خطاب الولي 2013 م


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-11

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

 

المقدمة

9

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

19

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة

33

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

41

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في درس بحث الخارج بعد المظاهرات المليونية الحاشدة التي عمّت مدن ايران

51

تبليغ الإمام الخامنئي دام ظلّه السياسات العامّة للإنتاج الوطنيّ ودعم العمل ورأس المال الإيرانيّ

59

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى ملتقى جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قم

65

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في حشد من أهالي آذربيجان

69

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء عددٍ من القائمين علي مهرجان عمّار السينمائي

87

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لجنة إقامة المؤتمر الخاص بتكريم العلامة السيد نعمة الله الجزائري

93

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء الشوري العليا في مركز صياغة النموذج الإسلاميّ - الإيرانيّ للتقدّم

99

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في يوم التشجير

103

رسالة الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى ملتقي 7000 شهيدة إيرانية

107

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

استقبال الإمام الخامنئي دام ظلّه أعضاء مجلس خبراء القيادة

111

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

119

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

133

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية

141

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في الحرم الرضوي الطاهر

149

الإمام الخامنئي دام ظلّه يعزّي بوفاة العلّامة الفضليّ

175

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

179

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

191

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

205

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

219

خطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

231

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

243

لقاء الإمام الخامنئي دام ظلّه بالعاملين في دائرتي أدب المقاومة وأدب الثورة الإسلاميّ

257

خطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعبّ

261

خطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

275

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

285

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

301

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّ

321

لكلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدوليّة

329

 

 

 

 

 

6


2

الفهرس

 

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

335

بيانه دام ظلّه بمناسبة المشاركة الملحميّة للشّعب الإيرانيّ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة

347

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في العاملين في القوّة القضائيّة

353

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في محفل الأنس بالقرآن

367

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

373

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

383

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في حشد من الشعراء والمدّاحين

403

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء الجامعيّين

409

حكم تنفيذ (إمضاء) رئاسة الشيخ حسن روحاني

431

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

435

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أساتذة الجامعات

445

خطبة الإمام الخامنئي دام ظلّه في صلاة عيد الفطر السعيد

459

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مسؤولي النّظام وسفراء الدّول الإسلاميّ

467

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

473

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه لملتقى الصلاة الثاني والعشرين

491

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

495

لقاء الإمام الخامنئي دام ظلّه مع أئمة الجمعة

509

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

515

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

525

 

 

 

 

 

 

7


3

الفهرس

 

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في مراسم التخرّج المشتركة لجامعات الضباط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّ

541

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مُعدّي كتاب لشكر خوبان - جيش الطيّبين

547

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

555

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ

569

بيان الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـ التغيير السكاني ودوره في تحولات المجتمع المختلفة 

577

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

585

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة رزمندكان اسلام

601

خطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أكبر حشد تعبويّ  

609

جواب الإمام الخامنئي دام ظلّه على رسالة رئيس الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية

633

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

637

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

661

 الفهارس

669

 

 

 

 

 

8


4

المقدمة

 المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيّد الرسل وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والشهداء والصديقين وبعد.

يُمثّل الإمام الخامنئي دام ظله دائرة معارف حضارية حية، فهو فقيه وأصولي ومفسّر للقرآن الكريم ومحقّق وسياسي عالمي وقائد حكيم.

وهو من القادة الحقيقيين، الذين يحرّكون البشر نحو الخير المطلق، نحو خالق الكون، ولا يعرفون الاعوجاج في الحياة، ويزرعون الطمأنينة في قلوب الناس. وهو نموذج للأخلاق الفاضلة، ومن حواري روح الله الذين أضحوا عاصفة خير هبّت على دنيا الإسلام، فأشعلوا قناديل النصر وأيقظوا ضمير الأمة، واستبدلوا الزمن السيّئ بزمن الكرامة... وهو من أولئك الرجال الأفذاذ الذين تتجلّى في فكرهم وسلوكهم أخلاق الأنبياء، وتتجسّد في روحهم ثورة الإسلام، التي أثمرت صموداً رائعاً، وانتصارات على كل المكائد الشيطانية في العالم. ولا سيما بعد تحقّق الانتصار الكبير على النظام الشاهنشاهي في إيران الذي بشّر به الإمام الخامنئي دام ظله حيث
 
 
 
 
 
 
 
9

 


5

المقدمة

 كان يقول للجلّادين في السجون المظلمة: "أرض إيران مكفّنة بالصور الملوّنة لجنكيز خان، لرضا خان، لمحمد رضا خان، هؤلاء جعلوا الوطن رمالاً وسراباً، سيهدم عرش طغيانكم روح الله، سيكتب الزمن الآتي على شفاه الأجيال، سيكتب اسم النصر على محاريب الجوامع، فوق أكواخ الفلاحين في سواعد الثوار".


الإمام الخامنئي دام ظله شخصية مجاهدة عاشت نهضة الإمام الخميني قدس سره وثورته خطوة خطوة... ووفّق - بعد وفاة الإمام الخميني قدس سره - لإكمال مسيرة الثورة والدولة وقيادة الأمة، فكان شمساً تبعث ضياء العلم والمعرفة والحكمة والعزة والانتصار... كما أراده الإمام الخميني قدس سره. ومع تعدّد وتنوّع القضايا التي أرسى الإمام الخامنئي دام ظله مبادءها في هذا العصر، فإنّنا سنسلّط الضوء على ثلاث قضايا أساسية وهامة احتلت حيّزاً مهمّاً في الخطاب الفكري والثقافي للإمام الخامنئي طبعاً بما ينسجم مع مقدمة الكتاب، وهي:
- أصالة فكر الإمام الخميني قدس سره.
- قضية "الغزو الثقافي". 
- رؤية الإمام الخامنئي دام ظله حول الدين.

أولاً: أصالة خط الإمام الخميني وفكره:
مرَّ الفكر الإسلامي المعاصر بالعديد من المحطات والتحوّلات، وقد كان لكلِّ محطةٍ خطابها وثقافتها المميّزة. وكان الإمام الخميني قدس سره مؤسِّساً لمرحلةٍ انتقالية في واقع الإسلام المعاصر، وهي مرحلة شهدتْ تغييراً جذرياً في التعاطي مع الأنظمة المستبدة وأسلوب طرح الإسلام بوصفه منظومة حاكمة ونظام حياة. هذا التأسيس الخميني استصحب تأسيساً نوعياً على مستوى الخطاب والثقافة العامة، ويمكن القول باطمئنان بأنّ الإمام الخميني قدس سره كان رائداً في تأسيس "ثقافة الثورة" في الوعي الفقهي والشعبي الإسلامي على السواء.

ولهذا فقد أعلن الإمام الخامنئي دام ظله صراحةً التمسّك بخط الإمام الخميني وفكره، حيث قال: كنّا قد أعلنّا من بعد رحيل الإمام أنّنا سنواصل السير على نهجه، ولم
 
 
 
 
 
 
 
10

6

المقدمة

 يكن الباعث على مثل هذا القرار هو التقليد، وإنّما انطلاقاً عن وعي وتجربة، لأنّ نهج الإمام هو النهج الأمثل لإنقاذ هذا البلد، سواء في بداية الثورة أم في عهد الإمام القائد أم في الوقت الحاضر. (04/05/1999) 


وحذّر من الابتعاد عن خط الإمام فقال: وإنّه لمن الاعوجاح الفكري أن ننكر مواقف الإمام. وهذا الاعوجاج، وللأسف، يقوم به البعض ممّن كانوا في زمن ما مروّجين لأفكار الإمام، أو كانوا من أتباع الإمام. واليوم، فإنّ الطرق إذا انحرفت لأيّ سبب كان، فإنّ الأهداف تضيع، والبعض يتراجعون، وبعد أن كانوا لسنوات متمادية يتحدّثون لصالح الإمام، ومن أجل هذه الأهداف، ويتحرّكون على أساسها، أصبحوا ضدّ هذه الأهداف وهذه المباني. (04/06/2010)

فقد ترك الإمام بكلامه وسلوكه هداية مستمرة لأمّته، ترشدنا في كافّة منعطفات الحياة، ومن أقوى وأفضل مواريث الإمام هي وصيّته التي من المناسب للجماهير والمسؤولين والشباب إعادة قراءتها والتدبر فيها من حين لآخر.

ولهذا فمن الخطر الكبير الانفصال عن الخطّ المبارك للإمام الخميني. هذه أخطار على بلادنا. فإذا تمّ الحفاظ على هذه الهيكلية المتينة التي أوجدتها الثورة، فسوف يمكن ترميم الكثير من المشكلات، هنا وهناك، على مرّ الزمان. لا تسمحوا بتحطّم هذه الهيكلية المتينة، فإذا تحطّمت لن يعود بالإمكان معالجة أي جرح، ولن يمكن ترميم أيّة زاوية خربة. الهيكلية المتينة للنظام الإسلامي، والتي علمنا الإمام إياها، يجب أن تُصان وتحفظ. (04/06/2009)

وما يميّز الفكر الذي طرحه الإمام الراحل:
- انطلاق التحرّك الثوري من داخل الوسط الحوزوي وعلى يدِ مرجعيةٍ دينية قديرة. هذا الانطلاق أسّس بشكل واسع ونوعي لمرحلةِ انفتاح الفقيه / المرجع على الواقع السياسي وإدخال العنصر السياسي باعتباره مادة حيوية ومحوراً متحرِّكاً داخل الحوزة العلمية.

- وشاخصٌ آخر في خط الإمام هو قضية الحسابات المعنوية والإلهية. فالإمام كان
 
 
 
 
 
 
 
11

7

المقدمة

 يضع الحسابات المعنوية في المقام الأول، عند اتّخاذه للقرارات وفي تدابيره. وهذا يعني أنّ على الإنسان عندما يريد أن يقوم بأي عمل، أن يجعل هدفه بالدرجة الأولى كسب رضا الله، لا الحصول على النّصر، أو الوصول إلى القدرة، أو تحصيل الوجاهة عند زيد وعمرو. فالهدف الأوّل هو رضا الله. هذا واحدٌ. ثم بعدها الاطمئنان والثّقة بالوعد الإلهي. فعندما يكون هدف الإنسان رضا الله فإنّه يثق ويطمئن لوعد الله، وهناك لن يكون لليأس من معنى، ولا للخوف أو الغفلة أو الغرور كذلك.


- المطالبة الجذرية القائمة على أساس رفض أصل الانحراف، وعدم الاعتراف بأي توافق أو مساومةٍ معه. فقد كان خطاب الثورة الخمينية يُطالب بإزاحة النموذج الشاهنشاهي وفي المقابل تثبيت نظام الحكم الإسلامي مكانه. 

- إنّ أول وأساس الثوابت في مباني الإمام وآرائه هي قضية الإسلام المحمّدي الأصيل، أي الإسلام المخالف للظلم، إسلام العدالة، الإسلام المجاهد، الإسلام المدافع عن المحرومين، الإسلام المدافع عن حقوق الحفاة والمستضعفين والبائسين. 

- جماهيرية تحرّك الخطاب الثوري للإمام الخميني قدس سره. فلم يأخذ هذا الخطاب البُعد الفردي أو المعارضة النفسية المغلقة المحكومة بفكرة التقية، بل كان خطاباً جماهيرياً انتفض معه الواقع بأكمله.

- إنّ قيام فكر الإمام على أساس المرجعية والولاية العامة للفقيه، هيّأ للإمام الراحل أن يُنهي مرحلة الجمود القيادي في الواقع الإسلامي ويفرض على علماء الدين خوض المشاركة في الواقع العام بشكل أو بآخر.

ثانياً: الغزو الثقافي حقيقة قائمة:
يوضح الإمام الخامنئي المقصود من الغزو الثقافي بقوله: الثقافة الإسلامية ثقافة قيّمة فيها أرقى القيم للمجتمع وللمنظومة الإنسانية، وبوسعها فعلاً تحقيق الشموخ والسعادة والعزة والتقدّم للمجتمع. "أما معنى الغزو الثقافي فهو أن تشن قوة سياسية أو اقتصادية حرباً على المبادئ الثقافية لشعب من الشعوب، 
 
 
 
 
 
 
 
12

8

المقدمة

 لتنفيذ أهدافها الخاصة والتحكّم بمصير ذلك الشعب. إنهم يفرضون بالقوة عقائد جديدة على تلك الدولة وعلى شعبها من أجل ترسيخها بدلاً من ثقافة ومعتقدات ذلك الشعب"، ثم يضيف: "الهدف من الهجوم الثقافي هو اجتثاث أصول الثقافة الوطنية والقضاء عليها". 


وكمدخل لبيان الفكرة نشير وبإيجاز إلى الجدل القائم بين المفكّرين والباحثين العرب والمسلمين حول حقيقة "الغزو الثقافي" من حيث واقعيته وصحّة الإطلاق. حيث يمكن إجماله بثلاث اتجاهات:

استحالة الغزو: فالبعض يرى استحالة وقوع غزو على مستوى الفكر، لأنّ المسألة في موضوع الغزو هي أن نستولي على منقطةٍ وموقعٍ ما، وهو ما لا يُتصوَّر في المجال الفكري إلا مع وجود قابلية لهذا الغزو. 

واقعية الغزو: وفي المقابل هناك منْ يؤكّد على "حقيقة" المعنى الواقعي للغزو الثقافي، ويستشهد على ذلك بالواقع المعاصر للمسلمين والذي يعيش "اختراقاً" غربياً بفضل الإعلام ووسائل الدعاية.

الجمع بين الأمرين: وبين هذين الموقفين هناك محاولة للجمع والتوفيق تؤكّد على مفهوم "قابلية الغزو" في الوقت الذي تؤكّد فيه الهيمنة الثقافية الغربية الحاصلة على الواقع.

موقف الإمام الخامنئي دام ظله: يصوغ الإمام الخامنئي دام ظله موقفه حول "الغزو الثقافي" بشكل مختلف نوعاً ما. فهو يطرح هذا المفهوم في مقابل مفهوم "التبادل الثقافي"، ليُعطي التأكيد الجازم على نفيّ كل ما يتضمّنه القبول بمفهوم "الغزو الثقافي" من إيحاءات سلبية. فليس في استخدام واقع "الغزو الثقافي" إشارة إلى نزعةٍ انغلاقية على الآخر، ولذلك يأتي تأكيد سماحته على ضرورة "التبادل الثقافي" بين الحضارات وفي كلِّ مجالات الفكر والحياة. ومثل هذا التبادل يجري من خلال أدوات "التبادل" الحواري الطبيعي الذي يُنتج من خلال التلاقي والتعارف بين الشعوب. أما "الغزو الثقافي" فهو إشارة إلى أسلوب
 
 
 
 
 
 
 
13

9

المقدمة

 الحرب والاستئصال التي تُمارس تجاه ثقافة معينة، بقصد إلغائها وإحلال ثقافة أخرى على أنقاضها، وبالتالي فإنّ أساس فكرة التكامل والتلاقي الإنسانية والتي تتضمّنها مقولة "التبادل الثقافي" تنتهي وتصبح في مقابلها فكرة الاجتثاث الثقافي، أو قل الهيمنة الثقافية. ومع الواقع الراهن وفي ظلّ "غول العولمة" يتأكّد الكثير من المعطى السلبي لمفهوم "الغزو الثقافي"، حيث تهميش الثقافات الفرعية، والهيمنة على قيم الشعوب الأخرى ومفاهيمها، واستزراع قيم جديدة متصالحة مع "قيم العولمة" والتي تتحالف فيها مؤسسات السوق والثقافة على السواء. وبالتالي يظهر بوضوح ما يُشير إليه الإمام الخامنئي من حقيقية المعنى الخارجي للغزو الثقافي وبالتالي ضرورة التصدّي له ومواجهته عبر فعلٍ مقاوم.


المقاومة الثقافية: وهنا تكمن ضرورة ملاحظة هذا الخطاب الذي يظهر فيه بوضوح إلحاح الإمام الخامنئي دام ظله على ضرورة تأسيس وعي جديد يقوم على مبدأ المقاومة الثقافية. وقد قدّم سماحته عدداً من الطروحات التي تؤكّد هذا المبدأ، منها:

- تأكيد مفهوم "الغزو الثقافي"، كخطر لا بد من الاعتراف به وبالتالي الاستعداد لمواجهته، وفي نفس الوقت تثبيت مفهوم "التبادل الثقافي" لنفي أية دلالة سلبية يمكن أن تُفهم من تبنّي مفهوم "الغزو الثقافي".

- نقد الواقع الديني القائم واعتباره دون مستوى مقاومة الثقافة الأخرى ومحاورتها بالنقد، وفي ذات الوقت ممارسته النقدية للتيارات الثقافية التي تتبنّى أطروحات الغرب الثقافية دون وعي ومناظرة.

- دعوته الفعلية لتصحيح الجهاز الحوزوي وحثّه على تطويره والارتقاء به، ليكون في مستوى تمثيل الفكر الإسلامي وثقافته، ومن ناحية أخرى يكون قادراً على إنتاج الأجيال التي تقوى على التصدّي "الثقافي" للأفكار التي تحاول أن تغزو وتهيمن على مجالنا الثقافي الإسلامي، وتجعله تابعاً لها حتى في الفكر والثقافة.
 
 
 
 
 
 
 
14

10

المقدمة

 ثالثاً: رؤية الإمام الخامنئي دام ظله في دور الدين في الحياة:

الدين هو بالدرجة الأولى رؤية كونية ومعرفية، معرفة لهذا العالم، والإنسان، والمسير والطريق والهدف، مجموعة هذه المعارف تشكّل أساس الدين. فالدين يعتبر الإنسان محور العالم.

والدنيا هي الساحة الأساسية لوظيفة الدين ومسؤولياته ورسالته. وقد جاء الدين ليمنح مجموعة جهود الإنسان في هذه الساحة الهائلة والمتنوّعة شكلها واتجاهها ويهديها. الدين والدنيا وفق هذا التفسير وهذا المعنى للدنيا غير منفصلين عن بعضهما. لا يمكن للدين أن يجد ساحة أخرى لأداء رسالته غير الدنيا. والدنيا من دون هندسة الدين ويده الخلاّقة المبدعة ستكون خالية من المعنوية والحقيقة والمحبة والروح. أن يستطيع الإنسان في هذه الساحة العظيمة أن يشعر بالأمن والسكينة ويفتح الميدان للتعالي والتكامل المعنوي.

فصل الدين عن الدنيا بهذا المعنى، معناه تفريغ الحياة والسياسة والاقتصاد من المعنوية، ونسف العدالة والمعنوية. الدنيا بمعنى الفرح في حياة الإنسان، والنعم المبثوثة في العالم، والجماليات والطيبات والمرارات والمصائب، إنّما هي وسيلة لنمو الإنسان وتكامله. وهذه من وجهة نظر الدين أدوات يستطيع الإنسان بها مواصلة طريقه نحو التعالي والتكامل وتفجير طاقاته التي أودعها الله فيه. الدنيا بهذا المعنى لا تقبل الفصل عن الدين... لكن للدين مفهوماً آخر. وردت الدنيا في النصوص الإسلامية بمعنى أهواء النفس والأنانية والخضوع للأهواء والوساوس الذاتية وإخضاع الآخرين أيضاً لأهواء الذات ونزواتها.. هذه حسب رواياتنا هي الدنيا المبغوضة التي لا تجتمع مع الدين.

نعتقد أنّ الشعب هو أصل الأمور وأساس كل شيء. محورية الله لا تتنافى إطلاقاً مع محورية الشعب والناس حسب التصوّر والفكر الإسلامي. هذان شيئان متطابقان. أولاً ما لم يكن الناس متدينين مؤمنين بدين معين، لن يمكن أساساً ظهور الحكومة الدينية والمجتمع الديني في ذلك البلد. إذن، وجود الحكومة الدينية في بلد معناه
 
 
 
 
 
 
 
15

11

المقدمة

 تديّن الناس. أي إن الناس هم الذين أرادوا هذه الحكومة.


والغاية من سيادة الدين الإلهي متابعة وضع المظلومين، والعمل بالفرائض والأحكام والسنن الإلهية. ذلك أن السعادة تكمن في العمل بأحكام الدين، والعدالة في العمل بأحكام الدين، وحرية الإنسان في العمل بأحكام الدين. أين يريدون أن يجدوا الحرية؟! تحت مظلة أحكام الدين تتحقّق كل مطالبات الإنسان.

إنسان اليوم لم يختلف إطلاقاً عن إنسان قبل ألف عام، وإنسان قبل عشرة آلاف عام من حيث حاجاته الأصلية. حاجات الإنسان الأصلية هي: الأمن، والحرية، والمعرفة، والحياة الرغيدة، وعدم التمييز، وعدم الظلم. الحاجات الزمنية المتبادرة للذهن هي ما يمكن تأمينه في هذا الإطار وتحت هذه المظلة. هذه الحاجات الرئيسة ممكنة التأمين فقط بفضل الدين الإلهي ولا غير.

وقد جاء الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالدين والاتجاه العام، وشدّد على المعنويات، لكنّه وفّر للناس الأدوات المادية أيضاً. في بعض الحالات قدّم بنفسه مباشرةً العلم للناس أي علم الحياة والعلم الخاص بإدارة شؤون الحياة. وأحياناً حينما كانت الأمور تزداد تعقيداً وتحتاج إلى التخصص كان يأمر الناس بإتقان العلوم والتوفّر على المعرفة والنظر في الأشياء والأمور.

والذين يقولون تحت عناوين نصرة الدين أنّ الدين يجب أن لا يتدخّل في الشؤون السياسية، لا يعلمون أنّ هذه هي الحيلة الجديدة للإعلام الاستكباري والاستعماري ضد سيادة الإسلام وتجديد حياته. طبعاً، فكرة فصل الدين عن السياسة مطروحة منذ قرون. طرحها أولاً المستبدّون العتاة الذين قبضوا على زمام المجتمع بطريقة استبدادية، وأرادوا أن يفعلوا كل ما يحلو لهم بالشعب والبلاد بكل حرية، ومن البديهي أنّهم لم يرغبوا في تدخّل أحكام الإسلام والمنادين بها في شؤون الحكم. لذلك يعد الحكّام والسلاطين المستبدّين طليعة الفكرة المضلّلة القائلة بفصل الدين عن السياسة.

ومن المهم هنا أنّ نرى كيف مارس الإمام الخامنئي دام ظله رؤيته وطبّقها بشكل
 
 
 
 
 
 
 
16

12

المقدمة

 علمي ومنطقي في حفظ الجمهورية الإسلامية وقوّتها. وهذا ما يرتكز على الآتي:

نقل الجمهورية الإسلامية في إيران من التبعية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية إلى الاستقلال التام وجعل إيران الجديدة نموذجاً يقتدى بها في العالم الثالث.

تنتقل رؤية الإمام الخامنئي دام ظله بعد ذلك إلى مشاكل الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وفي مقدمة تلك المشاكل مشكلة فلسطين والتي هي جوهر مشاكل المنطقة وأساسها، فبقاء إسرائيل يعرّض العالم الإسلامي إلى مخاطر أمنية كبرى، لذلك ربطت الجمهورية الإسلامية في إيران أمنها القومي بأمن القضية الفلسطينية، وسعت إلى نقل الشرق الأوسط من بؤرة الحرب إلى بر السلام الدائم، وإنّ نيران الحرب لا تنطفئ إلا عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

ويرى الإمام الخامنئي دام ظله إمكانية تحقيق هذا الأمر بالمقاومة التي قام بها الشعب اللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي. وقد تحوّل ذلك الاحتلال إلى هزيمة لإسرائيل سياسياً وعسكرياً ومعنوياً، وعلى هذا الأساس فإن بإمكان النضال أن يحقّق انتصارات كبرى على مختلف الجبهات وأن يقيم مرة ثانية وطناً للشعب الفلسطيني على كامل ترابه الوطني.

تنتقل رؤية الإمام الخامنئي دام ظله من مشاكل الشرق الأوسط إلى مشاكل كتلة عدم الانحياز والتي تضم أكثر من مئة دولة، وتقوم الرؤية على أساس أن حل تلك المشاكل يتطلّب موقفاً إنسانياً وأخلاقياً وحضارياً من قادة عدم الانحياز عبر الابتعاد عن جرّ بلدانهم إلى مدار السياسة الأمريكية وتحويل أراضيهم ومياههم الإقليمية إلى مسرح دائم للقواعد الأجنبية.

تنتقل رؤية الإمام الخامنئي دام ظله بعد ذلك إلى الآثار السلبية لنظام القطبية الثنائية الذي ساد العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والذي أقيم على أساس الهيمنة والتسلّط، والتحفيز على سباق التسلّح، وتصعيد الخطر على السلام في العالم بأسره من خلال الحروب الإقليمية والأهلية التي اندلعت في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعبر تدهور الاقتصاد والتجارة الدولية وعبر موجات التحلّل الأخلاقي.
 
 
 
 
 
 
 
 
17

13

المقدمة

 وبعد انهيار سلطة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وانتهاء نظام القطبية الثنائية في العالم، يرى الإمام الخامنئي دام ظله أنّ النظام الدولي القائم على أساس القطب الواحد سوف يؤجّج خطر الكارثة في العالم ويؤدّي بالإنسانية إلى الهلاك الشامل، وعلى هذا الأساس يتنبّأ الإمام الخامنئي دام ظله بحدوث هزة داخلية كبرى في الولايات المتحدة على غرار الهزة السياسية السوفيتية، وسوف تزيل النظام الرأسمالي من جذوره مثلما أزالت الهزة السوفيتية النظام الشيوعي من جذوره.


لم تغفل رؤية الإمام الخامنئي دام ظله دور الإعلام في العالم، وطالبت أصحاب الفكر والقلم والموقف الشريف بحماية القيم الإيمانية للشعوب والوقوف أمام إعلام الدول الاستعمارية، ونادت بتشكيل جبهة إنسانية سلاحها الكلمة الصادقة ومدادها العلم والحضارة الأصيلة.

كما توضح رؤية الإمام الخامنئي دام ظله ملامح النظام العالمي الجديد والقائم على أعمدة الحوار المتكافئ والجدي بين العالم الإسلامي وأوربا الموحدة وعلى انبثاق محاور عالمية جديدة بعيد عن التسلّط والاحتكار وشن الحروب، وفي طليعة تلك المحاور: مشاركة دول عدم الانحياز في إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد والقيام بدور أكبر في الحياة السياسية العالمية، وإنهاء المساعي المحمومة للدول الاستعمارية القاضية بتقويض الإنجازات التي حقّقتها البلدان المستقلة والبلدان النامية.

ختاماً: هذا الكتاب "خطاب الولي 2013" يحمل في صفحاته باقة من الكلمات التي أفاض بها الإمام الخامنئي دام ظله على الأمة الإسلامية والمجتمع الإنساني، حيث تزخر كلماته بقيم الإنسان والحياة والفكر الوضّاء الذي يشعّ أنواراً وحكماً في قلب كل مسلم حي... 

والحمد لله رب العالمين
مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 
 
 
 
 
 
18

14

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم



المناسبة: الذكرى السنوية لانتفاضة التاسع عشر من شهر "دي" 
الحـضـور: جمع من أهالي قم المقدسة 
الـمكــان: طهران
الزمان:
19/10/1388 ﻫ.ش.
25/02/1434 ﻫ.ق.
08/01/2013م.
 
 
 
 
 
 
 
 
19

15

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
أرحّب بجميع الإخوة والأخوات وشباب قم الأعزّاء، وعلمائها وطلّابها المحترمين، والعلماء الكبار الذين أفاضوا بحماسهم وعواطفهم ومشاعرهم وعقلانيتهم مرّة أخرى على أجواء حسينيّتنا، في هذه المناسبة المهمّة جدّاً،. لقد أحييتم مرّةً أخرى تلك الذكرى التي لا تُنسى للتاسع عشر من شهر دي1، الخالد عبر التّاريخ. والشكر على البرنامج الذي قُدّم والأنشودة ذات المحتوى الجيّد التي قام الأخوة والأخوات بتكرارها وإنشادها.
 
19 دي، تضحيات عظيمة
إنّ قضيّة التاسع عشر من دي وإبقاءها حيّة في الذاكرة ليست مجرّد قضية روتينيّة أو عادة، بل هي قضيّة أساسيّة وأصوليّة. إنّ جميع المناسبات الكبرى في تاريخنا هي من هذا القبيل. في البداية، فليتعرّف الجيل الشاب والجديد، الذي يحمل على عاتقه اليوم المسؤولية التي كانت على عاتق شباب ذلك اليوم، إلى جذوره التاريخية والسوابق التاريخيّة لحركته من خلال هذه الذكريات وليستشعرها. ثانياً، فليعلم قدر كل ذلك الجهاد الذي تحمّله ذاك الجيل من أجل الوصول بشعب إيران


 

1 دي 9ك2/ 1978-، تاريخ مفصلي في مسار الثورة, يوم انتفاضة أهالي قم في وجه النظام وجلاوزته حيث قُمعت التظاهرات التي خرجت استنكاراً لمحاولة الشاه توهين حركة الإمام وصورة الحجاب في إيران, وكان ذلك في مقال طلب وزير مخابرات الشاه نشره في جريدة اطلاعات بعد فترة وجيزة من شهادة السيّد مصطفى ابن الإمام في ت2/ 1977وقيام مجالس العزاء في مختلف المناطق, حيث صمم الشاه حينها على إلحاق الأذى والإهانة بالإمام. فكان المقال وكانت ردة فعل الناس وطلاب الحوزة في قم قوية وعامة حيث أعلنوا الإضراب والتعطيل في 18 دي, وكانت الحركة الواسعة في 19 دي, التي واجهها النظام بعنف شديد, وسقط على أثرها عدد كبير من الشهداء والجرحى واعتقل المئات.... وأقيمت ذكرى أربعين شهداء انتفاضة 19 دي في مختلف المدن وحصلت مواجهات في كل مدينة, وهكذا توالت سلسلة الأربعينيات. وكان لهذه الحركة نتائجها في دعم حركة الإمام وانزواء تيار فصل الدين عن السياسة, وتسريع عجلة الثورة التي أطاحت بالنظام بعد سنة تقريبا أي في 11/شباط/1979....
 
 
 
 
 
 
 
21

16

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 إلى ما هو عليه اليوم، وكل تلك الصعاب التي مرّ بها، والمخاطر التي واجهها الناس بصدورهم، فلتُبيّن هذه الأمور وليتّضح أنّ ما حقّقه شعب إيران اليوم لم يكن نعمة سهلة المنال أو حادثة وقعت بمحض الصّدفة. 

 
"من كان عنده هدف يستخرجه من فم الأسد ـ وهنا ينبغي أن أقول من فم الذئب"1. لقد واجه شعب إيران المخاطر والمتاعب وبذل التضحيّات مقابل البوليس الشقيّ والجبّار لنظام الطاغوت وثَبُتَ مقابله، فقدّم القتلى والشهداء والجرحى حتّى تمكّن في النّهاية من تسيير هذه القافلة العظيمة العازمة وإيصالها إلى هنا. هذه هي النقطة الثانية. 
 
النقطة الثالثة، هي درسٌ نستلهمه ليومنا هذا. إنّ شبابنا الأعزّاء لم يشهدوا ذاك اليوم ولم يعلموا ما جرى فيه. لكن أولئك الذين أدركوا تلك الأيّام يعلمون. ففي ذاك اليوم لم يكن الوقوف مقابل القدرة الظاهريّة المدجّجة لنظام الطاغوت عملاً سهلاً بالنسبة لأيّ أحد. فلو قيل للكثير من هؤلاء الّذين يفكّرون بالمصالح وهم أسرى الظواهر، إنّ شعب إيران ـ وأهل قم نموذجٌ عنه ـ يريد أن يواجه نظام الطاغوت البهلوي، ويريد أن يقضي عليه لسخروا منه، ولقالوا هل يمكن ذلك؟! ولكنّه حصل. فما كان يبدو مستحيلاً صار ممكناً وتحقّق وبقي خالداً. هذا هو الدّرس. 
 
أعداء مسلحون بالمال والقوة والإعلام والسياسة
وفي يومنا هذا يحمل شعب إيران مبادئ، ولديه شعارات ورسائل كبرى، سواءٌ فيما يتعلّق ببلده أم بالعالم الإسلاميّ أم بعالم البشرية. ويوجد في مقابل شعب إيران ذئابٌ جائعة، وسباعٌ مطلقة العنان، وهذه الشركات المهيمنة والمتسلّطة، وتلك الجماعات المنهومة بالدنيا وعبادتها، كلّها اصطفّت صفّاً واحداً، يصنعون الأسلحة ويصدِّرونها ويشعلون الحروب ويديرون منظّمة الأمم المتّحدة بحسب ميولهم 



1 ترجمة بيت للشاعرة الأفغانية حنظلة بادغيسي, من شعراء القرن الثالث الهجري. وقد استبدل سماحته كلمة الأسد بكلمة الذئب لأنّه يشير إلى البوليس الشقيّ الجبّار للنّظام الطاغوتي. والبيت هو: "مهترى كر بكام شير در است رو خطر كن ز كام شيره بجوى".
 
 
 
 
 
 
22

17

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 ورغباتهم، وأينما أرادوا يرسلون العسكر، ويرتكبون الجرائم، ويدعمون الظلم، ويدعمون الصهاينة الغاصبين، ويرتكبون الظلم في المجتمع البشري، بهذه القدرة الظاهريّة، وهذه القرقعة والجعجعة الاستعراضية. وعهد الطاغوت في إيران كان أنموذجاً من هذا القبيل. واليوم هناك من يقول: هل يمكنك أيّها السيّد أن تقف مقابل هذا الاصطفاف والاتّحاد الذي يظهر بين الأعداء المسلّحين بالمال والقوّة والإعلام والاقتصاد والسياسة وكل شيء؟ فهل يمكن تحقيق أي تقدّم؟ فاليوم نسمع تلك الكلمات نفسها. هذه تجربة. 

 
لو قاتلتم لنصركم الله
أجل، إنّ هذا ليس كلامنا، هذا هو كلام القرآن: إذا نزلتم إلى الميدان في سبيل الله وصمدتم فإنّ النصر أمرٌ قطعيّ: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾1. هذا الأمر لا يتعلّق بما جرى في معارك صدر الإسلام فقط ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ﴾ هي سنّة الله.
 
أجل، عندما لا نعرف ما هي قضيتنا والأفكار الأساسية لدينا، أو عندما لا نعرف كيف نعرضها أو عندما لا نتمسّك بها أو نضعف وسط الطريق بسبب الوساوس الشيطانية أو وساوس النفس أو كل أنواع الكسل، فإنّ الجهاد لن يؤتِ ثماره، فهذا معلومٌ. فالبحث كلّه هو حول هذه النقطة ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾2 فلا يوجد أعلى وأشدّ من هذا التأكيد. لو نصرنا الله ـ وهذه النصرة تكون بالتفكير، واختزان وتحصيل الأفكار الأصيلة، وعرضها بشكل صحيح في العالم والتمسّك بها وإعمال التدبير من أجل التقدّم بها ومواجهة كل المخاطر لأجلها، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ﴾ فإنّ الله تعالى سينصر حتماً وقطعاً. ومعنى "لينصرنّ" هو هذه القطعيّة والحتميّة، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً﴾3.
 
لقد جرّب شعب إيران هذه الأمور عمليّاً. فلو أنّكم يا شعبنا العزيز وشبابنا



1 سورة الحج، الآية: 40.
2 سورة النساء، الآية: 122.
3 أي نداؤكم ورسالتكم حسب سياق الكلام-.
 
 
 
 
 
 
 
23

18

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 المفعمين بالروحيّة الحسنة، والاقتدار، والعزم، سلكتم هذا الطريق وثبتم عليه، فلا تشكّوا في أنّ جميع آمالكم وأمانيكم ورسائلكم وشعارات شعب إيران، سوف تتحقّق في زمانكم وفي الوقت المناسب، ليس على مستوى هذا البلد فحسب، بل على مستوى كلّ العالم الإسلاميّ والأمّة الإسلاميّة والمجتمع البشريّ. لكلّ عملٍ زمانه ومرحلته، وسوف تتحقّق هذه الأماني والآمال في وقتها المناسب. إنّ شعب إيران سيصل إلى تلك النقطة التي يتطلّع إليها، ويتحرّك نحوها، ويهتم بها، وسبيله إلى ذلك هو: المقاومة.

 
تاريخ العالم إلى مرحلة جديدة
فماذا سيحدث عندها؟ سيتغير مسار تاريخ العالم. إنّ مسيرة التاريخ اليوم هي مسيرة الظلم، والتسلّط والإذعان للهيمنة. هناك جماعة تتسلّط على العالم، وأخرى تقبل بتسلّطها. فلو أنّ كلمتكم6 يا شعب إيران سارت قدماً، ولو أنّكم استطعتم أن تنتصروا، ووصلتم إلى تلك النقطة الموعودة، فإنّ مسار التاريخ عندها سيتبدّل، وسوف تتهيّأ الأرضية لظهور وليّ الأمر ووليّ العصر أرواحنا له الفداء، وسوف يدخل العالم في مرحلة جديدة. إنّ ذلك اليوم مرتبطٌ بعزمنا أنا وأنتم، وبمعرفتنا في هذا الزمن أنا وأنتم.
 
ولأجل أن يربط الله تعالى على هذه القلوب بتحقّق الوعود المستقبلية، فإنّه يحقّق بعضها في المدى القريب. فالله تعالى أوحى إلى أمّ موسى ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾، ثمّ قال ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾1. قدّم الله تعالى لها وعدين: "ألقيه في اليم" ـ ولا تخافي ـ فإنّنا سنرجعه إليك وسوف نوصله إلى مقام النبوّة والرسالة. إنّ تلك النبوّة هي التي كان بنو إسرائيل ينتظرونها لسنين طويلة، ولعلّه لعدّة قرون. وبعد أن رجع موسى إلى حضن أمّه في قصر فرعون، يقول الله تعالى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾2. لقد حقّقنا الوعد الأوّل لها، وأرجعناه لتعلم أنّ وعد الله حقّ، وأنّ الوعد الثاني سيتحقّق.



1 سورة القصص، الآية: 7.
2 سورة القصص، الآية: 13.
 
 
 
 
 
 
24

19

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 حقيق الوعود الإلهية 

وهكذا فعلالله تعالى مع شعب إيران، لقد حقّق له الكثير من الوعود، وأنجز له الكثير من الأعمال الكبرى. يا شبابنا الأعزّاء! اعلموا أنّه في ذاك الوقت ما كان أحدٌ ليصدِّق أنّه يمكن هزّ النظام الملكيّ الطاغوتيّ، ناهيك عن أن يريد أحدٌ القضاء عليه. وأنتم اليوم ترون أنّ النّظام الطاغوتيّ هو أكثر نظام ممقوت في عالم الإسلام، ولقد تمّ القضاء عليه في إيران بالكامل ـ وبحسب القول المعروف: رُمي في زبالة التاريخ. لو قيل في ذاك اليوم أنّه يمكن لإيران أن تتحرّر من أغلال السلطة الأميركيّة، لقال أولئك الذين كانوا مطّلعين على قضايا البلد جيّداً: إنّ هذا الأمر غير ممكن قطعاً ويقيناً. فجميع أمور البلد وكلّ سياساتها الكبرى كانت بيد الأميركيّين، كانوا يتدخّلون أحياناً حتّى في الجزئيّات: من الذي يكون وزير الحقيبة الفلانيّة ومن لا يكون، وإلى أي مدى ترتفع أسعار النفط ولا ترتفع. من كان ليتصوّر زوال ذلك النظام مع كل هذه الهيمنة التي مارسها الأميركيّون على بلدنا، وشعبنا، ومصادرنا، وثرواتنا، وسمعتنا، ومعهم أتباعهم وحواشيهم وباقي الأراذل والأوباش العالميين؟ أنتم اليوم ترون أنّه إذا أراد شعبٌ ما في العالم أن يأتي على اسم دولةٍ مستقلّة عن السياسات الاستكبارية الأميركيّة وأمثالها، لأتى على ذكر اسم إيران. إنّ الشعوب الأخرى تنظر إلى إيران وتنفعل وتتحمّس جرّاء هذا الصمود، وهذه القاطعية والشجاعة والاستقامة التي أظهرها شعب إيران.

شعب إيران ومباني الثورة
لقد تعاضد كلّ العالم الاستكباري والدول المستكبرة علّهم يحاصرون إيران بالحظر، وينهكون شعب إيران ويركعونه. هم أنفسهم يقولون إنّنا نريد أن نجبر الشعب على الوقوف بوجه نظام الجمهوريّة الإسلاميّة لكي يبدّل مسؤولو النظام حساباتهم! إنّهم يعلنون ذلك بصراحة. في البدايات عندما كنّا نحلّل الأمور لم
 
 
 
 
 
 
 
 
25

 


20

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 يكونوا ليصرّحوا بذلك، ولكنّهم يفعلونه الآن. والنتيجة هي ما حصل حيث تلاحظون أنّ شعب إيران يزداد يوماً بعد يوم توجّهاً إلى مباني الإسلام والثورة والصّمود وهذه العزّة التي منحها الله تعالى لهذا البلد، وقد تحقّقت النقطة المقابلة تماماً لما أرادوه.

 
مفاخر قم: الحوزة، انتفاضة 19 دي، نهضة الإمام
هذه دورسٌ كبرى علّمنا إيّاها الله تعالى، وأحدها هو يوم التاسع عشر من شهر دي الذي تفخرون به أيّها القمّيّون. بالطبع، لا تنحصر مفاخر قم بهذه النقطة، فلديها الكثير في تاريخها. ففي السنوات التسعين أو المئة الأخيرة، تفجّرت عيونٌ فوّارة عذبة كثيرة من قم. القمّيّون هم الذين استضافوا بالأحضان المرحوم الحاج الشيخ1 رضوان الله عليه، فهم الذين أحضروه لتتشكّل هذه الحوزة العظيمة. إنّ هذه التربية الإلهية وغير المتوقّعة والتي حصلت في هذه الحوزة هي من بركات همّة أهالي قم، حوزةٌ تخرّج منها شخصٌ مثل إمامنا الجليل وأوجد هذه الحادثة العظيمة في العالم، لا ينبغي القول إنّها حادثة عظيمة في هذا البلد. كان لقم وجهٌ مشرق وعظيم - في قضايا العام 1342 هـ. ش2. وفي قضايا الثورة3 وفي قضايا الحرب المفروضة4 - نأمل أن يبقى هكذا دوماً.



1 المقصود هنا: الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، مؤسس الحوزة العلمية في مدينة قم. ولد في يزد عام 1276هـ ، هاجر إلى سامراء وتتلمذ على كبار علمائها، كما سافر إلى النّجف ودرس فيها, ثمّ إلى كربلاء وأقام فيها حلقات دراسية عديدة. رجع إلى قم عام 1340هـ ووضع الهيكل الأساس للدراسة الحوزوية, من تلامذته: الإمام الخميني، آيات الله: صدر الدين الصدر، محمد تقي الخونساري, محمد الداماد, القزويني وغيرهم... كان مراجعاً في التقليد وتقدم على غيره من المراجع, وكانت له مواقف صارمة من بعض أعمال الشاه الأبرضا خان- خاصة قضية الحجاب, عندما حاول الشاه تطبيق قانون منع الحجاب, فقال: سأقف ضد هذا القرار إلى آخر حياتي. وقام بمشاريع مهمة في قم, فقد أسس دارا لإطعام الفقراء, ومستشفىً, وسدا, وقلعة لإسكان متضرري السيول...
2 15خرداد 1342هـ ش5/6/1963م-: حدث مفصلي في تاريخ إيران الحديث، يوم انطلاق الثورة والخطاب المدوي للإمام الخميني, الذي هاجم فيه الشاه و فضح أعماله وكشف مخططات الغرب وعمالته لهم, ودعا العلماء واصحاب الكلمة إلى النهوض والثورة ضد الظلم والتعسف الذي يقوم به الشاه.
3 قضايا الثورة: سلسلة الأحداث التي تلت خطاب الإمامما بعد1963-, وحوادث اعتقال الإمام وإبعاده, وردة فعل الناس والتظاهرات والاعتصامات وقمع الشاه لها...
4 الحرب المفروضة على الجمهوريّة الاسلامية التي قادها النظام البعثي البائد بدعم ومؤازرة علنية من قطبي العالم آنذاك وأكثر الأنظمة العربية بدفع من المخابرات الغربية والامريكية خصوصا.
 
 
 
 
 
 
 
 
26

21

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 التقوى الجمعية

نقطةٌ مهمّة ـ أذكرها لكم يا شباب قم الأعزّاء ـ وهي أنّه في هذه الحركة يجب على المرء أن يراقب بذكاء وحنكة تحرّكات العدوّ ويضعها تحت المجهر ويكشف أهدافه. وهذا أمرٌ مهمٌّ جدّاً. إذا وقفتم في منازلة شخصيّة أو دفاع عن النّفس مقابل خصم ما وتمكّنتم من توقّع حركاته فإنّكم لن تتعرّضوا لأيّة ضربة. وإذا ما تشتّتت حواسكم وغفلتم وفقدتم التركيز وانشغلتم بأمور أخرى فلن تتمكّنوا من توقّع ما سيفعله وسوف تتعرّضون للضرب. العدوّ لا ينام، وهو مستيقظ، "وإنّ أخ الحرب الأرق ومن نام لم يُنم عنه"1. فلو غفلتم عن موقعيّتكم فهذا لا يعني أنّ عدوّكم الذي يقف في المواجهة قد غفل وتشتتت حواسه، فمن الممكن أن يكون متيقّظاً فيضرب. فيجب أن تركّزوا انتباهكم. ولهذا السبب نطلق كلّ هذا الكلام وهذه التوصيات المؤكّدة والمتكررة، سواء للمسؤولين أم للشعب، بأن لا ينشغلوا بالقضايا الفرعيّة. وهذه التوصية المستمرّة للصحافة ووسائل الإعلام والجرائد ومواقع الانترنت، التي انتشرت كثيراً في أيّامنا هذه، هي أن يجتنبوا الدخول في التصريحات والقضايا غير الصحيحة التي تشغل أذهان الناس. يجب على أي شعب أن يكون متنبّهاً بشكل جيّد ليعلم أين يضع قدميه ـ وهذه هي التقوى الجمعيّة ـ وليعلم ما ينبغي أن يقوم به، وليلتفت من أين يمكن أن تأتيه الضربة. فإذا كنّا أتقياء في العمل الفرديّ فسنراقب أعمالنا وسنراقب أنفسنا، فلا نضع أقدامنا في المنزلقات والمواضع التي يخشى السقوط فيها. هذا هو الأمر المطلوب.
 
عين العدو على الانتخابات
ما شخّصته، أنا العبد، في هذه الأيام ـ وهو ما تدل عليه حركات العدوّ ـ هو: مع أنه ما زالت تفصلنا خمسة أشهر عن الانتخابات، فإنّ ذهن عدوّنا متوجّهٌ إلى انتخاباتنا. الانتخابات الآتية في شهر خرداد2 هي برأينا مهمّة، وهي كذلك



1 نهج البلاغة، كتاب 62.
2 في حزيران 2013.
 
 
 
 
 
 
 
27

22

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 بنظر العدوّ ولهذا يركّز عليها. فلو استطاع العدوّ القيام بعملٍ ما لكي لا تتحقّق هذه الانتخابات فإنّه سيفعل. ولأنّ هذا الأمر غير ميسور ولا مقدور بالنسبة لهم فإنّهم آيسون من أن يتمكّنوا من القيام بهذا الأمر. ذات يوم كان البعض يسعون لتؤجّل انتخابات المجلس أو تؤخّر، حتى قالوا لنا إذا أمكن تأخير الانتخابات أسبوعين. قلنا لا يصح، فالانتخابات يجب أن تُجرى في موعدها، ولا ينبغي أن تؤخّر يوماً واحداً. لم يتمكّنوا من ذلك، ولم تصل أيديهم إلى شيء. لقد جرّبوا هذا ويعلمون أنّ الانتخابات لا يمكن تأجيلها، لذلك فهم يسلكون طرقاً أخرى.

 


الانتخابات، نزاهة لا نظير لها
وإنّ من أهدافهم هو أن تجري الانتخابات دون مشاركة شعبية واسعة وحماسية. وليعلم الجميع هذا الآن: أولئك الذين يمكن أن يوجّهوا التوصيات العامّة انطلاقاً من الحرص فيما يتعلّق بالانتخابات، ويقولون فلتكن الانتخابات هكذا ولا تكن هكذا، فليلتفتوا جيداً حتى لا يعينوا العدوّ على ما يريد. فلا يؤيّسوا الناس من الانتخابات ولا يقولوا إنّ الانتخابات ينبغي أن تكون حرّة. حسنٌ، من الواضح أنّ الانتخابات ينبغي أن تكون حرّةً. لقد كان لنا منذ بداية الثورة وحتى الآن، ثلاثون عملية انتخاب ونيّف، فأيّ منها لم يكن حرّاً؟ في أي بلد تقام فيه الانتخابات بحريّة أكثر مما هي عليه في إيران؟ وفي أي بلد لا ينظر في كفاءات (المرشّحين) ليبدأ التركيز على هذه المسألة والحديث عنها وإكثار الكلام بشأنها؟ كل ذلك من أجل أن يزرعوا في أذهان الناس مثل هذه التصوّرات شيئاً فشيئاً، حتى يُقال إنّ هذه الانتخابات لا جدوى منها.. إنّ هذا ما يطمح إليه العدوّ. من الممكن أن يكون أولئك الذين تصدر عنهم مثل هذه الكلمات في الداخل، غافلين. أنا أقول لا تغفلوا وانتبهوا ولا يكوننّ عملكم وفق الأجندة التي حدَّدها العدوّ، ولا تكملوا أهدافه. وهذا أحد أساليب إخماد الحماس والحيوية في الانتخابات.
 
 
 
 
 
 
 
28

23

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 القانون هو الفيصل

قضيّةٌ أخرى، هي أنّه يُقال للنّاس ويُعمل على تلقينهم أنّ الانتخابات فاقدة للنزاهة المطلوبة. وبالطبع أنا العبد أؤكّد على أن تجري الانتخابات بنزاهة، غاية الأمر أنّ لهذا طريقه. ففي الجمهوريّة الإسلاميّة وفي قوانيننا تمّ النظر بدقّة إلى الطرق القانونية الممتازة لحفظ نزاهة الانتخابات. وبالطبع هناك من يريد أن يعمل بالطرق غير القانونيّة، وهم يريدون الإضرار بالبلد، مثلما أنّهم في العام88 1 دخلوا من طرق غير قانونيّة. وقد حمّلوا هذا البلد أعباء وأوجدوا للناس أسباباً للتّعب، وصاروا سبباً لتعاسة أنفسهم وافتضاحهم في الأرض وفي الملأ الأعلى. يوجد طرق قانونية جيّدة. أجل، أنا العبد أصرّ على أن تجري الانتخابات بنزاهة تامّة ورعاية كاملة للأمانة. وعلى مسؤولي الحكومة وغيرها، الذين يعملون في الانتخابات، وهم مسؤولون أن يعملوا طبق القانون وبدقة تامّة وبرعاية كاملة للتقوى والنّزاهة لكي تتحقّق الانتخابات النزيهة، وبالتأكيد سوف يكون الأمر كذلك.
 
الانتخابات حق وواجب
ومن الطرق، سعيهم في وقت الانتخابات لأن يشغلوا أذهان الناس بأمور أخرى، وأن يصطنعوا حادثةً أو قضيّة سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم أمنية. وبالطبع، إنّ هذا من خطط العدوّ، لكنّني أنا العبد واثقٌ أنّ شعب إيران أكثر بصيرة ووعياً من أن ينخدع بمثل هذه الحيل العدائيّة للأعداء أو عملائهم. كلا، فإن شاء الله ستكون الانتخابات بإذن الله وبحوله وقوّته وفضله انتخابات جيّدة وحماسيّة.
 
بالطبع، لدي الكثير من الكلام فيما يتعلّق بالانتخابات. ولو كُتب لنا أن نعيش



1 فتنة عام1388ش 2009م-, محاولة الإطاحة الفاشلة بالنظام التي قادها موسوي وكروبي في العلن- بحجة عدم نزاهة الانتخابات, وكانت الأيادي الخبيثة للعملاء ورؤوس الأجهزة الغربية تدعم وتؤازر في الخفاء, وقد انتهت هذه الجولة من المواجهة بفشل ذريع نتيجة الصفعة القوية التي وجهها الشعب وسماحة الإمام القائد إلى رؤوس الفتنة وأسيادهم الغربيّين, حيث كان للقائد حفظه الله الدور الأبرز, سواء على مستوى مخاطبة الجماهير وفضح خطة الغرب التي ألبست ثوب الحرية وبعض شعارات الثورة والجمهوريّة نفسها, أم على مستوى بث الوعي والبصيرة في مسؤولي النظام والدولة ومختلف مستويات النخب.. فكانت التظاهرات المليونية للشعب التي أعقبت سلسلة اعتصامات وتظاهرات غوغائية لأنصار تيار مدعي التزوير مخربة لممتلكات الناس والأملاك العامة ومهينة للشعائر الحسينية في العاشر من محرم الحرام....
 
 
 
 
 
 
 
29

24

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 فسوف نتحدّث في المستقبل أيضاً. لديَّ وصايا وكلام ونقاط لكنّنا نكتفي الآن بهذا المقدار. فالتفتوا إلى أنّ الانتخابات هي حقّ وواجب. إنّ كلّ واحدٍ منّا، كأحد أبناء هذا الشعب، لديه الحق في أن يشارك في الانتخابات ويتحمّل أيضاً مسؤولية. إنّ أولئك المؤمنين بنظام الجمهوريّة الإسلاميّة والذين يقبلون بالدستور، يريدون أن يستفيدوا من هذا الحقّ ويريدون أن يؤدّوا هذا التكليف. يجب على الجميع أن يؤدّي هذا التكليف. قد يكون تكليف أحدهم هو أن يعرض على الناس كفاءاته لينتخبوه. فكلّ من يشعر بوجود هذه الكفاءة لديه ويتقن العمل التنفيذيّ فليأتِ ويرشّح نفسه للانتخاب. إنّ إدارة البلاد والعمل التنفيذيّ ليسا أمراً بسيطاً. فالأعمال الكبرى والأعباء الثقيلة ملقاة على عاتق التنفيذيين في المستويات العليا. من الممكن للبعض أن يكونوا عاملين في المستويات الأخرى وبعضهم لا يعرف بالدقّة أبعاد هذا العبء وإلى أي درجة الحمل ثقيل. فالذين ينزلون إلى هذا الميدان يجب أن يكونوا ممّن يقدر على حمل هذا العبء ويجدوا في أنفسهم الكفاءة التي يؤكّد عليها الدستور والمجلس المحترم لصيانة الدستور، وليكونوا في الواقع مرتبطين وتابعين للنظام والدستور، ومستعدّين لتطبيق الدستور، لأنّ رئيس الجمهوريّة يقسم على تطبيق الدستور ولا يصح أن يقسم كذباً. فالذين يشعرون بمثل هذا (الاستعداد) فليأتوا إلى الميدان، ومن لا يجد ذلك في نفسه ولا يعتزم المشاركة (أي الترشح) في هذه الساحة فليشارك في ساحة الانتخاب ويساعد في جعل الانتخابات حماسيّة.

 
إنّني أقول لكم وبالثقة التي نشعر بها بوعد الله ـ ووعد الله حقٌّ وصدقٌ ـ أنّه لا شكّ بأنّ الله تعالى سوف ينصر هذا الشعب على أعدائه في هذه المرحلة أيضاً وفي جميع المراحل المقبلة. نشكر الله أنّه لم يبتلنا بسوء الظن به ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾1 ولم يجعلنا منهم. لدينا ظنٌّ حسنٌ بوعد الله ونثق به. فمن جانبٍ نرى أن الله تعالى قد وعد بالنصر، ومن جانب آخر، يشاهد المرء حضور هذا الشعب وحرصه وهمّته، وإخلاص هؤلاء الشّباب وطهارتهم، والآباء والأمّهات المؤمنين 



1 سورة الفتح، الآية: 6.
 
 
 
 
 
 
 
30

25

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

 والمحبّين، على مستوى البلد ومن مختلف الشرائح وبكل الأشكال والظواهر. يشاهد المرء كيف أنّ هذا الشعب هو شعبٌ حاضرٌ في الساحات بحمد الله.


نسأل الله تعالى أن يمنحكم يا أهالي قم الأعزّاء رحمته ولطفه وتوفيقه وعافيته ويشمل بذلك الحوزة العلميّة المعظّمة في قم. 

اللهمّ! احشر روح إمامنا الجليل المطهرّة الذي فتح علينا هذا الطريق مع أوليائه. 

اللهمّ! اشمل برحمتك وبركاتك وفيضك الأرواح الطيّبة لشهدائنا الأعزّاء الذين ضحّوا في هذا الطريق وكذلك كلّ المجاهدين في طريق الحقّ، واجعلنا من ثابتي القدم عليه.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
31

26

في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة




المناسبـة: ذكرى مولد رسول الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم وحفيده الإمام الصادق عليه السلام
الحــضـور: مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
10 /11/1391 هـ.ش.
17/03/1434 هـ.ق.
29/01/2010م.
 
 
 
 
 
 
 
 
33

 


27

في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
أبارك هذا العيد السعيد والعظيم لجميع الحاضرين المحترمين والضيوف الأعزّاء الذين شرّفونا في هذا المكان من باقي الدّول، وسفراء الدّول الإسلاميّة، وكذلك لجميع أبناء شعب إيران العظيم الذين أثبتوا بالعمل حبهم لمقام النبوّة وثباتهم عليه. كذلك أهنئ جميع أبناء الأمّة الإسلاميّة الذين يستشعرون وحدتهم وانسجامهم حول محور الاسم المبارك لنبيّ الإسلام. وأبارك أيضاً بهذا العيد السّعيد لكلّ أحرار العالم، وذلك لأنّ بُشرى مولد النبيّ والبركات الإلهيّة الحاصلة جرّاء مولده العظيم هي في الحقيقة بُشرى لكلّ أحرار العالم، ولكل الذين يسعون خلف الحرّيّة والعدالة والوصول إلى القيم الإلهيّة السامية.
 
 
ربيع الأول ربيع الحياة
يعتقد بعض أهل المعرفة1 والسلوك المعنويّ أنّ شهر ربيع الأوّل هو ربيع الحياة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ذلك لأنّه في هذا الشهر قد وُلد النبيّ الأكرم بوجوده المقدّس وكذلك حفيده الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصّادق. وولادة النبيّ هي مبدأ جميع البركات التي قدّرها الله تعالى للبشريّة. نحن الذين نعتبر الإسلام وسيلة سعادة البشريّة وطريق نجاة الإنسان نؤمن بأنّ هذه الموهبة الإلهيّة حاصلة من الوجود المبارك للنبيّ الذي يصادف في هذا الشهر. وواقعاً، يجب اعتبار هذا الميلاد العظيم مبدأ جميع البركات التي قد أنزلها الله تعالى على المجتمع الإنساني والأمّة الإسلاميّة وأتباع الحقيقة. 



1  قد يكون المقصود "العرفاء" لأنه يطلق عليهم أيضاً "أهل المعرفة".
 
 
 
 
 
 
35

28

في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة

 الارتباط المعنويّ والقلبيّ

إنّ مجرّد الاحتفال ليس كافياً، ففي الدرجة الأولى يجب أن نزيد من قوّة ارتباطنا القلبيّ بالنبيّ. ويجب على العالم الإسلاميّ أن يزيد من قوّة ارتباطه المعنويّ والقلبيّ والعاطفيّ بالنبيّ المكرّم يوماً بعد يوم، فهذه هي القضيّة المشتركة بين جميع مسلمي العالم. أولئك الذين تخفق قلوبهم من أجل تشكيل الأمّة الإسلاميّة يجب عليهم أن يعتمدوا على هذه القضيّة: وهي الارتباط المعنويّ والعاطفيّ بوجود النبيّ المقدّس. أي في الدّرجة الأولى أن يكون العزم على اتّباعه في جميع الأمور وبصورة جدّيّة. ففي الآيات القرآنية الكريمة تمّ التفصيل بشأن أخلاق النبيّ وسلوكه السياسيّ وطريقة حكمه ومشاعره تجاه النّاس، سواءً كانوا مسلمين أم غيرهم. فتربية الصّحابة الأجلّاء وسلوكهم يدلّ على تلك الجّهة التي ينشدها الإسلام والنبيّ في قضيّة تعليم الأمّة الإسلاميّة وتربيتها. يجب علينا أن نطبّق هذه الأمور في حياتنا ولا يكفي مجرّد القول والكلام.

بذرة الصحوة وأمنيات الشعوب
لقد تحقّقت الأرضيّة اليوم لهذه القضيّة. فالصحوة الإسلاميّة واقعٌ قد حصل. فبعد عقود متمادية من هيمنة أعداء الإسلام وأعداء المسلمين على المجتمعات الإسلاميّة - سواء بصورة الاستعمار المباشر أم بصورة الاستعمار الجديد، والاستعمار غير المباشر سواء بصورة الهيمنة الثقافية أم التسلّط الاقتصاديّ أم الهيمنة السياسيّة - فبعد كلّ هذه السنين المتمادية التي عانت فيها الشعوب المسلمة من الضغوطات الهائلة للسلطات الغربية والحكومات الأوروبية والأمريكية على بلدانهم، تفتّحت نواة الصحوة واليقظة الإسلاميّة ونمت تدريجياً وها هي الآن تظهر نفسها. يشعر أبناء العالم الإسلاميّ اليوم أنّ طريق عزّتهم ووسيلة رفعتهم واستقلالهم هما الإسلام. فببركة الإسلام يمكن أن تتحقّق جميع الأمنيات الوطنيّة لأيّ شعب في العالم الإسلاميّ. وببركة الإسلام يمكن للشعوب الإسلاميّة أن تقف في مقابل الهيمنة الغربيّة وتكبُّر حكوماتها، وفي مواجهة تسلّطهم الظالم وفي مقابل استغلال هذه الحكومات الغربيّة واستكبارها.
 
 
 
 
 
 
 
 
36

29

في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة

 الشعوب الإسلاميّة على طريق الانتصار

والغرب مجبرٌ على التراجع. ها أنتم تشاهدون اليوم هذه التّجربة في العالم الإسلاميّ. لقد حدث هذا الأمر قبل أكثر من ثلاثين سنة في إيران، وها أنتم تشاهدونه اليوم في العالم الإسلاميّ وفي شمال أفريقيا. فالأقدام تتحرّك نحو الانتصار. وبالطبع يوجد مشاكل، لكن ما دمنا يقظين فإنّ هذه المشاكل لا يمكن أن توجد سدّاً أمام طريقنا. يقول القرآن: ﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى﴾1. أجل إنّهم يؤذون ويختلقون الصّعاب، لكن إذا ما عزمنا وتوكّلنا على الله وقرّرنا التحرّك لن يمكنهم أن يوجدوا سدّاً أمام طريقاً.
 
ها هي الشعوب الإسلاميّة اليوم قد استيقظت، تستشعر أنّها ببركة الإسلام قادرة على أن تثبت كلمتها في مقابل أعداء العالم الإسلاميّ وفي وجه الشبكة الصهيونيّة الفاسدة المهيمنة على سياسات الدول الغربية. فلهذه الانتصارات قيمة عظيمة ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ﴾ ـ فهذا قسمٌ من الوعد الإلهيّ الذي تحقّق ـ ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾2. إنّ كل انتصار يحقّقه أيّ شعب في مواجهة الأعداء والدّعايات والإعلام والأساليب الخبيثة يُعدّ بشارة وعلامة إلهيّة وآية ربّانيّة ـ ﴿وَلِتَكُونَ آيَةً﴾ ـ بحيث إنّكم إذا تحرّكتم ستصلون إلى نتيجة.
 
أيادي التفرقة، أهمّ سلاح الأعداء
ها هو العالم الإسلاميّ اليوم في مواجهة مؤامرات الأعداء. أقول لكم أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء ـ أكنتم إيرانيين أو غير ذلك ـ: إنّ أهم ما يتوسّل به العدوّ اليوم لمواجهة الصحوة الإسلاميّة هو إيجاد الخلافات، فيجعل المسلم يقف مقابل المسلم، ويجعل المسلم يقتل أخاه المسلم، ويشغلهم بعضهم ببعض. فأيّ شيء



1 سورة آل عمران، الآية: 111.
2 سورة الفتح، الآية: 20.
 
 
 
 
 
 
 
37

30

في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة

 أفضل لأعداء الاستقلال الإسلاميّ من أن يشغلوا المسلمين ببعضهم بعضاً؟ فمنذ اليوم الأوّل الذي انتصرت فيه الثورة الإسلاميّة في إيران، اتّبع هذا العدوّ سياسة إثارة الخلافات بين شعبنا وداخل بلدنا. لكنّ الجمهوريّة الإسلاميّة وقفت بحزم قاطع مقابل هذه القضيّة. وقد عملوا على الخلافات المذهبيّة على مستوى الدّول الإسلاميّة، لكن الجمهوريّة الإسلاميّة رفعت راية الوحدة الإسلاميّة. هذا ما أعلنّاه، وتحدّث إمامنا الجليل عن هذا الأمر مرّات ومرّات، وأكّد شعب إيران وكرّر في زمن (الإمام) وما بعده: أننا نؤمن بالأخوّة الإسلاميّة.


الوحدة أهم علاج مقابل حيل الأعداء
إنّنا نرفض أيّ شقاق بين المسلمين. وهذه هي النقطة المقابلة تماماً لأعمال الأعداء الذين يستغلّون أيّة ظاهرة صغيرة من أجل إيجاد الخلافات بين المسلمين. لو نظرتم لرأيتم اليوم كيف أنّ سياسة أعداء الصحوة الإسلاميّة في بلدان شمال أفريقيا هي عبارة عن إيجاد الخلافات. هذه هي سياسة الاستكبار، أن يجعل الجميع يتنازعون ويقتتلون.

علاج هذا المرض هو شعور الوحدة بين المسلمين، فعلى الشعوب المسلمة أن تتّحد فيما بينها. يجب أن يتعاضد الجميع ويمدّوا أيديهم لبعضهم بعضاً داخل كل بلد أو بين الجماعات المختلفة والمذاهب المتعدّدة والأجنحة المختلفة. وأن لا يجعلوا الخلافات الفكرية والعقائدية والسياسيّة والسلائقية والحزبية حاكمة على تحرّكاتهم الأساسية، كي يتمكّنوا من الوقوف مقابل العدوّ، فلا طريق سوى هذا. ها هم يستعملون أنواع الحيل من أجل إيجاد الخلافات وأنتم ترون. عندما ينشغل المسلمون بالخلافات فيما بينهم تصبح قضيّة فلسطين على الهامش، وكذلك تتهمّش عندهم قضيّة الصمود مقابل سياسة الاستكبار و"النهب" الأمريكي والغربي، اللذين يجدان عندها فرصةً لتنفيذ مخطّطاتهم.
 
 
 
 
 
 
 
38

31

في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة

 نفوذ العدو بحجّة الاختلافات

يشاهد اليوم أنّ الغربيّين قد بدأوا بحركة جديدة في أفريقيا من أجل الهيمنة على شعوبها وللعودة مجدّداً إلى ساحة حياتهم. فعندما تشتعل نيران الخلافات يجد العدوّ فرصة لتنفيذ كلّ ما يريد. أنتم ترون أيّة فجائع يصنعون في جارتنا باكستان بحجّة الاختلافات، وترون كيف يتقاتل النّاس فيما بينهم في سوريا. وتشاهدون كيف أنّهم يخمدون صوت الشعب بصورة كاملة في البحرين، وهم يقاطعون شعباً من جميع الجّهات، وفي مصر وفي المناطق الأخرى كيف يجعلون الشعب يتواجه فيما بينه. إنّها سياساتٌ يمكن أن نجد لها دوافع شخصيّة واعتقاديّة عند الأشخاص، لكنّها على صعيد التخطيط الكامل هي خطّة العدوّ.

الوحدة الجدية على مختلف المستويات
إنّني لا أتّهم شخصاً محدّداً بأنّه ينفّذ خطّة العدوّ عالماً وعامداً، لكنّني أقول قطعاً ويقيناً: إنّ كلّ حركة اختلافية بأيّ شكل كانت: بين الشعوب المسلمة، أو بين أبناء أيّة دولة، هي لعبٌ في الملعب الذي حدّده العدوّ وهي إعانة لهذا العدوّ. يجب أن نأخذ قضيّة الوحدة بجدّية، النّخب السياسيّة والدينيّة والجامعيّة والحوزويّة في كلّ مكان بالدرجة الأولى. وعلى الجميع في بلدنا أن يأخذوا قضية الوحدة بجدّيّة. فإيجاد الخلافات المذهبيّة بين الجماعات المسلمة المختلفة هو خطرٌ كبير. لو استطاع الأعداء أن يشعلوا نيران الخلافات المذهبيّة في أيّ مكان فإنّ إخمادها سيكون من أصعب الأعمال. يجب الحؤول دون حصولها، وهذا لا يتحقّق إلا بالمبادرة والمجاهدة والإخلاص من قبل النّخب في أيّ بلدٍ. وعلى العلماء والجامعيين والسياسيّين وكل من له تأثير ونفوذ أن يبيّن للناس خطّة العدوّ وينشر الوعي بين الناس فيما يتعلّق بتفاؤل العدوّ بإيجاد الخلافات بين الناس، وبين الدّول الإسلاميّة، وبين الأجنحة الإسلاميّة، وبين السنّة والشّيعة، وبين التيّارات المختلفة في المذاهب الإسلاميّة المتعدّدة.
 
 
 
 
 
 
 
39

32

في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة

 هذا هو الخطر العظيم الذي يسعى فيه الأعداء. وللإنكليز في هذا المجال باعٌ طويل. ونحن نقرأ في سيرتهم على مرّ التاريخ ونرى أيّة أفاعيل قاموا بها من أجل إيجاد الخلافات. فهم خبراء والآخرون يتعلّمون منهم. يسعون لإيجاد الخلافات. فيجب الحذر. ولا ينبغي الاعتماد على المشاعر السطحية لإخماد هذه النيران، فمثل هذا يسوّد مصير الشعوب، ويغرقها بالتعاسة والبؤس، ويجعل أعداء الإسلام والمسلمين وأعداء الاستقلال يحقّقون ما يريدون وينفّذ خطّتهم، فيجب الصحوة واليقظة.

 
الشعار المقدّس: عزيز عليه ما عنتّم
إنّ شعار الوحدة الإسلاميّة هو شعار مقدّس. فلو كان النبيّ المقدّس صلى الله عليه وآله وسلم موجودٌ بيننا اليوم فإنّه بمقتضى الآية الشريفة ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾1 فإنّه كان ليدعونا إلى الوحدة ويمنعنا من إيجاد مثل هذه الخلافات. لو كنّا محبّين لنبيّ الإسلام المكرّم فيجب أن نحقّق له هذه الإرادة القطعيّة.
 
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً لنتمكّن من العمل بما نقول.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



1 سورة التوبة، الآية: 128.
 
 
 
 
 
 
 
40

33

ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة



المناسبـة: ذكرى بيعة القوّة الجوّيّة التاريخية للإمام الخمينيّ قدس سره
الحــضـور: القادة ومنتسبو القوة الجوّيّة للجيش
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
19/11/1391 هـ.ش.
25/03/1434 هـ.ق.
07/02/2013 م.
 
 
 
 
 
 
41

34

ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
أنا سعيد جدّاً، كوني بحمد الله ألتقي بكم من جديد في الموعد السنويّ، أيّها الإخوة، والأبناء، والشّباب الأعزّاء في القوّات الجوّيّة المحترمة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة. أرحّب بكم جميعاً. لقد كان النشيد الذي أنشدتموه، جيّد الشعر واللحن، والأداء، وعالي المضامين. نسأل الله سبحانه أن تكون قلوبنا وقلوبكم دائماً في معرض نفحات الرحمة والهداية الإلهيّة، التي هي الرصيد الأهمّ. 
 
القوات الجوية، نحو الاكتفاء الذاتيّ
بنظرة عاديّة وبسيطة إلى القوّات الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة على امتداد هذه السنوات، يدرك الإنسان حقائق مهمّة. لقد كنتم، ذات يوم، لا تستطيعون ولا يُسمح لكم بإصلاح حتّى قطعة واحدة من الطائرات التي كانت بحوزتكم، أو العمل عليها. أنتم اليوم تصنعون طائرات تدريب، وطائرات مقاتلة، وأجهزة (غرف) محاكاة1. أنتم تنجزون أعمالاً مهمّة على مستوى الرادارات (الدفاعات الجوية)، تصنعون قطعاً معقّدة. فهذه الحركة الهائلة من الاستعداد والعشق والابتكار والسير نحو الثقة بالذات والاكتفاء الذاتيّ في القوّات الجوّيّة، وفي الجيش كلّه، وفي القوّات المسلّحة وفي البلاد كلّها، حركة وتيار لا يستطيع اليوم إنكاره حتّى معارضو الجمهوريّة الإسلاميّة وأعداؤها.



1 "simulation" أجهزة تعمل على محاكاة الأعمال الواقعية.
 
 
 
 
 
 
 
43

35

ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

 لا لنظام الهيمنة، شعار إيران

(إنه) نظام الهيمنة الذي سعى بواسطة القوة والسلاح والحملات العسكريّة إلى مصادرة قرار الشعوب والبلاد في جميع أنحاء العالم، وإلى جعل هذه الشعوب مقتنعة بأنّه من دون الاستناد إلى القوى العظمى - ومن ورائها اللوبيّات الصهيونيّة وغير الصهيونيّة - لا يمكنها شقّ طريقها نحو العظمة وتحقيق شخصيّتها وهويّتها واستقلالها. لقد أحبطتم أنتم كلّ هذا. لاحظوا، وقارنوا الشّعب الإيرانيّ بالشعوب التي لا تزال ترزح منذ ثلاثين عاماً تحت السيطرة الأميركيّة. انظروا أين أنتم وأين هم. لقد قالت إيران كلمتها المستقلّة منذ ثلاثين سنة، وكرّرت كلامها المحقّ، قالت "لا" للقوى المهيمنة. وهنا ثمّة دول وشعوب كانت ولا تزال منذ ثلاثين سنة تحت السيطرة الأميركيّة ـ دول خضعت لأميركا، وأخضعت شعوبها للقوى المهيمنةـ ، انظروا أين هم، وأين أنتم الآن. لقد اثبت الشّعب الإيرانيّ، بحركته، باستقلاله، بثقته بنفسه، بالتوكّل على الله، أنّه يستطيع، بل وينبغي له، الوقوف في وجه الهيمنة الخارجيّة وأصحاب النزعات التسلّطيّة. هذا ما أثبته الشّعب الإيرانيّ. أين كان الشّعب الإيرانيّ قبل ثلاثين سنة على خطّ سير العلم والحضارة والتقدّم والتقانة والنفوذ السياسيّ، وأين هو اليوم؟ بفضل الصمود، بفضل التوكّل على الله، بفضل استنفار (استحضار) جميع استعداداته إلى الميدان. هذا اختبار، هو اختبار للشّعب الإيرانيّ نفسه وللأجيال القادمة، وأيضاً اختبار للشعوب الأخرى. والقوّات الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة كانت إحدى النماذج في هذا الصمود والحركة المستندة إلى احترام الذات. علينا الاستمرار في هذا الطريق. علينا نحن الشّعب الإيرانيّ الاستمرار في هذا الطريق. وهذا الطريق هو طريق مفعم بالبركة.

أصناف الضغوط، في مواجهة صمود الشعب
لقد سعى أعداء الشّعب الإيرانيّ في السنوات الثلاث والثلاثين الماضية جهدهم في العمل ضدّ هذا الشعب. لم يتركوا وسيلةً إلّا وجرّبوها، أثاروا القلاقل، شنّوا
 
 
 
 
 
 
 
44

36

ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

 الحرب، دعموا عدوّ الجمهوريّة الإسلاميّة بكلّ الإمكانيّات، صنعوا معارضةً صلبة ومعارضة ناعمة. لقد حاربوا هذا الشعب بكلّ ما أوتوا من قوّة، لكنّ الشعب وقف، وصمد، ليس فقط لم يمكنهم تركيع هذا الشعب وكسره، بل لم يستطيعوا الوقوف في وجه تطوّره - لقد تطوّر هذا الشعب - لقد استفادوا في هذه الثلاث والثلاثين سنةً من كلّ إمكانيّاتهم وقدراتهم، تآمروا، قاموا بالانقلابات، حرّكوا الجيوش، شنّوا هجوماً على الطائرة، نفّذوا عقوبات قاسية ومحكمة، وضاعفوا هذه العقوبات يوماً فيوماً، على أمل إخراج الشّعب الإيرانيّ من الساحات، وعلّهم يوقعون الشعب باليأس، على أمل أن ينظر الشعب إلى الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة نظرةً تشاؤميّةً، لكنّهم فشلوا. هذا برنامج عمل الجمهوريّة الإسلاميّة. 

 
ومكروا ومكر اللّه
هذه الأيّام، أيّام عشرة الفجر، هي فرصة جيّدة لقيام نخبنا، الواعين منّا، وشبابنا، وعموم أفراد الشعب بتقييم الأعمال التي أنجزوها في هذه الثلاث والثلاثين سنة، ليروا تطوّرهم، ليروا نجاحاتهم، ليروا المدد الإلهيّ، وضعف مكر الأعداء، ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾1. أصبح هذا خارطة طريق عامّة لنا لنرى كيف ينبغي أن نختار طريقنا. عليكم أنتم في القوّات الجوّيّة أن تتقدّموا على أساس هذه النظرة، وتتحرّكوا بهذا الاتّجاه. وعلى الإدارات الحكوميّة المختلفة، وعموم أفراد الشعب، والمسؤولين أن يتحرّكوا على أساس هذه النظرة. 
 
لن يضرُّوكم إلّا أذىً
بالطبع، إنّ العدوّ سيعمل على أذيّتنا، وعلى الإضرار بنا، فهو لن يتأتّى منه إلّا الأذى. لقد قلت قبل عدّة أيّام إنّ الله يقول: ﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى﴾2 لكنّهم لن 



1 سورة آل عمران، الآية: 54.
2 سورة آل عمران، الآية: 111.
 
 
 
 
 
 
 
45

37

ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

 يتمكّنوا من الوقوف بوجهكم، ولن يمكنهم سدّ الطريق عليكم. كلّ هؤلاء الأميركيّين، الذين كانوا في هذه الثلاثين سنةً يرتجزون ويتوعّدون، ويسخّرون ما استطاعوا من إمكانيّات، قولاً وعملاً، اختلقوا الدعايات، أعملوا سلطة الإعلام الخبيثة ضدّ الشّعب الإيرانيّ، والنتيجة كانت، أن أصبح الشّعب الإيرانيّ اليوم بفضل الله سبحانه أكثر سعادةً وعزماً، وحزماً، ونشاطاً، وهو يشهد الآن ازدهاراً أكبر في الميادين المختلفة. حاولوا فصل الشعب عن نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وعن الثورة. في كلّ عام في الثاني والعشرين من شهر بهمن، يحبط الشّعب الإيرانيّ من خلال مشاركته الجماهيريّة والحماسيّة الواسعة في هذا الميدان، مخطّطات الأعداء. إنّ سعيهم ينصبّ على فصل هذا الشعب. وقد قالت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة السابقة العديمة الخبرة بصراحة: إنّنا نفرض هذه العقوبات، لكي نضع الشّعب الإيرانيّ في مواجهة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وقد ردّ الشّعب الإيرانيّ عليها في تحرّكاته، وفي مسيراته، وسوف ترون الشّعب الإيرانيّ في الثاني والعشرين من بهمن، كيف سيفشل الأعداء بحركته الساحقة من جديد...1.

 
شعبٌ واعٍ وبصيرةٌ نافذة
الجميل في الأمر أنّ الشعب يتحلّى بالبصيرة والوعي، يفهم معنى أفعال الأعداء، يكشف وجهات حركات الأعداء، يفهم لِمَ اعتمد العدوّ هذه السياسة، يقف بوجهه، يتمسّك بإنجازاته (إمكاناته)، يظهر مشاركته في هذا المشهد العظيم من مشاهد عزّة الأمّة، يظهر نفسه، يثبت مشاركته، هذا هو الجميل في الأمر. وإنّ البصيرة والوعي العامّ للشعب في مقابل الدعايات التي يثيرها الأعداء ـ وخاصّة الأميركيّون والصهاينة ـ تجعله لا يضلّ الطريق، ولا يقع في ذلك الاشتباه والخطأ الذي يسعى العدوّ إلى إيقاعه فيه. هذا هو الجميل في قضايانا الوطنيّة والمصيريّة العظيمة. 



1 انطلاق هتافات الحضور بالتكبير.
 
 
 
 
 
 
 
 
46

38

ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

 أداؤكم دليل نواياكم

ها هم الأميركيّون يطرحون مسألة المباحثات مجدّداً. يكرّرون القول إنّ أميركا مستعدّة لإجراء مباحثات مباشرة مع إيران. وهذا ليس بالأمر الجديد. فالأميركيّون يعاودون طرح مسألة المفاوضات في كلّ مرحلة مفصليّة. وها هم الآن من وردوا الميدان حديثاً، يطرحون مجدّداً ويقولون: فلنجرِ المفاوضات، الكرة الآن في ملعب إيران، الكرة في ملعبكم. عليكم أنتم أن تجيبوا، وتقولوا ما معنى المباحثات التي تُجرى تحت الضغط والتهديد. المباحثات تكون من أجل إظهار حسن النوايا. وإنّكم قمتم بعشرات الأعمال الحاكية عن سوء نواياكم، وتسمّون هذا بالمباحثات؟ هل تتوقّعون من الشّعب الإيرانيّ أن يصدّق أنّ نواياكم حسنة؟ نحن نعلم بالطبع، يعاود الأميركيّون طرح مسألة المباحثات مجدّداً، ويكرّرون طرح هذه المسألة بطرق مختلفة. نحن نعلم السبب في ذلك وعلى حدّ قول الأميركيّين أنفسهم، إنّ سياستهم الشرق أوسطيّة فشلت. لقد فشلت سياسة الأميركيّين في المنطقة. وهم بحاجة إلى إظهار ورقة رابحة على حدّ تعبيرهم. وهذه الورقة الرابحة بنظرهم هي جرّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الثوريّ والشعبيّ إلى طاولة المباحثات. إنّهم يحتاجون إلى ذلك. يريدون أن يظهروا للعالم أنّ نواياهم حسنة. لا، إنّنا لا نرى حسن نيّة في البين. قبل أربع سنوات - مع بداية الدورة الرئاسيّة الأميركيّة الجديدة - حيث كانوا يطلقون الكلام نفسه، أعلنت وقلت إنّنا لن نحكم مسبقاً، ولن نتسرّع في أحكامنا، فلننتظر ونرَ كيف سيكون أداؤهم، عندها سنحكم. والآن بعد أربع سنوات، ماذا سيكون حكم الشّعب الإيرانيّ؟ لقد دعموا الفتنة الداخليّة، وساندوا مثيري الفتن، وعلى صعيد المنطقة، قاموا بهجمات في أفغانستان بحجّة محاربة الإرهاب1، سحقوا كلّ هؤلاء الناس، قتلوهم، وها هم اليوم يتعاونون في سوريا مع هؤلاء الارهابيّين أنفسهم، يدعمونهم. استخدموا هؤلاء الإرهابيين في كلّ مكان من إيران استطاعوا



1 عبر القائد: هجموا على أفغانستان..
 
 
 
 
 
 
 
47

39

ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

 استخدامهم فيه. اغتال عملاؤهم، والمتواطئون معهم، وعملاء النظام الصهيونيّ، العلماء في الجمهوريّة الإسلاميّة، ولم يكن هؤلاء مستعدّين حتىّ لإدانة هذا العمل، بل قدّموا الدعم من أجل ذلك، كان هذا برنامجهم، لقد نفّذوا برنامج العقوبات على الشّعب الإيرانيّ، وأرادوا لهذه العقوبات أن تكون مشلّة، وأعلنوا ذلك بصريح القول. من تريدون أن تشلّوا؟ تريدون أن تشلّوا الشّعب الإيرانيّ؟ أنتم لديكم حسن نيّة؟ المباحثات التي تكون عن حسن النيّة، يكون لها معنى لو كانت في ظروف متكافئة بين الطرفين اللذين لا يريد أحدهما خداع الآخر. المباحثات من أجل التكتيك، ومن أجل المباحثات، ومن أجل التقاط صور أكثر للقوى العظمى أمام العالم. هذه المباحثات هي حركة ماكرة، وليست حركة حقيقيّة. أنا لست دبلوماسيّاً. أنا رجل ثوريّ أقول كلمتي بصراحة وصدق. الدبلوماسيّ يقول كلمةً ويريد معنى آخر. إنّنا نقول كلمتنا بصراحة وصدق، نقولها بحزم وقاطعيّة. المفاوضات لها معنى عندما يظهر الطرف حسن نيّته، وعندما لا يبدي حسن نيّة، أنتم تقولون ضغط ومباحثات؟! فهذان لا يتلاءمان. تريدون أن ترفعوا سلاحكم بوجه الشّعب الإيرانيّ وتقولون إمّا أن تجروا المباحثات أو نطلق عليكم النار. وما ذلك إلّا لترهيب الشّعب الإيرانيّ، لكن اعلموا أنّ الشّعب الإيرانيّ لا ترهبه مثل هكذا أمور...1.

 
قد يفرح بعضهم لسذاجته، وبعضهم الآخر لكونه مغرضاً ـ ولا يصحّ للإنسان أن يحكم حكماً جازماً على الأشخاص، لكنّ أعمال السذّج والمغرضين لا تختلف من حيث الماهيّة ـ ويقولون نعم، تعالوا (تفاوضوا معهم) لا، فالمسألة ليست كذلك، المباحثات لن تحلّ مشكلةً. متى نفّذ هؤلاء وعودهم؟ منذ ستّين سنةً أي منذ 19/8/1953م2، وحكّام هذا البلد يتلقّون الضربات في كلّ مورد اعتمدوا فيه على الأميركيّين. ذات يوم وثق مصدّق بالأميركيين، واعتمد عليهم، وعدّهم أصدقاء له، وجاء الثامن والعشرون من شهر مرداد حيث صار محلّ الانقلاب 



1 تكبير الحضور.
2 أي 28 مرداد من العام 1332هـ. ش وهو تاريخ الإطاحة بحكومة مصدّق من خلال الانقلاب المعروف الذي دبرته المخابرات الأميركيّة والبريطانية بالإغراءات المالية وشراء الذمم, وأعادوا الشاه إلى الحكم.
 
 
 
 
 
 
 
48

40

ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

 في أيدي الأميركيّين، وجاء عامل الانقلاب إلى طهران حاملاً معه حقيبة ملأى بالأموال، ووزّعها على الأراذل والأوباش ليقوموا بالانقلاب. كان أميركيّاً. ولقد اعترفوا أنفسهم وأقرّوا بتدبير هذا الأمر. بعدها سلّطوا الحكومة البهلويّة الظالمة لسنوات متمادية على هذا البلد، شكّلوا جهاز السافاك، قيّدوا المناضلين بالسلاسل، عذّبوهم، كان هذا طابع تلك الحقبة. بعد الثورة أيضاً، وفي فترة ما، وثق مسؤولو البلاد بهم عن حسن نيّة، من ناحية أخرى وضعت سياسة الحكومة الأميركيّة إيران على لائحة محور الشرّ.


أميركا مظهر الشرّ
أنتم مظهر الشرّ، أنتم من يفعل الشرّ في هذا العالم، تشنّون الحروب، تغيرون على الشعوب، تدعمون النظام الصهيونيّ، تقمعون الشعوب الثائرة في هذه الأحداث (الصحوة الإسلاميّة) بكلّ ما أوتيتم من قوّة، وتجرّونهم نحو الاستضعاف وتنثرون بينهم بذور الفرقة. الشرّ مرتبط بكم، وهو من شؤونكم. لقد اتّهموا الشّعب الإيرانيّ بالشرّ، وهذه إهانة كبرى. هكذا فعلوا في كلّ مكان وُثق فيه بهم. عليهم أن يظهروا حسن النيّة. إنّ اسم المفاوضات واقتراحها لا يتلاءمان مع الضغط، طريق الضغط لا يلتقي مع طريق المباحثات، فالشّعب الإيرانيّ لا يمكنه القبول بالمجيء وإجراء المباحثات تحت الضغط، والتهديد، مع الطرف المهدّد والممارس للضغوط. لِمَ نجري المباحثات؟ وعلامَ سنحصل؟

الشّعب الإيرانيّ اليوم يتحلّى بالوعي. وقد كُشف القناع عن وجه أميركا، ليس في إيران فحسب بل في المنطقة بأسرها، فالشعوب تسيء الظنّ بأميركا. وهناك قرائن متعدّدة لسوء ظنّهم هذا. وقد عرف الشّعب الإيرانيّ عملاء أميركا، وفهم مقصودهم، الشعب واعٍ. اليوم، لو أراد أحد أن يعيد سلطة أميركا على هذا البلد، أن يغضّ الطرف عن المصالح الوطنيّة، عن التقدّم العلميّ، عن الحركة المستقلّة، إرضاءً للأمريكيين، فإنّ الشعب سيأخذ بعنقه. وأنا أيضاً، إن أردت السير بخلاف هذه الحركة العامة
 
 
 
 
 
 
 
49

41

ظلّه في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

 والإرادة الشعبيّة، فإنّ الشعب سيعترض. وهذا واضح. المسؤولون كافّةً مكلّفون برعاية المصالح الوطنية، رعاية الاستقلال الوطنيّ، بالحفاظ على الشّعب الإيرانيّ.


لقد أجرينا المباحثات، وعقدنا الاتّفاقات، وأقمنا العلاقات مع دول لم يكن لديها حركات تآمريّة على الشّعب الإيرانيّ وما زالت كذلك. الشّعب الإيرانيّ شعب مسالم. الشّعب الإيرانيّ شعب حليم، إنّ وحدة الشّعب الإيرانيّ هي في خدمة المصالح العامّة للبشريّة، ما يقوم به الشّعب الإيرانيّ اليوم، هو من أجل المصلحة الوطنيّة، ومنفعة الأمّة الإسلاميّة، ومنفعة البشريّة. ولا شكّ أنّ الشّعب الإيرانيّ محاط دوماً بالرعاية والمدد الإلهيّ. الشّعب الإيرانيّ بهذه البصيرة، وهذا العزم الراسخ، هذا الثبات الذي يبديه على نهجه الواضح، وسوف يبقى كذلك بعون الله تعالى، سوف يوصل بعون الله تعالى، ليس الأمّة الإيرانيّة فحسب، بل الأمّة الإسلاميّة إلى أوج قمم الافتخار. وهذا يتحقّق بالحفاظ على البصيرة، والحفاظ على وحدتنا، وبحفاظ مسؤولي البلاد على مصالح البلد. هذه التصرّفات السيّئة التي تُرى أحياناً في بعض الميادين والمجالات من بعض المسؤولين ـ سأقوم في المستقبل إن شاء الله بالتصدّي لها، سوف أتكلّم مع الناس ـ لكي ينحّوا جانباً هؤلاء الأناس السيّئين. الشعب متّحد، مصمّم، فعّال. وإن كان هناك اختلاف في الرأي في المسائل المختلفة بين أفراد الشعب، فإنّ هذا الشعب بمسؤوليه وأفراده يد واحدة أمام الأعداء والمستكبرين ومقابل مَن عقد الهمّة على اقتلاع هذا الشعب وهذا النظام من الجذور، ولا اختلاف بين عموم أفراد الشعب من هذه الناحية. وسوف يظهر الشعب بعون الله تعالى وتوفيقه مجدّداً في الثاني والعشرين من بهمن أنّه كلّه في الميدان من أجل الحفاظ على أسس هذه الثورة، وأنّه مستعدّ ومتّحد، ومتّفق وفي الاتّجاه نفسه. ولا شكّ أنّ التوفيق الإلهيّ سيشمله كلّه. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

42

في درس "بحث الخارج" بعد المظاهرات المليونية الحاشدة التي عمّت مدن ايران

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في درس "بحث الخارج" بعد المظاهرات المليونية الحاشدة التي عمّت مدن ايران



المناسبـة: 22 بهمن (الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلاميّة)
الحــضـور: جمع من طلبة العلوم الدينيّة
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
23/11/1391 هـ.ش.
29/03/1434 هـ.ق.
11/02/2013 م
 
 
 
 
 
 
 
 
51

43

في درس "بحث الخارج" بعد المظاهرات المليونية الحاشدة التي عمّت مدن ايران

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. ولا سيّما بقية الله في الأرضين.
 
الناس معادن
ومن كلام له صلى الله عليه وآله وسلم: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة"1. إنّ المقصود من هذه الجملة الشريفة والموجزة والغنية بالمعاني، هو وجود استعدادات وقابليات كامنة في كلّ فرد من أفراد الإنسان. وبعضهم2 يربط هذا البحث بمبحث الجبر والتفويض وأمثال هذه الأمور، لكنه بعيد عن المضمون الواضح والظاهر والصريح لهذا الحديث الشريف. ففي هذا الحديث يريد أن يقول: مثلما أنّ هناك معادن، منها معدن الذهب ومنها معدن الفضة - وهذان النوعان من المعادن قد ذُكرا على سبيل المثال، وتوجد معادن متنوِّعة ومتعدِّدة - وظاهر الأمر هي حجر، هي تراب، ومن الأرض، وليست إلا أمراً مادياً محسوساً، لكنكم إذا ما بحثتم، وتعرّفتم، وإذا عرفتم قدرها، ستجدون في داخل الحجر ذاته، والتراب العاديّ عنصراً ثميناً، لا يمكن مقارنة قيمته بالقيمة التي جرت ملاحظتها ومشاهدتها في الظاهر. 
 
استعدادت قيِّمة وقابليّات عظيمة
والناس والبشر هم أيضاً على هذا المنوال، لهم ظاهر يراه الإنسان في حركات



1 الشافي, ص 827.
2 المقصود: بعض العلماء.
 
 
 
 
 
 
 
 
53

44

في درس "بحث الخارج" بعد المظاهرات المليونية الحاشدة التي عمّت مدن ايران

 وسكنات وأقوال وسلوكيات وأفعال البشر، ولكن أيضاً لهم باطن، وهو عبارة عن وجود قابليات واستعدادات متراكمة، قد وضعها وجعلها الله تعالى في وجود الإنسان. ولكن هذه الاستعدادات والقابليات ليست على حدّ سواء - مثلما أنّ المعادن ليست متساوية - إلا أنّ الجميع يتشابهون من هذه الحيثية، فما هو في حالة الكمون، وما هو في باطن وجود الإنسان، يعتبر أكثر قيمة بكثير ممّا أنتم تشاهدونه في الظاهر. مثلما إذا ما عملتم على المعدن وسعيتم وبذلتم الجهد، فإنّه يمكنكم أن تصلوا إلى تلك المادة القيّمة الموجودة فيه. فالإنسان أيضاً كذلك، يحتاج إلى السعي، ينبغي للأشخاص أن يسعوا لكي يوصلوا هذه الاستعدادات إلى مرحلة الفعلية. والشرط اللازم هو أن تتعرّفوا إلى هذه المادة. فالشخص الذي لا يعرف ما هو الذهب أو ما هي الفضة، لو صادف (وجد) الذهب في هذا المعدن، سيصرف النظر عنه لأنه لا يعلم. عليكم أن تعرفوا ما هو الذهب، وما هي قيمته، وفيما بعد اذهبوا لاستخراجه، وابذلوا الجهد، واستخرجوا الذهب. وبالنسبة للإنسان الأمر هكذا، ينبغي لمربي البشر والأطفال وبالأخصّ الشّباب، الذين يريدون أن يستفيدوا من هذه الاستعدادات الفطرية الموجودة عند البشر، أن يتعرّفوا إلى هذه الاستعدادات والقابليات، أن يعرفوا قيمة هذه الاستعدادات والقابليات، وفيما بعد يتحرّكون باتّجاهها. كما في علم الجيولوجيا، فإنّنا نتحرك ونبحث، لنرى هل تحتوي هذه الأرض على المعادن أم لا، وما هو ذلك المعدن، وكم يبلغ مقداره وكميته وحجمه، وما هي طريقة استخراجه وإظهاره... وفيما يتعلّق بالبشر الأمر أيضاً كذلك، فلدى بعضهم قابليات واستعدادات بارزة ومميّزة وكثيرة، وبعضهم لديه استعدادات وقابليات أقلّ. 


اكشفوا عن استعداداتهم
وأيضاً هناك فروقات في نوعيّة الاستعدادات والقابليات، فالذهب هو لازم وضروريّ في محلّ، والفضة أيضاً لازمة وضرورية في محلّ آخر. فحيثما ينبغي أن 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

45

في درس "بحث الخارج" بعد المظاهرات المليونية الحاشدة التي عمّت مدن ايران

 تستفيدوا من الفضة، ان استخدمتم الذهب، لن تصلوا إلى نتيجة ، وحيثما ينبغي أن تستفيدوا من الحديد، إن استخدمتم الذهب، لن تصلوا إلى نتيجة. فكلّ منهما لازم وضروريّ لأجل عمل ما. فالناس بقابلياتهم واستعداداتهم المتنوِّعة، يؤمّنون حاجة المجتمعات البشرية، للسير إلى الله والسير إلى الكمال، وينبغي أن تستخرج كافة هذه الاستعدادات، وهذا ما يجعل وظيفة ومهامّ مربّي المجتمعات ثقيلة، وأيضاً يجعل وظيفة ومهامّ الحكومات ثقيلة. إنّ العثور على الاستعداد، ومعرفة الاستعداد، ومعرفة قيمة الاستعداد، ومعرفة سبيل استخراج هذه الاستعدادات وإيصالها إلى مرحلة الفعلية، ثم بعد ذلك متابعتها بدقة وبراعة تامة، هو ذلك الشيء الذي سيثمر بروز الاستعدادات.

 
ليثيروا لهم دفائن العقول
ولقد كان الأنبياء يمارسون هذا الفعل "ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسيّ نعمته... ويثيروا لهم دفائن العقول"1
 
الأنبياء كانوا يثيرون عقول البشر، وكانوا يبعثونها، ويحثّونها على العمل، وهذا كلّه استخراج للاستعدادات. وانطلاقاً من أنّ "الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة"، لا ينبغي أن ينظر إلى أيّ إنسان نظرة احتقار وازدراء، كلّا، فهو لديه الاستعداد، وما أحوج المجتمع إلى ذلك الاستعداد.
 
صحيح، هناك بعض الناس يأتون إلى عالم الدنيا، ويعمّرون سبعين عاماً، وثمانين عاماً، ومن ثمّ يرتحلون. ولكن لا يُكشف عن استعداداتهم هذه، في الحقيقة هم يُظلمون. فلو كُشف عن استعداداتهم وقابليّاتهم، كان من الممكن أنْ يصبح أحدهم نابغة والآخر شخصية بارزة ومميزة. وهذا يزيد ويثقل من وظيفة ومهمة مربّي المجتمع ومنهم علماء الدين والمعلّمون وإدارات الحكومة، وكافة الأجهزة التربوية على تنوّعها... وحذار أن لا يجري الاعتناء والاهتمام بهذه الاستعدادات والقابليّات.



1  نهج البلاغة, خطبة 1.
 
 
 
 
 
 
 
55

46

في درس "بحث الخارج" بعد المظاهرات المليونية الحاشدة التي عمّت مدن ايران

 حضورٌ قلَّ نظيره

قبل أنْ نَرِد البحث، يلزم هنا التنويه بنحو من الفخر والعظمة بهذه الحادثة العظيمة، التي حدثت من قبل (الشّعب الإيرانيّ) في الذكرى الخامسة والثلاثين ليوم الثاني والعشرين من بهمن، وأن أشكر الله المتعال على عظمة هذه النعمة الكبرى. واقعاً إنّها ظاهرة وحادثة مدهشة. انظروا إلى البلدان التي قامت بثورات، انظروا كيف يحتفلون بالذكرى السنوية للثورة، فهم يحدّونها كثيراً1، فبعد مرور سنتين، أو ثلاث سنوات، تؤول ذكرى الثورة إلى أن تقف مجموعة هناك، وتأتي مجموعة أيضاً وتقف قي قبالهم لتقيم الاستعراضات، من قبيل القوّات المسلّحة وأمثالها. أمّا هنا فالعمل على عاتق الناس أنفسهم، الناس هم الموجودون ويعتبرون أنفسهم أصحاب الثورة. الناس الموجدون يعتبرون أنفسهم أصحاب البلاد. ولهذا أتقدّم بالشكر من أفراد الشعب فرداً فرداً- فتكليف هذا العبد وأمثال هذا العبد حقيقة هو تقديم الشكر - وليس هذا بمعنى أنّ صلتنا بالثورة أوثق من صلة الناس بها، ولهذا نحن نتقدّم بجزيل الشكر من الشعب الذي ساند ودعم الثورة، كلّا، فالثورة ملك لهذا الشعب، البلاد هي لهذا الشعب، وكذلك نظام الجمهوريّة. والعمل الحسن، والفنّ الكبير والمميز، هو أن يعلم ويعي الشعب والناس أنهم يساندون ويدعمون من خلال الشجاعة، والبصيرة، وتحديد الفرص ما حازوا عليه، وهذه الثروة العظيمة التي هي أساس عزّتهم واستقلالهم. ومن الصحيح أنّه في المكان الذي ينبغي لهم أن يظهروا فيه حضورهم، هم يظهرونه. لاحظتم البارحة في طهران، وفي سائر أنحاء البلاد، لقد جاء الشعب بكامل وجوده، وحضر إلى هذه الساحة. وهذه ظاهرة مدهشة جداً. هذه حادثة مهمة جداً. لقد اعتدنا نحن على الكثير من الحوادث والظواهر، كما اعتدنا على ظاهرة طلوع الشمس، واعتقدنا أنّ هذا أمر حتميّ ولا بدّ منه. لذا نحن لا نلتفت إلى أهميته. لكن من المهمّ جداً أنّه بعد مضيّ 34 عاماً على أوّل 22 بهمن، أنّ يوجد الناس بهذا الشكل في الساحة، فالرجل، والمرأة، والعجوز، 



1 يقللون من حجمها..
 
 
 
 
 
 
 
 
56

47

في درس "بحث الخارج" بعد المظاهرات المليونية الحاشدة التي عمّت مدن ايران

 والشاب، ومن أمكنة مختلفة، وشرائح متنوّعة، وكلّ الأطياف، وكلّ المناطق، وكلّ الناس، هم حاضرون وموجودون. هذا الأمر يعدّ في الحقيقة أكبر نعمة إلهية، فلو أمكن للإنسان أن يشكر الله طوال عمره عليها، لا يمكنه أن يؤدّي شكر الله. وكذلك لا بد أن أتقدّم بالشكر من أفراد الشعب فرداً فرداً. واقعاً قاموا بعمل عظيم، في الوقت والظرف المناسب، في الوقت الذي يترقّب فيه أعداء هذه الأمّة، أعداء استقلال هذه الأمة، أعداء عزة هذه الأمّة، أن لا يلبي ولا يستجيب الشعب لنداء الثورة، ونداء الجمهوريّة الإسلاميّّة، وان يشاهدوا الانفصام ما بين الشعب والنظام الإسلاميّ والإسلام. ولكنّ الشعب بحضوره ووجوده خيّب آمال العدو، وآيسه. ولا شك أنّه في إعلام الأعداء يسعون للتغافل، ولكنهم يدركون ويفهمون. إن هذا الأمر الذي شاهدتموه البارحة في الساحات الكبرى والذي أوجده الشعب، هم أيضاً يرونه ويفهمونه ويحلِّلونه، ولهذا يستنتجون أنّه لا يمكن مواجهة هذه الأمة.


نسأل الله المتعال، أن ينزل توفيقاته، وبركاته، ورحمته، وتفضّله، وعافيته، يوماً بعد يوم أكثر على هذا الشعب. 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

48

تبليغ الإمام الخامنئي دام ظلّه السياسات العامّة للإنتاج الوطنيّ ودعم العمل ورأس المال الإيرانيّ

 تبليغ الإمام الخامنئي دام ظلّه  السياسات العامّة للإنتاج الوطنيّ ودعم العمل ورأس المال الإيرانيّ



الزمـــان:
25/11/1391 هـ.ش.
02/04/1434 هـ.ق.
13/02/2013 م.
 
 
 
 
 
 
59

49

تبليغ الإمام الخامنئي دام ظلّه السياسات العامّة للإنتاج الوطنيّ ودعم العمل ورأس المال الإيرانيّ

 تنفيذاً للبند الأول من المادة "110" من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة، أبلغ قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله العظمي السيد علي الخامنئي السياسات العامّة للإنتاج الوطني ودعم العمل ورأس المال بعد تشاوره مع مجمع تشخيص مصلحة النظام الإسلاميّ، وكلّف الحكومة الإسراع في تنفيذ هذه السياسات خلال أقل مدة زمنية ممكنة، ووضع الأساليب والطرق اللازمة ومتابعة الأطر والجهات القانونية. وفيما يلي نص السياسات: 


بسم الله الرحمن الرحيم
السياسات العامة للإنتاج الوطني ودعم العمل ورأس المال الإيرانيّ
1- رفع مستوى القدرات التنافسية وزيادة الإفادة من عوامل الإنتاج عن طريق:
أ- إصلاح وإعادة تشكيل بنية الإنتاج الوطني.
ب- خفض التكاليف وتحسين جودة الإنتاج.
ج- اتخاذ تدابير تشجيعية وجزائية.
د- تحسين تفاعل عوامل الإنتاج. 

2- توجيه وتعزيز البحث العلمي والتنمية والإبداعات وبناها التحتية، والاستفادة منها بهدف:
أ- رفع المستوي النوعي والكمّي للإنتاج الوطني.
ب- رفع وتكميل الصناعة الداخلية إلي مستوى المنتج النهائي.
ج- دعم الطابع التجاري للإنتاج التقني والاستفادة من استقطاب ونقل العلوم التقنية والتقنيات العصرية وإيجاد نظام وطني للإبداع. 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

50

تبليغ الإمام الخامنئي دام ظلّه السياسات العامّة للإنتاج الوطنيّ ودعم العمل ورأس المال الإيرانيّ

 3- تنمية الاقتصاد علمي المحور بالتشديد علي تنمية عناصره الأصلية بما فيها: 

البني التحتية الاتصالاتية، ومجالات تمهيدات تبديل منجزات البحوث العلمية إلي تقنيات ونشر استخدامها، والحماية القانونية لحقوق الشخصيات الطبيعية والاعتبارية، وربط القطاعات العلمية والبحثية بقطاعات الإنتاج في البلاد.

4- دعم إنتاج المنتجات ذات الطبيعة الاستراتيجية التي يحتاجها الاستهلاك العام أو قطاع الإنتاج في البلاد. 

5- استكمال سلسلة الإنتاج من المواد الخام إلي المنتجات النهائية بمراعاة مبدأ التنافس والابتعاد عن بيع الخامات خلال فترة زمنية معينة. 

6- دعم إنتاج المنتجات التنافسية ذات المردودات الإيجابية من العملة الصعبة أو المردودات السلبية من استهلاك العملة الصعبة. 

7- إدارة مصادر العملة الصعبة مع التشديد علي تأمين احتياجات الإنتاج الوطني وتوفير فرص العمل واستقرار قيمة العملة الوطنية. 

8- تحسين أوضاع العمل والتجارة بغية زيادة الإنتاج الوطني وإصلاح الأرضيات الثقافية والقانونية والتنفيذية والإدارية. 

9 - زيادة أسهم القطاعات التعاونيّة والخاصّة في الإنتاج الوطني عن طريق:
أ- تعزيز المحفزات والعزيمة الوطنية والتشديد والتسريع في التنفيذ الكامل لسياسات المادة 44 ، ومراعاة النظام المالي والموازني للحكومة.

ب- رفع التمييز بين القطاعات الحكومية والقطاعات الخاصة والتعاونية. 

ج- تنظيم وحماية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بهدف تطوير كفاءتها. 

10- تنظيم دور المؤسسات الاقتصادية العامة غير الحكومية لجهة الإنتاج الوطني. 

11- مضاعفة الشفافية وإعلان الإحصائيات والمعلومات في الوقت المناسب، وتسهيل الحصول عليها، والإعلان عن أبعاد وفرص الاستثمار والمستثمرين
 
 
 
 
 
 
 
62

51

تبليغ الإمام الخامنئي دام ظلّه السياسات العامّة للإنتاج الوطنيّ ودعم العمل ورأس المال الإيرانيّ

 في المجالات المختلفة، والمواجهة الجادة بالاستفادة من أشكال وسبل الحصول على المعطيات الخاصة. 


12- تأهيل القوي العاملة والارتقاء بها من خلال زيادة المحفزات والمهارات والإبداع وتوفير حالة تلاؤم بين المراكز التعليمية والبحثية وبين احتياجات سوق العمل. 

13- تنظيم العمّالة وتهيئة الأرضية لها وفرص العمل وحركة القوي الإيرانيّة العاملة علي المستوي الوطني والإقليمي والعالمي. 

14- الارتقاء بالرأسمال البشري والطبيعي والاجتماعي والمادي مع التشديد علي تنمية المؤسسات الشعبية بهدف تطوير الإنتاج الوطني. 

15- تنمية ثقافة دعم رأس المال والعمل والبضائع والخدمات الإيرانيّة والاستفادة من آراء المتخصصين والخبراء في اتخاذ القرارات الاقتصادية. 

16- الحؤول دون إهدار وتجميد الأرصدة المادية والإنسانية الإيرانيّة بالتشديد علي إيجاد وتنمية خدمات تقنية واستشارية أعمّ من المؤسسات (المتوسطة والصغيرة)، ورفع مستوي المردودات الاقتصادية لهذه الأرصدة في شتي القطاعات الاقتصادية. 

17- تنمية تنوّع أدوات الاستثمار في سوق المال وهيكلتها، واتخاذ سياسات تشجيعية لمشاركة عموم الناس والمستثمرين المحليين والدوليين وخصوصاً الإقليميين في سوق المال. 

18- دعم الباحثين والمستثمرين وتشجيع دخول الرساميل الإيرانيّة إلي مجالات الاستثمار التي تتقبّل المخاطرة التي تنطوي على البحث والتنمية، مع تأسيس صناديق شراكة أو ضمانة للاستثمار في هذا المجال. 

19- تأهيل إدارة المصادر الموجودة في صندوق التنمية الوطنية باتجاه تحسين وتعضيد الإمكانيات الإنتاجية ورفع المستوي النوعي للعمل ورأس المال الإيرانيّ. 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

52

تبليغ الإمام الخامنئي دام ظلّه السياسات العامّة للإنتاج الوطنيّ ودعم العمل ورأس المال الإيرانيّ

 20- تنقيح وإصلاح القوانين والمقرّرات (ومنها إصلاح القوانين المالية والمصرفية والضمان الاجتماعي والضرائب) لتسهيل العمل والنشاط في القطاعات الإنتاجية ورفع عقبات الاستثمار علي المستوي الوطني وفق منحي الثبات النسبي في القوانين. 


21- تأهيل نظام توزيع البضائع والخدمات باستخدام الأساليب الشفافة والإعلام الواضح، والتقليل من الوسائط غير الضرورية وغير الكفوءة. 

22- تنمية المصادر المالية وتفعيل إدارتها لجهة رفع قدرة الإنتاج الوطني، وخفض تكاليف التأمين المالي اللازمة خصوصاً عن طريق تنظيم وتطوير ودعم المؤسسات المالية التنموية والتأمينية. 

23- الحؤول دون ظهور حالات احتكار في عجلة الإنتاج والتجارة إلي حين الاستهلاك.
 
 
 
 
 
 
 
64

53

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى ملتقى "جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قم"

 نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه  إلى ملتقى "جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قم"




الزمـــان:
26/11/1391 ه.ش.
03/04/1434 ه.ق.
14/02/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
65

54

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى ملتقى "جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قم"

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

تكريم "جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قم" خطوة مناسبة لتكريم نصف قرن من المساعي المخلصة لهذه المؤسسة الحوزوية المباركة المتكوّنة من العلماء الواعين أصحاب البصيرة.. المؤسسة التي تشكّلت في واحدة من أصعب فترات عمر هذه الحوزة العظيمة نتيجة الشعور بالحاجة الماسّة، وواصلت جهادها المقدّس الصعب في مختلف الظروف سواء خلال حقبة القمع المريرة خلال فترة سيادة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة.

لقد أوصلت هذه المؤسسة الصوت الشجاع القويّ للحوزة العلمية في قم، دون خوف أو وجل، لأسماع الجميع خلال سنوات الكفاح الصعبة. ولم تستطع أساليب التهديد والضغوط والسجن والنفي أن تفرض التردّد والتراجع على العلماء المجاهدين في هذا التنظيم العلمائيّ الذين كانوا يضفون الاعتبار والقيمة بتواقيعهم الصريحة على البيانات التنويرية لهذه المؤسسة المقدسة. وبعد انتصار الثورة وسيادة نظام الجمهوريّة الإسلاميّّة أيضاً، كان لمشاركة أعضاء هذه الجماعة، في الكثير من الميادين السياسية والجهادية والعلمية والبحثية، دورٌ في الدلالة على الأهمية البالغة للحوزة العلمية في هذه الميادين. وقد تألقت وجوه بارزة من هذه الجماعة المباركة في مقام المرجعية الرفيع، وفي سائر المسؤوليات العلمائية والسياسية الكبيرة. وتقبّل قطاع هائل من الشّعب الإيرانيّ، ومن أعماق القلوب والأرواح، كلامهم في أمور الدين والسياسة باعتباره حجّة شرعية ومعتمداً سياسياً.

واليوم تواجه هذه الجماعة الأمينة، بعد نصف قرن من التجارب السياسية 
 
 
 
 
 
 
66

55

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى ملتقى "جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قم"

 والثورية، احتياجات جديدة وميادين غير مسبوقة. 


إن روح الجدّ والسعي والإبداع والمبادرات الشجاعة في كلّ الميادين، إلى جانب الإخلاص والنقاء الذي تبدّى فيها على الدوام، بإمكانه ترسيخ خطوات هذا السائر ذي الخمسين عاماً أكثر فأكثر. 

تتطلّع الطاقات الشابة الفاضلة التي أثمرتها شجرة الحوزة العلمية الطيبة اليوم إلى الآفاق البعيدة. والأهداف ممكنة، والهمم عالية وراسخة جداً. 

الفرص والأمل رأسمال (ذخيرة) مِنَ الله. أهّل الجهادُ الصعبُ الذي خاضه الشّعب الإيرانيّ هذا الشعبَ الكبير لنيلها من ينابيع الفيض الإلهيّ. الميزة الكبرى للعظماء والرواد في الحوزة، ومنهم مؤسسة جماعة المدرسين العريقة المتجذرة، هي أن ينتفعوا أكبر الانتفاع من هذا الرصيد الثمين لصالح التيار الديني والثوري في هذا البلد الإلهي، وأن يستثمروا ما يملكون اليوم لصناعة غد أكثر إشراقاً، ويحققوا بذلك الكلام والوعد الإلهي حيث قال عزّ شأنه: 

والسلام عليكم ورحمة الله
السيّد علي الخامنئي.
25 بهمن 1391
 
 
 
 
 
 
67

56

في حشد من أهالي آذربيجان

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في حشد من أهالي آذربيجان



المناسبـة: الذكرى السنويّة لانتفاضة أهالي آذربيجان في 29 بهمن 1356
الحــضـور: حشود غفيرة من أهالي آذربيجان
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
28/11/1391 هـ.ش.
05/04/1434 هـ.ق.
16/02/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
69

57

في حشد من أهالي آذربيجان

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحّب بكم جميعاً أيّها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات والشّباب الأعزّاء، خصوصاً أهالي الشّهداء المعزّزين والعلماء والمسؤولين، حيث قطعتم هذه المسافة الطويلة وجئتمونا بهديّتكم النفيسة من المحبّة واللطف ونداء الاستقامة الصادر عن أهالي آذربيجان الأعزّاء في هذه المناسبة. نسأل الله تعالى أن ينزّل عليكم عنايات لطفه الكامل والعميم ورحمته الشاملة. وإنّني أحيّي جميع أهالي أذربيجان وتبريز، مؤمنين ومؤمنات.
 
قلب إيران النابض
لقد كان حضور آذربيجان وتبريز وغيرهما من مدن تلك المنطقة في الحقيقة، في هذا المكان وبواسطتكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، على مدى عهودنا الماضية منذ أكثر من 100 سنة أو 150 سنة وإلى اليوم، حضوراً مصيريّاً في حركة شعب إيران. واليوم هو كذلك. أنتم الذين بهممكم ونخوتكم وإيمانكم وعزمكم الرّاسخ استطعتم أن تحفظوا عزّة هذا البلد وهذا الشّعب في قبال الأعداء. وكذلك مع كلّ يومٍ يمضي يزداد تألّق آذربيجان في الميادين المختلفة. لقد مضى35 سنة على 29 بهمن عام 1356 1، وآذربيجان باتت اليوم أكثر تألّقاً من تلك العهود المهمّة والمصيريّة من ناحية الإيمان والاستقامة والبصيرة والثّبات. فكلّ هذه المؤامرات،



1 الموافق لـ 18/2/1978م. ذكرى مفصلية في تاريخ الثورة الإسلاميّة. في ذلك اليوم انتفض أهالي تبريز في أعقاب إحياء ذكرى أربعينية شهداء انتفاضة قم 19 دي -. وقد حدثت ملحمة تاريخية إذ نزل الشعب إلى الساحات والشوارع في مواجهة أمن الشاه وعساكره وامتدت هذه الانتفاضة إلى العديد من المدن الأخرى...
 
 
 
 
 
 
 
71

58

في حشد من أهالي آذربيجان

 وكلّ هذه النّوايا السيّئة من أجل قطع الروابط العاطفيّة بين الفئات المختلفة لهذا الشّعب، كانت آثارها معكوسة تماماً. أنتم الّذين استطعتم أن تكونوا دوماً متقدّمين وفي الرّيادة. أنتم الذين كنتم، في الواقع، صمّام أمان هذا البلد. وكما قلتم في الواقع في أشعاركم، فأنا العبد أقول: (بالتركيّة) أنتم قلب إيران المطمئن"1

 
حركةٌ شعبيّةٌ دينيّة 
هناك خصوصيّة يشاهدها المرء بوضوح في أهالي آذربيجان الأعزّاء ـ وهي موجودةٌ في بعض مناطق البلد أيضاً، لكنّها في آذربيجان موجودة بصورة بارزة ـ وهي أنّ جهاد أهالي آذربيجان وحركتهم النّاشئة من النّخوة والغيرة وفي المراحل المختلفة سواءٌ في قضيّة المشروطة2 أم في قضيّة الاحتلال العسكريّ3 أم في غيرهما من القضايا المختلفة ـ حيث كانوا السبّاقين في معظم هذه القضايا ـ كانت متلازمةً مع الدّين والإيمان الدّيني. وبالرّغم من أنّ التيّار الثقافيّ اليساريّ وكذلك التيّار الثقافيّ المرتبط بالغرب، كانا ناشطين في منطقة آذربيجان ـ وذلك من الأيّام الأولى لمجيء التيّار الثقافيّ (التنويريّ) المريض إلى بلدنا ـ كانوا يسعون لفصل النّاس عن الدّين. لكن في نفس الوقت لو نظرتم إلى النّهضات التي تشكّلت في آذربيجان، وكان الكثير منها نهضاتٍ عامّة في شعب إيران، فإنّ الآذربيجانيين كانوا متقدّمين على من سواهم. فترون، بالرّغم من وجود تلك المساعي، أنّ حركة الأهالي والروّاد وسلسلة التحرّكات الشعبيّة في آذربيجان، من ناحية التأكيد على القضايا الدينيّة والالتصاق بها، كانت الأشدّ وضوحاً وصراحةً من بينها جميعاً. في



1 انطلاق الهتافات بالتركيّة: لحفظ القائد والجمهوريّة الإسلاميّة..
2 أي الحركة الدستورية1905-1907-: حركة قادها جماعة من علماء الدين في إيران ابان الحكم البهلوي، طالبت بالتأسيس لدستور وإنشاء مجلس شورى للبلاد، في وقت كان الشاه يعارض هذه الأفكار بشدّة مصرّحاً ذات مرة "أنه يودّ أن يكون محاطاً بحاشية من الأغبياء لا يعرفون هل بروكسل مدينة أو نوع من الخسّ". استطاعت حركة المشروطة أن تجد حلاً وسطاً بين التراث والحداثة، بإيجاد برلمان منتخب مباشرة من الأمة، وتخصيص خمسة مقاعد للفقهاء، علماً أن المرجعيات الدينية كانت ترشح عدداً معيناً يختار منه البرلمان خمسة فقط، لا للقيام بالتشريع بل لإسداء النصح للبرلمان حول تساوق تشريعاتهم مع مقاصد الشريعة عامة. وقد أدى صعود الحرية الدستورية إلى إطلاق موجة عارمة ضد ذلك القسم من المؤسسة الدينية المتناغم مع حكومة الاستبداد، وقد فُتحت الطريق أمام حركات أخرى كحركة جيلان الدستورية..
3 التدخل العسكري الروسي ابان الحركة الدستورية...
 
 
 
 
 
 
72

59

في حشد من أهالي آذربيجان

 تبريز كان ستار خان1 يقول: إنّ فتاوى علماء النّجف هي في جيبي. أي أنّ هذا الرّجل الكبير المجاهد الشّجاع، كان ينظّم عمله بتوجيه من علماء النّجف ومراجعها، وهو، بالكامل، خلاف ما كانت تريد إعماله في هذا البلد آراء وأفكار التيّارات الثقافيّة للشرق والغرب آنذاك. كان الأمر دائماً على هذا المنوال، واليوم هو كذلك، وسوف يكون غداً على هذا النّحو.

 
هذا هو شعب إيران 
إنّ شعب إيران بأجمعه قد جعل إيمانه الدينيّ معياراً وملاكاً ومرشداً. لقد ضربنا آذربيجان مثلاً، لكنّ شعب إيران كلّه على هذا النحو في جميع أطراف البلاد مع بعض التفاوت شدةً وضعفاً. فالحركة حركة متلازمة مع الغيرة والشّجاعة والشّعور بالمسؤولية، لكنّها بهداية الدّين وخلفيّة الإيمان الدّيني، وهذا مهمٌّ جدّاً. ولأجل هذا أنتم تلاحظون كيف أنّ المخاطر التي تتوجّه في العادة من جانب القوى المتسلّطة العالميّة نحو الشعوب وتزلزلها، كيف أنّها لم تزلزل شعب إيران. وها هم اليوم يريدون قضيّة الحظر والضّغوط، ويعدّون لشعب إيران حظراً يشلّه. وقد أعدّوا لهذا عدّته. وقبل عدّة أيّام من الثاني والعشرين من شهر بهمن2، دخل الحظر والحصار مرحلةً جديدة. وقبل عدّة أشهر ـ في شهر مرداد لهذا العام ـ قاموا مجدّداً بالأمر نفسه. أي إنّهم في الثاني والعشرين من شهر بهمن لهذا العام، وبزعمهم، رفعوا من مستوى الضّغط على الشّعب. فعلى أيّ أمل؟! على أمل إضعاف الشّعب. وماذا كان الردّ؟ لقد كان ردّ شعب إيران أنّ مظاهراته في ذكرى انتصار الثّورة لهذا العام كانت أكثر حماسةً من الأعوام السّابقة. فالكلّ جاؤوا من جميع المناطق بروحيّة عالية وبسمة ظاهرة. هذا هو شعب إيران. وفي كلّ عامٍ يوجّه شعب إيران في الثاني والعشرين من شهر بهمن ضربةً إلى الأعداء تنزل على رؤوسهم وعلى رؤوس المعارضين (للثورة)



1 ستار خان: أحد قادة حركة المشروطة في مدينة تبريز، وعُدَّ زعيماً وطنياً، جرت محاصرته في تبريز، بعد أن تحركت قوات روسية بالاتفاق مع محمد على شاه في ذلك الوقت وبالتواطؤ مع الإنكليز...
2 11 شباط، الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلاميّة، في إيران عام 1979م.
 
 
 
 
 
 
 
73

60

في حشد من أهالي آذربيجان

 كالانهيار الثلجيّ1. وفي عامنا هذا أيضاً قد حصل هذا الانهيار الثلجيّ. وأنا العبد أرى من الضروريّ أن أجدّد ـ ولو كرّرته مئة مرّة لما كان كثيراً ـ شكري لشعب إيران على هذه المشاركة المهابة والمليئة بالعزّة. فأمام هذه المشاعر والعواطف والبصيرة لا يملك المرء إلّا أن يعظّم ويقدّر عالياً. هذا هو شعب إيران. 

 
العدوّ: انفعال وتصرُّفٌ غير منطقيّ
لقد أصبح الأعداء منفعلين مقابل هذه الحالة. هذا ما أقوله لكم. والأمر على خلاف ما يظهر من أنّهم في موقع الفاعليّة والفعل. لا ، ليس كذلك، فالأعداء هم في حالة انفعال مقابل شعب إيران. شعبٌ بعزمٍ راسخ وبصيرة وإيمان يعلم ما يريد ويدرك طريقه ويتحمّل الصّعاب بشجاعة تامّة، ففي مقابل هذا الشّعب، تتعطّل الأسلحة السياسيّة والعسكرية والأمنية والاقتصادية المختلفة. لهذا فإنّ العدوّ في حالة انفعال. ولأنّ الأعداء في حالة انفعاليّة فإنّهم يتحرّكون بصورة غير منطقية.
 
أقول لكم هذا: إنّ زعماء أميركا هم أشخاصٌ غير منطقيين، وكلامهم غير منطقيّ، وكذلك عملهم، بل إنّهم متسلّطون ويتوقّعون من الآخرين أن يستسلموا لعملهم غير المنطقيّ والتسلّطيّ. حسناً، إنّ بعض الحكومات وبعض النّخب السياسيّة في بعض الدّول يستسلمون لتظاهرهم وهيمنتهم. لكنّ شعب إيران ونظام الجمهوريّة الإسلاميّّة لا يقبل الاستسلام. فلنظام الجمهوريّة الإسلاميّّة كلام ومنطق واقتدار، لهذا لا يمكن أن يستسلم أمام كلامهم غير المنطقيّ وعملهم غير المنطقيّ.
 
كيف نفسّر حالتهم غير المنطقيّة؟ إنّ من علامات مخالفتهم للمنطق هو تلك التناقضات الموجودة بين كلماتهم وأفعالهم، فإنّهم يتحدّثون بطريقة ويعملون بطريقة أخرى. حسنٌ، فهل يوجد من علامة أوضح من هذه على عدم منطقيّتهم؟ الإنسان المنطقيّ يتفوّه بكلامٍ مقنع، ثمّ يتحرّك تبعاً لهذا الكلام. هؤلاء السّادة، زعماء أميركا وغيرهم من أتباعهم الغربيّين ليسوا كذلك، ينطقون بكلام ويصدرون ادّعاءات لكنّهم في العمل يتصرّفون خلاف ذلك تماماً.



1 بهمن باللغة الفارسيّة يعني أيضاً الانهيار الثّلجيّ.
 
 
 
 
 
 
74

 


61

في حشد من أهالي آذربيجان

 نماذج واضحة لادّعاءات كاذبة

 

وهنا سوف أعرض لعدّة نماذج:
أ- حقوق الإنسان
يدّعون أنّهم ملتزمون بحقوق الإنسان. أجل، إنّ الأميركيّين قد رفعوا راية حقوق الإنسان ويقولون نحن ملتزمون بها. وادّعاؤهم هذا لا ينحصر ببلدهم ـ الذي هو أميركا ـ بل يشمل كلّ العالم. حسنٌ، هذا كلامهم وادّعاؤهم، لكن ماذا عن الفعل؟ إنّهم في ميدان العمل قد وجّهوا أكثر (أشدّ) الضربات لحقوق الإنسان، وإن أسوأ الإهانات، التي وُجهت لحقوق الإنسان في الدّول المختلفة وإلى الشعوب المختلفة، كانت منهم. فمعتقلاتهم السريّة في كل أنحاء العالم ومعتقلهم في غوانتنامو وفي العراق ـ أبو غريب ـ وهجومهم على المدنيين في أفغانستان وباكستان والمناطق المختلفة، هي نماذج من حقوق الإنسان المدّعاة من قبل الأميركيّين! إنّهم يرسلون الطائرات دون طيّار، يتجسّسون ويجعلون النّاس تحت الضّغط، حيث تسمعون يوميّاً أخبار ذلك من أفغانستان وباكستان. بالطبع إنّ هذه الطائرات دون طيّار نفسها - وحسب قول إحدى المجلّات الأميركيّة التي نشرت ذلك قبل عدّة أيّام - ستجلب لهم الأزمات في المستقبل.

ب- السلاح النوويّ
يقولون إنّنا ملتزمون بعدم انتشار السّلاح النوويّ. ومبرّر غزوهم للعراق قبل 11 سنة كان ـ كما ذكروا ـ نظام صدّام في العراق يقوم بإنتاج السّلاح النوويّ. بالطبع ذهبوا ولم يجدوا شيئاً وعُلم أنّ الأمر كذبٌ. يقولون إنّنا ملتزمون بعدم نشر السّلاح النوويّ في حين أنّهم يدافعون عن دولةٍ شرّيرة تمتلك السّلاح النوويّ وتهدّد به ـ أي الكيان الصهيونيّ ـ ويدعمونها. هذا هو كلامهم وذاك هو عملهم.

ج- نشر الديمقراطية
يقولون إنّنا ملتزمون بنشر الديمقراطية في العالم ـ ونحن الآن لسنا بصدد تناول نوعيّة الديمقراطية الموجودة في أميركا، فلن نبحث في هذا المجال ـ وعلى الرغم
 
 
 
 
 
 
 
75

62

في حشد من أهالي آذربيجان

 من هذا الادّعاء فإنّهم في حالة معارضة ومواجهة مستمرّة مع دولةٍ كالجمهوريّة الإسلاميّة التي تمثّل أوضح نظام شعبيّ وديمقراطيّ في هذه المنطقة، في حين أنّهم يقفون خلف دُول في هذه المنطقة ويدعمونها بكلّ وقاحة في الوقت الذي لا يُستشمّ منها رائحة الديمقراطيّة، ولم تشاهد شعوبها لون الانتخابات والاقتراع وصناديق الاقتراع. هذا هو التزامهم بشأن الديمقراطيّة! فانظروا، فهل ترون مدى الفاصل بين أقوالهم وأعمالهم؟

 
د- قضاياهم مع إيران
يقولون نريد أن نحلّ قضايانا مع إيران. لقد ذكروا هذا الكلام مرّات ومرّات، ومؤخّراً ردّدوه بكثرة. يقولون نريد أن نفاوض وأن نحلّ قضايانا مع إيران ـ هذا هو كلامهم ـ لكنّهم في العمل يتشبّثون بالحظر والدّعايات الكاذبة والكلمات غير اللائقة. وينشرون المسائل المخالفة للواقع بشأن نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وشعب إيران.
 
وقبل عدّة أيّامٍ نطق رئيس أميركا وتحدّث بشأن الملف النوويّ الإيرانيّ وكأنّ الخلاف بين إيران وأميركا هو أنّ إيران تريد إنتاج السّلاح النوويّ. يقول إنّنا سنفعل أيّ شيء لنمنع إيران من إنتاج السّلاح النوويّ. حسنٌ، إذا أردنا نحن أن ننتج السّلاح النوويّ فكيف لكم أن تمنعونا؟ لو أرادت إيران أن تمتلك السّلاح النوويّ فإنّ أميركا لن تتمكّن بأيّ شكل من منعها1.
 
نحن لا نريد إنتاج السّلاح النوويّ. ليس لأنّنا لا نريد أن نزعج خاطر أميركا، بل لأنّ عقيدتنا مبنيّة على ذلك. إنّنا نؤمن بأنّ السّلاح النوويّ هو جريمة بحقّ البشريّة ولا ينبغي إنتاجه. ويجب إزالة ما هو موجودٌ الآن والتخلّص منه. هذه هي عقيدتنا، والأمر ليس متعلّقاً بكم. لو لم نكن نمتلك هذه العقيدة وعزمنا على إنتاج السّلاح النوويّ فلا يوجد قدرة في العالم تستطيع أن تمنعنا من ذلك، مثلما حدث في قضايا أخرى حيث لم يتمكّنوا من المنع كما في الهند وباكستان وكوريا الشماليّة. لقد كان 



1 انطلاق الهتافات المرددة: الموت لأميركا.
 
 
 
 
 
 
 
76

63

في حشد من أهالي آذربيجان

 الأميركيّون معارضين لكنّهم أنتجوا السّلاح النوويّ.


وأمّا قولكم: إنّنا لن نسمح لإيران بإنتاج سلاح نوويّ فإنّه تزوير في الكلام. فهل كانت القضية تدور حول السلاح النوويّ؟ ففي الملفّ النوويّ الإيرانيّ لم يكن البحث دائراً حول السلاح النوويّ بل إنّ القضيّة كانت أنّكم تريدون أن تمنعوا شعب إيران من حقّه القطعيّ والمسلّم به في تخصيب اليورانيوم والاستخدام السلميّ للقدرة المحليّة لشعب إيران. وبالطبع إنّكم لن تتمكّنوا من هذا أيضاً، وسوف ينجز ما هو حقّه.

يتحدّث الزّعماء الأميركيّون بطريقة غير منطقيّة. ولا يصحّ لامرئ يعتمد على المنطق أن يجلس ويفاوض إنساناً غير منطقيّ. حسنٌ، إنّه غير منطقيّ. اللامنطقيّة تعني التسلّط أي تفوّه الإنسان بكلام لا طائل منه. هذه واقعيّة وقد أدركناها على مدى 30 سنة عند التّعامل مع القضايا العالميّة المختلفة بصورة واضحة. نحن نعي من هو الطّرف المقابل لنا وكيف ينبغي التّعامل معه. 

كلمات لشعب إيران
لقد دوّنت بعض النّقاط لأعرضها عليكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء وعلى كل شعب إيران في هذه المجالات. بالطبع إنّ هذه الكلمات هي لشعب إيران. 

زعماء أميركا: خداعٌ وتضليل
أولئك الذين يتحدّثون، بما في ذلك رئيس أميركا وأعوانه وأنصاره من زعماء أميركا، فإنّهم يتحدّثون من أجل خداع الرأي العام، سواء الرأي العامّ العالمي أم الرأي العامّ لشعوب المنطقة أو إذا تمكّنوا الرأي العام لشعبنا. ونحن الآن نغضّ النّظر عن الرأي العامّ العالميّ. فالشّبكة الصهيونيّة - الأميركيّة الإعلاميّة التّابعة في العالم لا تعكس كلامنا كما هو، فإمّا أنّهم لا يظهرونه أو يظهرونه بصورة ناقصة أو ينقلونه بصورة معاكسة. إنّني أتحدّث هنا مع شعبنا. إنّ اقتدار الجمهوريّة الإسلاميّة
 
 
 
 
 
 
 
77

64

في حشد من أهالي آذربيجان

 ليس متعلّقاً بالرأي العامّ العالميّ. لم تحقّق الجمهوريّة الإسلاميّة اقتدارها وعزّتها وشرفها من خلال الرأي العام العالميّ، بل ما حقّقته كان من خلال هذا الشّعب نفسه. فذاك البناء الرّاسخ والمحكم الذي صنعه شعب إيران، ونداؤه الذي يصدح اليوم في كلّ العالم وينتشر بذاته، يعتمد على شعب إيران نفسه. إنّني أتحدّث هنا مع شعبنا ولا شأن لي بالآخرين، ـ سواء أرادوا الإصغاء أم لم يريدوا، وسواء أرادوا نقل هذا الكلام أم أبوا ـ، لكنّ شعبنا العزيز عليه أن يعلم. والنّقطة الأولى هي أنّهم غير منطقيين وحديثهم غير مبنيّ على الاعتقاد وكلامهم مغايرٌ لعملهم.


لن نأتي إلى هكذا مفاوضات
النّقطة الثانية: لقد طرحوا قضيّة المفاوضات، أنّ على إيران أن تأتي وتجلس على طاولة المفاوضات. وذاك السّلوك غير المنطقيّ موجودٌ في هذه الدّعوة إلى المفاوضات. إنّ هدفهم ليس حلّ المشاكل والقضايا ـ وسوف أوضّح هذا لاحقاً ـ بل هدفهم هو العمل الدّعائيّ من أجل أن يظهروا أمام الشعوب المسلمة أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هو الذي كان يصرّ ويعاند، لكن ها هو في النّهاية أصبح مجبوراً أن يأتي للصّلح والمفاوضات معنا. فإذا أصبح شعب إيران هكذا، فكيف بكم أنتم؟ وذلك من أجل إخماد الشعوب المسلمة، التي تشمخ اليوم، ومن أجل بثّ اليأس فيها، حيث إنّ الكثير من الدّول الإسلاميّة اليوم هبّ عليها نسيم الصّحوة وهي تشعر بالعزّة بسبب الإسلام. كان هذا أحد الأهداف منذ بداية الثّورة. منذ السّنوات الأولى للثّورة كان من أهدافهم أن يجرّوا إيران إلى طاولة الصّلح والتفاوض ليقولوا: انظروا هذه هي نهاية الأمر، فإيران التي كانت تدّعي أنّها مستقلّة وصامدة وشجاعة ولا تخاف، قد أصبحت مضطرّة لأن تأتي وتجلس على طاولة المفاوضات! وها هم اليوم يتّبعون الطريق نفسه إلى ذاك الهدف. إنّ هذا أمرٌ مهمّ. عندما يكون الهدف من المفاوضات هو هدف لا علاقة له بالقضايا الأساسيّة بل هدفٌ دعائيّ، حسناً، من المعلوم أنّ الطّرف المقابل، الذي هو الجمهوريّة الإسلاميّة، ليس ساذجاً
 
 
 
 
 
 
 
 
78

65

في حشد من أهالي آذربيجان

 مغمض العينين، فهو يعلم ما هو هدفكم، لهذا سوف يردّ عليكم بما يتناسب مع نواياكم.


النّقطة الثالثة هي أنّ المفاوضات في عرف الأميركيّين والقوى المتسلّطة تعني أن تأتوا وتجلسوا وتتفاوضوا من أجل أن تقبلوا بكلامنا ـ هذا هو هدف المفاوضات ـ تعالوا واجلسوا وتحدّثوا حتّى تصلوا في نهاية كلامكم ومحادثاتكم إلى نتيجة أنّ ذلك الأمر الذي لم تكونوا تقبلون به، اقبلوا به الآن. هذا هو الأمر الذي يفعله الأميركيّون بشأن الدّعايات حول المفاوضات ـ فلا بدّ أنّكم سمعتم قبل مدّة عنه ـ وها هم يحدثون كلّ هذه الضوضاء والضجيج حول أنهم: أجل يريدون أن يفاوضوا إيران بصورة مباشرة، يريدون أن يفعلوا، إنّهم يظهرون هذا المعنى بصورةٍ كاملة في كلامهم الذي أطلقوه اليوم أيضاً: تعالوا لنجلس حتّى نقنع إيران بالتخلّي عن التخصيب، والتخلّي عن الطاقة النوويّة. هذا هو الهدف. لا يقولون تعالوا لنجلس ونتفاوض حتّى تبيّن لنا إيران أدلّتها فنرفع أيدينا عن الضّغط حول الملف النوويّ والحظر والتدخّلات الأمنيّة والسياسيّة وغيرها، بل يقولون تعالوا لنتفاوض حتّى تقبل إيران بكلامنا!

حسنٌ، إنّ هذه المفاوضات لا تنفع ولا توصل إلى نتيجة. ولنفرض أنّ إيران قبلت وذهبت إلى المفاوضات مع الأميركيّين، فعندما يكون الهدف هو هذا، فأيّة مفاوضات ستكون؟ حسنٌ، من المعلوم أنّ إيران لن تتخلّى عن حقوقها. أينما رأوا أنّ الطرف المقابل يتحدّث بصورة منطقيّة ويخضعهم أثناء المفاوضات فإنّهم يقطعون المفاوضات مع إيران ويقولون إنّ إيران ليست مستعدّة للتّفاوض! فالشّبكات الإعلاميّة والسياسيّة هي بأيديهم وهي التي تنشر الدّعايات. هذا ما خبرناه. فخلال الخمس عشرة سنة الماضية حدث هذا الأمر مرّة أو مرّتين حيث كان الأميركيّون يبلّغون مسؤولين حول موضوعٍ مشخّص ويصرّون على أنّه أمرٌ في غاية الحساسيّة والفوريّة والوجوب، فتعالوا لنجلس ونتحدّث. حسنٌ، بعض المسؤولين في الحكومة ـ عادة شخص أو شخصان ـ كانوا يذهبون ويجلسون ويتحدّثون وبمجرّد أن كانوا يبيّنون
 
 
 
 
 
 
 
79

66

في حشد من أهالي آذربيجان

 كلامهم المنطقيّ ولا يمتلك الطرف المقابل ردّاً عليه كانوا يقطعون المفاوضات مباشرةً! وبالطبع، كانوا يستغلّون الأمر بصورة دعائيّة. هذه هي تجربتنا. حسنٌ، من جرّب المجرّب حلّت به النّدامة"1.

 
النّقطة الّرابعة، يظهرون في الإعلام أنّه لو جلست إيران على طاولة المفاوضات مع أميركا فسوف يُرفع الحظر. وهذا كذب. فهدفهم هو حمل شعب إيران على الرّغبة بالتفاوض مع أميركا من خلال الوعد برفع الحظر. فتصوّرهم هو أنّ شعب إيران سوف يركع مقابل كلّ هذا الحظر وسيفقد قدرته وأعصابه وأنّ كلّ شيء سيذهب هباءً. عندها سنقول حسناً جداً تعالوا لنتفاوض حتّى نرفع الحظر فيصبح شعب إيران كلّه دفعةً واحدة مطالباً بالمفاوضات. 
 
إنّ هذا الكلام من تلك التصريحات غير المنطقيّة المتلازمة مع الخداع، وهي وسيلة من أجل التسلّط. أوّلاً ـ كما ذكرنا ـ إنّ غرضهم من الدّعوة إلى التفاوض هو في الواقع بعيدٌ عن المفاوضات العادلة والمنطقيّة، فالمفاوضات عندهم هي أن نأتي ونقبل بما يملونه علينا ونسلّم حتى يرفعوا الحظر. حسنٌ، لو أراد شعب إيران أن يستسلم فلماذا قام بالثورة؟! لقد كانت أميركا مهيمنة على أوضاع إيران وكانت تفعل كلّ ما يحلو لها. فثار شعب إيران من أجل أن يخرج من نير أميركا وقيودها. والآن يريدون أن نأتي ونجلس مجدّداً لنخضع لهم. هذا هو الإشكال الأوّل. 
 
حصن النظام ودعامته
الإشكال الثاني هو أنّ أنواع الحظر لن تُرفع بالتفاوض، أقول لكم هذا. إنّ هدف الحظر والحصار هو شيءٌ آخر، وهو عبارة عن إتعاب الشّعب الإيرانيّ وفصله عن النّظام الإسلاميّ. ولو حصل التفاوض، ولو بقي الشّعب الإيرانيّ في السّاحات وأصرّ على حقوقه فسوف يبقى هذا الحظر. فماذا يفعل الشّعب الإيرانيّ مقابل هذا الفكر الخاطئ للعدوّ؟



1 مفاد أحد الأمثال المتداولة في إيران.
 
 
 
 
 
 
 
80

67

في حشد من أهالي آذربيجان

 انظروا، يوجد أمرٌ نلاحظه في ذهن الأطراف المقابلة لنا لو فنّدناه وحلّلناه. إنّهم يقولون إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة يعتمد على الشعب، فلو استطعنا أن نفصل هذا الشعب عن نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، فسوف نسلب هذا النّظام قدرة المقاومة. هذا هو تفكير الطّرف المقابل لنا. حسنٌ، لهذا التفكير شقّان، الشقّ الأوّل هو أنّهم فهموا بشكل صحيح، والشقّ الآخر هو أنّهم أخطأوا في الفهم واشتبهوا. الأمر الذي فهموه جيّداً هو أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة هي حقّاً تعتمد على الشّعب، وأنّ دعامة النّظام الإسلاميّ ليست سوى جماهير الشّعب الإيرانيّ العظيم. فقلعة هذا البلد وهذا النّظام هي هذا الشّعب نفسه. والشيء الذي أخطأوا فيه هو تخيّلهم أنّهم بممارسة الحظر والهيمنة في مجال القضايا الدّوليّة والتّجاريّة والإنتاج وغيرها فإنّهم سوف يتمكّنون من إركاع شعب إيران وجعله عاجزاً. فلو ظنّوا أنّهم سيتمكّنون من سلب الجمهوريّة الإسلاميّة مثل هذه الدّعامة فإنّهم مخطئون في تفكيرهم.


أجل، إنّ شعب إيران سيتّخذ موقفاً ويتصرّف إزاء ما يريد العدوّ القيام به. فشعب إيران يسعى وراء الازدهار الاقتصاديّ والرّونق الاقتصادي والرّفاه الكامل. لكنّ شعب إيران لا يريد تحقيق ذلك عن طريق التذلّل للعدوّ، إنّه يريد تحقيق ذلك بقدرته وعزمه وشجاعته وتقدّمه واقتدار شبابه لا غير. نعم، الحظر ضغطٌ وأذى ـ لا شكّ في ذلك ـ ولكن يوجد طريقان في مواجهة هذا الضغط والأذى: عندما تتعرّض الشعوب الضّعيفة لضغط العدوّ فإنّها تتّجه نحو التسليم له والخضوع والتّوبة أمامه. لكنّ شعباً شجاعاً كشعب إيران بمجرّد أن يرى أنّ العدوّ يمارس الضّغوط فإنّه يسعى لتفعيل قدراته الذّاتيّة والعبور بقدرة وشجاعة من منطقة الخطر، وهذا ما سوف يقوم به. وهذه هي تجربة السّنوات الثلاثين عندنا. 

نموّ وازدهار تحت الضغط
هناك دولٌ في منطقتنا كانت لمدّة 33 سنة في قبضة أميركا وكانت حكوماتها عبيداً لأميركا ومطيعة ومنقادة لها، فأين هي اليوم؟ أمّا شعب إيران فقد وقف أكثر
 
 
 
 
 
 
 
81

68

في حشد من أهالي آذربيجان

 من 30 سنة مقابل أميركا فأين هو اليوم؟ لقد حقّق شعبنا في مواجهة الضّغط الأمريكيّ، بلحاظ التقدّم العلميّ والاقتصاديّ والثّقافيّ، سمعةً دوليّة ونفوذاً واقتداراً سياسيّاً لم تكن تحلم به الأنظمة في عهود البهلويين والقاجاريين1 لا الشعب ولا المسؤولون. لقد جرّبنا واختبرنا وصمدنا لثلاثين سنة مقابل الضغوط الأميركيّة وها نحن هنا، وهناك شعوبٌ استسلمت لأميركا طيلة هذه الثلاثين سنة وهي متخلّفة بدرجات عديدة. نحن لم يسؤنا الصمود والمقاومة. فالمقاومة تحيي القوى الذاتية لأيّ شعبٍ وتوصلها إلى الفعليّة. إنّ كل هذا الحظر الذي يقومون به سوف ينتهي لصالح شعب إيران. وإنّ شعب إيران بإذن الله وحوله وقوّته سوف يصل إلى النموّ والازدهار. فهذه قضيّة مهمّة. 

 
الإسلام حلّال المشاكل
حسنٌ، لقد رأيتم ماذا فعل النّاس هذا العام في هذه المظاهرات. لا يصحّ القول إنّ النّاس لا يشتكون من الغلاء والمشاكل، فالغلاء موجودٌ والمشكلات الاقتصاديّة حاصلة والناس يشعرون بذلك ويلمسونه ـ خصوصاً الطبقات الضعيفة ـ ولكن هذا لا يؤدّي إلى أن يفصل النّاس أنفسهم عن النّظام الإسلاميّ. النّاس يعلمون أنّ تلك اليد المقتدرة التي يمكن أن تحلّ هذه المشاكل هي النّظام الإسلاميّ وذاك الإسلام العزيز المقتدر والمسؤولون المتمسّكون بالإسلام، هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يحلّوا المشاكل، أمّا الاستسلام للأعداء فلا يزيل أيّة مشكلة.
 
أوقفوا اعتداءاتكم... وأهلاً بكم
النّقطة الأخرى: نحن، خلافاً لهم، أناسٌ منطقيّون، فمسؤولونا منطقيّون، وكذلك شعبنا. ونحن نتقبّل الكلام المنطقيّ والعمل المنطقيّ. فليظهر الأميركيّون أنّهم 



1 عهد القاجاريين, أي حكم ملوك القاجار, سلالة تركمانية 1780-1925- تتحدّر من إحدى قبائل القزلباش, ابتداء من زعيم القبيلة آغا محمد خان وانتهاءً بمظفر الدين شاه وأحمد ميرزا. والعهد البهلوي: الحكم الملكي الذي أعقب حقبة القاجار 1925 ـ 1979م- أي حكومة رضا بهلوي وقد خلفه ابنه محمد رضا- ولم يدم طويلاً حتى أطاحت به الثورة الإسلاميّة بقيادة الإمام الخميني، وكان تابعاً للغرب، مطيعاً لإملاءاته, وقد قمع الشعب ومارس أبشع الظلم بحقه.
 
 
 
 
 
 
 
 
82

69

في حشد من أهالي آذربيجان

 لا يبتغون الهيمنة ولا يستعملون الإكراه وليظهروا أنّهم لا يريدون الشرّ، وكذلك لا يخرجون عن المنطق في كلامهم وأعمالهم وليظهروا أنّهم يحترمون حقوق الشّعب الإيرانيّ، وليظهروا أنّهم لا يريدون إشعال الحروب في المنطقة، وليظهروا أنّهم لا يريدون التدخّل في قضايا الشّعب الإيرانيّ، مثلما فعلوا في فتنة عام 2009 1 حيث دعموا مثيري الفتنة وجعلوا شّبكات التواصل الاجتماعية تلك بخدمتهم ـ إحدى شبكات التواصل2 أرادت أن توقف نشاطها في تلك الأيام بهدف القيام بإصلاحات، فقيل لها لا تتوقّفي من أجل أن يتمكّنوا من صبّ الزّيت على نيران الفتنة ـ فلا تفعلوا مثل هذه الأمور وسوف تجدون أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة هي نظام يريد الخير وأنّ الشعب هو شعبٌ منطقيّ. إنّ طريق التعامل مع الجمهوريّة الإسلاميّة ينحصر بما ذكرناه ولا غير. فمن هذا الطريق يمكنهم أن يتعاملوا مع الجمهوريّة الإسلاميّة. يجب على الأميركيّين أن يثبتوا حسن نواياهم ويظهروا أنّهم ليسوا بصدد الإملاء والإكراه، فلو أثبتوا ذلك سوف يجدون أنّ شعب إيران سوف يستجيب. فلا ينبغي أن يكون هناك شرّ وتدخّل وهيمنة، بل ينبغي أن يكون هناك اعتراف بحقوق الشّعب الإيرانيّ، حينها سوف يسمعون ردّاً مناسباً من إيران.

 
لا تسيئوا للإسلام
نقطة أخرى ترجع إلى القضايا الدّاخلية في بلدنا، وهي قضية مهمّة أعرضها، قضية حدثت في المجلس وكانت سيّئة وغير مناسبة وقد أزعجت الشّعب وكذلك النّخب. أنا العبد الحقير قد انزعجت من جهتين: فإنّني شخصيّاً أتأثّر أمام هذه القضايا وكذلك بسبب انزعاج النّاس وتألّمهم. يتّهم رئيس سلطةٍ سلطتين أخريين بالاستناد إلى اتّهام لم يثبت ولم يُعرض على المحكمة. إنّ هذا عمل سيّئ وغير مناسب. إنّ مثل هذه الأعمال مخالفة للشرع وللقانون، وهي خلاف الأخلاق وهي 



1 محاولة الإطاحة الفاشلة بالنظام الإسلاميّ في إيران عقب إعلان نتائح انتخابات الرئاسة وادعاء التزوير.. يراجع مشكاة النور ـ أعداد سابقة -.
2 مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت..
 
 
 
 
 
 
 
83

70

في حشد من أهالي آذربيجان

 تضييع للحقوق الأساسية للشعب. فإنّ من الحقوق الأساسيّة المهمّة للشعب أن يعيش هدوءاً نفسيّاً وأمناً نفسيّاً وأن يكون في البلد أمن أخلاقيّ. فلو اتُّهم شخصٌ بالفساد لا يصحّ اتّهام شخص آخر بذلك من أجله، حتّى لو ثبت، فكيف إذا لم يكن ثابتاً ولم يصل إلى المحكمة أو يُحاكم. فبالاعتماد على اتّهام شخص يُتّهم الآخرون والمجلس والسّلطة القضائية، فهذا أمرٌ غير صحيح، إنّه عملٌ خاطئ. أنا العبد أوجّه النّصيحة الآن. إنّ هذا العمل لا يتناسب ولا يليق بنظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وذلك الطرف من القضيّة وهذا الاستيضاح الذي حصل في المجلس هو خطأ من أساسه. حسنٌ، إنّ الاستيضاح (والمساءلة) ينبغي أن يكون ذا فائدة. بقيت عدّة أشهر على انتهاء عمل الحكومة، فما معنى مساءلة أي وزير وكذلك لسبب ودليل لا يرتبط به نفسه، لماذا ذلك؟ إنّ هذا كان عملاً خاطئاً. ما سمعته من تفوّه بعضهم في المجلس بكلامٍ غير مناسب هو أيضاً خطأ. فجميع هذه القضايا لا تليق بنظام الجمهوريّة الإسلاميّّة، سواء كان الاتّهام أم ذاك التصرّف أم الاستيضاح والمساءلة. والدّفاع الّذي قام به رئيس السّلطة المحترم عن نفسه كان فيه أيضاً نوع مبالغة، فما كان لازماً. عندما نكون جميعاً متآخين وعندما يبرز عدوّنا المشترك أمامنا، وعندما نشاهد المؤامرة فماذا ينبغي أن نفعل؟ فحتّى الآن كان المسؤولون يقفون معاً في مواجهة مؤامرات العدوّ، واليوم ينبغي أن يكونوا كذلك وعلى الدّوام. إنّني طالما دعمت مسؤولي السّلطات الثلاث ومسؤولي البلد، وأنا العبد سوف أبقى كذلك مع كلّ شخصٍ يتحمّل مسؤوليّةً وسوف أقدّم له العون، لكنّني لا أرضى بهذه الأفعال، وهذه الأفعال لا تتناسب مع الالتزامات ومع كلّ قَسمٍ أُدّي. فلنتوجّه إلى هذا الشّعب العظيم فإنّ ما يليق به سلوكٌ آخر. واليوم يجب على المسؤولين أن يبذلوا قصارى جهودهم من أجل حلّ المعضلات الاقتصاديّة وإزالة المشكلات. أنا العبد، وقبل أربع سنوات، وفي حديثي في أوّل العام قلت بصراحة للشعب وللمسؤولين إنّ خطّة أعداء الشّعب الإيرانيّ من الآن ولاحقاً وأكثر من أيّ شيء هي خطّة اقتصاديّة. حسنٌ، إنّكم ترون أنّ الأمر كان كذلك. فالحكومة والمجلس عليهم أن يركّزوا كلّ 

 

 

 

 

 

84


71

في حشد من أهالي آذربيجان

 قواهم وفكرهم وذكرهم على السّياسات الاقتصاديّة الصحيحة. كنت أنا العبد قبل عدّة سنوات قد أرسلت برسالة إلى رؤساء السّلطات بشأن الفساد الاقتصاديّ. حسنٌ، عليكم أن تحاربوا الفساد الاقتصاديّ. والأمر لا يتحقّق بمجرّد القول، بل يجب العمل على ذلك، أن نبقى نتحدّث عن محاربة الفساد الاقتصاديّ. حسنٌ، وأين؟ وماذا أنجزنا على صعيد العمل؟ ماذا فعلتم؟ هذه هي الأمور التي تثير انفعال الإنسان.


التقوى... التقوى... التقوى
إنّ ما أتوقّعه أنا العبد من المسؤولين هو أن تقوّوا من صحبتكم وتكونوا معاً أكثر، فسلوك العدوّ الآن قد تضاعف. التقوى، التقوى، التقوى، الصّبر، عدم فسح المجال للمشاعر العناديّة. ما نتوقّعه هو ملاحظة مصالح البلد، ومركَزة كلّ الطّاقات والقوى من أجل حلّ مشكلات النّاس والبلد. أملنا إن شاء الله هو أن يتوجّه المسؤولون المحترمون وخصوصاً مسؤولو المراتب العليا إلى هذه النّصيحة الخيّرة المشفقة، وأن يلتزموا بهذه القضيّة.

ونقول هذا أيضاً، إنّ هذا الكلام الّذي ذكرته اليوم وشكواي من بعض المسؤولين وزعماء البلد، لا ينبغي أن يكون سبباً كي يقوم بعضهم بإيجاد الذّرائع والبناء عليها من أجل إطلاق الشّعارات ضدّ هذا وذاك، كلّا، أنا العبد أعارض هذا الفعل. إنّني أخالف أن تقوموا بتحديد شخصٍ ما كمعادٍ للولاية والبصيرة أو غير ذلك، ثمّ يقوم بعض آخر بالبدء بإطلاق شعارات ضدّه وإدخال الناس ببعضها بعضاً في المجلس. إنّني أقول هذا بصراحة. أنا العبد أعارض مثل تلك الأعمال التي جرت في قم. أنا العبد أخالف أيضاً تلك الأمور التي حدثت في مرقد الإمام. فقد ذكّرت المسؤولين وكلّ من يمكنه أن يمنع من وقوع مثل هذه الأمور مرّات ومرّات. أولئك الذين يقومون بهذه الأمور، لو كانوا حزب اللهيين ومؤمنين في الواقع لما فعلوا ذلك. ترون أنّ تشخيصنا هو أنّ هذه الأفعال تضر بالبلاد ولا فائدة منها. إنّ إطلاق الشّعارات 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

72

في حشد من أهالي آذربيجان

 ضدّ هذا وذاك، والتحرّك انطلاقاً من المشاعر لا يقدّم شيئاً. كلّ هذا الغضب وهذه المشاعر حافظوا عليها لوقتها. في مرحلة الدّفاع المقدّس لو أراد التعبويّون أن يفعلوا ما يحلو لهم ويهجموا انطلاقاً من رؤيتهم للأمور لقُضي على البلد. فالنّظام لازمٌ وكذلك الانضباط والرّعاية. أمّا إذا لم يكونوا ممّن يعتني بهذا الكلام فإنّ حسابهم يكون بشكل آخر، لكنّ الّذين يعتنون بهذا الكلام، ويلتزمون بعدم التحرّك بخلاف موازين الشّرع يجب عليهم أن يكونوا ملتفتين وأن لا يصدر عنهم مثل هذه الأمور.


بالطّبع، إنّ شعب إيران هو بلطف الله وهدايته شعبٌ بصير. أنا أقول لكم أيّها الشّباب اعلموا أنّ ذاك اليوم الذي لا نكون فيه وتكونون أنتم، سيكون فيه وضع شعب إيران وأفقه وحياته المادّيّة والمعنويّة أفضل بدرجات من اليوم. إنّ حركة شعب إيران هي حركة باتّجاهٍ وأفقٍ واضح. يجب علينا أن نكون ملتفتين إلى أنفسنا أكثر.

يجب علينا أن نستعين بالله تعالى وبالأرواح الطّيّبة للشهداء وروح إمامنا المطهّر، وأن يشملنا ويشملكم دعاء حضرة بقيّة الله الأعظم أرواحنا فداه بمشيئة الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
86

73

في لقاء عددٍ من القائمين علي مهرجان عمّار السينمائي

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء عددٍ من القائمين علي مهرجان عمّار السينمائي


المناسبـة: إقامة مهرجان "عمّار" السينمائي 
الحــضـور: عدد من القائمين والمسؤولين على مهرجان "عمّار" السينمائي
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
01/12/1391 هـ.ش.
08/04/1434 هـ.ق.
19/02/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
87

74

في لقاء عددٍ من القائمين علي مهرجان عمّار السينمائي

 استقبل سماحة الإمام الخامنئي دام ظلّه عدداً من المسؤولين والعاملين في مهرجان "عمار" الشعبي السينمائي، وأبرز ما جاء في كلمته:


بسم الله الرحمن الرحيم
ينبغي أن يُنظر إلى الفن الإسلاميّ والسينما الدينية بمنظار طويل الأمد مع التخطيط الدقيق والأمل بالمستقبل والاستفادة المناسبة من أدوات الفن للوصول إلى أكبر قدر ممكن من التأثير. 

إنّ اختيار اسم "عمّار"، وهو من كبار صحابة رسول الإسلام الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ومن أصحاب الإمام علي عليه السلام المقرّبين، لهو اختيارٌ محمود.

لم يتزلزل عمّار في شتي أحداث صدر الإسلام، وكذلك في الامتحانات والاختبارات الصعبة لفترة ما بعد رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم. وإن معرفته للظروف وحضوره ومشاركته في الوقت المناسب، ودوره التبييني الإيضاحي في الأحداث والأمور خلال فترة خلافة الإمام علي عليه السلام هي من الخصائص والخصال البارزة فيه. 

من أهداف الثورة الإسلامية ومبادئها المهمة جداً النظرة المتفائلة للمستقبل، وتوسيع الآفاق. إن مسيرة الثورة الإسلامية التي انطلقت بانتصارها عام 1979، وانهيار هيمنة أمريكا، والأحداث المختلفة التي وقعت طوال هذه الأعوام الـ 34 ، كلها مقدمات للوصول إلي الأهداف الأصلية للنظام الإسلاميّ. لذلك يجب عن طريق عقد الهمم وبذل المساعي المضاعفة وعدم الخوف من العدو ومؤامراته واجتناب اليأس والنظرة التشاؤمية، التقدم بمزيد من السرعة نحو القمم والأهداف. 
 
 
 
 
 
 
89

75

في لقاء عددٍ من القائمين علي مهرجان عمّار السينمائي

 هذه النظرة ضرورية في موضوع الفن الإسلاميّ والسينما الدينية، ففي هذا الميدان يعدّ الشّباب المتدينون النشطون أصحاب النظرات الجديدة والهمم العالية المولّد المحرّك لهذه المسيرة المتقدّمة نحو الأمام. وعلي الروّاد أن ينقلوا تجاربهم ويخرّجوا طاقات جديدة وكفوءة ليزيدوا من سرعة هذه الحركة. 


إن صيانة النفس هي الشرط الأصلي للالتحاق المؤثّر للمتديّنين والثوريين بحيّز السينما وعدم التأثّر بأجوائه. وإنّ السبيل الوحيد لصيانة النفس هو الارتباط المستمر بالله، وأداء النوافل والتضرّع إلي الله، وهكذا صان عمّار نفسه ولم يتزلزل... فالعبادة وذكر الله والتوجّه إليه أعلي من أية لذة فنية. 

هناك دور للمسؤولين والمراكز الجامعية ذات الصلة في التأثير علي الأجواء السينمائية والإعلامية للبلاد. وإنّ إصلاح هذا الميدان بحاجة لإصلاح منافذه ومداخله. 

إنّ العاملين حالياً في مجال الأفلام ذات المضامين الثورية والدفاع المقدس هم في حالة جهاد حقيقية. 

إنّ الاستفادة المناسبة من أدوات الفنّ والقصة والسيناريو المتين من الضروريات الأساسية في إنتاج الأفلام، فكتابة القصة والرواية في بلادنا تفصلها مسافة عن المستوي المطلوب، ولا بد من تقوية هذا المجال وتنضيجه. 

الموضوعات ذات الصلة بتاريخ الثورة الإسلامية والدفاع المقدس وفلسطين والصحوة الإسلامية هي من جملة الموضوعات المهمة والغنية الصالحة للاستخدام في إنتاج الأفلام.

من الأكاذيب التي يروّج لها في العالم قولهم إن الفن يجب أن لا يختلط بالسياسة. والحال أن المنظومات الفنية في الغرب بما في ذلك هوليوود سياسية تماماً، ولو لم تكن كذلك فلماذا لا يسمحون للأفلام الإيرانية المناهضة للصهيونية بالمشاركة في المهرجانات السينمائية؟... 

وإنّ إنتاج الأفلام السياسية ضد إيران أو منح الجوائز لهذه الأفلام من المؤشرات 
 
 
 
 
 
 
 
90

76

في لقاء عددٍ من القائمين علي مهرجان عمّار السينمائي

 الواضحة لامتزاج السياسة بالفن في أمريكا والغرب. 


فيما يتعلّق بخصوص علاقة العلوم الإنسانية بالفن والسينما وضرورة حصول تحوّل في العلوم الإنسانية، إنّ العلوم الإنسانية هي الهواء الذي تتنفسه منظومات النخبة في البلاد والتي تتولي توجيه المجتمع، لذا فإن تلوّث أو نقاء هذا الهواء قضية علي جانب كبير من الأهمية. 

إنّ مشكلة العلوم الإنسانية الغربيّة هي في أساسها المعرفي الخاطئ. فالإصلاح في العلوم الإنسانية والتحوّل في السينما والتلفزيون غير ممكن من دون إصلاح الأسس المعرفية للعلوم الإنسانية الغربيّة. وإصلاح هذه الأسس بدوره منوط بالارتباط المؤثر بالحوزات العلميّة وعلماء الدين. 

على التيارات السينمائية المحبّة للدين والثورة تجنُّب الانجرار إلى المواضيع الهامشية والانشغال بالاختلافات عديمة الجدوي. وإنّ المؤمنين بالدين والثورة في مجال السينما والذين قد تكون لهم أذواق متنوعة، يجب أن يركزوا هممهم ومساعيهم علي الأعمال والمشاريع الأساسية الأصلية.
 
 
 
 
 
 
 
91

77

في لجنة إقامة المؤتمر الخاص بتكريم العلامة السيد نعمة الله الجزائري

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لجنة إقامة المؤتمر الخاص بتكريم العلامة السيد نعمة الله الجزائري1

 
المناسبـة: إقامة مؤتمر تكريم مكانة العلامة السيد الجزائري
الحــضـور: أعضاء اللجنة المسؤولة عن إقامة المؤتمر التكريمي
الـمكــان: محافظة خوزستان مدينتي شوشتر وأهواز
الزمـــان:
07/12/1391 هـ.ش.
14/04/1434 هـ.ق.
28/02/2013 م.


 
 

1  تلا الكلمة آية الله السيد محمد على الموسوي الجزائري ممثل الوليّ الفقيه في محافظة خوزستان وإمام جمعة مدينة أهواز صباح يوم الخميس 28/02/2013 م. وقد أقيم هذا المؤتمر بالتعاون مع وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، وجمعية الآثار والمفاخر الثقافية، ومكتب ممثل الوليّ الفقيه في خوزستان، ومحافظية خوزستان، ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون مركز خوزستان.
 
 
 
 
 
 
 
93

78

في لجنة إقامة المؤتمر الخاص بتكريم العلامة السيد نعمة الله الجزائري

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
نتقدّم بالشكر الجزيل لحضرة السيد الجزائري وسائر السادة الذين فكروا في تعريف هذه الشخصية الكبيرة المغمورة.
 
الجزائري: عائلة علمائيّة بارزة
إنه مغمور لأنه رغم اشتهاره بكتابيه المعروفين: "زهر الربيع" و"الأنوار النعمانية"1، لكن شأن المرحوم السيد نعمة الله أرفع من هذا بكثير. فقد كان فقيهاً ماهراً ومحدّثاً خبيراً ومتوسّعاً في كتب الأخبار والأحاديث، وكان إلى ذلك أديباً. واللافت أن عائلته كانت إلى جانب كونها عائلة فقاهة وحديث، عائلة أدب ولغة وما شاكل. المرحوم السيد نور الدين - نجله - وضع كتاباً معروفاً باسم "فروق اللغات"2 وهو ليس مجرد كتاب لغة، بل يعني التمكّن التام من اللغة العربية. وحفيده المرحوم السيد عبد الله الجزائري، أي ثلاثة أجيال متعاقبة، كانوا من العلماء البارزين والمعروفين في الحوزات العلمية. وطبعاً كان هؤلاء الثلاثة كلهم من الإخباريين. والمرحوم السيد عبد الله كان أكثر إخبارية، والسيد نعمة الله والسيد نور الدين أقل إخبارية. لكن السيد نعمة الله رغم كونه من الإخباريين فقد كان يهتم بآراء الأصوليين ونظرياتهم، وله كتاب - لا أتذكر اسمه الآن - في ضرورة مراجعة كتب الفقهاء، ومراده من الفقهاء بالطبع الفقهاء الأصوليون. كان رجلاً كبيراً.


 

1 الأنوار النعمانية في بيان معرفة النشأة الإنسانية.
2 فروق اللغات في التمييز بين مفاد الكلمات.
 
 
 
 
 
 
 
 
95

79

في لجنة إقامة المؤتمر الخاص بتكريم العلامة السيد نعمة الله الجزائري

 عالم متبحِّر وفقيه مدقّق 

وآثاره وتأليفاته كثيرة. وقد تفضلتم بأنها نحو 60 كتاباً، وحسب ما في ذهني وخاطري فإن له نحو ثلاثين أو أربعين كتاباً بينها شروح مهمة لكتبنا الأربعة، أي شرح التهذيب، وشرح الاستبصار، وأظن شرح الكافي، وشروح الكثير من كتب الصدوق، مثل كتاب التوحيد للصدوق وما إلى ذلك. لقد كان شخصية مبرّزة جدّاً ومتبحّراً ومحيطاً بأحاديث الشّيعة، وبنظرة فقهية دقيقة، وليست حديثية صرفة. إنه من تلامذة العلامة المجلسي، والعلامة المجلسي رجل عظيم جدّاً، وحين ينظر المرء لشروحاته في "بحار الأنوار" تعقيباً على الروايات والأحاديث، يدرك أنه كان بدوره فقيهاً ومتكلماً ومن أهل العقليات. العلامة المجلسي شخصية كبيرة جداً، لكنه عرف بالحديث فقط، والحال إنه ليس كذلك، فهو محدّث - وكتابه في الحديث "بحار الأنوار" كتاب ضخم - وكذلك فقيه ومتكلم وصاحب رأي، وله في بعض الأحيان آراء ممتازة جداً تعقيباً على الروايات حول القضايا الكلامية والعقلية. والمرحوم السيد نعمة الله تلميذ مثل هذه الشخصية... تلميذ المرحوم العلامة المجلسي. وأظن أنه كان تلميذ المرحوم الفيض أيضاً. على كل حال كان شخصية بارزة.

الترويح عن النفس 
كتاب "زهر الربيع" مع أنه عُرف في الحوزات العلمية أنه كتاب فكاهة وما إلى ذلك، لكنه يدلّ على أن فقهاءنا وعلماءنا وشخصياتنا الكبيرة إلى جانب أعمالهم العلمية والفقهية العميقة كانوا يهتمون بمثل هذه الأمور. يقول في بداية "زهر الربيع" - وقد نظرت في "زهر الربيع" ربما قبل خمسين أو ستين عاماً - إنني وجدت طلاب العلم بحاجة للترفيه والفكاهة فكتبت هذا الكتاب لهم. أي إنه وضع كتاباً لطلبة العلوم الدينية الغارقين في الأعمال العلمية والمدارس وحجرات الدراسة كي يتفكّهوا به، أي إنهم لم يكونوا غافلين عن هذه الأمور. والآن قد نجلس متزمّتين 
 
 
 
 
 
 
 
96

80

في لجنة إقامة المؤتمر الخاص بتكريم العلامة السيد نعمة الله الجزائري

 متصلّبين، ما إن يتمازح شخص هنا أو هناك حتى ننزعج! علماؤنا لم يكونوا هكذا، وخصوصاً عالم مثل السيد نعمة الله وهو إخباري ومتصلّب. لكنهم كانت لهم مثل هذه الأمور. أعتقد أن فنون علمائنا الماضين على جانب كبير من الأهمية، ومثالها كتاب "فروق اللغات" الذي ذكرنا أن السيد نور الدين نجله قد وضعه في اللغة مع أنه رجل فقيه ومحدّث وتلميذ والده. على كل حال نعتقد أن المرحوم السيد نعمة الله شخصية مبرّزة. 

 
تكريمٌ للعلم وللمعارف الإلهيّة
وعائلته أيضاً عائلة علمية، ولله الحمد لا تزال هذه العائلة إلى اليوم عائلة علم، ونتمنى أن تبقى هكذا دوماً. وتكريمه تكريم للعلم والمعارف الإلهية. من المناسب جداً تعريف هؤلاء الأجلّاء، خصوصاً إذا استطعتم أن تحققوا كتبهم وتطبعوها. وقد طبع كتاب "الأنوار النعمانية" مراراً، وهو بالطبع كتاب معروف، لكن كتبه الأخرى غير متوفرة، أي قلّما جرى الاهتمام بكتبه الحديثية وشروحه للأحاديث. نتمنى لكم من الله التوفيق والتأييد. ونشكر السيد حسيني1 الذي يساعد على مثل هذه الأعمال والمشاريع. 
 
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته



1  وزير الثقافة والإرشاد الإسلاميّ الذي كان حاضراً في الجلسة.
 
 
 
 
 
 
 
 
97

81

في لقاء أعضاء الشوري العليا في مركز صياغة النموذج الإسلاميّ - الإيرانيّ للتقدّم

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء الشوري العليا في مركز صياغة النموذج الإسلاميّ - الإيرانيّ للتقدّم


الحـضـور: عدد من المفكّرين والنخب وأساتذة الحقول العلمية المختلفة
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
14/12/1391 هـ.ش.
21/04/1434 هـ.ق.
04/03/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
99

82

في لقاء أعضاء الشوري العليا في مركز صياغة النموذج الإسلاميّ - الإيرانيّ للتقدّم

 استقبل سماحة آية الله العظمي السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية يوم الاثنين 04/03/2013 م أعضاء الشوري العليا في مركز صياغة النموذج الإسلاميّ - الإيرانيّ للتقدّم ومراكز الأبحاث المرتبطة به. 


وقد حضر اللقاء عدد من المفكرين والنخب وأساتذة الحقول العلمية المختلفة من الجامعات والحوزات العلميّة. وأبرز النقاط التي تحدّث عنها الإمام الخامنئي خلال اللقاء:
 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن صياغة النموذج الإسلاميّ - الإيرانيّ للتقدّم عملية كبيرة جداً وفاخرة وعميقة وطويلة الأمد، وإنّ من لوازم تحقق النموذج الإسلاميّ - الإيرانيّ للتقدّم ورسوخه بين النخبة هو جعله خطاباً في المجتمع. 

إنّ تصميم وصياغة نموذج إسلامي - إيراني للتقدّم هو في الحقيقة عرضٌ لنتاج الثورة الإسلامية، وطرحٌ لحضارة جديدة ومتقدمة في كل الأبعاد علي أساس الفكر الإسلاميّ، وعليه فإن أفق العمل يجب أن يكون طويل الأمد وعميقاً جداً. 

إنّ العالم اليوم يتأثّر بالنموذج الحضاري الغربي والتقدم الحاصل في الغرب، وهيمنة الحضارة الغربيّة علي كل ميادين الحياة. في مثل هذه الظروف فإن صياغة نموذج إسلامي - إيراني للتقدّم بحاجة إلي جرأة وشجاعة ومحفزات قوية. والفكر هو الروح الأصلي لهذه العملية، وينبغي بالإضافة إلي تجنُّب كل أشكال التسرّع، الاستفادة من التجارب الجديدة المواهب الشابة لكي لا ينطفئ المولّد المحرّك أبداً. 

لدينا علماء شباب متحفّزون ونشطون، يعملون في المراكز العلمية المتطوّرة نظير المراكز المختصة بتقنيات النانو والطاقة النووية وصناعات الدفاع، وينبغي
 
 
 
 
 
 
 
101

83

في لقاء أعضاء الشوري العليا في مركز صياغة النموذج الإسلاميّ - الإيرانيّ للتقدّم

 الوثوق بالشّباب، لأن الشّباب ومحفزاتهم وحيويتهم لا تنتهي.


في كل أطوار صياغة هذا النموذج ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار مباني الإسلام بنحو جامع ودقيق، وينبغي عدم التردّد في ذلك علي الإطلاق. 

ينبغي في صياغة النموذج الإسلاميّ - الإيرانيّ للتقدّم التشديد علي أربعة أركان: الفكر والعلم والمعنوية والحياة، وركن "الفكر" أهم من باقي الأركان. 

إنّ الحضارة الغربيّة ومراحل تكوّنها وذروة صعودها وبالتالي ظهور علامات سقوطها في العصر الراهن، هي نموذجٌ عينيّ لدراسة إشكالات الحضارة ونواقصها، فقد قامت الحضارة الغربيّة علي أساس الفكر الإنساني (الأومانيسم) ورؤية الاقتدار السياسي ومن ثم تشكّلت على أساس الرؤية الرأسمالية، وبعد فترة الذروة التي مرّت بها، بدت اليوم علامات فسادها وانحطاطها، وأهمّها الانحطاط الجنسي وشيوع التحلل الأخلاقي والجنسي. 

إنّ الحروب الكثيرة المدمّرة جداً في القرون الأخيرة من الإشكالات الأساسية الأخرى علي الحضارة الغربيّة، فبروز المعضلات وحالات الانحطاط في الحضارة الغربيّة ناجم عن فقدان المعنوية. 

إنّ الشرط الأساس لبناء حضارة متقدّمة بأقلّ مشاكل هو المعنوية القائمة علي الدين الإسلاميّ، فالمعنوية الدينية تمهّد الأرضية لمعرفة المواهب والاستفادة المناسبة منها والتقدم المطلوب في كل الأبعاد وبأقل الأضرار. 

وإنّ النهوض بهذه العملية المهمة والدقيقة جداً والطويلة الأمد بحاجة إلي الجهاد والإخلاص. إنّ "صناعة الخطاب" هو الشرط الأساس لتحقق النموذج هذا النموذج. 

إنّ رسوخ هذا النموذج في أفكار النخب ومن ثم الشّباب وكل أبناء الشعب وأرواحهم منوط بصناعة الخطاب. يجب عن طريق "صناعة الخطاب" ومن خلال الاستفادة من آراء النخب والمتخصصين، والتحلّي بالصبر والدقة، تدوين نموذج فاخر متين قيّم.
 
 
 
 
 
 
102

84

في يوم التشجير

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في يوم التشجير



المناسبـة: أسبوع المصادر الطبيعية ويوم التشجير في إيران
الحــضـور: عدد كبير من المسؤولين، من بينهم وزير الزراعة، ورئيس مؤسسة الحفاظ على البيئة، ومحافظ مدينة طهران
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
15/12/1391 هـ.ش.
22/04/1434 هـ.ق.
05/03/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
103

85

في يوم التشجير

 شارك سماحة الإمام الخامنئي دام ظلّه في يوم غرس الأشجار، وبعد غرسه لشجرتين كانت له الكلمة الآتية:

بسم الله الرحمن الرحيم
ستكون زراعة الأشجار إن شاء الله، سواء في هذا اليوم وهذه الأيام المعروفة بأيام التشجير أم في باقي الأيام التي يمكن زراعة الأشجار فيها، سببَ بركة البلاد وعمرانها. وحقيقة القضية هي أن النباتات والأشجار بالنسبة لكل بلد ولكل جماعة بشرية سبب بركة، لذلك أوصى شرعُنا الإسلاميّ المقدّس وأحاديثنا بالأشجار والمحافظة عليها والحيلولة دون قطعها. هذه توصية إسلامية. والناس جميعهم في الوقت الحاضر مهتمّون بهذه القضية، وربما أمكن القول إن الناس والمجتمعات البشرية كانت مهتمّة بقضية الأشجار دوماً. 

ولكن يجب أن أوجّه عتاباً لمجموعة المسؤولين عن قضية الأشجار وغرس الأشجار والغابات وما شاكل، وهو إننا هنا نغرس الأشجار واحدة واحدة (بالمفرق)، لكن الأشجار تقطع ( بالجملة) بالمئات والآلاف في الأماكن التي يجب أن لا تقطع. هذه مشكلة كبيرة قائمة. هذا بالإضافة إلي إحالة المعمورات والمساحات الخضراء في أطراف المدن الكبري خطأ وغصباً لأشخاص أرادوا إساءة استغلال الأرض ولا زالوا يستغلونها، وتبدّلت المساحات الخضراء إلي إسمنت وحديد وما إلي ذلك - وهذه مصيبة للمدن - وتعرّضت وتتعرّض مجموعة الغابات في البلاد لتهديدات وأخطار جادة، فيجب الحيلولة دون ذلك بكل جدّ. وهذا من واجب الحكومة ومجلس الشوري الإسلاميّ وواجب البلديات، وواجب السلطة القضائية أيضاً. كل واحدة 
 
 
 
 
 
 
 
105

86

في يوم التشجير

 من هذه المؤسسات يجب أن تحول بشكل من الأشكال دون تفاقم هذه الممارسات الخاطئة الموجودة للأسف في بلادنا حالياً. 


تلزمنا قوانين للحفاظ على الغابات وحمايتها. إنّنا نفتقد هذه القوانين، ونحتاج إلي إرادة قوية وعزيمة راسخة للحؤول دون الاستيلاء علي الأراضي المحيطة بالمدن الكبري، حيث يستولي عليها أشخاص ويبدّلونها إلي أبنية وعمارات عالية. هذه العملية فضلاً عن أنها توجد مشاكل متنوعة للبشر، فإن أول خطأ فيها هو قضاؤها علي البيئة الخضراء المحيطة بالمدن وعلي الهواء الذي تحتاجه المدن للتنفّس. قد تبذلون الجهود في المدن وتزرعون الغرسات في البيوت واحدة واحدة، ولكن أين هذا من أن تكون المدينة محاطة ببيئة خضراء؟ هذا مع أنه أنجزت أعمال جيدة، حيث زرعت غابات أحياناً في أطراف المدن، وهذا بدوره ما لا ينبغي إنكاره، ولكن ينبغي حماية الثروة الأصلية للبلاد وهي المناطق الخضراء المحيطة بالمدن، والحدائق داخل المدن، وخصوصاً الغابات. من واجب منظمة البيئة، والأجهزة الحكومية المعنية، والمسؤولين ونواب مجلس الشوري الإسلاميّ، والمسؤولين في السلطة القضائية، والبلديات في ما يخصّ المدن وحدودها، في كل أنحاء البلاد متابعة هذه الأمور. إننا نكرّر هذه القضية دائماً، ولكن لا نزال نجد أنه لم يجر إنجاز عمل صحيح! يجب أن يعقد الكل هممهم إن شاء الله لتحقيق هذا الشيء الذي يتفق الجميع علي صحّته وضرورته. موفقين إن شاء الله.. في أمان الله يا سادة.
 
 
 
 
 
 
106

87

رسالة الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى ملتقي 7000 شهيدة إيرانية

 رسالة الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى ملتقي 7000 شهيدة إيرانية




الزمـــان:
15/12/1391 هـ.ش.
23/04/1434 هـ.ق.
06/03/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
107

88

رسالة الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى ملتقي 7000 شهيدة إيرانية

 بعث سماحة الإمام السيد علي الخامنئي دام ظلّه نداءاً لملتقي سبعة آلاف شهيدة إيرانية، هذا نصه:

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
اجتمعتم اليوم لتكريم جيش من آلاف النسوة الشهيدات، اللواتي أدّين دوراً كبيراً في تغيير مسار التاريخ الإسلاميّ. هذا الجيش من الملائكة اللواتي ضحّين بأرواحهن المقدسة في سبيل الإسلام، لم يبالين وسرن في طريق العمل وظهرن كبانيات لصرح إيران الجديدة. هن نسوة عظيمات قدّمن للشرق والغرب تعريفاً جديداً لـ"المرأة".

فغالباً ما تقدّم المرأة في النظم الشرقية كعنصر هامشي لا دور لها في صناعة التاريخ، وفي النظم الغربيّة باعتبارها موجوداً يتفوق جنسه على إنسانيته ووسيلة جنسية بيد الرجال، وفي خدمة الرأسمالية الجديدة. فالنسوة الإيرانيات الشجاعات في الثورة والدفاع المقدس قدّمن نموذجاً ثالثاً جديداً: "المرأة اللاشرقية واللاغربية". 

لقد فتحت المرأة الإيرانيّة المسلمة تاريخاً جديداً أمام أعين النساء في العالم، وأثبتت أنه يمكن للمرأة أن تكون امرأة وعفيفة ومحجبة وشريفة، وتمارس في الوقت ذاته دورها في مركز الأحداث. يمكنها أن تحافظ على طهارة خندق العائلة، وأن تبني خنادق جديدة في الميادين السياسية والاجتماعية وتحقق الكثير من الفتوحات والإنجازات الكبرى. هن نسوة مزجن بين ذروة المشاعر والرقّة والرحمة النسوية وبين روح الجهاد والشهادة والمقاومة، وخضن بشجاعة وإخلاص وتضحية أكثر السوح رجوليّة.
 
 
 
 
 
 
109

89

رسالة الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى ملتقي 7000 شهيدة إيرانية

 لقد ظهرت في الثورة الإسلاميّة والدفاع المقدّس نسوة حيث يمكنهنّ أن يقدّمن للعالم تعريف المرأة وحضورها في ساحات الرشد والتهذيب وفي ساحة حفظ سلامة المنزل والعائلة المتوازنة، وفي ساحة الولاية الاجتماعية والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد الاجتماعي، ويستطعن تحطيم واقتحام أكبر الطرق المسدودة. 


لقد ظهرت حالة جديدة من الاقتدار والهيبة بفضل دماء هؤلاء النسوة المجاهدات في العصر الحديث، تركت تأثيراتها أولاً علي المرأة في العالم الإسلاميّ، وسوف تترك تأثيراتها عاجلاً أم آجلاً علي مصير مكانة المرأة في العالم. 

طالما بقيت شمس سيدتنا خديجة الكبرى المتألّقة، وسيدتنا فاطمة الزهراء، و سيدتنا زينب الكبرى ساطعة مشرقة، فإن المخططات القديمة والجديدة المعادية للمرأة سوف لن تنتج شيئاً. 

وإن الآلاف من نسوتنا الكربلائيات لم يحطمن الخطوط السوداء للظلم الظاهري وحسب، بل وفضحن أيضاً حالات الظلم الحديث ضد المرأة، وأثبتن أن حق المرأة في الكرامة الإلهية هو أعلي حقوق المرأة، وهو حق غير معروف بالمرة في العالم الذي يسمّي بالحديث، وقد آن الأوان اليوم لمعرفته.

أبارك لعوائل شهيداتنا العظيمات، وأتمنى بفضل دماء هؤلاء النسوة الشريفات المجاهدات، أن تستطيع وسائل الإعلام والفنانون والواعون والسينمائيون أن يعرضوا علي العالم مشاهد من الجهاد الكبير الذي خاضته المرأة الإيرانيّة المسلمة. وستكون المرأة المسلمة الإيرانية المجاهدة المعلم الثاني لنساء العالم، بعد المعلم الأول لهن وهو نساء صدر الإسلام.

سلام الله على سيدة الإسلام العظيمة فاطمة الزهراء، وعلى كل نساء صدر الإسلام العظيمات وعلى النسوة المضحيات في إيران الإسلاميّة.
 

السيد علي خامنئي
15 إسفند 1391
 
 
 
 
 
 
110
 

90

استقبال الإمام الخامنئي دام ظلّه أعضاء مجلس خبراء القيادة

 استقبال الإمام الخامنئي دام ظلّه أعضاء مجلس خبراء القيادة


المناسبـة: الجلسة الدورية لمجلس الخبراء.
الحــضـور: رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
17/12/1391 ه.ش.
24/04/1434 ه.ق.
07/03/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
111

91

استقبال الإمام الخامنئي دام ظلّه أعضاء مجلس خبراء القيادة

 استقبل سماحة الإمام السيد علي الخامنئي دام ظلّه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة، وأدلي بحديث مهمّ قدّم فيه تحليلاً شاملاً للمسيرة التقدّمية والنجاحات المذهلة التي حققها الشعب الإيرانيّ بعد مضي 34 عاماً علي انتصار الثورة الإسلامية، والتحديات التي تواجهه، ومن النقاط التي تحدّث عنها:

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إنّ الإيمان بالإسلام، والعزيمة الراسخة، والاعتماد علي الشعب، وصيانة وتعزيز روح الأمل، هي العوامل الأصلية في استمرار المسيرة التقدمية، وتحقيق نجاحات أكبر، واجتياز العقبات والصعاب الآتية. 

إنّ النظرة البعيدة المدى للقضايا الإدارية والمؤسساتية، وكذلك لأهداف النظام الإسلاميّ ومبادئه، من اللوازم المهمة للحركة المستمرة والصحيحة نحو الأهداف المرسومة في النظام الإسلاميّ. وفي هذه النظرة ثمة معرفة صحيحة للأهداف، والعدو، ومسار الحركة. وعلي هذا الأساس يمكن تخمين (تقدير) الصعاب والمنعطفات. ولو لم تكن هناك مثل هذه الرؤية البعيدة المدى خلال مرحلة المواجهة، لانتهي الجهاد إلي الفشل بالتأكيد، لكن الإمام الخميني الجليل قدس سره وقف بإيمان واستقامة وقوة روحية وأمل بالمستقبل، وانتهي الجهاد رغم كل صعوباته بالنصر. إنّ الظروف الحالية أصعب وأعقد بكثير من فترة الكفاح. في هذه الظروف ينبغي تجنُّب الرؤى القصيرة المدى والمرحلية، وتأمين استمرار الحركة نحو الأمام بفضل الإيمان بالإسلام، والاعتماد علي الشعب، والروح الآملة المتفائلة. 
 
 
 
 
 
 
113

92

استقبال الإمام الخامنئي دام ظلّه أعضاء مجلس خبراء القيادة

 إنّ من واجبات علماء الدين ورجال الدين الحفاظ علي روح الأمل لدي الناس وخصوصاً الشّباب وتعزيزها. وينبغي بث روح الأمل باستمرار، خصوصاً وأنّ مؤشرات الأمل كثيرة. 


ضمن مؤشرات الأمل: استمرار النجاحات المتصاعدة لشعب إيران، وهذه العظمة الراهنة للشعب الإيرانيّ ومركزيته الفكرية في العالم الإسلاميّ، وسيادة الخطاب الديني في البلاد، وحالات التقدّم العلمي والتقني، والنفوذ السياسي والدولي للنظام الإسلاميّ، والمشاريع التحتية المتعلقة بالعدالة في البلاد، مكتسبات كبيرة لم يكن بالإمكان تصوّرها قبل الثورة الإسلامية أو في بداية انتصارها. 

هذه المكتسبات دليلٌ علي تقدم النظام الإسلاميّ. وهناك مؤشر آخر من مؤشرات التقدم، هو اضطراب العدو وتخبّطه وغضبه وحدّة تصرفاته. فلو لم يكن النظام الإسلاميّ قد حقّق تقدماً، لما أصيب الأعداء بكل هذا الاضطراب والغضب. 

إنّ الملف النووي من التحدّيات التي تواجه النظام الإسلاميّ. طبعاً لم يكن هذا التحدي خلاف مصلحتنا ولن يكون. 

إنّ الحظر الاقتصادي أحد هذه التحديات. وذريعة الحظر الاقتصادي هي بالظاهر الملف النووي، لكن سببه الرئيسي هو هدف طويل الأمد يرنو إليه الغربيون. فالهدف الرئيس من هذا الحظر، جعل الشعب الإيرانيّ في مواجهة النظام الإسلاميّ. فقد كان أمل الغربيّين أنه بالضغط علي الشعب سوف يتجّه لمواجهة النظام الإسلاميّ، لكن ما حدث في 22 بهمن هذا العام كان بخلاف ميولهم وطموحاتهم. فالمشاركة الملحمية الواسعة للشعب في تظاهرات 22 بهمن لهذه السنة موضوع كبير ومهم. وتشير التقديرات الدقيقة ودراسات الخبراء وأصحاب التجارب إلي أن مشاركة الشعب في تظاهرات 22 بهمن لهذا العام كانت أضخم من السنوات الماضية وأكثر كثافة وصلابة وحيوية. 

ما معني مثل هذه المشاركة، التي كان يظلّلها التفاؤل من قبل الجماهير، علي الرغم من المشكلات الاقتصادية، وبعد مضي 34 عاماً علي انتصار الثورة
 
 
 
 
 
 
114

93

استقبال الإمام الخامنئي دام ظلّه أعضاء مجلس خبراء القيادة

 الإسلامية؟ إنّ معني هذه المشاركة الصلبة هو في الحقيقة ردّ الشعب الإيرانيّ علي ما سمّاه الأعداء حظراً شالّاً، وتأثير هذه المشاركة مشهود في الساحات الدولية. 


إنّ الانتخابات في نظام الجمهورية الإسلامية من أفضل الانتخابات في العالم وأكثرها حرية ومطابقة للموازين والمعايير. وإنْ أصرَّ بعضهم علي اعتبار دراسة أهلية المرشّحين للانتخابات إشكالاً في النظام الإسلاميّ، فهذا كلام غير علمي وصبياني، لأن دراسة أهلية المرشّحين واجتيازهم المعايير القانونية شيء موجود في ديمقراطيات العالم. وإنّ الهدف من دراسة أهليّة المرشّحين للانتخابات تقديم أشخاص يتحلون بالشروط اللازمة وبما يتناسب مع ميول الشعب وأهدافه في الانتخابات، ولذلك يجب أن يشارك في الانتخابات أفراد ذوو أهلية وقدرات ومستويات كافية لتولي مسؤولية رئاسة الجمهورية. 

هناك مسؤولية جسيمة على مجلس صيانة الدستور في دراسة الأهليّات، يجب علي أعضاء مجلس صيانة الدستور كما عملوا لحد الآن علي أساس القانون، أن يعملوا في انتخابات رئاسة الجمهورية أيضاً ضمن إطار القانون، وفي نهاية المطاف يستطيع الشخص الذي يجتاز هذه الغربلة علي أساس الضوابط القانونية الترشُّح للانتخابات. 

بعض المشكلات الاقتصادية ناجمٌ عن الحظر الاقتصادي، وبعضها له علاقته بالإدارة والسياسات الاقتصادية، لكن النقطة المهمة هي أن هذه المشكلات ممكنة الحل. ولقد أوصيت المسؤولين توصيات مؤكدة بحلّ مشكلة الغلاء، ويجب عليهم الآن أن يقدّموا تقاريرهم حول ما فعلوه. علي المسؤولين أن يخططوا ويبرمجوا ويسعوا لحلّ هذه المشكلات ، لأن هذه المشكلات ممكنة الحل بالتأكيد. 

إنّ التحديات التي تواجه النظام الإسلاميّ بما في ذلك الحظر، وخصوصاً منع استيراد بعض البضائع، هي لصالح البلاد وستكون نتيجة هذا الحظر العودة إلي الذات والتدفق الداخلي، كما حدث بالنسبة لليورانيوم المخصّب بنسبة 20 % الذي يحتاجه مفاعل طهران للبحوث. 
 
 
 
 
 
 
115

94

استقبال الإمام الخامنئي دام ظلّه أعضاء مجلس خبراء القيادة

 إنّ أعداء الشّعب الإيرانيّ بسبب عدم معرفتهم بهذا الشعب، وأخطائهم في الحسابات، اقترحوا في هذه القضية، (إنتاج الأدوية الراديوية في مفاعل طهران)، طرقاً معقدة ومتعرّجة وعجيبة وغريبة، وكان احتمال وصول اليورانيوم المخصّب بنسبة 20 % عن هذه الطرق صفراً، لذلك لم يرضح النظام الإسلاميّ لهذه الاقتراحات. وقد رسموا خطة أخري لتحريض الرأي العام العالمي وأصدقاء إيران، فطالب الرئيس الأمريكي من رئيسيّ تركية والبرازيل أن يتوسّطا لتقبل إيران حلاً وسطاً. وقد قلتُ للمسؤولين في ذلك الحين إن متابعة هذا الحل لا إشكال فيه، لكن اعلموا أن الأميركيّين لن يقبلوه، وهذا ما حصل. حيث أراد الأميركيّون الإيحاء للرأي العام العالمي بأن إيران لا توافق على الحلول المنطقية، لكن ما حدث أثبت حقيقة مهمة هي لا منطقية الأميركيّين أنفسهم. 


ومثلما أنّ الحظر في خصوص اليورانيوم المخصّب أدي بالخبراء الشّباب في البلاد إلي اعتمادهم علي علومهم وقدراتهم الذاتية، والوصول إلي تقنيات اليورانيوم المخصّب بنسبة 20 % وتبديله إلي صفائح وقود، يمكن أيضاً في الحالات الأخرى أن تنتهي الضغوط لصالح البلاد. 

فالواقع أن البلدان التي فرضت حالياً الحظر علي الشعب الإيرانيّ تعاني هي نفسها من مشكلات اقتصادية أصعب وأثقل وأعصي علي الحلّ بكثير مما لدينا. لقد وقعت أمريكا وأوروبا اليوم بين محذورين، وراحتا تسيران نحو استهلاك قوّتهما الاقتصادية. فالغربيون، فضلاً عن مشاكلهم الاقتصادية، يعانون من مشكلات ناجمة عن الحظر علي إيران، هذا في حين لا يمتلكون حلاً لمشاكلهم، بينما تمتلك إيران حلاً لمعضلاتها الاقتصادية. 

من المهمّ والضروري تعزيز روح الأمل بين الناس أكثر فأكثر. إذا كان لنا عقيدة قلبية حقيقية بأن جميع الأمور بيد الله تعالي، وهو حاضر وناظر وسامع ومجيب، فإن كل همومنا ومشكلاتنا ستزول، خصوصاً وأن النظام الإسلاميّ ذو عزيمة راسخة، وله شعبه الصالح المؤمن، وأهدافه الواضحة، وطريقه المرسوم. 
 
 
 
 
 
 
116

95

استقبال الإمام الخامنئي دام ظلّه أعضاء مجلس خبراء القيادة

 أبارك انتخاب آية الله الشيخ مهدوي كني لرئاسة مجلس خبراء القيادة ثانية. وشعور نواب مجلس خبراء القيادة بالمسؤولية حيال قضايا البلاد المهمة وموضوعات من قبيل الإذاعة والتلفزيون علي جانب كبير من الأهمية، ويجب أن تستمر. 


إن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون منظومة تقنية فنية سياسية مؤسساتية معقّدة، والمسؤولون في الإذاعة والتلفزيون أشخاص صالحون ومتديّنون وملتزمون بالقيم، لكن التوقّعات والآمال من الإذاعة والتلفزيون أيضاً عالية. 

إنّ تحقيق التوقّعات المرجوّة من الإذاعة والتلفزيون منوطٌ بنظرة طويلة الأمد للمسؤولين فيها واجتناب النظرات المؤقتة وقصيرة المدى.
 
 
 
 
 
 
 
117

96

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة



المناسبـة: اللقاء السنوي مع الرياضيين
الحــضـور: حشد من الأبطال الرياضيين والفائزين بميداليات في المسابقات الرياضية الدولية والألعاب الأولمبية والباراولمبية
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
21/12/1391 هـ.ش.
28/04/1434 هـ.ق.
11/03/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
119

97

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 بسم الله الرحمن الرحيم

إنّني مسرورٌ جدّاً بلقائكم أيّها الأعزّاء، الأبطال وصنّاع المفاخر، لأنّكم بحمد الله تمكّنتم، بهمّتكم وإرادتكم وعزمكم الرّاسخ، من فتح القمم. وكما يبلغ متسلّقو الجبال قمم الجبال بكدحهم وسعيهم الحثيث وتخطّيهم للموانع الصخريّة وسيرهم على الأرض الحجريّة فيتحوّلون إلى أسباب الفخر، فإنّ قمم المفاخر المعنويّة والوطنيّة عندما تُفتتح بواسطة الشّباب فإنّها تكون ذات قيمة عظيمة حقّاً وهذا ما فعلتموه أنتم.

الرياضيّ: إرادةٌ قوية وعزمٌ راسخ
يوجد مؤثّران وعاملان مهمّان في الأبطال، يجب الالتفات إليهما: الأوّل هو المسألة الشخصيّة، والثاني المسألة ذات البعد الاجتماعيّ والعموميّ. ففي المسألة الشخصيّة يُظهر الشّباب الذين ينالون البطولات ويثبتون أنّهم يتمتّعون بخصائص مميزة، على سبيل المثال: الإرادة القويّة. فلو لم يكن الرياضيّ صاحب إرادة قويّة وعزمٍ راسخ حتماً لما تمكّن من الوصول إلى مرحلة البطولة. فلو لم يكن هناك إرادة، لا تتحقّق الرياضة من أساسها. وبالرغم من كل ما يُقال حول الرياضة ـ الرياضة العاديّة والليونة الصّباحيّة ـ لكنّ بعض الناس ليسوا مستعدّين لتمضية عشر دقائق أو ربع ساعة من وقتهم في هذا الأمر. وهذا يعبّر عن قلّة الإرادة. وهنا عندما يقوم الشاب بالتمارين الرياضية ويتحمّل المتاعب والمصاعب الجسمانيّة للرياضة ويتحرّك بكلّ حماس ورغبة نحو تنمية استعداداته الجسمانيّة والبدنيّة، فإنّه يظهر هذا العزم الرّاسخ. هذه هي النّقطة المتعلّقة بالخاصّيّة الشخصيّة.
 
 
 
 
 
 
 
121

98

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 الرياضيّ: ذكاءٌ فائق وثقةٌ عالية

النقطة الأخرى، مسألة الذكاء. فما من بطلٍ يمكنه الوصول إلى البطولة دون امتلاك ذكاء متفوّق. فجميع أنواع الرياضة هي من هذا القبيل أي أنّ هذا الأمر لا يتحقّق بمجرّد أن يكون الإنسان صاحب قوّة ويمارس هذه القوّة، كلّا، فالقوّة غير كافية، والذكاء ضروريٌّ، سواء في التمارين الجماعيّة (الرياضة المشتركة) أم في التمارين الفرديّة، سواء في المصارعة أم في رفع الأثقال أم في تسلّق الجبال أم في الرّياضات القتاليّة وأمثالها، فما لم يكن هذا الإنسان وذاك المقاتل وهذا الرياضيّ متمتّعاً بالذكاء، ولم يكن الذهن فعّالاً وحادّاً وباحثاً متفحّصاً فلا توجد إمكانيّة للوصول إلى المراحل الأعلى. لهذا، عندما ننظر إلى أيّ بطلٍ، نشاهد فيه مظهر الذكاء والهمّة والإرادة والاقتدار الجسمانيّ والكثير من الخصال الأخرى. وبالطبع إنّ الثّقة بالنّفس تكون عالية لدى الأبطال الرياضيّين. وبحسب القاعدة فإنّه لا يحتاج إلى تلك الأمور التي يقوم بها الأفراد الضّعفاء، كالتملّق والكذب والغشّ والظهور بوجهين. وبالطبع، نحن لا نقول إنّ جميع الرياضيين ليسوا متّصفين بهذه الصّفات وهم بريئون منها، كلّا، فالبشر يزلّون، لكنّ طبيعة البطولة هي أنّها يمكن أن تكون غريبة وبعيدة عن هذا النّوع من الخصال الأخلاقيّة ورذائل الأخلاق. لهذا، هذا هو الجانب الشخصيّ للأبطال.  

الرياضيّ: أحد مظاهر اقتدار الشعب
الجانب العموميّ والاجتماعيّ للبطل هو أنّه يزيد من الثّقة الوطنيّة ويفيض على أفراد شعبه حالة الثّقة بالنّفس لأنّه بمثابة مظهر من مظاهر الاقتدار في أيّ شعبٍ في فرعٍ. ويمكن من خلال رياضة أيّ بطلٍ الترويج للرياضة العامّة. والرّياضة العامّة هي من ضروريات الحياة كالغذاء والتنفّس، ويجب الاعتناء بها. وهذا من الجوانب الأخرى للائحة الطويلة للآثار الاجتماعيّة للرياضة.
 
 
 
 
 
 
 
122

99

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 الرياضيّ: حامل رسالة ومبلِّغ حقيقيّ

والمسألة الأخرى، أنّ الألعاب الرياضية والبطولات، حيث أصبحت المباريات الدّوليّة اليوم رائجة وشائعة وتشيع، هي مظهر ميول واستعدادات أيّ شعبٍ وتشخُّص هويّته. وهذا أمرٌ مهمٌّ جدّاً. فإن ظهوركم في ميادين الرّياضة بهذه الأخلاق الإنسانيّة وهذه الفتوّة ـ ولحسن الحظّ أنتم كذلك ـ يجعلكم بنظر المشاهدين عبر العالم وهم يتعدّون الملايين، والمليارات في بعض الحالات ، حملةَ رسالة (وحقيقة) من داخل بلادكم، لا يمكن تبليغها بأيّ لسانٍ آخر. فالبطل بفتوّته وتديّنه وإنسانيّته هو مبلّغٌ حقيقيّ. ونساؤنا وبناتنا الرّياضيّات بنزولهنّ إلى الميادين بالحجاب، يقدّمن أمراً مهمّاً جدّاً. أنا لا أعلم إن كان لدى أولئك الذين يدرسون ويقيّمون أحداث البلد تقييمٌ صحيحٌ لهذه المسألة أم لا. لكنّ هذا أمرٌ استثنائيّ. ففي دولةٍ من دول أوروبا، يتمّ فيها التجرّؤ على امرأة بجرم أنّها محجّبة ويضربونها بالمطرقة حتى تُقتل وذلك في المحكمة وأمام عينّي القاضي، هذا يحدث. فهم لا يخجلون، يتعرّضون للنّساء المحجّبات، في الجامعة وفي المنتديات الرياضيّة وفي الحدائق العامّة وفي الشوارع تحت حجّة القانون الذي وضعوه بأنفسهم. هناك وفي هذه الأجواء وداخل هذه البلدان تأتي امرأةٌ محجّبة وفي مستوى البطولة وتقف على منصّة البطولة وتفرض على الجميع تكريمها وإجلالها، فهل هذا أمرٌ بسيط؟ إنّ هذا عملٌ عظيمٌ جدّاً.

لقد تفوّقتم على أميركا 
وفي الواقع يجب على الجميع أن يشكروا من أعماق قلوبهم نساءنا الرّياضيّات اللواتي ينزلن إلى الميادين محجّبات عفيفات بكلّ وقارٍ وهيبة. وكذلك بالنّسبة لرياضيّينا الجرحى والمعوّقين الذي يبعث أمرهم على الحيرة. فعندما يرى النّاس كيف أنّ العاهة الجسمانيّة التي أصيب بها هذا الشاب لم تحُل بينه وبين الحياة العاديّة، بل إنّه كان بمستوىً من الهمّة والعزم والإرادة القويّة بحيث تمكّن من أن يصبح رياضيّا، وأن يصل بالرّياضة إلى المستوى الذي يوصله إلى منصّة البطولة، إنّ هذا مؤشّرٌ لعزم وإرادة
 
 
 
 
 
 
 
123

100

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 شعبٍ وهو يدلّ على امتيازه وهويّته. وعندما أقوم أنا بشكركم، عندما تنالون فوزاً ما، فإنّ خلفيّة هذا الشكّر هو الشعور الصّادق والحقيقيّ الموجود في نفسي، فأشعر في الواقع أنّكم بهذا العمل قد قدّمتم خدمةً لبلدكم وشعبكم وأهلكم وأنتم تبلّغون رسالاتٍ لا يمكن إيصالها بأيّة وسيلةٍ أخرى: رسالة العزم والإرادة، ورسالة الصّمود، ورسالة الإيمان. فالرياضيّ منّا بعد فوزه في تلك الميادين، ونيله المرتبة الأولى على العالم، يطلق شعار "يا حسين"، أو يخرّ ساجداً أو يرفع يديه شكراً للّه...هل تعلمون أيّ حماس يحدث في الأمّة الإسلاميّة وبين الشعوب المسلمة بمثل هذا العمل؟ في هذا العالم الذي يسعى إلى سوق الجميع وخصوصاً الشّباب نحو اللاإيمان واللامبالاة والإعراض عن المعنويّات، يأتي منّا شابٌّ مميّزٌ في ميدان الرّياضة ـ وليس شابّاً عاديّاً ـ ويظهرمثل هذا التوجّه نحو المعنويّات. فهذه الأعمال مؤثّرة جدّاً ومهمّة كثيراً. ما أريد أن أقوله لكم هو أن تعرفوا قدركم. فهناك الكثير من الأعمال الكُبرى تُنجز في ميادين البطولات. 


ولحسن الحظّ إنّ إيران الإسلاميّة وبعد انتصار الثّورة قد حقّقت تقدّما مذهلاً في هذا الاتّجاه وعلى هذا الطّريق. فأنتم اليوم متقدّمون في الكثير من الميادين. ففي وقت تصارعون فيه وتصرعون خصمكم الّذي جاء من دُولٍ ذات قدرٍ، أرضاً، وتقفون على منصّة الفوز والبطولة، حسناً إنّ هذا مميّزٌ جدّاً ومهمٌّ للغاية، ولكن إذا حسبتم هذه الأعمال بالمجموع فإنّها تكون هكذا أيضاً. يعني افرضوا أنّه في إحدى المباريات العالميّة ـ وهذا ما حدث ـ أنتم تشاركون بـ54 رياضيّاً، وتنالون 12 ميداليّة، والولايات المتحدة الأميركية تشارك بـ 530 رياضيّاً وتحصل على 110 ميداليّات. ولو أرادت أميركا أن تنال ميداليّات بقدركم لكان يجب عليها أن تحصل على 120 ميداليّة. فأميركا تشارك بعشرة أضعافٍ من الرياضيين ويجب أن تنال عشرة أضعاف الميداليّات التي تحصلون عليها، أي 120 ميداليّة، ولكنّها لم تحصل عليها، أي أنّها كانت أقلّ منكم. وهذا يعني أنّه لو أردتم أن تشاركوا في الفروع المختلفة وبمثل هذه القدرة والطّاقة والاستعداد الموجود عندكم لتقدّمتم وتفوّقتم على الجميع. إنّ هذه أمورٌ ذات أهميّة. وهذه وقائعُ تدلّ على استعداداتنا.
 
 
 
 
 
 
 
124

101

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 إيران: موطن القابليّات والاستعدادات 

وها نحن اليوم نتكلّم عن الرّياضة، بيد أنّ القضيّة لا تنحصر بالرّياضة، فلحسن الحظّ الأمر هو كذلك في مجال العلم، وأيضاً بالنسبة للتحقيقات والأبحاث وسعة التدقيق والتحقيق فيما يتعلّق بالقضايا سواءٌ في المجالات الاقتصاديّة أم السياسيّة أم الإداريّة أم الدّوليّة، فأينما كان هناك عملٌ صادرٌ عن الطاقات الإيرانيّة، فإنّنا نشاهد علامات التقدّم والتطوّر فيه. هذه هي استعداداتنا وقابليّاتنا وهذا هو بلدنا. وإنّما نال تاريخنا كلّ هذا المستوى من السموّ والذّروة لأجل هذا. فابن سينا والفارابي ومحمّد بن زكريّا الرّازي وسعدي وحافظ وأمثال هؤلاء ما كانوا قد نشؤوا وترعرعوا في مجتمعٍ ذي مستوىً متدّنٍّ بل إنّ هذا يدلّ على وجود قابليّات واستعدادات متراكمة في هذه المنطقة من العالم. حسنٌ، إنّ هذه الاستعدادات وبسبب هيمنة القوى القامعة والمستبدّة والمعزولة عن الشّعب والعلمانيّة والفاقدة للفضائل المعنويّة والإنسانيّة قد ابتُليت بالرّكود. واليوم لحسن الحظّ، قامت الثّورة بعملٍ أدّى إلى بروز هذه الاستعدادات في جميع الأماكن وبالخصوص في مجال الرّياضة.

حسنٌ، هذه مناقبكم أيّها الأعزّاء التي قلت فيها إنّكم قمم. فأنتم بأنفسكم تُعتبرون قمماً، وكذلك ما تقومون به في الواقع هو حركة نحو القمّة وتحريكٌ جمعيٌّ باتّجاه القمم. وكلّ ذلك فائق الأهميّة. لقد قلنا إنّكم سفراء إيران وهويّتها وامتيازها، فحافظوا على هذه الخصائص. فما تقومون به عند سفركم من إظهار شعبكم كشعبٍ صاحب إرادة وعزمٍ راسخ وإيمانٍ وتمسّك بالشّرع وامتلاك الاستعدادات والامتياز، كلّ ذلك له أهميّته الفائقة. يجب عليكم أن تحافظوا على هذه الأمور ولا تسمحوا بأن تُخدش.

فليمارس جميعنا الرياضة
إنّ شباب البلد ينظرون إليكم وأنتم تروّجون الرّياضة بعملكم، وأنا أوصيكم أن 
 
 
 
 
 
 
 
125

102

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 تقوموا بهذا بألسنتكم أيضاً. بمعنى أن تشجعوا شباب البلاد من خلال أحاديثكم وتصريحاتكم ولقاءاتكم العامّة والاجتماعيّة والإعلاميّة وفي اللقاءات التلفزيونيّة وأمثالها، واطرحوا تجاربكم في الرّياضة حتّى تشجّعوا الشّباب. نحن بحاجةٍ إلى أن يمارس جميع أبناء الشعب الرّياضة. هذه هي حاجة البلاد في الواقع. فوجود الطاقات البشرية السّالمة يُعدّ من حيث الأهمّيّة في الدّرجة الأولى للبلاد، لأنّ تقدّم أيّ بلدٍ يكون بطاقاته البشريّة. إنّ المصادر والمناجم والثّروات الباطنيّة والطبيعيّة هي أمورٌ جيّدةً جدّاً، ولكن لو لم يكن هناك طاقات بشريّة وقدرات في البلد فسوف يحصل ما تشاهدونه اليوم في بعض الدّول التي تمتلك مثل هذه الثّروات الطبيعيّة حيث يأتي الآخرون ويستغلّون هذه الثّروات ويقومون بسوق أبناء هذا البلد نحو المزيد من الكسل. يجب تنمية المواهب البشريّة لكي تصبح الثّروات الطبيعيّة في خدمة المجتمع حقّاً. لهذا، فإنّ القوى البشريّة هي أهمّ عاملٍ.


يجب أن تكون الطّاقات البشريّة عالمة، وصاحبة همّة، ومتديّنة، وسالمة. والسّلامة الجسمانيّة هي الشرط الأساسيّ. فإقبال النّاس على الرّياضة يحلّ الكثير من المشاكل والمعضلات الاجتماعيّة والأخلاقيّة، كقضيّة الإدمان والنّزاعات العائلية والمحليّة، ومشاكل العمل والأعصاب وغيرها وغيرها...فلو راجت الرّياضة وصارت حالةً عامّة في البلد ـ وبالطبع إنّها اليوم أفضل من السّابق، ولكنّنا ما زلنا بحاجة إلى هذا الأمر حتّى الآن ـ فإنّ الكثير من المشاكل سوف تُحلّ، ويمكنكم أن تكونوا في هذا المجال مؤثّرين أي تصبحوا مروّجين للأخلاق والتقاليد الإيرانيّة.

وما قام به بعض شبابنا في ميدان المباراة من رفضهم للتّباري مع الصّهيونيّة يُعدّ أمراً مهمّاً جدّاً. ولأجل هذا نجد مستكبري العالم يغضبون بشدّة. فقد حدث هذا الأمر عدّة مرّات، وأظهروا ردّات فعلٍ شديدة. إنّ ما قام به شبابنا هؤلاء هو في غاية الأهمّيّة، أي أنّه في الواقع مسعىً دبلوماسيّ حسّاسٌ جدّاً ومهمّ للغاية في مواجهة الكيان الصهيونيّ. إنّ هذا العمل الذي أُنجز كان له أهميّة فائقة.
 
 
 
 
 
 
 
126

103

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 لرياضةٍ ملؤها الأخلاق 

وقضيّة أخرى أؤكّد عليها هي قضيّة الأخلاق في الرّياضة. لقد قال أعزاؤنا، وأنا لديّ اطّلاع وأوافقهم، إنّ مجتمعنا الرياضيّ ولحسن الحظّ يُعدّ مجتمعاً سالماً من النّاحية الأخلاقيّة، لكن يجب الإصرار كثيراً على هذه القضيّة، إذ يوجد مزلّات. فالشّابّ الرياضيّ عندما يصبح في معرض الموجات الإعلاميّة وتحت أنظار العالم وعلى مرأى ومسمع من الرأي العام فإنّه يصبح في معرض الخطر الأخلاقيّ. يجب علينا أن نحرص على صون أنفسنا من هذا الخطر الأخلاقيّ. فأنتم الرّياضيّون في الدّرجة الأولى ومن بعدكم المسؤولون الرّياضيّون وأولئك الّذين لديهم اهتمام بهذه القضايا من مختلف المديريّات وعلى ارتباطٍ مع هذه القضايا يجب أن يلتفتوا إلى القضيّة الأخلاقيّة في الرّياضة. إنّ قضيّة الأخلاق في الرّياضة مهمّة جدّاً. فعدم الاغترار والحفاظ على الرّوحيّة الشعبيّة والفتوّة والحضور بين النّاس والتحرّق والحرص عليهم هي أمور مهمّة جدّاً. ووجود مثل هذه الخصائص في الإنسان هو قضيّة، وبقاؤها فيه قضيّة أصعب. فيجب على الإنسان أن يحافظ على مثل هذه الأمور.

برأيي إنّ بعض الناس من خلال نشر التّهم والأكاذيب وبثّ النّزاعات بين الفئات الرّياضيّة، يقومون بتخريب الأجواء الرّياضيّة. وللأسف فإنّ دور وسائل الإعلام الرّياضيّة في هذه الممارسات الخاطئة ليس قليلاً. وهنا يجب عليّ أن أذكّر وأحذّر. فبعض الوسائل الإعلامية الرّياضيّة يصبح أكثر فرحاً وسروراً عندما تكتشف شيئاً صغيراً ضدّ شخصٍ أو تيّارٍ رياضيّ أو فريقٍ أو اتّحادٍ، وتستغلّ هذا الأمر وتجعله سبباً للنّيل من هذا وذاك وإيجاد النّزاعات وتحصل التّصريحات فيقوم هذا بالرّد بشدّة. وكلّما ازدادت هذه التّصريحات سوءاَ وشدّةً وكلّما ازداد فيها الكلام البذيء والفضائح تزداد تلك الوسائل الإعلاميّة فرحاً وسروراً! إنّ هذا أمرٌ سيّئ. ويجب على هذه الوسائل الإعلاميّة أن تتحرّك بالاتّجاه المقابل تماماً وأن تعمل عكس ذلك.
 
 
 
 
 
 
 
127

104

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 قدرات تحقِّق بطولات

هناك نقطةٌ أخرى ذكرتها مراراً ـ فهي ترتبط بمسؤولي الرّياضة ـ وهي ضرورة مراعاة الأولويّات في الحقول الرّياضيّة. لبعض الفروع الرّياضيّة في بلادنا سوابق واستعدادات جيّدة وتجارب ـ أي أنّنا نمتلك قدرات مختلفة فيها ـ ومثل هذه الفروع تحقّق البطولات. وقد كنت في السّنوات السّابقة آتي على ذكر بعضها.
 
حسنٌ، نحن لا نملك أيّة مرتبة في العالم في هذا النوع من الرّياضات، وليس لدينا أيّ حظّ، ولا نسعى لنيل هذه الرّتبة ـ ولهذا أيضاً أسبابه بالطّبع ـ ولكن حقّقنا في بعض الأقسام الرّياضيّة في العالم درجات. أنتم اليوم قد وقفتم على منصّة البطولة في العالم ـ في المصارعة أو في رفع الأثقال أو في بعض الأقسام الأخرى ـ وهذا مهمٌّ جداً. قبل عدّة سنوات ـ لا أذكر في أيّة سنة ـ وعندما جاء بعض أعزّائنا الرياضيين إلى هنا والتقينا بهم، أتيت على ذكر "التشوغان"1 على سبيل المثال. حسناً إنّ التشوغان هي رياضتنا نحن الإيرانيين، وهي من عندنا، وهي رياضة جيّدة وممتعة أيضاً. ويوجد في إيران استعداد لهذه الرّياضة. ولو لم يكن ذلك لما وُجدت. وطوال التّاريخ، كانت رياضة التشوغان في إيران أمراً معروفاً، وأيضاً بعض الرّياضات القديمة التي عُمل عليها وبُذل فيها الكثير من المساعي. إنّ هذه أعمالٌ جميلة عندما تُنجز. وعلى كلّ حال حافظوا على الأولويّات واهتمّوا أكثر بتلك الفروع الرّياضيّة التي لها جذور وأصول، وخصوصاً تلك التي توجد فيها القدرات والاستعدادات وبالأخصّ إذا وُجد لها مدرّبون محلّيّون.
 
لا مانع من ذلك
قال أحد الإخوة إنّه علينا أن نستفيد من المدرّبين الأجانب. وأنا لا أعارض. فلا ينبغي أن يُتصوّر أنّني أعارض الاستفادة من مدرّبٍ أجنبيٍّ جيّدٍ نافع، لكنّكم 



1 إحدى الألعاب الإيرانية القديمة. تضم فريقين, أربعة لاعبين لكل فريق. تعتمد على ركوب الفرس وضرب الطابة بعصا خشبية نحو شبكة الفريق المقابل, ويحسب دخول الطابة في الشباك نقطة, وتحتسب فقط النقاط التي تكون من خلال الرمي ركوبا. ولهذه اللعبة أشواط عديدة...
 
 
 
 
 
 
 
128

105

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 عندما تستفيدون من مدرّبٍ محلّيٍّ في كرة القدم أو كرة السلّة أو الكرة الطّائرة أو المصارعة أو أيّة رياضة أخرى، فإنّني أشعر بالسّرور والعزّة. إنّه لأمرٌ ممتاز أن يكون مدرّب أبنائنا وشبابنا واحداً منّا، وأن يكون ممّن تدرّب هنا. بالطّبع، إنّ بعض المدرّبين الأجانب جيّدون، وبعضهم الآخر ليس كذلك، فمنهم من يأخذ الكثير من المال وينتظر الكثير وفي بعض الأحيان لا يقوم بالعمل المطلوب، يوجد من هم كذلك. لهذا، إذا جرى الحديث في بعض الأحيان عن المدرّب الأجنبيّ، فكلامي يكون متوجّهاً إلى هذا الأمر.


أدخلوا العلم في الرياضة
وقد تحدّث بعض الأصدقاء عن إدخال الجانب العلميّ في الرّياضة. وهذا أمرٌ صحيحٌ تماماً. وهذا رأيي وذكرته مراراً. ففي المجالات الرّياضيّة ـ تلك التي لها قواعد علميّة ـ فليجرِ التعمّق العلميّ ولتجرِ الأعمال المتضافرة على الأبحاث العلميّة. 

افرضوا أنّ شيئاً ما في عالم اليوم قد اكتُشف في مجال الرياضة الفلانيّة وصار يُعمل عليه، فإنّ هذا لن يكون آخر الكلام ـ كالكثير من الأعمال العلمية الأخرى ـ فمن الممكن أن يضاف إليه الكثير من الكلام ويُنتقد بحيث يمكن أن تنضج (هذه الأمور المكتشفة) وتتكامل أو تنسخ. حسنٌ، فلنقم بهذه الأعمال في إيران. نحن الذين لدينا كلّ هذا التطوّر في المجالات العلميّة الصّعبة إنّما حصلنا على ذلك بواسطة هؤلاء الشّباب. لقد أنجزنا أعمالاً ما كان ليخطر على بال أعدائنا أن الإيرانيّ يمكنه القيام بها. حسنٌ، لقد أنجزنا هذا أيضاً.

لقد كان وقود المفاعل النوويّ البحثيّ في طهران على وشك النفاد، فقيل لنا يجب عليكم أن تعطوا اليورانيوم الموجود عندكم بنسبة 3.5 % إلى الدولة الفلانيّة لكي تقوم بتحويله إلى 20 % ثمّ بعد ذلك تقوم هذه الدّولة بنقله إلى دولةٍ أخرى لتحويله إلى وقود، ثمّ بعد ذلك إذا سمح سادة العالم يمكن أن نحصل على هذا الوقود! أي ينبغي أن يعبر عدّة منازل وهو بالتأكيد لم يكن ليحصل فعلاً. لو أردنا أن
 
 
 
 
 
 
 
129

106

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 نشتري منهم الوقود النوويّ الذي تحتاجه هذه المفاعل البحثيّة الموجودة عندنا، ما كانوا ليعطونا منه حتى ذرّة واحدة ما لم يذلّوا شعب إيران ويهينوه. لقد قلت ذات يوم إنّه لو كان هذا النفّط الذي نمتلكه اليوم للأوروبيين وأردنا أن نشتريه منهم أو نشتري البنزين لباعونا إيّاه بالقنّينة وبأثمان باهظة. هكذا هم. حسنٌ، لقد كانوا يظنّون أنّنا سنضطرّ إلى أن نخضع لهم من أجل شراء الوقود بنسبة 20 % فأوجدوا لنا هذه الموانع. لكنّ شبابنا جاؤوا وقاموا بكلّ هذه الأبحاث واستطاعوا أن يصنعوا هذا الوقود بنسبة 20 %. 

 
وبعدها ظنّ أولئك أنّنا لن نتمكّن من صناعة رقائق وقضبان الوقود لكنّ شبابنا تمكنّوا وحصل هذا الأمر. ها هم اليوم حيارى أمام إنجازات شعب إيران!
 
ها هي الأعمال المعقّدة والضخمة تُنجز، فما هي المشكلة في إنجاز أعمالٍ كبرى في مجال الرّياضة؟ القواعد الموجودة اليوم فيما يتعلّق بالرّياضة في العالم سواءٌ الرّياضات الفرديّة كالمصارعة أو رفع الأثقال أم الرّياضات الجماعيّة ينبغي أن تخضع للبحث العلميّ الدقيق ويضاف إليها، ويتمّ إصلاح بعض أقسامها.
 
فتقدّموا بالرياضة من الناحية العلميّة. هذا فيما يتعلّق بالرّياضات التي لها قواعد رياضيّة وعلميّة في العالم وهي عادية. وبعض الرّياضات الموجودة عندنا والتي ليس لها قواعد علميّة معروفة، يجب أن نضع لها قواعد علميّة ـ حيث يمكن ذلك ـ مثل تلك الرّياضات القديمة التي ذُكرت. بعض هذه الرّياضات المحلية القديمة هي رياضات جميلة جدّاً. مثل هذه المسمّاة بـ "ميل غرفتن"1 والتي يسمّيها المشهديّون "غوارغيه"، فهذه رياضة جميلة، أو مثلاً رياضة الدولاب " تشرخ". حسنٌ، فما هي المشكلة في أن نصنع لهذه الرّياضة قواعد ولتصبح في عداد الرّياضات العامّة؟ أو هذه الرياضات المشابهة الموجودة في رياضاتنا القديمة.
 
على كلّ حال أملنا أنّ الله تعالى بمشيئته سيوفّقكم جميعاً. وإنّني أشكر شبابنا الّذين شاركوا في المباريات في الميادين المختلفة على ما قاموا به من أفعال ـ 



1 نوع من حمل الأثقال وتحريكها.
 
 
 
 
 
 
130

107

في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

 كقراءة الأذان على القمم التي تناطح السّحاب أو السّجود في ميادين المباريات أو رفع الأيدي بالدعاء أو ذكر أسماء الأئمّة أو الحفاظ على العفاف الدّينيّ، أشكرهم من صميم القلب جميعاً. إن شاء الله تنالون توفيق الله فأنتم نور عين شعب إيران وستكونون كذلك إن شاء الله.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
131

108

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد 

محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

المناسبـة: إقامة مؤتمر تكريمي للعلّامة اليزدي قدس سره
الحــضـور: أعضاء هيئة تكريم العلامة اليزدي قدس سره
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
24/12/1391 هـ.ش.
01/05/1434 هـ.ق.
14/03/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
133

109

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

 بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية، أشكر السادة المحترمين الذين بذلوا جهدهم للتعريف بشخصيّة بارزة مثل شخصيّة المرحوم آية الله السيّد محمد كاظم اليزدي1، وهذا نفسه يستحقّ الثناء الكبير من قبلي.
 
فقيهٌ مشهور... ولكن 
على الرغم من أنّ السيّد اليزدي هو في مجالسنا العلميّة الفقهيّة من فقهاء الدرجة الأولى ـ أي إنّ كتابه "العروة الوثقى"2 هو في متناول الجميع، والجميع قد كتب التعليقات عليه، فمنذ ظهور كتاب العروة الوثقى، قلّما رأينا فقهاءنا ومراجعنا الذين كانوا يكتبون التعليقات على الكتب الفقهيّة أمثال "نجاة العباد" وبقيّة الكتب الأخرى، يكتبون التعليقات عليها، أي إنّ جامعيّة "العروة الوثقى"، والذوق الرفيع للسيّد في تنظيمه، والمميّزات الكبيرة التي يتحلّى بها، على الرغم من عدم اكتمال أبوابه الفقهيّة، مع ذلك، انصبّت كلّ الاهتمامات على هذا الكتاب، وهذا يدلّ على أهميّة هذا الكتاب وصاحبه ـ وعلى الرغم من الشهرة الكبيرة لهذه الشخصيّة في الحوزات العلميّة وبين الفقهاء، إلّا أنّ الأمر بين الناس على عكس ذلك، أي أنّ هذه الشخصيّة العلميّة البارزة والعظيمة، غير معروفة لدى الناس. وها أنتم الآن في الحقيقة، تتداركون هذا الأمر، وهو أمر في غاية الأهميّة. (في مؤتمر)



1 بعد إشارة قائد الثورة الإسلاميّة أثناء زيارته لمحافظة يزد في العام 2007م في خصوص إقامة مؤتمر لتجليل المرحوم آية الله السيّد محمد كاظم الطباطبائي، توبعت هذه المسألة بجهود ممثّل الوليّ الفقيه في محافظة يزد وجهود المحافظة.
2  كتاب العروة الوثقى، في الفقه.
 
 
 
 
 
 
 
135

110

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

 المرحوم آية الله السيّد محمد كاظم، يرتاح بال المرء كون الأعمال العلميّة تُسلّم إلى جناب الشيخ الأستادي، فهو حقّاً وإنصافاً، وكما في الأعمال الأخرى، كامل ومستوفٍ للشروط، ويطمئنّ المرء أنّ العمل سيسير بإتقان إن شاء الله تعالى، و (أنّه لن يكون) كبعض مؤتمرات التكريم والتجليل التي غالباً ما تُقام للشكليّات، وهنا، سوف يُتعاطى مع المسألة بعمق أكبر بعونه تعالى.

 
بالنسبة للأعمال التحقيقيّة، حيث أشار هو إلى كتب المرحوم السيّد1، المسألة كما قال. فكتب المرحوم السيّد طُبعت لكثرة رواجها وشهرتها. والأساس هو العروة الوثقى الذي طُبع كثيراً إلى ما شاء الله، بعدها يأتي حاشية المكاسب، وإنّ حاشية السيّد على كتاب المكاسب هو إجمالاً من أفضل الحواشي على هذا الكتاب. مع أنّ لبعض الحواشي الأخرى ـ كحاشية المرحوم الآخوند وآخرين ـ ميّزاتها الخاصّة. أمّا لو نظرنا فيها جميعاً، (من ناحية) متانة الاستدلال، الجامعيّة، النضج الفقهي، الإحاطة بالأبواب المتنوّعة والاستفادة منها في تنقيح المسألة، فإنصافاً، إنّ حاشية السيّد لا نظير لها. حسنٌ، لأنّ هذه الكتب كانت مورد اهتمام، ولها قيمة ذاتيّة، فقد راجت بنفسها، ولم تكن بحاجة إلى تجديد الطباعة على سبيل المثال. كما لا ينبغي إعطاء كتاب "التعادل والتراجيح" صفة "الرسالة" فهو كتاب مفصّل، وقد طُبع مؤخّراً، (أو) "أسئلة وأجوبة السيّد" أو تلك المواضيع التي أثارها، فإنّها كتب جيّدة جدّاً يجدر نشرها. لكنْ إلى جانب هذا، برأيي، يلزم التعمّق والتحقيق في المباني الفقهيّة للسيّد، لأنّ كتاب العروة كتاب يحوي مواضيع جديدة، وكلاماً جديداً. فلتجمع المباني الفقهيّة للسيّد. 



1 إشارة مسؤول الهيئة العلميّة للمؤتمر بأنّ مؤلّفاته كانت محدودة، وهي عبارة عن: الحاشية على المكاسب المحرّمة، العروة الوثقى وملحقاتها، رسالة التعادل والتراجيح، رسالة جواز اجتماع الأمر والنهي، رسالة منجّزات المريض، رسالة حكم الشكّ في الصلاة، الصحيفة الكاظميّة، كتاب سؤال وجواب (مجلّدان)، الرسالة الإلهيّة، الكلمات القصار (الكلمة الجامعة والحكم النافعة) و...., وكان من المقرّر أن يتمّ طباعة معظم هذه الآثار (التي تقارب العشرين مجلّداً) في المؤتمر، على أن لا تُطبع مجدّداً الآثار التي يوجد لها (في الأسواق) طبعات جيّدة.
 
 
 
 
 
 
 
136

 


111

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

 هكذا يكون التكريم

لقد تعوّدنا، على امتداد الزمان، عندما نريد البحث حول العظماء، أن نأتي مثلاً وننقّح كتابه ذاك، ونطبعه. ليس هذا تكريم عالمٍ. أنتم ترون الآن، أنّهم حين يريدون مثلاً البحث حول حقوقيّ، أو فيلسوف أجنبيّ، فجأةً ترون أنّه يجري البحث من مئات الجهات حول صفاته الفكريّة، يُعمل عليها، فلنعمل نحن على هذا الأمر. ما هي الشاكلة الفقهيّة للسيّد اليزدي؟ وما هي خصوصيّات مبانيه الفقهيّة التي ميّزته عن الآخرين؟ أن نستخرج جهات الاختلاف بينه وبين أستاذه الميرزا الشيرازي، وبين أساتذته الآخرين، بينه وبين الشيخ، حيث آراء الشيخ الأنصاريّ متداولة ورائجة في الحوزات العلميّة. أن نستخرج الجهات الخاصّة لهذا العظيم التي تحدّد صفاته (شاكلته) الفكريّة الذهنيّة الفقهيّة. برأيي إنّ هذا الأمر يتطلّب تحقيقاً متيناً. 
 
يمكن الآن أن يكون في عداد المقالات التي ذكرها1، تحقيقات في هذا المجال، لكنّها بالنهاية جزء من مجالات العمل. يمكن أن يأتي أحد الأشخاص أو العلماء والفضلاء ويستنبط استنباطاً ما، ويأتي رجل دين آخر ويعمل بشكل مستقلّ، برأيي يجب العمل على هذا.
 
فاق أقرانه 
يوجد في المرحوم آية الله السيّد محمد كاظم اليزدي ثلاث ميّزات قلّما وجدت مجتمعةً في رجل دين في مستواه. الأولى تمكّن هذا الرجل وتبحّره ومهارته الفقهيّة. هو، إنصافاً، فقيهٌ كبيرٌ. وكما قرأت في هذه المقالات ـ وكذا في كتاب المرحوم منذر2، وكما ورد في بعض الأماكن الأخرى ـ فإنّ المرحوم الآخوند الخراسانيّ الغنيّ عن التعريف والوصف، قد رجّحه من الناحية الفقهيّة على جميع المعاصرين



1  إشارة مسؤول الهيئة العلميّة للمؤتمر إلى التنسيق الذي تمّ مع المجلّات التخصّصيّة لإعداد أربعين مقالة نوعيّة بالحدّ الأدنى، ونشرها إلى حين موعد إقامة المؤتمر.
2  "آية الله العظمى السيّد كاظم الطباطبائي اليزدي، عَلمُ ساحة الجهاد والاجتهاد"، تأليف المرحوم حجّة الإسلام علي أبو الحسني (منذر).
 
 
 
 
 
 
 
137

112

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

 له. ومعاصروه هم المرحوم آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي ـ مع ذلك المقام الحسّاس الذي كان يتمتّع به هذا الرجل ـ المرحوم آية الله السيّد إسماعيل الصدر الذي كان من العلماء الكبار، كذلك المرحوم الحاج آية الله رضا الهمداني، والمرحوم آية الله السيّد محمد الأصفهاني، هؤلاء من المعاصرين له. يُسأل المرحوم الآخوند أنت أفقه أم آية الله السيّد محمد كاظم ـ الظاهر أنّه عادةً ما كان يعبّر عن السيّد محمد كاظم بالـ "آغا" (السيّد) ـ فيظهر تردّداً، بعدها يُسأل عن أفضلية الآخوند على الآخرين، فيقول: عندما يكون "الآغا" (السيّد محمد كاظم) هكذا، يتبيّن حال الآخرين!" أي هناك ترجيح واضح له من قبل الآخوند. وهذا أمر في غاية الأهميّة. أن يبجّل ويعظّم إنسان معاصر في مستوى المرحوم الآخوند الخراسانيّ، معاصراً له بهذا الشكل، لهو أمر بالغ الأهمّيّة. وعليه، فإنّ جنبته العلميّة هذه هامّة جدّاً برأيي. وهذا المعنى واضحٌ في العروة أيضاً، وكذا في الحاشية على "المكاسب". هذه ميزة في شخصيّة هذا العظيم.


دقّة واحتياط
هناك ميزة أخرى في شخصيّته وهي ميزة التقوى والملاحظات الفرديّة والشخصيّة والاعتبارات المعنويّة، والتي هي واضحة في الكثير ممّا يُتناقل عنه. حتّى في قضيّة المشروطة، فالمرحوم آية الله السيّد محمد كاظم كان واحداً من أوائل الأشخاص الذين وافقوا على المشروطة وقبلوا بها منذ البداية. وعندما كتب المرحوم آية الله فضل الله النوري أنّ هكذا عملاً يُنجز الآن في طهران، كان المرحوم آية الله السيّد محمد كاظم من أوائل الأشخاص الذين وافقوا على هذا الأمر وأيّدوه. بعدها حين طُرح القانون الأساسي، قال: ينبغي أن أرى القانون الأساسي، عليّ أن أرى ما الذي سأوافق عليه. كتب له المرحوم آية الله الشيخ فضل الله النوري من طهران أنّني رأيته وهو صحيح، وجيّد. حسنٌ، فآية الله الشيخ فضل الله النوري كان معاصراً لهؤلاء، ومن مرحلتهم، كان رجلاً عظيماً، وكانوا يثقون به. فقال (السيّد
 
 
 
 
 
 
138

113

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

 كاظم) لا، عليّ أن أراه بنفسي! وهذا يبيّن مدى اهتمام هذا الرجل، إذ على الرغم من أنّ شخصاً كآية الله النوري، والذي كان مورد ثقة الجميع، كان يؤّيده، مع ذلك يقول: (ينبغي أن أراه)، لأنّ العمل كبير وخطير. كان يعلم أن للعمل جذوراً وتبعات، ولا ينبغي تجاوزه بسهولة، حيث وافق على المسائل اللاحقة والتي كانت نفسها صحيحة. أي كان ينبغي من الأوّل أن يفعل هذا الشيء. كم عانى المرحوم الشيخ فضل الله النوري نفسه في طهران من مسألة ملحق القانون الأساسي! وماذا حصل بالنهاية، وبأيّ أوضاع ابتلي هو، ومخالفوه من العلماء الأجلّاء. هذا يشير إلى دقّة هذا الرجل واحتياطه في أمر الدين. وهذا بنظري غاية في الأهميّة. فقد وقف على الرغم من شدّة الضغوط عليه ـ أي أنّ الظروف، لم تكن ظروفاً عاديّة، كانت هناك ضغوط فكريّة، وسياسيّة، تمارس على هذا الرجل من حوله. كانت عشائر النّجف والعشائر الأخرى من مريديه، لكنّ الأغلبيّة في حوزة النّجف كانوا مخالفين له هذه هي الجنبة التقوائيّة والمعنويّة لهذا الرجل.


ابني واحدٌ منهم
الميزة الثالثة أيضاً ـ ولعلّها ترجع إلى الميزة الثانية ـ وهي ميزة الاستعداد للجهاد. فقضايا مواجهة الانكليز المحتلّين والحرب التي جرت في العراق، تتمحور حول المرحوم آية الله السيّد محمد كاظم اليزدي. فقد أرسل ابنه ـ المرحوم السيّد محمداً ـ. بالطبع إنّ المرحوم السيّد محمد لم يستشهد في الحرب، وقد توفّي فيما بعد، لكنّه أرسل ابنه. كان هناك علماء كبار في تلك الفترة ـ المرحوم السيّد علي داماد، المرحوم السيّد مصطفى الكاشاني والد المرحوم السيّد الكاشاني، وعلماء أجلّاء آخرون ـ لكنّ المحور كان ابن المرحوم آية الله السيّد محمد كاظم، والذي اتبعه الجميع كشخصيّة بارزة. أتوا وحاربوا وقاتلوا في المناطق الجنوبيّة للعراق ـ في المناطق الحدوديّة بين إيران والعراق. في الزيارة التي قمت بها قبل عدّة
 
 
 
 
 
 
 
 
139

114

كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

 سنوات إلى خوزستان1، جاء عدد من كبار السنّ الذين عاصروا فترة الحرب تلك للقائي، وجاؤوا براية تلك الحرب ـ كانت راية مهترئة وبالية ـ قدّموها لي وقالوا: هذه راية المرحوم السيّد محمد كاظم اليزدي. فالخوزستانيّون العرب كانوا ملتفتين إلى اختصاص هذه الراية بهذا الرجل العظيم. بناءً على هذا، كان شخصيّة عظيمةً جامعةً. لو كان أُخذ برأيه في قضيّة المشروطة، وتحقّقّ الشرط الذي وضعه، أظنّ أنّ مسير المشروطة كان سيتغيّر، أي أنّ المرء يحتمل أن يتغيّر مسير المشروطة، وهذه التساهلات التي تمّت ما كانت لتتمّ.

 
على كلّ حال، أشكركم كثيراً. وأؤكّد على أن تسعوا لإنجاز هذا العمل بعمق - من حسن الحظّ أنّ الشيخ الأستادي موجود، ويعمل على هذا الهدف - وأن يُعمل على إحياء هذه الشخصيّة في عيون عامّة الشعب (حتّى) يتعرّف الرأي العامّ إلى هذا الرجل العظيم. 
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



1 زيارة قائد الثورة الإسلاميّة إلى محافظة خوزستان في شهر شباط من العام 1996م.
 
 
 
 
 
 
 
140

115

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية

 نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) 

عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية


المناسبـة: عيد النوروز وحلول العام الإيراني الجديد 1392
الزمـــان:
30/12/1391 هـ.ش.
07/05/1434 هـ.ق.
20/03/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
141

116

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية

 بسم الله الرحمن الرحيم

يا مقلّب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال.
 
اللهمّ صلّ على حبيبتك سيدة نساء العالمين، فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله. اللهمّ صلّ عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها. اللهمّ كن لوليّك الحجّة ابن الحسن، صلواتك عليه وعلى  آبائه، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتّى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً.. اللهمّ أعطه في نفسه وذرّيته وشيعته ورعيّته وخاصّته وعامّته وعدوّه وجميع أهل الدنيا ما تقرّ به عينه و تسرّ به نفسه. 
 
مباركٌ لكلّ أبناء وطننا الأعزاء في كلّ أنحاء البلاد، ولكلّ الإيرانيين في أية منطقة من العالم كانوا، ولكلّ الشعوب التي تُعظِّم النوروز، وخصوصاً المضحّين الإيرانيين الأعزاء، والمعوّقين وعوائلهم، ولكلّ العاملين والناشطين في سبيل خدمة النظام الإسلاميّ وبلادنا العزيزة. نتمّنى أن يجعل الله تعالى هذا اليوم ومطلع السنة هذا سببَ سرورٍ وتقدّمٍ ونشاطٍ لكلّ المسلمين في العالم، ويوفّقنا لأداء واجباتنا. أقول لأبناء وطننا الأعزاء أن يتنبّهوا إلى أنّ الأيام الفاطمية ستصادف أواسط أيام العيد1، ومن اللازم على الجميع تكريم هذه الأيام واحترامها. 



1 عيد النوروز للعام 1392ش (2013), رأس السنة الهجرية الشمسية الإيرانية، التي تبدأ من 21 آذار من كل عام ميلادي. بداية التقويم من الهجرة النبوية, وقد دوّن في الدستور بُعيد انتصار الثورة الإسلاميّّة عام 79م. أمّا التقويم السابق ( التقويم الملكي الشاهنشاهي) الذي يبدأ من يوم تتويج الملك الفارسي قورش عام 559 ق. م. (أي لحوالى 2578سنة) فقد كانت الحكومات الملكية السابقة تعتمده تقويماً رسمياً للبلاد, لكن مع انتصار الثورة الإسلاميّة تمّ تعديل التقويم لتصبح بدايته منذ الهجرة النبوية الشريفة.
 
 
 
 
 
 
143

117

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية

 بداية السنة ودروس الماضي

ساعة تحويل السنة ووقت التحويل هما في الحقيقة حدّ فاصل بين نهاية وبداية، نهاية العام الماضي وبداية السنة الجديدة. طبعاً نظرتنا العامة يجب أن تكون باتّجاه الأمام، وأن نرى السنة الجديدة، ونعدّ أنفسنا لها ونخطّط لها، إلّا أنّه من المؤكد أنّ النظرة للماضي وللطريق الذي سلكناه ستكون مفيدة لنا من أجل أن نرى ماذا فعلنا، وكيف سرنا، وما كانت نتائج عملنا،  فنستلهم من ذلك الدروس ونتعلّم التجارب. 
 
عام 1391 هـ ش. (2012) كان مثل كلّ السنين عاماً متنوّعاً ذا ألوان وأدوار مختلفة، فقد كانت فيه الحلاوة وكانت فيه المرارة، وكان فيه الانتصار، وكان فيه التراجع. وهكذا هي حياة البشر على مدى الزمان، فيها المدّ والجزر والمنعطفات المتنوّعة. المهمّ هو الخروج من المنعطفات وإيصال أنفسنا إلى الذرى. 
 
التحديات السياسية والاقتصادية 
ما كان واضحاً وجلياً طوال عام 1391 هـ ش. من حيث مواجهتنا للعالم الاستكباريّ هو قسوة الأعداء على الشّعب الإيرانيّ وعلى نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. طبعاً ظاهر القضية هو تشدّد الأعداء، لكن باطنها تمرّس الشّعب الإيرانيّ وانتصاره في مختلف الميادين. ما اتخذه أعداؤنا هدفاً لهم هو ساحات ومجالات مختلفة، أهمّها المجال الاقتصاديّ والمضمار السياسيّ. 
 
على الصعيد الاقتصاديّ قالوا وصرّحوا إنّهم ينوون شلّ الشّعب الإيرانيّ عن طريق الحظر الاقتصاديّ، لكنهم لم يستطيعوا شلّ الشّعب الإيرانيّ، وقد حقّقنا في الكثير من المجالات، وبتوفيق وفضل من الله، الكثير من التقدّم، وقد ذُكرت تفاصيل ذلك لشعبنا العزيز، وسوف تُذكر، وسأذكرُ إجمالاً، إن شاء الله، بعض النقاط في كلمتي يوم الأول من فروردين1 إذا بقيتُ على قيد الحياة. 



1 أي اليوم التالي (31/ 3/ 2013).
 
 
 
 
 
 
 
 
144

118

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية

 من الناحية الاقتصادية تعرّض الشعب طبعاً لبعض الضغوط والمشكلات، خصوصاً أنّه ظهرت في الداخل أيضاً بعض المعضلات، حيث كانت هناك بعض حالات التقصير والتساهل ساعدت مخطّطات العدوّ، ولكن على العموم كانت مسيرة النظام والشعب متقدّمة نحو الأمام، وستظهر إن شاء الله في المستقبل آثار هذا التمرّس ونتائجه. 


وعلى الصعيد السياسيّ، انصبّت جهودهم (الأعداء) من ناحية على عزل الشّعب الإيرانيّ، ومن ناحية أخرى على بثّ حالة التردّد وعدم التصميم في الشّعب الإيرانيّ وزعزعة همّته وتقصير مداها. وفي الواقع حصل عكس ذلك. من حيث عزل الشّعب الإيرانيّ لم يفشلوا في تطويق سياساتنا الدولية والإقليمية وحسب، بل وكانت هناك نماذج من قبيل إقامة مؤتمر عدم الانحياز بحضور عدد كبير من الرؤساء ومسؤولي بلدان العالم في طهران، فحصل عكس ما كان يريده أعداؤنا، ما أثبت أنّ الجمهوريّة الإسلاميّّة ليست غير معزولة وحسب، بل ينظرون لها ولإيران الإسلاميّة ولشعبنا العزيز في العالم بعين التكريم والاحترام.

وعلى الصعيد الداخليّ، في المناسبات التي يعبّر فيها شعبنا العزيز عن مشاعره - وهي في الغالب ذكرى 22 بهمن سنة 1391 هـ ش - عبّر الشعب عمّا يثبت حماسه واندفاعه، إذ شارك في الساحة بملحمية وشوق وكثافة أكبر من الأعوام الماضية. ومن النماذج الأخرى على ذلك، حضور أهالي محافظة خراسان الشمالية في خضمّ الحظر، ما يكشف عن نموذج لوضع الشّعب الإيرانيّ ومعنويّاته تجاه النظام الإسلاميّ ومسؤوليه الخدومين. وقد أنجزت والحمد لله طوال العام الماضي أعمال ومشاريع كبرى، وأبدى المسؤولون والشعب الكثير من الجهودوالمساعي العلمية والتحرّك وإنجاز المشاريع الخاصّة بالبنى التحتية. وقد توفّرت مقدّمات السير نحو الأمام، بل وظروف قفزات نوعية إن شاء الله، سواء في المضمار الاقتصاديّ أم على الصعيد السياسيّ، أو كلّ المجالات الحياتية الأخرى.
 
 
 
 
 
 
 
 
145

119

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية

 سنة92، عام تقدّم الشعب

إنّ سنة 92 بناء للآفاق والتوقّعات (المتفائلة) التي رُسِمت لنا بلطف من الله وهمّة الشعب المسلم، ستكون سنة تقدّم الشّعب الإيرانيّ وتحرّكه وتمرّسه، لا بمعنى أن عداء الأعداء سيقلّ، بل بمعنى أنّ جاهزية الشّعب الإيرانيّ ستكون أكبر، ومشاركته أكثر تأثيراً، وبناءه للمستقبل بيديه وبهمّته وكفاءته سيكون إن شاء الله أفضل وباعثاً أكثر على الأمل. 

طبعاً، ما يُشخَّص أمامنا في سنة 1392هـ ش لا يزال يختصّ بالمجالين الاقتصاديّ والسياسي. على المستوى الاقتصاديّ يجب الاهتمام بالإنتاج الوطنيّ، كما جاء في شعار العام الماضي. وقد أُنجزت بعض الأعمال بالطبع، بيد أنّ ترويج الإنتاج الوطنيّ ودعم العمل ورأس المال الإيرانيين قضيّة طويلة الأمد، ولا تُنجز في سنة واحدة. لحسن الحظ جرت في النصف الثاني من عام 1391هـ ش المصادقة على سياسات الإنتاج الوطنيّ وإبلاغها - أي جرى في الواقع رسم الطريق والخطّة لهذه الأعمال - حيث يستطيع مجلس الشورى الإسلاميّ والحكومة البرمجة على أساس ذلك والبدء بمسيرة جيدة والتقدم إلى الأمام إن شاء الله بهمم عالية وجهود دؤوبة. 

وعلى الصعيد السياسيّ فإنّ القضية الكبيرة في سنة 1392هـ ش هي انتخابات رئاسة الجمهوريّة، والتي تُبرمج في الحقيقة للمقدّرات التنفيذية والسياسيّة، وبمعنى من المعاني لمقدّرات البلاد العامة لأربعة أعوام قادمة. وسيستطيع الشعب إن شاء الله بمشاركته في هذه الساحة أن يسجّل للبلاد ولنفسه مستقبلاً حسناً. طبعاً من الضروريّ إنْ على المستوى الاقتصاديّ أو على المستوى السياسيّ أن يكون حضور الشعب حضوراً جهادياً. يجب المشاركة بملحمية وحماس وشوق، وبهمّة عالية ونظرة متفائلة، وقلوب مفعمة بالأمل والحيوية، للوصول إلى أهدافهم بطريقة ملحمية. 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

120

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية

 بهذه النظرة، نسمّي سنة 1392هـ ش باسم "سنة الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية"، ونتمنّى بفضل من الله أن تتحقّق ملحمة اقتصادية وملحمة سياسية في هذه السنة على يد شعبنا العزيز ومسؤولي البلاد المخلصين. 


على أمل أن تشملنا نظرات الخالق وعنايته، وأدعية سيّدنا بقيّة الله الإمام المهديّ المنتظر (أرواحنا فداه)، ومع تحيّاتنا لروح الإمام الخميني الجليل وأرواح الشهداء الأبرار الطاهرة.
 
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
 
147

121

في الحرم الرضوي الطاهر

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في الحرم الرضوي الطاهر



المناسبـة: بدء السنة الإيرانيّة 1392 هـ ش 
الحــضـور: جمع من المسؤولين وجموع غفيرة من أبناء الشعب الإيراني
الـمكــان: مدينة مشهد المقدّسة
الزمـــان:
01/01/1392 هـ.ش.
08/05/1434 هـ.ق.
21/03/2013م.
 
 
 
 
 
 
 
149

122

في الحرم الرضوي الطاهر

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين المعصومين، لا سيما بقية الله في الأرضين. السلام على الصدّيقة الطاهرة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).
 
المحاسبة الوطنية
أبارك وأسلّم على كلّ الإخوة والأخوات الأعزّاء الحاضرين في هذا المحفل الحماسيّ والمفعم بالدفء، وأشكر الله من أعماق القلب أنْ أمهل ومنّ بفرصة اللقاء بكم يا أهالي مشهد الأعزّاء والزوّار المحترمين القادمين من أرجاء البلاد إلى جوار المرقد الملكوتي لسيّدنا أبي الحسن الرضا (عليه آلاف التحية والسلام)، وأتحدّث إليكم حول القضايا المهمّة الجارية في البلاد. نسأل الله تعالى أن يهدي قلوبنا وألسنتنا ويُجري على قلوبنا وألسنتنا ما يُرضيه. إنّه لتوفيقٌ كبير أن تتوفّر لنا كلّ عام هذه الفرصة بجانب الأفراح والجماليات التي تكتنفها الطبيعة في النوروز، ونكون بينكم في مثل هذا اليوم، ونلقي نظرة على قضايا البلاد، ونقيّم الوضع الراهن وننظر إلى الماضي والمستقبل، وندرس ونحسب بنظرة إجمالية حالة مدخلاتنا ومخرجاتنا السنويّة على مستوى الأبعاد الوطنية العامّة. إنّها محاسبة للنفس الوطنية أو محاسبة للنفس العامّة. كما أنّ محاسبة النفس ضروريّة لنا في القضايا الشخصية، حيث قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا"1.. يجب أن



1 بحار الأنوار، ج7، ص 265.
 
 
 
 
 
 
 
151

123

في الحرم الرضوي الطاهر

 تكون لنا محاسبة لأعمالنا وتصرفاتنا الشخصية، وكذلك المحاسبة الوطنية عملية مهمّة وقيّمة.. فلنحاسب أنفسنا ولننظر إلى أنفسنا، ولنعد النظر والتأمّل فيما مرّ علينا ونستلهم منه الدروس والعبر لنستفيد منها للمستقبل. 

 
شامخ رغم التحدّيات 
يتنبّه الإخوة والأخوات الأعزّاء إلى أنّنا ـ نحن الشّعب الإيرانيّ ـ لسنا وحدنا من ينظر لنفسه وقضاياه ويقيّمها ويحكم عليها، إنّما هناك أشخاص آخرون يدرسون أعمالنا وينظرون إليها ويصدرون الأحكام والآراء بشأن قضايانا وأعمالنا وخطواتنا. ثمّة شعوب تستفيد من تجاربنا، وهناك آخرون يدرسون أوضاع الشّعب الإيرانيّ، فيفرحون لتقدّمنا ويبتهجون لنجاحاتنا، وإذا أحرزنا انتصاراً شعروا هم بالانتصار أيضاً، وإذا كانت في أمورنا مرارات شعروا أيضاً بالمرارة. ثمّة آخرون في العالم يرصدون أعمالنا وأمورنا تحت المجهر، وهم على العكس من الفريق الأول يفرحون لزلّاتنا ويشعرون بالضيق لنجاحاتنا، فهم يريدون ويُبطنون السوء للشّعب الإيرانيّ... وهم أيضاً يرصدون أفعالنا. وهؤلاء الذين غالباً ما كان كل شيء في البلاد تحت تصرّفهم طوال أعوام متمادية، وكانوا مسلّطين على كل مقدّرات البلد، فجاءت الثورة وقصّرت أيديهم، لذلك هم يخاصمون الثورة ويعادون الجماهير الثورية، ويخاصمون الحكومة الثورية، ويعادون النظام الثوريّ. وعليه، فنحن تحت أنظار مجتمع كبير من أفراد البشر ينظرون لأعمالنا وسلوكياتنا ويقيّمونها ويدرسونها. 
 
وعليه، حين ننظر إلى أدائنا وبرامجنا في الماضي والمستقبل، يجب أن تكون نظرتنا واقعية، وينبغي أن يكون تقييمنا تقييماً صحيحاً. بعض أبناء شعبنا حين ينظرون إلى أوضاع البلاد لا يرون إلّا نقاط الضعف، فهم يرون الغلاء وانخفاض الإنتاج في بعض الوحدات الإنتاجية، وضغوط الأعداء. هذه نظرة ناقصة. ولديّ نظرة مختلفة. حين أنظر لأوضاع البلاد والشعب، أشاهد ساحة هائلة مليئة بالتحدّيات يظهر فيها الشّعب الإيرانيّ شامخاً منتصراً على الرغم من الأعداء1



1 انطلاق هتافات التكبير.
 
 
 
 
 
 
 
 
152

124

في الحرم الرضوي الطاهر

 الشعب يواجه التحدّيات

هناك نقاط ضعف وهناك مشكلات، وتوجد مرارات وآلام في مجموع أحداث البلاد ووقائعها، ولكن ثمة أشخاص من أقوياء العالم المادي حاولوا، بكلّ ما لديهم من قوةٍ، شلّ الشّعب الإيرانيّ، وصرّحوا بذلك علناً. لقد وقفت تلك السيدة الضعيفة (القاصرة)، التي كانت تتولّى مسؤولية السياسة الخارجية الأميركيّة، وقالت نريد فرض حظر على الجمهوريّة الإيرانيّة يشلّها! لقد صرّحوا بذلك بألسنتهم. وسوف أذكر ماذا كانت أنشطتهم وأعمالهم، وماذا حصل، وإلى أين آلت. فمن جهة، توجد مساعي العدوّ في هذه الساحة الكبيرة التي يتحدّى فيها الشّعب الإيرانيّ الأعداء ويجابههم، ومن جانب آخر توجد مكاسب كبرى تدلّ على الإمكانيات والقدرات والذكاء العالي لهذا الشعب العظيم. حين يُلاحظ المرءُ هذا المشهد يجده يشبه ساحة منازلة بين رياضيين أقوياء، فيها المشاقّ والمساعي والجهود والتعب، لكنّ البطل في هذه الساحة يستطيع أن يفوز، ويثني عليه الجميع، ويباركون له. وهذا البطل في هذه الساحة العظيمة التي تتراءى أمامنا هو الشّعب الإيرانيّ. كل من ينظر إلى هذه الساحة بدقّة ويدرسها بطريقة صائبة يثني على شعب إيران. ونحن اليوم نسمع أصوات ثناء الواعين المدقّقين في العالم، ففي هذه البلدان نفسها التي تعادي شعب إيران وتخاصمه، هناك نخب سياسية وجامعية، وأشخاص واعون عارفون بأوضاع العالم، وأصحاب تجارب يرصدون الأحداث والأمور، ويثنون على الشّعب الإيرانيّ. هذا مشهد يتراءى أمام أنظارنا.

إذن، النظر إلى نقاط الضعف فقط عملية خاطئة. يجب النظر كيف يجري مجموع هذه الأحداث والجهود على مستوى البلاد وإلى أين ستؤول. حين ننظر إلى السّاحة من هذه الزاوية، يجب الثناء على إيران والإيرانيّ المسلم. 

العين الواحدة
ذكرنا أنّ بعضهم يُحزنهم تقدّم الشّعب الإيرانيّ ويزعجهم. فمن هم هؤلاء؟ 
 
 
 
 
 
 
 
153

125

في الحرم الرضوي الطاهر

 هذا ما سأذكره لاحقاً. يوجد في مخطّطات الأعداء، الذين لا يرغبون أن يروا تقدّم الشّعب الإيرانيّ ورقيّه ونموّه الشامل، جانبان أساسيان:


الجانب الأوّل: هو أن يخلقوا العقبات والموانع ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، حتى لا يحقّق الشعب هذه الحالات من التقدّم والنموّ، يفعلون ذلك بفرض الحظر، والتهديد، وإشغال المسؤولين بالأمور الفرعيّة الثانوية، وبصرف اهتمام الشّعب الإيرانيّ الكبير والنخبة في البلاد نحو ممارسات لا تعدّ ضمن لائحة الأمور الأصلية المهمة. أي إنهم يمارسون العرقلة العمليّة.

والجانب الثاني: هو أن ينكروا حالات التقدّم في إعلامهم ويعتّموا عليها. تعمل حالياً شبكة إعلامية واسعة جداً من خلال آلاف الوسائل الإعلامية المتنوّعة المنتشرة في العالم، لتثبت أنه لا يوجد لدى الشّعب الإيرانيّ وفي إيران أي تقدّم... ينكرون انتصارات الشّعب الإيرانيّ، وإذا كانت ثمّة نقاط ضعف يضخّمونها ويكبّرونها في أنظار الجميع، لكنّهم يخفون عن الأنظار نقاط القوة والحركة الهادرة التي تعبّر عن نفسها في كل أنحاء البلاد وفي كل ركن منه أمام أعين المنصفين. 

يتحدّث الرئيس الأمريكي في تصريح رسمي له عن المشكلات الاقتصادية في إيران، وكأنه يتحدّث عن انتصاراته، ويقول: نعم، انخفضت في إيران قيمة العملة الوطنية، والمشكلات الاقتصادية هناك كيت وكيت.. وهو طبعاً لم يشر لنقاط قوة هذا الشعب وللجهود الإيجابية والبنّاءة التي تجري في هذا البلد، أو للانتصارات الكبيرة التي حققها هذا الشعب، ولن يشير أبداً. منذ 30 عاماً ونحن نواجه مثل هذه التحديات ـ وسوف أشير لاحقاً إلى نقطة حول تقييم هذه الأعوام الثلاثين ـ إلا أنّ هذه التحدّيات التي يواجهها الشّعب الإيرانيّ والأعداء الذين يحاولون عملياً وإعلامياً أن يحولوا دون ظهور وسطوع التقدّم الملحوظ لإيران التي تعيش في ظلّ الإسلام، قد ازدادت اليوم عدّة أضعاف. 
 
 
 
 
 
 
 
154

126

في الحرم الرضوي الطاهر

 مركز التآمر وأساس العداء

كانت السنّة الماضية، سنة 1391هـ ش (2012 م)، من السنوات المليئة بالعمل والمشاغل لأعدائنا في هذا المجال. قالوا: إننا نريد بهذا الحظر أن نشلّ الشّعب الإيرانيّ. و(لكن) إذا بقيت الجمهوريّة الإسلاميّة واقفة صامدة حيويّة نشطة سائرة باتّجاه التطور، فسوف يراق ماء وجههم في العالم، وتذهب سمعتهم أدراج الرياح، لذلك يجب أن لا يسمحوا بذلك ما استطاعوا. وعند خروج الأمر من أيديهم فلا أقلّه أن يصوّروا الأمر بشكل آخر في الإعلام. إنهم يقومون راهناً بهذين العملين بكل ما أوتوا من قوّة.. الممانعة العملية عن طريق الضغوط والتهديدات والحظر وما إلى ذلك، والعمل الإعلامي لتصغير نقاط القوة وتضخيم نقاط الضعف. 

قلنا إنّ هناك أعداء. فمن هم هؤلاء الأعداء؟ وأين هو الوكر الأصليّ للتآمر ضدّ الشّعب الإيرانيّ؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست بصعبة. منذ 34 عاماً وذهن الشّعب الإيرانيّ ينصرف إلى الحكومة الأميركيّة متى ما ذُكرت كلمة العدوّ. لا بأس أن يتنبّه السّاسة الأميركيّون إلى هذه النقطة ويفهموها، وهي أنّ الشّعب الإيرانيّ شهد وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً أموراً ومرّ بمراحل وأطوار جعلته ما أن تُذكر كلمة العدوّ حتى ينصرف ذهنه إلى أميركا. هذه مسألة على جانب كبير من الأهميّة لحكومةٍ تريد أن تحفظ سمعتها وماء وجهها في العالم. إنّها قضية جديرة بالاهتمام والتدقيق. عليهم أن يركّزوا على هذه النقطة. هنا مركز التآمر وأساس العداء.

سنسوّي تل أبيب وحيفا بالتراب
طبعاً هناك أعداء آخرون لا نعدّهم من الدرجة الأولى.. هناك العدوّ الصهيوني، لكن الكيان الصهيونيّ. ليس بمستوى وحجم أنْ نعتبره في صفّ أعداء شعب إيران. أحياناً يُهدّدنا زعماء الكيان الصهيونيّ بالهجوم العسكريّ، ولكن أعتقد أنّهم يعلمون، وإن كانوا لا يعلمون فليعلموا أنّه إذا صدرت عنهم حماقة، فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة
 
 
 
 
 
 
 
155

127

في الحرم الرضوي الطاهر

 سوف نسوّي "تل أبيب" و"حيفا" بالتراب1. والحكومة البريطانيّة الخبيثة أيضاً تعادي الشّعب الإيرانيّ، وهي من الأعداء التقليديّين والقدماء للشّعب الإيرانيّ، لكنّ الحكومة البريطانية تمارس دور المكمّل لأميركا في السّاحة. الحكومة البريطانية نفسها غير مستقلّة حتّى يعتبرها الإنسان عدوّاً مستقلّاً، بل هي تابعة لأميركا.

 
بعض الحكومات الأخرى لها عداواتها أيضاً. وأرى من المناسب هنا أنْ أقول إنّ ساسة الحكومة الفرنسية أبدوا حالات عداء واضحة تجاه الشّعب الإيرانيّ في السنوات الأخيرة. وهذا ينمّ عن عدم وعي السّاسة الفرنسيين. لا ينبغي للإنسان العاقل، لا سيّما السياسيّ العاقل، أن يندفع أبداً نحو تبديل طرفٍ ليس بعدوّه، إلى عدوّه. لم تكن لنا مشكلة مع الحكومة الفرنسية ومع فرنسا، لا تاريخيّاً، ولا في الحقبة الراهنة، لكن السياسة الخاطئة التي بدأت في زمن ساركوزي هي معاداة الشّعب الإيرانيّ، وللأسف، فإنّ الحكومة الحالية ما زالت تنتهج نفس هذه السياسة. إنّنا نعتقد أن هذه الممارسات خاطئة، وهي خطوات غير واعية يعوزها التدبّر والتعقّل. 
 
حين يتحدّث الأميركيّون يقولون "المجتمع الدولي". يطلقون على عددٍ قليلٍ من البلدان اسم "المجتمع الدولي"، وعلى رأسهم أميركا، ومن خلفها الصهاينة والحكومة البريطانية وبعض الحكومات الصغيرة الأخرى! لم يكن المجتمع العالميّ يوماً بصدد معاداة الإيرانيّ وإيران الإسلاميّة. 
 
صداقةٌ كاذبة
إنّ إلقاء نظرة على العام الماضي، 1391هـ ش، يحدونا للقول إنّ الأميركيّين شرعوا بمخطّطهم الجديد منذ بداية ذلك العام، رغم ادّعائهم للصّداقة بألسنتهم. لقد كانوا يظهرون لنا الصّداقة أحياناً من خلال رسائلهم ونداءاتهم وما شاكل، وأحياناً أخرى كانوا يظهرون هذه الصداقة للشّعب الإيرانيّ في الوسائل الإعلاميّة. ولكنّ الواقع العمليّ كان مخالفاً لهذه التصريحات غير الحقيقيّة، حيث 



1 انطلاق هتافات قوية ومدوية: الله اكبر الموت لأميركا الموت لإسرائيل.
 
 
 
 
 
 
156

128

في الحرم الرضوي الطاهر

 حاولوا التشدّد تجاه إيران والشّعب الإيرانيّ، وفرضوا حظراً شديداً منذ بدايات عام 91 ـ حظر النفط، وحظر المصارف، وحظر المبادلات المصرفيّة والماليّة بين الجمهوريّة الإسلاميّة وباقي البلدان ـ وقاموا بالكثير من الأمور على هذا الصعيد.


إنّ هذه من طرائف العالم، أن يمارس الأميركيّون عداءهم وعدوانيّتهم، ويقولون إنّكم لم تدركوا أنّنا نعاديكم ونمارس المعارضة والعناد ضدّكم! يتوقّعون أن لا يدرك الشّعب الإيرانيّ أنّهم يمارسون العناد والعدوان! لقد بدأت هذه السّياسة ضدّ إيران منذ أواخر فترة بوش، وللأسف ما زال السّاسة الأميركيّون مستمرّين بها إلى الآن... إنّها القبضة الحديديّة المغطّاة بقفّاز مخمليّ. قبل عدّة سنوات ذكرتُ هنا بجوار المرقد المبارك للإمام الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام في كلمتي في الأوّل من شهر فروردين، وقلتُ: احذروا (أيها الأميركيّون) من أن يكون إبداؤكم للمودّة والصّداقة والوئام بمعنى أن تغطّوا القبضة الحديدية بقفّاز مخمليّ، وتريدون التّظاهر بالصّداقة، لكنّكم في الباطن تمارسون العداء. لقد أرسل الأميركيّون مبعوثين خاصّين لإيقاف بيع النّفط ونقل الأموال إلى إيران. بعثوا بأشخاصٍ بارزين وخاصّين من أميركا ليتّصلوا بالبلدان ويسافروا إليها، بل وتحدّثوا مع مسؤولي الشركات من أجل متابعة قضيّة تواصلهم مع الجمهوريّة الإسلاميّة وعلاقاتهم الاقتصاديّة معها فيما يخصّ النفط، ولمعاقبتهم على علاقاتهم المالية بالجمهوريّة الإسلاميّة. بدأوا هذه الأعمال بقوة منذ بداية العام 1391هـ ش وخصوصاً في شهر مرداد (آب 2012 م). وكانوا يتوقّعون أن تتخلّى إيران عن أنشطتها الإنمائيّة العلميّة، وأن تستسلم لتعسّف الأميركيّين، نتيجة تحرّكاتهم المبرمجة هذه التي كانوا يتابعونها بكلّ شدة.

لاقتصادٍ متعدّد الموارد
وبالطّبع أقول، وقد قلتُ ذلك قبل عدّة أشهر، لقد أبدى الأميركيّون فرحهم وقالوا إنّ فلاناً اعترف بأنّ الحظر ترك تأثيره. نعم، الحظر لم يكن عديم التأثير،
 
 
 
 
 
 
 
157

129

في الحرم الرضوي الطاهر

 وليفرحوا إذا أرادوا أن يفرحوا. لقد ترك الحظر تأثيراته، والمشكلة هي فينا نحن. إنّ اقتصادنا يعاني من مشكلة الاعتماد على النفط والتبعيّة له. علينا فصل اقتصادنا عن النّفط، وعلى حكوماتنا أن تدرج هذا الهدف في خططها وبرامجها الأساسيّة. لقد قلت - قبل 17 أو 18 عاماً - للحكومة الإيرانيّة التي كانت تتولّى الأمور آنذاك وذكرتُ للمسؤولين أن يقوموا بما يخوّلنا إغلاق آبار النفط متى ما شئنا. وفي حينها تبسّم السادة، الذين يسمّون أنفسهم تكنوقراط، ابتسامة استنكار وكأنهم يقولون: وهل هذا ممكن؟ نعم، إنّه ممكن، ولكن يجب العمل والمتابعة والمبادرة والبرمجة. إذا ارتهن اقتصاد بلد معين لشيء محدّد وكان تابعاً له، فإن الأعداء سيركّزون على ذلك الشيء المحدّد. نعم، لقد ترك الحظر تأثيره، ولكن ليس بتلك الصّورة التي كان العدوّ يريدها، وسوف أشرح هذه القضية. هذا بخصوص الشأن الاقتصادي. 


المشاركة الفاعلة
وعلى الصّعيد السياسيّ، لقد حاولوا طيلة العام 1391هـ ش عزل إيران عن العالم بحسب تعبيرهم، أي جعل الحكومات تتردّد في علاقاتها مع الجمهوريّة الإسلاميّة وفي نظرتها لها، وألا يسمحوا لها بنشر وتنفيذ سياساتها على مستوى المنطقة والعالم وعلى مستوى بلدها نفسه. وقد مُنيت هذه المؤامرة بالفشل التامّ. لقد انصبّت محاولاتهم في الشؤون الدولية على أن يُقام مؤتمر عدم الانحياز بشكل ضعيف وهزيل لأننا أردنا إقامة هذا المؤتمر في طهران فعملوا على ألّا يشارك الجميع، وإن شاركوا على أن لا تكون مشاركتهم فعّالة. وما حدث كان عكس ما يرومونه تماماً. لقد شارك ثلثا شعوب العالم الأعضاء في حركة عدم الانحياز في مؤتمر طهران. وحضر رؤساء البلدان في طهران وحضر كذلك المسؤولون رفيعو المستوى، وقد أثنى الجميع على إيران وأبدوا اندهاشهم من التقدّم العلميّ والتقنيّ والاقتصاديّ في البلاد. شعر الجميع بالإكبار والإعجاب حيال الشّعب الإيرانيّ. وقد ذكروا هذا لنا، وفي حواراتهم، وعندما عادوا لبلدانهم، وصدّقوا هذه الإيجابيات. وكان هذا خلاف ما أراده أعداء 
 
 
 
 
 
 
 
158

130

في الحرم الرضوي الطاهر

 الشّعب الإيرانيّ تماماً حيث لم يستطيعوا التأثير بهذا الاتجاه. 


وفيما يتعلق بالسياسة الداخلية، كان هدفهم من هذا الحظر جعل الشّعب الإيرانيّ شاكّاً ومتحيّراً في طريقه الذي ينهجه، والفصل بين شعب إيران والنظام الإسلاميّ، وبثّ اليأس في نفوس أبناء الشعب. وفي يوم 22 بهمن، سجّل الشّعب الإيرانيّ مشاركة مكثّفة في تظاهرات إحياء ذكرى الثّورة، وساهم بحماس وشوق وأظهر مشاعره تجاه الإسلام والثورة الإسلاميّة والنظام الإسلاميّ، فوجّه بذلك صفعة قوية على أفواههم. 

لولا الجمهوريّة الإسلاميّة
وعلى الصعيد الأمنيّ أيضاً، لقد حاولوا إفساد الأمن في البلاد ـ وقد أوضح المسؤولون تفاصيل ذلك للناس في حواراتهم ومقابلاتهم ـ لكنّهم لم ينجحوا في هذا الجانب أيضاً. ولقد جرّبوا اقتدار الجمهوريّة الإسلاميّة ونفوذها مرة أخرى على الصعيد السياسيّ في المنطقة. وعلى مستوى قضايا المنطقة. لقد وصل بهم الأمر لأن يعترفوا بأنّه لا يمكن معالجة أية مشكلة كبيرة في المنطقة من دون مشاركة إيران ورأيها. 

في أحداث هجوم الكيان الصهيونيّ على غزّة، لقد أدّى الحضور المقتدر للجمهوريّة الإسلاميّة في مواقع الدعم الخلفي إلى اعترافهم بهزيمتهم مقابل المجاهدين الفلسطينيين، وهم الذين قالواـ لم نقل نحن، بل هم قالوا وأصرّوا: إنّه لولا مشاركة الجمهوريّة الإسلاميّة وحضورها وما أبدته من اقتدار، لما تمكّن المجاهدون الفلسطينيون من المقاومة أمام إسرائيل، ناهيك عن أن ينتصروا على إسرائيل ويركعوها. وقد تمكّن الفلسطينيّون في حرب الأيّام الثمانية من تركيع إسرائيل، وكانت هذه هي المرّة الأولى منذ تاريخ تشكيل الكيان الصهيونيّ الزائف الغاصب.
 
 
 
 
 
 
159

131

في الحرم الرضوي الطاهر

 أعمالٌ تُفرح القلب

لقد ذكرنا أنّ مساعيهم لم تكن عديمة التأثير، نعم، لم تكن عديمة التأثير، ولكن إلى جانب الآثار السلبية فقد حصل تأثير إيجابيّ كبير كنّا نتوقّعه، بمعنى أنّ الحظر أدّى إلى تفعيل الطاقات الداخلية والإمكانات الهائلة لدى الشّعب الإيرانيّ، وبروز مواهبه وتحقّق أعمال ومشاريع عظيمة. ولولا الحظر لما أُنجزت هذه الأعمال. لقد استطعنا بفضل الحظر إنجاز أعمال كبيرة. ولقد حقّق شبابنا نجاحات، بالتأكيد لم نكن لنحقّقها لولا الحظر. فلقد تحقّق على مستوى مشاريع البنى التحتية ـ وسوف أذكر عنها شيئاً لاحقاً ـ في سنة 1391هـ ش حالات من التقدّم جعلت من هذه السنة سنة ممتازة بالمقارنة مع السنوات التي سبقتها. لقد أُنجز كمّ هائل من مشاريع البنى التحتية، في مجالات الطرق والطاقة واكتشاف مصادر وحقول جديدة للنفط، وفي مجال اكتشاف مصادر جديدة لليورانيوم، وإنشاء وتنمية محطات الطاقة والمصافي والعشرات من الأعمال الصناعية الكبرى. وهذه كلّها بنى تحتية اقتصادية لمستقبل البلاد. نعم، لو كنا قد أعددنا هذه البنى التحتيّة قبل الآن لما كان ترك حظر الأعداء حتى هذا المقدار من التأثير السلبيّ الذي تركه. لقد قمنا بأعمال واستطعنا ملاحقة خطوات الأعداء في الجهات الإيجابيّة، ولقد أنجزت أعمال عظيمة. واحدة منها، التقدّم العلميّ الكبير الذي حصل خلال العام 1391هـ ش.

"ناهيد" إلى الفضاء
في مجال العلوم والتقنيات، لقد أنجزت أعمال ومشاريع مفرحة تملأ العين وجديرة بالتأمّل لمن يهمّه مستقبل البلاد. أي في السنة التي أرادوا فيها الضغط على الشّعب الإيرانيّ والتشدّد معه أطلق شبابنا الأعزاء وعلماؤنا القمر الصناعيّ "ناهيد" إلى الفضاء، وأطلقوا مركبة "پيشكام" بكائن حيّ إلى الفضاء، وصنعوا طائرة مقاتلة متطورة للغاية. إنّ لكلّ واحد من هذه المشاريع أهميّة بحيث يجدر بالشعب أن يفرح ويرتاح لكلّ واحد منها، وأن ينشد الأناشيد ويقيم مهرجاناً لها.
 
 
 
 
 
 
 
160

132

في الحرم الرضوي الطاهر

 ونتيجة كثافة وتراكم هذه المشاريع والأعمال فإنّه لا يتمّ الإعلان عنها بصورة صحيحة ولا يجري الإخبار عنها بنحوٍ كامل. حين تمّ إرسال الكائن الحيّ إلى الفضاء وعاد سليماً، كان هذا الشيء مدهشاً بالنسبة للعلماء في العالم والمراقبين الدوليين إلى درجة أنهم أنكروا الأمر في البداية، ولكن عادوا واضطرّوا لتصديقه وتأييده بعد أن وجدوا أنه لا مفرّ أمامهم من ذلك، وأن الحقائق والعلامات والمؤشّرات والوقائع كلّها تؤيّده.


في مضمار الصحّة والهندسة الطبيّة لقد تمّ إنجاز أعمال كبيرة تتعلّق بصحّة المواطنين وسلامتهم. لقد أحرزنا المرتبة الأولى في المنطقة على صعيد تقنيّات الأحياء. وقد أُنجزت في هذا المجال أعمال تخصّصية بارزة، وجرى إنتاج أنواع متعدّدة من الأدوية على هذا الأساس، في السّنة نفسها التي تشدّدوا فيها مع الشّعب الإيرانيّ لحرمانه من الحياة ومن كلّ نتاجات المواهب البشرية. ولقد أحرزنا في هذه السّنة نفسها وفي مجال تقنيات النانو ـ وهي ثورة في التقنية والصناعة ـ المرتبة الأولى في المنطقة. لقد تقدمنا في سجلّات العلم القياسيّة والإنتاج العلميّ، وفي إصدار المقالات العلميّة، وفي سرعة التطوّر العلمي، وفي حصّة البلاد من الإنتاج العلميّ العالميّ. وفي هذه السّنة نفسها وعلى عدّة صعد علمية مهمة كنا الأوائل في إنتاج العلم في المنطقة. ولقد سجّل البلد نموّاً بنسبة 31 % بالمقارنة مع العام المنصرم في المسابقات العلمية التقنية للطلبة الجامعيين. ولقد ازداد في العام 91 عدد الطلبة الجامعيين حتى أصبح أكثر من عدده بداية الثورة بـ25 ضعفاً. فعدد طلبتنا الجامعيين اليوم هو أكثر من عددهم في بداية الثورة بخمس وعشرين مرّة. هذه كانت حالات ونماذج من التقدّم العظيم للشّعب الإيرانيّ. ولقد استطاع البلد تحقيق تقدّم كبير بخصوص الماء والبيئة، والخلايا الجذعية والأشكال الجديدة للطاقة والنباتات الدوائية والطاقة النووية. وهذا كله كان في السنة التي صبّ أعداء الشّعب الإيرانيّ كلّ همّهم وجهدهم على شلّ الشّعب الإيرانيّ وتكبيله. 
 
 
 
 
 
 
 
161

133

في الحرم الرضوي الطاهر

 الشعبُ الحيّ

لقد حملت أحداث سنة 91 لنا درساً كبيراً، وهو أنّ الشعب الحيّ لا ينهار بالتهديدات والضغوط وتشدّد العدوّ أبداً. تبيّن لنا ولكلّ الذين يتابعون الشأن الإيرانيّ أنّ المهم بالنسبة للشعب هو الاعتماد على مواهبه الذاتية، والتوكّل على الله العظيم، والاتكال على نفسه وعدم الاتكال على الأعداء. هذا هو الذي يمكن أن يتقدّم بالشعب إلى الأمام. كان عام 91 بالنسبة لنا ساحة مناورات وتدريب. فالشّعب الإيرانيّ، ورغماً عن أنوف الأعداء، لم يُشلّ، ليس هذا فحسب، بل استطعنا إبداء الكثير من امتيازاتنا ومواهبنا في ساحة المناورات. وبالطبع لقد تعرّفنا إلى نقاط ضعفنا. وهذه هي خصوصيّة المناورات. تتعرّف المجموعة المناورة في التدريب القتالي وفي المناورات إلى نقاط قوّتها وإلى نقاط ضعفها فتزيلها. وقد تعرّفنا إلى نقاط ضعفنا. إنّ ضعفنا في الاقتصاد، والذي يؤدّي إلى صعوبة معيشة شرائح من الناس، هو الاعتماد على النفط ـ وقد ذكرتُ أنّ هذا من نقاط ضعفنا ـ وعدم الاهتمام بالسياسات الاقتصادية العامة، واتخاذ سياسات وقرارات متتابعة ذات طابع يوميّ. فليتنبّه مسؤولو البلاد ـ المسؤولون اليوم، وخصوصاً المسؤولون في المستقبل الذين سيتولّون الأمور بعد انتخابات هذه السنة ـ لهذه النقطة... يجب أن تكون للبلد سياساته الاقتصادية العامّة والواضحة والمدوّنة والمبرمجة، بحيث لا تستطيع الأحداث المختلفة تغييرها وتبديلها.

حوِّلوا التهديدات إلى فرص
والدرس الكبير الثاني هو أنّ بنية البلاد قويّة، وحين تكون البنية قوية تنخفض التأثيرات العدوانية للأعداء إلى أدنى المستويات. فلو تحمّل المسؤولون المسؤوليّة في هذا البلد الكبير وذي البنية القوية وعملوا بتدبير، وتكاتف المسؤولون وعملوا سوية بحزمٍ وتدبير - وهذه هي التوصية التي نوصيها دوماً للمسؤولين والمدراء في البلاد - فيمكننا عندئذ تبديل أي تهديد إلى فرصة، كما صنعنا من تهديدات العدوّ 
 
 
 
 
 
 
 
162

134

في الحرم الرضوي الطاهر

 عام 91 فرصاً، واستطعنا السّير نحو الأمام. ما قام به مسؤولو البلاد والشّعب الإيرانيّ العزيز في سنة 91 يجب أن تظهر آثاره إن شاء الله في حياة الناس في المستقبل والسنوات القادمة، وهذا ما سيحصل. 


بالطبع، إنّ قضيّة الاقتصاد على جانب كبير من الأهمية، وقد أكدّتُ عليها مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة الماضية، إلّا أنّ الاقتصاد ليس القضية الوحيدة، فأمن البلاد أيضاً مهمّ، وصحّة الشعب وسلامته أيضاً مهمّة، وعمليات التقدّم العلمي مهمّة هي الأخرى، وهي أساس الأمور وبنيتها التحتية فإذا تطوّر العلم في البلاد ستسهل كل الأمور الأخرى ـ واستقلال البلد وعزّته أيضاً مهمة، وعدم رضوخ الشعب لهذا وذاك مهمٌّ أيضاً، وكذا الحال بالنسبة لنفوذ الشعب واقتداره الإقليمي فهما رصيد استقلال البلاد وأمنها، وعلى جانبٍ كبير من الأهمية. وقد حقّقنا تقدّماً في كل هذه الميادين، سواء في مضمار الأمن أم في مجال الصحّة أم في حيّز النّفوذ الدولي، أم على صعيد التحكّم والسيطرة على الأحداث المختلفة التي تقع للبلاد والمنطقة. 

ازدهارُ الأحرار
لقد أثبت شعبنا بتقدّمه أنّ عدم العيش في ظلّ أميركا لا يعني التخلّف. هذه نقطة مهمّة جداً. يريد أقوياء العالم والمستعمرون ـ يوم كان هناك استعمار مباشر ـ وأميركا اليوم أن يثبتوا لشعوب العالم أنّكم إذا أردتم أن تعيشوا حياة جيّدة ومتقدّمة فيجب أن تنضووا تحت مظلّتنا. وقد أثبت شعب إيران أنّ هذا الكلام كذب. لقد أثبت شعبنا أنّ عدم التبعيّة لأميركا والقوى الكبرى لن يتسبّب بالتخلّف أبداً وحسب، بل ويؤدّي إلى التقدّم والتطوّر والازدهار، والدليل الواضح على ذلك هو المقارنة بين الجمهوريّة الإسلاميّة طيلة هذه الأعوام الثلاثين، مع الأعوام الثلاثين في تلك البلدان التي عاشت في ظلّ أميركا واستسلمت، وكانت تمنّي نفسها بمليارين أو ثلاثة مليارات دولار من المساعدات الأميركيّة في السنة. لاحظوا أين هم الآن وأين نحن؟ ثمّة بلدان ارتبطت بأميركا وصارت تابعة لها، وتجربة هذه الأعوام الثلاثين بين
 
 
 
 
 
 
 
163

135

في الحرم الرضوي الطاهر

 أيدينا.. لاحظوا كيف قضت الجمهوريّة الإسلاميّة هذه الأعوام الثلاثين، وإلى أين وصلت، وماذا حقّق الشّعب الإيرانيّ خلالها، وما هو وضع تلك البلدان بعد 30 عاماً. كل من يطالع حول هذا الأمر سيدرك أن عدم التبعية للقوى الكبرى إنّما هو فرصة لأيّ شعب من الشعوب، وليس تهديداً أو خطراً. وقد حصل شعب إيران والحمد لله على هذه الفرصة بقوّته وشجاعته وفطنته. 


المبادرة أساس النجاح
يجب أن أطرح هنا موضوعين يتعلقان بالمستقبل: أحدهما هو أننا يجب أن نكون متقدّمين دائماً على العدوّ من حيث التخطيط. ينبغي أن لا يكون البلد في حالة ردة الفعل أمام أنشطة العدوّ. ينبغي تخمين مخطّطات العدوّ بفطنة ووعي، والمبادرة قبل العدوّ. لقد عملنا بهذه الطريقة في بعض الأحيان وأحرزنا النّجاح، والمثال على ذلك قضية تأمين الوقود المخصّب الذي يحتاجه مفاعل طهران للأبحاث بنسبة 20 %، حيث يتمّ إنتاج "الأشعة (العلاجية)" المهمّة التي يحتاجها البلد. هذا المفاعل الصغير كان بحاجة إلى وقود مخصّب بنسبة 20 %، ولم نكن ننتجه بهذه النسبة، بل كنا نستورده من الخارج دوماً. ففكّر أعداؤنا باستغلال هذه الفرصة واتخاذ هذه الحاجة الوطنيّة رهينة من أجل أن يفرضوا على الجمهوريّة الإسلاميّة الإذعان لسيطرتهم وتحكّمهم والقبول بإرادتهم. وقد تمكّن شبابنا وعلماؤنا من إنتاج الوقود المخصّب بنسبة 20 % ومن أن يبدّلوا هذا الوقود إلى صفحات وقود يحتاجها المفاعل المذكور، من قبل أن يصل الأمر إلى النقطة الحسّاسة الضاغطة.

اليورانيوم 20 % 
لم يكن معارضونا يحتملون قدرتنا على القيام بهذه المهمّة، لكنّ مسؤولي البلاد تنبّهوا في الوقت المناسب لهذه الحاجة وبادروا وعملوا، وازدهرت المواهب الإيرانيّة وبرزت، وأنجزوا هذه العملية بنجاح. ففي الوقت الذي كان أولئك يتوقّعون أن تتوسّل 
 
 
 
 
 
 
 
164

136

في الحرم الرضوي الطاهر

 الجمهوريّة الإسلاميّة بهم لتحصل على الوقود المخصّب بنسبة 20 %، أعلنت الجمهوريّة الإسلاميّة أننا أنتجنا هذا الوقود في الداخل، ولسنا بحاجة إليكم. فلو لم يقم علماؤنا وشبابنا بهذا الشيء، كان يجب علينا اليوم أن نصرّ ونتوسّل وندفع تكاليف كبيرة أمام أناس ليسوا من أصدقائنا لنطلب منهم الوقود المخصّب بنسبة 20 %، أو "الأشعة (العلاجية)" ومنتجات المفاعل المذكور. لكن مسؤولي البلاد خمّنوا الأمر والاحتياجات وأدركوا المسألة في حينها، وقاموا في الوقت المناسب بما يجب عليهم القيام به، لذلك نجحنا. يجب أن يكون هذا الشيء برنامجاً لنا لكل قضايا البلاد الأساسية، ولكل احتياجات البلد. 


على الحكومات في إيران، والصناعيين، والمزارعين، وأصحاب رؤوس الأموال، وأرباب فرص العمل، والباحثين العلميين، والمصممين العلميين والصناعيين، وعلى الجميع أن يعملوا بهذا الواجب الأخلاقيّ والعقلانيّ الكبير، وهو أن يعدّوا أنفسهم قبل بروز الحاجة، وأن يسبقوا مخطّطات الأعداء. على المدراء الاقتصاديين، وأساتذة الجامعات، والاتحادات العلميّة، والمسارح العلميّة والتقنيّة، والكل، أن يمسكوا بزمام المبادرة، وتكون هذه هي وجهة هممهم. فإذا كتبوا الدراسات والبحوث العلمية كانت بهذا الاتجاه، وإذا قاموا بالبحوث العلمية قاموا بها في هذا الاتجاه، وإذا أنجزوا أعمالاً صناعيّة وتقنيّة وعلميّة كانت كلّها في هذا الاتجاه. عموماً، على مسؤولي الحكومة ومدراء الجامعات والمدراء العلميين وكل أبناء الشعب السير بهذا الاتجاه. 

واجبنا جميعاً أن نعمل على تمتين بنية البلد وجعله غير قابل للنفوذ والتغلغل وألا يتأثر بمخططات الأعداء، وأن نحافظ عليه ونصونه. هذا من مقتضيات "الاقتصاد المقاوم" الذي طرحناه. من الأركان المهمة والأساسية في الاقتصاد المقاوم هو مناعة الاقتصاد وقدرته على مجابهة التحديات. يجب أن يكون الاقتصاد مقاوماً ويستطيع الصمود أمام مؤامرات الأعداء. هذا هو الموضوع الأول الذي كان يلزم الإشارة إليه. 
 
 
 
 
 
 
165

137

في الحرم الرضوي الطاهر

 لن نخضع للضغوط

الموضوع الثاني هو أنّ الأميركيّين يبعثون لنا برسائل بطرق مختلفة ومتنوعة يقولون فيها تعالوا نتحاور بشأن الملف النووي. يبعثون بالرسائل لنا ويطرحون هذا في إعلامهم العالمي. يقول المسؤولون الأميركيّون من مستوى الصف الأول والمتوسط، مراراً وتكراراً، تعالوا نُقِم إلى جانب مفاوضات 5 + 1 حول الملف النووي، مفاوضات ثنائية بين أميركا والجمهوريّة الإسلاميّة حول الملف النووي الإيرانيّ. لست متفائلاً بمثل هذه المفاوضات. لماذا؟ لأن تجاربنا الماضية تشير إلى أن الحوار في منطق السادة الأميركيّين لا يعني أن نجلس للتوصّل إلى حلّ منطقي، وليس هذا قصدهم من الحوارات والمفاوضات، بل قصدهم من الحوار أن نجلس نتحدّث لتوافقوا أنتم على ما نقوله نحن!. الهدف معلن منذ البداية. يجب على الطرف الذي يفاوضهم أن يقبل ويوافقهم الرأي. لذلك أعلنّا وقلنا دوماً أن هذا ليس بحوار، إنما هو فرض، وإيران لا تخضع للضغوط.

كفى خداعاً
إنني لست متفائلاً بهذه التصريحات، لكنني لا أعارض في الوقت نفسه. يجب أن أوضّح عدة نقاط بهذا الخصوص: النقطة الأولى هي أنّ الأميركيّين يبعثون بالرسائل دوماً ـ يكتبون أحياناً ويبعثون برسائل أحياناً أخرى ـ ويقولون فيها إنّنا لا نقصد تغيير النّظام الإسلاميّ. هكذا يقولون لنا. والجواب هو أنّنا لسنا قلقين من أنّكم تريدون أو لا تريدون تغيير النظام الإسلاميّ، حتى تصرّوا على أنكم لا تريدون تغيير النظام. يوم كنتم تنوون تغيير النظام الإسلاميّ وتعلنون هذا بصراحة لم تستطيعوا فعل أي شيء، وسوف لن تستطيعوا فعل شيء بعد الآن أيضاً. 

النقطة الثانية هي أنّ الأميركيّين يرسلون بالرسائل دوماً وتباعاً يقولون فيها
 
 
 
 
 
 
 
166

138

في الحرم الرضوي الطاهر

 إنّنا صادقون في اقتراح المفاوضات، أي نطلب منكم بصدقٍ أن تتفاوضوا ونتفاوض بصورة منطقية، أي أن لا تكون المفاوضات مفروضة. وأقول جواباً على هذا: لقد قلنا لكم مراراً إننا لا نسعى لامتلاك سلاح نووي، وتقولون إننا لا نصدّق ذلك، فلماذا يجب أن نصدّق نحن كلامكم؟! حين لا تكونوا على استعداد لتقبّل كلام منطقي وصادق، فلماذا ينبغي أن نتقبّل كلامكم الذي أثبتم مراراً خلافه؟ تصوّرنا هو أن اقتراح المفاوضات من قبل الأميركيّين هو تكتيك أمريكي لخداع الرأي العام في العالم وفي إيران. ويجب عليكم أن تثبتوا أنه ليس كذلك. فهل تستطيعون إثبات ذلك؟ أثبتوا ذلك.


وأقول هنا إن من تكتيكاتهم الإعلامية أن يشيعوا أحياناً أنّ القيادة (القائد) أرسلت أشخاصاً للتفاوض مع الأميركيّين، وهذا تكتيك إعلاميّ آخر وكذب محض. لم يوفد أي شخص من قبل القيادة لحدّ الآن للتفاوض معهم. في بعض الحالات، وعلى مدى سنوات طويلة، وفي زمن حكومات متعدّدة، تفاوض أشخاص معهم حول موضوعات مؤقتة ولم نخالف ذلك، لكن ذلك كان أمراً يرتبط بالحكومات. وطبعاً حتى أولئك كانوا مكلّفين بمراعاة الخطوط الحمراء للقيادة، واليوم أيضاً هم مكلّفون بمراعاة هذه الخطوط. 

النقطة الثالثة هي أنّ تصوّرنا انطلاقاً من التجارب والنظر الفاحص الدقيق للساحة هو أنّ أميركا لا ترغب في إنهاء المفاوضات النوويّة. لا يرغب الأميركيّون بإنهاء المفاوضات النووية، وحلّ الاختلافات النووية. وإلا لو كانوا راغبين في إنهاء هذه المفاوضات وحلّ هذه المشكلة فإنّ الحلّ قريب وسهل جداً. لا تريد إيران في إطار ملفّها النوويّ سوى أن يعترف العالم بحقّها في التخصيب، وهذا هو حقّها الطبيعي. ليعترف ساسة الدول المخاصمة بأنّ التخصيب النووي للأغراض السلميّة من حقّ الشّعب الإيرانيّ، ويمكنه أن يقوم به في بلاده وبنفسه.. هل هذا توقّع كبير؟ هذا هو ما قلناه دوماً، لكنهم لا يريدون حتى هذا. 
 
 
 
 
 
 
 
167

139

في الحرم الرضوي الطاهر

 شلّ الشعب بيت القصيد

هم يقولون إنّنا قلقون من أن تسيروا وتتحرّكوا نحو إنتاج الأسلحة النووية ـ وهم عدد قليل من البلدان ليس إلّا، وقد ذكرتُها، ويسمّون أنفسهم "المجتمع الدولي" ـ فيقولون إنّ المجتمع الدولي قلق. كلا، المجتمع الدولي ليس بقلق على الإطلاق. معظم بلدان العالم تقف إلى جانب الجمهوريّة الإسلاميّة، وتدعم مطالبنا، لأنها مطالب حقّة. لو كان الأميركيّون يريدون حلّ القضية فهذا الحلّ سهلٌ جداً.. بوسعهم الاعتراف بحقّ الشّعب الإيرانيّ في التخصيب، ولأجل أن لا تكون هناك أشياء تقلقهم بمقدورهم اتّباع المقرّرات والأنظمة القانونية للوكالة النووية، ولم يكن لدينا منذ البداية أيّ اعتراض على ممارسة هذا الإشراف وتطبيق هذه المقررات. كلما اقتربنا من الحلّ يمارس الأميركيّون عرقلات معينة ليحولوا دون ذلك. إنّ هدفهم حسب فهمي وتصوّري هو أنهم يريدون لهذه القضية أن تبقى هكذا لتكون ذريعتهم للضغط من أجل شلّ الشّعب الإيرانيّ، كما قالوا هم أنفسهم. بالطبّع، إنّ الشّعب الإيرانيّ لن يُصاب بالشّلل رغماً عن أنوفهم.

كُفُّوا أيديَكم عنّا
النقطة الرابعة والأخيرة في هذه القضية هي لو كان الأميركيّون يريدون حقّاً إنهاء هذا الموضوع، فإنني أقدّم الحلّ، وهو أن يقلعوا عن معاداة الجمهوريّة الإسلاميّة والشّعب الإيرانيّ. اقتراح المفاوضات ليس بالكلام المنطقي والرصين والمستند إلى الدليل، إنمّا الكلام الصحيح هو لو كانوا يريدون حلّ ورفع المشكلات بين الجانبين - هم يقولون إننا لا نريد وجود مشكلة بين إيران وأميركا - فليكفّوا عن العداء. منذ 34 عاماً والحكومات الأميركيّة المختلفة تنطلق من فهم خاطئ لإيران والإيرانيّين، وتخطّط وتمارس مختلف صنوف العداء. منذ العام الأول لانتصار الثورة وتأسيس النظام الإسلاميّ وقفوا منّا موقف العداء ورسموا المخطّطات ضدّنا على الصّعد الأمنية، وتصرّفوا بطريقة عدائيّة، وكانت لهم مبادراتهم ضدّ 
 
 
 
 
 
 
168

140

في الحرم الرضوي الطاهر

 وحدة أراضينا، ودعموا أعداءنا الصغار والكبار طوال أعوام متمادية، ونشطوا ضدّ اقتصادنا الوطني، واستخدموا كل الأدوات والوسائل ضدّ شعب إيران، وقد فشلوا في كلّ ذلك والحمد لله. وإذا ما استمرّوا بعد الآن أيضاً بعداواتهم ضدّ الشّعب الإيرانيّ فسوف يُهزمون. وعليه، فإنني أنصح المسؤولين الأميركيّين، إذا كانوا يسعون للحلّ العقلائي، فالحلّ العقلائيّ هو في تصحيح سياساتهم وأعمالهم والإقلاع عن معاداة الشّعب الإيرانيّ. انتهى هذا الموضوع. 


الملحمة: سياسية واقتصادية
هناك موضوع آخر يجب أن أشير إليه على وجه الإجمال ألا وهو قضية الانتخابات بالغة الأهمية. الانتخابات في بلادنا مظهر "الملحمة السياسية". ما ذكرتُ إنه واجبنا وواجب مختلف شرائح الشعب ويجب أن نقوم به كان مظهر "الملحمة الاقتصادية". والانتخابات هي مظهر وتجسيد لـ "الملحمة السياسية". وهي مظهر اقتدار النظام الإسلاميّ، وبلورةٌ لسمعة النظام. سمعة الجمهوريّة الإسلاميّة تكمن في الانتخابات وفي مشاركة الشعب عند صناديق الاقتراع وتأثير كل واحد من أبناء الشعب في انتخاب مسؤولي البلاد. الانتخابات مظهر الإرادة الوطنية، ورمز السيادة الشعبية الإسلاميّة. لقد طرحنا السيادة الشعبية الإسلاميّّة مقابل الديمقراطية الليبرالية الغربية، ومظهر السيادة الشعبية الإسلاميّة هو مشاركة الشعب في الانتخابات. وبسبب الأهمية البالغة للانتخابات حاول أعداء الشّعب الإيرانيّ دوماً تبديد الطابع الحماسي والملحمي للانتخابات... خطّطوا لصرف الجماهير عن الحضور عند صناديق الاقتراع، وبثّ البرود واليأس في نفوسهم. وقد سعى الأعداء دوماً طوال الأعوام التي كان لنا فيها انتخابات ـ سواء انتخابات مجلس الشورى الإسلاميّ، أم انتخابات رئاسة الجمهوريّة على وجه الخصوص ـ لأن تكون انتخاباتنا ضعيفة وبلا رونق. ومردّ هذا إلى أهمية الانتخابات في أمور البلاد.

أذكر جملة من النقاط تتعلّق بالانتخابات. بالتأكيد، ما زال هناك مسافة تزيد 
 
 
 
 
 
 
 
 
169

141

في الحرم الرضوي الطاهر

 على الشهرين تفصلنا عن الانتخابات. وإذا بقي لنا من العمر شيء سأعود لأذكر نقاطاً بهذا الشأن في فرص أخرى. أما الآن فأشير إلى هذه النقاط.


الحماس الانتخابيّ
النقطة الأولى هي أهمية المشاركة الواسعة والحضور الشامل للجماهير في الانتخابات، وهذا يتمتّع بالدرجة الأولى من الأهمية. الحماس الانتخابي في البلاد وحضور الجماهير عند صناديق التصويت باستطاعته إحباط تهديدات الأعداء، وبث اليأس في نفوسهم، وتأمين أمن البلاد. ليعلم أبناء شعبنا العزيز هذا الأمر أينما كانوا في أنحاء البلاد. إنّ لمشاركتهم الواسعة عند صناديق الاقتراع تأثيرها في مستقبل البلد وأمنه واستقلاله وثروته الوطنية واقتصاده وفي كل قضاياه المهمة. هذه هي النقطة الأولى وهي أن تقام الانتخابات إن شاء الله وبتوفيقه وعونه وبهمّة الشّعب الإيرانيّ بأعلى درجات المشاركة الجماهيرية. 

المشاركة الشاملة
النقطة الثانية هي ضرورة مشاركة كلّ الأذواق والتيارات المؤمنة في الجمهوريّة الإسلاميّة في الانتخابات. فهذا حق يتمتع به الجميع وواجب على عاتق الجميع. ليست الانتخابات ملكاً لتوجّه خاصّ، أو لتيّار فكريّ وسياسيّ معيّن. كل الذين يؤمنون بنظام الجمهوريّة الإسلاميّة وباستقلال البلاد، ويهتمّون لمستقبلها، ويخلصون للمصالح الوطنية، يجب عليهم المشاركة في الانتخابات. الإعراض عن الانتخابات يناسب الذين يعارضون النظام الإسلاميّ. 

صوّتوا للأصلح
النقطة الثالثة هي أنّ أصوات الشعب هي التي تحسم الأمر في نهاية المطاف. المهمّ هو تشخيصكم وأصواتكم. عليكم أنتم أن تحقّقوا وتبحثوا وتلاحظوا وتدقّقوا وتسألوا من تثقون به لتصلوا إلى المرشّح الأصلح فتنتخبوه. القائد ليس له سوى 
 
 
 
 
 
 
 
170

142

في الحرم الرضوي الطاهر

 "صوت" واحد. إنني كباقي أبناء الشعب لي "صوت" واحد لا علم لأحد به إلى أن يُلقى في صندوق الاقتراع. والذين بيدهم الصندوق قد يفتحونه بعد ذلك ويعرفون خطّ يدي فيعلمون لمن أدليتُ بصوتي، ولكن إلى ما قبل التصويت لن يطّلع أحد على صوتي. ولا يصحّ أن يأتي شخص فينسب ويقول إنّ القائد رأيه فلان وليس فلاناً. إذا حصلت مثل هذه النسبة فهي غير صحيحة. طبعاً في هذه الأيام يشيع وللأسف بوسائل الاتّصالات والإعلام العجيبة هذه ـ رسائل الهواتف الجوّالة وما إلى ذلك ـ كلام كثير وتنسب مسائل متنوعة لأشخاص متعدّدين. أحياناً يمكن لشخص واحد أن يرسل آلاف الرسائل بالهاتف الجوّال. رفعت لي تقارير تقول إنه قد تُرسل في أيام الانتخابات مئات الملايين من رسائل الهواتف الجوّالة كل يوم. دققوا واحذروا ولا تتأثروا بهذه الأشياء.. انظروا وشخّصوا واعرفوا الأصلح، وصوّتوا له من أجل أداء الواجب والتكليف. طبعاً بوسع أي شخص، وكذلك الناشطون السياسيون، أن يدعوا الآخرين إلى رأيهم ـ لا إشكال في ذلك ـ ولكن لن يسمع أحد مني شيئاً بهذا الخصوص. وفي الوقت نفسه يمكن للناس أن يذكروا آراءهم لبعضهم بعضاً، ويوصوا بهذا أو بذاك، ويؤكّدوا على شيء معين، ويوصوا ويرشدوا بعضهم بعضاً، ويساعد أحدهم الآخر لمعرفة الأصلح. على كل حال، ملاك الأمر هو أصوات أبناء الشعب.

 
التسليم للقانون
النقطة الرابعة هي أنّ على الجميع في قضية الانتخابات أو غير الانتخابات أن يسلّموا لما يقوله القانون ويرضخوا له ولا يتمرّدوا عليه. إنّ الأحداث التي وقعت عام 1388هـ ش(2009م)1 وقد كان فيها ضرر وخسائر للبلاد ـ نجمت كلّها عن أن بعض الناس لم يريدوا التسليم للقانون والرضوخ لرأي الشعب وأصواته. قد يكون 



1 فتنة انتخابات الرئاسة عام 2009م وادعاء التزوير والحملة الغربية التي لاقت عملاء لها في الداخل, حيث روجوا بقوة للتزوير وقاموا باضطرابات وأعمال شغب أدت إلى ردة فعل قوية ومعاكسة من قبل الشعب, حيث خرج بالملايين في كل إيران وأعلن ولاءه للنظام الإسلاميّ ولحاكمية ولاية الفقيه وأحبط بذلك أهم محاولة للغرب وعملائه للإطاحة بالنظام من الداخل.
 
 
 
 
 
 
 
 
171

 


143

في الحرم الرضوي الطاهر

 تصويت الشعب بخلاف ما أرغب به أنا شخصياً، لكنني يجب أن أسلّم لرأي الشعب. ما تختاره أكثرية الشعب وأغلبيته يجب على الجميع التسليم له وعدم مناهضته. ولحسن الحظّ فإنّ الآليات القانونية لرفع الإشكالات والأخطاء والشبهات موجودة، فليستفيدوا من هذه الآليات القانونية. أما إذا حصل ما هو بخلاف رغبتنا ودعونا الناس للتمرّد في الشوارع ـ وهو ما حصل في سنة 1388هـ ش ـ فهذا من الأخطاء التي لا تعوّض. لقد كانت هذه تجربة لشعبنا، وسيقف شعبنا دوماً في وجه مثل هذه الأحداث. 


الرئيس اللائق
والنقطة الأخيرة التي يجب أن يعلمها الجميع هي أننا بحاجة لرئيس جمهورية في المستقبل يتوفّر على الامتيازات الموجودة اليوم من دون نقاط الضعف. ليتنبّه الجميع لهذه النقطة. يجب على رئيس الجمهوريّة في كلّ دورة أن يتحلى بالامتيازات والإيجابيات المكتسبة لرئيس الجمهوريّة السابق من دون أن تكون فيه نقاط ضعفه. في النهاية إنّ لكلّ إنسان نقاط قوّة ونقاط ضعف. ولرؤساء الجمهوريّة ـ سواء رئيس الجمهوريّة اليوم أم رئيس الجمهوريّة المقبل ـ نقاط قوة ونقاط ضعف. كلنا على هذا النحو، لدينا نقاط قوة ونقاط ضعف. ما يعدّ نقاط قوّة للحكومة ولرئيس الجمهوريّة حالياً يجب أن تتوفّر في رئيس الجمهوريّة الآتي.. يجب أن يوفّرها في نفسه. وما يعدّ نقاط ضعف حاليّاًـ قد تذكرونها أنتم، وقد أذكرها أنا، وقد يذكرها الآخرون ـ يجب عليه أن يبعدها عن نفسه وأن لا تكون فيه. بمعنى أننا يجب أن نتقدّم إلى الأمام في سلسلة الحكومات التي تتوالى على الحكم وأن نرتقي ونتكامل، ونبعث تدريجياً أفضل الشخصيات. كل من يأتي يجب أن يكون ملتزماً بالثورة، وبالقيم، وبالمصالح الوطنية، وبالنظام الإسلاميّ، وبالعقل الجمعي، وأن يكون مدبّراً. هكذا ينبغي إدارة هذه البلاد. البلد بلد كبير، والشعب شعب عظيم، والأمور الإيجابية المبشرة بالخير كثيرة، والمشكلات موجودة في طريق شعبنا كما في طريق أي شعب. الذين يعدون
 
 
 
 
 
 
172

144

في الحرم الرضوي الطاهر

 أنفسهم لهذه الساحة يجب أن يعملوا بمنتهى القوة وبكل اقتدار، وبالتوكّل على الله، وبالاعتماد على قدرات هذا الشعب. 


اللهم قدّر لهذا الشعب ما هو خيره وصلاحه. اللهم أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر. ربنا أرضِ عنا الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الراحل وأرواح الشهداء الأبرار. اجعل ما قلناه لك وفي سبيلك وتقبّله منا بكرمك. 

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
173

145

الإمام الخامنئي دام ظلّه يعزّي بوفاة العلّامة الفضليّ

 الإمام الخامنئي دام ظلّه يعزّي بوفاة العلّامة الفضليّ


المناسبـة: وفاة العلّامة الفضليّ قدس سره
الزمـــان:
20/01/1392 هـ.ش.
28/05/1434 هـ.ق.
09/04/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
175

146

الإمام الخامنئي دام ظلّه يعزّي بوفاة العلّامة الفضليّ

 بعث الإمام السيّد علي الخامنئيّ رسالة تعزية بمناسبة رحيل عالم الدين والمفكّر الإسلاميّ آية الله الدكتور عبد الهادي الفضليّ والذي وافته المنيّة في السعودية. فيما يلي نصّ الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم
تلقّيت ببالغ الحزن والأسى نبأ رحيل العلّامة آية الله الدكتور عبد الهادي الفضليّ إلى جوار ربّه.

لقد قضى العلّامة الفقيد عمره الشريف في الجهاد العلميّ والسياسيّ والدفاع عن مقدّسات الأمّة الإسلاميّة وقضاياها العادلة.

كان الفقيد من روّاد الفكر والمنظّرين الإسلاميّين البارزين، وخير دليل على ذلك ما نجده في مؤلّفاته وآثاره الجليلة.

كان رحمه الله ملاذاً لعلماء الأمّة حيث جسّد بفكره وحركته وجهاده وجهوده الوحدويّة قدوة لتأليف القلوب وتوحيد الصفّ الإسلاميّ ولمّ الشمل ونبذ الخلافات وتوجيه الأنظار والأفكار نحو العدوّ المشترك لأبناء أمّتنا الإسلاميّة العظيمة. كما قدّم الفقيد الراحل من خلال صبره على الابتلاء الإلهيّ في أواخر حياته حيث ألمّ به المرض وكبّده الكثير من العناء مثالاً رائعاً للإنسان المؤمن الصابر الشاكر المحتسب المتوكّل على الله العليّ القدير.

إنّني بهذه المناسبة الأليمة إذ أتقدّم بأحرّ التعازي لأعضاء أسرته الكريمة ورفاق دربه وتلامذته ومحبّيه ولاسيّما لعلماء أمّتنا الإسلاميّة والحوزات العلميّة الدينيّة، أسال الله أن يتغمّده برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جنانه ويدخله في سعة 
 
 
 
 
 
 
 
177

147

الإمام الخامنئي دام ظلّه يعزّي بوفاة العلّامة الفضليّ

 رضوانه ويلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان، كما أسال الله جلّ وعلا أن يمنّ على جميع علمائنا الأخيار بوفور الصحّة ودوام التوفيق والاقتداء بفقيدنا السعيد فكراً وسلوكاً وجهاداً وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.


الإمام الخامنئي دام ظلّه 
يعزّي بوفاة العلّامة الفضليّ
 
 
 
 
 
 
 
178

148

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج


المناسبـة: يوم العامل 
الحــضـور: حشد من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
07/02/1392 هـ.ش.
16/06/1434 هـ.ق.
27/04/2013 م.

 
 
 
 
179

149

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 بسم الله الرحمن الرحيم


أرحّب بكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، الطاقات المكرّمة العاملة على ازدهار البلاد وتقدّمها. أنتم شخصيّات كريمة ونجيبة وملتزمة، أخذتم على عاتقكم واحدةً من أصعب مهمّات إدارة البلد وتقدّمه، وتحمّلتم في سبيل سعادة هذا الشعب، أعباء العمل الثقيلة. الله تعالى يقدّر جهودكم ومساعيكم، ونسأله أن يجزل لكم الأجر والثواب. 

العامل ضمان مسيرة التقدّم
من المتعارف عليه، بمناسبة يوم العمّال، أن يثني أصحاب الأقلام والبيان والخطابة على شريحة العمّال ومناقبهم، وهذه ممارسة محمودة وفي مكانها طبعاً، بغضّ النظر عن مدى تأثير الكتابات والخطابات في رفع مرتبة العامل، فإنّ المنقبة الأصليّة والمحوريّة للطاقات العاملة في المجتمع هي أنّ العامل يضمن بجسمه وروحه وعقله مسيرة تقدّم البلاد إلى الأمام وتوفير الراحة والخدمات للشعب. صحيح أنّ ثمة عوامل أخرى مؤثّرة في هذا المضمار - نظير الطاقات التي تُوفّر رؤوس الأموال والطاقات الإدارية - وينبغي تثمينها وتقديرها في مواطنها، لكنّ العامل يقوم بهذا العمل بجسمه وروحه، ولهذه القضيّة قيمة وأهميّة مضاعفة. 

إذا لم تتوفّر في بلد من البلدان طاقات إنسانيّة عاملة، أو إذا كانت هذه الطاقات ضعيفة، أو غير ماهرة، أو إذا شابت أذهانها وأفكارها طرائق سياسيّة متنوّعة، فإنّ ذلك البلد سيصاب بالشّلل. أنتم (المنظومة العمّالية في البلد) العمود الفقريّ

 
 
 
 
 
181

150

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 للبلد، وأنتم الذين تعملون غالباً على الحيلولة دون إصابة البلد بالشلل. هذا شيء يجب أن يعلم ويكون واضحاً ويتوجّب أن يعلمه ويفهمه جميع الناس. على مستوى صناعة الثقافة يجب أن يعرف الناس قيمة العمل والعامل، وعلى المستوى العمليّ أيضاً ينبغي للمشرّعين والتّنفيذيّين أن يولوا هذه الأمور أهميّة دائمة, فإذا تمتّعت شريحة العمّال في بلد من البلدان بالرعاية والأمل والأمن المهنيّ، فستكون مسيرة ذلك البلد نحو التقدّم سهلة يسيرة. هذه حقيقة يجب أن يعلمها ويدركها الجميع.


حركة العمّال، أحد مفاتيح النصر:
و أنا أعتقد أنّ أهميّة طبقة العمّال أعلى حتّى من هذا. ما سلف ذكره أمرٌ يتعلّق بكلّ مكان وبجميع البلدان. ولكنّ ثمّة حالة مضاعفة هنا (في إيران)، وهي أنّ العمّال - إضافة إلى قيامهم بواجباتهم المهنيّة والعمليّة ـ قاموا على أحسن نحو بالوظائف الثوريّة والوطنيّة. في بداية انتصار الثورة الإسلاميّة كانت حركة العمّال العظيمة أحد مفاتيح النصر - عمّال شركة النفط وغيرهم وغيرهم - وكذلك في فترة الدفاع المقدّس. ففي جبهات القتال, أين ما كان ينظر المرء يجد العمّال الشّباب والكهول يملؤون الجبهات. وفي الأحداث السياسيّة المختلفة لم يرضخ العمّال لإغراءات ووساوس الذين أرادوا أن يكون للعمّال مواقف مناهضة للثورة والنظام الإسلاميّ. هذه ليست بالأمور القليلة. طبعاً الكثيرون لا يعلمون هذه الحقائق، ونحن قد لمسناها عن قرب. 

في الأيّام الأولى لانتصار الثورة الإسلاميّة حضرتُ شخصيّاً وسط جماعة عمّاليّة في غرب طهران، وشاهدتُ ماذا يفعل أعداء الإسلام والثورة, وكيف يخطّطون ويبرمجون، وما هي مخطّطاتهم ليستطيعوا - منذ البداية ومع بزوغ أنوار الثورة وبوساطة طبقة العمّال - تكريس نفوذهم السياسيّ التّابع لبعض القوى الكبرى. هذا ما شاهدته عن كثب. وشاهدتُ، في مقابل ذلك، الشريحة العاملة المؤمنة المتديّنة, بفضل ما لها من إيمان وبفضل ثقتها بالإمام الخميني الجليل ورجال الدين، شاهدتها

 
 
 
 
182

151

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 تقف بصراحة وشجاعة مقابل أولئك، وهذا ما تكرّر على مدى سنوات طويلة. وقد مضى على تلك الأيام 34 عاماً. حاول الكثيرون وسعوا وأنفقوا الأموال ليضعوا طبقة العمّال في مقابل النظام الإسلاميّ. لكنّ الطبقة العاملة وقفت وقاومت، وهذا على جانب كبير من الأهميّة. هذه حقائق تكشف لنا قيمة المنظومة العمّاليّة في إيران، قيمتها الإنسانيّة والثوريّة والحضاريّة. هذه أمور يجب أن تتحوّل إلى ثقافة ليعلمها ويدركها الجميع. وعليكم أيّها العمّال أن تفخروا بذلك. 


في العام الماضي أطلقنا شعار دعم العمل ورأس المال الإيرانيَّيْن. وهذه المسألة لا تنتهي في سنة واحدة. يرفع الأعزّاء والمسؤولون تقارير عن إنجاز كذا وكذا، لا بأس، بارك الله في أيّ عمل ينجز بنيّة صالحة خيّرة، ولكن ينبغي متابعة الأمر بصورة جدّيّة ومحوريّة، وهذا يقع على عاتق كلّ الناس. هذا جانب مهمّ من صناعة الثقافة التي أشرنا إليها. 

المنتجات المحليّة أوّلاً
رفعنا شعار: الإنتاج الداخليّ، العمل ورأس المال الإيرانيّ. هذا معناه أن لا يختطف بريق وسحر الأسماء الأجنبيّة الأنظار. فليعلم الجميع أنّ هذا المنتج الذي يشترونه إمّا يزيد من رفاهيّة عامل إيرانيّ أو يتسبّب في حرمانه وفقره ويزيد من رفاه العامل الأجنبيّ. طبعاً نحن نحبّ البشريّة كلّها، لكن العامل الإيرانيّ يعمل لرفعة بلاده وشموخها, وهو جزء مهمّ وثمين وعزيز من جسد هذا الشعب, فينبغي تعضيده وتأييده وتقويته. بعضهم لا يفهمون هذا ولا يدركونه، أو لا تختلف بالنسبة إليهم علامات المنتجات الإيرانيّة والأجنبيّة، أو حتّى على العكس، بدل أن يبحثوا عن علامات الإنتاج الإيرانيّ يبحثون عن علامات الإنتاج الأجنبيّ. هذا انحراف وخطأ. كلّ الناس مخاطبون بهذا الكلام. 

إنّني أؤكّد وأصرّ وأطلب من كلّ الشّعب الإيرانيّ أن يتجّه نحو استهلاك المنتجات الداخليّة. هذه ليست بالقضيّة الصغيرة ولا بالعمليّة القليلة الأهميّة، إنّما هي قضيّة

 
 
 
 
 
183

152

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 وممارسة كبرى. طبعاً الأجهزة والمؤسّسات الحكوميّة وأجهزة الدولة - الحكوميّة بالمعنى العامّ للكلمة - تتحمّل من هذه الناحية واجبات مضاعفة. الوزارة الفلانيّة والمؤسّسة الفلانيّة والدائرة الفلانيّة حينما تريد تأمين ما تحتاج إليه من بضائع ولوازم يجب أن لا تستخدم البضائع الأجنبيّة مطلقاً، بل تستخدم المنتجات الداخليّة. طبعاً من الجانب الآخر يطالَبُ المنتِج الداخليّ - سواء كان مديراً أو عاملاً أو مستثمراً - ويؤكّد عليه بأن يقدّم منتجات جيّدة وكاملة ومناسبة. فكلا الجانبين ممّا أشار إليه ديننا الإسلاميّ المقدّس واهتمّ به. يطالبنا الله سبحانه بمتانة العمل، ويطالبنا أيضاً باحترام العامل، وبتأمين أمنه الحياتيّ والمهنيّ، ويطالبنا الله كذلك بتأمين أمن رأس المال. 


الرأسماليّة، انحدار إلى الهاوية
حينما تُلاحَظ هذه الأمور كلُّها إلى جانب بعضها، فلن تحصل هذه الحالات من الإفراط والتفريط تحت مسمّيات مختلفة، سواء في حيّز نشاط الاقتصاد الليبراليّ الذي يسمّونه الحرّ - الحرّ يعني حرّاً لأصحاب رأس المال، وسجناً وحبساً وضغوطاً على الطبقات المظلومة والفقيرة، وتلاحظون اليوم ردود الأفعال على ذلك في أوروبا - أو في الحيّز الاشتراكيّ. الدليل الأكبر على خطأ الاقتصاد الذي يسمّى ليبراليّاً هو الأحداث الجارية اليوم في أوروبا بشكل، وفي أميركا بشكل آخر. لقد أثبت الاقتصاد الرأسماليّ خطأه وإخفاقه على الصعيد العمليّ وعلى صعيد التجربة، وهو لا ينفع حتّى الطبقات التي تَكَوَّنَ هذا الاقتصاد وظَهَرَ لحمايتها. والطبقة العمّاليّة تُسحق منذ سنوات طويلة هناك، لكن الوضع حتّى ليس في صالح أصحاب الرساميل والبنوك والكارتلات أنفسهم. وهذه هي بداية المطاف، وسوف يزداد الأمر سوءاً في المستقبل. وهم لا يكفّون عن إطلاق الوعود بإصلاح الأمور، لكنّهم لن يستطيعوا إصلاحها، فطريقهم طريق منحدر زلق، وهم ينحدرون إلى الأسفل، وهذا جزء من تضعضع الحضارة الغربيّة الماديّة الخاطئة. هذا ناهيك عن مشكلاتهم الأخلاقيّة

 
 
 
 
 
184

153

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 والعقيديّة والنظريّة والفكريّة. هذه تجارب بالنسبة إلينا. والعالم الاشتراكيّ أثبت عجزه وإخفاقه منذ سنوات طويلة. 


للإسلام نظرته المتوازنة الإنسانيّة العادلة لكلّ المجالات والميادين، بما في ذلك هذا المجال، فهو يراعي هذا الطرف وذاك الطرف, ويدعو إلى الأخوّة بينهم وليس إلى التعارض والاختلاف، والجميع يركّزون على الواجب الإلهيّ ويعلمون أنّ الله تعالى حاضرٌ ناظرٌ يراهم. هذه يجب أنْ تكون ثقافة حياتنا، وينبغي أنْ نعمل على هذه الشاكلة.

الملحمة السياسيّة والاقتصاديّة
رفعنا شعار "الملحمة السياسيّة" و"الملحمة الاقتصاديّة". والملحمة الاقتصاديّة ليست بيد الحكومة فقط، فلا مراء أنّ التخطيط والبرامج الحكوميّة هي على جانب كبير من الأهميّة. الملحمة تعني الحدث الجهاديّ الحماسيّ الكبير. هذا شيء يجب أن يأخذه الشّعب الإيرانيّ ومسؤولو البلاد بنظر الاعتبار، ويردموا الهوّات ويملؤوا الفراغات بعد أنْ يعرِفوها ويشخّصوها. يجب النظر إلى حياة الطبقات الضعيفة والفقيرة، وأخذها بعين الاعتبار في كلّ البرامج والتخطيطات.. هذه هي الملحمة. على كلّ الناس، سواء في ما يتعلّق باستهلاكهم أو إنتاجهم، والقطاعات الإنتاجيّة بشكل والقطاعات المستهلكة بشكل، والقطاعات الخدميّة بشكل، على الجميع أنْ يعلموا أنّه لا بدّ من قفزة واسعة لتقدّم البلاد، ولا بدّ من صناعة ملحمة. عندها ستتقدّم البلاد وتستقرّ. الملحمة السياسيّة والملحمة الاقتصاديّة توأمان. كلّ واحدة منهما تعزّز الثانية وتصونها وتحفظها. 

حين قلنا في بداية السنة "الملحمة السياسيّة والملحمة الاقتصاديّة" قلنا ذلك عن وعي وإدراك، وأدرك العدوّ أيضاً ماذا نقول؟ حاول العدوّ بالحظر والضغوط الاقتصاديّة المختلفة إخراج الشعب من الساحة، ويقول مع ذلك: إنّني لا أعادي الشعب. هو يكذب.. يكذب بكلّ سهولة وبكلّ وقاحة! معظم الضغوط هي من أجل

 
 
 
 
 
185

154

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 إزعاج الناس وإيذائهم والتضييق عليهم وتعريضهم للضغوط عسى أن يستطيعوا الفصل بين الشعب والنظام الإسلاميّ، الهدف هو الضغط على الناس. إذا جرى الاهتمام بهذه الحركة الاقتصاديّة العظيمة وهذه القفزة الاقتصاديّة وهذه البرمجة الصحيحة، سواء على مستوى التشريع أو على مستوى التنفيذ، وعلى سائر المستويات، فسوف يتمّ إحباط كلّ هذه الضغوط. على الشّعب الإيرانيّ ومسؤولي البلاد إبداء عزيمة راسخة لفرض اليأس على العدوّ. 


عدوّ يجهل شعب إيران
و كذا الحال بالنسبة إلى الملحمة السياسيّة. الملحمة السياسيّة تعني الحضور الواعي للشعب في الساحة السياسيّة وفي ساحة إدارة البلاد. والنموذج البارز لهذا التواجد هو المشاركة في الانتخابات التي ستقام بعد فترة وجيزة (حزيران2013م) إن شاء الله وبتوفيق من الله في وقتها المقرّر، وبمشاركة وحضور واندفاع من قبل جماهير الشعب. ولأنّهم أدركوا ما هو هدف الملحمة السياسيّة والملحمة الاقتصاديّة بدأوا بالتخريب والتشويه - حسب ما تُمليه عليهم أوهامهم - من الآن. اليوم ثمّة صنوف من الإعلام والدعاية غايتها بثّ اليأس في نفوس الناس على الصعيد الاقتصاديّ، والتقليل من محفّزات الشعب للحضور في الساحة السياسيّة وخصوصاً في ساحة الانتخابات. إنّهم لم يعرفوا الشّعب الإيرانيّ بعد. هذه الحركة العظيمة للشّعب الإيرانيّ في الميادين المختلفة لم تستطع بعدُ أن تنبّه المخطّطين وواضعي السياسات الاستكباريّة خلف الكواليس من غفلتهم وجهلهم، فهم لا يعلمون من هو الجانب الآخر. لقد صبر الشّعب الإيرانيّ وقاوم طوال أكثر من ثلاثين عاماً على الرغم من كلّ هذه المعارضات والعداوات. إذا كان المسؤولون قد صبروا وقاوموا، فما ذلك إلّا بدعم من الشعب. الفضل الأوّل يعود للناس والثناء الأكبر تستحقّه جماهير الشعب. هم الذين ربطوا على قلوب المسؤولين وساندوهم ليتمكّنوا من المقاومة - أينما قاوموا - أمام تعسّف الأعداء

 
 
 
 
 
186

155

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 والمستكبرين وضغوطهم وجشعهم. وكذا الحال اليوم أيضاً، وسيكون الوضع على نفس الشاكلة في المستقبل بتوفيق من الله.


الانتخابات ساحة الظهور والبروز
قضيّة الانتخابات قضيّة مهمّة. ساحة الانتخابات ساحة ظهور الاقتدار الوطنيّ في البلد. الشعب الحيّ والنشط والمعتمد على الإرادة الإلهيّة والواثق بتعضيد الله وعونه، هذا الشعب سوف ينتصر في كلّ الساحات والميادين. وكذا الحال في هذه الساحة أيضاً.

قلنا: لتنزل إلى الساحة كلّ الأذواق والتيّارات المختلفة وكلّ من يشعر بأنّ لديه المقدرة، وسوف تشارك كتل الشعب الهائلة البالغة عشرات الملايين في الساحة إن شاء الله، ولكن لا يخطئ الذين يرشّحون أنفسهم في حساباتهم، وليعلموا ما هي إدارة البلاد تنفيذيّاً. لا يخطئوا في تقييم حاجة البلاد لقوّة وسلطة تنفيذيّة، ولا يخطئوا في تقييم قدراتهم على حمل هذه الأعباء. إذا كانت لهم تقييماتهم الصحيحة فليخوضوا غمار الساحة، والشعب ينظر وينتخب.

آلية اختيار المرشّحين
آليّة الانتخابات في بلادنا آليّة متينة. اعتراضات البعض هنا وهناك غير منطقيّة وفي غير محلّها حقّاً. وجود مجلس صيانة الدستور في دستور البلاد - والذي شدّد عليه الإمام الخميني قدس سره مراراً وتكراراً - وجودٌ مباركٌ بحقّ. تشخيص مجلس صيانة الدستور هو تشخيص مجموعة من الأفراد العدول والمحايدين وذوي البصيرة في ما يخصّ أهليّة المرشّحين. هذا شيء مبارك وممدوح بالنسبة إلينا وإلى كلّ أبناء الشعب. وأبناء الشعب يبحثون ويحقّقون بين الذين تمّ تأييد أهليّاتهم وصلاحيّتهم، ويستفسرون من الذين يثقون بهم، وينظرون لسوابق المرشّحين وشعاراتهم وكلامهم وأقوالهم، ثمّ يتخذون قرارهم.

 
 
 
 
187

156

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 المرشّح للانتخابات يجب أن يكون:

أوّلاً: مؤمناً معتقداً بالله وبهذه الثورة وبدستور البلاد وبهذا الشعب.
ثانياً: متحلِّياً بروحيّة مقاومة. لهذا الشعب أهدافه وطموحاته السامية ومشاريعه الكبرى، وهو شعب غير مستسلم، ولا أحد بوسعه التحدّث مع هذا الشعب بلغة القوّة. الذين يتولّون المسؤوليات العليا في السلطة التنفيذية يجب أن يكونوا مقاومين أمام ضغوط الأعداء، فلا يسارعوا إلى الخوف والفزع، ولا يسارعوا لترك الساحة. هذا من الشروط اللّازمة.

ثالثاً: من الأفراد المدبّرين وذوي الحكمة. رفعنا في السياسة الخارجيّة شعارات "العزّة والحكمة والمصلحة". وكذا الحال في إدارة البلاد، وفي القضايا والشؤون الداخليّة، وكذلك في الشؤون الاقتصاديّة. يجب أن ينظروا إلى الأمور والأعمال من زاوية التخطيط والبرمجة وبحكمة وتدبير، وبنظرة طويلة الأمد وشاملة، وبهندسة صحيحة للأعمال والمهمّات. 

التفكير الاقتصاديّ بطريقة يوميّة مؤقّتة حالة مضرّة، وتغيير السياسات الاقتصاديّة بشكل دائم ممارسة مضرّة - إنّها مضرّة في كلّ القطاعات وخصوصاً في المجال الاقتصاديّ - والاعتماد على الآراء والقرارات غير الخبرويّة حالة مضرّة، وانتهاج الأساليب التعضيديّة في الاقتصاد المفروضة من قِبَل الشرق والغرب أيضاً أمرٌ مضرّ. السياسات الاقتصاديّة يجب أن تكون سياسات اقتصاد مقاوم. والاقتصاد المقاوم يجب أن يكون مقاوماً في بُنيته الداخليّة، وبمقدوره أن يصمد ولا يتلاطم بالتغييرات المختلفة في العالم هنا وهناك. هذه أمور ضروريّة ولازمة. رئيس الجمهوريّة الذي يريد إدارة هذا البلد الكبير والسير في هذا الدرب الزاخر بالمفاخر بمساعدة الناس، يجب أن يتحلّى بمثل هذه الخصوصيّات. 

رابعاً: متحلِّياً بالتهذيب الأخلاقيّ وعدم الخوض في القضايا الجانبيّة. هذه أمور ضروريّة. وقد كانت هذه توصيتي دائماً لكلّ الحكومات. وتعلمون أنّني دعمت دوماً الحكومات ورؤساء الجمهوريّة طوال هذه الأعوام. وقد أوصيتهم بتوصياتي

 
 
 
 
188

157

عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

 أيضاً، وفي حالات كثيرة طالبتهم بإيضاحات. ما شدّدتُ عليه هو أن لا يخلقوا للناس تكاليف ومشاكل وهموماً وقلقاً، ولا يسبّبوا لهم التشويش والاضطراب. وطبعاً يجب أن لا يطلقوا وعوداً اعتباطيّة من دون أساس، ولا يوهموا الناس بأمنيات حالمة غير منطقيّة. بل يتحرّكوا بطريقة منطقيّة ومعقولة ومتطابقة مع الواقع وبالتوكّل على الله تعالى. ويجب أن يكون هذا هو الحال في المستقبل أيضاً إن شاء الله. 


ما فهمناه من تجربة الثورة طوال سنين، هو أنّ الله تعالى سينصر بفضله وهدايته هذا الشعب على كلّ أعدائه. والأعداء أنفسهم سيعترفون - وهم يعترفون اليوم - أنّ كلّ من يصطدم بهذا الشعب وبهذه المسيرة العظيمة وبهذه المحفزّات الإيمانيّة العميقة لدى هذا الشعب، سوف يسقط ويهزم لا محالة.

نسأل الله تعالى أنْ يجعل مستقبل هذا الشعب العزيز وهذا البلد أفضل من ماضيه يوماً بعد يوم، وأن يمنّ عليكم أيّها الشعب العزيز بالانتصارات المتعاقبة. وستستطيع طبقة العمّال والمنظومة العمّالية الهائلة في البلاد التي خلقت لحدّ الآن كلّ هذه المفاخر، أن تُضاعف مفاخرها في المستقبل، وتزيد من إشراق الوجه المشرق للطاقات العمّاليّة بين الناس إن شاء الله.

و السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
189

158

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في المؤتمر العالميّ

لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة


المناسبـة: إنعقاد مؤتمر الصحوة الإسلامية
الحــضـور: جمع غفير من علماء الدين من البلدان الإسلامية
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
09/02/1392 هـ.ش.
18/06/1434 هـ.ق.
29/04/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
191

159

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد المصطفى، وآله الأطيبين وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أرحّب بكم أيّها الضيوف الأعزّاء، وأسأل الله العزيز الرحيم أن يبارك في هذا الجهد الجماعيّ، وأن يجعله شوطاً فاعلاً على طريق حياة فُضلى للمسلمين، إنّه سميعٌ مجيب.

موضوع الصحوة الإسلاميّة الذي ستتناولونه في هذا المؤتمر هو اليوم في رأس قائمة قضايا العالم الإسلاميّ والأمّة الإسلاميّة.. إنّه ظاهرة عظيمة لو بقيت سليمة واستمرّت بإذن الله لاستطاعت أن تقيم الحضارة الإسلاميّة في أفق ليس ببعيد للعالم الإسلاميّ، ومن ثَمّ للبشريّة جمعاء.

شمسُ الإسلام أطلَّت
إنّ البارز أمام أعيننا اليوم، ولا يستطيع أيّ إنسان مطّلع وذي بصيرة أن ينكره هو أنّ الإسلام اليوم قد خرج من هامش المعادلات الاجتماعيّة والسياسيّة في العالم، واتخذ موقعاً بارزاً وماثلاً في قلب العناصر المشكّلة لحوادث العالم، ليقدّم رؤية جديدة على ساحة الحياة والسياسة والحكم والتطوّرات الاجتماعيّة. ويشكّل ذلك، في عالمنا المعاصر الذي يعاني بعد هزيمة الشيوعيّة والليبراليّة من فراغ فكريّ ونظريّ عميق، ظاهرةً ذات مغزى وأهميّة بالغة.

وهذا أوّل أثر تركته الحوادث السياسيّة والثوريّة في شمال أفريقيا والمنطقة
 
 
 
 
 
 
 
193

160

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 العربيّة على الصعيد العالميّ، وهو بدوره يبشّر بظهور حقائق كبرى في المستقبل.

 
إنّ الصّحوة الإسلاميّة التي يتجنّب المتحدّثون باسم جبهة الاستكبار والرجعيّة ذكرها، بل يخافون أن يجري اسمها على ألسنتهم، هي حقيقةٌ نرى معالمها اليوم في أرجاء العالم الإسلاميّ كافّة. وأبرز معالمها تطلّع الرأي العامّ، وخاصّة جيل الشّباب، إلى إحياء مجد الإسلام وعظمته، ووعيهم لحقيقة نظام الهيمنة العالميّة، وانكشاف الوجه الخبيث والظالم والمستكبر لحكومات ودوائر أنشبت أظفارها الدامية لأكثر من قرنين في المشرق الإسلاميّ وغير الإسلاميّ، وجعلت مقدّرات الشعوب عرضة لنزعتها الشّرسة والعدوانيّة نحو الهيمنة، وذلك بقناع المدنيّة والثقافة.
 
بشائر النصر
أبعاد هذه الصحوة المباركة واسعة غاية السّعة وذات امتداد رمزيّ، ولكن ما حقّقته من نتائج ناجزة في بعض بلدان شمال أفريقيا من شأنه أن يجعل القلوب واثقة بنتائج مستقبليّة كبرى وهائلة. إنّ تحقّق معاجز الوعود الإلهيّة يحمل دائماً معه دلالات أمل يبشّر بتحقّق وعود أكبر. وما يحكيه القرآن الكريم عن الوعدين الإلهيّين لأمّ موسى هو نموذج من هذه السنّة الربانيّة.
 
إذ في تلك اللحظات العسيرة، حيث صدر الأمر بإلقاء الصندوق حامل الرضيع في اليمّ، جاء الخطاب الإلهيّ بالوعد: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾1 إنّ تحقّق الوعد الأوّل، وهو الوعد الأصغر الذي شدّ (ربط) على قلب الأمّ، أصبح منطلقاً لتحقّق وعد الرسالة، وهو أكبر بكثير، ويستلزم طبعاً تحمّل المشاقّ والمجاهدة والصبر الطويل: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ...﴾2 هذا الوعد الحقّ هو تلك الرسالة الكبرى التي تحققت بعد سنين وغيّرت مسيرة التاريخ.
 
ومن النماذج الأخرى، التذكير بالقدرة الإلهيّة الفائقة في قمع مهاجمي الكعبة،



1 سورة القصص، الآية: 7.
2  سورة القصص، الآية: 13.
 
 
 
 
 
 
194

 


161

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 والذي ورد في القرآن بلسان الرسول الأعظم ﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ﴾1 وذلك لتشجيع المخاطبين علي امتثال الأمر الإلهيّ: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾2.

 
وفي موضع آخر يذكّر سبحانه رسوله بما أغدقه عليه من نعم تشبه المعجزة: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾3، ليكون ذلك وسيلة لتقوية معنويات نبيّه الحبيب وإيمانه بالوعد الإلهيّ في قوله: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾4، ومثل هذه الأمثلة كثيرة في القرآن الكريم.
 
إنَّ معيَ ربِّي
حين انتصر الإسلام في إيران، واستطاع أن يفتح قلاع أميركا والصهيونيّة في أحد أكثر البلدان حساسية بامتياز من هذه المنطقة المهمّة، عَلِم أهل العبرة والحكمة أنّهم إذا انتهجوا طريق الصبر والبصيرة فإنّ فتوحات أخرى ستتوالى عليهم، وقد توالت فعلاً.
 
إنّ الحقائق الساطعة في الجمهوريّة الإسلاميّة والتي يعترف بها الأعداء قد تحقّقت بأجمعها في ظلّ الثقة بالوعد الإلهيّ والصبر والمقاومة والاستمداد من ربّ العالمين. دائماً كان شعبنا يرفع صوته بالقول: ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾5 أمام وساوس الضعفاء الذين كانوا يردّدون في الفترات الحرجة: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾6.
 
هذه التجربة الثّمينة هي اليوم في متناول الشعوب التي نهضت بوجه الاستكبار والاستبداد، واستطاعت أن تسقط أو تزلزل عروش الحكومات الفاسدة الخاضعة والتابعة لأميركا. بإمكان الثبات والصبر والبصيرة والثقة بالوعد الإلهيّ في قوله



1 سورة الفيل، الآية: 2.
2 سورة قريش، الآية: 3.
3 سورة الضحى، الآية: 7,6.
4 سورة الضحى، الآية: 3.
5 سورة الشعراء، الآية: 62.
6 سورة الشعراء، الآية: 61.
 
 
 
 
 
 
 
195

162

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 سبحانه: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾1 أن تمهّد طريق العزّ هذا أمام الأمّة الإسلاميّة حتى تصل إلى قمّة الحضارة الإسلاميّة.

 
الصحوة: نقاط لا بدّ من ذكرها 
إنّني في هذا الاجتماع المهمّ لعلماء الأمّة بمختلف أقطارهم ومذاهبهم أرى من المناسب أن أبيّن بضع نقاط ضروريّة حول قضايا الصحوة الإسلاميّة:
1- العلماء رأسُ الحربة 
إنّ الأمواج الأولى للصحوة في بلدان هذه المنطقة، والتي اقترنت ببدايات دخول الغزو الاستعماريّ، قد انطلقت غالباً على يد علماء الدين والمصلحين الدينيين. لقد خلّدت صفحات التاريخ وللأبد أسماء قادة وشخصيات بارزة من أمثال السيّد جمال الدين الأسد آبادي (الأفغاني)، ومحمّد عبده، والميرزا الشيرازيّ، والآخوند الخراسانيّ، ومحمود الحسن، ومحمّد علي، والشيخ فضل الله النوريّ، والحاجّ آقا نور الله، وأبي الأعلى المودوديّ، وعشرات من كبار علماء الدين المعروفين والمجاهدين وذوي النفوذ، من إيران ومصر والهند والعراق. 
 
ويبرز في عصرنا الراهن اسم الإمام الخميني العظيم مثل كوكب ساطع على جبين الثورة الإسلاميّة في إيران. وكان لمئات العلماء المعروفين وآلاف العلماء غير المعروفين في الحاضر والماضي دورٌ في المشاريع الإصلاحيّة الكبيرة والصغيرة في ساحات مختلف البلدان. وقائمة المصلحين الدينيّين من غير علماء الدين كحسن البنّا وإقبال اللّاهوريّ هي طويلة أيضاً ومثيرة للإعجاب.
 
وقد كانت المرجعيّة الفكريّة لعلماء الدين ورجال الفكر الدينيّ بدرجة وأخرى، وفي كلّ مكان. لقد كانوا سنداً روحيّاً قويّاً للجماهير، وحيثما قامت قيامة التحوّلات الكبرى ظهروا في دور المرشد والهادي، وتقدّموا لمواجهة الخطر في مقدّمة صفوف الحراك الشعبيّ، وازداد الارتباط الفكريّ بينهم وبين الناس، وغدوا أكثر تأثيراً في



1 سورة الحج، الآية: 40.
 
 
 
 
 
 
 
196

163

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 دفع الناس نحو الطريق الصحيح. وهذا له من الفائدة والبركة لنهضة الصحوة الإسلاميّة بمقدار ما يجرّ من انزعاج وامتعاض على أعداء الأمة والحاقدين على الإسلام والمعارضين لسيادة القيم الإسلاميّة ما يدفعهم إلى محاولة إلغاء هذه المرجعية الفكرية للمؤسّسات الدينيّة واستحداث أقطاب جديدة عرفوا بالتجربة أنّه بالإمكان المساومة معها بسهولة على حساب المبادئ والقيم الدينيّة. وهذا ما لا يحدث إطلاقاً مع العلماء الأتقياء ورجال الدين الملتزمين.

 
هذا ما يضاعف ثقل مسؤوليّة علماء الدين. فعليهم أن يسدّوا الطريق أمام الاختراق بفطنة ودقّة متناهية وبمعرفة أساليب العدوّ الخادعة وحيله، وأن يحبطوا مكائده. إنّ الجلوس على الموائد الملوّنة بمتاع الدنيا هو من أكبر الآفات، وإنّ التلوّث بهبات أصحاب المال والسلطة وعطاياهم، والارتباط المادي بطواغيت الشّهوة والقوّة من أخطر عوامل الانفصال عن الناس والتفريط بثقتهم ومحبّتهم. فالأنانيّة وحبّ الجاه الذي يجرّ الضعفاء إلى أقطاب القوّة يشكّلان أرضيّة خصبة للتلوّث بالفساد والانحراف. لا بدّ أن نضع نصب أعيننا قوله سبحانه: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾1.
 
إنّنا اليوم، في عصر حراك الصحوة الإسلاميّة وما تبعثه في النفوس من أمل، نشاهد أحيانًا مساعيَ خَدَمِ أميركا والصهيونيّة لاصطناع مرجعيّات فكريّة مشبوهة من ناحية، ومساعي الغارقين في المال ومستنقع الشهوات لجرّ أهل الدين والتقوى إلى موائدهم المسمومة الملوّثة من ناحية أخرى.
 
فعلى علماء الدين والرجال المتديّنين والمحافظين على الدين أن يراقبوا هذه الأمور بشدّة ودقّة.
 
2- إقامة "الحضارة الإسلاميّة المجيدة"
التأكيد على ضرورة رسم هدف بعيد المدى للصحوة الإسلاميّة في البلدان المسلمة يوضع أمام الجماهير ليكون البوصلة في حركتها للوصول إليه. وبمعرفة 



1 سورة القصص، الآية: 83.
 
 
 
 
 
 
 
197

164

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 هذا الهدف يمكن رسم خريطة الطريق وتحديد الأهداف القريبة والمتوسّطة. هذا الهدف النهائيّ لا يمكن أن يكون أقلّ من إقامة "الحضارة الإسلاميّة المجيدة". فالأمّة الإسلاميّة، بكلّ أجزائها في إطار الشعوب والبلدان، يجب أن تعتلي مكانتها الحضاريّة التي يدعو إليها القرآن الكريم.

 
إنّ من الخصائص الأصليّة والعامّة لهذه الحضارة استثمار أبناء البشر لجميع ما أودعه الله في عالم الطبيعة وفي وجودهم من مواهب وطاقات ماديّة ومعنويّة لتحقيق سعادتهم وسموّهم. ويمكن، بل وينبغي مشاهدة مظاهر هذه الحضارة في إقامة حكومة شعبيّة، وفي قوانين مستلهمة من القرآن، وفي الاجتهاد وتلبية الاحتياجات المستحدثة للبشر، وفي رفض الجمود الفكريّ والرجعيّة، ناهيك عن البدعة والالتقاط، وفي إنتاج الرفاه والثروة العامّة، وفي استتباب العدل، وفي التخلّص من الاقتصاد القائم على الاستئثار والربا والتكاثر، وفي إشاعة الأخلاق الإنسانيّة، وفي الدفاع عن المظلومين في العالم، وفي السعي والعمل والإبداع.
 
ومن مستلزمات هذا البناء الحضاريّ النظرة الاجتهاديّة والعلميّة للساحات المختلفة بدءاً من العلوم الإنسانية ونظام التربية والتعليم الرسميّ، ومروراً بالاقتصاد والنظام المصرفيّ، وانتهاء بالإنتاج الصناعيّ والتقنيّ ووسائل الإعلام الحديثة والفنّ والسينما، بالإضافة إلى العلاقات الدوليّة وغيرها من الساحات.
 
وتدلّ التّجربة علي أنّ كلّ ذلك ممكن وفي متناول مجتمعاتنا بطاقاتها المتوفّرة. لا يجوز أن ننظر إلى هذا الأفق بنظرة متسرّعة أو متشائمة. التشاؤم في تقويم قدراتنا كفران بنعم الله، والغفلة عن الإمداد الإلهيّ ودعم سنن الخلق انزلاق في ورطة: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾1.
 
نحن قادرون على أن نكسر حلقة الاحتكارات العلميّة والاقتصاديّة والسياسيّة لقوى الهيمنة، وأن نجعل الأمّة الإسلاميّة سبّاقة لإحقاق حقوق أكثريّة شعوب العالم التي هي اليوم مقهورة أمام أقليّة مستكبرة.



1 سورة الفتح، الآية: 6.
 
 
 
 
 
 
 
198

165

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 الحضارة الإسلاميّة بمقوّماتها الإيمانيّة والعلميّة والأخلاقيّة، ومن خلال الجهاد الدائم، قادرة علي أن تقدّم للأمّة الإسلاميّة وللبشريّة المشاريع الفكريّة المتطوّرة والأخلاق السامية، وأن تكون منطلق الخلاص من مظالم الرؤية الماديّة للكون ومن الأخلاق الغارقة في مستنقع الرّذيلة التي تشكّل أركان الحضارة الغربيّة القائمة.

 
3- التبعيّة للغرب: تجارب مرّة 
ينبغي في إطار حركات الصحوة الإسلاميّة الالتفات دائماً إلى التجربة المرّة والفظيعة التي تركتها التبعيّة للغرب على السياسة والأخلاق والسلوك ونمط الحياة.
 
لقد مُنيت البلدان الإسلاميّة، خلال أكثر من قرن من التبعيّة لثقافة الدول المستكبرة وسياستها، بآفات مهلكة مثل: الذّيلية (التبعيّة) والذّلة السياسيّة والفقر الاقتصاديّ وتهاوي الأخلاق والفضيلة، والتخلّف العلميّ المُخجِل، بينما الأمّة الإسلاميّة تمتلك تاريخاً مشرقاً من التقدّم في جميع هذه المجالات.
 
لا ينبغي اعتبار هذا الكلام مناصبة العداء للغرب، نحن لا نكنّ العداء لأيّة مجموعة إنسانيّة بسبب تمايزها الجغرافيّ. نحن تعلّمنا من الإمام عليّ عليه السلام ما قاله عن الإنسان أنّه: "إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق"1. اعتراضنا إنّما هو على الظلم والاستكبار والتحكّم والعدوان والفساد والانحطاط الأخلاقيّ والعمليّ الذي تمارسه القوى الاستعماريّة والاستكباريّة ضدّ شعوبنا. ونحن الآن أيضاً نشاهد تحكّم وتدخّل وتعنّت أميركا وبعض ذيولها في المنطقة داخل البلدان التي تَحوّلَ فيها نسيم الصحوة إلى نُهوض عاصف وإلى ثورة. وإنّ وعود هؤلاء وتهديداتهم ينبغي أن لا تؤثّر في قرارات النّخب السياسيّة ومبادراتها وفي الحركة الجماهيريّة العظيمة.
 
وهنا أيضاً يجب أن نتلقّى الدروس من التجارب. أولئك الذين تعلّقت قلوبهم لسنوات طويلة بوعود أميركا وجعلوا الركون إلى الظالم أساساً لنهجهم وسياستهم لم يستطيعوا أن يحلّوا مشكلة من مشاكل شعوبهم، أو أن يبعدوا ظلماً عنهم أو عن



1 نهج البلاغة، الكتاب رقم 53.
 
 
 
 
 
 
199

166

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 غيرهم، بل إنّ هؤلاء باستسلامهم لأميركا لم يستطيعوا أن يحولوا دون هدم بيت فلسطينيّ واحد على الأقلّ في أرضٍ هي ملك للفلسطيّنيين.

 
على السّاسة والنخب المخدوعة بالتطميع أو المرعوبة بتهديد جبهة الاستكبار والذين يخسرون فرصة الصحوة الإسلاميّة أن يخشوا ما وجّهه الله سبحانه إليهم من تهديد إذ قال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾1.
 
العدوّ وعملاؤه وراء كلّ فتنة
إنّ أخطر ما يواجه حركة الصحوة الإسلاميّة اليوم هو إثارة الخلافات ودفع هذا الحراك نحو صدامات دمويّة طائفيّة ومذهبيّة وقوميّة ومحليّة. تتابع تنفيذ هذه المؤامرة اليوم أجهزة الجاسوسيّة الغربيّة والصهيونيّة بجدٍّ واهتمام في منطقة تمتدّ من شرق آسيا حتّى شمال أفريقيا، وخاصّة في المنطقة العربيّة، بدعم من دولارات النفط والسّاسة المأجورين. وإنّ الأموال التي يمكن استخدامها في تحقيق رفاه خلق الله، تُنفق في التهديد والتكفير والاغتيال والتفجير وإراقة دماء المسلمين وإضرام نيران الأحقاد لفترات طويلة. أولئك الذين يرون في قوّة اتّحاد المسلمين مانعاً لتطبيق أهدافهم الخبيثة رأوا في إثارة الخلافات داخل الأمّة الإسلاميّة أيسر طريق لتنفيذ أهدافهم الشّيطانيّة، وجعلوا من اختلاف وجهات النظر في الفقه والكلام والتاريخ والحديث، وهو اختلاف طبيعيّ لا مفرّ منه، ذريعة للتكفير وسفك الدماء والفتنة والفساد.
 
إنّ نظرة فاحصة إلى ساحة النزاعات الداخليّة تكشف بوضوح يد العدوّ وراء هذه المآسي. هذه اليد الغادرة تستثمر دون شك الجهل والعصبيّة والسطحيّة في مجتمعاتنا، وتصبّ الزيت على النار. إنّ مسؤوليّة المصلحين والنخب الدينيّة والسياسيّة في هذا الخضمّ ثقيلة جدّاً. فليبيا اليوم بشكل، 



1  سورة إبراهيم، الآيتان: 28 و29.
 
 
 
 
 
 
200

167

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 ومصر وتونس بشكل آخر، وسوريا بشكل، وباكستان بشكل آخر، والعراق ولبنان بشكل، تعاني أو أنّها عرضة لهذه النيران الخطرة. لا بدّ من المراقبة الشديدة والبحث عن العلاج.


من السذاجة أن نعزو كلّ ذلك إلى عوامل ودوافع عقائديّة أو قوميّة. فالدعاية الغربيّة والإعلام الإقليميّ التابع والمأجور يصوّران الحرب المدمّرة في سوريا بأنّها نزاع سنّيّ ــ شيعيّ، ويوفّران بذلك مساحة آمنة للصهاينة وأعداء المقاومة في سوريا ولبنان. بينما النزاع في سوريا ليس بين طرفين سنّيّ وشيعيّ، بل بين أنصار المقاومة ضد الصهيونيّة وبين معارضي هذه المقاومة. ليست حكومة سوريا حكومة شيعيّة، ولا المعارضة العلمانية المعادية للإسلام مجموعة سنيّة، إنّما المنفّذون لهذا السيناريو المأساويّ كانوا بارعين في قدرتهم على استغلال المشاعر الدينيّة للسذّج في هذا الحريق المهلك. وإن نظرة إلى الساحة والفاعلين فيها على المستويات المختلفة توضّح هذه المسألة لكلّ إنسان منصف.

هذه الموجة الإعلاميّة تؤدّي دورها بشكل آخر، في البحرين، في اختلاق الكذب والخداع. توجد في البحرين أكثرية مظلومة محرومة لسنوات طويلة من حقّ التصويت وسائر الحقوق الأساسيّة للشعب، وقد نهضت للمطالبة بحقّها. ترى هل يصحّ أن نعتبر الصراع شيعيّاً سنيّاً لأنّ هذه الأكثريّة المظلومة هي من الشّيعة، والحكومة المتجبّرة العلمانيّة تتظاهر بالتسنّن؟!

المستعمرون الأوربيّون والأميركيّون ومن لفّ لفهم في المنطقة يريدون طبعاً أن يصوّروا الأمر بهذا الشكل، ولكن أهذه هي الحقيقة؟!

هذا ما يدعو جميع علماء الدين المصلحين والمنصفين إلى الوقوف أمامه بتأمّل ودقّة وشعور بالمسؤوليّة، ويحتّم عليهم أن يعرفوا أهداف العدوّ في إثارة الخلافات الطائفيّة والقوميّة والحزبيّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
201

168

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 لا تنسوا فلسطين 

المسألة الخامسة: إنّ سلامة مسيرة حركات الصحوة الإسلاميّة يجب أن نبحث عنها، فيما نبحث، في موقفها تجاه قضيّة فلسطين. فمنذ ستين عاماً حتّى الآن لم تنزل على قلب الأمّة الإسلاميّة كارثةٌ أكبر من اغتصاب فلسطين.
 
كانت مأساة فلسطين منذ اليوم الأوّل وحتّى الآن مزيجاً من القتل والإرهاب والهدم والغصب والإساءة للمقدّسات الإسلاميّة. وإنّ وُجوب الصمود والنّضال أمام هذا العدوّ المحارب هو موضع اتفاق جميع المذاهب الإسلاميّة ومحلّ إجماع كلّ التيّارات الوطنيّة الصّادقة والسليمة.
 
إنّ أيّ تيار في البلدان الإسلاميّة يتناسى هذا الواجب الدينيّ والوطنيّ انصياعاً للإرادة الأميركيّة المتعنّتة أو بمسوِّغات غير منطقيّة يجب أن لا يتوقّع غير التشكيك في وفائه للإسلام وفي صدق ادعاءاته الوطنيّة.
 
إنّ هذا هو المحكّ. كلّ من يرفض شعار تحرير القدس الشريف وإنقاذ الشعب الفلسطينيّ وأرض فلسطين، أو يجعلها مسألة ثانويّة، ويدير ظهره لجبهة المقاومة، فهو متّهم.
 
يجب أن تضع الأمّة الإسلاميّة نصب عينيها هذا المؤشّر والمعيار الواضح الأساسيّ في كلّ مكان وزمان.
 
أيّها الضيوف الأعزّاء.. أيّها الإخوة والأخوات..
 
لا تبعدوا عن أنظاركم كيد العدوّ، فإنّ غفلتنا توفّر الفرصة للعدوّ.
 
من نامَ لم يُنَم عنه
إنّ درس الإمام عليّ عليه السلام لنا هو أنّه: "من نام لم يُنَم عنه"1. وإن تجربتنا في الجمهوريّة الإسلاميّة مليئة بدروس العبرة في هذا المجال. إذ بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، بدأت الحكومات الغربيّة والأميركيّة المستكبرة التي كانت منذ



1 نهج البلاغة، الكتاب رقم 62.
 
 
 
 
 
 
 
202

169

في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

 أمد بعيد تسيطر على طواغيت إيران وتتحكّم في المصير السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ لبلدنا، وتستهين بالقوّة الضّخمة للإيمان الإسلاميّ في داخل المجتمع، وكانت غافلة عن قوّة الإسلام والقرآن في التعبئة والتوجيه، بدأت تفهم فجأة ما وقعت فيه من غفلة، فتحرّكت دوائرها الحكوميّة وأجهزتها الاستخباريّة ومراكز صنع القرار فيها لِتَجبُرَ ما مُنيت به من هزيمة فاقت الحدود.


الثبات والحضور
رأينا خلال هذه الأعوام الثلاثين ونيّف أنواع المؤامرات والمخطّطات، والذي بدّد مكرهم أساساً عاملان: الثبات على المبادئ الإسلاميّة، والحضور الجماهيريّ في الساحة.

هذان العاملان هما مفتاح الفتح والفَرَج في كلّ مكان. العامل الأوّل يضمنه الإيمان الصادق بالوعد الإلهيّ، والعامل الثاني سيبقى ببركة الجهود المخلصة والبيان الصادق. الشعب الذي يؤمن بصدقِ قادته وإخلاصهم يجعل الساحة فاعلة بحضوره المبارك. وأينما حضر الشعب بعزم راسخ، في أيّ ساحة، فستعجز أيّ قدرة عن إنزال الهزيمة به. هذه تجربة ناجحة لكلّ الشعوب التي صنعت بحضورها الصحوة الإسلاميّة.

أسأل الله تعالى لكم ولكلّ الشعوب أن يسدّدكم ويأخذ بأيديكم ويعينكم ويغدق عليكم شآبيب رحمته، إنّه تعالى سميع مجيب. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
 
203

170

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام



المناسبـة: ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام
الحــضـور: جمع من الشعراء والمدّاحين
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
11/02/1392 هـ.ش.
20/06/1434 هـ.ق.
01/05/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
205

171

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

أُبارك لكم أيّها الأعزّاء، الإخوة والأخوات، بلابل حديقة مَدائح آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومدّاحي أسمى وأفضل خلائق العالم والبشر، هذا العيد الشريف، والمولد السعيد، الذي هو يومُ فرحٍ ومسرّةٍ لقلوب المسلمين على طول التاريخ، وأسأل الله المتعال، أن يَتَقبَّلَ منكم أيّها الأعزّاء القيّمون على المراسم، من مُنشدين، شعراء، مُلحّنين، وكلّ أفراد مجموعتكم، هذا التوسّل بقبولٍ حَسَنٍ. وأشكُر الله، أنا العبد الحقير، أن شملني بلطفه ووفّقني، فنحن نُقيمُ مراسم التوسُّل في هذا اليوم، منذ أكثر من 30 عاماً. وبحمد الله يَشْهدُ الإنسان مع تقدُّم السنين، تألُّق وعظمة ومعنويّة ونضوج مفاهيم ومعاني هذه المراسم. لقد كانت البرامج التي قدّمتموها هذا العام جيّدة جدّاً، سواء من حيث المضمون أم من حيث القالب (الأسلوب)، كان الشعر جيّداً، والألحان والإنشاد جيّدين جدّاً. وفّقكم الله أيّها الأحبّة والأعزّاء، يوماً بعد يومٍ، في سبيل نشر المعرفة، ونَشر الضياء في أذهان المجتمع.

تناغم العقل والعاطفة
هناك موضوعان للحديث في هذا المجلس- وإن كان هناك كلام أكثر من هذا بكثير- الموضوع الأوّل، يدورُ حول مَدحِ آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. المَهمّة التي حَملتموها على عواتقكم. اليوم، وبحمد الله، قد انتشرت في أنحاء البلاد شبكة واسعة من مدّاحي آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. ثمّة أعداد كبيرة، مواهب كثيرة، وقلوب مُشتاقة بين المدّاحين أنفسهم ـ من هؤلاء السّباقين، ومن شبابنا وأساتذتنا ـ الذين وبحمد الله، ينتشرون بين الناس، فيهيّئون لهم وسائل التوسّل، ويمدّون مائدة بركات آل البيت عليهم السلام.
 
 
 
 
 
 
 
 
207

172

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 هذه فُرصة لبلادنا، كغيرها من الفرص الأخرى التي نملكها. بينما لا يملك إخواننا المسلمون في البلدان الأخرى، الكثير من الفرص التي نملكها نحن، وهذه إحداها. إنّ هذه السلسلة وهذا التّيار وشبكة التوسّل بأهل البيت عليهم السلام، ومحبّتهم عليهم السلام وإثارة العواطف، لهي فرصةٌ مهمّةٌ جدّاً. ولسببٍ ما، لا يتمتّع الآخرون في البلدان الأخرى، وبهذا الشكل، بهذه النعمة الكبرى، والبركةِ العامّة، ونحن نملكها. يقيناً إنّ العواطف هي أحد عوامل حفظ الدين، المعنويّات، العقيدة، والأخلاق في مجتمع ما، وعلى طول التاريخ، إلى جانب العقل والتعقّل والاستدلال. لم يتحدّث أنبياء الله ورسله إلى الناس بلغةٍ فلسفيّة، مع أنّ فهم كلامهم، والتعمّق في بيانهم، كان وما زال يستلزم عقلاً فلسفيّاً. بمعنى أنّ الفلاسفة الكبار، هم أكثر المُستفيدين من مائدة عموم أنبياء الله الممدودة. بيد أنّ هذه المائدة، ليست مائدةً خاصّةً، لذا فإنّ لغتها ليست لغة البراهين العقليّة والجدل وإن قلتَ قلتُ وما إلى ذلك. هذه اللغة، لغةٌ مركبّة من الفكر والعقل والعواطف. العاطفة هي التي تستطيع مجاراة الفهم العقليّ، والحركة العقليّة والتيّار العقليّ. ونحن نملك هذا التيّار بشكل طبيعيّ، في جلسات المدح والعزاء والفرح والموالد والتعزية، وأيضاً في جلسات الدعاء، كدعاء كميل، ودعاء الندبة، ودعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة، والأدعية التي هي خاصّة بنا. فلا نجد عند الآخرين، هذا الكمّ من الأدعية الجميلة اللفظ، الجميلة المعنى، والجميلة المضمون. هذا أمر وبحمد الله يختصُّ ويمتازُ به أتباع أهل البيت عليهم السلام. وهذا كلّه عقل وعاطفة امتزجا معاً على طول التاريخ، ويجريان في عمق أذهان البشر والعواطف الإنسانيّة.


مهمّتكم إثارة العواطف
إذاً، هذه مهمّة المدّاح، أي إثارة العواطف، وجعلها في خدمة الفكر والعقل. مهمّةُ المدّاح ـ هذه الحرفة المنتشرة، وبحمد الله، بكثرة في بلادنا ـ أن تتمكّن وعبر البيان الفنّيّ، الأسلوب الفنّيّ، والأداء الفنّيّ، من نشر المعرفة بين الناس. هذا هو المحور الرئيسيّ فيصبح اختيار الشعر، واختيار اللّحن، وأسلوب التخاطب مع الناس، في
 
 
 
 
 
 
208

173

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 خدمة هذا الهدف، وهو زيادة المعرفة، والتعمّق في هداية الناس، ومعرفتهم بالدين وطرق الحياة. وهذا ما يستطيع المدّاحون فعله على أحسن وجه.


لا تضيّعوا الفرص
لقد ذكرتُ غير مرّة، وهذه حقيقة واقعة، أنّ إلقاءكم لقصيدة أو شعر يحتوي معارف (دينيّة) في مجلسٍ ما سيكون له، في بعض الأحيان، أثرٌ أبلغُ وأعمق من خطاب فصيحٍ وبليغٍ لساعات طوال. هذه فرصة، يجب استغلالها وعدم تضيّعها. فالشعر الأجوف، يُضيّع هذه الفرصة. أو فيما لو كان فيه أحياناً نقطة ضعيفة أو خاطئة، فسوف يضيّع هذه الفرصة. وكذلك لو تخطّى الإجراء (الإنشاد والأداء) الضوابط الشرعيّة، فهذا ضياع للفرصة، وكذلك فيما لو غفل عن ذكر ما تحتاج الناس لمعرفته، فهذا ضياع للفرصة. فلو افترضنا أنّه في زمن الحرب المفروضة، احتاجت البلاد "لحماس ثوريّ"، عمليّ وجهاديّ، فكان الشّباب على أهبة الاستعداد، وكذا الآباء والأمّهات، فأنشد أحدهم في مجالسه ومحافله، شعراً بطريقة جيّدة، لكنّه لم يُشر إلى الحاجة القائمة آنذاك، فهذا تضيّيع للفرصة. لقد قام المدّاحون في ذلك اليوم بدورٍ بارزٍ. وكانت الأعمال التي قام بها مدّاحونا في الجبهة، والأثر العميق الذي تركوه في أعماق جنودنا، منقطع النظير. وأنا على علمٍ ببعضها فللمدّاحين باللغة التركيّة دورهم، وكذا للمدّاحين باللغة الفارسية. وعلى سبيل المثال المدّاحون الزنجانيّون، الذين أنشد أحدهم اليوم هنا، ومن أماكن أخرى، ومن كلّ مكان، وكذا الشعراء الذين يواكبون المدّاحين، لقد قام الجميع بواجبهم في ذلك اليوم. واليوم، عندما أنظر، أرى أنّ عدداً من الأشعار التي أُنشدت، قد اهتمّت بالحاجة والمناسبة. ويُعتبر شعر "السيد سازكار" نموذجاً متكاملاً لها والذي هو على هذا الشكل في كلّ عام. فهو من خلال الأشعار والأناشيد، يبني جسراً ورابطاً فنيّاً لطيفاً بين السماء والأرض، ينساب من الملكوت الأعلى، بكلّ هدوء وبأسلوبٍ فنيّ، نحو حاجة هي موضع اهتمام اليوم، فيعبّر عنها. أرأيتم! هذا يسمى تركيباً فنِّيّاً. وكان الشعر جيداً.
 
 
 
 
 
 
 
209

 


174

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 الشعر الجامع

أنتم تستخدمون حناجركم وهي نعمة إلهية، واللحن والنغم، وهما أيضاً نعمتان إلهيّتان. وتستخدمون الشعر وقريحته وهي نعمة إلهيّة. هذه النعم تحت تصرّفكم، فلأيّ شيء تستخدمونها؟ في خدمة نشر المعرفة. فإذا ما استخدمت لنشر الفرقة، أو في خدمة إثارة العصبيّات، واليوم وبدافع هذه العصبيات، يقوم المتعصّبون المعاندون في أنحاءٍ من العالم، بقطع عشرات الرؤوس، فهذا استخدام سيّئ، خذوا حِذركم من هذا الأمر عندما تُلقون شعراً هنا، ومع وجود الأفلام والإنترنت ووسائل نقلِ الرسائل المتنوّعة، ستُنقل الصورة وجزئيّات هذا الشعر، إلى نقطة ما فتثير عصبية عددٍ من الأشخاص الجاهلين، فينقضّون على مجموعة من النساء والأولاد الأبرياء، ويُريقون دماءهم. احذروا هذا الأمر. أنا أصرُّ وأؤكّد على هذا، بهدف التخفيف من حدّة الخلافات المذهبيّة والدينيّة. هو من أجل هذا. لا يتصوَّرنَّ أحد، أنّ هذا هو السبيل لشكر الله على نعمه. هذا العشق، الذي وبحمد الله قد غمر قلوب شعبنا، المفعم بحبّ أهل البيت عليهم السلام، أو لإثارة هذه العواطف! لا، فهذا خطأ. فلا مصلحة من إثارة الخلافات، لا اليوم ولا في زمن الإمام الصادق عليه السلام. وقد تصدّى الأئمّة عليهم السلام لها، لكنّ بعض الأشخاص السطحيّين لا يلتفتون إلى ذلك. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الخلافات الدينيّة والمحليّة. 
 
قلبٌ ينبض بالحماس
يجب أن يمتلك شعبنا الأمل، فإن وُجِد الأمل وُجِدَ الحماس1، لقد عنيتُ "الملحميّة" والملحمة ليست دستوراً2، أو قانوناً ما، فنُصدرُ القانون، ويقوم شعبنا بصنع "الملحمة"! فهل يمكن هذا؟ وهل يُعقل هذا؟ الحماس ينبع من القلب، ويُهدى بالعقل، ويُدعّم بالإيمان. وهذا ليس دستوراً. فإذا فرغ القلب من الأمل، والفكر من



1 قد يقصد من الحماس الملحمة.
2 المقصود: لا يأتي من خلال اشتراع القوانين.
 
 
 
 
 
 
 
210

 


175

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 المنطق السويّ، فلن ينوجد "الحماس والملحمة". وهل ينوجد الحماس، إذا زرعنا التردّد في الأذهان، وحقنّا القلوب باليأس؟ بالطبع لا، فخلقُ "الملحمة"، يستوجب عدم وجود أجواء التشاؤم وسوء الظنّ. ويستوجب إيجاد أجواء الأمل، التفاؤل وتوسيع الآفاق. الآفاق المؤكّدة، اليقينيّة، الحقيقيّة وليس التلقينيّة.

 
فلو قلنا على سبيل المثال في - ثمانينيّات القرن الماضي، أي منذ 30 عاماً، إنّ المستقبل سيكون كيت وكيت، لقال بعضهم: إنّهم يقومون بتلقيننا". لكن لا مجال لهذا الكلام اليوم فنحن نشاهد اليوم، حركةً عميقةً، واسعةً ومتوثبةً للثورة والبلاد نحو تحقيق الأهداف. سواء الأهداف الماديّة أو المعنويّة، وأيضاً الأهداف السياسيّة والاجتماعيّة، كما الأهداف الداخليّة والدوليّة. إنّها ماثلة أمام أعيننا، فهل يستطيع أحد ما أن يُنكرها؟ في هذه الآفاق التي نرسمها لأنفسنا يأتي من يحاول زرع التردّد، واليأس، والشكّ فيها، وأيضاً في الحركة والجهاد الدؤوب الذي يحتاج إليه البلد والأمّة والتاريخ.
 
ببركة الجهاد...
الجهاد الدؤوب، حاجة للجميع، فكلّ التقدّم والحضارة هو ببركة الجهاد المستمرّ، ولا يعني الجهاد الدؤوب، التعب والمعاناة، إنّما هو عمليّة شيّقة، يخلقُ النشاط والحيويّة ويبعث على البهجة. واليوم إذ نحتاج إلى الجهاد، فيأتي أحدهم، ويدعو إلى التراخي والكسل والانزواء والبطالة، بالطبع يُعتبر هذا ضرباً من كفران النعم الإلهيّة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾1 يجب أن لا يحدث هذا.
 
يوجد بينكم أيّها الأعزّاء، وبحمد الله، روّاد وسبّاقون في هذا المجال، وكذلك شباب ومواهب جيّدة. كما وأشاهد بينكم براعم وزهوراً طريّة يافعة، وقد استطعتم التقدّم جيّداً إلى وسط السّاح. واستطعتم ليس فقط ملأ فراغ السابقين وحسب، بل كنتم الأجدر والأفضل، فاستمرّوا. 



1 سورة إبراهيم، الآية: 28.
 
 
 
 
 
211

176

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 ما أريد قوله لكم: إنّ المدح، هو نشر المعرفة، المدح هو الحكمة، والأمل، والعقيدة الراسخة. المدح هو تفجير العواطف الجيّاشة في القلوب، وبالإفادة من فنون الشّعر والأداء.


أفعالكم تحت المجهر 
بالطبع هناك أساس مُسلَّم به، يا أعزّائي! الناس، تُعجبهم أصواتكم، ويستمتعون بأشعاركم وبإنشادكم، سواء في المدح أو في التعزية تتأثّر قلوبهم، ويسكبون الدموع. لكنّهم يراقبونكم أيضاً. فإذا كنتم نموذجاً يُحتذى به من ناحية الأخلاق، التديّن والعفة، فسيكون لكلّ ما ذكرناه، أثرٌ مُضافٌ في الناس، بيد أنّه لو كان العكس من ذلك، لا سمح الله، وشاهد الناس فيكم علائم هشاشة الأخلاق، والتراجع في السلوك والأخلاق، وأيضاً لا سمح الله، في العفة وما شابه، فإنّ تأثيرات هذه الفنون والجماليّات في أعمالكم سوف تنمحي وتزول. لذا كونوا حذرين، علينا جميعاً أن نكون حذرين، نحن المعمَّمين أكثر من غيرنا، والخطباء ودعاة الدين، والمعروفين في مجال الدين والتقوى أكثر من الآخرين، علينا جميعاً أن نكون حذرين وأنتم أيضاً.

أنتم العاملين في مجال الدين والمعرفة والأمور الإلهيّة عليكم أن تكونوا حذرين جدّاً، فتراعوا الأخلاق، وصون اللسان، العفّة، الطهارة والنزاهة. وسيساعدكم الله المتعال. حين يتبوّأ مدّاح الحضرة الفاطمية عليها السلام هذا الموقع، فهو شخصيّة مرموقة. وكما شاع بيننا وعلمنا به، وآمنّا به، فإنّ الأشخاص الذين يمدحون الأئمّة عليهم السلام ويخلصون لهؤلاء العظماء ويهدون القلوب نحوهم، هم محبوبون عند الله العزيز المتعال.

لكلّ مقامٍ مقال
هناك نقطة من المستحسن أن أذكرها في مجلسنا هذا، فقد كنت أعترض طوال السنوات الماضية، وفي أغلب الأوقات على الإخوة المدّاحين الذين يُنشدون هنا واعتراضي كان بسبب تحويلهم مجلس المولد إلى قراءة التعزية واستدرار
 
 
 
 
 
 
212

177

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 الدمع، لكل مقام مقال، يُقال لكم "مدّاحون" فماذا يعني المدّاح؟ الشاخص الأساس فيكم هو المدح، وليست قراءة التعزية. اقرأوا التعزية، فأنا من المؤيّدين لقراءتها، وأنا نفسي قارئ تعزية. لكن ليس من المفترض أن يُقرأ العزاء في مجلس مولد الأئمّة عليهم السلام، وأن تُزفرَ آه ويُستدرَّ دمع، لا حاجة لذلك أبداً.


دَعُوا العواطف التي تحملها الناس تُجاه الأئمّة عليهم السلام لا تظهر للخارج فيفهم منها الآخرون وكأنها محصورة بالبكاء ولطم الصدور والتعزية فحسب. لا! فللعزاء مكانه وللمدح والموالد والفرح مكانها أيضاً. يجب عدم المزج بين الاثنين.

المدنية الغربيّة: خداعٌ وتزوير
الموضوع الآخر والذي يستحقّ الحديث عنه، هو مسألة المرأة. من مساوئ الحضارة الماديّة، تلك الحركة التي قاموا بها تجاه المرأة. وما أكثر الحديث في هذا المجال. فالجرم الكبير الذي ارتكبته الحضارة الغربيّة، بحقّ المرأة، لا يمكن محوه بهذه السرعة ولا يمكن التعويض منه بهذه السرعة، كما لا يمكن تبيانه بهذه السهولة، وهؤلاء يطلقون على ذلك مسمّيات عدّة كبقيّة أعمالهم، يرتكبون الجرائم، ويُطلقون عليها حقوق الإنسان. يظلمون، ويطلقون عليه اسم مناصرة الشعوب. يشنّون الهجوم العسكريّ، ويسمّون ذلك دفاعاً. فمن طبائع المدنيّة الغربيّة الخدّاعة، التزوير، النفاق، الكذب، التناقض في التصرّفات والأقوال. وهذا ما فعلوه في مسألة المرأة. وللأسف فقد روّجوا لثقافتهم في أنحاء العالم.

أـ نزع حياء المرأة
لقد قاموا بأمرٍ، جعلوا فيه إحدى أهم وظائف المرأة، إن لم نقل الأهمّ على الإطلاق، التبرّج وإبراز جمالها بهدف تلذّذ الرجال، حتى أصبحت هذه من الخصائص الحتميّة واللّازمة للمرأة. للأسف هذا هو حال عالمنا اليوم. ففي الوقت الذي يحضر الرجال في أكثر المجالس رسميةً - الاجتماعات السياسية وغيرها - بالبنطال الطويل والثياب المحتشمة، نجد أن لا إشكال في أن تحضر
 
 
 
 
 
 
213

178

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 النساء بمزيد من التعري وعدم الاحتشام. فهل هذا أمرٌ عاديّ وطبيعيّ؟ هل يتوافق ذلك مع الطبيعة البشريّة؟ أجل لقد فعلوا ذلك. على المرأة أن تعرض نفسها أمام الرجال، لتكون وسيلة لتلذُّذه. فهل من ظلم أكبر من هذا؟ ويطلقون عليه اسم "الحريّة"، بينما يُطلقون على نقيض هذا التوجّه اسم "الأسر" أو (القيد)! في حين، أنّ احتجاب المرأة وحجابها، هو تكريم لها، احترام لها، حُرمة لها. لقد حطّموا هذه الحرمة، ويمعنون في تحطيمها يوماً بعد يوم، مُطلقين على ذلك مُسمّيات عدّة. إنّ أُولى أو ربّما إحدى أوائل النتائج السلبيّة لهذا الأمر، هو تلاشي العائلة، فقد تهاوى بُنيانها، وعندما يتزلزل بُنيان العائلة في مجتمعٍ ما ويتهاوى، تتأصّل المفاسد.


ب ـ إشاعة الفاحشة
من مشاكل الغرب اليوم، في هذا العصر، تلك القوانين البلهاء والخبيثة التي يُقرّونها في الأمور الجنسيّة. فهي تَسيرُ بهم نحو الهاوية، ولا يمكن وقف هذا الانحطاط. إنّهم في معرض السقوط، وسواء شاءت المدنيّة الغربيّة أم لم تشأ، لم تعد قادرة على منع هذا السقوط، فقد تعطّلت المكابح، والطريق زلق ومنحدر بشدّة. لقد ارتكبوا معصية بتعطيلهم المكابح، ووضعوا أنفسهم على حافّة الهاوية، لذا فقد حُكم عليهم بالهزيمة.

زوال الحضارات كظهورها أمر تدريجيّ، وليس بالأمر الدفعيّ والفوريّ. وهذا الزوال التدريجيّ آخذ بالحدوث. ولا أخال أنّ هذا الحدث سيكون بعيداً عن أنظار هذا الجيل أو الجيل الذي سيليه، بل سيرون ما يحصل.

الزهراء عليها السلام: حجّة الله على الأئمّة عليهم السلام
لقد وضع الله المتعال حدوداً لتكريم المرأة في القرآن الكريم. فالمرأة كالرجل عند الله المتعال. ولا فرق بين الاثنين في طيّ المراتب المعنويّة والإلهيّة. فقد وُضعت هذه الطريق للإنسان، وليس للرجل أو للمرأة. ولقد خلق الله المتعال امرأة كالسيّدة فاطمة الزهراءعليها السلام حيث قال عنها الإمام العسكريّ عليه السلام وطبقاً للحديث الذي
 
 
 
 
 
 
 
 
214

 


179

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 نُقل عنه: "نحن حُجج الله على خلقه، وفاطمة حُجّة الله علينا"1.

 
فاطمة الزهراءعليها السلام حجّة حُجّةِ الله، إمام الأئمّة عليهم السلام. فهل من شخصيّة أسمى منها؟! وهيعليها السلام معصومة وهي امرأة. وأعظم نساء العالم هنّ: السيّدة مريم، سارة، آسيا وغيرهُنَّ، كُنّ عظيمات، ومن أفضل خلق الله، فالإنسان هو من الذي يسير على طريق التكامل والتعالي، ولا فرق بين الرجل والمرأة في الحقوق الاجتماعيّة، كما لا فرق بين الرجل والمرأة في الحقوق الشخصية والفرديّة. ولقد أعطي للمرأة بعض الامتيازات في بعض المسائل الشخصية والخاصة. وكذا الأمر بالنسبة إلى الرجل. وذلك طبقاً لِما تقتضيه طبيعة كلّ منهما. هذا هو الإسلام.. إنه الأمْتن والأكثر منطقيّة والأكثر قوانينَ عملانيّة وضوابطَ، التي يمكن للإنسان أن يفترضها لكلا الجنسين (من بين القوانين والحدود الموجودة).
 
العائلة: الأساس الأهمّ 
يجب السّير في هذا الطريق إلى نهايته، ومن أهم أُسسه، تشكيل العائلة، ومن أهم أُسسه حفظ حريم العائلة والأنس بالعائلة وإفشاء المودّة. وهذا ما تتولّاه ربّة البيت. تستطيع الأمّ أن تُربّي أولادها على أفضل نحو، تربية الأمّ لأولادها ليس كالتربية على مقاعد الدراسة، بل هو بالتصرّف، بالكلام، بالعاطفة، بالملاطفة، بغناء هدهدة ما قبل النوم، بالعيش. الأمّ تربي أولادها بالحياة والعيش، فكلّما كانت المرأة أصلح، أعقل، أذكى، كلّما كانت التربية أفضل. لذلك ينبغي البرمجة ووضع الخطط في البلاد، من أجل رفع مستوى الإيمان، العلم والذكاء لدى السيّدات.
 
التدبير المنزليّ: عملٌ عظيم
ومن أهمّ وظائف المرأة، التدبير المنزليّ، الجميع يعلم أنّني لا أؤمن بفكرة أن لا تعمل المرأة في المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة، لا، لا مشكلة في ذلك، لكن إن



1 العاملي، الانتصار، ج7، ص237.
 
 
 
 
 
 
 
215

180

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 قصدنا بذلك تحقير التدبير المنزليّ، فهذا ذنب. فالتدبير المنزليّ عمل عظيم، عمل مهمّ، عمل حسّاس، عمل لبناء المستقبل، فإنجاب الأطفال جهاد عظيم، ونحن للأسف بسبب أخطائنا، أو عدم دقّتنا، غفلنا عنه لمدّةٍ من الزمن، ونشهد مخاطر هذه الغفلة في أيّامنا هذه، لقد ذكرت هذا الأمر مراراً، إنّ هرم البلاد، وانخفاض جيل الشّباب في الأعوام القادمة، سيترك آثاره المستقبليّة السيّئة، حينها لن نتمكّن من معالجة الأمر. لكن يمكننا تدارك الأمر.


أهمّ أشكال جهاد المرأة 
إنجاب الأبناء من أهمّ أشكال الجهاد بالنسبة إلى النساء ووظائف النساء، لأنّ الإنجاب هو في الحقيقة فنّ (صنعة) المرأة، فهي التي تتحمّل مشاقّه ومصاعبه وآلامه، وهي التي منحها الله تعالى أدوات ولوازم تربية الأطفال. والله تعالى لم يعط أداة التربية هذه إلى الرجل، إنّما جعلها لدى السيّدات، فأعطاها الصبر والتحمّل، ومنحها العاطفة والأحاسيس، وأعطاها القامة والتركيب الجسميّ لذلك، في الواقع هذا فنّ المرأة. فإذا لم نغفل عن هذا الأمر في مجتمعنا، عندها سنتقدّم إلى الامام.

احترام المرأة من أولويّاتنا
اليوم احترام المرأة وتكريمها مسألة ينبغي إعطاؤها اهتماماً وعناية خاصَّيْن، ومسألة تصرّفات المرأة في محيط العائلة، في محيط العمل، في محيط السياسة، في محيط الاجتماع شيء، وكيفيّة التصرّف مع النساء شيء آخر. على الرجال ـ سواء رجال العائلة كالآباء والإخوة والأزواج، أو الرجال في محيط عملها ـ أن يتصرّفوا معها بكلّ احترام ومحبّة، إلى جانب النجابة والعفّة، لذا يجب وضع الخِطط والبرامج من أجل تكريم المرأة، وواجبات المرأة، وأيضاً واجباتنا تجاه المرأة، بشكل منفصل.

لحسن الحظّ فإنّ يوم المرأة، متزامن في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة ويوم 
 
 
 
 
 
 
 
216

181

في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

 مولود سيّدة نساء العالمين السيّدة فاطمة الزهراءعليها السلام. على الجميع الانتباه لهذه النقاط. إذا استطعنا أن نفكّر بشكل صحيح، ونقرّر بشكل صحيح، ونعمل بشكل صحيح، في قضيّة المرأة والعائلة والأمّ والزوجة، فيمكننا حينها أن نطمئنّ إلى مستقبل البلاد.


جزاكم الله جميعكم خيراً. ومنحكم البركة. وبارك في حناجركم وصدوركم.
 
 
 
 
 
 
 
 
217

182

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات



المناسبـة: إقامة الانتخابات في إيران 
الحــضـور: الهيئات المشرفة على إقامة الانتخابات
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
16/02/1392 هـ.ش.
25/06/1434 هـ.ق.
06/05/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
219

183

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 بسم الله الرحمن الرحيم


أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزّاء، حاملي الأمانة الوطنيّة والإسلاميّة الكبرى والمهمّة. فكلّ واحد منكم في أيّ موقع كان، وفي أيّ قسمٍ من هذه المجاميع الكبرى كان، سوف يحمل على عاتقه عملاً مهمّاً، أساسيّاً، مؤثّراً، قيّماً وباقياً ـ إن شاء الله تعالى ـ وسوف يؤدّيه، سواءٌ مجلس صيانة الدستور والهيئات المشرفة التابعة لهذا المجلس، أم وزارة الداخليّة المحترمة والهيئات الشعبيّة والرسميّة العظيمة المرتبطة بهذا النظام، أم المسؤولون عن حفظ الأمن وتوفير الأجواء الانتخابيّة السليمة، كالشرطة والآخرين. 

نبش قبر حجر بن عديّ
قبل البدء بالملاحظات القصيرة التي سأعرضها عليكم، يجدر بي الإشارة إلى حادثة أليمة حدثت في هذه الأيّام، والتي هي بنفسها حادثة مرّة، وتحكي أيضاً عن أيادٍ خفيّة كثيرة، حادثة نبش قبر الصّحابي الجليل القدر، حجر بن عديّ (رضوان الله تعالى وسلامه عليه) وهتك جثّة هذا العظيم. هذه القضيّة مؤلمة من عدّة جهات: 

1- حادثةٌ مؤلمة ومفجعة
فهي نفسها إهانة لصحابيّ هو من أكابر صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومن حواريّي أمير المؤمنين عليه السلام وشهيد في سبيل الله، فيُفتتح قبره بعد ألف وأربعمائة عام، ويُخرج جسده، ويُهان، إنّها لحادثة مؤلمة جدّاً ومحزنة.

2- أفكار فاسدة ومتحجّرة
مضافاً إلى هذا، هناك مرارة أخرى، وهي أنّ هناك في جماعة المسلمين
 
 
 
 
 
 
 
221

184

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 والأمّة الإسلاميّة، أشخاصاً يعتبرون بأفكارهم الفاسدة والمتحجّرة والمتخلّفة والخرافيّة، تعظيم الأكابر والمبرّزين والشخصيّات النورانيّة في صدر الإسلام، شركاً وكفراً، إنّها واقعاً لمصيبة. هؤلاء هم الأشخاص أنفسهم الذين هدَمَ أسلافهم قبور الأئمّة عليهم السلام في البقيع. في ذلك اليوم، نهض العالم الإسلاميّ ضدّهم، من شبه القارّة الهنديّة إلى أفريقيا. ولو كانوا يجرؤون لقاموا أيضاً بهدم قبر النبيّ المطهّر صلى الله عليه وآله وسلم، وسّووه بالأرض. أنظروا أيّ فكر فاسد، وأيّ روحيّة قذرة، وأيّ أناس سيّئي التفكير، يريدون أن ينقضُوا احترام العظماء ويهتكوهم بهذه الطريقة، ويعدّون هذا جزءاً من تكاليفهم الدينيّة! اعلموا، أنّه في ذلك الوقت، حين هدموا قبور البقيع، اعترض عليهم العالم الإسلاميّ من أقصاه إلى أقصاه. وكما قلتُ هبّ العالم الإسلاميّ بوجههم، من شرقه ـ من الهند ـ إلى غربه. 

3- أنتم المشركون
هؤلاء يقومون بهذه الأعمال الخبيثة، بحجّة أنّ هذه الأعمال هي عبادة! وهل الذهاب إلى قبر أحدهم وطلب المغفرة له من الله تعالى، وطلب المغفرة للنفس في ذلك الجوّ المعنويّ والروحيّ شرك؟ الشرك هو أن يصبح الإنسان أداةً في أيدي سياسات التجسّس البريطانيّة والسي آي إي الأميركيّة، ويُحزِن بهذه الأعمال قلوب المسلمين ويؤذيها. 

هؤلاء لا يعدّون الطاعة والعبوديّة والخنوع للطواغيت الأحياء شركاً، ويعتبرون احترام العظماء شركاً! هذه مصيبة بحدّ ذاتها. الحركة التكفيريّة الخبيثة المنتشرة اليوم في العالم الإسلاميّ بفضل بعض التمويلات - وللأسف هؤلاء يملكون المال والإمكانيّات - هي واحدة من مصائب الإسلام.

4- لن تخدعنا مؤامراتُكم
بحمد الله، لقد أظهر الشّيعة في أيّ مكان كانوا ـ سواءً هنا أو في العراق أو في باكستان، أو في أيّ مكان يواجه فيه الشّيعة هذه القضيّة المستجدّة ـ أنّهم يتمتّعون بالنضوج الفكريّ. يريد العدوّ من خلال هذه الأعمال أن يؤجّج نار الصراع بين الشّيعة والسنّة،
 
 
 
 
 
 
222

185

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 لكنّ المجتمع الشيعيّ الكبير، العائلة الكبيرة لأتباع أهل البيت عليهم السلام، أظهرت أنّها لا تنخدع بهذه الألاعيب. كما أنّ الإخوة من أهل السنّة في كثير من الأماكن، قد أدانوا هذا العمل، لقد أظهروا أيضاً وعيهم وبصيرتهم. وهذا ما ينبغي أن يستمرّ. هذه ليست من القضايا، التي تثير ضجيجاً ليومين أو ثلاثة أو خمسة أيّام أو أسبوع، ومن ثمّ تُنسى. وإن لم تُدَنْ بأشدّ الإدانة من قبل المسلمين، وإن لم يقم الأكابر من أهل العلم والمتنوّرين والسياسيّين بوظائفهم في مقابل هؤلاء، فهذه الفتنة لن تنحصر بهذه الأمكنة، بل ستجرّ البلاء على روح المجتمع الإسلاميّ، وسوف تمتدّ هذه النيران يوماً فيوماً. عليهم أن يقفوا بوجه هذه الفتن، سواءً بالوسائل السياسيّة، أو عن طريق إصدار الفتاوى الدينيّة، أو عن طريق المقالات التنويريّة للمتنوّرين والنخب الفكريّة والسياسيّة في العالم. 

 
ينبغي الالتفات إلى أنّ الأيادي الخفيّة للأعداء تفصح عن نفسها في هذه الأعمال، وهذا أمر لا يمكن للإنسان التغاضي عنه. أولئك الذين يقيمون المآتم ويثيرون الضّجيج في العالم من أجل هدم أحد الآثار القديمة، يسكتون مقابل هذه الظاهرة، سواءٌ المؤسّسات الدوليّة، أم الشخصيّات العالميّة، أم السياسيّون الذين يدعمون عمي القلوب هؤلاء، هذا يشير إلى أنّ لهم يداً في هذه المسألة، هذه القضيّة تُظهر الأيادي الخفيّة لهؤلاء.
 
اعلموا ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾1 يقول الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾2، إنّهم يمكرون، لكنّ مكر الله سيغلب مكرهم حتماً، وهذه الحركة التي تريد أن تقف حجر عثرة أمام اتّحاد الأمّة الإسلاميّة وتقدّمها، سوف تتوقّف.
 
الحدث المهمّ
مسألة الانتخابات على امتداد الأربع والثلاثين سنةً هذه، كانت مسألة مصيريّة ومجدّدة لحياة الحركة العامّة في بلدنا. على امتداد هذه السنوات، استطاعت هذه



1 سورة الفجر، الآية: 14.
2 سورة الطارق، الآيتان: 15 و16.
 
 
 
 
 
 
 
 
223

186

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 الانتخابات المقامة في كلّ مرّة، والتي تجاوز عددها الثلاثين، وحضر فيها الشعب أمام صناديق الاقتراع، أن تدفع جملة من المصائب عن البلاد، وأن تنفخ قوّة جديدة، وروحاً جديدة، في جسد البلد والشعب والثورة، وهذه المرّة أيضاً، ولأسباب عدّة، هي أهمّ من بعض الانتخابات الماضية، إذ إنّ أحد الأسباب الآن ـ وكما تمّت الإشارة ـ هو اجتماع انتخابات رئاسة الجمهوريّة، وانتخابات المجالس البلديّة، وفي بعض المناطق، الانتخابات الفرعيّة لبعض الانتخابات الأخرى معاً.


إنّ انتخابات رئاسة الجمهوريّة مهمّة جدّاً، وانتخابات المجالس البلديّة مهمّة جدّاً. 

ولنلتفت إلى أنّ الاهتمام بانتخابات رئاسة الجمهوريّة لا يمكنه التقليل من أهمّيّة انتخابات المجالس البلديّة في أعين المسؤولين، والناس والنخبة. إنّنا إذ نوكل الأعمال والقرارات إلى الشعب، على صعيد القرية مروراً بالمدينة ومن ثمّ على صعيد الوطن ككلّ، لهو أمر مهمّ جدّاً. المجالس البلديّة مظهر لمثل هذا الأمر. كما أنّ أهميّة مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة واضحة. فالقانون الأساسيّ والأنظمة المرعيّة للبلد، كلّ هذه الفعّاليّة والجهد والإمكانيّات والميزانيّة ومسارات تحقيق الأهداف تقع أمام الجهاز الرسميّ ورئيس الجمهوريّة، لذا هي فائقة الأهميّة.

من مفاخر الجمهوريّة الإسلاميّة
إنّ إجراء الانتخابات في البلد، من مفاخر الجمهوريّة الإسلاميّة. في ذلك اليوم، الذي جرى فيه الحديث عن الانتخابات في هذا البلد، ابتداءً من حركة المشروطة وإلى عهد الجمهوريّة الإسلاميّة ـ قبل ذلك لم يكن من معنى لهذا الكلام ـ ففي الحقيقة، لم تحدث انتخابات واقعيّة حماسيّة شاملة وعامّة بالمعنى الواقعيّ للكلمة،. وحتّى لو حدثت انتخابات واقعيّة في زمن النهضة الشعبيّة، إلّا أنّها لم تكن بمستوى طموحات الشّعب الإيرانيّ، حيث يأتي الناس من أقاصي القرى إلى صناديق الاقتراع، هم يعرفون، هم يعلمون، هم يقترعون، هذا الأمر لم يحدث سوى في 
 
 
 
 
 
 
224

187

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 الجمهوريّة الإسلاميّة، وكان إمامنا العظيم هو المبتكر والمصمّم والمهندس لهذا البناء. لقد أصرّ منذ البداية على وجوب إجراء استفتاء عامّ على وجه السرعة لتعيين النظام الرسميّ في الجمهوريّة الإسلاميّة.


بعد أقلّ من 50 يوماً
في ثورات العالم، يحدث هذا بعد ثلاث أو أربع أو خمس سنوات، وأحياناً أكثر من ذلك، لكن في الجمهوريّة الإسلاميّة، جرى استفتاء عامّ وشامل بعد أقلّ من 50 يوماً على انتصار الثورة، وجاءت تلك الجموع الغفيرة والنسب العالية إلى صناديق الاقتراع، واقترعت. أمّا هم لمن صوّتوا، فهي مسألة أخرى، المسألة الأساسيّة هي أنّ الناس برهنوا بكلّ وجودهم أنّهم حاضرون في الميدان، وأنّهم مستعدّون للعمل واتخاذ القرارات ورسم الخطط للمستقبل. حينذاك وُضعت اللِّبنة الأولى لهذا الأمر، أُسّس له، واستمرّ بعدها. 

بحضوركم نبقى
في بداية الثورة، حيث لم يكن الدستور قد أُعدّ بعد، وكان من اللّازم تشكيل مجلس الخبراء، لم تمضِ بضعة أشهر حتّى استدعى الإمام مجلس قيادة الثورة إلى قمّ. كنت أنا من بين المدعوّين. تعاطى الإمام معنا بحدّة: لِمَ لا تُقدمون على تشكيل مجلس يمكنه أن يعدّ الدستور؟ كان الإمام يرى أنّ الأمر قد تأخّر. هذه هي طبيعة الجمهوريّة الإسلاميّة، وهذه الطبيعة باقية بحمد الله في الجمهوريّة الإسلاميّة. أراد الكثيرون أن يجعلوا الانتخابات باهتة، أن يؤجّلوها عن موعدها المقرّر، أن يفقدوا حضور الشعب فيها أهمّيّته ورونقه ـ لديهم دوافعهم للقيام بهذا العمل ـ لكنّهم أخفقوا، ولم يوفّقوا إلى الآن، ولن يُوفّقوا بعد هذا بعون الله تعالى. لماذا يطمحون إلى التقليل من أهميّة الانتخابات؟ لأنّ العدوّ يعلم أنّ قوام الجمهوريّة الإسلاميّة يستند إلى مشاركة الشعب. في الجمهوريّة الإسلاميّة، إن لم يحضر الشعب في
 
 
 
 
 
 
225

188

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

  الميادين، فلا قيمة للجمهوريّة الإسلاميّة. الجمهوريّة الإسلاميّة لا تتلخّص بوجود أربعة مسؤولين على شاكلتي، الجمهوريّة الإسلاميّة تعني مشاركة الشّعب الإيرانيّ عامّةً، والحركة العامّة نحو تحقيق الأهداف والأمانيّ الكبرى والعمليّة، هذا هو معنى الجمهوريّة الإسلاميّة.


إنّ اعتماد الجمهوريّة الإسلاميّة وقوّتها على قلب الشعب، على مشاعر الشعب وأحاسيسه، على عقل الشعب وفكره وبصيرته.

إنّهم(الأعداء) إذ لم يستطيعوا، مع كلّ هذه الجهود على امتداد السنوات الأربع والثلاثين، زعزعة الجمهوريّة الإسلاميّة، فبفضل هذا، وإلّا أيمكن لهذا العالم المادّي، وهذا العالم المستكبر، وهذه القوى الظالمة والقاسية والخبيثة، أن تسمح ببقاء نظامٍ حيّاً مع هذه المسوّغات التي تملكها الجمهوريّة الإسلاميّة؟ انظروا ماذا يفعلون مع البلدان التي انطلقت فيها الثورات باسم الإسلام، يمارسون الضغوط عليها. يفرضون عليها رغباتهم بالقوّة، يجبرونهم.

الفضل لكم
لم تحصل هذه الأمور في الجمهوريّة الإسلاميّة، لم يقدروا على ذلك. يريد العدوّ أن يفرض رغباته على الجمهوريّة الإسلاميّة، وأن تستسلم الجمهوريّة الإسلاميّة لأوامرهم، وهذا يمكن أن يحصل حين تكون الجمهوريّة الإسلاميّة ضعيفة. الجمهوريّة الإسلاميّة تستمدّ قوّتها من الشعب، لا يريدون لهذه القوّة أن تكون موجودة، لذا، ففي جميع انتخاباتنا، على امتداد هذه السنوات، بدأت الدعايات الإعلاميّة للعدوّ ضّدنا قبل موعد الانتخابات، أي إنّه قبل أن يبدأ مسؤولونا ووسائلنا الإعلامية وصحفنا بالعمل من أجل الانتخابات، كان العدوّ يضع خطّة ويبدأ بتنفيذها، والأمر كذلك هذه المرّة أيضاً.

لدينا معلومات أنّه هذه المرّة أيضاً، أنّ وسائل إعلام العدوّ الرسميّة والمعروفة ـ وهي عملت حيثما استطاعت ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة ـ تخطّط منذ فترة، تضع
 
 
 
 
 
 
226

189

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 الخطط، والبرامج، لجعل الناس يتعاملون مع مسألة الانتخابات ببرودة، وقد باشروا بذلك أيضاً، بالنتيجة، إنّ مخطّطاتهم أوسع بكثير من هذا، يريدون ثني الناس عن الحضور أمام صناديق الاقتراع، يريدون للشعب أن لا يشارك في إدارة البلاد وتولّي أمورها، يريدون له أن لا يحضر في الساحات، لذا هم يسعون جهدهم. لو لم يكن الشعب حاضراً في الميادين، لأمكنهم بكلّ سهولة مضاعفة هجومهم عدّة مرّات. إنّ حضور الشعب يصون النظام الإسلاميّ وبلدنا العزيز. حضور الشعب هو من يقوّي عوامل القدرة والقوّة فينا: يطوّر علمنا، ويزيد من بصيرتنا، ويطوّر آليّات الإدارة لدينا ـ كما طّورها على امتداد هذه السنوات ـ فهذا بسبب حضور الشعب، بسبب دوافع الشعب، يريدون لهذه الدوافع أن تزول، لذا يسعون لتبهيت (للتقليل من شأن) هذه الانتخابات.


القانون فوق الجميع
أقول، بفضل الله تعالى وبهمّة الشعب العزيز، إن شاء الله تعالى، وبتوفيقه، ستكون هذه الانتخابات المقبلة، إحدى أفضل انتخابات لدينا وأكثرها حماسةً. بالطبع، يسعى العدوّ لإبطال جهود الشعب ـ كما فعل في العام 1388هـ ش (2009م) - فهذا أيضاً كان من أفعال العدوّ، فقد حملوا بعضهم على أن يتوقّع أموراً مخالفة للقانون، وأن يسعى على أساس هذه التوقّعات، وإلى وقوف الناس بوجه النظام، وقد أخفقوا ـ حتماً ـ بعون الله تعالى.

وإنّ السبيل الأساسيّ لمنع حصول مثل هذه المشاكل الانتخابيّة، هو الالتزام بالقانون، أؤكّد على ذلك. على عموم أفراد الشعب في كلّ نقطة من نقاط البلاد، في المدينة، في القرية، في العاصمة، في المدن الكبرى وفي كلّ مكان، أن يسعوا إلى تحقيق هذا الأمر وهو أنّ كلّ من يتكلّم أن يكون كلامه على أساس القانون، كلّ من ينتظر ويتوقّع، أن تكون توقّعاته موافقة للقانون. أولئك الذين في تلك السنة حمّلوا البلد والشعب تلك الخسائر، لو كانوا سلّموا للقانون لما حدث ما حدث. ينصّ
 
 
 
 
 
 
 
227

190

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 القانون على أنّ من لديه اعتراض فليأتِ وليعترض. في تلك السنة قيل، حتّى أنا طلبت من مجلس صيانة الدستور، وحينها مدّدوا الوقت أيضاً لإعادة فرز الأصوات، وقلنا فَلْيُعَدْ فرز الأصوات بالعدد المعقول ولكلّ صندوق يريدونه، حسنٌ، لم يرضوا! كانت أعمالهم غير منطقيّة، وغير معقولة، لقد كلّفوا البلاد ميزانيّات كبيرة. حسنٌ، فالبلد يعلو على هذه المسائل.

 
نظام الجمهوريّة الإسلاميّة قويّ. هذه الأعمال التخريبيّة، ووضع الإصبع في العين، وهذا الإزعاج والأذيّة، لا تُرضِخ الجمهوريّة الإسلاميّة. لقد واجهت الجمهوريّة الإسلاميّة على امتداد هذه السنوات مختلف أنواع السياسات والسياسيّين، لكنّها تقدّمت على الرغم من وجود كلّ هذه المعارضات وكلّ هذه الزوايا ـ التي كانت توجد أحياناً ـ، وهكذا ستكون في قادم الأيّام. الجمهوريّة الإسلاميّة لن تتزحزح بهذا الكلام. بالنتيجة، كلّفوا البلد خسائر. وإن الطريق لعدم تكليف البلد الخسائر هو الالتزام بالقانون. وصيّتي لكم أيّها المسؤولون المحترمون عن الانتخابات هي: اتّخذوا القانون معياراً. في الآية الكريمة التي تُليت، تمّت الإشارة إلى أداء الأمانة - ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾1- أداء الأمانة هو بالعمل طبقاً لنصّ القانون، سواءً في مرحلة تحديد الصلاحيّات ـ بالنسبة إلى رئيس الجمهوريّة، أو بالنسبة إلى المجالس البلديّة، أو الموارد الأخرى التي سوف نواجهها ـ وسواءً في مرحلة فرز الأصوات، وأيضاً في مرحلة حماية الأصوات والصناديق. ينبغي مراعاة نصّ القانون، بمنتهى الأمانة، والتي كانت ولا زالت كذلك بحمد الله إلى الآن. 
 
الصبر الثوريّ
من البديهيّ في كلّ انتخابات، أن لا يصل البعض إلى مبتغاه - لا أريد أن أسمّيه خاسراً في الانتخابات، لا ينبغي علينا استخدام تعبير الخاسر والرابح وأمثال هذه العبارات والاصطلاحات الغربيّة الماديّة. إذا كنّا نخوض الانتخابات من



1 سورة النساء، الآية: 58.
 
 
 
 
 
 
228

191

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 أجل أداء التكليف، فليس هناك ربح وخسارة - حسنٌ، اعترض هؤلاء. هكذا هو الأمر عندما يذهب الإنسان إلى القاضي، تصدر المحكمة حكمها، فالشخص الذي نال مبتغاه يكون مسروراً، والآخر يكون منزعجاً، على الشخص الآخر أن لا يتّهم المحكمة أنّها عملت خلاف الحقّ، لا، فهي محكمة، وتعمل على أساس القانون، لكنّه بالنتيجة، يستاء، ويكون غير راضٍ. علينا أن نتحمّل كلّ ما يحصل ويكون قائماً على أساس القانون، علينا جميعاً أن نتعلّم هذا الدرس، هذا هو الصبر الثوريّ، هذا هو التحمّل الثوريّ. نسأل الله تعالى أن يهدي القلوب إلى ما هو الأفضل للبلد.


الإدارة التنفيذيّة العليا في البلد، هي أمر كبير، وعمل مهمّ. إنّ كلمةً واحدةً قد تترك أثرها، وإنّ عملاً صغيراً أو كبيراً من قبل المسؤولين التنفيذيّين الرفيعي المستوى في البلاد - كرئيس الجمهوريّة، والوزراء - يترك أثراً، الأجهزة التنفيذيّة أيضاً كذلك. خدماتهم لهذا البلد لها تأثيرها الكبير، لا قدّر الله أن يترك تقصيرهم آثاره السلبيّة الكبيرة. هذا يوجب علينا نحن الذين نريد أن ننتخب، توخّي الدقّة.

سيهدي الله قلوبنا
لنزِنِ الالتزام، والتديّن، والاستعداد والقدرات، ولنعمل طبقاً للتشخيص. إذا خضنا أنا وأنتم، نحن الذين نريد التصويت، الميدان بنيّة صادقة وخالصة ومن أجل أداء التكليف ومستقبل البلد، وأردنا اتّخاذ القرار، فإنّ الله تعالى في هذه الصورة سيهدي قلوبنا، إن الله تعالى يهدي القلوب بشرط أن يكون عموم أفراد الشعب واقعاً في صدد القيام بتكليفهم. لقد قيل مراراً، إنّ الانتخابات هي حقّ للشعب، وتكليفه أيضاً، علينا أن نستنقذ الحقّ، وأن نقوم أيضاً بتكليفنا على أكمل وجه. وهذه الانتخابات توفّر هذا الأمر.
 
 
 
 
 
 
229

192

في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 فلتكن هذه مواصفاته

على الأشخاص الذين يريدون دراسة الصلاحيّات، ويتّخذوا القرارات بناءً على ذلك، عليهم أن يلحظوا جميع الأمور إلى جانب بعضها. ينبغي أن يكون رئيس الجمهوريّة فعّالاً، شعبيّاً، مقاوماً، مبدئيّاً، مدبّراً، ملتزماً بالقوانين والمقرّرات ـ منفّذاً للقوانين ـ كما ينبغي أن يكون متحسّساً لآلام الناس، يلحظ مختلف شرائح المجتمع، هذه هي الخصائص التي تقوم بدورٍ في انتخاب من نريد تسليمه المفاتيح التنفيذيّة للبلاد. نحن الشعب، من يقرّر في هذا المجال. لا يقولنّ أحد: ماذا سيؤثّر رأيي أنا الشخص الواحد؟ فملايين الأصوات تتشكّل من هذه الأصوات الآحاديّة. على الجميع أن يشعر بالمسؤوليّة وسيردون الميدان بإذن الله. وهذا ما سيحصل بعون الله تعالى. من المؤكّد أنّ أمن البلد، وصيانته وتقدّمه، سيزداد من خلال المشاركة العامّة للشعب وبنسبها العالية، وسوف يتمكّن هذا البلد بعون الله أن يخطو خطوةً أخرى نحو الأهداف العليا للثورة الإسلاميّة.

نسأل الله المتعالي، أن يهدي بعونه قلوبنا جميعاً، سواءً التنفيذيّين، والمسؤولين، والمشرفين، وعموم أفراد الشعب، لنقوم بما فيه رضا له، وما فيه مصلحة للبلد. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
230

193

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 خطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 
المناسبـة: ذكرى استشهاد آية الله مطهري ويوم المعلّم1
الحــضـور: حشود غفيرة من المعلِّمين من مختلف أنحاء البلاد
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
18/02/1392 هـ.ش.
27/06/1434 هـ.ق.
08/05/2013 م.



1 يلتقي سماحته سنوياً بحشد من المعلّمين وأركان مديريات التربية والتعليم بمناسبة عيد المعلم في الجمهوريّة الإسلاميّ, وهو يوم استشهاد الشهيد مرتضى مطهّري.
 
 
 
 
 
 
231

194

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
أرحّب بكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، يا من تعتزّون بأنّكم تعملون في مجال التعليم والتربية في المجتمع الإسلاميّ، أو أنّكم ستعملون في هذا المجال في الأيّام اللاحقة، وهذا واقعاً، فخر كبير. 
 
إنّنا إذ نحيي ذكرى شهيدنا العزيز الكبير، المرحوم الشهيد مرتضى مطهّري1 رضوان الله عليه، وكذا شهداء التربية والتعليم ـ المعلّمين، والطلّاب ـ الذين يمثّلون أجمل وأعظم مشاهد الدفاع المقدّس، نطلب من الله سبحانه أن يحميكم وأن تكون يده دوماً فوق رؤوسكم أيّها المعلّمون الأعزّاء ومسؤولي التربية والتعليم، وأن تصبح هذه الشجرة المثمرة والمباركة، يوماً فيوماً أكثر بركةً لبلدنا وشعبنا.
 
التعليم: المقام اللّائق
أوّلاً، هذه الجلسة هي من أجل تكريم المعلّمين والاحتفاء بهم. ما ينبغي طرحه في باب التربية والتعليم ـ سواءً اللجان المركزيّة للتربية والتعليم2، أم صفوف التدريس المنتظِمة في كافّة أنحاء البلاد ـ غالباً ما يُطرح على المسؤولين والعاملين التنفيذيين، ما هو اليوم، مهمّ بالدرجة الأولى لنا، هو أن نظهر الاحترام القلبيّ اللّائق لمقام التربية والتعليم. الأصل هو أن يتمتّع "المعلّم" بالمنزلة اللّازمة في المجتمع



1 آية الله الشهيد مطهّري, تلميذ الإمام الخميني والعلامة الطباطبائي ومفكّر الثورة, الفيلسوف والنابغة الأصيل, والعقل الذي ترجم أفكار الإمام وكلماته في محاضراته وكتاباته في المدارس والجامعات قبيل انتصار الثورة وبعدها, وخاطب جيل الشّباب, وواجه بقوة وشجاعة الأفكار الالتقاطية والمتحجّرة وكذلك التيارات الفكرية العلمانية والماركسية آنذاك. تميّز بسعة إطلاعه, وبرهانه المتين, وسلاسة بيانه وعمقه في آن وتناسبه مع متطلبات العصر وجيل الشّباب,.. تألّم الإمام كثيراً لفقده, دعا جيل الشّباب والطلاب إلى عدم ترك قراءة كتبه والاستفادة من فكره.
2 يتفرّع من وزارة التعليم والتربية, مؤسسات ولجان مركزية تشرف وتقوم بأعمالها في التربية والتعليم, وقد يقال مديريات التعليم..
 
 
 
 
 
 
 
233

195

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 الإسلاميّ. وإنّه لقصر نظر كبير، أن يضع الإنسان عمل التعليم في مصافّ سائر مشاغل الحياة المُتعارفة، بحيث يكون وسيلة فقط من أجل اكتساب لقمة العيش، ويساعد الإنسان على الحياة، يؤمّن الخبز ويساعد على تمضية الحياة، هذا لا حقيقة له، والتعليم ليس كذلك، وهو ليس في مستوى الأعمال الأخرى، إنّه يفوقها شرفاً.


إذا التفتنا إلى حقيقة التربية والتعليم ومنزلة المعلّم، علينا واقعاً أن نشبّه المسألة: بمن يصقل وينحت جوهراً ثميناً، بحيث يضفي عليه القيمة والأهمّيّة. هذه الجواهر الثمينة هي أولادنا، وأطفالنا، أطفال الشعب، الذين يشكّلون جيل المستقبل بجميع خصائصه ومميّزاته، ويوجدونه. أنتم المعلّمين من تشكّلون هذه الشخصيّات، تصقلونها. ليست المسألة مجرّد أن تلقوا كلمتين، أو تعطوا درساً في الصفّ، جميع تصرّفاتكم، حركاتكم، طريقتكم، أخلاقكم، تترك أثرها بصورة مباشرة في هذا المخاطبَ المستهدَف (المتلقّي)، وتُشكّله. وما تزرعوه في ذهنه أيضاً تحت عنوان التعليم، هو من أكثر الحقائق بقاءً، في ذهن الإنسان. بعد خمسين، أو ستّين عاماً، يبقى في ذهن الإنسان الكثير من التفاصيل التي قالها المعلّم له، والكثير من الخصائص التي ينقلها (المعلّم) للتلميذ بتصرّفاته، بأخلاقه، بطريقة كلامه، وطريقه تعامله مع التلاميذ، تبقى في الإنسان. أحياناً يلتفت الإنسان إلى ذلك، وأحياناً لا يلتفت، جميعنا نسير دون التفات في الطريق نفسه، الذي خطّ المعلّمون الجزء الأكبر منه في نفوسنا، وهذا أمر بالغ الأهميّة.

نحو الأهداف الإسلاميّ
إنّ البلد الذي يريد أن يصل إلى العلى، إلى الغنى والرفاه، إلى العلم والتفوّق، والذي يريد رفد المجتمع البشري بأناس شجعان، أحرار، واعين، عاقلين، عقلاء ومفكّرين، عليه أن يعدّ هذه البنية التحتيّة الأساسيّة، البنية التحتيّة للتعليم في مرحلة الطفولة والحداثة. هذا هو شأن المعلّم. لذا، ينبغي أن نكنّ احتراماً فائقاً للمعلّم. ولإيجاد الأهليّة اللّازمة في المعلّم، ينبغي صرف الكثير من الوقت. فلكي 
 
 
 
 
 
 
234

196

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 نعدّ آليةً، تكون التربية والتعليم فيها مؤثّرين، ويتّجهان في الاتّجاه الصحيح، علينا الاستثمار كثيراً. وإنّ اعتمادنا على هذا التحوّل الأساسيّ في التربية والتعليم في السنوات الماضية هو من أجل هذا الأمر، ومن الجيّد اليوم، بحمد الله، أنّ وثيقة هذا التحوّل1 هي في متناول مديريّة التربية والتعليم، وقد حُدّدت وشُخّصت، في الواقع، معالم الطريق. فالتحوّل في بني البشر، والتغيير الحقيقيّ في النفوس والمعتقدات والحركات والأخلاق وأمثالها، يحتاج إلى بنية تحتيّة قويّة، وهذه البنية التحتيّة هي التربية والتعليم. 

 
فقد تشكَّلت التربية والتعليم في بلدنا على أساس مبَانٍ فكرية وعقائدية أخرى، إنّنا أيضاً على امتداد عشرات السنين ـ منذ بداية العمل بمنهج التربية والتعليم الجديد في البلد ـ قد سرنا على هذه القاعدة نفسها، في الحقيقة، كنّا نسير على تلك السكّة ذاتها، نعم لم تكن السكّة الصحيحة. ينبغي أن توجّهنا وثيقة التحوّل هذه، نحو الأهداف الإسلاميّ، ينبغي أن تتقدّم بالمجتمع نحو نمط الحياة الإسلاميّ الحقيقي، ينبغي أن تتمكّن من إيجاد الخصال الإنسانيّة السامية فينا. إنّنا اليوم، نشاهد في أخلاقنا، في سلوكنا، عيوباً، ينبغي العمل على إزالتها. إنّ القابليّات الإنسانيّة في المجتمع الإيرانيّ هي قابليّات كبيرة وفيّاضة. وينبغي لهذه القابليّات أن تجد طريقها إلى الظهور، أن تعثر على الوجهة الصحيحة. ووثيقة التحوّل هذه، ناظرة إلى مثل هذه الأمور.
 
انتظروا وقت حصاده 
لقد تمّت الإشارة إلى البُنى التحتيّة لوثيقة التحوّل. أنا هنا أقول، إنّ وثيقة التحوّل هي متن ينبغي أن يترجم عمليّاً، بالمحصّلة، لا ينبغي التسرّع (التعجّل) به بأيّ وجه من الوجوه، ينبغي التقدّم من خلال التدبّر والتأمّل فيه، مع الملاحظة الصحيحة 



1 وثيقة التحوّل في التربية والتعليم في الجمهوريّة الإسلاميّ الإيرانية, نظام جديد متطوّر يحدّد حاجات التربية وشروطها ومعاييرها, تم صياغته وإقراره منذ سنوات, بتوجيه من سماحة الإمام القائد, وهو حالياً في معرض التطبيق, يتناول مختلف أبعاد عملية التربية والتعليم, ويضع لها معايير وأنظمة مستنبطة من روح التعاليم الإسلاميّ, ولا يهمل الاستفادة من الوسائل والتقنيات والتجارب البشرية العصرية.


 
 
 
 
 
235

197

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 للجوانب. العمل عمل عميق. والأعمال العميقة ليست قصيرة الأمد، ليست سريعة النتيجة، هي طويلة الأمد، ونتيجتها تأتي متأخّرة، إذا ما تشكّلت بشكل صحيح، سوف تبقى، وتثمر، إذا لم تُتقَن، وتُعُجّل فيها، سوف لن تعطي الثمرة المرجوّة. جاء في الحديث عن المعصوم عليه السلام: "ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها، كالزارع في غير أرضه"1، فإذا قطفتم الثمرة قبل نضوجها، فأنتم في الواقع لم تحصلوا على شيء، وضاعت جهودكم سدًى. انتظروا الثمرة حتّى تينع، ومن ثمّ اقطفوها حتّى تستفيدوا من جميع منافعها.

 
ربّما يلزمنا سلسلة دراسات متعدّدة من أجل إيجاد برامج إجرائيّة وعملانيّة لوثيقة التحوّل هذه، حتّى يُعبر(يسلك) هذا الطريق واقعاً بالنحو الصحيح، عندها يسير هذا القطار على السكّة. بالطبع، يجب على الحكومة، وعلى المجلس أيضاً، أن يتأمّلوا ويفكّروا بنحو جدّيّ، في الدعم الماليّ للتربية والتعليم، من أجل التطوّر في هذا المجال.لا يصحّ أن تترك مديريّة التربية والتعليم لحالها، ولا يقدّم الدعم اللّازم لها، ومن ثَمّ نتوقّع منها التقدّم.
 
حسنٌ، بحمد الله، أُنجزت في هذه السنوات أعمال جيّدة جدّاً ـ ولديّ تقارير عنها ـ ما أُنجز جيّد، لكنّ ما لم يُنجز وكان من اللّازم إنجازه كثير جدّاً، وإن لم نباشر العمل عليه، فإنّ الوقت قطعاً سيفوتنا، تلك أيضاً لائحة طويلة، ينبغي لمسؤولي التربية والتعليم المحترمين ـ سواءً في لجان التعليم المركزيّة، أم في صفوف التدريس المنتظمة ـ أن يلتفتوا إليها إن شاء الله تعالى.
 
جامعة المعلِّمين
مسألة جامعة المعلّمين هي أيضاً مسألة مهمّة جدّاً، وهي أيضاً من جملة الأشياء التي ينبغي الالتفات إلى تنظيمها الداخليّ بشكل جدّيّ. فما لم يبن المعلّم شخصيّته، لن يستطيع إعطاء شيء لتلميذه، ومخاطَبه. هنا، تُبنى شخصيّة المعلّمين. إنّه وإن



1 نهج البلاغة، ج1، ص40.
 
 
 
 
 
 
 
236

198

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 أُلحقت هذه الجامعة بمديريّة التربية والتعليم، وكانت مرتبطة بها، إلّا أنّه يجب على مديريّة التعليم العالي، أن توفّر كلّ الدعم الممكن لهذه الجامعة. هذه أمور ينبغي أن تتحقّق على صعيد التربية والتعليم. 

 
أهميّة جهاز التربية والتعليم
إنّ جهاز التربية والتعليم ليس جهازاً عاديّاً يقع في عرض سائر الأجهزة الأخرى، هذا موقع أساسيّ ومهمّ، والآن، يمكن أن تعبّروا عنه كمحرّك لقطار، كمركز لتموين (وتغذية) مجموعة ما، على كلّ حال يفترق عن الأجهزة التنفيذية الأخرى. العمل في هذه الوزارة عميق وأساسيّ بحيث لا يمكن إيجاد مثيل له في سائر الوزارات، وحتّى الوزارات الثقافيّة المشابهة ليس لديها ذلك المقدار من الحساسيّة والدقّة التي يلزم مراعاتها في هذه المجموعة. على كلّ حال هي مجموعة في غاية الأهمّيّة. 
 
كما علينا أن نشكر معلّمينا الأعزّاء الذين اختاروا هذا العمل وتكلّفوا هذه المشقّات. ما أكثر الذين يمكنهم العمل في مجالات أخرى، ذات مداخيل أكبر، ويمكن أن يكون لهم مراكز سياسيّة واجتماعيّة أكثر، لكنّهم نذروا أنفسهم لهذا العمل، وهذا أمر مهمّ جدّاً. على امتداد هذه السنوات، وقف المعلّمون دوماً على مصالح الثورة، وكمثال له مسألة الدفاع المقدّس والحرب المفروضة، حيث أشرنا إلى شهداء التربية والتعليم من المعلّمين والتلامذة، كما أنّ له نماذجه الأخرى في أماكن مختلفة. كثيرون خطّطوا للمعلّمين، للمدارس، وكان لهم وراء ذلك أغراضٌ سياسيّة1، وكان المعلّمون هم من تصدُّوا لها. هذه كلّها حسنات عند الله تعالى، هذه كلّها أعمال مؤثّرة ومهمّة، إذ يمكن في كثير من الأحيان أن تُرى غير صحيحة بعيون بعضهم، لكنّها لا تعزب عن عيون الكرام الكاتبين. 



1 هنا تلميح إلى بعض الحكومات السابقة التي كان بعض المسؤولين فيها يسعون إلى استقطاب المعلّمين في السياسة أو غيرها, سعيا وراء أهدافهم الخاصة, حتى في مجال التربية والتعليم..
 
 
 
 
 
 
 
237

199

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 ادرسوا احتياجاتهم

إنّ موضوع الكتب الدراسيّة هي أيضاً مهمّة. ينبغي على الدوام، تطوير مضامين هذه الكتب ومحتوياتها والارتقاء بها ، حسبما تقتضيه الحاجة. ينبغي وجود أجهزة مراقبة ذكيّة في جميع مؤسّسات التربية والتعليم، بحيث تراقب التطوّرات المبنيّة على وثيقة التحوّل، ولينظروا أين توجد ثغرة، أين يوجد خطأ، أين توجد تجربة غير ناجحة، فلتُصلح فوراً ـ يلزمنا النظر الثاقب ـ كما علينا أن ندرس الاحتياجات في مجال الموادّ التدريسيّة والكتب الدراسيّة. منذ سنوات ونحن ندخل مسائل ومطالب في الكتب، فيتمّ إخراج بعضها وإدخال بعضها الآخر. فلننظر أيّاً من المعارف الإلهيّة، من المعارف الإسلاميّ، من المعارف المدنيّة، من معارف بناء الحضارات، من معارف بناء الإنسان، المعارف التي تعزّ شعباً ما، تطوّره، تجعله رياديّاً، فلندخلها في كتبنا إن لم تكن موجودة، وأيّ الأمور هي في الجهة المقابلة مخدّرة، مضلّة، فلنحذفها، أيّ الأمور تلزم الأجيال أو الفتية والفتيات، فلندخلها. فلنفرض أنّ بعض الأمور قد تكون لازمة في الكتب الدراسيّة للفتيات، وذلك على صعيد تدبير المنزل، تربية الأبناء وأمثالها، وأنّ بعض الأمور قد تكون لازمة في الكتب الدراسيّة للفتيان من قبيل مواجهة أمور العمل، الحياة وأمثالها. هذه تحتاج إلى المراقبة اللّازمة والرصد الدائم، وينبغي لهذه الأعمال أن تُنجز. على كلّ حال، العمل عمل مهمّ للغاية.

الملحمة متوقّفة عليكم
لقد طرحنا السنة شعار: "الملحمة السياسيّة والملحمة الاقتصاديّة". كلتا المقالتين (الموضوعين) من الموضوعات التي يمكن لعامّة أفراد الشعب أن يؤدّي دوره فيها، وطالما أنّ عامّة أفراد الشعب لم تؤدِّ دورها، لن توجد أيّ ملحمة. بالطبع، يمكن لبعضهم أن ينشغل، ولآخرين أن يتكاسلوا، وقد لا يمتلك بعضهم الرغبة والحماسة اللّازمة، عندما يمتلك عامّة أفراد الشعب، ونوع الشعب في جميع أنحاء
 
 
 
 
 
 
238

200

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 البلاد، الدافع اللّازم من أجل التحرّك، من خلال النظر إلى ذلك الأفق النيّر، سوف تحدث هذه الملحمة، وإن شاء الله بفضل الله، وبتوفيقه، سوف تحدث هذه الملحمة. وللتربية والتعليم في هذا المجال دور خلّاق. قد يكون هناك تلميذ ما لم يبلغ السنّ القانونيّة للإدلاء برأيه، لكن بإمكانه التأثير في والديه لجهة ولوج هذا الميدان، ولـتأدية المسؤولية. هذه الأعداد الكبيرة من المعلّمين في كافّة أنحاء البلاد، يمكنها أن تؤثّر في قضيّة الانتخابات هذه ـ التي هي بيت القصيد الأبرز في الملحمة السياسيّة، هي هذه الانتخابات القادمة ـ وأيضاً في الملحمة الاقتصاديّة التي هي مسألة طويلة الأمد، ويمكن أن يكون لها دور فعّال.

 
بفضل الثورة
إنّ بلدنا وشعبنا العظيم، بالنظر إلى الأهداف والمبادئ التي يحملها، بحاجة إلى تجسيد الملاحم في الأقسام المختلفة. علينا أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء أن نتوثب في التقدم1! فهذا الشعب، مع كلّ الاستعداد الذي لديه، على امتداد سنوات القمع والتضييق الطويلة2 - حيث ترافق هذا التضييق، فيما بعد، مع تدخُّل الأجانب وهيمنتهم السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة على البلاد - قد تراجع، لقد تخلّفنا عن طريق العلم، عن طريق البناء، عن الاقتصاد، وابتُلينا بآفات ثقافيّة ومعرفيّة متعدّدة. لقد أتاحت الثورة هذه الفرصة أمام الشّعب الإيرانيّ، لجبران هذا التخلف، ورأيتم أيّ خبرات اكتسبها الشّعب الإيرانيّ على امتداد العقود الثلاثة الماضية، وأيّ تقدّم حقّق، وأيّ استعداد أظهر لجميع المراقبين في أنحاء العالم. إنّ تقدّم الشّعب الإيرانيّ في هذه العقود الثلاثة، غير متناسب مع الثلاثين عاماً، كنموذج له، التقدّم العلميّ الذي لم تجد المجاميع العلميّة بدّاً من الاعتراف به، وهذا ما فعلت. إنّ سرعة تقدّمنا العلميّ تُعادل ثلاثة عشر ضعفاً 



1 أي أن نحقِّق قفزة نوعية، بمعنى الوصول إلى طفرة اقتصادية مثلاً.
2 المقصود خلال العهود التي سبقت انتصار الثورة الإسلاميّ.
 
 
 
 
 
 
239

201

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 لمتوسّط التقدّم العالميّ، أهذا مزاح؟ وإنّنا في الوقت نفسه، مع سرعة التقدّم هذه، لا زلنا متخلّفين من الناحية العلميّة. انظروا كم كنّا متأخّرين! مع أنّنا نسير بسرعة تفوق متوسّط السرعة العالميّة بأكثر من عشرة أضعاف، ومع ذلك لا زلنا متخلّفين. إذاً، علينا أن نحافظ على هذه السرعة. هذا هو الجزء الذي يعترف به العدوّ، هناك أجزاء أيضاً لا يتأتّى للعدوّ الاعتراف بها، ولا يعترفون أصلاً، كما على الصعيد السياسيّ، والصعيد الاجتماعيّ، وعلى صعيد بناء البلد، وعلى صعيد الوعي والبصيرة العامّة، هذه أمور لا يرى أعداؤنا في دعاياتهم وتصريحاتهم، أنّ من المصلحة ذكرها، وذلك حتّى لا يشجّعوا شعبنا على التقدّم بهذا الأمر. بالنسبة إلى الاقتدار الشعبيّ والسّمعة العالميّة، ينبغي أن تُلحظ سرعة التقدّم بهذه النسبة أيضاً. هذا التقدّم هو ببركة الثورة. لكن في الوقت عينه، يبقى هذا التقدّم قليلاً، وينبغي أن يزداد.

 
الحماسة ثمّ الحماسة
إذا ما حافظ الشّعب الإيرانيّ على هذه السرعة في التقدّم - سواءً على الصعيد العلمي، أم على الصعيد السياسيّ، أم الاجتماعيّ، أم الثقافيّ والمعرفيّ ـ فلن يستغرق الأمر طويلاً حتّى يحتلّ مكانته اللّائقة، وهذا هو ما يليق بشعب إيران. إنّ جزءاً كبيراً من هذه المسألة يرتبط بالتربية والتعليم، وجزءاً مهمّاً منها يرتبط بالمسؤولين التنفيذيّين في البلاد، هؤلاء الذين يجعلون قضايا البلاد حسّاسة في نظر كلّ إنسان بصير، هؤلاء الذين يتحلّون بالحماسة والاندفاع المطلوب1. من دون الملحمة (الحماسة)، لا تتحقّق هذه الطفرات. عندما تكون الحماسة موجودة، الرغبة والنشاط موجودين، يمكن للطفرة أن تُتصوَّر، يمكن الافتراض بأنّ الطفرة ستتحقّق. لقد خبُرنا هذا الامتحان في مرحلة حرب الدفاع المقدّس. وإن شاء الله تعالى، سيرى الشّعب الايرانيّ، هذا أيضاً بأمّ العين، على صعيد الملحمة السياسيّة



1 أي الحيوية والاندفاع المستمر..
 
 
 
 
 
 
 
240

202

في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

 والملحمة الاقتصاديّة، وجزء كبير منه هو بعهدتكم أيّها المعلّمون الأعزّاء.


أسأل الله المتعال أن يوفّقكم جميعاً، ويرضي عنكم وعنّا أرواح شهدائنا المطهّرة وروح إمامنا العظيم، وأن يهدينا بعونه تعالى، في مجال التكاليف المهمّة التي لدينا في أمور البلاد المتنوّعة، إلى طريق الهداية القويم ويأخذ بأيدينا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
241

203

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات


المناسبـة: ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليه السلام 
الحــضـور: جمع من السيدات والحوزويات والجامعيات
الـمكــان: طهران 
الزمـــان:
21/02/1392 هـ.ش.
30/06/1434 هـ.ق.
11/05/2013 م.
 
 
 
 
 
 
243

204

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 بسم الله الرحمن الرحيم

أتقدّم بالشكر الجزيل من السيّدات المحترمات والكريمات اللّواتي نظَّمنَ هذا اللقاء الجيّد والمُثمر. لقد انتفعت واستفدت اليوم حقّاً من كلمات السيّدات، وشكرت الله لما يشهده الإنسان من عمق في بحوث، جهود وفكر السيّدات البارزات والمتميّزات في بلدنا، والحمد لله. المواضيع التي طرحتُنّها، كانت في أغلبها مواضيع جيّدة. وسنضع إن شاء الله، المقترحات المُقدّمة قيد الدرس. أمّا المقدار المتعلّق بي، والمُتوجب عليَّ متابعته، فسوف أتابعه إن شاء الله. 

أشيعوا رأي الإسلام
بالنسبة إلى قضيّة المرأة، وما يتعلّق بها، هناك الكثير ليُقال، نحن نعاني من التخلّف، ولقد أشرتم أنتنّ السيّدات - بعض السيّدات اللّواتي تحدثنَ - إليه. والتخلّف في هذا المجال، ليس من نوع التخلّف في العلوم ـ كأن نقول مثلاً بأنّنا متخلّفون فيه ـ وتعبيرنا عن التخلف، هنا، هو من باب أنّ لدينا في مجال المرأة، جنس المرأة، والأمور التي تتحقّق وتجدُ لها معنىً، بوجود المرأة ـ كالعائلة والأولاد والزواج والسكن وما شابه ـ كلاماً مهمّاً لم نوفّق في نقله وطرحه أمام العالم. فالتخلّف إذاً من هذه الناحية. في حين أنّ العالم بحاجة إلى مبانٍ ومفاهيم واضحةٍ شاملةٍ ومُقدّمةٍ للحلول، وكما لاحظتنّ، فقد قالت بعض السيّدات: إنّنا حين نطرح تلك المفاهيم في العالم، فإنّها تحظى بالترحيب والإقبال. وقالت سيّدات أخريات: إنّ الاكتشافات العلمية في مجال علم النفس، تؤيّد أحكام الإسلام فيما يتعلّق بالمرأة. حسناً، فهذا
 
 
 
 
 
 
 
245

205

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 جزء من قدرات النظام الفكريّ الإسلاميّ في هذه المسألة الحسّاسة، ولم نستطع نحن أن نُبيّن هذه القُدرات ونُعرّفها بالشكل الصحيح. وكذا الأمر في الكثير من الميادين والساحات الفكريّة المتنوّعة. لم نستطع حقّاً نقل وجهات نظر الإسلام إلى العالم. وعندما نقول: "لم نستطع" لا نقصد إدانة نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، فالمقدار الذي أُنجز كان ببركة نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، وببركة تغلغل فكر الثورة وفكر الإمام، اسم الثورة واسم الإمام، الذي وبحمد الله، قد انتشر إلى حدٍّ ما. لكن علينا القيام بأكثر من هذا، لأنّنا بحاجة إلى ذلك، وسوف أوضح ذلك أكثر، نحن، ومن أجل امتلاك جبهة "هجوميّة" - تشكيل هجوميّ- مصونةٍ من هجمات الآخرين، بحاجة إلى نشر هذه الأعمال، هذه الأفكار والآراء، وإعلامها، هذا ما نحتاج إليه حقيقةً. في الواقع إنّ لهجماتنا هذه جانباً تحصينيّاً وقائيّاً، لذا، برأيي، كلّما عملتم من أجل رفع هذا التخلّف، فهو مفيد ولازم. في مجال هذه النهضة ـ يجب القول إنّه في نهضة الصحوة وفي القضايا المتعلِّقة بالمرأة- يجب عدم الإهمال وعدم التوقّف أو التقاعس في منتصف الطريق. مع أنّنا نمتلك هذا الخطاب الكامل والمفيد والمقنع للإسلام، إلّا أنّنا عمليّاً وضعنا أنفسنا في موضع الانفعال مقابل خطاب الغرب بخصوص المرأة.


خطاب الغرب، تقهقر وانحطاط
خطاب الغرب حول المرأة، خطاب سياسيّ مدروس بدقّة. بمعنى أنّه أُجريت محاسبات دقيقة، قبل بدء العمل بهذا الفكر وهذا الخطاب. بالطبع هذا ليس خبراً أنقله لكنّ، استناداً إلى معلومات ووثائق. لكنّ القرائن تؤيّد هذا التحليل وتدعمه. فمع بداية عصر النهضة، وما تبعه من ظهور الصناعة الحديثة وانتشارها في الغرب، تنامى هذا الخطاب الغربيّ تدريجيّاً، ووصل إلى أوجه في عصرنا. لكن بالطبع، سيصاحب هذا "الأوج" انحطاطٌ وتنزّل، وإن شاء الله ذلّ هذا الخطاب وانهياره.

لخطاب الغرب حول المرأة، أجزاء مختلفة، لكنّ جزءَيْن منه هما الأبرز:
 
 
 
 
 
 
246

206

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 ترجيل المرأة

الأول: "تَرْجيل" المرأة، أي تشبُّهها بالرجل، وهو جزء مهمّ من هذا الخطاب. والآخر، أن تصبح المرأة وسيلة سهلة لتلذّذ الرجل جنسيّاً. سواء أكان تلذّذاً بصريّاً (أي بالنظر)، أم ما يلي ذلك من مراحل أسوأ وأبعد من التلذّذ البصريّ، وهذا جزء آخر من خطاب الغرب بخصوص المرأة. أمّا مسألة الـ "فمينيسم" (الدفاع عن حقوق المرأة) وما شابه من الأمور الرائجة في عالمنا الحاليّ، فهي في الواقع نتاج الخطاب الغربيّ ذاك (من إفرازاته)، والذي سيوصل الأمور إلى هنا في نهاية المطاف.
 
الهدف من "ترجيل المرأة"، دفعها للقيام بأعمال أكثر انسجاماً مع بنية الرجل الجسديّة، العصبيّة والفكريّة، وجعلُ ذلك افتخاراً وامتيازاً للمرأة. ونحن في المقابل انفعلنا1، وخُدعنا وقبلنا عن جهل أو عن غير التفات لهذا الخطاب. انظروا كيف أنّنا نفتخر بوجود هذا العدد من النساء، في المراكز التنفيذيّة الفُلانيّة في البلاد. لا يخطئنّ أحد فهمي، فأنا لا إشكال عندي من وجود هؤلاء السيّدات في تلك المناصب التنفيذيّة، أعني بأنّني لا أعارض ذلك ولا أنفيه، ولا أجد فيه أيّة مشكلة ـ لنفترض بأن وزير الصحة عندنا كان امرأة، أو كانت بعض السيّدات معاونات لرئيس الجمهوريّة، أو تولَّينَ مناصب أخرى في البلاد. ولا أرى إشكالاً في ذلك ـ إلّا أنّ المشكلة تكمن في الافتخار والتباهي أمام العالم، أن انظروا كم سيّدة لدينا في المراكز التنفيذيّة للبلاد! هذا ما يسمّى الانخداع والانفعال. لا حاجة للافتخار هنا.
 
سلبية النظرة الانفعاليّة
حسناً، فقد وُجدت سيّدة تمتلك خصائص وقُدرات أهّلتها لهذا المنصب، هذا جيد، ولمَ لا؟! فهو ليس مخالفاً للقانون. لكن أن نُفاخر بأن لدينا هذا العدد من السيّدات المسؤولات في المراكز التنفيذيّة، فهذا خطأ. لو أنّنا افتخرنا بوجود هذا



1 بمعنى التأثر السلبي.
 
 
 
 
 
 
247

207

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 العدد من السيّدات المثقّفات، المتعلّمات، فهذا جيّد، وهذا في مكانه، إذا قُلنا إنّ لدينا هذا العدد من السيّدات المؤلّفات والناشطات الثقافيّات والسياسيّات، فلا إشكال في ذلك، وإذا قُلنا بأنّ لدينا هذا العدد من السيّدات الاستشهاديّات والمجاهدات في مختلف الميادين، فهذا جيّد، لو قلنا بأنّ لدينا هذا العدد من النساء الفعّالات في المجالات السياسيّة والثوريّة، مذيعات وكاتبات، فهذا جيّد، ومن الجيّد أن نفخر بهنّ. لكن أن نفخر بأنّ لدينا هذا العدد من الوزيرات وهذا العدد من النوّاب والمعاونات في المراكز التنفيذية المختلفة، وهذا العدد من مديرات المؤسّسات التجاريّة، فهذا خطأ، وهذا انفعال في مقابلهم. وهل تقرّر إحالة أعمال الرجال للنساء؟! لا، فمقام المرأة، هوية المرأة وشخصيّة المرأة، يكمن في جنس المرأة ذاتها- هويةٌ جدّ سامية ومكرّمة- وهي تتفوّق في بعض النواحي على الرجال. نجد أنّه في الإجمال لا فرق بين المرأة والرجل، ونجد أنّه من حيث الخِلقة، ومن جهة الخصوصيّات الطبيعيّة التي خلقها الله المتعال فيها، هناك بعض الامتيازات للمرأة وبعض الامتيازات للرجل، وقد وهب الله تعالى قدراً من الخصوصيّة لهذا الجنس وكذا للجنس الآخر. يمتلك هذا الجنس بعض المميّزات والخصائص، وكذا الجنس الآخر، لذلك، ففي الأمور الإنسانيّة، لا فرق أو تفاوت بينهما، كما لا فرق في الأمور التي جعلها الله للإنسان، لناحية الحقوق الإنسانيّة، والحقوق الاجتماعيّة ومن ناحية القيم المعنويّة والسير التكامليّ المعنويّ. أي أنّ رجلاً يصبح كعليّ بن أبي طالب عليه السلام، وامرأة كالسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، ورجل كعيسى عليه السلام وامرأة كمريم عليها السلام. لا فرق بين الاثنين. إذاً، هي نظرة صائبة، أن نعرف المرأة في إطار جنسها، كما هي، امرأة واقعيّة، أنثى. وأن نعرف أيّ قيم يمكن أن نُنمّيها ونُرقّيها في هذا الفرد المنتمي إلى هذا الجنس، أو ذلك المجتمع (الجماعة) المنتمي إلى هذا الجنس. هذه النظرة هي نظرة صائبة، علينا أن لا ننفعل أمام النظرة الغربيّة، لكن للأسف، هذا ما أصابنا.

 

 

 

 

248


208

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 وسيلة للتلذُّذ

بالنسبة إلى الجزء الثاني، حيث جعلوا المرأة وسيلةً لتلذّذ الرجل جنسيّاً، هو ليس بالتلذّذ المعنويّ والروحيّ ولا بالتلذّذ العلميّ، إذ يمكن لشخصين الجلوس معاً فيستمتع أحدهما بحديث الآخر، بمعلوماته، لكن لا، فهذا ليس مطروحاً، الهدف (عندهم) هو أن يتمكّن الرجل وبكلّ سهولة من التلذّذ جنسيّاً بالمرأة. وقد دخل هذا الأمر من الغرب كصفعة على وجه الدول غير المحصّنة وغير المسلّحة بسلاح الإسلام، بما في ذلك بلادنا. ولحسن الحظّ جاءت الثورة، وتمّ التصدّي لهذا المدّ بشكل كبير، لكن يجب أن تصبح سدّاً في مواجهة هذا الخطر الداهم والبلاء العظيم. فالحجاب أحد مقدّمات هذه المواجهة، وكذلك مسألة الثياب والزّي، ومسألة المعاشرة والاختلاط بين الرجل والمرأة ومعرفة حدودهما، أيضاً من مُقدّمات مواجهة هذا البلاء العظيم، الذي هو بلاء للمرأة والرجل على السواء، وفيه بالطبع مسألة تحقير المرأة، دون الالتفات إلى ذلك.

الغرب الخائف
يجري اليوم وبشكل متعمّد إثارة هذه القضايا، وأنا على اطّلاع بذلك، فقد قرأت كتابات وصحفاً ومؤلّفات لمفكّرين غربيّين، بدأوا يشعرون تدريجيّاً بالخوف والاندهاش من هذه الأوضاع، الحقّ معهم، لكنّهم تأخّروا في إدراك ذلك. لقد أثاروا مسألة الشهوة والتي ترتكز على موضوع المرأة، لكن نشاهد اليوم حدوث الأسوأ من ذلك، وهو موضوع "السَّحاق" و"المثليّة"، والزواج وتشكيل عائلة من زوجين مثليّين، وما شاكل. أمور يبدو التحدّث عنها سهلاً، لكنّها هاويات عظيمة، سحيقة وخطرة، حُفرت في طريق الحضارة وفي طريق من يُدير تلك الحضارة ويُسيّرُها. منزلق عجيب، سوف يقضي عليهم. إنّهم في منتصف الطريق، منتصف المُنحدر، وبرأيي لم يعودوا قادرين على وقف الانزلاق، فقد تخطّت المشكلة مرحلة المعالجة.

لقد قرأت في صحف الدول الأجنبيّة منذ عدّة سنوات،
 
 
 
 
 
 
249

209

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 قبل حوالي سبع أو عشر سنوات، أنّ الأمريكيّين يبحثون عن كتب المؤلّف الفلانيّ مثلاً، أو ذلك الروائيّ أو القصصيّ الذي تتمحور كتاباته حول العائلة بغية تحويلها إلى فيلم سينمائيّ وما شابه. حسناً، لقد قاموا بشيء ما، وما زالوا يحاولون، بيد أنّ مساعيهم لا تساوي أكثر من جدولٍ مائيّ صغير، مقابل سيل عظيم صنعوه بأنفسهم، فابتلوا به، ولسوف يبلوهم أكثر فأكثر.


نحن نملك نوعاً من الحصانة والتحصّن في هذه القضيّة، بسبب وجود الحجاب وبقيّة الضوابط، لكن يجب أن لا نستسهل الأمر، وأن نأخذه على محمل الجدّ. ما أشارت إليه السيّدات في هذا الإطار، وما قلن إنّهنّ يعملن عليه، كقضيّة الانجذاب الجنسيّ وخطره على المرأة والرجل والمجتمع والعائلة. برأيي ينبغي النظر إليه بجدّ وأهميّة كبرى.

الخطاب الهجوميّ
حسناً، ذكرنا بأنّ خطاب الإسلام هو "المرأة الحقيقيّة". وكما أشرت ويجب أن نطرح هذا الخطاب بنحو "هجوميّ"، وأن لا يأخذ موقع الدفاع على الإطلاق. قالت بعض السيّدات إنّ الساعين وراء مواثيق المرأة أو المؤسّسات التابعة للأمم المتّحدة، يهدّدون بأنّكم إذا فعلتم كذا أو كذا، فسنصدر قراراً ضدّكم. حسناً، فليفعلوا، للدرك الأسفل! يجب أن يُطرح الخطاب الإسلاميّ حول المرأة بشكل "هجوميّ"، (انتزاعيّ)، فإذا قالوا لمَ لا تسمحون للمرأة بالتّجول دون حجاب؟ يجب القول: لمَ تسمحون لهذا النوع من الحريّة المُضرّة والمُرعبة الموجودة حاليّاً في الغرب؟! ما يجري اليوم حقيقةً، بخصوص عدم الاحتشام والحجاب في الغرب، يجعل الإنسان يُصاب بالدهشة والتساؤل عمّا سيفعلونه فيما بعد، وإلى أين هم سائرون؟ لا ريب وأنّكنَّ تملكنَ معلومات أكثر منّي، لكنّني أيضاً أملك معلومات كثيرة حول ما يجري في هذا المجال، وعلى شتّى المستويات: من المستويات العليا إلى مستوى العمل والمعيشة المتعارف عليها في الحياة والمهنة وما إلى ذلك".
 
 
 
 
 
 
250

210

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 المرأة، قدرات خلّاقة

من خصوصيّات المرأة المطروحة في هذا الخطاب: كرامة المرأة، عزّة المرأة، ظرافة المرأة، وليس فقط ظرافتها البنيويّة، بل أيضاً ظرافتها الفكريّة، العصبيّة والعملانيّة. فهذه الحزم البالغة الرقّة للأطفال والأعصاب الظريفة جدّاً، لا يمكن إلّا لأنامل الأمّ الظريفة واللطيفة، أن تفصلها عن بعضها بحيث لا تتشابك وتتحوّل إلى عُقد، وما من أحد آخر يقدر على ذلك. أي لا يستطيع أيّ إنسان آخر غير جنس المرأة، القيام بذلك، فهذا العمل هو عمل نسويّ (أنوثيّ). فبعض الأعمال ظريفة جدّاً إلى حدٍّ يجعل الإنسان مندهشاً لهذه القدرة الإلهيّة التي خلقت كلّ هذا الاقتدار مع هذه الظرافة في النساء. كنت أقول دائماً للأصدقاء والأقارب والنساء، وبعكس ما هو متداول، إنّ المرأة هي الأقوى بين الجنسين، النساء أقوى من الرجال. بإمكان المرأة بالتدبير والدقّة والظرافة أن تدير الرجل بيدها. ويستطيع الإنسان مشاهدة ذلك بالتجربة، ويمكنه إثباتها بالقياس الفكريّ والعقليّ. هذه حقيقة. نعم هناك نساء عديمات التدبير فلا يستطعن القيام بذلك. لكنّ المرأة صاحبة التدبير بإمكانها ترويض الرجل لنفسها، مثلُها كمثلِ شخص يقوم بترويض الأسد البريّ، فيضع عليه اللجام ويمتطيه، وهذا لا يعني أنّ الرجل أقوى جسديّاً من الأسد، لكنّ معناه أنّه استخدم قدراته المعنويّة في ذلك. تمتلك المرأة هذه القدرة، لكن مع الظرافة، والظرافة التي أقصدها، ليست الظرافة الجسديّة والتركيب الجسميّ، إنّما الظرافة في الفكر والتفكّر والحكمة وجهاز اتخاذ القرارات أودعها الله فيها.

لذا، برأيي يجب أن يكون أساس العمل على هذا الشكل، يجب تعزيز هذا الخطاب والسير به قُدماً. 

مسألتان مهمّتان
الأمر الثاني الذي ذكرناه، يتعلّق بالقضايا الحاليّة للمرأة، باعتقادي أنّ هناك مسألتين أهمّ من غيرهما، بل الأولى القول: إنّهما عاجلتان أكثر من غيرهما،
 
 
 
 
 
 
 
251

211

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 الأولى: مسألة إعطاء أهميّة واعتبار أكبر للمنزل والعائلة. أي أن يكون للمنزل شأن أكبر، إذ لا يمكن تصوّر إنسان بدون منزل، بدون مسكنٍ ومأوى، فكلّ إنسان يحتاج إلى المنزل، وإلى بيئة المنزل، والعائلة عبارة عن روح المنزل. ويجب الاهتمام بها، والتفكّر والتدبّر في أمرها. الثانية: الحيلولة دون ضعف المرأة وظلمها وفي مختلف المستويات، لدينا في بلادنا نساء ضعيفات، محرومات، نساء مظلومات مقهورات، يجب الحؤول دون هذا الظلم الواقع. ويجب وضع قوانين مهمّة، ولا بد من وجود خُلقيّات لازمة، وآداب وأعراف ينبغي أن تتحقّق في شتّى المستويات، لحماية المرأة من التعرّض للاضطهاد في الأمور التالية: المعاشرة، الجنس، الثقافة والفكر. أي من الأمور الشخصيّة والخصوصيّة جدّاً كالجنس، الذي يمكن أن تضطهد المرأة فيه، إلى المسائل العامّة، كالمعاشرة والعائلة، ففي مسألة العائلة: الاحترام من قبل الزوج، من الأبناء، من الأب ومن الأخ، فإذا كانت المرأة محترمة ومُكرّمة في محيط العائلة، فإنّ جزءاً مهمّاً من مشاكل المجتمع سيُحلّ. يجب أن نجعل الأبناء يُقبّلون يد الأم. وهذا ما يصبو إليه الإسلام، أن تكون العائلات أكثر تديُّناً وأخلاقاً وقُرباً من المفاهيم الدينيّة. أن تكون العلاقة بين الأبناء والأمّ تكريميّة. وهذا لا يتنافى أبداً مع العلاقات العاطفيّة والحميمة بين الأم والأبناء. 


الغرب المتوحّش
يجب أن يكون هذا الاحترام قائماً. أن تكون المرأة محترمة في عائلتها. هكذا يكون رفع الظلم عنها. ولو افترضنا أنّه في عائلة ما ومنزلٍ ما، يهين الرجل زوجته بشتّى أنواع الإهانات، من الإهانات السلوكيّة إلى الإهانات اللغويّة، فالإهانات العُنفيّة باستخدام اليدين، والتي للأسف ما تزال موجودة في بعض مناطق البلاد، ويجب أن لا تكون موجودة أساساً. وبالطبع هي موجودة في المجتمعات الغربيّة، وبشكل كبير. وهذا ليس بخلاف المتوقَّع، فالغربيّون لا سيّما الأوروبيّين هم وحشيّون عنيفون، حتّى لو تمظهروا بالأناقة، ووضعوا "الكرافات" والعطور، إلّا أنّهم ما زالوا 
 
 
 
 
 
 
252

212

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 يحملون ذات الباطن العنيف(المتوحّش) الذي اتصفوا به عبر التاريخ. فهم يقتلون بكلّ سهولة، ويرتكبون الجرائم بدم بارد.


لذا فإنّ (عادة) ضرب المرأة في المنزل من قبل الأوروبيّين، ومن قبل الأمريكيّين من بعدهم ليس بالأمر المُستبعد. لكن يجب عدم تصوّر وجود ذلك في البيئة الإسلاميّ، والذي هو وللأسف موجود. وبالتالي فهاتان النقطتان أساسيّتان، وبرأيي مهما عملنا ووضعنا برامج في هذا المجال فهو مناسب وجدير.

أمور تَشغل البال
بعد هاتين النقطتين، يوجد مسائل مهمّة أخرى: مسألة الزواج والنجاة من العزوبيّة، فيجب إحصاء عقبات الزواج، الأمر الذي أشارت إليه السيّدات اللواتي ينْشطن في هذا المجال، وأنا راضٍ جدّاً، لأنّه، وبحمد الله، يجري الخوض في هذه المسائل، مسألة الستر، مسألة المعاشرة، فنحن بحاجة للقيام بعمل أساسيّ في هذا المجال، مسألة الحماية المالية والحقوقيّة للنساء المحرومات أو المظلومات، وكانت المحاكم من الأمور التي تشغل بالي، وقد أشارت السيّدة "خُراساني رضوي" إلى أنّه يتمّ العمل على ذلك في المحاكم، أتمنّى حقّاً أن يتحقّق ذلك بشكل عملانيّ.

ومن الأمور الأخرى التي تشغل بالي وتقلقني، أن لا تمتلك هؤلاء السيّدات القدرة في الدفاع عن أنفسهنّ في المحاكم وأمام القضاء، أن لا يمتلكن المال الكافي لتعيين المحامين الجيّدين، وأن لا يتمكّنَّ من الدفاع بأنفسهنّ عن أنفسهنّ، فيقع الظّلم عليهنّ. فهذه من جملة الأمور المهمّة التي يجب متابعتها. 

مسألة عمل المرأة، حدود هذا العمل، نوع هذا العمل، كيفيّة هذا العمل وما تحدّثنا عنه في مجال حرّية العمل، فهذه من الأمور التي يجب القيام بها، لكنّ الأولويّة للمسألتين اللتين تحدّثت عنهما في البداية.
 
 
 
 
 
 
 
 
253

213

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 شؤون المرأة: نحو عملٍ جامعٍ

من الأمور الأخرى التي تشغل بالي أيضاً، وجود كلّ هذه الأنشطة المتنوّعة في مجال المرأة وقضيّة المرأة في البلاد ـ من القضايا الحقوقيّة والقانونيّة والفقهيّة إلى القضايا الاجتماعيّة والتنفيذيّة، إلى العاطفيّة، وكلّ المواضيع المطروحة في مجال المرأة ـ يجب أن تتّخذ شكلاً تنظيميّاً، وهندسيّاً عامّاً. بعض التقارير التي وصلت إليَّ، أو بعض ما قيل هنا، يشير إلى أنّه، قد طُرحت بعض الأفكار في هذا المجال، لكن وباعتقادي، يجب أن يكون العمل جامعاً في هذا المجال. أن نتصوّر ونرسم لجميع قضايا المرأة وشؤونها، شكلاً تنظيميّاً وهندسيّاً صحيحاً. وأن يُؤسّس مركز متقدّم وثابت، مع فريق مقتدرٍ وخطّة بعيدة المدى، فأنا لا أؤمن بالخطط القصيرة المدى في الأمور المهمّة.

وبعدها يتمّ تعيين اللجان والمؤسّسات المُلحقة والمناسبة وفي مختلف القطاعات. فيطَّلعون على إنجازات بعضهم ويُنشئون بنكاً للمعلومات. حيث إنّ هناك الكثير من الأعمال، ومن الممكن أنّ بعض السيّدات المشاركات في هذا اللقاء غير مطّلعات على أعمال وإنجازات بعضهنّ بعضاً. حسن، لدينا والحمد لله، هذا الكم من النساء العاقلات والنُخب، في مختلف المجالات، وبآراء مختلفة، فيجب الإفادة من هذه المجموعة العظيمة.

الحضور الفعّال
نقطة أخرى أيضاً ـ ولأن الوقت داهمنا وقد حان وقت الظهيرة ـ فسأطرحها كآخر المواضيع. هي أنّ السيّدات الفعّالات في جبهة الثورة، قمن بدور بارز في يومٍ من الأيّام ـ قبيل انتصار الثورة بقليل، وفي أوائل الثورة، وطوال الحرب المفروضة - فكان لهنّ حضور فعّال. فلا تَدَعْنَ حضور السيّدات الفعّال في جبهة الثورة، يَخْفت، فالآخرون يحاولون في مواجهة الثورة ومعارضة الثورة، الإفادة من عنصر المرأة الفعّال. بينما للثورة عدد أكبر من النساء الفعّالات، البارزات، الكاتبات، والعالمات،
 
 
 
 
 
 
 
 
254

214

في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

 وعلى السيّدات المِقدَامات، المفكّرات، من أصحاب القلم والتأليف والخطابة، من اللواتي يُقدّمنَ الأفكار، أن لا يدعْنَ ساحة الثورة والدفاع عن الثورة، هذه نقطة. وسأستكمل النقطة الأخيرة بهذه الجملة.


لإعلامٍ ملتزم
من أجل تقدّم وتطوّر ما عرضناه حول المرأة، وما سمعناه منكنَّ، وما يُفكَّرُ فيه، يستوجب أن يكون لمؤسّسة الإذاعة والتلفزيون دور كبير. هم يستطيعون ذلك، تستطيع مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، أن تقوم بعمل ثقافيّ تجعل فيه السيّدات المؤمنات، الفعّالات، المجاهدات في سبيل الله، المحجّبات، المتمتّعات بخصائص المرأة المسلمة، محترمات ومُكرّمات في المجتمع. بينما يريد الآخرون حصول عكس ذلك، وللأسف فإنّ بعض البرامج في مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون تصب في خانة أولئك الجماعات، ويجب العمل عكس ذلك، أعني أن تكون المؤسّسة 100 % في خدمة هذا الفكر.

على كلّ حال، ما يمكن التفكير فيه وتصوّره كمحصّلة لمجموعة الأعمال هو أنّنا والحمد لله حقّقنا تقدّماً في قضايا المرأة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، بيد أنّ هذا التقدّم ليس ممّا يتناسب مع الاحتياجات والتوقّعات والإمكانيّات التي في الإسلام.. إذاً، نحن نعاني من حالة تخلّف، وسوف تتلافين أنتنَّ أيّتها السيّدات هذا التخلّف إن شاء الله على أحسن وجه. 

ليحفظكنّ الله تعالى بحفظه وَلْيَزِدْ من توفيقاتكنّ، وسنتمكّن إن شاء الله من الاقتراب يوماً بعد يوم، ممّا يريده الإسلام على هذا الصعيد. 

والسلام عليكنّ ورحمة الله و بركاته.
 
 
 
 
 
 
 
255

215

في دائرتي أدب المقاومة وأدب الثورة الإسلاميّ

 لقاء الإمام الخامنئي دام ظلّه بالعاملين في دائرتي أدب المقاومة وأدب الثورة الإسلاميّ



المناسبـة: لقاء العاملين في دائرتي أدب المقاومة والثورة 
الحــضـور: جمع من العاملين في دائرتي أدب المقاومة وأدب الثورة الإسلامية
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
23/02/1392 هـ.ش.
02/07/1434 هـ.ق.
13/05/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
257

216

في دائرتي أدب المقاومة وأدب الثورة الإسلاميّ

 أبرز ما جاء في كلمته:


بسم الله الرحمن الرحيم
 
إنّ إطلاق حركة عظيمة ومُلهِمة ومحفّزة في آداب المقاومة والثورة الإسلاميّ، وكذلك الحؤول دون إثمار إرادات بعض التّيارات المعاندة للثورة الإسلاميّ الرامية لعزل وتهميش مفاهيم الثورة الإسلاميّ وحقائقها، هما خصوصيّتان مهمّتان ومميّزتان في أنشطة مركز الفكر والفنّ الإسلاميّ، وهذه الحركة الرائدة والمؤثّرة أغنت البلاد عن الأدب المستورد. 

هناك محاولات للتيّار المسمّى بالتنويريّ لقلب الحقائق والتعتيم على الثورة الإسلاميّ بوصفها ملحمة كبيرة وعظيمة وما يتعلّق بها من قضايا وأمور.

وإنّ شرح الإمكانيّات والطاقات المعرفيّة والمعنويّة الهائلة المنبثقة من الثورة الإسلاميّ من قبل الفنّانين الملتزمين غيّر السياق والتقليد الخاطئ في أعمال المستنيرين والاكتفاء بالأعمال المترجمة، وأدّى إلى استغناء في النتاجات وتقديم أعمال جدّ قيمة وفاخرة في مختلف المجالات الأدبيّة والفنيّة. 

ضرورة تعزيز القسم البحثيّ وتطويره في مجال أدب المقاومة وأدب الثورة الإسلاميّ، وهذا طبعاً لا يعني الاقتصار على مناهج البحث الغربيّة، إنّما ينبغي إلى جانب استخدام تلك المناهج، العمل على إطلاق ابتكارات ذكيّة وعقلائيّة.

أهميّة أسلوب "التاريخ الشفهيّ" في تدوين الأعمال الأدبيّة في قسم المقاومة والثورة الإسلاميّ، وضرورة الاهتمام بحقوق الكتّاب والعاملين على إعداد هذه الأعمال والكتب، وإنّ دور مدوّني وكتّاب الأعمال إلى جانب رواتها أشبه بالصياغة
 
 
 
 
 
 
 
259

217

في دائرتي أدب المقاومة وأدب الثورة الإسلاميّ

 الفنية للأعمال الفنيّة التي تخرجها بشكل جذاب وشيق، لذلك ينبغي الاهتمام اهتماماً جادّاً بالعاملين على إنتاج هذه الأعمال وكتابتها. 


ضرورة إنجاز دراسات مقارنة بين ملحمة الدفاع المقدّس في إيران وسائر الحروب المعاصرة، وكذلك المقارنة بين الثورات الكبرى في العالم والثورة الإسلاميّ في إيران.

تمتاز الثورة الإسلاميّ، مقارنةً بغيرها من الثورات الكبرى في العالم، بمزيد من العمق والقوة والكفاءة والفاعليّة، ومع ذلك، وخلافاً لسائر الثورات الكبرى، لم يجر التطرّق لها ودراستها والبحث فيها بالمقدار اللّازم، ومن الضروريّ العمل أكثر على تدوين الكتب التاريخيّة والروايات وما شاكل من هذه الأعمال. 

أهميّة "البرمجة لنشر أعمال مكتوبة جيّدة على شكل نتاجات فنيّة متنوعة" 

أهمية "التوزيع الواسع والممنهج للأعمال المنتجة". 

"ضرورة ترجمة الأعمال المميّزة لأدب المقاومة والثورة إلى اللغات الأجنبيّة".

"نشر أدب المقاومة والثورة في الأجواء الجامعيّة".

"ضرورة تكريم الأعمال القيمة والشخصيّات البارزة الناشطة في مجال أدب المقاومة والثورة الإسلاميّ". 
 
 
 
 
 
 
 
260

218

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 خطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب



المناسبـة: حلول شهر رجب المبارك
الحــضـور: شرائح مختلفة من محافظات مازندران، كيلان، كلستان وكهكيلويه وبوير أحمد
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
25/02/1392 هـ.ش.
04/07/1434 هـ.ق.
15/05/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
261

219

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزّاء، الجماهير المؤمنة، الشّباب المتحمّس، العلماء الأعلام، بالخصوص عوائل الشهداء الكرام، الذين أتوا من مناطق بعيدة، وأضفوا اليوم على جمعنا، وعلى حسينيّتنا نورانيّةً وصفاءً. أسأل الله المتعال أن يشمل فضله ورحمته وعنايته الخاصّة في هذا الشهر الشريف عباده المؤمنين والمخلصين، ويشملكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، وعموم أهالي تلك المحافظات الذين تكبّدوا عناء السفر من تلك المحافظات إلى هنا، وعموم أفراد الشّعب الإيرانيّ.

رجب، شهر التطهير
أوّلاً أرى من اللّازم أن ألفت نظر الإخوة والأخوات الأعزّاء، خصوصاً الشّباب إلى أهمّيّة شهر رجب. لا يمكن تجاوز هذه المناسبات وهذه الخصوصيّات المرتبطة بالأيّام والشهور بسهولة. يعتبر العلماء وأهل المعنى وأهل السلوك أنّ شهر رجب هو مقدّمة لشهر رمضان. فشهرا رجب وشعبان، هما محطة من أجل أن يتمكّن الإنسان من الدخول مستعدّاً إلى شهر رمضان الذي هو شهر ضيافة الله. الاستعداد لماذا؟ في الدرجة الأولى، الاستعداد لتوجّه القلب وحضوره، أن يعتبر نفسه في محضر العلم الإلهيّ، في محضر الله ـ "سبحان من أحصى كلّ شيء علمه" ـ أن يعتبر جميع حالاته، حركاته، نيّاته، خواطره القلبيّة في معرض العلم الإلهيّ ومحضره، هذا مهمّ في الدرجة الأولى، وإذا ما حصل هذا، عندها سيزداد التفاتنا إلى أعمالنا، أحاديثنا، مخالطاتنا ومعاشراتنا، سكوتنا، كلامنا، سنلتفت إلى ما نقول، أين نسير، على ماذا نُقدم، ضدّ من نتكلّم، لمصلحة من نتكلّم. عندما يعتبر الإنسان نفسه في محضر
 
 
 
 
 
 
 
263

220

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 الله، سيلتفت أكثر إلى أعماله وحركاته وتصرّفاته. إنّ أساس مشاكلنا هو بسبب غفلتنا عن تصرّفاتنا وأفعالنا. عندما يخرج الإنسان من حالة الغفلة، يلتفت إلى أنّه يُرى، يُحاسَب ـ ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾1 ـ جميع تحرّكاته، أعماله في محضر الله، ويصبح يراعي حتماً. بهذه الحالة، بهذه الطهارة والنزاهة والإخلاص ، يَرِدُ الإنسان شهر رمضان ـ "اغتسل ثمّ امش متهادياً إلى الخرابات"2، المغتسِل يمكنه أن يرد شهر رمضان ـ عندها سيستفيد الاستفادة القصوى في محضر الضيافة الإلهيّة. انظروا إلى شهر رجب بهذه النظرة.

 
التوحيد: المقصد الأساس
عندما ينظر الإنسان في أدعية شهر رجب المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام، يرى أنّ أكثر (مضامين) هذه الأدعية ناظرة إلى المسائل التوحيديّة، التوجّه للعظمة الإلهيّة، للصفات الإلهيّة، أن يرى الإنسان نفسه أمام هذه العظمة الالهيّة، معرفة الطريق الواضح إلى الله، المعرفة به وتحصيل الميل والرغبة فيه. إحدى خصوصيّات أدعية شهر رجب هي: الالتفات إلى التوحيد، الالتفات إلى الله، إلى الأسماء والصفات الالهيّة. علينا أن نعرف قدر هذا الشهر. 
 
فرصة الصوم والاعتكاف
أوّل هذا الشهر مبارك بولادة الإمام الباقر عليه السلام، وآخره مبارك بأعظم حدث في التاريخ، أي بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. في منتصف هذا الشهر، أشاع شباب بلادنا لسنوات لهذه السُّنّة الحسنة، سنّة الاعتكاف، دخول المسجد، الصيام. واقعاً، كم هو جميل رؤية هذا المشهد الجميل والعذب، حيث الجموع الكثيرة من شبابنا، وعلى عكس السيرة المتعارفة لشباب العالم الغارق في الشهوات والأهواء النفسيّة، يصومون أيّاماً، يقصدون المساجد، يعتكفون، ويجعلون أيّامهم ولياليهم 



1 سورة الجاثية ، الآية: 29.
2 بيت شعر عرفاني, أي اغتسل واذهب إلى الحانة.
 
 
 
 
 
 
 
264

221

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 محلاً للذكر والفكر، والاستماع إلى المعارف الإلهيّة والأحكام ومذاكرة العلم الحقيقيّ ـ الذي هو علم التوحيد ـ، هذا شيء غاية في الأهميّة. وهذا من بركة الثورة. قبل انتصار الثورة، لم نكن نرى، أو قلّما كنّا نرى أشخاصاً يمارسون الاعتكاف في منتصف شهر رجب. وكنّا جميعاً، وجميع الناس غالباً، غافلين عن نافذة الرحمة الإلهيّة هذه. أنا أساساً لم أرَ في مشهد مثل ذلك، في قم رأيت أفراداً معدودين، بعض الطلبة الذين كانوا يذهبون إلى مسجد الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، ويعتكفون في الأيّام البيض من شهر رجب. انظروا اليوم، ليس فقط في المساجد الجامعة، وليس فقط في المساجد الكبرى، وليس فقط في مدينة ومدينتين، بل في جميع أنحاء البلاد، في جميع المدن، في جميع المساجد، شبابنا، رجالنا، أبناؤنا، يذهبون ويقفون في الصفّ، يسجّلون أسماءهم لتُتاح لهم فرصة التواجد في هذا المسجد أو ذاك، فيصومون ثلاثة أيّام ويعتكفون، هذا شيء مهمّ بالنسبة إلى شعبٍ ما، وهذا مهمّ جدّاً. هؤلاء الآن موجودون. هذا هو شهر رجب، فاستفيدوا من هذه الفرصة. أيّها الشّباب! عليكم أنتم الاستفادة أكثر من غيركم. فقلوبكم الطاهرة، ونفوسكم الصافية والنورانيّة مهيّأة لتلألؤات الرحمة الإلهيّة وأنوارها، والتوجّهات الإلهيّة، فلتقدّروا هذا الأمر.


المعنويّات رصيد المواجهات
ما يحصّله الشعب عن هذا الطريق ومن الطرق المعنويّة، يصبح رصيداً، وذخيرةً، تمكّنه من التقدّم بإرادة ثابتة وعزم راسخ في مواجهة المشاكل في جميع ميادين الحياة، وفتح الطرق المسدودة، وإنجاز الأعمال الكبرى. إنّ رصيد كلّ هذه الأمور هو هذه المعنويّة. 

الإمام قدس سره راهب الليل وأسد النهار
إنّ شخصاً مثل إمامنا الراحل العظيم قدس سره، الذي ورد الميدان وحيداً، واستطاع بفضل العزم والإرادة الراسخين، والإيمان والتوكّل، أن يعبّئ عموم أفراد الشعب،
 
 
 
 
 
 
 
265

222

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 وأن يطلق هذه الحركة العظيمة، كان مستنداً قبل أيّ شيء إلى ذلك الغليان القلبيّ، والمعنويّ، والروحيّ، والتوكّل، والمعرفة، والعبادة. كان هذا العظيم إلى آخر عمره، على الرغم من الشيخوخة والضعف، والهرم، يقوم في منتصف الليل، يذرف الدموع. نحن نعلم من أقربائه الذين كانوا مطّلعين على جميع تفاصيل حياته، وسمعنا، وأُخبرنا، أنّه كان يقوم في منتصف الليالي، ويستمدّ العون من الله ـ "رهبان الليل"1 ـ هذه حالته في الليل، فيما كان نهاراً كأسد مزمجر في الساحات، يهزم القوى، يزيل ضعف الشعب، يقوّي إراداتنا جميعاً نحن الشعب ويسيّرها، ببركة ذلك الرصيد المعنويّ. 

 
رهبانيّة الإسلام 
إنّ كلّ فرد منكم أّيّها الشعب العزيز ـ خاصّة الشّباب ـ يمكنه الاتّصال بذلك المصدر والمنبع العظيم القدرة، من خلال التوكّل، والإرادة، ويمكنه الاستفادة، والاستفاضة، والاستنارة، ولعب الدور. إنّ الرهبانيّة في الإسلام حيث جاء "رهبان الليل" تختلف عن الرهبانيّة التي ابتدعها النصارى، ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾2 لقد كانت رهبانيّة النصارى والأديان الأخرى بمعنى الانزواء، والانعزال، والانقطاع عن الدنيا، رهبانيّة الإسلام كانت بمعنى الحضور في جميع ميادين الحياة ـ "سياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله"3 ـ فجميع حركاتها، سكناتها هي في سبيل الله: صلحها، سلامها، حركاتها، سكوتها، سكونها، أفعالها، جميعها في سبيل الله. عندها يتحقّق "من كان لله كان الله له"، ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾4، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾5. عندما تتحرّك في سبيل الله، سوف تكون مصحوباً باللطف الإلهيّ، بالمدد الإلهيّ، بالتسديد الإلهيّ. 



1 وسائل الشّيعة، ج15، ص188, "إنّ من أخلاق المؤمنين... رهبان الليل أسد بالنهار".
2 سورة الحديد، الآية: 27.
3 مستدرك الوسائل: ج11، ص 14. وسائل الشّيعة، ج15، ص17، قريب منه.
4 سورة محمد، الآية: 7.
5 سورة الحج، الآية: 40.
 
 
 
 
 
 
 
 
266

223

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 سرُّ تقدُّمنا

أعزّائي! هذا هو سرّ تقدّم الشّعب الإيرانيّ. ما تشاهدونه اليوم، وهو أنّ شعباً على الرغم من كلّ هذه العداوات، وكلّ هذا المكر والرذالة اللذين يحيكهما الأعداء له، على المستويات المختلفة، في الميادين المختلفة، من الجوانب المختلفة، مع ذلك لم يستطيعوا إيقاف هذا الشعب، وقد أجبر الشّعب الإيرانيّ بعزمه وتقدّمه، وحركته المستمرّة والجهاديّة، كلّ هؤلاء على التراجع، هو بسبب هذه الخصوصيّات، بسبب هذا الدعم الإلهيّ، وهذا سيستمرّ، وسوف يستمرّ الشّعب الإيرانيّ في طريقه بعون الله تعالى.

لقد كان بعض الأعداء يأمل بسلخ شبابنا عن الدين، كانوا يطمعون في إلهاء شبابنا بالشهوات الحياتيّة، الماديّة وأمثالها، لقد أخطؤوا. إنّ المجال الشّبابيّ اليوم، وشريحة الشّباب في بلدنا من حيث الكميّة والنوعيّة تساوي المسنّين، إن لم تَفُقْهم. وشبابنا المؤمن اليوم، والأشخاص الذين انعقدت قلوبهم على الثورة، الذين لم يروا الإمام، ولم يدركوا الثورة، ولم يشهدوا مرحلة الدفاع المقدّس، إن لم تكن دوافعهم، وهممهم أكبر من دوافع شباب مرحلة الدفاع المقدّس وهممهم، فهي لا تقلّ عنها، أقول هذا من موقع العلم والاطّلاع، هذا ليس تحليلاً، ولا تخميناً. إنّ الإنجازات الكبرى التي يقوم بها شبابنا اليوم، على المستوى الوطنيّ وفي الأقسام المختلفة، قد تفوق أحياناً الأعمال التي أُنجزت في مرحلة الدفاع المقدّس، أو التي كان ينبغي القيام بها، من حيث الجهد والضغط، وحتّى الخطر. ينبغي المحافظة على هذه الروحيّة.

اليوم المؤثّر
الأمر الذي يحوز على أهميّة بالدرجة الأولى حاليّاً بين قضايا البلاد السياسيّة، هو مسألة الانتخابات. إنّ الانتخابات حدث يقع ويتمّ في يوم واحد، لكنّها من الأحداث التي يكون تأثيرها طويل المدى. إنّكم تقومون بانتخابات رئاسة الجمهوريّة 
 
 
 
 
 
 
267

224

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 في ظرف يوم واحد. لكنّ أوّلاً: تحكّمون الشخص أو الأشخاص لمدّة أربع سنوات في مصير البلد والأحداث المصيريّة في البلاد، وثانياً: إنّ نطاق تأثيرهم لا ينحصر بهذه السنوات الأربع. أحياناً، تقوم الحكومة بأفعال، تبقى تأثيراتها لسنوات، سواءً الأعمال الجيّدة، أو لا سمح الله الأعمال غير الجيّدة، تأثيرها لن ينحصر بتلك السنوات الأربع، إنّما تبقى كتيّار. إذاً، إنّكم تقومون في يوم واحد بحركة، بانتخابات، بعمل، قد يدوم تأثيره لمدّة قصيرة، أربع سنوات، أو لمدّة طويلة، أحياناً أربعين سنة، الانتخابات مهمّة بهذا الحجم.


العالم كلُّه يراقبنا
للانتخابات، هذا العام أهمّيّة مضاعفة. أقول لكم أيّها الإخوة الأعزّاء، الأخوات العزيزات، يا عموم أفراد الشّعب الإيرانيّ، لقد تحوّلت انتخاباتكم اليوم ـ التي ستُجرى بعد حوالي الشهر من الآن ـ إلى موضوع عالميّ مهمّ، فلتعلموا هذا. فأجهزة الأعداء الفكريّة ـ على حدّ قولهم، الغرف الفكريّة ـ ترصد مقدّمات هذه الانتخابات، هذه الحادثة الكبرى، إنّهم يراقبون، لهم خطّتهم أيضاً، ولديهم أهدافهم. هدف جبهة أعدائكم هو النقطة المقابلة لهدفكم. أنتم إذ تشاركون في الانتخابات، تسعون وراء الفرد الأصلح الذي يستطيع أن يتقدّم ببلدكم بالسرعة نفسها، بل بأسرع منها، سواءً على المستوى المادّي أو على المستوى المعنويّ. أنتم تسعون وراء الانتخابات، من أجل أن يتمكّن شخص أو أشخاص، حكومة، رئيس جمهوريّة، أن يعلي شأنكم وعزّتكم، أن يرسّخ استقلالكم، أن يحسّن وضع حياتكم الاجتماعيّة ويجعلها أكثر رفاهيّة، يحلّ العقد، يُوجد الأمل والحماس والحيويّة في البلاد، لكنّ عدوّكم على العكس من ذلك، يرغب بإجراء انتخابات ـ حيث من المقرّر الآن أن تُجرى، بالطبع، لو كانوا يستطيعون القيام بعمل تُلغى فيه الانتخابات، لفعلوه، لكنّهم الآن، حيث لا مفرّ من إجراء الانتخابات ـ خالية من هذه المحسّنات التي هي من أجل مستقبل البلاد، بل تسيّر البلاد نحو الارتباط بالأجنبيّ، نحو الضعف، نحو التراجع والتخلّف في الميادين 
 
 
 
 
 
 
 
268

225

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 المختلفة، يجرّ البلاد نحو التخلّف، يسوقها إلى الخلف، هذا هو هدف هؤلاء. إذاً، هناك هدفان يقفان في مقابل بعضهما: هدف الشّعب الإيرانيّ، وهدف جبهة الأعداء.


هكذا تتحقّق الأهداف
كيف يمكن لهدف الشّعب الإيرانيّ أن يتحقّق؟ يتحقّق هذا الهدف من خلال عاملين:
العامل الأوّل: هو أن تكون هذه الانتخابات، انتخابات حامية ومفعمة بالحماس، أن يشارك فيها أفراد كثيرون، أن يشارك فيها الشعب بحماس ورغبة، ويقترع.

العامل الثاني: هو أن تنتهي هذه الانتخابات بانتخاب إنسان جدير غير مرتهن، ذي عزم، مؤمن، ثوريّ، ذي همّة جهاديّة. من خلال هذين الأمرين يتحقّق هدف الشّعب الإيرانيّ.

كيف يتحقّق هدف الأعداء؟ يتحقّق أوّلاً: من خلال إجراء انتخابات باردة، بأن يكون الشعب غير متحمّس، بأن يشارك عدد قليل فيها، أن يقول بعض الناس: لِمَ نشارك؟ وما الفائدة من مشاركتنا؟ لا نريد المشاركة. هؤلاء يسرّون قلوب الأعداء. 

ثانياً: أن تكون النتيجة المتأتّية عن صناديق الاقتراع، نتيجة تجعل الحكومة تبعاً لدولة، والشعب مرتبطاً أكثر فأكثر، متوجّهاً نحو التبعيّة، نحو التموضع في سياسات الأعداء، هذا ما يريده الأعداء.

انظروا، فالمشهد واضح، ما تريدونه واضح، وما يريده الأعداء واضح. والآن نأتي إلى المطلب الثاني وهو كيف نجد الأصلح؟ وما هي مشخّصات الإنسان الذي يكون أصلح من الآخرين؟ توجد في هذا المجال أمور، سوف أتطرّق إليها، إن شاء الله وإن مدّ الله في عمري، لاحقاً قبل إجراء الانتخابات.

يسعون لتيئيسكم
ما أريد أن أقوله اليوم، هو أنّ المسألة الأولى ـ أي الحماس والرغبة في الانتخابات، والتوجّه العامّ نحو الانتخابات ـ هي أوّل الأعمال المهمّة التي يمكن
 
 
 
 
 
 
 
269

226

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 للشعب القيام بها، ولا يريد العدوّ لها أن تتمّ. فماذا سيفعلون من أجل الحدّ من حماس الشعب ومعنويّاته وحركته ونشاطه؟ يسعون لتيئيس الشعب من المشاركة في الإنتخابات: يا سيّدي، ما فائدة المشاركة؟ وما الذي سيحدث إن ذهبنا الآن واقترعنا؟ يريدون أن يثيروا هذا الجوّ بين الناس. لهذا، إنّكم إن استمعتم اليوم إلى الإذاعات الغربيّة والمراسلين الصهاينة ـ إذ جميع أخبار العالم اليوم توجّهها في الواقع، شبكة صهيونيّة كبرى، بحسب تعبيرهم تفلترها وتنشر الأخبار التي تحلو لها ـ ترون أنّهم يسعون لإظهار الوضع في البلاد متأزّماً. حسنٌ، توجد مشاكل في البلاد، وأيّ بلد خالٍ من المشاكل؟ الغلاء موجود، البطالة موجودة، وأيّ بلد في العالم اليوم غير مبتلى بهذه المشاكل؟ اليوم، نفس تلك الدول الأوروبيّة المروّجة للدعايات ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّ، غارقة في المشاكل إلى حنجرتها. فالشعب في واحدة أو عدد من هذه الدول ينزل كل عدّة أيّام إلى الساحات، ويصرخون من الفقر والاضطرار، ويُهاجَمون من قبل القوى الأمنيّة في بلدانهم. هؤلاء طبعا يخفون هذه المشاكل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.


نحو هدفٍ واحد 
لدينا أيضاً مشاكلنا. ينبغي أن نقارن المشاكل بالنقاط الإيجابيّة الموجودة فينا الآن. أيّ بلد كبلدنا يملك شعباً منسجماً ومتّحداً مثل شعبنا؟ إنّ عشائر البلاد، وأديانها، ومدنها، ومناطقها المختلفة، جميعاً تحيا وتسير في اتّجاه واحد، نحو هدف واحد، بعواطف وأحاسيس واحدة، وعلى أمل واحد. أيّ بلد يملك كلّ هؤلاء الشّباب المفعمين بالأمل والنشيطين؟ إن شبابنا اليوم فتحون الميادين العلميّة العظيمة، ينالون الدرجات العليا في المباريات العالميّة المختلفة، أهذا شيء قليل؟ أيّ شعب مثل شعبنا، استطاع على الرغم من كلّ هذه العداوات أن يحقّق هذه العظمة، وهذه الأهمّيّة، وهذا التأثير في القضايا العالميّة وفي قضايا المنطقة؟ إنّ بعض أعدائنا، بعض المأجورين لأعدائنا، يعرقلون قدر الإمكان، لكنّ الشّعب الإيرانيّ يتابع مسيره وسط الميدان، عزيزاً، شامخ الرأس، بوجه بشوش، مفعماً بالأمل، ومن دون ضغينة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
270

227

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 لهذا وذاك. وهذا تعلمونه جيّداً، إنّ الشعوب ـ المطّلعين منهم حتماً، والحكماء، والأشخاص الملمّين بالقضايا المختلفة ـ يشيرون إليكم بالبنان، يقولون انظروا إلى الشّعب الإيرانيّ في أيّ المجالات تقدّم، ولا زلنا نحن نراوح أمكنتنا. هكذا هي حركة الشّعب الإيرانيّ.


أنتم بالمرصاد 
يسعى الأعداء في دعاياتهم الإعلاميّة إلى إشاعة جوّ من اليأس والإحباط والأزمات على حوادث البلاد، يضخّمون المشاكل الصغيرة عدّة أضعاف، ويتّهمون الشعب والبلد عمداً بمشاكل لا وجود لها، يظهرون المستقبل مظلماً، يعملون على تيئيس الشعب، هذا هو هدف الأعداء. إنّ هذا التيئيس بنظرهم هو مقدّمة لإفقاد الانتخابات رونقها. عليكم العمل خلاف ما يريدون. 

أيّها الأعزّاء! الشّباب! المسؤولون! المبلّغون! والأشخاص المتاح لهم مجال الخطابة في الناس! عليكم أن تعملوا بخلاف ما يريدون، أن تبثّوا روح الأمل في الناس، ليس الأمل الواهي، إنّما الأمل الواقعيّ.

على عموم أفراد الشعب أن يلتفتوا، ويعلموا أنّ المشاركة الحماسيّة والحيويّة في الانتخابات تحفظ البلاد، وتقلّل طمع الأعداء في الاعتداء على هذا البلد والتعرّض والعداوة له والمكر به، لمشاركة الشعب كلّ هذه التأثيرات. وهم يسعون لأن لا يحدث هذا. أنا أؤكّد لكم، كما جرّبنا شعبنا، وكما شهدنا اللطف والفضل الإلهيّ مراراً، سوف يوجّه الشعب هذه المرّة، وكالمرّات السابقة، صفعةً قويّة إلى وجه العدوّ. إنّ الشعب بتوفيق الله سبحانه، سيجسّد في هذه الانتخابات امتحاناً عزيزاً آخر في الميدان، ويضيفه إلى لائحة افتخاراته. هذا لطف إلهيّ، وسوف يتحقّق بإذن الله تعالى.

فلتبقَ أهداف الثورة
ما هو مهمّ في هذه المدّة وفي هذا الوقت، هو أن يكون للناس، مضافاً إلى همّة المشاركة، همّة في الانتخاب الجيّد. كما قلنا، إنّ الانتخاب الجيّد، الانتخاب 
 
 
 
 
 
 
 
271

228

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 الصحيح، لا يكون تأثيره فقط على مدى أربع سنوات، أحياناً قد تبقى تأثيراته في البلاد لعشرات السنين. من أجل الانتخابات الصحيحة علينا التفكير جيّداً، علينا معرفة المعايير. سأتطرّق في المستقبل ـ إن شاء الله ـ إلى بعض المطالب، لكنّ المعيار الأساسيّ إجمالاً، هو أن تكون همّة الأشخاص المنتخبين في حفظ عزّة البلد وحركته باتّجاه أهداف الثورة. ما نلناه من خيرات وبركات على امتداد هذه السنوات الطويلة، كان ببركة أهداف الثورة، وأينما قصّرنا، تراجعنا، انهزمنا، فقد كان بسبب غفلتنا عن أهداف الثورة الاسلاميّة والأهداف الاسلاميّة. أن يكون الأشخاص المنتخبون مصداقاً للآية الكريمة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾1، أن يكونوا أهل استقامة، أهل صمود، أن يلبسوا درعاً فولاذيَّة من ذكر الله والتوكّل عليه، ويردوا الميدان. راقبوا الشعارات، وانظروا في الشعارات التي يطلقونها، ما نوعها؟ قد يطلق بعضهم أحياناً ـ وهم مخطئون بالطبع ـ ومن أجل جلب الأصوات، شعارات خارجة عن حدود قدراتهم وصلاحيّاتهم، وهؤلاء يمكن لشعبنا الواعي أن يعرفهم، يراقبهم، ويميّزهم. فلنفتّش في شعاراتهم عمّا هو ضروري للشعب، عمّا له أولويّة أكثر، عمّا يتناسب وواقعيّات البلاد وإمكانيّاتها، عمّا يؤدّي إلى زيادة القوّة الذاتيّة للشعب، هذا واحد من المعايير. 

 
الالتزام بالقانون
لقد ترشّح أشخاص كثيرون. وإن شاء الله سيعرّف مجلس صيانة الدستور طبقاً لوظائفه القانونيّة الأشخاص الذين يتحلّون بالصلاحيّة إلى الناس.على الجميع الالتزام بالقانون. أينما يحدث إشكال، فبسبب مخالفة القانون. الإشكالات التي حدثت في العام 88، والتي كلّفت البلد خسائر، ولم تسمح للبلد والشعب أن يستلذّا بطعم أصوات أربعين مليوناً، كانت بسبب مخالفة القانون. 
 
لقد خالف بعضهم القانون إمّا من أجل أغراض نفسيّة، أو من أجل الخلاف السياسيّ، أو أيّ كان ـ لا 



1 سورة فصلت ، الآية: 30.
 
 
 
 
 
 
 
 
272

229

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 أريد الآن أن أحكم في ذلك المجال ـ وارتكبوا الأخطاء، ودخلوا من الطريق غير القانونيّ، فوجّهوا صفعةً إلى أنفسهم، وإلى الشعب، والبلد أيضاً. الطريق الصحيح هو طريق القانون. على الجميع الالتزام بالقانون والتسليم له. قد يكون قانون ما غير صحيح مئة في المئة، لكنّه أفضل من اللّاقانون. أحياناً قد يصدر خطأ من منفّذ القانون في قسم ما، وتعلمون أنتم أنّه ارتكب هذا الخطأ في تطبيق القانون، لكن إن لم نستطع إصلاحه بالطرق القانونيّة، يكون تحمّله أفضل من مخالفة القانون مجدّداً، وأن نصلح ما نراه خطأً من خلال مخالفة القانون. القانون معيار ممتاز، هو وسيلة لراحة البلد، وهدوئه، وصون الشعب ووحدته، ومواصلة الطريق العامّ.


أدُّوا تكليفكم
إنّ الإخوة في مجلس صيانة الدستور هم أناس ورعون، أتقياء ومطّلعون، يشخّصون طبقاً للقانون، ويعرّفون البعض كأشخاص صالحين، أنا وأنتم علينا أن ننظر ونرى من هو الأصلح من بين هؤلاء الصالحين، أيّهم ينفع الناس أكثر، أيّهم يمكنه أخذ هذه المسؤوليّة الثقيلة على عاتقه أكثر، ومتابعة هذا الطريق والمسير فيه بأمانه تامّة، هذا ما ينبغي أن ننظر فيه ونراه ونعرفه. أن نطلب العون والمساعدة ممّن يمكنهم إرشادنا، أن نصل بالنهاية إلى الحجّة الشرعيّة. إذا عمل الإنسان على أساس الحجّة الشرعيّة، فإنّه سيكون مرفوع الرأس، حتّى ولو ظهر خطَؤُه فيما بعد، وسيقول: أنا أدّيت تكليفي، أمّا لو لم نعمل على أساس الحجّة الشرعيّة، وظهر الخطأ فيما بعد، فسوف نلوم أنفسنا، ولن يكون لدينا عذر، ولا حجّة.

أنا بالطبع، متفائل. أملنا بالله تعالى كبير جدّاً. نشكر الله سبحانه الذي لم يغلق نوافذ الأمل في قلوبنا. عندما ينظر المرء في أوضاع البلاد، يتعاظم أمله يوماً فيوماً، في هذا النهج، بمستقبل هذا الشعب، ومستقبل هذا البلد. هذا الشعب المؤمن، هذا الشعب النشيط، هؤلاء الشّباب المفعمون بالحيويّة والنشاط، في الميادين المختلفة، هذه كلّها تزيد من أمل الإنسان بالمستقبل.
 
 
 
 
 
 
 
 
273

230

في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

 نسأل الله سبحانه أن يشملنا، إن شاء الله، بفضله العميم، وأن يشملكم جميعاً، أيّها الشعب العزيز، دعاء بقيّة الله في أرضه (أرواحنا له الفداء)، وخاصّة في هذا الامتحان المهمّ القادم، نسأل الله سبحانه أن يجلب دعاء هذا الإنسان العظيم الهداية الالهيّة لقلوبنا جميعاً، وأن يتحقّق على أيديكم أيّها الشعب العزيز، ما فيه الخير والصلاح لهذا البلد.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
 
274

231

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 خطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في جامعة الإمام الحسين عليه السلام


المناسبـة: تخريج دفعة من الطلاب من الحرس
الحــضـور: جمع من الضباط والطلاب المتخرّجين من الحرس 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
06/03/1392 هـ.ش.
16/07/1434 هـ.ق.
27/05/2013 م.
 
 
 
 
 
 
275

232

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية، أبارك لكم أيّها الشّباب الأعزّاء، دخولكم ميدان الحرس الأغرّ، سواءٌ منكم المتخرِّجون الذين نالوا اليوم الدرجات العسكريّة، أو طلاب الكليّة الذين وردوا مرحلة الدراسة. إنّ لقاءنا بكم اليوم أيّها الشّباب الأعزّاء، أيضاً في هذا الميدان الأغرّ، هو كما العادة لقاء جميل وعذب. لقد شوهدت ابتكارات في كيفيّة إدارة هذا الميدان وإدارة برامج هذا الميدان، وهي جيّدة جدّاً وجديرة بالثناء.

حماية الثورة 
تمتاز هذه الجامعة من الجامعات الأخرى بميزة أساسيّة. إنّ العلم والتعلّم والرشد الفكريّ والعقليّ وإنماء الشخصيّة، هي أهداف أساسيّة في جميع جامعاتنا وفي جميع مؤسّساتنا التعليميّة، لكن تُطرح في هذه الجامعة أيضاً، مسألة حماية الثورة. حسنٌ، إنّ الشّعب الإيرانيّ عامّة، يعتبر نفسه بشكلٍ ما معنيّاً بحماية الثورة ـ سواءٌ المسؤولون الرسميّون، أو عامّة أفراد الشعب بدرجاتهم المختلفة ـ لكنّ ما يميّز حرس الثورة الإسلاميّ هو أنّ هذه مهمّة محدّدة (ومشخّصة) بالنسبة إليهم.

أجيال تربيّ أجيالاً 
أنتم أيّها الشّباب الأعزّاء في عزّ النشاط وينعان الشّباب، تهيّئون أنفسكم لحماية الثورة على امتداد فترة خدمتكم، ومن دون شكّ على امتداد أيّام حياتكم، وذلك كما فعل بدوره الجيل الذي سبقكم، وأسلافكم في الحرس، في الميادين الصعبة جدّاً.
 
 
 
 
 
 
 
 
277

233

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 إنّ أحد المشاهد الجيّدة اليوم هو هذا المشهد نفسه، حيث الجيل القديم لحرس الثورة الذين عاشوا مرحلة حرب الدفاع المقدّس، وشهدوا بدايات عهد الثورة، والذين واجهوا المخاطر بأبدانهم، بقلوبهم، بنفوسهم، واقفين جنباً إلى جنب مع شباب اليوم الذين وردوا ميدان الحرس، يتبادلون الراية (العَلَم)، إنّه لمنظر رمزيّ ومعبّر. في لقائنا الرمزيّ اليوم، إنّ الأرواح الطيّبة للشهداء الذين نالوا مقام الشهادة السامي في العمليّات المختلفة على امتداد أعوام الدفاع المقدّس الثمانية، وقبلها، وبعدها إلى اليوم، هي ماثلة (واقفة) أمامكم. والجرحى الذين قدّموا صحّتهم، وشبابهم، وقواهم البدنيّة، في سبيل الله، وقد ابتُلوا بامتحان صعب جدّاً، وبالطبع، لقوا حسن عاقبة الجرح، يقفون مقابلكم.


والرجال الذين كانوا يومذاك، يمضون مثلكم فترة الشّباب، يقفون مقابلكم بلحىً بيضاء، وقد أمضوا عشرات السنين من عمر الخدمة. إنّه لمشهد مهمّ جدّاً وملهم بالنسبة إليكم أيّها الشّباب الأعزّاء الذين تريدون حماية ثورتكم.

الثورة فتحت الطريق
لقد غيّرت هذه الثورة تاريخ البلاد. كان سلاطين الجور وطواغيت التاريخ، قد فرضوا لقرون متمادية، مساراً ضلاليّاً على هذا الشعب، وفي العقود الأخيرة قبل الثورة، وناهيك عن الاستبداد والتفرّد والاحتكار في جميع الأمور، قد ضيّعوا عزّة هذا البلد أمام الأعداء. جاءت هذه الثورة، وخلّصت هذا البلد، وهذا الشعب من الوقوع في هذا الإعصار المدمّر والمهلك، إنّنا (أصبحنا) على الصراط المستقيم. والصراط المستقيم، بالطبع، سيوصلنا إلى الهدف، لكن متى، بعد كم من الوقت؟ مع أيّ سعي ومجاهدة؟ هذا متعلّق بمدى جهدنا أنا وأنت، بمدى جدّيّتنا، بمقدار ما نسير بطريقة صحيحة، هذا مرتبط بهمّتنا، ولكنّ الثورة فتحت هذا الطريق أمام هذا الشعب العريق والعظيم والذي لقي ما لقيه من الظلم. أنتم تريدون أن تحافظوا على هذه الثورة وتحموها.
 
 
 
 
 
278

 


234

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 تعرّفوا على مبادئ الثورة

أوّلاً، عليكم أن تتعرّفوا على هذه الثورة جيّداً. وأحد أعمالكم المهمّة أيّها الشّباب الأعزّاء هو أن تتعرّفوا بعمق على المباني النظريّة للثورة. لقد رأينا أشخاصاً وردوا هذا الميدان تأثّراً وحماسةً، ومن دون الاستناد إلى حجّة نظرية قويّة، فسقطوا في العاصفة، وغيّروا مسارهم. أولئك الذين يمكنهم الوقوف بقوّة في هذه الحركة وهذا المسير، هم من يتحلّون بالمعرفة العميقة بالمباني النظريّة للثورة. جاء في الحديث الشريف: "المؤمن كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف"1، لا يمكن لأيّ عاصفة أو إعصار أن يغيّر مسارهم، فهم يتحلّون ببعض الميّزات، من جملتها وأهمّها، الاعتقاد الصحيح والمعرفة الصحيحة بالمباني النظريّة لهذه الثورة. هذا أحد الأمور التي ينبغي لكم معرفتها.
 
معرفة تجربة الثورة
بعد ذلك، عليكم معرفة تجربة الثورة، أي المصداق لهذه النظريّة على امتداد هذه السنوات، وتاريخ الثورة. هذه الثورة ليست محض ادّعاء كالكثير من الشعارات الأخرى السائدة في العالم، وهناك مجال واسع من التجارب والعمل أمامها. هذه الثورة قد جُرّبت واختُبرت. هذه الشعارات، شعارات أثبتت صدقيّتها في ميدان العمل. فإمامنا العزيز كان يعلّمنا التوكّل على الله، والثقة به، وأن نحسن الظنّ به ونعمل جاهدين، وكان يقول إنّ النصر سيكون حليفنا إذا ما قمنا بهذا العمل، وكما حصل في صدر الإسلام، حيث جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "فَلَمَّا رَأَى الله صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ وأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ"2. لقد أثبت هذا الشعب صدقه، واستقامته، ورد الميدان وجرّب هذا الفكر وهذه المباني النظريّة. هذا ما يجب أن تروه في تاريخ الثورة.



1 شرح أصول الكافي، المازندراني، ج9، ص181.
2 نهج البلاغة، الخطبة 56.
 
 
 
 
 
 
 
279

235

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 اقرؤوا مذكّرات الحرب

لماذا تسعى وسائل الإعلام الأجنبيّة لتكبير نقاط ضعفنا الصغيرة عشرة أضعاف في أعيننا ـ فكيف بعيون الآخرين ـ؟ من أجل أن ينسونا هذه التجربة، من أجل أن ننسى أنّ مبانينا النظريّة قد جُرّبت واختُبرت، وأثبتت نفسها في ميدان العمل. إنّكم بمعرفتكم لتاريخ الثورة تحقّقون هذا. وصيّتي لكم أن تقرؤوا مذكّرات الحرب، ومرحلة الدفاع المقدّس، عمليّات بيت المقدس وتحرير خرّمشهر، انظروا من كانوا، ما كانوا، ماذا فعلوا، وكيف فعلوا، لهذا، يلزم هذا الأمر. عندها، سينزل الله النصر "أنزل بعدوّنا الكبت"أنزل علينا النصر".

بعد ذلك، تهذيب النفس كأناس صالحين. على الجميع أن يهذّب نفسه. عليّ أنا أن أهذّب نفسي، وعليكم أنتم أن تهذّبوا أنفسكم. إنّ عملكم أسهل من عمل شخص مثلي. أنتم شباب، مستعدّون، نورانيّون، وذوو قلوب صافية، يمكنكم بسهولة أن تتمثّلوا بالقدوة التي يثني عليها الإسلام والقرآن. هذه واحدة من مسؤوليّاتكم، بالطبع، هي مسؤوليّة تقع على عاتق المعلّمين والمدراء ومسؤولي هذه الجامعة، ومؤسّسة الحرس ومسؤولي كلّ مجموعة، وأيضاً على عاتق شبابنا الأعزّاء الحاضرين هناك، هذه أمور لازمة. إذا ما تحقّقت هذه الأمور ـ وستتحقّق يقيناً بتوفيق الله وبإذنه تعالى ـ عندها سيكون المستقبل ذاك الذي تكلّمنا عنه دوماً وكرّرنا القول: المستقبل الحاسم والباعث على الاطمئنان.

خطوة تبشّر بخطوة
إنّ كلّ خطوة خطتها هذه الثورة منذ اليوم الأوّل إلى يومنا هذا، كانت خطوةً مبشّرةً بالخطوة التي تليها. وهذا أمر بالغ الأهميّة. لم نواجه يوماً بحائط مسدود، لم نقع يوماً في دهاليز اليأس والإحباط، لقد كان الفرج دوماً أمامنا. أحياناً، قصّرنا، ضعفنا، لم نتقدّم إلى الأمام ـ وهذا قد حدث ـ لكنّ الطريق لم يكن يوماً مسدوداً ومغلقاً، كلّ خطوة من خطواتنا كانت مبشّرة بالخطوة التي تليها، والمسألة اليوم هي كذلك.
 
 
 
 
 
 
 
280

236

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 وأقول لكم أيّها الأعزّاء! هذه الخطوة التي سيخطوها الشّعب الإيرانيّ في الأيّام القليلة المقبلة ـ أي خطوة الانتخابات ـ هي واحدة من هذه الخطوات المبشّرة إن شاء الله بالخطوات اللّاحقة. إنّنا لا نعلم من سيكون رئيساً للجمهوريّة، لا نعلم إلى أيّ شخص سيهدي الله سبحانه القلوب، لكنّنا نعلم أنّ حضور الشعب أمام صناديق الاقتراع ـ والذي هو إعلان عن الحضور القويّ لهذا الشعب في ميدان السير والتقدّم نحو الأهداف ـ سيستتبع بلا شكّ نجاحات أخرى، يصون الوطن، ويمنحه العزّة، والسمعة العالميّة، ويُسعد أصدقاءكم، ويحزن أعداءكم ويفشّلهم.

 
ملحمة الانتخابات القادمة
أمامنا أسبوعان أو ثلاثة أسابيع إلى حين موعد الانتخابات، منذ فترات طويلة سابقة ـ وها هي تشتدّ الآن ـ يُعمل على أن يتعاطى الناس مع الانتخابات ببرودة. لماذا؟ لأنّ الناس إن كانوا متحمّسين، إن خاضوا هذا الميدان، إن أثبتوا حركتهم الحماسيّة كما هي العادة ـ وإن شاء الله سيفعلون ـ سوف يكون ثقيلاً عليهم.
 
إنّهم يبدون آراءهم في انتخاباتنا1، من هم هؤلاء؟ إنّهم الأشخاص الذين أراق معتقل غوانتانامو ماء وجوههم، الذين وصمت طيّاراتهم من دون طيّار فوق القرى الأفغانية والباكستانيّة المحرومة جبينهم بالعار، والذين ساهم إشعالهم للحروب في منطقتنا الحسّاسة، واحتلالهم لبلدين من بلاد المسلمين، في تشويه سمعتهم، والذين تدعو حمايتهم ودعمهم المطلقان للنظام الصهيونيّ الغاشم إلى الخجل، (هؤلاء) ـ إن كانوا يفهمون ـ ينتقدون الجمهوريّة الإسلاميّ المحترمة والعزيزة! ينبغي أن لا نردّ على هذه التصريحات، وهي بالأساس لا تستأهل اكتراث الشّعب الإيرانيّ والمسؤولين المحترمين في هذا البلد. لكنّها بالنسبة إلى عموم أفراد الشّعب الإيرانيّ وبالنسبة إلينا جميعاً تبعث على الاعتبار، أن انظروا كم هي حسّاسّة وخطيرة هذه الانتخابات بالنسبة إليهم. الأمر لا يختصّ بهذه الانتخابات فقط، فعلى مدى بضعة



1 (يتدخلون).
 
 
 
 
 
 
 
 
281

237

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 وثلاثين عاماً، كلّما كنّا نجري الانتخابات، كنا نشهد مثل هذه التصريحات، دائماً ما يثيرون الفتن، ويسعون إليها، ولكنّهم يتلقّون الصفعات. ممّن؟ من هذا الشعب العظيم. وبتوفيق الله عزّ وجلّ، سيتلقّون هذه المرّة أيضاً صفعةً على وجوههم. 


الانتخابات، تشخيص الأصلح
حسنٌ، علينا نحن أن ننظّم أعمالنا بأنفسنا. وعلى الشعب أن ينظر في تصريحات المرشّحين المحترمين الذين وردوا هذا الميدان، ونحن أيضاً ننظر، نشخّص، نرجّح، نرى من هو ذلك الشخص الذي يمكنه أن يعمل أكثر وبنحو أفضل من أجل الثورة، ومن أجل البلاد، وللمستقبل، ومن أجل العزّة الوطنيّة، ولحلّ المشاكل، ومن أجل الصمود القويّ والعزيز أمام جبهة المعاندين، ومن أجل جعل الجمهوريّة الإسلاميّ نموذجاً يُحتذى في عيون مستضعفي العالم؟ قد يختلف تشخيص فرد ما عن تشخيص آخر، لا مشكلة في ذلك. أقول هذا للجميع: قد تميل -أنت- إلى أحد المرشّحين، ويميل صديقك إلى مرشّح آخر، هذا لا يوجب أن تقفا بوجه بعضكما. توجد آليّات صحيحة للانتخابات، ولاختيار أعلى سلطة تنفيذيّة في البلاد ـ والتي هي في غاية الحساسيّة والأهميّة ـ، آليّة القانون. لا مانع على الإطلاق أن تميل إلى أحدهم، وأميل أنا إلى شخص آخر، أن تصوّت له، وأصوّت أنا لغيره، ففي النهاية هناك أكثريّة، وأقليّة، هناك ضابطة، وهناك قانون، سوف يتمّ العمل بناءً عليه. على عموم أفراد الشعب أن لا يوجدوا الضغينة فيما بينهم من دون سبب. وبسبب أنّ هذا يميل إلى هذا، وهذا يميل إلى ذاك. حسنٌ فليكونوا. أيضاً، على المرشّحين المحترمين أنفسهم أن يراعوا هذا الأمر. أن يسيروا بالأمر بحماس ونشاط وشهامة، لكن من دون تحدٍّ، ومن دون تنافر. هنا عذوبة العمل، حيث من الممكن أن لا يكون هناك سكون وسكوت وجمود وخمود، وأن يسود النشاط والحركة، في الميدان وفي المناظرات ـ المناظرات الحامية والساخنة ـ وفي الوقت عينه أن لا يكون نفور و (كراهية)، هذا ممكن. هذه مسألة على السادة المرشّحين المحترمين مراعاتها جيّداً.
 
 
 
 
 
 
 
282

238

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 سلوك المرشّحين

المسألة الأخرى هي أنّ سلوك المرشّحين في الصرف والإنفاق والدعايات الزائدة عن المقدار اللازم، يمكنها أن تنبّهنا وسائر أفراد الشعب وتلفتنا وتوقظنا إلى ما سيحدث فيما بعد. فذاك الشخص الذي ينفق من بيت المال، أو يستفيد من أموال البعض المشتبهة بالحرام، لا يمكنه نيل ثقة الشعب، ينبغي الالتفات كثيراً إلى هذه الأمور. 

ما يحظى بالأهمّيّة في الدعايات الانتخابيّة، في الشعارات الانتخابيّة، هو تثبيت المواقف العزيزة والصحيحة والعاقلة والحكيمة للثورة والنظام. حذارِ من خلال شعاراتنا أن نعطي الضوء الأخضر لزيد أو لعمرو خارج إيران أو إلى أشخاص في الداخل الإيراني. حسنٌ، فالأعداء يسعون جهدهم، يثيرون الغبار ضدّ شخص، أو أشخاص، وأكثر من الجميع ضدّ الثورة نفسها والنظام والانتخابات. حتماً، يوجد في الداخل أيضاً أصوات لا تتقّي الله. ففي الداخل، وللأسف ألسنة مجرّدة من التقوى، وأقلام، وأصوات كذلك، تردّد كلام العدوّ نفسه الذي يطلقه من أجل بثّ اليأس في نفوس الناس وإحباطهم، لا ينبغي لعموم أفراد الشعب الاكتراث لهؤلاء. إنّ غد هذا الشعب هو غد مشرق. وغد هذه الثورة غدٌ عزيز. وغد هذا البلد وهذا الشعب سيكون إن شاء الله، بتوفيق الله، مثالاً بالنسبة إلى الجميع.

أسأل الله تعالى أن تكونوا أيّها الشّباب الأعزّاء الذين تحضرون في هذا الميدان، وجميع شباب حرس ثورتنا، وجميع الشّباب التعبوّيّ، وجميع الشّباب العاملين والناشطين في قوّاتنا المسلّحة، وجميع الشّباب المنشغلين في المؤسّسات التعليميّة بتحصيل العلم، الروّاد ومحرّكات السير إلى هذه الوجهة النورانية. وكلّي أمل أن تكون الأرواح الطيّبة للشهداء والروح المطهّرة لإمامنا العظيم راضية عنكم وعنّي، وأن نكون جميعاً مشمولين بدعاء وليّ العصر (أرواحنا له الفداء).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 
 
 
 
 
 
 
 
283

239

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ



المناسبـة: لقاء سنوي مع أعضاء مجلس الشورى الإسلاميّ
الحــضـور: جمع من نواب مجلس الشورى الإسلامي
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
08/03/1392 هـ.ش.
18/07/1434 هـ.ق.
29/05/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
285

240

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 بسم الله الرحمن الرحيم

في البدء، أرحّب بجميع الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات، النوّاب المحترمين، وأدعو الله سبحانه للإخوة النوّاب الأعزّاء بمناسبة مرور سنة على دخولهم الندوة النيابيّة1 ـ وإن شاء الله تكون هذه السنة مورد الرضا الإلهيّ وحسنة في سجلّ أعمالكم ـ كما أدعو الله سبحانه لرئيس المجلس المحترم والهيئة الرئاسيّة الذين كسبوا ثقتكم المجدّدة أيّها النوّاب المحترمون، وتحمّلوا المسؤوليّة، أن يقدّر لهم ولكم الخير، ويوفّقكم جميعاً لما فيه مرضاته.
 
العمل الصالح 
الأساس في أعمالنا هو هذا أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء! وهذه المراكز الظاهريّة وهذه العناوين والرئاسة والمسؤوليّة والنيابة والشأن بين الناس تذهب، ما يبقى لي ولكم هو عملنا، فإن عَمِلْنا عملاً صالحاً وبنيّةٍ حسنةٍ في هذه السنوات التي تمضي بنا، لن تضرّنا هذه التسميات وهذه الخصوصيّات. وإن ـ لا سمح الله ـ لم نحقّق في هذه الفترة من المسؤوليّة والمَهمّة والألقاب والعناوين، أو تركت ـ لا قدّر الله ـ فينا تأثيرات سلبيّة، وجعلتنا مَدينين، فهذا أسوأ مصير يمكن لهذه المسؤوليّات أن تسجّله لأمثالي ولأمثالكم. علينا الالتفات إلى هذه المسألة دائماً.
 
فرصةٌ واختبار
بالطبع، إنّ هذه الفرصة ـ فرصة تمثيل الشعب ـ هي فرصة ثمينة. على كلّ شخص



1 البرلمانية.
 
 
 
 
 
 
 
 
287

241

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 يمكنه أن يتولّى في المجتمع الإسلاميّ والنظام الإسلاميّ مهمّة، وأن يؤدّيها جيّداً، أن يشكر الله تعالى، ولكن عليه أيضاً أن يلتفت إلى أنّ هذه الفرصة هي اختبار كبير. إنّنا في حالة اختبار. في أبرز محطّات الحياة نخوض امتحانات صعبة، وفي سياق الحياة العاديّة يوجد امتحانات، لكنّ الامتحانات الأبرز والحابسة للأنفاس عادةً ما تكون حينما يرد الإنسان مراحل حسّاسة، ومن جملتها مسؤوليّاتنا هذه نفسها. قد يمضي شخص سنوات طويلة من عمره بالأمانة والنزاهة، إلى أن يصل بعدها إلى فترة اختبار، فإن لم يتمكّن من إبراز قدرته في لجم نفسه، سوف يسقط. هذه المرحلة الحسّاسة: النيابة في مجلس الشورى، المناصب الحكوميّة، مسؤوليّات من قبيل مسؤوليّتي أنا العبد الفقير. هذه هي تلك المراحل الحسّاسة من حياتنا، هنا يجب الانتباه إلى أنفسنا ومراقبتها. أحياناً، في الحياة العاديّة يعيش الإنسان حياةً صالحة، لكن عندما يصل إلى حافّة الجرف، وإلى نقطة حسّاسة، عندما يصل إلى منعطف خطير، لا يمكنه السيطرة على نفسه جيّداً. علينا أن لا ننسى هذا. "في تقلّب الأحوال عِلْمُ جواهر الرجال"1، يمكننا أن نختبر أنفسنا في مثل هذه المقاطع الحسّاسة. عادةً ما يُحسن المرء الظنّ بنفسه. إنّنا لا نرى عيوبنا، وعادةً ما نرى حسناتنا أكبر ممّا هي عليه. في مثل هذه الأوقات، عندما نختلي بالله، يمكننا اكتشاف ضعفنا، وعيوبنا. حينما يكون المال موجوداً، حين تكون السلطة موجودة، حين تكون الوجاهة موجودة، حين تكون الشهوات الجنسيّة، هذه اختبارات صعبة. 

 
النظرُ الثاقب
ما هو مهمّ بالنسبة للنوّاب المحترمين، للمسؤولين في الحكومة، للمسؤولين في القضاء، للقوّات المسلّحة، لرجال الدين، للأشخاص الذين يتصدّون لأكثر من مسؤوليّة من هذه المسؤوليّات، هو أن ينظروا في أنفسهم في مواقع الامتحان ومواطنه بنظر ثاقب، وليعلموا أنّ هذه المرحلة هي مرحلة امتحان، علينا أن لا 



1 نهج البلاغة، الحكمة 217.
 
 
 
 
 
 
 
288

242

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 نغفل. فإن تمكّنّا من عبور هذا المنعطف الخطير، هذا المقطع الحسّاس، شفا هذا الجرف بسلام، فلنشكر الله تعالى ونحمده. هذه هي النقطة الرئيسية وهذا كلامنا الأساسيّ معكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء.


نعمة مشفوعة بالمخاطر 
في المرتبة الأولى، أوجّه هذه النصيحة إلى نفسي أيضاً، أقول لكم هذا، حتّى يتأثّر بعونه تعالى قلب هذا الحقير بهذا الكلام ويقبل النصح ويتّعظ، فمن ناحية، لنعرف قدر الموقعيّة التي أتاحت لنا الفرصة لخدمة الشعب وخدمة الإسلام وخدمة البلاد وخدمة النظام، ونعدّها نعمة الله الكبرى علينا، ومن ناحية أخرى، نلتفت أيضاً إلى أنّ امتلاك هذه الفرصة مشفوع بالمخاطر. إنّ سيّارة نظيفة وجديدة، ذات عجلة قيادة جيّدة وسريعة تحت قدم الإنسان لهي توفيق بالطبع، توصل الإنسان إلى الهدف، لكنّها أيضاً لها مخاطر بنفس الحجم، علينا مراقبة أنفسنا. هذا هو كلامنا الأساسي لكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء. وكلّي أمل أن تكون هذه الكلمات مؤثّرة فينا جميعاً.

ميزةُ التخصّص
ما يمكننا الحديث عنه بالنسبة إلى مجلس الشورى في هذه السنة التي مرّت على انتخابه، هو أنّ وجود الاختصاصات المتنوّعة في المجلس ـ كما جاءني في التقارير ـ قد ساعد بحمد الله على نضوج وإيناع المشاريع المتنوّعة والبرامج المختلفة والمشاريع المقدّمة من قبل الحكومة وتحقيق النتائج الفُضلى فيها. وهذه هي ميزة التخصّص، عندما يكون العلم موجوداً، والقدرة موجودة ويتبعهما الشعور بمسؤوليّة الخدمة، حتماً ستكون نتيجة العمل أفضل. هنا محلّ السرور وأداء الشكر حيث يتمتّع المجلس ـ بحمد الله ـ بمثل هذه القدرة.
 
 
 
 
 
 
 
289

243

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 مظهر إرادة الشعب

المواقف السياسيّة لمجلس الشورى في هذه المدّة أيضاً ـ كما هو بيّن ـ هي مواقف جيّدة في المجالات المختلفة، لقد اتّخذ مواقف صحيحة ومناسبة. إنّكم ممثّلون لمجموع الشعب، تظهر إراداتهم وأمنياتهم في سلوككم. وما شهدناه بحمد الله كان جيّداً جدّاً.

مثلُ قمّة الجبل
ما هو مهمّ أيّها الإخوة والأخوات النوّاب وينبغي الالتفات إليه، وقد ذكّرت به دائماً في جميع الدورات أو أغلبها، حين كنت أوفّق للكلام مع النوّاب المحترمين، هو أن تعلموا أنّكم مثل قمّة الجبل، ما ينبعث من قلب هذه القمّة ينحدر على هيكل الجبل وسفحه. إنّ الآداب والأخلاق، وكيفيّة التعاطي في مجلس الشورى الإسلاميّ، هي كباقي القمم الموجودة في البلاد، تؤثّر في سلوك عموم أفراد المجتمع وآدابهم، وأخلاقهم وتصرّفاتهم، هذا أمر طبيعيّ، ودائم. إذا كان العقل والفكر والطمأنينة والسّكينة والهدوء والمحبّة (كلّ هذا) حاكماً على المجلس، وانعكس هذا الأمر من أبواق المجلس على مستوى المجتمع، سوف تترك هذه الخصوصيّات أثرها في المجتمع تدريجيّاً. وإذا كان التشنّج، والعداوة، والتقصير حاكماً على المجلس، فهذا أيضاً سينعكس بدوره في سلوك الشعب، هذا التأثير طبيعيّ. هذا التأثير ليس دفعيّاً ولا بارزاً ولا ظاهراً، لكن آثاره تظهر بمرور الأيّام وتدريجيّاً، هذا يزيد من مسؤوليّة المسؤولين. لذا، أرى أنّ على الأصدقاء الأعزّاء والنوّاب المحترمين، انطلاقاً من وجهة النظر هذه، أن يراقبوا تصرّفاتهم وأفعالهم مراقبةً تامّة.

أدُّوا لهم حقوقهم
إنّ العمل على مشاريع القوانين والمقترحات هو تكليف تحت عنوان أداء حقّ الناس ـ والذي هو الآن أمر واضح ومحدّد ـ أي عندما يُطرح مشروع قانون على
 
 
 
 
 
 
 
290

244

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 المجلس، أو عندما تعدّون أنتم مشروعاً في المجلس، وتريدون أن تنفّذوه في منطقة من مناطق البلاد حيث بالإمكان (تعميمه) لملء لائحة أنشطة وأعمال واسعة للبلاد، فإنّ دقّتكم، ومراقبتكم، واهتمامكم، وتحقيقاتكم، ودراساتكم، التي تساعد في نضوج هذا المشروع أو مقترح القانون، هي حقّ للشعب ملقى على عاتقكم. قد يُقدّم مشروع قانون إلى المجلس ـ أنا نفسي كنت عضواً من أعضاء مجلس الشورى وقد خبُرت هذه المسائل عن قرب ـ عندما يُطرح المشروع على اللّجنة ويوضع بين أيدي هذا النائب، فأحياناً، يتعاطى (النائب) مع هذا المشروع كأمر مرتبط به شخصيّاً تماماً، فيدقّق، يدرس، يحقّق، يجلس مع الخبراء ويتناقش معهم، يرسّم الموضوع في ذهنه بشكل تامّ، وأحياناً أخرى لا، ليس كذلك، يُقدّم المشروع أو يُراد المصادقة على مشروع في المجلس، فهذا النائب لا يعرف الكثير عن مضمون المشروع، لا يشعر بالمسؤوليّة كثيراً، لا يتابع، لا في اللجنة، ولا في قاعة المجلس. إنّ تصويته بـ "نعم" أو "لا" على مثل هذا المشروع أو مسودّة المشروع غير خالٍ من الشبهة، كما أنّ امتناعه عن التصويت أيضاً، ليس خالياً من الشبهة. إنّنا لم نأتِ إلى هنا لنجلس ونمتنع عن التصويت، أتينا لنقول هذا يكون وهذا لا يكون. الامتناع عن التصويت يكون حين يعمل الإنسان جهده، ويعمل ما ينبغي له، ولا يصل فكره بالنهاية إلى حلّ، حسنٌ، هنا حتماً يمتنع الإنسان عن التصويت، كالفقيه والمجتهد الذي يسعى جهده، ويراجع المصادر، وينظر في الأدلّة الاجتهاديّة والأدلّة الفقهيّة، ومن ثَمّ لا يتوصّل إلى نتيجة يقول حسناً، هنا احتاطوا، يقول: لا رأي لديّ، لا فتوى لديّ. هنا يصحّ الامتناع عن التصويت، أمّا لو لم ندرس الموضوع، ولم نعمل عليه، ومن ثمّ ولكي لا نجعل من أنفسنا أسرى لـ "نعم" أو "لا" التي لا دليل عليها وغير المستندة إلى دليل، نقول: حسنٌ، سنمتنع عن التصويت! هذا لا يصحّ. 


إذاً، أحد الأعمال المهمّة جدّاً واللّازمة والأساسيّة في المجلس، هو هذا العمل على مشاريع القوانين، سواءٌ المشاريع التي تحوّلها الحكومة إلى مجلس الشورى،
 
 
 
 
 
 
 
291

245

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 أو تلك التي تعدّونها أنتم (كنوابٍ) في المجلس. حقاً، ينبغي العمل عليها. فليتوصّل كلّ واحد إلى نتيجة حاسمة، فإن كان من أهل الاجتهاد في هذا الفنّ، فبالنحو الاجتهاديّ، وإن لم يكن من أهل الاختصاص، فعن طريق استشارة هذا وذاك، هذا أحد الأعمال الأساسيّة جدّاً.


قوامُ التمثيل
بالطبع، يوجد هذا العتب، وقد وجّهت أيضاً هذا العتب مراراً في الدورات الماضية إلى نوّاب مجلس الشورى المحترمين، وإلى رؤساء المجلس المختلفين، حيث يرى المرء أحياناً الكثير من المقاعد فارغة، بحيث تتجاوز حدّ النصاب المسموح به! طبعا هناك عذر لعدد من أصحاب المقاعد، لكن هذا بالنهاية له نصاب. أحياناً يرى الإنسان أنّها تجاوزت حدّ النصاب، ويشعر أنّه لا يُعمل بالتكليف. أحياناً يكون البعض حاضرين في المجلس ـ هذه أيضاً ظاهرة ـ لا يشاركون في التصويت، يجلس السادة في تلك الناحية الخلفيّة من المجلس، ينظّمون جلسة ( قعدة)! هذا أيضاً ليس من المصلحة. أي أنّ الحضور الشكليّ في المجلس، وكذلك الحضور القلبيّ هو لازم، أي الالتفات إلى تلك المسألة، والاستماع إلى كلام المؤيّدين وكلام المعارضين، هذه بعض الوظائف التي فيها قوام التمثيل، ولا يصحّ غضّ الطرف عنها، هذه أمور غاية في الأهمّيّة. في الواقع، رجائي أن يلتفت الإخوة والأخوات النوّاب الأعزّاء إلى هذه المسألة، والاهتمام بها، سواءٌ الحضور إلى المجلس، بمعنى الحضور الجسمي والمادّي، وسواءٌ بمعنى الحضور المعنويّ والروحيّ، أي حضور القلب وحضور الذهن، هذه مسألة مهمّة.

حتّى يُحبُّوكم...
هناك مسألة أخرى ـ كما أشرنا ـ وهي أنّ سلوك النوّاب مؤثّر في تربية المجتمع وسوقه إلى هذه الجهة وتلك الجهة. إذا ما لوحظت في المجلس التقوى والأمانة
 
 
 
 
 
 
 
292

246

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 والأخلاق والإحساس بالمسؤوليّة والنشاط في العمل، فهذا سيترك أثراً في المجتمع، في الدرجة الأولى، تجعل الناس يحبّون نوّاب المجلس وينظرون إليهم نظرةً حسنة ويؤمنون بهم، وفي الدرجة الثانية، تجعل سلوكهم قريباً من سلوك هؤلاء النوّاب الأعزّاء، الذين هم القمّة، والوجوه البارزة، والمبرّزون.


إذا لوحظ أنّ التعبيرات التي يستعملها النائب المحترم، سواءٌ في كلامه قبل تصدير القانون، أم في تصريحاته، أو في دردشاته، مراعية للأدب، بعيدة عن الإهانة، والتعبيرات المبتذلة والسخيفة - إنّ رؤية هذه المشاهد تجعل الإنسان حسّاساً، عندما يكون الإنسان جالساً قرب المذياع يستمع إليه، يدرك أنّ هذا السيّد كان يستطيع في هذا الموضع أن يستعمل تعابير مهينة، ولكنّه لم يفعل - هذا يؤثّر فيّ أنا المستمع كثيراً، أمّا لو كان العكس، ولوحظ لا قدّر الله عكس هذا الأمر، أي عدم مراعاة الأدب في الخطاب، في الكلام، في التعبير، تعبيرات مهينة أو غير مؤدّبة، أو صدر عنه سلوك غير مؤدّب، هذا سيترك أثره مباشرةً. أي أنّ ذلك المستمع مع أنّه لا يحبّذ ذلك السلوك، يتأثّر في الوقت عينه به. ليس الناس كالطفل الذي يتأثّر بسلوك والده، من دون أن يفهم قبح ذلك العمل أو حسنه، لا، فالناس يدركون قبح العمل وحسنه، هذه هي طبيعة القضيّة. لاحظوا أنتم، في الأماكن المختلفة، والأقوام المختلفة، يقوم شخص ما بعمل ما، يعبّر بعبارة ما، يتلفّظ بكلمة لا تعجب المرء، لكنّه في الوقت عينه يتأثّر، أي أنّ تكرار ذلك التصرّف يسهّل الأمر على الإنسان، هذه هي طبيعة المسألة. 

أنصِفْهُ من نفسك
أيضاً هناك مسألة أخرى هي "الإنصاف". بالطبع، هذه الأمور التي نتكلّم عنها هي في الواقع من قبيل توضيح الواضحات، وأنتم أيّها السيّدات والسادة مطّلعون على هذه الأمور، لعلّكم أنفسكم توصون الناس بهذه الأمور، ولكن من مسؤوليتنا أيضاً أن نطرحها، ولو كنتم الآن، بحمد الله، غير محتاجين لأن نذكّركم، إلّا أنّه يلزم التطرّق
 
 
 
 
 
 
 
 
293

247

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 إلى هذا الموضوع. ينبغي مراعاة الإنصاف، الإنصاف في مواجهة ذاك الصديق الزميل لكم في المجلس النيابيّ، الإنصاف في مواجهة ذلك الشخص خارج المجلس النيابيّ، الإنصاف في مواجهة الحكومة، الإنصاف في مقابل السلطة القضائيّة. ينبغي لكم مراعاة الإنصاف، ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾1  قد لا نتوافق مع بعض الأشخاص، قد ننفر منه، حسناً، قد يكون هذا الأمر مُسوَّغاً، ففي النهاية هناك سبب، للنفور من شخص ما، لكن ينبغي مراعاة الإنصاف مقابل الشخص الذي ننفر منه والذي لدينا أيضاً أسبابنا للنفور منه. علينا أن لا نجعل الشخص الذي لديه صفة (نقطة) جيّدة تحت تأثير الصفة (النقطة) السيّئة الموجودة في أذهاننا عنه، هذا أمر بالغ الأهمّيّة. إنّ عدم رعاية الإنصاف والتعامل غير اللائق يؤدّي إلى ردّة فعل مشابهة عند الطرف الآخر. بالنهاية نحن بشر ضعفاء، على سبيل المثال، لو لم تراعِ الإنصاف يوماً معي، فأنا ليس لديّ ذلك الكمّ من القدرة والقوّة وضبط النفس لأقول حسنٌ، لم ينصفني، فليفعل، سأكون مضطّراً لعدم مراعاة الإنصاف معه. هكذا يشيع الإجحاف المتبادل في المجتمع ، وذلك بدل مراعاة الإنصاف، وبدل تبادل المحبّة. انظروا، هذا التأثير موجود لأنّكم ممثّلون للشعب في المجلس النيابيّ، وإلّا إن كنتم جزءاً من أفراد المجتمع العاديّين، لكان لهذا الأمر تأثيره، لكن بشكل محدود. عندما نكون جالسين على منصّة والناس تنظر إلينا، يكون لتصرّفنا معنىً، وعندما نكون ضائعين بين عامّة الناس، يكون لهذا التصرّف نفسه معنىً آخر.

 
لكلٍّ حقُّه
موضوع آخر أطرحه دائماً على الأصدقاء في المجلس، هو التعامل مع السلطة التنفيذيّة. عندما نجلس أيضاً مع السلطة التنفيذيّة، سواءٌ مع رئيس الجمهوريّة المحترم، أم مع الوزراء المحترمين، أو معهما معاً، أوصيهم بهذه الوصيّة نفسها، بأن يتعاملوا مع السلطة التشريعيّة. لكلٍّ حقّه. للمجلس حقّ، في حدود معيّنة،



1 سورة المائدة ، الآية: 8.
 
 
 
 
 
 
 
 
294

248

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 وللسلطة التنفيذيّة والأجهزة الإجرائيّة أيضاً حقّها، في حدود معيّنة. ينبغي الحفاظ على حدود بعضهم البعض، والتعامل مع بعضهم، هذا التعامل هو طريق ذو جانبين ـ يقول الغربيّون والمتفرنجون: للطريق جانبان، لا إشكال في هذا الكلام، ولا عيب فيه ـ ينبغي أن يكون هذا التعامل موجوداً من كلا الطرفين. بالطبع، قد تظهر في الوقت عينه، وعلى الرغم من حسن نوايا الطرفين، بعض الإشكالات وسوء التفاهم ـ لا إشكال في ذلك ـ لا إشكال في سوء التفاهم هذا في الحدود الطبيعيّة التي يقتضيها العمل، لا ينبغي التشدّد، وإيجاد النفرة، ينبغي مراقبة هذه الأمور.


القانون أساس العمل
أقول لكم، إنّ السلطة التنفيذيّة واقفة في الميدان ـ سواءٌ هذه الحكومة أو أيّ حكومة أخرى ـ والأعمال في عهدتها، المسؤوليّات على عاتقها، الملامات تنهال عليها، المساءلات والمؤاخذات تجري بحقّها، لذا ينبغي ملاحظتها. كما أوصي السلطة التنفيذيّة دائماً، أن يُراعى هذا الحقّ العظيم الملاحظ في القانون للمجلس التشريعي وللقانون كلّه، من قبل السلطة التنفيذيّة. القانون أساس العمل، القانون هو السكّة التي يسير عليها هذا القطار، عليكم السعي لأن تسيروا على هذه السكّة. وعليهم هم أيضاً السير على هذه السكّة. اعملوا أنتم على أن تكون هذه السكّة بنحو يمكن للقطار الانعطاف فيها على المنعطفات. لقد رأى السادة قطار منطقة الشمال الإيراني، في بعض الأمكنة توجد منعطفات حادّة، لكن هناك بالنهاية طريقة تمكّن القطار من العبور. يسير القطار من أسفل الجبل إلى أعلاه، يصعد ويهبط، ولا تعترضه أيّ مشكلة، لأنّ السكك نُصبت بشكل جيّد. لو لم توجد هذه المنعطفات التي كان من اللّازم وجودها بهذا الشكل، فلو نُصبت مثلاً بنحو لا يمكن للقطار عبورها، لكنتم شاهدتم مراراً حوادث سقوط للقطار من تلك المرتفعات. ينبغي ملاحظة هذا الأمر في نصب السكّة. أنتم منشئو هذه السكّة، وعليها (الحكومة) أن تسير على هذه السكّة، وأن تعرف قدركم، لكن عليكم أنتم في النهاية أن تعلموا
 
 
 
 
 
 
 
 
295

249

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 أيضاً، أنّه من المفترض السير على هذه السكّة. لهذا، إنّ طرفي المسألة مهمَّان. قلت، هذا لا يختصّ بهذه الحكومة، لقد أوصيت بهذا مراراً، في جميع الحكومات، وفي عدد من دورات المجلس والحكومة، وبالطبع، لقد راعى البعض إنصافاً، هذه التوصيات، والبعض الآخر أهملها. 

 
المجلس في رأس الأمور
مجلس الشورى حتماً في رأس الأمور ـ كما قال الإمام (رضوان الله عليه) ـ لكن التفتوا، إنّ عبارة "المجلس في رأس الأمور" لا تعني أنّ كلّ نائب على رأس الأمور، "مجلس الشورى" على رأس الأمور، النائب نائب. أي لا يتصوّرنّ النائب المحترم والعزيز الذي اجتمع الناس في ناحية ما من البلاد بشوق وحماس وانتخبوه، أنّه في رأس الأمور، لا، "مجلس 
الشورى" في رأس الأمور، فليقس تصرّفاته على هذا النحو.
 
بناءً على هذا، نعود إلى كلامنا الأوّل، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء! ما يبقى لي ولكم ويجعل هذا الدعاء مستجاباً: "ولا تهلكني غمّاً حتّى تغفر لي وترحمني وتُعرّفني الاستجابة في دعائي"1، هو عملنا الحالي إذا كان بجدّ، بمجاهدة، بإخلاص، مع الشعور بالمسؤوليّة. إن تحقّقت كلّ هذه، سوف يصفح الله سبحانه عن بعض الزيادة والنقصان والتسامح والتساهل، لكنّ المهمّ أنّ جهدنا منصبّ على أن يكون عملنا بعون الله نظيفاً وطاهراً ومن دون حواشٍ وجدّيّاً. 
 
الشعب، اتّحاد وانسجام
سأقول كلمة حول الانتخابات. كما أشار رئيس مجلس الشورى المحترم، إنّ الانتخابات مهمّة دوماً، وهي الآن أكثر أهمّيّة لأسباب عديدة. على الجميع السعي لأن تُجرى هذه الانتخابات بحماسة ومشاركة عموم أفراد الشعب. وهذا يؤدّي إلى صون



1 مصباح المتهجّد، ج2، ص562.
 
 
 
 
 
 
 
 
296

250

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 البلاد، وإلى قوّتها، وإلى استتباب الأمن. إنّ مشاركة الشعب تزيل تهديد الأعداء. أنتم ترون أنّ بعض الساسة الغربيّين، وخاصّةً بعض السياسات الأميركيّة الخفيّة، تقدّم تحليلات - إذ يُنشر بعضها، ويُتناقل بعضها في وسائل الإعلام - ويقولون: إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ في إيران لا يتزعزع بهذه السهولة وبهذه السرعة. لماذا يتكلّمون بهذا الكلام؟ لأنّهم يرون أنّ هذا النظام معتمد على الشعب، هذا هو السرّ فقط، وإلّا أن نتصوّر الآن أنّ زيداً أو عمرواً على رأس النظام، هؤلاء لا يساوون شيئاً أمام عظمة حضور الشعب ودعم النظام، في الواقع ليسوا بشيء، لا يمثّلون شيئاً.


عندما يكون الشعب في نظام ما، متّحداً، منسجماً، داعماً للنظام، موالياً له، سوف يُصان هذا النظام، ويقوى ويشتدّ عوده، وسوف يصعب اقتلاعه من مكانه، كالشجرة التي امتدّت جذورها في أعماق الأرض، هذه لا يمكن اجتثاثها. يوجد بعض الأنظمة التي تمتلك المال والإمكانات، وتتحلّى بدعم الساسة الاستعماريّين في العالم ومديحهم، لكن ليس لها جذور، هم أنفسهم يعلمون أن ليس لديهم جذور. إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ له جذور، هذه الجذور هي الشعب. فاجتماع الشعب حول النظام، هو مصدر العزّة والبركة للبلاد وللنظام ولذلك الشعب نفسه.الشعب يدعم هذا النظام فيحصد العزّة، هذا نفسه عزّة للشعب، هذا نفسه، يحفظ الشعب ويحقّق له الأمن، هذا نفسه، يشكّل الإمكانيّة لحلّ جميع مشاكل الشعب، هذا ما يجب أن نعلمه، هذه قاعدة عامّة. بناءً على هذا، ينبغي للانتخابات التي هي تجلٍّ لمشاركة الشعب أن تُجرى بحماس، وينبغي لجهود المسؤولين وهممهم أن تنصبّ على هذا الأمر. 

القانون، حلّال المشاكل
من حسن الحظّ، أنّ القوانين الموجودة قوانين جيّدة، قوانين معقولة. وكما أشرنا مراراً، لا وجود لطريق مسدود. لذا نرى أنّ المسار القانونيّ في هذه الانتخابات نفسها، إلى هذه المرحلة التي قطعناها إلى الآن، قد شقّ طريقه. عندما سُئل
 
 
 
 
 
 
 
 
297

251

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 المرشّحون المحترمون للانتخابات، أنّه إن ارتأى مجلس صيانة الدستور أمراً، هل تقبلونه؟ فأجاب الجميع: نعم نقبل. وهكذا فعلوا. 


علينا واقعاً أن نشكر جميع الذين قالوا: نعم نقبل برأي مجلس صيانة الدستور، ولم يعترضوا عليه. علينا واقعاً أن نشكر جميع المرشّحين، أولئك الذين لم تُحرز أهليّتهم بنحو ما. هؤلاء قالوا: نقبل برأي مجلس صيانة الدستور، وعملوا بما وعدوا به، ولم يعترضوا، هذا دليل على أهمّيّة القانون وأرجحيّته، دليل على فائدة القانون، لأنّ القانون حاكم على البلاد. قد أكون أنا أو أنت غير راضين عن القانون ـ أحياناً يحدث هذا الأمر ـ لكن عندما يرضخ الإنسان للقانون، يصبح سبباً لحلّ الاختلافات، يصبح هو فصل الخطاب، هذه نعمة كبرى، وبركة عظيمة. 

الأُنس السياسيّ
إنّ الناس في بلدنا بحمد الله يتحلّون بالوعي والذكاء. لسنا هنا في موقع التملّق، لكنّ حقيقة الأمر أنّ الأنس الذهنيّ لشعبنا بالمسائل السياسيّة، يفوق المعدّل المتوسّط لدول العالم فيه. 

وحسب اطّلاعنا على أوضاع الدول ـ حيث تُقدّم إليّ التقارير، وتصل إليّ من مصادر علنيّة ومصادر غير علنيّة ـ لدى الناس، سواءٌ في الدول الأوروبيّة، أو في الدول الأميركيّة، أو في الدول الآسيويّة، مستويات وعي واطلاع متفاوتة، كثيرة وقليلة، لديهم معدّل متوسّط، لكنّ وعي الشّعب الإيرانيّ وتبصّره في المسائل السياسيّة، يفوق المعدّل المتوسّط لدول العالم. لا نريد ادّعاء عصمة عموم أفراد الشّعب الإيرانيّ، لكنّ هذا الادّعاء ممكن القبول وواقعيّ، إنّهم يراقبون، يتحلّون بالبصيرة، يشخّصون. من حسن الحظّ، أنّ وسيلة التشخيص هي اليوم أيضاً في متناول الناس. وهي مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون هذه، إنّها تنظّم البرامج، وتعرضها، تعرض الكلمات، وتستقبل الشخصيّات، يمكن للناس أن يشاهدوا، ويتوصّلوا إلى نتيجة، يمكن لهذه النتيجة أن تكون صحيحة، ويمكن أن تكون خاطئة، يمكن لزيد أن يتوصّل إلى نتيجة، ولعمرو أن يصل إلى نتيجة أخرى، حسنٌ، حتماً ستكون إحدى النتيجتين 
 
 
 
 
 
 
 
 
298

252

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 صحيحة والثانية خاطئة، لكنّ الله سبحانه سيثيب كلا الاثنين. عندما يشاهد الإنسان ويلاحظ ويشخّص ويعمل بناءً على تشخيصه لمجرّد رضا الله، سيعطيه الله سبحانه وتعالى الأجر والثواب. هذا هو تكليفنا - عموم أفراد الشعب - أن نشاهد وننظر واقعاً لأيّ نتيجة سنصل، ونعمل طبقا لتلك النتيجة.

 
الواقعيّة الشفّافة
بالطبع، يتحمّل السادة الذين ظهروا على التلفاز كمرشّحين للانتخابات الرئاسيّة وخاضوا المناظرة، مسؤوليّات ثقيلة، عليهم هم أيضاً أن ينتبهوا. ينبغي للكلمة التي تخرج من فم الإنسان أن تكون واقعيّة، شفّافة، مستندة إلى معلومات صحيحة وصادرة عن لسان صادق وقويم. علينا أن لا نكون بحيث إذا أردنا جلب نظر الشعب، أن نقول كلّ ما خطر على ألسنتنا، عليهم أن يراقبوا هذا الأمر. العمل الذي يراه المرشّحون صحيحاً، يمكنهم القيام به، الإعلان عنه ـ بعنوان وعد، بعنوان برنامج، بأيّ عنوان ـ ليسعوا أن يواجهوا الناس بالحقيقة (بالواقع)، سواءٌ بواقع الأحوال، أو واقعهم. إذا ما حدث هذا، سوف يبارك الله لنا، إن حدث هذا، سيمدّنا الله بالعون، لأنّ الأمور بيد الله، كلّ شيء يرجع إلى إرادة الله، "كلّ إليه راجعون"، 
 
أزمّة الأمور طُرّاً بيده    والكلّ مستمدّة من مدده1.
 
إذا عملنا بصدق، ستعيننا المشيئة الالهيّة. أحياناً تكون الإعانة لي بالتوفيق لهذه المسؤوليّة، أحياناً تكون الإعانة لي بعدم التوفيق لهذه المسؤوليّة، كلاهما إعانة إلهيّة. إذا عملنا بصدق سيمدّنا الله بالعون وسيعطينا كلّ ما فيه الخير والصلاح. علينا أن لا نعمل على تخريب كلّ ما هو وراءنا من أجل لفت أنظار الشعب إلينا، سواءٌ كان متعلّقاً بالمرشّحين الآخرين، أو كان متعلّقاً بالواقع الموجود في المجتمع. علينا العمل بالنحو الصحيح، عندها سننتخب.



1 منظومة الحكيم السبزواري.
 
 
 
 
 
 
 
299

253

في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

 تخمينات مضرّة

بالطبع، هذه الأحاديث عن أنّ فلاناً، (القيادة)، وهذا العبد الحقير، يميل إلى فلان أو فلان، هي من تلك الأحاديث التي كانت تُتناقل دوماً وليس لها أساس من الصحّة، وإنّ أكثر من ينقلون هذه الأحاديث، يعلمون أنّ لا صحّة لها. أنّى لهم العلم إلى مَنْ مِنَ المرشّحين أميل؟ لم يسمع أحد منّي، لم يسمع في الماضي، وإلى الآن أيضاً لم يسمع، ولن يسمع بعد الآن. إنّهم يخمّنون، من الأفضل لهذه التخمينات أن لا تُتناقل، ولا تجري على الألسنة، إنّهم لا يعلمون. لي رأي أيضاً مثل بقيّة الناس. لقد قلت هذا حينها في جمع الإخوة وطلّاب جامعة الحرس: قد تكون تميل إلى شخص، وأميل أنا إلى شخص آخر، ما المشكلة في ذلك؟ أنت تفضّل شخصاً وأنا أفضّل شخصاً آخر، لا إشكال في ذلك أبداً. أنت تعرف أمراً عن فلان، وأنا لا أعرفه عنه، لا مانع من ذلك. ليس الأمر أنّه عليّ أن أعرف كلّ ما تعرفه بالتمام والكمال، أو أن تعرف أنت كلّ ما أعرفه أنا بحذافيره، لا، هذه تشخيصات. ما هو حجّة بيننا وبين الله، هو أن نتمكّن من التشخيص جيّداً. ما يُنشر في أخبار وسائل الإعلام الغربيّة ويُكتب في هذه المقالات ـ والتي حتماً تسمعونها وترونها ـ يرتكز على أهدافهم، فتراهم يشيعون هذه الأمور، ويلهبون الأجواء. حسنٌ، أهدافهم واضحة. بالطبع، لا ينبغي أن نكون بحيث لا نعلم أهدافهم من هذه الأعمال. إنّنا نؤدّي أعمالنا. نحن نعرف ماذا سنفعل؟ المجتمع الإسلاميّ والنظام الإسلاميّ يعلم ماذا يفعل. النظام الإسلاميّ لا زال يتابع مسيره. الهدف واضح. والطريق واضح، والتدابير واضحة. النظام يقوم بعمله، وها هم الآخرون الآن يفرضون آراءهم، فليفرضوا، لن يؤثّر ذلك في عمل النظام، لكنّ الوعي والذكاء مهمّان في هذه المراحل.

أسأل الله سبحانه أن يقدّر الخير لهذا البلد، ولكم، ولعموم أفراد الشعب، وأن ينزل بركاته عليكم، وعلينا، وعلى الجميع، وأسأل الله تعالى أن يكون غد هذا البلد وهذا الشعب أفضل من أمسه ويومه. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
300

254

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه


المناسبـة: مراسم الذكرى الـ "24" لرحيل الإمام الخميني قدّس سرّه
الحــضـور: جمع من المسؤولين وأبناء الشعب الإيراني
الـمكــان: طهران - حرم الإمام قدس سره
الزمـــان:
14/03/1392 هـ.ش.
24/07/1434 هـ.ق.
04/06/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
301

255

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 بسم الله الرحمن الرحيم


والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهدّيين المعصومين، سيّما بقيّة الله في الأرضين.

نحمد الله تعالى لأنّه منحنا فرصةً أخرى، وأفسح لنا في المجال، ومدّ في أعمارنا، لنتمكّن في هكذا يومٍ، من تكريم إمامنا العزيز، ومن إظهار الولاء والإخلاص لذلك العظيم. مع أنّ ذكرى الإمام لا تزال حاضرة بين آحاد الشّعب الإيرانيّ. إلّا أنّ يوم 14 خُرداد (4حزيران)، هو مظهر عشق الشّعب الإيرانيّ للإمام العظيم، وتصادف الذكرى هذا العام، مع ذكرى استشهاد جدّ إمامنا العظيم، الإمام موسى بن جعفر عليه السلام. وأيضاً مع الذكرى الخمسين لحادثة 15 خُرداد/ 5 حزيران 1963م المصيريّة.

15 خرداد: تلاحُم الشعب مع رجال الدين
مسألة 15 "خُرداد"، مسألة مهمّة، ومرحلة مهمّة. وسأتحدّث عنها بشكل مختصر كي نصل إلى موضوعنا الأساسي واللّازم. ليس الخامس عشر من "خرداد" بداية النهضة الكبرى لرجال الدين والشعب. فقبل 15 "خُرداد"، وقعت حوادث مهمّة في عام 1962م وأوائل عام 1963م، ففي 22 آذار 1963م، وقعت حادثة مدرسة الفيضيّة، حيث ضُرب وجُرح طلاب العلوم الدينيّة ووُجّهت الإهانات إلى المرجع المُعظّم المرحوم "آية الله الكلبيكانيّ". وقبل ذلك التاريخ، أواخر عام 1962م، حدثت المظاهرات الشعبيّة في سوق "بازار طهران"، ووُجهت هناك أيضاً الإهانات للمرجع المُعظّم المرحوم آية الله 
 
 
 
 
 
 
 
303

256

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 "الحاج السيّد أحمد الخوانساريّ". كلُّ هذه الاحداث تُشير إلى أنّ نهضة رجال الدين، كانت قد بدأت عام 1962 ووصلت إلى أوجها وذروتها عام 1963، بشكل حدا بشرطة "جهاز جبار" والأجهزة الأمنيّة الأخرى إلى استخدام العنف مع العلماء والطلبة، وحتّى مع مراجع التقليد. لكن تبقى حادثة 15 "خُرداد" مرحلة مهمّة جدّاً. 


ذلك أنّ الحادثة التي جرت في 15 "خُرداد"/ 5 حزيران 1963، قد أظهرت مدى تلاحُم الشعب مع رجال الدين في تلك المرحلة الخطرة والحسّاسة. في عاشوراء ذلك العام - يوم 3 حزيران - ألقى الإمام العظيم خطاباً تاريخيّاً ومصيريّاً في المدرسة الفيضيّة. بعدها، أُلقي القبض على الإمام. وفي 15 "خرداد" 5 حزيران تحركت في "طهران"، بشكل رئيسيّ، وفي "قُم" وغيرهما من البلدات الإيرانيّة الأخرى، جموع غفيرة من الناس، فأقدَمَ النظام الطاغوتيّ بكلّ مكوّناته، بجيشه، بشرطته، وأجهزته الأمنيّة، على قمع هذه الحركة الشعبيّة. فقد حدثت  انتفاضة شعبيّة في 15 "خرداد"، دلّت على وجود لُحمة متينة بين أفراد الشّعب الإيرانيّ ورجال الدين والمرجعيّة الدينيّة المُتمظهرة في شخص الإمام العظيم. المهمّ هنا، أنّ هذه اللُّحمة هي الضامن لتقدُّم النهضة، ووصولها إلى الذروة والانتصار. في أيّ مكان يحدث حراك ما، نهضة ما، مستندة إلى الشعب فيجاريها، ستستمر وتدوم. لكن إن لم يلتحم الشعب مع ذلك الحراك المعارض، فسوف يفشل. كالأحداث التي جرت بعد "المشروطيّة" في إيران. فقد بدأ نضالٌ، من قبل اليساريّين والوطنيّين لكنّ مصير كلّ هؤلاء، وعلى مدى تاريخ النهضات في إيران، كان الفشل والهزيمة، ذلك أنّ الشعب لم يكن معهم. عندما ينزل الشعب إلى الساح، فيدعم نهضة ما، بمشاعره وفكره ومشاركته، عندها ستستمرّ هذه النهضة ويُكتب لها النجاح. 

هذا ما أظهرته حادثة 15 "خُرداد"، لقد أظهرت بأنّ الشعب يدعم رجال الدين. فبإلقاء القبض على الإمام العظيم، جرت انتفاضة كُبرى في طهران وفي بعض المدن الإيرانيّة الأخرى، دفعت الجهاز الأمنيّ إلى التدخّل وقمع الانتفاضة بعنف شديد، فقتل عدد غير مُحددٍ - عدد كبير جدّاً - من الناس وصُبغت شوارع طهران بدماء عباد الله والمؤمنين وشباب هذا الشعب الأبطال.
 
 
 
 
 
 
 
304

257

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 سكوت المنظّمات الدوليّة 

في 15 "خرداد"، ظهر وجه الدكتاتور الخشن (العنيف)، ووجه النظام الطاغوتيّ العديم الرحمة بكلّ وضوح. لكن هناك نقاط أخرى في حادثة 15 "خرداد"- وعلى شبابنا، وشعبنا العزيز أن يلتفت إليها، فهي مهمّة - وهي أنّ أيّاً من المنظّمات العالميّة، وما يُسمى بمنظّمة حقوق الإنسان، لم تحرّك ساكناً أمام المجازر الوحشيّة التي جرت دون شفقة أو رحمة في "طهران"، وفي غيرها من المناطق الإيرانيّة الأخرى. لم يعترض أحد، وبقي الشعب ورجال الدين وحدهم في الساح. حتّى إنّ الماركسيّين والدول الإشتراكيّة واليساريّين، أدانوا تحرّكات الخامس عشر من "خرداد" الشعبيّة، ووصموها بالإقطاعيّة، والوطنيّون الذين كانوا ينادون للنضال، أدانوا هذه الحركة وقالوا إنّها حركة عمياء بلا هدف، حركة مُتطرّفة. ففي كلّ مكان يطلب الناس فيه الرخاء والراحة، ولا يشقّون لأنفسهم مكاناً في ساح الكفاح، ولا يتقبّلون خوض المخاطر، تراهم يتّهمون المؤمنين والمناضلين بالتشدّد والتطرّف. قالوا هؤلاء متطرّفون، وإنّ حركتهم حركة متطرّفة.

إيمان الإمام باللّه والناس ونفسه
بقي الإمام وبدعم من هذا الشعب، وحيداً في الساح. لكنّه ظهر للناس كافّةً وللتاريخ، وبكلّ ما للكلمة من معنى، كقائد سماويّ ومعنويّ، قاطع ومصمّم.

تجلّت ثلاث عقائد في إمامنا العظيم، مدّته بالقاطعيّة، بالشجاعة والصمود: إيمانه بالله، إيمانه بالناس وإيمانه بذاته. وقد ظهرت العقائد الثلاث تلك بمعناها الحقيقيّ في وجود الإمام، في قرارات الإمام، وفي جميع حركات الإمام. كان الإمام يتحدّث إلى الناس من القلب إلى القلب، وكان الناس بدورهم، وبكلّ وجودهم، يقولون له: "لبيك"، فنزلوا إلى وسط الساح، وصمدوا بكلّ شهامة، وكانت الحركة التي لم يُنظر إليها بعين الرأفة، من أيّ بقعة من بقاع الدنيا، ولم تُمدّ لها أيّ يدٍ للمساعدة، تسير تدريجيّاً نحو الانتصار، ولقد انتصرت في النهاية.
 
 
 
 
 
 
 
305

258

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 سأبيّن قليلاً، العقائد الثلاث التي آمن بها الإمام، فهي أمور مهمّة، إن وَجَدت لها مكاناً في قلوبنا، فستنير درب مسيرتنا.

 
1- إيمانه بالله:
بالنسبة إلى إيمانه بالله، كان الإمام مصداق الآية الشريفة: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾1. ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ لقد أدّى الإمام هذا الأمر بكلّ وجوده، وآمن به من كلّ قلبه، كان الإمام يثق بالله المتعال، ويُوقن بوعد الله، فكان يتحرّك، ويعمل ويتكلّم ويُقَدِّمُ في سبيل الله. ويعلم أن ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾2. وعد الله لا بُدّ مفعول، وأنّ الله لا يُخلف الميعاد.

2- إيمانه بالناس:
بالنسبة إلى إيمانه بالناس، فقد كان الإمام العظيم، يعرف الشّعب الإيرانيّ بكلّ ما للكلمة من معن عميق الإيمان، ذكيّ وشجاع، وإذا ظَهَرَ بينهم قادة لائقون، فإنّ هذا الشعب سيتوهّج كالشمس في مختلف المجالات. لقد آمن الإمام بهذا.
 
وإذا ظَهَرَ في يوم ما رجل غير كُفء، كالشاه "سلطان حسين"، الذي جعل الشّعب الإيرانيّ يتقوقع على ذاته، فسيظهر في يوم آخر رجلٌ شجاعٌ كـ "نادر قُلي" - بدون تلك الألقاب والعناوين - بين أفراد الشعب، ويتولّى قيادتهم بكلّ شجاعة، عندها سيتمكّن هذا الشعب من توسيع ميادين إفتخاراته، من نيودلهي إلى البحر الأسود. لقد رأى الإمام هذا في التاريخ، وشهد نظائره، كما أنّه آمن بهذا الأمر. كان يعرف الشّعب الإيرانيّ، ويثق به. لقد جعل الإمام الخميني إيمان هذا الشعب العميق والراسخ، الذي كان مخفيّاً تحت طبقات طمي المتهافتين على الدنيا، يَتَفتّح. وأثار حفيظة الناس الدينيّة، فأصبح الشّعب الإيرانيّ مِثالاً للاستقامة والبصيرة. كان الشعب في نظر الإمام، هو الأعزّ وعدوّ الشعب هو الأبغض. كما تلاحظون،



1 سورة آل عمران، الآية: 173.
2 سورة محمد، الآية: 7.
 
 
 
 
 
 
306

259

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 فإنّ الإمام لم يقعد لحظة واحدة عن مقارعة المُتسلّطين، والسبب الرئيس، أنّ المُتسلّطين هم أعداء سعادة الناس، والإمام عدوٌ لعدوّ الشعب.


3- الثقة بالنفس:
الإيمان بالذات - الثقة بالنفس - لقد علّم الإمام الشّعب الإيرانيّ معنى "نحن قادرون". وقبل أن يُلقنّ الإمام الشّعب الإيرانيّ ويعلّمهم "نحن قادرون"، كان قد أحياها في داخله، وقد أظهر وأبرز اعتقاده بقدراته الشخصيّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. في عاشوراء 1963م، هدّد الإمام - وعلى الرغم من غربته، وسط طلاب وأهالي قمّ في المدرسة الفيضيّة - "محمّد رضا شاه"، الذي كان وبالاتكاء على أميركا والقوى الخارجيّة، يحكم البلاد بلا قيد أو شرط أو وازع، قائلاً إذا فعلت كذا، وإن أكملت على هذا المنوال، فسأطلب من الشّعب الإيرانيّ أن يطردك من إيران". من الذي قال هذا؟ قاله رجل دين، يعيش في "قمّ"، لا يملك السلاح، ولا العتاد، ولا المال، ولا الدعم الدوليّ. مستنداً فقط إلى إيمانه بالله وثقته بنفسه، على أنّه قادر على الصمود في هذه الساح. وفي ذلك اليوم الذي عاد فيه الإمام من منفاه، هدّد حكومة "بختيار" في خطابه في "جنّة الزهراء عليها السلام"، وقال بالصوت الملآن: "سأصفع وجه حكومة "بختيار"، و"سأعيّن الحكومة". هذه هي الثقة بالذات.

كان الإمام يؤمن بقوّته، وبقدراته. وهذا الإيمان بالذات الذي تمثّل، في عمل الإمام، في كلام الإمام، قد انتقل إلى الشعب. 

أعزّائي، لقد قاموا بتلقيننا نحن الشّعب الإيرانيّ ولمئة سنة، بأنّنا غير قادرين. أنتم غير قادرين على إدارة بلادكم، غير قادرين على الوصول إلى العزّة، غير قادرين على البناء، غير قادرين على الحركة في ميدان العلم، غير قادرين.. غير قادرين. ونحن صدّقناهم.

"أنتم قادرون"
من أساليب الأعداء المؤثّرة، في السيطرة على الشعوب، هو تلقين "غير قادرين"،
 
 
 
 
 
 
 
307

260

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 كي تيأس الشعوب، فيقولوا "نحن غير قادرين". بهذه الخُدعة، تخلّف الشّعب الإيرانيّ لمئة عام في ميادين السياسة، العلم، الاقتصاد، وجميع ميادين الحياة. قَلَبَ الإمام هذه الموازين، فنزع منهم أداة التسلُّط هذه، وقال للشّعب الإيرانيّ "أنتم قادرون"، أعاد إلينا الشجاعة، القرار، والمنعة. 

 
أعاد إلينا الثقة بالنفس، وشعرنا نحن الشّعب الإيرانيّ بأنّنا "قادرون"، فتحرّكنا وعملنا. لذا فاز الشّعب الإيرانيّ في كافّة الميادين - التي سأشير إليها - خلال 30 عاماً المُنصرمة.
 
استقامة الإمام وثباتُه
العقائد الثلاث التي آمن بها الإمام ـ أي الإيمان بالله، الإيمان بالشعب، والإيمان بالذات ـ قد أضحت محور جميع قراراته وإعماله، وجميع سياساته. لقد أعطى هذا الإيمان القُدرة للإمام خلال بدء النهضة، وفي فترة النفي، وأيضاً عندما توجّه إلى "باريس"، وعندما عاد إلى إيران. لقد أعطت هذه العقائد الثلاث للإمام القدرة على العودة إلى "طهران" في تلك الظروف، وأعطته القوّة في أحداث شباط 1979، في الفتن الداخليّة، في إعلان الجمهوريّة الإسلاميّ، في الصمود العلنيّ في وجه النظام العالميّ الجائر، في إعلان "لا شرقيّة، ولا غربيّة"، في الحرب المفروضة، في جميع قضايا السنوات العشر المليئة بالأحداث من عمر الإمام. لقد تجلّت تلك العقائد الثلاث في الإمام. فكانت مصدر قراراته، أعماله، وسياساته.
 
لم يلحظ أحدٌ في الإمام، وحتّى آخر أيّام حياته، أيّ أثرٍ للكآبة والتردّد، والتعب والإهمال والاستسلام. يصاب الكثير من ثوّار العالم بالتردّد عندما يصلون إلى سنّ الكهولة والشيخوخة.
 
وبالتحفظ على بعض الأمور حتّى إنهم يتراجعون عن كلامهم الرئيسيّ في بعض الأحيان. إلّا أنّ كلام الإمام، في سنوات عمره الأخيرة، كان أحياناً أكثر ثوريّة من عام 1963، وأشدّ وأقوى. كان يشيخ لكنّ قلبه ظلّ شابّاً، وروحه توّاقة، إنّها الاستقامة التي جاءت في القرآن الكريم: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ  
 
 
 
 
 
 
 
308

261

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾1 وفي آية أخرى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾2. هذه العقائد الثلاث، أبقت الإمام حيّاً وشابّاً، وخلّدت فكر الإمام وطريق الإمام وطريقة الإمام عند هذا الشعب. ومن ثَمّ عمّت هذه العقائد الثلاث شعبنا وشبابنا وجميع أطيافنا. بعثت الأمل والثقة بالنفس والتوكّل على الله. لقد حلّت مكان اليأس والظُلمة والتشاؤم. لقد غيّر الشّعب الإيرانيّ روحيته، فغيّر الله ما بهم: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾3. لقد صحّح الشّعب الإيرانيّ مساره وحركته وحوافزه. فساعدهم الله في ذلك ونصرهم ودعمهم. فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنّ إيران التابعة، أصبحت إيران المستقلّة من تبعيّة النظام الطاغوتيّ البهلويّ - الذي كان أسوأ من النظام القاجاريّ المُتخلّف السيِّئ السُمعة - للإنكليز، ومن ثَمّ للأمريكيّين. هناك الكثير الذي يتوجّب على شبابنا معرفته. لقد وصلت تبعيّة أولئك إلى حدّ مُخزٍ. وقد ذكر هذا أحدُ الدبلوماسيّين الأمريكيّين البارزين وكتب عنه بعد الثورة. حيث قال: نحن من كنّا نقول للشاه بأنّك بحاجة إلى هذا، ولست بحاجة إلى ذاك. هم من كانوا يقولون، عليكم الاستمرار بهذه العلاقات أو فسخها، عليكم إنتاج النفظ بهذا المقدار، البيع بهذا المقدار، لمن تبيعون ولمن لا تبيعون.

 
الشعب، من تابع إلى مستقلّ
كانت البلاد مُرتهنة للسياسة الأميركيّة، للمُخطّط الأميريكيّ، وقبل ذلك للسياسة والمُخطّط الإنكليزيَّيْن. لقد تحوّل هذا البلد، من تابع إلى مستقلّ، إلى إيران الشامخة. كان يحكم هذه البلاد، قادة فاسدون، خائنون، عابدون للمال وغارقون في الشهوات والملذّات الماديّة والحيوانيّة. وقد حلّ مكانهم نواب الشعب. لقد أصبحت زمام الأمور بيد نوّاب الشعب.



1 سورة الجن، الآية: 16.
2 سورة فصلت، الآية: 30.
3 سورة الرعد، الآية: 11.
 
 
 
 
 
 
 
309

262

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 لقد حكم خلال الثلاثين عاماً ونيف المُنصرمة، واستلم زمام الأمور في السياسة والاقتصاد، أشخاص هم نوّاب للشعب. مع كلّ نقاط الضعف والقوّة في هؤلاء الأشخاص، فهم يتمتّعون بخصيصة أنّهم نوّاب الشعب، لم يكونوا من الأشخاص الذين يهدفون لجمع المال ـ وبالطبع هناك القوي والضعيف ـ وهذه مسألة مهمّة. أولئك السياسيّون الخُبثاء، التبعيّون، الطمّاعون، الوضعيّون الأذلّاء أمام الأعداد، الأشدّاء على الشعب، حلّ مكانهم نوّاب للشعب. وبلدنا المُتخلّف علميّاً، أصبح بلداً متطوّراً علميّاً. فلم نكن نملك قبل الثورة أيّ افتخارات علميّة. واليوم، أصبح الآخرون يتحدّثون عنّا. وتقيّمنا مراكز التقييم (القياس) العالميّة، يقولون إن مستوى النموّ والتطوّر العلميّ قد وصل إلى 11 ضعفاً المتوسّط العالميّ. فهل هذا بقليل؟ وتتوقّع مراكز التقييم العالميّة، أن تصل إيران بفضل تطوّرها العلميّ بعد عدّة سنوات - إلى سنة 2017 - إلى المرتبة العلميّة الرابعة عالميّاً. فهل هذا قليل؟ لقد تحوّل البلد الذي لم يكن يملك أيّ إفتخار علميّ إلى هذه الحال.


التطوّر العلميّ بفضل الاستقلال
لقد كُنّا بلداً إذا أراد أن يشقّ طريقاً أو شارعاً رئيسيّاً، أو بناء سدّ ومصنع، نمدّ أيدينا للأجانب، كي يأتي مهندسوهم ويبنوا لنا السدّ والطريق والمصنع. بينما اليوم يقوم شباب هذا الشعب، ودون الإستعانة بالأجنبيّ، ببناء آلاف المصانع، ومئات السُّدود والجسور والطرقات والشوارع العريضة في البلاد. لقد وصل النموّ العلميّ والفنيّ والقُدرات البنائيّة في البلاد، إلى هذه المكانة، فهل تستحقّ أن نتجاهلها؟!

وفي المجال الصحيّ، كان على المريض ومن أجل عمليّة جراحيّة بسيطة، الذهاب والضياع في المستشفيات الأوروبيّة، أو عليه الموت إن لم يكن يملك المال. بينما اليوم، تجري في بلادنا أكثر العمليّات الجراحيّة تعقيداً، من زرع الكبد إلى الرئة. هناك إنجازات مهمّة في مجال الجراحة والطبابة، ليس فقط في طهران، بل وفي سائر المدن النائية. هذه القدرات موجودة اليوم. ولا يحتاج الشّعب الإيرانيّ 
 
 
 
 
 
 
 
310

263

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 إلى الأجانب في هذا المجال، لقد وصلنا إلى الاستقلال والاكتفاء الذاتي في هذا المجال المهمّ والحيويّ.


بركات الثورة الإسلاميّ
كانت مناطق كثيرة قد نُسيت من بلادنا ـ لقد كنت قبل الثورة، أجول على الكثير الكثير من المناطق. لم تكن المناطق النائية في البلاد تلقى أيّ اهتمام. أمّا اليوم فقد توسّعت شبكة الخدمات لتشمل أنحاء البلاد. في المدن النائية وفي القرى المختلفة. فلا مجال للقول بأنّ المنطقة الفُلانيّة محرومة من الطاقة الكهربائيّة أو الطرقات وأمثال ذلك. لكن في تلك الأيّام إن تمتّعت منطقة نائية بهذه الخدمات، لكان أمراً عجيباً. اليوم عكس ذلك يُثير التعجّب. في تلك الأيام، (أي قبل الثورة) كان عدد الطلاب 150 ألف طالبٍ من بين 35 مليون نسمة. اليوم زاد عدد السكان إلى الضِعفين، بينما زاد عدد الطلاب حالياً إلى 20 ضِعفاً. بل وإلى 30 ضِعفاً. وهذا يعني الاهتمام بالعلم. إنّ كثرة الطلاب، كثرة الأساتذة وكثرة الجامعات لأمر لافِت. يوجد في كلّ مدينة نائية، جامعة أو جامعتان، أو خمسٌ، وأحياناً عشر جامعات. في تلك الأيّام، ربّما لم يصل عدد المدارس الثانوية في بعض المحافظات إلى عدد أصابع اليدين. أمّا اليوم فيوجد في تلك المحافظات، وفي كلّ مدينة من مُدنها، بِضعُ جامعاتٍ، وأحياناً عدد كبير من الجامعات. لقد حدثت هذه الحركة العظيمة للشّعب الإيرانيّ ببركة الثورة الإسلاميّ، وبهمّة الشّباب والمسؤولين طوال 30 سنة ونيف. هذه حوادث مهمّة. فقد بُنيت ببركة الثورة وأُنشئت بُنى تحتيّة عديدة في البلاد، والمنتوجات التي كان علينا شراؤها بالفُتات وبكل مِنّةٍ من الأجانب، أصبحت اليوم، تُنتجُ وبوفرة في البلاد. يجب ملاحظة ذلك. وهي من بركات عقائد الإمام الثلاث التي ضخّها في الأمّة فتألّقت فيها: الإيمان بالله الإيمان بالشعب والإيمان بالذات.

نحن لا نقول هذا الكلام لخلق غرور كاذب، لنفرح ونقول إنّنا والحمد لله قد انتصرنا وانتهى الأمر. لا، فما زالت الطريق أمامنا طويلة.
 
 
 
 
 
 
311

264

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 ما ينبغي أن تكون عليه إيران

أقول لكم، إننا إذا قارنّا بين إيران اليوم وإيران زمن الطاغوت، سنرى هذه الإنجازات. لكن إذا قارنّا إيران اليوم بإيران الإسلاميّ التي يجب أن تكون، البلد الذي يريده الإسلام لنا، المجتمع الذي يريده الإسلام لنا، المجتمع الذي تتوفّر فيه، العزّة والرفاه الدنيويّان، الإيمان والأخلاق والمعنويّات أيضاًـ فإنّ الطريق ما زالت طويلة أمامنا ـ أقول هذا كي يعرف شبابنا العزيز وشعبنا الشجاع أنّه يمكن متابعة هذا المسير بمعيّة هذه العقائد الثلاث. اعلموا أنّ الطريق طويلة، لكنّكم تستطيعون، لديكم القدرة، لديكم الإمكانيّة، ويمكنكم متابعة هذه الطريق للوصول إلى القمم بكلّ الطاقة، والسرعة اللّازمة. أقول هذا لتعلموا أنّه إذا أراد الأعداء زرع اليأس فينا، فلأنّهم يناصبوننا العداء، وأنّ كلّ شيء يوحي لنا بالتفاؤل.

خارطة طريق الإمام 
خارطة الطريق أمامنا. لدينا خارطةُ طريق. ما هي خارطة الطريق؟ خارطة طريقنا هي أصول إمامنا العظيم. تلك الأصول التي تمكّن الإمام بالاستناد إليها، من تحويل الأمّة المُتخلّفة والذليلة إلى أمّة متطوّرة وشامخة. هذه الأصول، التي ستُعينُنا على متابعة المسير، وتشكّل لنا خارطة الطريق. أصول الإمام، أصول واضحة. ولحسن الحظّ فإنّ خطابات الإمام وكتابات الإمام، المؤلفة من 20 مجلّداً تقريباً، هي في متناول الناس، ونجد خلاصتها في وصيّته الخالدة، ويمكن للجميع الرجوع إليها. فليس من الجيّد أن نتمسّك باسم الإمام وننسى أصوله، هذا خطأ. ولا يكفي التمسّك باسم الإمام وذِكْرِ الإمام فقط، فالإمام خالد بأصوله، بأفكاره وبخارطة طريقه للأمّة. خارطة الطريق هي بيد الإمام وقد عرضها علينا. كما أنّ أصول الإمام واضحة.
 
 
 
 
 
 
312

265

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 أصول الإمام

أصول الإمام في السياسة الداخليّة عبارة عن الاعتماد على آراء الناس، تأمين الوحدة واتحاد الشعب، أن يكون الحكّام والمُمسِكون بزمام الأمور، شعبيّين لا أرستقراطيّين. اهتمام المسؤولين بمصالح الأمّة، العمل والجهد الجَماعيّ من أجل تطوير البلاد.

وفي السياسة الخارجية، فإن أصول الإمام عبارة عن: الصمود في وجه التدخّلات الأجنبيّة والسلطويّة. التآخي مع الشعوب الإسلاميّ، التواصل مع جميع الدول، ما عدا الدول التي وضعت الموس على عنق الشّعب الإيرانيّ، وتكنُّ له العداوة. مناهضة الصهيونيّة، النضال من أجل تحرير فلسطين، تقديم العون لمظلومي العالم، والصمود في وجه الظالمين. وصيّة الإمام موجودة أمام أعيننا، فكتابات الإمام، أقوال الإمام موجودة في الكتب التي نشرت النصوص الكاملة لذلك العظيم.

وفي مجال الثقافة، فإنّ أصول الإمام عبارة عن الابتعاد عن ثقافة الإباحيّة الغربيّة، الابتعاد عن التحجّر والجمود. الابتعاد عن الرياء في التمسّك بالدين، الدفاع القاطع عن الأخلاق وأحكام الإسلام، مكافحة الترويج للفحشاء والفساد في المجتمع.

تعتمد أصول الإمام في الاقتصاد: على الإقتصاد الوطنيّ، على الاكتفاء الذاتيّ، العدالة الإقتصاديّة في الإنتاج والتوزيع، الدفاع عن الطبقات المحرومة، مواجهة ثقافة الرأسماليّة واحترام الملكيّة - هذه الأمور إلى جانب بعضها - رفض الإمام سياسة الرأسماليّة الظالمة، لكنّه أكّد على احترام الملكيّة، الثروة، واحترام العمل. وأكد أيضاً على عدم الاضمحلال في الإقتصاد العالميّ، وعلى إستقلاليّة الاقتصاد الوطني. هذه هي أصول الإمام في الاقتصاد، وهي أمور واضحة في خطاباته وكلماته. ويتوقّع الإمام من المسؤولين، أن ينفّذوا تلك الأصول على الدوام، بالاقتدار والإدارة العاقلة وبالتدبّر. هذه هي خارطة طريق الإمام العظيم. وسيتمكّن الشّعب الإيرانيّ بهمّته، بشبابه، بخارطة الطريق هذه، بإيمانه الراسخ، بتذكّره لإمامه، من ملء الهوّة للوصول 
 
 
 
 
 
 
 
313

266

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 إلى الوضع المطلوب. يمكن للشّعب الإيرانيّ أن يتقدّم، ويمكنه بقدراته، واستعداداته، وبالأشخاص البارزين، المنتشرين بحمد الله في أنحاء البلاد، من متابعة هذا الطريق بقدرة أكبر وهمّة أقطع، الطريق الذي هو حصيلة ثلاثين عاماً ونيف من التجربة. وإن شاء الله سيصبح مِثالاً حقيقيّاً وواقعيّاً للأمم الإسلاميّ الأخرى.


الإنتخابات أحد مظاهر عقائد الإمام
أمّا بالنسبة إلى الإنتخابات، وهي قضية حيّة وحسّاسة هذه الأيّام، أخواني وأخواتي الأعزّاء، أيّها الشّعب الإيرانيّ العزيز، الإنتخابات مظهر من مظاهر العقائد الثلاث التي وُجدت في الإمام، والتي يجب أن تُوجد فينا أيضاً: مظهر الإيمان بالله، وهي تكليف. فواجبنا وتكليفنا أن نتدخّل في مصير بلادنا، وهذا تكليف لآحاد الشّعب الإيرانيّ. إنّها مظهر الإيمان بالشعب، لأنّ الانتخابات مظهر لإرادة آحاد العشب. فالناس هم من يختارون عبر الإنتخابات، مسؤولي البلاد. ومظهر الإيمان بالذات، لأنّ كلّ فرد يضع "صوته" في الصندوق، يشعر أنّه بدوره قد تَدَخّل في مصير البلاد وعيّنه. وهذا أمرٌ مهمّ جدّاً. إذاً الانتخابات مظهر من مظاهر الإيمان بالناس، ومظهر الإيمان بالذات أيضاً.

أصل الموضوع في قضية الإنتخابات، هو إيجاد الملحمة السياسيّة، وحضور الناس الحماسيّ عند الصناديق. ماذا تعني المَلحمة؟ المَلحمة تعني أن يُنجز هذا العمل الباعث على الإفتخار بكلّ نشاط وحماس. فكل صوت تعطونه لأحد المرشّحين المحترمين - السادة المرشّحون الثمانية موجودون بيننا الآن - فكأنّكم أعطيتم صوتكم للجمهوريّة الإسلاميّ. الصوت للمرشّح، يعني صوتاً للجمهوريّة الإسلاميّ، صوت الثقة بالنظام وبعمليّة الإنتخابات. إنّ الخوض في الإنتخابات، سواء المرشّحون أو الناخبون - أمثالي وأمثالكم - يعني بحدّ ذاته، الثقة بالجمهوريّة الإسلاميّ والثقة بعمليّة الإنتخابات. ومن الناحية الأخرى، هو التصويت لشخص، ترونه أنتم، أو يراه ذلك الأخ أو تلك الأخت، أو أنا العبد الحقير، بأنّه الأصلح لمستقبل البلاد.
 
 
 
 
 
 
 
 
314

267

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 الإنتخابات ليست تهديداً للنظام 

يُفكّر أعداؤنا، المساكين، في الخارج، أن يشكّلوا من خلال هذه الإنتخابات تهديداً للنظام الإسلاميّ، بينما هي فرصة كبيرة له. هم يأملون إمّا أن تكون هذه الإنتخابات هزيلة، فيقولون بأن لا رغبة للشعب بالنظام الإسلاميّ، أو أن يصنعوا الفتنة بعدها، كما فعلوا في انتخابات عام 2009 الحماسيّة.
 
هذا ما يسعى إليه أعداء الوطن. لكنّهم مخطئون، فهم لا يعرفون هذا الشعب بعد. لقد نسي أعداء الوطن يوم 29 كانون الأول1، لقد نسي، هؤلاء الذين يعتقدون بوجود أكثريّة صامتة ومُعارِضة للنظام الإسلامي في هذا البلد، يوم الأوّل من شباط2، قبل 34 عاماً، حين خرجت الجموع العظيمة دفاعاً عن نظام الجمهوريّة الإسلاميّ وردّدوا شعار "الموت لأميركا".
 
وهج الانتخابات
ومن أجل أن يخفّفوا من وهج هذه الإنتخابات، يجلس مفكّروهم من خلف الوسائل الإعلاميّة والمحلّلين السياسيّين، فيلفّقون الأقاويل ويُقدّمونها للوسائل الإعلاميّة، تارةً يقولون إن الإنتخابات مُعلّبة وتارة أخرى بأنّها غير حرّة. أو أنّها غير شرعيّة برأي الشعب. ذلك لأنّهم لا يعرفون هذا الشعب ولا يعرفون إنتخاباتنا، كما لا يعرفون نظام الجمهوريّة الإسلاميّ. وهم غير منصفين حتّى في الأمور التي يعرفونها، ولا يخجلون من هذا الأمر.
 
في أيّ مكان من العالم - ومن يعرف بوجود ذلك فليتقدّم وليقُل - يُسمح للمرشّحين على إختلافهم، سواء من الوجوه المعروفة أو غير المعروفة، باستخدام الوسائل الإعلاميّة الرسميّة للبلاد بشكل متساوٍ؟ في أي مكان من العالم يوجد أمر مشابه؟ هل هو موجود في أميركا؟ أو في الدول الرأسماليّة؟ يُسمح للمرشحين



1 ملحمة التاسع من دي 2009-، خروج تظاهرات مليونية ضخمة في مختلف المدن والقرى الإيرانية، رداً على تجاوزات أتباع موسوي والتيار المنحرف وراء تهمة وادعاء التزوير في الانتخابات آنذاك، حيث قاموا بهتك حرمة مجالس العزاء، فردّ عليهم الشعب بهذه المظاهرات المدوّية.
2 يوم قدوم الإمام الخميني إلى إيران من منفاه في باريس.
 
 
 
 
 
 
 
 
315

268

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 في الدول الرأسماليّة، إذا كانوا أعضاء لحزبين أو ثلاثة، ومدعومين من قِبل أصحاب رؤوس الأموال، وأصحاب المصانع، والأثرياء والمافيات، وأن يكونوا هم من أصحاب الثروة والقدرة، باستخدام الوسائل الإعلاميّة لحملاتهم  الدعائيّة، وإلّا فلا يستطيعون شيئاً. المتابعُ للإنتخابات الأميركيّة، وقد تابعتها بنفسي، سيؤيّد هذا الكلام. فقد وُجد مرشّحون لا يتمتّعون بدعم الصهيونيّة ولا بدعم شبكات الرأسماليّة، "مصاصّة الدماء" العالميّة، لكنّهم لم يتمكّنوا من فعل أيّ شيء لدخول معترك الإنتخابات. إذ لم تتوفّر لهم الوسائل الإعلاميّة والتلفزيونية، وكان عليهم دفع أموال طائلة لكلّ ثانية من الظهور الإعلاميّ. بينما يستطيع جميع المرشّحين في بلادنا بشكل متساوٍ، ودون دفع أيّ (ريال)1 الظهور في الوسائل الإعلاميّة والمشاركة في البرامج المتنوّعة، فيتحدّثون لساعات طويلة إلى الجمهور. فهل من أمرٍ مشابه لهذا في العالم؟ الأمر الوحيد الذي يتحكّم بمسألة الإنتخابات هو القانون. فطبقاً للقانون، يستطيع عدد من الأشخاص الترشّح أو لا يستطيعون. القانون هو الذي يحدّد الشروط والصلاحيّة، ويحدّد الأشخاص الذين يشخّصون تلك الصلاحيّة. كلّ ذلك يجري طبقاً للقانون.

 
يرى أعداء الخارج هذه الحقائق، فيجلسون ويُنَظِّرون، وكما قلت سابقاً، فهم للأسف يمتلكون حناجر وألسناً لا تعرف التقوى، فيكرّرون نفس الكلام. لكنّ الشّعب الإيرانيّ وبالتوفيق الإلهيّ، بمشاركته، بصموده وعزمه الراسخ، سيردّ على كلّ تلك الافتراءات، وسيكون ردّه قاطعاً وصاعقاً.
 
النقد البنّاء
سأوجّه الكلام للمرشّحين المحترمين، ينتقد المرشّحون المحترمون بعض الأمور في البرامج الإعلاميّة العموميّة، وهذا من حقّهم، يمكنهم انتقاد أيّ شيء. لكن يجب الالتفات لأن يكون هذا النقد بهدف الوصول إلى مستقبل بنّاء وزاهر، لا 



1 ريال واحد العملة الإيرانية و كل 10 ريال يساوي واحد تومان.
 
 
 
 
 
 
 
316

269

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 أن يكون من باب التشويه، والسلبيّة وعدم الإنصاف. يجب الالتفات لهذا الأمر. لا رأي لي في أيّ أحد، ومنذ الآن، ستقول الوسائل الإعلاميّة الأجنبيّة بغيظٍ وحقدٍ، بأنّ فلاناً مع زيد أو عَمْروٍ أو بكرٍ أو خالدٍ. هذا مناف للواقع، لا رأي لي في أيّ أحد.


أنا أقول الحقائق، وأنصح الأخوة الذين يهدفون إلى جذب آراء الناس إليهم، أن يتحدّثوا بإنصاف. إنتقدوا، لكن لا بقصد التشويه وإنكار الأعمال العظيمة، سواء التي أُنجزت في هذه الحكومة أو في الحكومات السابقة. فقد وصل أشخاص مثلهم إلى سُدة الحكم وقاموا بجهود كبيرة وأنجزوا الأعمال. لا يكون النقد بإنكار الأعمال الإيجابيّة. النقد هو التحدّث عن نقاط القوّة ونقاط الضعف. اليوم، لا يحتاج من يصل إلى سُدّة الحكم لأن يبدأ من الصفر، فقد أُنجزت الآلاف من الأعمال المهمّة، أُنجزت آلاف مشاريع البُنى التحتيّة على مدى السنوات الطوال، وفي عهود الحكومات المتوالية. فقد تطوّر العلم، والصناعة، وأعمال البُنى التحتيّة، ووضعت الخطط وأُنجزت المشاريع، في مختلف المجالات، يجب أن لا تُهمل، بل أن تُستكمل، يجب عدم إنكار كلذ تلك الإنجازات بحجّة ما نعانيه اليوم من مشاكل إقتصاديّة وتضخُّم وغلاء. هذا غير صحيح. أجل لدينا مشاكل إقتصاديّة وتضخُّم إقتصاديّ. وإن شاء الله سيتمكّن الرئيس القادم من حلّ هذه المشاكل، ومن حلّ هذه العُقد، فهذا أمل الشّعب الإيرانيّ. لكن لا يعني هذا، ولأنّنا نملك رؤى وحلولاً لهذه المشاكل، أن نُنكر كلّ ما أُنجز حتّى اليوم. والنصيحة الأخرى أن لا تقدّموا الوعود المستحيلة. أطلب من جميع المرشّحين، أن تتحدّثوا بطريقة لا تجعلكم تشعرون بالخجل في حزيران العام القادم، إذا ما عُرض عليكم شريط تسجيلات ما قلتموه هذا اليوم. قدّموا الوعود التي إذا سُئلتم عنها فيما بعد، لا تضطرون لأن تلقوا باللائمّة على فلان وفلان بأنّهم أعاقوا تحقيقه. قدّموا الوعود بما تستطيعون فعله.
 
 
 
 
 
 
317

270

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 صلاحيّات رئيس الجمهوريّة

يتمتّع رئيس الجمهوريّة وطبقاً للقانون الأساسيّ (الدستور) بالكثير من الصلاحيّات. صلاحيات رئيس الجمهوريّة، في الدستور، واسعة جدّاً، فميزانيّة البلاد بيده، جميع المراكز التنفيذيّة في البلاد بيده، تنظيم تنفيذ القوانين، إمكانيّة الاستفادة من جميع أهل الرأي وفي جميع أنحاء البلاد، كما أنّ يده مطلقة في جميع الأمور والقضايا، الحدود الوحيدة الموضوعة لرئيس البلاد، هي حدود القانون، القانون فقط مَنْ يضع الحدود له. وهي ليست بحدود، فالقانون، يَهدي ولا يَحُدّ. القانون، يدلّ على الطريق وعلى كيفيّة التصرّف.

على الذين يتحدّثون اليوم إلى الناس، أن يعدوهم بالوعود القادرين على تنفيذها، وبما يحتاج إليه الناس. ليعدوهم بأنّهم سيعملون بتعقّل ودراية، وإن كان لديهم برامج في أيٍّ من المجالات، فليقدّموها للناس، وليعدوا بأنّهم سيخوضون هذا الميدان بكلّ جهد وثبات، وليعدوهم بأنّهم سيستفيدون من جميع بنود القانون الأساسي (الدستور) في سبيل القيام بواجبهم المُلقى على عاتقهم. أن يعدوا بأنّهم سيديرون أوضاع البلاد بكلّ حنكة، وأن يهتمّوا بموضوع الإقتصاد ـ الذي يتعرّض اليوم للكثير من الضغوط الخارجيّة، بكلّ جدّيّة.

مصالح الشعب أوّلاً
أن يعدوا بأنّهم لن يتّخذوا لأنفسهم الحاشية، وأن لا يطلقوا العنان للمحيطين والمُقرّبين منهم. أن يعدوا بعدم ترجيح مصالح الأجانب، بحجّة التنوّع، على مصالح شعبهم. فالبعض وبتحليل خاطئ للأمور، يقولون بإعطاء بعض الإمتيازات للأعداء كي نخفّف من غضبهم علينا، وعمليّاً، هذا ترجيح لمنافعهم على منافع الأمّة. هذا خطأ. فهم غاضبون من وجودكم، من وجود الجمهوريّة الإسلاميّ، ومن خلود الإمام في أذهان الناس وفي برامج البلاد، غضبهم لأنّ الشعب في الرابع من حزيران - ذكرى ارتحال الإمام - ينتفضون ويموجون في أنحاء البلاد، غضبهم 
 
 
 
 
 
 
318

271

في مراسم الذكرى الـ 24 لارتحال الإمام الخميني قدّس سرّه

 هو بسبب كلّ هذه الأمور. يجب معالجة غضب الأعداء، والتعويض منه بالإقتدار الوطنيّ. إذا كانت الأمّة قادرة مقتدرة، ستتمكّن من تأمين إحتياجاتها، ومن حلّ مشاكلها. فاليوم، المشكلة الإقتصاديّة هي الأساس، فإذا تمكّنت الأمّة من حلّ مشاكل الإقتصاد، حينها سنجرّد الأعداء من سلاحهم في مواجهة الأمّة.


ما يهمّ على أيّ حال، العزم والإرادة، الإيمان بالله، الإيمان بالشعب، والإيمان بالذات. هذا مهمّ للمرشّحين في الإنتخابات ولآحاد الشّعب الإيرانيّ. بعد عشرة أيام، أيّها الأخوة، أيّها الأعزّاء، سنخوض إمتحاناً كبيراً، وأتمنّى إن شاء الله، أنّ يوفّقنا الله في هذا الإمتحان، وأن نقدّم "مَلحمة" تفيض بالبركة والنتائج الباهرة لهذا الشعب "ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم".

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
319

272

في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّ

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّ


المناسبـة: ذكرى المبعث النبويّ الشريف
الحــضـور: جمع من مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلامية 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
17/03/1392 هـ.ش.
27/07/1434 هـ.ق.
07/06/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
321

273

في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّ

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
أبارك هذا العيد العظيم، الذي يُمكن اعتباره - بالنسبة إلى عامّة المسلمين بل إلى البشريّة عامّة - أعظم وأحلى ذكرى في كلّ التاريخ، لكم أيّها الحضور الكريم، الضيوف الأعزّاء، ممثّلي الدّول الإسلاميّ المشاركين في هذا اللقاء وإلى عموم الشّعب الإيرانيّ الذي واصل هذا النهج بكلّ إخلاص وصدق، ويواصله بالجهاد والفِداء. كما أبارك هذا العيد للأمّة الإسلاميّ ولجميع أحرار العالم. 
 
عظمة البعثة
لقد وَرَدَ في الروايات بخصوص ليلة المبعث، أنّ السماء لَمْ تُرخ بظلالها على ليلة كتلك الليلة، أي لم يَشْهد التاريخ ليلةً كليلة المبعث، ففي صباح تلك الليلة كُرّم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بالخطاب الإلهيّ، وبُعث بالرسالة العظيمة والخالدة على مرّ العصور. البعثة عمل عظيم وشاقّ. عَظَمة الأعمال تتناسب والمشاكل والصعاب التي تعترض مسيرها. وعادةً ما تكون الصعاب التي تواجِه الأعمال والخطوات الصغيرة، صغيرةً. بينما تواجِه الأعمال العظيمة معارضات ومصاعب كبيرة. لقد توالت الصعاب التي واجهت الدعوة خلال حياة النبيّ، سواء في "مكّة" أو في "المدينة المنوّرة"، ومن مختلف الجوانب، وهذا الأمر لم يقتصر على نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم فحسب، فقد واجه جميع الأنبياء والرسالات هكذا معارضات. لكن بالطبع، كانت المعارضة على نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم، أشدّ وأشمل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
323

274

في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّ

 عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾1. فقد ساعد شياطين الإنس والجنّ بعضهم بعضاً في مواجهة الدعوة الإلهيّة، وفي مواجهة السعادة البشريّة. ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴾2 أي أنّ الأفئدة (القلوب) الغافلة، الساذجة، عديمة الفكر، الغُلُف، تَتَقبّلُ هذه الأصوات المعارضة والمناوئة لدعوة الأنبياء الإلهيّة. كانت البداية مع بدء عصرالبعثة وعصر ظهور الرسالة الإلهيّة، واستمرّت بأشكال مختلفة حتّى آخر يوم من عُمر النبيّ المبارك، وما تزال مستمرّة من بعده إلى يومنا هذا. ففي كلّ مكان يوجد دعوةٌ، توجد مخالفةُ الشياطين لها، وكلّ مكان كان درباً للأنبياء، وُجد المعرقلون لهذا الدرب.

 
حركة التاريخ اتجاه الحقّ
بالطبع، فإنّ حركة التاريخ تتّجه نحو الحقّ. ولو نظرتم إلى مُجريات التاريخ، فسترون أنّ دعوات الأنبياء أصبحت، يوماً بعد يوم، أدْوَمَ، وأوسع، وأكثر أُنساً وقُرباً لأذهان الناس وقلوبهم.
 
الشياطين يعملون، لكنّ طبيعة العالم وحركته تتّجهان سَمْتَ الحقّ. وهذا موجود. وقد وُجدت دائماً قلوب تعي الحقيقة، وتنشُر المعارف الإلهيّة، الحقائق الإلهيّة والأخلاق الإلهيّة، وبأشكال مختلفة في المجتمعات. لكنْ وُجدت المعارضة أيضاً وبأشكالها المختلفة. وهي موجودة اليوم.
 
لقد أثبتت الدعوات غير الإلهيّة اليوم، كالدعوة الماركسيّة، التي جذبت أنظار العالم إليها في يوم من الأيّام، ودعوة الأنسنة (الهيومونيسم)، والدعوة التحرّرية (الليبرالية)، التي أحكمت قبضتها على حضارات العديد من مناطق العالم، بأنّها غير قادرة على تأمين السعادة للبشر، فيَمَّمتِ القلوب وجهها شطر الإسلام.



1 سورة الأنعام، الآية: 112.
2 سورة الأنعام، الآية: 113.
 
 
 
 
 
 
324

275

في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّ

 الإسلام صوت العدالة

ففي أيّ بُقعة علا صوت العدالة والمطالبة بالعدالة، فهو صوت الإسلام، ولو لَمْ يعرف المُنادون مصدر هذا النداء. وأينما ارتفع صوت الكرامة الإنسانيّة، فهو نداء الإسلام، نداء الأديان، وبالتأكيد فإنّ محور كلّ هذه النداءات، هو الإسلام والإيمان، وفي أيّ مكان يؤمن الناس بالقرآن ويعتقدون به، تشتدّ فيه العداوة للإسلام وللقرآن، وهذا ما تشاهدونه اليوم.
 
تتلطّى السياسة في العالم خلف تلك الأذهان المريضة والخبيثة، التي تستبيح كلّ الحُرمات في مُعاداتها لنبيّ الإسلام. ولا يمكن التصديق بأنّ استمرار وانتشار إهانة الإسلام ومُعاداة الإسلام والمسلمين في العالم، هو بمعزلٍ عن توجيهات الأجهزة الاستخباراتيّة، وعن الدعم الماليّ للقوى العظمى. وأنتم تشاهدون نماذج ذلك في العالم، أعني مناهضة الإسلام. بالطبع هم يجدون لأنفسهم الحُجج، ففي بعض تصرّفاتنا، نحن المسلمين، انحراف، وتصلُّبٌ، وتحجّرٌ وأعمال خاطئة، تتّخذها الشياطين مستمسكاً علينا، كي يتحقّق مصداق الآية الشريفة ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾. على المسلمين معرفة ذلك.
 
"الصدق والعدل"
يجب نشر الدعوة الإسلاميّ بكلّ صراحة، وشجاعة وصدق، وبالتزامن مع الركن الأساس للدعوة الإسلاميّ، ألا وهو العدالة.
 
قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً﴾1 هاتان خصيصتان من خصائص الدعوة الإلهيّة، خصيصتا الكلمة الربوبيّة: "الصدق والعدل"، وعلى المسلمين أن يُظهروا ذلك في أنفسهم. وهو كفيل بجذب القلوب، وإدخال كلمة الإسلام إليها. بالطبع فإنّ العَداء أيضاً موجود، وسيستمر. يجب التصدّي للعَداء، كما تصدّى له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم. وكما تصدّى له المؤمنون بالإسلام، والمؤمنون بالحقيقة والعدالة على مرّ العصور.



1 سورة الأنعام، الآية: 115.
 
 
 
 
 
 
 
325

276

في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّ

 مخطط الأعداء

نحتاج اليوم نحن المسلمين إلى الوعي، نحتاج إلى معرفة الخريطة العامّة لحياتنا ومعرفة مواجهة الأعداء لنا وللإسلام. إذا عرفنا المخطّط (المؤامرة)، فسوف نختار الطريق الصحيح. 

لكنّ المشكلة تكمن في أنّنا نحن المسلمين أحياناً، لا نعرف ما هي المُخطّطات بالشكل الدقيق، لذا نصبح جُزءاً منها. وللأسف هذا ما ابْتُلي به العالم الإسلاميّ هذه الأيّام. فمُخطّط الأعداء هو بثّ الفُرقة بين المسلمين. ومُخطّط الأعداء هو إثارة النّعرات المذهبيّة بين المسلمين. ومُخطّط الأعداء هو حَرْفُ وُجْهَة الأمّة الإسلاميّ عن الخصوم والأعداء الحقيقيّين، أي الرأسماليّة الفاسدة المُفسدة، والصهيونيّة، إلى أماكن أخرى.

في يوم من الأيام، ناهض العالم الإسلاميّ الصهيونيّة الغاصبة، فوصفها الأعداء في دعاياتهم، إنّها مُعاداةٌ للساميّة (اليهوديّة)، مع أنّها لم تكن كذلك، إذ يعيش اليهود في الدّول الإسلاميّ، كغيرهم من أبناء الديانات الأخرى - اليهوديّة، المسيحيّة والإسلاميّ - إلى جانب بعضهم بعضاً. يعيش اليوم في وطننا، اليهود والمسيحيون والمسلمون، وبعض أتباع الديانات الأخرى، معاً في ظلّ أمن الإسلام. المسألة ليست معاداة الساميّة، فهم يكذبون ويُحرّفون قضيّة مناهضة الصهيونيّة الغاصبة والمحتلّة، والظالمة والقاسية القلب، على أنّها معاداة للساميّة. لكنّ الغرب نفسه، قد ابْتُلي اليوم بمعاداة الإسلام والمسلمين، وهم يُقدّمون الدعم، ويُؤازرون الّذين يوجّهون الإهانات للإسلام وللرسول الأعظم. هذه هي معاداة الإسلام، وهي موجودة عندهم. 

كما أنّهم يُروِّجون لمعاداة المذاهب المُخالفة في المجتمع الإسلاميّ، معاداة الشّيعة، تلك هي سياستهم. يجب أن يتنازع المسلمون فيما بينهم، أن يتلهّوا بالنّزعات، السنّة ضدّ الشّيعة، والشّيعة ضدّ السنّة، والهدف من ذلك هو صرف نظرهم عن العدوّ الرئيسيّ، فلا يعرفون مَن الّذي يناهض الإسلام، ولا يعرفون مَن الذّي يَنْصُب الأفخاخ الخطرة للإسلام. علينا أن نعي ذلك، على الشعوب أن تعي ذلك، على السياسيّين أن يعوا ذلك، وعلى المثقّفين أيضاً أن يعوا ذلك.
 
 
 
 
 
 
 
326

277

في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّ

 مواجهة مخطّطاتهم

يجب أن نعرف ما هي مُخطّطات الأعداء. فإذا عرفنا ما هي مخطّطاتهم، حينها يمكننا أخذ التدابير اللّازمة لمواجهة مؤامراتهم. لكن إن بقينا نجهل مُخطّطات الأعداء، فلن نستطيع إلى ذلك سبيلاً، سنخطئ اختيار الطريق، وسنخطئ التصرّف. هذه هي مُخطّطات الأعداء: أن تتلهّى الأمّة الإسلاميّ بعضها ببعض، وأن يثيروا النعرات فيما بينها، وهذا ما فعلوه هذه الأيّام، فيُقتل الآلاف، وتُراق الدماء، وتنصرف الأمّة الإسلاميّ عن اهتماماتها الرئيسة، وتغفل عن التطوّر الذي يجب أن تصل إليه، وذلك بهدف تأمين مصالح المستعمرين، مصالح أصحاب النفوذ الظالمين، وهذا ما فعله الاستعمار في يوم من الأيّام.

أقول لكم، لن يستطيع الغربيّون محو وَصمة عار الاستعمار عن تاريخهم. ولن تستطيع شعارات الدّفاع عن حقوق البشر، وشعارات الدفاع عن الديمقراطية، أن تجعل ما قام به الغرب المُدّعي في آسيا وأفريقيا، وفي أميركا اللاتينيّة وفي جميع الدول التي رزحت لسنوات طوال تحت نير الاستعمار، طيّ النسيان. هذا ما فعلوه زمن الاستعمار، ويكملون المؤامرة اليوم لكن بطرق أُخرى، وهم ما زالوا يسعون إلى الأهداف نفسها. حسنٌ. علينا أن نكون واعين، أن نعي ما نقوم به، علينا أن نعرف خارطة طريقنا.

أهميّة الوحدة
إنّ الإتحاد بين المسلمين، والتوافق، والتعاضد والتعاون، من الأمور الضروريّة والملحّة جدّاً. وندعو جميع الدّول الإسلاميّ، وجميع الحكومات الإسلاميّ، إلى التبصّر في جميع الأمور، ليروا مَنْ هم الخصوم، وندعوهم أن لا يخطئوا في معرفة العدوّ، وأن لا يخطئوا في معرفة مخطّطات الأعداء، وليعرفوا مرامي الأعداء، وليعرفوا أين تكمن سعادة شعوبهم.
 
 
 
 
 
 
 
327

278

في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّ

 أسأل الله المتعال وببركة يوم المبعث، وببركة الاسم المبارك والمقدّس لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، أن يُعرّف الله جميع الشعوب الإسلاميّ طريقها، وأن يوقظنا جميعاً من غفلتنا، وأن يوفّقنا إن شاء الله، ويوفّق الأمّة الإسلاميّ للوصول إلى قمم السعادة.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
 
328

279

في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدوليّة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدوليّة


المناسبـة: المسابقات الدولية للقرآن الكريم
الحــضـور: جمع من المشاركين في مسابقات حفظ وتلاوة القرآن الكريم
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
18/03/1392 هـ.ش.
28/07/1434 هـ.ق.
08/06/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
329

280

في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدوليّة

 بسم الله الرحمن الرحيم


أُرحّب بجميع الأخوة والأخوات، والعوائل القرآنيّة المُجتمعين في هذا المحفل. ما يميّزكم أنّكم قارئون للقرآن، حافظون للقرآن، مديرون للقرآن، وأنّ القرآن هو مُعرّفكم. لقد استمتعت كثيراً بهذا اللقاء، استمتعت بتلاوة الأخوة والأساتذة والقارئين القُدامى الذين قضوا عُمراً في خدمة القرآن الكريم، ونسأل الله أن يحشركم ويحشرنا مع خُدّام القرآن، وأن نبقى إن شاء الله، في حياتنا وبعد مماتنا، إلى جانب القرآن ومع القرآن، وأن نستفيض ونستفيد منه.

بركات القرآن
هذه المسابقات وهذه الجلسات، ما هي إلّا ذريعة لتناول القرآن، الإقتراب من حقيقة القرآن وروحه. والتلاوة ما هي إلّا وسيلة للوصول إلى تلك الحقيقة، وإلى تعلُّم المعارف القرآنيّة، وتشكيل الحياة الفرديّة والإجتماعيّة في ظلّ القرآن. وإذا ما أضحى القرآن هو الحاكم في المجتمعات البشريّة، فهناك السعادة الدنيويّة، وعلوّ الدرجات المعنوية. يفتح القرآن لنا طريق العزّة، والسلامة، طريق الأمن والأمان، طريق الأمان النفسيّ، طريق الحياة الصحيحة ودرب الحياة السعيدة. نحن بعيدون عن القرآن، ولو أنّنا تعرّفنا على القرآن، وأنسنا بالمعارف القرآنيّة، وقارنّا مدى بُعدِنا عن الأمور التي أرادها القرآن لنا، لكانت حركتنا أسرع، وطريقنا أكثر وضوحاً، وهذا هو الهدف.
 
 
 
 
 
 
331

281

في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدوليّة

 القرآن شعار العدالة

واليوم، أيّها الأخوة الأعزّاء، والأخوات العزيزات، يتعطّش العالم الإسلاميّ ويحتاج إلى الحقائق القرآنيّة. في يوم من الأيّام، كان الشّباب في الدّول الإسلاميّ، من شرق العالم الإسلاميّ إلى غربه، إذا ما أرادوا رفع الصوت للمُطالبة بالحريّة عالياً، هتفوا بالشعارات اليساريّة والإشتراكيّة والشيوعيّة، لكن اليوم، إذا ما أراد أحد في العالم الإسلاميّ، من شرق العالم الإسلاميّ إلى غربه، رفع شعار العدالة، شعار الحريّة والإستقلال، فإنّهم يرفعون القرآن بأيديهم. هذا أمر قيّم جدّاً، وهذا هو الصحيح.
 
يجب التقرّب من القرآن، والأُنس بالقرآن. بالطبع، فإن الكلام سهل، لكن الفعل صعب، وبحاجة إلى الجهاد.
 
أهميّة اتحاد الأمّة
من تعاليم القرآن، أن تتّحد الأمّة الإسلاميّ معاً، وأن تعقد الأكُفّ معاً ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾1. لمن وُجّه هذا الخطاب؟ هذا الخطاب موجّه لنا، خطاب للشّعب الإيرانيّ، خطاب للشعوب الإسلاميّ، في الدّول الإسلاميّ، وخطاب لجميع المؤمنين بالإسلام في كافّة أنحاء العالم. فهل نعمل به؟ وفي المقابل، تقف التعاليم الإستعماريّة في مواجهة التعاليم القرآنيّة: بثُّ الفرقة بين المسلمين، وأن يُكفّر فريق، الفريق الآخر ويلعنه، ويتبرّأ منه. هذا ما يريده الإستعمار هذه الأيّام، كي لا تبقى لنا باقية. وللأسف فقد خُدعت بعض الدول والحكومات الإسلاميّ، فدخلوا لُعبة الأعداء، هم يُخدعون من قِبل الأعداء، ويعملون لصالحهم. علموا أم لم يعلموا.
 
الإتحاد والوحدة بين المسلمين أمرٌ واجب وملحّ هذه الأيّام. أنظروا أيّ مفاسدٍ تُسبّبها الحرب والخلافات، انظروا إلى المجازر التي يرتكبها الإرهاب الأعمى، في



1 سورة آل عمران، الآية: 103.
 
 
 
 
 
 
 
332

282

في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدوليّة

 العالم الإسلاميّ بحجّة الخلافات المذهبيّة، انظروا كيف يتنفّس النظام الصهيونيّ الغاصب الصُعداء، بسبب تلك الخلافات التي زرعوها بين المسلمين. ففي كلّ مرّة حاولت الدّول الإسلاميّ، والشعوب الإسلاميّ التقرّب من بعضها بعضاً، رسموا لها المؤامرات وافتعلوا لها الحوادث. يجب أن تفتح تلك الأمور أعيننا، وأن توقظ الشعوب الإسلاميّ. وأن تجعلنا نميّز الرؤساء والحُكّام المخلصين من الحُكّام المُكلّفين من قِبل الأعداء. هذا ميدان الإمتحان.

 
الحناجر الشيطانيّة
كلّ حنجرة تهتف اليوم بالوحدة الإسلاميّ، هي حنجرة إلهيّة، ناطقة عن الله، وكلُّ حنجرة ولسان يُحرّض الشعوب الإسلاميّ، المذاهب والطوائف الإسلاميّ المختلفة لمُعاداة بعضها بعضاً، لإثارة النعرات فيما بينها، هي حنجرة ناطقة عن الشيطان. "من أصغى إلى ناطق فقد عَبَده، فإن كان الناطق عن الله، عَبَدَ الله، وإن كان الناطق ينطق بلسان إبليس، فقد عبد إبليس"1. 
 
فالذين ينطقون بلسان إبليس، سيرمون بأنفسهم وبالمُصغين لهم، إلى التهلكة. ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾2 يقدم قومه يوم القيامة. ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾3 نزلت هذه الآية بحقّ فرعون.
 
إنّ الأشخاص الذين يعملون على إبعاد العالم الإسلاميّ عن الوحدة والإتحاد، في حين أنّنا اليوم بأمسّ الحاجة إلى ذلك، هم يعملون لصالح الشياطين، لصالح الأبالسة. ترون اليوم، كيف أنّ الغرب، وأجهزة الإستعمار، ومديري الشركات النفطيّة والتجاريّة الكبرى في العالم، والشركات المُتحدة (الكارتيلات) والتكتّلات، يصرفون الأموال، ويُعدّون الخطط من أجل مُعاداة الإسلام. يحرقون القرآن، ويُوجّهون الإهانات للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يرسمون الرسوم الكاريكاتوريّة، يؤلّفون الكتب،



1 بحار الأنوار، ج2، ص94.
2 سورة إبراهيم، الآيتان: 28-29.
3 سورة هود، الآية: 98.
 
 
 
 
 
 
 
333

283

في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدوليّة

 ويُثيرون الضغائن العِرقية ضدّ المسلمين في العواصم الأوروبيّة الكبرى ـ أنتم ترون هذه الأمور، فهي واضحة جدّاًـ فما تعنيه هذه الأمور؟ تعني مُعاداة الإسلام.


العودة إلى عناصر القوة
لقد شَهَرَ الأعداء الغربيّون اليوم، السيف في وجه الإسلام. فما هو تكليف المسلمين والحال هذه؟ على المسلمين العودة إلى عناصر القوّة التي يمتلكونها، على المسلمين تنمية عوامل القدرة والإقتدار يوماً بعد يوم. ومن أهمّ عوامل الاقتدار، الإتحاد والتوافق. هذا درس لنا، ودرس للشعوب المسلمة.

هذه الجماعة الحاضرة هنا، وهذه المسابقات التي أقمتموها، هي نموذج مُصغّر لإتحاد المسلمين، فقدِّروا ذلك. يجب تقدير هذا الاجتماع وهذه الحلقة وهذا الأُنس معاً، ويجب تقدير هذا التفاهم القائم. كما ترون، فالجميع عاشقٌ للقرآن، الجميع مُتيّمون بالقرآن، ومُتيّمون بوجود خاتم الأنبياء عليهم السلام، جميعكم هنا من الأشخاص الذّين تحبّون العيش مع القرآن، وتحبّون أن تُحشروا يوم القيامة مع القرآن، وهذا الأمر ليس من أوْجُه الإشتراك الصغيرة، بل من أَوْجُه الإشتراك الكبيرة، وهو أكبر من أيّ وجه خِلاف.

أتمنّى، إن شاء الله، أن نتعلّم من القرآن الكريم، وأن نستفيد من القرآن، وأن نُصغي إلى نصائح القرآن الكريم. وأسأل الله المُتعال أن ينصر الشّعب الإيرانيّ، إن شاء الله، وأن يرفع منزلة شهدائنا الأعزّاء، وأن يحشر روح إمامنا العظيم الطاهرة مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. ولتصبح الأمّة الإسلاميّ إن شاء الله، أكثر إتحادا ً ولُحمة، وأكثر قوّة يوماً بعد يوم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
334

284

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب


المناسبـة: ذكرى مولد الإمام الحسين عليه السلام
الحــضـور: جمع من مختلف شرائح الشعب 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
22/03/1392 هـ.ش.
02/08/1434 هـ.ق.
12/06/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
335

285

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب بكم أيّها الأخوة والأخوات والشّباب الأعزّاء، القادمون من أماكن بعيدة وقريبة، لقد جعلتم هذا العيد، عيداً بكلّ معنى الكلمة. حقيقةً إنّ اجتماع مُحبّي أهل البيت عليهم السلام، حبّي سيّد الشّهداء، وهذه الثغور الباسمة والقلوب المبتهجة، ليجعل العيد عيداً واقعيّاً. وأتمنى للشّعب الإيرانيّ في جميع الأحوال، وعلى مرّ الأزمان، ويوماً بعد يوم، وبالتوسّل بالعناية الإلهيّة والإقبال على أهل البيت عليهم السلام والمعارف الإسلاميّ، نجاحاً، ورفعة وبهجة كبرى، إن شاء الله.

الذكرى العظيمة 
إنّ ذكرى مولد "أبا عبد الله الحسين عليه السلام"، ذكرى عظيمة. وكما قال المرحوم "الحاجّ ميرزا جواد آقاي تبريزيّ ملكيّ"، العالم والفقيه والعارف الكبير، يجب أن نعتبر عظمة الثالث من شعبان ونَعُدّها قبساً من عظمة الحسين بن عليّ عليهما السلام، هو يوم عظيم. لقد ولد في هذا اليوم رجلٌ ارتبط مصير الإسلام به وبحركته، بانتفاضته، بتضحياته وبإخلاصه. لقد قدّم هذا العظيم للتاريخ وللبشرية حركةً لا مثيل لها ولا نظير، حركةً يُحتذى بها ولن تُنسى أبداً. إنّ التضحية لهدف إلهيّ بذلك الحجم وبذلك المقياس العظيم، التضحية بالروح وبأرواح الأعزّاء، بسبي حريم (نساء) أهل البيت عليهم السلام، بتلك الطريقة وبتلك الفظاعة، وتَحَمُّلَ تلك الواقعة القاسية، من أجل بقاء الإسلام ومن أجل أن تبقى مقارعة الظلم كأصل في تاريخ الإسلام والبشريّة، لهو أمرُ منقطع النظير.
 
 
 
 
 
 
 
337

286

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 كربلاء فوق المقارنة

لقد استشهد الكثيرون في سبيل الله، في رَكْبِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في ركب أمير المؤمنين عليه السلام، وفي ركب أنبياء الله. لكن أيّاً منهم لا يُقارن بواقعة كربلاء. هناك فرق بين من يدخل ميدان الحرب وسط التهليل واستحسان الموالين، على أمل الفتح والنصر، ثم يستشهد ويُقتل، وبالطبع له الأجر الكبير، وبين تلك الجماعة في هذا العالم المظلم والظالم، التي دخلت الساح في حين أنّ زعماء ووجهاء عالم الإسلام الكبار آنذاك، قد امتنعوا عن مساندتهم، بل ولامتهم على تلك الخطوة. لم يكن هناك أمل في دعم أيّ شخص من أيّ جهة كان، ويأتي شخص كعبدالله بن عبّاس، وآخر كعبد الله بن جعفر لردعهم. كما امتنع الأصحاب والمخلصون والمحبّون في الكوفة عن مساندتهم. (كانوا) وحدة في وحدة، لا أحد معهم غير قلّة من الأصحاب المخلصين والعائلة، الزوجة، الأخت، أبناء الأخت وأبناء الأخ، الشُبان والرضيع ذو الستة أشهر. إنّها واقعة عجيبة، ومشهد عظيم في التاريخ قد تراءى أمام أنظار البشرية. كان الإمام الحسين عليه السلام، يُعدُّ نفسه لهكذا يوم.
 
بالطبع، فإنّ حياة الحسين بن عليّ عليهما السلام، وعلى مدى خمسين عاماً ونيف من عمره الشريف، كلّها دروس، حياته في مرحلة الطفولة درس، وفي مرحلة الشّباب درس، سلوكه في مرحلة إمامة الإمام الحسن عليه السلام درس، كذا كان سلوكه بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام، ولم تكن أعمال الإمام الحسين عليه السلام، منحصرة في اليوم الأخير فحسب، لكنّ واقعة كربلاء بقدر ما هي عظيمة ومُشعّة، تبقى كالشمس التي يطغى نورها على كلّ الأنوار. وإلّا (وكيف لا) فخطاب الإمام الحسين عليه السلام، للعلماء والأجلّاء والصحابة والتابعين في "منى" - والذي ذُكر في كتب الأحاديث- لهو سندٌ تاريخيٌّ، وإنّ رسالة ذلك العظيم للعلماء والأجلّاء ولكبار وأركان الدين في عصره: "ثمّ أيّتها العصابة، عصابةٌ بالعلم مشهورة"1 - والتي وردت في كتب



1 تحف العقول، ص 237.
 
 
 
 
 
 
 
338

287

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 الأحاديث المُعتبرة - لسندٌ تاريخيّ مهمّ. إنّ سلوك ذلك العظيم كلّه خطوة بخطوة هو دروس، تعامله مع "معاوية"، رسالته لمعاوية، ووجوده إلى جانب الأب أثناء خلافة أمير المؤمنين عليه السلام القصيرة، حياته. لكن تبقى واقعة "عاشوراء" شيئاً آخر.


الاستعداد للدفاع عن الحقّ
اليوم هو ذكرى ولادة هذا العظيم، وعلينا في هذا اليوم أن نتعلّم الدرس من الحسين بن علي عليهما السلام، ودرس الحسين بن علي عليهما السلام للأمّة الإسلاميّ، هو أن نكون على أهبّة الاستعداد دوماً للدفاع عن الحقّ، عن العدل ولإحقاق العدل ومواجهة الظلم، وأن نُقدّم كلَّ ما لدينا في هذه الساح. ليس باستطاعتنا أنا وأنتم فعل ذلك بنفس المستوى والمقياس، لكن يمكننا فعل ذلك في المستويات المتناسبة مع حالتنا، وخُلقيّاتنا وعاداتنا. علينا تَعَلُم ذلك.

اليوم، ولحسن الحظّ فقد تعلم الشّعب الإيرانيّ هذا الدرس من الحسين بن علي عليهما السلام، ومنذ نحو ثلاثين عاماً ونيف والشّعب الإيرانيّ قاطبةً، يسير في هذا الطريق. صحيح أنّ هناك بعض الحالات النادرة والشاذّة في هذه الناحية أو تلك، إلّا أنّ حركة الأمّة الإيرانيّة قاطبةً، هي في اتجاه حركة الحسين بن علي عليهما السلام. كان مصير ذلك العظيم الشهادة، لكن لم يكن درسه لنا درس الشهادة فحسب. فهذه الحركة، مليئة بالبركات، يمكن في بعض الأحيان أن تنتهي حادثة كحادثة الحسين بن علي عليهما السلام بالشهادة، لكنّ هذه الحالة، وهذه الروحيّة لإقامة دين الله، وكلّ ما ترتّب عليها من بركات لأمر مفيد. لقد نزل الشّعب الإيرانيّ بهذه الروحيّة إلى الساح، ودمّر بناء الظلم الوطنيّ والدوليّ في إيران. وأنشأ مكانهما بناءً إسلاميّاً. ليس الأمر دائماً، أنّه من المحتّم على كلّ من سار على طريق الحسين بن علي عليهما السلام، أن يوفّق بالمعنى الظاهريّ والدنيويّ للتوفيق، لا أبداً، لقد وضعوا هذا الطريق، وهذا الدرس أمام أنظار البشريّة وقالوا: إذا أردت الدنيا والعزّة أيضاً، فعليك بالسير في هذا الطريق. لقد اختبر الشّعب الإيرانيّ هذا، ويجب تقدير ذلك. فقد نزل الشّعب
 
 
 
 
 
 
 
339

288

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 الإيرانيّ الحسينيّ والعاشورائيّ إلى الميدان، وانتصر في ثورة عظيمة، ربّما أمكن القول بأن لا نظير لها على مدى العقود الماثلة أمامنا، أو على الأقلّ نادرة الحدوث. لقد أعتمد الشّعب الإيرانيّ هذا الأسلوب، واستطاع التقدُّم به يوماً بعد يوم. بالطبع فإنّ الأعداء بوسائلهم الدعائيّة وأبواقهم، غير مستعدّين للاعتراف صراحةً بتقدُّم الشّعب الإيرانيّ، لكنّ شعوب العالم ليست عمياء، وهم يرون. فأين إيران زمن الطاغوت، من إيران الجمهوريّة الإسلاميّ اليوم؟ وإيران عام 1978 من إيران عام 2013؟ سواء في العلم، أو في السياسة، في الأمن، في تحكّمها بحوادث المنطقة، في تأثيرها في أحداث العالم، في أملها واعتمادها على النفس، في سلوك طريق العزّ والسعادة. شتّان ما اليوم والبارحة. يسير الشّعب الإيرانيّ بتوثّب إلى الأمام. وسيستمرّ على هذا المنوال يوماً بعد يوم، إن شاء الله. وأقول لكم إنّ جميع القرائن تدلّ على ذلك.

 
دعاء كميل والمناجاة الشعبانيّة
حسنٌ، هذا فصل، وإلى جانب هذا الفصل، سأقول لكم، إنّه وبغضّ النظر عن الثالث من شعبان، فقد دخلنا شهر شعبان، شهر العبادة، شهر التوسّل، شهر المناجاة وشهر: "واسمع دُعائي إذا دعوتك، واسمع ندائي إذا ناديتك"1. فصل مناجاة الله المتعال، فصل وَصْلِ هذه القلوب الطاهرة بمعدن العظمة، معدنِ النور، ويجب معرفة قدر ذلك. فالمناجاة الشعبانيّة تُحفةً وُضعت في تصرّفنا. حسنٌ، لدينا العديد من الأدعية، المليئة بالمضامين السامية، لكنّ بعضها أكثر تمايزاً. لقد سألت الإمام العظيم رضوان الله عليه وقلت له، أيّ دعاء من بين كلّ الأدعية التي وصلت إلينا عن الأئمّة عليهم السلام، أحببته وتعلّقت به أكثر؟ فأجاب دعاء "كميل" و"المناجاة الشعبانيّة"، بهذين الدعائين. كان الإمام مُقبلاً على الله، كان أهل التوسّل، أهل التضرّع، أهل الخشوع، أهل الاتصال بمنشأ الخِلقة. وكان هذان 



1 مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية.
 
 
 
 
 
 
 
340

289

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 الدعاءان بنظره هما الوسيلة الأمثل: "دعاء كميل والمناجاة الشعبانيّة". عندما يعود الإنسان لهذين الدعاءَيْن ويدقّق فيهما، يجد كمْ هما متشابهان، متشابهان إلى حدّ كبير، مناجاة إنسانٍ خاشع، مناجاة إنسان متوكّلٍ على الله، "كأنّي بنفسي واقفة بين يديك، وقد أظلّها حسنُ توكّلي عليك، فقلتُ ما أنت أهله، وتغمّدتني بعفوك"1. الأمل، أملٌ بالمغفرة الإلهيّة، بالرحمة الإلهيّة، بالتوجّه الإلهيّ، بالهمّة العالية في الطلب من الله، "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك"2. هكذا هو شهر شعبان، حيث تستغلّ القلوب الطاهرة، القلوب النورانيّة وقلوب الشّباب هذه الفرصة، وتستفيد منها لتقوية علاقتها بالله.

 
الغفلة عن الحسابات المعنويّة
إنّ للإقبال على الله والاتصال بالله دوراً كبيراً وأساسيّاً في طريق العظمة والعزّة الممدودة أمام الشّعب الإيرانيّ. بعضهم غافلون، ويعمدون إلى الحسابات الماديّة المحضة، ولا مكان للحسابات المعنويّة والمدد الإلهيّ والتوكّل على الله وحسن الظنّ بالوعد الإلهيّ في حساباتهم وكأنّه لا طريق آخر.
 
يقوم العالم المُستكبر أيضاً بهكذا حسابات، يقومون بذلك أفضل منكم، فلماذا يتقهقرون يوماً بعد يوم؟ لِمَ يبتلون بكلّ هذه المشاكل؟ لِمَ يصبحون مجبرين على الظلم؟ لِمَ يُجبرون على تجيّش الجيوش، إلى أفغانستان، إلى العراق، إلى باكستان، لقتل الأبرياء؟ "وإنّما يحتاج إلى الظلم ضعيف"3. الضُعفاء فقط من يحتاجون إلى الظلم، الضُعفاء يظلمون لأنّ أيديهم تعوّدت على السلاح، ويستخدمونه دون مهابة، يستخدمونه بظلم، بتعدٍّ وصَلَفٍ. حسنٌ، هذا تراجعٌ بحدِّ ذاته، تراجع في المعايير المعنويّة وأيضاً في الحسابات الماديّة. المشاكل تطوّق الحضارة الغربيّة يوماً بعد يوم، ولسوف تُقعِدُهم، والسبب في ذلك هو قطع التواصل مع



1 المصدر نفسه.
2 م. ن.
3 الصحيفة السجادية، الدعاء "48".
 
 
 
 
 
 
 
341

290

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 منشأ الوجود، قطع التواصل مع معدن النور والعظمة. "فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قُدسك"1. هذا هو المطلوب. والأرضيّة مهيّأة اليوم للشّعب الإيرانيّ.

 
أنظار العالم مشدودة
من هنا سأدخل إلى مسألة الانتخابات. قلنا "ملحمة سياسيّة"، لقد بدأت هذه "الملحمة السياسيّة" اليوم. بالطبع فإنّ يوم الجمعة هو ذروة هذه "الملحمة". لكن، وبحمد الله يرى الإنسان بأنّ "الملحمة السياسيّة" قد بدأت اليوم في البلاد. ولانتخابات هذا العام لون ورائحة أخرى. فأنظار العالم بأجمعه مشدودة إلى هذه الإنتخابات، أنظار أعداء الشّعب الإيرانيّ مشدودة إلى هذه الانتخابات، كما أنظار الأصدقاء. يريدون أن يعرفوا ماذا سيفعل الشّعب الإيرانيّ؟ لقد أنفق الأعداء الأموال، وتكبّدوا العناء، ووضعوا السياسات، وشكّلوا غُرف الفكر بحسب تعبيرهم، من أجل أن يجدوا طريقة لفصل الشعب عن النظام الإسلاميّ. وسيَثبت الشّعب الإيرانيّ من خلال حضوره أمام صناديق الاقتراع، والمشاركة في التصويت، على الارتباط والتواصل المستحكم مع النظام الإسلاميّ. هذا ماثل أمام أنظار الناس. سيُحقّق الشّعب الإيرانيّ بهذا الحماس والشوق الذي يُشاهدُ اليوم، وبحمد الله هو حماسٌ وشوق مبارك، وبالتوكّل على الله، والتوكّل على الخالق، وبهمّة الشعب العزيز، ستتحقّق هذه "الملحمة" بالمعنى الواقعيّ للكلمة. إنّه عرض للقدرة، سواء للشّعب الإيرانيّ أو لنظام الجمهوريّة الإسلاميّ، أمام أنظار الأعداء. لقد بذلوا الجهود في سبيل فصل الشعب، وجعله غير مبالٍ، وجعله يُسيء الظنّ بالانتخابات وبالجهاز المنظّم للانتخابات، لكنّهم فشلوا حتّى الآن وسيفشلون فيما بعد إن شاء الله. هذه تجربة مهمّة وعظيمة للشّعب الإيرانيّ. إنّما تأكيدي على أكبر مشاركة للشّعب الإيرانيّ، هو لأنّني أرى وأعلم بأنّ المشاركة الواسعة للناس، والحضور الحماسيّ 



1 فتنة انتخابات 2009, مجموعة الاحداث السياسية والامنية التي حصلت آنذاك وادعاء التزوير في الانتخابات.
 
 
 
 
 
 
 
342

291

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 والمتفائل والمقتدر للناس، سيؤدّيان إلى يأس الأعداء، وعندما ييأس العدوّ، ستفشل مخطّطاته. وإن وجدتم في بعض الأحيان بأن العدوّ قد تمكّن من التعرُّض أو التعدّي في مختلف المجالات، ومن مختلف الجوانب، فلأنّ هناك من يُعطيه الضوء الأخضر ويُؤمّله. بعضهم يُؤمِّلُ العدوّ من خلال تمظهره وسلوكه. وعندما يَأْمَلُ العدوّ، يزيد من ضغوطه. لكن عندما ييأس، سيرى بأن لا فائدة من الضغط ويسلك سبيلاً آخر. إن صَون البلاد مرتبط بمشاركة الناس، ومرتبط بالاتحاد والانسجام بين الناس والنظام وأجهزة الجمهوريّة الإسلاميّ، ومرتبط بحس الثقة المتبادلة بين الناس والمسؤولين. ويجب تقوية هذا الحسّ يوماً بعد يوم.

 
النزوع إلى القانون
تجري الإنتخابات، بحمد الله، بشكل جيّد إلى اليوم. ومن النقاط البارزة والإيجابيّة التي يشاهدها الإنسان، من خلال الأخبار التي نملكها والمعلومات البيّنة الموجودة، أنّ خطاب الناس في هذه الإنتخابات يَنْزعُ نحو القانون، فإلى أيّ شخص يتحدّثون، أو يجرون معه المقابلات، يتحدّث الجميع عن تبعيّة القانون، هذا أمرٌ قيّم وبارز، النزوع إلى القانون. لقد عانى الناس من عدم إتباع القانون، عانوا من ذلك عام1 2009 عندما لم يتّبعوا القانون، عندما داسوا على القانون ركلوا (لطموا) البلاد. من المظاهر البارزة هذه الأيام، أن نظرة الناس ونزعتهم، نزعة قانونية. لحسن الحظّ، فإنّ المسؤولين والمرشّحين المحترمين قد راعوا المسائل القانونيّة إلى اليوم. والنقطة المهمّة الأخرى، أنّ الحركة التي قامت بها مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، من خلال استضافتها للمرشّحين مع اختلاف توجّهاتهم، ثمانية مرشحين بثمانية توجّهات وثماني رؤى مختلفة لقضايا البلاد المختلفة، فجلسوا وتحدّثوا إلى الجمهور. فقد شعر أولئك الذين كانوا يصرخون لسنوات بانعدام الحريّة في البلاد، بالخجل اليوم.



1 مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية.
 
 
 
 
 
 
343

292

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 فالعمل الذي قامت بها مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، بأنّها وضعت الناس أمام مُجريات أفكار المرشّحين وآرائهم ونظراتهم، برأيي عمل مفيد وقيّم جدّاً. والذين كانوا يصرخون لسنوات ويقولون: لا يسمحون لنا، ولا يعطوننا المنابر، تفضّلوا، هذا المنبر وهذا الكلام، وليس لتوجّهٍ خاصٍّ، بل لثمانية توجّهات مختلفة، لقد كانوا ثمانية أشخاص في ذلك اليوم، وتحدّثوا بثمانية أساليب مختلفة حول قضايا البلاد، تحليلات مختلفة، آراء مختلفة، وآراء الأشخاص محترمة. بالطبع لديّ بعض الملاحظات حول بعض القضايا التي تناولها السادة، لكن ليس هذا أوانها، وإن شاء الله سأبيّن الحقائق للشّعب الإيرانيّ إن بقيت حيّاً بعد الإنتخابات، فلديّ كلامٌ ليُقال حول بعض المواضيع التي طرحها السادة، لكن هذا كان جيّداً، وقد أفرحنا كثيراً. فقد خجل أعداء الجمهوريّة الإسلاميّ، والذين يكيلون الاتهامات للجمهورية الإسلاميّ. لقد رأوا كيف أنّ المرشّحين يتقدّمون بكلّ يُسر وحريّة، فيتحدثون ويهاجمون أحدهم ويدافعون عن آخر، يندّدون بسياسة ما، ويؤكّدون تيّاراً ما. لقد حضرت التيّارات الفكريّة والسياسيّة بشكل كامل في هذه المناظرات. هذه إحدى نقاط القوى في انتخابات هذا العام. وقد شعر الناس بالحماس تجاهها، من دون التعرُّض لأحد. كانت انتخابات عام 2009 حماسيّة أيضاً، لكن ترافقت مع الشتائم والفضائح. ففي مدينة طهران، وبشكل أخفّ منه في المدن الأخرى، كان الناس يجولون في الشوارع، فريق مع هذا وفريق مع ذاك، يردّد هذا الفريق الشعارات المُعادية لذاك، وذاك الفريق لهذا، يتكلّمون ويهاجمون بعضهم بعضاً.وكان يظهر وسط هذا الهرج، قليلو الأدب، فيكيلون الشتائم. لكنّ الأمر مُختلف في هذه الإنتخابات، فالحماس والهيجان موجودان، الأحاسيس موجودة، لكن لا وجود لقلة الأدب وعدم الاحترام. وهذا أمرٌ قيّم جدّاً. لقد تقدّمنا إلى هذا المستوى خلال أربع سنوات فقط، ونشكر الله على هذا التقدّم وعلى جميع الأمور الأخرى الكثيرة التي تقدّمت فيها البلاد خلال تلك السنوات.

 

 

 

 

344


293

في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

 الحضور إلى صناديق الإقتراع 

وصيّتي الأولى والأهمّ، هي الحضور إلى صناديق الإقتراع، هذا أهمّ من أيّ شيء آخر للبلاد. ربّما رأى بعضهم، ولأيّ سبب كان، أنّهم لا يريدون دعم نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، لكنّهم يريدون دعم بلادهم، عليهم الحضور أيضاً إلى صناديق الإقتراع، على الجميع الحضور وإثبات وجودهم، فأيّ شخص يتمّ انتخابه، وهذا تقدير إلهيّ لا علم لنا به، فإن حاز على أكثريّة الأصوات، وفي حال كان لديه رأي سديد وجيّد، فسيتمكّن من الدفاع بشكل أفضل عن هذا الرأي، وسيتمكّن من الوقوف في وجه مخالفي هذا البلد. لبلدنا أعداء ومخالفون. وعلى الصعيد الدوليّ، فعدوّنا العالميّ ليس من النوع الّذي يمكن مواجهته بالإحراج والمجاملة، ولا تجري السياسات العالميّة على هذا النحو، فلا نقول على سبيل المثال، لنحرج الطرف المقابل فيخجل ويتراجع، لا أبداً، فكلّما أظهرتم ضعفاً تقدّم هو عليكم، وكلّما تراجعتم، تجرّأ عليكم أكثر. لقد خبَرْنا هذا، فقد تراجعنا في مكان ما، فأصبح عدوّنا أكثر جرأة، لقد طرح شيئاً ما، وقبلنا به نحن في سبيل المصلحة، فرأيناه يدوسُ على ما اتفقنا عليه ويتقدّم علينا، هكذا هو العدوّ. علينا اختيار الطريق الأنسب في مواجهة العدوّ الدوليّ، وذلك بالاعتماد على الإرادة القويّة، الشعور بالعزّة، والاعتماد على هذا الشعب، بالتوكّل على الله العظيم وحسن الظنّ بالوعد الإلهيّ، وأن نتقدّم بنظرة صائبة، عاقلة ومُدبّرة. عندها سيبارك الله المتعال هذا العمل وتشملنا جميعاً العناية الإلهيّة.

أتمنّى وبفضل الخالق وبفضل اللُّطف الإلهيّ، أن يساعدنا الله في اجتياز هذا الإمتحان القادم، إمتحان يوم الجمعة القادم، إمتحان الإنتخابات، إمتحان الحضور إلى صناديق الإقتراع، وسيُوفَّق الشّعب الإيرانيّ إن شاء الله في هذه الإنتخابات وينتصر، بحول الله وقوّته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
345

294

المشاركة الملحميّة للشّعب الإيرانيّ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة

 بيانه دام ظلّه بمناسبة المشاركة الملحميّة للشّعب الإيرانيّ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة


المناسبـة: انتخابات رئاسة الجمهوريّة
الزمـــان:
25/03/1392 هـ.ش.
05/08/1434 هـ.ق.
15/06/2013 م.
 
 
 
 
 
 
347

295

المشاركة الملحميّة للشّعب الإيرانيّ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة

 بسم الله الرحمن الرحيم



أيّها الشّعب الإيرانيّ العزيز...
كان المشهد الملحميّ والحماسيّ للانتخابات في يوم الجمعة 24 خرداد 1392 (14/06/2013) اختباراً مذهلاً آخر، عرض على أنظار الأصدقاء والأعداء الوجه المصمِّم والمفعم بالأمل لإيران الإسلاميّ. إنّ الرشد السياسيّ المتنامي والإصرار على حاكميّة الشعب الدينيّة الصادقة حقيقة ساطعة جرى إثباتها عمليّاً مرة أخرى بمشاركتكم المكثّفة عند صناديق الاقتراع، والتي أبطلت ما ينسجه الأعداء والحسّاد والطامعون من سحر وتخرّصات. 

استعرضت ملحمة مشاركتكم الوشائج المتينة لإيران والإيرانيّين بالنظام الإسلاميّ أمام كلّ الخصوم وذوي النوايا السيّئة الذين قصدوا بألف حيلة سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة فصم أو حلحلة هذه الثقة والأواصر المقدّسة. 

لقد صوّر الإيرانيّ المؤمن الغيور في انتخابات يوم أمس، وبكلّ جمال ومهارة، طاقاته الهائلة في مواجهته الرصينة العقلانيّة للحرب النفسيّة التي يشنّها لاعبو الهيمنة والاستكبار، وحمى بذلك بلادَه ومصالحه الوطنيّة ومستقبله المشرق الزاخر بالمساعي الدؤوبة. 

إنّ المنتصر الحقيقيّ في انتخابات الأمس هو الشّعب الإيرانيّ الكبير الذي استطاع بحول الله وقوّته قطع خطوة ثابتة واستعراض جوهره العصيّ على التغلغل ووجهه الطافح بالنشاط والتصميم وفؤاده المفعم بالأمل والإيمان. 

نعفّر جباهنا (ساجدين) شكراً بكلّ خشوع وخضوع أمام ألطاف الله الحكيم 
 
 
 
 
 
 
 
349

296

المشاركة الملحميّة للشّعب الإيرانيّ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة

 العليم ورحمته، وأدعو نفسي وأدعوكم لتذكّر وشكر وتقدير هذه النعمة الكبيرة، وأقدّم التحيّات وآيات الإخلاص لسيّدنا وليّ الله الأعظم (روحي فداه) وأبارك للشعب العزيز ولرئيس الجمهوريّة المنتخب حضرة حجّة الإسلام الحاجّ الشيخ حسن روحانيّ، مُقدِّماً له ولكل أبناء الشعب هذه النقاط:


1- الآن وقد انتهت الملحمة السياسيّة وذروتها في يوم الجمعة الرابع والعشرين من خرداد، بانتصار الشّعب الإيرانيّ ونظام الجمهوريّة الإسلاميّ، يجب أن يترك هياجُ وحُمّى أيّام التنافس وأسابيعه مكانَه للتعاون والصداقة، وينبغي أن يكسب أنصارُ المرشّحين المتنافسين مكانتهم اللائقة في اختبار الصبر والرزانة والحِلم أيضاً. يجب أن لا تدفع أيّة مشاعر، سواء كانت مشاعر الفرح أم اللافرح، أيّ شخص إلى أفعال وأقوال بعيدة عن منزلة التعقّل والوعي. لا تسمحوا للخصوم وذوي النوايا السيّئة أن يجعلوا من مشاعر الشعب أدوات للوصول إلى مقاصدهم القذرة. إنّ الوحدة الوطنيّة والرفق والمداراة هي رصيد أمن البلاد والعامل الذي يحبط أحابيل الأعداء. 

2- إنّ رئيس الجمهوريّة المُنتخَب هو رئيس جمهورية الشعب كلّه. على الجميع مساعدته وزملاءه في الحكومة لأجل تحقيق الأهداف والطموحات الكبرى التي يتعهّدون ويتحمّلون المسؤوليّة لتحقيقها، ويتعاونون معهم لأجل ذلك تعاوناً أخويّاً ووديّاً.

3- الآن وبعد أسابيع من الأقوال والاستماع حان دور العمل والأفعال. أمام رئيس الجمهوريّة المنتخب إلى يوم تولّي المسؤوليّة رسميّاً فرصة قيّمة، من المناسب أن ينتهزها إلى أقصى حدّ، ويبدأ دون تأخير بالأعمال التي يستلزمها الشروع بتولّي مسؤوليّة رئاسة الجمهوريّة الخطيرة. 

4- لم يكن تحقيق ملحمة الانتخابات ممكناً لولا مشاركة وتنافس ومساعي سائر المرشّحين لرئاسة الجمهوريّة. أرى لزاماً عليّ أن أتقدّم بالشكر من الصميم لكلّ الشخصيّات المحترمة التي نزلت إلى هذه الساحة وأوجدت بمساعيها 
 
 
 
 
 
 
 
 
350

297

المشاركة الملحميّة للشّعب الإيرانيّ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة

 الدؤوبة مشهداً تنافسيّاً حماسيّاً، وأدعوهم إلى مواصلة ممارسة أدوارهم في ميادين الثورة والنظام الإسلاميّ المختلفة. 


5- كما أرى لزاماً عليّ أن أتقدّم بالشكر الصميميّ لكلّ أبناء الشعب الذين خلقوا هذه المرّة أيضاً حدثاً خالداً، وخصوصاً السادة مراجع الدين العظام والعلماء الأعلام والنخب الجامعيّة والسياسيّة والثقافيّة الذين كان لهم دور قيّم في الترغيب في المشاركة، وأشكر أيضاً المسؤولين والعاملين على إقامة انتخابات رئاسة الجمهوريّة والمجالس البلديّة وأخصّ بالذكر وزارة الداخليّة ومجلس صيانة الدستور المحترمين الذين تحمّلوا بكل صبر الجهود المضنية لهذه الأسابيع المكتظة بالعمل، وأوصلوا هذه الأعباء الثقيلة إلى محلّها بمنتهى الأمانة، وكذلك العاملين على حماية وأمن هذه الظاهرة الحساسة في بلادٍ بهذه السعة إلى أقصى أرجائها الذين بذلوا جهوداً مضنية، وكذلك كلّ الأجهزة المتعاونة معهم، وأسأل لله لهم الأجر الوافر. 

6- أرى من اللازم أن أتقدّم بالشكر الخاصّ لوسيلة الإعلام الوطنيّة (مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون) والعاملين المحترمين فيها، الذين جعلوا حماس الانتخابات رهن جهودهم الفنيّة الإبداعيّة، وكانوا رواة صادقين صريحين للميول والأفكار والأهداف التي طرحها مرشّحو رئاسة الجمهوريّة، وعرضوا أمام أنظار العالم بكلّ جلاء كيفيّة تداول السلطة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، أشكرهم شكراً بالغاً وأسأل الله لهم الأجر والتوفيق. 

وفي الختام أحمد مرّة أخرى بخشوع وابتهال النعم الإلهيّة الكبرى، وأحيّي ذكرى الإمام الخميني الجليل والشهداء والمضحّين الأجلّاء، وأتمنّى لهذا البلد والشعب أفضل مستقبل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
351

298

في العاملين في القوّة القضائيّة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في العاملين في القوّة القضائيّة


المناسبـة: يوم السلطة القضائية
الحــضـور: مسؤولو السلطة القضائية 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
05/04/1392 هـ.ش.
16/08/1434 هـ.ق.
26/06/2013 م.
 
 
 
 
 
353

299

في العاملين في القوّة القضائيّة

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
أرحّب بكم وأبارك لكم أيّها الإخوة والأخوات، وأتمنّى على الله المتعال ببركة هذا الشهر الفضيل والمولود العظيم الشأن في هذه الأيّام، حضرة بقيّة الله الأعظم(أرواحنا فداه)، أن يشملكم وجميع الشّعب الإيرانيّ بفضله ورحمته وهدايته.
 
مناسبة "7 تير"
إنّ مناسبة "7 تير"1 (28 حزيران)، لهي مناسبة بارزة ومهّمة، والتي تتزامن مع تكريم السلطة القضائيّة، وعرض جهودها وأعمالها على العموم، وهو عمل صائب ومناسب، لكنّ حادثة "7 تير"، مرتبطة بمصير الثورة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّ، وهي حادثة مصيريّة للجمهوريّة الإسلاميّ. صحيح أنّ شهداء هذه الحادثة هم من أهم وأبرز عناصر نظام الجمهوريّة الإسلاميّ والثورة الإسلاميّ، وأنّ ذكراهم لن تُمحى أبداً، على الخصوص الشخصيّة البارزة والنورانيّة للمرحوم آية الله بهشتي رضوان الله عليه2، وغيره من الشهداء، لكن مع كلّ هذا، تبقى أهميّة حادثة "7 تير"، في أنّها كشفت وجه النّفاق في البلاد، وكُشفت من خلفهم وجوه الاستكبار، وتمَّ افتضاح وجوه الأعداء لنظام حديث التأسيس، وهذا ليس بالأمر الهيّن. فقد



1 حادثة 7 تير 28 حزيران 1981م-, تفجير مقر حزب "جمهوري اسلامي" في طهران واستشهاد رئيس المحكمة العليا في البلادآية الله بهشتي- و72 من ممثلي الشعب وكبار كوادر الثورة والوزراء. قام بهذا العمل الاجرامي منظمة منافقي خلق المعارضة للنظام والمدعومة من الأنظمة والمخابرات الأجنبية.
2 آية الله محمد حسين بهشتي1928-, أول رئيس للمحكمة العليا بعد انتصار الثورة, سياسي وفقيه, أمين عام الحزب الجمهوري الإسلاميّ, خريج الحوزة العلمية في قم و تلميذ الإمام الخميني والعلامة الطباطبائي.
 
 
 
 
 
 
 
355

300

في العاملين في القوّة القضائيّة

 فضح المنافقون الذين ادّعوا الولاء لله وللرّسول والإسلام ونهج البلاغة، أنفسهم في هذه الحادثة. وأظهروا مدى معارضتهم وعدائهم لأركان النّظام الإسلاميّ، للوجوه المسؤولة، والشخصيّات البارزة، والعلماء الكبار، والخدّام الصادقين والأكفاء. لقد افتُضح أمرهم. لولا بعض الحوادث كحادثة "7 تير"، وخسارة تلك الثروة الوطنيّة، فباليقين أنّ الشّعب الإيرانيّ العزيز لم يكن ليقدر على كشف وجه المنافقين بهذا الوضوح، وكانوا (أي المنافقون) أقدر على النّفوذ والتغلغل، ﴿ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ﴾1 ولاستطاعوا أن يسوِّغوا وجودهم. لقد كشفت هذه الحادثة خبث المنافقين. لقد كان أعداء الإسلام، أي الاستكبار والصهيونيّة يقدّمون لهم الدّعم، لذا فقد افتُضح أمرهم أيضاً.

 
أثر دماء المظلومين
صحيح أنّ هذه الحادثة سلبتنا الثروات، لكنّ هذه الشهادة، وهذه الدّماء التي أريقت بغير حقّ، جلبت معها مكتسبات عظمية للشّعب الإيرانيّ، مثل أيّ شهادة أخرى، هكذا هي الشهادة. إن للقتل في سبيل الله، ولإراقة دماء المظلومين في سبيل الله، أثرَه الجبريّ والطبيعيّ الذي يقدّم مع تلك المكتسبات إلى الأمّة الإسلاميّ، وإلى الشعوب الإسلاميّ، وإلى التاريخ الإسلاميّ. لن ننسى ذكرى هذه الحادثة. إنّ قيمة التضحيات في ذلك الجمع الذي انعقد في سبيل الله، وتعرّض لذلك الهجوم الظالم والوحشيّ، سيبقى محفوظاً عند الله المتعال وعند الشّعب الإيرانيّ.
 
هدفا القضاء الرئيسيّان
ولديّ بعض الكلام لأقوله بخصوص السّلطة القضائيّة، أوّلاً أشكر رئيس القضاء، لقد كانت كلمته اليوم وافية ومفيدة جدّاً، وواضحة أيضاً. وكان خلف تلك الكلمة إنجازات وجهود قيّمة، تستحقّ بالفعل أن نشكره ونشكر المسؤولين الرفيعي 



1 سورة التوبة، الآية: 47. لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة..-


 
 
 
 
 
356

301

في العاملين في القوّة القضائيّة

 المستوى في القضاء، وشكر جميع الموظّفين والقضاة المحترمين، والموظّفين القضائيّين وغير القضائيّين في هذا السلك، عليها. فما أُنجز كان قيّما جدّاً، في سبيل تفعيل السلطة القضائيّة. ما أريد قوله، أنّه يجب أن يكون للقضاء هدفان رئيسيّان، ويجب أن تكون جميع الأعمال في سبيل تحقيق هذين الهدفين، فإذا ما تحقّق هذان الهدفان فإنّ فائدته ستعمّ المجتمع الإسلاميّ. وهذان الهدفان هما: سلامة السلطة القضائيّة، والثاني فعاليّة السلطة القضائيّة.


سلامة السلطة القضائيّة وفعّاليتها
إذاً يجب أن تنصبّ جميع الجهود في سبيل تفعيل السلطة القضائيّة وسلامتها بشكل كامل. وإذا ما تحقّق هذا الأمر، فسيجني النّاس ثمارها. وما هي الثمار؟ هي الشعّور بالرضا، والشعور بالأمان وهذا ببركة حضور السلطة القضائيّة. وهو أمرٌ لازمٌ لأيّ بلد، ولأيّ مجتمع. كثيراً ما أكّد الإسلام، والنصوص الإسلاميّ، والقرآن الكريم، والرّوايات على مسألة القضاء وإصدار الأحكام في النّزاعات، والسّبب هو أن يشعر المجتمع بالرّضى، وأن يشعر كلّ مظلوم بأنّه قادر على أن يرسو على شاطئ أمان القضاء، والتصدّي للظلم. وهو أمرٌ لازم.

لقد قلت مراراً، وقد أشار رئيس السّلطة المحترم إلى ذلك الآن، وهو أنّه ينبغي الانتباه إلى النتائج، وإلى تطوّر الأعمال. كلّ الأمور التي ذكرناها مطلوبة الآن كما كانت مطلوبة في السّابق. وسنحصل على النتائج المطلوبة عندما تُتابع هذه الأعمال بدقّة، وتُراعى وتُراقب خطوة بخطوة، وإذا تمّ ذلك، فستصبح السّلطة القضائيّة، بإذن الله، كما شاء الإسلام والقرآن لها ولهذه المجموعة الفعّالة في المجتمع أن تكون. 

سدّ الثغرات
بالطبع هناك بعض الثغرات، وصحيح ما تفضّل به أنّه وعلى الرغم من كل هذه الإنجازات وهذه الجهود الإيجابيّة، عن وجود مسافة بين ما يصبو إليه المسؤولون
 
 
 
 
 
357

 


302

في العاملين في القوّة القضائيّة

 في القضاء ومقاصد الإسلام والقوانين الإسلاميّ وبين ما هو موجود على أرض الواقع. قول هذا سهل، لكنّه بالفعل عملٌ شاقّ جدّاً، طيّ هذه السّبل وصون هذه الخصوصيّة خطوة بخطوة لهو أمرٌ شاقّ. لكن يجب طلب العون من الله المتعال. ويجب طيّ هذه المسافة. بالطبع، نحن لا نتوقّع طيّ هذه المسافة خلال سنتين أو خمس سنوات، لكن يجب الاستمرار في ردم الثغرات، هذا ما أردت تبيانه.


على جميع المسؤولين في السّلطة القضائيّة وفي جميع المستويات أن يجنّدوا أنفسهم في سبيل وصول القضاء إلى هاتين الخصّيصتين وأعني بهما خصّيصة السّلامة وخصّيصة الفعّاليّة. وبالطبع، فإنّ الثغرات واضحة بالنسبة إلى السّادة المحترمين وإلى مسؤولي السّلطة القضائية. فالتقارير المقدّمة تظهر بأنّهم على دراية بتلك الثّغرات، كما يشعر الإنسان من خلال المباحثات بأنّ مسؤولي السّلطة القضائية على علم بتلك الثّغرات. تظهر في بعض الأحيان نقاط ننقلها إلى رئيس السّلطة القضائيّة المحترم وإلى بعض المسؤولين في هذه السلطة، ونلفت أنظارهم إليها. على أيّ حال فإنّ الثغرات واضحة. ويجب شحذ الهمم في سبيل ردم تلك الثّغرات. يجب أن لا نيأس وأن نثابر يوماً بعد يوم إلى أن تتفتّح براعم القضاء أكثر فأكثر.

هناك نقطة في هذا الإطار وهي أنّ التقدّم والوصول إلى الأهداف أمرٌ ميسّر إذا ما اتّبعنا البرامج والخطط، وبالتخطيط يمكن تحقيق ذلك. لحسن الحظ، فقد تمّ تصويب الخطّة الثالثة، وتمّ إبلاغها وأصبحت في عهدة السّلطة القضائيّة. وكما قالوا يتمّ تنفيذ هذه المراسيم المختلفة والقوانين، وهذه الخطط. ويجب عدم التغاضي عن أيّ بند من بنودها، وإذا ما تحقّق هذا الأمر، فسيتحسّن وضع القضاء إن شاء الله يوماً بعد يوم.

ملحمة الانتخابات
سأستغلّ هذه الفرصة، لأشكر الشّعب العظيم البصير والواعي على إنجازه
 
 
 
 
 
 
358

303

في العاملين في القوّة القضائيّة

 المهم في هذا المجال، أعني به الانتخابات. لا يمكن إخراج هذه المسألة المهمّة الأساسيّة من دائرة التحليل والتذكير والاهتمام. الحادثة التي ومنذ عام تقريباً، أخذ خصوم الجمهوريّة الإسلاميّ وأعداء الجمهوريّة الإسلاميّ، بالتواطؤ عليها، أنفقوا الأموال، ووضعوا الأفكار، وأطلقوا النداءات وقاموا بالعديد من الأعمال ومارسوا الضغوط من أجل أن تكون هذه الحادثة كما يرغبون، أو أن لا تحدث هذه الانتخابات على الإطلاق، أو أن لا يُقبِل عليها الناس كما يجب، أو أن يهملوها، أو أن يختلقوا الذرائع بعد الانتخابات من أجل أن يتمكّنوا من تحقيق مبتغاهم في البلاد. لقد وضعوا الخطط من أجل كلّ هذا. كلّ هذه ليست أخباراً خافية، وليست معلومات خاصّة وخفيّة، فالكثير منها واضح بيّن. فكلّ من تابع سلوك المعسكر المعادي للجمهوريّة الإسلاميّ، خلال سنة تقريباً، أو سمع به، يدرك أيّ خطط رسموها لنا.


لكنّ ما حدث كان مغايراً بنسبة 180 درجة عمّا كانوا يرغبون به، فهل هذا بالأمر اليسير؟ وهل هي حادثة صغيرة حتى يمرّون عليها مرور الكرام من خلال تحليلاتهم السطحيّة؟ لا أبداً.لقد سطع الشّعب الإيرانيّ، وقام بعمل عظيم يُمدح عليه، ولقد أظهر مهارة في مواجهة خصومة الأعداء الدوليين وحقدهم، فلمَ يُخفون هذا؟ ولمَ لا نكرّر الحديث عنه مراراً؟

كان في الانتخابات عدّة نقاط رئيسة. بالطبع هناك الكثير من النقاط. ولكني سأتطرّق لنقطتين أو ثلاث، الأولى وهي مشاركة الناس، فمنذ مدّة زرعوا الشكّ والتردُّد حول سلامة الانتخابات، وحول المنفّذين والقيّمين والمشرفين عليها، وذلك بهدف بثّ روح التراخي والتردُّد المؤدّي بالتالي إلى عدم مجيء الناس إلى صناديق الاقتراع، ولكنّ الناس قاموا بعكس ما كانوا يرسمون، وبشكل لم تستطع فيه أجهزة الأعداء الدعائيّة إنكاره وغضّ النظر عنه.فقد أعلنت الوسائل الإعلاميّة للأعداء يوم الانتخابات وفي الساعات الأولى لعمليّة الاقتراع بأنّ مشاركة الناس كثيفة وحماسيّة، فقد جاء الجميع منذ الصباح.كانت ظاهرة مهمّة جدّاً. إذاً فالأمر الأوّل مشاركة (حضور) الناس، والذي حمل مغزًى مهمّاً.
 
 
 
 
 
 
359

304

في العاملين في القوّة القضائيّة

 دلالات مشاركة الناس 

إنّ مشاركة الناس كانت تعني أنّهم مهتمون بمصير بلدهم، واثقون بجهاز إجراء الانتخابات، سواء المنفِّذون أو المشرفون، وكلّهم أمل بمسيرة التطوّر في البلاد. هذه الثقة مسألة مهمّة جدّاً، فإنّ ثقة الناس إلى جانب الوعي والبصيرة أمر مهمّ. الأمر اللّافت هنا أنّ شعبنا العزيز يحبّ نظامه، فيأتون ويصوّتون، وحتّى لو وجد من لا يروق له النّظام الإسلاميّّ فإنّه يأتي من أجل بلاده، ومن أجل مصالح بلاده. لا بدّ أنّ مَنْ هُم في هذا الفريق، قد جاءوا وشاركوا في الانتخابات أيضاً. علامَ يدلّ هذا الأمر؟ يدلّ على أنّ من هم معارضون للنظام الإسلاميّّ يثقون به. إنّهم يعلمون بأنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ قادر على حفظ مصالح البلاد والعزّة الوطنيّة والدفاع عنها. ولكنّ مشكلة الدول الأخرى هي أنّها غير قادرة على الدفاع عن شعوبها، وعن مصالحها وعن عزّتها في مواجهة الهجمات العالميّة وفي مواجهة الأطماع الدوليّة، بينما تقف الجمهوريّة الإسلاميّ بمنعةٍ واستحكامٍ كالأسد في وجه الأعداء، وقد صدّق الأشخاص الذين شاركوا في عمليّة الاقتراع ممّن لا يؤمنون بالنظام أنفسهم وأثبتوا أنّ الثقة بنظام الجمهوريّة الإسلاميّ أمرٌ عامّ وعموميّ. وهذه نقطة مهمّة جدّاً.
 
الأمن مُستَتِبٌّ
هناك نقطة أخرى مهمّة في مسألة الانتخابات كان يتمّ التغاضي عنها، وهي أنّ هذه الانتخابات، انتخابات رئاسة الجمهوريّة وانتخابات الشورى1 (المجالس البلديّة)، كانت مترافقة في آن واحد. تترافق انتخابات رئاسة الجمهوريّة في العديد من الدول مع التخاصم والمشاجرة والتنازع والتضارب، وأحيانا مع إراقة الدماء. وانتخابات الشورى في المناطق النائية، أكثر حساسية من هذه الوجهة، من الانتخابات الرئاسيّة. ويمكن حدوث نزاع أو خلاف في القرية الفلانيّة، وفي البلدة الفلانيّة، وبين طائفتين، وفي القرية "الفوقا" و"التحتا"، وبين الجماعات المختلفة 



1 تجري انتخابات الرئاسة والمجالس البلدية في ايران بشك متزامن كل دورة انتخابية مدة 4 سنوات-.



 
 
 
360

305

في العاملين في القوّة القضائيّة

 في القرية الواحدة، أو البلدة الواحدة. لكن لم يقع في هذا الوطن الفسيح والمترامي الأطراف، في عشرات الآلاف من القرى والمدن في كافّة أنحاء البلاد، أيّة حادثة تدلّ على عدم استتباب الأمن فيه. فهل هذا بالأمر اليسير؟ "نعمتان مجهولتان الصحة والأمان"1. الأمن من الأمور الرئيسيّة التي يحتاج إليها أيّ شعب. فإذا وُجد الأمن، حدث التقدّم، وتطوّر العلم، وازدهر الاقتصاد، وتوفّرت إمكانيّة البناء والإعمار. لقد عبّر وجود الأمن وانتشاره عن نفسه في البلاد أثناء هذه الانتخابات. ومهما حاولت أجهزتنا الأمنيّة إظهار هذه الحقيقة من خلال الدعاية، لن تُفلح كما فعلت الانتخابات. فقد أظهرت هذه الانتخابات أنّه وبحمد الله، وبفضل تعاون الناس، وبفضل وعي المسؤولين وفي مختلف أنحاء البلاد، هذه البلاد الفسيحة، بأنّ الأمن هو السائد. وهذه نقطة أخرى.

 
تصرف المرشّحين بنجابة
نقطة أخرى بارزة في هذه الانتخابات بنظري وتستحقّ أن يحمد الإنسانُ اللهَ عليها، هي أنّ المرشّحين كافّة تصرّفوا بعد الانتخابات بنجابة وانصياعٍ للقانون وتفاعلوا مع الواقع، وهذا أمر غاية في الأهميّة. لقد ذهبوا للقاء الرئيس المنتخب بكلّ أخوّة ومحبّة فباركوا له، وعبّروا له عن سرورهم. ويتوجّب عليّ في هذا المقام أن أشكرهم. فسلوكهم هذا يُثلج صدور الناس، ويُشعرهم بالفوز. لكن لو أنّهم أظهروا الغضب، وتصرّفوا بحدّة وساقوا الحجج وافتعلوا الجدال والشجار، ويمكن افتعال الشجار لأيّ سبب كان، لكانوا جعلوا الناس تشعر بالمرارة. وهذا هو سبب شكاوانا وانتقاداتنا وعتابنا لحوادث عام 1388(2009)2. ففي انتخابات رائعة عظيمة، يشعر الناس بالنصر، ثمّ يأتي شخص أو شخصان أو أربعة أشخاص



1 في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية، ج3 ص263.
2 فتنة انتخابات عام 2009 ادعاء التزوير وعدم الالتزام بالقانون من قبل الطرف الخاسر -موسوي وجماعته- مدعوما بكل أطياف المعارضة الداخلية والخارجية وكذلك الأجهزة الاستخبارية الغربية التي حركت وبثت الدعايات وروجت لدعوى التزوير.. بهدف زعزعة النظام والانقلاب عليه من الداخل.. وهذا ما لم يحدث بفضل وعي الشعب وخروجه بالملايين مطفئا نار فتنة كادت تقضي على كل انجازات الثورة والشعب لثلاثين سنة مضت-.

 
 
 
 
 
 
 
361

306

في العاملين في القوّة القضائيّة

 ليسبّبوا المرارة للناس، والحال أنّ هناك طرقاً قانونيّة وإمكانيّة الالتجاء إلى القانون لحلّ النزاع. هذا ما حدث ذلك العام، لقد سبّبوا المرارة للناس وحرموهم حلاوة الانتخابات، ولكن ليس هذا ما حدث في انتخابات هذا العام، فبحمد الله شعر الناس بحلاوة النصر وأقاموا الاحتفالات، يجب التصرّف وفق القانون. لذلك كنّا نصرّ على رعاية القانون، وهذه هي النتيجة، فعندما يراعى القانون، تُثلج قلوب الناس ويفرحون، ويجب أخذ العبرة ممّا حدث. فالناس يدقّقون (يتفرّسون) في مثل هذه الأمور، يراقبون ويتعرّفون على الوجوه السياسيّة، والناس تنشدّ إلى الوجوه التي تتعاطى مع القضايا بنجابة وانصياع للقانون.بينما الأشخاص الذين يُهملون القانون ويتهرّبون منه - بأيّ ذريعة - هؤلاء أيضاً يعرفهم الناس فينفرون منهم، وهذه أيضاً نقطة أساسيّة.


على أيّ حال فإنّ الانتخابات ظاهرة فريدة ومهمّة، وهذا بفضل الله ولطفه الذي هدى قلوب الشعب، ونزلت الحشود الشعبيّة العظيمة إلى الساحة وخلقت هذه الملحمة. لقد تحوّلت الانتخابات إلى ملحمة بحقّ. وحقّق الشعب ما كان يتمنّاه أهل الخير وخلقوا هذه الملحمة السياسيّة.

مساعدة الرئيس المنتخب
والآن على الجميع مساعدة الشخص الّذي اختاره الشعب، الأجهزة المختلفة، وهذا طلبي إليكم، إنّ إدارة البلاد أيّها الإخوة والأخوات لأمرٌ صعب، إذ يمكن الجلوس بعيداً وسَوْق الانتقادات، ولقد ذكرت هذا المثال عدّة مرات: كشخص يجلس على حافّة المسبح وينتقد شخصاً يحاول يريد الغطس في الماء عن منصّة من فوق عدة طبقات، بأنّه قد ثنى قدمه هنا، وأنّ يده لم تكن مستقيمة هناك، فلذلك لم يغطس بالشكل الصحيح. هذا سهل، ولكن إذا أردنا الصعود إلى أعلى والغطس بأنفسنا، فسنجد بأنّنا لا نملك الجرأة لفعل ذلك. إنّ الاعتراض والانتقاد أمر سهل. نحن لا نقول بأن لا ينتقد أحد، أو أن لا يعترض، لمَ لا؟ فالانتقاد والاعتراض البنّاء مهمّ 
 
 
 
 
 
 
362

307

في العاملين في القوّة القضائيّة

 لتطوّر البلاد. لكن يجب الالتفات إلى أنّ الإجراء والتنفيذ صعب. لقد اختار الناس وبحمد الله، رئيساً للجمهورية، وعلى الجميع تقديم العون له. ويجب أن لا نتوسّع كثيراً في توقّعاتنا، وأن لا نستعجل في التعاطي مع الأمور والحكم عليها، إلى أن تُنجز الأمور المهمّة للبلاد إن شاء الله.


لا ينبغي التغاضي عن إنجازات الخصم
قلت قبل الانتخابات بأنّ لديّ ما أقوله حول ما ورد على لسان المرشّحين في المناظرات. فعلاً، لا يتّسع الوقت للتحدّث عنها بالتفصيل. لكن هذا واحد من الأمور التي أردت التحدّث عنها. أجل، هناك نقاط ضعف، لكن يجب الالتفات إلى نقاط القوّة، فللحكومة الحاليّة الكثير من نقاط القوّة. وحتّى لو كان لديها نقاط ضعف، وأيّ منّا ليس لديه نقاط ضعف في عمله؟ علينا أن لا نُغفل نقاط القوّة أيضاً. فقد أُنجزت أعمال مهمّة في البلاد. الخدمات المقدّمة، وأعمال البنى التحتيّة والبناء..يجب أن لا نتغاضى عنها. لقد أُغفلت هذه الأمور في أغلب حملات ومناظرات المرشّحين المحترمين الانتخابيّة وعلى مدى الأسابيع الثلاثة قبل الانتخابات. كم كان من الجيّد لو أنّهم عندما كانوا يطرحون موضوع الأزمة الاقتصاديّة، أزمة الغلاء والتضخُّم، وهذه أمور واقعية، قد تطرّقوا إلى الأعمال التي أُنجزت، وإلى الجهود التي بُذلت. فهذا النوع من التعاطي بعيد عن الإنصاف والعدالة.على الإنسان رؤية الأمور الإيجابية والسلبيّة معاً. من الطبيعيّ أن يتحدّث الإنسان في معرض العموم عن النقاط السلبيّة، ويعدّدها لهم، ولا مشكلة في هذا الأمر، لكن يجب أن لا يكون هذا في المطلق، بل يجب ذكر النقاط الإيجابيّة والنقاط السلبيّة في آن.

أميركا لا تريد حلّا لملفّ النوويّ
ولديّ ما أقوله بخصوص القضيّة النوويّة، وسأتحدّث عن هذا الأمر بشكل مفصّل إذا لزم الأمر. لقد ذكرت في كلمتي بداية هذا العام (السنة الإيرانيّة 1392)،
 
 
 
 
 
 
363

308

في العاملين في القوّة القضائيّة

 بأنّ الجبهة المخالفة لنا منحصرة في عدد من الدول المتغطرسة والطمّاعة، والتي اختارت لنفسها، كذباً ودجلاً اسم "المجتمع الدولي"، وعلى رأسهم أميركا والمحرّض الأساس الصهاينة. مشكلة هؤلاء أنّهم لا يريدون حلّ مسألة الملفّ النوويّ الإيرانيّ. ولولا عنادهم لحُلّ هذا الملفّ بكل سهولة. فقد توصّلنا لاتفاق غير مرّة، ووقّعوا عليه، وقّعت عليه الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة. ووافقت على أنّ الإشكالات (المخالفات أو المشاكل) قد رُفعت، لدينا وثائق بهذا الشأن، ولا يمكن إنكارها، كان يجب إنهاء الأمر، كان يجب إنهاء ملفّ الطاقة الذرّية للبلاد. لكنّ الأمريكيّين كانوا يطرحون إشكاليّة أخرى مباشرة. هم لا يريدون إنهاء الملفّ. لدينا أمثلة كثيرة على هذا الأمر. فحلّ ملفّ الطاقة النوويّة الإيرانيّة، إذا ما اتخذ مجراه الطبيعيّ، أمر سهل ويسير. لكن عندما لا ينوي الجانب المقابل حلّ هذا الأمر، فلن تكون النتيجة غير ما ترون. 


تعاطينا قانونيّ وشفّاف
لذا عليهم الالتفات إلى هذا الأمر، وهو أنّ الجمهوريّة الإسلاميّ قد تعاطت مع هذا الملفّ بشكل قانونيّ وشفّاف، سواء لناحية الاستدلال أو المنطق، لكنّهم ارتأَوْا بأنّ هذا الملفّ مناسب لإعمال الضغوطات على الجمهوريّة الإسلاميّ. ولو لم يتيسّر لهم هذا الأمر لوجدوا قضيّة أخرى يتحجّجون بها بهدف الضغط على بلادنا. فالهدف هو التهديد والضغط وجعلنا نَكِلّ. لقد قالوا هذا بأنفسهم، قالوا بأنّ الهدف تغيّر النظام السياسيّ، وفي بعض كلامهم الخاصّ، أو في بعض رسائلهم الخاصّة، كانوا يقولون لا، لا نريد تغيّر النظام، لكنّ هذا الأمر واضح جليّ في مغزى أحاديثهم وكلماتهم، وفي سلوكهم. فالشعب الّذي لا يكون تحت سلطتهم، ولا يعمل طبقاً لميولهم، وطبقاً لرغباتهم وأذواقهم، هو شعب مغضوب عليه. بينما لا يهمّهم في الدول والحكومات التي تخضع لهم ويرضون عنها، قضايا كالديمقراطيّة، أو حقوق الإنسان، أو الطاقة النوويّة. المشكلة أنّ الجمهوريّة الإسلاميّ تقف على
 
 
 
 
 
 
364

309

في العاملين في القوّة القضائيّة

 قدميها، وتعتمد على قدراتها الخاصّة وتتوكّل على الله المتعال، وتتطوّر في عددٍ من المجالات، وهذا ما لا يعجبهم في الأمر. لكن أظهرت الجمهوريّة الإسلاميّ أنّ المنتصر في هذا المجال والمسير، هو الشّعب الإيرانيّ، وهو من سيوجّه الصفعة للأعداء.


إنّ سبيل نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، هو سبيل إلهيّ وأهدافه أهداف إلهيّة، اتكاله وإرادته إلهيَّان، وهكذا سبيل لن يصل إلى حائط مسدود أبداً. وليطمئنّوا أنّه وبالتوفيق الإلهيّ، لن يكون من مانع في طريقنا بإذن الله. أرجو من الله المتعال الذي طوّر شعب إيران يوماً بعد يوم، أن يستمرّ هذا التطوّر بابتكارات المسؤولين، وبحركة المسؤولين، وبهمّة المسؤولين وتوكُّلهم وأن تشمل الأدعية الزكيّة لحضرة بقيّة الله ( أرواحنا فداه) الشّعب الإيرانيّ وروح إمامنا الطاهرة، وأرواح الشهداء ويرضى عنّا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
365

310

في محفل الأنس بالقرآن

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في محفل الأنس بالقرآن



المناسبـة: أوّل شهر رمضان المبارك لعام 1434 هـ ق.
الحــضـور: حشد من القرّاء والمدرّسين من مختلف دول العالم 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
19/04/1392 هـ.ش.
01/09/1434 هـ.ق.
10/07/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
367

311

في محفل الأنس بالقرآن

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الشكر الجزيل للإخوة الأعزّاء، القرّاء والتالين والذّاكرين الأعزّاء الذين عطّروا لقاءنا هذا اليوم ونوّروه بكلمات القرآن الشريفة والآيات والذكر الإلهيّ وذكر ومدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام. لقد كان لقاؤنا اليوم ممتازاً ومن أوّله إلى آخره، كان لقاءً جذّاباً ومفيداً ومليئاً بالفكر والفنّ، وخاصّة بعض فصوله التي كانت حقيقةً مميّزة.

التخلّق بالأخلاق القرآنية 
نشكر الله تعالى أن جعلنا نأنس بالقرآن. إنّ مجتمعنا المسلم في سنوات ما قبل انتصار الثّورة وبالرغم من أنّه كان محبّاً للقرآن وعاشقاً له، لكنّه لم يكن يأنس به. وإنّ هذا من بركات الثّورة حيث إنّ شبابنا من أصحاب الصوت والذوق وفنّ التلاوة والاستعداد والجهوزيّة للتعلّم قد وردوا هذا الميدان بحمد الله وتطوّروا. ولكنّ هذه الأمور كلّها مقدّمة، مقدّمة لفهم القرآن والتخلّق بأخلاقه. هناك قضيّة هي قضيّة الاحترام الظاهريّ وحفظ حرمة القرآن، معاني ألفاظ القرآن والأصوات القرآنيّة، فمثل هذا أمرٌ محترمٌ ومهمٌّ بحدّ ذاته. المسألة الأهمّ هي التخلّق بالأخلاق القرآنيّة، وجعل نمط الحياة متطابقاً مع القرآن.

معيارنا الهداية الإلهية
إنّ من عيوبنا وعيوب مجتمعاتنا على مدى الأزمنة أنّها كانت تتأثّر بالثقافات الأجنبيّة. هناك أشخاصٌ كانوا يرّوجون لهذه الأمور عمداً في مجتمعنا وبلدنا، لقد ساقونا نحو حياة أشخاصٍ قلوبهم وأرواحهم فارغة من نور المعنويّات، في نمط
 
 
 
 
 
 
 
 
369

312

في محفل الأنس بالقرآن

 حياتهم، وكيفيّة لباسهم، ومسلكهم، ونوعيّة معاشراتهم وروابطهم الاجتماعيّة. وإذا اعترض عليهم أحدٌ قالوا: هكذا هي الحياة اليوم. في حين أنّ القرآن يعلّمنا: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾1. إنّ ما يجدر بالإنسان تعلّمه وإن اقتضى الأمر أن يقلّده، عبارة عن طريق الهداية ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾2 حيث نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى طريق أولئك الذين وصلوا إلى النعمة الإلهيّة ونالوها. هؤلاء هم الذين ينبغي أن نتّبعهم. وليس أن أكثر أهل الدنيا يتحدّثون هكذا ويتحرّكون هكذا. علينا أن نجعل عقولنا وديننا والهداية الإلهيّة معياراً للرفض والقبول. الأمّة المؤمنة والمسلمة هي تلك الأمّة التي تتّخذ القرآن الكريم والهداية الإلهيّة معياراً لها، هذا ما يعدّ معياراً.

 
إنّ من الأشياء التي يعلّمنا إياها القرآن والهداية الإلهيّة هي اتّباع حكم العقل الإنسانيّ، وهذا أمرٌ قرآنيّ. أي اتّباع ما يحكم به العقل السليم ويقضي به. وهذا أمرٌ قرآنيٌّ أيضاً وهو أمرٌ دينيّ. هذا معيار. ما علّمنا إيّاه عباد الله المنتجبون والمعصومون عند الله معيار. فهذا هو المعيار. أمّا أن يكون أهل البلدان الغربيّة والنّاس الماديّون وأهل تلك المنطقة من العالم في مسلكهم وأعمالهم وشؤون حياتهم وعلاقاتهم وتأسيس أسرتهم، يعملون هكذا، وعلينا نحن أن نعمل مثلهم! فهذا خطأٌ. 
 
حاكمية القرآن في حياتنا
يجب أن تكون الهداية القرآنيّة حاكمةً في حياتنا. ونحن بحمد الله لدينا القرآن وكلمات أهل البيت عليهم السلام، (إني تاركٌ فيكم الثِقْلين) (بالكسر)، أو (إني تاركٌ فيكم الثَقلين) (بالفتح)، لقد تركنا فيكم أمرين نفيسين. فكلاهما بحمد الله بين أيدينا وعلينا أن نستفيد منهما وأن نشكّل المجتمع على أساسهما. إنّ هذا اللقاء القرآنيّ،



1 سورة الأنعام، الآية: 116.
2 سورة الفاتحة، الآية: 7.
 
 
 
 
 
 
370

313

في محفل الأنس بالقرآن

 تعليم القرآن وتجويد القرآن وحسن تلاوة القرآن بالألحان الجميلة والأصوات العذبة كلّها مقدّمة لأجل هذا، فلا ننظر إليها على أنّها صلب الموضوع، بل هي المقدّمة، وعلينا أن نرد خلالها لنصل إلى الأنس بالقرآن.


التدبّر بالقرآن
بحمد الله إنّ مجتمعنا اليوم يأنس بالقرآن، بالطبع نحن لسنا قانعين بهذا فنحن نؤمن بأنّ على جميع أفراد المجتمع أن يرتبطوا بالقرآن ويتمكّنوا من قراءته وفهمه وتدبّره. إنّ ما يوصلنا إلى الحقائق النورانيّة هو تدبّر القرآن، وحفظ القرآن الذي راج بحمد الله بينكم أيّها الشّباب وبين شباب بلدنا وفي سائر أنحاء البلاد هو مقدّمة جيّدة للتدبّر أي حفظ الآيات القرآنيّة الكريمة وتكرارُها والأنس بها والاعتناء المستمرّ بالآيات الإلهيّة يؤدّي إلى أن يتدبّر المرء القرآن.

نسأل الله تعالى أن يتقدّم بالمجتمع القرآنيّ في هذا البلد يوماً بعد يوم، وأن يزيده توفيقاً ويوفّق أساتذة القرآن الأعزّاء إن شاء الله ليتمكّنوا من تربية المزيد من الشّباب وأن يحيي بلدنا وشعبنا بالقرآن.

اللهمّ! اجعل حياتنا حياةً قرآنيّة ومماتنا مماتاً على طريق القرآن، واحشرنا يوم القيامة مع القرآن.

اللهمّ! أنزل لطفك وفضلك على بلدنا وشعبنا وعلى جميع البلدان المسلمة والشعوب الإسلاميّ.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
371

314

في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مع رئيس الجمهوريّة 

والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة


المناسبـة: حلول شهر رمضان المبارك 
الحــضـور: رئيس الجمهورية وأركان النظام ومسؤولو الدولة 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
23/04/1392 هـ.ش.
05/09/1434 هـ.ق.
14/07/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
373

315

في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

كان اجتماع اليوم مثمراً، حيث قدّم الأصدقاء والمسؤولون المحترمون عرضاً لجانب من جهودهم وأعمالهم موثّقاً بالإحصاءات والأرقام.

حسنٌ، فمن العادة عقد هكذا اجتماع في شهر رمضان من كلّ عام، وهو ليس مخصّصاً لتقديم التقارير، وقد جرت العادة أن نقدّم في هذا الاجتماع النصيحة للأصدقاء، وهي عبارة عن جملة من نهج البلاغة، فنتبارك بكلام أمير المؤمنين عليه السلام.

يجب عرض تلك الأعمال على الملأ 
لكنّني أصررتُ هذا العام ـ وقد اقترحت بنفسي على رئيس الجمهوريّة ـ على أن يلقي الأصدقاء كلمة ويقدّموا تقاريرهم. ذلك أنّها الأيام الأخيرة لهذه الحكومة، وهذه الأيّام مناسبة لتقديم التقارير عن مجمل إنجازات الحكومة، وبالطبع كنموذج وعيّنة فحسب، ونودّ كثيراً أن تُنقل التصريحات والمواقف التي سمعناها هنا اليوم إلى أسماع المواطنين الأعزّاء، إلى الخواصّ وأهل الفنّ والعارفين، ذلك أنّ الكثير من المواضيع التي تمّ التطرق إليها لا علم للأصدقاء بها. ونجد أنّهم في بعض الأوقات لا يملكون المعلومات الكافية والوافية عنها، وليطّلع عليها عموم أبناء الوطن ويعلموا بها، مع أنّ بعض الأعمال واضحة للعيان، وبالطبع فإنّ المعارضين وغير المطّلعين، كأجهزة الإعلام الأجنبيّة المُغرضة، وحتى بعض من هم في الداخل أحياناً، ينكرون بعض ما هو ماثل وواضح للعيان. أعني أنّ العمل قد أنجز، وهو جليّ 
 
 
 
 
 
 
 
375

316

في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

 للعيان، يراه الجميع ويتحدّث عنه، لكنّهم يرغبون في إنكاره. ولا يهمّنا إن كان لدى بعضهم نظرة تشاؤميّة سوداويّة، عدائيّة وغير منصفة، ففي النهاية يجب عرض تلك الأعمال على الملأ، وأن تُسجّل، وهذا أمر مهمٌّ جدّاً.


ما يتوجّب عليّ قوله للأصدقاء اليوم، في المرتبة الأولى، أقول لهم قوّاكم الله وعافاكم الله. لقد جاهدتم 8 سنوات، سعيتم وأنجزتم أعمالاً جيّدةً، تحمّلتم العناء ليلاً نهاراً، أعني أنّها أعمال ملموسة، وأدرك الجميع أنّ حجم إنجازات رئيس الجمهوريّة المحترم وزملائه كبير جدّاً، وأسرع ممّا شهدناه في الحكومات السابقة. وهذا الأمر مهمّ جدّاً ويجب عدم التغاضي عنه. وعلى كلّ من يريد انتقاد الحكومات، الوزارات ورؤساء الجمهوريّة، سواء فيما بينهم أم على الملأ، وإبداء الرأي أن لا يغفلوا هذه النقاط: كان حجم الإنجازات كبيراً، وجهود لا تعرف الكلل، وإعراض عن الراحة والسكينة وكسب الإمتيازات التي عادة ما يطلبها مسؤولو الدول الأخرى لأنفسهم، كالاستراحة والترويح عن النفس والحصول على الامتيازات، هم لم يُريدوها لأنفسهم، ولم يطلبوها. وهذا امتياز كبير تمتّعت به هذه الدولة (الحكومة) والحمد لله. 
 
 
رفع شعار الثورة
الأمر الآخر في هذه الحكومة والذي لطالما عَنَيته وأشرت إليه عدّة مرّات طوال الثماني سنوات، هو أنّ هذه الحكومة وبحمد الله، استطاعت أن تحمل شعار الثورة وأن تفاخر به، وأن تطرحه في المحافل الدوليّة. من الأعمال البارزة التي تقوم بها الجبهة المعادية للثورات، سواء المعادية لثورتنا أو غيرها من الثورات، هي أنّها تحاول جعل قيم الثورات باهتةً. ولا ينتهي الأمر بهم عند هذا الحد، بل يحاولون في البداية جعلها باهتة، تمهيداً لمحوها تدريجيّاً. وإذا أفسح لهم في المجال، فسوف يحوّلونها إلى مناهضة للقيم. وهذا الأمر مشهود به في أنحاء العالم. لقد شاهدنا هذا في ثورات العالم على مرّ التاريخ وفي الثورات المعاصرة، وفي هذا العمر 
 
.
 
 
 
 
376

317

في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

 الطويل، رأينا وسمعنا وشاهدنا ذلك. فالجبهة المقابلة للثورة والمناهضة لها، لن تنسى شعارات الثورة أبداً. أي أنّهم يعلمون بأنّ الشيء الذي جعل جبهة الثورة تنتصر وتُجبر الجهة المعادية على الاندحار في هذه المواجهة وهذه المنافسة، هو تلك الشعارات بالدرجة الأولى. وكلّما كانت تلك الشعارات مُعبّرة، جذّابة، واقعيّة ومفهومة وملموسة للشعب، كلّما ساعدت على تقدّم الثورة أكثر فأكثر. هم يسعون إلى محو تلك الشعارات تدريجيّاً، وإلى جعلها باهتة.

 
لقد بدأ العدوّ ذلك مع بلدنا وثورتنا، وبالطبع هو لم يوفّق، ونشكر الله لأنّ العدوّ لم يستطع أن يجعل شعارات ثورتنا باهتة لمحوها فينا بعد. وبرأيي فإنّ الفضل الأكبر في ذلك متّصل بفطنة الإمام الخميني العظيم قدس سره. فكلّ ما تركه الإمام العظيم لنا من تصريحات، أقوال وكتابات، هي بيّنات، محكمات، غير متشابهة بحيث لا يصعب فهمها. وكان آخر كلام الإمام تلك الوصيّة الإلهيّة، وكنت دائماً أوصي المسؤولين والذين يضطلعون بمناصب مهمّة في الحكومات المتعاقبة، بأن يعودوا إلى وصيّة الإمام. الوصية التي تحمل زُبدة القيم التي نادى بها الإمام. هذا ما تركه الإمام لنا، تركه حيّاً. لذا فإنّ هذه القيم غير قابلة للتحريف والتغيير، أجل، إنّ التغاضي عنها أمر ميسّر لمن شاء أن يتغاضى عنها.
 
لكنّ هذه الدولة (الحكومة) رفعت هذه الشعارات، أبرزتها وفاخرت بها. لم تخجل منها في المحافل الدوليّة، ولم تخجل من دوافع الثورة، أو من أهداف الثورة وأساليب الثورة. وهذا أمر عظيم. ما قمتم به في سبيل الله فسوف يحفظه لكم في كتاب أعمالكم. وقد حفظه لكم "الكرام الكاتبون". وبلا شكّ سينفعكم في يوم ما. ما قمتم به، سواء أنا وأمثالي رأيناه وعلمنا به وشكرناكم عليه، أم لم نفعل، ﴿فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾1، فإنّ الله يعلمه وهو العليم الشكور. وأرجو من الله المتعال أن يوفّقكم.



1 سورة البقرة، الآية: 158.
 
 
 
 
 
 
 
377

318

في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

 ابقوا في خدمة أهداف الثورة ومعها

وتكليفكم اليوم، أن لا تُخلوا ميدان تقديم الخدمات، فالجهود ليست منحصرة في الوزارة الفلانيّة أو المسؤوليّة الفلانيّة في الدولة، لا، فساح الوطن، ساح للسعي، للعمل، للنشاط. ويمكن القيام بهذا الأمر بطريقتين، في إطار أهداف الثورة، أو خارجها. وأنتم سواء شاركتم في الحكومة القادمة أو الحكومات المستقبليّة أو لم تشاركوا، حاولوا أن تكون الأعمال التي تقومون بها أو المسؤوليّة التي تضطلعون بها، وبالطبع فإنّ أمثالكم، مديرون لائقون أكفَاء، أهلٌ للمسؤوليّة أينما وجدتم، أن تكون في خدمة أهداف الثورة ومع الثورة. أسأل الله أن يوفّيكم أجوركم، وأنا أتوجّه لكم شخصيّاً بالشكر.
 
من وصية أمير المؤمنين عليه السلام
كالعادة التي دأبت عليها، وبالنظر إلى ضيق المجال والوقت، سأقرأ لكم جملة من نهج البلاغة: "واعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، ومَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ"1.
 
هذه من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام للإمام الحسن المجتبى عليه السلام. وفي الحقيقة ينبغي القول بأنّ كلام الوصيّة ينبع من الصميم أكثر من أيّ كلام آخر يمكن أن ينطق به إنسان. ذلك أنّ الإنسان يكون في تلك الحالة منسلخاً عن عالم المادّة، وعادةً ينعدم حضور الأمور الماديّة أو يضعف. لذا فإنّ أكثر الكلام خلوصاً (من صميم القلب) يُقال أثناء الوصيّة، وخاصّة عندما يكون المخاطب أعزّ إنسان على الموصي، ألا وهو الابن، فكيف إذا كان الابن هو الإمام الحسن عليه السلام، الابن الأكبر لأمير المؤمنين عليه السلام. وهو بلا شكّ أحبّ إنسان على قلب ذلك العظيم، ونور عينيه.
 
بالطبع فإنّ أمير المؤمنين قال إنّ هذه الوصية ليست منحصرة بك، بل هي للجميع، لكن المخاطب الرئيسيّ هو الإمام الحسن عليه السلام. لذا فهي زُبدة كلمات أمير



1 نهج البلاغة، ج3، ص 46.
 
 
 
 
 
 
 
378

319

في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

 المؤمنين عليه السلام ومعارفه وفكره. بالطبع فإنّ كلّ كلمةٍ وكلّ جملةٍ من كلام الأمير هي حكمة بحدّ ذاتها. وليس ما يتعلّق بالوصية فحسب، حقيقة نحن لن ندرك كُنه كلمات أمير المؤمنين عليه السلام وعمقها، فأمثالنا غير قادرين على سبر أغوارها. بل نستطيع الإفادة من شيء واحد منها. لكن رأينا أشخاصاً كلّما سمت حكمتهم، علا فكرهم وصار أكثر عمقاً، كلّما استطاعوا أن يستخلصوا من كلمات الأمير معاني أكثر. هكذا هو نهج البلاغة. وقد وردت هذه الوصيّة فيه.

 
يقول عليه السلام: اعلم أنّ أمامك طريق ومسافات شاسعة وأمامك مشاقّ شديدة. وهذه الطريق توصلك إلى يوم الحساب وإلى القيامة، وهي طريق طويلة.
 
"وأَنَّه لَا غِنَى بِكَ فِيه عَنْ حُسْنِ الِارْتِيَادِ": وعليك السير في هذه الطريق بكلّ عزم، "الارتياد" يعني الطلب والسعي مع الإرادة والنيّة. ولا مناص لك من المتابعة بكلّ جدّيّة. يعني أن لا مجال للإنسان للتصرّف اعتباطيّاً (بسطحيّة). أجل، إن غفلنا عنه سنكون اعتباطيّين، لكن هذا ناشئ عن الغفلة. علينا أن نعرف ما حقيقة الأمر، وإلى أين نحن سائرون، وأين يتحقق مصيرنا الأبديّ ويصبح ماثلاً عياناً. إذا أبدينا اهتماماً أكثر، فسوف نأخذه على محمل الجدّ. لذا تلاحظون في دعاء كميل وهو لأمير المؤمنين عليه السلام أيضاً، دعاءه: "وهب لي الجدّ في خشيتك"1. يدعو الله لأن تكون خشيتنا من الخالق خشية جادّة، وليس ظاهرية، أو مجرّد مشاعر سريعة الزوال ناشئة عن مؤثّرات الحياة، أن يشعر الإنسان بالخشية من الخالق بكلّ معنى الكلمة.
 
"وقَدْرِ بَلَاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ": ولا مفرّ لكم من عبور هذا الطريق الطويل والشاقّ والذي هو طريق القيامة. أنتم تعبرون من وسط الدنيا نحو القيامة، ولا مفرّ أمامكم من عبور هذا المعبر الماديّ، مع جميع مستلزمات هذه المادة. ومع جميع الخصائص الطبيعيّة للإنسان في هذا العالم الماديّ. لذا عليكم ومن أجل أن تكون نهاية المطاف سهلة ومطلوبة لكم، "قدر بلاغك من الزاد": أن تقدّر ما



1 مفاتيح الجنان، دعاء كميل.
 
 
 
 
 
 
 
379

320

في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

 يلزمك من الزاد لتصل إلى المنزل، أي أن تقيس أن تعرف مقدار ما يلزمك من العمل للرحلة. هذا القسم الأوّل.


القسم الثاني: "مع خفّة الظهر": خفّف الحِمل عن ظهرك. هذان دليلان وهاديان اتّبعهما أمير المؤمنين عليه السلام. أوّلاً: اعرف ما يلزمك للعبور، ويأتينا الجواب من الأمير: اجتناب المحرّمات والقيام بالواجبات (الفرائض)، يعني أنّ المقدار اللازم، أو بتعبير الأطباء الجرعة اللازمة التي تمكنك من طيّ هذا الطريق. ما هي إلّا هذه الواجبات (الفرائض)، وبقدر ما تقوم بالواجبات، تحصل على الزاد للطريق، وكلّما زدت على هذه الواجبات وداومت عليها، كلّما حصلت على إمكانات أكثر، واستفدت أكثر وربحت أكثر. لكنّنا بحاجة إلى الحدّ الأقلّ من الفرائض الواجبة علينا، في عبورنا هذا الطريق. وكذا المحرّمات. أي أنّ اجتناب المحرّمات هو على الأقلّ في الابتعاد عن الآفات التي يمكن أن تعترض طريقنا. لذا إنّ اجتناب المحرّمات والقيام بالفرائض الواجبة، يؤمّنان لي ولك التحليق اللازم، ولسنا بحاجة لأيّ شيء آخر.

بعضهم يبحث عن بعض الخصائص، يبحث عن شخص، ليأخذ منه ذكراً، وليتعلّم منه رياضة، إن هذه الأمور ليست ضرورية، فالرياضة الشرعيّة مشخّصة ومعروفة. إذا صلّينا صلاتنا بشكل صحيح وفي أوقاتها وأدّينا جميع أركانها مع التوجّه، أو صمنا بشكل صحيح، وقمنا بجميع الفرائض الواجبة والمتوفّرة بين أيدينا، نكون قد أمّنّا ما يلزم للعروج.

أقول لكم. إذا أدّينا هذا المقدار، فستكون هذه الأرضيّة ذاتها لاجتذاب الأنوار الإلهيّة وبمعدل كبير. أي يلزمنا الحد الأدنى (من الواجبات)، وليس قيمتها الوحيدة أن تجعلنا قادرين على عبور هذا الطريق، وإنّما قيمتها الأخرى أن تهيّئ لنا الأرضيّة لجذب المزيد من النور الإلهيّ، والفضل الإلهيّ.

عندما يؤدّي الإنسان الصلاة الواجبة بنحو صحيح سيميل بشكل طبيعيّ نحو القيام بالنوافل. وعندما يتجنّب الإنسان الكذب، الغيبة، البُهتان، الافتراء، الإفساد، 
 
 
 
 
 
 
 
380

321

في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

 أكل السُّحت وخيانة الأمانة، فإنّ قلب الإنسان يصبح جاهزاً لتلقّي الهداية الإلهيّة، والمعرفة الإلهيّة. وسوف تنطلق بنا هذه الوصيّة الأولى. الوصيّة الثانية عندما قال: "مع خفّة الظّهر" خفّف من الأحمال (الأثقال) عن كاهلك. نحن الذين نحمل الأثقال على كاهلنا. 


أرجو من الله أن نتمكّن من حمل هذه الأحمال. وإذا استطعتم حمل هذه الأحمال والوصول بها إلى المنزل، فلهذا أجر عظيم يعني هذه المسؤوليّات الجسام التي تسبّب الكثير من الهواجس للإنسان، لكن من الجهة الأخرى، إذا ما قمنا بهذا الواجب على أكمل وجه، ففيه الكثير من الفضائل.

أتمنى على الله المتعال، أن يوفّقكم ويؤيّدكم في خدمة الإسلام والمسلمين على الدوام. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
381

322

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مسؤولي 

النظام والعاملين فيه


المناسبـة: لقاءات سنوية مع مسؤولي النظام خلال شهر رمضان المبارك 
الحــضـور: أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين في النظام الإسلامي 
الزمـــان:
30/04/1392 هـ.ش.
12/09/1434 هـ.ق.
21/07/2013 م.
 
 
 
 
 
 
383

323

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهدييّن لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

إنّنا شاكرون لله تعالى حيث مدّ بأعمارنا وأعطانا الفرصة لإدراك شهر رمضان آخر. ومن جملة بركات هذا الشهر، هذا المحفل الحميم والعموميّ حيث يجتمع مسؤولو الدّولة والعاملون الأساسيّون في النّظام في هذا المكان، فهو محفل اللقاء والأنس بالأعزّاء والمسؤولين فيما بينهم وهو محلّ الاستماع إلى المطالب التي بمشيئة الله يكون تداولها مفيداً للبلد وللشعب وللجوّ العامّ في المجتمع. 

نشكر الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين شرّفوا لإقامة هذا الاجتماع، كما نشكر جناب السيّد رئيس الجمهوريّة لعرضه هذا التقرير المفصّل. ونسأل الله تعالى التوفيق والأجر لكلّ المسؤولين، ولكم جميعاً ولكلّ أولئك الذين يعملون في جميع أنحاء البلد في القطاعات المختلفة، على صعيد إنجاز الخدمات، وإن شاء الله سوف تُعرض أتعابكم وخدماتكم - أينما كنتم - في ميزان العدل الإلهيّ، وتكون محلاًّ للثواب الإلهيّ.

النصر تفضّلٌ إلهيّ
فكرتي الأساسيّة، أنا العبد، في هذا الاجتماع أنّه بعد كلّ نصرٍ ينزله الله تعالى على هذا الإنسان، فإنّ هذا الإنسان يصبح مكلّفاً بشكر الله تعالى. فبعد أن وفّقنا الله تعالى
 
 
 
 
 
 
 
385

324

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 في ميدانٍ من الميادين فإنّنا نصبح مسؤولين بزيادة التضرّع والتوسّل، وتوجّهنا هذا هو تكليفنا. قال تعالى: ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾1، النصر هو تفضّلٌ إلهيّ وينبغي أن يقربنا من الله تعالى وأن يحيي ارتباطنا بالله ويزيد من تضرّعنا على أعتابه، ونشكر الله، وبحمد الله فإنّ أنواع النّصر الإلهيّ المتلاحقة شملت حال هذا الشّعب وكان آخرها - وهو انتصارٌ كبير أيضاً - قضيّة الانتخابات ومشاركة الشعب. فشعب إيران عموماً ومسؤولوا الدولة خصوصاً كان لهم يد في هذه الملحمة السياسيّة وشملهم هذا اللطف الإلهيّ والنصر الربّانيّ. وحيث شملنا نصر الله واستطعنا تحقيق هذه الملحمة الكبرى - حيث ستظهر آثارها في القطاعات المختلفة تدريجيّاً - فعلينا أن نمدّ يد التضرّع والتوسّل إلى ذيل عناية الربّ ونشكره تعالى، وبالخصوص حيث إنّنا في شهر رمضان، فهذه فرصة وتوفيق ونجاح، قد كان لنا فيه نصيب في هذه البرهة المهمّة للحركة السياسيّة في البلاد أن كنّا في شهر الرّحمة الإلهيّة، حيث قال عليه السلام: "وهذا شهر الإنابة، وهذا شهر التوبة، وهذا شهر المغفرة والرّحمة، وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنّة"2، فهذا من أدعية أيّام شهر رمضان.

 
شهر الإنابة والعتق
إنّ رمضان هو شهر الإنابة وشهر التوبة. التوبة هي الرّجوع عن سلوك الطّريق الخاطئ الذي سلكناه بذنوبنا وغفلتنا. فمعنى الإنابة أن نوجد حالة التوجّه إلى الله تعالى في الحاضر والمستقبل. قيل: إنّ الفرق بين التّوبة والإنابة هو أنّ التوبة ترتبط بالماضي، والإنابة تتعلّق بالحاضر والمستقبل. فنعتذر بين يدي الله من ذنوبنا وأخطائنا ومسلكنا القبيح في أيّ مجالٍ أو محلّ صدر عنّا، نستغفر ونتراجع وننيب في الحاضر والمستقبل ونقوّي هذه الرابطة القلبيّة بيننا وبين الله. رمضان شهر 



1 سورة النصر.
2  الكافي، الشيخ الكليني، ج4 ص75.
 
 
 
 
 
 
386

325

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 الرّحمة وشهر المغفرة، قال: "وهذا شهر العتق من النار"، النّجاة من النار. النّجاة من النّار في الواقع هي نجاة من هذه الأخطاء والمعاصي التي ارتكبناها. فذنوبنا هذه وأخطاؤنا هي تلك الصّور الناسوتية لتلك العذابات الأخرويّة. فلو ارتكبنا ظلماً هنا أو غيبةً أو أمراً قبيحاً، ولو تجاوزنا حدودنا وتعدّينا تكليفنا، فإنّ كلّ واحدة من هذه الأعمال لها صورة أخرويّة تظهر عليها بأشكالٍ مختصّة بها وتتجسّم في عالم البرزخ وفي عالم القيامة، وهي مظاهر العذاب الإلهيّ.

 
قيل: "يا من مزّق قميص يوسف استيقظ أيّها الذئب من سباتك العميق"، في هذا العالم ينشب المرء مخالبه في قلب هذا وذاك، وهناك يكون تجلّي العذاب الإلهيّ والصيرورة ذئباً بعد سُباتٍ (عالم الطبيعة)، هذا شهر العتق من النار والفوز بالجنّة، الفوز بالجنّة هو هذا: أن نصلح أعمالنا ونطهّر قلوبنا ونؤدّي العبادات في وقتها والنّوافل في محلّها. أن نصْدُق ونحافظ على الأمانة، والرّفق والصّفاء تجاه المؤمنين، ونعتني بأداء التكليف في كلّ محلّ له، هو الذي يصبح توجّهاً نحو الجنّة في عالم القيامة. وعملنا هذا هو الذي يتجسّم بتلك الصّورة، بصورة النّعم الإلهيّة التي وُعد بها المؤمنون والمتّقون.
 
دوام الذكر
قال تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾1، فذكر الله تضرّعاً هو دعامة وأساس جميع الخيرات وكلّ البركات التي يمكن للإنسان أن ينالها في مهلة هذه الحياة. فذكر الله هذا لا ينبغي أن يكون مختصّاً بفترات الشدّة والمحنة والضيق، كلا، بل يجب الحفاظ على ذكر الله هذا، في القلب في فترات الرّاحة وأيّام الرّخاء وحين لا يكون هناك قلقٌ مادّيّ. عندما تعرض لنا نحن البشر تلك المصاعب نلجأ إلى ذكر الله، قال: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾2، 



1  سورة الأعراف، الآية: 205.
2 سورة العنكبوت، الآية: 65.
 
 
 
 
 
 
 
387

326

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 ففي البلاء يتوجّه الإنسان إلى الله، وعندما يرتفع البلاء ينسى هذا الإنسان. وفي مواضع مختلفة من القرآن نجد مثل هذه الملامة من الله تعالى للبشر تتكرّر وتتكرّر - لعلّه عشر مرّات أو أكثر فأنا لم أعدّها - وهي أنّكم عندما تبتلون بالشدائد تتوجّهون وإذا ارتفعت المحن تغفلون، حسناً، إنّ هذا يسدّ طريقكم ويوقف حركتكم، وفي سورة يونس المباركة تكرّر هذا الموضوع مرّتين، مرّة بلهجةٍ عجيبة لهجة الملامة الإلهيّة الشديدة لنا، قال: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا﴾1، فعندما يواجه الصعوبات يتوجّه إلينا ويدعونا ويتضرّع سواء كان نائماً أو ماشياً أو جالساً، ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾2 وعندما يرتفع الأمر ويزول يتحرّك كأنّه لم يكن يطلب منّا شيئاً وكأنّنا لم نعتن به، (هنا) الغفلة المحضة! وبعدها يقول بلهجةٍ شديدة وتوبيخ: ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾3

 
إخواني وأخواتي! إنّ علينا أن نطلب العون والمدد من الله تعالى في جميع أحوالنا، ويجب أن تبقى هذه الرابطة القلبيّة بيننا وبين الله في حال الرّاحة والدّعة والمحنة والكرب فهذا هو الضامن لحركة الإنسان التكامليّة والضامن لتعالي الإنسان، هذا هو الأمر الذي يمكنه أن يوصلنا إلى الهدف الأساسيّ للخلقة. برأينا هذا ما يحقّقه التوسّل والتضرّع في جميع ميادين الحياة. فلو حصل هذا التوجّه إلى الله لن يبقى هناك ركودٌ وسكون ويأس وتراجع وتوقّف في جميع ساحات الحياة المختلفة، والعمل بدوره يلزمه الصبر والتوكّل. أنتم مسؤولي الدّولة في القطاعات المختلفة تتحمّلون عبء الكثير من الأعمال، وأعمالكم هي أعمال الدنيا وأعمال الآخرة، فعندما تنهضون لإنجاز تكليفكم فإنّكم تقومون بعمارة الدنيا والحياة وكذلك عمارة باطنكم وسرّكم، وهذا العمل - الذي هو عملٌ دنيويّ وعملٌ أخرويّ في الوقت نفسه - يحتاج إلى عنصرين: الصّبر والتوكّل. في الآية القرآنيّة الشريفة التي تقول: ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ 



1 سورة يونس، الآية: 12.
2 سورة يونس، الآية: 12.
3 سورة يونس، الآية: 12.
 
 
 
 
 
 
388

327

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾1، فالصّبر يعني الثبات والمقاومة والصمود وعدم نسيان الهدف. يقول تعالى: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾2 في ميدان القتال وفي ميدان مواجهة العدوّ لو صبرتم لاستطعتم أن تغلبوا العدوّ.

 
أهمية دور الصبر والتوكّل
لقد ذكّرنا مراراً أنّ المواجهات في الميادين العالميّة المختلفة هي في معظمها حرب إرادات، من تضعف إرادته بصورة أسرع فسيُهزم. فالصّبر يعني الحفاظ على هذا العزم وحفظ هذه الإرادة. والتوكّل أيضاً يعني أداء العمل وطلب النتيجة من الله فلا يُظنّ- وبالطبع لا يوجد مثل هذا الظنّ في الأجواء الدينيّة لعصرنا وإن كان قد وُجد في الماضي وكان يُنشر فيُتوهّم - أنّ التوكّل يعني الجلوس حتّى يأتي (عون) الله، والجلوس حتّى يصلح الله، والقعود حتّى يحلّ الله العقد. كلّا، التوكّل يعني أداء العمل وطلب النتيجة من الله، انتظر النتيجة من الرّب، لهذا قد أُخذ بتعبيرنا نحن طلبة العلم "العمل" في موضوع التوكّل.
 
حسنٌ، إنّ تأثير الصبر والتوكّل مهمٌّ جدّاً في إدارة البلاد بالإضافة إلى الأعمال الشخصيّة. ففي الأعمال الشخصيّة لصبرنا وتوكّلنا تأثير، فلنكن بصدد تحصيل الصّبر والتوكّل لنتقدّم. وعلى مستوى المشاغل الإدارية فليكن الأمر على هذا النحو وكذلك في الرياضة وفي إدارة أمور الأسرة، فليكن الأمر كذلك في كلّ أمر من الأمور الشخصيّة. وفي إدارة البلد والحكومة أيضاً - سواء في الإدارات العامّة أو إدارة القطاعات المختلفة فإنّ للصّبر والتوكّل دوراً واضحاً. من دون الصّبر والتوكّل لن يتمكّن الإنسان من تأدية الأعمال الملقاة على عاتقه في مجال إدارة البلد. فمع عدم الصّبر وبالعجالة وقلّة الباع والكسل واليأس في مواجهة المشكلات - التي تُعدّ جميعاً منافية للتوكّل - لا يمكن القيام بالأعمال الكبرى ولا يمكن التقدّم، ولا يمكن



1 سورة العنكبوت، الآيتان: 58 و59.
2 سورة الأنفال، الآية: 65.
 
 
 
 
 
 
389

328

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 تحمّل المسؤوليّة المهمّة لتطوير البلد المهمّة.

 
في مجال إدارة الدّولة - حيث يعمل كلّ واحدٍ منكم بنحوٍ ما في هذا المجال، في القطاعات المختلفة الاقتصاديّة والتقنيّة والثقافيّة والعلميّة وغيرها، أنتم المسؤولون - لو أردنا إعمال الصّبر والتوكّل، فيجب مراعاة عدّة عناصر أساسيّة وجوهريّة:
 
الأوّل: اختيار الجّهة الصحيحة:
ينبغي اختيار التوجّه بشكل صحيح، هذه هي البوصلة وهذا هو الشرط الأساسيّ. فلو أنّنا اخترنا التوجّه بصورة خاطئة ووقعنا في الاشتباه فإنّ جهودنا المضاعفة، لن توصل إلى نتيجة وليس هذا فحسب بل إنّها ستبعدنا عن الطريق، قال: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا  * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾1، وقد وقع سعيهم وبذلهم في ضلالٍ أي أنّه لم يقع في الاتّجاه الصحيح. يجب تحديد التوجّه (الجهة) بصورة صحيحة، فلو لم يوجد مثل هذا الشاخص فإنّ جهودنا المختلفة ستبعدنا عن المقصد. إنّ تحديد التوجّهات مسألة مهمّة. أنا العبد وفي ذكرى رحيل الإمام الجليل رضوان الله تعالى عليه في الرابع عشر من شهر خرداد وفي مرقده المطهّر، شرحت توجّهات الثّورة على أساس قراءة الإمام - التي هي بالنسبة إلينا معتبرة وحجّة - وبيّنتها. التوجّه في السّياسة الداخليّة والتوجّه في السّياسة الخارجيّة والتوجّه في الميدان الثقافيّ والميدان الاقتصاديّ، كلّ ذلك شرحته مفصّلاً واستناداً إلى كلمات الإمام ونصوصه رضوان الله تعالى عليه. واليوم بحمد الله، فإنّ نخبنا ومسؤولينا وأفراد شعبنا في كلّ أنحاء البلاد يؤيّدون الإمام والجميع اختاره كشاخص. أحياناً يحصل تفسيرٌ خاطئ للإمام، وتفسير خاطئ لتوجّهٍ ما كان مورد عناية الإمام، وهو أمرٌ سيّئ وخطر أيضاً. ولحسن الحظّ، إنّ كلمات (بينات) الإمام أمام ناظرينا فخطبه وصوته وكتاباته وآثاره هي أمام أعيننا. في ذاك اليوم قلنا إنّ وصيّة الإمام هي مختصر وخلاصة لتوجّهات الإمام وهي أمام الجميع. لهذا فإنّ التوجّهات محدّدة. فنحن لا نعاني من مشكلة في معرفة التوجّهات، ولسنا بحاجة أيضاً لنجلس ونشخّص أو



1 سورة الكهف، الآيتان: 103و104
 
 
 
 
 
 
 
390

329

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 نحدّد شيئاً. كان الإمام فقيهاً وحكيماً ومطّلعاً وبصيراً وناضجاً ويتحدّث بصورة موزونة ويفكّر بشكل صحيح، وبهذا الفكر أوجد هذه الثّورة، وأرسى نظام الجمهوريّة الإسلاميّ بعد التّخطيط له، وحدّد الخطوط المحدّدة والواضحة. لهذا، فإنّ أوّل أعمال أيّ مدير في أيّ قطاع هو أن يلتفت إلى التوجّه الصحيح.

 
الثاني: استخدام جميع الأدوات المتاحة: 
فيجب استعمال كلّ الوسائل وجميع الطّاقات. ينبغي صبّ كلّ هذه التوجّهات في قالب السّياسات العمليّة. فالسياسات الكلّيّة هي قسمٌ من هذه السياسات الإجرائيّة. إنّ رؤية الأفق العشريني1 هي قسمٌ من هذه السياسات العمليّة، السياسات التنفيذيّة للحكومة في القطاعات المختلفة هي قسم من هذه السّياسات العمليّة. والبرامج التي يتمّ إقرارها في الحكومات والمجالس ويتمّ البناء على تنفيذها هي قسمٌ من هذه الّسياسات العمليّة. ويجب تبيين تلك الأهداف الكلّية والتوجّهات العامّة ضمن هذه السّياسات العمليّة لتأخذ دورها وتظهر. 
 
الثالث: هو النّظر إلى الأولويّات:
وهذا عنصرٌ آخر أيضاً، فالأعمال كثيرة وفي بعض الأحيان لا يوجد من الطّاقة والقدرة أو رأس المال والمصادر الماليّة بما يلبّي جميع الاحتياجات، لهذا يجب أخذ الأولويّات بعين الاعتبار. هذا هو العمل الذي يمكننا القيام به في مجال الإدارة لتحقّق الصّبر والتوكّل.
 
إذا ألقينا نظرة عامّة على البلد. لحسن الحظّ فإنّه واقعٌ اليوم في مقطع جيّد. أقول لكم إنّ أزمنة انتقال المسؤوليّات من حكومة إلى أخرى تُعدّ من الأزمنة الجيّدة للبلد ولتاريخنا السياسيّ. فانتقال الحكومات هو من المنن الإلهيّة الكبرى علينا، وهو من الفرص العظمى التي أتيحت لنا. تأتي أنفاسٌ جديدة وابتكارات جديدة وأعمال جديدة وسلائق وأذواق جديدة إلى الميدان - وقد حدّد الدستور هذه الأمور - وهذا يُعدّ من



1 وثيقة ترسم آفاق التنمية في إيران في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويتم تطبيقها منذ العام 2005 ولمدة 20 سنة على أربع مراحل.
 
 
 
 
 
 
 
391

330

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 الفرص. بالطبع، إنّ هذه الفرصة قد تتبدّل إلى تهديد لو جرى العمل بنحوٍ آخر، مثلما يحدث في بعض الدّول حيث يشاهد الإنسان أنّ انتقال السلطة يتلازم مع استعراض القوّة وسفك الدماء والعنف، وهو لحسن الحظّ غير حاصل في بلدنا. بالطبع قد حصل في عام 88 (2009) أن ارتكب البعض أخطاء كبرى وأوصلوا البلد إلى حافّة تلك الأمور، وأوجدوا لهذا البلد ما يشبه هذه المشكلة، ولكن بحمد الله تعالى وعونه تمكّن الشّعب من تخطّي هذه المشكلة. في هذه السنوات المتتالية منذ بداية الثورة - ما خلا تلك المدّة القصيرة لعام 88 - تلازم انتقال وتسليم السلطة والمسؤوليّات في البلد مع الهدوء والسّرور والفرح، فمثل هذه تُعدّ فرصة فائقة الأهميّة.


وعليه في يومنا هذا حيث يتم انتقال الحكومة وتأتي مجموعة جديدة وفئة جديدة وعناصر جديدة وابتكارات جديدة إلى الميدان يجب التقدّم بهذا البلد إن شاء الله بالاستفادة ممّا أُنجز لحدّ الآن، وبالبناء على ما تمّ بناؤه لحدّ اليوم. إنّ هذه فرصة مهمّة جدّاَ، فرصة جيّدة وهي لبلدنا عيد، ففي الواقع إنّ انتقال السلطات أمرٌ مبارك. فكلّ فئة تمسك بزمام الأمور تنظر بصورة إيجابية إلى الفئة التي سبقتها. حسنٌ، لقد سمعتم هذا التقرير المفصّل للسيّد رئيس الجمهوريّة الدكتور أحمدي نجاد. لقد أُنجز الكثير وتحقّقت أعمالٌ بارزة. ومن الممكن أن تأتي الحكومة اللاحقة وتنجز هذا المقدار ذاته أو ضعفه أو أكثر وتزيد عليه، فأيّ شيء أفضل من هذا بالنسبة إلى البلد؟ المهمّ أن تستمرّ هذه التوجّهات حيث إنّني سأتحدّث في مجال استمرار التوجّهات وما ينبغي ذكره في هذا المجال في مناسبات لاحقة إن شاء الله سيكون ذلك للمسؤولين والشعب ولا حاجة لذلك هنا الآن ولا اقتضاء. 

حقائق الجمهوريّة الاسلاميّة الأساس
ما يلزم ويجدر الالتفات إليه اليوم، هو النظرة الشاملة لوطننا وللأوضاع العامّة في البلاد. لا أريد أن نتلهّى بالجزئيّات - هناك جزئيّات كثيرة - فلننظر نظرة مصيريّة لأمور بلدنا العزيز ونظام الجمهوريّة الاسلاميّة، ولنرَ أين نحن، وما نحن. 
 
 
 
 
 
 
392

331

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 لقد دوّنت عدّة عناصر هنا - ستّة أو سبعة عناصر - جميعها حقائق:

الحقيقة الأولى: بلدنا بلد يتمتّع بجغرافية مهمّة
الموقعيّة الجغرافيّة لبلدنا واحدة من المواقع الجغرافيّة الممتازة في العالم. إذا قسّمنا بلاد العالم من حيث الموقع الجغرافيّ إلى عدّة مراتب، فإنّ إيران ستقع يقيناً في المراتب العليا أو في أعلى المراتب. وهذا امتياز من حيث الموقع الجغرافيّ، هذا ما نتمتّع به، هذه عطيّة إلهيّة.

الحقيقة الثانية: تاريخ حضارتنا وجذورها
جذورنا الحضاريّة القديمة، تاريخنا، هو تاريخ مجيد، خاصّة منذ العهد الإسلاميّ وما بعده. قبل الإسلام، كانت هناك أيضاً إنجازات بارزة في تاريخ بلدنا، لكنّها ازدادت بمراتب بعد الإسلام، من حيث العلم، الصناعة، من حيث المسائل الثقافيّة، من حيث الأمجاد السياسيّة المتنوّعة، من حيث تطوّر البلد، سواءٌ التطوّر النوعيّ، أم التطوّر الكمّيّ. هذا هو تاريخنا. تراثنا العلميّ في الأقسام المختلفة للعلم البشريّ، والعلوم الالهيّة، هو تراث قلّ نظيره. واقعاً، قلّما نجد بلداً يتمتّع بهذه الميّزات في مناطق آسيا والحضارات القديمة - في الهند والصين ومصر وأمثالها -، بيد أنّه ليس للغربيّين مثل هكذا تاريخ. بناءً على هذا، فإنّنا من ناحية الحضارة من المبرّزين والأفضل، هذه أيضاً حقيقة. 

الحقيقة الثالثة: الثروات الطبيعيّة والإنسانيّة الهائلة
لقد قيل منذ نيّف وعشرين سنةً إنّ آبار النفط في البلاد سوف تنفد في التاريخ الفلاني - وكانوا يحدّدون تاريخاً-، لكنّ الكشوفات التي تمّت على صعيد آبار النفط والغاز، قد ضاعفت هذه المدّة ومدّدتها إلى أربعة أو خمسة أضعاف. على صعيد المعدن، والطاقة، وجميع الثروات المتنوّعة التي يحتاج إليها بلد ما لإدارة نفسه، إنّنا بلد غنيّ، بلد استثنائيّ.

نحن أيضاً كذلك من حيث المصادر البشريّة. ولقد قلت هذا مراراً - في البداية كنّا نقول هذا حدساً وتخميناً، ومن ثمّ أيّدت الإحصاءات الدوليّة هذا الأمر - وهو
 
 
 
 
 
 
393

 


332

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 أنّنا من حيث الاستعدادات الانسانيّة، نقع في المراتب العليا، أي أنّنا نفوق بكثير متوسّط المجتمعات البشريّة الموجودة في العالم، متوسطنا أعلى من متوسّط بلاد العالم. استعداداتنا، شبابنا، استثنائيّة، وها أنتم ترون. لعلّني قلت هذا مراراً، من خلال المعلومات التي تصلُ إليَّ والتقارير التي تردني ومشاهداتي، لا يوجد قسم من أقسام العلم والتقانة المتنوّعة أسسه موجودة في البلاد، لم يستطع شبابنا وعلماؤنا أن ينجزوا أعمالاً كبرى في ذلك القسم، وحيثما عجزوا، فذلك بسبب عدم وجود الأسس، إذ ينبغي عليهم بالطبع، العمل على إيجاد هذه الأسس، وهم يعملون على ذلك أيضاً. هذه هي ثروتنا الطبيعيّة والإنسانيّة. 


الحقيقة الرابعة: تلقّي الضربات
وهناك حقيقة أخرى (الرابعة) إلى جانب ما ذُكر من وقائع ممّا يجب مشاهدته وهي أنّنا قد تلقّينا ضربات موجعة على مرّ القرون الثلاثة الأخيرة، سواءٌ من جهة الاستبداد المحلّيّ والدكتاتوريّات التي مرّت على هذا البلد أو من جهة الهجمات الخارجيّة. فالضّربات التي تلقّيناها ينبغي عدّها من الحقائق. إنّ تاريخ دخول الدّول الأجنبيّة ونفوذها في بلدنا هو من عام 1800 ميلاديّة أي أنّ أوّل نفوذٍ خارجيٍّ كان قبل 212 سنة بوساطة حكومة الهند البريطانيّة. فقد جاء جون مالكوم البريطانيّ إلى إيران - ومن يلاحظ هذا التاريخ يعلم - وكان لمجيئه تبعات. وقد كان لضعف تلك الحكومات (المحلّيّة) في مواجهة نفوذ الغرب وغزوه الثّقافيّ والسياسات الغربيّة وحكوماتها أن صار هذا البلد في موقع الانفعال، وهكذا ازددنا يوماً بعد يوم ضعفاً وتلقّينا الهزائم، فهذه قضيّة واقعيّة. ونحن لا يمكننا أن نغض النظر عن ذاك العصر عندما نريد أن نفهم قضايا البلد ونتعرّف على وضعه الحاليّ. لقد وجّهوا إلينا ضربات قاسية وأوجدوا لأنفسهم نفوذاً سياسيّاً وثقافيّاً ونهبوا ثرواتنا. وللأسف، فإنّه لم يجرِ العمل بشكل صحيح في هذا المجال. فعلى محقّقينا ومؤرّخينا أن ينهضوا للقيام بعملٍ مفصّل فيما يتعلّق بغزو الدّول الأجنبيّة النّافذة لمصادرنا وثرواتنا الاقتصاديّة منذ أن جاءت إلى هنا، كما فعل البريطانيّون في إحدى الفترات والروس في فترة 
 
 
 
 
 
 
 
394

 


333

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 أخرى، وآخرون كانوا إلى جانبهما - حيث إنّهما الأساس في ذلك - ثمّ جاءت أميركا في النّهاية. نهب الثّروات والتسلّط السياسيّ وإهانة الشّعب. وما سمعتموه من لسان السياسيّين والزّعماء التّابعين للسّياسات الغربيّة والأجهزة الاستبداديّة في مجال إهانة إيران والإيرانيّين و "أنّنا غير قادرين"، وغيرها وغيرها، كلّ ذلك ناشئ من ذلك التسلّط الثقافيّ الغربيّ والسّلطة السياسيّة للغرب على بلدنا. فكلّ هذه من الحقائق. 


الحقيقة الخامسة: الصحوة الوطنيّة
وخامسة تلك الحقائق الصحوة الوطنيّة في ثلاث مراحل. فقد حصلت الصحوة العامّة والوطنيّة عندنا عبر ثلاث مراحل: الأولى، مرحلة المشروطة (الملكيّة الدستوريّة المشروطة). الثانية، مرحلة النهضة الوطنيّة - آية الله الكاشاني والدكتور مصدق. والثالثة مرحلة الثورة الإسلاميّ. وفي المرحلتين الأوليين هُزم الشّعب الإيرانيّ. فثورة المشروطة كانت مهمّة لكنّها هُزمت. وفي النّهضة الوطنيّة حدثت انتفاضة لكنّها هُزمت، أمّا ما هي أسباب هاتين الهزيمتين فهذا ما يتطلّب بحثاً طويلاً ومفصّلاً. ويوجد لكلّ منهما أسبابٌ وعوامل. وأمّا الثالثة فهي مرحلة الثورة الإسلاميّ، فهذه هي حركات وطنيّة. وبالطبع قامت حركات وأعمال ونهضات غير عامّة - كنهضة التنباك وأمثالها - فهي لم تكن حركة وطنيّة لأجل التغيير الجذريّ وتحقيق تحوّل نوعيّ في البلد، بل كانت لأجل قضيّة خاصّة. ما يمكن أن يُقال بشأن الحركة الوطنيّة والحركة الكبرى ينحصر في هذه المراحل الثلاث. وقد كانت مرحلة انتصار الثّورة الإسلاميّ بخلاف المرحلتين السابقتين اللتين فشلتا، مرحلةً مهمّة هزمت الغرب ومن يعارضها وأركعتهم، وهذا كان ببركة شخص الإمام وشخصيّته وببركة الأحكاموالقوانين التي استند إليها إمامنا الجليل(رضوان الله تعالى عليه) وأشاد الجمهوريّة الإسلاميّ على أساسها ورسم خطوطها الواضحة، فهذه من الحقائق، وعليه كان لنا مثل هذا التحرّك المواجه المنتصر المقابل للغرب في مقابل تلك الهزائم التي حصلت في القرنين - تقريباً - في مواجهة غزو الغربيّين، فهذه من الحقائق.
 
 
 
 
 
 
 
395

334

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 الحقيقة السادسة: تجربة التقدّم في الميادين المختلفة

سادس هذه الحقائق تجربة التقدّم في الميادين المختلفة. إنّ البعض يقولون لنا إنّ علينا أن نكون واقعيّين في مجال القضايا السياسيّة - سواء السياسيّة الخارجيّة أو الداخليّة أو الاقتصاد أو غيره. حسنٌ هذه هي الحقائق وعلينا أن نراها، ومن أهمّها: كلّ هذا التطوّر الذي حصل للبلاد. فإيران قد تغيّرت منذ مرحلة انتصار الثورة أي منذ عام 1979م - إلى اليوم - بمعدّل لا نراه في أيّ دولةٍ أخرى خلال هذه المدّة. فأنا العبد، لم أشاهد نظيراً له. فالدّول المتطوّرة على المستوى العمرانيّ والصّناعيّ والعلميّ كانت المدّة الزمنيّة لمسيرتهم حتّى وصولهم إلى هذه النّقطة التي وصلنا إليها اليوم مدّة أطول. وبالمقدار الذي لديّ أنا العبد من معلومات يبدو أنّه قليلاً ما شوهد هذا المستوى من التطوّر في العالم أو أنّه ليس مشهوداً. فنحن قد تطوّرنا في المجالات العلميّة - حيث أشار السيّد رئيس الجمهوريّة اليوم إلى جانبٍ منها، وبالطّبع إنّ تطوّرنا العلميّ هو أكثر من ذلك بكثير، لا أنّنا نطلق هذا الكلام كمسؤولين محليّين، كلّا، فهذا حكم المراكز العلميّة في العالم - وكذلك في المجال السياسيّ. ففي مجال السّياسة الدّاخليّة هذا الأنموذج الجديد للسيادة الشعبيّة الدينيّة الذي قدّمناه للعالم، وهذه الانتخابات، وهذا التداول للسّلطات التنفيذيّة والتشريعيّة، يُعدّ ذلك كلّه من أعظم النّجاحات. إنّ السّيادة الشعبيّة الدينيّة هي سيادة شعبيّة صحّيّة ونزيهة، خالية من الألاعيب والخدع والأساليب المعتمدة في العالم. وكم يؤسفني عدم اطّلاع شبابنا على هذه الأساليب المعتمدة في العالم، في أميركا وفي الغرب وفي أوروبا في مجال الانتخابات حيث إنّها في الظاهر ديمقراطيّة وفي الباطن غير ديمقراطيّة. لقد ألّف العديد من الكتب الجيّدة في هذا المجال كتبها الغربيّون أنفسهم، ويجب مطالعتها والنّظر فيها كيف يتمّ انتخاب عمدة أو حاكم في الولاية الأميركيّة الفلانيّة ثمّ يصبح سيناتوراً وبعدها رئيساً للجمهورية، كيف يتمّ استقطاب الناس إلى هذه الميادين وكيف يجري ذلك، ثمّ مقارنة ذلك بما يجري هنا حيث يأتي شخصٌ إلى النّاس ويتحدّث إليهم ويجذبهم
 
 
 
 
 
 
 
396

335

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 بدون أن يكون له أيّة سابقة في العمل التنفيذيّ، فيحدث هذه الأمواج ويذهب النّاس إلى صناديق الاقتراع وينتخبونه مع كلّ هذه النّسب المرتفعة، فمثل هذا أنموذجٌ جديد للديمقراطيّة وهذا هو تطوّرنا السياسيّ. 


وفي السياسة الخارجيّة الأمر هو كذلك، فالجمهوريّة الإسلاميّ اليوم لها دورٌ لا يمكن لأحد إنكاره فيما يتعلّق بقضايا المنطقة المختلفة والمسائل الأساسيّة فيها. وقضايا منطقتنا هي قضايا عالميّة، وهذا معروف ضمناً. فالتقدّم على صعيد السياسة الداخليّة والأنموذج الجديد للسيادة الشعبيّة والقدرة الانتخابيّة للشعب، وفي السياسة الخارجيّة، كلّ هذا التأثير: إنّ هذه حقائق.

التقدّم في مجال إعادة الإعمار. فما أُنجز في مجال إعادة الإعمار طيلة هذه العقود الثلاثة هو أمرٌ مدهش في الواقع. قبل الثورة كنا نذهب إلى المدن المختلفة إلى القرى ونشاهد أوضاع المناطق المحرومة، نعلم جيّداً كيف كان يجري العمل في ذاك الزمان، فلو حدث زلزالٌ - وأنا العبد نفسي قد شكّلت لجاناً في الإمداد في عدّة هزّات كبرى معروفة وعملت فيها - شاهدت بأيّ نحوٍ كانوا يعملون ويتحرّكون في ذلك الزّمان، وها نحن اليوم في هذا العصر وأنتم تلاحظون أنّه لو وقعت هزّة أرضيّة في منطقة ما من هذا البلد أو حدثت كارثة طبيعيّة ووقع النّاس في بلاءٍ ومصيبة كيف أنّ الإمدادات تصل إليهم وبأيّة سرعة، إنّ هذا لا يُصدّق لكنّه من الحقائق.

وفي المجال الثقافيّ الأمر كذلك. فلقد حصل تحوّلٌ بنسبة 180 درجة على الصعيد الثقافيّ مقارنةً بما قبل الثّورة وفي زمن الطّاغوت، ونحن هنا لا ندخل في التفاصيل ولكنّنا بنظرة كليّة نجد أنّ التحوّل كان شاملاً. وبالطبع لو أنّنا عملنا بصورة أفضل وكنّا أكثر اطّلاعاً وجدّيّة لكنّا ناجحين في الجزئيّات. 

المستقبل المفعم بالأمل هو بذاته من الحقائق الأخرى في البلد. فللجيل الشاب أهميّة فائقة. العام الفائت وفي شهر رمضان قد أتيت على ذكر أمرٍ هنا وقد كان بصورة مختصرة لا كاملة، فتحديد النّسل هو قضية خطرة على بلدنا. إنّني أقول لكم إنّ تحديد النّسل هو خطرٌ كبير بالنّسبة إلى بلدنا. لقد توغّلنا كثيراً في منطقة الخطر، 
 
 
 
 
 
 
 
397

336

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 ويجب أن نتراجع وكان يمكننا أن نحول دون هذا الأمر لكنّنا لم نفعل. إنّ ما قام به المتخصّصون والخبراء من دراساتٍ وتدقيقات علميّة يوصلنا إلى هذه النّتيجة وهي أنّه سوف نواجه مشاكل جمّة في بلدنا إذا استمرّينا على هذا المسلك، فسوف يصبح هذا البلد هرماً، إنّ تحديد النّسل هذا أمرٌ سيّئ. بالطبع سمعت أنّ هناك مشروعاً تتمّ دراسته في المجلس، غاية الأمر أنّه بحسب ما نُقل لنا فإنّ المشروع ليس حلّاً، فما ظهر في هذا المشروع لا يلبّي الحاجة للحلّ. على المسؤولين والمهتمّين والعارفين بمستلزمات هذا الأمر في المجلس أن يلتفتوا وينجزوا الأمر بصورة صحيحة.


الحقيقة السابعة: مواجهة جبهةٍ عدائيّة لدودة
سابعة هذه الحقائق، أنّ بلدنا يواجه جبهةً عدائيّة لدودة، ونحن في هذا المجال كالكثير من المجالات والميادين الأخرى نقف لوحدنا في العالم! ليس أمامنا أيّ دولة يقف في مواجهتها مثل هذه الجبهة المعارضة اللدودة مع ما لديها من طولٍ وعرض. يوجد جبهةٌ رجعيّة وجبهة الاستكبار ويوجد بعض زعماء الدّول الغربيّة وبعض ضعاف المسؤولين في دول المنطقة. في النهاية، يوجد جبهة تقف أمامنا. وبالطبع، لكلّ هذه شواهدها الواضحة والمشخّصة، ويمكن بيانها وتحليلها - وليس محلّها الآن - لكنّ واقع الأمر أنّه يوجد مثل هذه الجبهة. حسنٌ، إنّ علينا أن نتّخذ قرارات في مواجهة هذه الجبهة وبالاستناد إلى تلك الحقائق وبالنظر إلى تلك الأهداف الكلّيّة. إنّ على كلّ مسؤولٍ في أيّ قطاعٍ هو أن يعلم ما هو طريق المستقبل في مثل هذه الظروف، وعليه أن يتمكّن من تشخيصه. وبرأينا، إنّ هذه الحقائق تدلّنا على طريق المستقبل. إنّ الابتكارات التي تقوم بها الحكومات ويصنعها مدراء القطاعات المختلفة هي بالنسبة إلى البلد فرصة ونعمة إلهيّة. إنّ العقد الذي نعيشه اليوم - وهو العقد الرّابع من عمر الثّورة - يمكن أن يكون عقد التقدّم والعدالة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى. إنّ هذه الوقائع التي نشاهدها تملي كلّها علينا أنّه يمكننا أن نجعل هذا العقد عقد التقدّم والعدالة بالمعنى الواقعيّ للكلمة. 

وفي التقدّم نحو الأهداف العليا يجب أن نزيد من إحكام البنية الداخليّة للقدرة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
398

337

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 فهذا هو الأصل في العمل. نحن إذا أردنا أن نستمرّ على هذا الطريق ونتحرّك بهذا الاتّجاه ونسعى نحو هذه الأهداف ونتطلّع إلى تلك القيم والأهداف ونتقدّم ونصمد مقابل كلّ هذه المخالفات (والعداوات) ونعمل الصبر والتوكّل، علينا أن نزيد من بنية القدرة الوطنيّة في داخل البلد، ونمنحها المزيد من الإحكام والرّسوخ. وعناصر هذا الرّسوخ بعضها دائميٌّ وبعضها الآخر موسميّ. وما هو من العناصر المستديمة هو العزم الرّاسخ الذي أشرنا إليه. يجب على مسؤولي البلد أن يحفظوا عزمهم في مواجهة المشاكل وأن يحافظوا على عزمهم الرّاسخ ولا يتزلزلوا. إنّ التحرّك نحو الأهداف العليا يتطلّب مثل هذا العزم الرّاسخ. فلا ينبغي التزلزل عند مشاهدة عبوس العدوّ وتهديده وحركاته المخالفة التي يمارسها بأساليب شتّى - في الدّعايات والسياسة والاقتصاد وأمثالها. فالمطلوب هو العزم الرّاسخ للمسؤولين وكذلك للشّعب. بالطبع، الأمر الثاني - أي العزم الرّاسخ للشّعب - له متطلّباته وهي الآن معروفة. فنحن إذا أردنا أن نحافظ على العزم الرّاسخ للشّعب علينا أن ننجز مجموعة من التكاليف.


وأمّا ما هو مقطعيّ من هذه العناصر - وهو في الوقت الحاليّ أولويّة للبلد -فهو برأيي قضيّة الاقتصاد وقضيّة العلم. على المسؤولين العامّين للبلد وعلى واضعي السياسات فيه، وأولئك الذين يتولّون إدارة الأمور الأساسيّة أن يلتفتوا إلى هاتين النقطتين الأساسيّتين فيما يتعلّق بالتقدّم والتطوّر. عليهم الاعتماد على قضيّة الاقتصاد وكذلك على قضيّة التطوّر العلميّ في البلد. وإنّ الاعتناء بالاقتصاد صار لحسن الحظّ أمراً عامّاً نسبيّاً، فهناك التفات من قبل الجميع. لقد كانت الملحمة الاقتصاديّة من شعارات هذه السنة، وأملنا أن تتحقّق الملحمة الاقتصاديّة بهمّة المسؤولين أيضاً مثلما تحقّقت الملحمة السياسية. بالطبع إنّ العمل الاقتصاديّ ليس عملاً قصير المدى. فليس هو عمل شهر أو شهرين أو حتّى سنة، ولكن يجب أن يبدأ. وإنّني أعتمد على قضيّة العلم أيضاً. في السّنوات العشر الأواخر كان لنا حركة علميّة ممتازة. لقد كانت السّرعة العلميّة وسرعة التطوّر جيّدة جدّاً. لكن لا ينبغي
 
 
 
 
 
 
 
399

338

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 أن تتباطأ. لو أردنا أن نصل إلى المستوى المطلوب، ولو أردنا أن نصل إلى الخطوط الأماميّة للعلم والمعرفة في العالم فعلينا أن نحافظ على هذه السّرعة من التطوّر.


التعامل مع العالم 
النقطة الثانية في هذا المجال، قضيّة التعامل مع العالم وهي التي تُذكر كثيراً في هذه الأيّام، فنحن نؤمن بالتّعامل مع العالم وفي التصرّف هذا، وفي التعاطي مع العالم يجب معرفة الطرف المقابل، لأنّنا إذا لم نشخّصه ونعرفه فسوف نتلقّى الضّربات. لا ينبغي أن ننسى ملفّات خصومنا. من الممكن أحياناً للمرء أن لا يأتي على ذكر السوابق فلا إشكال في ذلك، فأنتم أحياناً تواجهون شخصاً وتريدون أن تنجزوا عملاً، ولديكم معرفة بسوابقه، لكنّكم لا ترون مصلحة لذكرها واستحضارها، فلا إشكال في ذلك، لكن لا ينبغي أن تنسوها. فلو نسيتم سوف تتلقّون ضربة.

يقول الأميركيّون إنّنا نريد التفاوض مع إيران. حسنٌ، إنّهم ومنذ سنوات يقولون: إنّنا نريد التفاوض، فمثل هذا لا يُعدّ فرصة بالنسبة إلينا من قبلهم. لقد قلت في بداية هذا العام إنّني لست متفائلاً. ونحن لا نمانع التفاوض في القضايا الخاصّة - مثل القضيّة الخاصّة التي كانت لنا في الملفّ العراقيّ وفي بعض القضايا الأخرى، لكنّني لست متفائلاً، لأنّ تجربتي تدلّ على هذا. فالأميركيّون ليسوا محلّ ثقة وهم غير منطقيين، كذلك في تعاملهم ليسوا صادقين. وهذه الأشهر الأربعة التي مرّت على حديثي السابق آنذاك تؤيّد هذا الأمر. إنّ مواقف المسؤولين والزّعماء الأمريكيّين دلّت على أنّ ما ذكرناه بأنّنا غير متفائلين صحيحٌ. فقد أثبتوا ذلك عمليّاً. والبريطانيّون هم بنحو آخر، وهكذا غيرهم. فالتعاطي مع العالم لا إشكال فيه فنحن منذ البداية كنّا كذلك، غاية الأمر أنّه علينا في التعامل مع الآخرين أن نعرفهم ونعرف أساليبهم ونأخذ بعين الاعتبار أهدافهم الأساسيّة والعامّة. من الممكن أن يعترّضكم عدوّ ويقول لكم: يُمنع المرور من هنا، فالصّلح معه لا يعني أن 
 
 
 
 
 
 
 
400

339

في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

 تقبلوا وتتراجعوا، والمهارة هنا هي أن تقوموا بما يجعلكم تستمرّون على طريقكم ولا يتمكّن هذا العدوّ من منعكم. أمّا إذا كان التّوافق والتّفاهم يعني أن يقول هو إنّ عليكم أن ترجعوا من حيث أتيتم وأنتم تقولون حسناً جدّاً، فهذا خسارةٌ. وعلى المسؤولين وأعضاء الحكومة أن يلتفتوا إلى هذه الجهات والأبعاد. بالطبع، إنّ قضايا المنطقة مهمّةٌ جدّاً حيث تأخذ قسماً من اهتماماتنا وتفكيرنا ولكن لم يعد هناك مجال الآن.


إخواني وأخواتي الأعزّاء! تحمّلتم واستمعتم وأملنا أنّ الله تعالى سيشملكم جميعاً بفضله. 

اللهمّ! وفّقنا للتضرّع إليك في هذا الشهر. نجّنا من جهنّم التي أشعلناها لأنفسنا.

اللهمّ! اهدنا إلى عمل الخير والعمل الصالح.
اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد اشمل بلطفك وعنايتك شعب إيران ومسؤولي هذا البلد والمسؤولين الذين كانوا إلى هذا اليوم و المسؤولين الذين سيأتون غداً.

اللهمّ! تقبّل كلّ جهدٍ بُذل من هؤلاء لأجل هذا البلد ولأجل هذا الشّعب.

اللهمّ! وفّق أولئك الذين عزموا على العمل من أجل هذا البلد وخدمته والسّهر عليه. اللهمّ فاهدهم إلى الطريق الصحيح الذي هو مورد رضاك. اجعل القلب المقدّس لوليّ العصر. 

اللهمّ! أدخل الرّضا والسّرور إلى روح إمامنا الجليل المطهّر والأرواح المطهّرة للشهداء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
401

340

في حشد من الشعراء والمدّاحين

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في حشد من الشعراء والمدّاحين



المناسبـة: مولد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام 
الحــضـور: جمع من الشعراء ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
01/05/1392 هـ.ش.
14/09/1434 هـ.ق.
23/07/2013 م.
 
 
 
 
 
 
403

341

في حشد من الشعراء والمدّاحين

 بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية، لقد استمتعنا كثيراً بالأشعار التي ألقاها الأصدقاء. بعض الأشعار كانت جيّدة جدّاً، وبعضها الآخر كان جيّداً. عندما أعود إلى الذاكرة، يبدو أنّ مستوى الأشعار في هذا العام هو بالإجمال أعلى من الأعوام السابقة، وهذا يظهر أنّ حركة الشعر في البلاد، هي حركة دائمة بحمد الله، هذه الحركة تسير قدماً، وهذا أمر مهمّ جدّاً بالنسبة إلينا.

الشعر مسؤوليّة
الشعر هو واحد من أبرز الفنون، والفنّان - سواء الذي يشتغل بالشعر أو بسائر الفنون الأخرى - هو من النخب التي تقع على عاتقها مسؤوليّة أكبر على صعيد الأمور التي تتطلّب مسؤوليّة، وهذا أمر طبيعيّ.

مسؤوليّة النخب - سواءٌ النخب السياسيّة، أو النخب العلميّة، أو النخب الثقافيّة - في أيّ مجال، تفوق مسؤوليّة غيرهم. الفنّان هو نخبويّ بارز، لذا، تقع عليه المسؤوليّة. برأيي ينبغي حمل هذه المسؤوليّات على محمل الجدّ. وفنّ الشعر الذي هو فنّ فاخر ومهمّ تاريخيّاً وغير مندرس يتضمّن هذه المسؤوليّات الكبيرة ويحويها.

هموم الشعراء
بالطبع، ينبغي أخذ أحاسيس الشاعر الإنسانيّة بعين النظر، كما ينبغي الالتفات أيضاً إلى هموم الشاعر وغمومه، وإلى فكره وحكمته. أي أنّ كلّ قسم من هذه الأقسام الثلاثة، يخصّ جزءاً وفصلاً من فنّ الشعر بنفسه. لا ضير في ذلك، أي إذا لم ترد
 
 
 
 
 
 
405

342

في حشد من الشعراء والمدّاحين

 الأحاسيس الشاعريّة، ومشاعر الحبّ، والأحاسيس المرتبطة بأمور الحياة الشخصيّة اليوميّة في الشعر، فإنّ الشعر في الواقع، لن يؤدّي تمام وظائفه. بناءً على هذا، قسم من الشعر مرتبط بأحاسيس الشاعر، حسنٌ، فأحياناً يُفرَّط في هذا المجال، ويخصّص الشعر بتمامه لهذه الأحاسيس. قسم آخر هو هموم (أرق) الشاعر، وهذا أيضاً نشهده في شعر الشعراء. أغلب الشعراء في الأزمنة المختلفة، هم شعراء أرقون، - وهذا ليس مختصّاً بزمان خاصّ، بل بكلّ الأزمنة، إلى الحدّ الذي سنحت لي الفرصة وتمكّنت وعرفت ورأيت - يتجرّعون حسرة شيء أكثر ممّا هو سائد في حياتهم.


لا شأن لنا بالحسرة على تلك الأمور المعنويّة وأمثالها. لا، فهم من ناحية الوضع المادّي، ومن ناحية المشاكل، من ناحية تلقّي الصدمات والإصابة بالجراح، لهم أحزانهم وهمومهم. جميع الشعراء لهم مثل هذه الهموم. لقد رأيت في سير الشعراء الذين عاشوا في أواخر عهد المغول، من يشكو ويقول: نعم، سوق الشعر كاسدةٌ للأسف، لا أحد يهتمّ بنا، قد كان الأمر في الماضي هكذا وهكذا. هذا في وقت، كان الشعراء يحظون باحترام، تُغدق عليهم الأموال، ويُعطون مقدار وزنهم فضّة أو ذهباً! أي أنّ مثل هذه الحالة كانت موجودة دائماً. بثّ مثل هذه الآلام كان له سهم في شعر الشاعر، لا مجال هنا للعتب. لم أعتب يوما على أيّ شاعر أنّه بثّ بعض همومه من الأوضاع في الشعر. فبالنهاية، روح الشاعر روح حسّاسة، لطيفة، قد تعاني وتنزعج من شيء ما. بناءً على هذا، حقيقةً ليس هناك أيّ إشكال في ذلك. للكثير من هؤلاء الأصدقاء المقرّبين والحميمين، من أصدقائنا الشعراء، همومهم وأحزانهم، وقد كنت أيضاً من المستمعين الجيّدين والصبورين لأشعارهم التي يبثّون فيها همومهم. بناءً على هذا، إنّنا نعترف بهذين القسمين من الشعر: ما كان منه مرتبطاً بالمشاعر، وما كان منه مرتبطاً ببثّ الهموم. لكن هناك قسم آخر وهو فكر الشاعر، وحكمة الشاعر، وهو ما لا ينبغي الغفلة عنه. انظروا إلى سعدي، فهو قمة الشعر عندنا، فسعدي يتمتّع بالكثير من الشاعريّة، والعشق والأحاسيس المرهفة، لديه الكثير أيضاً من ذلك الأرق (الشكايات) - على حدّ قولكم - ، في "البستان"، وكذلك في الغزليّات 
 
 
 
 
 
 
 
 
406

343

في حشد من الشعراء والمدّاحين

 وفي مواضع أخرى، لكن انظروا حكمة سعدي كيف انتشرت في شعره. يمكن لسعدي أن يُعرّف كحكيم. هذا ما يوصل شخصاً مثل سعدي، وحافظ وصائب إلى القمّة.


نشر المعارف الدينيّة والإنسانيّة
الحكمة، التفكير الحكيم، والمسائل اللازمة لتعليم البشر، فهم هذه الأمور ونظمها شعراً وبيانها - حيث المعارف الدينيّة والمعارف الإنسانيّة وأسلوب الحياة من أهمّها - هذه هي مسؤوليّات الشاعر. وصيّتي هي أن لا ينسى الأصدقاء أبداً هذا القسم الأساسي والمهمّ من الشعر، بالطبع، يوجد في شعر الليلة ومن حسن الحظّ، سهم كبير من هذا القسم. على الشاعر أيضاً مسؤوليّة في المسائل المرتبطة بمجتمعنا وزماننا. لقد انبعثت اليوم من داخل مجتمعنا حركة تاريخيّة عظيمة، وأصبحت الملهمة لجماعات كبيرة من البشر، هذه حقيقة. مواجهة الثورة الإسلاميّ لنظام القوّة العالميّ، الوقوف في وجه المتسلّطين، من قبل شعب رزح تحت نير متسلّطين آخرين لمائتي عام أو أكثر، وبسط علم الحرّيّة والتحرّر فوق هذا البلد، لهو شيء غاية في الأهمّيّة، ينبغي لهذا الأمر أن يظهر في شعر شعرائنا. أيضاً ما حدث إثر هذه الحريّة. لقد قلت مراراً في هذه الجلسة نفسها والجلسات الأخرى، إنّ جهادنا العسكريّ في حرب السنوات الثماني لم يكن بالشيء القليل، كان أمراً مهمّاً، ينبغي برأيي الالتفات إليه في أشعارنا. كما أنّ جهاد بناء المجتمع الإسلاميّ، جهاد تقوية بنيان السلطة الشعبيّة التي اعتمدنا عليها مراراً، جهاد إصلاح نمط الحياة - والذي قلنا إنّ مضمون الحضارة الإسلاميّ يتمثّل فيه - وما نبحث عنه في غير نمط الحياة، جميع الأشكال والمناهج والمقاييس - كلّ واحد منها جهاد، والمشاركة في هذا الجهاد عن طريق الشعر، ينبغي أن تكون مورد اهتمام. أيضاً المسائل المرتبطة بالتاريخ، المرتبطة بالزمان. الصحوة الإسلاميّ اليوم هي مسألة مهمّة، القضيّة الفلسطينيّة هي قضيّة هامّة، ينبغي لهذه الأمور أن تحظى بسهم في أشعارنا. علينا أن نتعرّض لهذه المسائل في أشعارنا. على كلّ حال، هذه مسائل تتمتّع بالأهميّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
407

344

في حشد من الشعراء والمدّاحين

 مفاهيم الحكمة في شعر الأطفال

لي أيضاً وصيّة أخرى - قد سجّلتها هنا - وهي أنّ الاهتمام بشعر الأطفال المتضمّن لمفاهيم الحكمة الإسلاميّ والحكمة السياسيّة، هو من الأمور اللازمة بنظري، والتي نفتقدها اليوم شيئاً ما. إنّ شعر الأطفال وكتاب الأطفال والناشئة هو من جملة الأقسام المهمّة التي يجري الاهتمام بها. على الشعراء الذين لديهم القدرة، والبيان، أن يدخلوا المفاهيم المشتملة على الحكمة، أي الحكمة الإسلاميّ والإيرانيّة في الأشعار الفارسيّة. ينبغي تنمية قابليّات الشّباب. لدينا في صفوف الشّباب قابليّات كثيرة. فالشّباب يتقبّلون الحقائق بسهولة أكبر، ويعكسون هذه الحقائق في كلامهم وفي أشعارهم.
 
نشكر الله تعالى أنّ لسان شعرائنا اليوم هو لسان فصيح بحمد الله، حيث تُبيّن الحقائق الجيّدة من خلال هذا اللسان. فإذا أردنا على سبيل المثال مقارنة هذه الجلسة بمثيلتها قبل عشر سنوات - حيث تُقام هذه الجلسة كلّ سنة في مثل هذه الليلة أو ما يقاربها تاريخاً - فإنّ الأمر واقعاً يسير قدماً، وإنّه لا مجال لمقارنة الليلة بتلك الليالي التي عقدنا فيها مثل هذه الجلسات، أي حقّأً وإنصافاً، شعر ثورتنا، شعر شبابنا، شعر أعزّائنا الشعراء الملتزمين والمتحلّين بالمسؤوليّة، شعر روّادنا، شعر الأشخاص الذين يعملون في مجال تربية الشّباب ويقومون بدورٍ في ذلك، قد تطوّر بنظري تطوّراً جيّداً جدّاً. كما قلت، على أصدقائنا وشعرائنا الجيّدين أن يسعوا دائماً ليكونوا الأحسن - "لتصبح أنت الأحسن"1- سواءٌ في مجال الشعر، أو في مجال النقد. أقرأ أحياناً مقالات بعض الأصدقاء في نقد الشعر، فعلاً، يلتذّ المرء بذلك، قويّة المضمون، جيّدة، عسى أن تستمرّوا في ذلك. أسأل الله تعالى أن يضفي البركة على أعمالكم الأخرى، وتتمكّنوا يوماً فيوماً من إضافة التطوّرات على المخزون المعنويّ للشعر الفارسيّ.
 
أوجّه شكري للأصدقاء مجدّداً.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



1 (كلّما حسنت أحوالكم ساءت أحوالي حسنك يزيد وألمي لا يسكن) (نظيري نيشابوري).
 
 
 
 
 
 
 
408

345

في لقاء الجامعيّين

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء الجامعيّين


المناسبـة: التاسع عشر من شهر رمضان المبارك 
الحــضـور: جمع من الطلّاب والجامعيين 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
06/05/1392 هـ.ش.
19/09/1434 هـ.ق.
28/07/2013 م.
 
 
 
 
 
 
309

346

في لقاء الجامعيّين

 بسم الله الرحمن الرحيم

أشكر الله المتعال أن مدّ في عمري لكي ألتقي مرّة أخرى بالجمع الودّيّ للشّباب الأعزّاء في أيّام شهر رمضان الصافية هنا، في هذه الحسينيّة. ونسأل الله أن تكون هذه الجلسة، سواءٌ ما تفضّلتم به، ما سأقوله أنا مفيدة في المستقبل للبلد، وللجامعة، ولحركة الطلّاب الجامعيّين العظيمة.

أيّامٌ مفعمة بالصفاء 
حسنٌ، هذه الأيّام أيّامٌ مفعمة بالصفاء، كما قلت، صفاء شهر رمضان المبارك والصيام، صفاء ليالي القدر، الصفاء المتصاعد من ذكرى مولى المّتقين - إذ كان ذلك العظيم مظهراً للصفاء ومنبعاً له - وصفاء شبابكم. بحمد الله إنّ جمع شبابنا الجامعيّ - الذين تمثّلون أنتم النماذج له. وطائفة الطلبة الجامعيّين في البلاد، هو جمعٌ باعث على الأمل من جهات مختلفة. نسأل الله تعالى أن يكون مستقبلكم، ومستقبل البلاد، واعداً ومفعماً بالأمل والقوّة ببركة جهودكم وأعمالكم.

المطالب التي عرضها الأصدقاء، كانت مطالب جيّدة جداً. أذكر أنّي في السنة الماضية أيضاً، استمتعت جدّاً بالمطالب التي عرضها الإخوة والأخوات الطلبة هنا، وقد أشرت إلى ذلك. أنا لا أذكر بالطبع، تلك الكلمات بتفاصيلها، لكنّي أذكر بشكل عامّ، أنّها كانت جيّدة جدّاً. والأمر كذلك هذا العام، فما تفضّلتم به أنتم أيّها الشّباب في الأقسام المختلفة، كان بحمد الله عبارة عن قضايا ناضجة ومدروسة. وأنا موافق على معظم ما تفضّلتم به. وكذلك المقترحات التي تضمّنتها كلماتكم،
 
 
 
 
 
 
411

347

في لقاء الجامعيّين

 نأمل أن تتمكّن الأجهزة في البلاد، ونحن أيضا، والمسؤولون الآخرون، من دراسة هذه المقترحات أكثر، ونجد سبيل تحقّق المطالب الكامنة وراء هذه المقترحات. لقد وضعت إشارات عندي على بعض المطالب التي وردت في كلماتكم، أقول في كلّ منها كلاماً مختصراً. لقد تكلّم أحد السادة عن موضوع لزوم وجود "مراكز الفكر"، كلامه صحيح تماماً، أنا أوافق عليه، وينبغي أن يُخطّط لهذا الأمر... 


أحد الأصدقاء أشار إلى مسألة الاعتدال، وطلب منّي أن أشرح معنى الاعتدال، ذلك أنّ الحكومة المنتخبة تطلق شعار الاعتدال. برأيي، ليس من مهمّتي أن اشرح معنى الاعتدال. في النهاية، لكلّ شخص هدفٌ وفكرٌ وراء أقواله وشعاراته. ورئيس الجمهوريّة المنتخب المحترم، سيقوم حتماً بهذا الأمر ويشرح معنى الاعتدال، والمجال مفتوح أمام الأحكام، لن نمنع أحداً من الحكم على الشعارات المعلنة. ولي بالطبع توصيات سأعرضها عليكم خلال عرض المواضيع إن شاء الله تعالى.

تعاطوا كطلبة العلم في مباحثاتهم
أشار أحد الأصدقاء إلى وجود ضغائن بين الطلبة الجامعيّين بسبب الاختلاف في تحليل المسائل المختلفة. أطلب بشدّة وأرجو من الجميع أن يسعوا إلى أن لا يجرّهم اختلاف الآراء في التحليل، وفي الاستنتاج، وفي فهم الحقائق، إلى الضغينة والتخاصم. حسنٌ، كما في الأجواء العلميّة، يمكن لشخصين أن يكون لهما آراء علميّة مختلفة، وهذا لا يؤدّي لزوماً إلى العراك والمخاصمة والعداوة، حسنٌ، هما رأيان. على صعيد المسائل السياسيّة والاجتماعيّة، أرى أيضاً أنّه ينبغي أن تتعاطوا بهذه الطريقة عندما تكونون متّفقين ومتّحدين على الأطر والحدود، لا تدعوا الأمر ينجرّ إلى الضغينة. نعم، قد يكون هناك أشخاصٌ يعادونكم بسبب الأصول والمباني، حسنٌ، هذا بحثٌ آخر، لكنّ اختلاف الرأي لا ينبغي أن يؤدّي إلى المخاصمة والضغينة وفي بعض الأحيان إلى العنف. لطالما كان الإمام (رضوان الله عليه) يوصي - بالطبع، ليس الطلبة الجامعيّين - بل إنه لطالما كان يكرّر الوصيّة للسياسيّين والنوّاب 
 
 
 
 
 
 
 
412

348

في لقاء الجامعيّين

 والمسؤولين والنشطاء السياسيّين ويقول: تعاطوا كطلبة العلم في مباحثاتهم. فطلبة العلم أحياناً قد يغضبون من بعضهم في أثناء المباحثة - الآن، يُقال عن الطلبة مثل هذه الأشياء، يُقال إنّهم ينهالون على بعضهم بالكتب! بالطبع، الأمر ليس كذلك - يبحثون، يصرخون، ويظنّ من يراهم أنّ هؤلاء سيقطّعون بعضهم إرباً إرباً، والحال أنّ الأمر ليس كذلك، ما إن تنتهي المباحثة، يقومون ويذهبون برفقة بعضهم، ويجلسون على مائدة واحدة، ويتناولون الطّعام معاً، ويتجاذبون أطراف الحديث، وهم أصدقاء ورفقاء. كان الإمام يقول: على السياسيّين - سواءٌ في مجلس الشورى، أو في الحكومة، أو في حزب الجمهوريّة الإسلاميّ الذي كان موجوداً في ذلك الوقت، أو بقيّة الميادين السياسيّة - أن يتعاطوا بهذا النحو مع بعضهم. يمكن أن يكون هناك اختلاف في الرأي، أن يكون هناك قيل وقال، لكن لا تدعوا الضغينة والعداوة تحلّ فيكم.

 
من حسن الحظّ، أنّ المجتمع الجامعيّ في البلاد اليوم - أريد أن أقول بالأعمّ الأغلب - يسير من خلال مبانٍ مشتركة، حتّى ولو كانوا ذوي ميول سياسيّة مختلفة. وأنا أرى هذا أيضاً، حيث ينبغي البحث والمحاورة مع وجود الميول المختلفة - ولربّما أشير إن شاء الله في خلال حديثي إلى مطالب - بالمحصّلة، فلتتخلّصوا من العداوة والخصومة والضغينة وأمثال هذه الأمور، اسعوا قدر المستطاع أن تزيلوها من أجواء الجامعة.
 
أساس مشكلة العام 88
أحد الإخوة أشار إلى مشاكل العام 88 1 وأمثالها. أرجو إن طرحتم مشاكل العام 88، أن تجعلوا المسألة الأصليّة والأساسيّة في هذه المشاكل نصب أعينكم. المسألة الأساسيّة هي أنّ جماعة وقفت بشكل غير قانونيّ وغير نزيه أمام الحركة القانونيّة في البلاد، ووجّهوا ضربةً إلى البلد، لِمَ تنسون هذا الأمر؟ بالطبع، قد تحصل إلى جانب حادثة كبرى ما صدامات وتضارب، لا يمكن للإنسان فيها تشخيص الظالم



1 مشاكل ما بعد انتخابات 2009 والفتنة التي تلتها.
 
 
 
 
 
 
 
413

349

في لقاء الجامعيّين

 من المظلوم، أو قد يكون شخصٌ في مورد ما ظالماً وفي مورد آخر مظلوماً، هذا ممكن تماماً، لكن علينا في هذه القضايا أن لا نضيّع المسألة الأساسيّة. حسنٌ، في انتخابات العام 88، أولئك الأشخاص الذين كانوا يظنّون أنّ تزويراً حصل في الانتخابات، لِمَ شنّوا الحملات في الشوارع في مواجهة التزوير؟ لماذا لا يجيبون عن هذا السؤال؟ لقد وجَّهْنا هذا السؤال مائة مرّة، ليس في التجمّعات العامّة، لا، بل بنحو يمكنهم فيه الإجابة، لكنّهم لا يملكون الإجابة. حسنٌ، لِمَ لا يعتذرون؟ إنّهم يقولون في الجلسات الخاصّة، نعترف بأنّ التزوير لم يحصل. حسنٌ، إذا لم يحصل التزوير، فلِمَ سبّبتم هذه الخسائر للبلد؟ وكلّفتم البلد كلّ تلك الأثمان؟ لولا لطف الله تعالى، لوقع الاقتتال بين شرائح الشعب، أتعلمون ماذا كان يمكن أن يحدث؟ أترون اليوم ماذا يحدث في بلدان المنطقة، هناك حيث يضعون الناس في مواجهة بعضهم؟ لقد أخذوا البلد إلى شفا مثل هكذا جرف، وقد لطف الله تعالى، والشعب أيضاً أعمل بصيرته. هذه هي المسألة الأساسيّة في مشاكل العام 88، لِمَ تنسونها؟ أيضاً، لدينا كلام كثير حول حادثة العام 78، وتلك أيضاً قضيّة أخرى.


لا لاستخدام الشدّة
تبعاً للمسألة التي تكلّمت عنها، أقول هذا أيضاً، وهو أنّ أحد الأصدقاء قال إنّ حدث في الجامعة هذا الشيء أو ذاك سوف نردّ بشدّة. أنا لم أفهم معنى هذه "الشدّة" جيّداً! هذا الأخ الذي طرح هذا الموضوع، صادف أن كان منطقه البيانيّ متيناً جدّاً وقويّاً وموزوناً. حسنٌ، أنت عندما تكون من أهل المنطق، وتستدلّ بهذه الجودة، حين يمكنك الدفاع عن مبانيك الصحيحة هكذا، ما حاجتك إلى استعمال (الشدّة) والقوّة؟ إذا كان المراد من الشدّة، قوّة البيان والبحث والاستدلال والنظر، حسنٌ، لا إشكال في ذلك، أمّا إن كان بمعنى آخر، فلا، أنا لا أوافق أن يتمّ استخدام العنف والشدّة - بذلك المعنى الذي قد تكون تفكّر فيه - في مواجهة الرأي المخالف لكم، أو الظاهرة الفلانيّة المخالفة لرأيكم.
 
 
 
 
 
 
 
414

350

في لقاء الجامعيّين

 سأل بعض الإخوة عن مسألة "التكليف" و"النتيجة"، حيث سأقدّم بياناً مختصراً حوله فيما بعد.  


الإشراف على الأجهزة 
بحث أحد الإخوة حول "الإشراف"، أنا أؤيّد كلامه تماماً. لقد تكلّم عن الإشراف على أجهزة من جملتها مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، والذي هو مورد تأييدنا بالكامل، ولازم، بالنهاية، كيف تكون آليّة الإشراف على مؤسّسات مثل مجلس الشورى؟ - هذا مطلب مهمّ، وهو ليس بالأمر الهيّن - أو كيف ستكون آليّة الإشراف على القوّة القضائيّة أو بعض الأجهزة الأخرى؟ هذا موضوع مهمّ، يمكن لهذا أن يكون من جملة الموضوعات، التي ينبغي للناشطين الجامعيّين على مستوىً فكرّي عالٍ، أن يقوموا بالتخطيط له، والتفكير فيه، والعمل عليه، وتقديم المقترحات له، برأيي إنّ هذا الأمر هو من جملة وظائفكم، اعملوا على هذه الأمور وساعدوا المؤسّسات العامّة في البلاد.

أحد الإخوة ذكر أنّ بعض الأجهزة المرتبطة بالقيادة، تمتنع عن العمل الشفّاف وعن التفتيش. بالطبع، أنا لا أعتقد ذلك. وفيما لو كان ذلك، نعم، لا ينبغي الاجتناب عن البيان الشفّاف في المسائل التي يمكن أن تُبيّن ويجب أن تُبيّن، كما لا ينبغي الامتناع عن التفتيش. كما لا أظنّ أنّ أجهزةً كمؤسّسة المستضعفين على سبيل المثال أو أمثالها، مستثناة من التحقيق، أي أنّني لم أتصوّر هذا الأمر إلى الآن. على كلّ حال، إن كان الأمر كذلك، فهذا الإشكال وارد، ويلزم على أجهزة الرقابة أن تتمكّن من الإشراف عليها.

أحد الإخوة سألني عن خصائص جوّ الجامعة المفعم بالنشاط، جيّد، فهذا الموضوع يستحقّ الاهتمام، ولديّ الآن ملاحظات في هذا المجال، سأعرضها عليكم.
 
 
 
 
 
 
 
415

351

في لقاء الجامعيّين

 وصيّتي للطلبة الجامعيّين 

أحد الإخوة سألني ما هي وصيّتي للطلبة الجامعيّين الذين سيدخلون جوّ الجامعة في شهر مهر القادم (ابتداء من 20 أيلول)، وصيّتي لهؤلاء الطلبة كوصيّتي لجميع الطلبة الجامعيّين، أنا أدعو جميع الطلبة الجامعيّين إلى أن يكونوا "طلّاباً جامعيّين" بالمعنى الواقعيّ للكلمة - أي السعي وراء العلم - والنشاطات المتناسبة مع كونهم "طلّاب جامعات"، سواءٌ النشاطات الاجتماعيّة، أو السياسيّة.

المسألة التي طرحها أحد الإخوة حول تمويل الجامعات، هي مسألة صحيحة وجديرة بالاهتمام. على كلّ حال المطالب التي عرضتموها أيّها السادة والسيّدة التي تكلّمت، كانت مطالب مهمّة جدّاً صحيحة.

الأهداف والمثل العليا للثورة 
ما دوّنته هنا لأعرضه عليكم - حتماً، هذا الكلام مرتبط بمجموعات الطلبة الجامعيّين، لكنّه قابل للتعميم على كلّ البلاد وشرائح الشّباب المختلفة في البلاد - أحدهما، ماذا تمثّل الأهداف والمثل العليا للثورة بالنسبة إلى الشّباب، والطالب الجامعيّ، والعنصر الثوري؟ باعتقادي إنّ أهداف الثورة - التي أطرها محدّدة، حيث سأعلن عن بعضها بدوري وأسمّيه بالاسم - لا تُنال من دون قوّة الشّباب ونشاطهم وجرأتهم. علاقتكم بالأهداف ينبغي أن تكون مثل هكذا علاقة. إذا لم تكن قوّة الشّباب، أي القدرة الفكريّة والبدنيّة، وإذا لم يكن النشاط وروحيّة التحرّك، وكذلك الجرأة، أي كسر الحواجز، الموجودة في الشّباب كخاصّيّة بارزة، لن نصل إلى تحقيق الأهداف. لذا، فعلى الشّباب مسؤوليّات كبرى في الوصول إلى الأهداف وتحقّق مبادئ الثورة والمبادئ الإسلاميّ، كما أنَّهم يتحلّون باللياقة والخبرة العالية جدّاً. على كلّ شخص يسعى لتحقيق الأهداف، أن يأخذ دور الشّباب على محمل الجدّ، واعلموا أنّي أحمله أيضاً على محمل الجدّ. ما قلته عن الشّباب سواءٌ الشّباب الجامعيّ - حتماً، بخصوص الطلبة الجامعيّين - أو غيرهم، ليس هو مجاملة في
 
 
 
 
 
 
416

352

في لقاء الجامعيّين

 الكلام، هذا هو اعتقادي، وأرى أنّ الشّباب يمكنهم حلّ العقد. المهمّ بالطبع، أن يعرفوا ميدان العمل، وميدان التحرّك، وأن يعرّفوه جيّداً، وأن يعرّفوا العمل الذي يريدون القيام به بشكل صحيح. هذه مسألة.


أهداف النظام الاسلاميّ ومبادئه 
مسألة أخرى هي أنّ أهداف النظام الاسلامي ومبادئه - التي هي في الحقيقة المبادئ الاسلاميّة - هي منظومة، مجموعة، لها مراتب مختلفة أيضاً. بعض منها أهداف غائيّة ونهائيّة، وبعضها أهداف مرحليّة، لكنّها جزء من الأهداف، علينا أن نسعى وراءها جميعاً. افترضوا مثلاً أنّ المجتمع العادل والمتطوّر والمعنويّ - بهذه الخصوصيّات - هو هدف، هو جزء من الأهداف التي تقع في الدّرجة الأولى ومن أفضل الأهداف. يسعى الإسلام أوّلاً إلى تشكيل مجتمع يحكم بالعدل، أي على المسؤولين وقادة المجتمع أن يتعاملوا بعدل، ثانياً، على المجتمع نفسه أن يكون مجتمعاً عادلاً - فالعدالة ليست خاصّة بالمسؤولين، على عموم أفراد الشعب أن يكونوا عادلين فيما بينهم - وعندها يكون المجتمع مجتمعاً متطوّراً. الإسلام لا ينتج أبداً مجتمعاً متخلّفاً في المسائل العلميّة، وفي المسائل السياسيّة، وفي المسائل الحضاريّة وفي أيّ ميدان آخر، الإسلام يسعى لتشكيل مجتمع متطوّر، وإنّ قسماً مهمّاً من أحكام الإسلام تنادي بهذا الأمر. بناءً على هذا، هذا جزءٌ من المجموعة الكبرى للمجتمع الإسلاميّ ذاك. وهكذا، يسعى الإسلام إلى تشكيل مجتمع معنويّ. في النظام الاسلاميّ، يُدار المجتمع بعدل، وأيضاً يكون المجتمع في نفسه مجتمعاً عادلاً، ويكون مجتمعاً متطوّراً، ومجتمعاً معنويّاً أيضاً، أي أنّه مشبع بالمعنويّة، يتحلّى بالمعنويّة، المعنويّة التي توجب على الإنسان أن لا يعدّ الأهداف الدنيّة والماديّة وشهوات الحياة اليوميّة، أهدافاً عالية له، بل يضع لنفسه أهدافاً أعلى، وأرفع، تحافظ على ارتباط عموم أفراد الإنسان، وارتباط القلوب بالله تعالى، هذا هو المجتمع الذي ينظر إليه الإسلام. حسنٌ، هذا هدف. حتماً إنّ هكذا مجتمع سيصبح عندها مثالاً يُحتذى. إذا استطعنا نحن من 
 
 
 
 
 
 
 
 
417

353

في لقاء الجامعيّين

 خلال السعي الجماعيّ أن نوجد مثل هكذا مجتمع - والذي هو حتماً، ممكن وقابل للتحقّق تماماً وعمليّ بنظري، وقد قطعنا نحن شوطاً مهمّاً في هذا المجال - سوف يصبح هذا المجتمع (قدوة ونموذجاً) ومثالاً يُحتذى، ليس فقط للمجتمعات المسلمة والبلدان الإسلاميّ، بل حتّى للبلدان غير الإسلاميّ. حسنٌ، إيجاد مثل هكذا مجتمع بهذه الخصوصيّات هو واحد من الأهداف. 


الاقتصاد المقاوم 
هناك هدف آخر هو الاقتصاد المقاوم، والذي هو هدف جزئيّ بالنسبة إلى الهدف السابق. على الرغم من أنّ الاقتصاد المقاوم نفسه يعد أمراً مهمّاً، إلّا أنّه في الواقع، يُعرّف تبعاً لذلك الهدف السابق. السلامة في المجتمع، والصناعة الفُضلى، والزراعة الفُضلى، والتجارة الرابحة، والعلم المتطوّر، فهذه جميعها من الأهداف. النّفوذ الثقافيّ في العالم، وكذلك النّفوذ السياسيّ في العالم وفي المنظومة السياسيّة للسلطة في العالم إنّ هذه جميعاً من الأهداف. تحقيق العدالة الاجتماعيّة، واحدة من الأهداف. لذلك، عندما نتحدّث عن الأهداف، لا يذهب فكرنا إلى أمر بعيد غير قابل للتعريف، الأهداف تعني هذه، هذه جميعاً أهداف، حتماً على درجات مختلفة.

تشكّل مجموعة الإرادات والأهداف هذه، منظومة الأهداف الإسلاميّ. وحين تسعون أنتم في سبيل أيّ منها، تكونون تسعون من أجل المبادئ. تلك المجموعة التي نفترض أنّها تعمل في سبيل الاقتصاد المقاوم، أو تلك المجموعة التي تعمل على نشر الثقافة الثوريّة والاسلاميّة في عالم الإسلام، هؤلاء جميعاً يقومون بأعمال مبدئيّة وذات أهداف. ذاك الذي يقوم بهذا العمل على الصّعيد السياسيّ والديبلوماسيّ، عمله يكون عملاً مبدئيّاً ومن أجل الأهداف. وذاك الذي يعمل على سبيل المثال في مجال السّلامة، فإنّه يعمل من أجل الأهداف. هذه هي الأهداف، هناك مراتب مختلفة للأهداف، وجميعها لازم.
 
 
 
 
 
 
 
418

354

في لقاء الجامعيّين

 علاقة الأهداف بالوقائع 

السؤال الآخر الذي طُرح وقد دوّنته هنا من قبل - وهذا يشير إلى أنّ هذا السؤال وصل إليّ من قبل، أي السؤال المطروح - هو: ما علاقة الأهداف بالوقائع الموجودة؟ لنأخذ على سبيل المثال الحظر والمقاطعة. فهما من الوقائع والحقائق. حسنٌ، أحد أهدافنا، هو التطوّر الاقتصاديّ في البلاد، ومن ناحية أخرى هناك واقع يُدعى الحظر والعقوبات. و في المسائل السياسيّة المختلفة، وفي الانتخابات، وغيرها وغيرها. ما أريد قوله أنّنا نؤيّد المثاليّة مائة في المائة. كما نؤيّد رؤية الوقائع 100 %. إنّ المثاليّة من دون ملاحظة الوقائع تؤدّي إلى التخيّل والتوهّم. عندما تسعى وراء مقصد، وهدف، عليك أن تدرس الوقائع من حولك، وتضع البرامج طبقاً لتلك الوقائع. من دون رؤية وقائع المجتمع، لن يكون تصوّر الأهداف تصوّراً صحيحاً تماماً، فكيف بكم بتحقيق الأهداف؟

لو أردنا أن نضرب مثالاً، علينا القول إنّ الأهداف مثل قمّة الجبل. أولئك الذين هم من أهل التنزّه في المناطق الجبليّة، والصعود إلى القمم، يتصّورون القمة جيّداً. الوصول إلى القمّة هو هدف، شبّهوا الأهداف بهذا الأمر. يحبّ الإنسان الوصول إلى تلك القمّة. عندما تكونون في الأسفل تحبّون أن تصعدوا وتصلوا إلى تلك القمّة وذروة هذا المرتفع، بالنتيجة، هناك واقع، إذا أردتم القيام بهذا العمل من دون ملاحظة هذا الواقع، سوف تهدرون طاقاتكم، ذلك الواقع هو أنّ طريق الوصول إلى القمّة لا يكون بمشاهدة الجبل أمامكم، فتقولون، ها هي القمّة، وهذا هو الجبل، فلنصعد، الأمر ليس كذلك. هناك طريق. فلو أنّكم لم تحتاطوا وصعدتم الجبل الذي يمتدّ أمامكم فإنّكم حتماً ستصلون إلى نقاط ومواضع لن تجدوا أمامكم طريقاً للتقدّم ولا للتّراجع. متسلّقو الجبال يحدث لهم مثل هذا الأمر وقد حصل لي أنا العبد. فعندما يتحرّك المرء بدون معرفة الطّريق فإنّه يصل إلى مواضع لا يجد أمامه طريقاً ولا يمكنه أن يرجع، وعليه هنا أن يبذل جهوداً كبيرة ليخلّص نفسه من هذه الورطة. إنّ الواقعيّة عبارة عن هذا الطّريق ويجب اكتشافه.
 
 
 
 
 
 
 
419

355

في لقاء الجامعيّين

 بالطبع، ينبغي النظر إلى الحقائق بالمعنى الواقعيّ للكلمة، وليس ما يقدّم على أنّه "الحقيقة"، أنتم الشّباب تعلمون جيّداً، الحروب النفسيّة التي تروّج اليوم في العالم، فإنّ من الأساليب المعتمدة إلقاء الحقائق غير الواقعيّة. يلقون الأشياء بعنوان الحقيقة وهي ليست كذلك، فيختلقون الشّائعات ويتحدّثون عن أمورٍ غير حقيقيّة والذي لا يمتلك عيناً مفتوحةً وباصرة سيقع في الاشتباه. وعندما نقول بصيرةٌ فلأجل ذلك. إنّ من نتائج البصيرة وثمارها أن يرى الإنسان الحقائق كما هي. في الدّعايات قد تظهر بعض الوقائع مضخّمةً أضعافاً كثيرة عمّا هي عليه، في حين أنّها تُغفل بعض الحقائق من الأساس. افرضوا مثلاً أنّ إحدى الحقائق تقول إنّ بعض نُخب البلد يهاجرون ويتركون بلدهم، أجل إنّ هذه حقيقة ولكن في قبالها هناك حقيقةٌ أخرى وهي عبارةٌ عن ازدياد عدد النّخب وعدد الجامعيّين من النّخبة. فمتى كان لنا كلّ هؤلاء الجامعيّين النخبة؟! انظروا إلى تاريخ جامعة البلد، في السّنوات العشر الأواخر كانت وفرة جامعيّينا النّخب في القطاعات المختلفة مشهودة جدّاً، وكم لدينا من أساتذة من النّخبة؟ عندما انتصرت الجمهوريّة الإسلاميّ كان عدد أساتذة الجامعات في البلد قليلاً - ولأنّني لا أذكر بالدقّة لا أريد أن أقول ولكنّ عددهم كان محدوداً جدّاً ولا أذكر كم هو - واليوم أصبح أكثر من عشرة أضعاف، فقد زاد هذا العدد كثيراً. حسنٌ، إنّ هؤلاء جميعاً نُخبة. والآن، هناك عددٌ معيّن من شريحة النّخب الواسعة هذه التي تربّت في جامعات البلد - من الجامعيين والأساتذة والنّخب العلميّين وأمثالهم - يهاجرون إلى الخارج. فلو شاهد الإنسان تلك الحقيقة فعليه أن يشاهد هذه الحقيقة أيضاً. أولئك الذين يثيرون الدّعايات ضدّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، فإنّهم يضخّمون تلك ويلغون هذه. بل إنّهم في الأساس لا يأتون على ذكرها. لهذا يجب النّظر إلى الحقيقة. إنّ الأهداف السّامية إنّما تصبح قابلةً للتحقّق عندما يُنظر إلى الوقائع والحقائق. ولكن ينبغي أن يكون النّظر إلى الحقيقة، لا ما يُلقى إلينا تحت عنوان الحقيقة من خلال الأفعال المعادية.

 

 

 

 

420


356

في لقاء الجامعيّين

 برأيي، إنّ الناشط الجامعيّ المبدئيّ والذي يعرف الحقائق لا ينبغي أبداً وفي أيّ ظرفٍ من الظّروف أن يصبح انفعاليّاً ويشعر بانسداد الطّريق، أي إنّه لا ينبغي أن يترك التوجّهات المبدئيّة، لا أثناء الانتصارات الحلوة ولا حين الهزائم المرّة. لقد كان لنا في ميدان الدّفاع المقدّس انتصاراتٌ كبرى، وكذلك هزائم مرّة، وكان الإمام رضوان الله عليه يوصي ويقول: لا تقولوا هزيمة بل قولوا عدم الفتح. وأحياناً يكون النّصر نصيب الإنسان، وأحياناً لا يكون، فما هي أهميّة ذلك؟ يوجد من إذا حصلت الأمور وفق مرادهم وسارت باتّجاه ما يريدون فإنّهم يسحبون أيديهم من متابعة السّير نحو المبادئ وهذا خطأ ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ﴾1، فالقرآن يقول لنا: إذا أنهيت لنا هذا العمل وأتممت هذا السّعي فجهّز نفسك مجدّداً، ينبغي أن يكون ذلك لاستمرار العمل. البعض كذلك - وهذا خطأٌ - والبعض بالعكس. إذا لم تجرِ الأمور وفق ما يريدون ويرغبون فإنّهم يُبتلون باليأس والانفعال والهزيمة وهذا خطأٌ أيضاً. فكلاهما خطأ. ففي الأساس لا يوجد طريقٌ مسدود على طريق السعي نحو المبادئ الصحيحة والرؤية الواقعيّة. عندما يلتفت الإنسان إلى الوقائع لا يبقى أيّ شيء لا يمكنه استشرافه بنظره. وتوقّعي من أعزّائي الجامعيّين هو أن يبقوا دائماً على طريق المبادئ والأهداف، سواء في تلك الحالات التي تقع فيها حادثةٌ طبق مرادكم أو عندما تقع حادثةٌ خلاف ما ترغبون. فلا تفقدوا التوجّه نحو المبادئ بالتلازم مع النّظر إلى الوقائع واستمرّوا على هذا الطريق. لقد كان الأمر كذلك في أساس الثّورة، وهكذا كان في أساس الحرب. في الأحداث المختلفة التي وقعت في هذه السّنوات أيضاً كان الأمر على نفس المنوال دوماً. نجد أنّ البعض في مواقفهم وحالاتهم المعنويّة والرّوحيّة والفكريّة غير منسجمين مع ما يقتضيه الالتزام بالمبادئ حين تقع الأحداث المختلفة. 




1  سورة الشرح، الآية: 7.
 
 
 
 
 
 
 
421

357

في لقاء الجامعيّين

 التكليف والنتيجة

هناك سؤالٌ آخر - حيث ذكر بعض الأعزّاء ذلك أيضاً - وهو فيما يرتبط بالعلاقة ما بين محوريّة التكليف والنّظر إلى النّتيجة. قال الإمام: إنّنا أبناء التّكليف. فهل يعني ذلك أنّ الإمام لم يكن ناظراً إلى النّتيجة، فكيف يمكن أن يُقال هذا الأمر؟ فقد كان الإمام الجليل يتحمّل كلّ تلك الصّعاب رغم كلّ ما في الشيخوخة من شدائد وصعوبات وذلك من أجل إيصال النّظام الإسلاميّ إلى شاطئ الأمان، وقد نجح أيضاً. فهل يمكن القول بأنّه لم يكن مهتمّاً بالنتيجة؟! لا شكّ بأنّ محوريّة التكليف تعني أن يعمل الإنسان طبق التكليف على طريق الوصول إلى النتيجة المطلوبة، فلا يخالف التكليف أو يعمل ضدّه، ولا يرتكب أفعالاً غير مشروعة. فالأنبياء في سعيهم وكذلك أولياء الدّين كانوا جميعاً يسعون نحو الوصول إلى نتائج محدّدة. فهل يصحّ أن نقول إنّنا لا نسعى لتحقيق النّتائج؟ وبمعنى أنّه مهما كانت النّتيجة فلتكن. كلا. بالطبع، إنّ الذي يعمل وفق التّكليف من أجل الوصول إلى النّتيجة، لو أنّه في وقتٍ ما لم يصل إلى النّتيجة المطلوبة فإنّه لا يشعر بالنّدامة، فهو مرتاح البال لأنّه أدّى تكليفه. وأمّا الذي لا يعمل طبق التكليف من أجل الوصول إلى النتائج، فإنّه إذا لم يصل فإنّه سوف يشعر بالخسارة، ولكنّ الأوّل قد أدّى تكليفه وتحمّل مسؤوليّته وأنجز العمل اللائق والمطلوب، وكما قلنا سابقاً لقد التفت إلى الوقائع وقام بالتخطيط على أساسها، لكنّه في النّهاية لم يصل إلى النتيجة فإنّه لا يشعر بالخسارة، فقد قام بما عليه. لهذا، فإذا تصوّرنا أنّ محوريّة التكليف تعني أن لا ننظر إلى النّتيجة من الأساس هي رؤية غير صحيحة.

في الدّفاع المقدّس وفي جميع الحروب التي وقعت في صدر الإسلام زمان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو بعض الأئمّة عليهم السلام، فإنّ الذين كانوا ينزلون إلى ميدان الجهاد إنّما كانوا يفعلون ذلك من أجل أداء التكليف. كان الجهاد في سبيل الله تكليفاً، وهكذا كان الأمر في الدفاع المقدّس، فالنزول إلى الميدان كان انطلاقاً من الشعور بالتكليف، وأولئك الذين كانوا يشاركون كانوا في الأعمّ الأغلب يشعرون بالمسؤوليّة 
 
 
 
 
 
 
 
422

358

في لقاء الجامعيّين

 والتكليف. فهل يعني هذا الشّعور والإحساس بالتكليف أن لا يفكّروا بالنتيجة؟! وهل يعني أن لا يحسبوا حساب طريق الوصول إلى النتيجة؟ وأنّهم لم يكن لديهم غرفة عمليّات؟ لم يكن لديهم تخطيط وتكتيك وغرفة قيادة وفيلق وتشكيلات عسكريّة؟! ليس الأمر كذلك. لهذا، فإنّ محوريّة التكليف لا تتنافى أبداً مع السعي نحو النتيجة، وبأن ينظر الإنسان ليرى كيف يحصّل النّتيجة، وكيف تصبح قابلةً للتحقّق، وبأن يخطّط من أجل الوصول إلى النّتيجة على أساس الطرق المشروعة والميسّرة.


الحماس والاندفاع في الجامعات 
النقطة الأخرى هي أنّه لا بدّ من الحماس (والحيويّة) والنّشاط في الجامعات. فالجامعة الراكدة ليست جيّدة. فما هو المراد من الحماس والنّشاط؟ فليظهر هذا الحماس والنّشاط نفسه في القطاعات المختلفة سواء في القطاعات العلميّة أو في القطاعات الاجتماعيّة والسياسيّة، فمثل هذا الاندفاع والحيويّة يمكن أن يظهرا أنفُسهما. إنّ البيئة الجامعيّة هي بيئة البحث عن محلّ الآراء الصحيحة في المجال السياسيّ وفي مجال إدارة البلد وكذلك في مجال القضايا العامّة الأخرى. على سبيل المثال في قضيّة الصحوة الإسلاميّ - وهي قضيّة مهمّة - فإنّ محلّ البحث عن الرأي الصحيح في هذا المجال هو بيئة الجامعة والجامعيّين. فالحراك العمليّ إنّما يتحقّق على أساس الفكر والبحث والحراك الذهنيّ، وحينها تتّضح المسؤوليّات، ووفق تلك المسؤوليّات تتحدّد الأعمال التي ينبغي أن تُنجز. لهذا إنّ البحث والتحليل والفهم والتشخيص في الجامعات كلّ ذلك من ساحات النّشاط والحيويّة المختلفة. إنّ التمييز بين القضايا الأصليّة والفرعيّة، قضايا الدرجة الأولى والدرجة الثانية وعدم الانشغال بالقضايا التي لا تتمتّع بالأولويّة وتحديد هذه القضايا، كل هذه من ميادين الحماس والاندفاع في الجامعات وبين الجامعيّين. فلو أنّكم تشاهدون في الخارج بعض الأشخاص ينشغلون أحياناً بالقضايا الفرعيّة فإنّ البيئة الجامعيّة يجب أن تتمكّن من امتلاك الحكم الصحيح في هذا المجال. أيّها السيّد، إنّ هذه
 
 
 
 
 
 
 
423

359

في لقاء الجامعيّين

 قضيّة أصليّة وهذه قضيّة فرعيّة، وهذه قضيّة لها أولويّة، وتلك ليست كذلك، إنّ بيئة الشاب الجامعيّ هي هذه البيئة، ولا يعني ذلك أن يسيطر على كلّ هذه الشريحة الجامعيّة تفكيرٌ واحد، كلّا، فمن الممكن أن يحصل اختلافٌ في الآراء، فأنتم تقولون إنّ هذه القضية لا تتمتّع بالأولويّة، والآخر يقول بلى، حسنٌ جدّاً إنّ البيئة هي بيئة البحث، فهذا ما يحقّق النّشاط.


برأيي، يوجد موضوعات يمكن أن تكون محلّاً للبحث في البيئة الجامعيّة وهي التي تصنع هذه المجالات التي تنبعث منها كل الأنشطة والحماس المختلف على الصّعيد العلميّ والاجتماعيّ، ومنها قضّية الملحمة الاقتصادية. حسنٌ، إنّ الملحمة الاقتصاديّة هي عنوان وقد استُخدمت، فهل يمكن التفكير بشأن حدود هذا العنوان والبحث فيه؟ وهل يمكن البحث عن سبل الوصول إلى هذه الملحمة؟ البيئات الجامعيّة يمكن أن تكون فعّالة في هذا المجال. إنّ هذا من الأبحاث التي يمكن أن تغيّر مصير البلد. وبالطبع إنّ الملحمة الاقتصاديّة ليست قضيّة عابرة، والأمر ليس كأن نطبّق الملحمة الاقتصاديّة لعدّة أشهر ونصل إلى نتائج، كلّا، الملحمة الاقتصادية هي عنوان لحركة بعيدة المدى، يمكن أن تبدأ من هذه السّنة ويجب أن تبدأ. 

أو على سبيل المثال الاقتصاد المقاوم. حسنٌ، إنّ هذا العنوان مهمٌّ، وبالطبع لقد عُمل عليه وتمّ تعريفه والبحث بشأنه ووُضعت السّياسات حوله في المراكز المسؤولة، فغاية الأمر أنّ المجال مفتوح للبحث: فما هو الاقتصاد المقاوم؟ وفي مجال القضايا الاقتصاديّة للبلد كيف يمكن أن تكون المقاومة؟ والجامعة التي تقوم بالعمل العلميّ والعبء العلميّ، إلى أيّ مدى يمكن أن تنهض بهذه القضيّة؟ إنّ كل هذه يمكن أن تكون موضوعات للأبحاث الجامعيّة.

أو قضيّة نمط العيش حيث قمت أنا العبد - في السّنة الماضية في سفر بجنورد - بطرحها ولاقت ترحيباً هي قضيّة مهمّة. إنّ البحث بشأن قضايا نمط العيش وإبداء الآراء والموافقة والمخالفة في القضايا المختلفة هي من الأبحاث التي تحفظ 
 
 
 
 
 
 
424

360

في لقاء الجامعيّين

 الجامعة حيّةً ونشطة. إنّ مثل هذه الأبحاث المهمّة والمتعلّقة بالوقائع تجري الدّم في عروق هذا الجسد العظيم. ومثل هذه لا تشبه الأبحاث الرّائجة التي كنّا نراها وكانت مشهورة في زماننا. فتلك الأبحاث التي كنّا نطلق عليها حينها عنوان التنوير الفكري1 كانت معزولةً تماماً عن الواقع، فكانوا يقومون لساعات بالبحث ويثبتون شيئاً فينفيه آخرون دون أن يكون له أيّ نتيجة أو أن يكون ناظراً إلى شيء من الوقائع الاجتماعيّة، لكنّ أبحاثنا اليوم ناظرةٌ إلى القضايا الاجتماعيّة. 

 
آفات الصحوة الإسلاميّ
أو قضيّة الصحوة الإسلاميّ هذه وآفاتها. إنّ الحدث الذي حصل في عالم الإسلام في بعض هذه الدّول لم يكن حادثاً صغيراً، بل كان حدثاً كبيراً. وبالطّبع إنّ تحليل أحد الإخوة هو صحيحٌ تماماً، فلا شكّ أنّه كان نابعاً من الصّحوة الإسلاميّ في الجمهوريّة الإسلاميّ في إيران الإسلاميّ، ونحن لا نريد أن نطرح هذا الأمر جزافاً لكي لا يحرّك ذلك مشاعر بعض الدّول المختلفة، لكنّ الواقع والحقيقة هي هذه. إنّ هذه الصّحوة الإسلاميّ نفسها هي ظاهرةٌ غاية في الأهميّة. وليس مناسباً أن نقول إنّ هذه الصّحوة قد انتهت بناءً على ما أوجدوه لها من أطروحات مضادّة بحسب قولهم، كلّا، ليس الأمر كذلك. لقد وُجدت هذه الصّحوة. هذه الأحداث نفسها التي تشاهدونها اليوم في مصر وفي بعض الأماكن الأخرى هي جميعاً علامة على وجود عمق الصّحوة الإسلاميّ في هذه البلدان، بالطبع، لم تتمّ إدارتها جيّداً وحصل تهوّر، وإنّ من الأمور التي ينبغي أن تُبحث هي أن تكتشفوا هذا التسرّع والتهوّر لتروا أين أخطأوا وما هي الأمور التي قاموا بها ولم يكن ينبغي لهم القيام بها، وما هي الأعمال التي لم يفعلوها ممّا كان ينبغي. إنّ هذه من المواضيع المهمّة لأبحاث الدوائر الجامعيّة. برأيي، إنّه من المهم أن نعلم ونقارن بين الثّورة الإسلاميّ وتشكيل النّظام الإسلاميّ في إيران، وبين ما حدث تحت عنوان الثّورة 



1  الأبحاث النخبويّة التنظيريّة.
 
 
 
 
 
 
 
425

361

في لقاء الجامعيّين

 الإسلاميّ على سبيل المثال في دولة كبيرة كمصر. فهناك قد برزت هذه الآفات. إنّ السّاحة المصريّة اليوم هي ساحةٌ مؤلمة جدّاً، فبالنسبة إلينا عندما ننظر نرى كم أنّ الأمر هو في الواقع مؤلم. إنّ هذا قد كان بسبب الأخطاء التي وقعت، وهناك أعمالٌ ما كان ينبغي أن تحصل وقد حصلت، وهناك أعمالٌ كان ينبغي أن تُنجز ولم تُنجز. وحينها نقوم بمقارنة بين هذه الأمور ونظائرها في نظام الجمهوريّة الإسلاميّ. فكيف عُمل هنا في البداية وكيف عُمل هناك (مصر)؟ برأينا إنّ هذه الأمور مهمّة جدّاً. في يومنا هذا يصطفّ الاستكبار بصورةٍ عجيبة وقد أوجد خندقاً طويلاً في مقابل هذه الصّحوة، وها أنتم اليوم تشاهدون أجزاءً منه في هذه الدّول وفي هذه الأحداث، وكذلك في أحداث بلدنا. إنّ العمل هنا مهمٌّ جدّاً.


أو أنّ من الموضوعات التي يمكن أن تكون مورد بحثٍ ودراسة هو عمق استراتيجّية النّظام في النّظر إلى قضايا المنطقة. ففي النّظر إلى قضايا المنطقة يتوجّه الإنسان إلى موضوعٍ ما وهو عمق استراتيجيّة الجمهوريّة الإسلاميّ في هذه المناطق. ففي بعض الأماكن يوجد أحداث يمكن أن تُعدّ بالنسبة إلى داخل البلد كجذور وأسس الاستحكام، أو كحبال تثبيت الخيمة فهذا هو عمق استراتيجيّ. فما لاحظتموه من الإمام في مجال الثّورات في الخارج، أو النّواة الثوريّة في كلماتٍ صريحةٍ أظهرها في تلك الأيّام، فإنّما كان لأجل تشكيل مثل هذا العمق وقد حصل. فاليوم، نجد أجهزة الاستكبار تحارب هذا العمق الاستراتيجيّ بحيرةٍ واضطراب. وبالطّبع، لم يصلوا إلى أيّ مكان ولن يصلوا. 

الدفاع عن الجمهوريّة الاسلاميّة
وأحد الأبحاث المهمّة في هذه القضيّة هو العمل الذي يقوم به العدوّ في مجال إيجاد الاختلافات بين الشّيعة والسنّة، وضرب الفئات الشيعيّة في مختلف نقاط العالم الإسلاميّ، فتصوّر العدوّ أنّ الشّيعة هم في الواقع معاقل طبيعيّة للجمهوريّة الإسلاميّ، لذا يريد تدمير هذه المعاقل. وبالطّبع، هو يرتكب خطأً. فمعاقل
 
 
 
 
 
 
 
 
426

362

في لقاء الجامعيّين

 الجمهوريّة الإسلاميّ لا تنحصر بالشّيعة، فالكثير من الإخوة السنّة في العديد من الدول يدافعون بشراسة عن الجمهوريّة الإسلاميّ بما لا يفعله الكثير من الشّيعة. بعض هؤلاء المعادين للثّورة الذين استقرّوا خارج بلدنا - تراهم يتحدّثون ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّ دائماً ولو سألتهم ما هو مذهبكم لقالوا شيعة. إنّ بعض المسلمين الذين هم ليسوا من الشّيعة الإماميّة - إما أن يكونوا من الشّيعة الزيديّة أو السنّة - هم ليسوا بأقلّ من الإخوة الشّيعة في الدّفاع عن النّظام الإسلاميّ. لهذا، لا يمتلك أعداؤنا فهماً صحيحاً فيما يتعلّق بالعمق الاستراتيجيّ، وما يقومون به هو خطأٌ، لهذا، هناك ساحةٌ مهمّة للنّشاط الضروريّ للجامعات وهي هذه السّاحة المتعلّقة بالقضايا السياسيّة والاجتماعيّة والقضايا النّاظرة إلى وقائع الحياة، والتي يمكنكم أن تبحثوا فيها وتنضّجوها وتقيسوها وتقدّموها لإدارات الدّولة وتطرحوها كنتاجات فكريّة وعلميّة للنّظام الإسلاميّ. فأنتم ستصبحون من هؤلاء المدراء في القطاعات المختلفة للدّولة بعد عدّة صباحات، فعليكم الاستفادة منها، واليوم ينبغي الاستفادة منها.


متابعة السير في العلم والتطوّر
وساحةٌ أخرى هي ساحة العلم. النّشاط العلميّ. أقول لكم إنّ الحاجة العلميّة هي من الحاجات الأساسيّة للبلاد وتقع في المرتبة الأولى. فلو استطعنا أن نتابع السّير في ساحة العلم والتطوّر الذي تحقّق لحدّ اليوم بحمد الله وبنفس السّرعة هذه، فإنّه سيتحقّق الكثير من الفتوحات الكبرى حتماً في مجال المشاكل الاقتصاديّة وكذلك المشاكل السياسيّة والاجتماعيّة وأيضاً في مجال القضايا الدوليّة. إنّ العلم قضيّة مهمّة جدّاً. لقد أُنجز الكثير خلال السّنوات العشر الماضية لكن ينبغي الاستمرار بعد ذلك على نفس هذا المنوال ومضاعفة الجّهود. وإنّني أعتقد بأنّ العمل العلميّ في الجامعة وفي البلد ينبغي أن يصبح جهاديّاً، ويجب القيام بالعمل العلميّ الجهاديّ. ووصيّة أخرى للجامعيّين الأعزّاء أن تحكموا من علاقاتكم بالأساتذة 
 
 
 
 
 
 
427

363

في لقاء الجامعيّين

 المتديّنين وأصحاب القيم. فاليوم، لحسن الحظّ إنّ أمثال هؤلاء الأساتذة ليسوا قلّة في البيئة الجامعيّة. فضاعفوا من عمق الارتباط معهم، وضاعفوا من العلاقات بالمراجع الفكريّة - سواء في الفكر الدينيّ أو السياسيّ ممّن يُطمأنّ إليهم وإلى نزاهتهم ويوثق بهم. وزيدوا من مطالعاتكم الفكريّة - كما كنت أوصي الجامعيّين الأعزّاء دائماً وما زلت.


نقد الحكومات
وقد سُئلت عن موقفي من الحكومة الحاليّة، وعقيدتي هي أنّه يجب دعم جميع الحكومات وإعانتها، ومنها الحكومة المنتَخبة والتي ستزاول أعمالها بصورة رسميّة في الأسبوعين المقبلين. لقد قال الأعزّاء إنّه لو كان الأمر كذلك فنحن سندعم، وإذا كان كذا سننتقد. بالطبع إنّني لا أعارض الانتقاد، غاية الأمر أن يتمّ الالتفات إلى أنّ الانتقاد يختلف عن تتبّع العيوب، وثانياً يجب إعطاء الفرصة للعمل. لقد قلت في السّنوات الثمانيّ السابقة للبعض الذين أرادوا انتقاد الحكومة التي ما زالت اليوم على رأس الأمور إنّ عليكم أن تعطوها مقداراً من الوقت وفرصةً وجوّاً لتتحرّك، وبعدها إذا كان لديكم انتقادات فابدؤوا بها ولكن لا تستعجلوا في الانتقاد. وهذا هو رأيي بشأن هذه الحكومة وجميع الحكومات. نحن نعتقد بأنّ الحكومات تتحمّل مسؤوليات جسيمة وأنّ عملهم صعبٌ في الواقع. إنّ إدارة الدّولة في مجال السّلطة التنفيذيّة هو أمرٌ صعبٌ في الحقيقة وعلى الجميع أن يعينوا. ولا يخلو أحد من نقاط ضعف. إنّني عندما أنظر إلى نفسي أشاهد نقاط ضعف كثيرة فيها. وطلّاب الحوزة عندما يرون شخصاً يقول شيئاً، يقولون له: لا تقس على نفسك. وأنا العبد أقيس على نفسي، أنظر إليها فأرى فيها الكثير من نقاط الضّعف، وأقول إنّ الجميع هكذا حالهم. فالكلّ فيهم نقاط ضعف ونقاط قوّة ويعانون من مشاكل، لهذا، لا ينبغي للمرء أن يرفع من مستوى توقّعاته فيخرج عن الحدّ المنطقيّ، كلّا، يجب النّظر إلى الوقائع ومشاهدة المشاكل وتقديم العون والدّعم والدّعاء بأن يعين الله تعالى هذه 
 
 
 
 
 
 
 
428

364

في لقاء الجامعيّين

 الحكومة - وكلّ حكومة - لتتمكّن بمشيئته من القيام بأعمالها، ويمكن للقوى الفعّالة في السياسة وفي الجامعة وفي العمل وفي الإدارات المختلفة أن تتعاضد فيما بينها إن شاء الله وتتقدّم بالأعمال. حسنٌ، لقد انتهى وقتنا واقترب وقت الأذان وسوف أتلو بعض الأدعية. فأعينوني أيّها الشّباب الأعزّاء بقلوبكم الصّافية والطّاهرة عسى أن تُستجاب هذه الأدعية إن شاء الله.


اللهمّ! اجعل مصير هذا البلد وهذا الشعب مصيراً ملؤه الفخر ومتلازماً مع السّعادة والهناء والحظّ الطيّب.

اللهمّ! أنزل توفيقاتك وهدايتك وعونك على شعبنا وشبابنا ومسؤولينا.

اللهمّ! حقّق أهداف نظام الجمهوريّة الإسلاميّ العليا في المستقبل القريب لكي يرى شبابنا هؤلاء هذا المستقبل. أعلِ هممنا لأجل الوصول إلى هذه الأهداف.

اللهمّ! أعِنْ شعبنا وشبابنا في الميادين الخطرة وانصر شعب إيران على أعدائه.

اللهمّ! أنزل رحمتك وبركاتك على شعب إيران في هذه الليالي المباركة وفي هذه الأيّام الصافية والروحانيّة.

اللهمّ! اجعل كلّ ما قلناه وما سمعناه لك وفي سبيلك. أرضِ عنّا القلب المقدّس لوليّ العصر وأفرحه. 

أرضِ عنّا جميعاً أرواح الشّهداء الطّاهرة وروح إمامنا الجليل الطّاهر وأدخل إليها السّرور.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
429

365

حكم تنفيذ (إمضاء) رئاسة الشيخ حسن روحاني

 حكم تنفيذ (إمضاء) رئاسة الشيخ حسن روحاني


المناسبـة: انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية 
الزمـــان:
12/05/1392 هـ.ش.
25/09/1434 هـ.ق.
03/08/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
431

366

حكم تنفيذ (إمضاء) رئاسة الشيخ حسن روحاني

 بسم الله الرحمن الرحيم

بعد الحمد في محضر الله الحكيم القدير، والسلام على رسوله العزيز وآله الكرام، أبارك للشعب الإيراني الكبير بدء دورة جديدة من سلسلة الخدمة والمسؤولية التنفيذية الجسيمة في البلاد، وأمسح جبهة الخشوع والشكر بالتراب أمام الألطاف الإلهية الكريمة، حيث منح سبحانه وتعالى بعونه وهدايته العزيمة والقدرة والنجاح لهذا الشعب كي يسطَّر ملحمة جديدة.
 
يفتخر الشّعب الإيرانيّ بأنّه سار في درب "الحاكمية الإسلاميّ للشعب"1 خلال دورات متتابعة باندفاع ونشاط، معمّقاً، في كل دورة، تجذّر وشموخ هذه الشجرة الخضراء المثمرة. وفي هذه المرة أيضاً زيّن الشّعب الإيرانيّ الميدان بحضوره المبارك النابع من وعيه وبصيرته، وردّ بشكل حازم حاسم مفعم بالمعاني، على الأعداء الذين لم يدّخروا جهداً سياسياً وإعلامياً لتثبيط همم الناس.
 
إنّ المشاركة الواسعة للشعب، وانتخاب شخص جدير - قد خطَّ في سجل أعماله أكثر من ثلاثة عقود من خدمة نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، وقد نهض منذ فترة الكفاح الثوري إلى عقود ما بعد انتصار الثورة - من خندق علماء الدين مقاوماً لأعداء الثورة، قد أوصلا رسائل واضحةً للجميع، رسالة الوفاء الذي لا لُبسَ فيه للثورة، ورسالة الثقة والأمل بنظام الجمهوريّة الإسلاميّ، ورسالة الثقة بعلماء الدين الشجعان الروّاد، والثقة بالخادمين الذين يعتزمون بهممهم وإبداعاتهم مضاعفة النجاحات وتخفيف المشكلات.



1 أو "سيادة الشعب الدينية", مصطلح يُطلق على نظام الحكم في الجمهوريّة الاسلامية الذي يقوم على مبدأ ولاية الفقيه ورأي الشعب، الذي له دور رئيس في اختيار المسؤولين التنفيذيين من رئاسة الجمهوريّة وحتى المجالس المحلية.
 
 
 
 
 
 
 
433

367

حكم تنفيذ (إمضاء) رئاسة الشيخ حسن روحاني

 ما اكتسبه الشّعب الإيرانيّ دوماً وفي الوقت الحاضر، من مشاركته الانتخابية الحيوية والخالية من التوتّرات، ليس مجرد ممارسة دوره في إدارة البلاد وانتخاب خادمين جدد لدورة جديدة، بل هو أمر أعلى من ذلك، إنّه مؤشّر نضج وبلوغ سياسي يمزج بين اقتداره الوطني والحكمة والعقلانية، ويضعه لدى الرأي العام العالمي في مرتبة سامية من العزّة والعظمة. 


إنَّ الذين أرادوا بوساوسهم زرع الاضطراب والتوتر في بحر القلوب الرحبة المثيرة للثناء والإعجاب هذه، ورفض مرجعية صناديق الاقتراع ودورتها القانونية، اصطدموا كل مرة وبشكل من الأشكال بالحصن المنيع للعزيمة الوطنية.

والآن وبعد أن اختارت الأصوات الحاسمة للشعب الإيراني شخصية عالمٍ ذي خبرة في الميادين المختلفة، وذي سوابق جهادية متعدّدة، ويفتخر بتولّيه مسؤوليات دينية وسياسية، اختارته للإدارة التنفيذية للبلاد ، فإنّني ومتابعة ً لهم وضمن تقديم التهنئة له، أُنفّذ رأي الشعب وأنصّب حجّة الإسلام السيد الدكتور حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلاميّ الإيرانية، وأسأل الله تعالى التوفيقات الكبرى له في هذه المسؤولية الخطيرة القيّمة. ومن البديهي بأنّ هذا الحكم جارٍ وسارٍ ما دام (الرئيس المنتخب) ملتزماً بتعهّداته في السير على الصراط المستقيم الذي انتهجه حتى الآن، أي مبادئ وأهداف النظام الإسلاميّ، والدفاع عن حقوق الشعب، والوقوف بوجه الطغاة والمستكبرين، و هكذا سيكون إن شاء الله وبعون منه سبحانه.

أوصي رئيس الجمهوريّة المحترم بالاستعانة بالحضرة الأحدية، والالتزام بالتقوى، والخشوع والتوسل إلى الله القادر المتعال، والاستفادة من الإمكانات العظيمة والمكاسب والتجارب المتراكمة في البلاد، وأرجو له الهداية من الله، والدعم العام من الجميع.

والسلام على جميع عباد الله الصّالحين.

 
 
 
 
 
 
434

368

في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة


المناسبـة: مراسم تنفيذ رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دورتها الحادية عشر 
الحــضـور: كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، وسفراء وشخصيات من بعض الدول 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
12/05/1392 هـ.ش.
25/09/1434 هـ.ق.
03/08/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
435

369

في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

جلسة رائعة جدّاً ومهمّة ويوم مبارك جدّاً إن شاء الله. إنّها لظاهرة قيّمة ومهمّة جدّاً أن يتمّ تداول السلطة التنفيذية في النظام المقدّس للجمهورية الإسلاميّ بثبات وهدوء وصفاء وأجواء حميمة1 بين خادمي هذا النظام. هذه الظاهرة ناجمة عن حاكميّة الشعب الإسلاميّ، التي أقامها إمامنا الخميني العظيم بدرايته وحكمته، وجَعَلَهَا أسَاسَاً لعمل نظام الجمهوريّة الإسلاميّ. الفعل بيد الناس والاختيار لهم، والإسلام العزيز هو محور الأعمال ومدارها، (هذه هي) حاكميّة الشعب الإسلاميّ2.
 
حاكمية الشعب
إنّ شعبنا لم يكن قد ذاق طعم الحاكميّة الشعبية إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلاميّ. منذ إعلان الحركة الدستورية في إيران إلى سنة انتصار الثورة، مضت مدة خمسة وسبعين عاماً كان منها مدة خمسة وخمسين عاماً لعهد ديكتاتورية العائلة البهلوية، ديكتاتورية عنيفة وتابعة للقوى العالمية، أي لبريطانيا أوّلاً ومن ثم أميركا. وقد كانت زمام الأمور في البلاد طوال هذه الأعوام الخمسة والخمسين - ودون أدنى اهتمام بإرادة الناس - بيد أناس لا يكترثون لمصير هذا الشعب ولا لمصالحه ولا لعظمة وجلال وعزّة هذا البلد، ولا يُفكّرون إلّا بمصالحهم الشخصية ومصالح القوى التي تدعمهم. والعشرون عاماً التي سبقت ذلك العهد عاش فيها البلد أيضاً حالة من الفوضى والهرج والمرج. أي إنّه منذ بداية العهد الدستوري حتى انتصار



1 بمعنى حبية يسودها الود.
2 سيادة الشعب الإسلاميّ, مصطلح يطلق على نظام الحكم في الجمهوريّة الإسلاميّ.

 
 
 
 
 
 
 
437

370

في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

 الثورة الإسلاميّ، باستثناء فرصة محدودة لمدّة عامين تشكلت فيها حكومة وطنية ضعيفة - وقد سقطت بدورها نتيجة مؤامرة بريطانية وأمريكية مشتركة - انقضت كل هذه المدّة تحت ظلّ الاستبداد والدكتاتورية.

 
لقد تذوّق الشعب طعم السيادة الشعبية (الحاكميّة الشعبية) في عهد الجمهوريّة الإسلاميّ.
 
منذ بداية انتصار الثورة وإلى اليوم، في كل الأمور والشؤون المهمّة والمسؤوليات الأساسية في البلاد كان الشعب هو الذي يمارس الدور الأساس. إحدى عشرة دورة من انتخابات رئاسة الجمهوريّة وتسع دورات من انتخابات مجلس الشورى الإسلاميّ، وعدّة دورات من انتخابات مجلس خبراء القيادة والمجالس البلدية، أي إنّه في هذه الأعوام الأربعة والثلاثين جرت انتخابات واحدة في كل سنة تقريباً. الناس يشعرون أنهم هم أصحاب القرار والإشراف والعمل في مجال تقرير مصيرهم وإدارة بلدهم والتخطيط لشؤونه، هذه هي السيادة الدينية للشعب.
 
خصوصيات السيادة الشعبية 
من خصوصيات هذه السيادة الشعبية أنّ العلاقة بين الناس والمسؤولين لا تقتصر على مجرّد العلاقة القانونية1، فبالإضافة إلى ذلك يوجد علاقة عاطفية وإيمانية، ناجمة عن معتقدات الناس وبصيرتهم الدينية والتزامهم بأسس الثورة وأصولها. الأمر الذي لا نعرف له نظيراً في عالمنا، أنْ تكون العلاقة بين الشعب والمسؤولين مثل هذه العلاقة المتينة العاطفية والإيمانية والدالّة على الالتزام بالمباني والأصول، وهذا هو ما يرشد (يهدي) المسؤولين. فليلتفت رئيس الجمهوريّة المحترم، والذي تولّى اليوم رسمياً المسؤولية الثقيلة والمشرِّفة لرئاسة الجمهوريّة، إلى هذه النقطة وهي أنّ الناس يعتبرون أنّ بلدنا العزيز إيران بلد إسلامي وقائم على الأصول والتعاليم الإسلاميّ، ولهذا فإنّهم يقفون بثبات وصمود. 



1 المقصود اقتصار العلاقة الحاكمة بينهما على تطبيق القوانين والأنظمة والتشريع، بل أكثر من ذلك.
 
 
 
 
 
 
 
438

 


371

في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

 انظروا لما جرى في هذا البلد بالأمس في يوم القدس. من الذي أجبر الناس على الخروج إلى الشوارع، في هذا الجوّ الحار وهم صائمون، في طهران والمدن في المحافظات، وفي الجو الحار لمناطق مثل خوزستان، ليطلقوا الشعارات على أساس عقيدة يحملونها، ويشهروا صمودهم في وجه العالم كله، ويعلنوا موقفهم من قضية فلسطين والكيان الصهيوني الغاصب؟ ما هي تحليلات المحلّلين؟ كيف يحلّلون هذا الحدث العظيم؟ إنّه الحدث الذي يقع كل سنة في يوم القدس.


وفي يوم الثاني والعشرين من شهر بهمن (11 شباط) ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّ، يخرج الشعب بشوق وحماس، من كل الفئات، شيباً وشبّاناً ونساء ورجالاً وفي أقصى مناطق البلاد ويهتفون بمواقفهم تجاه قضايا البلاد الأساسية. هذا هو الإيمان وهذه هي العلاقة الإيمانية. ما من أوامر أو تعميمات أو تشجيعات مادية بوسعها دفع الشعب للنزول إلى الساحة بهذه الصورة. وكذلك الحال أيضاً بالنسبة للمشاركة في الانتخابات. لقد شاهدتم الانتخابات الحماسية لرئاسة الجمهوريّة هذه السنة، وكذلك نظائرها في الدورات السابقة. الشعب هو من قام بهذا (الإنجاز)، لأنّه يشعر بالالتزام والتكليف والمسؤولية، فالالتزام الإيماني هو الذي يدفع الشعب للنزول إلى ساحات المشاركة السياسية والاجتماعية. هذه هي ميزة السيادة الدينية للشعب. إمامنا الخميني العظيم هو من فتح هذا الدرب أمام الشعب، وقد واصل الشعب بكل وفاء هذا الدرب حتى يومنا الحالي، وسيواصل ذلك في المستقبل أيضاً إن شاء الله. 

واجبات المسؤولين التصدّي لخدمة الناس
إنّ واجبات المسؤولين هي واجبات ثقيلة. فتحمُّل المسؤولية في نظام الجمهوريّة الإسلاميّ لا يعني الاستمتاع بالسلطة، وإنّما يعني التصدّي لخدمة الناس. هذا هو معنى تقبُّل المسؤولية والخدمة، وهو معنى المسؤولية في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
439

372

في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

 يسعى المسؤولون ويعملون ويبذلون الجهود ويقدّمون قدراتهم في الميادين المختلفة ليخفّفوا من مشكلات الناس وليصلوا بالبلاد إلى أهدافها. ولحسن الحظ فإنّ إمكانات البلاد كبيرة جدّاً، والجهود المتراكمة التي بذلها (المسؤولون) السابقون هي أيضاً جزء من إمكانيات هذا البلد، ويجب على المسؤولين المحترمين الاستفادة من هذه الإمكانات. 


وبالطبع أنا أوصي الناس بالصبر وكذلك أوصي المسؤولين المحترمين بالصبر والأناة. لا ينبغي لنا أن نتوقّع زوال المشكلات التي تعترض معيشة الناس - سواء على الصعد الاقتصادية أو على الصعد الأخرى - خلال مدّة قصيرة. بالطبع ينبغي الطلب من الله تعالى أن يوفّق المسؤولين لإنجاز الأمور والأعمال بأسرع ما يمكنهم، لكن طبيعة الأعمال الكبرى في البلاد أنّها تستغرق وقتاً.

تمتين البنية الداخلية 
وأوصي رئيس الجمهوريّة المحترم وكذلك أعضاء الحكومة التي ستنال بتوفيق من الله - إن شاء الله - الثقة في المستقبل القريب من مجلس الشورى الإسلاميّ بإنجاز الأعمال بصبر ودون تسرّع. اقطعوا الخطوات بثبات وطمأنينة. ثمة مجال للعمل في كل الميادين، وثمة أهداف سامية أيضاً، والبشائر والإشارات الإيجابية في بلادنا ليست بقليلة. وبالتأكيد فإنّ جبهة الأعداء تتعامل معنا بعدوانية. وقد أشار رئيس الجمهوريّة المحترم إلى حالات الحظر والضغوط التي يمارسها أعداء الشّعب الإيرانيّ - وعلى رأسهم أميركا بالطبع - على البلاد. وأريد أن أقول: صحيح أنّ ضغوط الأعداء تخلق مشكلات للشعب، لكنّها توفّر في الوقت نفسه تجارب قيّمة للمسؤولين والشعب. الدرس الكبير الذي تعلّمناه من هذه الضغوط الاقتصادية هو أن نعمل كل ما بوسعنا لتمتين البنية الداخلية لاقتدار البلاد، ونفعل ما يمكننا لنكون مقتدرين في داخلنا، ولا نعقد الآمال على الخارج. الذين يعقدون الآمال على غير إمكانات الشّعب الإيرانيّ، حين يواجهون مثل هذه المشكلات فسوف يُنزع سلاحهم. 
 
 
 
 
 
 
 
440

373

في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

 إمكانات الشّعب الإيرانيّ كبيرة جداً. يجب أن نعكف على تمتين البنية الداخلية للاقتدار الوطني، وقد أشرت، منذ عدّة أيام، لمسؤولي البلاد أنّ القضايا الأهم والتي تُصنّف ضمن الدرجة الأولى في البلاد هي القضايا الاقتصادية والعلمية، ويجب متابعتها بكل جدّ.

 
الوقوف بقوّة 
القضايا السياسية أيضاً قضايا مهمّة. إنّني أؤيّد الرأي الذي ذكره رئيس الجمهوريّة المحترم بخصوص التعامل الحكيم في مختلف القضايا الدولية والمسائل السياسية وقضايا العلاقات الدولية وما إلى ذلك. لا ريب في أنّ التعامل يجب أن يكون حكيماً وعقلانياً. وبالطبع يوجد لنا أعداء لا يفهمون كثيراً اللغة العقلانية، لكن واجبنا أن نقف بقوّة وبالالتفات لأهداف (وانطلاقاً من أهداف) الجمهوريّة الإسلاميّ السامية، ونعلم ما نفعله ونقوم به، ونعرف أهدافنا ونضعها نصب أعيننا ونتابعها بجدّ واجتهاد.
 
نعم، كما قال الشيخ روحاني1 فإنّ "الأمة الوسط" هي خصوصية المجتمع الإسلاميّ، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾2. الطريق الوسط هو طريق الإسلام ذاته، فلننظر ونرى ما الذي يقوله لنا الإسلام وما الذي يريده منّا. سبيل النجاح هو أن نسعى لرضا الله وأداء التكاليف الإلهية. وقد حدَّد الله تعالى لنا السبل، وإذا سلكنا هذه السبل وسرنا فيها فسنحصل على النجاح والتوفيق (الإلهي). ولا ننسى أنّه منذ اليوم الأول الذي انتصرت فيه هذه الثورة كان هناك أعداء أعلنوا عن عدائهم بصراحة وقالوا إنّهم يريدون القضاء على هذه الثورة وإسقاط نظام الجمهوريّة الإسلاميّ. منذ ذلك اليوم وإلى اليوم حيث مضت أربع وثلاثون سنة، تقدّم الشّعب الإيرانيّ أكثر على



1 الرئيس المنتخب 2013 للجمهورية الإسلاميّ وقد ألقى كلمة عند بداية اللقاء.
2 سورة البقرة، الآية: 143.

 
 
 
 
 
441

 


374

في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

 الرغم من إرادة الأعداء. لم يعجزوا عن إضعاف النظام الإسلاميّ فحسب بل لم يستطيعوا أن يحولوا دون نمو هذا النظام وازدهاره. لقد تقدّمنا اليوم في مجالات لم نكن حتى لنتصوّرها في بدايات الثورة، هذا الأمر تحقّق بفضل الألطاف والمعونات الإلهية والحضور القويّ للشعب وجهود المسؤولين الذين عملوا طوال هذه المدّة بشكل دؤوب. سبيل نجاح هذا البلد وهذا الشعب هو طريق الإسلام، والالتزام بمباني (مبادئ) الإسلام وبالقيم الإسلاميّ وبما تركه لنا إمامنا الخميني العظيم كإرث، من الإرشادات والتوجيهات والخطوط (الأصول) الواضحة والمنيرة الموجودة بين أيدينا.


تعاون المسؤولين
إنّني أوصي كل المسؤولين المحترمين بأن يضاعفوا من تعاونهم إن شاء الله في مجال رفع مشكلات البلاد، لتتعاون السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى أقصى حدود التعاون. الوضع العام للعالم الإسلاميّ وفي المنطقة وفي كل العالم يواجه مشكلات، بمعنى أنّ هناك وضعاً غير مستقر يسود كل أطراف العالم في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية. وفي منطقتنا ترون أنّ المشكلات كبيرة إلى ما شاء الله. من جهة هناك المشاكل التي تعانيها بعض البلدان الإسلاميّ، ومن جهة أخرى هناك الوجود الظالم للكيان الصهيوني حيث يعمل هذا الكيان منذ خمسة وستين عاماً على ظلم الناس، والإجرام ضدّ أهل فلسطين الأصليين. هذه المشاكل لا تتعلّق بخمسة وستين عاماً مضت، بل هي مستمرّة إلى اليوم، فهم يهدمون بيوت الناس، ويقتلون الأطفال في أحضان آبائهم، ويعتقلون الفتيان من بيوتهم، ويلقونهم في السجون، يحتجزون الناس من دون محاكمة أو لمدد أكثر من التي حكموا بها، ويضغطون يومياً على الناس، هؤلاء الناس هم أصحاب الأرض الأصليين. أليست هذه جرائم؟ أليس هذا ظلماً؟ هذه من الخصوصيات التي تشاهد في المنطقة، وتشاهد أيضاً وللأسف مساعدة بعض القوى العالمية ودعمهم لهذا 
442
الكيان الظالم في المنطقة. هذه هي الأوضاع التي تسود المنطقة.

إنّ على الجمهوريّة الإسلاميّ، ومن خلال مواقفها الواضحة وإمكانياتها الكبيرة ومستقبلها الذي يحمل الكثير من البشائر، أن تقوم بأعمال كبيرة، فيما يتعلّق بالمشكلات الداخلية بالدرجة الأولى. لقد بذلوا الكثير من الجهود. وأرى من اللازم عليّ أن أشكر حكومة جناب السيد أحمدي نجاد التي قدّمت الكثير من الخدمات وأنجزت أعمالاً مهمّة. ثمّة أعمال كثيرة يجب على المسؤولين من الآن فصاعداً أن ينجزوها إن شاء الله. إنّ حركة تقدّم البلاد وتقدّم الشّعب الإيرانيّ ونظام الجمهوريّة الإسلاميّ حركة لا تقبل التوقّف. سوف تتقدّم الأعمال إلى الأمام إن شاء الله وبتوفيق منه تعالى. 

شخص مجرَّب وذو خبرة
إن جناب الشيخ روحاني من العناصر الخدومة القديمة للنظام الإسلاميّ في مختلف القطاعات. إنّه شخص مجرَّب وذو خبرة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، سواء في فترة الدفاع المقدس، أو في مجلس الشورى الإسلاميّ، أو في المجلس الأعلى للأمن القومي، أُلقيت على عاتقه الكثير من الأعباء والأعمال، وقدّم خدمات جليلة، واليوم أيضاً، بوصفه رئيساً للجمهورية يفخر بأنّ أصوات الشعب قد اختارته لهذا المنصب. نأمل أن يُعينه الله سبحانه وتعالى ويهديه ويأخذ بيده. 
 
 
 
 
 
 
 
442

375

في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

 وعلى الجميع أن يسعوا لمدّ يد العون. إنّني أطلب من كل التيارات السياسية على اختلافها، بل وأصرّ عليها، وأطلب كذلك من كل الشخصيات المؤثّرة والنافذة الكلمة والتي لها مجال تأثير في أوساط الشعب، أطلب منهم أن يساعدوا المسؤولين والحكومة ورئيس الجمهوريّة ليستطيعوا إن شاء الله إنجاز الواجبات الجسيمة التي يحملونها على عاتقهم بشكل جيّد ويلبّوا التوقّعات والآمال التي يحملها الناس على أحسن وجه إن شاء الله.

 

 

 

 

 

443


376

في مراسم تنفيذ (إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة

 أسأل الله تعالى التوفيق لكل الحضور المحترمين ولكل أبناء الشّعب الإيرانيّ ولكل الإخوة المسلمين في كل أرجاء العالم، وآمل أن تشمل البركات الإلهية في أيام شهر رمضان المبارك هذا كل الناس إن شاء الله، وأن تكون الروح الطاهرة لإمامنا الخميني العظيم وأرواح الشهداء الطيبة راضية عنّا.


والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
444

377

في لقاء أساتذة الجامعات

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أساتذة الجامعات



المناسبـة: حلول شهر رمضان المبارك
الحــضـور: جمع من أساتذة الجامعات 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
15/05/1392 هـ.ش.
28/09/1434 هـ.ق.
06/08/2013 م.
 
 
 
 
 
 
445

378

في لقاء أساتذة الجامعات

 بسم الله الرحمن الرحيم

نشكر الله تعالى أن وُفّقنا لنشهد مرّة أخرى هذا اللقاء المحبوب والجميل لكلّ سنة ولو في آخر أيّام شهر رمضان. الاجتماع اجتماع العلم، اجتماع الجامعة. وأهميّة العلم والجامعة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّ والشّعب الإيرانيّ وبالخصوص في هذا المقطع الزمنيّ الحالي من تاريخنا، واضحةٌ بالنسبة للجميع.

غاية هذا الاجتماع
بالطّبع، إنّ هذا الاجتماع ليس مخصّصاً لكي أعرض ما عندي من مطالب ونقاط فيما يتعلّق بالجامعة أو بالعلم والمجتمع العلميّ - لا شكّ أنّني سأتعرض لبعض المطالب لكنّ الاجتماع ليس لأجل ذلك - بل إنّ عمدة رأي هذا العبد فيما يتعلّق بإقامة هذا الاجتماع ترتبط بأمرين:
الأوّل، احترام مقام أساتذة الجامعات. فهذا الاجتماع في الواقع هو اجتماعٌ رمزيّ ونموذجيّ، وذلك من أجل أن يُعرف اهتمام نظام الجمهوريّة الإسلاميّ بمقام العلم والعالم والأستاذ والجامعة ويبيَّن بهذه الصّورة الرمزيّة، وهو بحمد الله متحقّق.

الثاني، الاستماع إلى بعض المطالب الموجودة في أذهان أعزّائنا وأساتذتنا المحترمين، سواء في مجال قضايا البلد أو في مجال قضايا المجتمع والعلم وهو بحمد الله متحقّق أيضاً. بالطّبع، يردنا الكثير من التقارير وأنا أطالع الكثير من التقارير، وليست لقاءاتي بأشخاص لهم ارتباط بالجامعة بالقليلة لكن لا شكّ بأنّ ما نعلمه حول قضايا الجامعة في البلد لا يشمل كلّ قضاياها، وما أجمل أن يُعرض ما
 
 
 
 
 
 
447

379

في لقاء أساتذة الجامعات

 لا نعلمه في مثل هذا الاجتماع ومن قِبَل هذه الشّريحة وعلى لسان النّخبة الجامعيّة، وهو بحمد الله محقّقٌ لهذا الهدف، وقد تحقّق، وفي كلّ عامٍ الأمر كذلك. بالطّبع، إنّ الوقت المتاح لا يسمح أن نستفيد من (الاستماع إلى) عددٍ أكبر من الأساتذة الأعزّاء، لكنّ هذا المقدار الذي استفدناه هو فرصةٌ أيضاً. 


ما بيّنه السّادة والسيّدات من مطالب اليوم كان جيّداً، وقد أضاف إلى معلوماتنا، سواءٌ فيما يتعلّق بقضايا الجامعة أو ما يتعلّق بمزيد من الاطّلاع على الآراء المتنوّعة الموجودة في الجامعة بالنّسبة للقضايا المختلفة. 

الاختلاف في وجهات النظر جدير بالتأمُّل
حسنٌ، لقد لاحظتم أنّه في هذا الاجتماع كان هناك أحد الأعزّاء الذي يعتقد بضرورة رصد تيّار التّرجمة داخل البلد - وهو في الواقع يعني نوعاً من الإشراف على تيّار التّرجمة في البلد - وآخرٌ محترم أظهر ضرورة ترك أيادي المترجم وجهاز التّرجمة ونشر التّرجمة، حرّة، وهو في الواقع رأيٌ مخالفٌ تماماً للرأي الأوّل. وكلا الكلامين صحيحٌ مع توجيه وتبرير (إن تم تبريره وتحليله بشكل ما). أي أنّه يمكن اختيار نهجٍ وسلوكٍ يُحقّق ما يريده الرأي الأوّل وكذلك ما يريده الرأي الثاني. لكنّني لست واثقاً من أنّ الأخوين المحترمين صاحبي الآراء كانا يشيران إلى الطّريق الوسط. فكلٌّ منهما له رأيه المستقلّ ويظهره وهو بالنّسبة لنا مفيدٌ، أي إنّ وجود الآراء المختلفة هو بالنّسبة لي شخصيّاً (متضمّن) يحمل موضوعاً جديراً بالتأمّل. وقد كان هذا مثالاً ذكرته ويوجد أمثلة كثيرة أخرى.

الجهاد العلمي والنمو
لقد دوّنت عدّة نقاط أريد أن أعرضها، وسوف أعرض ما يمكن إلى حين موعد الأذان. النقطة الأولى هي أنّه منذ حوالي 12 عاماً بدأت حركةٌ علميّة جديدة ومتجهة إلى التوسّع في البلد وقد استمرّت هذه الحركة وتصاعدت. إنّني هكذا أرى وأفهم،
 
 
 
 
 
 
 
448

380

في لقاء أساتذة الجامعات

 أنّ حركة إنتاج العلم والنّظرة - الممتزجة بالجهاد - إلى العمل العلميّ والسعي العلميّ في البلد، والتي بدأت قبل 11 سنة وإلى اليوم، ليس أنّها لم تتوقّف فحسب، بل اتّجهت نحو العمق والاتّساع. وتقريباً يمكن القول إنّ هذه الحركة موجودة في جميع المجالات العلميّة - مع تفاوت، ففي ناحية معي أقل وناحية أخرى أكثر - وهو الشيء الذي نحن بصدده، إنّه الجهاد العلميّ الضروريّ لنظام الجمهوريّة الإسلاميّ ولبلدنا.


في هذه السّنوات الاثني عشرة، كان معدّل النموّ العلميّ في البلد يصل إلى 16 ضعفاً مقارنةً مع الفترة السابقة. وهذه إحصاءاتٌ تقريبيّة وقد وصلتنا من مراكز موثوقة، الأمر الذي يعدّ مهمّاً جدّاً. وهذه الحركة العلميّة المتسارعة النمو والانتشار أدّت إلى أن تقوم مراكز المعلومات العلميّة المعتبرة في العالم وتبدي رأيها وتقول إنّ معدّل تطوّر العلم في إيران يفوق المعدّل العالميّ العام بـ 13 مرّة. فلنجعل هذه الوقائع أمام أعيننا وهي نقاطٌ مهمّة جدّاً ولأنّنا نسمعها كثيراً فإنّنا نكرّرها كثيراً، فتصبح بالنسبة لنا أمراً عاديّاً. وهذه الإحصاءات ليست محلّيّة ليقوم بعضهم بعرضها فيقابله آخر بالرّفض والتشكيك، كلّا، إنّ الذي يصدر مثل هذه الأحكام هي مراكز إخباريّة عالميّة رسميّة، وهم ليسوا على وفاق معنا، أي إنّني لا أصدّق أنّ سياسات الهيمنة العالميّة قد رفعت يدها عن التدخّل في المراكز العلميّة وأمثال هذه المراكز (الإخباريّة)، ولو كان بمقدورهم لأنكروا، مثلما أنّهم ينكرون الكثير من (قضايا) تطوّرنا، لكنّهم مع ذلك يقدّمون لنا مثل هذه الإحصاءات. فهذه المراكز العلميّة الإخباريّة تقول - ما يُنشر في العالم ويُعرض على الجميع - بأنّه لو استمرّ هذا التقدّم في إيران فإنّ إيران ستصل عام 2018، أي بعد خمس سنوات، إلى المرتبة العلميّة الرّابعة في العالم وهو أمرٌ في غاية الأهميّة، أي ستكون بعد الدّول الثلاث الأخرى - أميركا والصّين وانكلترا بحسب ما ذُكر - وهو أمرٌ في غاية الأهميّة. بالطبع أنا لا أريد الادعاء أنّ هذه الإحصاءات هي إحصاءات يمكن للإنسان أن يقسم عليها بأنها صحيحة 100 %، كلا، لكنّ نهج جامعات البلد
 
 
 
 
 
 
 
449

381

في لقاء أساتذة الجامعات

 وحركتها اليوم هي على هذا الطّراز، حركةٌ عموميّةٌ آخذةٌ بالتطوّر.


حسنٌ، لو قارنّا وضع الجامعة اليوم (في بلدنا) مع (وضعها خلال) المرحلة الأولى للثّورة - وهو إرث ما قبل الثّورة أي عصر الطّاغوت - فهناك إحصاءاتٌ وأرقام أكثر روعةً من هذه. ففي ذلك اليوم الذي انتصرت فيه الثّورة كان لدينا 78000 طالب جامعيّ، واليوم لدينا 4 ملايين و400 ألف طالب جامعيّ في البلد، أي أنّ الأمر قد تضاعف 25 مرّة. في ذلك الوقت كان حمل التعليم ملقىً على عاتق خمسة آلاف أستاذ ومساعد أستاذ ومعلّم وأمثالهم، واليوم لدينا 60 ألف أستاذ جامعيّ سواء في الجامعات أو في مراكز الأبحاث - كلّ هذه تُعدّ قضايا مهمّة وتُشكّل تطوّراً قيّماً. بالطبع، لقد دوّنت ها هنا أموراً، لا حاجة لأذكرها، فبعضها معلومٌ لديكم وقد سمعتموه، وبعضها الآخر لا حاجة لعرضه. 

إنّ المقالات العلميّة الموثّقة - أي المقالات العلميّة التي تُنشر من قبل الباحثين الإيرانيين ويتمّ الرجوع اليها والاعتماد عليها في العالم - هي في ازدياد مستمرّ يوماً بعد يوم. لقد قُدّم لي في هذا المجال إحصاءات دقيقة، لا أريد الآن الغوص فيها، لكنّ هذا يُشكّل ظاهرةً مهمّة جدّاً، وعليه فإنّ الجهاد العلميّ قد تحقّق في هذا البلد.

علينا أن نتقدّم أكثر
يُطرح سؤالٌ ها هنا أنّه مع كل هذا التقدّم العلميّ الذي نشاهده في المجالات المختلفة في البلد، هل أنّه علينا أن نتنفّس الصّعداء ونجلس جانباً؟ حسنٌ، من الواضح أنّ الجواب سلبيّ، كلّا، نحن ما زلنا متخلّفين عن الخطّ الأماميّ للعلم، فنحن في الكثير من العلوم التي تحتاجها الحياة نعاني من تخلّفٍ مزمن، بالّرغم من كل هذا التطوّر الذي وصلنا اليه في بعض العلوم. ولأنّنا نعاني من كل هذا التخلّف يجب علينا العمل، هذا بالإضافة إلى أنّ قافلة العلم في العالم لا تتوقّف وهي تسير بسرعة. فالأمر عندنا لا يتوقّف على الحفاظ على موقعيّتنا الحاليّة، بل علينا أن
 
 
 
 
 
 
 
 
450

382

في لقاء أساتذة الجامعات

 نتقدّم وكلّ ذلك يتطلّب سعياً وجدّا وجهاداً. لهذا فإنّ أوّل ما نقوله لجامعات البلد وعلمائه ونخبه هو أن لا تسمحوا لهذه الحركة بالتّراجع، ولا تسمحوا للحركة العلميّة للبلد بالتوقّف. فلا يمكن لأي مانعٍ أن يحول دون تكامل الجامعة في البلد وتقدّمها العلميّ.

 
العلم اقتدار الشعب
وإنّ اعتمادنا على العلم لا ينحصر بالاحترام المبدئيّ للعلم - الأمر الذي يُعدّ بحدّ ذاته نقطة مهمّة وقد أولى الإسلام العلم قيمةً ذاتيّة - بل بالإضافة إلى هذه القيمة الذاتيّة فإنّ العلم هو القدرة. فإذا ما أراد شعب أن يعيش براحةٍ وعزّةٍ وكرامةٍ فإنّه بحاجة إلى القدرة. فالعامل الأساس الذي يمنح الاقتدار لأيّ شعب هو العلم. العلم بإمكانه تحقيق الاقتدار الاقتصاديّ وإيجاد الاقتدار السياسيّ أيضاً، وكذلك منح السّمعة والكرامة الوطنيّة لأيّ شعبٍ في نظر العالم. لا شكّ بأنّ الشّعب العالِم والمتعلّم والمنتج للعلم هو شعبٌ حائزٌ على الكرامة في نظر المجتمع الدولي وفي أعين النّاس. فالعلم إذاً، بالإضافة إلى الكرامة والقيمة الذاتيّة يتمتّع بهذه القيم الفائقة الأهميّة التي تتعلّق بخلق الاقتدار. لهذا، لا ينبغي لهذه الحركة الموجودة وهذا التّسارع الحاصل أن يتوقّف أو يتباطأ بأيّ شكلٍ من الأشكال. 
 
يوجد نقطةٌ أخرى إلى جانب هذا، وعلينا التصديق بها. فلقد قدّم الأعزّاء نقاطاً مهمّة في مجال المحاور السياسيّة في العالم، وهي نقاطٌ جديرة بالتأمّل وصحيحة، ونحن لدينا اعتقادٌ بذلك، ولكنّ الأمر الذي ينبغي التوجّه إليه هو أنّه يوجد بين القوى العالميّة جبهةُ عدو عنيد تقف مقابل نظام الجمهوريّة الإسلاميّ. فهل هذه الجبهة المعاندة المصرّة1 على عدائها للجمهوريّة الإسلاميّ تشمل أكثر بلدان العالم؟ كلا. وهل هي شاملة لأكثر الدّول الغربية؟ كلا. بل هي مرتبطة ببعض الدّول المقتدرة والتي تعارض وتعاند نظام الجمهوريّة الإسلاميّ واقتداره لأسبابٍ 



1 استخدم القائد كلمة لجوج.
 
 
 
 
 
 
 
451

383

في لقاء أساتذة الجامعات

 خاصّة. وأحد هذه المعارضات والعداوات هي المتجهة إلى البعد العلميّ. طرح بعض الأعزّاء قضيّة "الدبلوماسيّة العلميّة" و"الدبلوماسيّة الجامعيّة"، وأنا العبد أعتقد بذلك وقد حرّضت عليه، ولكن التفتوا إلى أنّ الخصم في المقابل ملتفت إلى هذه النقطة بالخصوص وقد وضع لها خططاً. لقد وضعوا الخطط فيما يتعلّق بقضية "الدبلوماسيّة العلميّة" وهم يسعون وراء أهدافهم. فلو أنجزنا العمل بتوجّهٍ ووعيٍ وبصيرةٍ فإنّني أوافق تماماً. هم ليسوا راضين عن تقدّمنا العلميّ وإنّ بعض الأفعال التي تشاهدونها اليوم في مجال الحظر وأمثاله، ترجع إلى أنّهم لا يريدون للمجتمع الإيرانيّ أن يحقّق هذا الاقتدار النّابع من الذّات، حيث إنّ الاقتدار العلميّ هو اقتدارٌ ينبع من الذّات لهذا ينبغي الاستمرار في هذا التطوّر والتقدّم. 


هدف الجامعة تطوير البلاد 
إنّ النّقطة التي أصرّ عليها، أنا العبد، أن تُطرح على هذا الأساس في أذهان السّادة والسيّدات والأساتذة المحترمين هي أنّه يجب لمقولة "العلم والتطوّر العلميّ" ومقولة "التقدّم العموميّ" في البلد أن تُحفظ في الجامعة، أي الدّافع لأجل مساهمة الجامعة في تطوّر البلد، وهي اليوم موجودة حتماً ولكن يجب المحافظة عليها وتقويتها. فلا يجوز أن يعارضها أي شيء وعلينا أن نصرّ على وجود الابتكار العلميّ في الجامعة والإصرار على جعل التطوّر العلميّ في خدمة حاجات البلد، الأمر الذي يُعدّ من التوجّهات والمعايير الأساسيّة. في النّهاية، الإمكانات محدودة - سواء على الصّعيد البشريّ أو المالي والماديّ - لهذا ينبغي الالتفات جيّداً إلى ضرورة جعل عملنا العلميّ على طريق تأمين احتياجات البلد. لدينا حاجات مختلفة يمكن للجامعة أن تؤمّنها وأن تملأ كل هذه الفراغات. وهذه هي تجربتنا.

لقد واجهنا الكثير من المشاكل في مرحلة الدّفاع المقدّس وكان لدينا عدد غير محدود من الفراغات وما كانت تُسدّ، حتى نزلت الجامعات إلى الميدان بالتدريج، وبدأت تملأ الكثير من هذه الفراغات التي ما كنّا نتصوّر أن يأتي زمان نتمكّن فيه
 
 
 
 
 
 
 
452

384

في لقاء أساتذة الجامعات

 من سدّها، وذلك بواسطة همّة الجامعات وهمّة أساتذتنا وشبابنا وعلمائنا. إنّنا قادرون على سدّ هذه الفراغات الموجودة في المجالات الاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة والإداريّة، ويمكن للجامعات أن تضع المواضيع البحثيّة في نظام عملها وأن تملأ هذه الفراغات. لهذا، فإنّ من المعايير والضوابط الضروريّة جعل العمل العلميّ في خدمة تأمين حاجات البلد.


الإصرار على تشبيك الأبحاث الجامعيّة مع الصّناعة والتّجارة، وهذا كلامٌ تحدّثنا به مراراً وتكراراً منذ 12 سنة، وقد قلناه للحكومات المتعاقبة، وكذلك للجامعات، ولا شكّ بأنّه قد تحقّق إلى حدّ كبير لكن ليس بصورة كاملة، وهذا الموضوع مفيدٌ للجامعات وكذلك لصناعتنا وتجارتنا وزراعتنا.

المنافسة في التطوير والابتكار
الإصرار على تحقيق منافسة بنّاءة في التطوير والابتكار. يجب تحقيق منافسة قويّة وبنّاءة وجادّة في البلد على صعيد الابتكارات العلميّة وبتبعها الاختراعات التكنولوجيّة. يجب إيجاد منافسة بين جامعات البلد وبين أساتذته ونخبه. على أجهزة التعليم العالي التخطيط لإيجاد هذه المنافسة بين الجامعات العليا. فلو فرضنا وجود مجموعة من الجامعات العليا في العلوم التقنيّة - الهندسية وكذلك في العلوم الإنسانيّة والفروع المختلفة والمجالات العلميّة المتعدّدة، فعلينا أن نطلق حركة التّنافس فيما بينها وأن نمنح المكافآت للجامعات السبّاقة. 

بالطبع، إنّ ما ذُكر هنا في مجال النّظر بعين اللامساواة إلى الجامعات العليا والقويّة والجامعات الضّعيفة، لا نرفضه. وبرأينا إنّ هذا الكلام صحيحٌ بشرطه وشروطه. فحيثما وُجدت الاستعدادات والإمكانات الأكبر كان من اللازم حتماً إيلاء المزيد من الاهتمام والتوجّه. لهذا يجب على الجميع - أساتذة ومدراء وأفراد مؤثّرين في الجامعات - الالتفات إلى ألّا يتّجّه الجوّ الجامعيّ نحو القضايا الواهية، وأن يكون جوّاً متجهاً نحو القضايا الأساسيّة والجوهريّة، وأن تبقى مقولة العلم والتطوّر 
 
 
 
 
 
 
 
453

385

في لقاء أساتذة الجامعات

 العلميّ ومقولة التقدّم العموميّ1 للبلد حاكمة دوماً على الجامعات. وبالطّبع، يوجد هنا أعداءٌ يرغبون بتحويل القضايا المتعلّقة بالعمل النقابي (التشكلات الطلابية) في الجامعات باتّجاه القضايا السياسيّة والنّزاعات السياسيّة ويجب اجتناب هذا الأمر. وليس من مفاخر الجامعة أن تصبح القضايا الأساسيّة فيها واقعة تحت ظلّ القضايا الصّغرى والقليلة الأهميّة وأحياناً تحت تأثير التيّارات السياسيّة. إنّ الجوّ الجامعيّ ينبغي أن يكون جوّاً يتمكّن فيه العلم والعالِم من أن يكون له حياته المناسبة. 

 
التطوّر نتاج الثورة
بالطّبع وما هو معلومٌ حتماً وعلى جميع الأعزّاء أن يلتفتوا إليه، أنّ هذا التطوّر العلميّ، وهذه النّجاحات التي تحقّقت إلى اليوم في البيئة العلميّة للبلد، إنّما كانت ببركة الثّورة الإسلاميّ وببركة الإسلام والثّورة. لو لم يتمكّن هذا العامل الفعّال والمطوّر للثّورة والإيمان الدينيّ، من التأثير العام على أوضاع البلد، ومنها ما يتعلّق بقضيّة العلم، يقيناً، لمَا كان شعاع نفوذ القوى المتسلّطة ليسمح لدولةٍ مثل إيران - التي يطمعون بها - أن تتمكّن من تحقيق كل هذا التطوّر في مجال العلم والوصول إلى هذه الثّقة والاعتماد على النّفس، ما كانوا ليسمحوا، كما أنّهم يفعلون ذلك في مناطق أخرى حيث لهم التسلّط والنّفوذ. هذه الثّورة الإسلاميّ هي التي جاءت وحطّمت الجوّ السّائد وغلّبت الجوّ العلميّ. لهذا علينا جميعاً أن نعتبر أنفسنا مدينين ونلتزم بحفظ مبادئ الثّورة وقيمها. 
 
الارتقاء النوعي
نقطة أخرى بيّنتها هنا، وقد أشير إليها في كلمات الأعزّاء وهي قضيّة الارتقاء الكيفيّ (النوعي) في الجامعات. بالطبع، أنا لا أؤمن بأنّ التوسّع الكمّيّ أمرٌ قليل



1 ورد في النص التقدّم العمومي, أكثر من مرة, والمقصود منه التقدّم العام والشامل لمختلف المجالات.

 
 
 
 
 
 
454

386

في لقاء أساتذة الجامعات

 الأهميّة، كلّا، فإنّه في نفسه حائزٌ على أهميّة فائقة. فأعداد طلّاب الجامعات في ازدياد، وكذلك عدد الجامعات، وهذا الانتشار والتوسع البارز للمراكز العلميّة في البلد، وأن يتمكّن الأطبّاء في مستشفيات المدن النائية من القيام بعمليّات جراحيّة لم يكن إجراؤها ممكنا بتلك السهولة حتّى في طهران في الماضي غير البعيد - في بدايات الثّورة أو بطريق أولى قبل الثّورة - كل هذه ليست بالأمر القليل بل هي باعثة على الافتخار. لهذا نحن لا نرفض الاتّساع الكميّ، لكنّنا نؤكّد على أن يكون الاتّساع الكمّيّ متلازماً مع الاتّساع الكيفيّ - عمق النوعية والجودة - لهذا، ينبغي أوّلاً، تحديد المستوى النوعي (مستوى الجودة) في جامعات البلد، أي أن تُحدّد أجهزة إدارة الجامعات أيّ جامعة أو أي جامعات هي تحت خطّ معيار الجودة المعتبر، ثمّ تقوم بعدها بالتخطيط للارتقاء بالبعد الكيفيّ في هذه الجامعات، فمثل هذا يُعدّ من الأعمال الضروريّة جدّاً ويجب أن يتحقّق حتماً. فيجب العناية بقضيّة الكيفية والجودة كموضوعٍ مستقلّ. 


أهميّة نشر اللغة الفارسيّة 
نقطة أخرى دوّنتها ومن الجيّد أن أُكرّرها وهي أن يُستفاد من التطوّر العلميّ في البلد من أجل توسعة نشر اللغة الفارسيّة. اللغة أمرٌ مهمٌّ جدّاً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء! إنّ أهميّة اللغة الوطنيّة لأيّ بلدٍ ما زالت مجهولةً بالنّسبة للكثيرين. يجب نشر اللغة الفارسيّة. يجب أن يزداد التأثير الثقافيّ للّغة الفارسيّة على صعيد العالم يوماً بعد يوم، فاكتبوا بالفارسيّة وابتكروا المصطلحات الفارسيّة ولنعمل على أن يأتي زمانٌ يضطرّ من يريد أن يستفيد من تطوّرنا العلميّ لتعلّم اللغة الفارسيّة. ليس فخراً أن نقول بأنّه لا بدّ من أن تكون اللغة العلميّة لبلدنا هي اللغة الأجنبيّة الفلانيّة. فاللغة الفارسيّة تمتلك من الإمكانيّة والاستعداد ما يمكّنها من بيان أدقّ العلوم والمعارف. نحن نمتلك لغةً ذات إمكانات واسعة. مثلما لم تسمح بعض الدّول الأوروبّيّة للّغة الإنكليزيّة أن تصبح لغتهم العلميّة - كفرنسا وألمانيا - وحفظوا لغتهم 
 
 
 
 
 
 
455

387

في لقاء أساتذة الجامعات

 كلغة علميّة في جامعاتهم. فقضيّة اللغة قضيّة مهمّة جدّاً وهي تحتاج في الواقع إلى أن نبذل لها مثل هذه الحميّة. وإنّ من الاهتمامات التي توليها الحكومات الواعيّة والنّبيهة في العالم هي الاعتماد على نشر لغتهم الوطنيّة في العالم. وللأسف، فإنّ هذا الأمر لم يتحقّق بسبب غفلة الكثير من الدّول، حتّى أنّ اللغات المحلّيّة واللغات الأصليّة للكثير من الشعوب قد انقرضت كلّيّاً، أو صارت تابعة. كنت دوماً أتألّم قبل الثّورة ممّا كان يجري في بلدنا على صعيد التفاخر في استعمال المصطلحات الأجنبيّة - وكأنّ استعمال العبارة الأجنبيّة لبيان أيّ مطلبٍ يُعدّ مفخرةً. وللأسف، ما زال هذا الأمر حتى يومنا هذا! إنّ الكثير من العادات السيّئة التي كانت سائدة قبل الثّورة انعدمت بالثّورة، لكنّ هذا الأمر وللأسف لم ينعدم! فالبعض كأنّهم يفتخرون بعرض حقيقةٍ ما أو عنوان بمفردة أجنبيّة، في حين أنّه يوجد لفظٌ مرادف له بالفارسيّة لكنّهم يحبّون أن يستخدموا العبارات الغربيّة، ثمّ بعد ذلك سرى هذا شيئاً فشيئاً إلى النطاقات الواسعة على مستوى الطّبقات الدنيا وعامة الناس، الأمر الباعث على الألم. ولديّ في ذهني نماذج لا حاجة الآن لذكرها. 


نموذج التقدّم الإيراني - الإسلاميّ
النّقطة الأخرى أيضاً - لعلّها الأخيرة - وهي أنّنا لو كنّا بصدد التقدّم ونعتبر التطوّر العلميّ شرطاً لازماً للتطوّر العام في البلد فعلينا أن نلتفت إلى أنّ مرادنا من التطوّر ليس التطوّر وفق النّموذج الغربيّ. إنّ القانون الأساس للحركة والعمل في نظام الجمهوريّة الإسلاميّ هو اتّباع أنموذج التقدّم الإيراني - الإسلاميّ. إنّنا لا نريد التطوّر على شاكلة ما يتّبعه الغرب وما حقّقه. إنّ التطوّر الغربيّ ليس له أي جاذبيّة في يومنا هذا عند الإنسان الواعي. فلم يتمكّن تقدّم الدّول الغربيّة المتطوّرة من القضاء على الفقر والتمييز، ولم يتمكّن من إحلال العدالة في المجتمع، وعجز عن تثبيت الأخلاق الإنسانيّة. فهو أوّلاً تطوّرٌ بُني على أساس الظّلم والاستعمار ونهب الدّول الأخرى.
 
 
 
 
 
 
 
 
456

388

في لقاء أساتذة الجامعات

 ها قد رأيتم الآن ما ذكره بعض السّادة هنا فيما يتعلّق بهجوم البرتغال على إيران. حسنٌ، لم تكن إيران لوحدها. ففي هذه المنطقة من شرق آسيا كان هناك أماكن مختلفة ذهب إليها البرتغاليّون والهولنديّون. وهل كان لهولندا ذاك الطول والعرض الجغرافيّ والتاريخيّ والعلميّ؟ أم للبرتغال؟ أم لإسبانيا؟ أم لإنكلترا؟ لقد هيمنوا على كل هذه القارّة الآسيوية العظيمة وأحكموا قبضتهم على قارة أفريقيا وشدّوا عليها الوثاق1، لقد كانت (هاتان القارتان) منابع الثّروة. انظروا إلى ما كتبه "نِهرو" في "نظرة إلى تاريخ العالم"، فهو يبيّن ما كان من تطوّر علميّ وتقنيّ في الهند قبل دخول الإنكليز. وأنا العبد لم أكن مطلعاً على هذه القضيّة قبل أن أقرأها من شخص مطّلع كـ "نِهرو" والتي كتبها في ذلك الوقت. فهناك دولة كانت تتحرّك على مسار علميّ معقول وصحيح، ثمّ يجيء أولئك ويحتلّونها بالاستعانة بالعلم والسّلاح ويذبحون أهلها بدمٍ بارد، ويستولون على مصادر ثروتها ويفرضون أنفسهم عليها. يخرجون الثّروة من الهند ويكدّسونها في بلدهم. لقد تمكّن الإنكليز من السيطرة على أميركا بالمال الذي حصلوا عليه من الهند. فإلى ما قبل سنوات استقلال أميركا، حينما كان الإنكليز مهيمنين عليها، كان عمدة مداخيل التجّار الإنكليز من التجارة التي يقومون بها بين الهند وسواحل أميركا، إلى أن انتهى عصر تسلّط الإنكليز من خلال رفض سكّان أميركا - لا السكّان الأصليين بل المهاجرين الإنكليز والإسبانيين وغيرهم - والحرب التي جرت ومن بعدها استقلال أميركا.

 
على كلّ حال، لقد أسّسوا حضارتهم منذ البداية من خلال امتصاص دماء الشعوب، ومن بعدها لم يتمكّنوا مع كلّ هذا التطوّر، من القضاء على الظّلم في بلادهم أو على التمييز وكذلك لم يتمكّنوا من إيصال المجتمعات الفقيرة إلى الاستغناء. انظروا اليوم إلى الوضع الاقتصاديّ في هذه البلاد وإلى الوضع الاجتماعيّ كيف هو، وما هي حالة الوضع الأخلاقيّ. هذا الانحطاط الأخلاقيّ، وذاك المستنقع الآسن للأخلاق الجنسيّة في الغرب. إنّ تطوّر الحضارة الغربيّة هو



1 المقصود: أحكموا الخناق عليها ونهبوا خيراتها.
 
 
 
 
 
 
457

389

في لقاء أساتذة الجامعات

 على هذه الشّاكلة وبهذه الخصوصيّات ونحن لا نحبّذه بأيّ شكل. إنّنا بصدد تحقيق أنموذجنا المنشود والمبدئيّ وهو أنموذجٌ إسلاميّ وإيرانيّ وهو ينبع من هداية الإسلام ويستفيد من الحاجات والعادات الإيرانيّة وهو أنموذجٌ مستقلّ. وبالطبع، يبذل اليوم الباحثون وأهل الفكر مساعٍ كثيرة من أجل تدوين هذا الأنموذج.


أظنّ أنّ الوقت قد انتهى في حين أنّ الملاحظات التي دوّنتها أنا العبد لم تنتهِ، ومثل كلمات الكثير من الإخوة والأخوات المحترمين التي ألقوها هنا، وبسبب ضيق الوقت لم ينهوها إلى آخرها، أنا العبد مضطرٌّ إلى تجاوز بعض ما عندي حتّى إذا شاء الله ومنحنا عمراً نعرضها عليكم مرّةً أخرى في اجتماعاتٍ أخرى في الجامعات وفي اللقاءات الأخرى.

اللهمّ! أنزِل بركاتك في هذا الشّهر على مجتمعنا الجامعيّ.

اللهمّ! لا تحرم قلوب المشتاقين في هذا الشّهر من رحمتك المطلقة.

اللهمّ! إن لم تكن قد غفرت لنا حتّى هذا اليوم من شهر رمضان، فاغفر لنا فيما بقي منه.

اللهمّ! أنجِح شعب إيران في جميع الميادين وفي كلّ مجالات الحياة، وانصر هذا الشّعب العظيم على أعدائه.

اللهمّ! امنح القدرة للنّوايا الصّادقة والقلوب العاشقة لتقدّم شعب إيران، والعاشقة للحقيقة لكي تتمكّن من تحقيق أمنياتها السامية الكبرى.

اللهمّ! أرضِ عنّا روح إمامنا الجليل الطاهر، وأرواح شهدائنا الأعزّاء، واجعل دعاء إمام الزّمان، عليه الصّلاة والسّلام وعجّل الله فرجه، المُستجاب، شاملاً لحالنا وأرضِ قلبه المقدّس عنّا.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
458

390

في صلاة عيد الفطر السعيد

 خطبة الإمام الخامنئي دام ظلّه في صلاة عيد الفطر السعيد


المناسبـة: خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد
الحــضـور: حشد من المسؤولين وعامة الشعب 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
18/05/1392 هـ.ش.
01/10/1434 هـ.ق.
09/08/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
459

391

في صلاة عيد الفطر السعيد

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين بارئ الخلائق أجمعين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكّل عليه، ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه حافظ سرّه ومبلّغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته، سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهدييّن المعصومين المكرّمين سيّما بقيّة الله في الأرضين.

أوصيكم جميعاً، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء المصلّين والمؤمنين المشاركين في هذا الاجتماع المهيب، ونفسي وأدعوكم إلى حفظ التقوى التي هي أساس السّعادة والنّصر في الدنيا والآخرة، وأبارك لكم عيد الفطر السّعيد لكلّ الشّعب الإيرانيّ ولكلّ مسلمي العالم.

المنزلة الرفيعة لهذا اليوم
لقد مرّ شهر رمضان عابقاً بالبركات الإلهيّة على شعبنا وعلى بقيّة المسلمين، واستفاض من بركاته الكثير من السّعداء. في هذا الجوّ الحارّ وفي هذه الأيّام الطّوال، قضى هؤلاء الأيّام بلسان صائم مع الجوع والعطش واجتناب اللذّات والأهواء النفسانيّة من أجل طاعة الله، والكثير منهم قاموا لله في الليالي من أجل الدّعاء والذّكر والمناجاة. أولئك الّذين أدّوا تكليفهم في هذا الشّهر من خلال عبادة الله وأداء الفرائض الإلهيّة، يشعرون بالرّضا والبهجة. إنّ السّعي المعنويّ وجهاد النّفس في هذا الشّهر يمنح أصحاب الهمم والإرادة - ومنهم أنتم أيّها الشّعب العزيز وقد تحمّلتم الصّيام - والشّعور بالفرح والمسرّة المعنويّة، ويُعدّ هذا من خصائص السّعي في سبيل الله والعمل والجهاد لله، حيث إنّ صاحبه ورغم تحمّل الصّعاب
 
 
 
 
 
 
 
461

392

في صلاة عيد الفطر السعيد

 والمشقّات، يشعر بالبهجة التي يوصلها الله ببهجة يوم عيد الفطر. ويكفي لعظمة هذا اليوم أنّكم تقسمون بالله في القنوتات التّسعة لهذه الصّلاة المليئة بالبركة بحقّ هذا اليوم "أسألك بحقّ هذا اليوم" وهذا دليلٌ على المنزلة الرّفيعة لهذا اليوم.


أسأل الله تعالى أن يتقبّل عباداتكم وينزل رحمته وتفضّله على شعب إيران ويؤجركم بالأجر الوافر لأجل كلّ ما قمتم به في هذا الشهر. وإنّ من المساعي الكبرى في هذا الشّهر مسيرات يوم القدس التي كانت حقّاً فوق قدرة أيّ لسان على وصف أهمّيّتها، حيث إنّكم سرتم في كلّ أنحاء البلد، وفي ذاك الطقس الحارّ وبالألسن الصائمة في هذه الشوارع لتثبتوا صمود شعب إيران على هذه القضيّة المهمّة للعالم الإسلاميّّ والتّاريخ الإسلاميّّ. هذا هو الشّعب الحيّ. ومن الضّروريّ أن أشكر بكلّ وجودي وأعماق قلبي همّة شعب إيران هذه. 

سُنّة الإفطارات البسيطة
وقد شاهدنا هذه السّنة، سُنّةً جيّدة أكثر من السّنوات السّابقة، من الجدير أن يتمّ الاعتناء بها، وهي تقديم الإفطارات البسيطة وغير المتكلّفة في المساجد وفي الشّوارع، في معظم مدن البلد - وهو عملٌ مناسبٌ جدّاً - وذلك مقابل الإفطارات المسرفة، التي سُمع عنها وعُلم أنّ البعض يقومون بها تحت حجّة الإفطار وتظهر منهم التصرّفات المسرفة، وبدلاً من أن تكون هذه الإفطارات في شهر رمضان وسيلةً للقرب الرّوحي إلى الفقراء والمساكين فإنّهم بهذا العمل وهذه التصرّفات أغرقوا أنفسهم في اللذّات الجسمانيّة. لا نريد أن نقول إنّه لو كان الإفطار شهيّاً فإنّه يكون ممنوعاً، كلّا، فمثل هذا ليس ممنوعاً في الشّرع وإنّما الإسراف هو الممنوع، والإكثار والإهدار الكبير الذي قد يحصل في مثل هذه المجالس، هذا هو الممنوع. وما أجمل أن يتمسّك، من يريد تقديم الإفطار، بهذه السُنّة التي راجت، حيث يُقدّم للنّاس والعابرين ومن يرغب، الموائد المجّانيّة في الأزقّة والشوارع والحسينيّات، مع ما فيها من بذلٍ وعطاءٍ وتوفيق. 

أملنا أنّ الله تعالى سيبارك لكم جميعاً يا شعب إيران ويتقبّل أعمالكم ويمنحكم جميعاً توفيق حفظ منجزات شهر رمضان المبارك إلى العام المقبل.
 
 
 
 
 
 
 
462

393

في صلاة عيد الفطر السعيد

 بسم الله الرّحمن الرّحيم

﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
 
 
الخطبة الثانية
 
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيّما عليّ أمير المؤمنين وسيّدة نساء العالمين والحسن والحسين سبطي الرّحمة وإماميّ الهدى وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمّد بن عليّ الباقر، وجعفر بن محمّد الصّادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعليّ بن موسى الرّضا، ومحمّد بن عليّ الجواد، وعلي بن محمّد الهادي، والحسن بن عليّ العسكري، والحجّة القائم المهديّ، صلوات الله عليهم أجمعين، والسّلام على أئمّة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين ونستغفر الله ونتوب اليه.
 
أدعو جميع الإخوة والأخوات وأوصيهم برعاية التقوى بالقول والفعل والموقف وفي التحرّكات الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية المختلفة. 
 
أحداث مقلقة
في هذه الأيّام تقع أحداثٌ كثيرة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا وفي المنطقة الإسلاميّ بالعموم. سأشير إلى بعض أبعاد هذه الأحداث باختصار. كان هناك حدثٌ مهمٌّ في بلدنا، وهو تشكيل الحكومة الجديدة حيث تحقّقت بحمد الله الإرادة القانونيّة والسنّة الوطنيّة بهمّة الشّعب والسّعي المتضافر من جميع الجّهات وفق أفضل صورة، وإن شاء الله ستتشكّل (الحكومة) بسرعة من خلال قيام مجلس الشّورى الإسلاميّ بدوره في اختيار الوزراء الصّالحين لتبدأ الأعمال الكبرى والمهمّة
 
 
 
 
 
 
 
463

394

في صلاة عيد الفطر السعيد

 الملقاة على عاتقهم، هذا وإن كان الكثير من الأعمال قد بدأ منذ الآن. وأملنا أن يشمل التوفيق الإلهيّ رئيس الجمهوريّة المحترم ومسؤولي الدّولة التنفيذيين، وأن يعاضدهم الشّعب ويمدّهم بأدعيته لكي يتمكّنوا من إنجاز الأعمال الكبرى الملقاة على عاتقهم بأفضل وجه وهي أعمالٌ كبرى ذات منافع عظيمة وفيها مصاعب جمّة. 


أمّا في بقيّة البلدان المجاورة والمحيطة بنا - في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا - فالأحداث ليست بهذه الصّورة المفرحة بل هي مقلقة. منها أحداث فلسطين المظلومة حيث إنّه بعد مرور 65 سنة على الاحتلال الرّسميّ لفلسطين، مازال الظلم والجّور والإجحاف بحقّ الشّعب المظلوم مستمرّاً ويوميّاً، من تخريب البيوت واعتقال الأبرياء، وعزل الأبناء عن الآباء والأمّهات، وتعبئة السّجون بالأبرياء أو بأولئك الّذين أنهوا مدّة حكمهم، والمؤلم أنّ القوى الغربيّة المهيمنة تدافع بكلّ وجودها عن هؤلاء المجرمين. فمن مصائب عالم اليوم الحاليّة حيث يقوم أشخاصٌ بدعم ظلمٍ واضحٍ مركّب من عشرات بل مئات (أنواع) الظّلم المتراكم وهم يدّعون الدّفاع عن حقوق الإنسان، والدّيمقراطية وأمثالها من الشّعارات الجميلة والرنّانة لكنّهم في الواقع داعمين لهؤلاء المجرمين.

المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية
والآن قد بدأت المفاوضات مجدّداً بين سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية والصهاينة، والتي لا شكّ أنّها لن تأتي بشيءٍ أكثر ممّا تحقّق في المفاوضات السّابقة، وهي عبارة عن تراجع الفلسطينيين عن حقوقهم، وتحريض المعتدي على المزيد من الاعتداء، وقمع نضال الشّعب الفلسطينيّ الحقّ. ها هم يهدمون البيوت ويبنون العمارات المغصوبة للمحتلّين والغاصبين ويقولون إنّنا نفاوض! ومع ذلك يعلنون أنّ المفاوضات سرّيّة. إنّ تدخّل الاستكبار في هذه المفاوضات لا شكّ بأنّه سينتهي إلى ضرر الفلسطينيّين. إنّنا نعتقد بأنّ على العالم الإسلاميّ أن لا يقصّر لحظة واحدة في دفاعه المتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة وإدانة الأعمال العدوانيّة
 
 
 
 
 
 
 
 
464

395

في صلاة عيد الفطر السعيد

 لذئاب الصهيونيّة الوحشية وحماتها الدوليّين، لكي لا تؤدّي هذه المفاوضات التي تجري كما يُقال بوساطة أمريكيّة - وفي الواقع أنّ أميركا ليست وسيطاً بل هي أحد أطراف القضيّة وهي إلى جانب مغتصبي فلسطين من الصّهاينة - إلى المزيد من الظّلم بحقّ الشّعب الفلسطينيّ وعزل الفلسطينيّين المسلمين المناضلين.


قلق الحرب الأهلية في مصر
القضيّة الأخرى هي قضيّة مصر. إنّنا قلقون ممّا يجري في مصر. يزداد القلق يوماً بعد يوم من نشوب حرب أهليّة في مصر بسبب الأعمال التي تحصل. وهذه كارثة. من الضروريّ لشعب مصر ونخبه السياسيّة والعلميّة والدينيّة في هذا البلد العظيم أن ينظروا إلى الوضع الحاليّ ليروا أيّة عواقب وخيمة يمكن أن تنشأ منه، ولينظروا إلى أوضاع سوريّا، وليروا آثار تواجد عملاء الغرب وعملاء إسرائيل والإرهابيّين في أيّ منطقةٍ حلّوا، فلينظروا في هذه المخاطر. يجب الالتفات إلى الديمقراطيّة والسّيادة الشعبيّة، فقتل النّاس مدانٌ بشدّة واللهجة الحادّة والشّديدة للجماعات الشعبيّة ضدّ بعضهم البعض عديمة الجدوى وذات مضارّ كبرى. ولن يأتي سوى الضّرر من تدخّل القوى الأجنبية، كما يُشاهد الآن بحقّ شعب مصر. يجب على الشّعب المصريّ نفسه ونخبه أن يحلّ عقدة مصر، النّخب هي التي ينبغي أن تفكّر وتقيس العواقب الوخيمة والخطرة التي يمكن أن تنجم عن هذا الوضع. فلو حصل - لا سمح الله - الهرج والمرج والفوضى، ولو نشبت لا سمح الله حربٌ أهليّة فمن يمكنه أن يحول دونها؟ وسوف يتحقّق المبرّر لتدخّل القوى العظمى التي هي أعظم بلاء على أيّ دولةٍ أو أي شعب. إنّا قلقون. نوصي بروح أخويّة نخب مصر وشعبها والتيّارات السياسيّة والجماعات الدينيّة وعلماء الدّين أن يجلسوا فيما بينهم ليفكّروا ويتّخذوا القرارات ويمنعوا الأجانب والمقتدرين من العودة مجدّداً والتدخّل، فهناك احتمالٌ قويّ أنّ أجهزتهم المخابراتيّة لم تكن بعيدةً عمّا يجري وما حصل من أوضاع. 
 
 
 
 
 
 
465

396

في صلاة عيد الفطر السعيد

 القوى الكبرى والرّجعيّة تريد تدمير العراق

القضيّة اللاحقة هي قضيّة العراق. ففي العراق يوجد دولةٌ وحكومة على رأس الأمور، وفق موازين السّيادة الشعبيّة وأصوات النّاس. ولأنّ القوى الكبرى والقوى الرّجعيّة في المنطقة غير راضية عن هذا الوضع فهم لا يريدون أن يهنأ الشّعب العراقيّ بما حقّقه، وهذه التفجيرات والمجازر والأعمال الإرهابيّة الإجراميّة هي لا شكّ بدعم مالي وسياسيّ وعسكريّ من قِبَل بعض القوى الإقليميّة ومن وراءها التي لا تريد لشعب العراق أن يعيش حياته. وهنا من الضّروريّ أن ينظر سياسيّو العراق والمسؤولون العراقيون والفئات العراقية شيعة وسنّة وعرباً وأكراداً إلى الوضع الذي تعيشه بعض الدّول الأخرى ليروا عواقب الخلافات الدّاخليّة والحرب الأهليّة التي تدمّر البُنى التحتيّة لأيّة دولة وتقضي على مستقبل أيّ شعب. وفي كلّ هذه القضايا يتفرّج الكيان الصهيونيّ على هذا الوضع بسرور ويشعرون بالرّاحة والهناء. فهل هذا جائز؟
 
اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد أيقظنا جميعاً من سُبات الغفلة.
 
اللهمّ! اقطع أيدي الأشرار والمعتدين على الشعوب الإسلاميّ وبلدانها.
 
اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد انصر الإسلام والمسلمين في بلاد العالم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *  إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.
 
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 
 
 
 
 
 
466

397

في لقاء مسؤولي النّظام وسفراء الدّول الإسلاميّ

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مسؤولي النّظام وسفراء الدّول الإسلاميّ


المناسبـة: عيد الفطر السعيد
الحــضـور: مسؤولو النظام وسفراء الدول الإسلامية 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
18/05/1392 هـ.ش.
01/10/1434 هـ.ق.
09/08/2013 م.
 
 
 
 
 
 
467

398

في لقاء مسؤولي النّظام وسفراء الدّول الإسلاميّ

 بسم الله الرحمن الرحيم

أهنّئ الأمّة الإسلاميّ العظيمة بعيد الفطر السّعيد في كلّ منطقةٍ من العالم وكذلك شعب إيران العظيم والرّشيد - الذي أثبت لياقته واستحقاقه للهداية والنّعمة الإلهيّة في السّاحات المختلفة - وكذلك أبارك لكم أيّها الحضور المحترم والمحترمين من مسؤولي الدّولة الّذين نفخر بهم، وكذلك ضيوفنا سفراء الدّول الإسلاميّ المحترمين، وأبارك أيضاً لشعب إيران بانقضاء شهر رمضان بالمعنى الواقعي للكلمة، فمبروك.

لقد أوصل الشّعب الإيرانيّ نفسه من خلال العبادات الواجبة والمستحبّة في هذا الشّهر لمقام لياقة نزول رحمة الله. 

إنّ هذه الأفواه الصّائمة في الأيّام الطّويلة والحارّة، وهذه الليالي العابقة بالذّكر والعبادة والدّعاء والمناجاة، وهذه الجلسات القرآنيّة المتنوّعة في كلّ مناطق البلد، الّذي أظهر فيها أبناء شعبنا وخصوصاً الشّباب والنّاشئة عشقهم البالغ للقرآن وليالي القدر هذه، والجّلسات المجلّلة العميقة والمليئة بالمعنى، التي أقيمت في هذه الليالي وشارك فيها كلّ الفئات والأطياف من مختلف الشرائح على اختلاف أعمالهم وأذواقهم واتجاهاتهم واهتماماتهم وهم منجذبين لعمق الذّكر والدّعاء والتوسّل فيها، كلّ ذلك أمرٌ عظيم الأهمّيّة. 

علينا أن نعرف قدر هذه الرّوحيّة، روحيّة التوسّل والتذكّر الموجودة بحمد الله في بلدنا والتي تبرز أكثر فأكثر في العديد من أوقات السنة - وخصوصاً في أيّام شهر رمضان المبارك وليالي القدر - وفي المناسبات العزيزة.
 
 
 
 
 
 
469

399

في لقاء مسؤولي النّظام وسفراء الدّول الإسلاميّ

 استفيدوا من سلاح الذكر والتوجّه والتوسّل

أنا العبد أرى من الضّروريّ أن أوصي، بمناسبة ما لهذه الأيّام من عظمة وما لذكر الله من قيمة، مسؤولي الدّولة المحترمين، هذه المجموعة الجديدة التي أُلقي على عاتقها مسؤوليّات الدّولة، والتي بمشيئة الله ستتقدّم بعملها هذا بقدمٍ ثابتة وإرادةٍ وعزمٍ راسخ، وأقول لهم أن يستفيدوا من سلاح الذّكر والتوجّه والتوسّل إلى الله تعالى والاعتماد عليه في هذا الطّريق الصّعب. "يا من لا يجبه بالردّ أهل الدالّة عليه"1 - دعاءٌ ورد في الصّحيفة السجّاديّة المباركة في عيد الفطر - حتى أولئك الّذين يتجاسرون في كلامهم أثناء مخاطبتهم لربّ العالمين فإنّ الله تعالى يشملهم برحمته. فإنّ رحمة الله الواسعة هي بمتناول من يريدها ويطلبها. المهمّ هو أن نطلب الهداية الإلهيّة والرّحمة الربّانيّة فعندها سوف تنالنا.
 
فليلتفت جميع مسؤولي الدّولة - وخصوصاً مسؤولي المستويات العليا- إلى الله تعالى وليتوسّلوا به. فالأعمال ثقيلة والوظائف مهمّة وحقوق عامّة النّاس تُمثّل جميعاً مسؤوليات ملقاة على عاتقهم، وهي مسؤولياتٌ يمكن بعون الله إنجازها بشكل جيّد. لو استطعنا أن نشقّ طريق المدد الإلهيّ لأنفسنا وأمامنا فلن يبقى أيّة مشكلةٍ لا يمكن حلّها. فليكن الأمل متعلّقاً بالله، ولنبذل كلّ همّتنا في ميدان العمل. فلا يجتمع الكسل وعدم السّعي مع الأمل برحمة الله. إنّ الهداية الإلهيّة والمدد الربّانيّ واللطف الإلهيّ سيكون عندما نبذل كلّ قوانا - والتي هي لله تعالى - في ميدان العمل، من الفكر والتدبير ومن القوى الجسمانيّة والقدرة العمليّة، ومن الإمكانات والموارد البشريّة العظيمة الموجودة في البلد، فنستعملها كلّها، حينها سيتفضّل الله تعالى حتماً.
 
لقد كان هناك الكثير من اليائسين من مستقبل البلد، على مرّ الزّمن. وقد كان لنا تجارب عديدة طيلة هذه السّنوات الثّلاثين ونيّف، وكان هناك أشخاصٌ إمّا



1 الصحيفة السجادية، دعاؤه عليه السلام في عيد الفطر والجمعة.
 
 
 
 
 
 
 
470

400

في لقاء مسؤولي النّظام وسفراء الدّول الإسلاميّ

 أنّهم كانوا قصيري النّظر أو ضعفاء الإيمان بالعون الإلهيّ، أو لم يكن لديهم حسن الظّنّ بوعد الله، وفي بعض المواطن، ﴿وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ﴾1، وقد حدث ذلك على مرّ التّاريخ، ولقد أعان الله تعالى في تلك المواقع. وأنتم تلاحظون اليوم أنّ شعبنا وبلدنا يقف في المواقع الأمامية مقارنةً بكلّ العهود السّابقة وقد أصبح التقدّم من ذاتيّات حركة شعب إيران، وهو بحمد الله قد تقدّم يوماً بعد يوم، وسوف يتقدّم، فالمهمّ أن نرسّخ ارتباطنا بالله تعالى. 

 
منشأ مشاكل عالمنا الإسلاميّ
إنّ العالم الإسلاميّ اليوم مبتلىً بالمشاكل الكبرى. وإنّنا للأسف موجودون في منطقةٍ تحيطها دولٌ تعاني من مشاكل أغلبها قد فُرضت عليها من قِبَل الغير ومن قِبَل الأجانب. وباليقين لو لم يكن للأجانب تدخّل في تلك الأحداث التي تجري في غرب آسيا وشمال أفريقيا ولو لم يكن للقوى "الكبرى" سياسات خبيثة، لما وصلت الأوضاع إلى هذا التعقيد. وطريق العلاج في يومنا هذا هو في أن تقرّر الشعوب نفسها بأن لا يتدخّل فيها الآخرون ولا يتدخّل الأجانب. إنّ علاج الأحداث التي تجري اليوم في المنطقة هو في هذا الأمر فقط. هذا هو وضع مصر وليبيا وسوريّا. تستطيع الشعوب أن تجد طرق الخلاص بحكمة نخبها وتوجيه روّادها وعقلائها، فيما لو أعرضت عن الأجانب ولم يُزرع النّفاق وتُزرع الشّحناء بين النّاس.
 
لقد استطاع شعب إيران بفضل الله وحوله وقوّته وروحيّة الإيمان وروحيّة الاتّحاد والانسجام والوحدة التي تحقّقت ببركة الدين أن يطوي هذه الطّريق وإنّه بتوفيق الله سيكون كذلك في المستقبل.
 
مؤامرات الأعداء لا أثر لها في إيران
إنّ المؤامرات التي حاكوها في الدّول الأخرى لا أثر لها هنا. سواءٌ كانت تحت



1 سورة البقرة، الآية: 214.
 
 
 
 
 
 
 
471

401

في لقاء مسؤولي النّظام وسفراء الدّول الإسلاميّ

  عنوان الاختلافات المذهبيّة من أجل الإيقاع بين أبناء الشعب، أو تحت عنوان الخلافات القوميّة للإيقاع بين الإخوة، أو بعنوان الخلافات الحزبيّة، فكلّ هذه الأسلحة المدمّرة والمسمّة لم تفعل فعلها في إيران الإسلاميّ. فها هي المذاهب المختلفة جنباً إلى جنب، وها هي القوميّات المتعدّدة يداً بيد، وها هي الجماعات والتيّارات المختلفة، تتوحّد بشأن القضايا الأساسيّة والجميع يتقدّم.


ووصيّتي إلى مسؤولي الدّولة والنّخب السياسيّة والدينيّة ولكلّ من له نفوذٌ بين النّاس: اعتمدوا مهما أمكن على هذا الاتّحاد والانسجام العظيم الموجود في شعب إيران، وكذلك على الإيمان بالله والاتّحاد، وعلى الدّين ووحدة الكلمة، هذان الأمران اللذان يمكن أن يحفظا الدّول والشعوب ويمنحاها قدرة المقاومة وشعب إيران بحمد الله حائزٌ عليهما. وكم هو جديرٌ بالمسؤولين السياسيّين والثقافيين في الدّول المختلفة أن يضاعفوا من اهتمامهم بهذه النّقطة، ويزيلوا بالحكمة المشاكل التي تعترض هذه الدّول في هذه المنطقة.

ندعو الله تعالى أن يجعل الأمّة الإسلاميّ شامخة وثابتة.

اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد أدم فضلك ورحمتك على الأمّة الإسلاميّ في جميع أنحاء العالم.

اللهمّ! اقطع أيادي الأجانب عن حياة الشعوب في الدّول الإسلاميّ.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
472

402

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة



المناسبـة: أسبوع الحكومة
الحــضـور: رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الوزراء
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
06/06/1392 هـ.ش.
20/10/1434 هـ.ق.
28/08/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
473

403

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب بالإخوة الأعزّاء وبأختنا المحترمة1، وأبارك لجميع الأعزّاء ولكم جميعاً ولرئيس الجمهوريّة المحترم، أسبوع الحكومة والذي تزامن مع تشكيل الحكومة الجديدة.
 
إنّ "أسبوع الحكومة" هو فرصة ليعرب الإنسان عن التبريك، والدعاء لله ليمنح العافية والقوة لكلّ العاملين والمدراء والمسؤولين في السّلطة التنفيذيّة، وإنّني لن أضيّع هذه الفرصة فأبارك لكم جميعاً ولكلّ المدراء وجميع المسؤولين المتصدّين للعمل والخدمة في السّلطة التنفيذيّة، وعلى مختلف المستويات، وأسأل الله تعالى لهم ولكم جميعاً توفيق الخدمة. كم هو جميل هنا في هذه الذكرى السنويّة للحكومة أنّ اسمي الشهيدين2 الصّالحين والخدومين يُزيّنان جميع الأقوال والكتابات. فإنّه لعظيم المعنى والمحتوى أنّ جميع الحكومات والمسؤولين في الدّولة قد جعلوا ذكر هذين الشهيدين الخدومين على رأس لائحة يوم الحكومة وأسبوع الدّولة ولم يسمحوا لمرور الزّمان ومختلف الحوادث أن تُنسي قيمة الشّهادة، وقيمة الخدمة المخلصة والمتواضعة لهذين الرّجلين العظيمين. 
 
التنسيق والانسجام بين السّلطتين التشريعية والتنفيذية
ينبغي هنا أن أشكر من أعماق القلب سرعة عمل رئيس الجمهوريّة المحترم في تقديم أسماء الوزراء إلى مجلس الشّورى الإسلاميّ. لقد كنت أعلم وكنت أرى



1 معاونة رئيس الجمهوريّة.
2 الشهيدان: رجائي وباهنر.
 
 
 
 
 
 
 
475

404

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 إصراره، وأثني في قلبي على هذا الإصرار للمسارعة في تشكيل الحكومة. ولحسن الحظّ لقد استطاع، وفي أقصر وقتٍ ممكن بعد اليمين الدستوري، وبدون تضييع للوقت، تقديم اقتراحه إلى المجلس المحترم. وكذلك أشكر المجلس المحترم لمنحه الثقة للوزراء بنسبة جيدة وفي بعض الموارد بنسبة عالية جدّاً. فيكون قد بدأ عمل الحكومة والمجلس في الواقع. وإنّ هذا لمؤشّرٌ على العزم من جهة، والانسجام بين هاتين السّلطتين من جهةٍ أخرى، وهما أمران من الأمور والموارد التي لي حساسيّةٌ خاصّة أنا الحقير تجاهها، سواءٌ بالنسبة للتنسيق والانسجام بين السّلطتين، حيث ولحسن الحظّ قد ظهر في مطلع الأمور وبداياتها بصورة جيّدة جدّاً، وكذلك بالنّسبة للبدء في كلّ مجالات الأعمال دون أي توقّف.


صاحب سيرة عريقة في الثّورة 
أملنا أن تتمكّن حكومتكم وفريق عملكم من إبراز وإظهار نقاط القوّة الموجودة فيهما، وأن يحافظا على هذا الأمل، الذي أشار رئيس الجمهوريّة إليه، حيث ذكر أن لدى الناس أمل إنجاز الأعمال الكبرى والبارزة وتجاه عبور الموانع، وسيكون (الأمل) في ازدياد طالما أنتم مستمرّون في إبراز نقاط قوّتكم. بالطّبع، لا شكّ بأنّ شخصية الشيخ روحانيّ بحدّ ذاتها هي من نقاط قوّة المجموعة العاملة، فهو صاحب سيرة عريقة في الثّورة وفي النّضال الثوريّ، وقد وضع نفسه أمام نظر وتقييم الرأي العام من خلال مواقفه الجيّدة والصّحيحة طيلة هذه السّنوات الثلاثين ونيّف، وهو اليوم بحمد الله كذلك تحت عنوان رئيس الجمهوريّة المنتخب والموثوق على رأس الجهاز التنفيذي. ويُدرك المرء، ممّا يطرحه حالياً وممّا نعرفه عن سيرته سابقاً، وجود العزم الرّاسخ فيه وإن شاء الله في معاونيه، وذلك من أجل إنجاز الأعمال والتقدّم بها على أفضل وجهٍ وفي أصحّ جهة. أنا أدعو له ولكم لتكونوا ناجحين إن شاء الله ولتقدمّوا ما يتوجّب على أيّة حكومةٍ جيّدة وناجحة. 
 
 
 
 
 
 
476

405

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 مؤشّرات الحكومة الإسلاميّ

في هذا اللقاء الأوّليّ معكم أيّها الأصدقاء الأعزّاء، فلنمرّ على خصائص ومؤشّرات الحكومة التي تُعدّ حكومة مطلوبة في هذا الزّمن. بالطّبع إنّنا لا ندّعي أنّ حكومتنا هي حكومة إسلاميّة بالمعنى الحقيقيّ والكامل للكلمة. فأنا العبد عندما أنظر إلى نفسي أُشاهد فيها من النّقائص ونقاط الضّعف ما لا يُعدّ ولا يُحصى. عندما نقارن حالنا مع ما أهدانا أصغر المقامات الشامخة والمقدّسة والمطهّرة في صّدر الإسلام، نرى أنّنا أقلّ بكثير من أن نتمكّن من تشكيل الحكومة المطلوبة أو نقدر عليه، ولكن يوجد خصائص ومؤشّرات للحكومة التي يمكن أن تُسمّى إسلامية في زماننا وظروفنا، وأُشير هنا إلى بعض هذه المؤشّرات. بالطّبع هذا ليس كلامٌ جديد، فهذه أمورٌ تعرفونها أنتم، لكن غاية الأمر أنّ التذكير بما نعرفه هو أمرٌ مفيدٌ دوماً بالنّسبة لنا، ولا ضرر في تكراره. 

المؤشّر الأوّل: المؤشّر الاعتقاديّ والأخلاقيّ
المؤشّر الاعتقاديّ والأخلاقيّ - وخصوصاً لدى مسؤولي الدّرجة الأولى - السلامة الاعتقادية والأخلاقية والعملية التي تنشأ من الاعتقاد الصّحيح والنّظر الصائب إلى حقائق المجتمع. هذا هو المؤشّر الأوّل. ونحن لحسن الحظّ، ليس لدينا أيّ إبهامٍ أو ضياع فيما يتعلّق بالاعتقاد الصّحيح وفيما ينبغي عدّه حقّاً، فبالإضافة إلى المصادر الإسلاميّ - حيث من الممكن وجود قراءات مختلفة من قِبَل مختلف الأفراد لهذه المصادر الإسلاميّ - لدينا مجموع إرشادات الإمام الجّليل، فالإمام موضع ثقة وقبول وإذعان منّا جميعاً. حسنٌ، إنّ كلّ كلمات وبيانات الإمام ومواقفه وإرشاداته في متناول أيدينا. هذا مؤشّر شاخص ينبغي أن نؤمن به ونعمل على أساسه ونرجع إليه في موارد الشّبهة كونه مؤشّراً أساسيّاً، وهذا ما يُعبَّر عنه بالسلامة الاعتقاديّة. هذه هي الأصول والقيم الثوريّة. إنّ مباني القيم الثوريّة موجودةٌ في تلك البيانات. فهي أمورٌ لو تعلّقنا بها والتزمنا بها ووضعنا البرامج على أساسها فالمؤمّل أنّ العمل سينجح ويكون له مستقبلٌ جيّد وسنتقدّم. 
 
 
 
 
 
 
477

406

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 إنّ من الأشياء التي أستند إليها في هذا المجال الاعتقاديّ، والتوجّه القلبيّ هو قضيّة الثّقة بالله تعالى والثّقة بالوعود الإلهية، فهذا الأمر من الأشياء التي أصرّ، أنا العبد، أن لا نُقصّر فيها. عندما يعدنا الله تعالى بصريح العبارة: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾1، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾2، وعندما يؤكّد الله لنا وعده بصراحة: أنّكم لو نصرتم الدّين وسلكتم طريق الله، ونصرتموه فإنّ الله سينصركم، يجب علينا أن نثق بهذا الوعد وأن نعمل على أساسه. وقد يكون هذا الأمر بالنّسبة لمن لم يُجرّبه بعيداً عن الذّهن فيستبعده، لكن بالنسبة لي ولكم، نحن الذين جرّبناه وشاهدنا كيف يُصبح الأمر المستحيل ممكناً، فلا يوجد ما هو أكثر محالاً من أن يتصوّر الإنسان أنّه يُمكنه بيدٍ عزلاء وبالنّزول إلى الشّوارع إسقاط نظام مستبدٍّ مستكبرٍ يعتمد على كلّ القوى العالميّة وإقامة نظامٍ إسلاميّ محلّه، وهذا ليس نظاماً يتوافق مع المعايير الغربيّة، بل هو نظامٌ إسلاميّ ونظامٌ على أساس الفقه. من كان يتصوّر أن يُصبح هذا الأمر حقيقيّاً؟ ولكنّه حصل. لقد حدث ما كان مستحيلاً.

 
وتلك الاضطرابات التي حدثت أوّل الثّورة، وقبل بداية "الدّفاع المقدّس"3 كانت قضيّة أخرى، اضطرابات مدعومة من الخارج - ما زلتم تذكرون حتماً - في شرق بلدنا وغربه وفي شماله وجنوبه. أي مكان خلا من هذه الاضطرابات القوميّة والطّائفيّة4 وأمثالها؟ أيّة دولة وأيّة حكومة جديدة العهد، لا جيش لها، ولا قوّات مسلحّة، ولا قوى أمنيّة منظمة، تتمكّن، بعد الوقوع في مثل هذا الأمر، أن تتغلّب عليه؟ الجمهوريّة الإسلاميّ تغلّبت (على ذلك كلّه).
 
إنّ الحرب المفروضة وقضيّة الدّفاع المقدّس هي أنموذجٌ آخر. حسنٌ، إنّ هذه كلمات ذُكرت آلاف المرّات، لكن علينا أن نتذكّرها. فالحرب المفروضة لم تكن حرباً 



1 سورة محمّد، الآية: 7.
2 سورة الحج، الآية: 40.
3 أي بداية الحرب المفروضة على الجمهوريّة الإسلاميّ.
4 حصلت عقب انتصار الثورة الإسلاميّ قلاقل واضطرابات في المناطق التي يوجد فيها تنوع طائفي وعرقي, غذّاه الإعلام والمخابرات الغربية وأدواته في المنطقة.
 
 
 
 
 
 
 
478

407

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 نشبت بيننا وبين دولة مجاورة، بل كانت حرباً دوليّة ضدّنا تستخدم كلّ الوسائل. لقد بذلوا أقصى جهدهم ولم يتمكّنوا بعد ثماني سنوات، من احتلال شبرٍ واحد من بلدنا، فهل هذا بالأمر البسيط؟ ومثل هذه القضايا كثير. حسنٌ، إنّ هذه وعودٌ قد تحقّقت، وإن كان غيرنا قد قرأ في القرآن ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾1، فنحن قد جرّبناها في حياتنا. لهذا يجب عليكم أن تثقوا بالله وأن تعملوا لله أيّها السّادة، وأن تجعلوا هدفكم إلهيّاً، وثقوا بأنّ الله تعالى سيفتح أمامكم الطّريق. هذه المعادلة التي فيها عدّة مجهولات، التي ذكرها السيّد الدكتور روحانيّ - والتي إذا تأمّل فيها الإنسان من جميع الجوانب، وجد فيها التعارض والتناقض - تجدون أحياناً أنّ الله تعالى قد حلّها بحركةٍ صغيرة. لقد حدث ذلك، إذا أردتم أن تضعوا جسماً فوق جسمٍ آخر يوجد عشرة موانع والمرء لا يعرفها ثمّ يأتي شخصٌ ماهر ويحرّكها قليلاً فتتركّب. أي إنّه يمكن أن نفرض أن تُحلّ كلّ هذه القضايا وتتقدّم وفق نظرة صحيحة مبنيّة على العلم والحكمة - وبالتّأكيد معتمدة على التوسّل بالله وعنايته والاعتماد عليه سبحانه - وهذا هو اعتقادي. على كلّ حال إنّ هذا يُعدّ من المؤشّرات الشاخصة: الاعتماد والتوكّل على الله والأنس بالمعنويات. إنّني أرجو - بالطبع لعلّه لا ضرورة لأطلب هذا منكم لأنّه تحصيلٌ حاصل - أن لا تقطعوا ارتباطكم بالقرآن، اقرؤوا يوميّاً ما تيسّر منه، ورسّخوا علاقتكم بالدّعاء والتوسّل، فهذا ما يُقلّل من ضغط العمل ويُزيل مصاعبه ويمنحكم النّشاط ويُهيّئكم لمواجهة الموانع الكبرى، أي إنّه يجلب البهجة لروح الإنسان المعتقد، فهو أمرٌ فائق الأهمّيّة. أمّا النوافل وأمثالها فلها محلّها.

 
المؤشّر الثاني: قضية خدمة النّاس
روحيّة الخدمة هي المقولة الأساسيّة للحكومة الإسلاميّ، وأصل المسألة هي أنّه ليس من فلسفةٍ لوجودنا سوى هذا. لقد جئنا لنخدم النّاس ولا ينبغي لأيّ شيءٍ أن يُنسينا هذا الواجب. بالطّبع، لكلّ واحدٍ منّا رغبات وميول وأذواق خاصة، وفي المجال السياسيّ والقضايا الاجتماعيّة لدينا أصدقاء وأعداء، فكلّ هذه هوامش



1 سورة الحديد، الآية: 25.
 
 
 
 
 
 
 
479

408

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 أمام متن الموضوع الذي هو الخدمة. لا ينبغي أن ندع هذه الهوامش تؤثّر على هذا المتن. ويوجد نقطةٌ بشأن هذه الخدمة، وهي أنّ الوقت محدود: أربع سنوات، أو ثماني سنوات بنظرةٍ أخرى، الوقت محدودٌ ويمرّ كالبرق. لقد ذكرت في مواطن عدّة، في هذه الغرفة أو تلك مثل هذا الأمر للحكومات السّابقة التي كان بعضكم فيها: كونوا منذ اليوم الأوّل للحكومة ملتفتين إلى أنّها تمرّ كالبرق. فعندما ينظر الإنسان إلى السنوات الأربع التي مرّت عليه يراها كأنّها يومٌ واحد - تمرّ مرّ السّحاب - غاية الأمر أنّه في هذا الوقت المحدود يوجد فُرصٌ لا محدودة. فكلّ ساعةٍ تمرّ عليكم هي فرصة لكم. وكلّ حادثة تقع هي فرصة أيضاً. وكلّ فكرةٍ تنقدح في أذهانكم أو إبداع ينشأ فيها هو فرصةٌ فلا تضيّعوا هذه الفرص.


الأمر الثاني، ضرورة جعل العمل جهاديّاً في مجال الخدمة، وإذا كان جهاديّاً لا يعني أن يكون خلاف القانون. الأصدقاء، الذين عملنا مع الكثيرين منهم - لقد كان لنا تعاونٌ مع أغلبكم في مجالات مختلفة - تعلمون روحيّتي، فإنّني لست بذاك الذي يدعو إلى مخالفة القانون. فأنا معارضٌ بشدّة لمخالفة القانون. لكنّني أعتقد بإمكانيّة العمل ضمن الإطار القانونيّ على نحوين:

النحو الأوّل، هو العمل الإداريّ المتعارف. والنحو الثاني، هو العمل الجهاديّ. والعمل الجهاديّ هو عبور الموانع وعدم تضخيم الموانع الصّغرى، وعدم نسيان المثل والمبادئ، وعدم نسيان الوجهة، الشوق والاندفاع نحو العمل، هذا هو العمل الجهاديّ. فينبغي أن نجعل العمل جهادياً لكي يتمّ إنجازه بصورة جيّدة إن شاء الله. 

المؤشّر الثالث: هو قضيّة العدالة
لقد ذكرتُ، أنا العبد، مراراً - في اللقاءات الخاصّة مع البعض منكم طيلة هذه السّنوات - بأنّني لا أؤمن بالتقدّم دون العدالة. لقد أطلقنا على هذا العقد الزمانيّ تسمية "عقد التقدّم والعدالة". والتقدّم بدون العدالة سيُفضي إلى تلك النّتيجة التي تُشاهدونها اليوم في الحضارة الغربيّة المليئة بالمظاهر. فلا يُتصوّر أن يحصلوا على أكثر ممّا حصلوا عليه من ثروةٍ وقدرةٍ وعلم وتكنولوجيا. فقد بلغوا بها الحدّ الأعلى، 
 
 
 
 
 
 
 
480

409

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 لكنّكم تلاحظون في الوقت ذاته فقدان العدالة. نعم، إنّهم يروّجون في دعاياتهم السينمائيّة والقصصيّة وأمثالها الكثير من الكلام حول العدالة القضائيّة، حيث إنّ أغلبها، أي 80 % منها، كذب، فالمعلومات المتوافرة تُبيّن أنّه لا خبر عن هذه الأمور في الغرب فيما يتعلّق بالمجالات القضائيّة، ولكنّها في المجال الاقتصاديّ واضحةٌ تماماً. فهناك من يموت جوعاً، وهناك من يموت من البرد، إذا نزلت الحرارة إلى 10 تحت الصفر، أو من الحرّ إذا زادت عن الأربعين درجة. فلماذا يموت الإنسان إذا وصلت الحرارة إلى 40 درجة؟ ذلك ليس إلا لافتقاده للمأوى والمنزل ولأنّه يعيش في الشوارع. فهل يموت إذا لم يصل إليه الماء تحت حرارة 40 درجة؟ إنّ مثل هذه الأمور موجودة، ومن جانبٍ آخر هناك الثّروات الطائلة الأسطوريّة المكدّسة في الغرب. هذا هو فقدان العدالة، وهو ما لا نريده، والإسلام لا يريد لنا هذا. إنّنا نرى التقدّم ضروريّاً. التقدّم بذاك المعنى الذي يُذكر في الأدبيّات الغربيّة تحت عنوان التنمية، نحن نُسمّيه تقدّم. فهذا التقدّم ينبغي أن يكون متلازماً مع العدالة بالتأكيد. حسنٌ، عندما تتأمّلون في القرآن فإنّ إرسال جميع الرّسل وإنزال الكتب وأمثالها: دام ظلّهپ ? ??{(7)، لهذا، يكون هذا هو المؤشّر الشّاخص التّالي الذي ينبغي أن يكون دائماً محلّ نظرنا واهتمامنا. 


المؤشّر الرابع: النّزاهة الاقتصاديّة ومحاربة الفساد
المؤشّر اللاحق، أيّ الرّابع، النّزاهة الاقتصاديّة ومحاربة الفساد. انظروا، إنّ المنصب الحكوميّ هو موضع القدرة والمصادر الماليّة، فالوساوس هنا لا تترك الإنسان براحته. وأنتم لا تنظروا إلى أنفسكم الآن بأنّكم متديّنون وفي المستويات العالية وتقاومون هذه الوساوس. ففي الدرجات الأدنى من الممكن أن لا يتمكّنوا من مواجهة هذه الوساوس ومقاومتها. فعليكم أن تراقبوا، وعليكم أن تشرفوا بعينكم البصيرة على كلّ أرجاء الجهاز الذي يعمل تحت إشرافكم وإدارتكم، لكي لا تسمحوا بحصول أيّة حالةٍ مخالفةٍ للنزاهة الاقتصاديّة في أيّة زاويةٍ من الزّوايا، فتتبدّل هذه
 
 
 
 
 
 
 
481

410

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 الوساوس إلى أفعال. بل قبل أن تتدخلّ أجهزة الرّقابة. حسنٌ، نحن لدينا أجهزة رقابة في البلد وهي موظّفة ومكلّفة سواءٌ فيما يتعلّق بمجلس الشورى، أو ما يرتبط بالسلطة القضائية، أو ما يتعلق بالسلطة التنفيذية نفسها - كالتفتيش في السلطة التنفيذية - ولكن على مدير الجّهاز أن يراقب سلامته وصحّته قبل أن يصل الدّور إليها، الأمر الذي يحتاج إلى نظرٍ مستمرّ واجتنابٍ للغفلة. أنا العبد، عندما ألتقي بالأعزّاء والمدراء وأتحدّث معهم أضرب لهم مثالاً، أقول إنّ عليهم أن يحافظوا على إشرافهم ومراقبتهم على مدار السّاعة، مثل منارات الضّوء التي توجد في بعض القلاع وأمثالها والتي تسمح ببقاء الإنارة بشكل دائم وترصد كل حركة، إنّ مناراتكم ينبغي أن تدور بشكل دائم، فلا يكون هناك أيّة غفلة، لأنّ الفساد في الواقع مثل الإرضة، فلا تسمحوا للفساد والرّشوة والإسراف والواسطة والتّرف والمصاريف الزّائدة وأمثالها بالنّفوذ إلى أجهزتكم. وقد أشار الدكتور روحاني إلى قسمٍ من هذا العلاج في المجال الاقتصاديّ والذي يتحقّق في الاقتصاد ومحاربة الفساد. فقد يحدث أن يُنفق الكثير بلا طائل، لا يكون الأمر في الحرام، لكنّه زائدٌ عن الحدّ، ولعلّ الزّائد هنا حرامٌ وإن كان في النّهاية ليس حراماً بوضوح لكنّه صرفٌ زائد، فعليكم أن تحولوا دونه، وهو ممكنٌ، يمكن القيام بأعمالٍ كبرى وكثيرة بهذه الطّريقة، ففي الأجهزة التنفيذيّة إنّ أكثر العاملين كادحون ونزيهون، لكن عندما يشارك بعض الملوّثين وغير النّزيهين في موردٍ أو موردين أو عشرة يكون الأمر كالميكروب والإرضة، فتضيع كل أتعاب هذه الفئة العاملة الخدومة والكادحة وتلوّث سمعتها، فالفساد يقضي على بيئة الثقة.


المؤشّر الخامس: الالتزام بالقانون
المؤشّر الشّاخص التّالي، يرتبط بقضيّة الالتزام بالقانون والذي يُعدّ أمراً مهمّاً جدّاً، فالقانون سكّةٌ إذا خرجنا عنها فسوف نتلقّى ضربةً ونتعرّض لخسائر. قد يكون القانون ناقصاً أو فيه عيوب، ولكن إذا لم يُعمل به - فينتهي الأمر إلى الفوضى والعمل بالأهواء - فإنّ ضرر عدم العمل بهذا القانون هو أشدّ من ضرر العمل به،
 
 
 
 
 
 
 
482

411

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 يجب ترسيخ هذا الأمر في مجموع الأجهزة. وإنّ من رعاية القانون، رعاية الوثائق العليا والتي توجد لحسن الحظّ في هذا البلد في أيّامنا، كالسّياسات العامّة ووثيقة الأفق المستقبلي (1404)، ومقرّرات المجالس العليا من قبيل المجلس الأعلى للثّورة الثقافيّة، ومن قبيل المجلس الأعلى للسايبر. حيث تحدّثت أمس أو أمس الأول مع الدكتور روحاني فيما يتعلّق بها بصورة مختصرة وسوف أتحدّث بالمزيد لاحقاً. للمجلس الأعلى السايبري مقرّرات والتي كان لنا حولها في هذه الغرفة لعلّه أربعة اجتماعات، كلّ واحدٍ لمدّة أربع ساعات بمشاركة رؤساء السّلطات الثلاث، ومجموعة من السّلطات، حيث شُكّل هذا المجلس وهو في غاية الأهميّة، ويجب مراعاة هذه المقرّرات والعمل على أساسها. إنّ رعاية القانون ومحوريّته لو ترسّخت فمن المسلّم أنّها ستكون عاملاً للقضاء على الكثير من الآفات.


ومن الأشياء التي من المناسب أن أذكرها هنا في السياسات العامّة، سياسات تحوّل النّظام الإداريّ المقرّرة والمعلنة. فنحن نعاني في واقع الأمر من مشاكل وآفات قديمة ومزمنة في مجال القضايا الإداريّة والنّظام الإداريّ. لقد طُرحت هذه السّياسات وتمّت دراستها في مجمع تشخيص مصلحة النّظام وأُقرّت وأُعلنت، وهي سياسات ممتازة بنظري، فيجب وضع برامج إجرائيّة لها وجعلها قابلة للتطبيق، وهي من الأمور المهمّة جدّاً والتي لم تحصل للأسف وقد أُجّلت ولم يُعمل بها. 

المؤشّر السادس: الحكمة والتعقُّل في العمل
مؤشّر آخر يرتبط بالحكمة والتعقُّل في العمل. العمل عن خبرة وتخصُّص ودراسة وملاحظة لجميع الجّهات والآثار والتّبعات لعمل ما، وأحياناً ملاحظة تبعات تصريح أو كلمة ما. فقد يؤدّي تصريح من جانب مسؤولٍ ذي موقعيّة - وكما يُقال، ذي منبر - إلى آثارٍ سيّئة لو أراد المرء أن يُزيلها فإنّ عليه أن يُنفق الكثير، مثل قضيّة رمي الحجر في البئر. فهذه في الواقع تؤدّي إلى مشاكل ويجب أن نُدقّق كثيراً عندما نريد إبداء آرائنا، فلا ينبغي أن نعتمد على أنّنا مدراء ومسؤولون، فكلّما خطر على بالنا قضيّة ننشرها في الأجواء العامّة دون خبرةٍ ودراسةٍ وملاحظةٍ للأبعاد. 
 
 
 
 
 
 
 
483

412

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 فقد يُصبح لملمتها أمراً صعباً وشاقّاً. هذه هي الحكمة في الإدارة وفي الأعمال. ومن شُعب هذه الحكمة الاستفادة من الإمكانات العالية للخبراء والمتخصّصين في قضايا البلد، والتي تتوافر بكثرة في بلدنا لحسن الحظّ. فللإنصاف، عندما ينظر المرء يجد أنّ الإمكانات التخصصيّة في البلد عالية وذلك في مختلف القطاعات. إذا استفدنا منها ومن هذه الإمكانات الوافرة، التي نشأت وترعرعت بعد الثّورة، في مجال الخدمة والعمل فإنّنا سوف ننجح ونربح الكثير.


المؤشّر السابع: الاعتماد على الإمكانات الذاتيّة
ومؤشّر آخر نذكره، ولا أزيد على هذا القسم من حديثي بعدها، هو الاعتماد على الإمكانات الذاتيّة في البلد، وأن لا يكون نظرنا إلى الخارج. ولا يعني ذلك عدم الاستفادة من الإمكانات الخارجيّة، فلا ينبغي الخلط بين الكلامين. فلا نُعلّق آمالنا على الإمكانات الخارجيّة. هناك جبهة كبيرة، خارج هذا البلد ونظام الجمهوريّة الإسلاميّ، عملت طيلة هذه السّنوات الثلاثين ونيّف، بكل قدراتها لكي لا تتجذّر هذه الثّورة، ولكي لا يترسّخ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ ويستمرّ، ولكي لا يحصل التقدّم ولا يتحقّق الأنموذج الواعد في المجالات المختلفة. فلا يصحّ أن نتوقّع من هذا العدوّ ومن هذه الأساليب العدائيّة المستخدمة، المحبّة والودّ. لا نقول لا تستفيدوا منها، لكنّنا نقول لا تثقوا ولا تعتمدوا ولا تعلّقوا الآمال عليها، بل انظروا إلى الدّاخل. ففي داخل بلدنا هناك الكثير من الإمكانات لو نظرنا إليها - سواءٌ في المجالات الاقتصاديّة أو الثقافية أو غيرها - وإذا تمكنّا من الاستفادة منها، ففي ذلك حلٌّ للمشكلات. ففي الدّاخل وفي الإمكانات المحليّة ما يمكن الاستفادة منه بصورةٍ حكيمة. يجب أن تُشخّص وتُعرف. وهكذا ترتقي مرتبتنا في العالم. ففي العلاقات الدّوليّة وحساباتها تكون حصّة كلّ دولةٍ بحسب قدرتها الذاتيّة. فبالمقدار الذي يكون الاقتدار الذاتيّ تزداد الحصّة بين الدّول. فعلينا أن نؤمّن هذا. ولحسن الحظّ، لقد تمّ تأمينه طيلة هذه السّنوات المتمادية وكان اقتدار وقوام النّظام الجمهوريّة الإسلاميّ يزداد على مرّ هذه السّنوات. لهذا، ترون أنّ سمعة الجمهوريّة الإسلاميّ 
 
 
 
 
 
 
 
484

413

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 وموقعيّتها قد ارتقت حيث الشواهد الكثيرة على ما نقول وإلى ما شاء الله.


وهذه هي المؤشّرات الستّ أو السّبع التي أردنا ذكرها. وبالطّبع، قلنا إنّها ليست بالأمور الجديدة عليكم، لكنّ تذكّرها وتكرارها كمعلومات ضروريّ.

أولويات العمل الحكومي: الاقتصاد والعلم
يوجد ثلاث نقاطٍ أخرى أذكرها: يجب علينا أن نُراعي الأولويّات. أنتم في بداية العمل وأصحاب نفسٍ جديد، وفي نفس الوقت إنّ إمكاناتكم ليست مطلقة، وكذلك هممكم وأوقاتكم، يجب أن تنظروا لتروا ما هي الأولويات، ويجب متابعة جميع الأمور، ولا يصحّ أن نُعطّل بعضها لإتمام البعض الآخر. لكن يجب أن نكتشف الأشياء التي علينا أن نوجّه أنظارنا الأساسيّة نحوها. وبرأيي، هناك قضيّتان تقتضيان توجيه أنظارنا إليها: الأولى، القضيّة الاقتصاديّة، والثانية: قضيّة العلم. فالاقتصاد والعلم هما برأيي من الأمور التي ينبغي أن تكون اليوم على رأس الأولويّات، بدءاً من السّلطة التنفيذيّة وانتهاءً بالسّلطات الأخرى. 

في المجال الاقتصاديّ يوجد اليوم ولحسن الحظّ بُنى تحتيّة كثيرة. لم تكن متوفّرة قبل سنوات عدّة. فخلال هذه السنوات الاثني عشر الأخيرة، تمّ إيجاد الكثير من البُنى التحتيّة في البلد ممّا يمكن الاستفادة منه. حسنٌ، إنّ ما هو ضروريّ في المجال الاقتصاديّ بالدّرجة الأولى هو الاستقرار والهدوء وإخماد الاضطراب في السّاحة الاقتصاديّة، فهذا الاضطراب الموجود سواءٌ في أذهان النّاس أو في السّوق، يجب إيجاد الحلول له من خلال التّدبير - وهو بالطّبع أكثر ما يرتبطٌ بسياساتكم وآرائكم وبعض إجراءاتكم السّريعة. ومسألةٌ مهمّة أيضاً هي مسألة السّيطرة على التضخّم، وقضية أخرى هي تأمين الحاجات الأساسيّة للنّاس، فهذه أمور لها أولوية يجب الالتفات إليها بالدرجة الأولى. وكذلك ما يتعلّق بتنشيط الإنتاج الوطني. فهذه قضايا أساسية في اقتصادنا يجب الالتفات إليها.

بالطبع هناك مشاكل بعضها - أو أكثرها - عرضها الدكتور روحانيّ، ونحن 
 
 
 
 
 
 
 
485

414

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 على معرفةٍ بهذه المشكلات تقريباً ونعلم بوجودها، وعليكم أن تروا كيف يمكن الخلاص منها. فلو استطعتم بمشيئة الله أن تُحققّوا الاستقرار والثبات في الساحة الاقتصادية، وتسيطروا على التضخّم وتفعّلوا قضية الإنتاج فسوف تكون بداية الملحمة الاقتصادية التي طرحناها بداية هذا العام وطلبناها من كلّ أبناء الشّعب ومجموع المسؤولين. بالطبع، إنّ الملحمة الاقتصادية ليست عمل ستة أشهر أو سنة أو سنتين، فالحركة البعيدة المدى هي الضّروريّة. ولا يتوقعنّ أحدٌ، سواءٌ النّاس أو أنا أو أيّ إنسانٍ منصف، أن تتمكّن الحكومة الحاليّة من حلّ جميع هذه المشاكل في مدّةٍ قصيرة، بل المتوقّع بدء التحرّك نحو الحل، واستشعار وجود حركة نحو حلّ المشكلات، ووجود نظرة حكيمة ومدبّرة خلف القضايا، حيث يوجد في مجال القضايا الاقتصاديّة مطالب عديدة لا مجال لعرضها الآن. 


مباني الاقتصاد المقاوم   
أشير إلى قضيّة الاقتصاد المقاوم. لقد دُوّنت مباني الاقتصاد المقاوم ومجموع السّياسات المتعلّقة به وأُرسلت إلى مجمع تشخيص المصلحة للاستشارة وهم يدرسونها. إنّ الاقتصاد المقاوم لا يعني الرّياضة الاقتصاديّة، ولا يعني التقوقع على الذات، بل لها معنىً أكثر عقلانيّةً وعمقاً يمكن فهمه والدّفاع عنه، والعلاج هو هذا، علينا أن نتمكّن من تحقيق اقتصادٍ في البلد يقدر على المقاومة أمام الأزمات وكل مدّ وجزر دوليّ، فلا يتضرّر، وهذا ضروريّ. بالطبع له شروط، وإن شاء الله سيردنا الملف من مجمع التّشخيص. وكم هو جميل من الدكتور روحانيّ الذي يشارك في هذا المجمع أن يؤكّد عليهم بالإسراع لإنجاز هذا العمل إن شاء الله.

في مجال العلم، لدينا حركة متسارعة جدّاً منذ حوالي عشر سنوات وإلى اليوم. لقد انطلقت حركة جيّدة وكما أرى، وكما ألاحظ من التقارير فإنّ هذه الحركة تتسارع يوماً بعد يوم، أي إنّه في اليوم الأوّل الذي طرحنا فيه قضيّة الاستغناء العلميّ 
 
 
 
 
 
 
 
486

415

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 واختراق حدود العلم، ونهضة حركة البرمجة1 فإنّني أنا العبد ما كنت أتصوّر وجود كل هذه الإمكانات والاستعدادات للتطوّر وسرعة التقدّم. فقد رأينا فجأةً كيف أنّ الأمور تفجّرت كالينابيع من جميع الجّهات. والآن، انظروا فإنّ مراكز الأبحاث عندنا، والحدائق العلميّة التكنولوجيّة العامّة عندنا، وجامعاتنا في مختلف المجالات، كلّها في حالة من العطاء والحيوية ولا ينبغي أن تتوقّف. وفي المجال الاقتصاديّ فإنّ هذا الشيء ممّا سيقدّم لنا عوناً أساسيّاً، أي إنّنا لو استطعنا أن نتقدّم في العمل العلميّ وجعلنا العلم اقتصاديّاً - وسوف أشير إليه الآن - فإنّنا سنكون في المجال الاقتصاديّ أكثر إنتاجيّةً من بيع النّفط والمواد الخام الموجودة عندنا.

 
في لقاء شهر رمضان لهذا العام - لا أذكر إذا كان مع أساتذة الجامعات أو الجامعيين - في أحد هذه اللقاءات تحدّث أحد الحاضرين وذكر عنصراً ومنتجاً يمكن أن تكون عوائده على البلد أكثر من نفطنا وغازنا فيما لو عملنا عليه ووجدنا له زبائن في العالم - ولأنّني لا أتذكّره، لا أذكره الآن للأسف، لكنّني دوّنته - ولا يوجد فيه مشاكل في الإنتاج ويمكننا أن نحقّق مثل هذه العوائد. ففي الواقع، إنّ من مفاتيح حلّ المشاكل والمعضلات الاقتصاديّة عندنا، هو الاعتماد على العلم.
 
يجب علينا أن نتمكّن من منع تباطؤ الحركة المتسارعة في المجال العلميّ أوّلاً، وخصوصاً من قِبَل الحكومة. لقد قلت أنّ هذا أحد ثاني أولويّات برامج الحكومة. أي إنّه ينبغي العمل بصورة خاصّة على قضيّة تقدُّم العلم. بالطبع، إنّ المسؤول الأوّل عن تقدُّم العلم: وزارتي العلوم والصّحّة، لكنّ وزارة الصّناعة ووزارة الزّراعة، ووزارة الخدمات، هذه الوزارات جميعاً يمكنها أن تُقدّم العون في هذا المجال ويجب عليها ذلك. فإنّ التعاون بين الجّامعات وبين المراكز العلميّة والبحثيّة وأجهزتنا الخدماتيّة، كوزارة الصّناعة، ووزارة الطّرق، ووزارة النّفط، ووزارة الزّراعة، هذه الوزارات المتعدّدة التي لها عملٌ مع القضايا التقنيّة، فهي قادرة على أن تعمل كمصّاصةٍ تمتصّ حليب العلم من المراكز البحثيّة والعلميّة، فتفرض العمل والتحرّك 



1 software movement-.
 
 
 
 
 
 
 
487

416

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 على ذلك الجهاز. بالطبع، إنّ ما ذكرته عن وجود نقطتين فيما يتعلّق بالقضايا العلميّة: الأولى، إكمال سلسلة العلم والتكنولوجيا أي أن نكمل هذا المسلسل بدءاً من الرّؤية والفكر، ومن ثمّ العلم، ومن ثمّ التكنولوجيا، ومن ثمّ الإنتاج، ومن ثمّ السّوق. ولكن لو أنّنا قمنا بالعلم البحثيّ والدراسات ووصلنا إلى التكنولوجيا، لكنّنا لم ننتقل إلى الإنتاج العام، أو أنّنا لم نرسم سوقاً في الأفق البعيد، فسوف يتلقّى ضربة، فينبغي أن نلتفت إلى كلّ هذه السلسلة (العمل العلمي) فنتابعها حتّى تصل إلى السّوق، أي أن تكون الأنظار متوجّهة إلى مجموع حلقات هذه السلسلة فهذه نقطة. والنقطة الأخرى هي الشّركات القائمة على المعرفة1 وهي اليوم لحسن الحظ كثيرة وراقية، فمهما أمكنكم تابعوها واتجهوا نحوها.

 
السّياسة الخارجيّة وقضايا المنطقة
حسنٌ، لقد طال حديثنا. ولدينا الكثير من الكلام في المجال الثقافيّ وفي مجال السّياسة الخارجيّة سوف نطرحه إن شاء الله تعالى مع أهله. وفي مجال السّياسة الخارجيّة بيّن الدكتور روحاني مطالب جيّدة. وقد سمعت حواراً مع السيّد ظريف2 وكان مقدار ما سمعته ممتازاً. ففهم العزّة والحكمة والمصلحة ضروريّ، وعلينا أن نفهم هذه الشّعارات الثلاثة (العزّة والحكمة والمصلحة) جيّداً. إذا استطعنا أن نجعلها عملية فإنّ سياستنا الخارجيّة ستكون ما تحتاجه دولتنا وما يليق بمستوى ومقام نظام الجمهوريّة الإسلاميّ. في مجال الثقافة يوجد الكثير من الكلام.
 
أشير أيضاً إلى ما يتعلّق بقضايا المنطقة، وكما قال الدكتور روحاني، فإنّ المنطقة منطقة حسّاسة، وهذه الأيّام هي أيّام أزمة. في قضايا مصر لا نرغب أبداً بالتدخّل بشؤونها الداخلية، ولكنّنا لا نستطيع أن نغضّ النظر عن المجازر التي ارتُكبت بحقّ شعبها. نحن نُدينها أيّاً كان فاعلها، فقتل النّاس بهذه الطّريقة - أناسٌ 



1 KNOWLEDGE-BASED COMPANIES-.
2 وزير الخارجية الجديد.

 
 
 
 
 
 
488

417

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 لا يمتلكون أيّ سلاح، لأنّه أحياناً قد يكون هناك شعب مسلّح يحارب سلطة ما وقد يكون لتلك السلطة مبرّر - حيث يطلقون النّار عليهم ويقتلون المئات، وبحسب بعض الروايات الآلاف، مدانٌ بشدّة. إنّنا في الشأن المصري نؤمن بضرورة الاحتراز بشدّة من الحرب الأهليّة. في عيد الفطر قلتُ أنّ من هواجسنا وغصصنا أن يقع في مصر لا سمح الله حربٌ بين أهلها، بالمعنى الواقعيّ للكلمة، حيث سيجرّ ذلك فاجعةً على العالم الإسلاميّ والمنطقة. ويجب أن يكون الهدف الرّجوع إلى الديمقراطيّة ورأي الشّعب هناك. حسنٌ، في النّهاية وبعد سنوات متمادية من حكومة الاستكبار والاستبداد معاً على مصر، تمكّن النّاس ببركة الصّحوة الإسلاميّ من إنجاز انتخابات سليمة فلا ينبغي إيقاف هذا المسير والتّراجع إلى الوراء.


وفي القضيّة السوريّا حيث هدّدت أميركا بالتدخّل وسوف يكون هذا الأمر بالنسبة للمنطقة فاجعةً في الواقع. ومن المؤكّد أنّ الأميركيّين سيتعرّضون للخسارة وسيتضرّرون منها، وعليهم أن يعلموا ذلك، فإنّهم سيخسرون حتماً كما حصل لهم في العراق وفي أفغانستان وسوف يكون هذا ضرراً آخراً أيضاً. فتدخّل القوى الخارجة عن المنطقة في أيّة دولة - سواء كانت سوريا أم غيرها - لا معنى له سوى إشعال النيران والحروب، وسوف يزيد من كراهيّة الشعوب لهم وسوف يزيد من سوء سمعتهم عن السابق، بالإضافة إلى أنّه لا يوجد أيّ مستقبلٍ واضحٍ، أي إنّ المنطقة في الواقع مثل برميل البارود لو حدثت شرارة واحدة فيه لا يعلم المرء ماذا ستكون عواقب هذه الشرارة. نسأل الله تعالى أن يحفظ هذه المنطقة من شرّ أميركا والصهيونيّة وغيرهم من الأشرار، وأن يحفظ بلدنا وشعبنا وأهلنا وحكومتنا ورئيس جمهوريّتنا في ظلّ حمايته ورعايته ليتمكّنوا من القيام بواجباتهم إن شاء الله. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
489

418

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه لملتقى الصلاة الثاني والعشرين

 نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه لملتقى الصلاة الثاني والعشرين



المناسبـة: ملتقى الصلاة للعام الثاني والعشرين 
الزمـــان:
13/06/1392 هـ.ش.
27/10/1434 هـ.ق.
04/09/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
491

419

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه لملتقى الصلاة الثاني والعشرين

 وفيما يلي الترجمة العربية لنصّ النداء الذي قرأه يوم الأربعاء 04/09/2013م حجّة الإسلام والمسلمين ميرعمادي ممثّل الوليّ الفقيه في محافظة لرستان في الملتقى العام الثاني والعشرين للصلاة:

بسم الله الرحمن الرحيم
يذكر القرآن الكريم إقامة الصلاة في وصفه للمؤمنين المقتدرين ويجعلها على رأس واجباتهم فيقول: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾1.
 
ويتمثّل هذا الواجب في الأعمال والممارسات الشخصية بتحسين أداء الصلاة، وعلى صعيد العمل الاجتماعي بإشاعة الصلاة وتعميمها.
 
وتحسين أداء الصلاة يعني أدائها بخشوع وحضور قلب، وأن ينظر المصلّي للصلاة بعين "ميعاد اللقاء مع الله"، فيتحدّث فيها مع الله ويجد نفسه أثناءها حاضراً أمام الله، وأن يؤدّي الصلاة في المسجد وبشكل صلاة الجماعة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
 
وترويج الصلاة يعني كل خطوة ومسعى يتخذ في سبيل تعميمها وشرح أهميتها وتسهيل أدائها.
 
بمقدور أصحاب الأفكار والخطباء عن طريق خطاباتهم وكتاباتهم، وأصحاب وسائل الإعلام والمنابر بتناولهم الفنّي الجذّاب للصلاة، ومسؤولي المؤسّسات المختلفة بما يتناسب ومهام مؤسّساتهم، بمقدورهم جميعاً أداء هذا الواجب الكبير.
 
وإنّ قلّة (ضعف وجود) المساجد في المدن الكبرى والصغيرة والقرى، وعدم وجود أماكن للصلاة في مراكز التجمّعات، مثل الملاعب والحدائق وأمثالها، وعدم



1 سورة الحج، الآية: 41.
 
 
 
 
 
 
 
 
493

420

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه لملتقى الصلاة الثاني والعشرين

 مراعاة وقت الصلاة في وسائل النقل ذي المسافات البعيدة، وعدم وجود طرح وعرض لائق وبارز حول الصلاة في المتون الدراسية (الكتب الدراسية للمدارس)، وعدم الاهتمام بالنظافة والطهارة الصحّية في المساجد، وعدم تواصل إمام الجماعة مع المأمومين، وأي نقص آخر من هذا القبيل، هو من نقاط الضعف التي ينبغي التشمير عن ساعد الهمّة إزاءها والتصدّي لها، وأن تصبح إقامة الصلاة في مجتمعنا الإسلاميّ أكثر تجلّياً يوماً بعد يوم، إن شاء الله.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
 
 
494

421

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء



المناسبـة: انعقاد المؤتمر الرابع عشر من الدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة 
الحــضـور: رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
14/06/1392 هـ.ش.
28/10/1434 هـ.ق.
05/09/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
495

422

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
أرحّب بالسادة المحترمين، العلماء الأعلام، ورجال الدين البارزين في جميع أقاصي البلاد الذين بحمد الله اجتمعوا في هذه الجلسة.
 
وعلى الرغم من أنّ مهمّة مجلس الخبراء مهمّة محدّدة في الدستور، لكنّ نفس عقد هذه الجلسة واجتماع السادة، يوجب طرح الأبحاث المتنوّعة المرتبطة بالجوانب والميادين المختلفة في البلاد، وإبداء السادة آراءهم فيها أيضاً. المسؤولون أيضاً حاضرون في هذه الجلسة، من حسن الحظّ أنّ رئيس الجمهوريّة المحترم وبعض المسؤولين المحترمين الآخرين هم أعضاء في هذه الجلسة، وهذا يضاعف الأمل في أن تلقى آراء السادة اهتماماً أكبر. وهذا ما نأمله، ونحن أيضاً سنسعى قدر الإمكان والطاقة وما يتيحه لنا مجال المسؤوليّة والسلطة، إن شاء الله للمساعدة فيما يرتئيه السادة.
 
تشييع الشهداء 
كما أرى من اللازم أن أتعرّض لهذه المسألة وهي مسألة تشييع الشهداء - الذي جرى قبل بدء هذه الجلسة - والذي هو عمل مفيد وبنّاء1. أن يرى الناس شخصيّات محترمة وكبيرة، رئيس مجلس الخبراء المحترم وآخرين، يؤدّون الاحترام لجثامين الشهداء ونعوشهم - لشهداء لا يعرفونهم، ولمجرّد كونهم شهداء الثورة وشهداء طريق الحقّ - يمشون خلف نعوشهم ويشيّعونهم، هذا درس لمجتمعنا، وأنا أرى أنّ بلدنا ومجتمعنا بحاجة إلى هذا لأمد طويل، لتحيا ذكرى الشهداء، ويبقى طريق الشهداء واضحاً.



1 في أحدث تقصّي للجنة البحث عن مفقودي الحرب- التابعة لهيئة الأركان العامّة في القوّات المسلّحة خارج الحدود- تمّ العثور على جثامين مطهّرة لـ 92 شهيداً في مناطق من العراق - من جملتها مناطق العمليّات في الفاو وجزيرة مجنون - وجرى نقلها إلى الجمهوريّة الإسلاميّ في 24 مرداد من العام الجاري عن طريق شلمجة الحدوديّة، وتمّت مبادلتها ضمن مراسم بجثث 61 عسكريّاً عراقياً. وقد جرى تشييع هؤلاء الشهداء في 11 شهريور في طهران وذلك مقارنة مع ذكرى شهادة الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
 
 
 
 
 
 
 
 
497

423

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 النظرة الاستراتيجية والجامعة 

الموضوع الذي خطر ببالي أن أطرحه هو أنّنا مكلّفون - مهما كنّا في أيٍّ من مستويات اتّخاذ القرار المختلفة وصناعته المتعلّق بالنظام- أن ننظر إلى المسائل المختلفة في البلاد بنظرة استراتيجية وجامعة. واضح أنّ هناك حوادث متنوّعة خارجة عن إرادتنا - سواءً على مستوى المنطقة، أم على مستوى العالم، وحتّى على مستوى بلدنا - تحدث. هناك مسؤوليّات تقع على النظام الإسلاميّ والمسؤولين وأركان النظام إلى جانب عموم أفراد الشعب، لا يمكن تعريف هذه الواجبات والمسؤوليات بما تقتضيه هذه الحوادث1، أي أن تحدث حادثة، فنأتي بحركة انفعاليّة في مقابل هذه الحادثة، نتموضع، نقوم بعمل، هذا لا يصحّ، هذا بمعنى انجرار نظام الجمهوريّة الإسلاميّ لهذه الناحية ولتلك الناحية. يلزم للنظرة الجامعة والنظرة الاستراتيجية للمسائل - إذ كانت هذه النظرة الاستراتيجية والجامعة بحمد الله حاكمة في بلدنا، لم يحدث أن غفل المسؤولون منذ بداية الثورة إلى الآن عن هذا - أن تُحفظ هكذا، وأن نتموضع في مواجهة الحوادث من خلال هذه النظرة الجامعة، أن نعرف الحادثة.
 
لقد تشكّل نظام الجمهوريّة الإسلاميّ في خضمّ الحوادث العاصفة المختلفة، لقد قيل هذا الكلام مراراً، لكن لا ينبغي أن ننسى أنّ نظاماً شعاره عبارة عن تطبيق دين الله في حياة البشر وفي المجتمع الشعبي والبلاد، شعاره قولبة حياتنا الاجتماعيّة بالشريعة الإلهية ودين الله والضوابط والقيم الإلهية، مثل هكذا نظام في عالم سار منذ قرنين أو ثلاثة بسرعة نحو الماديّة وتشكّل على أساسها، كان شيئاً شبيهاً بالمعجزة، وهذه المعجزة وقعت. 
 
حاكميّة الشعب الدينيّة 
منذ بداية تشكيل النظام الإسلاميّ ابتدأت المعارضات أيضاً وبالاستناد إلى الإسلام، لا يقولنّ أحد أنّ استقلال البلاد أو سياسة محاربة نظام الاستكبار سبّب 



1 أي: لا ينبغي لهذه المسؤوليات أن تحدَّد وتوضَّح بالقياس الى هذه الحوادث وكردَّة فعل عليها.


 
 
 
 
 
498

424

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 عداواتهم - وهذه حقيقة، وهذا فقط - بالنهاية، محاربة الاستكبار نابعة من صلب الإسلام، حاكميّة الشعب الدينيّة الخاصّة بنا نابعة من صلب الإسلام. لقد قلت مراراً أنّه عندما نقول حاكميّة الشعب الدينيّة، فإنّ ذلك ليس بمعنى تركيب توليفي بين حاكميّة الشعب بمفهوم، والدين بمفهوم آخر، ليس هذا. إنّ حاكميّة الشعب خاصّتنا نبعت من الدين، ولقد دلّنا الإسلام على هذا الطريق، ومن خلال الاهتداء بالإسلام اهتدينا إلى نظام الجمهوريّة الإسلاميّ، وبعد ذلك، سيكون الأمر كذلك بتوفيق الله تعالى. هذه العداوات مركّزة وموجّهة إلى الإسلام، فلو سُلب الإسلام من هذا النظام وحُذف، سيُحذف بشكل طبيعيّ ما ينشأ عن الإسلام أيضاً، أو سيضعف أو يبهت، علينا أن نحلّل المسائل بهذه النظرة.

 
هناك اصطفافات في العالم، ونحن طرف في كثير من هذه الاصطفافات، علينا أن نرى من هو الطرف المقابل لنا، ما هو؟ لماذا يعادينا؟ لماذا نحن نواجهه؟ علينا أن ننظر في هذه الأمور نظرةً استراتيجية. قال تعالى: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾1، معنى ﴿سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ هذه العين المفتوحة نفسها، المتحلّية بالبصيرة، بالوعي، بملاحظة جميع الجوانب، فلننظر ما هو الهدف، وما هو طريق إلى هذا الهدف، والوقائع الموجودة أمامنا، ما هي؟ فلنتّخذ القرارات من خلال ملاحظتها، ولنتحرّك.
 
الصحوة الإسلاميّ لم تنتهِ 
تلاحظون اليوم أنّ حوادث متنوّعة تجري في منطقتنا. منذ سنوات عدّة إلى اليوم، وجهاز الاستكبار، يجعل من غرب آسيا منطقة مستباحة له، وعلى الرغم من تواجد الاستكبار في المنطقة، ونشاطه فيها، ظهرت الصحوة الإسلاميّ، وأنا أقول إنّ الصحوة الإسلاميّ لم تنتهِ، ليس الأمر كما نتصوّر أنّ بهذه الحوادث التي تحدث الآن في بعض البلدان، قد قُضي على الصحوة الإسلاميّ. الصحوة



1 سورة الملك، الآية: 22.
 
 
 
 
 
 
 
499

425

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 الإسلاميّ لم تكن حادثة سياسيّة محضة، كانقلاب وإطاحة، شخص يأتي وآخر يذهب، بعدها يأتي أحدهم ويطيح به. الصحوة الإسلاميّ كانت بمعنى نشوء حالة من التنبّه واليقظة والوعي والثقة بالنفس بالاعتماد على الإسلام في المجتمعات الإسلاميّ، لقد افتُعلت حوادث في شمال أفريقيا طبقاً لمقتضيات، في مصر مثلاً أو تونس أو قبل ذلك في السودان، هذه الأرضيّة موجودة بالقوّة وبشكل تامّ أيضاً في أماكن أخرى. لا يتصوّرنّ أحد أنّ الصحوة الإسلاميّ انتهت، لا، فهذه حقيقة موجودة مخفية داخل المجتمعات1. لذا، فإنّكم ترون في البلدان التي تدّعي الميل إلى الإسلام، أنّ الناس يصوّتون لتلك الحكومة الميّالة إلى الإسلام، هذا دليل على إقبال الناس على الإسلام والتوجّه إليه. بناءً على هذا، فحدث الصحوة الإسلاميّ هو حدث كبير جدّاً موجود، وقد وُجدت هذه الصحوة رغم أنف المستكبرين، وخلافاً لمشيئتهم، ومن الطبيعي أن يكون هناك ردّة فعل من قبلهم، إنّنا اليوم نشهد ردّة فعل جبهة الأعداء، توجد حوادث في شرق منطقتنا، أي في باكستان وأفغانستان إلى أقصى غرب آسيا، أي منطقة سوريا ولبنان. لقد حدّدت جبهة الاستكبار - والطرف البارز في هذه الجبهة هو الولايات المتّحدة الأميركيّة - مصالح لها في المنطقة من خلال النظرة الاستكباريّة، أي النظرة الاستعماريّة في القرن التاسع عشر بشكل جديد، وهم يسعون إلى حلّ مشاكل المنطقة جميعاً بملاحظة المصالح التي حدّدوها لأنفسهم، المسألة السوريّا هي أيضاً من هذا القبيل. إنّ حضور الاستكبار في هذه المنطقة هو حضور عدوانيّ واستبداديّ وتوسّعي يريد الإطاحة بكلّ مقاومة تقف بوجهه، بالطبع، لم يوفّقوا، بحمد الله، إلى الآن، ولن يوفّقوا.

 
هدف القوى الاستكبارية في منطقتنا
هذه المنطقة منطقة غنيّة بالثروات، ولها موقع جغرافي وطبيعيّ مهمّ جدّاً، وبالطبع، هم مهتمّون بهذه المنطقة، يتطلّعون إليها، بحيث إذا ما نظر الإنسان في 



1 العبارة الحرفية: "لا فهذه حقيقة موجودة تحت جلد المجتمعات الظاهري".
 
 
 
 
 
 
 
500

426

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 تصريحاتهم، وما فعلوه إلى الآن، يتبيّن أنّ هدفهم هو جعل المنطقة من خلال محوريّة النظام الصهيوني تابعة لهم، وتثبيت سيطرتهم عليها، إنّهم يسعون وراء هذا. كما تلاحظون، الحجّة التي طرحوها مؤخّراً، في القضيّة السوريّا الأخيرة نفسها، مسألة استخدام السلاح الكيميائي. ها هم الآن بالطبع يحاولون بلسان فصيح وبإسهاب التظاهر بأنّهم يريدون التدخّل في هذه المشكلة من أجل المسألة الإنسانية، من في العالم يصدّق هذا الادّعاء؟ فما هو غير مطروح بالنسبة للسياسيّين الأميركيّين، دون شكّ هو هذه الجوانب الإنسانية. هؤلاء هم من احتجزوا آلاف الأشخاص في سجن غوانتانمو، وقبله في سجن أبي غريب في العراق، لعدّة سنوات من دون محاكمة ولمجرّد الاتّهام، ولا زال البعض منهم يقبع إلى الآن في ذلك المعتقل، هل هذا عمل إنسانيّ؟ هؤلاء من رأوا قصف صدّام الشامل للمنطقة بالسلاح الكيميائيّ - سواء ما حدث في حلبجة العراقيّة، أم ذاك الذي حدث في مدننا، في سردشت وغيرها - ولم ينبسوا ببنت شفة، بل حتّى ساعدوا على ذلك، فلنفترض الآن أنّ الأميركيّين لم يمدّوه بالسلاح الكيميائي - الغربيّون حتماً ساعدوه وأمدّوه به، لا شكّ في ذلك، والمعلومات موجودة بين أيدينا - ولكن الأميركيّين قد رأوا بالحدّ الأدنى، واطّلعوا على الأمر ولم يبدوا أدنى اعتراض، هكذا هي المسألة الإنسانية بالنسبة لهؤلاء. لقد أمطروا - في أفغانستان وباكستان - احتفالات زفاف عامّة بالرصاص، قتلوا أناساً، قتلوا الآلاف من الناس في العراق ظلماً وعدواناً، أبادوهم، ولا زال عملاؤهم إلى الآن يقومون بهذه المهمّة، هؤلاء لم يتكلّموا ولو بحرف واحد. لا يعتقد أحد في العالم أنّ الأميركيّين يعملون من أجل المسألة الإنسانية، ها هم اليوم يسهبون في الكلام، ينمّقونه، يتحجّجون بهذا لكي يبرّروا تحرّكهم. ونحن نرى بالطبع، أنّهم مشتبهون ويرتكبون خطأً، وسوف يشعرون بالضربة النازلة عليهم في هذا المجال، وسوف يتضرّرون من هذه الناحية قطعاً، لا شكّ في ذلك. حسنٌ، هذا هو وضع المنطقة.

 

 

 

501


427

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 العناصر الكبرى الثلاث للنظام

إن نظام الجمهوريّة الإسلاميّ من خلال تلك التجربة الإعجازية جدّاً - حيث ظهر (وُجِدَ) في قلب هذه الحوادث العاصفة، ثم بعدها أيضاً وعلى امتداد السنوات المتمادية، وقف في وجه المعارضات، وليس فقط لم يضعف، ولم تبهت شعاراته، بل أصبح أقوى من الناحية الواقعيّة يوماً بعد يوم، فالجمهوريّة الإسلاميّ اليوم، تختلف عن الجمهوريّة الإسلاميّ قبل ثلاثين سنةً وقبل خمس وعشرين سنةً - من ناحية القوّة وتوسّع النفوذ والقدرات الذاتيّة - اختلاف الأرض عن السماء، وشعاراتها أيضاً شعارات قويّة، ومن خلال النظر إلى خطط الأعداء في هذه المنطقة، عليه1 أن يعرف ماذا ينبغي أن يفعل، ما أظنّه أنّه من واجباتنا، وواجبات مسؤولي البلاد، ووظيفة حكومة الجمهوريّة الإسلاميّ، هو أن نأخذ هذه العناصر الثلاثة الكبرى بالحسبان في جميع القرارات والإجراءات:
العنصر الأوّل: عبارة عن مبادئ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ وأهدافه، إذ لا ينبغي لهذه المبادئ والأهداف أن تغيب عن نظرنا، حيث يمكن لمبادئ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ أن تُلخّص في جملة مقتضبة "إيجاد الحضارة الإسلاميّ". الحضارة الإسلاميّ تعني ذلك الجوّ الذي يستطيع فيه الإنسان التطوّر من الناحية المعنويّة ومن الناحية الماديّة، والوصول إلى الغايات المنشودة التي خلقه الله تعالى من أجل الوصول إليها، أن يحيا حياةً طيّبة، حياةً عزيزة، الإنسان العزيز، الإنسان القويّ، صاحب الإرادة، والمبتكر، والباني لعالم الطبيعة، هذا ما تعنيه الحضارة الإسلاميّ، وهذا هو هدف نظام الجمهوريّة الإسلاميّ ومبادئ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ.
 
العنصر الثاني: عبارة عن السبل التي توصلنا إلى هذه الأهداف، الاستراتيجيّات العامّة والكلّيّة، ينبغي معرفة هذه الاستراتيجيّات، الاستناد إلى



1 أي نظام الجمهوريّة الإسلاميّ.
 
 
 
 
 
 
 
502

428

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 الإسلاميّ، الالتفات لعدم الظلم وعدم الانظلام في المعاملات المختلفة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"1 هذا تكليف، هذه استراتيجيّة عامة. استراتيجيّة الاستناد إلى آراء الشعب وما من شأنه أن يشكّل حاكمية الشعب، واستراتيجيّات من هذا القبيل، هذه هي السياسات العظمى والأساسيّة والاستراتيجيّات الأساسيّة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّ للوصول إلى هذه الأهداف، العمل العمومي، السعي العمومي، الابتكار العمومي، الوحدة الوطنيّة، ومثل هذه الأمور الموجودة.

 
العنصر الثالث: الوقائع، ينبغي رؤية الوقائع2، حيث قلت في محضر مسؤولي النظام والعاملين فيه في شهر رمضان المبارك3، أنّ ما يلزمنا، هو المبدئيّة مع النظر إلى الوقائع. ينبغي أن نفهم الوقائع جيّداً، فما ينتج عن الوقائع من قوة واقتدار، علينا معرفته جيّداً، كما يجب علينا معرفة ما يؤدّي منها إلى النقص والضعف. ما يمنع من الحركة، علينا معرفته، علينا معرفة الوقائع جيّداً. لقد ذكرت هناك بعض الوقائع بالاسم، بما هي وقائع جيّدة موجودة لدينا، لا ينبغي النظر إليها جميعاً على أنّها نقائص وضعف. وجود المفكّرين البارزين، وجود العناصر الفعّالة والمبدعة، انتشار المعرفة الدينيّة والمعنويّة بين شريحة واسعة من جيل الشّباب، بقاء الشعارات الدينيّة والإسلاميّ، ازدياد النفوذ اليومي لنظام الجمهوريّة الإسلاميّ في المنطقة وفي العالم، هذه وقائع موجودة، وهذه وقائع ينبغي أن تُرى. حتماً، توجد إلى جانبها وقائع مُرّة، كما في حياة الإنسان كلّها، الممزوجة بالحلاوة والمرارة، ينبغي العمل - من خلال الاعتماد على الوقائع العذبة وتقويتها- على إزالة الوقائع المرّة وغير المرغوبة أو التقليل منها.
 
ينبغي ملاحظة هذه العناصر الثلاثة، أي أن لا تغيب المبادئ عن نظرنا، أن لا



1 نهج البلاغة، الرسالة 47.
2  أو الواقعيات.
3 30/04/1392
 
 
 
 
 
 
 
503

429

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 تغيب الاستراتيجيات عن نظرنا، بالطبع، ينبغي أن نرى الوقائع أيضاً. فإذا لم نرَ الوقائع، سوف لن نسلك الطريق جيّداً، لكن لا ينبغي لوجود الوقائع أن يصرفنا عن طريقنا. فكما أنّنا نكون مخطئين في حال رجوعنا عن الطريق عند وجود صخرة ما في طريقنا، نخطئ أيضاً إن تغاضينا عن وجود الصخرة وسلكنا الطريق من دون اكتراث، أمّا فيما لو نظرنا في جوانب هذه الصخرة لنرى الطرق التي يمكن العثور عليها، أو كيف يمكن رفع هذه الصخرة، أو إيجاد ممرّ فيها، أو العثور على طريق موازٍ لها، حينها تكون هذه النظرة إلى الوقائع صحيحة.

 
الحرب حتّى رفع الفتنة 
هذا هو الأمر نفسه الذي فعله الإمام في الفصل الأوّل من الثورة أي في تلك السنوات العشر المصيريّة والحسّاسة جدّاً. لم يغمض إمامنا العظيم عينيه في مواجهة الوقائع، لكنّه أيضاً لم يُقصّر، لم ينسَ الاستراتيجيّات. انظروا وضع الإمام، حياة الإمام، شعارات الإمام، الإمام العظيم هو الذي لم يتّقِ أحداً في مسألة النظام الصهيوني، الكلام بأنّ "إسرائيل غدّة سرطانيّة ويجب أن تزول من الوجود" هو كلام الإمام. لم يتّقِ أحداً أو يهتمّ لأحد في مواجهة شيطنة القوى المستكبرة والتدخّل الأميركي، شعار "أميركا الشيطان الأكبر" هو كلام الإمام. وهجوم الشّباب المسلم والطلّاب المسلمين على السفارة الأميركية1 ووضع أيديهم على وسائلهم ومستنداتهم الاستخباراتيّة، اعتبره الإمام ثورة ثانيةً، ولربّما تكون أهمّ من الثورة الأولى، هذا هو كلام الإمام، هذه هي مناهج الإمام.
 
في مسألة الحرب قال: "الحرب لدفع الفتنة"، هذا كلام الإمام، كان الآخرون يقولون: حرباً حرباً حتّى النصر، فقال الإمام: "الحرب حتّى رفع الفتنة". هذه المواقف هي التي رسّخت أسس النظام.
 
أولئك الذين لم يتعرّفوا على هذا النهج واتّبعوا في بلدانهم نهجاً آخر، وتجاوزوا 



1  استيلاء الطلاب على السفارة الأميركيّة في طهران عام 1981.
 
 
 
 
 
 
 
504

430

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 مبادئهم ونسوا شعاراتهم الأساسيّة من أجل استمالة قلوب المستكبرين، انظروا ماذا حلّ بهم، فأولئك الأشخاص في مصر لو رفعوا شعار العداء لإسرائيل، ولو لم يخضعوا أمام الوعود الأميركيّة وعملاء أميركا، فمن غير المعلوم أنّه كان سيحلّ بهم ما حلّ، أي قطعاً لم يكن هذا ليحدث، وأنّ ديكتاتوراً مارس ديكتاتوريته لمدّة ثلاثين عاماً وأذلّ الشّعب المصريّ، يخرج من السجن، وأولئك الذين انتُخبوا من قِبَل الشعب، يُحتمل إصدار حكم الإعدام فيهم، أساساً، مثل هذا الأمر لم يكن من الممكن أن يحدث. أولئك الأشخاص الذين نزلوا إلى الميدان في مقابل هؤلاء المنتخبين - السذّج - وأطلقوا الشعارات، لو كان هؤلاء المنتخبين مبدئيّين في تلك المواطن، لكان نصف هؤلاء المعارضين أو أكثرهم التحقوا بهم، أي لما كانوا واجهوهم أو عارضوهم. هذا ما يحصل عندما يتراجع الإنسان عن المواقف المبدئيّة. هذه أمور ينبغي (مراعاتها) بكلّ الأحوال.


ما نشعر أنّه ينبغي القيام به من أجل رفع المشكلات، المشكلات لم توجد اليوم، المشكلات موجودة على الدوام، هي موجودة في جميع البلدان، بمعنى إذا ما تصوّر أحد أنّه لا يوجد مشاكل في البلد المتقدّم الفلاني، أو في البلد الغربيّ الفلاني، أو الغنيّ، أو الكثير السكّان، أو القليل السكّان، فهو مخطئ، المشاكل موجودة في كلّ مكان، وإنّ طبيعة عمل شعبٍ هو أن تبرز المشاكل بالنهاية في عمله، وعلى المسؤولين فيه إزالة هذه المشاكل ومتابعة طريقهم، الآن، يريد البعض أن يحلّ المشاكل من خلال مساعدة الآخرين، بالاعتماد على الآخرين، بإعطاء الرشوة للآخرين، من خلال التذلّل للآخرين، البعض لا، يريدون حلّ مشاكلهم بقوّتهم، من خلال قدراتهم الذاتيّة - واعتقادنا أنّه ينبغي إيلاء الأهميّة لتقوية البنية الداخليّة للنظام، هذا هو أساس العمل، علينا أن نقوّي أنفسنا من الداخل. التقوية الداخليّة من خلال الفكر الكامل، من خلال النظرة العاقلة والحكيمة هي أمر ممكن، سواءً كان ذلك عن طريق التطوّر العلمي، أم عن طريق البناء والإدارة الاقتصاديّة الصحيحة، هذه أمور ممكنة برأينا.
 
 
 
 
 
 
 
505

431

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 تلاحظون اليوم، عندما يضغطون علينا في مسألة النفط، نقع في مشكلة، ممّا ينشأ هذا؟ هذا ناشئ من كوننا لم نستطع تقليل اعتمادنا على النفط منذ انتهاء فترة الحرب إلى الآن، لو كنّا قلّلنا من اعتمادنا على النفط، لما كان الضغط علينا في مسألة النفط يمرّ صعباً. لذا، علينا مراجعة أنفسنا، علينا أن نريد من أنفسنا أن نحلّ العقد بقوّة الإرادة.


تقديم المساعدة للحكومة الجديدة
توجد اليوم بحمد الله أيضاً، حكومة جديدة. إحدى امتيازات وضعنا الراهن أنّ حكومة جديدة قد وردت ميدان العمل، بآراء جديدة، بابتكارات جديدة، بأفكار جديدة، بمجموعة أفراد يمتلكون قدرات، يريدون الخوض في العمل والتقدّم به إن شاء الله نحو الأهداف التي أعلنوها. كما أنّ رئيس جمهوريّتنا أيضاً هو رجل دين ذو تجربة فعّالة في الميادين الثوريّة المختلفة في البلاد، هذه أيضاً واحدة من الامتيازات الموجودة. طبيعة العمل هو أن نقدّم جميعاً المساعدة، وإنّي اعتبر هذا من مسؤوليّتي، لقد ساعدت جميع الحكومات، دعمت جميع الحكومات، وسأساعد قطعاً هذه الحكومة وأدعمها، وعلى المسؤولين أن يقوموا بذلك.

بالطبع، دعمي أنا العبد الفقير للحكومات ليس بمعنى قبولي لجميع أعمال تلك الحكومات، لا، ففي الدورات المختلفة، كانت هناك حكومات، دعمناها جميعاً، وقد كان لدينا أيضاً إشكالات عليها في الميادين المختلفة، لكنّ لا ينبغي لتلك الإشكالات أن تؤدِّي إلى أن نعتبر الحكومة غريبة عنّا، وأن لا نمدّ لها يد العون والدعم التي يجب على الجميع مدّها نحو الحكومات. يلزم أن يؤدّى هذا الدعم والمساعدة إن شاء الله تعالى، وندعو ونوصي، والنصيحة أيضاً لازمة، النصيحة لأئمّة المؤمنين، أي الكلام الذي من ورائه الخير، حيث يمكن لهذا الكلام الخيّر أن يكون قويّاً ولاذعاً، فإن طبيعة الأمر هي أنه إذا ما فكّر المسؤولون - الموجّه إليهم النّقد والكلام اللاذع - بنحو صحيح أظن أنهم سيقنعون ويرضون، حتّى
 
 
 
 
 
 
506

432

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 أنّ هذا الكلام اللاذع هو لمصلحتهم. على كلّ حال، عندما أنظر في وضع البلد ومستقبل البلد، على الرغم من وجود بعض المشاكل التي عرضها الأصدقاء والكثير منها أيضاً لم يُطرح، أرى مستقبلاً جيّداً جدّاً، وأرى الطريق واضحاً، مبادئنا مبادئ محدّدة، نعرف ماذا نريد أن نفعل، الطريق إلى هذه المبادئ واضح أيضاً ومحدّد، استراتيجيّاتنا أيضاً ليست مشوبةً بالإبهام، وواضح ماذا يجب فعله. 


في هذه السنوات أيضاً اتّضحت التحالفات الإقليميّة والعالميّة. بالطبع، الليونة والمرونة والمناورات الماهرة والشجاعة أمر مطلوب ومورد قبول في جميع الميادين السياسيّة، لكن لا ينبغي لهذه المناورات الماهرة أن تتجاوز الخطوط الحمراء، أو أن تتراجع عن الاستراتيجيّات الأساسيّة، أو أن لا تلاحظ المبادئ، ينبغي أن تُراعى هذه الأمور. بالطبع، لكلّ حكومة، لكلّ شخص، لكلّ وجه بارز، أساليبه، ابتكاراته، سيعمل بهذه الابتكارات ويتابع طريقه. إنّي متفائل تماماً ومعتقد أنّ المشاكل الموجودة، سواءً المشاكل الاقتصاديّة، أم المشاكل السياسيّة، أم المشاكل الأمنيّة، والأهمّ من هذه كلّها المشاكل الثقافيّة التي هي أعمق وأهمّ من المشاكل الاقتصاديّة - وإن كانت بعض الأمور الاقتصاديّة أكثر إلحاحاً - جميع هذه المشاكل قابلة للحلّ، والطريق ممكن العبور. نسأل الله سبحانه العون.

جبهات جديدة بين المسلمين 
لقد دوّنت هذه الملاحظة لأعرضها عليكم، على الجميع أن يتنبّه، إنّ إحدى السياسات الأساسيّة لأعداء الإسلام وخاصّة أعداء النظام الإسلاميّ في المنطقة، هي سياسة إيجاد الاختلاف المذهبي والطائفي ومسألة الشّيعة والسنّة، عليكم أن تنتبهوا لهذا الأمر. وهناك مجموعتان أصبحتا عميلتين ومأجورتين للعدوّ في هذا المجال: مجموعة من السنّة، ومجموعة من الشّيعة، مجموعة هم أولئك التكفيريّين المنحرفين عن حقيقة الدين، ومجموعة أخرى هم أيضاً أولئك الذين يعملون للأعداء باسم الشّيعة، يحرّكون أحاسيس الآخرين، ويبرّرون العداوات، ويشعلون نار  
 
 
 
 
 
 
507

433

في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

 الفتنة. كلّ مجموعة، كلّ جهاز، كلّ حكومة، تنخدع بهذه المؤامرة الكبيرة وتغرق في هذه القضيّة، وكلّ مجموعة تقع في الاشتباه، سوف توجّه ضربةً للحركة الإسلاميّ والنظام الإسلاميّ قطعاً، وسوف تُوجّه الضربة إلى بلدنا على وجه الخصوص. أنا أصرّ على أن يلتفت كبار العلماء، سواءً علماء الشّيعة، أم علماء السنّة، في إيران أو في المناطق الأخرى، إلى أنّ الخلافات بين الفرق الإسلاميّ لا ينبغي أن تؤدّي بنا إلى فتح جبهة جديدة في مواجهة بعضنا، ونغفل عن عدوّنا الأساس، الذي هو عدوّ لأصل الإسلام وعدوّ للاستقلال وعدوّ لتحسّن أوضاع شعوب المنطقة.

 


أسأل الله سبحانه أن يمدّنا جميعاً بالعون، وأن تشملنا وإيّاكم عنايات حضرة بقيّة الله (أرواحنا فداه) ودعاء هذا العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
 
508

434

لقاء الإمام الخامنئي دام ظلّه مع أئمة الجمعة

 لقاء الإمام الخامنئي دام ظلّه مع أئمة الجمعة


المناسبـة: لقاء دوري مع أئمة الجمعة
الحــضـور: حشد من أئمة الجمعة من كل أنحاء البلاد
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
18/06/1392 هـ.ش.
02/11/1434 هـ.ق.
09/09/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
509

435

لقاء الإمام الخامنئي دام ظلّه مع أئمة الجمعة

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

التقى سماحة الإمام السيد علي الخامنئي يوم الإثنين 09/09/2013م أئمة الجمعة من كل أرجاء البلاد، واعتبر صلاة الجمعة شبكة دينية وشعبية وحكومية مهمّة وقيّمة، وأكّد على ضرورة توفّر نظرة شاملة وعامة لقضايا البلاد والعالم وهذه بعض النقاط التي ذكرها: 
على الحكومة والمسؤولين والسياسيّين والدبلوماسيين والشعب أن يُحلّلوا التحرّكات والسلوكيات المعقّدة والمرائية للغرب وأميركا بخصوص حقوق الإنسان بنظرة واقعية وفي إطار المواجهة العميقة والجذرية بين الغرب والإسلام، وبغير ذلك سنقع في الخطأ في التمييز بين تكتيكات الطرف المقابل واستراتيجياته، وحتى في معرفة العدو. 

وإنّ الداعي إلى ذلك وجود مواجهة جذرية بين الغرب والإسلام طوال القرون الأخيرة ودور انتصار الثورة الإسلاميّ كنقطة عطف في هذه المواجهة، فخلال فترة الاستعمار بسط الغرب سيطرته وهيمنته الاقتصادية والسياسية والثقافية على الشرق بما في ذلك العالم الإسلاميّ، وأوحى بفضل تقدّمه العلمي والتقني بأنّ العالم الغربي هو النموذج والقطب في كل الحسابات. 

ولقد غيّروا حتى الحسابات الجغرافية على أساس أصالة العالم الغربي وتفوّقه، وأطلقوا تعابير غير صحيحة من قبيل الشرق الأدنى والشرق الأوسط والشرق الأقصى.

وفي مثل هذه الظروف التي كانت فيها كل بلدان المنطقة بما في ذلك إيران تحت تأثير الهيمنة الغربية والعالم المادي، انتصرت الثورة الإسلاميّ على أساس مبادئ الاستقلال المطلق والالتزام بالإسلام ومباني القرآن الكريم، ووجّهت ضربة شديدة للصرح التاريخي الغربي. 
 
 
 
 
 
 
 
511

436

لقاء الإمام الخامنئي دام ظلّه مع أئمة الجمعة

 والانتشار التدريجي لأفكار الثورة الإسلاميّ الإيرانية وهويتها، أقلق الغربيّين بشدّة، لذلك زادوا من تعقيدات وعمق برامجهم ومخطّطاتهم بموازاة تعمّق الفكر الإسلاميّ. 


ففي الوقت الراهن تبدو ظروف المنطقة والعالم الإسلاميّ بالنحو الذي يتصوّر معه الغربيون أنّهم تخلّفوا وخسروا في منازلة فكر الثورة الإسلاميّ، لذا راحوا يُركّزون كل جهودهم وقدراتهم على تعويض هذا التخلّف. 

وفي مثل هذه الظروف انطلقت حركة الصحوة الإسلاميّ في المنطقة أيضاً، ونزل الغربيون الذين وجدوا أنفسهم متأخّرين في منازلة فكر الثورة الإسلاميّ، إلى الساحة باضطراب وتخبّط لمواجهة الصحوة الإسلاميّ والإسلام السياسي. 

ومن الضروري النظر إلى أحداث المنطقة من هذه الزاوية، وعلى الحكومة والمسؤولين والسياسيّين والدبلوماسيين وكل أبناء الشعب أن تكون لهم نظرة شاملة وصحيحة، ففي غير هذه الحالة سوف لن نرى الواقع، وفضلاً عن أنّنا سننخدع، سنتلقّى الضربات أيضاً.

وإنّ الجمهوريّة الإسلاميّ الإيرانية هي "فتح الفتوح" في مجال المواجهة بين العالم المادي والإسلام، ولا يزال فتح الفتوح هذا قائماً وموجوداً باقتدار ومتانة، ولا ريب أنّ الانسجام الداخلي المتزايد وتزايد التزام الأجهزة والمؤسّسات المختلفة بالقيم والأصول، سوف يوفّر مزيداً من المناعة لهذا الاقتدار ولفتح الفتوح هذا.

ويجب أن نكون مقتدرين حيال العالم الغربي، لأنّهم أثبتوا أنّهم لا يرحمون أحداً، وخلافاً لدعاواهم وريائهم في خصوص حقوق الإنسان، لا يؤثّر مقتل ملايين البشر في ضمائرهم شيئاً.

وإنّ الكذب والرياء والنفاق هي من سمات السياسيّين الغربيّين وإنّ باطن القضية هو أنّ الغربيّين لا يشعرون بالألم لمذابح هيروشيما ولمقتل ملايين البشر في الحربين العالميتين الأولى والثانية ولمقتل الناس الأبرياء في باكستان وأفغانستان والعراق، وفي المستقبل أيضاً حيث ما اقتضت مصالحهم سوف لن يتورّعوا عن 
 
 
 
 
 
 
512

437

لقاء الإمام الخامنئي دام ظلّه مع أئمة الجمعة

 قتل البشر. لذلك يجب مضاعفة اقتدارنا الداخلي في شتّى الميادين السياسية والحكومية والمعيشية والشعبية.


إنّ صلاة الجمعة تركيبة من عرض الحقائق المعنوية والإسلاميّ والتواجد غير الإلزامي للناس في هذا الميدان المتصل بالحكومة الإسلاميّ.

ثم تحدّث الإمام السيد الخامنئي حول الصلاة وأئمة الجمعة وهذه أبرز النقاط:

خلافاً لتصوّر البعض، لا تتولّى الحكومة تأمين رفاهية الناس وحريتهم واستقلالهم السياسي فقط، إنّما تقع على الحكومة أيضاً واجبات في ما يخصّ دين الناس ومعتقداتهم.

إنّ هذه الشبكة المهمّة (الصلاة وصلاة الجماعة) إلى جانب كونها شعبية وإسلامية وحكومية وسياسية، لكنها غير داخلة في الفئويات والجماعات المختلفة للناس، ولا في الفئويات السياسية.

وإنّ لصلاة الجمعة أيضاً واجباتها تجاه أصول الثورة الإسلاميّ وقيمها، ويجب أن يكون لصلاة الجمعة التزامها بالقيم الإسلاميّ المبتني على الأسس الفكرية والعقلية.

وعلى أئمة الجمعة إلقاء خطب قصيرة وفي الوقت نفسه ذات مغزى ومواعظ، لتنصبّ المحاولات على أن تكون خطب صلاة الجمعة مشتملة على الاحتياجات وتجيب عن الأسئلة والعقد الذهنية للمتلقّين وخصوصاً جيل الشّباب في الميادين العقيدية والعملية والسياسية.

وينبغي أن تكون محصّلة خطب صلاة الجمعة متفائلة وإيجابية ومعزّزة لصلات الجماهير بالنظام الإسلاميّ، وأوصي أئمة الجمعة بالتواصل أكثر فأكثر مع أبناء الشعب والتواجد في الأوساط الشّبابية والطلّابية والجامعية والحوزوية، والإصغاء إلى آراء الشّباب وكلامهم.

من الأمور التي يجب أن تطرح في خطب صلاة الجمعة موضوع أسلوب الحياة والأفكار الحيوية والموثّقة تماماً في هذا المضمار.
 
 
 
 
 
 
 
513

438

في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ



المناسبـة: موسم الحج لعام 1434 هـ ق 
الحــضـور: المسؤولون المعنيون في بعثة الحج 
الـمكــان: طهران
الزمان:
20/06/1392 هـ.ش.
04/11/1434 هـ.ق.
11/09/2013 م.
 
 
 
 
 
 
515

439

في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

 بسم الله الرحمن الرحيم


في البداية، أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزّاء، العاملين المبجّلين في واحدة من أبرز الخدمات في المجتمع الإسلاميّ، أي الحجّ الإبراهيمي وزيارة بيت الله والمدينة المنوّرة. وأرجو أن يكون هذا الفخر الكبير ذخيرة لكم في الآخرة، وأن تؤدّوا هذا المسير والسعي والعمل في هذه المجموعة المباركة بكلّ إخلاص، ليسطع إن شاء الله كشمس في صحيفة أعمالكم. كما أشكر للسادة المحترمين، مسؤولي بعثة الحجّ جهودهم، حقيقةً، تستحقّ هذه الأعمال التي تكلّموا عنها التقدير، سواءً على الصعد الثقافيّة والمعنويّة والأخلاقية والتربويّة، وسواءً على الصعد العمليّة والإجرائيّة والإداريّة.

مصدر قوّة للأمّة الإسلاميّ
ما يهمّ معرفته هو أنّ الحجّ يُشكّل إحدى نقاط القوّة في دين الإسلام المقدّس، وعلى الرغم من أنّ نقاط القوّة في الشريعة الإسلاميّ ليست واحدة أو اثنتين، وليست قليلة، إلّا أنّ الحجّ بسبب هذه الخصائص الموجودة فيه - حيث الكلّ يعرف القليل والكثير عن هذه الخصائص - له ميزة بارزة، في الواقع يمكن القول إنّ الحجّ مصدر قوّة للأمّة الإسلاميّ. عندما نُوفّق نحن المسلمين في البلدان المختلفة، ومن المذاهب المختلفة لهذا الأمر، عندما نُحقّق هذا البلوغ الفكري، والذي هو تشكيل "الأمّة الإسلاميّ" واقعاً وبالمعنى الحقيقيّ للكلمة - إذ للأسف، لم نُوفّق نحن المسلمين لهذا الأمر إلى الآن، ولم نصل إلى مرحلة البلوغ السياسي والفكري والأخلاقي - ونتمكّن نحن جماعة المسلمين من أقصى شرق العالم إلى أقصى
 
 
 
 
 
 
517

440

في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

 غرب العالم الإسلاميّ أن نكون أمّة واحدة، ولو بدول مختلفة، عندها سندرك كيف يكون الحجّ مصدر قوّة واستحكام ورفعة واحترام لهذه الأمّة.

 
على نظام الجمهوريّة الإسلاميّ اليوم، أن ينظر بهذه النظرة إلى الحجّ: وسيلة قوّة، أيّ نوع من القوّة؟ هل مقصودنا من هذه القوّة هو ما يشبه القوّة المادّيّة والسياسيّة والعسكريّة، أو حتّى من قبيل القوى البرمجيّة، مثل القوّة الثقافيّة (و) قوّة اللغة؟ لا، إنّها أعلى من ذلك بكثير. وعلاوةً على أنّ للحجّ قوّة سياسيّة، وعلاوةً على أنّه يظهر للعالم القوّة الثقافيّة للنظام الإسلاميّ، له قوّة معنويّة، أي إنّه يبني البشر من الداخل، يجعلهم مستعدّين لتجاوز الموانع الصعبة، يفتح أعينهم على حقائق، لا يمكن رؤيتها وتحسّسها إلاّ من خلال الحضور في ميادين الحجّ، هناك يُدرك الإنسان بعض الحقائق المعنويّة للإسلام، الحقائق التربويّة للإسلام، الحجّ شيء من هذا القبيل.
 
إحدى لوازم الحجّ بالمعنى الصحيح للكلمة، هي أنّ الحجّاج يتعاطون في ميدان الحجّ وميدان هذه الفريضة الإسلاميّ الكبرى مع بعضهم البعض بأخوّة بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ينظرون إلى بعضهم البعض نظرة أخويّة، لا نظرة غريب لآخر، لا نظرة عداوة، ينظرون إلى بعضهم البعض نظرة أشخاص يسيرون نحو هدف واحد، يبحثون عن أمر واحد، يدورون حول محور واحد. قال تعالى: ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾1، المراد من "لا جدال" ليس الجدال مع الأعداء، فالحجّ أساساً هو مظهر للجدال مع الأعداء. بعض أصحاب الآراء المنحرفة، وسيّئي النفوس أرادوا القول "لا جدال في الحجّ"، لماذا تقيمون أنتم مراسم البراءة في الحجّ؟ هذا الجدال الموجود في مراسم البراءة هو جدال مع الشرك، جدال مع الكفر، هذا أحد أهمّ خطوط الحياة الإسلاميّ، الجدال الذي لا ينبغي أن يكون في الحجّ هو جدال الإخوة مع بعضهم البعض، جدال المؤمنين مع بعضهم البعض، جدال القلوب المعتقدة بالتوحيد مع بعضها البعض، هذا الجدال لا ينبغي أن يكون. ينبغي



1 سورة البقرة، الآية: 197.
 
 
 
 
 
 
 
 
518

 


441

في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

 أن نعمل ليس فقط على التخلّص من الجدال اللساني، بل على التخلّص أيضاً من النفور القلبي، على العكس تماماً ممّا يحاول أعداء الإسلام اليوم إيجاده في المجتمع الإسلاميّ، عليكم أن تلتفتوا إلى هذا.


الأخوّة بين المسلمين
اختلاف المذاهب الإسلاميّ، الاختلاف بين الشّيعة والسنّة في حدود الاختلاف العقائديّ بأن يعتقد أحد بعقيدة ما، ويعتقد الآخر بعقيدة أخرى، هذا لا يوجد فيه مشكلةً، المشكلة تحصل عندما يؤدّي هذا الاختلاف العقائديّ إلى الاختلاف الروحي، والاختلاف الفكري، وإلى المنازعة، وإلى الخصومة، وإلى العداوة، أعداء العالم الإسلاميّ يسعون وراء هذه الفكرة، ووراء هذه الخطّة. لقد أدركوا جيّداً أنّه إذا ما أخذت المذاهب الإسلاميّ في العالم الإسلامي بأعناق بعضها، وبدأت بمنازعة بعضها البعض، سوف يتنفّس النظام الصهيوني الغاصب الصعداء، لقد أدركوا هذا الأمر ووعوه جيّداً، لذا، فهم من ناحية، يطلقون المجموعات التكفيريّة التي لا تكفّر الشّيعة فقط، بل تكفّر الكثير من أهل السنّة أيضاً، ومن ناحية أخرى، زرعوا جماعة من العملاء المأجورين لتهيئة الهشيم لهذه النار، وصبّ الزيت عليها، حيث ترون، وتسمعون، وتدرون. إنّهم يضعون وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية في متناول هؤلاء، أين؟ في أميركا! أين؟ في لندن! ذلك التشيّع الذي سيُبثّ للعالم من أميركا ومن لندن، لا يفيد الشّيعة. لقد أكّد مراجع الدين الشّيعة - الإمام العظيم وآخرون، وخاصّة بعد انتصار الثورة الإسلاميّ - كثيراً على الوحدة الإسلاميّ، وأخوّة المسلمين فيما بينهم، في ذلك الوقت سعى البعض - الملكيّون أكثر من الملك - إلى إيقاد نار الفتنة، وإيجاد النزاعات وبثّ الاختلافات. هذا هو الشيء نفسه الذي يريده الأعداء، هذا هو الشيء نفسه الذي يسعى وراءه أعداء العالم الإسلاميّ الذين هم ليسوا شيعةً ولا سنّةً، ولا يحبّون هؤلاء ولا أولئك. علينا فهم هذه الأمور، علينا الالتفات إليها. 
 
 
 
 
 
 
 
519

442

في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

 تبادل الثقافة والتجارب

المسألة الأساسيّة الأخرى التي تشكّل نقطة من نقاط القوّة في الحجّ ومصدر قوّة فيه، هي تبادل الثقافة الإسلاميّ الأصيلة بين المسلمين، وتبادل التجارب الإسلاميّ فيما بينهم. قد نكون سمعنا أموراً عن البلد الإسلاميّ الفلاني، لكن هناك فرقاً بين السمع وبين أن يجلس الإنسان مع أناس من أهل ذلك البلد، ويسمع منهم مباشرةً، وهو أيضاً بالنسبة إلى ما سمعه عن إيراننا الإسلاميّ العزيزة، سيقارنه بما يراه وما يسمعه منكم، فيستطيع كشف الحقيقة. إنّ حجم الدعايات الإعلاميّة ضدّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ هو حجم مرعب، وعدد الوسائل الإعلامية - بأشكالها المختلفة - التي تعمل ضدّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّ في العالم هو عدد ضخم وعجيب. الشاب الفلاني الذي هو من البلد الأفريقيّ الفلاني، أو البلد الأسيويّ الفلاني، أو البلد العربيّ الفلاني أو غير العربي، عندما يجلس على الإنترنت ويتابع إحدى الوسائل الإعلامية العالميّة، أو يحمل بين يديه الصحيفة الفلانيّة العالميّة، أنّى له أن يعلم أنّ ما نُشر هنا عن إيران الإسلاميّ مخالف للحقيقة؟ إنّ حضوركم في الحجّ، في هذا الميدان العالمي يُتيح لكم الفرصة لنقل الحقائق، ليس فقط باللسان، بل باللسان والعمل، انقلوا حقائق الإسلام، تكلّموا عن حقائق الشّيعة، تكلّموا عن حقائق الثورة الإسلاميّ، تكلّموا عن الأحداث التي تدور اليوم في العالم.

تعزيز المعنويّة 
نقطة أخرى أساسيّة ومهمّة في الحج، هي ما أشرنا إليه: تعزيز المعنويّات في وجودنا. أعزّائي! يمكننا المقاومة في ميادين الجهاد في سبيل الله، عندما تكون قلوبنا مفعمة بالإيمان بالله، والتوكّل عليه تعالى، فمع التوكّل على الله نشعر بالقوّة الحقيقيّة، ولا يمكن غضّ الطرف عن الهيمنة الظاهريّة للقوى الكبرى. التوكّل لازم، الإيمان لازم، حسن الظنّ بالوعد الإلهي لازم، هذه كلّها تتوفّر في الحجّ. يذهب
 
 
 
 
 
 
520

443

في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

 الإنسان إلى هناك ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾1، هذه المنافع ليست منافع ماديّة فحسب، هي منافع دنيويّة، ومنافع أخرويّة، ومنافع معنويّة، ومنافع روحيّة، هذا هو الحجّ.

 
القوى العظمى لا تكترث لشعوب المنطقة
تلاحظون اليوم في العالم الإسلاميّ أنّ الأعداء مضافاً إلى الأعمال التي يقومون بها على صعيد إيجاد الاختلاف الفكري والروحي والعقائدي، يوقدون نار الفتنة، انظروا إلى الدول المجاورة لنا - في باكستان بنحو، وفي العراق بنحو، وفي سوريا بنحو، وفي البحرين بنحو - كيف يشعلون نار الحرب بين الناس بذريعة الخلاف الشيعي والسنّي، وحيث لا تكون المشكلة مشكلة الشّيعة والسنّة، يصوّرونها على أنّها كذلك، ولقد أشرت مراراً إلى نماذج من هذه الأمور، إنّهم مستعدّون لإشعال المنطقة، من أجل الأهداف السياسيّة، هكذا تفكّر القوى العظمى. إنّ القوى العظمى لا تكترث أبداً لوقوع انفجار في المحلّة الفلانيّة من المدن العراقيّة، ولقتل خمسين شخصاً في هذا الانفجار، إنّها لا تكترث أبداً لإيجاد حوادث في سوريا، تحوّل هذا البلد خراباً بالتدريج، أو في مصر أو في أماكن أخرى. فالقوى العظمى - أميركا وأمثالها - يقومون بمثل هذه الأعمال من أجل مصالحهم غير المشروعة. والآن، نرجو أن يكون هذا التوجّه الجديد للأميركيّين في أمر سوريا2 جدّيّاً، وأن لا يكون مسرحيّةً سياسيّة أخرى، منذ أسابيع وهم يهدّدون شعوب المنطقة بالحرب، بالقيام بحرب تجرّ الخسائر، من أجل المصالح التي حدّدوها لأنفسهم، وهم يعتبرون الدفاع عن هذه المصالح أمراً مشروعاً بالنسبة لهم، حتّى ولو أدّى ذلك إلى سحق مصالح عشرات الدول الأخرى والعشرات من الشعوب الأخرى، هكذا هم. الإنصاف والنظر إلى مصالح البشريّة والإنسانية



1 سورة الحج، الآية: 28.
2 بعد الاقتراح الروسي وقبول سوريا بوضع جميع أسلحتها الكيميائيّة تحت مراقبة الأمم المتّحدة، وقعت أميركا التي كانت تستعدّ للهجوم على هذا البلد، في التردّد وتراجعت عن موقفها الداعي للحرب.
 
 
 
 
 
 
521

444

في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

 والمصالح المصيريّة لعموم أفراد البشر ليست موجودة في قاموسهم، يسمّونها المصالح الوطنيّة (والتي) هي في الواقع، ليست مصالحهم الوطنيّة، هي مصالح الصهيونيّة، مصالح أعداء البشريّة، مصالح أصحاب رؤوس الأموال الذين أثبتوا على امتداد السبعين أو الثمانين عاماً الماضية أنّهم لا يرتبطون بأيّ أصل من أصول الإنسانية، يسمّون هذا الأمر المصالح الوطنيّة، وهم حاضرون من أجل هذه المصالح الوطنيّة الادّعائيّة أن يشعلوا النيران في كلّ المنطقة. هم الآن، ومنذ عدّة أسابيع، يثيرون الضجيج في هذه المنطقة من خلال التهديد بالحرب والتهديد بالضربة. حسنٌ، إن كان هذا التوجّه الأخير جدّيّاً، والعودة عن ذلك العمل المتفرّد والخاطئ الذي سعوا وراءه في هذه الأسابيع الأخيرة، أرجو أن يكون جدّيّاً، وضع المنطقة هكذا هو وضع العالم.


مسؤوليّتنا الثبات 
الجمهوريّة الإسلاميّ تنظر إلى جميع هذه المسائل بأعين مفتوحة، بحواس مركّزة، ما ندركه أنّ علينا - كشعب، كعدد سكّان هائل يبلغ سبعين أو ثمانين مليون نسمةً، واقعٍ في منطقة حسّاسة من العالم -، أن نثبّت من خلال النظرة الصحيحة، ومن خلال الاستفادة من الاقتدار الإسلاميّ، مواطئ أقدامنا، أن نضع أهدافنا الإنسانية السامية التي أخذناها من الإسلام، أمام أعين البشريّة جمعاء، وندعو البشريّة إلى ما وهبه لها الإسلام، هذه هي مسؤوليّتنا. سبق وقلنا: إنّ بناء القوّة الذاتيّة للشعب التي تتحقّق في الدرجة الأولى من خلال الإيمان الصحيح والراسخ، ومن خلال اتّحاد عموم أفراد الشعب، والأداء الصحيح لمسؤولي البلاد، وتعاون المسؤولين وعموم أفراد الشعب، ومن خلال التوكّل على الله تعالى، أي باستخدام العقل والمعنويّة والتوكّل والنشاط والعمل، ستؤثّر أيضاً في أوضاع المنطقة بلا شكّ، كما فعلت وأثّرت إلى الآن. آمل لهذه المشاركة المعنويّة في هذه الميادين المختلفة، ومن جملتها مشاركتكم في الحجّ بهذا 
 
 
 
 
 
 
522

445

في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

 المنطق القويّ، وبهذه النظرة الواضحة، أن تؤمّن إن شاء الله، ذلك الشيء الذي أراده الإسلام للنظام، لشعوب العالم، للمسلمين، لغير المسلمين، وللإنسانية، وأن توفّر أسباب السعادة لعموم البشر.


أسألكم الدعاء جميعاً، وأتمنّى لكم حجّاً مبروراً هذه السنة إن شاء الله تعالى، وأن تشملكم العناية الإلهيّة واللطف الإلهي جميعاً وعموم الحجّاج الإيرانيّين وحجّاج بيت الله الحرام من أرجاء العالم الإسلاميّ كافّةً، حجّاً مقبولاً إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
 
 
 
 
 
 
 
523

446

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ



المناسبـة: ولادة الإمام الرضا عليه السلام
الحــضـور: قادة حرس الثورة الإسلاميّة 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
26/06/1392 هـ.ش.
10/11/1434 هـ.ق.
17/09/2013 م.
 
 
 
 
 
 
525

447

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 بسم الله الرحمن الرحيم

أوّلاً، أرحّب بكم. وثانياً أبارك لكم هذا العيد السّعيد. وقد جعلتم بحضوركم، وأنفاسكم الدّافئة وبرامجكم الجيّدة التي أجريتموها، يومنا هذا عيداً. أملنا إن شاء الله أن تبقى قلوبكم مسرورة دوماً، ودائمة الذّكر ودائمة السّير إلى المقامات الأعلى.

حياة العظماء دروسٌ عمليّة وخالدة
أذكر جملةً واحدة حول الإمام الجليل وعالم آل محمّد عليّ بن موسى الرّضا عليه آلاف التحيّة والثّناء. إنّ المقامات المعنويّة والرّوحانيّة لهذه الموجودات المقدّسة هي في الحقيقة أكبر من أن تدركها عقولنا، فكيف إذا أردنا أن نصفها بألسنتنا. إلّا أنّ حياة هؤلاء العظماء هي دروسٌ عمليّة وخالدة تتمثّل أمام أعيننا وأعين التاريخ، ولا تقبل الإنكار. فلو أنّنا في بعض الموارد قمنا بالحديث عن حياة الأئمّة عليهم السلام وسياستهم وتدبيرهم وذكر أحوالهم، فلا يعني ذلك أنّ هذا القسم من أقسام حياة هؤلاء العظماء هو الأهم والأعظم، كلا. فلذلك العالم المعنويّ، والقرب من الله، والمعرفة والمحبّة التي تضطرم في قلوبهم، التي لا نظير لها، قصّة أخرى. لكن، ما يتجلّى أمام أعيننا هو حياة هؤلاء العظماء التي ينبغي أن نتّخذ منها الدّروس.

إنّ العمر المبارك للإمام الرضا سلام الله عليه، قارب الـ 55 سنة - أي من عام 148 للهجرة، الذي هو عام شهادة الإمام الصادق عليه السلام، وحتى سنة 203 - فإنّ مجموع حياة هذا العظيم مع كل تلك العظمة والعمق والأبعاد المختلفة التي يمكن ذكرها وتصويرها بشأنه، قد كانت في هذه المدّة العمرية القصيرة نسبيّاً.
 
 
 
 
 
 
 
527

448

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 فمن هذه الـ 55 سنة، قاربت مدّة إمامة هذا العظيم العشرين سنة - 19 سنة تقريباً - ولكنّنا لو لاحظنا ما تركته هذه المدّة القصيرة من أثرٍ في واقع العالم الإسلاميّ، من اتّساعٍ وتعميق للمعنى الحقيقي للإسلام، والارتباط بأهل البيت عليهم السلام، والتعريف بمدرسة هؤلاء العظماء، لخرجنا بقصّة عجيبة، وبحر عميق. كان الأصدقاء والمقرّبون والمحبّون، في ذلك الوقت الذي وصل فيه الإمام إلى الإمامة، يتساءلون: ماذا يمكن لعليّ الرّضا أن يفعل في مثل هذا الجوّ؟ هذا الجوّ الشديد من القمع الهارونيّ الذي كانوا يقولون بشأنه: "وسيف هارون يقطر دماً" ماذا يريد هذا الشاب أن يفعل، في مثل هذه الظروف، للاستمرار في خطّ جهاد أئمّة الشّيعة وفي المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه؟ لقد كانت هذه بداية إمامة علي بن موسى الرّضا عليه السلام. وبعد هذه السّنوات الـ 19 أو الـ 20 التي شكّلت نهاية مرحلة إمامته وشهادة الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام، عندما تنظرون ترون كيف أنّ ذلك الفكر المتعلّق بولاية بأهل البيت عليهم السلام والارتباط بآل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم كان قد انتشر في العالم الإسلاميّ بحيث أنّ الجهاز الظّالم والدكتاتوري للعباسيّين أصبح عاجزاً عن مواجهته، هذا ما فعله عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام. لقد سمعتم أنّ دعبل قد قدم إلى مرو، في خراسان، وأنشد تلك الأشعار المعروفة في مدح الإمام الرّضا، ثمّ بعدها حصل على جائزة، والآن، افرضوا أنّه بقي عدّة أيّام في مرو وفي سائر مدن خراسان، ثمّ بعد ذلك تحرّك باتّجاه بغداد والكوفة وتلك الأماكن التي يريد أن يذهب إليها. وأثناء الطّريق هجم قطّاع الطّرق على القافلة التي كان فيها دعبل ونهبوها. كان أهل هذه القافلة جالسين ويشاهدون وينظرون إلى أموالهم كيف تُنهب، وكان رئيس عصابة اللصوص جالساً على صخرة على مرتفع ويتفرّج بتبختر على الأسرى وسجناء هذه القافلة، وهذه الأموال التي كانوا يصادرونها ويجمعونها ويضعونها في أكياس. فسمع دعبل زعيم اللصوص هذا يترنّم في نفسه، وينشد شعراً، فأصغى إليه ولاحظ أنّه شعره. و كان بيتاً من تلك القصيدة، التي قد أنشدها قبل شهر أو شهر ونصف على سبيل الفرض في مرو، 

 

 

 

 

528


449

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 "أرى فيئهم في غيرهم"1 إلى آخره - لقد كان زعيم اللصوص على طريقٍ بين الريّ والعراق وقد حفظ هذا الشّعر. ففرح دعبل وقام وسأله: هل تعلم لمن هذا الشّعر؟ فقال: هذا الشعر هو لدعبل الخزاعي. فقال: حسنٌ، أنا دعبل الخزاعي! فعندما رأى زعيم العصابة أنّ هذا الشّخص هو دعبل الخزاعي قام واحتضنه وقبّله وقال: ببركة حضور هذا الشّخص في هذه القافلة أرجعوا كلّ الأموال. فأرجعوا كلّ الأموال واحترموا أفراد القافلة وتركوهم وذهبوا. هذه كانت حادثة صغيرة في التاريخ ولكنّها ذات معنى كبير. فشعرٌ يُنشد حول الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام في مرو، وبعد حوالي شهر أو شهر ونصف (أقل أو أكثر) - يصبح محفوظاً في ريّ والعراق حتى على ألسن قطّاع الطّرق ويُكرّر! فماذا يعني هذا؟ إنّه يعني أنّ أرضيّة الترويج لأهل البيت عليهم السلام والاسم المبارك للإمام الرضا قد أصبحت مساعدة بحيث أنّ الأيدي تتناقل هذا الشّعر - فالشّعر في ذاك الوقت كان من أكثر الأمور تأثيراً ونفوذاً على المستوى الإعلاميّ - في مدّة قصيرة ويصل إلى شخصٍ هو، على سبيل المثال، قاطع طريق وسط الصحراء. فهذا مؤشّرٌ على الحركة العظيمة التي تحقّقت في عصر الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام من أجل الترويج لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، لقد أصبحت محبّتهم شائعة. وحضورهم ووجودهم في المجتمع الإسلاميّ، كان قد نفذ إلى أعماق قلوب النّاس. فأن تروا أبناء الأئمّة العظام يقومون ويتحرّكون ويأتون إلى هنا، فهذا يعني - بالإضافة إلى المأساة وعمق المصاب في قضية شهادتهم على هذا الطريق- وجود جانب إيجابيّ ومليء بالمعنى، وهو مطالبة النّاس بأهل البيت عليهم السلام ووجود أرضية تقبّلهم من قبل النّاس. أنتم تعلمون عندما نقول أهل البيت، فهذا يعني هذه المدرسة، وهذا المعنى واللب الذي كان أهل البيت عليهم السلام قد عرّفوه حول الإسلام، إنّه يعني العمل العميق ثقافياً ومعنوياً، والعمل العظيم اعتقاديّاً.

 
هذه كانت حركة الإمام الرضا عليه السلام. حتى شعرَ المأمون في النّهاية، بسبب تلك 



1 أرى فيئهم في غيرهم منقسمة وأيديهم من فيئهم صفرات
 
 
 
 
 
 
 
529

450

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 القضايا التي سمعتموها وتكرّرت عليكم وتعلمونها، أنّه لا بدّ أن يقتل عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام حيث أجبر هذا العظيم على المجيء من المدينة المنوّرة وأحضره ليكون قريباً منه، لنوايا خاصّة، ولم يكن يقصد قتل هذا العظيم بخلاف ما كان قد خطّط له، فتحقّقت الإرادة الإلهيّة والقضاء والتدبير الإلهيّين بواسطة أعداء أهل البيت، لأنّ دفن بضعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم في هذه المنطقة البعيدة عن المدينة المنوّرة يُعدّ بحدّ ذاته تدبيراً إلهيّاً وهندسة إلهيّة. 


موقعيّة الحرس
هكذا ينبغي إنجاز العمل لأجل الأهداف العليا، يجب النّظر إلى الأمد البعيد بمثل هذه الدّوافع والنّوايا وهذه الآمال، فالحرس يحتلّ اليوم مثل هذه الموقعيّة. البحث ليس في أنّ هناك حكومة جديدة جاءت بعد الثّورة ولديها بعض المؤيّدين وبعض المخالفين ولديها البعض من الجند والمراقبين والقوّات المسلّحة، فالقضيّة ليست هكذا، إنّها أعلى بكثير. فقضية الثورة الإسلاميّ - وأنتم قادة قوات حرس الثّورة الإسلاميّ - هي قضيّة أعلى من هذه الكلمات. وها هنا، أنا الآن أذكر جملةً في مجال تجربة الحرس في هذه السنوات المتمادية، وبعدها أذكر أمراً لكم أيّها الإخوة هو محطّ نظري. 

إنّ سجلّ أعمال الحرس في هذه السّنوات الثلاثين ونيّف، هو سجلٌّ ناصع. وأنا لا أذكر هذه الكلمة ككلمة عاديّة ومتعارفة وتجري على اللسان في العديد من الموارد، بل إنّ واقع القضيّة هو هذا. إنّ سجلّ عمل الحرس في هذه المدّة هو في الواقع مظهرٌ لتجربة شعبٍ، أي أنّه بالإمكان مشاهدة أعماق شخصيّة وهويّة شعب إيران في هذا السجلّ، لأنّ الحرس قد نزل إلى الميدان بالإيمان والعقيدة. وأيّ ميدان؟ إنّه ميدان الجهاد والمقاومة. وقد استطاع أن يُربّي أذكى وأقوى القادة العسكريين، هؤلاء الذين أصبحوا، في عمر الشّباب وفي سن أقل من 30 سنة، مخطّطين، وبتعبير الأجانب استراتيجيّين لامعين في ميدان الحرب في الحرس، دون أن ينتسبوا إلى أيّة جامعة
 
 
 
 
 
 
530

451

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 عسكريّة، هذه هي تربية الحرس، إنّها تربية حاصلة من مثل هذه البيئة، التي كانت بيئةً نورانيّةً، إنّها تربية هذه المنظّمة التي بُنيت على أساس الإيمان والعقيدة، ربّت تلك الشخصيّات اللامعة - التي لن ينسى شعبنا أو تاريخنا أسماءهم - هذا هو فنّ الحرس. هذا في مجال الحرب. وبالإضافة إلى ذلك فإنّنا نرى أنّ الحرس قد ربّى وقدّم أفضل مدراء البلد تدبيراً وقوّةً في المجالات غير العسكريّة. إنّ الصّادرات البشريّة للحرس لمجموع الأجهزة الحكوميّة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّ تشكّل لائحة طويلة ومليئة بالمفاخر، هذا هو سجلّ الحرس.  


الحياة الثوريّة للحرس 
ومن المقاطع المهمّة في سجل عمل الحرس، هو هذه الحياة الثوريّة للحرس وبقاؤهم ثوريّين، أي إنّ الأحداث لم تستطع حرف هذه التشكيلات المحكمة والقويّة البنية عن المسير الأصلي والصحيح، بحجّة أنّ الدنيا قد تغيّرت وأنّ الحياة قد تبدّلت، إنّكم تسمعون هذه الأعذار وترون أنّهم يأتون بمثل هذه الأعذار من أجل المحاباة والمجاملة ومن أجل بثّ الشعور بالنّدم، والحجّة هي أنّ العالم قد تغيّر وكلّ شيء قد تغيّر. هناك أشياء لا تتغيّر، ومن بداية التاريخ وإلى اليوم، حسن العدل والمطالبة بالعدالة لم يتغيّر، وقبح الظلم لم يتبدّل، وحسن الاستقلال الوطني والعزّة الوطنية لم يتغيّر، هذه وكثير من الأصول الأخرى لا تقبل التغيير. فتغّير العالم لا ينبغي أن يكون حجّة من أجل أن نُغيّر سلوكنا وأهدافنا ومبادئنا. فعندما تتغيّر المبادئ يتبدّل الطريق، وعندما يتبدّل الهدف النّهائيّ فلا يعود هناك معنىً لأن تتحرّكوا على الطريق السابق، بل ستتحرّكون باتّجاه هدفٍ جديد له طريق جديد، وطريقٌ آخر. وإنّ من أهم نقاط قوّة الحرس هو الثّبات والاستقرار وثبات القدم على هذا الطريق النورانيّ. هذا الآن بشأن الحرس. بالطبع، يمكن أن يُقال الكثير بشأن الحرس، ولقد تحدّثنا كثيراً وذُكر الكثير، وهناك الكثير ممّا لم يُذكر، لكنّني لن أتحدّث أكثر من ذلك في هذا المجال.
 
 
 
 
 
 
 
531

452

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 على الحرس أن يكون عارفاً بما يحرسه 

إنّ ما هو مهمٌّ - وهذا ما أريد أن أذكره - أنّ الحرس هو حرس الثورة الإسلاميّ ولا أريد أن أقول أنّ هذه الحراسة بمعنى أنّ على الحرس أن يكون في جميع السّاحات - السّاحة العلميّة والساحة الفكريّة والساحة الثقافيّة والساحة الاقتصاديّة - في حالة من الحراسة، كلا. ليس هذا هو مقصودي، بل مقصودي هو أنّ الحرس كموجود حيّ ينبغي أن يعلم ما هو الشيء الذي ينبغي أن يحرسه، ما هي الثورة. فليس من الضروريّ أن يذهب الحرس ويحرس في الساحة السياسية، لكن ينبغي أن يكون عارفاً بهذه الساحة السياسية. إنّ هذا هو الخلط في البحث الذي يقوم به البعض ويجب أن يصبح واضحاً. لا يصحّ أن يكون هناك مجموعة تُعرّف بعنوان أنّها العضد الحافظ والحارس للثورة في البلد، ولكن تغضّ النّظر عن الأحداث السياسية المختلفة التي بعضها منحرف، وبعضها غير منحرف، وبعضها تابع لهذا أو ذاك، ولا تطّلع وتمضي عمياء، فهذا لا معنى له، بل يجب أن تعلم عن أيّ شيء تدافع. أن نأتي ونقلّل من تحدّي الثّورة ونجعله بحجم التحدّيات السياسية وصراع التيارات والأجنحة ومواجهات زيد وعمرو، هو تساهلٌ واستخفاف، فتحدّي الثورة ليس هذه الأمور. أن يأتي خطّ سياسيّ أو تيّار سياسيّ ويتشاجر مع تيّارٍ سياسيٍّ آخر، أو أن يقوم زيد بالاختلاف مع عمرو، فهذا ليس تحدّي الثّورة، إنّ التحدّي الأساس للثّورة هو عبارة عن أنّ هذه الثّورة قد قدّمت منظومة جديدة للبشريّة.

نداء الثّورة 
ونحن لا نقول أنّ الثّورة قد جاءت منذ البداية وخاطبت كل البشريّة، كلا، إنّ الثّورة الإسلاميّ كانت لإيران وتوجّهت إلى قضايا إيران، وكانت ملتفتة إلى إيجاد تغييرات بنيويّة في إيران، ولكنّ لسان هذه الثّورة ونداءها كان نداءً ولساناً لا يمكن ولم يكن ممكناً - بطبيعة الحال - أن ينحصر داخل حدود إيران. هناك مفهومٌ عالميّ وحقيقة عالميّة وحقيقة بشريّة قد انطلقت من قبل الثّورة بحيث إنّ كل من يسمعها 
 
 
 
 
 
 
532

453

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 في العالم سيشعر بأنّه محبّ لهذا النّداء. فما هو هذا النّداء؟ لو أردنا أن نُعبّر عن هذا النّداء بشكل اجتماعيّ وإنسانيّ في جملةٍ واحدة لقلنا هو عبارة عن مواجهة نظام الهيمنة والتسلّط، هذا هو نداء الثّورة. نظام التسلّط هو نظام تقسيم الدّنيا إلى ظالمٍ ومظلوم، إنّ منطق الثّورة هو منطق الإسلام ﴿لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾1.

 
فعلى امتداد البشرية وساحة وجود الإنسان، من ذا الذي لا يرضى بهذا النّداء ولا يحبّ هذا النّداء؟ لا تظلِم، ولا تُظلَم. هذا هو المقابل تماماً للنّظام الحاكم على العالم من بعد ظهور الحضارة الصناعيّة الجديدة وشيوع الوسائل الصّناعيّة وبتبعها شيوع ثقافة التسلّط في العالم. فكلّ جهازٍ في العالم يكون تابعاً لنظام التسلّط هذا سوف يخالف هذا النّداء. أولئك الذين يتسلّطون - أي الدّول المتجبّرة والشّبكات الاقتصاديّة التي تمتصّ ثروات الشعوب والأمم - يخالفون هذا النّداء لأنّهم يَظلِمون. والدّول التي تتّبعهم وتخضع لهم، وهي تحكم الشعوب الفقيرة أو الغنيّة وتتّبع نظام التسلّط العالمي ذاك، ليس لديها اقتدار ولا تسلّط لكنّها تتبعهم، فإنّها تتّبعهم أيضاً في مخالفة هذا النداء. فالدولة الفلانيّة التي تتّبع سياسات نظام التسلّط، وسياسات أميركا على سبيل المثال، أو في وقتٍ ما (كانت تتّبع) سياسات إنكلترا، وتطّبقها حذو النعل للنعل في بلدها، فإنّها بشكل طبيعيّ ستخالف هذا النداء، نداء: ﴿لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾. وكذلك الشركات الدوليّة والمتعدّدة الجنسيّات والقوميات وذات القوميّة الواحدة ومكدسة الثّروات العامّة فإنهم سيخالفون ذلك النّداء. تلك السياسات التي تنشر هذه العناصر الثلاثة أي الحرب والفقر والفساد ستخالف هذا النّداء.
 
نظام التسلّط ينشر الحروب والفقر والفساد 
إنّ حروب العالم في الفترة الأخيرة أي في القرنين أو الثلاثة الأخيرة كانت في الأغلب من نفوذ نظام التسلّط، فإمّا أنّهم كانوا يتحاربون فيما بينهم أو يشعلون



1 سورة البقرة، الآية: 279.
 
 
 
 
 
 
 
533

454

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 الحرب بين فئتين من أجل أن يستفيدوا. والفقر كان من أعمالهم أيضاً. فالكثير من هذه الدول الفقيرة التي يعيش أبناؤها في الفقر ولا يمكنهم أن يستفيدوا من ثرواتهم الطبيعيّة، فإنّ جريمة فقرهم هي برقبة أولئك المتسلّطين. لقد قام هؤلاء وبسبب تسلّطهم السياسيّ بإفراغ الكثير من الدّول من ثرواتها العلميّة. اقرأوا كتاب "جواهرلال نهرو": "نظرة إلى تاريخ العالم"، إنّه يتحدث ويصوّر ويشرح - وقد كان شخصاً أميناً ومطّلعاً- في القسم المتعلّق بنفوذ وتدخّل الإنكليز في الهند، يقول إنّ الصناعة في الهند، والعلم الذي كان في الهند لم يكن بأقل ممّا كان في إنكلترا وأوروبا والغرب إن لم يكن أكثر. عندما دخل الإنكليز إلى الهند، كان من برامجهم أن يدمّروا الصّناعة المحلّيّة. بعدها وصل الوضع إلى أن يصبح عشرات، بل مئات الملايين في المراحل اللاحقة، فقراء ومتسوّلين وينامون في الشوارع وجوعى بالمعنى الواقعيّ للكلمة. وهكذا أصبح حال أفريقيا، وكذلك العديد من دول أميركا اللاتينيّة. فنظام التسلّط هذا، بالإضافة إلى أنّه يشعل الحروب فإنّه يخلق الفقر. هذه الثروات العظيمة التي ترونها في القمّة - ثروات الدرجة الأولى في العالم - قد جُمعت وهي مصداق "ما رأيت نعمةً موفورة إلّا وفي جانبها حقٌّ مضيّع". فعندما ينهبون نفط بلدٍ ما ومحاصيله الزّراعيّة وينهبون شاي دولةٍ ما أو يمسكون بتجارة دولة ما فذلك لأجل أن يبقى شعب ذلك البلد محروماً. وعندما يسلبون هذا الشعب الصناعة والإنتاج وباقي شؤون التقدّم الوطنيّ، فلا شكّ أنّ هذا الشّعب سيصبح فقيراً. فمثلما أنّ الحرب من أعمالهم، فكذلك الفقر والفساد. إنّ انتشار الفساد في العالم وإشعال نيران الميول الجنسيّة - التي هي أمورٌ طبيعيّة وقابلة للاشتعال في كلّ البشر - هو أيضاً من أعمالهم، وكلّ واحدة من هذه الأمور لها قصّة مفصّلة وخاصة. 

 
إنّ نظام التسلّط ينشر الحروب والفقر والفساد، وبهذه الطريقة المشخّصة يقسّم العالم إلى الظالِم والمظلوم. أمّا الإسلام- أي الثّورة الإسلاميّ النابعة من تلك المفاهيم الإسلاميّ - تأتي وتقول ﴿لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾، أي إنّها ترفض كل تلك البواعث (الأسباب)، إنّ التحدّي الأساس هو هنا، 
 
 
 
 
 
 
 
534

455

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 والنزّاع الأساس هو هنا. هذه هي المعركة الواقعيّة مع الثّورة. وأمّا كل تلك المقولات الأخرى فهي حجج. فالحظر، والحرب الداخليّة، وتدبير الانقلابات، والملف النووي، وباقي الأشياء التي كانت في هذه السنوات، كلّها ينبغي النظر إليها من هذا المنظار: أنّ ثورةً تأتي وتنتصر خلافاً لتصوّر كلّ العالم وتشكّل دولة وتستمر هذه الدّولة وتبقى - خلاف تصوّر كل العالم الذي كان يتخيّل أنّ الجمهوريّة الإسلاميّ سوف تزول بعد ستّة أشهر أو سنة أو سنتين وبعدها خفّفوا قليلاً فقالوا خلال أربع سنوات - لا بل أصبحت أقوى يوماً بعد يوم، وصارت كل يومٍ ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾1 وتبدّلت إلى قوّة إقليميّة وإلى دولة مؤثّرة في القضايا العالمية الواسعة. هذا ما يخالفونه ويعادونه.

 
إنّهم يطرحون بحث ملفّ السلاح النووي. حسنٌ، نحن لا نقبل السّلاح النوويّ، لا لأجل زيد وعمرو أو لأجل أميركا وغير أميركا، بل لأجل عقيدتنا. فلا ينبغي لأحدٍ أن يمتلك مثل هذا السّلاح. عندما نقول إنّ عليكم أن لا تمتلكوا هذا السلاح فهذا يعني حتماً أنّنا نقول لأنفسنا أنّه لا ينبغي أن نمتلك هذا السّلاح ولن نمتلكه، لكنّ القضيّة عندهم هي قضيّة أخرى. إنّهم لن يعترضوا لو قامت بعض الدول على سبيل الفرض وكسرت احتكارهم لهذا السلاح، بالطبع إنّهم لا يريدون ذلك، لكنّهم لن تقوم قيامتهم. فلماذا يقيمون الدنيا ولا يقعدونها بشأن إيران الإسلاميّ والجمهوريّة الإسلاميّ؟! لأنّ امتلاك مثل هذه القدرة سيكون دعامة نظام ﴿لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ فهذا هو التحدّي الأساس. فينبغي أن نعرف ذلك وأن ننظر إلى تحرّكات أميركا والغرب وتلك الدولة التابعة لهم وذلك التيّار الملحق بهم والمحبّ لهم ونُفسّرها ونُحلّلها من هذا المنظار، هذه هي الثورة الإسلاميّ.
 
سبب معاداتهم الإمام
لم يكن هناك أحدٌ أكثر مبغوضيّة عند هؤلاء الأعداء من الوجه السّاطع والشمس 



1 سورة إبراهيم، الآيتان: 24 و25.
 
 
 
 
 
 
535

456

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 المشعّة لإمامنا الجليل. كانوا يحترمونه ولكنّهم كانوا يعادونه من أعماق القلب وذلك لأنّ (الإمام) وقف وصمد، ولأنّ الإمام كان سدّاً منيعاً بفضل هاتين الخصوصيتين اللتين لا نظير لهما وهما: البصيرة الكاملة، والقاطعية والحزم الكامل - فقد كان يرى جيداً ويفهم جيداً ويقف بحزم - مقابل تقدّمهم وحرابهم وطعناتهم، لهذا كانوا يعادونه. بالطبع، لقد ذكرنا أنّهم كانوا يحترمونه وكانوا يدركون عظمته، لكنّه كلّما ازداد عظمةً ازداد في أعينهم بغضاً، والأمر اليوم هو كذلك، كلّ من يتمسّك أكثر بهذه القيمة الأساسية والأصوليّة أي بهذه القيمة التي حدّدت الهوية الأساسية للثورة - ﴿لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾، ويفهم أنّ لائحة المشكلات المختلقة من قبل الأعداء ضدّ النّظام الإسلاميّ هي ضمن هذا الإطار، فكلّ من يكون على هذا الطريق وبهذه النظرة والصّمود، سوف يكون مبغوضاً لديهم بالمقدار نفسه. بالطبع، إنّ عالم الدبلوماسية هو عالم الابتسامات، فإنّهم يبتسمون ويفاوضون ويطالبون بالمفاوضات وهكذا يقولون. وقد قيل لأحد السياسيّين الغربيّين قبل عدّة أيّام أنّك تريد أن تفاوض إيران وإيران هي عدوّ، فقال حسناً، إنّ المرء يفاوض العدوّ في النهاية! أي إنّه يقرّ ويصرّح بعدائه لإيران، فسبب العداء ليس الأشخاص، بل هذه الحقيقة والهويّة. إنّ كل ما يقولونه يجب تفسيره وتحليله من هذا المنظار ويجب فهمه من خلاله.

 
المرونة الضرورية
إنّنا لا نعترض على التحرّكات الصحيحة والمنطقية في الدبلوماسيّة أيضاً، سواء في عالم الدبلوماسية أو في عالم السياسات الداخليّة. إنّني أنا العبد أعتقد بذاك الشيء الذي أطلق عليه قبل سنوات اسم "الليونة البطوليّة". فالليونة تكون ضروريّة جدّاً في بعض الأماكن. حسنٌ جداً لا عيب في ذلك. أمّا ذاك الذي يتصارع مع خصمه وفي بعض الأحيان لسببٍ فني (تقني) يظهر ليونةً، لا ينبغي له أن ينسى من هو خصمه، ولا ينبغي له أن ينسى ماذا يفعل في هذا الوقت، فهذا هو الشرط الأساس، أن يفهموا ماذا يفعلون ومن يواجهون ومن يخاصمون ومن أين تأتي أمواج 
 
 
 
 
 
 
 
536

457

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 الهجوم باتّجاههم، فليلتفتوا إلى هذه الأمور.


حسنٌ، أنتم حرّاس الثّورة الإسلاميّ، وحراسة الثّورة الإسلاميّ لا تعني أن ينزل حرّاس الثّورة الإسلاميّ إلى كلّ السّاحات والميادين ويتواجدوا ويحملوا المسؤولية على عاتقهم، كلا. إنّ التكليف مشخّص ومعيّن ومضبوطٌ، وقد انعكس اليوم في كلمة هذا القائد المحترم والعزيز عندنا، وتلك النّظرة المتعلّقة بنطاق عمل ونشاط قوّات حرس الثّورة الإسلاميّ صحيحة، وأنا أؤيّدها، ولكن الحرس أوّلاً ينبغي أن يعلم دائماً أيّ عملٍ يجب أن يقوم به وأيّ شيءٍ ينبغي أن يحرسه. وثانياً، أن لا ينسى ثبات قدمه الذي يمثّل المكوّن الأساس لهويّة الحرس المليئة بالفخر. فليتوجّه الجميع في كلّ المستويات إلى هذه القضيّة.

الاعتماد على المعنويات لا يتنافى مع التطوير العلمي
لقد ذكرنا مراراً أنّ عمل الحرس يعتمد على المعنويّات. والمعنويّات لا تتنافى مع التطوير العلميّ والابتكارات المختلفة على الصّعيد العلميّ والعمليّ والأساليب الجديدة وأنواع التنظيم الذكيّ. فلا ينبغي أن نتصوّر أنّه عندما يرتبط الإنسان بالمعنويّات فلا ينبغي أن يهتمّ بالمظاهر. كلا، فإنّ أهم وأذكى الأساليب القتاليّة في صدر الإسلام قد ظهرت على يديّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليه السلام والمسلمين في ميادين الحرب. وفي مرحلة دفاعنا المقدّس، فإنّ قوّاتنا الثوريّة - سواء الجيش أو الحرس أو مجموع القوات الثوريّة - قد استخدمت أذكى التكتيكات والأساليب العمليّة. المعنويّات لا تتنافى مع الاعتناء بالأصول (المقدمات) المادّية للعمل والتنظيم الصحيح له. يجب الحفاظ على هذه الروحانيّة فإنّ هذه الروحانيّة هي أساس العمل.

مستقبل الثورة مستقبل مشرق
آخر مطلبٍ لي هنا هو: إنّ المستقبل بنظري أنا العبد هو مستقبلٌ واضحٌ للثورة الإسلاميّ. لا أننا نريد إرضاء أنفسنا، بل من ملاحظة كل ما هو أمام أنظارنا.
 
 
 
 
 
 
537

458

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 يمكن للإنسان أن ينظر هنا إلى استدلالين: الاستدلال الأوّل: الاستدلال بالتجربة، حسنٌ، كيف كان وضعنا في بدايات الثّورة بلحاظ قلّة الموارد البشريّة والإمكانات الماديّة والأسلحة وقلّة الخبرة الإداريّة وأنواع النقائص الأخرى، والآن إلى أي وضعٍ وصلنا، على مستوى غنى الموارد البشرية والمادية والعلميّة والسياسيّة والسّمعة الدوليّة.


حسنٌ، إلى أين وصلنا خلال هذه الثلاثين سنة ونيّف؟ فكلّ هذه الحركة التي قمنا بها طيلة هذه السّنوات كانت تواجه بضغطٍ من الطّرف المقابل، فكانت رياح المخالفة تهبّ علينا ونحن نتقدّم، لقد كان التيّار العنيد موجوداً أمام حركتنا واستطعنا أن نتقدّم، أليست هذه تجربة جيّدة؟ أليست كافية؟ لم تتمكّن التيّارات المخالفة والعداوات أن توقف شعباً كان متّحداً وعازماً ومؤمناً ويعلم ويفهم ماذا يريد. في هذه الأحداث التي وقعت أخيراً في العالم الإسلاميّ، في منطقتنا هذه، ترون كيف أنّهم خسروا في بعض الأماكن بسبب أنّهم لم يعلموا ماذا ينبغي أن يفعلوا، لأنّه لا يوجد خطّ صحيح ودليل حاكم على الأعمال، وهكذا جرت الأمور. وبالطبع هذا الأمر لن يبقى هكذا. وهنا فإنّ ذلك الذي حدث في المنطقة الإسلاميّ والبلاد الإسلاميّ - تلك الصحوة - كان أمراً لا سابقة له، وسوف يفعل فعله. فهذا عنصرٌ واستدلالٌ بالتجربة.

واستدلالٌ آخر: هو أنّنا نتحرّك وفق المنطق ووفق حسابات علميّة، والطرف المقابل لنا مبتلىً بأنواع من الضعف المتزايد والتناقضات الداخليّة بسبب الخطأ الفاحش في البناء الداخلي لتلك الحضارة، لهذا فإنّهم يتراجعون. بالطبع ليس من الضروريّ أن يعترفوا بهذا التراجع أو أن يظهر ذلك بصورة ملموسة وواضحة في كلماتهم - ولكنّ واقع القضيّة هو هذا - وهذه هي الحقيقة. عندما تتقدّم أيّة أمّة وفق حساباتٍ صحيحة وبإيجاد منطلق صحيح للعمل، فإنّها حتماً ستصل إلى النتائج المطلوبة. نحن قلنا إنّه ينبغي ترسيخ البنية الداخليّة للنّظام. لقد قلنا يجب أن ينمو العلم. لقد قلنا يجب أن يكون الإنتاج المحليّ هو أساس الأعمال. لقد قلنا 
 
 
 
 
 
 
 
538

459

في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّ

 يجب أن يكون النظر المتفائل إلى الطّاقات المحليّة في البلد جدّيّاً. يجب تنمية هذه الطاقات، فهي الحجر الأساس للعمل. وإنّ أيّة دولةٍ تتحرّك بالاعتماد على طاقاتها الذاتيّة، وبالاعتماد على الابتكار والإبداع من قبل مواردها البشرية، وبالاعتماد على العلم والمعرفة، وبالاستناد إلى إيمانها واتّحادها، فإنّها حتماً ستصل إلى النّتائج المطلوبة. لهذا، نحن لا نشكّ أنّ لدينا مستقبلاً جليّاً، بالطبع هل أنّ هذا المستقبل بعيد أو قريب ليس بيدي أو بيدكم تحديده. إذا تحرّكنا بصورة صحيحة فسوف يأتي هذا المستقبل سريعاً، وإذا تكاسلنا وقصّرنا وأعجبتنا أنفسنا وتعلّقنا بهذه الدنيا وهذه المظاهر، وملأت أعيننا وأسقطتنا وسقطنا من الداخل - سواء كان على المستوى الشخصيّ أو الاجتماعيّ - فإنّ الأمر سيتأخّر، ولكن من دون شكّ إنّه سيتحقّق، وذلك ببركة كل أنواع الجهاد والتضحيات وأنتم بحمد الله كنتم نشطين وفعّالين في ميدان التضحية وكنتم جيّدين وقمتم بحركات مشرقة وسيكون الأمر في المستقبل على هذا المنوال إن شاء الله.


أملنا إن شاء الله أن يشملكم حضرة بقية الله أرواحنا فداه بدعائه وأن يجعلنا وإياكم حرّاس الإسلام، حرّاس الثّورة الإسلاميّ، بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. وأن يحشر الأرواح المطهّرة للشهداء وروح إمامنا الجليل المطهّر مع أوليائه والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
 
539

460

في مراسم التخرّج المشتركة لجامعات الضباط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في مراسم التخرّج المشتركة

لجامعات الضباط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة
 

المناسبـة: مراسم التخرّج المشتركة لجامعات الضباط في جيش الجمهورية الإسلامية
الحــضـور: جمع من الضباط والمتخرّجين وبعض الجرحى وعوائل الشهداء 
الـمكــان: طهران - جامعة الشهيد ستّاري للضبّاط
الزمـــان:
13/07/1392 هـ.ش.
28/11/1434 هـ.ق.
05/10/2013 م.
 
 
 
 
 
 
541

461

في مراسم التخرّج المشتركة لجامعات الضباط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

كان استعراض الميدان، استعراضاً جميلاً جدّاً وذا معان عميقة. أرى من اللازم تهنئتكم جميعاً أيّها الشّباب الأعزّاء، سواءً منكم المتخرّجون الذين تشرّفوا اليوم بفخر بنيلهم الرتب العسكرية، وأصبحوا أعضاء رسميّين في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّ العزيز، أم الشّباب الذين سلكوا من خلال استلامهم للشّارة العسكريّة، طريقهم نحو الاستعداد وتعلّم القيم العسكريّة للقوّات المسلّحة في الجمهوريّة الإسلاميّ. أسأل الله سبحانه أن يشملكم جميعاً برحمته وفضله وهدايته، وأن يقدّر لحياتكم وعاقبتكم ما فيه رضاه. 

روحيّة طيّارينا لا نظير لها
إنّ لجيش جمهوريّة إيران الإسلاميّ المجيدة، وعلى وجه الخصوص، القوّات الجوّيّة - والتي تُقام هذه المراسم بضيافتها - ذكريات لا يمكن أن تُمحى من تاريخ هذا البلد. نعم، لقد عرج شهداء ومضحّون ومضوا، ولكنّ طريقهم، الذي هو طريق الجهاد المقدّس في سبيل أهداف الإسلام والقرآن والحفاظ على وطننا العزيز إيران، لا زال مستمرّاً. وإنّ روحيّة طيّارينا في فترة الحرب المفروضة، كانت من جملة الظواهر التي لا نظير لها أو التي قلّ نظيرها في القوّات المسلّحة لدول العالم. كان لكل واحد من ضبّاط القوّات الجوّيّة - سواء الطيّارون أم الضبّاط (التقنيون) الفنّيّون - دوره المؤثّر في موضعه واستطاعوا كلّ بحدود إمكانيّاته ومن موقعه البلوغ بتجربة الثماني سنوات من حرب الدفاع المقدّس، إلى نتائجها الباعثة على العز والفخر. إنّ ذكرى طيّار كالشهيد بابايي وضابط تقني عالي القدر كالشهيد ستّاري لن تُمحى من ذاكرة الشّعب الإيرانيّ.
 
 
 
 
 
 
 
543

462

في مراسم التخرّج المشتركة لجامعات الضباط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة

 لقد استطاع جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّ وحرس الثورة الإسلاميّ، في مرحلة صعبة من امتحان عسير أن يظهروا هكذا شخصيّة وهويّة عن أنفسهم، والتي من دون شكّ، إمّا أنه لا نجد لها نظيراً في تاريخنا أو إذا ما شوهد نظيرها فهو نادر، على شبابنا الأعزّاء أن يقدّروا هذا. 

أبنائي الأعزّاء، اعلموا أنّنا نفتخر بقوّاتنا المسلّحة الباسلة، وعليكم أنتم الافتخار كونكم حاضرين في سلك هذه القوّات المقدّسة والشجاعة والمضحّية والذائعة الصيت.

تعزيز قدرات القوّات المسلّحة وتقويتها
إنّنا ومن دون أن نُهدّد أحداً، نعتبر أنّ تعزيز قدرات القوّات المسلّحة وتقويتها هي العامل الأهمّ في سبيل الحفاظ على الأمن الخارجي للشعب الإيراني وجمهوريّة إيران الإسلاميّ. إنّنا لا نُهدّد أحداً، لكن نرى من اللازم أن يشعر الشّعب الإيرانيّ وبلدنا العزيز بالأمن في ظل الحصن المنيع للقوّات المسلّحة في جمهوريّة إيران الإسلاميّ - سواءً الجيش، أم التعبئة، أم حرس الثورة الإسلاميّ أم الشرطة -. لذا فإنّنا نعتقد أنّ من واجب المسؤولين جميعاً العمل على تعزيز قدرات القوّات المسلّحة، أن يضعوها في برامجهم. إنّنا نسمع التهديدات المتكرّرة للشعب الإيراني والباعثة على الاشمئزاز، وسيكون ردّنا على أيّ اعتداء على الشّعب الإيرانيّ ردّاً جدّيّاً وقويّاً، وليعلم وليعرف هذا كلّ من اعتاد تهديد الشّعب الإيرانيّ بأقواله. 

التحرك الدبلوماسي 
لقد أظهر الشّعب الإيرانيّ صلابته في الدفاع عن مبادئه ومصالحه وأنه شعب يميل إلى السلام ويرغب به وبالصلح والتعايش مع إخوانه المسلمين وعموم أفراد البشر، هذان الأمران متوازيان معاً. 
 
 
 
 
 
 
 
544

463

في مراسم التخرّج المشتركة لجامعات الضباط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة

 نقول هذا أيضاً: إنّنا نؤيّد التحرك الدبلوماسي للحكومة، وندعمه. وإلى جانب الاستعدادات المتعدّدة الجوانب للشعب الإيراني - سواء من الناحية الاقتصاديّة، أم من ناحية الأمن الداخلي، أم من ناحية تعزيز البنية الداخليّة للنظام الإسلاميّ، أم من ناحية الوحدة الوطنيّة أم من الناحية العسكريّة - نولي الأهمّيّة للمساعي والتحرّكات الدبلوماسية، سواء في مسألة هذه الزيارة الأخيرة أم في غيرها، وندعم ما تقوم به الحكومة، والجهود الدبلوماسية والتحرّك التي تقوم به في هذا المجال.


لا نثق بالأميركيين أبداً 
بالطبع، بعض ما جرى في زيارة نيويورك، لم يكن مناسباً بنظرنا، لكنّنا نحسن الظنّ بالهيئة الدبلوماسيّة لشعبنا العزيز وحكومتنا الخدومة، حتماً، إنّنا نسيء الظنّ بالأميركيين، لا نثق بهم أبداً. إنّنا نعتبر حكومة الولايات المتّحدة الأميركيّة حكومة غير جديرة بالثقة، حكومة مستعلية، غير منطقيّة وناكثة للعهود، حكومة مرتهنة بشدّة لإرادة المنظّمة الصهيونيّة العالميّة وقوّتها - وهي مجبرة من أجل مراعاة المطالب والمصالح اللامشروعة للمنظّمة الصهيونيّة العالميّة، على مماشاة النظام الغاصب والمصطنع المحتل لفلسطين، وعلى أن تظهر مرونة أمامه، ويطلقون على هذا "مصالح أميركا"، في حال أنّ المصالح الوطنيّة لأميركا متنافية تماماً مع ما يقومون به اليوم من دعم لـ (ذلك) النظام المصطنع، فضرائب حكومة الولايات المتّحدة الأميركيّة أكثر من جميع بلدان العالم، وتخضع لابتزاز النظام الصهيوني المصطنع. إنّنا نشاهد هذه الحقائق - لا نثق بالحكومة الأميركيّة، نثق بمسؤولينا، نحسن الظنّ بهم، نطلب منهم أن يخطوا خطواتهم جيّداً، بدّقّة، بملاحظة جميع الجوانب، وأن يخطوها بقوّة، ولا ينسوا المصالح الوطنيّة لحظةً.

الوحدة والعزة الوطنية
ما هو مهمّ بالنسبة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّ هو تعزيز البنية الداخليّة للنظام، وتعزيز القوة الداخليّة للشعب الإيراني، وهذا الشيء الذي استطاع منذ اليوم الأوّل
 
 
 
 
 
 
 
545

464

في مراسم التخرّج المشتركة لجامعات الضباط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة

 وإلى اليوم، الحفاظ على هذا البلد، هو الوحدة الوطنيّة، والتوجّه للأهداف العالية لنظام الجمهوريّة الإسلاميّ، والاهتمام بالعزّة الوطنيّة. الشّعب الإيرانيّ شعب عزيز، الثورة أعادت للشعب عزّته. ولّى ذلك الزمان الذي كان يجرؤ فيه شاويش (عريف) أميركي على صفع عقيد إيراني على وجهه، ولّى ذلك اليوم الذي كان فيه مسؤولو بلدنا العزيز مجبورين على مراعاة الأعداء الطامعين والتوسّعيّين.


لقد أعزّت الجمهوريّة الإسلاميّ الشّعب الإيرانيّ، وهذه العزّة باقية، وتزداد يوماً فيوماً، وبعد هذا أيضاً، مهمّة المسؤولين فرداً فرداً، وكذلك مسؤوليّة عموم أفراد الشّعب الإيرانيّ تتمثّل بالحفاظ على هذه العزّة، والدفاع عنها. إنّ الشعب يبقى مرفوع الرأس ويمكنه الوصول إلى التطوّر من خلال هويّته الأصليّة، ومن خلال عزّته.

الحفاظ على الجهوزية 
تتمثّل مسؤوليّة القوّات المسلّحة في هذه الغمرة بالحفاظ على جهوزيّتها، صون أنفسهم من خلال روحيّة الدفاع عن المبادئ وعن الشعب الذي يثق بهم ويعتمد عليهم. على الجيش والحرس والتعبئة والشرطة وكلّ من هم على صلة بالقوّات المسلّحة، أن يعدّوا هذا الأمر من مسؤوليّاتهم، وهو أن يكونوا سوراً منيعاً بوجه مؤامرات الأعداء وحيلهم ضدّ الشّعب الإيرانيّ، وهذا يتطلّب منكم تحقيق الجهوزيّة. أنتم الشّباب، مفعمون بالقوّة، تتمتّعون بالصفاء القلبي، يمكنكم تهيئة أنفسكم لمستقبل بلدكم، إعدادها، بناؤها، وسيكون الله تعالى معكم وإلى جانبكم. اسأل الله سبحانه لأرواح شهدائنا الأعزّاء، ولروح إمامنا العظيم علوّ الدرجات، ولكم أيّها الشّباب الأعزّاء بلوغ الأهداف في فترة الخدمة وعلى امتداد حياتكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
546

465

في لقاء مُعدّي كتاب لشكر خوبان (جيش الطيّبين)

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء مُعدّي كتاب لشكر خوبان (جيش الطيّبين)



المناسبـة: أسبوع الدفاع المقدّس
الحــضـور: جمع من الكتّاب والأدباء ومعدّي كتاب "لشكر خوبان" 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
15/07/1392 هـ.ش.
01/12/1434 هـ.ق.
07/10/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
547

466

في لقاء مُعدّي كتاب لشكر خوبان (جيش الطيّبين)

 بسم الله الرحمن الرحيم

أسأل الله سبحانه أن يعطيكم الأجر أيّها الإخوة الأعزّاء1 الذين تحمّلتم العناء الكبير في مرحلة الدفاع المقدّس، وإن شاء الله يزيد في عزّتكم في الدنيا وفي الآخرة، كما أسأل الله أن يثيب السيّد رضائي الذي روى هذا الكتاب2 وكذلك السيّدة سبهري التي حرّرته، فالرواية رواية جيّدة جداً والتحرير أيضاً تحرير ممتاز. هذه السيّدة التي كتبت من قبل كتاب نور الدين3، في الواقع، هذه الأقلام ذات أهمّية. إنّني أشكر الله سبحانه عندما أواجه هذه الظواهر البارزة جدّاً وبلاغة أدب الثورة الإسلاميّ، حقّاً، إنّه لجدير بالمرء أن يشكر الله على هذا الأمر.
 
عظمة ظاهرة الدفاع المقدّس 
إنّ مسائل حرب الدفاع المقدّس مهمّة بكلّ تفصيل من تفاصيلها وكلّ جزئيّة من جزئيّاتها، أي كلّما غاص المرء أكثر، ودقّق واطّلع أكثر، تتّضح له عظمة هذه الظاهرة العجيبة والحادثة المهمّة الممتدّة لسنوات ثمان. إنّنا إذ كنّا حينها مطّلعين على سير الأمور، حيث كان القادة يأتوننا بالتقارير، كنّا نظنّ أنّنا نعلم كلّ شيء، عندما يقرأ 



1  وهم الراوي (القصاص): مهدي قلي رضائي، والكاتبة التي حررت الكتاب: معصومة سبهري. 
كتاب "جيش الطيبين" أو "جيش الصالحين" من العناوين التي نالت إعجاب القائد وأثنى على المساهمين في كتابته، وكتب تعليقاً عليه. وكان له لقاء مع الذين شاركوا في إنجازه وهم الراوي والكاتب والمعدّين تكريماً لهم، كانت له هذه الكلمة.
الراوي هو أحد الجنود المشاركين في مجموعات الغوص والمعلومات في ذلك الوقت ومهمته الأساس كتابة وسرد كل ما يشاهده ويراه. وكانت هذه إحدى المهام الموجودة لأحد الجنود في كل المعارك خلال الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي.
موضوع الكتاب: خواطر وقصص تحكي بطولات وأعمال مجموعات الغوص والمعلومات في عمليات "فيلق عاشوراء 31".
2 كتاب "جيش الصالحين".
3 كتاب "نور الدين ابن إيران".
 
 
 
 
 
 
549

467

في لقاء مُعدّي كتاب لشكر خوبان (جيش الطيّبين)

 المرء هذه الكتب، يتّضح أنّنا كنّا نعلم شيئاً مختصراً جدّاً عن ذلك المحيط العظيم من الفعالية والعمل والجهاد والأهمّيّة، في الحقيقة، إنّه استثنائيّ جدّاً.


حسنٌ، كان هناك أيضاً عدّة كتب أخرى قرأتها، كتاب "جيش الطيبين" هذا، والذي كتبته هذه السيّدة أيضاً، والذي يحكي عن فيلق عاشوراء، هو كتاب جيّد جدّاً، أهمّيته ناشئة بنحو خاصّ، من كونه يحكي عن قوّات الغوص والمعلومات (الاستطلاع؟). وحيث إنّ الأمنيّين لا يتكلّمون مع أحد - وهم يلتزمون بتلك العبارة الشهيرة قيل لنا: "لا تتكلّموا" - لذا فإنّ الكثير من الأمور والمواضيع التي يعلمونها، غالباً ما بقيت مكتومة طوال هذه السنوات، فلتُعلن هذه، ولتظهر. حادثة الغوّاصين أيضاً والتي هي حادثة عجيبة وغريبة، هي حادثة مهمّة جدّاً، قد فُصّلت جيّداً في هذا الكتاب. إنّ إحدى أعظم فنون الكتّاب - أي الأشخاص الذين يكتبون الرواية، سواءً كتّاب الرواية، أو القصّة القصيرة أو المذكّرات - وأحد أهمّ أقسام عملهم هو أن يتمكّنوا من تصوير اللحظات الحسّاسة. ينظر المرء في بعض الكتب، عندما يصل الكاتب إلى تلك اللحظة الحسّاسة بحيث تكون حادثة داخليّة تتشكّل في وجود شخصيّة من شخصيّات هذه القصّة، أو تكون حادثة مهمّة تحدث في الخارج، فلأنّه لا يستطيع تصوير المشهد، فإنّه يتجاوزه، كمن يضع نقاطاً في قسم ما، ينقّط ويمضي.

أحيوا هذه الملحمة
أنا أقرأ الآن هذه الذكريات التي تُكتب، أي إنّني والحمد لله أستأنس بهذه الذكريات وأقرؤها منذ سنوات - إحدى محسّنات هذه المؤلّفات الجيّدة والمهمّة هي أنّهم استطاعوا تصوير هذه اللحظات الحسّاسة، واستطاعوا تفصيلها، استطاعوا تبيانها. بعض هذه اللحظات، لا يمكن فهمها إلّا من خلال التصوير الجسديّ والمسرحي، (إذا) استطاع أحد أن يبيّن هذا الأمر في الكتابة ويصوّره جيّداً، يكون واقعاً فنّاً عظيماً جدّاً، ينقل الإحساس إلى القارئ من جميع اللغات، أي
 
 
 
 
 
 
550

468

في لقاء مُعدّي كتاب لشكر خوبان (جيش الطيّبين)

 أنّ ترجمة مثل هذه الكتابات إلى كلّ اللغات، سيكون مفيداً جدّاً، أي يمكنه إيصال الرسالة، ذلك أنّ فناً استُخدم واقعاً في البيان - سواءً بيان الراوي أم بيان الكاتب - وفُصّل بشكل جيّد. واللحظات الحسّاسة في هذه الكتب ليست قليلة، خاصّة في مسألة الغوّاصين هذه، وذلك التفصيل والتصوير الذي جرى عن الغوّاصين وعن عملهم، وشِعر ذلك الـ "غوّاص" الحاجّ صمد... أي بالنسبة للذي يفهم هذا المعنى، هو حقيقةً مؤثّر جدّاً فقائله قد قاله جيّداً، وكذلك الحاجّ أصغر المنشد الزنجاني، كان يقرؤه جيّداً على ما يبدو. 


وإنّ الأشعار في الكتاب هي أشعار استثنائيّة، والكتاب أيضاً كتاب جيّد جدّاً. ما أوصي به الجميع - وأوصيكم به أنتم الذين خبرتم هذه المشاهد بأجسامكم وأرواحكم، وعايشتم هذه الساعات الصعبة لحظة بلحظة وأحسستم بها، وكذلك للآخرين - أن لا تودعوا (هذه الذكريات) طيّ النسيان. منذ اللحظات الأولى لشروع حرب الدفاع المقدّس، وانبعاث هذه الملحمة العظيمة من خلال نَفَس الإمام الحارّ، وهروع الشّباب للالتحاق بالجبهة، كانت جميع الأيادي الشيطانيّة تعمل على عدم انعكاس جماليّات هذه الواقعة وعظمتها، الجميع، كان يسعى لمنع تلك العظمة الموجودة في هذا الأمر من الظهور. علاوة على ذلك، الكثير من الأمور العظيمة لا يمكن للإنسان إدراكها ما لم يقترب منها، يتلمّسها، أو على الأقلّ يطّلع عليها من خلال أسلوب فنّيّ. 

وهذا ما حصل بعد ذلك أيضاً، فعلى امتداد سنوات ما بعد الحرب - في هذه الخمسة والعشرين عاماً التي مرّت منذ انتهاء الحرب إلى اليوم - سعى الكثير إلى الحؤول دون إحياء هذه الملحمة. عليكم أنتم أن تعملوا بخلاف هذا العمل، أن تعملوا عكسه. أنتم الذين كنتم أنفسكم هناك، ارووا، دعوا هذه الكتابات يدعم بعضها بعضاً. لقد شاهدت في كتاب السيد نور الدين، اسم السيّد مهدي قلي رضائي، ففي قصّة الغوّاصين تلك، يقول في مكان ما مهدي قلي رضائي من عناصر الجبهة المخضرمين"، هذه تؤيّد تماماً بعضها بعضاً، أي تبيّن أبعاد المسائل. (ينبغي) أن يُروى أكثر فأكثر، يُكتب أكثر فأكثر، أن تُعكس تلك التفاصيل
 
 
 
 
 
 
551

 


469

في لقاء مُعدّي كتاب لشكر خوبان (جيش الطيّبين)

 بنحو شفّاف أكثر، من دون زيادة أو نقصان، من دون مبالغة، أي تلك الحوادث ليست بحاجة إلى المبالغة، إنّها تحتوي الكثير من العظمة، بحيث تُفصح الحادثة نفسها التي تُنقل عن جلالها وعظمتها الموجودين داخلها. لا ينبغي اللجوء إلى المبالغة أبداً. كما لا ينبغي التنقيص، ينبغي بيان جميع التفاصيل المهمّة والمؤثّرة والتي هي جميعاً مؤثّرة.


انشروها بين الناس خصوصاً الشّباب 
كما أوصي السادة المحترمين في مؤسّسة "حوزة هنري" (الدائرة الفنّية) وجميع دور النشر: عليكم أن تقدّروا هذه الكتابات، هذه الظواهر ومكتسبات (نتاجات) تاريخ الثورة، عليكم أن تقدّروا تاريخ حرب الدفاع المقدّس، عليكم أن تقدّروا هذه الأمور كثيراً. أن تنشروها بين الناس أيضاً. شبابنا هؤلاء، لم يشهدوا الحرب، ولم يسمعوا قصّة جيّدة عن الحرب، الرواية الجيّدة، هي هذه الروايات، هذه الكتب، اسعوا قدر الإمكان لأن تكون هذه الكتب بين أيدي الشّباب، ليتعرّفوا على الحرب، يعرفوا ما حدث، وما جرى، وما هي الجمهوريّة الإسلاميّ، ومن هو الشّعب الإيرانيّ. لا تستهينوا بتلك الطاقة العظيمة الموجودة في الشّعب الإيرانيّ لمواجهة هذه الامتحانات الكبيرة. إحدى الأمور التي تذلّ الشعوب وتجعلها خاضعة لسلطة الآخرين، هي أن تبقى نقاط قوّتهم مخفيّة عن أعينهم، أن لا يعرفوا ماذا لديهم من قيم، وطاقات ونقاط قوّة، ولا يدركوها. 

ينبغي أن يرى الشّباب، ويفهموا ما كانت عليه واقعة الحرب، وكيف ذهب شبابنا إليها من دون العتاد الكافي، ومن دون الاستعدادات والتحضيرات المسبقة اللازمة لمثل هذه الأعمال، وماذا صنعوا. كما يجب أن تُترجم.
 
 
 
 
 
 
552

470

في لقاء مُعدّي كتاب لشكر خوبان (جيش الطيّبين)

 ترجمتها إلى اللغات الأخرى

بالطبع، أرى أنه ينبغي، في ترجمتها، أن تكون اللغة المترجم إليها هي اللغة الأمّ للمترجم، لا يمكن الأمر بغير هذا، ينبغي أن يكون كاتباً، وأيضاً أن تكون اللغة المترجم إليها هي لغته الأمّ. الآن، قد لا يكون العثور على مثل هكذا أشخاص في بعض اللغات أمراً سهلاً، لكن (في) بعض اللغات لا، الأمر سهل، يمكنكم مثلاً أن تجدوا أشخاصاً لغتهم الأمّ أو اللغة التي نشأوا عليها ولو لم تكن لغتهم الأمّ، كالإنكليزيّة على سبيل المثال. فإن كانوا من أهل الذوق، ومن أصحاب القلم، فليحملوا القلم ويترجموا هذا الكتاب. مهما أنفقتم على هذا الأمر فهو يستحقّ ذلك. حتماً بشرط أن تتمكّنوا من نشره. فأحد أعمال أجهزة الاستكبار أنهم - بخلافنا نحن حيث نصبح أحياناً متنوّرين كثيراً ونقول ينبغي أن يصل كلّ شيء إلى متناول الجميع، هم ليسوا كذلك، إنّهم متعصّبون جدّاً، ومتشدّدون في هذا المجال - لا يقبلون بسهولة أن يصل ما ترجمتموه إلى مخاطبيهم، ولكن حسنٌ، عليكم أن تجدوا طريقةً، يمكنكم هذا، بناءً على هذا، الترجمة أمر مهمّ جدّاً. 

على كلّ حال، أسأل الله سبحانه التوفيق والتسديد لكم جميعاً. لقد سررت اليوم كثيراً بلقائكم، كذلك أسأل الله التوفيق والتسديد للسيّد مهدي قلي رضائي، ومرّة أخرى أيضاً للسيّد نور الدين، وأسأله أن تكونا دوماً جنديّي الثورة الثابتي القدم، كلاكما. كما أسأل التوفيق الكثير للسيّدة سبهري التي تحمّلت العناء حقيقةً، وكان عملها عملاً قيّماً جدّاً، جدّاً، واعلمي يا سيّدة سبهري أنّ هذا العمل الذي قمت به - هذين الكتابين اللذين أراك تخرجينهما - هما على التحقيق مصداق للجهاد في سبيل الله، وذلك لأنّ أعداء هذه الثورة وأعداء طريق الله يسعون لمنع هذا الطريق النيّر من الاستقرار أمام الأعين، لقد قمتِ أنتِ بعمل مخالف لهم تماماً، وكنتِ في الجهة المقابلة لهم، لهذا، يكون هذا العمل جهاداً في سبيل الله، أسأل الله سبحانه أن يتقبّل عملك، ويجعل نيّاتنا جميعاً خالصةً له، ويجعل أعمالنا، أفكارنا، أقوالنا، وأفعالنا له وفي سبيله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

 
 
 
 
 
 
553

471

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه المشاركين

في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 
 
المناسبـة: الملتقى والمؤتمر الوطني السابع للشباب النخب
الحــضـور: جمع غفير من الشباب النخب في إيران وأصحاب المواهب 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
17/07/1392 هـ.ش.
03/12/1434 هـ.ق.
09/10/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
555

472

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
لقاء ملهم جداً
كما جرت العادة، فإنّ اللقاء1 بكم أيّها الشّباب الأعزّاء جميلٌ ومُلهمٌ جدًّا بالنسبة إليّ، وباعث في الغالب على خطوات عمليّة في السياسات والخطط والبرامج. الأمور التي ذكرها الأعزّاء في كلماتهم كانت في الغالب ذات عمق وجديرة بالاهتمام. لم أسجّل اليوم شيئاً، لأنّني قرّرت أن آخذ الكلمات المكتوبة كلّها. وسوف يجمعون في مكتبنا - والأصدقاء يسمعون منّي الآن ما أقوله - المقترحات ويفرزونها، فبعضها ضروري لنا وينبغي الاهتمام به، وسوف يجري الاهتمام به إن شاء الله، وبعضها ممّا يجب التذكير به للمؤسّسات والأجهزة المختلفة أو تبليغه لها أو اقتراحه عليها.
 
ذكر الأعزّاء بعض النقاط التي تحتاج إلى إيضاحات، أي أنّ المراد لم يتّضح بالنسبة إليّ. أشار أحد الأعزّاء مثلاً إلى ضرورة إعداد خارطة للعلم2، ولم أفهم هل المقصود شيء آخر غير الخارطة العلميّة الشاملة، التي جرى العمل فيها لفترات طويلة، وتمّ إعدادها كوثيقة وتبليغها؟ وإذا كان المراد شيء آخر غير هذه الخارطة، فيجب إيضاحه. قد يكون من اللازم للأعزّاء أن يوضّحوا بعض النقاط، وقد تطرح عليهم الأسئلة من مكتبنا ويدوِّنون إجاباتهم وإيضاحاتهم. 
 
أنتم تخطِّطون مستقبل بلادكم 
أنتم أيّها النُخب الأعزّاء سواء منكم الحاضرون هنا أو النُخب الكثيرون الموجودون



1 أقيم الملتقي الوطني للشباب النخبة في إيران من الثامن من تشرين الأوّل حتّى العاشر منه عام 2013 م..
2 اقتراح السيِّد محمّد حسين نورانيان ( من جامعة نصير الدين الطوسي) بخصوص إنشاء برنامج عملاق لخارطة العلم.
 
 
 
 
 
 
 
557

473

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 والحمد لله في كلّ أنحاء البلاد، والذين لم يحضروا لهذه الجلسة لأسباب متعدّدة، في أيّ حقل علمي تدرسون وتعملون وتبحثون - سواء العلوم الإنسانيّة أو العلوم التقنيّة أو العلوم الأساسيّة أو العلوم الطبيّة والعلوم ذات الصلة بالصحة والسلامة، وفي أيّ مجال وحقل آخر تنشطون - كلّكم في الواقع مهندسو التقدّم المستقبلي للبلاد. أنتم الذين تخطِّطون وتصمِّمون مستقبل بلادكم ومستقبل إيرانكم العزيزة، وإذا تابعتم هذه المهمّة - إن شاء الله بعزيمة راسخة وهمّة عالية وعمل دؤوب - فسوف تصلون إلى النتائج المنشودة وستصنعون إيران المستقبل. 


التقدّم العلمي 
النقطة التي أودّ ذكرها لكم هي أن تعلموا أنّ سياسة "التقدُّم العلمي ذي السرعة العالية" سياسة أساسيّة للنظام الإسلاميّ. لقد توصّلت مجموعة العقول المفكّرة في البلاد إلى نتيجة أنّ اجتياز الصعاب والمخاطر والمزالق في إيران الإسلاميّ - إذا كان بحاجة إلى اثنين أو ثلاثة أركان ومقدّمات - فإنّ أحد هذه الأركان هو التقدّم العلمي. هذه سياسة بِنيويّة أساسيّة تُتابع منذ نحو عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً. وفي هذا المضمار عملت الحكومات المختلفة، والمسؤولون، والعناصر المعنيّة، والشّباب، والنخب أنفسهم، وبذلوا الجهود. والحمد لله حين يشاهد المرء حصيلة العمل في الوقت الراهن، ينبعث في نفسه الأمل والتفاؤل. لقد قلت لكم أيّها الشّباب مراراً، وقلتها للمسؤولين أيضاً، وأقولها لكم اليوم أيضاً: لا ريب أنّ الطاقات الشابّة في بلادنا، والقدرات الإنسانيّة في إيران، والنخب الإيرانيِّين، قادرون على إيصال بلادهم وشعبهم إلى قمم التقدّم الشاملة. هذه المقدرة والطاقة والإمكانيّة موجودة فيكم. كنّا نقول هذا في السابق على أساس أقوال الآخرين وحسب تجاربهم، لكنّه تحوّل تدريجيًّا إلى تجربة عشناها نحن بأنفسنا. وقد قلت مراراً: أيّ عمل علمي وتقني، تتوفّر بناه التحتيّة في البلاد اليوم، يمكن للإيرانيّين والشّباب الإيراني والنخب الإيرانيّين تنفيذه وإنجازه، ولا يوجد شيء يمكن أن نقول (بشأنه):
 
 
 
 
 
 
 
558

474

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 إنّ المواهب الإيرانيّة وشباب النخبة الإيرانيّين غير قادرين على إنتاجه وصناعته، إلّا إذا كانت بناه التحتيّة غير متوفِّرة في البلاد، وهنا يجب طبعاً توفير هذه البنى التحتيّة وإيجادها. هذا هو وضع المواهب والطاقات في بلادنا ومستواها. وتقدُّم البلاد الحقيقي غير متاح من دون التقدّم العلمي. وهذا هو السبب في تأكيدنا على أنّ هذا هو الخطاب الأصلي والسياسة الأصليّة في إيران. التقدّم الحقيقي لن يتحقّق من دون تقدُّم العلوم. 


حقيقة التقدّم
بعض البلدان قد تنقل ثرواتها الجوفيّة ونفطها إلى أصحاب الثروة والعلم في العالم، ويشترون بضائعهم ومنتجاتهم فتتوفّر لديهم مظاهر التقدّم، لكن هذا ليس تقدُّماً. التقدُّم لا يكون تقدُّماً إلّا إذا كان ذاتيًّا ومعتمدًا على المواهب (الطاقات) الداخليّة للشعب. ووزن البلدان والحكومات والشعوب واعتبارها تابع لهذا التدفُّق الداخلي. إذا حصلت تحرُّكات وقفزات وتنمية من الداخل، فهذا ما يمنح الوزن والاعتبار والأبّهة والقيمة لبلد أو لشعب. أمّا إذا لم يكن التقدم ذاتيًّا بل كان مستورداً ومن فعل الآخرين، فلن يتحقّق الاعتبار والقيمة. في زمن النظام الطاغوتي كان الأجانب والغربيّون مستعدُّون للقيام ببعض الأعمال المتعلِّقة بالتقنية النوويّة في إيران، وكانوا مستعدّين لإبرام عقود واتفاقيّات. مثلاً محطّة بوشهر التي حصلنا عليها بعد كلّ هذه الأعوام من الجهود، كان المقرَّر أن ينشئها الألمان، وقد استلموا الأموال ونهبوها، ولم يتحمّلوا مسؤوليّة تعهداتهم تلك بعد الثورة ولنفترض أنّ البلد الغربي الفلاني كان يريد أن يأتي إلى إيران، وينشئ محطة طاقة نوويّة ويديرها وننتفع نحن من الكهرباء الذي تنتجه هذه المحطة، فهذا لا يعدّ وزناً واعتباراً للشعب، الاعتبار والقيمة تحصل للبلاد عندما تصلب نفسها إلى قدرات معيّنة. إذا تحقَّقت هذه القدرات فيكم تستطيعون عندئذ الاستفادة من قدرات الآخرين في ظروف
 
 
 
 
 
 
559

475

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 متكافئة، كما سيستفيدون هم أيضاً من قدراتكم. وصدق أحد الأصدقاء1 إذ قال إنَّ أيَّ بلد من البلدان لا يستطيع وحده توفير كلّ الجوانب والمستويات اللازمة من العلوم والتقنيات، وعليه أن يأخذ بعض الأشياء من الآخرين، لكن هذا الأخذ من الآخرين لا يكون بشكل مدّ الأيدي للآخرين، إنّما بشكل معاملات متكافئة ومتوازية، تعطون علماً وتأخذون علماً، وتعطون تقنيَّة وتأخذون تقنيَّة، وتبقون محترمين في العالم. هذه حالة ضروريّة ولازمة.

 
تحوّل إيران إلى بلد مقتدر وشعب قوي
وأقولها لكم أيها الشّباب الأعزاء، وأنتم من أبناء الثورة وأبناء النظام الإسلاميّ إنّ الجبهة التي تصطف اليوم مقابل إيران الإسلاميّ، وتمارس عداءها ضد إيران، إنما تركّز هجماتها على هذه النقطة، أعني اقتدار إيران وتحوّلها إلى قدرة. إنّهم لا يريدون حصول هذا الشيء. يجب أن تنظروا هذه النظرة العامّة دومًا لجميع الأحداث والقضايا السياسيّة، والاقتصادية، والدولية، والإقليمية المتنوّعة ذات الصلة ببلادكم، ولا تنسوها. ثمّة جبهة سياسية قويّة في العالم اليوم لا تريد أن تتحوّل إيران الإسلاميّ إلى بلد مقتدر وشعب قوي، وقد كانوا على هذه الشاكلة منذ بداية الثورة. وأنقل لكم أنّه في سنة 57 هـ ش (1979م)، حين قامت الثورة الإسلاميّ وأحدثت تلك الضجّة الهائلة في العالم، كتب بعض النخب السياسيّين الكبار في الغرب، مثل كيسنجر، وهانتينغتون، وجوزيف ناي، وأمثالهم من الوجوه البارزة للنخبة السياسيّة في أميركا وأوروبا، كتبوا مقالات في بداية الثورة وعلى مدى فترة من الزمن، كان مضمونها تحذيرات للأجهزة السياسيّة الغربيّة، والنظام السياسي الغربي، والحكومات الغربيّة من أن هذه الثورة التي وقعت في إيران لا 



1  اقتراح السيّد على رجب پور (عضو الهيئة العلمية في جامعة الإمام الخميني قدّس سرّه بقزوين): ملاحظة أنّ بلد واحد في العالم اليوم لا يستطيع أن يكون متفوّقاً في كلّ الحقول والمجالات العلميّة، ويجب علينا في ضوء مزايانا الفعليّة والكامنة وبالنظر لظروف وفرص الأسواق العالميّة، تشخيص المجالات المهمّة التي نستطيع الاستثمار فيها، لنكون متفوِّقين فيها خلال الأعوام القادمة، وهذه الأفكار مشروحة بشكل جيِّد في الخارطة العلميّة الشاملة للبلاد، وعلى المسؤولين التنفيذيّين الاهتمام بالسير على هذا الطريق.
 
 
 
 
 
 
 
560

476

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 تعني تغيير هيئة حاكمة وحلول هيئة حاكمة محل أخرى، إنما تعني ظهور قوّة جديدة في المنطقة التي يسمّونها الشرق الأوسط - وأنا لا أحبّ هذه التسمية أبداً - والتي نسمّيها منطقة غرب آسيا. ثمّة قوّة جديدة آخذة بالظهور قد لا تضاهي القوى الغربيّة من حيث التقنية والعلم، لكنها تفوقهم أو هي في مستواهم من حيث النفوذ السياسي والمقدرة على التأثير في الأجواء المحيطة بها، وستخلق لهم التحديات. هذا ما أعلنوه يومها وقرعوا أجراس الخطر.


وهذا يعني أنّ ظهور مثل هذه القوّة - من وجهة نظرهم - معناه انتهاء بساط نفوذ الغرب في هذه المنطقة الحسّاسة، والغنيّة، والاستراتيجيّة جدًّا، وأنّ هذا القطب الموصل (نقطة الوصل) بين ثلاث قارات، وقطب (مركز) النفط والثروة والمعادن المهمّة التي يحتاجها البشر، والتي كان الغرب مصرًّا على بقاء هيمنته السياسيّة والاقتصادية والثقافية فيها، طبعاً سيخرج من تحت الهيمنة الغربية أو ستتزلزل هذه الهيمنة على الأقل وتُنْتَقَصْ. هذا ما خمّنوه في ذلك اليوم وكان تخمينهم صحيحاً بالطبع. واليوم بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود، تحوّل ذلك الكابوس الذي شاهدوه إلى واقع، بمعنى أنّ قوّة وطنيّة كبيرة في المنطقة ظهرت، ولم تستطيع شتى أنواع الضغوط الاقتصاديّة، والأمنيّة، والسياسيّة، والنفسيّة، والإعلاميّة أن تسقطها، بل على العكس، استطاعت هذه القوّة التأثير على شعوب المنطقة، وتكريس الثقافة الإسلاميّ العامّة ونشرها، وإشعار شعوب المنطقة بهويّتهم.

قلق الغرب من صحوة الشعوب
هذه الأحداث التي وقعت في المنطقة منذ نحو سنتين أحداث مهمّة جدًّا، وترون ما هي ردود أفعال الغربيّين اتجاهها. وإنّ أحداث مصر، وأحداث منطقة شمال أفريقيا، وأحداث هذا الجانب تمثل تطوُّرات مهمّة جدًّا. وإنّ صحوة الشعوب وهي خالية الأيدي، ووقوفها بوجه الإهانات التي فرضها الغرب وخصوصاً أميركا عليها عن طريق عملائهم حدث كبير جدًّا، وهو بالطبع حدث لم ينته بعد، وهم 
 
 
 
 
 
 
 
561

477

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 يتصوّرون أنّهم قمعوه وكبتوه، لكنّنا نعتقد أنّه لم يقمع وقد كان منعطفاً تاريخيًّا تجتازه المنطقة في الوقت الحاضر ولم يتحدَّد مصيره على نحو نهائي إلى حدّ الآن. وهذا ما يعلمه الغربيّون أنفسهم، وهو ما يظهر بشكل أو بآخر في تحليلاتهم، فهم لا زالوا قلقين ولا يدرون ما الذي يحدث في المنطقة. وهذا بفضل نهضة شعب إيران وتأسيس الجمهوريّة الإسلاميّ الإيرانيّة، وبفضل الثورة الإسلاميّ التي بشّرت بظهور قوة وطنيّة، عميقة، مؤمنة، صامدة، موهوبة، متنامية، وسائرة نحو التألُّق والاقتدار. 

 
لا توقفوا مسيرتكم 
حسن، واليوم تصدّيتم وحملتم على أكتافكم، أنتم مجموعة النخب في كلّ أرجاء البلاد، في أيّ حقل كنتم من حقول العلم والتقنيّة والبحث العلمي، والواقع أنّ عدداً كبيراً من الأفراد يشكّلون هذه المنظومة الهائلة التي تنهض بهذه الرسالة التاريخيّة أعباء مثل هذا الحدث العظيم والمهمّة الخطيرة. المهمّ أن لا تتوقَّف مسيرتكم ولا تصاب بالرتابة والسكون في وسط الطريق. وهكذا هو الحال في كلّ الحركات الاجتماعيّة، والسياسيّة، والعسكرية المهمة، فحينما تنطلق الحركة ويبدأ عمل كبير عظيم طويل الأمد يجب عدم السماح بأن يتوقّف. وهذا ما شاهدناه عياناً في فترة الدفاع المقدَّس، وفي ساحات الحرب والاشتباكات العسكريّة. حينما تنطلق حركة فإذا لم تتلكّأ وتتعرقل فسوف تنتصر، أمّا إذا خارت العزائم في وسط الطريق، وتغلغلت الشكوك والتردّد، وعَرَض الكسل، وتراجع العمل، فسيكون عاقبة ذلك الإخفاق والفشل. يجب أن لا تسمحوا بتوقُّف هذه الحركة العلميّة المتسارعة، أو ان يتعرقل مسارها.
 
المعنيّ (المخاطب) بكلامي طبعاً هم كلّ أطراف القضيّة1... بما في ذلك أنتم أيّها الشّباب الأعزّاء، الذين تعملون، وتطلبون العلم وتبحثون وتحقِّقون، وتربّون



1 أي كلّ الجهات والهيئات والعاملين في العلم والمعرفة وبيئة العلم والتقدّم العلمي.
 
 
 
 
 
 
562

478

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 أنفسكم من الداخل، وتنجزون بعض الأحيان أعمالاً مميَّزة ولافتة، وهذا الكلام الذي قلتموه هنا من هذه الأعمال، وهو ليس بالعمل الفيزيائي الحركي، بل هو عرض أفكار وطرح آراء وسعي للوصول إلى أفكار ونظريّات أفضل، وهذا من أهمّ الأعمال شرط أن لا يبقى في حدود الذهنيّات (الأفكار) والكلام، أنتم معنيّون بهذا الكلام وكذلك الأجهزة والمؤسّسات المختلفة من قبيل وزارة العلوم والتعليم العالي، ووزارة الصحّة، والمعاونيّة العلميّة لرئاسة الجمهوريّة. 

 
المعاونيّة العلميّة لرئيس الجمهوريّة هذه من القطاعات والمؤسّسات المهمّة جدًّا، وتتولّى عملاً حسّاساً للغاية، وقد تأسّست هذه المعاونيّة بإصراري ومتابعتي منذ عدّة سنوات. وهناك أيضاً مؤسّسة النخبة. وقد قدَّم الذين عملوا هناك خدمات حقيقيّة، مثل السيِّدة سلطان خواه، والسيِّد واعظ زاده. ويتولَّى مسؤوليّة هذه المعاونيّة وهذه المؤسّسة اليوم السيِّد ستاري، وهو من أبناء الشهداء1. توصيتي للمسؤولين في المعاونيّة العلميّة ومؤسّسة النخبة هي أن يتابعوا الأعمال، ولا يبدأوها من الصفر. لقد أنجزت أعمال ممتازة. ليعملوا على أساس تلك الأعمال السابقة، وليحاولوا ردم الثغرات، وملأ النواقص، ورفع نقاط الضعف بعد تشخيصها ومعرفتها، وعدم خسارة أو إفلات نقاط القوّة.
 
الاهتمام بالإبداع العلمي
وأرى أنّ أهمّ عمل يمكن لهاتين الوزارتين وهذه المعاونيّة أن تقوم به هو أن تركِّز هممها على تمهيد الأرضيّة للإبداع العلمي، فالإبداع مهمّ. يجب عدم توقف تيّار الإبداع هذا، كلّ خطوة يجب أن تمهّد الأرضيّة لخطوة تالية تأتي بعدها. إنّ الحفاظ على تيّار الإبداع في البلاد يتطلّب الرصد الدائم، ليرصد المسؤولون المحترمون في المعاونيّة العلميّة، وليتابعوا التيار العلمي في البلاد، وينظروا أين هي مواطن العُقد والعرقلة، وما هي المشكلات وحالات عدم التنسيق فيرفعوها. والمجلس الأعلى



1 الدكتور سورنا ستّاري نجل الشهيد اللواء الطيّار منصور ستّاري.
 
 
 
 
 
 
563

479

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 للثورة الثقافيّة الذي يخوض في هذه القضايا، ضمن حدود واجباته ومسؤوليّاته، يتولّى هو أيضاً دوراً مهمًّا. وهناك أيضاً المعاونيّة العلميّة وهي مؤسّسة لجانيّة للتنسيق بين المؤسّسات والأجهزة. وهناك المؤسّسات العلميّة في البلاد نفسها أي الوزارتين المذكورتين، ومراكز البحث، والتحقيق، ومختلف مراكز ومؤسّسات العلم والتقانة، وهم منفذو المشاريع والأعمال... هؤلاء يجب أن يعملوا كلهم بطريقة منسجمة منسّقة، ويجب رفع حالات عدم التنسيق. 


الحفاظ على سرعة التقدم العلمي
بالطبع إنّ تقدُّمنا ونموّنا العلمي في الوقت الحاضر جيِّد جدًّا بالمقارنة إلى (ما هو موجود) المنطقة، وفي المقاييس العالميّة. العدد العام لنموّنا جيِّد، وسرعة نموّنا جيِّدة جدًّا، بمعنى أنّ سرعة التقدُّم العلمي عالية جدًّا، لكن هذا ليس ملاكاً، بمعنى أن هذه السرعة يجب أن تبقى ويُحافظ عليها. حقيقة سرعة النموّ العلمي لا تعني أنّنا وصلنا إلى الهدف أو حتّى أنّنا اقتربنا من الهدف ذلك، لأنّنا كنّا متأخّرين جدًّا، والعالم لا ينتظر حتّى نتقدم نحن فيبقى يتفرّج علينا، إنّما العالم أيضاً يتقَّدم باستمرار، وطبعاً سرعتنا أكبر، وعلينا الحفاظ على هذه السرعة. إذا جرى الحفاظ على هذه السرعة في النموّ العلمي، فسيكون هناك أمل أن نصل إلى القمم وإلى الخطوط الأماميّة، وتكون بلادنا ومراكزنا العلميّة - كما قلت مراراً - مراجع علميّة للعالم. هذا شيء يجب أن يحصل وسوف يحصل إن شاء الله. وطبعاً لا أتصوَّر أنّه سيحصل خلال خمسة أعوام، أو عشرة أعوام، أو خمسة عشر عاماً، لا، لقد ذكرت قبل سنوات أن لكم أنّ تتصوّروا المستقبل ما بعد خمسين عاماً أو أربعين عاماً قادمة، حيث أنّ كلّ من يريد في العالم أنّ يطّلع على المنجزات العلميّة الجديدة سيضطر إلى إتقان اللغة الفارسيّة. اعقدوا عزائمكم وهممكم على هذا. اعملوا ما من شأنه أن يحتاج الآخرون في العالم إلى علومكم فيضطرون إلى إتقان لغتكم ليطّلعوا على علومكم. وهذا شيء ممكن ومتاح. 
 
 
 
 
 
 
 
564

480

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 كان المرحوم الشهيد الدكتور چمران من النخب العلميّة، وقد اشتهر بالحرب والشهادة والبنادق وما إلى ذلك، لكنّه كان من النخب العلمية البارزة، وكان يدرس في واحدة من الجامعات الأميركيّة المعروفة، ثمّ ترك الدراسة وانتقل إلى لبنان ثمّ عمل مجاهداً في بلاده. وكان يقول لي إن المتميِّزين من الطراز الأوّل في الجامعات الأميركيّة - وخصوصاً تلك الجامعة التي كان يدرس فيها - معدودون، لكنّ الإيرانيِّين هم الأكثر عدداً بينهم. الإيرانيّون أعلى مستوى من متوسّط المواهب العالميّة، وهذا ما سمعناه مرّات من أشخاص آخرين، وكما قلت فإنّ التجارب بدأت تثبت لنا ذلك. 


الارتباط والتكامل بين العلم والصناعة 
النقطة التي شدّدتُ عليها منذ البداية، ولم تتحقّق بشكل كامل لحد الآن، هي قضيّة الارتباط والتكامل بين العلم والصناعة، وبين الجامعات والمصانع، وبين مراكز البحث العلمي والصناعة. وأرى منذ سنوات أنّ هذه القضيّة تطرح على ألسن الطلبة الجامعيّين والنخبة والمسؤولين. هذه نقطة على جانب كبير من الأهميّة. لدينا هنا مجموعة علميّة، وهناك مجموعة صناعيّة، والصناعيّون متعطّشون إلى الحصول على التطوّرات العلميّة وبحوث الجامعات والمراكز والمؤسّسات العلميّة، وهذه المراكز العلميّة تحتاج - من أجل أن تواصل تدفُّقها العلمي - إلى أسواقٍ لاستهلاك علومها. ولا يوجد حاليًّا بين هذين القطاعين علاقة منطقيّة تكامليّة. إذا استطعنا مدّ الجسور والعلاقات بين الصناعة والجامعة، وبين الصناعة ومراكز البحث العلمي، أو بمعنى أعمّ بين الصناعة والعلم بشكل كامل فستكون النتيجة نموّ مراكزنا الصناعيّة، سوف يراجعون الجامعات لمعالجة مشكلاتهم، وسوف يعالجون مشكلاتهم وينتفعون من التطوُّرات العلميّة في عملياّتهم الصناعيّة، وسوف تتقدَّم جامعاتنا أيضاً، فهي كالسدّ الذي تمّ بناؤه لكنّه يفتقر إلى شبكات الريّ، مثل هذا السدّ سيكون طبعاً بدون فائدة. نصف عمل السدّ هو أن نقيم مخزنا تجتمع
 
 
 
 
 
 
565

481

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

  المياه خلفه، والنصف المهمّ الثاني هو أن نوجد شبكات مياه وريّ، ليمكن إيصال مياه هذا السدّ إلى المناطق التي تحتاج إلى المياه، وإلى الأراضي العطشة. هذا ما يجب أن يحصل ويتمّ. طبعاً يجب على الشركات والمصانع أن ترجع إلى المراكز العلميّة أكثر من السابق، وينبغي للمراكز العلميّة أن تستعدّ أكثر من السابق. يجب أن نشهد كلّ عام مئات المشاريع البحثيّة في الجامعات والمراكز العلميّة بناءً على طلب وتوصية المراكز الصناعية والشركات، والمقصود بالطلبات هنا الطلبات الداخليّة طبعاً. ومن النقاط التي تعدّ في رأيي من نقاط الضعف المهمّة - وكثيراً ما يشير لها الشّباب والأساتذة وغيرهم - هي الأعمال العلميّة بطلبات أجنبيّة، فهي أعمال لا يحتاجها البلد. لا أريد أن أمنع هذا الشيء على نحو العموم، ولكن أن تعملوا هنا عملاً علميًّا بحثيًّا من أجل سدّ حاجة تلك المؤسّسة العلميّة أو التقنيّة في العالم، ويشترون حصيلة عملكم بأثمان زهيدة، فهذا ليس امتياز(شطارة). يجب أن تنظروا ما هي الاحتياجات الداخليّة. وما هي المواقع الداخلية التي تحتاج لأعمالكم البحثيّة - خصوصاً على مستوى الدكتوراه وما فوق - وما هي الثغرات التي تردمها بحوثكم وتحقيقاتكم داخل البلد.  

إقامة مباريات ومسابقات في الإبداع
وعليه يجب أن تقوم مسابقة جديّة كبيرة في الإبداع (مضمار الإبداع) مباراة بالمعنى الحقيقي للكلمة سواء في العلوم أو في التقانة (التكنولوجيا). في الرسائل الجامعيّة - وخصوصاً مرحلة الدكتوراه - من الأمور التي يحتَّم أخذها بنظر الاعتبار قضيّة الإبداع والابتكار. تجب الإشارة هنا أين الإبداع، ويكون هذا هو ملاك التقييم ومنح الامتيازات والدرجات. على المؤسّسة الوطنية للنخبة أن تعمل بجدّ وتوفر مناخ الحيوية العلميّة، فإذا حصل هذا، سيتشوّق المتخصّص الإيراني في الخارج للعودة، ويتشوّق الشاب الإيراني الموهوب إلى البقاء في وطنه ودياره والعمل لخدمة بلاده.

تضاعف القدرات في ظل التقوى والورع
وثمّة نقطة أساسيّة هنا ومهمّة هي التقوى والورع
 
 
 
 
 
 
566

482

في لقائه المشاركين في الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب

 تتضاعف قدرات مجتمع النخبة في البلاد - سواء من الفتيات أم الفتيان والشّباب عموماً وأساتذتهم - في ظل التقوى والورع والعفّة والتوجّه إلى الله، وستسهَّل تقدّمهم وصعودهم. من أكبر الامتيازات التي تمتلكونها هو نقاء الشّباب. هذا شيء يبقى مع الإنسان دوماً. ثمّة في فترة الشّباب نقاء ونور يسهّل استنزال الرحمة الإلهيّة على الإنسان، وإذا سهّل الله تعالى الطريق على الإنسان ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ أي إذا سُهِّل العمل ومُهِّدت الأسباب للإنسان ووُفِّرت له المقدمات، فسيصل الإنسان إلى أهدافه بسهولة كبيرة. اعرفوا قدر التقوى والعفّة والإيمان والنقاء والنور الذي تتحلّون به وهو أرضيّة المعنويّة، واطلبوا من الله تعالى أن يعينكم ويعين بلدكم، لنستطيع إن شاء الله الوصول إلى المحطَّات التي نتمنَّاها لبلادنا وشعبنا. وأنا بدوري سأدعو لكم الله دومًا إن شاء الله، كما دعوت لكم إلى حدّ الآن. 

 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
567

483

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ

 نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ


المناسبـة: حلول موسم الحجّ لعام 1434 هـ.ق. 
الزمـــان:
19/07/1392 هـ.ش.
05/12/1434 هـ.ق.
11/10/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
569

484

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ

 بسم الله الرحمن الرحيم


والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.

إنّ حلول موسم الحج ينبغي أن يُعدّ عيدًا كبيرًا للأمة الإسلاميّ. الفرصة المغتنمة التي تقدّمها هذه الأيّام الثمينة كلّ عام للمسلمين في العالم هي كيمياء إعجازيّة، إنّ قدّرت حقّ قدرها واستُغِلّت بشكل مناسب، فإنّها ستعالج الكثير من الآفات ومواطن الضعف في العالم الإسلاميّ. 

إنّ الحجّ نبعٌ متدفّق بالفيض الإلهي. وأنتم الآن أيّها الحجّاج السعداء قد حصّلتم فردًا فردًا هذا العطاء الرفيع، إذ طَهُرت قلوبكم وأرواحكم حقّ التطهير بهذه الأعمال والمناسك المفعمة بالصفاء والمعنويّة ، فتتزوّدون من نبع الرحمة والعزّة والقدرة هذا بذخيرة لسنوات عمركم كلّها.

تستطيعون أن تتحلّوا بالخشوع والتسليم أمام الربّ الرحيم، وبالالتزام بالواجبات الملقاة على عاتق كلّ مسلم، وبالحيويّة والحركة والإقدام في أمور الدنيا والدين، وبالرحمة والصفح في التعامل مع الإخوان، وبالجرأة والثقة بالنفس في مواجهة الصعاب، وبعقد الآمال على عون الله ونصرته في كلّ أمر وفي كلّ مكان.. وباختصار تستطيعون أن تكتسبوا جميع ما يحتاجه بناء الإنسان، على الطراز الإسلاميّ في تلك الساحة الإلهيّة للتربية والتعليم. وأن تقدّموا هدية لبلدكم وشعبكم ومن ثمّ للأمة الإسلاميّ، هي هذه الذات المتحلّية بهذه الفضائل والمستفيدة من هذه الذخائر.

إنّ الأمّة الإسلاميّ أحوج ما تكون اليوم إلى أناس يمتلكون الفكر والعمل إلى 
 
 
 
 
 
 
 
571

485

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ

 جانب الإيمان والصفاء والإخلاص، والمقاومة أمام الأعداء الحاقدين إلى جانب البناء المعنوي والروحي للنفس. وهذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ المجتمع الإسلاميّ الكبير من معاناته، التي أصيب بها منذ عصور بعيدة، إمّا بيد الأعداء بشكلّ واضح، أو بسبب ما مُني به من ضعف العزم والإيمان والبصيرة.


إن عَصْرَنا الراهن هو دون شك عصر يقظة المسلمين واستعادتهم لهويّتهم. هذه الحقيقة يمكن أن نُدركها بوضوح أيضًا من خلال التحديات، التي تواجهها البلدان الإسلاميّ، وفي هذه الظروف بالذات بمقدور عزم الشعوب وإرادتها المستندة إلى الإيمان والتوكّل والبصيرة والتدبير، أن يوصل المسلمين إلى النصر والرفعة، وأن يجعل مصيرهم العزّة والكرامة. إنّ الجبهة المقابلة التي لا تتحمّل يقظة المسلمين ولا عزّتهم، قد نزلت إلى ميدان المواجهة بكلّ ما لديها من قوّة، وتستخدم جميع أدواتها الأمنيّة والنفسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة والإعلاميّة، كي يقع المسلمون في ردّة الفعل ويُقمعوا وينشغلوا بأنفسهم. 

تكفي نظرة واحدة إلى أوضاع بلدان غرب آسيا: من باكستان وأفغانستان، وحتّى سوريا، والعراق، وفلسطين، وبلدان الخليج الفارسي، وكذا بلدان شمال أفريقيا: من ليبيا، ومصر، وتونس، حتّى السودان وبعض البلدان الأخرى، لبيان الكثير من الحقائق، حروب داخليّة، والتعصّبات الدينيّة والطائفيّة العمياء، وحالات عدم الاستقرار السياسي، وانتشار الإرهاب الوحشي، وظهور المجموعات والتيّارات المتطرِّفة التي تشقّ صدور البشر، وتلوك أفئدتهم على طريقة المجموعات البشريّة المتوحّشة في التاريخ، والمسلحون الذين يقتلون الأطفال والنساء، ويذبحون الرجال ويعتدون على الأعراض، حتّى إنّهم يرتكبون بعض هذه الجرائم المخزية المقزِّزة باسم الدين، رافعين رايات دينية"!! كلّ هذا حصيلة مخطَّط شيطاني واستكباري، تنفّذه أجهزة الاستخبارات الأجنبيّة، وأجهزة الحكم المتعاونة معهم في المنطقة، وهذا المخطط إنّما يتحقّق عبر استغلال الظروف والأرضيّة المؤاتية داخل هذه البلدان، فيُحيل نهار الشعوب إلى ليلٍ ويُذيقها المرّ والمرارة.
 
 
 
 
 
 
572

486

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ

 بالتأكيد في مثل هذه الأوضاع والظروف، لا يمكن أن نتوقّع أن تملأ البلدان المسلمة فراغها المادّي والمعنوي، وأن تحقّق الأمن، والرفاه، والتطوّر العلمي، والاقتدار الدولي الذي يمكن ان يتحقق ببركة الصحوة والعودة إلى الهويّة، يمكن لهذه الأوضاع المأساويّة أن تصيب الصحوة الإسلاميّ بالعقم، وأن تبدّد الطاقات المعنويّة التي ظهرت في العالم الإسلاميّ، وأن تدفع الشعوب الإسلاميّ مرّة أخرى لسنوات متمادية نحو الركود العزلة والانحطاط، وأن تجعل مسائلها الأساسيّة الهامّة مثل تحرير فلسطين وإنقاذ الشعوب المسلمة من السيطرة الأميركيّة والصهيونيّة في مطاوي النسيان.


إنّ العلاج البنيوي والأساسي يمكن تلخيصه في جملتين أساسيتين، كلّتاهما من أبرز دروس الحجّ:
الأولى: اتحاد المسلمين وتآخيهم تحت لواء التوحيد.
والثانية: تشخيص العدوّ ومواجهة خططه وأساليبه. 

إنّ تقوية روح الأخوّة والتآلف هي الدرس الكبير للحجّ. فهنا يُمنع حتّى الجدال وخشونة الكلّام مع الآخرين. الملبس الموحّد، والأعمال الموحّدة، والحركات الموحّدة، والسلوك العطوف يعني هنا المساواة والإخاء بين كلّ المؤمنين بمهد التوحيد هذا والذي تهوي إليه أفئدتهم. هذا ردّ إسلامي صريح على كلّ فكر وعقيدة ودعوة تُخرج جماعة من المسلمين والمؤمنين بالكعبة والتوحيد من دائرة الإسلام. لِتعلَم العناصر التكفيريّة التي هي اليوم ألعوبة ساسة الصهاينة الغادرين ورعاتهم الغربيّين، والتي ترتكب الجرائم المروّعة وتسفك دماء المسلمين والأبرياء، وليعلم بعض أدعياء التديُّن والمتلبسين بزيّ علماء الدين من الذين ينفخون في نار الخلافات بين الشّيعة والسنّة وغيرها، ليعلموا أنّ مناسك الحجّ بذاتها تبطل ما يدّعون وما يزعمون والعجيب أنّ الذين يُعدّون مراسم البراءة من المشركين، والتي لها جذور وأصل في سيرة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من الجدال الممنوع، هم أنفسهم من أكثر العوامل تأثيراً في إيجاد النزاعات الذاتيّة بين المسلمين.
 
 
 
 
 
 
573

487

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ

 وإنّني أعلن مرّة أخرى، وكما هو رأي الكثير من علماء المسلمين والحريصين على الأمّة المسلمة، أنّكلّ قول أو عمل يؤدّي إلى إشعال نار الاختلاف بين المسلمين، وكلّ إساءة لمقدسات أيّ من الجماعات الإسلاميّ أو تكفير أحد المذاهب الإسلاميّ، هو خدمة لمعسكر الكفر والشرك وخيانة للإسلام، وهو حرام شرعًا.


إنّ معرفة العدوّ وأساليبه هي الركن الثاني.
أولاً: ينبغي عدم إغفال ونسيان وجود العدوّ الحاقد. ورمي الجمرات المتكرّر في الحج هو تعبير رمزي عن هذا الحضور الذهني الدائم.

ثانيًا: ينبغي أن لا نخطئ في معرفة العدوّ الأصلي الذي يتجسّد اليوم في جبهة الاستكبار العالمي، والشبكة الصهيونيّة المجرمة. 

وثالثًا: يجب أن نشخّص جيدًا أساليب العدوّ المعاند، وهي إلقاء التفرقة بين المسلمين، وإشاعة الفساد السياسي والأخلاقي، وتهديد النخب وتطميعهم، والضغط الاقتصادي على الشعوب، وإثارة التشكيك في المعتقدات الإسلاميّ، ومن ثَمّ أن نعرف من هذا الطريق أتباعهم، وأياديهم، والمرتبطين بهم عن علم أو غير علم.

إنّ الحكومات الاستكباريّة وفي مقدّمتها أميركا، تعمد من طريق شبكاتها الإعلاميّة الواسعة والمتطوِّرة إلى إخفاء وجهها الحقيقي، وتمارس سلوكًا مخادعًا أمام الرأي العامّ للشعوب، عبر ادعاء الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطيّة. إنّهم يتشدّقون بحقوق الشعوب، في الوقت الذي تلمس فيه الشعوب الإسلاميّ بجسمها وروحها كلّ يوم، مزيدًا من الاكتواء بنار فتنهم.

يمكن لنظرة نظرة واحدة إلى الشعب الفلسطيني المظلوم الذي يتلقّى، ويوميًا منذ عشرات السنين، جراح جرائم الكيان الصهيوني والمدافعين عنه، أو إلى أفغانستان وباكستان والعراق، التي يُذيق فيها الإرهاب، المنتَج من سياسات الاستكبار وعملائه الإقليميّين، شعوب تلك البلدان مرّ العيش، أو إلى سوريا التي تُعاقب بسبب دعمها للمقاومة ضد الصهيونيّة، وتتعرّض لسهام 
 
 
 
 
 
 
574

488

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ

 حقد قوى الهيمنة العالميّة وعملائها الإقليميّين، وتعاني من حرب داخليّة دمويّة، أو إلى البحرين أو ميانمار حيث يعاني المسلمون، كلّ بطريقةٍ، من الإهمال ومن الدعم لأعدائهم، أو إلى الشعوب الأخرى، التي تُهدَّد باستمرار من قبل أميركا وحلفائها بهجوم عسكريّ، أو محاصرة اقتصاديّة، أو تخريب أمنيّ... يمكن لهذه النظرة الواحدة أن تكشف للجميع عن الوجه الحقيقي لزعماء نظام الهيمنة.


إنّ النخب السياسيّة والثقافيّة والدينيّة، في جميع أرجاء العالم الإسلاميّ، ينبغي أن تُعدّ نفسها ملتزمة بكشف وإفشاء هذه الحقائق. هذا هو واجبنا الأخلاقيّ والدينيّ.

إنّ على بلدان شمال أفريقيا التي تتعرض اليوم، وللأسف، لاختلافات داخليّة عميقة، أن تهتمّ أكثر من غيرها بهذه المسؤوليّة العظمى، أي معرفة العدوّ وأساليبه وألاعيبه. إنّ استمرار الاختلافات بين التيّارات الوطنيّة، والغفلة عن مخاطر الحرب الداخليّة في هذه البلدان هو خطر كبير، لا يمكن التعويض عن خسارته على الأمّة الإسلاميّ في المستقبل القريب.

إنّنا لا نشكّ في أنّ الشعوب الناهضة في المنطقة والتي جسّدت الصحوة الإسلاميّ. لن تسمح بإذن الله بأن ترجع عقارب الزمن إلى الوراء، وأن يتكرَّر عصر الحكام الفاسدين والعملاء والدكتاتوريّين، لكنّ الغفلة عن دور القوى الاستكباريّة في إثارة الفتن، وتدخلها الهدّام سوف يعقّد الأمور على هذه الشعوب، ويؤخّر عصر العزّة والأمن والرفاه لسنوات عديدة.

نحن مؤمنون من أعماق قلوبنا بقوّة الشعوب، وبالقدرة التي أودعها الله الحكيم في عزم الجماهير، وفي إيمانها، و بصيرتها. ونحن شاهدنا ذلك، بأعيننا، خلال أكثر من ثلاثة عقود في الجمهوريّة الإسلاميّ الإيرانيّة وجرّبناه بكلّ وجودنا. إنّ همَّنا وهمّتنا أن ندعو جميع الشعوب المسلمة، إلى الاطّلاع على تجربة إخوانهم هذه في هذا البلد الشامخ، والمرفوع الرأس، والذي لا يعرف التعب.
 
 
 
 
 
 
 
575

489

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ

 أسأل الله سبحانه أن يصلح أمور المسلمين، ويدفع كيد الأعداء عنهم وأسأله تعالى لكم يا حجّاج بيت الله الحرام حجًا مقبولاً، وصحّة في الأجساد والأرواح، وعطاء معنويَّا وافراً. 


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
السيّد علي الخامنئيّ
الخامس من ذي الحجّة 1434 هجريّة قمريّة 
المصادف لــ 19 مهر 1392 هجريّة شمسيّة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
576

490

بيان الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـ "التغيير السكاني ودوره في تحوّلات المجتمع المختلفة"

 بيان الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى العاملين على إقامة المؤتمر الوطني  

لـ "التغيير السكاني ودوره في تحوّلات المجتمع المختلفة"

المناسبـة: إقامة المؤتمر الوطني للتغيّر السكاني 
الزمـــان:
06/08/1392 هـ.ش.
22/12/1434 هـ.ق.
28/10/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
577

491

بيان الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـ "التغيير السكاني ودوره في تحوّلات المجتمع المختلفة"

 بسم الله الرحمن الرحيم


قضيّة الزيادة السكّانية
إنّ قضيّة السكّان التي تُطرح بجدّ في المجتمع، وثمّة اختلافات في وجهات النظر بشأنها، هي مسألة مهمّة جدّاً. من دون شكّ، من وجهة نظر السياسة العامّة للبلاد، ينبغي للبلاد أن تتجّه نحو زيادة عدد السكّان، بالطبع، بنحو معقول ومعتدل. جميع الإشكالات الواردة - حيث رأيت بعض الإشكالات التي تُطرح - يمكن رفعها والإجابة عنها.

المهمّ هو أنّ بلدنا بإمكاناته الطبيعيّة وخاصّية جغرافيّته السياسيّة، يحتاج إلى عدد أكبر من السكّان، مضافاً إلى ذلك - وكما قلنا سابقاً - إنّ مسألة المظهر الشاب للبلاد هي مسألة أساسيّة ومهمّة ومصيريّة. كما بحث أهل العلم والتحقيق، ودرسوا جوانب المسألة ودقّقوا في الإحصاءات، إذا ما سرنا على هذا المنوال الذي نسير فيه اليوم، سوف نصبح في المستقبل القريب بلداً هرماً. وإن علاج مرض الشيخوخة هذا، في الحقيقة، ليس في المتناول، (الآن) هو غير موجود لدينا، (بل) ليس في متناول أحد، أي إنّ البلدان التي ابتليت اليوم بالشيخوخة، وفقدت قدرتها على "الإنجاب"، من الصعب القول أنّها تمتلك العلاج لحلّ هذه المشكلة. إنّنا بالتأكيد سنواجه هذه المشكلة عينها، ولا ينبغي لنا السماح للأمور بالوصول إلى هذا الحدّ. بالطبع، إنّ المباني الإسلاميّ والفكر الإسلاميّ في مجال عدد السكّان وزيادة عدده، وبالالتفات إلى وضع الجغرافيا السياسيّة للمنطقة وللجمهوريّة الإسلاميّ هي أمور واضحة وجليّة. 
 
 
 
 
 
 
 
579

492

بيان الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـ "التغيير السكاني ودوره في تحوّلات المجتمع المختلفة"

 حل عملي وصحيح ومقبول

المؤتمر الذي تنظّموه أيّها السادة، هو بنظري من الأعمال الجيّدة جدّاً. أي إنّنا لا نريد أن نسير بهذه المسألة من خلال الشعارات وإطلاق "الصلوات على محمّد وآل محمّد" وأمثالها، نريد للمسألة أن تُحلّ بنحو عميق وعمليّ، أن تُحلّ العقد الموجودة في الأذهان، وأن تنجلي حقيقة المسألة، وبرأيي يمكننا القيام بهذا الأمر، أي يمكن لمفكّرينا وأهل العلم المختصّين بمسألة عدد السكّان، في كلّ قسم من الأقسام، أن يقدّموا في هذا المجال منطقاً صحيحاً ومقبولاً. هذا المؤتمر هو حتماً الخطوة الأولى، أي الخطوة الابتدائيّة، (لكنّه) أهمّ - بنظري - من سنّ القوانين، ذلك أنّ التثقيف في هذه المسألة، وكما سائر المسائل الاجتماعيّة الأخرى، له الكلمة العليا، ينبغي أن يُعمل على التثقيف، الذي هو اليوم - للأسف - غير موجود، ومعطّل، وعلى الرغم ممّا قيل الآن، وقلناه نحن، وقاله الآخرون، وما طُرح في مجلس الشورى أيضاً، وما قام به البعض هنا وهناك من دراسات قلّت وكثرت، فإنّ العمل الثقافي لم يتمّ بالمعنى الصحيح للكلمة. برأيي، إنّ عملكم هذا عمل جيّد، وعمل مناسب، بالمحصّلة، لا تكتفوا بتشكيل طاولة مستديرة، وتحديد الكلمات، ومن ثمّ طبع عدّة مقالات على سبيل المثال، هذه أمور لازمة، لكنّها ليست كافية، ينبغي الاستفادة من الإمكانات الموجودة في البلاد، ترويج الفكر في البلاد، عندما ينتشر الفكر في البلاد، ينبغي أن يكون فكراً عميقاً، وأساسيّاً، ومنطقيّاً، ومقنعاً لكلّ الناس، لذا، ينبغي العمل على هذه المسألة والتي حتماً عمل السادة عليها. إنّني عندما أرى أشخاصاً يسعون لتنظيم جلسة أو مؤتمر، أوصيهم غالباً وأقول: لا تقرّبوا الآماد، أي افسحوا المجال لأنفسكم للتمكّن من العمل، حتّى يظهر في هذا المؤتمر الوجه والمظهر المطلوب، وما هو لائق. وحتماً قمتم أيّها السادة بهذا العمل، ذلك أنّكم - بحمد الله - أهل فضل وأهل تحقيق، ومؤسّستكم مؤسّسة لها سابقة جيّدة في هذا المجالات، لكن لا توقفوا العمل عند هذا الحدّ.
 
 
 
 
 
 
 
580

493

بيان الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـ "التغيير السكاني ودوره في تحوّلات المجتمع المختلفة"

 أسباب الميل إلى قلة الإنجاب 

ادرسوا جوانب المسألة، وانظروا ما هي الأمور التي تجعل مجتمعنا ميّالاً إلى قلّة الأولاد. هذا الميل لقلّة الأولاد هو أمر عارض، وإلّا فالإنسان بنحو طبيعيّ يحبّ الأولاد. لماذا يرجّح بعض الأفراد أن يكون لهم ولد واحد فقط؟ لماذا يرجّحون أن يكون لهم ولدان فقط؟ لماذا تتجنّب، المرأة بنحو والرجل بنحو، إنجاب الأولاد؟ ينبغي علينا أن ننظر في هذه الأمور ونرى ما هي أسبابها، جدوا هذه الأسباب، من أجل علاج هذه الأسباب المولّدة للمرض - وباعتقادي أنّها عوامل مولّدة للمرض - واطلبوا من المختصّين وأهل الفكر أن يفكّروا. لنفرض مثلاً، ارتفاع معدّل سنّ الزواج، حسنٌ، من دون شكّ إنّ أحد الأسباب التي تحدّ من الحمل هي ارتفاع معدّل سنّ الزواج، حسنٌ، هذه إحدى الأمور التي ينبغي أن يتمّ التفكير فيها في البلاد. لماذا ارتفع معدّل سنّ الزواج في بلدنا؟ أَوَليس الشاب ابن السابعة عشر أو الثامنة عشر أو التاسعة عشر عاماً بحاجة إلى تلبية الحاجة والغريزة الجنسيّة؟ علينا أن نفكّر في هذه المسألة.
 
من ناحية أخرى يقولون إنّ هؤلاء لا يملكون بيوتاً، لا يعملون، ليس لديهم مداخيل، انظروا كيف يمكن أن نقوم بعمل تجتمع فيه جميع هذه الأمور معاً. لا ينبغي لنا أن نتصوّر أنّه ينبغي للشخص أن يكون له بيتٌ ملك، أن يكون له شغل يعود عليه بمردود، ومن ثمّ يتزوّج، لا، ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾1، هذا هو القرآن (الذي) يتكلّم معنا بهذه الطريقة، أي جميع تلك العقد الفكريّة (الذهنيّة) الموجودة في هذا المجال، عليكم أنتم أن تحلّوها، أي من شأنكم وشأن مؤتمر من هذا القبيل أن تقوموا بهذا العمل الفكريّ والعلميّ، أي لا يكون الأمر مجرّد بيان للفكر والرغبة، أو حتّى مجرّد شعارات في هذا المجال. ينبغي العمل واقعاً، العمل الفكري، ينبغي أن



1 سورة النور، الآية: 32.
 
 
 
 
 
 
 
581

494

بيان الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـ "التغيير السكاني ودوره في تحوّلات المجتمع المختلفة"

 تُشخّص جيّداً العوامل المؤثّرة في نقصان عدد السكّان، وموجبات تزايد عددهم، وتُطرح لإقناع النخب.


حسنٌ الآن، عامّة الناس في هذا المجال، بعضهم متديّن وبعضهم متعبّد، عندما يُطرح هذا الأمر، يسعَوْن للإنجاب، لكن ينبغي إقناع نخب المجتمع، عليهم أن يتقبّلوا الأمر، إذا ما تقبّلت نخب المجتمع الأمر، يسهل الأمر، ويسهل التثقيف. ينبغي عليكم أيّها السادة أن تجدّوا في هذا المجال، وأسأل الله لكم التوفيق.

مقدرات البلد تؤهله لمئة وخمسين مليون نسمة
كما أنّي أعتقد أنّ مقدّرات بلدنا تؤهّله لا لأن يكون عدد سكّانه خمسةً وسبعين مليون نسمةً فقط، بل لأن يكون عدد سكّانه مئةً وخمسين مليون نسمةً، إنّنا الآن قدّرنا الحدّ الأدنى فقلنا مئةً وخمسين مليوناً، يمكن الذهاب أكثر من ذلك. قطعاً، فهذا البلد بهذا الامتداد الشاسع، بهذا التنوّع المناخي، بهذه الثروات الجوفيّة الهائلة، بهذا الاستعداد العلميّ، بالقوّة الموجود فيه، يمكن أن يكون بلداً كثير عدد السكّان، وإن شاء الله يقود هو هذه الأعداد، أي كما نتصوّر نحن، أنّه إذا أنجبت كلّ عائلة أربعة أو خمسة أولاد، كيف سيكون وضعهم المعيشيّ، فكّروا في هذا الأمر أيضاً، عندما يكبر هؤلاء الأولاد الأربعة أو الخمسة، ويجدون عملاً وشغلاً، أيّ خدمة سيقدّمون لتطوّر هذا البلد؟ أي ينبغي التفكير في هذا أيضاً.

تحديد النسل عادة غربية
هناك نظرة مقلّدة للحياة الغربيّة أو للحياة الأوروبيّة، سَرَتْ إلينا فوصلتْ عاداتهم إلينا، وقد وقعنا نحن في الغفلة أيضاً لبرهة من الزمن، فلم نفعل ما كان ينبغي علينا فعله. في الوقت الذي تعاني فيه اليوم بعض هذه الدول الغربيّة نفسها من الأضرار الناجمة عن الحدّ من الإنجاب، وتندم على ذلك، وفي بعض الدول الغربيّة لا وجود مطلقاً لنقصان الأولاد، أي هناك عائلات كثيرة الأفراد، العائلات 
 
 
 
 
 
 
 
582

495

بيان الإمام الخامنئي دام ظلّه إلى العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـ "التغيير السكاني ودوره في تحوّلات المجتمع المختلفة"

 الأميركيّة مثلاً التي تحوي عشرة أفراد أو اثنا عشر فرداً، كيف يمكن للعائلة الإيرانية التي تريد أن تحذو حذوهم أن تكتفي بولد واحد أو ولدين! وهذا ما هو موجود الآن، وتصلنا تقارير وأخبار عن هذا الواقع.


أسأل الله سبحانه لكم النجاح والتوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
583

496

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين


المناسبـة: اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي
الحــضـور: آلاف الطلبة الجامعيين 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
12/08/1392 هـ.ش.
28/12/1434 هـ.ق.
03/11/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
585

497

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

تذكّرنا أنفاسُكم الدافئة أيّها الشّباب الأعزّاء في هذه الحسينيّة اليوم بتلك الملحمة، والحماس نفسه الذي كان طوال الأعوام المتمادية منذ بداية الثورة الإسلاميّ وإلى الوقت الحاضر، دعامةً وضمانةً للمسيرة الثورية لشعب إيران. إنّ وجود الشّباب ذوي الدوافع الواضحة والراسخة والمرتكزة على المنطق، وذوي القلوب الطاهرة والنوايا الخالصة الصافية، لهو نعمة إلهية كبرى لهذا البلد ولنظام الجمهوريّة الإسلاميّ.

ذكرى أحداث 13 آبان
إنّ اجتماعنا اليوم هو بمناسبة ذكرى حادثة أو أحداث 13 آبان (4 تشرين الثاني) التي وقعت في البلاد على مدى أعوام، منذ ما قبل الثورة وإلى ما بعد انتصارها. ثلاث حوادث: حادثة نفي الإمام الخميني في العام 1964م، حادثة المذبحة الوحشية ضد تلامذة المدارس في طهران في العام 1978م، وحادثة التحرُّك الشجاع للطلبة الجامعيين باقتحامهم وكر التجسُّس في العام 1979م. وكلّ واحدة من هذه الأحداث مرتبطة بنحو ما بحكومة الولايات المتّحدة الأميركيّة.

في سنة 1964م نفي الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه بسبب اعتراضه على معاهدة "الحصانة القضائية"، التي تصون أمن رجال الأمن الأميركيّين في إيران، وتمنحهم حصانة قضائية، وهكذا كانت تلك القضيّة ذات صلة بأميركا.

وفي العام 1978م، قام النظام التابع لأميركا بمذبحة ضد طلبة المدارس في
 
 
 
 
 
 
 
587

498

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 شوارع طهران، وصبغ اسفلت شوارع طهران بدماء شبابنا وفتياننا دفاعاً عن النظام العميل لأميركا، وهذا الحدث أيضاً له صلة بأميركا. وفي العام 1979م كانت هناك ضربة مقابلة، أي إنَّ الشّباب الشجعان المتديّنين من الطلبة الجامعيّين الإيرانيّين هاجموا السفارة الأميركيّة، وكشفوا حقيقة هذه السفارة وهويّتها، فهي كانت عبارة عن وكرٍ للتجسّس، وعرضوا هذه الحقيقة على العالم. في ذلك اليوم أطلق الشّباب الإيرانيّون على السفارة الأميركيّة اسم "وكر التجسّس"، واليوم بعد مضي ثلاثين ونيّف من الأعوام على ذلك العهد صار اسم السفارات الأميركيّة في أقرب البلدان إلى أميركا أعني البلدان الأوروبيّة "وكر التجسّس". أي إنّ الشّباب الإيرانيّين كانوا متقدّمين على مفكرة التاريخ العالمي ثلاثين سنة. وهذه الحادثة أيضاً لها صلتها بأميركا. ثلاث أحداث كلّ واحدة لها صلتها بشكلّ من الأشكال بحكومة الولايات المتّحدة الأميركيّة وعلاقاتها بإيران، لذا أطلق على يوم (13 آبان) 4 تشرين الثاني، اسم "يوم مناهضة الاستكبار"


مناهضة الاستكبار
ما معنى الاستكبار؟ الاستكبار تعبير قرآني، وردت كلمة الاستكبار في القرآن الكريم، الشخص المستكبر، والحكومة المستكبرة، والجماعة المستكبرة، هي الجماعة أو الحكومة التي تتقصّد التدخّل في شؤون البشر، والشعوب الأخرى، تتدخل في كلّ شؤونهم وأمورهم من أجل حفظ مصالحها، ترى نفسها حرّة لها حقّ فرض ما تريد فرضه على الشعوب، تقرّر لنفسها حقّ التدخّل في شؤون البلدان، ولا تتحمّل مسؤوليّة ذلك أمام أيّ أحد. هذا هو معنى الاستكبار. النقطة المقابلة لهذه الجبهة الظالمة الجائرة هي الجماعة التي تناهض الاستكبار. فما معنى مناهضة الاستكبار؟ إنّها تعني بالدرجة الأولى عدم الرضوخ لهذا التعسّف والجور. ليس معنى مناهضة الاستكبار شيئاً معقدًّا ملتويًا. مقارعة الاستكبار تعني أنّ شعباً لا يخضع لتدّخلات القوى المستكبرة، ولا الشخص المستكبر، ولا 
 
 
 
 
 
 
 
588

499

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 الحكومة المستكبرة، ولما تريد أن تفرضه عليه. هذا هو معنى مقارعة الاستكبار. وسوف يكون لي إن شاء الله في المستقبل فرصة، أتحدّث فيها لكم بالتفصيل أيّها الشّباب والطلبة الجامعيين، وطلبة المدارس، حول الاستكبار ومناهضة الاستكبار، ولا مجال لهذا الحديث المفصّل الآن. لكن هذا معنى الاستكبار ومناهضة الاستكبار على الإجمال.


الشّعب الإيرانيّ قارع الاستكبار
يعتبر الشّعب الإيرانيّ نفسَه مقارعاً للاستكبار، لأنّه لم يرضخ لما تريد الحكومة الأميركيّة فرضَه عليه. الحكومة الأميركيّة حكومة مستكبرة، ترى لنفسها حقّ التدخل في شؤون البلدان وإشعال الحروب. وترون اليوم، أنّ هذه الحالة قد تجاوزت حدود بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينيّة، ووصلت إلى أوروبا، فراحوا يتدخَّلون في أمور الأوروبيّين أيضاً. وقف شعب إيران، مقابل هذا الاستكبار الذي كانت تمارسه حكومة الولايات المتّحدة الأميركيّة، و(مقابل) تدخّلاتها، وتعسّفها، وهيمنتها على بلدنا العزيز طوال أعوام متمادية. كانت الحكومة الطاغوتيّة الملكيّة حكومة تابعة ومرتهنة لأميركا، ومن دون أن يكون لها دعائم وسند داخلي، بل كانت بالاعتماد على أميركا تفعل في إيران كلّ ما يريدون، فكانت تظلم الناس، وتغتصب حقوقهم، وتمارس التمييز بينهم، وتمنع البلد من النموّ والرقيّ والتنمية التي تعدّ حقّه الطبيعي والتاريخي، وكلّ ذلك من أجل تأمين مصالح أميركا في إيران. وقف الشّعب الإيرانيّ وفجّر الثورة، ومن ثمّ اجتث جذور المستكبرين في البلاد، ولم يكن كبعض البلدان الأخرى التي جابهت أميركا، لكنها تركت الأمر غير مكتمل، وتلقّت الضربات نتيجة ذلك.

لقد شاهدتُ في أحد البلدان - ولن أذكر الاسم - وهو بلد قارع بريطانيا وكافح ضدها، وأنهى بكفاحه سنين من ظلم البريطانيين وجورهم ضدّه، وحصل على استقلاله، شاهدتُ أنهم نصبوا في أحد مراكزهم الترفيهية المهمّة تمثالاً لقائد
 
 
 
 
 
 
589

500

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 بريطاني! فقلنا (لهم) مستنكرين: ما هذا؟! وقد أطلقوا على اسم المركز الترفيهي اسم ذلك المستعمر المستكبر، الذي ارتكب هناك آلاف الجرائم! وطبعاً لم يجنوا شيئاً من هذه المداراة والمماشاة، أي إنّ الضغوط على ذلك البلد استمرَّت، ولا تزال مستمرَّة. فالتماشي مع المستكبر وممالأته لا تحقّق أيّة مكاسب ومنافع لأيّ بلد من البلدان. اشتبكت الجمهوريّة الإسلاميّ الإيرانيّة والثورة العظيمة لهذا الشعب مع الاستكبار العالمي ولم تترك الأمر ناقصاً غير تامّ، لأنّ الشعب شعر بضربات وسياط أميركا طوال الأعوام المتمادية على جلده ولحمه، وكان يعلم من هم هؤلاء وما هم.


امتعاض كل من يثق بالحكومة الأميركيّة
أدّى هذا المنحى الاستكباري، الذي انتهجه الأميركان والذي استمرّوا عليه منذ عشرات الأعوام وإلى اليوم، إلى بروز شعور من الامتعاض وعدم الثقة لدى الشعوب تجاه الحكومة الأميركيّة. وهذا الأمر لا يختصّ ببلادنا. أيّ بلد اعتمد على أميركا ووثق بها تلقّى الضربات وخسر، حتّى الذين كانوا أصدقاء لأميركا. وفي بلادنا وثق الدكتور مصدق بالأمريكيّين واعتمد عليهم واستعان بهم ليستطيع إنقاذ نفسه من ضغوط البريطانيّين، وبدل أن يساعدَ الأميركيّون الدكتور مصدق - الذي أحسن الظن بهم - تحالفوا مع البريطانيين وأرسلوا مبعوثهم إلى هنا فدبّر انقلاب الثامن والعشرين من مرداد. وثق مصدّق بهم وتلقّى ضربات نتيجة ذلك. حتّى الذين كانت لهم علاقات جيدة بأميركا ووثقوا بها تلقّوا الضربات منها. وقد كانت العلاقات بين النظام الطاغوتي السابق في إيران وأميركا صميمية جدًّا، لكنّ جشع الأميركيّين جعل الكيل يطفح بهم، ففرضوا عليه مثلاً هذه الحصانة القضائيّة التي تحدَّثنا عنها - الحصانة القضائيّة للأمنيّين الأمريكيّين - ولم يكن لهم (لنظام الشاه) من سند ودعامة سوى الأمريكيّين، فاضطروا للقبول.
 
 
 
 
 
 
 
590

501

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 الحصانة القضائيّة 

معنى الحصانة القضائيّة أنّه إذا صفع عريف أمريكي وجه ضابط إيراني كبير، لن يكون من حقّ أحد ملاحقته. وإذا اعتدى رجل أمن (مأمور) أمريكي صغير في طهران على رجل إيراني شريف أو امرأة إيرانيّة شريفة، فلن يكون من حقّ أحد أن يلاحقه. يقول الأميركيّون للإيرانيّين ليس من حقّكم ملاحقته ومحاسبته، ونحن نتدبّر الأمر بأنفسنا. لا يمكن أن تصل ذلّة شعب من الشعوب إلى أسوء من هذا. فرضوا هذا الشيء، وقد كانوا أصدقاءهم فلم يرحموا حتّى أصدقاءهم. لقد طردوا محمّد رضا بهلوي هذا نفسه بعد أن هرب من إيران ووفد لمدّة قصيرة على أميركا، طردوه من هناك ولم يبقوه. أي إنّهم لم يفوا له حتّى بهذا المقدار. هم هكذا.

بغض الشعوب لأميركا
لا تثق الشعوب وحتّى الحكومات بأميركا بسبب هذا السلوك والمنحى المشهود في سياسات الأميركيّين. كلّ من وثق بأميركا نال جزاءه وتلقّى الضربات عن ثقته (جزاءً لثقته!). لذلك يمكن القول حالياً إنّ أميركا هي المكروهة والمبغوضة لدى الشعوب أكثر من أيّة قوّة أخرى في العالم. لو تمّ إجراء استبيان عادل ونزيه لشعوب العالم، فلا أظنّ أنّ الدرجة السلبيّة لأيّة حكومة يمكنها أن تضاهي الدرجة السلبيّة للحكومة الأميركيّة. هكذا هو وضعهم في العالم اليوم. تسمعون الكلام الذي يقوله الأوروبيّون اليوم ضدّ الأميركان. إذن، قضية مناهضة الاستكبار، واليوم الوطني لمناهضة الاستكبار، قضية أساسيّة نابعة من تحليل صحيح وكلام صائب. وأنتم أيّها الشّباب الأعزّاء وملايين الشّباب من أمثالكم في كلّ أنحاء البلاد، يجب أن يكون لكم تحليلكم الصحيح لهذه القضايا والأمور. لم يكن الشّباب في مطلع الثورة بحاجة لتحليلات ولم يكونوا يريدون تحليلات، فقد كان كلّ شيء واضحاً بالنسبة لهم، لأنّهم كانوا قد شاهدوا كلّ شيء، واطّلعوا عن كثب على تواجد الأمريكيّين وقسوتهم، وعلى السافاك الذي تدرّب على يد الأمريكيّين. أمّا أنتم اليوم فيجب
 
 
 
 
 
 
 
 
591

502

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 أن تفكّروا وتحلّلوا وتدقّقوا، ولا يكون الأمر مجرّد حديث على الألسن، بل ينبغي أن يتبيّن: لماذا يواجه الشّعب الإيرانيّ الاستكبارَ؟ ولماذا يعارض توجّهات الولايات المتّحدة الأميركيّة؟ ومن أين ينبع هذا الامتعاض والانزعاج؟ هذا ما يجب أن يدركه ويفهمه الشّباب اليوم بصورة صحيحة وتحقيقيّة.


المفاوض الإيراني ليس استسلامي
حسن، لأذكر جملة من النقاط حول قضايانا الجارية مع أميركا، والتي يكثر البحث والكلام حولها هذه الأيّام، وتمثّل أسئلة في الأذهان. أوّلاً لألفت الأنظار إلى نقطة مهمّة وضروريّة: إنّ مجموعة المفاوضين الإيرانييّن مع مجموعة الدول التي تضمّ أميركا، وهي ستّ دول تسمّى اصطلاحاً (5+1)، لا ينبغي لأحد أن يعتبرهم استسلاميّين، هذا خطأ. هؤلاء مبعوثو حكومة الجمهوريّة الإسلاميّ الإيرانيّة، وهم من إخوتنا وأبنائنا ومن أبناء الثورة، ويقومون بمهمّة معيّنة. وإنّ مهمّتهم الملقاة على عواتقهم صعبة، وهم يجدّون ويسعون بالغ السعي للنهوض بالعمل الملقى على عواتقهم، إذن، يجب عدم إضعاف وإهانة المبعوث(المفاوض)، الذي يعكف على عمله والمسؤول عن عمليّة معيّنة، أو وصفه ببعض التعابير التي قد تُسمع أحياناً، من قبيل أنّهم استسلاميّون وما إلى ذلك، لا، ليس الأمر كذلك. وتنبّهوا أيضاً إلى أنّ هذه المفاوضات التي تجري حالياً مع البلدان الستّة - ومن ضمنها أميركا - تختصّ بالقضايا النوويّة ليس إلّا. وقد قلت في كلمتي في مدينة مشهد المقدسة بداية هذا العام: إنّه لا إشكال في المفاوضات حول موضوعات خاصّة، لكنّني قلت: إنّني لا أثق ولست متفائلاً بالمفاوضات، ولكن إذا كانوا يريدون التفاوض فليتفاوضوا، ونحن لن يصيبنا ضرر من هذا بإذن الله.

تعليق التخصيب أو التراجع ليس الحل
إنّها تجربة في متناول أيدي الشّعب الإيرانيّ - وسوف أتطرّق لهذا الموضوع 
 
 
 
 
 
 
 
592

503

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 باختصار - وسوف ترفع هذه التجربة الإمكانيّات الفكريّة لشعبنا. مثلاً تجربة عامي 2002 و2003 بخصوص تعليق التخصيب، حيث وافقت الجمهوريّة الإسلاميّ في ذلك الحين على تعليق التخصيب لمدّة معيّنة في مفاوضاتها مع الأوروبيّين. وقد تأخّرنا بسبب ذلك لمدّة سنتين، لكن الأمر انتهى لصالحنا. لماذا؟ لأنّنا أدركنا أنّه بتعليق التخصيب لا يمكن عقد الآمال مطلقاً على طرف الشركاء الغربيّين. لو لم نكن قد قبلنا في ذلك الحين بهذا التعليق الطوعي - وطبعاً كان مفروضاً بنحو من الأنحاء، لكنّنا وافقنا عليه، ووافق عليه المسؤولون - فلربّما كان سيقول البعض: لو كنتم قد تراجعتم بمقدار قليل، لتمّ علاج كلّ المشكلات ولصار الملفّ النووي الإيراني ملفّاً عاديّاً. كان لنا في تعليق التخصيب في ذلك الحين فائدة إثبات: أنّه بالتراجع، وتعليق التخصيب، وتأخير العمل، وتعطيل بعض المشاريع - لا يمكن معالجة المشكلة، فالطرف الآخر يسعى وراء أشياء وأمور أخرى. هذا ما أدركناه، لذلك عاودنا بعد ذلك عمليّات التخصيب. ووضع الجمهوريّة الإسلاميّ اليوم يختلف عن سنة 2003 من الأرض إلى السماء. كنّا نتفاوض في ذلك الحين على جهازين أو ثلاثة أجهزة للطرد المركزي، واليوم تعمل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي. عقد شباب إيران، وعلماؤها، وباحثوها، ومسؤولوها، الهمم وتقدّموا بالأمور والأعمال إلى الأمام. وعليه، فلن نتضرّر أو نخسر شيئاً من المفاوضات الجارية في الوقت الحاضر. وبالطبع فإنّني، كما سبق أن ذكرت، لستُ متفائلاً، ولا أظنّ أنّ هذه المفاوضات ستثمر النتائج التي يتوقّعها شعب إيران، لكنّها تجربة وستزيد من تجربة الشّعب الإيرانيّ وتعزّزه. لا إشكال فيها، ولكن من الضروري أن يكون الشعب يقظاً واعياً. إنّنا ندعم بكلّ قوّة وإصرار مسؤولينا الذين يعملون وينشطون في الجبهة الدبلوماسيّة، لكن على الشعب أن يكون واعياً يقظاً، ويعلم ما الذي يحدث، كي لا يتمكّن بعض الإعلاميّين الذين يقبضون رواتبهم من العدوّ، وبعض الإعلاميّين الذين لا يقبضون أجورهم من العدوّ، لكنّهم سذّج وبسطاء من أن يضللوا الرأي العام.

 

 

 

 

593


504

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 وإن من خدعهم وأكاذيبهم أن يوحوا للرأي العامّ ويلقّنوه أنّنا إذا استسلمنا في الملفّ النووي للطرف المقابل، فسوف تحلّ كلّ المشكلات الاقتصاديّة والمعيشيّة و... إلخ. هذا ما يروّجون له في إعلامهم. طبعاً يرسم الإعلاميّون الأجانب لهؤلاء1 الخطوط والاتجاهات بأساليب إعلاميّة جدّ ماهرة. وفي الداخل يعمل بعضهم من منطلق السذاجة وبدون نوايا سيّئة، ويعمل بعض آخر بدافع أغراض معيّنة على التبليغ والترويج أنّنا لو تراجعنا في هذه القضيّة واستسلمنا مقابل الطرف الآخر، فسوف تعالج كلّ المشكلات الاقتصاديّة وغير الاقتصاديّة. هذا خطأ. لماذا هو خطأ؟ هناك عدّة أسباب لذلك. نرغب في أن تفكّروا أيّها الشّباب الأعزّاء في هذه القضايا والمسائل، سواء أنتم الحاضرون في هذا الاجتماع، أو الشريحة الشّبابيّة الواعية المثقَّفة، والشّباب الإيراني المتحفّز، والطلبة الجامعيّون، وتلامذة المدارس في كلّ أنحاء البلاد، وقد قلت ذات مرّةً إنّكم ضبّاط الحرب الناعمة. 

 
النووي ليس سبب عداء أميركا بل ذريعة
من هذه القضايا: أنّ عداء أميركا للشعب الإيراني وللجمهوريّة الإسلاميّ الإيرانيّة، لا يدور أساساً حول محور الملفّ النووي، من الخطأ أن نتصوّر أنّ معركة أميركا ضدّنا هي بسبب الملفّ النووي، لا، الملفّ النووي مجرّد ذريعة. قبل أن تطرح القضيّة النوويّة، كانت هذه العداوات وهذه المعارضات والخلافات موجودة منذ بداية الثورة. وإذا ما عولجت القضيّة النوويّة في يوم من الأيّام - لنفترض أن الجمهوريّة الإسلاميّ تراجعت ونفذت ما يريدونه - فلا تظنّوا بأنّ القضيّة كلّها سوف تعالج وتنتهي، لا، سوف يطرحون تدريجيًّا عشرات الذرائع الأخرى: لماذا تمتلكون صواريخ؟ لماذا تمتلكون طائرات من دون طيّار؟ لماذا علاقاتكم سيّئة مع الكيان الصهيوني؟ لماذا لا تعترفون بالكيان الصهيوني؟ لماذا تدعمون المقاومة في المنطقة التي يسمّونها هم منطقة الشرق الأوسط؟ ولماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟



1 المقصود حسب السياق: الإعلاميون في الداخل ذوو الأغراض أو السذّج.
 
 
 
 
 
 
 
 
594

505

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 ليست القضيّة أنّهم على خلاف مع الجمهوريّة الإسلاميّ بشأن الملفّ النووي، لا، بدأ الحظر الأمريكي على إيران منذ بداية الثورة، وازداد يوماً بعد يوم، ووصل في الوقت الراهن إلى اقصى درجاته. ومارسوا صنوفاً أخرى من العداء، لقد أسقطوا طائرة الجمهوريّة الإسلاميّ وقتلوا 290 إنساناً مسافراً. في بدايات الثورة، وحينما كان الشعب لا يزال يعيش حالات هياج الثورة دبّروا انقلاب مقرّ الشهيد نوجه1 ضد الثورة الإسلاميّ. ودعموا أعداء الثورة في أيّة منطقة وُجدوا داخل البلاد، وأمدّوهم بالسلاح وغير ذلك. وهو العمل نفسه الذي قاموا به بعد ذلك في بلدان أخرى. لقد فعلوا هذه الأفعال هنا.

 
أميركا تريد إخضاع الشعوب
ليست القضيّة قضية الملفّ النووي. هذا ما ينبغي للجميع أن يفطن إليه. ليس الأمر أنّ نظنّ بأنّ عداء أميركا للجمهوريّة الإسلاميّ الإيرانيّة بسبب الملفّ النووي، لا، القضيّة قضيّة أخرى. القضيّة هي أنّ الشّعب الإيرانيّ قال:لا للمطالب الأميركيّة، وقال إن أميركا لا تستطيع ارتكاب أيّ حماقة2. إنّهم يعارضون وجود الجمهوريّة الإسلاميّ، ويعارضون نفوذها واقتدارها. في الآونة الأخيرة قال أحد السياسيّين والشخصيّات الفكريّة الأميركيّة - وقد أذيع قوله وليس الأمر أمراً خفيًّا سرياً - قال: إنّ إيران خطرة سواء أكانت ذرّية أو غير ذرّية3. قال هذا الشخص بصراحة: إنّ نفوذ إيران واقتدارها - وعلى حد تعبيرهم التفوّق الإيراني - في المنطقة أمر خطير. إيران التي تحظى حالياً بالمكانة والاحترام والاقتدار. إنّهم



1 محاولة انقلاب فاشلة حدثت عام 1980, حيث أعدَّت جماعة شاهبور بختيار (بعض قادة الجيش السابقين) خطة تقضي بالاستيلاء بداية على مقرّ "شهيد نوجه" وهو مطار عسكري قريب من همدان ويكون نقطة الانطلاق (مركز عمليات) إلى بقية المراكز والمقرات الحساسة في طهران من خلال قصفها بالطيران، وكانت الأهداف المحددة لهذا الانقلاب: قصف مطار مهرآباد، مقر الإذاعة والتلفزيون، بيت الإمام، مقرات القوات البرية للجيش، محطة جمشيدية وسجن آوين والعديد من المقرات الأخرى. وكان الهدف الأول قصف بيت الإمام ثم الاستيلاء على هذه المقرات... لكن تم كشف الخطة بواسطة اثنين من الأعضاء المشاركين فيها وقامت قوات المكافحة المشكلة من الجيش والحرس والقوى الشعبية بإفشال هذه الخطة.
2  ارتفاع هتافات مدوّية: الموت لأمريكا.
3  هتافات مدوية: الموت لأمريكا.
 
 
 
 
 
 
 
595

506

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 يعادون ويعارضون هذا الأمر. سوف يُسَرّون يوم تكون إيران شعباً ضعيفاً، ومروّضاً، وراضخاً، ومعزولاً، وبدون اعتبار ولا احترام. القضيّة ليست قضيّة الملفّ النووي. هذه نقطة.


الاعتماد على القدرات الداخليّة للشعب 
النقطة الأخرى هي: إنّنا يجب أنْ نركّز كلّ جهودنا في الشأن الاقتصادي على الأمور الداخليّة. التقدّم والحلّ الذي يحظى بالقيمة والأهميّة هو الذي يعتمد على القدرات الداخليّة للشعب. إذا كان الشعب معتمداً على قدراته ومواهبه، فلن يعتريه الاضطراب لغضب هذا البلد أو حظر ذاك البلد. هذا ما يجب أن نركّز عليه ونعالجه. كلّ كلامنا مع المسؤولين - سواء المسؤولون في الماضي، أو المسؤولون في الوقت الحاضر - هو أنّه ينبغي أن تتركّز النظرة إلى الداخل من أجل حل قضايا البلاد ومشاكها، بما في ذلك المشاكلّ الاقتصاديّة. لدينا في داخل البلاد الكثير من الإمكانيّات والطاقات، ويجب الاستفادة من إمكانيّات هذا الشعب التي تتمثل في طاقاته البشريّة، ومصادره الطبيعيّة، والجغرافيّة، وموقعه الإقليمي. وطبعاً نحن ندعم التحرّك الدبلوماسي. حين نقول: إنّ الأمور يجب أن تعالج وتصلح من الداخل، فهذا لا يعني أن نغلق أعيننا ولا يكون لنا تحرّكنا الدبلوماسي ولا نتعامل مع العالم، بلى، التحرّك الدبلوماسي والحضور الدبلوماسيّ عمليّة جدّ ضروريّة - والمسؤولون الذي يقومون بهذه الأعمال هم جزء من العمل والأمر، بيد أنّ الاعتماد والتركيز يجب أن ينصب على الشؤون الداخليّة. البلد الناجح على الصعيد الدبلوماسي هو الذي يعتمد على طاقاته الذاتيّة، والحكومة التي تستطيع تثمير كلامها خلف طاولة المفاوضات الدبلوماسيّة، وتصل إلى النتائج المرجوّة - هي تلك التي تعتمد على اقتدار داخلي وإمكانيّات ذاتيّة، فالأطراف الأخرى تحسب لمثل هذه الحكومة حسابها. 
 
 
 
 
 
 
 
 
596

507

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 عدم الإصابة باليأس

النقطة المهمّة التي يجب أن تحظى هنا بالتدقيق، هي أنّنا في مواجهتنا لأعدائنا طوال هذه الأعوام، لم نُصب باليأس في أيّ وقت من الأوقات، وسوف لن نصاب باليأس بعد الآن أيضاً.1 في العقد الأوّل من الثورة لم تكن تتوفّر لدينا غالبية الأدوات والوسائل الماديّة، إذ لم يكن عندنا المال ولم يكن عندنا السلاح، ولا التجربة، ولا التنظيم، ولم يكن لدينا قوّات مسلحة كفؤة، ولا معدّات حربيّة، وكان عدوّنا - سواء عدوّنا الذي يقاتلنا في ساحة الحرب، أي النظام البعثي الصدامي، أو العدوّ الذي كان يقف وراءه أي: أميركا، والناتو، والاتحاد السوفيتي يومذاك - كان في ذروة قوّته وقدرته. كانت أميركا هذه نفسها يومذاك في عهد ريغان من الدول القويّة القديرة في الميادين السياسيّة والعسكريّة في العالم، وكنّا نحن نعيش العوز والفقر والضيق، لكنّهم لم يستطيعوا فعل شيء لنا.
 
ولقد تغيّر الوضع اليوم، فالجمهوريّة الإسلاميّ في الوقت الراهن لديّها السلاح، والمال، والعلم، والتقنية، والقدرة على الصناعة، وتتمتّع كذلك بالاعتبار الدولي، وتمتلك الملايين من الشّباب المستعدّين للعمل، وملايين المواهب. هكذا هو وضعنا اليوم. لا يمكن مقارنة وضعنا الآن إطلاقاً بما كنّا عليه قبل ثلاثين سنة. لكن في الجبهة المقابلة، فالوضع على العكس تماماً. كان الأميركيّون في ذلك الحين في ذروة قوّتهم، وهم ليسوا كذلك اليوم. واحد من رجال الحكم الأميركان الحاليّين وهو شخصيّة معروفة، قال قبل فترة عبارة - وهذا قوله هو وليس قولنا نحن - لقد وصل الحال بأميركا اليوم إلى حيث لا يحترمها أصدقاؤها ولا يخافها أعداؤها.
 
سقوط أميركا
لقد عانوا في الفترة الأخيرة من مشكلات سياسيّة، ولاحظتم الخلافات بين رجال السياسة في أميركا بخصوص القضايا المتعلّقة بميزانية حكومتهم، ما أدّى



1 هتافات مدوّية: الله اكبر، أيّها القائد الحرّ، نحن حاضرون ومستعدّون.
 
 
 
 
 
 
 
597

508

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 إلى تعطيل الحكومة الأميركيّة لمدّة ستة عشر أو سبعة عشر يوماً. ذهب ثمانمائة ألف موظّف في إجازة إجباريّة. هذا ضعف وعجز. يعانون اليوم من أكبر المشكلات على الصعيد الاقتصادي والمالي. ومشاكلنا تساوي "صفراً" مقارنة مع مشاكلهم.


في العام 2001 أو 2002 م - أي قبل عشرة أعوام أو أحد عشر عاماً - قدّر المسؤولون الماليّون الأميركيّون وقالوا إنّنا في سنة 2011 أو 2012 سيكون لدينا فائض في الإيرادات بمقدار 14000 مليار دولار، اصغوا جيِّداً، في العام 2001 كان تقديرهم لعام 2011 و2012، هو إنّهم قالوا: سيكون لنا في ذلك العام 14000 مليار دولار إضافية من الإيرادات. والآن نحن في العام 2013 ولديهم نقص بمقدار 17000 مليار دولار، فلم يحصل لديهم إضافة وفائض في الإيرادات أبداً. معنى ذلك أنّهم أخطأوا في حساباتهم بمقدار 30000 مليار دولار! هذا هو وضعهم الاقتصادي ووضع حساباتهم. مثل هذا الوضع يوجد اليوم في الجبهة المقابلة لنا. والاختلافات كثيرة كما تلاحظون. ثمّة مصالح مشتركة موجودة تربط فيما بينهم - بين الأوروبيّين والأميركيّين - وإلّا هم على علاقات سيّئة فيما بينهم في أعماقهم. الشعب الفرنسي يكره الأمريكيّين ويمتعض منهم. وفي قضايا متعدّدة من قبيل القضيّة السوريّا، حيث أراد الأميركيّون الهجوم فلم يستطيعوا إشراك أقرب الدول إليهم في هذا الأمر، أعني بريطانيا، التي قالت إنّنا لن نشارك في الهجوم. هذا في حين عندما هجموا على العراق تعاونت معهم نحو أربعين دولة، وحين هاجموا أفغانستان تعاونت معهم أكثر من ثلاثين دولة.

هكذا هو وضع الأمريكيّين الآن، لكن وضعنا جيّد جدًّا. لقد تقدّمنا، وزاد اقتدارنا، وزاد وعي شعبنا. وهم طبعاً يمارسون ضغوطهم. يجب أن نصبر على هذه الضغوط ونتحمّلها، ونتجاوزها بالاعتماد على قدراتنا الذاتيّة. هذا طريق عقلائي يجب أن نسير فيه. طبعاً قلنا ونكرّر: نحن نؤيّد الجهود التي تبذلها الحكومة المحترمة والمسؤولون في البلاد، فهي عمليّة وتجربة من الممكن أن تكون مفيدة. إنّهم يقومون بهذه العمليّة فإذا آتت نتائجها فنعمّا هي، وإذا لم يحصلوا على النتيجة المطلوبة،
 
 
 
 
 
 
 
598

509

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 فليكن معنى ذلك أنهم يجب أن يعتمدوا على أنفسهم من أجل حلّ مشاكلّ البلاد. ونكرّر مرة أخرى توصيتنا السابقة: لا تثقوا بالعدوّ الذي يبتسم لكم. هذا ما نوصي به مسؤولينا وأبنائنا، الذين يعملون في السلك الدبلوماسي، فهم أنباؤنا وشبابنا. توصيتنا لهم: احذروا من أن توقعكم الابتسامات المخادعة في الخطأ. وتحقَّقوا من دقائق ما يقوم به العدو.


يعيش الأميركيّون اليوم أشد حالات المجاملة والإحراج مع الكيان الصهيوني المنحطّ، ويتحرّجون أشدّ الحرج من الأوساط الصهيونيّة، فيدارونهم ويحاولون إرضاءهم، ونحن نرى هذا الوضع. فقبضة العتاة الماليّين والشركات الصهيونيّة تضغط على الحكومة الأميركيّة والكونغرس والمسؤولين الأمريكيّين، بشكلّ يجبرهم على مراعاة الصهاينة، لكنّنا نحن غير مجبرين على مراعاتهم. لقد قلنا منذ اليوم الأوّل ونقولها اليوم أيضاً وسنقولها في المستقبل أيضاً: إنّنا نعتبر الكيان الصهيوني كياناً غير شرعي ولقيط. نظام تكوّن بفعل المؤامرات، ويُحفظ اليوم بفعل المؤامرات والسياسات التآمريّة. هم يراعونهم. أما لماذا يراعونهم؟ فهذا بحث آخر. المال والقوّة ورؤوس الأموال الصهيونيّة تفعل فعلها، وتفرض نفسها بالتالي على هؤلاء المساكين، فيضطرون لمراعاة الصهاينة. والأمر لا يختصّ فقط بالأميركان، فالكثير من الساسة الغربيّين الآخرين هم أيضاً مساكين يعانون من نفس المشكلة، لذا، على مسؤولينا أن يدققوا ويلاحظوا الكلام، فالطرف المقابل يبتسم، ويبدي الودّ والرغبة في التفاوض، لكنّه من ناحية أخرى، وبدون تأخير، يقول: كلّ الخيارات على الطاولة! حسنٌ، ثمّ ماذا؟ أية خطوة أو سخافة يمكن أن يرتكبونها ضد الجمهوريّة الإسلاميّ؟ إذا كانوا جادّين في العمليّة فيجب عليهم ضبط أنفسهم، وإسكات الذين يفتحون أفواههم بمثل هذا الكلام الفارغ. يقول أحد السياسيّين الأميركيّين الأثرياء شيئاً سخيفاً هو: إنّنا يجب أن نقصف الصحراء الإيرانيّة الفلانيّة بقنبلة ذرية ونهدّدهم وكيت وكيت. يجب أن يصفعوا مثل هذا الشخص ويحطّموا فمه. فالحكومة التي تتوّهّم أنّها مسؤولة حيال قضايا العالم، 
 
 
 
 
 
 
599

510

في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

 وتعتبر نفسها مسؤولة عن التصدّي للملفّ النووي للبلد الفلاني والبلد الفلاني، سيكون من السخافة أن تهدِّد بلداً في مثل هذا الوضع، وفي مثل هذا الزمن تهديداً نوويًّا. يجب أن يمنعوا مثل هذا الهَذْر.


على كلّ حال، شعبنا والحمد لله شعب واع يقظ، والمسؤولون هم من هذا الشعب، وهم أيضاً واعون يقظون دقيقون. أيّ عمل يكون في مصلحة البلاد ويقوم به المسؤولون، نحن ندعمه ونساعدهم وندعو لهم، ولكن نوصي كلّ أبناء الشعب، ونوصي المسؤولين أيضاً، ونوصيكم خصوصاً أيّها الشّباب الأعزّاء بأن تفتحوا أعينكم وآذانكم. أيّ شعب من الشعوب يمكنه بفضل الوعي واليقظة وعدم الغفلة أن يحقّق أهدافه السامية.

ونتمنّى أن تكون أدعية سيّدنا بقيّة الله الإمام المهديّ المنتظر (أرواحنا فداه) دعامة وسنداً لكم إن شاء الله، وأن تدعو لكم روح الإمام الخميني الطاهرة، وتدعو لكم أرواح الشهداء الطيّبة إن شاء الله. وستستلمون أيّها الشّباب - بإذن الله - البلاد بروحيّتكم البهيجة المتوثّبة، وسترفعون البلاد بإبداعاتكم، حين يحين دوركم، إلى القمم إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
 
600

511

في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان اسلام"

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان اسلام"


المناسبـة: أيام عاشوراء
الحــضـور: أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان إسلام"
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
20/08/1392 هـ.ش.
07/01/1435 هـ.ق.
11/11/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
601

512

في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان اسلام"

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
هيئة "إحياء عاشوراء"
إنّ هيئة "رزمندكان"1 ظاهرة مباركة، نفس أن يقوم مقاتلونا بتشكيلِ هيئة عزاء، يكون المحور والثقل فيها: العزاء الحسينيّ.- البقيّة كما ذكرتم - هذه أمور لا بدّ منها وجيّدة، وأمّا النقطة الأساس، فهي إحياء عاشوراء، والمحافظة على إحيائها والتعمّق في هذه الحادثة. هذا أمرٌ مبارك ومهمّ. 
 
وهنا مسألةٌ مهمّة، ومفادها أنّ أصل الانتساب إلى هيئة رزمندكان له معنى مهمّ، رزمندكان - المحاربون يعني الذين جاهدوا في مواجهة العدوّ، والمجاهدة أعمّ من المقاتَلة بمعنى الحرب العسكريّة، فالمجاهدة مجموعة من أنواع المواجهة العسكريّة والفكريّة والاجتماعيّة والروحيّة، وإنّ مجموع ذلك يُسمّى المجاهدة، والمجاهدة تشمل هذا كلّه. 
 
روحيّة المجاهدة
إنّ من هم أهلٌ للمجاهدة في سبيل الله تعالى - وإحدى خصائص المجاهدة ومعنى الجهاد أن يكون العدوّ في مقابل الإنسان، وليس كلّ سعيٍ جهادًا، فمن الممكن أن



1 "جند الإسلام", هيئات غير حكوميّة, تضمّ أعداداً كبيرة من قرّاء العزاء والمدّاحين, الذين يقومون بوظائفهم في خدمة عزاء ومدح أهل البيت عليهم السلام في المناسبات المختلفة, خاصّة في عاشوراء. العمل التطوّعي هو الأساس في الانتساب إلى هذه الهيئة دون المرور بالتراتبيّات الإداريّة,وساحة عملها واسعة جدًّا,.., وقد كانت نواة تشكّل هذه الهيئات بادئ الأمرفي الجبهة والمقرّات والمخيّمات العسكريّة, حيث كان يتطوّع الشّباب الآتون من المدن والقرى ضمن التعبئة العسكريّة خلال الحرب المفروضة على الجمهوريّة الإسلاميّ (1980-1988)- لقراءة العزاء والأشعار والمدائح, ومع الوقت واتّساع نطاق الجبهات والمقرّات، ازدادت أعدادهم ومستوى عطائهم, ومع انتهاء الحرب المفروضة، استمرّ عملهم ضمن هذه الهيئات نفسها, لكن في الخطوط الخلفيّة, في الحسينيّات والمساجد في أحياء المدن وفي القرى وكذلك في المراكز والثكنات والمقرّات العسكريّة والتطوعيّة والمخيمات والمواقع التدريبيّة والترفيهيّة..
 
 
 
 
 
 
 
603

513

في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان اسلام"

 يقوم بعمل علميّ ولا يكون جهادًا- يحملون هذه الخصيصة ولديهم هذه الروحيّة، وإنّ وجودهم مبارك في كلّ التجمّعات، وذلك لأنّ المجتمعات البشريّة لا تخلو من الأعداء، قليلًا كانوا أم كثرًا. وقد يكونون مثلنا، لهم كثير من الأعداء، وقد يكون عدوّهم قليل، ولكن لديهم عدوّ، فإذا كان لدى(تلك) المجتمعات، وفي داخلها، قوّة مواجهة تقف في وجه العدوّ - وهي هؤلاء المحاربون والمقاتلون والمجاهدون- فإنّها ستشعر بالأمان.


وأمّا إذا لم يكن لها ذلك، فمثلهم مثل الجسم الذي يفقد الكريّات البيض وهي الكريّات المختصّة بالمواجهة.

قد تعرض أنواع وأشكال من الأمراض على هذا المجتمع. ونفس أن تقوم جماعة، تعمل في مجال عاشوراء الحسين بن عليّ عليهما السلام، تُبقي عاشوراء بحرارتها حيّة وحيويّة، فهو عمل مناسب ولا بدّ منه.

وعليه، فإنّ نفس هذا الانتساب - أي نسبة هيئة العزاء إلى رزمند كان - لَأمرٌ مبارك، وأمرٌ جيّد، فلا تتركوا هذا العمل، بل احفظوه جيّدًا، بقدر استطاعتكم، وحافظوا عليه.

البساطة وعدم التكلّف
وهنا نقطة أخرى، مفادها أنّ اسم الهيئة يتبادر منه عرفًا معنى عدم النظم(التنظيم)، فيُقال: إنّ فلانًا يعمل كعمل الهيئات، يعني يعمل بدون تنظيم. ويمكن أن يُقال: إنّكم من أوائل الذين عملتم على تنظيم عمل الهيئة التي يبدو أنّ طبيعة عملها هي عدم التنظيم، وهذا أمر جيّد. 

حسنًا. لماذا صار عمل الهيئات، كتعبيرٍ (كمصطلح)، دالًّا على عدم النظم؟

لمّا كان للمرء حريّة أن يدخل إلى مجلس هيئة الإمام الحسين، فلا يقول له أحد: اجلس هنا أو اجلس هناك، واجلس بهذه الطريقة ولا تجلس بتلك، فكافّة تحرّكات الناس نابعة من إرادتهم هم، وما يريدون هم، وذلك ناشئ من إيمانهم، وهذا أمرٌ جيّد ينبغي المحافظة عليه.
 
 
 
 
 
 
 
604

514

في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان اسلام"

 حافظوا على اللا إدارية وعلاقة الهيئة بالناس

عليكم أن تحافظوا على علاقة الهيئة بإيمان الناس وعشقهم، وعلى هذه الجاذبيّة والاستيعاب. وهذا الشكل والإطار من العمل هو ما يجب عليكم حفظه. أعني لا تعملوا على إنشاء حالة إداريّة وما شابه.
 
برأيي، إنّ مراكزكم هي الحسينيّات، فلستم بحاجة إلى مراكز إداريّة، الحسينيّة والهيئة والمسجد، هذه هي مراكزكم. أعني: لو عمدنا إلى ربط هذه الهيئات بإدارة معيّنة وببناء معيّن وبفلان طابق أوّل أو طابق ثان، وبأصحاب بعض المناصب وما شاكل، فهذه لن تعود هيئة، وأخاف عليكم من مشاكل كثيرة. 
 
لا أقول أنّ الهيئة تنتفي من الأساس. ولكنّني أرى أنّ طبيعة عمل الهيئة، أن تأتي الناس إلى مجلس الإمام الحسين بعشق وشوق واندفاع ودموع. وهذا هو الأمر الذي يترك أثرًا، وهذا الذي تنبع الثورة من داخله، أو على الأقل، يصبح مزرعةً جيّدة للفضائل الثوريّة والمعارف الثوريّة. 
 
الدقّة في المواضيع وتجنب الشبهات
والنقطة التالية مهمّة جدًّا. مسألة إعداد الطاقات الصاعدة من الخطباء وقرّاء العزاء وحفظهم من الوقوع في الأخطاء أو الاشتباهات، وهذا أمرٌ مهمّ جدًّا.
 
وهذه - في الواقع - إحدى مشاكلنا، فعندما تسوء سمعة المدّاحين1، فإنّ سوء السمعة لا يختصّ بهم، هم وغيرهم.
 
وقد يصدر كلام غير مناسب في بعض الموارد، لبعض من يرتقي المنابر بهذه المناسبة، من قرّاء العزاء والمدّاحين والخطباء وأمثالهم.
 
مرّةً، أكون جالسًا أنا وأنت، فأتكلّم بكلام غير مناسب، بكلام غلط2، فهذا ليس بشيء، أن يجلس شخصان يتحدّثان، وأمّا أن يكون عدد المجتمعين ألفًا أو عشرة 



1 المدّاح: مصطلح رائج في إيران, يُطلق على قرّاء العزاء والمُنشدين للأشعار، في المدح والعزاء أيضًا.
2  يبدو حسب سياق الكلام أنّ المقصود: الكلام غير الدقيق أوغير المثبت في المتون الدينيّة.






 
605

515

في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان اسلام"

 آلاف، وقد يصل العدد إلى خمسين ألف مستمع، وقد يكون المجتمعون عدّة ملايين لسهولة الانتشار (ووسائل الاتصال).. هنا ينبغي أن يدرس الكلام بدقّة، لجهة تأثير الكلام الخاطئ وغير المناسب في أذهان المخاطَبين.


بعضهم يأخذ هذا الكلام الخاطئ، فيتلقّى معرفةً خاطئة. وبعضهم يستنكر هذا النحو من الكلام، ما يوجب إخراجهم من دينهم (تكفيرهم)، ويقع الخلاف بين أناس وآخرين حول هذا الكلام. لاحظوا! إنّ الفساد يرد من عدّة جهات، بسبب ذلك الكلام الخاطئ والصادر عن شخصٍ واحد. 

الكلام الصحيح والبيان الفني اللائق
وكنّا نرى - قديمًا وليس اليوم، أتحدّث عن زمن الطفولة- عندما كنّا نذهب للاستماع إلى مجالس العزاء، وكان القارئ يقرأ العزاء وفيها من الأخطاء ما هو واضح للعيان.. وفيها ما يخالف الواقع، ولكنّه كان يقرأ هذه الموارد، وذلك لأجل أن يجتمع إليه أربعة أشخاص فيحرق قلوبهم ويبكون. فهل يصحّ ذلك وبأيّة طريقة كانت؟!. اعملوا على بيان الحادثة.. اعملوا بأسلوب فنّي على البيان، ليتشوّق الناس ويتغيّروا، ولكن لا يصحّ أن تقولوا ما يخالف الواقع. 

واليوم كذلك أنا أستمع.. يصعد خطيب أو مدّاح ومن فوق المنبر يخاطب أمير المؤمنين بقوله: سيدي! إنّ كلّ ما لديك هو من الإمام الحسين!. فكّروا في هذا الكلام!. ما هذا الكلام؟! وما هذا الهراء؟! أن يتكلّم أحد مع أمير المؤمنين بهذا النحو من الكلام.

إنّ ما لدى الإمام الحسين هو من عند أمير المؤمنين، وما لدى الإمام الحسين هو من عند النبيّ الأكرم. لمَ لا يفهمون هذه المعاني ولا يدركون هذه المسائل؟! وفوق ذلك، يدّعون ويزعمون أنّهم يقولون كل ما يخطر ببالهم هكذا! أعتقد أنّ علينا أن نستعظم هذه الأمور ونشعر بخطرها.
 
 
 
 
 
 
 
606

516

في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان اسلام"

 الهيئات: لا يمكن أن تكون علمانيّة

وهنا نقطة أخرى مهمّة، أشار إليها السيّد نجات1 وهي نقطة صحيحة.
 
إنّ الهيئات لا يمكن أن تكون علمانيّة، ليس لدينا هيئات علمانيّة! فإنّ كلّ من لديه تعلّق بالإمام الحسين فهو متعلّق بالإسلام السياسيّ، مرتبط بالإسلام المجاهد، والإسلام المكافح، إسلام بذل الدماء، إسلام بذل الأرواح، وهذا هو معنى الاعتقاد بالإمام الحسين عليه السلام.
 
أن يواظب المرء في مجلس العزاء أو في الهيئة المقيمة للعزاء، على أن لا يدخل في مواضيع الإسلام السياسيّ- هذا خطأ. ولا يعني هذا الكلام أنّه كلّما وقعت حادثة سياسيّة في البلد وجب أن نتكلّم فيها - وبنزعة معيّنة2- في مجالس العزاء، وقد يتمّ ذلك أحيانًا مرافقًا لأمورٍ أخرى. كلا. إلّا أنّ فكر الثورة والفكر الإسلاميّ، والخطّ المبارك الذي أرساه الإمام (رضوان الله تعالى عليه) في هذا البلد، وتركه لنا-هو ما ينبغي أن يكون حاضرًا في هذه المجموعات وأمثالها.
 
كرّروا هذه المعارف لتصبح ملكة في الأذهان!
وعلى كلّ حال فالعمل عملٌ كبير، ومهمّ. وفي الواقع، إنّ أكثر من يليق به القيام بإحياء عزاء سيّد الشهداء، هم هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، هؤلاء المحاربون (المقاتلون).. هؤلاء الشّباب، وعليكم أنتم أن تعرفوا قدر هذا الأمر، وأن تعملوا على توجيهه، اعملوا على التوجيه. 
 
يمكن أن يتحوّل هذا الأمر إلى نبعٍ من الضياء والنور، يشعّ في الأذهان وفي الأفكار، وفي قلوب المخاطَبين (المستمعين)، ما يساعد على رفع مستواهم على صعيد المعارف الإسلاميّ والمعارف الدينيّة.
 
كم هو جميل أن يتمّ الاهتمام بمسألة القرآن في هذه الهيئات: قراءة القرآن



1 السيد حسين نجات رئيس هيئة رزمندكان اسلام, وقد ألقى كلمةً في مستهلّ اللقاء.
2 وفق رؤية تيّارٍ ما.

 
 
 
 
 
 
607

517

في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان اسلام"

 والمعارف القرآنيّة! وكم هو جميل أن تشتمل هذه القراءات (مجالس اللّطم والعزاء) على مضامين إسلاميّة، ومضامين ثوريّة، ومضامين قرآنيّة!


أحيانًا، يلطمون صدورهم مئات المرّات قائلين عبارات مختلفة (حسين واى) (ويلي يا حسين).حسنًا. هذا عمل، ولكن لا فائدة منه، ولا يفهم المرء شيئًا من قوله (ويلي يا حسين) ولا يتعلّم شيئًا منه.

وأحيانًا، تشتمل هذه الأمور التي يكرّرها المدّاحون وقرّاء العزاء والرواديد، وهم يلطمون الصدور وبلسان النوح والأشعار، على قضيّة معاصرة، أو على مسألة ثوريّة أو مسألة إسلاميّة أو معرفة قرآنيّة، وعندما يكرّرها تصبح ملكة في ذهنه، هذا عمل ذو قيمة، وهو عمل لا يقدر عليه سواكم. 

بمعنى أنّه لا تقدر أيّة وسيلة إعلاميّة على أن تقدّم المعارف الإلهيّة هكذا، فتجعلها في الجسم والروح والفكر والإحساس والعقل وما شابه، ولذا فإنّ هذا العمل عملٌمهمّ جدًّا وعظيم.

وأسأل الله تعالى أن يوفّقكم ويثيبكم، وأن تسيروا بهذا العمل إلى الأمام وعلى أحسن وجه ممكن.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
608

 


518

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 خطاب الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء أكبر حشد تعبويّ


المناسبـة: أسبوع التعبئة
الحــضـور: خمسون ألفاً من قادة التعبئة من مختلف أنحاء البلاد
الـمكــان: مصلّى الإمام الخميني قدّس سرّه - طهران
الزمـــان:
29/08/1392 هـ.ش.
16/01/1435 هـ.ق.
20/11/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
609

519

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقيّة الله في الأرض.
 
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك منيّ سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم.
 
السلام على الحسين وعلى عليّ بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام1.
 
هذا اللقاء، هو لقاء مهمّ جداً، التعبئة هي مظهر عظمة الشعب والقوّة الذاتية الفعّالة لبلدنا. واللقاء هذا لقاءٌ للقادة، حيث اجتمعتم هنا بعشرات الآلاف، يمكن تقدير الحضور المفعم بالافتخار للتعبئة الشعبيّة من خلال هكذا اجتماع، أنتم مصدر رضا وامل وثقة لأنصار النظام والثورة والبلاد وانتم مصدر خوف ورعب للأشرار والأعداء الحاقدين.
 
الملحمة كبرى (عظمة السيدة زينب عليها السلام) 
إنّ توافق أسبوع التعبئة2 مع هذه الأيام، التي هي أيام الملحمة الكبرى في تاريخ 



1 بدا التأثر واضحا جدا على الجموع المحتشدة, خلال حديث القائد عن السيدة زينب عليها السلام, وماجت الباحات والقاعات بأصوات البكاء والهمهمة.. ويخال المستمع أنه مجلس عزاء.
2 "أسبوع التعبئة:إحدى المناسبات التي يتم إحياؤها سنويا من خلال الانشطة والأعمال المختلفة ومن ضمنها اللقاء السنوي بالقائد الأعلى الإمام الخامنئي، حيث كان لقاء هذه السنة استثنائيا فأقيمت مراسم غير عادية, إذ احتشد أكثر من خمسين ألف قائد تعبوي في مصلى الامام الخميني والمساحات المحيطة به، واستغرقت كلمة القائد ساعة وعشرين دقيقة.
* التعبئة: مؤسسة عسكرية شعبية غير نظامية كالجيش والحرث النظاميين، ولها أنشطة واسعة، وامتدادات متشعبة في كل الميادين والقطاعات ولا يقتصر نشاطها على العمل الدفاعي والعسكري- الذي كان بارزا إبان الحرب المفروضة على الجمهورية الاسلامية - إنما في مختلف الساحات التي تستدعي وجود العمل التطوعي، والمبادرة الفردية والاقدام وتقديم العون, الهدف من وجوده رفد مؤسسات المجتمع والدولة بالطاقات الواعية والمجاهدة في مختلف المجالات والاختصاصات، العسكرية والعمرانية والتعليمية وتقديم العون والمساعدة للطبقات الفقيرة ومساعدة اجهزة الدولة عند الحوادث والحالات الطارئة كالزلازل والكوارث والحروب..-. ومن الساحات التي تنشط فيها التعبئة: الجامعات والثانويات والحوزات والمؤسسات الصناعية والحرفية والقطاعات الصحية والاجتماعية.
 
 
 
 
 
 
 
611

520

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 الإسلام، هو توافق مناسب وفرصة ينبغي اغتنامها. ونعني بالملحمة الكبرى التي ذكرناها، ملحمة (السيدة) زينب الكبرى عليها السلام والتي أكملت ملحمة عاشوراء، بل إنّ الملحمة التي سطّرتها السيدة زينب الكبرى عليها السلام قد أحيت وحفظت ملحمة عاشوراء. لا يمكن قياس عظمة عمل السيدة زينب الكبرى عليها السلام مع غيرها من الأحداث التاريخيّة الكبرى، بل ينبغي قياسها مع واقعة عاشوراء نفسها، الإنصاف فإنّ إحديهما عدل الأخرى.

 
هذه الإنسانة العظيمة، سيدة الإسلام الكبرى، بل سيدة البشرية، استطاعت ان تواجه جبل المصائب الثقيل بقامتها المنتصبة والشامخة، فلم يظهر حتى ارتجاف بسيط في صوت هذه السيدة العظيمة من كل تلك الحوادث، لقد وقفت كالقمّة المرفوعة الهامة في مواجهة الأعداء وكذلك في مواجهة المصائب والحوادث المرّة، صارت عبرة وأسوة ورائدة وهادية، في سوق الكوفة وفي حالة الأسر والسبي، ألقت تلك الخطبة المدهشة: "يا أهل الكوفة يا أهل الخَتل والغدر أتبكون! ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، إنما مَثَلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً... "1 إلى آخر الخطبة، اللفظ صلب كالفولاذ والمعنى سلسٌ كالماء يصل إلى أعماق الأرواح. في تلك الوضعيّة، تكلّمت زينب الكبرى كأمير المؤمنين نفسه، زلزلت القلوب والأرواح والتاريخ، لقد بقي هذا الكلام عبر التاريخ، أمام الناس في موكب السبي. وكذلك بعدها، أمام ابن زياد في الكوفة، وبعد عدّة أسابيع أمام يزيد في الشام، خطبت بتلك القوّة، فحقّرت العدو وكذلك استهانت بالمصائب التي فرضها العدو. (حيث قالت له) أتريدون أن تغلبوا أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيالكم الباطل وتذلّونهم؟ ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾2 زينب الكبرى هي تجسيد للعزّة كما كان الحسين بن عليّ عليهما السلام في كربلاء تجسيد للعزّة في يوم عاشوراء. كانت نظرتها إلى الحوادث تختلف عن نظرة الآخرين، وعلى رغم كل تلك المصائب،



1 اللهوف ص 146, الاحتجاج، ج2، ص 303.
2 سورة المنافقون، جزء من الآية: 8.
 
 
 
 
 
 
 
612

521

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 حين أراد العدو أن يشمت بها، قالت: "ما رأيت إلاّ جميلاً"1 ما رأيته كان جميلاً، شهادة، ألماً، ولكنه في سبيل الله، لحفظ الإسلام، لإيجاد تيارٍ على امتداد التاريخ كي تفهم شعوب الأمة الإسلاميّ ماذا ينبغي أن تفعل، كيف يجب أن تتحرك وكيف يجب أن تقف وتصمد، هذا العمل العظيم للملحمة الزينبيّة، هذه عزّة ولي الله.

 
زينب عليها السلام وعزّة الإسلام
زينب الكبرى من أولياء الله، عزّتها هي عزّة الإسلام، لقد أعزّت الإسلام والقرآن. وبالطبع فنحن ليس لدينا ذلك الطموح العالي وتلك الهمّة نفسها حتى نقول إن عمل تلك السيدة العظيمة هو نموذج لنا، إنّنا أصغر من هذا الكلام، ولكن ينبغي أن تكون حركتنا دوماً باتجاه الحركة الزينبية، أن تكون همّتنا نحو عزّة الإسلام وعزّة المجتمع الإسلاميّ وعزّة الإنسان، كما فرض الله تعالى من خلال الأحكام الدينية والشرائع على الأنبياء.
 
صبر زينب عليها السلام والوفاء بالعهد الإلهي
ما أودّ أن أعرضه عليكم بشكل مختصر في القسم الأول من كلامي أيها الأعزاء التعبويين والشّباب الغالي، بأنّ أحد العوامل المنتجة لهذه الروحيّة وهذا الصبر لدى زينب الكبرى عليها السلام وسائر الأولياء الإلهيين الذين تحرّكوا بهذه الطريقة هو الصدق في التعامل مع العهد الإلهي، تقديم القلب بصدقٍ في سبيل الله، هذا مهمّ جداً. لقد عُدّ هذا الصدق في القرآن الكريم لازماً للأنبياء الإلهيين العظام ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ﴾2 وهذه "اللام" في ليسأل هي "لام" العاقبة كما نعبّر نحن طلاب العلوم الدينية، ونتيجة هذا العهد "الميثاق"



1 اللهوف ص 160.
2 سورة الأحزاب، الآية: 7 وجزء من الآية: 8.
 
 
 
 
 
 
 
613

522

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 أنّ الأنبياء سيُسألون عن صدقهم تجاه هذا الميثاق، أي أنّ نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء الإلهيين العظام ينبغي أن يقدّموا في الساحة الإلهيّة مستوى صدقهم الذي قاموا به في مقام إعمال هذا الميثاق الإلهي، هذا بالنسبة إلى الأنبياء، كذلك بالنسبة إلى الناس العاديين والمؤمنين: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء﴾1.

 
الصدق والإيمان مقابل الكفر والنفاق
بالنسبة إلى الأنبياء العظام، جُعل الصادق النقطة المقابلة للكافر ﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾2 وبالنسبة إلى المؤمنين النقطة المقابلة للصادقين هي المنافقين، وفي هذه المسألة أمورٌ ومعانٍ متعدّدة. سيسألوننا أنا وأنتم حول الوعد والعهد الذي عاهدناه الله، لدينا معاهدة مع الله. في هذه الآية الشريفة - من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه - هذا العهد الذي يذكره بأنّ المؤمنين قد عاهدوه مع الله وأنّ بعضهم قد وفى به بأحسن الوفاء وثبتت قدماه في طريقه، هو نفسه ذلك العهد الذي ذُكر قبل عدّة آيات من تلك السورة المباركة حيث يقول: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ﴾3.
 
ينبغي علينا جميعاً أن ننتبه إلى هذه النقاط. كانوا قد عاهدوا الله بأن لا يفرّوا من العدوّ وأنّ لا يولّوه الأدبار. التنازل عن المواقف والتراجع الانهزامي في مواجهة العدو، من جملة الأمور التي يؤكّد القرآن على عدم السقوط فيها، في الحرب العسكرية وفي الحرب السياسيّة وفي الحرب الاقتصادية، وفي كل مكان فيه اختبار للقوّة، يجب الوقوف مقابل العدو، يجب أن ينتصر عزمكم على عزم العدو، يجب أن تغلب إرادتكم إرادة العدو، وهذا يحصل وممكن. في ميدان أي نوع من الجهاد



1 سورة الأحزاب، الآية: 23 وجزء من الآية: 24.
2 سورة الأحزاب، الآية: 8.
3 سورة الأحزاب، الآية: 15.

 
 
 
 
 
 
614

523

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 والمواجهة، الانهزام وإدارة الظهر للعدو عمل ممنوع في نظر الإسلام والقرآن.

 
"الليونة البطولية" تحرّف لقتال
لقد استخدمنا تعبير "الليونة البطولية"، الأمر الذي فسّره البعض بمعنى التخلّي عن الآمال والأهداف الكبرى للنظام الإسلاميّ، كذلك فإن بعض الأعداء قد اتخذوا هذا التعبير مستمسكاً لاتهام النظام الإسلاميّ بالتراجع عن أصوله، هذا كلام باطل وفهم منحرف. الليونة البطولية تعني المناورة الفنيّة (الذكية) للوصول إلى الهدف، أي أن سالك طريق الله - في أي نوع من السلوك - حين يتحرّك نحو المُثُل والأهداف الإسلاميّ المتعدّدة والمتنوعّة، في أي شكل وطريقة، ينبغي عليه أن يستخدم أساليب متنوّعة للوصول إلى المقصد. ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ﴾1، كل نوع من أنواع الحركة - سواء أكان للأمام أم الخلف - كميدان الحرب العسكرية، ينبغي أن يتوجه للوصول إلى الأهداف المحدّدة من قبل. هناك أهداف موجودة والنظام الإسلاميّ يتابع في كل مرحلة أحد تلك الأهداف للتقدّم وللوصول إلى نقطة التسامي وإلى القمة ولبناء الحضارة الإسلاميّ العظيمة، يجب السعي للوصول إلى هذا الهدف في هذه المرحلة. بالطبع فإنّ وضع المراحل قطعة بعد قطعة، والمشرفون والهداة والمفكرون والمسؤولون المعنيون يحدّدون هذه القطعات ويصنعون الأهداف، ثمّ تبدأ الحركة الجماعيّة، (وعندئذٍ) يجب أن يسعى الجميع في كل حركة من كل مرحلة للوصول إلى هدفها. هذا هو النظام الصحيح للحركة المنطقيّة. وهذا ما يجب على جميع العاملين في الساحة السياسية والإدارة العامة للبلاد أن يتذكروه دوماً، كل الناس وأنتم أيها الأعزاء التعبويون الفعّالون في ميدان التعبئة- على الجميع أن يتذكروا هذا الأمر دوماً.



1 سورة الأنفال، جزء من الآية: 16.
 
 
 
 
 
 
 
615

524

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 النظام الإسلاميّ مسالم للشعوب

حسنٌ، أن نقول إنّنا نريد أن نتحرّك، نتقدّم ونسير للأمام، هل يعني هذا الدعوة للحرب من قبل النظام الإسلاميّ؟ وهل يعني أنّ النظام الإسلاميّ لديه نيّة الصدام (التحدي) مع جميع الشعوب ومع كل دول العالم؟ حيث يُسمع هذا الكلام أحياناً من أعداء الشّعب الإيرانيّ ومن جملتهم (ما يصدر) من الفم النجس لكلب المنطقة المسعور في النظام الصهيوني، حيث يزايدون بأنّ إيران هي تهديد لكل العالم، كلا، هذا كلام العدو وهو النقطة المقابلة تماماً للمنهج الإسلاميّ نقطة تهديد كل العالم إنما هي قوى الشر والعدوانية والتي لم تُظهر إلاّ الشر، ومن جملتها ذلك النظام المزوّر لإسرائيل وبعض داعميه. لقد تعلّم النظام الإسلاميّ درساً من القرآن، الدرس الذي تعلّمه من نبي الإسلام ومن أمير المؤمنين، إنه درس آخر (وليس التهديد المزعوم): ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾1 العدالة والإحسان وفعل الخير. قال أمير المؤمنين بأنه يجب أن نحسن للجميع فهم "إمّا أخ لك في الدين وإمّا نظير لك في الخلق"2 فهو إما أخ إسلامي أو إنه إنسان، هذا هو منطق الإسلام. إننا نريد أن نخدم جميع الناس وأن نمنحهم المحبة، إننا نريد إقامة علاقات صداقة ومحبة مع كل الناس الشعوب، لا عداء لنا أبداً حتى مع الشعب الأميركي- مع أن الحكومة الأمريكية حكومة مستكبرة ومعادية وسيئة وحاقدة على الشّعب الإيرانيّ ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة - هو مثل بقيّة الشعوب، وإنّ النقطة المقابلة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة هي الاستكبار.
 
النظام الإسلاميّ مواجه شديد للاستكبار
إن جهة خصومة النظام الإسلاميّ مع النظام الاستكباري، هي إننا نخالف الاستكبار، نحن نحارب الاستكبار. الاستكبار هو مصطلح قرآني استخدم في



1 سورة النحل جزء من الآية: 90.
2 من الرسالة 53 نهج البلاغة.
 
 
 
 
 
 
 
616

525

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 القرآن لأمثال فرعون والمجموعات الشريرة والمعادية للحق والحقيقة. لقد كان الاستكبار موجوداً في جميع العصور وحتى اليوم، وإن هيكل الاستكبار هو واحد في كل العصور وحتى اليوم، بالطبع فإنّ الأساليب والخصوصيات والطرق تختلف من زمانٍ إلى آخر. فاليوم هناك نظام استكباري أيضاً، ورأس الاستكبار في العالم حكومة الولايات المتحدة. علينا أن نعرف الاستكبار وأن نعرف خصوصياته وأسلوب عمله وتوجهاته كي نحدد أسلوب عملنا في مقابله بشكل حكيم.


نحن نخالف المواجهة غير الحكيمة في جميع المجالات، إننا نعتقد بأنّ علينا العمل بدراية وحكمة في جميع الميادين وجميع مجالات التخطيط والبرمجة والتوجهات الفردية والجمعية. إن لم نفهم الساحة ولم نعرف الصديق ولا العدو، إن لم نعرف اليوم نظام الهيمنة والاستكبار، فكيف يمكننا أن نتحرك بحكمة ودراية؟ كيف يمكننا أن نخطط بشكل سليم؟ لذا فإن علينا أن نعرف (كل هذه العوامل).

مؤشرات الاستكبار:
ما سأطرحه حول الاستكبار، عدّة نماذج أو شواخص من تصرّفات النظام الاستكباري في العالم المعاصر، وهو كذلك مشترك مع الكثير من المسائل التي حدثت في القرون الماضية من قبل الاستكبار القديم.

1- خاصية "رؤية النفس أفضل من الأخرين"، وحق التدخل.
إحدى خصوصيات النظام الاستكباري "رؤية النفس أفضل من الآخرين". المجموعات الاستكبارية - أولئك الأشخاص الذين هم إمّا على رأس بلدٍ ما أو على رأس نظام عالمي أو مجموعة من البلدان التي تهيمن على القرار - عندما ترى نفسها أفضل من باقي الناس وباقي المجموعات، عندما تعتبر نفسها محوراً وأنّ كلّ ما سواها هو فرع لأصلها، تظهر معادلة خاطئة وخطيرة في العلاقات العالمية، فعندما يرى أحد أنه الأفضل وأنه هو المحور والأصل فإن النتيجة ستكون أن يرى لنفسه الحقَّ في التدخل في شؤون باقي الناس وسائر الشعوب، فما يعتبره قيمة، يجب على 
 
 
 
 
 
 
 
617

 


526

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 الجميع في العالم أن يسلّموا به ويقبلوه ويحنوا له الرقاب. وإذا اعتبر شيئاً ما قيمة ولم يقبله الآخرون فإن هذا يعطيه حقّاً بالتدخل في شؤونهم، بأن يفرضه عليهم وأن يضغط عليهم ويلزمهم ما يريد بالقوة. رؤية النفس أفضل من الآخرين يبعث على الادعاء بتولّي أمور الشعوب وادّعاء إدارة العالم. فهو يرى نفسه رئيساً لكل العالم. إنكم تسمعون كلام المسؤولين الأميركيّين والذين يتحدّثون عن الحكومة الأمريكية وكأنها مالكة زمام جميع البلدان، (يقولون) لا يمكن أن نسمح بهذا العمل، لا يمكن أن ندع الشخص الفلاني (يبقى في الحكم أو لا يبق)! يتحدّثون حول منطقتنا بشكل يوحي بأنهم أصحاب هذه المنطقة، يتحدّثون عن النظام الصهيوني وكأن شعوب هذه المنطقة مضطرة إلى القبول والاعتراف بهذا النظام المزوّر والمفروض، يتعاملون مع الشعوب المستقلّة وكأنها لاحق لها بالحياة، إن رؤية النفس أفضل من الآخرين واعتبارها ذات مقام خاص بين مجموعات بني آدم والشعوب والبشر، هي أساس وأكبر مشكلة لدى الإستكبار.


2- خاصية عدم قبول الحق
ونتيجة لهذا، تتفرّع خصوصيّة وشاخص آخر للاستكبار وهو عدم قبول الحق، لا يقبل كلام الحق ولا حق الشعوب، رفض مطلق للحق. لطالما حدث هذا في المفاوضات والمباحثات العالمية، حيث كان يطرح كلام حق لكن أميركا لم تكن تقبله لسبب من الأسباب، فكانت تواجهه بالأساليب المختلفة ولا ترضخ للحق أبداً. أحد أمثلة هذا، المسائل المتعلقة بالأنشطة النوويّة والصناعات النووية، يوجد كلام حق، فإذا كان الإنسان من أهل الحق وأصحاب الاستدلال والمنطق، فإن عليه التسليم مقابل الاستدلال، لكن الاستكبار لا يقبل، يسمع الحق ولكنه لا يرضخ له، هذه هي إحدى خصوصياته، كذلك (هو) لا يقبل بأنّ للشعوب حقوقاً، لها حق أن تختار وتنتخب من تريد وما تريد من حركة أو توجّه اقتصادي أو اتخاذ الموقف السياسي الذي تريده. لا يقرّ الاستكبار بهذا للشعوب بل يعتقد بالفرض عليها.
 
 
 
 
 
 
618

527

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 3- خاصية اعتبار الجرائم مسموحاً بها

من شواخص الاستعمار والاستكبار الأخرى، اعتبار الجرائم مجازةً ومسموحاً بها ضد الشعوب والأفراد واللامبالاة تجاهها. وهذه إحدى الجنايات الكبرى للاستكبار في العصر الجديد، العصر الجديد، أي عصر تطوّر العلم، واختراع الأسلحة الخطيرة والتي عندما امتلكها المستكبرون صارت سبباً للقضاء على أرواح الشعوب الأخرى في العالم.

نماذج من جرائم الاستكبار
رؤية الاستكبار: لا قيمة لروح الانسان 
هم لا يرون أي قيمة لروح الإنسان - أي إنسان ليس معهم ويتبعهم ولا يسلّم لهم - والأمثلة على هذا كثيرة وإلى ما شاء الله! أحد الأمثلة هو تعامل المستكبرين مع السكان الأصليين لأميركا، ذلك البلد الذي يسيطر فيه اليوم شعب غير شعبه الأصلي على موارده المالية وإمكاناته وموقعه الجغرافي وعلى كل ما فيه. 

صيد البشر واسترقاقهم، سكان أميركا واستراليا الأصليون 
حسن، لقد كان هناك شعب محلّي أصيل، كان التعامل معه عنيفا ووحشيا وباعثا على الاشمئزاز بحيث أصبح واحدة من النقاط السوداء في تاريخ أميركا الجديدة، هم أنفسهم كتبوا أشياء حول هذه المسألة، حول المجازر التي ارتكبوها والضغوط التي مارسوها. والأمر نفسه حصل في أستراليا على يد الإنكليز، لقد كان الإنكليز في أستراليا يقومون بصيد السكان المحليين الأصليين تماماً كحيوانات الكانغورو للتسلية والترفيه!، لا يوجد لديهم أي قيمة لحياة الإنسان. هذا نموذج وحسب، ويوجد مئات الأمثلة التي ذُكرت في كتبهم وفي تدوين تاريخهم.

استخدام القبلة النووية
نموذج آخر هو قصف الأميركيّين لمدينتين يابانيتين بالقنابل النووية في العام 1945م حيث دمروهما وأبادوهما بالكامل، قُتل مئات الآلاف، وأضعاف مضاعفة قد
 
 
 
 
 
 
619

528

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 أصيبت بالتشوهات والعاهات وولادة الأطفال المعوقين والمصابين بأمراض مختلفة منذ ذلك الوقت وحتى الآن ولا تزال معاناتهم مستمرة، لا يوجد أي استدلال صحيح لهذا العمل أبداً، وسأشير فيما بعد إلى هذه المسألة، ألقوا القنبلة النووية بكل سهولة وبساطة! لقد تم استخدام القنابل النووية مرتين حتى الآن في العالم. وفي المرتين على يد الأميركيّين الذين يعتبرون أنفسهم اليوم مسؤولي (مدراء) القضية النووية في العالم! يرغبون من أعماق قلوبهم بأن يتمّ نسيان هذه القضية، ولكنها غير قابلة للنسيان. كل هذه الضحايا التي فقدت أرواحها لا قيمة لها عندهم، روح الإنسان تصبح بلا قيمة. ويصبح ارتكاب الجريمة سهلاً عند الأجهزة الاستكبارية. ارتكبوا المجازر في "فيتنام" وكذلك فعلت الأجهزة الأمنية والشركات الأمنية والعميلة لهم مثل "بلاك واتر" والتي أشرت لها في ذلك العام1.

 
قتل الابرياء بالطائرات، وتعذيب المسجونين
وفي باكستان لا تزال الطائرات دون طيار ترتكب المجازر، وفي أفغانستان يقصفون ويقتلون، حيثما تصل أيديهم وتقضي مصالحهم لا يأبون ارتكاب الجرائم، جرائم قتل، جرائم تعذيب، معتقل غوانتانامو الأمريكي لا يزال يعجّ بالمعتقلين منذ أكثر من عشر سنوات ما زالوا يحتجزون عدد من الأشخاص الذين تمّ خطفهم لاتهامات مختلفة من أماكن متعدّدة في العالم وسجنهم هناك دون محاكمة وفي ظروف قاسية جداً وتعذيب مستمر! في العراق كان سجن أبو غريب واحداً من السجون الأمريكية، كانوا يطلقون الكلاب على المعتقلين ويقومون بتعذيبهم. 
 
نهب الموارد الحيوية مباح وسهل
نهب الموارد الحيوية للشعوب بالنسبة إليهم سهل. خطف وأسر البشر من ذوي البشرة السوداء، من الأحداث المبكية في التاريخ والتي لا يودّ نظام الهيمنة في أميركا وأمثالها أن يتم احياؤها وذكرها. (ومنها على سبيل المثال) مسألة خطف العبيد من الرجال والنساء من أفريقيا، كانوا يُحضرون السفن من المحيط



1 13-3/4/ 1390 هـ ش 2011م-.
 
 
 
 
 
 
 
620

529

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 الأطلسي ويرسونها على سواحل بلدان غرب إفريقيا مثل غامبيا وغيرها، ثم ينزلون بنادقهم وأسلحتهم، التي لم يكن يمتلكها الناس هناك في تلك الأيام، يخطفون المئات والآلاف من الشيوخ والشّباب والرجال والنساء وينقلونهم في هذه السفن تحت ظروف صعبة جداً للاستعباد في أميركا. ذلك الإنسان الحر الذي كان يعيش في بيته ومدينته صار أسيراً لديهم، السود الذين يعيشون الآن في أميركا هم من نسل أولئك (الأفارقة). استمرت هذه الضغوط العجيبة من الأميركيّين عدة قرون وهناك كُتب ألّفت (في هذا المجال)، كتاب "الجذور"1 هذا هو كتاب جيد ومناسب لإظهار بعض جوانب هذه الفجائع. كيف يمكن للإنسان المعاصر أن ينسى هذه الأمور؟ ومع هذا كله لا يزال يوجد حتى الآن تمييز بين البيض والسود في أميركا.

 
4- خاصية السلوك المنافق والمخادع
إحدى خصوصيات الاستكبار والتي هي من الشواخص المميزة له. الخداع والسلوك المنافق، انتبهوا إلى هذا. تلك الجرائم التي ذُكرت يسعون في اعلامهم إلى تبريرها وأن يُلبسوا الجريمة لباس الخدمة! هذا النظام الاستكباري الذي يريد السيطرة على الشعوب، يستخدم هذا الأسلوب بشكل عادي ورائج في جميع أبعاد حياته، أسلوب تبرير الجريمة وإلباسها لباس الخدمة. 
 
من أوجه الخداع: 
قتل الناس لوقف الحرب: هيروشيما وناكازاكي
في ذلك الهجوم على اليابان والقنبلتين اللتين دمّرتا "هيروشيما" و"ناكازاكي" يعتذر الأميركيّون ويقولون صحيح إنّنا ألقينا القنبلتين على هاتين المدينتين وقتل عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف على الفور ولكن هذا العمل هو ثمن إنهاء الحرب العالمية الثانية ولو لم نقم نحن الأميركيّون بإلقاء القنبلتين لكانت الحرب قد استمرّت، فلئن قتل مئتي ألف إنسان، فهذا أفضل من قتل مليونين (في حال



1 رواية الجذور تاليف آلكس هيلي، كاتب أمريكي معاصر.
 
 
 
 
 
 
 
 
621

530

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 استمرار الحرب)، وعليه فإننا قد قمنا بخدمة والقينا القنابل النووية! أنظروا إلى هذا الكلام الذين يقوله الأميركيّون في إعلامهم الرسمي. والآن بعد مضى حوالي 65 سنة لا زالوا يكررون هذا الكلام دائماً وهذا من الكلام المخادع والمنافق ومن الأكاذيب العجيبة والغريبة والتي لا تصدر إلا عن الأجهزة الاستكبارية. لقد ألقيت هذه القنابل وانفجرت في هاتين المدينتين. في صيف العام 1945م وقعت هذه الجريمة، والحال أنه قبل اربعة أشهر - في أوائل ربيع 1945 - كان هتلر وهو الركن الأصلي للحرب قد انتحر وتم اعتقال موسوليني- رئيس جمهورية إيطاليا - وهو الركن الثاني للحرب قبلها بيومين وكانت الحرب قد انتهت عملياً، حيث أن اليابان الركن الثالث للحرب قد أعلنت قبل شهرين عن استعدادها للاستسلام. لم يكن هناك حرب ولكن تمّ تفجير هاتين القنبلتين لماذا؟ لأن السلاح النووي كان قد صنع وكان يجب أن يُجرب في مكان ما، صنعوا أسلحة وعليهم اختبارها. أين يجرّبوها؟ الفرصة الأفضل هي التذرّع بالحرب وإلقاء هاتين القنبلتين على رؤوس الناس الأبرياء في هيروشيما وناكازاكي ليعرف الأميركيّون هل يعمل هذا السلاح النووي بشكل صحيح أو لا! إنه الوجه المخادع.


ضرب الكيميائي واسقاط طائرة (300 مسافر)
يدّعون بأنهم من أنصار البشرية (الإنسانية) ثمّ يطلقون الصواريخ على طائرة ركاب مدنية إيرانية، يقتلون حوالي ثلاثمئة مسافر بريء. لا يعتذرون، ليس هذا فحسب وإنما يقدّمون ميدالية لذلك الشخص الذي ارتكب تلك الجريمة! في الأسابيع الأخيرة سمعتم كيف أن الأميركيّين - من رئيس جمهوريتهم إلى باقي المسؤولين - قد افتعلوا أزمة حول استخدام السلاح الكيمائي. أنا لا اقوم بالحكم في المسألة من الذي استخدمه، وإن كانت القرائن تشير إلى أن المجموعات الإرهابية قد استخدمت هذا السلاح. ولكنهم (الأميركيّون) قالوا إن الحكومة السورية قد قامت بذلك، وأحدثوا ضجيجاً وتهويلاً بأنّ استعمال السلاح الكيميائي هو خط أحمر! لقد قال المسؤولون الأميركيّون هذا عشر مرات أو أكثر، صحيح! ولكن هذه الحكومة
 
 
 
 
 
 
 
622

531

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 الأمريكية ونظام الولايات المتحدة نفسه، حين استخدم "صدام" السلاح الكيميائي في حملاته الإجرامية على إيران، ليس فقط أنّهم لم يقوموا بأدنى اعتراض على ذلك، بل زوّدوه بخمسمئة طن من المواد الكيميائية الجاهزة للتبديل بغاز الخردل - حتى الآن لا يزال الكثير من شبابنا العزيز الذين أصيبوا في تلك الأيام يعانون من عوارضها ويتحمّلون الأمراض لسنوات متمادية - لقد استوردها صدام من أميركا التي كانت تدعمه وتساعده، وبالطبع لقد اشترى هكذا أسلحة من أماكن أخرى، ولكن خمسمئة طن من المواد الكيميائية المنتجة لغاز الخردل قد استخدمها، وحين أرادوا إصدار قرار ضده في مجلس الأمن منعتهم أميركا ذلك. هذا هو السلوك المنافق، هنا يصبح السلاح الكيميائي في خط أحمر، وهناك حيث يستعمل ضد نظام إسلامي مستقلّ، ولأنه في مقابل شعب لا يرضى الخضوع لأميركا يُصبح أمراً جائزاً وينبغي المساعدة عليه! هذا بعض من الخصوصيات والشواخص، وبالطبع إن شواخص الاستكبار أكثر من هذا بكثير. حيث يثير الحروب ويزرع الفتن ويصارع الدول المستقلة، بل أنه يصارع حتى شعبه إذا اختصّت مصالح فئة خاصة ذلك، في حرب صدّام ضد إيران ساعدوه في أنواع الدعم الممكن، طرحت مثال الكيميائي، كذلك كانوا يُقدّمون له المعلومات، مدير المخابرات في نظام صدّام صرّح فيما بعد خلال مقابلة بأنه كان يذهب للسفارة الأمريكية في بغداد ثلاثة مرات في الأسبوع حيث كانوا يعطونه رزمة مغلقة تحوي كل المعلومات الاستخبارية المصوّرة بالأقمار الاصطناعية المتعلّقة بحركة نقل ومواصلات القوّات المسلّحة الإيرانية ليطّلع على تموضعها كانوا يقدّمون مساعدات كهذه.


هيكل الاستكبار مزمن
النظام الإسلاميّ يقف في مواجهة استكبارٍ لديه هكذا خصوصيات، النظام الإسلاميّ ليس في مقابل الشعوب والناس بل في مقابل الاستكبار. وهكذا كان الوضع من زمان إبراهيم الخليل والنبي نوح والأنبياء العظام ونبي الإسلام وحتى 
 
 
 
 
 
 
 
623

532

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 يومنا هذا: جبهة الحق في مقابل الاستكبار. لماذا؟ ما هي طبيعة المواجهة اليوم بين النظام الإسلاميّ والاستكبار؟


إن الاستكبار بما لديه من الخصوصيات التي ذكرناها غير قادر على تحمّل نظام إسلامي كنظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. لأن نظام الجمهوريّة الإسلاميّ قد وُجد في الأصل كاعتراض على الاستكبار، انطلقت الثورة لتعارض الاستكبار وعملاء الاستكبار في إيران وتشكلت على هذا الأساس، نمت وترعرعت وقويت وتحدّت منطق الاستكبار. لا يمكن للاستكبار أن يتحمّل هذا، إلاّ حين يُصيبه اليأس، على الشّعب الإيرانيّ والشّباب الفعال والحركيين ولأولئك الذين يؤمنون بوطنهم وترابه لأي سبب من الأسباب ولو كان توجههم غير إسلامي، عليهم أن يوجدوا اليأس عند العدو، يجب إدخال اليأس على (قلب) العدو. 

سبب العداء: استقلالية إيران
من الصعب جداً على الجهاز الاستكباري وعلى حكومة الولايات الأمريكية المتحدة اليوم أن ترى أنه في هذه المنطقة الحساسة من العالم، في غرب آسيا - والتي هي من أكثر المناطق حساسية في العالم سواء أكان في البعد السياسي أم البعد الاقتصادي، الأحداث هنا تؤثّر على كل العالم - يوجد بلد ونظام وشعب قد نهض ولا يعتبر نفسه مرتبطاً ولا تابعاً لهذه القوّة العظمى - حيث يعتبر الاستكبار نفسه قوّة خالدة - يتحرك (النظام) باستقلالية ويخالف الاستكبار بهذا الشكل، ويتمكّن من تجاوز كل هذه المشكلات والصعوبات وكما اعترفوا هم أنفسهم أن (هذا النظام الإسلاميّ) قد تحدّى النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة ووّسع نفوذه وأطلّ كنموذج وقدوة لشعوب المنطقة، إن تحمّل هذا الأمر صعب جداً عليهم.

إنهم يريدون أن يقولوا إنّ حياة الشعوب تتوقف على كونها تعتمد على أميركا، والآن قد نهض شعب ليس فقط لا يعتمد على أميركا، بل إن كل عداوات أميركا له لم تستطيع أن تؤثر عليه، كل ما أقدمت عليه أميركا ومنذ الأيام الأولى (الانتصار
 
 
 
 
 
 
 
624

533

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 والثورة) قد فعلته ولكنها لم تؤثر، يوماً بعد يوم نما (ذلك الشعب) وأصبح أقوى أكثر فأكثر.

 
العداوات التي أظهرت حكومة الولايات الأمريكية المتحدة ورؤساء جمهوريتها المختلفون ضد النظام الإسلاميّ - لا يزعمنّ أحد أن هذا العمل كان في عهد الرئيس الفلاني والآن لم يعد يحصل في العهد الحالي، كلا، جميعهم متشابهون - ومنذ الأيام الأولى للثورة كانت في عهود رؤساء جمهورية أمريكيين مختلفين ولكنهم من النوع نفسه. في البداية حرّضوا القوميات في داخل البلاد، ومن ثمّ حضروا انقلابا على الثورة، بعدها فرضوا على العراق أن يهجم علينا، ثمّ ساعدوا عدوّنا - الذي كان نظام صدام - في الحرب علينا ثم رفعوا راية العقوبات والحظر، ومن ثم أثاروا كل وسائل الإعلام العالمية للوقوف في مواجهة النظام الإسلاميّ، وقد حصل هذا في عهود رؤساء مختلفين ولا يزال يحصل حالياً. في عهد رئيس الجمهوريّة أميركا الحالي، أثناء فتنة 1388هـ ش (2009م) كانت إحدى شبكات التواصل الاجتماعي1- التي كان يمكنها أن تستخدم لمصلحة الفتنة والمفتنين- بحاجة إلى صيانة، طلبت الحكومة الأمريكية منها أن تؤجّل عملية الصيانة على أمل أن يستطيعوا، من خلال هذه الأعمال الإعلاميّة وشبكات "فيس بوك" و"تويتر" وأمثالها، أن يُسقطوا النظام الإسلاميّ، إنها أوهام ساذجة حمقاء! لذلك لم يسمحوا لهذه الشبكة بأن تقوم بأعمال الصيانة والتجديد خلال تلك الفترة، لقد جنّدوا كل الوسائل والأدوات للوقوف في مقابل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، فالحظر والعقوبات هي من هذا النوع أيضاً، وإن الحظر إحدى من هذه الأدوات التي يعتقدون بأنها ستُلحق الهزيمة بنظام الجمهوريّة الإسلاميّة. إن خطأهم هو أنهم لم يعرفوا الشّعب الإيرانيّ، هؤلاء لم يتعرّفوا على عامل الإيمان والانسجام لدى شعبنا، وإن 



1 في العام 2009 طلبت الولايات المتحدة رسمياً من إدارة إحدى شبكات التواصل عدم التوقّف عن العمل- بغية إعادة تجديد الموقع حيث تزامنت مع موسم الانتخابات الرئاسية في إيران - بهدف التأثير على الانتخابات من خلال بث الشائعات والأكاذيب ودفع وتضليل الراي العام ومن المعروف ان لهذه الشبكات امتدادها الواسع في كل البلدان.
 
 
 
 
 
 
 
625
 

534

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 خطأهم هو أنهم لم يتعلّموا أي درس من زلاتهم وأخطائهم السابقة، لذلك كانوا يأملون أن يُركعوا هذا الشعب بواسطة الحظر والضغط وما شابه، هيهات! لدى الجمهوريّة الإسلاميّة تجربة مستمرة طوال 35 سنة تقول إن اقتدار الشعب وصموده هو العامل الوحيد لإبعاد الإزعاج الذي يسببه العدو، هذا هو العامل الوحيد الذي يمكنه أن يدفع العدو إلى التراجع. وبالطبع فإن العدو هو عدوّ! ويستخدم جميع الأدوات، كما ذكرت قد يستخدم الحظر وقد استخدمه سابقاً. إن علينا أن نعرف ما هو الطريق الذي يوصلنا إلى الهدف.


تشكيلات التعبئة: شريان حيوي للنظام
سأذكر بضع كلمات حول التعبئة، ثم سأشير باختصار إلى نقطة حول المسائل الحالية لسياستنا الخارجية. إن التعبئة - وكما قلت - هي مصدر عزةٍ للبلاد والنظام. لماذا؟ لأن معنى التعبئة هو الحضور وسط الناس في مجالات النشاطات الأساسية للشعب والبلاد. إن كل حكومة وكل بلد يكون فيها الشعب حاضراً ويتحرك نحو جهة محددة فانتصارها سيكون حتمياً، هذا أمر مسلّم. تتعرض البلدان للضربات والهزائم حين لا يكون الشعب حاضراً في الميدان وحينما لا يكون الشعب متحدا في (ميدان) العمل. حيثما يحضر الشعب في الميدان ويوجد اتحاد وانسجام بين أفراد الشعب فإن الانتصار والتقدّم حتميان. التعبئة هي نموذج كهذا، هي مظهر من هذا الحضور الشعبي في الميدان وتلاحم الشعوب فيما بينها، ينبغي النظر إلى التعبئة بهذه الرؤية. بالنسبة إلى الصدق - الذي ذكرته في مطلع كلامي - فإنّ التعبئة قد أدّت امتحان الصدق، في الحرب المفروضة في الدفاع المقدّس الذي كان الزمن الصعب للبلاد. وقد نجحت في امتحان الصدق في كل الأماكن أثبتت منظمة التعبئة ومجموعة التعبئة بأنها تتحلى بالصدق. وبالطبع فإن رأينا أن التعبئة غير محصورة بهذا العدد المنتسب إلى منظمة التعبئة، يوجد الكثير من الأشخاص ممن قلوبهم معكم، يشجعونكم ويؤيدونكم ويكنّون الاحترام والتقدير لكم وهم 
 
 
 
 
 
 
 
 
626

535

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 ليسوا داخل منظمة التعبئة، فإنهم من التعبئة أيضاً. أولئك الذين يعتقدون بقيمكم ويحترمونكم، يحترمون جهودكم وخدماتكم وجهادكم، هم برأينا من التعبئة أيضاً.

 
التعبئة حلالة للمشاكل والعقد
الحضور في الميدان هو من أهم الأعمال، قدرات التعبئة هي قدرات حلاّلة للمشاكل وللعُقد. اليوم ولحسن الحظ، يوجد داخل مجموعة التعبئة شخصيات علمية بارزة، شخصيات فنية بارزة، شخصيات اجتماعية، شخصيات سياسية، ناشطون اجتماعيون، أفراد مؤثّرون في أوساط الناس، هم كُثر وليسوا قلّة، لقد كانت التعبئة وحتى اليوم مجموعة إنسانية تتجه نحو الرشد والتسامي، وينبغي أن تستمر هكذا أيضاً.
 
مستلزمات التعبئة: السلوكية والاخلاقية
ما أوصي به أنا العبد لله بأنه يجب تقوية مجموعة التعبئة ورفع مستواها، ولهذا مستلزمات1: مستلزمات أخلاقية وسلوكية وعملية. المستلزمات الأخلاقية تعني أن نربّي الأخلاقيات الإسلاميّة الحسنة في داخلنا، من جملة هذه الأخلاقيات الصبر، ومنه العفو وكذلك الحلم وسعة الصدر والتحمّل، من جملتها التواضع، فلنقوّ هذه الخصوصيات في داخلنا. المستلزمات السلوكية هي أن نمارس هذه الأخلاقيات الحسنة عملياً مع الناس ومع المحيط والمجتمع والآخرين. كان الإمام الصادق عليه السلام يوصي أصحابه بأن يتصرّفوا مع الناس بحيث يقول كل من يراهم هؤلاء أنصار الإمام الصادق عليه السلام2 ويترحموا على الإمام فيكون الأصحاب مبعثاً للتعلق والإعجاب بالإمام.
 
إن سلوككم أيها الأعزاء التعبويون، فرداً فرداً، أنتم أيها الشّباب وأيها الطاهرون،



1 مستلزمات أو متطلبات.
2  الكافي ج 2 ص 233.
 
 
 
 
 
 
627

536

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 أصحاب القلوب الصافية والمنيرة، ينبغي أن يكون سلوك كل واحد منكم مع الناس - وكما ذكرت لكم فإن الكثير منهم هم تعبئة بالمعنى الحقيقي للكلمة - بشكل يقول الآخرون عنده: هؤلاء هم الذين ربّاهم النظام الإسلاميّ، مصدر لجذب المحبّة والاحترام إلى النظام الإسلاميّ والجمهوريّة الإسلاميّة. هذه المستلزمات العملية والجهادية والاجتماعية هي أعمال يجب أن تُنجز، أي تقوية الخصال الحسنة في أنفسنا، التعامل الحنون والخدوم المحبب مع المحيط، العمل الجدّي في جميع الجبهات- جبهة العلم وكذلك جبهة الأنشطة والخدمات للناس، وجبهة العمل وجبهة السياسة وجبهة الإنتاج- حيثما كان لكم حضور فلنعمل بشكل جدّي دون إحساس بالتعب ومع تجنّب الكسل.


هذا الجمع العظيم - عشرات آلاف القادة ممن اجتمعتم اليوم هنا - باستطاعته أن يحرّك البلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة في جميع الجهات الإيجابية وأن يكون مصدراً للاستقرار والثبات وعاملاً لهيبة النظام والحمد لله هو كذلك. إن التعبئة اليوم هي مصدر لهيبة النظام وافتخاره.

دعم الحكومة والمسؤولين، ورعاية الخطوط الحمر
هناك نقطة أذكرها أيضاً فيما يتعلق بالمسائل الأخيرة وهذه المناقشات في ساحة السياسة الخارجية والمسائل النووية والحوار والمفاوضات وما شابه. أولاً أنا العبد أؤكد على دعم المسؤولين الملقى على عاتقهم الأعمال التنفيذية، لقد دعمت جميع الحكومات، إنني أدعم المسؤولين - المسؤولين في الداخل وفي الخارج - وهذا هو واجبنا. لقد كنت شخصياً مسؤولاً تنفيذياً، كنت وسط الميدان، أحسست بثقل العمل وصعوبته بكل وجودي، وأعرف أن عمل إدارة البلاد هو عمل صعب لذلك فهم (المسؤولون التنفيذيون في الحكومة) بحاجة إلى المساعدة، وأنا كذلك أساعدهم وأدعمهم. هذا جانب من القضية وهو حتمي. من الجانب الآخر أؤكد على إحقاق حقوق الشّعب الإيرانيّ ومن جملتها الحقوق النووية، إننا نصرّ بأن لا تراجع عن حقوق الشّعب الإيرانيّ ولو بمقدار خطوة واحدة، بالطبع فنحن لا نتدخّل في تفاصيل 
 
 
 
 
 
 
 
628

537

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 هذه المفاوضات، يوجد خطوط حمراء، هناك حدود ويجب أن تُراعى، لقد قلنا هذا للمسؤولين وواجبهم أن يُراعوا هذه الحدود، وأن لا يكون لديهم أي وهم ورهبة من تهويلات العداء والمخالفين ولا يسمحوا للخوف بأن يتسلل إلى أنفسهم.


الحظر= الحقد الاستكباري لأميركا
على الجميع أن يعلموا أنّ الحظر الذي فُرض على الشّعب الإيرانيّ، سببه الرئيس هو الحقد الاستكباري لأميركا، إن حقد أميركا يشبه حقد الجمل. إنهم يفترضون أن ضغوطهم قد تجعل الشّعب الإيرانيّ يستسلم، إنهم مخطئون، لن يستسلم الشّعب الإيرانيّ لأحد. أنتم لا تعرفوا هذا الشعب، إنه شعب قادر بحول الله وقوته أن يتحمّل ضغوطكم وتهديداتكم وأن يبدلها إلى فرصة له وهذا ما سيفعله الشّعب الإيرانيّ بتوفيق من الله.

كان لدينا في مجال التخطيط الاقتصادي والبرمجة الاقتصادية نقاط ضعف. وهذه النقاط سمحت للعدو بأن يشعر أنه يستطيع النفوذ من خلال الحظر والعقوبات وما شابه، هذه فرصة لنا كي نتعرّف على نقاط ضعفنا ونزيلها وإن شاء الله سنزيل نقاط الضعف هذه.

فشل الحظر ولّد التهديد العسكري 
ولذلك فإنّ الخطر ليس فعالاً (مفيداً) بالنسبة إلى أميركا، وأنا أظن أنهم يعلمون هذا. والدليل على قولنا، أنّهم يعلمون أنّ الحظر والعقوبات ليست فعالة، إنهم يلوّحون بالتهديد العسكري. حسنٌ، إن كان الخطر يحقق هدفكم، فلماذا تهددون عسكرياً؟ هذا يدل على أن العقوبات لا تحقق هدفهم ولا تفيدهم، وبالتالي فهم مضطرون أن يطلقوا التهديدات العسكرية وبالطبع فإن تهديداتهم هي عمل باعث على الاشمئزاز والمزيد من الكراهية لهم، يهدّدون وبشكل متتالي، فليذهب رئيس جمهوريتهم، أو المسؤول الفلاني والناطق الفلاني، عوضا عن إطلاق التهديد والوعيد وليصلحوا 
 
 
 
 
 
 
629

538

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 اقتصادهم المنهار، اذهبوا وقوموا بعمل لا تضطر حكومتكم معه إلى التعطيل لأكثر من أسبوعين، اذهبوا وسدّدوا ديونكم، فكّروا بطريقة لتنظيم عملكم الاقتصادي.

 
نحن أصدقاء مسالمون للشعوب
فليعلموا - كما قلنا سابقاً - إن الشّعب الإيرانيّ هو مع كل شعوب الدنيا "إمّا أخ لك في الدين وإمّا نظير لك في الخلق"1 ويحترم الآخرين، لكن تعامل الشّعب الإيرانيّ مع المعتدي سيجعله يندم، سيوجه للمعتدي صفعة لن ينساها أبداً2. هم يعتبرون أنفسهم ملزمين، أمام النظام الصهيوني وشركاتهم الرأسمالية الصهيونيّة، بأن يطلقوا بعض الكلمات بين حين وآخر، أن ينطقوا بأمور هي مصدر وهنٍ وذِلّة لهم أيضاً. إن النظام الصهيوني في الحقيقة نظام أسسه متزلزلة جداً، النظام الصهيوني محكوم بالزوال، النظام الصهيوني هو نظام تمّ فرضه وإيجاده بالقوّة، لا يوجد ظاهرة أو موجود يمكن أن يستمر ويبقى إذا فُرض بالقوة وهذا النظام ليس قابلاً للبقاء.
 
ذلة رئيس فرنسا أمام الصهاينة
إنّ دفاع بعض الأشخاص، الذين هم مدينون بشكل أو بآخر للشركات الرأسمالية الصهيونيّة، عن هذا النظام الصهيوني المشؤوم، إنما هو إراقة لماء وجوههم. بعض الأوروبيين الذين يتملّقون وللأسف، يذهبون ليتملّقوا أمام هذه الموجودات التي لا يليق بها حتى اسم الإنسان - زعماء النظام الصهيوني في الحقيقة هم مثل الوحوش ولا يمكن إطلاق اسم الإنسان عليهم - إن هؤلاء (الأوروبيين) يحقّرون أنفسهم ويهينون شعوبهم. في أوروبا وفي يوم من الأيام، كان لشعب فرنسا اعتبار لأن رئيس جمهوريتها في ذلك الزمن قد رفض انضمام انكلترا إلى السوق الأوروبية المشتركة بسبب تبعية انكلترا لأميركا. صار هذا مصدر اعتبار لفرنسا. لقد زادت قيمة حكومة فرنسا حينها لأنها وقفت في مقابل أميركا ولم تسمح لإنكلترا - التي



1 من الرسالة 53 نهج البلاغة.
2 ارتفاع هتافات الله اكبر والدعاء بحفظ القائد والموت لأميركا.
 
 
 
 
 
 
630

539

في لقاء أكبر حشد تعبويّ

 كانت تابعة لأميركا - بالانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة، إنّ قيمة واعتبار شعب ما يتحقّق من خلال هكذا مواقف. والآن فإن مسؤولي ذاك البلد لا يخضعون فقط لأميركا بل إنهم يذهبون لتحقير أنفسهم وإهانتها أمام الصهاينة الأنجاس المناحيس. إنّ هذا مظهر لهوان الشعب الفرنسي وبالطبع فإنّ عليه أن يعالج الأمر.


يا شباب اليوم، المستقبل بأيديكم
هناك جملةٌ أقولها لكم أيها الشّباب الأعزاء:
أيها الشّباب! اعلموا، دون أي تردّد أنّ المستقبل المنير والمؤمل لهذا البلد وهذا النظام متعلّق بكم، سوف تتمكنون من الوصول ببلدكم وشعبكم إلى ذروة الافتخار، ستبنون، بتوفيق إلهي، نموذجاً ومثالاً كاملاً للحضارة الإسلاميّ الجديدة على أرض هذه البلاد ومائها، ولكي تُنجزوا هذه الواجبات الكبرى ينبغي أن تنشروا فيما بينكم الدين والتقوى والعفة والطهارة الروحيّة أكثر فأكثر وأن تقووا هذا التوجّه.

إنّ شباب اليوم يحتاج إلى الدين والتقوى والعلم ونشاط العمل والأمانة والعفّة وكذلك إلى تقديم الخدمات الاجتماعية وممارسة الرياضة، هذه خصوصيات يحتاجها الشّباب المعاصر وإن شاء الله ستوفّقون يا أعزائي التعبويون للقيام بهذا العمل.

اللهم! بمحمدٍ وآل محمد بركاتك على هذا الجمع وعلى كل التعبويين.

اللهم! سدّد الشّعب الإيرانيّ للوصول إلى قمم الشموخ يوماً بعد يوم.

اللهم! بمحمدٍ وآل محمد أرضِ الروح المطهّرة للإمام عنا وعن هذا الجمع.

اللهم! بمحمدٍ وآل محمد أرضِ القلب المقدّس لوليّ العصر عنا وعجّل في فرج ذلك العظيم.

اجعلنا من أنصاره والمجاهدين معه والمستشهدين بين يديه.

والسلام عليكم ورحمة وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
631

540

جواب الإمام الخامنئي دام ظلّه على رسالة رئيس الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية

 جواب الإمام الخامنئي دام ظلّه على رسالة 

رئيس الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية

المناسبـة: الاتفاق النووي مع مجموعة الدول 5+1
الزمـــان:
03/09/1392 هـ.ش.
20/01/1435 هـ.ق.
24/11/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
633

541

جواب الإمام الخامنئي دام ظلّه على رسالة رئيس الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية

 بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة قائد الثورة الإسلاميّة المبجّل سماحة آية الله الخامنئي (دامت بركاته)

بعد السلام والتحيات الوافرة
أشكر الله العظيم على أن استطاع أبناؤكم الثوريّون في الأشهر الأولى من بدء عمل حكومة التدبير والأمل، وفي إطار مفاوضات صعبة ومعقّدة، إثبات حقّانية الشّعب الإيرانيّ في نشاطاته النووية على الساحة الدولية، وقطع الخطوة الأولى بحيث تعترف القوى العالمية بالحقوق النووية وحقّ التخصيب للشعب الإيراني - وهو ما حاولت إنكاره لسنين طوال - وفتح الطريق أمام الخطوات الواسعة اللاحقة في حراسة التقدّم التقني والاقتصادي للبلاد. 

لقد أثبت النجاح في هذه المفاوضات أنه يمكن بمراعاة كل أصول النظام وخطوطه الحمراء، وبعرض مواقف الشّعب الإيرانيّ بشكل منطقي ومبرهن، وإتمام الحجّة على الرأي العام العالمي، دعوة حتى القوى الكبرى لاحترام حقوق الشّعب الإيرانيّ، وقطع الخطوات اللاحقة بقوة في طريق حلّ الخلافات بشكل نهائي. 

لا شك أنّ هذا النجاح هو ثمرة العناية الربّانية وتوجيهات القيادة الجليلة للنظام الإسلاميّ والدعم السخي للشعب الإيراني، والنجاح النهائي في هذا المسار هو الآخر رهن باستمرار إرشادات حضرتكم وحماية ودعم الشّعب الإيرانيّ الشريف الصبور.

المكتسبات الأكيدة لهذا الاتفاق الأولي هي الاعتراف الرسمي بحقوق إيران النووية وحماية المكتسبات النووية لأبناء هذا الوطن، وإلى جانب ذلك وبتوقف سياق الحظر الظالم، رفع جانب من الضغوط غير القانونية المتمثلة بالحظر الأحادي الجانب، والبدء بانهيار نظام الحظر. نتيجة لهذه المبادرة من إيران الإسلاميّة
 
 
 
 
 
 
 
 
635

542

جواب الإمام الخامنئي دام ظلّه على رسالة رئيس الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية

 ولصبر الشّعب الإيرانيّ الكبير توصّلت القوى الكبرى لنتيجة أنّ الحظر والضغط لا يجدي نفعاً، وكما أعلنت إيران منذ البداية أن لا سبيل لتحقيق الاتفاق سوى الاحترام المتبادل والمفاوضات المبتنية على العزّة، وهذا هو ما أدركه الطرف المقابل متأخّراً للأسف. لا شكّ أنّ تحقّق هذا الاتفاق هو لصالح كل بلدان المنطقة ولصالح السلام والتقدّم العالمي في سياق منهج الربح - ربح. 


إنّني إذ أبارك هذا التوفيق الإلهيّ لحضرة قيادة الثورة المبجّلة، أشكر إرشادات سماحتكم ودعمها وأشكر وأقدّر الدعم المخلص لشعب إيران الكبير، وأحيّي ذكرى الشهداء النوويين، وأجدّد العهد المخلص لهذه الحكومة في خدمة هذا الشعب الشكور، وأسأل استمرار دعاء سماحتكم وكل أبناء الشعب بالخير لنا. 
حسن روحاني
3 آذر 92

باسمه تعالى
حضرة السيد رئيس الجمهوريّة
ما تم التوصّل إليه يستحق التقدير، والشكر لوفد المفاوضات النووية وسائر العاملين، ويمكنه أن يشكل قاعدة لأي خطوات واعية لاحقة. لا ريب أنّ الفضل الإلهيّ ودعاء الشّعب الإيرانيّ ودعمه هو السبب في هذا النجاح، وسيكون كذلك في المستقبل أيضاً إن شاء الله. يجب أن يكون الصمود (والثبات) أمام حالات الجشع (اللجاجة) دوماً مؤشّر الخطّ المستقيم لمسيرة المسؤولين في هذا القطاع، وهذا ما سيكون إن شاء الله.
السيد علي الخامنئي
3 آذر 92
 
 
 
 
 
 
 
 
636

543

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية


المناسبـة: الذكرى السنوية لتأسيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية
الحــضـور: أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية وأركان النظام 
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
19/09/1392 هـ.ش.
07/02/1435 هـ.ق.
10/12/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
637

544

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية، نُرحِّب بالأخوة الأعزّاء وبأختنا المحترَمة1، ونسأل الله أن يعطيكم العافية والقوة على ما بذلتموه من جهدٍ وعملٍ ومتابعةٍ واهتمامٍ في مجال المسائل المرتبطة بهذه المجموعة. نسأل الله تعالىأن يوفّقكم وأن يعينكم. فنحن نحتاج إلى العون الإلهي والهداية الإلهية في الوصول إلى الفكر الصحيح، وكذلك نحتاج أيضًاإلى عون الربّ في مجال القدرة على تنفيذها وفيما نعتبره صحيحًا، وفيما نتّخذه من قرارات. ينبغي التوسّل والتوجّه إلىالله تعالى،وطلب العون منه. نحن واجبنا أن نُحضرَ همّتنا وجهدنا إلى الساحة، والبركة من الله والعون من الربّ، وإن شاء الله فإنّ الأعمال الثقافية المهمّة أمامنا، ستتقدّم بفضل همّتكم وجهدكم.
 
أهميّة الثقافة والقيم الثقافية
لقد دوّنتُ عدّة نقاط أذكرها للأصدقاء:
أولًا- مسألة أهمية موضوع الثقافة في المجتمع. حسنٌ، بحمد الله، أنتم شخصيّات ثقافية، ولا حاجة لديكم إلى الكلام والتكرار والشرح (إلى الاستدلال على هذا). إنّ مسؤولينا، وبحمد الله، جميعهم من أهل الثقافة، روّاد الساحة الثقافية في الدرجة الأولى. السيد الدكتور روحاني - والذي هو رئيس جمهوريتنا - هو شخصية ثقافية قبل أنيكون شخصية سياسية، حسنٌ، نحن ومنذ سنواتٍ طويلة، نعرفه بهذا الشكل وبهذا



1 السيدة كبرى خزعلي، معاونة رئيس الجمهوريّة للشؤون الثقافية.
 
 
 
 
 
 
 
 
639

545

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 العنوان، من بدايات الخمسينيات1 (الهجرية - الشمسية) ونحن نعرفه كشخصية ثقافية. بحمد الله فإنّ رؤساء السلطات الثلاثة ومسؤولي البلد كلّهم هكذا، وأنتم شخصيات ثقافية، وفي الواقع أنتم ناشطو الساحة الثقافية قبل أيّ عنوانٍ آخر. لذا فإنّه لا يلزم أن أتحدّث معكم حول مسألة الثقافة والقيم الثقافية، وأهميتها للبلد، لكن ما أطلبه منكم هو الاهتمام الخاص من قِبَلكم في إظهار وإبراز هذا الموضوع لأنّكم جميعاً (وحيثما كنتم)، لديكم (وبحمد الله) مكانًا للكلام والتأثير، وعندكم منابر بتصرّفكم، استفيدوا منها، كي تأخذ مسألة الثقافة، في المجتمع وفي نظر نخبة البلاد، المكانة اللائقة والمناسبة لشأنها، هذا أمرٌ مهمّ جدًا.

 
الثقافة ليست هامشًا، هي الأصل
إنّ الثقافة هي هُوية أيّ شعبٍ. القيم الثقافية هي روح الشعب ومعناه الحقيقيّ. كلُّ شيءٍ مرتبط بالثقافة. الثقافة ليست هامشًا للاقتصاد وتابعة له، ليست هامشًا للسياسة وتابعة لها، بل إنّ الاقتصاد والسياسة هما تابعان للثقافة وهامشان لها. ينبغي الالتفات إلى هذا الأمر. لا يمكننا أن نفصل الثقافة عن الساحات الأخرى ونفكّك بينها، وكما أشار إلى هذا الأمر2، حين قلنا: ينبغي أن يكون للمسائل الاقتصادية والمسائل المتنوعة ملفٌّ ثقافيّ مرفَق خاص بها3، فالمعنى هو هذا، المعنى أنّنا حين نريد أن نقوم بحركة أساسية، في مجال الاقتصاد أو السياسة أو العمران أو التقنيات أو إنتاج العلم والتقدّم العلمي، ينبغي أن نلتفت إلى لوازمها الثقافية. يقوم الإنسان أحيانًا بعملٍ ما، عمل اقتصاديّ (على سبيل المثال)، ولكنّه لا يلتفتإلى لوازمه وآثاره الثقافية.نعم، العمل عليه كبير، عملُ اقتصاديّ كبير، ولكن غاية الأمر أنّه يترتّب عليه لوازم وآثار تسبّب أضرارًا للبلد، هكذا هي الثقافة. ينبغي أن نأخذ هذا البُعد الثقافي في جميع المسائل، ولا ندعه يغيب عن بالنا.



1 السبعينيات الميلادية
2 إشارة رئيس الجمهوريّة إلى تأكيد قائد الثورة الإسلاميّ على إعداد ملف ثقافي مرفَق للمشاريع المهمّة.
3 من جملتها إبلاغ السياسات العامة للبرنامج الخامس للتنمية في إطار وثيقة الأفق المستقبلي 1404 21-10-1384 هـ. ش 2008--.
 
 
 
 
 
 
 
640

546

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 التخطيط وعدم الانتظار، تربية الأهداف الثقافية

الثقافة تحتاج إلى التخطيط أيضًا، ينبغي عدم الانتظار والتوقّع بأنّ ثقافة البلد - سواء الثقافة العامة أو ثقافة النُخَب أو ثقافة الجامعات وغيرها - تتحسّن وحدها وبشكلٍ عفويّ وتسير إلى الأمام، كلاّ! إنّ هذا الأمر يحتاج إلىالتخطيط. وبالنسبة إلى مسألة الإشراف والرقابة والرصد وهكذا مسائل، فسأتحدّث عنها لاحقاً، لا يصحّ أن لا يشعر مسؤولو بلدٍ بالمسؤولية، في مجال التوجيه الثقافي للمجتمع. وكما أشار السيد رئيس الجمهوريّة1، فإنّه يجب على الحكومة والمسؤولين أن يهتمّوا بالتيّار العام لثقافة المجتمع، أن ينظروا إلى أين نسير، ما الذي يحدث، ما الذي ينتظرنا، فإذا وُجدت عوائق ينبغي عليهم إزالتها، والعمل على ضبط الموانع والعناصر المخرِّبة والمفسدة والوقوف بوجهها. نحن عندما نقول لبستانيّ وحدائقيٍّ ماهر وخبير بأن: قُم بتعشيب هذا البستان وقلع الأعشاب الضارّة"، فهذا لا يعني أنّنا نقف في وجه نموّ هذه الأزهار وتكاملها أو أنّنا نريد أن نصدر لها أمرًا، كلاّ، بل أنتم في هذه الحال تسمحون لهذه الورود المعطّرة، ذات الرائحة الجميلة، بأن تنمو وتتربّى بحسب طبيعتها واستعدادها، وأن تستفيد من الماء والهواء، ونور الشمس، ولكنّكم إلى جانب هذا لا تسمحون للأعشاب الضارّة بأن تنمو، وإلاّ فإنّها ستمنع تكامل الأزهار. فحين نخالف أحيانًا بعض الظواهر الثقافية بشكلٍ جديّ، ونتوقّع من مسؤولي البلاد- سواءً المسؤولين الثقافيين أو غيرهم- ومن مجلسكم هذا (الثورة الثقافية) أن يقفوا بوجه هذه الظواهر، فلأجل هذا الأمر، أي: إنّ مقاومة العوائق الثقافية لا تتنافى أبدًا مع تنمية وحرية وتربية الأهداف الثقافية المنشودة، هذه النقطة شديدة الأهمية.
 
إزالة العوائق والموانع
ولقد ذكرتُ سابقًا لوزارة الإرشاد (الثقافة)، ولوزيرنا المحترَم الحالي في وزارة



1 إشارة رئيس الجمهوريّة إلى حاجة المجلس إلىقسم للإشراف في الشأن الثقافي.
 
 
 
 
 
 
 
 
641

547

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 الإرشاد، مضمون هذه المطالب، وكذلك تحدّثت مع جناب السيد روحانيّ في هذه المجالات، وأذكرها لكم أيضًا: إنّ إحدى واجبات الحكومة إشرافيًا ورقابيًا أن تلتفت وتهتمّ بهذه العوائق. إذا فرضنا مثلًا أنّه في الثقافة العامة يوجد الآن عامل وآفّة خطرة باسم "الطلاق". افرضوا، والحال هذه، أنّ حركة إعلامية أو إعلانية ظهرت في أنحاء البلاد، تؤدّي إلى إضعاف بنية الأسرة، وتساهم في الطلاق، حسنٌ، إنّكم مجبورون أن تمنعوا هذه الحركة، أي: إنّكم إن أردتم ألاّ يَروج الطلاق في المجتمع، فعليكم الانتباه إلى هذا المعنى، يجب أن تمنعوا هذا الأمر الذي يؤديّ بشكلٍ طبيعيّ إلى جرف الناس والشّباب والشابات نحو عدم الرغبة في العائلة وعدم الاكتراث بمؤسسة الأسرة وتجاهل الزوج أو الزوجة (أحدهما الآخر) من المؤكّد وجود مخالفة وعقبات. هذه مسألة أيضاً.


ثقافة البلد، مسؤولية شرعية
بناءً على هذا، فإنّنا نتحمّل مسؤولية شرعية ومسؤولية قانونية تجاه ثقافة البلد والثقافة العامة للبلد. بالطبع، نحن نرى أنّه، في بعض الصحف والمطبوعات والكتابات والتصريحات والأقوال، يريد البعض، وتحت عنوان "الدين الحكومي" و"الثقافة الحكومية"، أن يحدّوا من إشراف الحكومة وتكوين وصمة خاطئة والعمل على مخالفتها، فيُقال: أيّها السيّد، إنّهم يريدون جعل الدين حكوميًّا، وجعل الثقافة حكوميةً! ماذا يعني هذا الكلام؟ لا يوجد فرق بين الحكومة الدينية والدين الحكومي. الحكومة هي جزء من الشعب، الدين الحكومي هو الدين الشعبيّ، ذلك الدين الذي عند الناس، والحكومة عندها هذا الدين نفسه. الحكومة لديها واجب أكبر بترويج الدين. كلّ من لديه قدرة ينبغي أن ينفق منها، عالم الدين ينبغي أن ينفق بمقدار استطاعته، الطالب الجامعي ينبغي أن يبذل بمقدار استطاعته، وكذلك كلّ إنسان يمتلك منبرًا أو مجالًا للنفوذ والتأثير على الناس، فعليه أن ينفق بمقدار استطاعته. إنّ (الجهة) الأكثر قدرةً من كلّ هؤلاء هي سلطة الحكومة، حسنٌ، بالطبع ينبغي أن
 
 
 
 
 
 
642

548

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 تنفق هذه السلطة بمقدار استطاعتها في سبيل ترويج الفضائل ومنع ما يعيق رقيّ هذه الفضائل. فإذًا، تحتاج ثقافة المجتمع إلى مسؤول يتولّاها، وهي في ذلك كالاقتصاد. 

 
تدخّل الحكومة وإشرافها، واجب وضرورة
في المجال الاقتصادي، أنتم تعتقدون أيضًا بأنّ الاقتصاد ينبغي أن يكون بأيدي الناس، وهذا هو اعتقادنا أيضًا وقد بيّناه في تفسير المادة 441. حسنٌ، هذا لا يعني أن تسمح الحكومة لشخصٍ ما بالقيام بنشاطٍ اقتصاديّ واحتكار وحقّ حصريّ يؤدّي بالنهاية إلى تضرّر النّاس، أنتم تقفون في وجهه، وفي وجه الاحتكارات والانتهاكات والفساد المالي واستغلال الإمكانات الحكومية والعامة، أي أنّكم تقفون أمام هذه العوائق. مع أنّنا نعتقد بأنّ الاقتصاد لا ينبغي أن يكون حكوميًا- أنا العبد كنت أعتقد بهذا منذ البدايات، أي، من ذلك الزمن الذي كان مسؤولونا الحكوميين يسعون وراء الاقتصاد الحكوميّ، لم أكن معتقدًا بهذا، وكنتُ أضرب لهم أمثالًا بهذا المعنى2 - ولكن في الوقت نفسه الجميع يؤيّدون إشراف الحكومة، حتّى أنّ تدخّل الحكومة واجب ضروريّ في بعض الأحيان. وافرضوا مثلًا أنّكم لاحظتم أنّه لا يوجد رغبة عند أحدٍ في العمل الاقتصاديّ الفلانيّ، ولا يوجد نشاط فيه، صاحب رأس المال لا يريد الاستثمار في هذا المجال، أنتم كدولة ماذا تفعلون؟
 
لا شكّ أنّكم تستثمرون في هذا المجال. افرضوا أنّ هناك مادة يحتاجها البلد، وصاحب رأس المال - كتاجر، وبنظرة اقتصادية إلى الموضوع - لم يسعَ وراء التجارة بها، فهي تشكّل ازعاجًا له، ولا يتوقع أرباحًا مناسبة منها. أنتم ماذا تفعلون؟ لا شك أنّكم تستوردون هذه المادة أو أنكم تنتجون هذه المادة المطلوبة. بناءً على ذلك، ومثل هذه الحالات الأخرى، حيث تقوم الحكومة بتكميل النواقص وتصحيح الأخطاء ومنع الانحرافات، فلا شك أنّ هذا المعنى، في مجال الثقافة، أهمّ وأعمق 



1 إبلاغ السياسات العامة للمادة 44- من الدستور.
2 من جملتها في 28-5-1362 هـ. ش1983 م-
 
 
 
 
 
 
 
643

549

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 بدرجات من مسألة الاقتصاد، أنا ذكرت الاقتصاد على سبيل المثال. 

 
بناءً على هذا، فإنّ إشراف أجهزة الحكومة على مسألة الثقافة، ليس بمعنى سلب القدرة والنشاط من الشعب. وكما أشار السيد الدكتور روحاني، وكلامه صحيح1، إنّ الثقافة ترتكز على الشعب، كلّ هذه المجالس للعزاء الحسيني، وكلّ هذه الجلسات الخطابية، وكلّ هذه النوادي الأدبية، وكلّ هذه النوادي العلمية، في الأصل، أي حكومة يمكنها أن توجد كل هذا؟ أين يمكن هذا؟ كلّ هذه الجماعات (صلاة الجماعة) وكلّ هذه الأعمال الثقافية المتنوعة التي تُقام في جميع أنحاء البلاد، إذا فرضنا أنّ الحكومات تريد أن تنجز كلّ هذه الأعمال، بالطبع لا تستطيع، إنّه عمل الشعب. ولكنّ هذا لا يوجب عليكم -أنّكم حين تلاحظون مثلًا، حركةً تجري في هذه الأعمال الشعبية ذات تأثيرات اجتماعية ضارّة - أن لا تتدخّلوا وتقولوا لا شأن لنا، كلا، هُنا من الضروري أن يتمّ التدخّل والإشراف والعمل. 
 
تمسّك الغربي بثقافته، ليس أقلّ من تمسّكنا
الآن، عندما ينظر الإنسان، يرى وللأسف، أنّ بعض الذين لا مسؤوليات لديهم في الأجهزة الرسمية والمؤسسات وما شابه يتحدّثون بطريقة غير مسؤولة، حيث إنّهم ينظرون إلى الادعاءات التي تُطلق في البلدان الغربية حول الحرية وما شابه، والحال أنّ الواقع ليس كذلك. إنّ إصرار الغربيّ وتمسّكه بقيمه الثقافية ليس أقلّ منا، بل أكثر. افرضوا أنّ العرف والثقافة في البلد الفلاني يفرض أن يكون في مراسم لقاء رئيس الجمهوريّة، المشروب المعيّن الفلاني. اذا قال رئيس جمهورية ما:إنني لا أريد ذلك، يتمّ إلغاء اللقاء من أساسه! وقد حدث هذا الأمر بالفعل وشاهدناه بأنفسنا في زماننا هذا، لعلّ أكثركم تعلمون هذا، ولديكم اطلاع عليه. اذا لم يقبل شخص أن يضع ربطة العنق (الكرافات) وأراد المشاركة في مجلس رسمي، يُقال له: إنّ هذا مخالف "للبروتوكول"، لا يمكن أن يحضر هناك، يجب 



1 إشارة رئيس الجمهوريّة إلى ضرورة المشاركة الشعبية في مسألة الثقافة.
 
 
 
 
 
 
 
 
644

550

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 عليكم حتمًا أن تضعوا ربطة عنق أو "بابيون"! حسنٌ، ما هو هذا؟ إنها الثقافة ولا غير، إنّهم متعصّبون ومتمسّكون بها إلى هذه الدرجة.

 
الاختلاط ليس مساواةً!
مسألة الاختلاط بين النساء والرجال، والتي أطلقوا عليها اسم المساواة، وهي للأسف ليست مساواةً، بل هي اختلاطٌ بين النساء والرجال، اختلاطٌ مضرّ، مملوء بالسموم المهلكة، وهو بلاء موجود في المجتمعات اليوم، وأكثر ما يسود المجتمعات الغربية نفسها. واليوم قد أدرك علماؤهم أنّ هذا المسار هو مسار لا نهاية له أبدًا، أي أنّها حركة مستمرة بهذا الشكل، وإنّ النّهم الذي لا يمكن إشباعه للطبع الانساني سيؤدي بهذه الحركة إلى "بلاد المجهول والضياع". هم يعتبرون الاختلاط أحد أصولهم، إن لم تقبلوا أنتم بهذا، فإنّهم يطردونكم، ويرفضونكم ويذمّونكم1، أي أنّهم متعصّبون أكثر منّا ويتمسّكون بأشياء لا يرضاها العقل. أو على سبيل المثال، هذه الحفلات التنكّريّة الرائجة في البلدان الغربية، وتلك الفجائع التي تحدث هناك، والتي تحتاج قصتها لشرح يطول، المقصود أنّهم متعصّبون أكثر منّا، ويعاندون أكثر منّا لأجل قيمهم الثقافية، والتي هي في الواقع ضدّ القيم أيضًا (منافية للقيم). لماذا لا نصمد نحن ونتمسّك بإصرارٍ بثقافتنا؟ بناءً على هذا، فإنّ أهمية الثقافية والاهتمام بها هي مسألة تقع مسؤوليتها، بالدرجة الأولى، على مسؤولي البلد. ومجلسكم هذا (المجلس الأعلى للثورة الثقافية) هو المحل الأعلى (لتحمّل المسؤولية).
 
لِقرارات المجلس الأعلى حكمُ القانون 
المسألة الثانية: هي ما يرتبط بهذا المجلس، فالمجلس الأعلى للثورة الثقافية هو أحد الابتكارات المباركة، بالفعل، للإمام العظيم. في البداية، كان هناك لجنة ً



1 أو يعيبون ذلك عليكم.
 
 
 
 
 
 
 
645

551

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 للثورة الثقافية، وفيما بعد، حين عُرض اقتراح تشكيل مجلس أعلى للثورة الثقافية، وافق فورًا دون أي تردّد أو أي سؤال وجواب، وأصدر حكمًا فوريًا نافذًا. ثم سألته - وكنت حينها رئيسًا للجمهورية - هل لقراراتنا حكم القانون، فأجاب الإمام: يجب العمل بالمقررات (الصادرة عن المجلس). أي:إنّه منح للقرارات حكم القانون. وهذا كان من الأعمال المهمة للإمام العظيم. وصحيح ما قاله الدكتور روحاني من أنّ هنا أعلى وأفضل مركز، أي:إنّه لا توجد أي حكومة يمكن أن تستغني عن هكذا مجموعة، والحمدلله فهذا رأسمال كبير.


أهم ما لدى هذا المجلس هم أعضاؤه المحترمون، أي أنّه في الواقع، هذه المجموعة المتشكّلة - سواءً من أعضاء حقيقيين أو أعضاء حقوقيين - هي المجموعة الأفضل، وها أنتم هنا. حسنٌ، رئيس هذا المجلس هو رئيس الجمهوريّة، أي رئيس السلطة التنفيذية في البلد، نائباه كذلك، رئيس مجلس الشورى الإسلاميّ ورئيس القوة القضائية. هذا أمر بالغ الأهمية، هذه شخصيات ثقافية، من أهل الثقافة، ومن المتحسّسين للمعاناة الثقافية،الذين تحضر عندهم مسألة الثقافة دومًا كمسألة أساسية، وكذلك أعضاء المجلس، فهُم شخصيات مهمة. إحدى أهم خصائص هذا المجلس ونقاطه المهمة، هي أنّه يمنع من أن تتّبع مسألة ثقافة البلد تقلبات التيارات السياسية والأجنحة السياسية. هذا أمر مهم جدًا، بحيث تنجو الثقافات من حالة الإجراءات اليومية.

للمجلس هذه المكانة الثابتة والمستقرة في جميع الحكومات المتوالية -يتغيّر أحيانًا بعض الأعضاء، ولكن هذا التغيير لا يُضعِف التركيب المهمّ لأعضاء المجلس الحقيقيين والحقوقيين - وهذه المكانة تمنح ثباتًا لحركة البلد الثقافية. ولقد أُنجزت أعمال مهمة في هذا المجلس، ولعلّني أشير إليها لاحقًا. ما أريد أن أؤكد عليه، في هذا القسم المتعلّق بالمجلس، هو أنّ على أعضاء المجلس أن يؤمنوا بهذا المجلس، ويعتقدوا (بقدراته)، آمِنوا وصدّقوا بأنّ ها هنا المقرّ المركزي لثقافة البلد، آمنوا وصدّقوا بأنّ ها هنا مركز قيادة المسائل الثقافية الأساسية للبلد،
 
 
 
 
 
 
646

552

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 ومركز تخطيط سياساته. ينبغي على أعضاء المجلس أن يلتفتوا إلى هذا، (من خلال) الحضور المستمرّ، سواء حضور الأعضاء بشكل مستمرّ أو حضور المجلس نفسه. أي: إنّ هذا المجلس لا يتحمّل التعطيل. حسنٌ، (عندما يكون) لرؤساء البلاد سفر، يذهبون إلى هنا وهناك، ينبغي أن لا يعطّل هذا الأمر عمل المجلس، ينبغي على المجلس أن يتابع ويستمر، أي:إنّ الآليات المقرّرة لإدارة المجلس هي لأجل منع تعطيل هذا المجلس. وهذه أيضًا، مسألة متعلّقة بالمجلس. فيما يتعلّق بالمقررات المصدّقة، أجل، إنّ لي كامل الاعتقاد بأنه ينبغي التصدي للكليّات والمسائل الأهم، المسائل البنيوية والبنى التحتية، هذا الأمر الذي تمّت رعايته خاصة في السنوات الأخيرة الماضية. كنّا سابقًا منزعجين جدًا، لأنّ مسائل فرعية كانت تأخذ أحيانًا أوقاتًا طويلة لبحثها، في ذلك الزمان، في الستينيات (الثمانيات الميلادية) حين كنت أنا - العبد لله - في المجلس أيضًا، كنا نعاني من هذه المشكلة حيث كانت تضيع أوقات طويلة أحيانًا لأجل شخص ما، بينما تبقى الأعمال الأصلية معطّلة، ولكن، بحمد الله، اليوم ليس كذلك.


ضمانة التنفيذ، عهدة مختلف الأجهزة
المسألة الثالثة:هي مسألة ضمانة التنفيذ، مقررات المجلس ينبغي أن تُنفّذ، الآن إذا قمتم بتدوين آليات لضمانة التنفيذ، فبها ونعِمت، ولنفترض أنّه لم يصدر آليات خاصة لضمان تنفيذ مقررات المجلس، فإنّ حضور رئيس الجمهوريّة ورئيس السلطة التشريعية لوضع القوانين والتشريعات - في الحالات التي تستدعي تشريع القوانين - وحضور الوزراء المحترمين ومسؤولي الأجهزة المعنيّة بحد ذاته -ينبغي أن يكون بمثابة ضمانة للتنفيذ، أي أنّكم، افرضوا مثلًا أنّ الخلاصة العلمية الشاملة - في الواقع من الأعمال الكبرى للمجلس، صياغة وثيقة الخارطة العلمية الشاملة للبلد وهو عمل جيد جدًا، وكذلك فإن آليات تنفيذية جيدة قد قُررت له، وهي جزء من الأعمال - عندما تصدر فإنّ الأجهزة التنفيذية، وكلٌّ بحسب دوره، ينبغي أن
 
 
 
 
 
 
 
647

553

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 تتابع إنجاز هذا العمل، أو مثلًا وثيقة الهندسة الثقافية1- حيث سمعت بأنّ العمل فيها قد شارف على الانتهاء أو أنّه انتهى - وينبغي حتمًا أن يتمّ إعداد آليات تنفيذية له كي يتحقق، أو وثيقة الجامعة الإسلاميّ أو وثيقة التحوّل البنيوي للتربية والتعليم والتي يتعهد وزير التربية والتعليم المحترم بتطبيقها عمليًا، أو الوثيقة الاستراتيجية لنخب البلاد - وقد شاركتُأنا في ذلك اللقاء - وهي وثيقة بالغة الأهمية والتي ينبغي على معاونيّة رئيس الجمهوريّة متابعتها، وخلاصة القول: يجب على أعضاء المجلس وعلى الأجهزة الثقافية أن يقبلوا ويؤمنوا بأنه قد جعلنا هذا المكان مقرًّا مركزيًا.

 
الهجوم الثقافي أهمّ وأخطر من العسكري!
من الممكن أن يكون إطلاق كلمة "مقرّ" ثقيلًا على مسامع البعض - لأنّ المقرّ هو مصطلح حربي، مصطلح عسكري - فيقول: يا سيد إنّ المقرّ هو للمسائل العسكرية، أنتم - حتى في المسائل الثقافية أيضًا - لا تتخلّون عن الفكر العسكري؟! حقيقة القضية أنّه إن لم يكن الهجوم الثقافي أهم من الهجوم العسكري وأخطر، فإنّه ليس بأقل منه ولا أخفّ، اعلموا هذا الأمر، أي أنّكم تعلمون أنكم هنا في ميدان هجوم وصراع أيضًا،وخاصة في المقر العسكري، فإنّ الأمر كذلك، ليس للمقر مسؤولية تنفيذ مباشرة، بمعنى أن يتبع له مجموعة خاصة، ولكن الفرق والوحدات العسكرية توضع تحت تصرفه، وبتعبير العسكر، فإنه يوضع في الضبط والسيطرة العملاتية. 
 
عندما ننشئ مقرًا عسكريًا، يقول الحرس الثوري مثلًا:إنّ عددًا من وحداتي سيكون خاضعًا للضّبط العملياتي لتلك التشكيلات، ودعم وإمداد تلك الوحدات يرجع الى ذلك التشكيل - الجيش أو الحرس أو جهة أخرى - وأما إدارة هذه الوحدات وتوجيهها فيقع على عاتق المقرّ، أي: إنّه ينبغي ملاحظة هكذا حالة هنا (في المجلس). 
 
على أي حال، فإنّ هذه الوثائق التي أعددتموها - وهي وثائق جيدة جدًا وأنا ذكرت



1 رسالة الإمام الخميني رضوان الله عليه- إلى رئيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية.
 
 
 
 
 
 
 
648

554

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 أسماء بعضها فقط، وبالطبع هي أكثر من ذلك - خذوها بمنتهى الجدية ولا يكن الأمر، مثلًا، بأنّ وثيقة تتعلق بقطاع التعليم العالي أو تتبّع وزارة الصحة أو التربية والتعليم أو وزارة الإرشاد (الثقافة)، فيقوم المجلس بإعداد الوثائق وتصديقها، ومن ثم يسلّمها إلى ذلك القطاع وينسحب متنحّيًا. كلا! المصلحة لا تقتضي هذا. ينبغي للمجلس أن يتابع إشرافه على جودة التنفيذ، وحتى انتهاء العمل، أو على الأقلّ حتى يسير هذا العمل في مساره المطلوب ويتأكد المجلس أنّ العمل يُنفّذ كما يجب. بناءً على هذا، نعتقد أنّ مسؤولية المجلس كبيرة أيضًا في مجال ضمانة التنفيذ.


قضية الغزو الثقافي، واقع موجود
المسألة الرابعة التي نعرضها، هي مسألة الغزو الثقافي. قبل عدة سنوات، طرحنا بحث الغزو الثقافي هذا، وأنكر بعضهم أصل وجود هذا الغزو، قالوا: أي غزو؟ ثم شاهدوا فيما بعد وبشكل تدريجي أنّه ليس نحن (فقط) من يقول ذلك، فقد طرحت العديد من البلدان غير الغربية مسألة الغزو الثقافي، وصرّحت بأنّ الغربيّين يقومون بغزو ثقافي ضدنا، بعدها، ثم بعد ذلك، ظهر أنّ الأوروبيين أنفسهم صاروا يقولون أيضًا أنّ أميركا تقوم بغزو ثقافي ضدنا! 

لا بدّ أنكم شاهدتم وقرأتم ما قاله الأوروبيون من أنّ الأفلام الأميركيّة، والكتب الأميركيّة تغزونا ثقافيًا وتؤثر على ثقافتنا! وأخيرًا وببركة اعتراف الآخرين، فإنّ الكثيرين ممن كانوا ينكرون هذه المسألة قبلوا كلامنا واعترفوا بوجودها. إنّ الغزو الثقافي هو واقع موجود. وحاليًا فإنّ المئات- أنا أقول الآن المئات، ويمكن قول الآلاف، منتهى الأمر، أودّ أن أحتاط قليلًا في مجال الإحصاءات، فأقول المئات - من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والأنترنتية والمكتوبة في العالم، تعمل الآن على استهداف إيران! الهدف هو إيران! ليس أنّهم يقومون بعملهم (المطلوب) فحسب، هناك حالة تفترضون فيها، أنّ إذاعة البلد الفلاني أو تلفاز البلد الفلاني يقومان بعملهما كالمعتاد، كلا، ليس الأمر كذلك. الأصل أنّ هدفهم هنا، يعدّون برامجًا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
649

555

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 باللغة الفارسية ثم يلائمونها مع وقت استماع الناطقين باللغة الفارسية، يرصدون قضايانا وبناءً عليها، يختارون المواضيع والمحتويات لوسيلتهم الإعلامية، وبالتالي من الواضح جدًا أنها تستهدف إيران. هم أنفسهم يصرّحونبذلك، ولا ينكرونه.


أدوات ووسائل الغزو، نماذج، افلام ودعاية
بناءً على هذا، فإنّ الغزو الثقافي هو حقيقة موجودة يريدون التأثير على ذهن شعبنا وعلى سلوك شعبنا، من الشّباب والفتيان وحتى الأطفال. وإنّ الألعاب الأنترنيتية هي من جملة هذه الأمور، الألعاب والدمى التي تُستورد إلى البلد هي كذلك أيضًا، وكم تحسَرتُ على موضوع إنتاج ألعاب ودمًى محلية جذابة وهادفة، مطالبًا بعض المسؤولين بأن يتابعوا هذا العمل، والحمد لله، يظهر أنّ هناك قرارًا قد اتُخذ في هذا المجال. والآن، إن شاء الله تابعوا أنتم أيضًا هذا القرار حتى يُنفّذ عمليًا.

حسنٌ، قام أصدقاؤنا في احدى المؤسسات الناشطة بصناعة دمًى جيدة، كانت نوعيتها جيدة، في البداية، ثارت ثائرة الجهة المقابلة- أي المخالفون الأجانب - بأنّ هؤلاء قد صنعوا هذه الدمى في مواجهة "باربي" وأمثالها، ولكنّها لم تصل إلى الهدف المنشود. أنا قلت لهم:إنّ مشكلة عملكم هي أنكم قد جئتم وأحضرتم إلى الأسواق دمية بنت وصبي بالاسم الفلاني، لكن أولادنا لم يكونوا يعرفون هذه الدمى بالأصل - لاحظوا، حين نقول "ملف ثقافي مرفق"، فهذا ما نعنيه - حسنٌ، إنّها دمية فقط، والحال أنّ الولد عندنا يعرف "الرجل العنكبوت" ويعرف "الرجل الوطواط" حيث أُنتجت عشرة أو عشرون فيلمًا (عن هذه الشخصيات) والولد قد شاهد هذه الأفلام، فيما بعد عندما يشاهد هذه الدمية التي كانت في الفيلم، في المتجر، سيقول لأبيه وأمه: اشتروا لي هذه، فهو يعرف هذه الدمية، هذا هو المرفق الثقافي. كان عليكم، عندما صنعتم هذه الدمية، إضافةً إلى اللعبة نفسها، أن تنتجوا عشرة أو عشرين فيلمًا للأطفال، للتعريف والترويج لهذه اللعبة بين الأطفال، حين تصبح معروفة فسيشترونها بأنفسهم. ولكن، عندما لم تُعرّف ولم تنزل إلى الأسواق فإنّها
 
 
 
 
 
 
 
650

556

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 تتعرّض للإفلاس، وقد أفلست. أي أنّه ينبغي الانتباه بدقة إلىهذه الدرجة. على أي حال، فإنّ الغزو الثقافي، بهذا الشكل، هو واقع موجود.

 
أقوى وسائل الغزو، ترويج اللغة
كتب تعليم اللغة. حسن، انتم تعلمون، لقد راج حاليًا تعلم اللغة الإنكليزية - خاصة الإنكليزية لكن حاليًا، اللغات الأخرى أقل منها بكثير- بحيث يتم افتتاح الكثير من المعاهد والمراكز. حسن، يوجد مراكز تعليم، كل كتب تعليم اللغة الإنكليزية، والتي تمّ إعدادها بشكل متقن وبأساليب جديدة ومؤثّرة، هي ناقلة لنمط الحياة الغربية، أسلوب العيش الإنكليزي. حسن، عندما يدرس ولدنا، فتانا وشابّنا هذه الكتب، فإنّه لا يتعلّم اللغة فقط، حتى إنّه من الممكن أن ينسى تلك اللغة، لكن أكثر ما يترك أثرًا فيه هو ذلك الانطباع والتأثير الذي يحصل عند قراءة هذا الكتاب، عن نمط الحياة الغربية، فهذا يبقى ولا يزول، إنّهم يقومون حاليًا بهذه الأعمال.
 
المطلوب: العمل والإبداع
حسن، ما العمل الواجب في مواجهة هؤلاء؟ يوجد أمران مطلوبان في مقابل هؤلاء: أحدهما "العمل" والآخر "الإبداع"، هذان العملان والأمران المهمان ينبغي وضعهما نُصبَ أعيننا، يجب علينا العمل، والعمل يجب أن يكون إبداعيًا أيضًا.
 
ترجمة الكتب وإنتاج الأفلام
بالتأكيد، فإنّ مسؤولية الإذاعة والمرئي والمسموع في هذا المجال ثقيلة وكبيرة جدًا. مسؤولية وزارة الإرشاد (الثقافة) ثقيلة جدًّا. أظنّ أنّني قلتُ هذا للسيد جنّتي1، أحد أعمالنا (المطلوبة) هو إصدار الكتب وترجمة الكتب. أنظروا أنتم لتروا في هذا العالم ما هي الأشياء التي تُنشَر وتُصدَر، وتكون معرفتها ضرورية



1 وزير الثقافة والإرشاد الإسلاميّ.
 
 
 
 
 
 
 
651

557

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 للشّاب الإيراني، ثمّ قوموا بترجمتها، ادفعوا المال للمترجمين، كي يُترجموا لكم كما يفعل الآخرون - أنا آنس كثيرًا بالكتاب، وأقرأ الكثير من الكتب، وعندي اطّلاعٌ كبير على ما يجري في سوق النشر وأحدث الإصدارات. هناك أعمال تجري الآن، صاحب رأس المال يدفع للمترجم أموالًا طائلة طالبًا منه ترجم لي الكتاب الفلانيّ ولقد سألتُ أحد أولئك السادة: هل يأتي المترجم إليكم ويراجعكم أم أنتم تذهبون إليه؟ "قال: لا، نحن نذهب إلى المترجم ونطلب منه"، ما يقوله صحيح، إنّهم يبحثون عن مترجم ويجدونه، كي يترجم لهم. حسنٌ، يجب عليكم أنتم - أيضًا - أن تقوموا بهذا العمل، ترجِموا الكتب، ألّفوا وانشروا الكتب، أنتجوا الأفلام. 

 
أنتجوا أعمالًا إبداعية!
نحن اليوم، وبحمد الله، نمتلك قدرة عالية على إنتاج الأفلام. لقد قلت للسيد الدكتور روحاني - قبل مدّةٍ وجيزة - أنّني شاهدت مؤخّرًا فيلمًا إيرانيًّا، والحقّ والإنصاف أنّه من جهة الأسلوب والإتقان والاحتراف، يُضاهي مستوى الأفلام الجيِّدة في هوليوود. وإنّه لأمرٌ مهمّ، حيث إنّنا نمتلك الآن هذه القدرات والإمكانيّات في البلد، بحيث نستطيع إيصال رسالتنا وإيضاح المفاهيم السليمة. الفيلم هو شيءٌ جذّاب، السينما هي أداة شديدة الجاذبيّة، وسيلة إعلام ممتازة، أي إنّه حاليًا لا يوجد شيء آخر كالسينما، من حيث القدرة على التأثير، حسنٌ، اعملوا على هذا المجال، أنتجوا أعمالًا إبداعيّة، وهكذا بالنسبة إلى الألعاب وكذلك ألعاب الحاسوب، والدُمى أيضًا. هذه أشياء مطلوبة وضروريّة. لقد أصبحت البندقيّة هي اللعبة الرائجة لدى أطفالنا! ما هذا! والأميركيّون الذين سبقونا بكثير في هذا المجال1، ها هم اليوم نادمون وحائرون لا يدرون كيف يعالجون الموضوع. فأولادنا الذين كانوا يلعبون ألعابًا جيّدة مليئة بالنشاط وتجمع بين الرياضة واللعب والتسلية2 - كانت هذه 



1 العنف في ألعاب الأطفال.
2 ومن الألعاب التي ذكرها القائد أثناء كلامه: لعبة "الكدولك" وهي لعبة رمي الخشبة. "كركم به هوا": لعبة تشبه اللّقيطة عندنا.وكذلك لعبة " خط كش ولي لي": تشبه لعبة الـ"x" والقفز في المربعات.
 
 
 
 
 
 
 
652

558

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 ألعاب أولادنا - فأحضرنا هؤلاء الأولاد وأجلسناهم أمام الإنترنت، حيث لا حركة ولا نشاط بدنيّ، ولا نشاط روحيّ، ويتمّ السيطرة بواسطتها على أذهانهم من قِبَل الطرف المواجه لنا. حسنٌ، تعالوا وأنتجوا ألعابًا، وروّجوا لألعاب، هذه الألعاب التي ذكرتها الآن وعشرات الألعاب الأخرى المشابهة والتي كانت رائجة بين أولادنا منذ القِدَم، أعيدوا إحياءها وقوموا بالترويج لها، فهذا من الأعمال المطلوبة، نشر هذه الألعاب والترويج لها. لا ينبغي لنا أن ننتظر دائمًا، لنرى الغربيّين وأيّ ألعابٍ يتبنّون ويدعمون، فنقوم نحن بدورنا بدعم هذه الألعاب. حسنٌ، أنا لا أودّ الآن أن أقول شيئًا عن بعض هذه الرياضات، ولكن، لابأس، إنّ الكثير من الأعمال الجيّدة هي لنا، لقد قلتُ سابقًا إنّ لعبة "تشوكان" (البولو) هي لنا، وقام الآخرون بتسجيلها باسمهم1، حسنٌ، قوموا بالترويج لها. الرياضة التراثيّة "زورخانه" (الفتوّة) هي رياضة جميلة وفنيّة، روّجوا لها، ادعموا هذه الألعاب وسيروا بها إلى الأمام وروّجوا لها، كي يرغب الأولاد بها ويمارسونها.

أولادنا - أحفادي - يعرفون جيِّدًا أسماء لاعبي ونجوم كرة القدم، يتحدّثون عنهم واحدًا واحدًا وبشكلٍ متكرّر، ولكنّهم لا يعرفون اسم العالم الفلانيّ المعاصر على سبيل المثال، اذكروا لهم اسمه فلا يعرفون من هو، هذا أمرٌ سيّئ، يجب علينا العمل على هذه الأمور.
 
إنّني أقول: إنّ علينا في مواجهة مسائل الغزو (الثقافيّ)، أن نتعرّف على الظاهرة عند أول انتشارها، وحتى قبل أن تصل إلينا، افرضوا بأنّ شيئًا ما، فكرةً ما، أسلوبًاما قد انتشر في العالم، وواضح أنّه سيصل إلى هنا - فالعالم اليوم عالم اتّصالات وتواصل وارتباط ولا يمكن إقامة أسوار- قبل أن يصل هذا الأمر، عليكم أن تفكّروا: ما هو أسلوب التعامل الحكيم معه؟ وهذا لا يعني أنّنا دائمًا نرفض (ما يصل إلينا)، كلّا، يوجد أحيانًا ظاهرة يمكن أن نقبلها، وأحيانًا، يوجد ظاهرة يمكننا إصلاحها، أو ظاهرة يمكننا أن نضيف عليها ملحقًا فتزول مشكلتها وآثارها السلبيّة. إنّ التأخّر



1 إشارة إلى تسجيل رياضة "تشوكان" البولو في اليونيسكو هذا العام باسم جمهورية أذربيجان.
 
 
 
 
 
 
 
653

559

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 في النهوض والتصدّي، والإدراك والتفكير في المعالجة - يؤدّي إلى هذه المشكلات التي تجعلكم في أوضاع، لا يمكن لكم مواجهتها. فإذاً، أنا لا أقول بأن نكون فقط في حالة دفاعيّة- بالتأكيد حين يكون هناك هجوم، يجب على الإنسان أن يدافع، هذا لا شكّ فيه - توصيتي ليست فقط بالحالة الدفاعية، لكن ينبغي علينا التحلّي بالموقف الإثباتي، الوضع الهجوميّ، حالة الحركة الصحيحة. وعلى أيّ حال، فإنّه وفي مقابل الثقافة المهاجمة، إنّ أسوء عمل هو الانفعال، أقبح عملٍ هو الانفعال، أكثر عمل مؤدٍّ لأفدح الخسائر هو الانفعال. لا ينبغي أن تجعلنا الثقافة المهاجمة في موقع ردّة الفعل والانفعال، الحدّ الأقصى هو أن نقول: حسنٌ جدًّا، إنّنا في مواجهة هذا الهجوم لا يمكننا أن نقوم بأيّ حركة! ولكن لا نصبح منفعلين1. الانفعال وتقبّل هجوم العدوّ هو خطأ ينبغي اجتنابه.

 
معدّل سرعة التقدّم العلميّ الأعلى في إيران!
المسألة الخامسة التي سجّلتها هنا، هي مسألة العلم في الجامعات وفي مراكز الأبحاث، ولحسن الحظّ، لاحظت أنّ السيد الدكتور روحانيّ قد لفت إليها. مسألة العلم بالغة الأهمية، أولاً، إنّ هذا التقدّم العلمي لدينا خلال العشرة سنوات الأخيرة هو واقعٌ حقيقيّ، بعضهم لم يصدّق هذا الأمر، حتّى أنّ البعض أنكره. هناك شخصٌ عزيز- لكن بما بعض الأصدقاء الحاضرين في هذا اللقاء يعرفون من أعني، لا أريد أن أذكره بالاسم - وفي بدايات تلك الفترة التي طُرحَت فيها القضية النووية مسألة "أجهزة الطرد المركزية" وما شابه وصارت هذه العناوين تتكرّر، كتب لي رسالة قال فيها: أيّها السيد، إنّ هذا الكلام هو كذب، لا تصدّق - هذه المسألة وأظنّ أيضًا مسألة الخلايا الجذعية، والآن لا أذكر بالضبط، رسالته موجودة بين أوراق ملفّاتنا - لا تصدّق أولئك الذين يزوّدونك بالتقارير، فلا صحّة لكلامهم، إنّه خلافٌ للواقع!" هذا الشخص نفسه هو إنسانٌ عالم، إنسانٌ محترم وأنا أثق به، وكذلك 



1 أي: في هذه الحالة.
 
 
 
 
 
 
 
654

560

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 فأنّني أحبّ ذلك الشخص، ولكنّه لم يصدّق، بالتأكيد نحن صدّقنا، والحمد لله، فإنّ هذا التصديق يتأكّد يومَا بعد يوم. بعد عدّة سنوات كان عندنا لقاء هنا وكان بعض الأصدقاء الحاضرين الآن موجودين في ذلك اللقاء، ذلك الشخص العزيز نفسه التفت إليَّ وقال أنّه في جامعاتنا لا يوجد ترحيب بهذه الإنجازات التي يقوم بها شبابنا وبدأ يشتكي، من الجهة الأخرى للقضيّة، أي:إنّ شبابنا اليوم يقومون بأعمالٍ كثيرة ولكنّها لا تحظى بالدعم والتأييد. تذكّرت حينها كلامه قبل سنوات حين قال لي إنّ هذه الإنجازات هي كذب. كلاّ يا سيّد، هذه الإنجازات صحيحة، أن يكون لدينا معدّل سرعة تقدّم علميّ أكثر بثلاثة عشر ضعفًا من المتوسط العالمي للنموّ العلمي، هو أمرٌ صحيح، وهذا ما قاله الآخرون، خصومنا قالوا هذا. في القطاعات المتنوعة، فإنّ شبابنا، بحمد الله، استطاعوا القيام بأعمالٍ كبرى واجتهدوا وتقدّموا. توصيتي لوزير التعليم العالي المحترَم ووزير الصحة المحترَم، وبشكلٍ خاص: لا تدعا دورة الحركة هذه تخفّ وتبطئ مسيرها. قوما بتنمية هذه الدورة بقدر استطاعتكما وبتسريعها والتقدّم بها. 

 
تسييس الجامعات، يُبطئ عجلة التقدم العلمي
إنّ تسييس الجامعات من العوامل التي تقف في وجه هذه الحركة، فيلتفت السيد فرجي دانا1 والسيد هاشمي2، لا تدعا الجامعات تصبح مسرحًا لاستعراض الحركات السياسية. فأن نقبل بأن يصبح شبابنا المولّد المحرّك للتحوّلات السياسية، هذا رأيي وكلامي. حين قلتُ سابقًا هذه المسألة، ألقى عليَّ بعضهم، من هؤلاء السادة الذين يتغنّون بالجامعة، اللوم وعاتبوني بأنّك قد حمّستَ هؤلاء الشّباب وبعث فيهم الهياج، كلاّ! فأنا أؤمن بهذه القضية، الجيل الشاب في أيّ مجتمعٍ هو المحرّك المولّد للتحوّلات الاجتماعية والتحوّلات السياسية، وخاصة 



1 وزير العلوم والأبحاث والتقنيات.
2 وزير الصحة والاستشفاء والتعليم الطبيّ.
 
 
 
 
 
 
655

561

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 الشاب الجامعيّ، فإنّ طبيعته هكذا. هذا كلامٌ آخر، مختلف عن مسألة جعل الجامعات مكانًا تصول وتجول فيه تيّاراتٌ سياسية بعضها معارض لأصل النظام أو مخالف لتوجّهات النظام، يجب عليكم مراقبة هذا الأمر حتمًا والوقوف بوجهه.


شعار "نحن قادرون"
في هذا المجال أقول هذه الجملة: لقد قال شعبنا "نحن قادرون" فلا تسمحوا بأن تتبدّل هذه الـ "نحن قادرون" إلى العكس منها. قالوا (قال شعبنا) ذإنّنا نقدر على الوصول إلى القِمَم العلمية الشامخة، إنّنا نقدر أن نصبح مرجعًا علميًّا في العالم، نقدر أن ننقذ أنفسنا من الحقارة العلمية، واليوم قد أنقذ نفسه منها، لقد اعترف أعداؤنا، خصومنا بأنّ إيران قد امتلكت زمام العلم، ليس فقط في المجال النووي، في المجالات الأخرى أيضًا ها هم يقولون ويعترفون، إنّ هذه الـ "قادرون" تصدح في روح هؤلاء الشّباب، ولا تسمحوا بزوالها، أنتم أيضًا قولوا "إنّنا قادرون" وسيروا بها قُدُمًا.

"إنّنا قادرون" أن نقيمَ الحضارة الإسلاميّ الجديدة، وأن نبني عالمًا مفعمًا بالروح المعنوية، ويتقدّم بمعونة المعنويات والهداية المعنوية، إنّنا قادرون على إنجاز هذه الأعمال، وسنقوم بها بتوفيق الله.

قلقٌ على الفارسيّة
المسألة السادسة التي سجّلتُها هنا، هي مسألة اللغة الفارسيّة، أنا قلقٌ جدًّا على اللغة الفارسية، قلقٌ جدًّا! لقد عملنا منذ سنوات في هذا المجال، قمنا بإجراءات، جمعنا عدداً من الشخصيات للعمل معًا كمجموعة. والآن أرى أنّه لا يجري عمل صحيح في هذا المجال، والهجوم كبير على اللغة. يتزايد استخدام المصطلحات الأجنبية، لدرجة أنّ بعضهم يعتبر من المعيب ألاّ يستخدم التعبير الأجنبي الفلانيّ وأن يستعيض عنه بتعبيرٍ فارسيّ أو عربيّ! يعدّون هذا عارًا! هذا أمرٌ سيئ جدًّا، هذا جزء من أجزاء الثقافة العامة التي ينبغي مكافحتها. أيّها الأصدقاء! لقد كانت 
 
 
 
 
 
 
 
656

562

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 اللغة الفارسيّة ذات يوم هي اللغة العلمية السائدة من قسطنطينية ذلك الزمان، من اسطنبول ذلك الزمان وحتى شبه القارة الهندية، وما أقوله عن معرفة واطّلاع. كانت اللغة الفارسيّة، في الآستانة1 - عاصمة الحكم العثماني - ولفترة طويلة من الزمن، هي اللغة الرسمية، وفي شبه القارة الهندية كانت أهمّ الشخصيات تتكلّم اللغة الفارسية، وحين دخل الإنكليز إلى شبه القارة الهندية، كان من الأعمال الأولى التي قاموا بها مواجهة اللغة الفارسيّة وإيقافها، حيث مارسوا شتّى أنواع المكر والحيَل التي يمتاز به الإنكليز لمنع استخدام اللغة الفارسية. وإلى الآن، فإنّ اللغة الفارسية هناك تلقى رواجًا ولديها عُشّاقٌ كُثُر، يوجد أشخاص في الهند يعشقون اللغة الفارسية، وكنت قد ذهبت إلى هناك وشاهدتهم وبعضهم جاء إلى هنا وقابلته، ولكن في مهد (موطن) اللغة الفارسية،ها نحن ننسى اللغة الفارسية، ولا نقوم بأيّ خطوةٍ من أجل تمتينها وتعميقها ونشرها، ومن أجل منع نفوذ المصطلحات الأجنبيّة الدخيلة عليها. تُستخدميومًا بعد يوم وبهدوءٍ كلمات - كلّ يوم يأتي شيء جديد - لم نكن قد سمعناها من قبل. أحيانًا يتكلّم بعضهم معي بكلمة فأقول لهم: لم أفهم معناها، ما معنى هذه الكلمة؟ وحين يشرحونها نعرف إنّها جاءت حديثًا! وبالتدريج ينسحب هذا الأمر ويشيع بين طبقات وجماهير الشعب، هذا أمرٌ خطِر. يكتبون الاسم الفارسيّ بالخطّ اللاتيني! حسنٌ، لماذا؟ من يريد استخدام هذه الكتابة؟ شخصٌ لغته فارسية أم أجنبية؟ الاسم الفارسي بأحرفٍ لاتينية! أو أسماء أجنبية على المنتوجات الإيرانية وقد أُرسلت لي صورٌ لهذه البضائع! ما الداعي لنقوم بهذا العمل؟ نعم، أحيانًا تريدون تصدير بضائع إلى الخارج، فيُكتب هناك كتابة باللغة الخاصة بالبلد المستورِد إلى جانب اللغة الفارسية- يجب أن يكون هناك كتابة باللغة الفارسية، ينبغي ألاّ تُزالَ اللغة الفارسية عن منتجاتنا أبدًا - ولكن البضاعة التي تُنتَج في الداخل وتُستهلَك في الداخل، ما الداعي للكتابة عليها باللغة الأجنبية؟ ما هي الضرورة التي تستدعي كتابة اصطلاحات أجنبية على حقائب طلاّب المرحلة




1 لقب مدينة اسطنبول في العهد العثمانيّ.
 
 
 
 
 
 
 
657

563

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 الابتدائية؟! وهكذا على الألعاب، أنا في حيرة من هذا الأمر حقًّا! هذا جزء من الأشياء التي تتحمّلون مسؤوليتها. وطبعًا يوجد في ذهني أمثلة حول هذا الاستخدام للّغة الفارسية ولا أرغب في طرح أكثر من ذلك الآن، أسماء الشركات، أسماء البضائع، أسماء المتاجر! والنماذج كثيرة ومتكررة للمصطلحات الأجنبية وخاصة الإنجليزية، إنّني أشعر بالخطر من هذا الأمر، وما هو مطلوب من حضراتكم ومن المجلس الأعلى للثورة الثقافية أن يتابع المسألة بمنتهى الجديّة وعلى الحكومة أن تواجهها بشكلٍ حازم.

 
والآن ليس المقصود بالمواجهة أنّه - وبدءًا من يوم الغد - يتمّ التعامل مع هذه الظاهرة بأسلوبٍ حادّ أو عنيف! واجهوا المسألة ولكن بكلّ حكمة، انظروا ماذا يمكنكم أن تفعلوا لمنع هذا، هذه مسألة أخرى.
 
مسألة العلوم الإنسانية
المسألة التالية قضية العلوم الإنسانية وهي مهمّة جدًّا. لقد قدّم لي السيد الدكتور حدّاد -ويظهر أنّه ليس حاضرًا هنا اليوم- تقريرًا مفصّلًا وجيّدًا حول الأعمال التي أُنجِزَت في مجال العلوم الإنسانية، وقامت بها اللجنة التي يرأسها1، بعض الأصدقاء عاتبون واشتكوا من قلّة مخرَجات هذا العمل، وهذا ما ينبغي طرحه في اجتماع المجلس. برأيي، أنا العبد لله، إنّ أهمّ الأعمال الأساسية هو أنّه يجب تدوين المبنى العلمي والفلسفي، للتحوّل في العلوم الإنسانية، هذا عملٌ أساسيّ وهو أولوية يجب القيام بها. هذه مسألة أيضًا.
 
الآفات والمشاكل الاجتماعية وأسبابها الثقافية
المسألة الأخيرة، هي قضية الآفات والمشاكل الاجتماعية وأسبابها الثقافية، لقد 



1 مجلس التحوّل والارتقاء في العلوم الإنسانية تمّ تأسيسه في 21/7/1388 هـ. ش. 2009م تحت إشراف المجلس الأعلى للثورة الثقافية.
 
 
 
 
 
 
 
 
658

564

في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

 أشرتُ إلى مسألة الطلاق، وهناك مسائل المواد المخدِّرة، وأنواع الفساد المالي، والجرائم. حسنٌ، إنّ من تأثيرات الغزو الثقافي للعدو: تزايد عمليات السطو المسلّح على المصارف، حيث شاهدناهذا أولًا في الأفلام - فليلتفت جناب السيد ضرغامي  - كيف تتمّ هذه السرقات، والآن تحدث هذه العمليات نفسها هنا، إنّهم يتعلّمون (من الأفلام) طبعًا. يجب علينا أن نعرف ماذا نفعل حاليًا. أي أن نفهم هذه المشكلات بشكلٍ حقيقيّ. وكذلك مسألة عدد السكّان، وأعتقد أنّني قلت جملةً قصيرةً للدكتور هاشمي ، كذلك تحدّثنا بالتفصيل أنا والدكتور روحانيّ، خذوا مسألة عدد السكّان على محمل الجدّ، إنّ عدد السكان الشّباب ينخفض في بلدنا، وسنصل إلى مكانٍ لا يمكن عندها معالجة المشكلة. عدد السكان ليس من المسائل التي يمكن أن نقول عنها: لابأس سنفكّر في حلِّها بعد عشرة أعوام"، كلاّ، فإذا مضت بضعة أعوام، حين تهرم هذه الأجيال، لن يكون هناك علاج لهذه المشكلة. 


موفّقون ومؤيَّدون إن شاء الله. حفظكم الله جميعاً وأدامكم وإن شاء الله يتمّ الاهتمام بما طرحناه.

نتذكّر المرحوم الدكتور حبيبي الذي أصرّ في اللقاء الماضي حين اجتمعنا معًا، على الحضور والمشاركة - رغم مرضه وحالته الصحية الصعبة - وقد شكرته حينها. حفظكم الله جميعًا وعليكم أن تعرفوا جيدًا قدر هؤلاء الفضلاء والنُّخَب الموجودة هنا كذلك، والطاقات الشابّة في جمعكم والتي وجودها فرصة مغتنمة، وبحمد الله تتمتّع بنشاط الشّباب وقدرته وإبداعه. 
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
659

565

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في حفل تكريم 

عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران


المناسبـة: تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران
الحــضـور: جمع من العاملين على تكريم قادة وشهداء مازندران
الـمكــان: طهران
الزمـــان:
25/09/1392 هـ.ش.
13/02/1435 هـ.ق.
16/12/2013 م.
 
 
 
 
 
 
 
661

566

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

أوّلًا، أتوجّه بالشكر، من صميم قلبي إلى الأخوة الأعزّاء، الذين بذلوا جهودًا لأجل تكريم من كانوا - للحقّ والإنصاف - قدوة الناس ومثالهم في عصرنا، وأقصد بهم الشهداء والمجاهدين. فإنّ هذا العمل بنفسه عمل قيِّم، وإنّ تكريم الشهداء، وإحياء أسمائهم، والبحث في أعمالهم، وإنتاج ما تركوا من آثار كتابةً وتصويرًا وصوتًا وما شاكل، في مجال حياتهم وجهادهم وأفعالهم - لعمل قيِّم جدًّا. وإنّ اللائحة التي تقدم بها الأخوة القيِّمون المحترمون1 حول فعاليّات هذا المؤتمر ممّا هم بصدد القيام به لأمر جيّد جدًا.
 
أهمية نشر آثار الشهداء
إنّ هذه الأعمال جيّدة جدًّا، على أن تتنبّهوا إلى لزوم القيام بها بتعمّق، فلا تقتصر على مجرّد إيجاد العناوين فحسب، بل بتعمّق وباغتنام الفرص وبالدّقة اللازمة وبالوقت الكافي، وبالاستفادة من الفنّ من ناحية ومن روح التحقيق والبحث من ناحية أخرى. 
 
قوموا بهذه الأعمال لتُخلّد ولتترك آثارها، وعليه فإنّ هذا العمل جيّد جدًّا، وعمل قيِّم. والحقيقة أنّني على اطّلاع بأنّ أهل مازندران - وإلى اليوم - قاموا بمؤتمرات



1 أشار القائد السيد محمد تقي شاه چراغي ( المدير العام للمؤتمر) إلى النقاط التالية:
البحث والتحقيق حول آثار الشهداء والفدائيين (المضحّين) في أربعة أمور: البحث حول العمليات(العسكرية)، والتحقيق حول الشهداء، والتاريخ المؤرّخ شفهيًا (استنطاق المجاهدين والمشاركين في الحرب وتدوين مذكراتهم وخواطرهم)، والمذكرات المتوفرة شفهيا. وإصدار نشرة دورية عن فعاليات المؤتمر تحت عنوان (الأخضر القاني)، وإنشاء مركز للمعلومات تحت عنوان (الحرب وكنوزها) ودعم المواقع الإلكترونية المواكبة. وتعليم فن الرواية، وإحياء مناسبات ذكر بالشهداء. ولقاء أهالي الشهداء. وإنتاج برامج تلفزيونية وكذلك في الراديو. وبناء وإحياء الأبنية التي تذكّر بالدفاع المقدس. وحديقة خاصة بمتحف الدفاع المقدس حول ما يتعلق بمازندران.


 
 
 
 
 
663

 


567

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 عديدة وكثيرة، في مجال الشهداء وعلى أكثر من صعيد، على ساحة المحافظة، وهذا العمل الجَمَاعي عمل كبير ومهمّ. وإن شاء الله تُوفَّقون.

 
الدفاع المقدس كشف استعدادات الناس
إنّ مسألة الدفاع المقدّس - وإضافة إلى كونها امتحانًا كبيرًا لشعبنا - كانت امتحانًا لإخراج الاستعدادات الفردية، وكذلك استعدادات مختلف مناطق البلاد.
 
وعلى صعيد استعداد الأفراد، فإنّ هذه نقطة مهمّة وملفتة للنّظر، وعادة ما تظلّ مخفيّة ولا يتمّ الاهتمام بها كما ينبغي، وبعبارة أخرى فإنّها ولوضوحها عادةً ما يتمّ إغفالها، فتظلّ مخفيّة لكثرة وضوحها!
 
وهي أنّ الدفاع المقدّس تحول إلى وسيلة وواسطة، لكشف الاستعدادات المكنونة1 وبروزها لدى الناس، وبشكلٍ عجيب.
 
وكمثال: تلاحظون في حرس الثورة أنّ شابًّا يدخل ساحة المعركة، وهو لا يعرف المسائل والأمور العسكرية ولا يفهم منها شيئا، وبعد سنة أو سنة ونصف أو سنتين يصبح خبيرًا استراتيجيًا عسكريًا. إنّ هذا لأمر مهمّ جدًّا.
 
حسنًا، ترون اليوم في حالات الشهداء والقادة الكبار وأمثالهم..، فرضًا لاحظوا الشهيد حسن باقري كمثال، فقد أصبح خبيرًا متميّزًا في علم الحروب، ومن أنكر هذا المعنى فهو لا يعلم شيئًا، وأمّا من يعرف ولديه اطّلاع، يرى أنّ هذا الشابّ وله من العمر عشرون سنة ونيّف، قد أصبح مهندسًا عسكريًا، ومتى؟!. في سنة 1982م. ومتى دخل ساحة الحرب؟!. في سنة 1980م.
 
إنّ مسار هذه الحركة: من جندي في مرحلة الصفر- عسكريًّا - وإلى خبير عسكريّ استراتيجيّ.. فهذا الشابّ قد طوى حركة عشرين سنة.. خمسًا وعشرين سنة.. في حركة سنتين!. وهذه نقطة مهمّة جدًا. 
 
أو افرضوا فلان، القائد العسكري.. نذكر هنا الشهداء والماضين.. والأحياء أيضًا كُثُر. 
 
السيد مرتضانا2 الجالس هنا، وآخرون، كلّهم من هذا القبيل. 



1 المخفية.
2 قائد لواء الحرس مرتضى قرباني.(وتعبير مرتضانا من باب المدح، فقد نسبه السيد القائد إلى نفسه).
 
 
 
 
 
 
 
664

568

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 مثلًا الشهيد باكري، وقد كان في أول الحرب شابًا طالبًا تخرَّج حديثًا من الجامعة، وأمضى عدّة شهور في بعض المعسكرات، ثم فيما بعد، وعندما أصدر الإمام (الخميني) أمرًا بإخلاء المعسكرات، خرج من المعسكر، مثلا في شهر أيلول سنة 1980. وقد كانت له نفس الحالة التي ذكرناها. 


نماذج من ميادين التمرّس
ثمّ لاحظوا في عمليّات بيت المقدس، وفي عمليّات خيبر، وقبلها عمليّات الفتح المبين، هذا الشّاب الذي كان قائدًا لنخبة العسكر ويستطيع أن يحرِّك فرقة بكاملها وأحيانًا يحرِّك مقرّ عمليّات كاملًا وينظّم أموره. أوليس هذا أمرا عجيبًا؟!. 

أوليست هذه معجزة؟!. هؤلاء معجزة الثورة. هذا على صعيد بروز الشخصيات. والكلام في هذا المجال كثير، لا ينتهي.

خلاصة الأمر - وقد قلت - أنّ هذه الأمور، وبعد أن اتّضحت وانكشفت، صارت موردًا للغفلة عنها. فكأنّ المرء لا يتنبّه إلى هؤلاء ومن كانوا؟. وماذا كانوا؟!. 

شابّ في السابعة والعشرين من عمره، أو الثامنة والعشرين، أو في الثلاثين من عمره كحدّ أقصى.. يدخل عالم الشهادة.. وهو في أوجّ القدرة العسكرية للإنسان.. للشّاب.. من أين بدأ ليصل إلى هذا المقام؟. وبأيّ مدّة استطاع أن يصل إلى هذه النقطة؟ إنّه لأمر مهمّ جدًّا.

والسبب في مهارة هؤلاء وعظمة عملهم، أنّ المتمرّسين من العسكريين في بلادنا.. الأخوة الذين كانوا في الجيش، وعملوا لسنوات الطوال - فوضعوا خطط العمليات معًا، في الفتح المبين وفي عمليات بيت المقدس، وخيبر، وأماكن أخرى، وتبادلوا الآراء - والجميع كانوا يحملون عمل هؤلاء وأفكارهم على محمل الجدّ، ويدعمونهم.

وما يدلّ على ذلك بوضوح، أنّ هؤلاء استطاعوا أن يحاصروا، وفي عمليّات ممتازة وعجيبة، جيشًا مجهّزًا ومدعومًا من قبل القوى الكبرى، ما أوقعهم في الحيرة.

لاحظوا عمليّات الفتح المبين كمثال، وما جرى فيها من عملٍ قامت به هذه القوة الشابّة.. شبابنا.. وقد كان العدوّ في صحراء واسعة، ذهبتُ إليها في أيّام الحرب،
 
 
 
 
 
 
665

569

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 ونظرت إليها من مكان مرتفع.. ورأيت محلّ تمركز قوى العدوّ، وكيف أنّه ملأ أطراف هذه الصحراء.. (دشت عباس)1.. وإذا بالعدوّ يرى هذه القوى التي تحاربه من أمامه، تباغته من الخلف وتهجم عليه. أوليس هذا أمرًا مهمًّا؟!. وهل هو عملٌ لا شأن له؟!. وهل هو عمل لا يليق بأن نعملَ عليه جاهدين، ونفكّر فيه بإمعان، وأن يتم البحث حول تفاصيله، وأن نقوم بإنتاج فنّي مناسب عنه؟!. وهل هذا مزاح؟!!. 

 
أو في عمليات بيت المقدس.. حيث كانت فرقتان أو ثلاث فرق من فرق العدوّ وهي مجهّزة تجهيزًا كاملًا فإذا بها تقع في الحصار فجأةً، وقد جاءها الهجوم في هذه المنطقة الصحراويّة من خوزستان من جهة الشمال ومن جهة الشرق ومن جهة أخرى، من هنا نلاحظ أهميّة الخطط التي أعدّها شبابنا.. هنا تبرز هذه الاستعدادات الممتازة.. 
 
ومنها ما ذكرناه هنا، فرقة مجهّزة، قوّة مسلّحة بكافّة أنواع التجهيز ويديرها جنرالات مخضرمون، وضباط ممتازون حسب قولهم، وقد كان أعداؤنا في العالم يعملون على مساندتهم ومساعدتهم، ويأمرونهم ويعلمونهم الأساليب والتكتيكات العسكرية اللّازمة - هكذا جيش، وبتلك القدرة، أصبح عاجزًا ومغلوبًا، لا يقدر على شيء أمام خطط شبابنا.
 
فعلامَ يدلّ هذا؟ إنّه دليل على أنّ في الأمر عظمة، وأنّ له أهمية خاصة، ولذلك برزت هاتيك الاستعدادات لدى هؤلاء الأفراد.
 
مازندران قدّمت الكثير من الشهداء
وكذلك الأمر بالنسبة إلى المناطق، وأذكر هنا، بمناسبة حفل تكريم شهداء مازندران، أنّ مازندران - وللحقّ والإنصاف - أدّت امتحانًا ممتازًا في الحرب، وقدّمت أكثر من عشرة آلاف شهيد، والأخوة جمعوا الرقم وقالوا إنّه عشرة آلاف وهو أكثر من ذلك. فما هو معنى هذا العدد من الشهداء؟. وكم منهم ذهب إلى الجبهة؟!. وكم منهم ذهب مرارًا وتكرارًا وعاد؟. وكم منهم بقي هناك طوال ثمانية أعوام بحيث قدّموا عشرة آلاف شهيد؟



1 سهل عباس.
 
 
 
 
 
 
666

570

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 ومنهم شهداء معروفون، وأسماؤهم مشهورة.. ولكنّ منهم كذلك، أفرادًا لا إسم لهم، ولا رسم.. أولئك الذين كانت لديهم هذه الاستعدادات التي ذكرناها.. وقد كانوا مع هذه الجماعة وشاركوا في الحرب.. وقد رأيت بنفسي فرقة "كربلاء - 25" وقتذاك.. ولم تكن وحدها طبعًا..

 
كان منهم الفرقة "كركان - 30" ووحدات أخرى ضمّت عديدًا من أهالي مازندران.. وكان محور الفرقة "كربلاء - 30" وقد رأيت هذه الفرقة عن قرب، ورأيت عملها وسمعت عنها كثيرًا.
 
أهل الفداء
حسنًا، لقد قاموا بعمل كبير في الحرب.. وإنّ أهل مازندران من أهل الفداء.. كانوا فدائيّين.. وقد أرسلوا شبابهم إلى جبهات القتال بإخلاص، فذهب شبابهم وثبتوا وقاوموا.. ولقد قدّموا أعمالًا مجلّية وكبيرة في مختلف العمليّات التي ذُكرت هنا1.
 
نساء آمل
وكذلك الأمر في غير مسألة الدفاع المقدّس، وهذه قصّة مدينة آمل التي شهدت تحرّكًا جماهيريًّا عجيبًا2، وقد ذكر الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه أهل آمل في وصيّته التّاريخية، ما يشير إلى عظمة ما قاموا به - بمختلف أطيافهم، من رجال ونساء -. 
 
حتّى بنات آمل - وبأعمار الـ 14 و15 سنة - نرى أنّهن، في مسألة آمل، يذهبن إلى الحرب وإلى الشهادة..3 وإنّ لمازندران سوابق حسنة كثيرة من هذا القبيل، وقد أشرت إلى ذلك مرارًا وتكرارًا.
 
منذ قديم الزمان، كانت منطقة طبرستان هذه، والمنطقة الواقعة خلف الجبال الشاهقة - من المناطق التي لم يستطع الفاتحون أن يعبروا جبالها.



1 المدير العام للمؤتمر.
2 صباح يوم 26 ك2 من سنة 1982م، أقدم جمع من الشيوعيين وبهدف الانقلاب على احتلال مدينة أمل ولكن أهل آمل قاموا بوجههم وبالسلاح وقضوا على فتنتهم عصر ذلك اليوم نفسه.
3 الشهيدة السيدة طاهرة هاشمي.
 
 
 
 
 
 
 
 
667

571

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 وكان الفارّون من آل النبي الأكرم، من أولئك الشّباب الذين كانوا في الكوفة ومناطق العراق الأخرى والحجاز، ممّن كانوا تحت نير الظلم يهربون بأطفالهم ونسائهم، ليصلوا إلى مناطق لا تستطيع القوى العسكرية المسلحة، في تلك الأزمنة، الوصول إليها.. 

 
ولذلك، ومنذ أن دخل أهل مازندران في الإسلام، كانوا من أتباع أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.. لقد قاموا بهكذا عمل عظيم.
 
وفيما بعد وعندما عزم عدد من السادة الزيديين في اليمن، على القيام ببعض الأعمال ذهب إليهم جماعة من مازندران لمساعدتهم، فأقاموا دولة علويّة وحكومة زيديّة، في تلك القرون الأولى من الزمان، في اليمن.
 
دواعي فخر
إنّ الغرض والخلاصة أنّ دواعي الفخر لدى أهل مازندران ليست قليلة، ثمّ فيما بعد وفي مرحلة إعادة الإعمار وكما أشاروا1، كان إعادة إعمار مدينة سوسنكرد، وحمل أهل مازندران مسؤوليّة ذلك، وقد انتهت مرحلة الإعمار تلك بأسرع من مثيلاتها، وبعبارة أخرى لقد قاموا بعمل ممتاز ورائع في مجال إعادة البناء.
 
وإلى اليوم - وبحمد الله - فإنّ أهل مازندران من أهل الوفاء، ورغم تعرّضهم في زمن النظام الطاغوتي (نظام الشاه) وأعداء الإسلام وعملاء الجهاز الطاغوتي، إلى الهجوم على دينهم وتقواهم ومعنوياتهم -سواءٌ على صعيد الأخلاق أم على صعيد السلوك أو العقيدة - وعلى مستوى عموم المحافظة، فإنّ هؤلاء الناس حفظوا إيمانهم، وبرزوا بهذا الشكل في الأوقات الصعبة.
 
أتمنّى لكم جميعًا التوفيق، وأن تؤدوا أيضًا، هذا العمل العظيم وأمثاله على أحسن وجه ممكن.
 
والسّلام عليكم و رحمة الله وبركاته.



1 المدير العام للمؤتمر.
 
 
 
 
 
 
 
 
668

572

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 الفهارس العامة



فهرس الآيات الكريمة.
فهرس الأحاديث الشريفة
فهرس الأدعية
فهرس الأشعار
فهرس أسماء الكتب
فهرس الأنبياء والأئمة عليهم السلام
فهرس الأعلام
فهرس شعوب، أقوام، أديان ومذاهب
فهرس الأماكن والبلدان
فهرس موضوعات وقضايا
فهرس المحتويات




 
 
 
 
669

573

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 

سورة الفاتحة

370

﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾

7

سورة البقرة

441

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾

143

377

﴿فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾

158

518

﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾

197

471

﴿وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ﴾

214

536،535،534،433

﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾

279

 

سورة آل عمران

45

﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾

54

332

﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾

103

45،37

﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى﴾

111

306

﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾

173

 

 

سورة النساء

228

﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾

58

23

﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ﴾

122

 

 

سورة المائدة

8

﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾

294

 

 

 

671


574

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 

سورة الأنعام

112

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾

323

113

﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾

325،324

115

﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً﴾

325

116

﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾

370

سورة الأعراف

205

﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾

387

سورة الأنفال

16

﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ﴾

615

65

﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ﴾

389

سورة التوبة

47

﴿ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ﴾

356

128

﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾

40

سورة يونس

12

﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾

388

سورة هود

98

﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّار﴾

333

سورة الرعد

11

﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

309

سورة إبراهيم

24

﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾

535

25

﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾

535

28

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾

333،211،200

 

 

 

 

 

 

672


575

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 

29

﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾

333،200

سورة النحل

90

﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾

616

سورة الكهف

103

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾

390

104

﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

390

سورة الحج

28

﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾

521

40

﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾

266،196،23

41

﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾

493

سورة النور

32

﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾

581

سورة الشعراء

61

﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾

195

62

﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾

195

سورة القصص

7

﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾

194،24

7

﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾

24

13

﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾

194،24

83

﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾

197

سورة العنكبوت

58

﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾

388

59

﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾

389

65

﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾

387

 

 

 

 

673


576

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 

سورة العنكبوت

7

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾

613

8

﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ﴾

613

8

﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾

614

15

﴿ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ﴾

614

23

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾

614

24

﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء﴾

614

سورة فصّلت

30

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾

309

سورة الجاثية

29

﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

264

سورة الأحقاف

13

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾

272

سورة محمّد

7

﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ﴾

479،478،306،266

سورة الفتح

6

﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾

198،30

20

﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾

37

22

﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾

23

23

﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾

23

سورة الحديد

25

﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ 

481

 

 

 

 

674


577

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 

27

﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾

266

سورة المنافقون

8

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾

612

سورة الملك

22

﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾

499

سورة الجن

16

﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾

308

سورة الطارق

15

﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾

223

16

﴿وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾

223

سورة الفجر

14

﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾

223

سورة الليل

7

﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

567

سورة الضحى

3

﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾

195

6

﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾

195

7

﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾

195

سورة الإنشراح

7

﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ﴾

421

سورة العصر

1

﴿وَالْعَصْرِ﴾

463

2

﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

463

3

﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

463

 

 

 

 

 

675


578

في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

 

سورة الفيل

2

﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ﴾

195

سورة قريش

3

﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴾

195

سورة الكوثر

1

﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾

466

2

﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾

466

3

﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾

466

سورة النصر

1

﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾

386

2

﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾

386

3

﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾

386

 

 

 

 

676


579

فهرس الأحاديث الشريفة

 فهرس الأحاديث الشريفة

 

279

النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم

"المؤمن كالجبل الراسخ لا تحرّكه العواصف"

53، 55

النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم

"الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة"

266

النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم

"رهبان الليل"

151

النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم

"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا"

266

النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم

"سياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله"

199، 616، 630

الإمام عليّ عليه السلام

"إمّا أخ لك في الدين وإمّا نظير لك في الخلق"

279، 280

الإمام عليّ عليه السلام

"فَلَمَّا رَأَى الله صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ وأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ"

288

الإمام عليّ عليه السلام

"في تقلّب الأحوال عِلْمُ جواهر الرجال"

503

الإمام عليّ عليه السلام

"كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"

55

الإمام عليّ عليه السلام

"ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسيّ نعمته ... ويثيروا لهم دفائن العقول"

534

الإمام عليّ عليه السلام

"ما رأيت نعمةً موفورة إلّا وفي جانبها حقٌّ مضيّع"

202

الإمام عليّ عليه السلام

"من نام لم يُنَم عنه"

361

الإمام عليّ عليه السلام

"نعمتان مجهولتان الصحة والأمان"

379

الإمام عليّ عليه السلام

"وأَنَّه لَا غِنَى بِكَ فِيه عَنْ حُسْنِ الِارْتِيَادِ"

27

الإمام عليّ عليه السلام

"وإنّ أخ الحرب الأرق ومن نام لم يُنم عنه"

378

الإمام عليّ عليه السلام

"واعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، ومَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ"

379

الإمام عليّ عليه السلام

"وقَدْرِ بَلَاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ"

236

الإمام عليّ عليه السلام

"ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها، كالزارع في غير أرضه"

338

الإمام الحسين عليه السلام

"ثمّ أيّتها العصابة، عصابةٌ بالعلم مشهورة"

 

 

 

677


580

فهرس الأحاديث الشريفة

 

333

الإمام الجواد عليه السلام

"من أصغى إلى ناطق فقد عَبَده، فإن كان الناطق عن الله، عَبَدَ الله، وإن كان الناطق ينطق بلسان إبليس، فقد عبد إبليس"

215

الإمام العسكري عليه السلام

"نحن حُجج الله على خلقه، وفاطمة حُجّة الله علينا"

612

السيّدة زينب عليها السلام

"يا أهل الكوفة يا أهل الخَتل والغدر أتبكون! ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، إنما مَثَلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً..."

613

السيّدة زينب عليها السلام

"ما رأيت إلاّ جميلاً"

 

فهرس الأدعية

263

النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم

"سبحان من أحصى كلّ شيء علمه"

341

الإمام عليّ عليه السلام

"إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك"

342

الإمام عليّ عليه السلام

"فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قُدسك"

341

الإمام عليّ عليه السلام

"كأنّي بنفسي واقفة بين يديك، وقد أظلّها حسنُ توكّلي عليك، فقلتُ ما أنت أهله، وتغمّدتني بعفوك"

340

الإمام عليّ عليه السلام

"واسمع دُعائي إذا دعوتك، واسمع ندائي إذا ناديتك"

379

الإمام عليّ عليه السلام

"وهب لي الجدّ في خشيتك"

341

الإمام السجّاد عليه السلام

"وإنّما يحتاج إلى الظلم ضعيف"

386

الإمام السجّاد عليه السلام

"وهذا شهر الإنابة، وهذا شهر التوبة، وهذا شهر المغفرة والرّحمة، وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنّة"

387

الإمام السجّاد عليه السلام

"وهذا شهر العتق من النار" الإمام السجّاد

470

الإمام السجّاد عليه السلام

"يا من لا يجبه بالردّ أهل الدالّة عليه" الإمام السجّاد

296

الإمام الباقر عليه السلام

"ولا تهلكني غمّاً حتّى تغفر لي وترحمني وتُعرّفني الاستجابة في دعائي"

 

 

 

 

 

678


581

فهرس الأشعار

 فهرس الأشعار

529

أرى فيئهم في غيرهم منقسمة           وأيديهم من فيئهم صفرات

299

أزمّة الأمور طُرّاً بيده                    والكلّ مستمدّة من مدده

264

"اغتسل ثمّ امش متهادياً إلى الخرابات"

408

"لتصبح أنت الأحسن"

22

"مهترى كر بكام شير در است رو خطر كن ز كام شيره بجوى"

387

"يا من مزّق قميص يوسف استيقظ أيّها الذئب من سباتك العميق"

 

 

 

 

 

679


582

فهرس أسماء الكتب

 فهرس أسماء الكتب

شرح الاستبصار: 96

أسئلة وأجوبة السيّد الجزائري: 136

شرح التهذيب: 96

الأنوار النعمانية: 95، 97

شرح الكافي: 96

التعادل والتراجيح: 136

الصّحيفة السجّاديّة: 470

الجذور: 50، 297، 621

الصحيفة الكاظميّة: 136

جيش الطيبين: 547، 550

العروة الوثقى: 135، 136

الحاشية على المكاسب المحرّمة: 136

فروق اللغات: 95، 97

حاشية السيّد: 136

الكلمات القصار: 136

الرسالة الإلهيّة: 136

لشكر خوبان: 547

رسالة التعادل والتراجيح: 136

المكاسب: 136، 138

رسالة جواز اجتماع الأمر والنهي: 136

نجاة العباد: 135

رسالة حكم الشكّ في الصلاة: 136

نظرة إلى تاريخ العالم: 457، 534

رسالة منجّزات المريض: 136

نهج البلاغة: 27، 55، 199، 202، 236، 279، 288، 361، 375، 378، 379، 503، 616، 630

زهر الربيع: 95، 96

 

سؤال وجواب: 136

  

 

 

 

680


583

فهرس أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام

 فهرس أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام

الأنبياء عليهم السلام: 55، 208، 323، 324، 338، 422، 571، 613، 614، 623

النبي نوح عليه السلام: 623

إبراهيم الخليل عليه السلام: 623

النبي موسى عليه السلام: 24، 194، 303، 463، 527، 528، 530

النبي عيسى عليه السلام: 248

السيّدة مريم عليها السلام: 215، 248

رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم: 33، 35، 36، 40، 53، 89، 143، 151، 193، 195، 207، 221، 222، 264، 303، 323، 324، 325، 326، 328، 333، 334، 338، 356، 369، 385، 401، 422، 433، 461، 463، 466، 472، 527، 528، 530، 537، 539، 573، 580، 591، 606، 611، 612، 614، 616، 623، 631. أنظر: (الرّسول الأعظم، الرسول الأكرم، النبيّ، النبي الأعظم، النبي الأكرم، النبي المطهر، نبي الإسلام)

أهل البيت عليهم السلام: 131، 205، 207، 208، 210، 212، 213، 214، 215، 222، 223، 264، 337، 340، 369، 370، 422، 433، 527، 528، 529، 603، 631، 668. أنظر: (آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، آل النبي الأكرم، آله الكرام، أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، الأئمّة عليهم السلام، المعصومون، آل محمد)

الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: 215، 221، 236، 248، 279، 338، 339، 375، 378، 379، 380، 411، 463، 503، 537، 606، 612، 616. أنظر: (أمير المؤمنين عليه السلام، الأمير، علي أمير المؤمنين عليه السلام، مولى المتقين، إمام الأئمّة عليهم السلام)

فاطمة الزهراء عليها السلام: 110، 143، 151، 205، 212، 214، 215، 217، 248، 307، 463. أنظر: (سيّدة نساء العالمين، الحضرة الفاطمية)

الإمام الحسن عليه السلام: 338، 378، 463. أنظر: (الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، الحسن)

الإمام الحسين عليه السلام: 208، 275، 335، 337، 338، 339، 463، 604، 605، 606، 607، 611، 612. أنظر: (أبا عبد الله الحسين عليه السلام، الحسين عليه السلام، الإمام الحسين عليه السلام، سيّد الشهداء، الحسين بن علي عليهما السلام)

الإمام عليّ زين العابدين عليه السلام: 463

الإمام محمد الباقر عليه السلام: 264، 463

الإمام جعفر الصادق عليه السلام: 35، 210، 463، 497، 527، 627

الإمام موسى الكاظم عليه السلام: 463

الإمام علي الرضا عليه السلام: 151، 463، 525، 527، 528، 529

 

 

 

 

 

 

681


584

فهرس أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام

 

الإمام محمد الجواد عليه السلام: 463

الإمام علي الهادي عليه السلام: 463

الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام: 214، 463

الإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف: 24، 53، 86، 143، 147، 151، 173، 274، 283، 303، 350، 355، 365، 385، 401، 429، 461، 463، 508، 539، 600، 611، 631. أنظر: (إمام الزمان، الحجّة ابن الحسن، الحجة القائم المهديّ، بقية الله); أنظر أيضاً: (ولي العصر، ولي الأمر، ولي الله الأعظم)

السيدة زينب عليها السلام: 110، 611، 612، 613. أنظر: (السيّدة العظيمة)

 

 

 

 

 

682


585

فهرس الأعلام

 فهرس الأعلام

أبي الأعلى المودوديّ: 196

أحمد ميرزا: 82

أحمدي نجاد: 392، 443

أمّ موسى: 194

إقبال اللّاهوريّ: 196

ابن زياد: 612

الآخوند الخراسانيّ: 136، 137، 138، 196

الحاجّ آقا نور الله: 196

الحاجّ أصغر المنشد الزنجاني: 551

الحاج السيّد أحمد الخوانساريّ: 304

الشيخ الأستادي: 136، 140

الشيخ الأنصاريّ: 137

المرحوم آية الله السيّد إسماعيل الصدر: 138

آية الله بهشتي: 355

البهلوي: 22، 72، 82

الشهيد بابايي: 543

الشهيد باكري: 665

باهنر: 475

بختيار: 307

الحاجّ ميرزا جواد آقاي تبريزيّ ملكيّ: 337

الدكتور چمران: 565

السيد جنّتي: 651

جمال الدين الأسد آبادي: 196

جواهرلال نهرو: 457، 534

جوزيف ناي: 560

جون مالكوم: 394

الدكتور الشيخ حسن روحاني: 431، 434، 441، 443، 476، 479، 482، 483، 485، 486، 488، 636، 639، 642، 644، 646، 652، 654، 659

الدكتور حبيبي: 659

الدكتور حدّاد: 658

السيد حسين نجات: 607

السيد حسيني: 97

الشهيد حسن باقري: 664

حافظ: 125، 407

حسن البنّا: 196

 

 

 

 

 

683


586

فهرس الأعلام

  

الإمام الخامنئي دام ظله: 19، 27، 29، 33، 41، 47، 51، 59، 61، 65، 68، 69، 72، 83، 84، 85، 87، 89، 93، 99، 101، 103، 105، 107، 109، 111، 113، 119، 133، 141، 149، 167، 170، 171، 175، 179، 191، 205، 207، 219، 231، 235، 243، 257، 261، 265، 275، 288، 301، 314، 321، 329، 335، 353، 367، 373، 377، 383، 385، 390، 396، 403، 409، 419، 424، 435، 445، 451، 452، 458، 459، 467، 470، 473، 477، 478، 480، 482، 487، 491، 495، 506، 509، 511، 513، 515، 525، 536، 537، 541، 547، 555، 569، 577، 585، 601، 609، 627، 628، 633، 636، 637، 643، 652، 658، 661، 664. أنظر: (أنا العبد)

الإمام الخمينيّ قدس سره: 26، 31، 38، 82، 86، 147، 173، 182، 187، 196، 225، 233، 241، 265، 283، 301، 303، 305، 306، 312، 315، 334، 351، 355، 365، 377، 395، 401، 421، 429، 437، 439، 442، 444، 458، 477، 504، 539، 546، 587، 600، 609، 648، 665، 667. أنظر: (الإمام، إمامنا، إمامنا المطهر، إمامنا العزيز، إمامنا العظيم)

خُراساني رضوي: 253

دعبل الخزاعي: 528، 529

الرئیس الأمریكي: 116، 154

السيّد رضائي: 549

المرحوم الحاج آية الله رضا الهمداني: 138

رجائي: 292، 475

رضا بهلوي: 82

ريغان: 597

السيِّدة سلطان خواه: 563

السيد سازكار: 209

الشهيد ستّاري: 543، 563

سارة: 215

ساركوزي: 156

سبهري: 549، 553

ستار خان: 73

سعدي: 406، 407

سلطان حسين: 306

الشاه: 21، 26، 48، 71، 72، 309، 590

الحاجّ صمد: 551

صائب: 407

صدّام: 75، 501، 623، 625

ضرغامي: 659

السيدة طاهرة هاشمي: 667

الطباطبائي: 133، 135، 137، 233، 355

السيّد ظريف: 488

السيّد علي داماد: 139

عبد الله الجزائري: 95

عبد الله بن جعفر: 338

عبدالله بن عبّاس: 338

علي أبو الحسني: 137

عمّار: 87، 89، 90

الشيخ فضل الله النوريّ: 138، 139، 196

العلّامة الفضليّ: 175، 177

فرجي دانا: 655

فرعون: 24، 333

 

 

 

 

 

684


587

فهرس الأعلام

 

القاجاريّ: 309

قورش: 143

آية الله الكاشاني: 395

آية الله الكلبيكانيّ: 303

السيدة كبرى خزعلي: 639

كروبي: 29

كميل: 208، 340، 341، 379

كيسنجر: 560

آغا محمد خان: 82

آية الله السيّد محمد الأصفهاني: 138

آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي: 137، 138، 196

الدكتور مصدّق: 395، 590

السيد محمد تقي شاه چراغي: 663

السيّد مصطفى ابن الإمام: 21

السيّد مصطفى الكاشاني: 139

السيّد مهدي قلي رضائي: 551، 553

الشهيد مرتضى مطهّري: 231، 233

الشیخ مهدوي: 117

العلامة المجلسي: 96

محمد حسين بهشتي: 355

محمّد رضا بهلوي: 307، 591

محمّد عبده: 196

محمد على الموسوي الجزائري: 93

محمد على شاه: 73

محمّد علي: 196

محمد كاظم الطباطبائي اليزدي: 133، 135، 136، 137، 138، 139، 140

محمود الحسن: 196

مرتضى قرباني: 664

مظفر الدين شاه: 82

معاوية: 339

منذر: 137

نعمة الله الجزائري: 93، 95، 96، 97، 289

السيد هاشمي: 655

هارون: 528

هانتينغتون: 560

هتلر: 622

السيِّد واعظ زاده: 563

يزيد: 36، 55، 122، 183، 290، 343، 408، 489، 549، 612

 

 

 

 

685


588

فهرس الشعوب، الأقوام، الأديان والمذاهب

فهرس الشعوب، الأقوام، الأديان والمذاهب

أكراد: 466

أميركي: 25، 44، 46، 47، 48، 49، 75، 77، 79، 82، 83، 116، 153، 155، 156، 157، 163، 166، 167، 168، 169، 201، 202، 222، 250، 253، 297، 298، 309، 316، 364، 396، 400، 489، 501، 504، 505، 521، 545، 546، 565، 573، 583، 587، 588، 589، 590، 591، 595، 597، 598، 599، 616، 618، 619، 620، 621، 622، 625، 649، 652. أنظر: (الأميركان، الأميركيّة، الأميركيّون، الأميركيّين، الشعب الأميركي(

أهل السنّة: 39، 155، 194، 201، 223، 326، 426، 427، 463، 466، 507، 508، 519، 521، 573. أنظر: (سنّة، سنّيّ، سنيّة، السنّة)

الآذربيجانيين: 72

الأفغانية: 22، 281

الألمان: 559

الأمّة الإسلاميّة: 24، 35، 36، 50، 124، 177، 193، 196، 198، 199، 200، 202، 222، 223، 314، 323، 326، 327، 328، 332، 334، 339، 356، 469، 472، 517، 571، 575

الأوروبيّة: 130، 252، 253، 270، 298، 310، 334، 455، 582، 588، 589، 591، 593، 598، 630، 649. أنظر: (الأوروبيّين، الأوروبيّون)

الإسبانيين: 457

الإسلام: 23، 25، 26، 33، 35، 36، 37، 40، 45، 78، 82، 89، 102، 109، 110، 137، 154، 159، 182، 193، 194، 195، 197، 203، 215، 222، 226، 245، 246، 249، 250، 252، 255، 266، 279، 280، 289، 312، 313، 324، 325، 326، 333، 334، 337، 338، 350، 356، 357، 358، 381، 393، 417، 418، 422، 425، 434، 441، 442، 451، 454، 458، 466، 477، 493، 498، 499، 500، 507، 508، 517، 519، 520، 522، 523، 529، 533، 534، 537، 539، 543، 573، 603، 607، 612، 613، 615، 616، 668

الإسلاميّ: 22، 38، 57، 61، 80، 81، 82، 83، 89، 90، 93، 97، 99، 101، 102، 105، 106، 109، 113، 114، 115، 116، 143، 145، 146، 159، 166، 168، 169، 170، 171، 172، 177، 182، 183، 184، 186، 193، 194، 203، 227، 246، 250، 259، 285، 288، 290، 300، 315، 342، 349، 589

فهرس الشعوب، الأقوام، الأديان والمذاهب

  

الإنكليز: 73، 139، 309، 455، 457، 534، 619، 651،  657. (أنظر:الإنكليزيّة، الإنكليزيّين(

الإيرانيّ: 50، 76، 77، 90، 125، 126، 128، 129، 143، 146، 149، 153، 156، 158، 162، 164، 166، 168، 183، 235، 304، 305، 339، 349، 363، 364، 395، 450، 452، 458، 523، 558، 559، 565، 585، 588، 591، 594، 595، ) 599. أنظر: إيراني، الإيرانيّون، الإيرانيين، الإيرانية(

الباكستانيّة: 281

البرتغاليّون: 457

البريطانيّون: 394

البهلويّة: 49، 82. أنظر (البهلويين(

التركيّة: 72، 209

الحضارة الإسلاميّة: 193، 196، 197، 198، 199، 407، 502، 615، 656

الحضارة الغربيّة: 184، 199، 213، 341، 457، 480

الخوزستانيّون: 140

الروس: 394

الزيديين: 668

الشّعب الإيرانيّ: 22، 23، 24، 25، 26، 29، 35، 38، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 56، 59، 61، 63، 67، 68، 71، 72، 73، 74، 76، 77، 78، 80، 81، 82، 83، 84، 86، 99، 101، 102، 113، 114، 115، 116، 130، 131، 144، 145، 146، 152، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 160، 161، 162، 163، 164، 167، 168، 169، 170، 183، 185، 186، 224، 226، 239، 240، 263، 267، 268، 269، 270، 271، 277، 281، 298، 303، 304، 306، 307، 308، 309، 310، 311، 313، 314، 316، 317، 319، 323، 332، 334، 337، 339، 340، 341، 342، 344، 345، 347، 349، 350، 355، 356، 359، 365، 386، 395، 401، 429، 433، 434، 440، 441، 443، 444، 447، 458، 461، 462، 469، 471، 472، 530، 543، 544، 545، 546، 552، 562، 587، 589، 591، 592، 593، 594، 595، 616، 624، 625، 628، 629، 630، 631، 635، 636

الشّعب العراقيّ: 466

الشعب الفرنسي: 598، 631

الشّعب الفلسطينيّ: 202، 464، 465

الشعب المسلم: 146

الشّعب المصريّ: 465، 505

الشعوب الإسلاميّة: 36، 37، 38، 39، 78، 124، 313، 328، 332، 333، 334، 371، 466، 573، 574، 575

الشّيعة: 39، 96، 201، 222، 266، 326، 426، 427، 466، 507، 508، 519، 520، 521، 528، 573. أنظر: )شيعة، شيعي، شيعية(

 

 

 

 

 

687


590

فهرس الشعوب، الأقوام، الأديان والمذاهب

 

شعوب العالم: 163، 523، 591

الصهاينة: 23، 46، 156، 270، 364، 464، 573، 599، 630، 631

الصهيونيّ: 48، 49، 75، 126، 155، 159، 281، 333، 466

الصهيونيّة: 37، 44، 77، 90، 195، 197، 200، 201، 313، 316، 326، 356، 465، 489، 522، 545، 573، 574، 599، 630

العراقيون: 466

العرب: 140، 425

العربية: 26، 95، 493

عرباً: 466

علويّة: 668

الغربي: 29، 36، 39، 74، 101، 114، 116، 184، 199، 200، 201، 202، 213، 214، 228، 248، 252، 259، 270، 295، 297، 300، 313، 327، 334، 341، 370، 393، 394، 395، 396، 398، 456، 457، 464، 478، 480، 481، 501، 511، 512، 536، 559، 560، 561، 562، 573، 582، 593، 599، 644، 649، 653. أنظر: (الغربيّة، الغربيّون، الغربيّين)

الفارسيّة: 74، 209، 408، 455، 456، 564، 650، 656، 657، 658

الفلسطينيّين: 159، 464، 465

القاجاريين: 82

لاتينية: 657

المجتمع الإسلاميّ: 233، 300، 407، 441، 517، 519، 572، 613

المذاهب الإسلاميّة: 39، 202، 519، 574

المسلم: 37، 146، 153، 369، 504

المسلمين: 36، 38، 40، 143، 200، 207، 221، 222، 223، 281، 323، 325، 326، 327، 332، 333، 334، 381، 427، 444، 461، 463، 465، 466، 493، 504، 507، 517، 519، 520، 523، 537، 544، 572، 573، 574، 576

الهولنديّون: 457

 

 

 

 

 

688


591

فهرس الأماكن والبلدان

 فهرس الأماكن والبلدان

آذربيجان: 69، 71، 72، 73، 653

آسيا: 200، 215، 327، 393، 457، 589

آمل: 522، 667

أستراليا: 619

أفريقيا: 37، 38، 39، 193، 194، 200، 222، 327، 457، 463، 464، 471، 500، 534، 561، 572، 575، 589، 620

أفغانستان: 47، 75، 341، 489، 500، 501، 512، 572، 574، 598، 620

أقصى غرب آسيا: 500

أقصى غرب العالم الإسلاميّ: 517

ألمانيا: 455

أميركا: 44، 47، 49، 74، 75، 76، 77، 80، 81، 82، 89، 91، 116، 123، 124، 155، 156، 157، 163، 166، 167، 168، 184، 195، 197، 199، 200، 307، 315، 327، 363، 364، 395، 396، 437، 440، 449، 457، 465، 489، 504، 505، 511، 519، 521، 533، 534، 535، 545، 560، 561، 574، 575، 587، 588، 589، 590، 591، 592، 594، 595، 597، 618، 619، 620، 621، 623، 624، 625، 629، 630، 631، 649

أميركا اللاتينيّة: 589

أهواز: 93

أوروبا: 116، 123، 184، 396، 534، 560، 589، 630

إسبانيا: 457

إنكلترا: 449، 457، 533، 534، 630

إيران: 21، 22، 23، 24، 25، 26، 28، 29، 35، 37، 38، 44، 47، 49، 51، 71، 72، 73، 74، 76، 77، 78، 79، 80، 81، 82، 83، 86، 90، 109، 110، 116، 124، 125، 128، 129، 130، 139، 145، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 159، 163، 164، 165، 166، 167، 168، 169، 171، 182، 183، 186، 195، 196، 202، 203، 240، 260، 283، 297، 304، 307، 308، 309، 310، 312، 315، 339، 340، 349، 360، 365، 386، 391، 393، 394، 395، 396، 400، 401، 425، 429، 437، 438، 449، 454، 457، 458، 462، 469، 471، 472، 508، 511، 520، 530، 532، 535، 536، 543، 558، 559، 560، 562، 587، 589، 590، 591، 593، 595، 596، 605، 616، 623، 624، 625، 635، 636، 649، 650، 654، 656

إيطاليا: 622

اسطنبول: 657

الاتحاد السوفيتي: 597

البحر الأسود: 306

البحرين: 39، 201، 521، 575

 

 

 

 

 

689


592

فهرس الأماكن والبلدان

 

البرازیل: 116

البرتغال: 457

البقيع: 222

البلدان الإسلاميّة: 199، 202، 321، 442، 572

البلدان الغربية: 644، 645

البلدان المسلمة: 197، 371، 573

باريس: 308، 315

بازار طهران: 303

باكستان: 39، 75، 76، 201، 222، 341، 500، 501، 512، 521، 572، 574، 620

بريطانيا: 437

بغداد: 528، 623

بلاد المسلمين: 281

بوير أحمد: 261

بيت المقدس: 280، 665، 666

تبريز: 71، 73

تل أبيب: 155، 156

تونس: 201، 572

الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: 25، 29، 30، 38، 41، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 57، 67، 72، 74، 76، 77، 78، 81، 83، 84، 144، 145، 155، 157، 158، 159، 163، 164، 165، 166، 168، 169، 170، 195، 202، 216، 224، 225، 226، 228، 231، 235، 246، 255، 270، 281، 282، 297، 308، 314، 315، 318، 340، 342، 343، 344، 345، 350، 351، 355، 359، 360، 364، 365، 391، 395، 397، 413، 420، 425، 426، 427، 429، 433، 434، 437، 438، 439، 441، 443، 447، 449، 451، 456، 478، 484، 488، 497، 498، 499، 502، 503، 512، 518، 520، 522، 531، 535، 541، 543، 544، 545، 546، 552، 562، 575، 587، 590، 592، 593، 594، 595، 597، 599، 603، 616، 624، 625، 626، 633. أنظر: (الجمهورية الإسلاميّة، الجمهوريّة الإيرانيّة، جمهوريّة إيران الإسلاميّة)

جامعة الشهيد ستّاري: 541

جنّة الزهراء عليها السلام: 307

الحرم الرضوي الطاهر: 149

الحكومة البريطانية: 156

الحكومة الفرنسية: 156

حلبجة: 501

حيفا: 155، 156

الخليج الفارسي: 572

خراسان: 145، 528

خوزستان: 93، 140، 439، 666

خيبر: 665

الدول الأجنبيّة: 249

الدول الأميركيّة: 298

الدول الأوروبيّة: 270، 298

الدّول الإسلاميّة: 35، 38، 39، 78، 323، 326، 327، 332، 333، 467، 469، 472

الدول الغربيّة: 37، 582

 

 

 

 

 

690


593

فهرس الأماكن والبلدان

 

دشت عباس: 666

دول العالم: 298، 543

الريّ: 529، 565

السعودية: 177

السودان: 500، 572

سجن أبي غريب: 501

سوريّا: 39، 47، 201، 465، 489، 500، 521، 572، 574

سوسنكرد: 668

الشرق: 73، 109

الشرق الأدنى: 511

الشرق الأقصى: 511

الشرق الأوسط: 511، 561، 594

شمال أفريقيا: 37، 38، 193، 194، 200، 463، 464، 471، 500، 561، 572، 575

الصّين: 393، 449

طبرستان: 667

طهران: 19، 33، 49، 56، 115، 116، 129، 138، 139، 145، 158، 164، 182، 303، 304، 305، 308، 310، 344، 355، 439، 455، 497، 504، 587، 588، 591، 609
العالم: 23، 24، 25، 26، 35، 36، 44، 48، 49، 75، 76، 77، 78، 90، 101، 109، 110، 115، 123، 124، 125، 126، 127، 128، 129، 130، 143، 145، 152، 153، 154، 155، 157، 158، 161، 163، 167، 168، 188، 193، 198، 207، 210، 213، 215، 223، 225، 226، 239، 245، 246، 247، 260، 264، 268، 270، 279، 282، 297، 298، 308، 313، 315، 316، 323، 324، 325، 332، 333، 337، 338، 340، 341، 342، 351، 370، 376، 379، 387، 393، 394، 396، 398، 400، 418، 420، 439، 442، 444، 449، 450، 451، 455، 456، 457، 461، 466، 469، 472، 484، 487، 498، 499، 501، 503، 511، 512، 517، 520، 522، 523، 527، 531، 533، 534، 535، 543، 545، 559، 560، 564، 566، 571، 588، 591، 596، 597، 599، 616، 617، 618، 619، 620، 624، 649، 651، 653، 656، 666

العالم الإسلاميّ: 22، 24، 37، 110، 114، 193، 442، 511، 518، 519، 521، 523، 571، 573

العالم الغربي: 511، 512

العراق: 75، 139، 196، 201، 222، 341، 466، 489، 497، 501، 512، 521، 529، 572، 574، 598

الغرب: 26، 29، 37، 72، 73، 82، 90، 91، 101، 109، 171، 188، 199، 214، 246، 247، 249، 250، 252، 326، 327، 333، 394، 395، 396، 456، 457، 465، 481، 511، 534، 535، 560، 561

غامبيا: 621

غرب آسيا: 463، 464، 471، 499، 500


594

فهرس الأماكن والبلدان

 

فلسطين: 38، 90، 202، 313، 439، 442، 464، 465، 545، 572، 573

القارّة الآسيوية: 457

القارّة الهنديّة: 222

القدس الشريف: 202

قارة أفريقيا: 457

قسطنطينية: 657

قُم: 19، 21، 22، 26، 27، 31، 65، 67، 71، 85، 225، 265، 304، 307، 355

الكوفة: 338، 528، 612، 668

الكيان الصهيوني: 24، 75، 126، 155، 156، 159، 439، 465، 466، 504، 505، 574، 594، 599، 616. أنظر: (إسرائيل، العدو الصهيوني)

كربلاء: 26، 338، 612، 667

كركان: 667

كلستان: 261

كهكيلويه: 261

كوريا الشماليّة: 76

كيلان: 261

لبنان: 201، 500، 565

لرستان: 493

لندن: 519

ليبيا: 200، 572

المجتمع الدولي: 156، 168، 364، 451

المحيط الأطلسي: 620

المدرسة الفيضيّة: 304، 307

المدينة المنوّرة: 323، 530

المشرق الإسلاميّ: 194

المنطقة العربيّة: 193، 200

مازندران: 261، 661، 663، 666، 667، 668

مدينة مشهد المقدّسة: 149، 151، 153، 265، 592

مرو: 528، 529

مصر: 39، 196، 201، 393، 425، 426، 465، 471، 488، 489، 500، 505، 521، 561، 572

مكّة: 323

ميانمار: 575

النّجف: 26، 73، 139

ناكازاكي: 621، 622

نيودلهي: 306

الهند: 76، 196، 222، 393، 394، 457، 534، 657

هولندا: 457

هيروشيما: 512، 621، 622

الولايات المتّحدة الأميركيّة: 124، 500، 545، 587، 588، 589، 592، 617، 623، 624، 625. أنظر: (الولايات المتّحدة، الولايات الأميركيّة)

اليمن: 668

 

 

 

 

 

 

692


595

فهرس الموضوعات والقضايا

 فهرس الموضوعات والقضايا

أئمة الجمعة: 509، 511، 513

أحرار العالم: 35، 323

أركان مديريات التربية والتعليم: 231

أطفالنا: 234

أعضاء الشوری: 99، 101

أهل السلوك: 35، 263. أنظر: (أهل المعرفة، أهل المعنى)

الآباء: 26، 194، 209، 215، 216، 217، 251، 252، 339، 464، 553. أنظر: (الآباء والأمّهات، الأب، الأم)

الأبناء: 210، 216، 234، 238، 245، 252، 265، 464، 650، 653

الأزواج: 216

الأساتذة: 101، 137، 165، 207، 311، 331، 371، 420، 427، 428، 445، 447، 448، 450، 452، 453، 487، 566. أنظر: (أساتذة القرآن، أساتذة الحقول، أساتذة الجامعات، أستاذ جامعيّ، الأساتذة المتديّنين); أنظر أيضاً: (أستاذ، أساتذتنا، أساتذته، الأستاذ)

الأصدقاء: 129، 290، 294، 342، 349، 375، 405، 406، 407، 408، 411، 412، 414، 477، 480، 507، 528، 560، 654، 655، 656، 658

الأطبّاء: 380، 455

الإخوة: 21، 43، 71، 77، 128، 151، 152، 181، 202، 207، 212، 216، 221، 223، 233، 239، 263، 268، 273، 287، 289، 290، 292، 296، 300، 355، 362، 385، 411، 413، 415، 416، 425، 427، 444، 455، 458، 461، 463، 472، 517، 518، 530، 549

الإشتراكيّة: 332

الاتحادات العلميّة: 165

الاستشهاديّات: 248

الباحثين العلميين: 165

التلامذة: 237

الثقافيّات: 248

الثورة الإسلاميّة: 38، 51، 71، 73، 82، 110، 135، 140، 143، 182، 196، 202، 239، 257، 259، 260، 277، 311، 395، 407، 437، 438، 439، 478، 511، 512، 513، 519، 520، 525، 530، 532، 535، 544، 549، 560، 562، 587، 595، 640

الثوریین: 90

الجرحى: 21، 22، 123، 278

الجماهير المؤمنة: 263

 

 

 

 

 

693


596

فهرس الموضوعات والقضايا

 

الجيش: 43، 537، 544، 546، 648

الجيوش: 45، 341

الحجّاج: 518، 523، 571

الحجّ الإبراهيمي: 517

الحرس: 277، 278، 280، 283، 300، 525، 530، 531، 532، 537، 539، 544، 648، 664. أنظر: (حرّاس الثّورة، حرس الثورة، حرس الثورة الإسلاميّة)

الحوزة العلميّة: 21، 26، 31، 65، 67، 68، 91، 95، 96، 177، 355، 428. أنظر: (الحوزات العلميّة، الحوزة)

حقوقيّ: 137

الخبراء: 114، 225، 291، 484، 495، 497

الخطباء: 212، 493، 605

خبراء القيادة: 111، 113، 117

خطيب: 606

الدبلوماسيين: 511، 512

الرجال: 109، 137، 138، 139، 140، 197، 213، 214، 215، 216، 247، 248، 249، 250، 251، 252، 288، 572، 581، 620، 650

الرياضيّون: 119، 121، 122، 123، 124، 127، 128

رؤساء البلدان: 158

رؤساء المجلس: 292

رئيس الجمهوريّة: 30، 115، 146، 169، 172، 188، 224، 229، 247، 267، 281، 318، 347، 350، 351، 360، 375، 376، 412، 433، 434، 435، 438، 440، 441، 443، 475، 489، 506، 563، 639، 640، 641، 644، 646، 647، 648. أنظر: (رئيساً للجمهوريّة، رئاسة الجمهوريّة، رئيس جمهوريّتنا، رئيس البلاد، رؤساء الجمهوريّة)

رئيس مجلس الشورى: 296، 646

رزمندكان: 601، 603، 604، 607

الزّعماء: 395، 400

الزواج: 245، 249

الزوّار: 151

الزوج: 252، 642

زعماء البلد: 85

السياسيّون: 223، 248، 310، 315، 326، 395، 412، 413، 472، 501، 511، 512، 536، 560، 595، 599

السينمائيون: 110

سفراء: 125، 469

سلاطين الجور: 278

الشباب: 21، 22، 23، 25، 27، 30، 43، 45، 54، 71، 86، 90، 101، 102، 114، 116، 121، 123، 124، 125، 126، 129، 130، 160، 164، 165، 182، 194، 207، 209، 211، 216، 233، 263، 264، 265، 266، 267، 270، 271، 273، 277، 278، 279، 280، 283، 305، 308، 309، 310، 311، 312، 332، 337، 338، 341، 369، 371، 394، 396، 397، 408، 411، 416، 417، 420، 424، 429، 439، 453، 469، 503، 504، 513، 520، 528، 530، 543، 544، 546، 551، 552، 555، 557، 558، 560، 562، 566، 567، 579، 581، 587، 588، 589، 591، 592، 593، 594، 597، 599، 600، 603، 607، 613، 621، 624، 627، 631، 642، 650، 655، 656، 659، 668. أنظر: (شاباً، شباب، شبابنا، شبّاناً)

 

 

 

 

 

694


597

فهرس الموضوعات والقضايا

 

الشعبية الإسلاميّة: 169

الشعراء: 22، 195، 205، 207، 209، 403، 405، 406، 407، 408. أنظر: (شعراء، شعرائنا)

الشهداء: 21، 22، 71، 86، 110، 147، 173، 233، 237، 241، 263، 278، 283، 334، 337، 351، 355، 365، 401، 429، 444، 458، 497، 539، 543، 546، 563، 600، 666، 667. أنظر: (شهداء التربية والتعليم، شهداء انتفاضة، شهدائنا، شهيداتنا)

الشيوعيّة: 332

الصحابة: 221، 338

الصناعيين: 165

صحفنا: 226

الطلّاب: 96، 161، 233، 265، 277، 300، 303، 304، 307، 311، 409، 411، 412، 413، 415، 416، 420، 421، 423، 424، 427، 428، 450، 453، 454، 455، 458، 487، 504، 565، 585، 587، 588، 589، 594، 613، 656. أنظر: (طلّاباً جامعيّين، طلّاب الجامعات، طلبتنا الجامعيين، طالب جامعيّ، طلاب العلم، طلبة العلم); أنظر أيضاً: (طلّاب الحوزة، طلاب العلوم الدينيّة، طلّاب جامعة الحرس، طلبة العلوم)

العائلة: 95، 97، 109، 110، 214، 215، 216، 217، 223، 245، 249، 250، 252، 338، 437، 582، 642

العاملين: 41، 89، 90، 143، 212، 233، 257، 259، 260، 283، 351، 353، 383، 475، 482، 503، 515، 517، 615، 636

العلماء: 21، 26، 39، 48، 53، 55، 67، 72، 73، 91، 95، 97، 101، 114، 137، 138، 139، 160، 161، 164، 165، 177، 178، 182، 191، 196، 197، 201، 254، 263، 288، 303، 304، 305، 307، 338، 394، 433، 451، 453، 465، 497، 506، 508، 573، 574. أنظر: (العلماء الأجلّاء، العلماء الأعلام، العلماء والجامعيين والسياسيّين، العلمائيّ، العالمات); أنظر أيضاً: (رجال الدين، رجل دين، علماء الأمّة، علماء الدين، علماء شباب، علماؤنا، علمائنا، علمائه، علمائها)

العمّال: 179، 181، 182، 183، 184، 189، 483

عاشوراء: 304، 307، 339، 550، 603، 604، 612

عوائل الشهداء: 263

الفقهاء: 95، 96، 135

الفكر الدينيّ: 196، 428

 

 

 

 

 

695


598

فهرس الموضوعات والقضايا

 

الفنانون: 110

القادة: 41، 530، 549

القضاة: 123، 229، 357. أنظر: (القاضي، القضائيّين)

القوّات الجوّيّة: 43، 45، 543

القوّات المسلّحة: 43، 56، 288، 497، 543، 544، 546، 623

قرّاء العزاء: 603، 605، 608

الكتّاب: 248، 254، 259، 550

الليبرالية: 169، 324

المؤمنين: 30، 90، 91، 263، 266، 279، 305، 332، 378، 387، 463، 506، 518، 573

الماركسيّة: 324

المبلّغون: 271

المتخصّصين: 102، 484

المجاهدون: 31، 67، 159، 248، 603، 604، 607. أنظر: (المجاهدين، المجاهدات، المحاربون)

المحافظين: 197

المحجّبات: 123، 255

المدراء: 162، 165، 184، 248، 280، 398، 427، 453، 475، 482، 483، 531، 620. أنظر: (المدراء الاقتصاديين، المدراء العلميين)

المرأة: 21، 37، 56، 71، 77، 109، 110، 123، 143، 151، 152، 181، 202، 205، 207، 213، 214، 215، 216، 217، 221، 233، 239، 243، 245، 246، 247، 248، 249، 250، 251، 252، 253، 254، 255، 263، 287، 289، 290، 292، 293، 296، 331، 332، 337، 355، 362، 385، 411، 439، 455، 458، 461، 463، 517، 581، 591، 667. أنظر: (إمرأة، المرأة المسلمة، الأخوات، السيّدات، السيّدات المثقّفات، السيّدات المسؤولات); أنظر أيضاً: (نساء، نساءنا الرّياضيّات، نساؤنا)

المراقبين الدوليين: 161

المرجعيّة الدينيّة: 304

المرشّح: 28، 115، 170، 187، 188، 282، 283، 298، 299، 300، 314، 315، 316، 317، 319، 343، 344، 350، 351، 361، 363. أنظر: (المرشّحون، المرشّحون المحترمون، المرشّحين)

المزارعين: 165

المسؤولين: 27، 29، 33، 45، 49، 50، 71، 79، 82، 84، 85، 89، 90، 105، 106، 115، 116، 117، 127، 128، 145، 147، 154، 158، 159، 162، 163، 164، 165، 166، 169، 183، 185، 186، 221، 224، 226، 228، 229، 230، 233، 236، 237، 240، 271، 277، 280، 281، 288، 290، 297، 311، 313، 314، 321، 343، 351، 356، 357، 358، 361، 365، 375، 377، 383، 385، 386، 388، 390، 392، 398، 399، 400، 401، 412، 413، 417، 429، 433، 438، 439، 440، 441، 442، 443، 464، 466، 469، 470، 472، 475، 483، 486، 493، 497، 498، 502، 503، 505، 506، 511، 512، 522، 544، 546، 558، 563، 565، 593، 596، 598، 599، 600، 629، 640، 641، 643، 599

فهرس الموضوعات والقضايا

 

المصلحين: 196، 200، 201

المعلّم: 231، 233، 234، 236، 237، 239، 241، 280. أنظر: (المعلّمون، المعلّمين، معلّمينا)

المعمَّمين: 212

المعوّقين: 123، 143

المفكرين: 101، 249، 255

المُنشدين: 605

المواطنين: 161، 375

الموظّفين: 357

مجلس الخبراء: 111، 113، 117، 225، 495، 497

مجلس صيانة الدستور: 115

مدّاح: 205، 207، 209، 212، 403، 603، 605، 606، 608

مدرّب: 128، 129

مديرون للقرآن: 331

مراجع التقليد: 135، 304

مربي البشر: 54

مُلحّنين: 207

مُنشدين: 207

النائب: 248، 287، 290، 291، 292، 293، 296، 412

النّاشئة: 469

الناشطون: 143، 171، 179، 248، 283، 413. أنظر: (الناشطات، الناشطون السياسيون، الناشطين)

النبوّة: 24، 35

النخب: 29، 101، 102، 154، 200، 223، 224، 351، 405، 420، 558، 560، 562، 565، 574، 575، 582

النساء: 23، 109، 110، 210، 214، 216، 247، 248، 251، 253، 254، 645

النوّاب: 117، 248، 285، 288، 292، 293، 309

الواعون: 110

الوزراء: 229، 248، 294، 355، 476، 647

الوليّ الفقيه: 93، 135، 493

وسائلنا الإعلامية: 226

اليساريّة: 332

 

 

 

 

 

697


600

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

9

المقدمة

19

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي قم

21

19 دي، تضحيات عظيمة

22

أعداء مسلحون بالمال والقوة والإعلام والسياسة

23

لو قاتلتم لنصركم الله

24

تاريخ العالم إلى مرحلة جديدة

25

تحقيق الوعود الإلهية

25

شعب إيران ومباني الثورة

26

مفاخر قم: الحوزة، انتفاضة 19 دي، نهضة الإمام

27

التقوى الجمعية

27

عين العدو على الانتخابات

28

الانتخابات، نزاهة لا نظير لها

29

القانون هو الفيصل

29

الانتخابات حق وواجب

33

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة

35

ربيع الأول ربيع الحياة

36

الارتباط المعنويّ والقلبيّ

36

بذرة الصحوة وأمنيات الشعوب

37

الشعوب الإسلاميّة على طريق الانتصار


  

 

 

 

699


601

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

37

أيادي التفرقة، أهمّ سلاح الأعداء

38

الوحدة أهم علاج مقابل حيل الأعداء

39

نفوذ العدو بحجّة الاختلافات

39

الوحدة الجدية على مختلف المستويات

40

الشعار المقدّس: عزيز عليه ما عنتّم

41

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من القادة والعاملين في القوّة الجوّيّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة

43

القوات الجوية، نحو الاكتفاء الذاتيّ

44

لا لنظام الهيمنة، شعار إيران

44

أصناف الضغوط، في مواجهة صمود الشعب

45

ومكروا ومكر اللّه

46

شعبٌ واعٍ وبصيرةٌ نافذة

47

أداؤكم دليل نواياكم

49

أميركا مظهر الشرّ

51

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في درس "بحث الخارج" بعد المظاهرات المليونية الحاشدة التي عمت مدن ايران

53

الناس معادن

53

استعدادت قيِّمة وقابليّات عظيمة

54

اكشفوا عن استعداداتهم

55

ليثيروا لهم دفائن العقول

56

حضورٌ قلَّ نظيره

59

تبليغ الإمام الخامنئي دام ظله السیاسات العامّة للإنتاج الوطنيّ ودعم العمل ورأس المال الإیرانيّ

65

نداء الإمام الخامنئي دام ظله إلى ملتقى "جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في مدينة قم"


 

 

 

 

700


602

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

69

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في حشد من أهالي آذربيجان

71

قلب إيران النابض

72

حركةٌ شعبيّةٌ دينيّة

73

هذا هو شعب إيران

74

العدوّ: انفعال وتصرُّفٌ غير منطقيّ

75

نماذج واضحة لادّعاءات كاذبة

77

كلمات لشعب إيران

77

زعماء أميركا: خداعٌ وتضليل

78

لن نأتي إلى هكذا مفاوضات

80

حصن النظام ودعامته

81

نموّ وازدهار تحت الضغط

82

الإسلام حلّال المشاكل

82

أوقفوا اعتداءاتكم... وأهلاً بكم

83

لا تسيئوا للإسلام

85

التقوى... التقوى... التقوى

87

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء عددٍ من القائمین علی مهرجان "عمّار" السينمائي

93

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لجنة إقامة المؤتمر الخاص بتكريم العلامة السيد نعمة الله الجزائري

95

الجزائري: عائلة علمائيّة بارزة

96

عالم متبحِّر وفقيه مدقّق

96

الترويح عن النفس

97

تكريمٌ للعلم وللمعارف الإلهيّة

99

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أعضاء الشوری العلیا في مركز صیاغة النموذج الإسلاميّ - الإیرانيّ للتقدّم

 

 

 

 

701


603

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

103

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في يوم التشجير

107

رسالة الإمام الخامنئي دام ظله إلى ملتقی "7000 شهیدة إیرانیة"

111

استقبال الإمام الخامنئي دام ظله أعضاء مجلس خبراء القیادة

119

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في الرياضيين الروّاد والمدرّبين والفائزين في المسابقات العالميّة

121

الرياضيّ: إرادةٌ قوية وعزمٌ راسخ

122

الرياضيّ: ذكاءٌ فائق وثقةٌ عالية

122

الرياضيّ: أحد مظاهر اقتدار الشعب

123

الرياضيّ: حامل رسالة ومبلِّغ حقيقيّ

123

لقد تفوّقتم على أميركا

125

إيران: موطن القابليّات والاستعدادات

125

فليمارس جميعنا الرياضة

127

لرياضةٍ ملؤها الأخلاق

128

قدرات تحقِّق بطولات

128

لا مانع من ذلك

129

أدخلوا العلم في الرياضة

133

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أعضاء هيئة تكريم العلّامة السيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره

135

فقيهٌ مشهور... ولكن

137

هكذا يكون التكريم

137

فاق أقرانه

138

دقّة واحتياط

139

ابني واحدٌ منهم

 

 

 

 

 

702


604

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

141

نداء الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية

144

بداية السنة ودروس الماضي

144

التحديات السياسية والاقتصادية

146

سنة 92، عام تقدّم الشعب

149

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في الحرم الرضوي الطاهر

151

المحاسبة الوطنية

152

شامخ رغم التحدّيات

153

الشعب يواجه التحدّيات

153

العين الواحدة

155

مركز التآمر وأساس العداء

155

سنسوّي تل أبيب وحيفا بالتراب

156

صداقةٌ كاذبة

157

لاقتصادٍ متعدّد الموارد

158

المشاركة الفاعلة

159

لولا الجمهوريّة الإسلاميّة

160

أعمالٌ تُفرح القلب

160

"ناهيد" إلى الفضاء

162

الشعبُ الحيّ

162

حوِّلوا التهديدات إلى فرص

163

ازدهارُ الأحرار

164

المبادرة أساس النجاح

164

اليورانيوم 20 %

166

لن نخضع للضغوط

 

 

 

 

 

703


605

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

166

كفى خداعاً

168

شلّ الشعب بيت القصيد

168

كُفُّوا أيديَكم عنّا

169

الملحمة: سياسية واقتصادية

170

الحماس الانتخابيّ

170

المشاركة الشاملة

170

صوّتوا للأصلح

171

التسليم للقانون

172

الرئيس اللائق

175

الإمام الخامنئي دام ظله يعزّي بوفاة العلّامة الفضليّ

179

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله عند لقائه حشداً من العمّال والناشطين في قطاع الإنتاج

181

العامل ضمان مسيرة التقدّم

182

حركة العمّال، أحد مفاتيح النصر:

183

المنتجات المحليّة أوّلاً

184

الرأسماليّة، انحدار إلى الهاوية

185

الملحمة السياسيّة والاقتصاديّة

186

عدوّ يجهل شعب إيران

187

الانتخابات ساحة الظهور والبروز

187

آلية اختيار المرشّحين

188

المرشّح للانتخابات يجب أن يكون:

191

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في المؤتمر العالميّ لعلماء الدين والصحوة الإسلاميّة

193

شمسُ الإسلام أطلَّت

194

بشائر النصر


 

 

 

704


606

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

195

إنَّ معيَ ربِّي

196

الصحوة: نقاط لا بدّ من ذكرها

200

العدوّ وعملاؤه وراء كلّ فتنة

202

لا تنسوا فلسطين

202

من نامَ لم يُنَم عنه

203

الثبات والحضور

205

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

207

تناغم العقل والعاطفة

208

مهمّتكم إثارة العواطف

209

لا تضيّعوا الفرص

210

الشعر الجامع

210

قلبٌ ينبض بالحماس

211

ببركة الجهاد...

212

أفعالكم تحت المجهر

212

لكلّ مقامٍ مقال

213

المدنية الغربيّة: خداعٌ وتزوير

214

الزهراء عليها السلام: حجّة الله على الأئمّة عليهم السلام

215

العائلة: الأساس الأهمّ

215

التدبير المنزليّ: عملٌ عظيم

216

أهمّ أشكال جهاد المرأة

216

احترام المرأة من أولويّاتنا

219

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء الجهات المشرفة على إقامة الانتخابات

 

 

 

 

705


607

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

221

نبش قبر حجر بن عديّ

223

الحدث المهمّ

224

من مفاخر الجمهوريّة الإسلاميّة

225

بعد أقلّ من 50 يوماً

225

بحضوركم نبقى

226

الفضل لكم

227

القانون فوق الجميع

228

الصبر الثوريّ

229

سيهدي الله قلوبنا

230

فلتكن هذه مواصفاته

231

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من الهيئات التعليميّة

233

التعليم: المقام اللّائق

234

نحو الأهداف الإسلاميّة

235

انتظروا وقت حصاده

236

جامعة المعلِّمين

237

أهميّة جهاز التربية والتعليم

238

ادرسوا احتياجاتهم

238

الملحمة متوقّفة عليكم

239

بفضل الثورة

240

الحماسة ثمّ الحماسة

243

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه جَمْعاً من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات

245

أشيعوا رأي الإسلام

246

خطاب الغرب، تقهقر وانحطاط

 

 

 

 

 

706


608

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

247

ترجيل المرأة

247

سلبية النظرة الانفعاليّة

249

وسيلة للتلذُّذ

249

الغرب الخائف

250

الخطاب الهجوميّ

251

المرأة، قدرات خلّاقة

251

مسألتان مهمّتان

252

الغرب المتوحّش

253

أمور تَشغل البال

254

شؤون المرأة: نحو عملٍ جامعٍ

254

الحضور الفعّال

255

لإعلامٍ ملتزم

257

لقاء الإمام الخامنئي دام ظله بالعاملين في دائرتي أدب المقاومة وأدب الثورة الإسلاميّة

261

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب

263

رجب، شهر التطهير

264

التوحيد: المقصد الأساس

264

فرصة الصوم والاعتكاف

265

المعنويّات رصيد المواجهات

265

الإمام قدس سره راهب الليل وأسد النهار

266

رهبانيّة الإسلام

267

سرُّ تقدُّمنا

267

اليوم المؤثّر

268

العالم كلُّه يراقبنا

 

 

 

 

 

707


609

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

269

هكذا تتحقّق الأهداف

269

يسعون لتيئيسكم

270

نحو هدفٍ واحد

271

أنتم بالمرصاد

271

فلتبقَ أهداف الثورة

272

الالتزام بالقانون

273

أدُّوا تكليفكم

275

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

277

حماية الثورة

277

أجيال تربيّ أجيالاً

278

الثورة فتحت الطريق

279

تعرّفوا على مبادئ الثورة

279

معرفة تجربة الثورة

280

اقرؤوا مذكّرات الحرب

280

خطوة تبشّر بخطوة

281

ملحمة الانتخابات القادمة

282

الانتخابات، تشخيص الأصلح

283

سلوك المرشّحين

285

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ

287

العمل الصالح

287

فرصةٌ واختبار

288

النظرُ الثاقب

289

نعمة مشفوعة بالمخاطر

 

 

 

 

708


610

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

289

ميزةُ التخصّص

290

مظهر إرادة الشعب

290

مثلُ قمّة الجبل

290

أدُّوا لهم حقوقهم

292

قوامُ التمثيل

292

حتّى يُحبُّوكم...

293

أنصِفْهُ من نفسك

294

لكلٍّ حقُّه

295

القانون أساس العمل

296

المجلس في رأس الأمور

296

الشعب، اتّحاد وانسجام

297

القانون، حلّال المشاكل

298

الأُنس السياسيّ

299

الواقعيّة الشفّافة

300

تخمينات مضرّة

301

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في مراسم الذكرى الـ "24" لارتحال الإمام الخميني قدس سره

303

15 خرداد: تلاحُم الشعب مع رجال الدين

305

سكوت المنظّمات الدوليّة

305

إيمان الإمام باللّه والناس ونفسه

307

"أنتم قادرون"

308

استقامة الإمام وثباتُه

309

الشعب؛ من تابع إلى مستقلّ

310

التطوّر العلميّ بفضل الاستقلال

311

بركات الثورة الإسلاميّة

 

 

 

 

709


611

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

312

ما ينبغي أن تكون عليه إيران

312

خارطة طريق الإمام

313

أصول الإمام

314

الإنتخابات أحد مظاهر عقائد الإمام

315

الإنتخابات ليست تهديداً للنظام

315

وهج الانتخابات

316

النقد البنّاء

318

صلاحيّات رئيس الجمهوريّة

318

مصالح الشعب أوّلاً

321

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلاميّة

323

عظمة البعثة

324

حركة التاريخ اتجاه الحقّ

325

الإسلام صوت العدالة

325

"الصدق والعدل"

326

مخطط الأعداء

327

مواجهة مخطّطاتهم

327

أهميّة الوحدة

329

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم الدوليّة

331

بركات القرآن

332

القرآن شعار العدالة

332

أهميّة اتحاد الأمّة

333

الحناجر الشيطانيّة

334

العودة إلى عناصر القوة


 

 

 

710


612

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

335

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب

337

الذكرى العظيمة

338

كربلاء فوق المقارنة

339

الاستعداد للدفاع عن الحقّ

340

دعاء كميل والمناجاة الشعبانيّة

341

الغفلة عن الحسابات المعنويّة

342

أنظار العالم مشدودة

343

النزوع إلى القانون

345

الحضور إلى صناديق الإقتراع

347

بيان الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة المشاركة الملحميّة للشّعب الإيرانيّ في انتخابات رئاسة الجمهوريّة

353

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في العاملين في القوّة القضائيّة

355

مناسبة "7 تير"

356

أثر دماء المظلومين

356

هدفا القضاء الرئيسيّان

357

سلامة السلطة القضائيّة وفعّاليتها

357

سدّ الثغرات

358

ملحمة الانتخابات

360

دلالات مشاركة الناس

360

الأمن مُستَتِبٌّ

361

تصرف المرشّحين بنجابة

362

مساعدة الرئيس المنتخب

363

لا ينبغي التغاضي عن إنجازات الخصم

363

أميركا لا تريد حلّا لملفّ النوويّ

 

 

 

 

711


613

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

364

تعاطينا قانونيّ وشفّاف

367

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في محفل الأنس بالقرآن

369

التخلّق بالأخلاق القرآنية

369

معيارنا الهداية الإلهية

370

حاكمية القرآن في حياتنا

371

التدبّر بالقرآن

373

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة للحكومة العاشرة

375

يجب عرض تلك الأعمال على الملأ

376

رفع شعار الثورة

378

ابقوا في خدمة أهداف الثورة ومعها

378

من وصية أمير المؤمنين عليه السلام

378

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه

383

النصر تفضّلٌ إلهيّ

385

شهر الإنابة والعتق

386

دوام الذكر

387

أهمية دور الصبر والتوكّل

392

حقائق الجمهوريّة الاسلاميّة الأساس

400

التعامل مع العالم

403

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في حشد من الشعراء والمدّاحين

405

الشعر مسؤوليّة

405

هموم الشعراء

407

نشر المعارف الدينيّة والإنسانيّة

 

 

 

 

 

712


614

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

408

مفاهيم الحكمة في شعر الأطفال

409

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء الجامعيّين

411

أيّامٌ مفعمة بالصفاء

412

تعاطوا كطلبة العلم في مباحثاتهم

413

أساس مشكلة العام 88

414

لا لاستخدام الشدّة

415

الإشراف على الأجهزة

416

وصيّتي للطلبة الجامعيّين

416

الأهداف والمثل العليا للثورة

417

أهداف النظام الاسلاميّ ومبادئه

418

الاقتصاد المقاوم

419

علاقة الأهداف بالوقائع

422

التكليف والنتيجة

423

الحماس والاندفاع في الجامعات

425

آفات الصحوة الإسلاميّة

426

الدفاع عن الجمهوريّة الاسلاميّة

427

متابعة السير في العلم والتطوّر

428

نقد الحكومات

431

حكم تنفيذ إمضاء) رئاسة الشيخ حسن روحاني)

435

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في مراسم تنفيذ إمضاء) حكم رئاسة الجمهوريّة)

437

حاكمية الشعب

438

خصوصيات السيادة الشعبية

439

واجبات المسؤولين التصدّي لخدمة الناس

 

 

 

 

713


615

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

440

تمتين البنية الداخلية

441

الوقوف بقوّة

442

تعاون المسؤولين

443

شخص مجرَّب وذو خبرة

445

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أساتذة الجامعات

447

غاية هذا الاجتماع

448

الاختلاف في وجهات النظر جدير بالتأمُّل

448

الجهاد العلمي والنمو

450

علينا أن نتقدّم أكثر

451

العلم اقتدار الشعب

452

هدف الجامعة تطوير البلاد

453

المنافسة في التطوير والابتكار

454

التطوّر نتاج الثورة

454

الارتقاء النوعي

455

أهميّة نشر اللغة الفارسيّة

456

أنموذج التقدّم الإيراني - الإسلاميّ

459

خطبة الإمام الخامنئي دام ظله في صلاة عيد الفطر السعيد

461

المنزلة الرفيعة لهذا اليوم

462

سُنّة الإفطارات البسيطة

463

الخطبة الثانية

463

أحداث مقلقة

464

المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية

465

قلق الحرب الأهلية في مصر

 

 

 

 

 

 

714


616

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

466

القوى الكبرى والرّجعيّة تريد تدمير العراق

467

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مسؤولي النّظام وسفراء الدّول الإسلاميّة

470

استفيدوا من سلاح الذكر والتوجّه والتوسّل

471

منشأ مشاكل عالمنا الإسلاميّ

471

مؤامرات الأعداء لا أثر لها في إيران

473

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

475

التنسيق والانسجام بين السّلطتين التشريعية والتنفيذية

476

صاحب سيرة عريقة في الثّورة

477

مؤشّرات الحكومة الإسلاميّة

485

أولويات العمل الحكومي: الاقتصاد والعلم

486

مباني الاقتصاد المقاوم

488

السّياسة الخارجيّة وقضايا المنطقة

491

نداء الإمام الخامنئي دام ظله لملتقى الصلاة الثاني والعشرين

495

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء

497

تشييع الشهداء

498

النظرة الاستراتيجية والجامعة

498

حاكميّة الشعب الدينيّة

499

الصحوة الإسلاميّة لم تنتهِ

500

هدف القوى الاستكبارية في منطقتنا

502

العناصر الكبرى الثلاث للنظام

504

الحرب حتّى رفع الفتنة

506

تقديم المساعدة للحكومة الجديدة

507

جبهات جديدة بين المسلمين


 

 

 

715


617

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

509

لقاء الإمام الخامنئي دام ظله مع أئمة الجمعة

515

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المسؤولين في بعثة الحجّ

517

مصدر قوّة للأمّة الإسلاميّة

519

الأخوّة بين المسلمين

520

تبادل الثقافة والتجارب

520

تعزيز المعنويّة

521

القوى العظمى لا تكترث لشعوب المنطقة

522

مسؤوليّتنا الثبات

525

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء قادة قوّات حرس الثورة الإسلاميّة

527

حياة العظماء دروسٌ عمليّة وخالدة

530

موقعيّة الحرس

531

الحياة الثوريّة للحرس

532

على الحرس أن يكون عارفاً بما يحرسه

532

نداء الثّورة

533

نظام التسلّط ينشر الحروب والفقر والفساد

535

سبب معاداتهم الإمام

536

المرونة الضرورية

537

الاعتماد على المعنويات لا يتنافى مع التطوير العلمي

537

مستقبل الثورة مستقبل مشرق

541

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في مراسم التخرّج المشتركة لجامعات الضباط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة

543

روحيّة طيّارينا لا نظير لها

544

تعزيز قدرات القوّات المسلّحة وتقويتها

544

التحرك الدبلوماسي

 

 

 

 

716


618

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

544

لا نثق بالأميركيين أبداً

545

الوحدة والعزة الوطنية

546

الحفاظ على الجهوزية

547

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مُعدّي كتاب "لشكر خوبان" (جيش الطيبين)

549

عظمة ظاهرة الدفاع المقدّس

550

أحيوا هذه الملحمة

552

انشروها بين الناس خصوصاً الشّباب

553

ترجمتها إلى اللغات الأخرى

555

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه المشاركين في "الملتقى الوطني السابع للشّباب النخب"

557

لقاء ملهم جداً

557

أنتم تخطِّطون مستقبل بلادكم

558

التقدّم العلمي

559

حقيقة التقدّم

560

تحوّل إيران إلى بلد مقتدر وشعب قوي

561

قلق الغرب من صحوة الشعوب

562

لا توقفوا مسيرتكم

563

الاهتمام بالإبداع العلمي

564

الحفاظ على سرعة التقدم العلمي

565

الارتباط والتكامل بين العلم والصناعة

566

إقامة مباريات ومسابقات في الإبداع

569

نداء الإمام الخامنئي دام ظله إلى حجّاج بيت الله الحرام لعام 1434هـ

577

كلمة بيان الإمام الخامنئي دام ظله إلى العاملين على إقامة المؤتمر الوطني لـ "التغيير السكاني ودوره في تحوّلات المجتمع المختلفة"

 

 

 

 

717


619

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

579

قضيّة الزيادة السكّانية

580

حل عملي وصحيح ومقبول

581

أسباب الميل إلى قلة الإنجاب

582

مقدرات البلد تؤهله لمئة وخمسين مليون نسمة

582

تحديد النسل عادة غربية

585

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه آلاف الطلبة الإيرانيين

587

ذكرى أحداث 13 آبان

588

مناهضة الاستكبار

589

الشّعب الإيرانيّ قارع الاستكبار

590

امتعاض كل من يثق بالحكومة الأميركيّة

591

الحصانة القضائيّة

591

بغض الشعوب لأميركا

592

المفاوض الإيراني ليس استسلامي

592

تعليق التخصيب أو التراجع ليس الحل

594

النووي ليس سبب عداء أميركا بل ذريعة

595

أميركا تريد إخضاع الشعوب

595

الاعتماد على القدرات الداخليّة للشعب

596

عدم الإصابة باليأس

597

سقوط أميركا

597

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه أعضاء المجلس المركزيّ لهيئة "رزمندكان اسلام"

603

هيئة "إحياء عاشوراء"

306

روحيّة المجاهدة

604

البساطة وعدم التكلّف

 

 

 

 

 

718


620

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

605

حافظوا على اللا إدارية وعلاقة الهيئة بالناس

605

الدقّة في المواضيع وتجنب الشبهات

606

الكلام الصحيح والبيان الفني اللائق

607

الهيئات: لا يمكن أن تكون علمانيّة

607

كرّروا هذه المعارف لتصبح ملكة في الأذهان!

609

خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أكبر حشد تعبويّ

609

الملحمة كبرى )عظمة السيدة زينب عليها السلام(

611

زينب عليها السلام وعزّة الإسلام

613

صبر زينب عليها السلام والوفاء بالعهد الإلهي

614

الصدق والإيمان مقابل الكفر والنفاق

615

"الليونة البطولية" تحرّف لقتال

616

النظام الإسلاميّ مسالم للشعوب

616

النظام الإسلاميّ مواجه شديد للاستكبار

617

مؤشرات الاستكبار:

619

نماذج من جرائم الاستكبار

621

من أوجه الخداع:

623

هيكل الاستكبار مزمن

624

سبب العداء: استقلالية إيران

626

تشكيلات التعبئة: شريان حيوي للنظام

627

التعبئة حلالة للمشاكل والعقد

627

مستلزمات التعبئة: السلوكية والاخلاقية

628

دعم الحكومة والمسؤولين، ورعاية الخطوط الحمر

629

الحظر= الحقد الاستكباري لأميركا

629

فشل الحظر ولّد التهديد العسكري


 

 

 

719


621

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

630

نحن أصدقاء مسالمون للشعوب

630

ذلة رئيس فرنسا أمام الصهاينة

631

يا شباب اليوم؛ المستقبل بأيديكم

633

جواب الإمام الخامنئي دام ظله على رسالة رئيس الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية

636

حضرة السيد رئيس الجمهوريّة

637

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية

639

أهميّة الثقافة والقيم الثقافية

640

الثقافة ليست هامشًا؛ هي الأصل

641

التخطيط وعدم الانتظار؛ تربية الأهداف الثقافية

641

إزالة العوائق والموانع

642

ثقافة البلد؛ مسؤولية شرعية

643

تدخّل الحكومة وإشرافها؛ واجب وضرورة

644

تمسّك الغربي بثقافته، ليس أقلّ من تمسّكنا

645

الاختلاط ليس مساواةً!

645

لِقرارات المجلس الأعلى حكمُ القانون

647

ضمانة التنفيذ؛ عهدة مختلف الأجهزة

648

الهجوم الثقافي أهمّ وأخطر من العسكري!

649

قضية الغزو الثقافي؛ واقع موجود

650

أدوات ووسائل الغزو؛ نماذج، افلام ودعاية

651

أقوى وسائل الغزو؛ ترويج اللغة

651

المطلوب: العمل والإبداع

651

ترجمة الكتب وإنتاج الأفلام

652

أنتجوا أعمالًا إبداعية!

 

 

 

 

 

720


622

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

654

معدّل سرعة التقدّم العلميّ الأعلى في إيران!

655

تسييس الجامعات، يُبطئ عجلة التقدم العلمي

656

شعار "نحن قادرون"

656

قلقٌ على الفارسيّة

658

مسألة العلوم الإنسانية

658

الآفات والمشاكل الاجتماعية وأسبابها الثقافية

661

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في حفل تكريم عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران

663

أهمية نشر آثار الشهداء

664

الدفاع المقدس كشف استعدادات الناس

665

نماذج من ميادين التمرّس

666

مازندران قدّمت الكثير من الشهداء

667

أهل الفداء

667

نساء آمل

668

دواعي فخر

669

الفهارس العامّة

669

فهرس الآيات الكريمة

669

فهرس الروايات الشريفة

669

فهرس الأدعية

669

فهرس الأشعار

669

فهرس أسماء الكتب

669

فهرس الأنبياء والأئمة عليهم السلام

669

فهرس الأعلام

 

 

 

 

 

721


623

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

669

فهرس شعوب، أقوام، أديان ومذاهب

669

فهرس الأماكن والبلدان

669

فهرس موضوعات وقضايا

669

الفهرس التفصيلي للكتاب

 

 

 

 

 

 

 

722


624
خطاب الولي 2013 م