خطاب الولي دام ظله عند لقائه طلاب وفضلاء وأساتذةالحوزة العلمية قم المقدسة-13 ذو القعدة-1431ه


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-11

النسخة: 2010


الكاتب

المركز الإسلامي للتبليغ

مؤسسة إسلامية، تعنى بالتبليغ المسجدي والعام، ورعاية شؤون أئمة المساجد والمبلغين.


المقدمة

 مقدمة 


لقد قام سماحة الإمام القائد آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي (حفظه المولى) بزيارة تاريخية لمدينة العلم والعلماء قم المقدسة وألقى فيها جملة من الخطابات القيّمة المملوءة بالتوصيات والتوجيهات ذات القيمة البعيدة المدى.

وقد اختار المركز الإسلامي للتبليغ منها ما يتعلق بالحوزة ودورها وعلاقتها بالثورة وآفاق تطويرها وفيما يلي نص كلمته عند لقائه طلاب وأساتذة حوزة قم العلمية والتي تضمنت المحاور التالية:

1 ـ موقعية قم العلمية.
2 ـ اللامبالاة لا تعطي إلا احتراماً صورياً.
3 ـ العداوة تنتج الفرص.
4 ـ حكومة القيم والشرع لا حكومة المشيخة.
5 ـ وجوه حاجة النظام الإسلامي للحوزة وعلمائها.
6 ـ استقلالية الحوزة ومساعدة الحكومة.
7 ـ قضية التحول في الحوزة (التطوير في الحوزات):
أ ـ التطوير العلمي.
ب ـ التحول الصحيح والتحول الخاطئ (علمياً).
8 ـ التحول الايجابي والنظام المسلكي.
9 ـ رسالة إلى الثوريين الشباب.
10 ـ لا بدّ من إدارة وقيادة قوية ومنسجمة للتحول (التطوير).
11 ـ ضرورة تدريس الفلسفة والتفسير إلى جانب الفقه.
12 ـ الطلبة الأخوات ظاهرة عظيمة ومباركة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

خطاب الولي

 خطاب الولي 


كلمة الامام الخامنئي عند لقائه طلاب وفضلاء وأساتذة الحوزة العلمية في مدينة قم المقدّسة 13 ذو القعدة 1431

موقعية قم العلمية

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين سيّما بقية الله في الأرضين.
السّلام عليك يا سيدتي ومولاتي يا فاطمة المعصومة يا بنت موسى بن جعفر عليكِ وعلى آبائك الطيّبين الطاهرين المعصومين أفضل الصلاة والسلام.

إن اقتران ملتقانا هذا بكل عظمته التي أضفاها الحضور المميّز للأساتذة والفضلاء والطلاب الأعزّاء لحوزة قم العلمية مع الذكرى السعيدة لمولد الإمام الرضا عليه آلاف التحية والثناء، وكذلك مولد أخته المعظّمة السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها، يذكّرنا بالحركة العظيمة والمباركة لهذين الأخوين والهجرة الفائضة بالمعاني لهذين المعظّمين, وهي بلا شك حركةٌ بنّاءة ومؤثّرة في تاريخ شعب إيران وتاريخ التشيّع.
 
 
 
 
 
 
 
 
7

2

خطاب الولي

 ولا شك أن دور السيدة المعصومة عليها السلام، في جَعْلِ قم على ما هي عليه وإضفاء العظمة على هذه المدينة الدينية التأريخية العريقة، هو دورٌ لا كلام فيه. فهذه السيّدة المعظّمة، والفتاة التي ترعرعت في حضن أهل بيت النبي عليهم السلام، بحركتها بين الأتباع والأصحاب والمحبّين للأئمة عليهم السلام ومسيرها بين المدُن المختلفة ونثر بذور المعرفة والولاية بين الناس على امتداد هذا المسير وبعد وصولها إلى هذه المنطقة ونزولها في قم، تمكنت من جعل هذه المدينة تسطع كمركزٍ أساسي لمعارف أهل البيت عليهم السلام في ذلك العصر الظلماني والحالك لحكومة المتجبّرين، وتتحوّل إلى قاعدةٍ تشعّ منها أنوار العلم وأنوار معارف أهل البيت عليهم السلام على أطراف العالم الإسلامي بشرقه وغربه.


واليوم إنّ مركز المعرفة للعالم الإسلامي هو مدينة قم. فقد أضحت قم كما كانت في ذلك العصر قلباً فعّالاً ونشطاً يمكنها أن تضخّ المعرفة والبصيرة واليقظة في كل أرجاء جسد الأمّة الإسلامية. في ذلك الزمان، أصدرت قم أوّل الكتب الفقهية وكتب معارف الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام. وبواسطة حوزة قم، أُلّفت الكتب الأساسية التي يعتمد عليها الفقهاء والعلماء والمحدّثون، مثل كتاب "نوادر الحكمة" لمحمد بن أحمد بن يحيى، وكتاب "بصائر الدرجات" للصفّار، وكتاب "الشرائع" لعلي بن بابويه القمّي، وكتاب "المحاسن" للبرقي، وكتب أحمد بن محمد بن عيسى، وعشرات بل ومئات الكتب الأخرى, كل هذه الكتب أعدت وأُنتجت في هذا المركز المعرفيّ. هنا، تربّت وترعرعت شخصيات كانت عندما تسافر إلى أقطار العالم الإسلامي تحوّل محافلها إلى محافل تفيض بالعلم والمعرفة. كان الشيخ الصدوق رضوان الله عليه من الجيل الثالث والرابع
 
 
 
 
 
 
 
 
8

3

خطاب الولي

 لهذه الحركة العظيمة، عندما سافر إلى بغداد ـ التي كانت مركز الشيعة ومركز الحديث ـ جلس تحت منبره العلماء والفضلاء ونهلوا منه. لهذا كما تلاحظون إن الشيخ الصدوق هو أستاذ المفيد وشيخه رضوان الله عليهما. لهذا أضحت قم مركزاً، وهي كذلك اليوم. وعلى مرّ الأزمنة هاجر إلى قم عشرات الآلاف من طلاب وعاشقي معارف أهل البيت عليهم السلام, تعلّموا وتلقّوا المعرفة وواجهوا الكثير من المشاكل بإرادةٍ صلبة وهم يتطلّعون إلى الأهداف العليا والمعنويّة، وتقدّموا على الطريق غير عابئين بالصعاب. لعلّه لا نجد إلا القليل من المدُن في العالم بل ربّما لا نجد مدينةً فيها هذا العدد الكبير من الذين يسعون لتحصيل المعارف الدينية والعرفان والمعنويات والسلوك الجماعي من النساء والرجال المشغولين في السعي والعمل والمجاهدة المعنوية والعلمية والثقافية في آناء الليل وأطراف النهار. هذه هي حوزة قم اليوم، مع ما تتمتّع به من موقعية عالمية ممتازة, وهذه أيضاً من سوابق هذه المدينة التي تأسست فيها أول حوزةٍ أساسية ومهمّة للتشيّع، نهِل من نبع فيضها أعاظم العلماء كالشيخ الكليني، والشيخ الصدوق وآخرون حيث كانت آثارهم حافظةً لمعارف أهل البيت عليهم السلام على امتداد القرون.


اللامبالاة لا تعطي إلا احتراماً صورياً

إن الحوزات العلمية ـ وخاصة حوزة قم العلمية ـ لم تكن يوماً من الأيام وعبر تاريخها كما هي اليوم من حيث كونها محطاً لأنظار العالم, ولم تكن يوماً مؤثّرةً في السياسات العالمية ولعّله في مصير العالم والدّول كما هي اليوم. لم يكن لحوزة قم في يوم من الأيام من الأصدقاء والأعداء كما هو
 

 
 
 
 
 
 
 
 
9

4

خطاب الولي

  اليوم. أنتم الملازمون لحوزة قم العلمية لديكم من الأصدقاء ما يفوق كلّ ما حصل في هذا التاريخ, وكذلك على مستوى الأعداء عدداً وخطورةً. إنّ حوزة قم العلمية في يومنا هذا ـ والتي هي في قمّة الحوزات العلمية ـ تحوز على مثل هذه الموقعية الحسّاسة.


ويوجد هنا مغالطةٌ ينبغي أن أشير إليها. فمن الممكن أن يقول البعض أنّه لو لم تتدخّل الحوزات العلمية في القضايا العالمية والسياسية وفي التحدّيات، لما كان لها مثل هذا العدد من الأعداء، ولكانت أكثر احتراماً مما هي عليه. هذه مغالطة، لم يكن هناك أي جماعةٍ أو مؤسسةٍ أو مجموعةٍ ذات قيمة تنال احترام الرأي العام بسبب انزوائها واعتزالها وإحباطها ولن يكون أبداً. إن الاحترام الذي تحصل عليه المجامع والمؤسسات اللامبالية التي تتنزّه عن أن تلتصق بالتحدّيات هو احترامٌ صوري وهو في الواقع والعمق عدم احترام, مثل احترام الأشياء الذي لا يُعدّ احتراماً حقيقياً، كاحترام الصور والتماثيل والتصاوير، فإنّه ليس احتراماً واقعياً. وأحياناً يكون هذا الاحترام مهانةً يتلازم مع التحقير الخفي من ذاك الذي يتظاهر بالاحترام. فالموجود الذي يكون حيّاً نشطاً مؤثّراً هو الذي يبعث الاحترام, سواء في قلوب الأصدقاء أو حتى في قلوب الأعداء. يؤدّي مثل هذا الأمر إلى عداوات لكنّهم يعظّمونه ويحترمونه. 

إنّ انعزال حوزة قم العلمية وأية حوزةٍ علمية أخرى، ينتهي بها إلى الانقراض والزوال. فعدم التدخّل في الأحداث الاجتماعية والسياسية والتحدّيات يؤدّي بالتدريج إلى التهميش والنسيان والعزلة. لهذا فإنّ علماء الشيعة بالعموم، وبغض النظر عن استثناءات جزئية وفردية، كانوا دوماً في صلب الأحداث. ولأجل هذا تمتّع علماء الشيعة بمثل هذا النفوذ والتوغّل

 
 
 
 
 
 
 
 
10

5

خطاب الولي

 في المجتمع بما لم يتحقّق لأية مجموعةٍ علمائية أخرى في العالم ـ سواءٌ الإسلامي أو غير الإسلامي. 


ثمّ أنّه لو أراد العلماء أن يتحرّكوا على الهامش، وينزووا فإن الدين سيتعرّض للضرر. العلماء جند الدين، وخدّامه، وليس لهم حيثية بدون الدين. لو أنّ العلماء اتّخذوا منحى العزلة والابتعاد عن القضايا الأساسية ـ والتي تمثّل الثورة الإسلامية العظيمة نموذجها البارز ـ ووقفوا يتفرّجون غير مكترثين فإنّ الدين ولا شك سيتعرّض للضرر, وإنّ هدف العلماء هو حفظ الدين.

العداوات تنتج الفرص

إذا كان التواجد في الساحة موجباً لاستثارة العداوات، فإن هذه العداوات إذا جمعناها كلّها فإنّه ستكون حصيلتها مجتمعةً أساساً للخير. فتلك العداوات تستثير الهمم والنخوات وتخلق الفُرص لكلّ موجودٍ حي. أينما برزت الخصومات والأحقاد تجاه مجموعة علمائية وتجاه الدين، يتحقّق في مقابلها حركةٌ بنّاءة من جانب أهل اليقظة والإطّلاع. قلت ذات مرّة أمام جمعٍ إن تأليف كتاب من قبل كاتب متعصّبٍ ضدّ الشيعة أدّى إلى إنجاز العديد من الكتب التي مثّلت مصادر شيعية كبيرة. لو لم يكن هناك تحرّكات للتيّارات اليسارية والماركسية وحزب تودة في عقد العشرينات، وأوائل عقد الثلاثينات(قبل حوالي ستين سنة) لما تمّ إنتاج كتابٍ حي وباق مثل "أصول الفلسفة ومذهب الواقعية". لهذا فإنّ هذه العداوات لم تنتهِ إلى ضررنا. أينما انبعثت الخصومة يُظهر الموجود اليقظ والمطّلع ـ أي الحوزة العلمية ـ ردّة فعلٍ من نفسه ويوجد فرصةً. العداوات تخلق 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

6

خطاب الولي

 الفُرص, وذلك عندما نكون يقظين وأحياء وغير غافلين.


في عهد رضاخان حيث برزت تلك الحركة المعادية للعلماء أدّى ذلك إلى أن يعطي مرجع تقليدٍ كالمرحوم السيد "أبو الحسن الأصفهاني" رضوان الله تعالى عليه، إجازةً لصرف الحقوق الشرعية في إنتاج المنشورات الدينية والمجلّات الدينية, حيث كان ذلك ممّا لا سابقة له، وكان في ذلك الزمان شيءٌ عجيب. ولهذا بدأت تصدر النشرات الدينية بأموال الحقوق وسهم الإمام، وكذلك بدأت تُقام المجامع الدينية بالاعتماد على سهم الإمام. إِنّ شخصيةً مثل شخصية السيّد الأصفهاني رضوان الله تعالى عليه، وخلافاً لما تصوّر البعض ويتصوّرون، كانت تهتمّ بالقضايا الثقافية المتعلقة ببلدنا والمجتمعات الشيعية ودولة الشيعة، وتجيز صرف سهم الإمام في مثل هذا العمل, هذه هي الفُرص. هكذا توجد العداوات مثل هذه الفُرص الكبيرة.

إن حيادية العلماء تجاه قضايا التحدّيات الأساسية لا يؤدّي إلى خمود العداء تجاه العلماء والدين، أو توقّفها، "ومن نام لم يُنم عنه" (نهج البلاغة). لو أنّ علماء الشيعة لم يشعروا بالمسؤولية تجاه العداوات التي تتوجّه إليهم ولم ينزلوا إلى الميدان، ولم يظهروا إمكاناتهم، ولم ينجزوا العمل الكبير المُلقى على عاتقهم، ما كان العدو ليتوقف عن عداوته, بل على العكس إنهم كلّما شعروا بضعفنا تقدّموا، وأينما أحسّوا باضطرابنا يزيدون من نشاطهم ويتقدّمون. لقد أدرك الغربيّون الإمكانات الهائلة لفكر الشيعة في مواجهة الظلم والاستكبار العالمي وذلك منذ مدّةٍ طويلة نسبياً, من قضايا العراق وقضية التبغ, لهذا فهم ليسوا ممن يسكت وسيستمرّون في اعتدائهم واقتحامهم. إنّ سكوت ولا مبالاة العلماء والروحانيين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

7

خطاب الولي

 والحوزات العلمية لا يمكن أن يوقف عداوة الأعداء بأيّ وجهٍ. لهذا فإنّ تحرّك الحوزات العلمية وعدم بقائها على الحياد قبال الأحداث العالمية والتحدّيات الداخلية والدولية يُعدّ أمراً لازماً لا يمكن إغفاله.


حكومة القيم والشرع لا حكومة المشيخة

وبعد إنتصار الثورة الإسلامية طرح أولئك الذين كانوا يسيئون للعلماء والثورة في الأذهان مفهومين خاطئين ومنحرفين. وقد تمّ الردّ على هذه الأفكار قولاً وعملاً. "شنشنة نعرفها من أخزم". يجب الالتفات واليقظة دوماً. المفهومان الخاطئان اللذان يُعدّان تهمتين طرحهما العدوّ تكتيكياً، أحدهما الحكومة الآخوندية. فقد قالوا انّ الحكومة في إيران أضحت حكومة آخوندية (مشيخية) وقد أمسكت حكومة العلماء بزمام الأمور. كتبوا هذا، وقالوه وروّجوا له وكرّروه. والآخر طرح موضوع الآخوند السلطوي، وتقسيم الآخوند إلى سلطوي وغير سلطوي. كان هدفهم من طرح هذين المفهومين الانحرافيين والخاطئين، أولاً، حرمان النظام الإسلامي من الدعامة الفكرية والنظرية والاستدلالية والعلمية العظيمة لعلماء الدين. وثانياً، تهميش العالم المسؤول والثوري والمتواجد في الساحة، الذي يواجه العداوات والإساءة لسمعته, هذا بزعمهم. يقصدون أن هناك نوعاً من العلماء، هم علماء السلطة، وهو أمرٌ سيّءٌ وسلبي ومضاد للقيم، ونوعاً غير تابع للسلطة، وهو أمرٌ إيجابي ونزيه. 

إن علاقة العلماء مع النظام الإسلامي علاقةٌ واضحة. وعلاقة العلماء والحوزات العلمية مع النظام الإسلامي هي علاقة دعمٍ ونصيحة. وهذا ما سأوضحه. الدعم إلى جانب النصحية، الدفاع إلى جانب الإصلاح.

 
 
 
 
 
 
 
 
13

8

خطاب الولي

 وذانك المفهومان الخاطئان، هما في الحقيقة مفهومان إنحرافيان وعدائيان, وذلك، لأن القول بأن الحكومة آخوندية ونسبة الجمهورية الإسلامية إلى هذا المفهوم هو قولٌ كاذب. إن الجمهورية الإسلامية هي حكومة القيم وحكومة الإسلام، وحكومة الشرع، وحكومة الفقه، وليست حكومة المشايخ. فالمشيخة ليست كافية لأجل أن يكتسب الشخص سلطةً حكومية. إن الجمهورية الإسلامية تختلف بالماهية مع الحكومات المشيخية التي نعرفها في العالم، تلك التي كانت موجودة في الماضي أو هي موجودة اليوم في بعض مناطق العالم. إن حكومة الجمهورية الإسلامية هي حكومة القيم الدينية، من الممكن أن يحوز أحد المشايخ على خصائص قيمية تجعله أفضل من كثيرٍ من المشايخ الآخرين, ويكون مقدّماً عليهم. لكن المشيخة لا توجب سلب الأهلية والكفاءة من أحد. فليست المشيخة لوحدها أهلية وكفاءة كما أنّها ليست سبباً لسلبها. إن الحكومة هي حكومة الدين وليست حكومة صنفٍ خاص أو مجموعةٍ خاصة. فتقسيم المشايخ إلى مشايخ السلطة وغيرهم، واعتبار القيم بناءً على هذا الأساس هو خطأٌ فاحش. إن السعي من أجل السلطة بل من أجل أي شيءٍ آخر، إذا كان للدنيا فهو سيئ، وإذا كان لهوى النفس فهو سيّئٌ ولا يختصّ بالحكم. إنّ تحرّكنا نحو أيّ هدفٍ إذا كان القصد فيه هوى النفس والمصالح الشخصية، فهو مخالفٌ للقيم، وهو مصداق الدخول في الدنيا الذي جاء: "الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا". وإذا كان الهدف هو الدنيا فهو مردود، وليس الأمر مختصّاً بالسلطة والحكومة. أمّا إذا كان منطلِقاً من الأهداف المعنوية والإلهية فهو من أفضل مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أسمى مصاديق


 
 
 
 
 
 
 
 
14

9

خطاب الولي

 الجهاد, إنه تقبّلٌ للمسؤوليات الثقيلة أو دفاعٌ عن المسؤولين المؤهّلين. إذا أُطلقت كلمة شيخ السلطة والحكومة على من يدافع عن النظام الإسلامي أو يدعم المسؤولين أداءً لدينه، ومسؤوليته الشرعية وفي سبيل الله، فهذا من القيم، وعدم وجود مثل هذه الحالة مخالف للقيم. 


لهذا، فإن كلا المفهومين، مفهوم الحكومة الآخوندية والمشيخية ومفهوم شيخ السلطة وعالم الحكومة غير صحيح. إنّ طرحهما بعد الثورة وبعد تأسيس النظام الإسلامي هو مغالطةٌ, فهذه المفاهيم ليس لها علاقة بثقافة هذه الثورة.

وجوه حاجة النظام الإسلامي للحوزة وعلمائها

ولكن في المقابل هناك حقيقتان ومفهومان آخران يُعدّان من المفاهيم القيمية ومن مناشىء القيم. المفهوم الأول، إِن نظام الحكم يحتاج من الناحية النظرية والعلمية إلى علماء الدين والحوزات العملية وهو يقوى بمساعيهم العلمية. فالنظام يعتمد على الحوزات العلمية والعلماء والفضلاء وأصحاب الرأي والخبرة على المستوى الديني. والمفهوم الآخر هو أنّ الحوزة والعلماء ليسوا غير مبالين فيما يتعلّق بالنظام الديني. لا يوجد أيّ عالم ديني وأيّ خادمٍ للإسلام يمكن أن يكون غير مبالٍ بالنسبة للنظام الذي تحقّق على أساس الإسلام، وهو يتحرّك بالدوافع الإسلامية ويعمل على هذا الأساس, لا يمكن أن يعدّ نفسه غريباً عنه. فهذه حقيقةٌ أخرى. 

تلك الحقيقة الأولى التي ذكرنا فيها أن النظام يقوى بالحوزة العلمية، لأنّ التنظير السياسي والتنظير في جميع الأبعاد الإدارية
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

10

خطاب الولي

  لشعبٍ أو لدولةٍ في النظام الإسلامي يكون على عاتق علماء الدين. إن من يتمكّن من بيان أحكام الإسلام ونظريّته في باب الاقتصاد وفي باب الإدارة وفي باب الحرب والسلم وفي باب القضايا التربوية وفي غيرها هو المتخصص الديني والعارف بالدين. وإذا لم تجرِ تعبئة مكان هذا التنظير ولم يقم علماء الدين بهذا العمل فإن النظريات الغربية والنظريات غير الدينية والنظريات المادية ستملأ هذا الفراغ. لا يمكن لأيّ نظامٍ أو مجتمعٍ أن يدير في الفراغ, عندها سيأتي نظامٌ إداريٌ آخر ونظامٌ اقتصاديٌ آخر، ونظامٌ سياسيٌ آخر، تمّ وضعه وإيجاده من قبل الأذهان المادية ويحلّ محلّه, فهذا الأمر يحدث أينما تحقق هذا الفراغ.


إن ما ذكرته أنا العبد بشأن العلوم الإنسانية في الجامعات وحذرت من خطر هذه العلوم المسمّة بذاتها ـ سواءٌ بالنسبة للجامعات أو للمسؤولين ـ فلأجل هذا الأمر. إن هذه العلوم الإنسانية التي تروج اليوم، فيها من المضامين ما يتعارض ويخالف بماهيّته الحركة الإسلامية والنظام الإسلامي وهو يعتمد على رؤية كونية مختلفة، ولديه مقولات وأهدافٌ أخرى. عندما راجت هذه الأمور تمّ إعداد المدراء على أساسها، والذين هم أنفسهم من يتصدّى لشؤون الجامعات ويقفون على رأس اقتصاد الدولة وعلى رأس قضاياها السياسية والداخلية والخارجية والأمنية وغيرها وغيرها. إن الحوزات العلمية وعلماء الدين هم الدعامات وهم مكلّفون باستخراج النظريات الإسلامية في هذا المجال من قلب المتون الإلهية، وتظهيرها وجعلها في متناول الأيدي في عملية التخطيط وفتح المجالات المختلفة. فالنظام الإسلامي يعتمد على علماء الدين وعلى
 
 
 
 
 
 
 
 
16

11

خطاب الولي

  العلماء أصحاب الرأي والنظريات الإسلامية, لهذا فإن النظام مكلّفٌ بدعم الحوزات العلمية لأنها معتمده. 


وبالإضافة إلى حاجة النظام الإسلامي في إدارة الشعب والدولة إلى الحوزات، هناك نقطةٌ أخرى ترتبط بالشبهات التي تُطرح بوجه النظام، حيث يتمّ حقن الشبهات الدينية والشبهات السياسية والشبهات الاعتقادية والمعرفية في قلب المجتمع ـ وخصوصاً بين الشباب ـ والتي لا هدف لها إلا عدول الناس من فكرٍ إلى فكر والقضاء على الدعائم البشرية للنظام، وخدش مبانيه الأساسية في الأذهان، ومعاداته. لهذا فإنّ القضاء على هذه الشبهات ومواجهتها وإزالة مثل هذه الغبار عن ذهنية المجتمع ـ وهو ما يتحقق بواسطة علماء الدين ـ يُعدّ دعامةً أخرى للنظام الإسلامي. لهذا فإنّ النظام الإسلامي يعتمد على علماء الدين والمنظّرين والمحقّقين والعلماء في الحوزات العلمية من جهاتٍ عدّة. ومن هذه الجهة فإن الحوزات العلمية لا يمكنها أن تبقى لامبالية. إن الحوزة العلمية وخصوصاً حوزة قم هي أمّ هذا النظام. هي التي أوجدت وولّدت هذه الثورة وهذه الحركة العظيمة فكيف يمكن لأمٍّ أن تهمل وليدها وتكون غير مبالية بشأنه حينما يكون من الضروري أن تدافع عنه! ذلك غير ممكن. لهذا فإن العلاقة المتبادلة بين الحوزات العلمية ونظام الجمهورية الإسلامية هي علاقة الدعم. فالنظام يدعم الحوزات، والحوزات تدعم النظام فيتعاونان ويتآزران.

إستقلالية الحوزة ومساعدة الحكومة الإسلامية

هنا قضية أُخرى سأطرحها وبعدها سأعرض لعدّة قضايا أخرى ذات أهميّة فيما يتعلّق بالحوزة إن شاء الله. هذه القضية هي قضية استقلالية
 
 
 
 
 
 
 
 
17

12

خطاب الولي

 الحوزات. فهل أن دعم النظام الإسلامي للحوزات العلمية يمكن أن يوجد خللاً أو يوجّه ضربةً لهذه الاستقلالية أم لا؟ وهل أنّ هذا العمل جائزٌ أم لا؟ فهذا بحثٌ مهم. فالحوزات العلمية كانت طوال التاريخ مستقلّةً، ليس فقط في عهود الحكومات المعارضة للتشيّع، بل حتى في عهد الحكومات الشيعية، فعندما كان الصفويون ممسكين بزمام الأمور وقدِم إلى إيران علماءٌ كبار كالمحقق الكركي ووالد الشيخ البهائي وغيرهم من الأعاظم وشغلوا مناصب دينية عدّة، لم يصبح هؤلاء العلماء وتلامذتهم ومن تربّى على أيديهم خاضعين للسياسات الصفوية أو تحوّلوا إلى أداة بأيديهم. نعم، كانوا يقدّمون العون ويتعاونون ويُمدحون ويُجلّون, ولكنّهم لم يصبحوا في قبضتهم، وقد كان الأمر على هذا المنوال أيضاً في مقطع من العهد القاجاري. فكاشف الغطاء رضوان الله عليه، ذلك العالم الكبير جاء إلى إيران وألّف كتاب "كشف الغطاء"، وفي هذا الكتاب ـ سواءٌ في المقدّمة أو في بحث الجهاد، أو بمناسبة حروب روسيا وإيران، كان يظهر الكثير من الإجلال لفتحعلي شاه, ولكن كاشف الغطاء لم يكن شخصاً يمكن أن يصبح بيد فتحعلي شاه وأمثاله, أمثال هؤلاء كانوا مستقلّين. وكان الميرزا القمّي في منزله في قم محترماً ومجلّلاً من قبل شاه زمانه, ولكنّه لم ينزل تحت إرادته. وكانوا يصرّون عليه أن يفتي بما يريدون, ولكنّ الميرزا لم يقبل ولم يتنازل. للميرزا القمي رسالة بعنوان الرسالة العباسية، يبين فيها آراءه الفقهية في باب الجهاد. وهذه الرسالة، قد طُبعت ونُشرت قبل عدّة سنوات لأول مرّة. وقد طُلب منه أن يعطي وكالةً (على سبيل المثال) أو نيابة ليتمكّنوا من الجهاد من طرفه ـ وبظنّي أن هذا الموضوع قد ذُكر في كتاب جامع الشتات ـ ولكنه لم يخضع أو يقبل. هكذا كان علماء الشيعة 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

13

خطاب الولي

 على الدوام، كانوا مستقلّين دوماً، لم يتحوّلوا إلى أداةٍ في قبضة السلطات, واليوم الأمر كذلك، وبعدها ينبغي أن يكون كذلك، وسيكون هكذا بتوفيق الله.


ولكن يجب أن تكونوا متنبهين ها هنا لكي لا تنشأ مغالطةٌ أخرى, فلا ينبغي أن تُتلقّى استقلالية الحوزات بمعنى عدم دعم النظام للحوزة والحوزة للنظام, فالبعض يريدون هذا الأمر. يريدون أن يقطعوا علاقة الحوزة بالنظام تحت عنوان الاستقلالية وباسمها، وهذا لا يصحّ، فالتبعية غير الدعم، وهي غير التعاون. إن النظام مديون للحوزة ويجب أن يدعم الحوزات. بالطبع، يجب أن تدار معيشة الطلاب على يد الناس، على طريقة السنّة المتعارفة والمليئة بالمعاني والأسرار, فليأتِ الناس ويقدّموا ما عليهم من حقو ق شرعية, هذه هي عقيدتي. 

كلّما دقّق المرء في أعماق هذه العادة والسنّة القديمة التي لعلّها كانت رائجة قبل حوالي 150 سنة، تزداد بنظره أهميتها ومعانيها وأسرارها.إن سرّ الرابطة المحكمة للناس مع الحوزات هو شعورهم بالقرابة والإنتماء. الناس لا يتوقعون الكثير من العالِم لكنّهم يعدّون أنفسهم مسؤولين عن الدعم المالي للحوزات والعلماء، وهو الصحيح.

لكنّ قضايا الحوزات لا تنحصر بقضية المعيشة. ففي الحوزات إنفاقات لا يمكن تأمينها إلا بدعم بيت مال المسلمين ومساعدة الحكومات. وعلى الحكومات أن تصرف هذه الميزانيات دون أن تتدخّل. الكثير من المدارس المهمّة في المدن المختلفة بناها الأمراء والسلاطين. في مشهد بُنيت ثلاث مدارس محاذية ـ مدرسة نوّاب والباقرية والحاج حسن ـ وكل واحدةٍ بُنيت في زمان أحد سلاطين الصفوية وبأمره أو بأمر أمرائه, فلا

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19
 

14

خطاب الولي

 إشكال في ذلك. فالمدرسة الباقرية التي كانت محلّ تدريس المحقّق السبزواري ـ الملّا محمد باقر السبزواري صاحب الذخيرة والكفاية ـ قد بُنيت بواسطتهم ولا إشكال في ذلك. يجب أن تُصرف الميزانيات دون تدخّل. فالحوزة تتقبّل أنواع الدعم من جانب النظام بعزّةٍ ومنعة. إن كل هذا الدعم الذي يقدّمه النظام في يومنا هذا للحوزات، ويجب عليه وينبغي أن يزداد، كله يندرج تحت عنوان المسؤولية والتكليف. وليس مجرّد دعم مادّي. اليوم، بحمد الله، أهم المنابر الوطنية وأكثرها انتشاراً يوضع تحت تصرّف فضلاء الحوزة العلمية والمراجع المعظّمين. فهذه من أشكال الدعم التي يقدّمها النظام. فالنظام الإسلامي يجب عليه أن يقدّم كل هذا الدعم انطلاقاً من تلك الرابطة المذكورة. لهذا، لا ينبغي الخلط بين قضية التدخل والاستقلالية وتلك الوقائع الموجودة في هذا المجال.


الحقيقة هي أنّ هذين التيّارين العظيمين ـ تيّار النظام الإسلامي وفي قلبه تيّار الحوزات العلمية ـ هما تيّاران متّصلان ومترابطان ولهما نفس المصير, وعلى الجميع أن يعرفوا هذا. فاليوم، مصير العلماء والإسلام في هذه البقعة من الأرض مرتبطٌ ومتشابكٌ مع مصير النظام الإسلامي. فأيةُ ضربةٍ يتعرّض لها النظام الإسلامي ستكون حتماً خسارة للعلماء وأهل الدين وعلماء الدين أكثر من سائر أبناء الشعب. وبالطبع فإن النظام حيٌّ وشامخٌ وقويّ. وإني بثقة تامة أقول أن النظام سيتغلّب على جميع التحدّيات التي تواجهه وسينتصر. 

قضية التحوّل في الحوزات (التطوير العلمي)

القضية الأخرى المهمّة المطروحة والتي ينبغي تناولها بوضوح هي 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

15

خطاب الولي

 قضيّة التحوّل في الحوزات، وهي قضيةٌ تُطرح منذ مدّة في الحوزة العلمية المباركة لمدينة قم. فماذا يعني هذا التحوّل؟ أيّ شيءٍ تريد الحوزة القيام به تحت عنوان التحوّل؟ إذا كان التحوّل بمعنى تغيير الخطوط الأساسية للحوزات ـ كتغيير منهج الاجتهاد ـ فهو قطعاً انحراف. إنّه تحوّلٌ لكنّه تحولٌ نحو السقوط. إنّ المنهج الاجتهادي الرائج اليوم في الحوزات العلمية الذي يعتمده علماء الدين هو من أقوى مناهج الاجتهاد وأكثرها منطقيةً, اجتهادٌ يعتمد على اليقين والعلم ويستند إلى الوحي, أي أنه يبتعد عن الظن, واستنباطنا هو استنباط علمي ويقيني. وهذه الظنون الخاصّة الموجودة يجب أن تكون حجّيتها كلّها يقينية وقطعية. حتى أن اعتبار الأصول العملية التي نُعملها في الفقه يجب أن يكون اعتباراً جزمياً وقطعياً. فما لم نصل إلى الجزم بالدليل القطعي باعتبار هذا الأصل العملي ـ الاستصحاب أو البراءة أو الاشتغال، كلٌّ في محلّه ـ لا يمكننا أن نُعمِله. لهذا فإنّ جميع وسائل الاستنباط عندنا في الفقه تنتهي بالواسطة أو بغير الواسطة إلى القطع واليقين. 


إن الاجتهاد عند الشيعة لا يعني الاعتماد على الظنون غير المعتبرة, فيكون كما ذكر قدماؤنا اجتهاداً بالرأي يعتمد على الظنون غير المعتبرة كالقياس والاستحسان وأمثالهما، وقد ألفوا حوله كتباً، ككتاب "الرد على أصحاب الاجتهاد في الأحكام"، لإسماعيل بن أبي سهل النوبختي، والسيد المرتضى في "الذريعة"، والشيخ في "عدّة الأصول" وغيرهم وغيرهم, رفضوا هذا الإجتهاد المبني على الظنون غير المعتبرة. هذا الاجتهاد مرفوضٌ. واليوم نرفض هذا النوع من الاجتهادات لأيٍّ كان وتحت أي إسمٍ. وإن لم يكن هذا الأمر يرضي الدنيا، لا يهم، فإنّ هذا الكلام الفقهي ليس
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

16

خطاب الولي

 له زبائن في العالم، وحتى لو لم يذكروا هذا صراحةً لكنّهم في أعماقهم يريدون جرّنا إلى هذا الاستنباط الخاطئ وهو مرفوض. وللأسف يُشاهد في بعض الموارد هنا وهناك، أنه لأجل مراعاة عُرف العالم المتمدّن ـ بالبعد المادي بشكلٍ أساسي ـ يتم العبث بعملية استنباط الأحكام الشرعية! بل أسوأ من ذلك أحياناً ومن أجل جلب قلوب أصحاب القِوى المادية ـ وليس فقط العُرف الشائع للعالم المادّي، بل عُرف القوى المادية والإستكبارية ـ يقدّمون الفتاوى: فالمساعي السلمية النووية للجمهورية الإسلامية تصبح ممنوعةً لأنّها تبعث سوء ظن القوى العظمى! حسناً، لقد أخطأوا ويسيئون الظن. 


لو تمّ إعمال الاجتهاد وفق المنهج الصحيح المبني على الكتاب والسنّة، وبتلك المنهجية المنطقية المعقولة السليمة المدقّقة الناضجة فهو أمرٌ ممتاز. إن الاجتهادات، ولو استتبعت نتائج مختلفة، تؤدّي إلى الارتقاء والتقدّم. مجتهدونا وفقهاؤنا عبر تاريخ فقهنا، قدّموا آراءً متباينة في المسائل المختلفة. فالتلميذ ينقض آراء أستاذه، ويأتي تلميذه لينقض عليه، فلا إشكال في ذلك، فهذا ما يؤدي إلى الإرتقاء والتطور, ويجب تقوية هذا الإجتهاد في الحوزة، والإجتهاد لا يختص بالفقه، ففي العلوم العقلية وفي الفلسفة والكلام، اجتهاد أصحاب هذه الفنون ضروريٌّ، ولو لم يكن هذا الإجتهاد لأصبحنا مستنقعاً راكداً.

لا ينبغي أن تغيب الحوزة في هذا الزمان عن الساحات المختلفة للفلسفة والفقه والكلام في العالم. فكلّ هذه الأسئلة المطروحة في العالم وفي القضايا المختلفة تنتظر رد الحوزة، فلا ينبغي لها أن تغيب أو تنفعل, فهما مضران. إنّ التفكير المتجدّد ضروريٌّ، والإجابة على الحاجات
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

17

خطاب الولي

 المستحدثة ضروريّةٌ وهي تنهمر كالسيل في أرجاء العالم، ويجب أن توفروا أجوبتها. يجب أن تكون إجاباتكم ناظرةً إلى هذا الاحتياج وناظرةٌ إلى الأجوبة التي تقدّمها المذاهب والفرق المختلفة أيضاً. فلو غفلتم عن أجوبتهم، لا يمكن لجوابكم أن يفعل فعله. يجب أن تستنبطوا الأجوبة القوية والمنطقية والمقنعة، يجب أن تُعرض الأجوبة على العالم. وعلى الدوام يجب أن تُضخّ صادرات قم وهي كما قلنا: القلب المعرفي للعالم الإسلامي. واليوم لحسن الحظ فإنّ وسائل الاتصال السريع تحت تصرّف الجميع. وأنتم قادرون على القيام بشيء ها هنا، فيسمعكم ويستفيد منكم من يعيش في أقاصي العالم في نفس الساعة.


إن الحاجة موجودةٌ على صعيد القضايا المختلفة, سواءٌ بالنسبة للنظام الإسلامي أو على مستوى البلد أو العالم. إن تبيين الرؤية المعرفية للإسلام والفكر الاقتصادي والسياسي للإسلام، والمفاهيم الفقهية والحقوقية، التي تشكّل أركان ذلك الفكر الاقتصادي والسياسي، ونظام التعليم والتربية والمفاهيم الأخلاقية والمعنوية وغيرها وغيرها، يجب أن تُعدّ وتُهيّأ بصورةٍ دقيقةٍ وعلميةٍ ومقنعةٍ وناظرةٍ إلى الأفكار الرائجة في العالم, هذا هو عمل الحوزات. وبالاجتهاد يصبح هذا الأمر عملياً. وإذا لم نقم بهذا العمل نكون قد ساعدنا بأيدينا على حذف الدين من ساحة الحياة البشرية، نكون قد ساهمنا بأنفسنا في عزل العلماء. هذا هو معنى التحوّل. وهذه الحركة الاجتهادية المتجددة أساس التحوّل.

التحوّل الصحيح والتحوّل الخاطئ

وأعرض هنا إلى ما يُعدّ تطويراً وإلى ما لا يُعدّ كذلك، في المجالات 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

18

خطاب الولي

 الأخرى. أو بتعبيرٍ أفضل ما يُعدّ تحوّلاً صحيحاً وتحوّلاً خاطئاَ. فكلامي دائماً كان وسيبقى ـ في السابق ذكرته عبر اللقاءات المختلفة مع فضلاء الحوزة ـ إِنّ التحوّل والتغيّر أمرٌ حتمي وسيحصل. وفي يومنا هذا لا يوجد حصنٌ مانعٌ يحيط بأية مجموعةٍ صنفية أو داخلية أو غيرها, غاية الأمر أن هذا التحوّل والتغيير إمّا أن نديره ونوجّهه أو لا، بل نهمله. إذا تركناه خسرنا. يجب على كبار الحوزة ومراجع التقليد والعلماء والمفكّرين والفضلاء أن يشمّروا عن ساعد الهمّة ويخطّطوا لهذا التحوّل ويقوموا بتوجيهه وإدارته. لهذا، فإنّ المعنى الأساسي للتحوّل هو: الحركة التجديدية على صعيد المضمون. 


من الممكن أن يُراد من التحوّل أو أن يُفهم له معنىً خاطئ، والذي يجب اجتنابه بشكل حتمي. "لا يعني التحوّل الإعراض عن المناهج التقليدية شديدة الفعالية للحوزة في التعليم والتعلّم وتبديلها بالأساليب الرائجة في الجامعات اليوم", فمثل هذا التحوّل والتغيير خطأٌ في خطأ، هو تراجعٌ.

في يومنا هذا بدأت مناهجنا التقليدية القديمة المختلفة تُعرف في كل العالم. البعض يروّجون لهذه الأساليب من خلال التقليد أو الابتكار, فهل نأتي بالمناهج الجامعية المعتمدة عندنا والمستنسخة عن المناهج الغربية القديمة إلى الحوزة فنحكّمها؟ كلا، هذا لا نعدّه تحوّلاً، ولو حدث مثل هذا التغيير فإنّنا حتماً نعتبره رجعيّةً وتخلّفاً, نحن لا نقبل هذا. لدينا في الحوزة العلمية مناهج ممتازة رائجة يُعمل بها منذ القديم. أسلوب الإختيار الحرّ للأستاذ من قبل الطالب. عندما يأتي الطالب إلى الحوزة يفتّش عن الأستاذ الذي يرغب به ويذهب إلى درسه. وأساس حركة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

19

خطاب الولي

 الطالب هي التفكير والتدقيق والدراسة لا الحفظ. ومحورية الحفظ هي هذا الشيء الذي نعدّه اليوم بلاء التربية والتعليم الموجود عندنا، ونحن منذ مدّة نواجهه ونحاربه, ولم يتحقّق بعد النتيجة المطلوبة التي ينبغي. في الحوزة، فإنّ الأساس الذي نعتمد عليه هو التفكير. والطالب عندما يدرس فإنه قبلها يجري مطالعات مسبقة ويهيئ ذهنه لكي يسمع من أستاذه كلاماً جديداً وبعد الدرس يتباحث مع زميله فمرّةً يدرّسه ومرّة يدرس عنده. لهذا يقر في الذهن.. وفي بعض الحوزات، كحوزة النجف، كانت كتابة تقرير الدرس أمراً رائجاً ـ وفي قم قليلاً ما يُعمل بهذا أو نادراً ـ حيث يقوم أحد الطلبة الفضلاء بعد درس الأستاذ بشرحه للطلاب المحتاجين مرّةً أخرى. ولهذا ترون كم لهذا العمل من تأثيرٍ في تعميق العلم والمعلومات عند طلّاب العلم. لا ينبغي تضييع هذه الأساليب، فهذا خسارةٌ. 


واحترام الأستاذ قضيّةٌ أخرى. فإحدى السنن الرائجة في الحوزات العلمية هي تواضع التلميذ للأستاذ واحترامه. يُكتب في "آداب المتعلمين" ويُذكر فيه مسؤوليات المتعلم تجاه المعلّم وحقوق المعلّم، وفي المقابل ما للمتعلّم من حقوقٍ على المعلّم. فلا يكفي أن يأتي الأستاذ ويقول كلمته ثمّ يمشي. كلا، بل يستمع إلى كلام التلميذ ويصغي. فهذه أمورٌ كان يُعمل بها منذ القدم. ومنذ زماننا كان هناك بعض الأعاظم وهم اليوم موجودون أيضاً، فالتلميذ يلازم الأستاذ بعد الدرس إلى بيته، يباحثه ويتحدّث معه ويسأله، وتكون الجلسة جلسة علميّة، فالجلسة تكون جلسة تحقيقٍ وسؤالٍ وجواب. هذه من السنن الجيّدة لحوزاتنا. الآخرون يريدون أن يتعلّموها منا، فهل نقوم نحن باستبدالها بأساليب وسنن الآخرين المنسوخة والبالية؟!
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

20

خطاب الولي

 لهذا ينبغي أن تبقى هذه السنن وتزداد قوّةً. التحوّل لا يعني تغييرها.


"من الأشياء الضرورية في التحوّل الإيجابي هي أن نطبّق أنفسنا وسعينا ونشاطنا العلمي على الإحتياجات. فالناس يريدون منّا أن نجيب عن الأشياء التي يحتاجون إليها وعلينا نحن تأمينها". وهناك أشياءٌ ليست مورد حاجة الناس، وهي من الإضافات والهدر في السعي، فلا ينبغي أن نشغل أنفسنا بها. إنّ هذه قضايا أساسية جداً ومهمّة.

نحن نريد من الجامعات أن تطبّق نشاطها على حاجات المجتمع. فكلما التقينا بالجامعات والأساتذة والجامعيين نكرّرالأمرعلى مسامعهم، ونقول لهم طبّقوا فروعكم العلمية على حاجات المجتمع، وانظروا ما هي الأشياء المطلوبة، ومثل هذا الأمر يصدق على الحوزات بطريقٍ أولى.

التحوّل الإيجابي والنظام المسلكي

القضية اللاحقة ترتبط بالنظام المسلكي والأخلاقي للحوزات, حيث ينبغي أن يكون هذا التحول ـ فيما لو تحقّق ـ ناظراً إلى هذه الجهة أيضاً. ويوجد هنا عدّة عناوين بهذا الخصوص دوّنتها, منها تكريم الأساتذة. يجب أن يتحرّك نظامنا المسلكي والأخلاقي في الحوزات بهذا الاتجاه، تكريم الأستاذ وتكريم العناصر الفاضلة وخصوصاً تكريم مراجع التقليد. فليس كل إنسان بمقدوره أن يصل بسهولة إلى مستوى مراجع التقليد المعظّمين، فهذا ما يتطلّب مؤهلات كثيرة. وفي الغالب فإن المراجع يُعدّون القمم العلمية للحوزات العلمية. لهذا يجب الحفاظ على احترام المراجع وتكريمهم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

21

خطاب الولي

 القضية الأخرى في النظام المسلكي والأخلاقي في الحوزات هي الإستفاضة من المعنويات والتهذيب فهذا مهمٌّ جداً. إنّ الشباب اليوم يحتاجون أكثر من أي وقتٍ مضى إلى قضية التهذيب. فأولئك الذين يدرسون ويعملون في فروع علم السلوك العام، يؤيّدون هذا. في يومنا هذا أضحى الوضع في كل العالم حيث النظام المادي وضغط الماديات الذي يجعل الشباب يشعرون بالضيق والكآبة. في مثل هذا الوضع، يكون منقذ الشباب التوجّه إلى المعنويات والأخلاق. إن السبب وراء نمو وانتشار أنواع العرفان الكاذب واستقطابها هو هذا, أي الاحتياج. إن شبابنا في الحوزات العلمية ـ سواء الذكور أو الإناث ـ يحتاجون إلى التهذيب. لدينا قِممٌ في التهذيب. في قم كان المرحوم الحاج الميرزا جواد آقاي الملكي والمرحوم العلّامة الطباطبائي، والمرحوم الآقا بهجت والمرحوم الآقا بهاء الديني، رضوان الله تعالى عليهم، قِمم التهذيب في الحوزة. فسلوكهم ومعرفة حياتهم وكلماتهم تُعدّ بذاتها من أكثر الأمور شفاءً وباعثة على اطمئنان الإنسان ومانحة للسكينة والبصيرة ونورانية القلب. وكان في النجف أعاظم, سلسلة تلامذة المرحوم الآخوند الملّا حسينقلي إلى المرحوم الآقا القاضي وغيرهم وغيرهم، فهؤلاء عظماء، بمعزل عن مشاربهم الفكرية والعرفانية. والقضية هنا ليست قضية نظرية. البعض كان لهم مشارب مختلفة. كان المرحوم السيّد مرتضى الكشميري رضوان الله تعالى عليه، من أساتذة المرحوم الحاج الميرزا علي الآقاي قاضي, ولكن مشربهما كان متفاوتاً بالكامل. فهو كان يمنع بشدّة من الحصول على كتابٍ بينما الآخر كان يعشقه, فلا مشكلة. هؤلاء الأعاظم الذين كانوا في مشهد، كانوا رجالاً عرفناهم بالتقوى والطهارة والنزاهة، المرحوم الحاج الميرزا جواد آقاي

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

22

خطاب الولي

 طهراني، والمرحوم الحاج الشيخ مجتبى وأمثالهما كانوا كذلك. والأساس هو شفاء القلب الصدئ بلسانٍ معنوي وكلامٍ نابعٍ من القلب يزيله، لهذا فنحن لا دخل لنا هنا في أنواع العرفان النظري. 


وقضية أخرى في مجال النظام المسلكي والأخلاقي للحوزة هي قضية التوجهات والمشاعر الثورية في الحوزة. أعزائي! إنّ لأجواء الثورة في البلد أعداء معاندين وحقودين. يعارضون حاكمية الجو الثوري في البلد, ويريدون القضاء عليه. لقد رأيتم كيف أن الشهادة في بعض الأزمنة أضحت مورد تشكيك ومساءلة وكذلك الجهاد والشهيد وآراء الإمام والأنبياء! ليست القضية أنّ فلاناً أو فلاناً مخالفون لهذه المفاهيم، بل إِن هذه المخالفة والمعارضة كما يرى العدو يجب أن تُطرح في المجتمع لخلق بيئةٍ وتحطيم الجو الثوري. وفي الحوزة العلمية يجب على الجميع الالتفات إلى هذه القضية, في صلب المجتمع على هذا المنوال وكذلك طبعاً في الحوزات العلمية. يعلمون أنكم لستم أفراداً معزولين بل لكم جمهوركم ومحبوكم، لهذا أنتم تؤثرون في محيطكم. يريدون شقّ هذا الجو الثوري وعزل العالِم الثوري. فاستحقار التعبئة والشهداء والشهادة والتشكيك بالجهاد المديد لهذا الشعب فيما لو حصل لا سمح الله في زوايا الحوزة لكان كارثةً. على كبار الحوزة أن يراقبوا دائماً وينتبهوا ويمنعوا من حصولها.

رسالة إلى الثوريين الشباب

ونقطة أخرى أوجّهها إلى الشباب الحماسيين والثوريين في الحوزة حيث إِنّ الحوزة بمعظمها تشتمل على أمثال هؤلاء. أعزّائي إن المستقبل لكم وأنتم أمل ومستقبل البلد. يجب عليكم أن تكونوا متنبهين جداً.

 
 
 
 
 
 
 
 
28

23

خطاب الولي

 صحيحٌ أن الطلبة الشباب الثوريين هم أهل العمل والنشاط وليسوا أهل التسويف والتأجيل، لكن ينبغي أن نلتفت لئلا تستجلب الحركة الثورية تُهمة التطرّف. فعلينا اجتناب الإفراط والتفريط.. وعلى الشباب الثوريين أن يفهموا أنه مثلما يكون الانزواء والسكوت واللامبالاة مضرّاً، كذلك يكون الإفراط. فانتبهوا من أن يتحوّل الأمر إلى إفراطٍ. لو أنّ ما ذُكر في بعض التقارير، بأن هناك بعض مقدّسات الحوزة وبعض كبارها ومراجعها قد تعرضوا للإهانة، كان صحيحاً، فاعلموا أن هذا انحرافٌ حتمي وخطأ. فالثورية لا تقتضي مثل هذا. إن الثوريّ ينبغي أن يكون بصيراً، ومدركاً لتعقيدات ظروف زمانه. وليست القضية بهذه البساطة حيث نرفض شيئاً ونثبت آخر، ونقبل ثالثاً، لا يصح الأمر كذلك، بل ينبغي أن تكونوا مدققين وتحفظوا الحماس الثوري، وتقاربوا المشكلات. لا ينبغي أن تنفعلوا بتهم الآخرين وطعناتهم، مثلما أنكم لا ينبغي أن تكونوا بسطاء, فالتفتوا ولا تيأسوا وابقوا في الساحة، لكن دقّقوا وراقبوا سلوك بعض الذين هم مورد اعتراضكم فلا يغضبكم الأمر أو يخرجكم عن طوركم. إن السلوك المنطقي والعقلائي أمرٌ ضروري. وبالطبع أوصي الجميع هنا بأن لا يتّهموا القوى الثورية بالتطرّف، لأن البعض يحبّون هذا الأمر، ويريدون اتّهام العناصر الثورية، والشاب الثوري، والفاضل الثوري، والمدرّس الثوري، في أي مستوى من المستويات، بالتطرّف. كلا، إنّ هذا تحريفٌ يقوم به العدو، وهو واضحٌ. فلا يكون الأمر من هذا الطرف أو ذاك الطرف.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

24

خطاب الولي

  أولئك الذين قد لا يتمتّعون بالمؤهلات اللازمة لذلك. اليوم، لو أنّ نظامنا ومجتمعنا حُرم من الفلسفة فإنّه سيصبح مقابل هذه الشبهات المختلفة وتلك الفلسفات الواردة عارياً وبلا دفاع. ذاك الشيء الذي يمكن أن يقدّم لكم الأجوبة ليس في الفقه في الأغلب، بل في العلوم العقلية، في الفلسفة والكلام، فهي ضرورية، وفي الحوزة تُعدّ من الفروع المهمة. والفرع المهم الآخر هو التفسير والأنس بالقرآن والمعارف القرآنية، لا ينبغي أن نبقى محرومين من التفسير. إن درس التفسير مهم وكذلك درس الفلسفة فهي فروعٌ ذات قيمة عظيمة.


الطلبة الأخوات ظاهرة عظيمة ومباركة

النقطة الأخيرة فيما يتعلّق بظاهرة الطلبة الأخوات، وهي ظاهرةٌ عظيمةٌ جداً ومباركة، آلاف العالمات والمحقّقات والفقيهات والفيلسوفات يتمّ إعدادهن في الحوزات العلمية للنساء، فأيّة حركةٍ عظميةٍ ستكون هذه. انظروا إلى نظرة العالَم المادي إلى ظاهرة المرأة وجنس النساء كم هي نظرة سيئة واستحقارية ومنحرفة. فتواجد العالمات الإسلاميات في الميادين المختلفة ـ كحضور العالمات الصالحات والواعيات الجامعيات اللواتي هنّ من أهل الدين والشرع ـ له أثارٌ عظيمةٌ جداً في العالم وهو يُعدّ سُمعةً حسنةً للثورة. فعلى النساء أن يدرسن جيّداً. وبالطبع لا ينحصر الهدف النهائي لدراستهنّ في صيرورتهنّ مجتهدات أو فلاسفة ـ من الممكن أن يرغب بعضهن ويكون لديهنّ الاستعداد والوقت والبعض الآخر لسْن كذلك ـ بل يمكن أن يكون الأمر في مجال المعارف الإسلامية والقرآنية التي يمكن أن تكون مفيدةً لهنّ ولغيرهنّ. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

25

خطاب الولي

 "دعاء"


اللهم اجعل كل ما قلناه وسمعناه لك وفي سبيلك.
اللهم أفض على هذه الكلمات والمسموعات وهذه الحركة العظيمة في الحوزة من لدنك بالبركة.
اللهم اجعل عملنا وقولنا وحركتنا تحت ظلّ توجّه ورضا وليّك، فارضِ عنا قلبه المقدّس. واشمل برحمتك وبركتك روح إمامنا العظيم المطهّر والشهداء الأعزاء الذين هم فاتحو هذا الطريق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

26

خطاب الولي

 لا بدَّ من إدارة وقيادة قوية ومنسجمة للتحوّل


حسناً، إن هذه القضايا ترتبط بالتحوّل. وهنا أوجّه إليكم سؤالاً: هل أن هذا التحوّل المتشعّب، الشمولي، ذا الأبعاد المختلفة، ممكنٌ من دون إدارةٍ منسجمةٍ؟ إن هذا هو الأمر الذي طرحناه قبل عدّة سنين في نفس هذه الحوزة العلمية أمام من أصبح اليوم منهم من المراجع المعظّمين، وكانوا حينها في جامعة المدرّسين، وبعضهم ارتحل من هذه الدنيا ـ رحمة الله ورضوانه عليهم ـ وقبلوه. إن إدارة وتدبير الحوزة من قبل مجموعةٍ متمركزة مؤيّدة من قبل المراجع والأكابر وممن لهم خبرة في القضايا الحوزوية يُعدّ أمراً لازماً لا يمكن اجتنابه, وبدون هذا لا يصحّ الأمر. إن هذا العمل المتشعّب المهم بأبعاده الشمولية لا يمكن أن يتحقّق بدون إدارةٍ قوية.

ضرورة تدريس الفلسفة والتفسير

أذكر نقطتين أخريين لأنهي كلمتي. فلقاؤنا طال كثيراً وإنّني أعتذر منكم أيها الإخوة والأخوات حيث إنّه بالرغم من وجود هذا المكان الوسيع جلستم بصعوبة، كحال الإخوة والأخوات في الخارج جالسين في صحن المسجد الأعظم وحجراته.

إحدى القضايا هي قضية درس الفلسفة وفروعها. انتبهوا، إن أهمية الفقه وعظمته لا ينبغي أن تجعلنا غافلين عن أهمية دراسة الفلسفة وفروعها، فلكلٍّ أعباؤه. فلفرع الفقه مسؤوليات وللفلسفة مسؤوليات كبرى تقع على العاتق, كانت راية الفلسفة الإسلامية بيد الحوزات العلمية وينبغي أن تكون كذلك وتبقى. لو أنّكم تركتم هذه الراية على الأرض فإنّ الآخرين الذين قد لا يكونون مؤهلين سيحملونها, فيقع تدريس الفلسفة وعلم الفلسفة بأيدي

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

27

الفهرس

 الفهرس

مقدمة

5

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله عند لقائه طلاب وفضلاء وأساتذة الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة

7

اللامبالاة لا تعطي احتراما صورياً

9

العداوات تنتج الفرص

11

حكومة القيم والشرع لا حكومة المشيخة

13

وجوه حاجة النظام الإسلامي للحوزة وعلمائها

15

إستقلالية الحوزة ومساعدة الحكومة

17

قضية التحول في الحوزات (التطوير العلمي)

20

التحوّل الصحيح والتحوّل الخاطئ

23

التحوّل الإيجابي والنظام المسلكي

26

رسالة إلى الثوريين الشباب

28

لا بد من إدارة وقيادة قوية ومنسجمة للتحوّل

30

ضرورة تدريس الفلسفة والتفسير

30

الطلبة الأخوات ظاهرة عظيمة ومباركة

31

دعاء

32

الفهرس

33

 

ملاحظة: إن أرقام الصفحات الموجودة في النص مطابقة للكتاب الورقي.

 

 

 

 

 

 

33


28
خطاب الولي دام ظله عند لقائه طلاب وفضلاء وأساتذةالحوزة العلمية قم المقدسة-13 ذو القعدة-1431ه