمود ومن ثم بالحاجات الأمنية لإسرائيل ويتابع اجتهاداته بمناهضة اتفاق أوسلو الذي سيؤدي بنظره "إلى تطويق إسرائيل بحزام من قواعد الإرهاب الإسلامي هدفه الوحيد القضاء على دولة إسرائيل".

ويدعو نتنياهو إلى التخلي عن سياسة التنازلات أي انه يرفض إعادة الأراضي
 
 
 
 
 
 
 
 
74

65

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  إلى أصحابها الحقيقيين وفق ما نص عليه القانون الدولي . كما يدعو إلى الاستفادة من الواقع الدولي الحالي بعد تفتت الاتحاد السوفياتي وتفرد الولايات المتحدة الأميركية بإعادة تنظيم العالم وفق مقولة النظام العالمي الجديد وذلك من أجل الاستفادة من هذا الظرف الدولي " لإحياء الثقافية اليهودية وقوة دفاعها من أجل ضمان مستقبل الشعب اليهودي كلّه".


إن الأفكار السياسية الجديدة التي واكبت وصول نتنياهو إلى السلطة رفضت كل ما قام به إسلافه من مفاوضات مع العرب وبالتالي نقض الاتفاق مع الفلسطينيين وعدم قبوله بالانسحاب من الأراضي المحتلة. على الرغم من ذلك تستمر الرهانات من بعض القوى العربية على تحقيق سلم متوازن بين العرب والإسرائيليين بدعم من الأميركيين بينما في الواقع نرى أن اليمين المتطرف في إسرائيل يعمل على زيادة الهجرة اليهودية لكي يحقق القدرة السكانية التي تساعد على فرض السلام الإسرائيلي على العرب. 

إن الحديث عن قيام سوق شرق أوسطية تحتل فيه إسرائيل موقع القلب والعقل لن يكون ذا اختلاف عن طبيعة موازين القوى العسكرية والسياسية الراجحة إلى أمد غير منظور لصالح إسرائيل في ظل التفتت والتشرذم العربي على كافة الصعيد ،لا سيما الاقتصادية فلا يتوهمن احد إن السوق الشرق أوسطية ستكون ذات منفعة لكافة الأطراف المشاركة فيها فالطرف الأقوى( وهو إسرائيل) سيجّير إمكانات المنطقة لصالحه وبذلك تتحقق إسرائيل العظمى اقتصاديا"بدلا" من إسرائيل الكبرى جغرافيا من خلال بعض المشاريع وأهمها:

1- توسيع شبكات نقل البترول إلى المتوسط من شبه الجزيرة العربية لتصب في موانئ حيفا واشدود مما يعطل المشاريع القائمة في كل من بانياس في سوريا وفي طرابلس والزهراني في لبنان.
 
 
 
 
 
 
 
75

66

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 2- إقامة مناطق تجارية وصناعية حرة لتسويق المنتجات والتعريف بأهمية التعاون الإقليمي للوصول إلى إنتاج مكثف وتحاشي الإمراض والأوبئة وقيام مؤسسات البحث والتعاون لتبادل المعلومات في مختلف الميادين لما فيه قيام التوازن الاجتماعي والاقتصادي بين مختلف بلدان ومناطق الشرق الأوسط.


3- إن الانفتاح الاقتصادي بين دول المنطقة يستوجب قيام بنى تحتية تلبي حاجات المرحلة المقبلة.

وما يرتسم من خلالها من مشاريع ستعدل من وظيفة كل بلد وتدفعه إلى التخصص في مجالات محددة تمكنه من المنافسة على السوق، أن قدرة الحسم في هذه السوق ستكون للشركات المتعددة الجنسيات التي ستتمكن من تقديم سلع تنافسية بأشكالها المختلفة وفق شروط العرض والطلب ومن يستطيع الصمود حتى آخر الزمان يحقق الغايات الاقتصادية والسياسية والثقافية لكل منطقة الشرق الأوسط. فتفوق الاقتصاد الإسرائيلي الواضح يعني انه لن يستأثر فقط بمصطلح المزايا التي سوف توفرها قيام السوق بل تؤدي إلى تقسيم إقليمي ودولي جديد للعمل يجعل الدول العربية تتخصص بالصناعات الاستخراجية والصناعات الخفيفة،كثيفة العمالة وتصدير المواد الأولية بينما تحتكر إسرائيل الصناعات الثقيلة والتكنولوجية المتطورة مما يعيق مفعول النمو غير المتكافئ بين الاقتصاد الإسرائيلي وبقية الاقتصاديات العربية، ويبقى السؤال ، هل يمكن إسرائيل أن تقييم سلاماً مع العرب وهي المتفوقة استراتيجياً من دون أن تحقق من خلاله مكاسب اقتصادية؟

إن الجواب المؤكد هو النفي، فمما لا شك فيه أن التطبيع الاقتصادي هو صلب التطبيع السياسي الذي تريده إسرائيل .
 
 
 
 
 
 
 
76

67

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 فمن الثابت إن العرب سوف يواجهون تحديات اقتصادية جمة إقليمية ودولية لن يستطيعوا الصمود في وجهها والتغلب عليها منفردين كل دولة على حدة، فما هي سبل ضمان نجاح قيام سوق عربية مشتركة اليوم؟ إن القرار السياسي شرط ضروري لقيام أي تكتل اقتصاد يأخذ بعين الاعتبار التفاوت بين اقتصادات الدول العربية أو بمعنى آخر تفاوت الآداء الاقتصادي بين هذه الدول ويحاول أن يجعل الهياكل الاقتصادية متكاملة وليست متنافسة كما غلبه العمل للحد من الضغوط التي تمارس من قبل القوى الفاعلة والمهيمنة لعرقلة انطلاقة هذا السوق واستمراره.


الشرق أوسطية اعتبرت المنطقة وحدة أمنية –سياسية- اقتصادية متكاملة بحيث أن أي حدث يحصل على ضفاف الخليج ينعكس سلباً أو إيجابا على شواطئ المتوسط وأي طارئ يحصل في البوابة الجنوبية للبحر الأحمر يلقى صداه الفوري على البوابة الشمالية للبوسفور أو الدردنيل، لذلك يقتضي ضبط هذه المنطقة كلها بإشراف أميركي مركزي وان كانت أدواته التنفيذية مباشرة أو فرعية.

ثالثاً: في الهوية والثقافة وإستراتيجية مواجهة الحرب الناعمة

في ظل المواقف الإسرائيلية المتشدّدة أصبح من الضروري إعادة النظر في مجمل المواقف العربية من الصراع العربي الإسرائيلي والتفتيش عن بدائل للمواجهة تؤدي إلى اعتماد سياسة جديدة مشفوعة بقراءة جديدة لتأكيد الهوية العربية والثقافة العربية الواحدة لمجمل شعوب ودول المنطقة العربية.

فالثقافة العربية أخذت جذورها التاريخية من القرآن الكريم وعملت على تأسيس سلم من القيم يتحدر من هذه الثقافة، لذلك كان مشروع الأمّة الإسلامية مرادفاً لهذه الثقافة ولما صاحبها من قيم العدل والخير
 
 
 
 
 
 
 
77

68

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 والمساواة. أما السلطة التي تنظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين فكانت تأخذ غزارتها من الشرع الإسلامي قبل إدخال تأثيرات الحضارة الغربية إلى المناطق العربية وامتزجت مفاهيم الحكم والسلطة ببعض المفاهيم الغربية واختلط استعمال الديموقراطية "أي حكم الشعب من الشعب" ببعض النظريات التوتاليتارية والمزاجية حتى عايش المجتمع العربي تنوع في السلطات وفي اعتماد أنظمة الحكم المختلفة بعد أن تمّ توزيع المنطقة العربية وفق الخيارات الاستعمارية الغربية. فبدل الثقافة الواحدة عايشنا ثقافات وبدل نظام الحكم الواحد عرفنا أنظمة سياسية مختلفة وتبدل نظام القيم حتى عايشنا الفرقة والتباعد بين مختلف الكيانات التي أنشأتها القوى الخارجية وليس الإرادات الشعبية المحلية.


فإذا كان الهدف من نظام الحكم الديمقراطي تحقيق العدالة والمساواة للأفراد الذين يخضعون لهذا الحكم فقد تنوعت الأنظمة العربية والهدف المشترك الواحد هو غياب الديمواقراطية الحقّة. فإذا بالشعب يعيش غربة عن حاكمة وإذا بالقضايا القومية تعالج بموقف فوقي من الأنظمة دون حشد القوى الجماهيري المؤهلة للتغيير.وقد عايشنا منذ نكبة فلسطين وحتى اليوم التباعد الحقيقي بين الخيارات الشعبية وأساليب الأنظمة المتأثرة في غالب الأحيان بالقوى الخارجية أكثر منها بالآراء الشعبية الوطنية.

وفي ظل الهجمة الشرسة على الحقوق العربية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة يجب العودة إلى المفهوم القومي بتأكيد الخصوصية العربية على ما هو خارجي يهودي أو تركي والعمل على تحصيل الجبهة العربية بتأليب كافة القوى الشعبية وبتوافق تام مع مختلف الأنظمة العربية لدعم الحق العربي عن طريق التوحد والدعم للقضايا التالية:
 
 
 
 
 
 
 
 
78

69

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 1- بعد خفوت عملية الاستسلام وظهور المشروع الإسرائيلي- التوسعي من جديد – يجب إعادة إحياء ثورة الحجارة في فلسطين وإعطاؤها الدعم المادي والمعنوي من كافة القوى العربية في الداخل والخارج لإجبار إسرائيل على التراجع عن خياراتها التوسعية والعدوانية والاستفادة من المساعدات التي تقدمها الجمهورية الإسلامية في إيران منذ عام 1979.


2- دعم المقاومة الإسلامية في الجنوب وتحويلها إلى مقاومة لإشعار إسرائيل والقوى المتحالفة معها أن الشعب العربي انخرط من جديد في برنامج شامل للمقاومة من أجل استعادة الحقوق العربية السلبية.

تحرير الموارد الطبيعية العربية من القوى الخارجية وبدل إشراك الدول الغربية في إدارة هذه الموارد فيجب تشكيل الهيئة العربية العليا لإدارة واستغلال هذه الموارد وتحريرها من الارتهانات الخارجية والتي زادتها حدّة حربي الخليج الأولى والثانية.

3- إن الحضارة العربية التي مدّت تأثيراتها إلى أوروبا في القرن العاشر الميلادي مطالبة اليوم بإعادة إحياء هذه الحضارة التي طمسها الغرب من خلال ثوراته الصناعية والثقافية والاقتصادية بينما العرب عاشوا تأثيرات هذا الغرب لغاية اليوم لكنه لم يسمح لهم بإدخال تعديلات جزرية على حضارتهم نتيجة الارتهان والممانعة الغربية. فهم مطالبون بإعادة إحياء هذه الحضارة والاستفادة من المردود المالي النفطي ودور القوى العلمية والديمقراطية العربية في إطلاق مشاريع البحث ووضع الخطط التنظيمية للاستفادة من القدرات المالية والبحثية والموارد الطبيعية العربية دون مشاركة من القوى الدولية المؤثرة حتى الآن في كل كيان عربي لمنع تحقيق هذه الغاية.
 
 
 
 
 
 
 
79

70

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 4- إن تأثيرات الحضارة الغربية على الغرب كان وما يزال سطحياً إذ طاول سوق الاستهلاك وانتاجات الثورة الصناعية بينما نظام القيم العربي ما يزال متماسكاً وأثر الدين ما يزال ماثلاً على الأنظمة وشعوبها.


وإذا ما انطلق العرب من مفهوم التوحيد الديني كحافز للوحدة إضافة إلى استغلال القدرات الطبيعية والديمقراطية والعملية للأشراف على أساليب التحديث والتقدم فيمكن للعرب عندها المباشرة بمناقشة علمية لوسائل الغد وطرائقه وان كان اعتباره منطقة للتعاون والتبادل العالمي وليس كما هو سائد باعتباره المنطقة كمنطقة للاستغلال والاستفادة والهيمنة.

5- إن العرب عندما يأخذون بشروط الاستقلال التام عن الغرب والقدرة على الإشراف التام والفعلي على الموارد الطبيعية وإطلاق مراكز البحث العلمي والايدولوجي للوصول إلى وحدة حقيقية غير مصطنعة يمكنهم أن يطرحوا مفهوم الحداثة من منظاره الواقعي وليس التقليدي لأساليب الغرب وعندها يمكن أن يبرز أنتاجهم الفكري والعلمي والاقتصادي والذي يظهر توازناً ولو غير متكافئ مع الانفتاح الغربي. عندها يمكننا أن نتكلم عن حداثة نتيجة التقدم الحضاري وليس عن حداثة مقلّدة أو وافدة من الغرب ولكن ما يفعله الغرب حتى الآن هو عدم السماح بقيام مثل هذه القوى لإبقاء المناطق العربية تابعة له بشعوبها ومواردها.

وما يحدث في العراق يظهر التوجه الحقيقي للإرادة الغربية في تدمير القدورات العربية بينما نراها نقض الطرق وتساهم في القدرات القومية الإسرائيلية.

6- إن انفتاح الحدود أمام السلع مقدمة للعولمة تعني تقديم السلع التنافسية على باقي السلع المنتجة وما يستتبع ذلك من تأثيرات قوى السوق في مجال
 
 
 
 
 
 
 
80

71

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  المال والاتصال ومن ثم العلاقات السياسية والفكرية. فعندها يسمح النظام الجديد بحرية تنقل البضائع والسلع هذا معناه انتهاء الحدود وبالتالي انتهاء الفكر السياسي لدول العالم الثالث وإدخالها في النظام الاقتصادي العالمي حيث الأرجحية فيه للدول الصناعية. وهنا نتساءل عن مصير اقتصاديات العالم العربي وسياساته في ظل مفهوم العولمة هذا؟


7. إن قبول فكرة العولمة وفق المفهوم الأميركي الرأسمالي يعني تسليم الموارد العربية وارتهانها للقوى الرأسمالية الخارجية وهذا الارتهان الاقتصادي يؤدي كما هو معروف إلى ارتهان سياسي جديد يطبق على المنطقة لقرون جديدة.

ليس المطلوب من العرب أن يقفوا ضدّ الابتكارات الجديدة بل ما يتوخاه الجيل الجديد هو أن يكون للعرب استقلالهم المالي والعلمي لكي يكون لهم ابتكاراتهم وبالتالي مواقفهم السياسية المتحررة من التأثيرات الخارجية لكي يحققوا في ظل الديمقراطية وقدرات سكانية وموارد إستراتيجية ما عجزوا عن تحقيقه في القرون السابقة.

تبقى قضية الديمقراطية من أهم القضايا التي تشغل شعوب الدول العربية إلى أي نظام سياسي انتموا. فمنذ انهيار حائط برلين في ظلّ نظام سياسي متشدّد شجّع مواطني الدول العربية إلى التمثّل بهذا السلوك فكانت تجربة الانتخابات الشعبية في السودان ما لبث الجيش أن أجهضها وكذلك الحال في الجزائر حيث أوصلت الانتخابات قوى جديدة لم يعترف الجيش بشرعيتها فانقلب على الانتخابات ونتائجها وما زالت الجزائر تعيش هذه الأزمة حتى اليوم. وتجربة الانتخابات المزوّرة في مصر في نهاية العام 2010 من أجل استمرارية نظام حكم حسني مبارك أدّت إلى إطاحته بواسطة الجماهير
 
 
 
 
 
 
 
81

72

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  الشعبية والشبابية في الحادي عشر من شهر شباط 2011 والتي أعلنت بالفمّ الملآن أن الشعب يريد إسقاط النظام ويريد مؤسسات ديمقراطية مُنتجة من الشعب تكريساً للمبدأ الديمقراطي الذي يقول بحرية التعبير والمعتقد والرضوخ إلى حقّ الشعوب بالاستفادة من الابتكارات الحديثة وما قدّمته الفضائيات والانترنيت "والفايس بوك" من أدوات أساسية في إرساء الديمقراطية.وإذا ما أسفرت التحوّلات المصرية على بعض القتلى والجرحى فقد تمّت ثورة الياسمين في تونس دون إراقة نقطة دمّ واحدة ودفعت برئيس الدولة زين العابدين بن علي على مغادرة البلاد إلى فرنسا التي رفضت استقباله خوفاً من ردود الفعل الشعبية لا سيّما من الجالية التونسية المقيمة فيها وكانت نهاية رحلته في السعودية. وإذا ما انسحبت التحوّلات التي عايشناها في تونس ومصر على باقي الأنظمة العربية يُمكننا أن نستنتج أن مجتمعاتنا مُقبلة على التغيير إمّا من خلال سلطة متنوّرة تسبق الجماهير الشعبية والشبابية وتباشر بتقديمات اجتماعية واقتصادية مصحوبة بحريات سياسية تقبل على أساسها الأنظمة بالانتخاب الحرّ غير الموجّه وتقبل سلفاً بنتائجه أو بالثورة الجامحة كالتي حدثت في مصر.


فهل ستلقى الديمقراطية الشعبية الوافدة إلى عالمنا العربي ما عايشه مفهوم الوحدة والقومية ومشروع الدولة الاستبدادية؟ يبقى الرهان على القوى الديمقراطية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان التي تجهد في مختلف الأقطار العربية للخروج من مفهوم الطاعة الفقهي والسياسي ومقاومة الهيمنة الوافدة إليها من خارج الحدود وصولاً إلى أنظمة حكم ديمقراطية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الشعبية والوطنية.

يبقى أخيراً أن نُشير إلى أحد أساليب الحرب الناعمة ما يتعرض له وطننا
 
 
 
 
 
 
 
 
82

73

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

  العربي من محاولات غربية جادة لإشعال فتنة مذهبية سنّية - شيعية في منطقة الشرق الأوسط بدأت إشاراتها في العراق والبحرين ولبنان وقد تمتدّ إلى الشرق الأوسط بأكمله إذا لم يُسارع الفاعلون والمتنوّرون في مجتمعاتنا إلى مواجهة هذه المحاولات والسعي الدؤوب إلى إخمادها منطلقين من مبدأ الوحدة الإسلامية وصولاً إلى وحدة شعوب بلداننا العربية لكي لا يشعر أي مذهب أنه يعيش على هامش الحياة السياسية في مجتمعنا. فهل من مُستجيب لاستدراك الأسوأ؟.

 
 
 
 
 
 
 
83

74

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 للتوسع والمزيد من الإطلاع


تُراجع المصادر التالية:

- الحركة العربية: 1908- 1924، سليمان موسى،دار النهار للنشر.
- التحديات الشرق أوسطية: مجموعة من الباحثين، مركز دراسات الوحدة العربية.
- الشرق الأوسط الجديد: شمعون بيريز ، الأهلية للنشر والتوزيع.
- الشرق الأوسط الجديد:سيناريو الهيمنة الإسرائيلية، علاء عبد الوهاب، سينا للنشر.
- مكان بين الأمم: بنيامين نتنياهو، الأهلية للنشر والتوزيع.
- قضايا في الفكر المعاصر: محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية.
- المجتمع والدولة في المجتمع العربي: غسان سلامة، مركز دراسات الوحدة العربية.
- العرب والفرات: بين تركيا وإسرائيل: عايده سري الدين،دار الآفاق الجديدة، بيروت.
- المحنة العربية .الدولة ضد الأمة، برهان غليون،بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.
 
 
 
 
 
 
 
84

75

الباب الخامس: الحرب الناعمة وإستراتيجية المواجهة

 - المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في الوطن العربي، سعد الدين إبراهيم، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائي.

- في الديمقراطية والمجتمع المدني ـ عبد الإله بلقسسز ـ  إفريقيا الشرق، بيروت.
- تجارب ديمقراطية في البلدان العربية، فرد ريش ابيرت، بيروت.
- النفط والوحدة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية.، بيروت.
- إسرائيل وحرب المياه القادمة ـ ظافر بن خضرا ، دار كنعان.
- المياه وسلام الشرق الأوسط، نبيل السمان، دمشق.
 
 
 
 
 
 
 
 
85

76
الحرب الناعمة المفهوم- النشأة- وسبل المواجهة