حركة التجديد والإستنهاض


الناشر: مراكز الإمام الخميني الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-12

النسخة: 0


الكاتب

جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية

مراكز ثقافية تعنى بحفظ نهج الإمام الخميني قدس سره ونشره من خلال إنشاء مراكز متخصصة بإقامة الندوات الفكرية واللقاءات الحوارية للنخب الثقافية والجامعية، وإنشاء المكتبات العامة للمطالعة، وتكريم شخصيات ثقافية، وإقامة دورات فكرية، وتوقيع كتب أدبية وفكرية، وإصدار سلاسل فكرية متنوعة لكبار العلماء والمفكرين.


المقدمة

  المقدمة


إهداء 

إلى منارات الفجر.. وهداة الدرب.... 

إلى السبّاقين.. في التضحية والعطاء.. 

إلى الأسماء التي تلألأت في عالم الشهادة.. 

والى الأسماء التي بقيت مجهولة أو مكتومة.. 

الإستشهاديين العظام الذين تتلمذوا على يد الإمام الخميني 

ونهلوا من فكره وهاموا في حبه وولائه... 

إلى الشهداء الذين فتحوا عصر الاستشهاد فكان النصر ثمرة دمائهم

إلى شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان

أهدي هذا العمل المتواضع ليساهم في نشر وتثبيت خط الشهادة

الذي بدونه لا بقاء للأمة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 المؤلف في سطور


عبد الله احمد قصير، دير قانون النهر، قضاء صور. 

مواليد 1957م النجف الأشرف. 

أنهى الدراسة الثانوية عام 1978. 

درس مقدمات علم النحو والمنطق والفقه في النجف الاشرف بين عامي 1976ـ 1978. 

حائز على دبلوم العلوم الاجتماعية، الجامعة اللبنانية عام 1993م. 

حائز على شهادة الجدارة في علم الاجتماع السياسي عام 1993م. 

نال دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) في علم الاجتماع السياسي عام 1999م، الجامعة اللبنانية. 

تولى العديد من المسؤوليات في "حزب الله" منذ التأسيس وحتى اليوم. 

انتخب عضواً في شورى حزب الله لدورتين متتاليتين (1992 ـ 1997م). 

انتخب نائباً عن الجنوب عن قضاء صور في الانتخابات النيابية عام 1996. 

عضو كتلة الوفاء للمقاومة. 

عضو لجنتي الدفاع والأمن والداخلية النيابية. 

عضو لجنة الزراعة والشؤون البلدية والسياحية النيابية. 

متزوج ولديه ستة أولاد. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

2

المقدمة

 المقدمة


سجل لنا التاريخ العديد من حركات النهوض التي قام بها مفكرون وعلماء مسلمون بهدف الإصلاح والتغيير والتجديد سبقت حركة الإمام الخميني ونهضته، وكان لها آثار إيجابية متفاوتة، لعل أبرزها وأهمها إبقاء روح النهضة حيّة في نفوس تيار من المسلمين، وإن كان ضعيفاً نسبياً، ويبقى الأمل يراود الأمة في أن تستعيد موقعها الحضاري يوماً ما. 

إلاّ أن ما حدث على يد الإمام الخميني يبقى نقطة تحوّل مهمة في تاريخ العالم بشكل عام والمسلمين بشكل خاص، فما حصل كان دخول المشروع الإصلاحي والنهضوي الإسلامي، لأول مرة في التاريخ الحديث، المرحلة العملية، متمثلاً بقيام الدولة الإسلامية في إيران، التي تسعى لجعل المشروع الإسلامي متحركاً على أرض الواقع، وليصبح للإسلام السياسي حضور فاعل يفرض نفسه على المعادلات السياسية العالمية والإقليمية. 

إن موضوع النهضة الإسلامية في إيران سيبقى من الموضوعات التي يحتاج الباحثون والمفكرون إلى مقاربتها ودراستها لاستكشاف أبعادها وعوامل بلورتها ونجاحها، وهي أبعاد حيوية وذات فاعلية ترتبط بحياة الأمة ومستقبلها، وبتجربة الإسلام السياسي في القرن العشرين وقياداته الفكرية وعلمائه المجددين. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

3

المقدمة

 فقيام الدولة الإسلامية في إيران أعطى بعداً سياسياً مجتمعياً وعملياً للمشروع الحضاري الإسلامي أكد أهمية استقصاء جميع أبعاده من قبل الباحثين بما هو تجربة معاشة لها خصائصها التي تميزت عن غيرها من الزعامات بمجموعة من الخصائص التي تستحق الدرس والنظر. 

 
لذلك تعتبر دراسة فكر الإمام الخميني وآرائه في قضايا الدين والحياة والاجتماع الإنساني أمراً ضرورياً وملحاً، يكتسب ضرورته من أهمية التعرف إلى فكر هذا القائد الذي استطاع إحداث تحولات فكرية وسياسية في مسار الحياة العامة للمسلمين في مواقع انتشارهم الجغرافي وفي المجتمعات الدولية التي يقيمون فيها، فضلاً عن تأثيراته السياسية والفكرية في العالم، وذلك من خلال قيادته ثورة إسلامية شعبية تمكنت من إنشاء نظام حكم سياسي مغاير للكثير من النظم السياسية السائدة في عصره، وتنبع تلك الأهمية أيضاً من أن هذا الفكر الموجود في صحائف الكتب، إذ لم يضف الإمام جديداً على أصوله وثوابته، وجلّ ما قام به هو نفخ الروح وبعث الحركة في فكر موجود، والعمل على تطبيقه وتحريكه في عقول الناس وأفئدتهم إلى منابعه الأصلية، مع ما يستلزم من إلغاء المسافة بين الدين والسياسة فـ "عودة الإسلام إلى الحياة وعودة الأمّة الوسط لممارسة دورها على الساحة البشرية، وعودة كيانها المسلوب يفرض أولا القضاء على فكرة انفصال الدين عن السياسية)1
 
 
 

1- الإمام الخميني، الفصل بين الدين والسياسة، وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران، 1985م، ص6. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

4

المقدمة

 إن الإطلالة على هذه الشخصية تصبح من الأهمية بمكان حين نجد مستوى تأثيرها العالمي، ومدى توالي تلك التأثيرات خلال حياة الإمام وبعد وفاته، خاصة إذا ما لاحظنا ندرة ما تحويه المكتبة العربية من كتب علمية دقيقة تعالج الفكر السياسي لتلك الشخصية إذ لا يعدو معظم ما كتب كونه توثيقاً لخطابات الإمام أو لسيرة حياته ولأحداث الثورة وعلاقته بها 1.  

 
وبرغم العديد من المقالات والدراسات التي نشرت حول الإمام الخميني والتي كتبت بأقلام أصدقائه أو أعدائه أو المحايدين، مسلمين وغير مسلمين، إلا أن أحداً لا يمكنه أن يزعم بأنه استطاع أن يقدم أو يتناول جميع أفكار الإمام ونهجه ونهضته، وهذا لا يعني أن شخصية الإمام وحركته مبهمة أو مشوشة لا يمكن التقاط أبعادها ومضامينها، بل هي واسعة الأبعاد، شمولية في مضمونها وعميقة في غورها وبرغم صعوبة تناول كل بعد من الأبعاد على حدة وتفسير وبلورة النظريات فيه، فإن اختلاف اهتمامات الكتّاب الذين قاربوا فكر الإمام ونهضته، أنتج اختلافاً في مناهج تناول شخصيته ونهضته، فنرى أن الفقهاء وعلماء الدين اخذوا البعد الفقهي والعلمي، والعرفاء تناولوا البعد العرفاني في شخصيته وفكره، وهكذا علماء السياسة والاجتماع والقانون، تناول كل منهم شخصية الإمام الخميني من خلال بعد مُعيَّن. 
 
ونحن اليوم نحاول أن نتناول جانب التجديد في فكر الإمام، الذي 
 
 
 

1- توجد مجموعة مقالات للأستاذ حسن الصفار نشرت في مجلة الثورة الإسلامية (1981)، ومقالات عديدة في مجلات مختلفة نذكر منها (التوحيد، العهد والمنطلق)، وكتاب للدكتور سمير سليمان (الإمام والمشروع الحضاري الإسلامي)، وكتاب للدكتور مصطفى الرفاعي (الإمام الخميني ـ سيوسيولوجيته وسيكولوجيته)،، وكتاب لحميد الأنصاري (حديث الانطلاق ـ نظرة في الحياة العلمية والسياسية للإمام الخميني من الولادة حتى العروج) .. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

5

المقدمة

 استندت إليه حركته وثورته، وأنتجت عملية الاستنهاض في صفوف الأمة، تلك التي ما زالت إرهاصاتها وأصدائها تتردد بأشكال وتعابير مختلفة على امتداد العالم الإسلامي. 


ومما لا شك فيه أن المشروع الذي حمله الإمام الخميني منذ بداية تحركه كان مشروعاً نهضوياً يحمل في طياته رغبة قوية في إحداث تغيير في البنى والأسس النظرية التي تستند إليها التشكلات السياسية، وفي الواقع الاجتماعي الذي يشكل قناة الارتكاز للمشروع والتشكل السياسيين. 

لذا فإن النهوض لم يكن وليد طفرة اجتماعية أو سياسية، ولم ينشأ كرد فعل على حدث سياسي آتي، أو كمشروع مقاومة لممارسات التشكل السياسي في لحظة معينة، أو عملية نسف لظاهرة اجتماعية مرفوضة من قبل صاحب المشروع فقط، بل كان أيضاً مشروعاً شاملاً ومتكاملاً يأخذ بعين الاعتبار الكثير من عناصر الواقع القائم في تجلياته الاجتماعية والفكرية والسياسية التي تشكو من خلل بنيوي وعملي تحتاج لإعادة تقويم لمصلحة مشروع الإسلام الحضاري الشامل. 

من هنا نطل على المشروع النهضوي بمنهج فهم العام للوصول إلى معرفة الخاص، ذلك إن الإطلالة على البنية الكلية لفكر الإمام تساعدنا على فهم التجديد الفقهي عنده، وحيث لا يمكن فهم التجديد الفقهي بمعزل عن فهم الإمام للسياسة والفقه. 

أن النظر إلى جزئيات حركة الإمام ومشروعه من دون لحظ الملامح العامة للمشروع، ومن دون التعرف إلى النسيج الذي يربط هذه الجزئيات بعضها ببعض يعتبر عملاً مجتزءاً لا يستطيع أن يصل إلى فهم هذه الجزئيات وإدراكها إدراكاً كاملاً ووافياً كما أن العلاقة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

6

المقدمة

 الجدلية القائمة بين الواقع المعاش والوعي المتنامي لا يمكن إغفاله في قراءة مراحل المشروع وحركته المتصاعدة، فكما أن إفرازات الواقع تؤثر في حركة الوعي عند صاحب المشروع النهضوي، فإن هذا الوعي عنده يتنامى في تطور مطّرد لقراءة الواقع والغوص في أبعاد وخلفيات البنى الفكرية والاجتماعية التي تستند إليها صيرورة هذا الواقع، وهذا ما يفرض على الباحث الإطلالة التاريخية على المؤسسة الدينية التي تخرّج منها حامل لواء هذه النهضة، كما لا بد من الإطلالة التاريخية على الظروف السياسية التي عاشتها إيران قبل النهضة وأثرها في تهيئة العوامل المساعدة على قيامها. 

 
بعد هذا كله نرى أن المدخل الطبيعي لقراءة الفكر السياسي للإمام الخميني يمر عبر التعرف إلى شخصيته والظروف التي أحاطت بشأنه، وما تراكم من عوامل ذاتية وفكرية اجتماعية وسياسية أعطته تلك الشخصية القيادية، بعدها يمكن الانتقال إلى التعرف إلى المشروع الفكري والحضاري الذي يحمله، وكيف عمل على إعادة إحياء هذا المشروع القديم، الجديد للإسلام "المحمدي الأصيل"، عبر نفث الروح في طريقة التدريس المعتمدة في الحوزات، وفي منهجية الدراسة للعلوم الإسلامية، وكيف نفض الغبار عن المفاهيم السياسية للإسلام التي يختزنها هذا المشروع، لقد حمل الإمام مشروع" الإسلام المحمدي الأصيل"1 كما عبر عنه هو نفسه، ليكون منهجاً حياتياً للمجتمع الإسلامي ليس في إيران فحسب، بل إن دعوته وخطابه المستخدم في
 
 
 
 

1- الإسلام المحمدي الأصيل عبارة لازمت كل حديث أو خطاب أو كتابة للإمام عن الإسلام، وذلك لتمييزه عن إسلام المذاهب والطوائف والتيارات الإسلامية المشؤّهة أو التي أدخلت إلى الإسلام ما ليس منه، راجع مختارات من أقوال الإمام الخميني ترجمة محمد جواد المهري ـ اصدار وزارة الإرشاد الإسلامي الطبعة الأولى ـ طهران 1982م. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

7

المقدمة

  الدعوة الإسلامية وتطبيقه العملي تجاوزت حدود الجغرافيا لتحاكي كل المسلمين في العالم، حكومات وأنظمة وشعوباً، بل أكثر من ذلك لقد تجاوزت الحواجز الطائفية والدينية في كثير من الأحيان لتخاطب الإنسان في العالم، كما نجد في خطاباته الموجهة إلى "البابا" والى "غورباتشوف" والى "مستضعفي العالم" عندما يقول: "لقد أعلنا مراراً أن سياستنا الإسلامية الخارجية والدولية، تسعى جادة لتوسيع تأثير الإسلام في العالم، وتقليص سلطة ناهبي الشعوب"1. وهو يؤكد طرح الإسلام الشامل للإنسانية في العالم: "فثورة إيران لا تختص بإيران، لأن الإسلام لا يقتصر على شعب معين فالإسلام جاء إلى البشرية كافة، والنهضة الإسلامية لا تستطيع أن تكون محدودة ببلد ولا بالعالم الإسلامي أيضاً، لأنها امتداد لنهضة الأنبياء"2

 
إن معالجة الفكر السياسي للإمام الخميني، يقتضي من الباحث التعرف على الفكر السياسي الشيعي ومفهوم الإمامة، وروحية الرفض التي عُرف بها أئمة الشيعة وعلمائهم والذين غالباً ما كانوا في مواقع المعارضة للحكم القائم من خلال الحقبات التاريخية التي قام بها حكم الإسلام والتي غالباً ما قامت وفقاً للفكر السياسي لأهل السنة من المسلمين. 
 
كما يحتاج الأمر أيضاً إلى بذل جهود كبيرة واستثنائية لجمع آثار الإمام وخطاباته والمنشورات التي تضمنتها ليتسنى له الإطلاع والإحاطة برؤى الإمام في مختلف الموضوعات، حيث لم يفرد الإمام في كتاباته 
 
 
 
 

1- الإمام الخميني، خطاب بمناسبة مرور عام على مجزرة مكة ـ مجلة التوحيد، العدد 36 ص35، 1988م. 
2- الإمام الخميني ـ الإسلام طريق العزة والكرامة والكمال الإنساني، كراس من مطبوعات منظمة الإعلام الإسلامي، طهران ـ 1982م ـ ص25 ـ 26، (من حديثه إلى الطلبة السعوديين المقيمين في إيران سنة1400ه ـ ) . 

 
 
 
 
 
 
 
 
14

8

المقدمة

 عناوين الفكر السياسي، بل تركزت الكتابات في موضوعات الفقه والأخلاق والعرفان والتفسير، وفيما عدا كتاب الحكومة الإسلامية المتضمن مجموعة من خطب ودروس له، نجد أن النص السياسي للإمام جاء في خطابات وأحاديث نشرت في صحف ومجلات وجمعت أحياناً مع نصوص أخرى في مجموعة واحدة، أو جاءت مندكة في بحوث أخلاقية أو فقيهة، مما يستدعي في التقاطها من مصادر متعددة والبحث عنها في مجمل خطبه وأحاديثه في مناسبات شتى. 


ولقد قادتني الرغبة الشديدة في معرفة حقيقة الفكر السياسي للإمام وسر نجاح نهضته إلى المضي في هذه المحاولة، فوجدت نفسي بعد القراءة الأولية للمعطيات أمام عنوانين أساسين يشكلان المدخل الطبيعي لقراءة فكر الإمام السياسي، هما التجديد والاستنهاض، ذلك أن الاستنهاض الذي أحدثه الإمام وفكره السياسي كان يرتكز على العملية، وهي تشكل المستند النظري والفكري الواضح والصريح " كما سنرى في قراءة فكر الإمام السياسي" لعملية الاستنهاض والثورة التي باشرها وواكب مسيرها حتى تأسيس الدولة وتثبيت نهجها الإسلامي. 

ولقد اشتمل البحث على قسمين، يعالج أحدهما الإشكالية النظرية أي التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره، ويعالج الآخر الإشكالية العلمية، أي النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها، وبرغم أن حركة التجديد لم تك سابقة لحركة الاستنهاض، بل كانا يسيران جنباً إلى جنب في كثير من الأحيان عند الإمام، فإن الدقة العلمية اقتضت أن نفرد لكل منهما قسماً خاصاً به، فالاستنهاض يأتي عادة مرتكزاً على التجديد في الفكر والرؤية والتخطيط والبرمجة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

9

المقدمة

 وقد جاء البحث في قسمين رئيسيين يحوي كل منهما عدة فصول: 

القسم الأول: من البحث يحوي أربعة فصول:

الفصل الأول: في ظروف تكوّن شخصية الإمام ورؤيته التجديدية. 

الفصل الثاني: في معالجة مفهوم التجديد. 

الفصل الثالث: في الفقه السياسي الشيعي والدور السياسي للعلماء والحوزات. 

الفصل الرابع: الفكر السياسي عند الإمام الخميني. 

إما القسم الثاني: من البحث فيحوي ثلاثة فصول

الفصل الأول: معالجة مفهوم النهضة الإسلامية وجذورها التاريخية. 

الفصل الثاني: الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية. 

الفصل الثالث: تصور الإمام لحركة النهضة وبرنامجه الاستنهاضي لتغيير الواقع، إضافة إلى نماذج عملية كالموقف من الصراع مع الصهيونية، ودور رجال الدين في النهضة، ودور الجامعات فيها. 

أما الخاتمة فخلصنا فيها إلى نتائج حركة التجديد والاستنهاض في الإسلام السياسي والآثار التي تركتها في الساحة الفكرية والسياسة على مستوى الأمة في حاضرها، والتوقعات التي يمكن أن نتركها هذه الحركة على المستقبل. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

10

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره 


الفصل الأول:ظروف تكوّن شخصية الإمام قدس سره ورؤيته التجديدية 
الفصل الثاني: التجديد لغةً واصطلاحاً 
الفصل الثالث:الفقه السياسي الشيعي 
الفصل الرابع: الفكر السياسي عند الإمام قدس سره 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

11

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الفصل الأول: ظروف تكوَن شخصية الإمام قدس سره ورؤيته التجديدية 


الولادة والنشأة

في العام 1902 أطل روح الله الخميني قدس سره على العالم في بيت من بيوت العلم والإيمان، ومن عائلة تنسب إلى سلالة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مدينة خمين في إيران، عاش يتيم الأب محروماً من حنان الأبوة منذ الشهور الأولى من حياته، عندما قتل الباشوات المدعومين من السلطة آنذاك أباه آية الله السيد مصطفى الموسوي قدس سره الذي كان يحتل مركزاً مرموقاً علمياً واجتماعياً في بلدته، وقد أمضى طفولته في رعاية والدته السيدة هاجر سليلة عائلة المرحوم آية الله خونساري، تساعدها في تربيته عمته، وقبل أن يكمل سن الخامسة عشر فقد عمته وأمه، فغدا بذلك يتيم الأبوين ليدخل روح الله مرحلة الشباب في ظروف عائلية قاسية، بدا الفتى روح الله رحلته العلمية الدراسية في سن مبكرة، فدرس آداب اللغة العربية والمنطق والفقه والأصول، متخطياً المراحل الأولى بسرعة وتفوق على أيدي علماء منطقته، لاسيما أخيه الأكبر آية الله السيد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

12

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 مرتضى بسنديده 1 منتقلاً من خمين إلى أراك، ثم إلى حوزة قم بعد أن طوى مراحل دراسته للمقدمات والسطوح 2. وفي العشرين من عمره بدأ في قم إكمال دراسته وتحصيله للعلوم الإسلامية، ودفعته روحه الوثابة إلى عدم الاكتفاء بدراسة الفقه والأصول والتعمق بهما فدرس علم المعاني والبيان، وكذا الرياضيات والهيئة والفلسفة والعرفان، إضافة للعروض والقوافي والفلسفة الغربية والأخلاق، كل ذلك على أيدي كبار العلماء كالقزويني واليزدي والأصفهاني والتبريزي والحائري والبروجردي3

 
وسرعان ما كوّن لنفسه كياناً علمياً ومجالاً عملياً مستقلاً وأصبح من أبرز علماء قم المجتهدين، وشاع عنه الزهد والتواضع والتعبد والتقوى وبدأت الحوزة بطلابها وأساتذتها تنجذب إليه، فبرز بين أقرانه مدرساً مميزاً في آرائه في الفقه والأصول والفلسفة والعرفان والأخلاق ومنظماً لشؤون حياته الشخصية تنظيماً دقيقاً وشاملاً، وعرف عنه اهتمامه بالوقت واستثماره لكل لحظة منه، وبرغم كثرة مريديه من العلماء والطلبة للمرجعية، وامتلاكه لآراء متميزة عن سائر المجتهدين لم يسع لتبوّء هذا المنصب، محافظاً على احترامه الكبير للمراجع وكان يردد دائماً " إنني كأحد خدام العلماء الأعلام والشعب المسلم حاضر للتنازل لأصغر الأفراد من أجل المصالح الإسلامية الكبرى ناهيك عن العلماء الأعلام والمراجع العظام (كثر الله أمثالهم)4
 
 
 

1- لقب عُرف به السيد مرتضى، ويعني بالعربية صاحب الرأي السديد. 
2- مصطلح يطلق على المرحلة الأولى في الدراسة الدينية في الحوزة، وتشمل علوم الفقه "الصرف والنحو" والمنطق، وأوليات الفتاوى الفقهية ومباديء اصول الفقه. 
3- حميد الأنصاري، حديث الانطلاق "نظرة في الحياة العلمية والسياسية للإمام الخميني " الوحدة الثقافية ـ بيروت، ط1، 1995م، ص16
4- الإمام الخميني ـ مواعظ وحكم من كلامه، الوحدة الثقافية ـ بيروت، ط1، 1995م، ص307. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

13

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

  وقد درّس الإمام في الحوزة المئات من الطلاب في قم والنجف، "وينقل بعض طلابه أن حوزة الإمام الخميني في قم كانت تعد من أفضل المراكز التعليمية وقد قارب عدد من يحضرون درسه الدورات الدراسية أكثر من ألف طالب وخرَج من بينهم العشرات من المجتهدين المعروفين والمعترف باجتهادهم كالشهيد المطهري و د. بهشتي، وغيرهما من أعلام الثورة والجهاد" 1

 
الظروف المحيطة بالنشأة
 
عايش الإمام الخميني منذ طفولته احداثاً جساماً في بلده إيران والبلاد المجاورة لها، وما رافقها من القضاء على المظهر السياسي للدولة الإسلامية المتمثلة آنذاك بالخلافة العثمانية فضلاً عن التأثيرات المباشرة للحرب العالمية الأولى على إيران، وبالتالي فإن شخصية روح الله أخذت تنشأ في ظل تعدديات سياسية وعسكرية محلية وخارجية فهو يتذكر ما كان يدور حوله من احداث في سن السادسة عشرة فيقول " إنني في حرب منذ طفولتي، فقد كنا نتعرض لهجمات من قبل امثال زلقي ورجب علي (طائفتين من الأشرار والإقطاعيين) وكنا نمتلك بندقية، وأذكر أني كنت أقارب البلوغ آنذاك، فكنت أذهب مع البقية لاتخاذ مواقعنا في الخنادق المعدّة للدفاع ضد هجوم أولئك الذين كانوا يغيرون علينا، نعم كنا نذهب هناك ونتفقد الخنادق"2
 
 
 
 

1- حميد الأنصاري حديث الانطلاق، مصدر سابق، ص261. 
2- الإمام الخميني، صحيفة النور (مجموعة خطابات وأحاديث ومقالات الإمام الخميني) وزارة الارشاد الإسلامي ـ طهران، 1368 هـ . ش، ج10 ـ ص163، (ترجمة عن اللغة الفارسية) . 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

14

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتحدي والمقاومة للظلم، عايش الإمام أجواء الحرب والاجتياح لبلده في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهو ممن حملوا في ذاكرتهم أهوال تلك الحروب فيقول: " إنني أتذكر كلتا الحربين العالميتين.. كنت صغيراً، إلا أني كنت أذهب إلى المدرسة، وقد رأيت الجنود الروس في المركز الذي كان في (خمين) رأيتهم هناك وأذكر كيف تعرضت بلادنا للاجتياح في الحرب العالمية الأولى"1

 
وهكذا بدأ بوعي الواقع المتردي الذي يعيشه وطنه في ظل الاحتلال الروسي لإيران، وقد حمل السلاح واستخدمه وهو في سن الثامنة عشرة، ودافع عن مدينة (خمين) حيث يقول: "كنت لم اناهز الثامنة عشرة بعد، وكنت أتدرب على البندقية وأحملها، نعم كنا نذهب للتحصن في الخنادق ونواجه هؤلاء الأشرار الذين كانوا يغيرون علينا لقد كان الوضع متسماً بالفوضى والهرج والمرج، ولم يكن لدى الحكومة المركزية قدرة السيطرة على الأوضاع.. وفجأة سيطروا على خمين فهبّ الناس لمواجهتهم وحملوا السلاح وكنت من بين من حملوا السلاح"2. وقد عاصر الإمام انقلاب سنة 1924م الذي أسس فيه الملك رضا خان الحكومة الملكية مدعوماً من قبل الإنكليز "حيث تصدت العوائل الاقطاعية تحت مظلة العائلة البهلوية لتأدية دور الباشوات والخوانين الغابرين"3
 
 
 
 

1- الإمام الخميني، صحيفة النور، المصدر نفسه ـ ج16، ص92.. 
2- حميد الأنصاري، حديث الانطلاق ـ مصدر سابق ص92. 
3- الإمام الخميني ـ صحيفة النور ـ المصدر نفسه ـ ج12، ص136. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

15

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 بداية العمل السياسي


كان الإمام الخميني قدس سره مولعاً بمتابعة المسائل السياسية والاجتماعية، وشارك في التصدي للأوامر التي أصدرها الملك رضا خان خلال سنة 1927 م لتعطل مراسم العزاء والخطابة الدينية، عندما بادر العلماء إلى الهجرة الجماعية إلى قم، وإقامة اعتصام استمر مئة وخمسة أيام، انتهى بتراجع رضا خان وتعهده بالاستجابة لشروط المعتصمين، كما شهد الإمام المواجهات التي حصلت في قم بين العلماء ورجال الشرطة، وعايش ما كان يحصل في المجالس التشريعية التي كان يعلن فيها العالم المعروف آية الله حسن المدرس، وهو عضو في المجلس الوطني، مواقف رافضة لقرارات الحكم الملكي. 

تركت هذه الأحداث والمعايشات آثارها الواضحة في سلوك الإمام، وأكسبته تجربة سياسية، خاصة في المعارضة للسياسات الملكية، لذا نجده انبرى لمواجهة أوامر الملك رضا خان في فرض الامتحانات على طلاب العلوم الدينية في الحوزة العلمية في قم، وفضح خلفيات هذه الخطوة الهادفة إلى القضاء على الحوزة، برغم أن بعض العلماء استحسن هذه الخطوة أو سكت عنها. 

لقد أدرك الإمام مكامن الخلل والخطر على شعبه من خلال إطلاعه على حساسية الظروف السياسية التي كانت تمر بها البلاد، والأوضاع التي تعيشها الحوزة العلمية، وطبيعة حركة التاريخ التي كان يستلهمها من مطالعته المستمرة لكتب التاريخ المعاصر والمجلات والصحف الدورية الصادرة في ذلك الوقت، ومن خلال ما كان يقوم به من زيارات متوالية إلى طهران لحضور جلسات مجلس الشورى الوطني في عهد رضا خان، حيث اطلع على النقاشات والتحالفات السياسية
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

16

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 التي كانت تحصل في المجلس، فاكتسب بذلك معرفة في السجال والنقاش في المواضيع السياسية والقانونية التي كانت تجري داخل المجلس التشريعي. 


وزاد من اكتساب الإمام لمزايا سياسية وفكرية معاصرته للعديد من الأحداث التي مرّت بها إيران كالاحتلال من قبل جيوش الحلفاء سنة 1941م وتراجع الجيش الإيراني أمام الطلقات الأولى التي أطلقها جيش الحلفاء، وتنازل رضا خان عن العرش ومغادرته البلاد، وصدور قرار تعيين الملك محمد رضا خان من السفارة البريطانية في طهران وعايش سنوات حكمه المليئة بالعذابات والعناء والمرارة، في حين كانت الحوزة العلمية التي ينتمي إليها عاجزة عن تحمل مسؤولياتها الاجتماعية، نتيجة حملات القمع التي شنها عليها رضا خان. 

ولكن الإمام الذي كان يعيش الغربة على مستوى الداخل في الحوزة، إذ كان يعاني من عدم تفهم العلماء والمراجع لضرورة الوقوف والتصدي لما يجري وتحمل المسؤولية أمام المجتمع كان يعيش في الوقت نفسه المعاناة الكبرى وهو يرى الظلم والاستبداد اللاحقين بالمجتمع جرّاء تحكم العائلة الملكية وحاشيتها بالبلاد وتبعيتهم للغرب. 

استثمر الإمام تلك الفترة لكتابة ونشر كتابه (كشف الأسرار) سنة 1994م الذي تعرض فيه لذكر المآسي التي تميزت بها فترة الحكم البهلوي، والتي استمرت مدة عقدين من الزمن، ودافع فيه عن الحوزة والمؤسسة العلمانية وأزال الشبهات التي أثارها المنحرفين ونوّه في كتابه هذا بالحكومة الإسلامية وضرورة النهضة لإقامتها. 

وفي عام 1944م أصدر الإمام ما يمكن اعتباره أول بيان سياسي يطالب فيه العلماء، بكل صراحة، والأمة بالثورة العارمة وبرغم انه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

17

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

  لم يجد تشجيعاً كافياً في أوساط الحوزة، إلاّ انه بدأ في اجتذاب بعض الطلاب من خلال تميز خطابه السياسي ومطالبته بالثورة وهو في الوقت نفسه كان يظهر حرصاً شديداً على موقع المرجعيات والحوزات العلمية، ويبذل جهداً في الدفاع عنها ويحذر من دخول العناصر المنحرفة والمترفة إلى أوساط الحوزات العلمية كما سعى لإقامة الاتصالات بالشخصيات السياسية المعارضة في طهران أمثال آية الله الكاشاني (الذي انتخب ممثلاً عن أهالي طهران في الدورة السادسة عشرة لمجلس الشورى الوطني)، وواكب الإمام التحالف الذي قام بين آية الله كاشاني والجبهة الوطنية بقيادة مصدق والذي أدى إلى إيصال الدكتور مُصدّق لرئاسة الحكومة وقيادة البلاد في عام 1952م، ولم تمض فترة طويلة حتى ظهرت ملامح عدم الانسجام داخل الائتلاف، حيث رفض آية الله الكاشاني اقتراح دفع نسبة أو ضريبة للإنكليز، في حين أن حكومة "مصدق" كانت تميل إلى الموافقة على ذلك، ونتيجة لعوامل أخرى لا مجال لذكرها، استطاع الملك بمساعدة أمريكية أن يقوم بانقلاب ناجح في آب 1953، ليعود ويمسك بزمام السلطة ويبعد المعارضين. 


ويستنتج من خطابات الإمام وكلماته التي أقالها حول أحداث الانتفاضة الوطنية، انه كان مطلعاً على ضعف الائتلاف القائم حينها، وقد شكلت مواكبته لهذه الإحداث تجربة راكمت خبرته في المجال السياسي، وساعدت أكثر على تكوّن شخصية الإمام ورؤيته للواقع السياسي، فضلاً عن تطور مستواه العلمي في مجال الدراسات الدينية وصولاً إلى مرتبة المرجعية، ولم تكن تلك الرؤية محصورة في الداخل الإيراني، إنما تعدّتها إلى الوضع الإسلامي في البلاد المجاورة لتكتسب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

18

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 شخصية الإمام بعدها الإسلامي، كما في اهتمامه المباشر بالقضية الفلسطينية والصراع مع "إسرائيل" باعتباره صراعاً إسلامياً يهودياً يستوجب تقديم العون والدعم للفلسطينيين، والتنبيه الدائم من الخطر الإسرائيلي المتنامي والممتد إلى داخل إيران أيضاً. 

 
الشرارة الأولى للثورة
 
في العالم 1963م بدأت بدوار الثورة الشعبية الإسلامية ضد نظام الشاه في إيران بقيادة الإمام الخميني، عندما ارتكبت سلطة الشاه في ذلك العام مجزرة دموية بحق الطلبة في المدرسة الفيضية في قم أثناء احتفالهم بذكرى وفاة الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فهاجم عناصر الأمن الرسمي المدرسة بالأسلحة الرشاشة وقتلوا وجرحوا العشرات من طلاب الحوزة واعتقلوا المئات، فوقف الإمام بصلابة ليحمّل الملك شخصياً وبصراحة المسؤولية الكاملة عن تلك الجرائم وعن التحالف مع إسرائيل، وانتقد الإمام بشدة سكوت علماء قم والنجف وسائر البلاد الإسلامية إزاء جرائم الملك قائلاً: " إن السكوت اليوم بمعنى التضامن مع النظام المتجبر"1، وأصدر الإمام بيانه الشهير تحت عنوان (محبة الملك تعني التدمير) وهو من اشد بياناته السياسية صراحة في معارضة السلطة، واضعاً الملك في قفص الاتهام، ومؤكداً في ختام البيان تحريم " التقية " في مثل هذه الظروف، وإن إظهار الحقائق واجب " ولو بلغ ما بلغ"، وكتب الإمام الخميني بيانه مخاطباً الملك ورجال السلطة "لقد أعددت اليوم قلبي لتلقي طعنات حراب أزلام
 
 
 
 

1- الإمام الخميني، موسوعة الكوثر، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1 1371 هـ . ش ج1، ص67. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

19

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الملك راضياً بذلك، ولكني لن أرضى بقبول الظلم ولن أرضى بالخضوع أمام تجبر النظام "1. ثم جاءت صرخته في العام نفسه (وفي ذكرى أربعين المذبحة الفيضية) بتحريم مراسم الاحتفال بعيد (النوروز) ورفضه التدخلات الأمريكية في شؤون إيران الداخلية، واستنكاره التحالف بين الملك واسرائيل، لتهيىء الأجواء أمام انتفاضة عاشوراء (5 حزيران 1963) العارمة في طهران والعديد من المدن الأخرى، رداً على اعتقال الإمام الخميني من قبل السلطة الملكية، التي رفع فيها المتضاهرون شعار (الموت أو الخميني)، وتعتبر هذه الحادثة بداية الثورة التي قادها الإمام منذ ذلك الحين، والتي اعتقل على أثرها الإمام ثم أطلق سراحه ونفي بعدها إلى تركيا، وكان قد سقط في هذه الانتفاضة حوالي 15 ألف شهيد من المتظاهرين المستنكرين اعتقال الإمام الخميني من قبل السلطة وهو ما صار يعرف (بمجزرة 15 خرداد). 

 
لقد تركت هذه الحادثة أثراً بالغاً في حركة الإمام الاستنهاضية، فهي تمثل البداية العملية للثورة وإعلان الحرب على نظام الشاه وعدم قبول المهانة معه، كما شكلت بالنسبة للإمام بداية رحلة الصراع المفتوح مع النظام الشاهنشاني، فقد اختزن الإمام روح الثورة والنهضة عبر مشاهداته للوقائع والتجارب المرة التي واكبها وعايشها في العقود الأولى من عمره، وها هو يبلغ الستين من العمر فتتضح وتتبلور حركة الوعي للواقع عنده، ويختار طريقه للنهضة بعد امتلاك حصيلة ضخمة من التجارب السياسية والمواقف الجهادية، إلى جانب الدراسة والبحث العلميين في الحوزة. 
 
 
 

1- الإمام الخميني، صحيفة النور مصدر سابق، ج1، ص29. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

20

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 تبلور الشخصية القيادية

 
لقد اعتنى الإمام الخميني ببناء النفس وتهذيبها وكسب الفضائل المعنوية والمعارف الحقيقية بسطوحها العالية، ومارس الجهاد الأكبر1 انطلاقاً من اعتقاده الراسخ بأن بناء النفس والجهاد الباطني معها مقدم على الجهاد الخارجي، "فما لم نصلح أنفسنا، لن نتمكن من إصلاح بلدنا"2. وهذا ترجمة للآية القرآنية   ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾3. وطبقاً لهذه المعادلة القرآنية شقّ الطريق بادئاً بنفسه، ليكون كلامه مؤثراً وفاعلاً في الغير " وإنما يكون الكلام مؤثراً في الغير إذا خرج من قلب مهذب وطاهر"4
 
وإذا كانت الخطوة الأولى عند الإمام في ميدان النفس، فهي المقدمة الصحيحة للقيادة الناجحة مصداقاً لقول الإمام علي عليه السلام " "من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتنظيم نفسه قبل تعليم غيره"5
 
هنا يكمن أحد أهم أسرار النجاح والتمييز في شخصية الإمام الخميني، فلم يحدثنا التاريخ المعاصر عن شخصية اهتمت بتربية النفس بالمستوى الذي كان عليه الإمام، وهو ما يظهره سلوكه وكتاباته في بناء النفس وتهذيبها وممارسة الجهاد الأكبر (جهاد النفس)، ولم يكن العرفان عند الإمام الخميني علماً نظرياً وترفاً فكرياً، بل كان طريقاً عملياً في تهذيب النفس للذوبان في الخالق المعشوق وطمس
 
 
 

1- الجهاد الأكبر مصطلح للتعبير عن جهاد النفس ومحاربة الهوى والآنا (استخدمه الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) راجع كتاب الجهاد الأكبر للإمام الخميني، الدار الإسلامية، بيروت، 1980. 
2- الإمام الخميني الكلمات القصار، مصدر سابق، ص81. 
3-  الرعد1
4- الإمام الخميني، الكلمات القصار، المصدر نفسه، ص82. 
5- الإمام علي عليه السلام ، نهج البلاغة (تحقيق د. صبحي الصالح)، دار الكتاب اللبناني، بيروت ط1، 1967م، ص480. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

21

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الأنا وتجاوزها " وإذا تجاوز الإنسان "الأنا" وأبدلها بـ "هو" يمكنه عندئذ إصلاح كل شيء"1

 
لقد بدأ ثورته من الداخل، مؤكداً أن "علينا أن نفجر ثورة في داخلنا، أن نثور على أنفسنا، فإذا كانت أنفسنا لا تزال تحت سلطة الشيطان والطاغوت، فلا بد لنا من الثورة في الداخل"2، وحتى العلوم والمعارف قد تتحول إلى طريق للهلاك إذا لم تقترن بتهذيب النفس " فقد يؤدي علم التوحيد أو العرفان أو الفقه أو الأخلاق بالإنسان إلى جهنم أحياناً فالعلم وحده ليس كافياً ولا بد من التزكية"3
 
لقد غدا الإمام الخميني، من خلال سلوكه طريق العرفان والتقوى والذوبان في عشق المحبوب والهيام به ـ رجلاً إلهيا ـ تجلت الحكمة على لسانه بعد أن انفتحت في قلبه المليء بالإيمان. 
 
لقد جسّد الإمام حقيقة العالم الرباني الذي جعله الله خليفة وحجة، لانه مثال حديث الإمام الصادق عليه السلام، "وأما من كان من العلماء صائناً لنفسه حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فعلى العوام أن يقلدوه"4
 
ولم يكن العرفان ومجاهدة النفس ومقارعتها عند الإمام معزولاً عن الحياة وساحات المقارعة للظالمين فيها، ولعل في تلك المجاهدة الداخلية يكمن السر في صلابة إرادته في المجاهدة الخارجية للأعداء، فبرغم الاعتقال والإبعاد والنفي والحصار والضغط، ثم سقوط الشهداء والمرارات التي تكبدها في سيرة حياته في الداخل الإيراني وفي المحيط الحوزوي وفي الخارج في سنوات الإبعاد
 
 
 
 

1- الإمام الخميني، الكلمات القصار، المصدر نفسه، ص83. 
2- نفس المصدر. 
3- نفس المصدر. 
4- الحر العالمي، وسائل الشيعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1971، ج18، ص95. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

22

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 والنفي وبرغم ثقل المسؤولية بعد الانتصار وشن الحرب المفروضة على الجمهورية الوليدة ومحاصرتها اقتصادياً وسياسياً، والسهام التي وجهت إليه. 

 
والى ثورته من كل حدب وصوب، بقي الإمام ثابتاً في رفضه للتبعية ورفضه للخضوع والخنوع ومهادنة الأعداء، متجاوزاً كل طروحات (الحل الوسط) أو التسويات التي كانت تعرض في الكواليس والقنوات السرية، كل ذلك وسواه كان يلح عليه للاستجابة والحصول على الهدوء والراحة الظاهرية، لكنه كان يجيب: " هيهات مني الركون إلى الباطل وقد نهيت عنه، هيهات مني السكوت على الضلال وقد أمرت بمقارعته، هيهات مني ترك المجاهدة والنضال وقد ألزمني ربي بهما، هيهات مني الركون إلى رغائب الدنيا وأطايبها ولي أمة محرومة مستضعفة هيهات مني أن انشد لنفسي الراحة والدعة وأمتي لا تذوق طعمها، هيهات مني أن أذلّ للطغاة المتجبرين، أو أن أعطي بيدي للغاوين المارقين، أو أن أمد، غير مضطر بقهر المصلحة الأعلى، يد المسالمة والمصالحة للجناة الظالمين، أو أن اشتري الهوان والخضوع وأبيع الكرامة والاستقلال والشرف بعض الدنيا وزخارفها ومغرياتها وبهارجها"1
 
ولم تقتصر شخصية الإمام الخميني على نيل جانب من جوانب الكمال الإنساني، بل حوت كل الجوانب الإنسانية والفضائل السامية التي تعطي لشخصيته صفة القدوة والمثالية الإنسانية، ولعل المقام لا يسع للتفصيل أكثر، ولكن لا بدّ من ذكر بعض تلك الصفات من باب الإشارة
 
 
 
 

1- السيد فاضل النوري ـ الإمام الخميني تجسيد الخلق الإسلامي، منظمة الإعلام الإسلامي، ط1، 1990، ص23. 


 
 
 
 
 
 
 
 
30

23

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 والتنويه فقط، ففي التقوى (وهي طاعة الله وعدم مخالفة أوامره السماوية) نجده في مقاماتها الرفيعة، يرى الله بعين قلبه، "فإذا آمن الإنسان بالله تعالى ورآه بعين القلب كما يرى الشمس ببصره فلا يمكنه بعد ذلك أن يرتكب أي ذنب" 1. ونراه يتساءل: " هل من الممكن أن تصدر المعصية من شخص معتقد بحضور الله ومراقبته". 

 
والزهد في حياة الإمام معلم بارز " إن الله تعالى فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره2". وهكذا نرى الزهد في ملابسه ومشربه وطعامه ومسكنه، فهو يكتفي من كل هذا بأدنى ما يحتاجه ضعاف الناس وفقراؤهم، ولم يسجل انه كان يملك منزلاً أو اثاثاً مميزاً أو يجلس إلى مائدة عامرة، أو غير ذلك مما هو طبيعي في حياة الزعماء ورجالات الأمة وقادتها، ولقد رأى العالم كله ما ترك الإمام بعد وفاته في غرفته المتواضعة ومنزله الصغير المستأجر. 
 
إلى جانب ذلك فقد كان مثالاً للمتوكل على الله الواثق بوعده والمفوض أمره إليه، يخوض في غمرات الأهوال والكروب، وفظاعات الآلام والخطوب، ويواجهها بعزم وشجاعة وإقدام، ولقد كان بالغ عزمه وشجاعته وإقدامه من بالغ توكله على الله. 
 
وقد تجسدت في شخصيته أعلى مراتب التواضع والحلم والصبر، حتى اجتمعت فيها مثالية الصفات الإنسانية وتكاملها لقد حاكت شخصية الإمام في صفاتها وشمائلها صفات الأنبياء والأئمة
 
 
 

1- الإمام الخميني، في إحدى محاضراته العامة نقلاً عن السيد فاضل النوري، الإمام الخميني تجسيد الخلق الإسلامي، مصدر سابق. 
2- الإمام علي عليه السلام ، نهج البلاغة : مصدر سابق ص325. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

24

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 المعصومين، فكانت تجسيداً فريداً للشخصية الإسلامية المعاصرة والمتكاملة في جميع أبعادها في ما هي الشخصيات الاستثنائية ذات الخصب والعمق التي تتعدد فيها الجوانب بتناغم قلّ نظيره، وقد تميز الإمام بذلك عن جميع رموز الاجتهاد والنهضة والتجديد الإسلامي في العصور الحديث، فهو أستاذ الفقه والأصول والفلسفة والأخلاق والعرفان، وهو المفكر والأديب والشاعر والخطيب، وهو العارف العابد الزاهد والعاشق السالك، ثم إلى ذلك كله هو ابرع من فهم السياسة ومارسها جزءاً لا يتجزأ عن الدين، وبعداً حيوياً لا يحقق أهداف الشريعة ومقاصدها في استنفاذ البلاد والعباد ومقارعة الظلم والطغيان وإحداث التجديد والنهضة بعد تحديد مصادر الخلل ومكامنه في الفكر والمجتمع، وبعد انتقاء الأساليب الأنجح للعلاج هكذا جمع الإمام في شخصه مرجع التقليد ورجل الاجتهاد الإسلامي الذي يستوعب الزمان والمكان، والمجدد الذي يرتقبه المسلمون في بداية كل قرن1، وقائد حركة الاستنهاض في الأمة التي انطلقت لتقاوم الطغاة وتهز الواقع بعنف، فلقد أحدثت حركته دوّياً هائلاً تجاوز حدود إيران وهدد مصالح الأعداء وقضّ مضاجعهم، فثورته " أحدثت زلزالاً في إسرائيل"، كما قال رئيس وزرائها الأسبق مناحيم بيغن. 

 
وبأنفاسه الثورية دخل المسلمون عصراً جديداً من اليقظة والحيوية والمقاومة، وصار الإسلام هو الراية التي تظلل الكثير من الثوار في العالم، والشجى الذي يعترض في حلوق المستكبرين جميعاً ويهدد أحلامهم وأطماعهم. 
 
 
 

1- ورد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم انه قال " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها"، وقد ذكر هذا الحديث الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة، ص121 وعزاه لابي داوود والطبراني في الاوسط، وقال : " سنده صحيح ورجاله كلهم ثقات".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

25

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

  الفصل الثاني: التجديد لغة ًواصطلاحاً

 
الجدَّة هي مصدر الجديد والجمع أَجِدّة وجُدُد. 

جاء في لسان العرب: " الجدّة هي نقيص البلى، ويقال شيء جديد، وتجدد الشيء صار جديداً وهو نقيض الخلق، وجدّ الثوب يجِدُّ (بالكسر) صار جديداً، والجديد ما لا عهد لك به"1

مما تقدم نجد أن التجديد يعني إعادة ترميم الشيء البالي (نقيض البالي)، وليس خلق شيء لم يكن موجوداً (نقيض الخلق) وبهذا المعنى فإن التجديد في مجال الفكر أو في مجال الأشياء على السواء هو أن تعيد الفكرة أو الشيء الذي بلي أو قدم أو تراكمت عليه من السمات والمظاهر ما طمس جوهره، وان تعيده إلى حالته الأولى يوم كان أول مرة، فتجدد الشيء أن تعيده (جديداً) وكذلك الفكر2.

وعليه فإن اختيار كلمة (التجديد) لاستخدامها على ما نحن فيه في موضوع التجديد في الفكر والأسلوب والقراءة للنص المقدس يأتي منطبقاً على المطلب، حيث إن الإمام لم يكن ليدعي انه اختلق فكراً جديداً أو طرح أيديولوجية أو عقيدة جديدة، بل هو نفض الغبار عن
 
 
 
 

1- ابن منظور ـ لسان العرب، طبعة دار المعارف، مصر، ج1، ص562 ـ 563. 
2- برهان غليون، الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا، ط1، 1991، ص72. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

26

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 شيء بالٍ هو الأحكام الإسلامية (لا من حيث هي هي، بل من حيث حضورها وتجسدها وتداولها بين الفقهاء، والسياسيين والناس عموماً) وهو استخرج ما كان محجوراً عليه من أحكام ونظريات وأفكار في بطون الكتب ورفوف المكتبات، ليعيده إلى طاولة الدرس والبحث ثم إلى عقول الرأي العام، وليصل فيه إلى التجسيد العملي عبر إقامة حكم اسلامي يعتمد النص المقدس والتفسير المتجدد والتحديث في الأسلوب والخطاب. 

 
ولأن من شروط البحث العلمي تحليل مفاهيم المصطلحات المحورية في البحث، فإننا نورد هنا بعضاً مما توصلنا إليه في استخدام هذا المصطلح ودلالاته، فإن ما يورده برهان غليون حول مفهوم التجديد بأنه يجب أن يرتبط، كما هو بالفعل، بمفهوم الإبداع الفكري، أي بما يسمح لمنظومة فكرية أن تستعيد فاعليتها وقدرتها على الانتاج المبدع للمعاني الجديدة أو المتجددة 1، يتفق مع ما نهدف إليه في تفسير حركة التجديد عن الإمام، ولرفع اللبس الذي قد يقع في طرح موضوع التجديد للفكر الإسلامي وتداخل الأمر مع موضوع سماوية الأديان، ومع وجود صفة الجزم والتأكيد والأبدية للقرآن ككتاب سماوي ختم الوحي بالرسالة المحمدية، يتساءل الدكتور حسن الترابي عن التجديد فيقول: الفكر الإسلامي هل يتجدد؟ أليس الدين هدياً أزلياً خالداً لا مكان فيه للتجديد؟ 
 
ويجيب: " بلى، الذي يتجدد ويبلى إنما هو الفكر الإسلامي والفكر الإسلامي إنما هو التفاعل بين عقل المسلمين وأحكام الدين
 
 
 

1- برهان غليون، الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، مصدر سابق، ص74. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

27

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الأزلية الخالدة، أما عقل الجيل من المسلمين الذي يضطلع بالتفكير في الإسلام فهو يتكيف بنوع وكمية المعارف العقلية والتجارب التي يحصلها في كل زمان، إذا ضاقت هذه المعارف ضاق وإذا اتسعت اتسع. وانه يتكيف وينفعل بالظروف الراهنة التي تحيط به، وبالحاجبات التي يحسها الناس وبالوسائل التي تتبعها له ظروف الحياة. 

 
فالفكر الإسلامي هو التفاعل بين عقلنا المتكيف بهذه العلوم، المنفعل بهذه الظروف مع الهدي الأزلي الخالد الذي يتضمن الوحي والذي بيّنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"1. إما د. علي شريعتي فأجاب عن الإشكالية المطروحة بتعبير آخر حيث قال: " حيث لا إصلاح ديني في الإسلام بمعنى إعادة النظر في الدين، بل إعادة النظر في رؤيتنا وفهمنا الديني والعودة إلى الإسلام الحقيقي والوقوف على الروح الحقيقية للإسلام الأول 2
 
وكذا كل المفكرين المجددين في الإسلام أمثال الدكتور إقبال والسيد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومرتضى المطهري أجمعوا على أن منهجية التجديد في الفكر الإسلامي لا تطال الدين أو الشريعة المقدسة التي هي وحي رباني أنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهي متجسدة في النص المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي لا يجوز أن يضاف إليه شيء أو ينتقص منه شيء. فالزيادة في الدين حرام لأنها غلوّ والغلوّ حرام، وقد استشهد بعضهم بما جرى في العالم المسيحي حيث كان الغلو في الدين سبباً مباشراً لانتهاء سيطرة الكنيسة وتحول الناس إلى الإلحاد، وحين تراجعت
 
 
 

1- حسن الترابي، الفكر الإسلامي، هل يتجدد؟ ، مكتبة الجديد، تونس، ص23. 
2- علي شريعتي، الأمة والامامة، مؤسسة الكتاب الثقافية، طهران، ص9. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

28

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الكنيسة تحت ضغط الظروف عن إضافاتها اللامعقولة إلى الدين، عاد العالم الغربي إلى المسيحية1

 
إذاً فالتجديد المعقول هو التجديد في الفكر الإسلامي وليس في الدين (كنص مقدس) وهو تجديد لإحياء الدين، وإعمار الأرض بتجسيد تعاليم الدين. 
 
بين التجدد والتجديد
 
إن التجدد والتجديد في قضايا الفكر كما هو التغير والتغيير في قضايا الاجتماع، فكما أن المجتمع يتغير مع حركة الزمن حتى لو لم يكن هناك منهج للتغيير يبرمج ويخطط ويهندس حركة المجتمع نحو أهداف بعيدة أو قريبة جزئية أو شاملة، فكذلك الفكر تحصل فيه تجددات حتى مع غياب منهج التجديد، هذا يعني أن الفكر له حركته في النمو كما هي الحال في المجتمع، والفكر لا يتجدد بعيداً عن تجددات المجتمع والعكس صحيح. وهكذا نصل إلى أن التجدد هو ما يطرأ على الفكر من تحولات ومتغيرات نتيجة تفاعلات بين الفكر والمجتمع، وهذه المتغيرات تفتقد إلى المنهجية والتخطيط وقد تكون على صواب أو خطأ، بينما موضوع بحثنا هو التجديد وليس التجدد (الذي قد يحصل تلقائياً ومن دون منهج). والتجديد هو الفاعلية الواعية التي يقوم بها المجتمع من أجل توجيه هذا التحول التاريخي أو استغلاله أو توجيه هذا التحول التاريخي أو استغلاله أو توظيفه لهدف أو لآخر. 
 
"إن التجديد إذا خطة واعية فردية أو جماعية لوضع هذا التجدد
 
 
 

1- محمد تقي المدرسي، المنطق الإسلامي، اصوله ومناهجهه، دار الجبل، بيروت، ط2، 1981م. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

29

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 ضمن منظور معقول ومنسق، وبالتالي إعادة تنظيمه فكرياً ومن الداخل حتى يبقى فاعلاً"1

 
ومن مظاهر هذا التطور في الفكر ما طرأ على مفهوم الحكم أو الشريعة أو الجهاد أو الأمة أو الجماعة في ثقافتنا من تبدل في المعنى منذ بداية الإسلام حتى الآن، فمن المعروف أن كلمة الحكم كانت تعني القضاء والفصل في الأمور الدينية وغير الدينية، ومنها الحكمة والحكيم والاحتكام والتحكيم، وهي تعني اليوم الحكم السياسي والحكومة والحاكمية وغير ذلك من المعاني الجديدة. 
 
وإن الإحساس بالحاجة إلى التجديد كان ينمو داخل البلاد الإسلامية نمواً طبيعياً كرد فعل على الصدمة التي خلفها الغزو الأوربي للبلاد الإسلامية، وحال التقهقر والانحطاط التي عاشتها هذه البلاد بفعل السيطرة الاستعمارية. 
 
" إن لهذا التجديد ناحية أعظم شأناً من مجرد الملاءمة مع أوضاع الحياة العصرية وأحوالها، وإن العالم الإسلامي وهو مزود بتفكير عميق نفاذ وتجارب جديدة، ينبغي عليه أن يقدم في شجاعة على إتمام التجديد الذي ينتظره"2
 
بين الاجتهاد والتجديد
 
الاجتهاد في الإسلام في جوهره وأصالته كان شاملاً بشمولية الإسلام للحياة بمختلف أبعادها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية.. الخ. 
 
 
 

1- د. برهان غليون، الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، مصدر سابق، ص73. 
2- محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة عباس محمود القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة، 1986. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

30

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 وكما يقول السيد محمد باقر الصدر (1935 ـ 1980): " أظن أننا متفقون على خط عريض للهدف الذي تتوخاه حركة الاجتهاد والتأثر به، وهو تمكين المسلمين من تطبيق النظرية الإسلامية للحياة، ولكي ندرك أبعاد الهدف بوضوح يجب أن نميز بين مجالين أحدهما تطبيق النظرية في المجال الفردي بالقدر الذي يتصل بسلوك الفرد، والآخر تطبيق النظرية في المجال الاجتماعي وإقامة حياة الجماعة على أساسها، بما يتطلبه ذلك من علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية"1

 
الاجتهاد بهذا الفهم يتضمن ويستوعب كل دلالات وخلفيات التجديد، بينما التجديد ليست لديه هذه القدرة المتضمنة في الاجتهاد. 
 
والتجديد إنما يكتسب أصالته ودقته وضبطه من الاجتهاد في الإسلام، حيث تبلورت قواعد وأصول وضوابط التشريع الإسلامي. 
 
من هنا، فإن التجديد لا بد له من أن يبقى سائراً على إيقاع يرسمه الاجتهاد، ويبلور حدوده وحركته في الجزئيات والكليات، حتى لا ينقلب التجديد إلى خروج عن الجادة الحنيفة للشرع والدين، وعن كلياتها الثابتة. 
 
يبقى أن نشير إلى تداخل مصطلح التجديد مع الاجتهاد تداخل الجزء مع الكل وليس العكس، ونحن لا نتفق مع من يقول: " أن التجديد كان يطرح بديلاً فكرياً معاصراً لمصطلح الاجتهاد بدلاً من أن يكون مرادفاً له أو وجهاً من وجوهه، وإن بروز مصطلح التجديد في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر قد واكب مرحلة فكرية معرفية، تجعلنا
 
 
 


1- محمد باقر الصدر، من مقدمة كتابه (الفتاوى الواضحة)، مطبعة الآداب، النجف. 1972. 

 
 
 
 
 
 
 
38

31

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 مدعوين إلى إعادة النظر فيه أو تنويع الرؤية له على ضوء تلك المرحلة وخلفياتها، فقد شاع المصطلح في مرحلة بدأت فيها المنهجية العلمانية تتسرب إلى قطاعات واسعة في حياتنا الفكرية والقيمية والمعرفية والفنية"1

 
ولا نجد لهذا الرأي مصداقية في دراسات وبحوث العلماء والمفكرين الإسلاميين، نعم إن حركة الاجتهاد قد انكمشت عبر حقبات زمنية متتالية خصوصاً في الفكر الإسلامي الشيعي، وتراجعت لتنحصر في جوانب محددة ترتبط في أحد جوانب الفقه. 
 
ومرد هذا الانكماش (بحسب رأي السيد محمد باقر الصدر قدس سره) يعود إلى أن حركة الاجتهاد من حيث المبدأ ومن الناحية النظرية وإن كانت تستهدف مجالي التطبيق، الفردي والاجتماعي، لأنهما سواء في حساب العقيدة، ولكنها في خطها التاريخي الذي عاشته على الصعيد الشيعي كانت تتجه في هدفها على الأكثر نحو المجال الأول فحسب (الفردي)، فالمجتهد خلال عملية الاستنباط يتمثل في ذهنه صورة الفرد المسلم الذي يريد أن يطبق النظرية الإسلامية للحياة على سلوكه، ولا يتمثل صورة المجتمع الذي يحاول أن يُنشأ حياته وعلاقته على أساس الإسلام. 
 
وهذا التخصيص والانكماش في الهدف له ظروفه الموضوعية وملابساته التاريخية، فإن حركة الاجتهاد عند الشيعة قاست منذ ولدت تقريباً عزلاً سياسياً عن المجالات الاجتماعية للفقه الإسلامي نتيجة لارتباط الحكم في العصور الإسلامية المختلفة وفي أكثر البقاع 
 
 


1- جمال سلطان، تجديد الفكر الإسلامي، الرياض، دار الوطن: ص61. 

 
 
 
 
 
 
 
 
39

32

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

  بحركة الاجتهاد عن السنة.. وهكذا ارتبط الاجتهاد بصورة الفرد المسلم في ذهن الفقيه الشيعي لا بصورة المجتمع المسلم وهذا السبب الموضوعي تحول مع مرور الزمن إلى سبب ذاتي في تشكيل العقل الاجتهادي الشيعي حيث بات ينظر إلى الشريعة الإسلامية من زاويتها الفردية باعتباره المجال الممكن تطبيق الشريعة عليه1

 
وسنتناول في الصفحات القادمة من البحث ما تميز به الإمام في عقله الاجتهادي عن غيره من معاصريه من المجتهدين الشيعة، حيث ركز أبحاثه الفقيهة والاجتهادية على الجوانب الاجتماعية والسياسية فضلاً عن الفردية. 
 
وبالخلاصة نصل إلى أن التجديد وان كان لا ينفصل عن الاجتهاد إلا أننا في حقل الفكر والثقافة نكون أكثر دقة في استخدام مصطلح التجديد بعد أن ارتبط الاجتهاد بقضايا الفقه وأصوله. 
 
 
 

1- انظر مقالة " الاجتهاد في الإسلام، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، مجلة الاجتهاد، السنة الثالثة، العدد التاسع ـ خريف 1990. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

33

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الفصل الثالث: الفقه السياسي الشيعي

 
اعتاد الفقهاء على إدراج ثلاث أطر عامة لتشخيص التشريع الإسلامي هي: 
 
1 ـ تشريعات للفرد المسلم
 
2 ـ تشريعات للأسرة المسلمة
 
3 ـ تشريعات للجماعة والمجتمع المسلم. 
 
ولذا فإن استخدام مصطلح (الفقه السياسي) يُعد استخداماً مجازياً أي نظرياً وهو ما يُقصد به تلك الأحكام والتشريعات التي تتصل بالجماعة والمجتمع المسلم رغم انه لا يمكن إيجاد حد فاصل وقاطع بينه وبين بقية التشريعات لأن معظم التشريعات والأحكام الإسلامية يتداخل فيها الفردي والمجتمعي بكل مباشر أو غير مباشر وهو ما يوافق عليه الشيخ شمس الدين في قوله: " ومن الواضح أن المعيار الموضوعي لتقسيم الفقه لا ينطبق على المعيار الشكلي الذي اعتمده الفقهاء، ومن هنا اضطربت كلماتهم (الفقهاء) في تعداد العبادات وحصرها في عدد مخصوص مع البون الشاسع في الاختلاف بين اعتبارها خمسة فقط أو عشرة وبين رفعها إلى ما زاد عن الخمسين"1
 
 
 

1- محمد مهدي شمس الدين، في الاجتماع السياسي الإسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، ط1992، ص30. 

 
 
 
 
 
 
 
 
41

34

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 إن تقسيم الفقه الإسلامي وتبويبه لا يعبّر عن واقع كون الإسلام (كلاّ واحداً) مترابطاً وإنما هو ما تقتضيه ضرورة البحث الفقهي النظري الذي دأب الفقهاء عليه من خلال تبويب الفقه الإسلامي (التشريع) إلى أبواب متعددة ليتسنى لهم تناول هذه الأبواب بشكل متدرج. 


ولا يغفل على الدارس حقيقة كون الإسلام عقيدة وشريعة كلاً واحداً لا يستقل بعض منه عن بعض ولا يمكن فصل تشريع عن آخر، والواحدة هنا ليست وحدة ارتباط بمعنى أن امتثال تكليف تشريعي لا يمكن أن يتم إلا بامتثال سائر التكاليف الأخرى، بل يعني أن الغاية والحكمة من التشريع لا تتحقق على مستوى الأمة والمجتمع إلا بالنظر إلى التشريع الإسلامي (الفقه) على انه (كلّ واحد) وتطبيقه على الحياة وصياغة الحياة على أساسه وفقاً لهذه النظرة ودرج بعض الفقهاء على تقسيم الفتاوى المصنفة في كتبهم الصادرة لاستخدامات عامة إلى قسمين رئيسيين هما (العبادات، والمعاملات) ويقصد بالعبادات غالباً الأحكام الفردية، وبالمعاملات الأحكام ذات البعد الاجتماعي، ولكن بالرجوع إلى كل منهما نجد الكثير من الفتاوى في كل من القسمين يتعلق بالتشريعات العائدة للجماعة والمجتمع المسلم فمثلاً نجد التشريعات المتعلقة بالخمس والزكاة والآمر بالمعروف والنهي عن المنكر مندرجة في قسم العبادات رغم كونها تتقاطع بشكل مباشر في المصالح العامة للمجتمع، وإن كانت تنطلق من تكليف الفرد. 

وعليه نخلص إلى القول بعدم وجود قطع حاد بين الفقه السياسي والفقه غير السياسي عند المسلمين، حيث التداخل بين الفقه الفردي والاجتماعي كبير لاسيما في التصنيفات المعتمدة لدى الفقهاء. 

وإذا كان المطلوب أن نلج إلى تقديم صورة أولية حول الفقه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

35

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 السياسي عند الشيعة والذي يشكل المدخل لملامسة التجديد الفقهي عند الإمام الخميني وابرز ما تميزت به طروحاته وفكره السياسي فلا بد من التركيز على مفهوم الإمامة والخلافة باعتبارهما العنوانين الأبرز في تجسيد الفقه السياسي الإسلامي، وكون هذين العنوانين يعكسان النظرة إلى رأس الهرم في الاجتماع الإسلامي كما في غيره من المجتمعات وعلاقة هذا الرأس بالمجتمع وأفراده وتياراته وتشكلاته الاجتماعية. 

 
ولا نجد ضيراً من الالتفات إلى أن الخلاف في الفقه السياسي بين الشيعة والسنة يرتكزان أيضاً إلى هذين العنوانين، حيث يستخدم الشيعة مفهوم الإمامة للدلالة على الحاكمية الشرعية للمجتمع الإسلامي بينما يطلق السنة مصطلح الخلافة على هذه الحاكمية. 
 
إن جوهر الخلاف بين أهل السنة وأهل الشيعة يكمن في النظرة إلى شرعية رئاسة الدولة وولي الأمر فيها (الامامة ـ الخلافة). 
 
وهي تعود بتاريخها إلى الأحداث التي وقعت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإبان انعقاد (السقيفة). 
 
ففي حين يرى الشيعة إن الله قد أكمل الدين واتمّ النعمة بتسمية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (وقبل موته) لولي عهده وخليفته من بعده، وبيّن للأمة طريقة انتقال ولاية الأمر (الإمامة)، عبر العديد من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة ومنها الآية ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾1، وهي بحسب إجماع المفسرين نزلت في حق علي ابن أبي طالب 2
 
 
 

1- المائدة، 5. 
2- الإمام شرف الدين، المراجعات، مصدر سابق، ص187. 

 
 
 
 
 
 
 
 
43

36

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 وكذا الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مصادر أهل السنة والشيعة: "إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"1

 
وهكذا يعتبر الشيعة أن الإمام يتعين بالنص من النبي ولا يجوز على نبي إغفال النص على خليفته، (لأن الأمر يخالف العقل) وتفويض الأمر للأمة، كما لا بد للإمام أن يكون معصوماً عن الكبائر والصغائر. 
 
بينما يرى أهل السنة بأن الخليفة يمكن أن يُسمّى عن طريق الشورى، كما حدث في سقيفة بني ساعدة، فأبو بكر كمسلم سمى عمر أو أبا عبيدة ولكن عمر رفض تسمية أبي بكر وسمّى أبا بكر، ثم بايعه الناس2
 
وهم أيضاً لا يرون ضيراً في أن يتفرد الخليفة بتسمية خليفته وهو ما فعله ابو بكر عندما سمّى عمر خليفة له، ونفس الأمر فعله عمر في تسمية عثمان بشكل غير مباشر (عبر شورى شكلية)، إضافة إلى ما اعتمد في خلافة بني أمية وبني العباس وبني عثمان3، حيث تحولت الخلافة عموماً إلى آلية وراثية صرفة وهو ما يؤسس عليه ابن خلدون في قوله: "إن الإمام ينظر للناس في حال حياته، وتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته ويقيم لهم من يتولى أمورهم"4
 
أما في الجانب التاريخي فإن جذور التشيع تمتد إلى عهد الرسول عندما كان يؤكد على تميّز علي بن أبي طالب ويوصي المسلمين بالتزام
 
 


1- أخرجه الحاكم في السمتدرك، ج3، ص148، ثم قال هذا حديث صحيح الاسناد على طريق الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه الذهبي في تلخيصه معترفاً بصحته على شرط الشيخين (راجع احمد حسين يعقوب، النظام السياسي في الإسلام، بدون دار ومطبعة، عمان، 1989م، ص85) . 
2- ابن قتيبة ـ الامامة والسياسة، دار الاضواء ـ بيروت، 1990، ص26. 
3- راجع احمد حسن يعقوب، النظام السياسي في الإسلام، مصدر سابق، ص33. 
4- ابن خلدون المقدمة، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت ص192. 



 
 
 
 
 
 
 
44

37

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 طاعته من بعده كما حدث في أكثر من موقع كان آخرها واكثرها صراحة ما قاله في حجة الوداع: "من كنت مولاه فهذا عي مولاه اللهم والي من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره... الخ"1

 
ونزلت بعدها الآية الكريمة على الرسول وفيها كانت خاتمة الوحي ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾2. إلا أن نزعة التشيع لم تظهر بشكل واضح في عصر الخليفتين ابو بكر وعمر بن الخطاب لانه ليس في سيرة الشيخين ما يبعث النقمة والاستياء ويدعو إلى الثورة، رغم امتناع علي ومن معه عن البيعة في باديء الأمر فقد التزموا السكينة والهدوء للمحافظة على الإسلام والصالح العام3، ويرى السيد محمد باقر الصدر: أن الشيعة ولدوا منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم "وقد تجسد الاتجاه الشيعي منذ اللحظة الأولى في إنكار ما اتجهت إليه السقيفة من تجميد لأطروحة زعامة الإمام علي وإسناد السلطة لغيره"4
 
وقد ورد نفس المعنى في قاموس الإسلام " إن أول تاريخ لظهور الشيعة السياسية أو بتعبير أدق (شيعة علي عليه السلام ) أو حزب علي، هو وقت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهناك رواية نقول بأن الشيعة الأولى كانت مكونة من ثلاثة رجال هم: سلمان الفارسي، أبو ذر، المقداد بن الأسود الكندي، وهناك أيضاً روايات كثيرة عن وجود غيرهم غيرهم وهؤلاء الثلاثة هم أول من نادى بانتقال الخلافة إلى علي، وإن ذلك هو الإيمان القويم"5
 
 
 

1- الإمام عبد الحسين شرف الدين، المراجعات، مصدر سابق ص15. 
2-المائدة3. 
3- محمد جواد مغنية، الشيعة والحاكمون، دار الهلال بيروت ط5، 189، ص23. 
4- محمد باقر الصدر، التشيع والإسلام، دار الغدير بيروت، ط4 ـ 1973، ص49. 
5- Encyclopedie Del Islam (Paris، Librairie C. klicksieck، 1984 p:362 

 
 
 
 
 
 
 
 
45

38

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 بينما يذكر الدكتور علي شريعتي"أن التشيع لعلي عليه السلام واهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن وليد حادثة أو واقعة أو ظاهرة، فقد بدأ التشيع عندما استقرت اليد الصغرى لعلي (8 سنوات) في يد محمد الكبيرة لتغير مجرى التاريخ"1

 
وقد ظهر التشيع جلياً وواضحاً في عهد عثمان الذي كثرت عليه المآخذ والمطاعن حتى أودت بحياته، ثم اشتدت نزعة التشيع وانتشرت أكثر فأكثر بعدما اشتدت مظالم الحاكمين من الأمويين والعباسيين وغيرهم2
 
وكان الفقه السياسي الشيعي المرتكز إلى مبدأ الإمامة يتبلور تبعاً للمراحل الزمنية التي تمر بها حركة التشيع في عهود الأئمة (الأثني عشر) الذين واكبوا الحكم الأموي ثم العباسي حتى سقوطه وخلال تلك الفترة كان زعماء الشيعة يؤكدون على أن العقيدة بالإمامة لم تكن امتداداً لحقائق نقلية فقط عبر النصوص والروايات الكثيرة التي كانت تنقل عبر الصحابة والرواة الثقاة بل هي أيضاً مدعمة بحقائق عقلية عبر المجادلات الفلسفية التي ترشد الفرد إلى الحقائق النقلية والأخذ بها، وقد نهج المسلمون منهجاً عقلياً كذلك في تفكيرهم خاصة بعد اتصالهم بالشعوب الأخرى التي غزا بلادها المسلمون3.
 
ولا بد من التوقف هنا عند حقيقة تاريخية هي أن الحاكمية الفعلية كانت غالباً في يد أهل السنة بينما كان أتباع التشيع يشكلون (المعارضة) للسلطة وهذا الأمر كان طوال فترة الحكم الأموي ثم
 
 
 

1- د. علي شريعتي :إسلام شناسي ج1 (مشهد ـ إيران ـ جابخانه طوسن 1347 هـ . ش) ص488. 
2- محمد جواد مغنية ـ الشيعة والحاكمون، جار الهلال، بيروت ط5، ص23. 
3- حسن عباس حسن، الفكر السياسي الشيعي ـ الدار العالية، بيروت ط1، 1988، ص140. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

39

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 العباسي ثم العثماني، وقد انعكس ذلك على دائرة الاهتمام الاجتهادي والفقهي عند العلماء الشيعة الذين صبوا جل اهتماماتهم على الفقه الفردي بعيداً عن البحث والاهتمام بنفس المستوى بالفقه الاجتماعي الذي لم يكن "مورد ابتلاء" لهم فبقيت الأبحاث الفقهية والاجتهادية في الدائرة الفردية غالبةً على أبحاثهم في الدائرة الاجتماعية. 

 
ولعل ما يميز الإمام الخميني عن أسلافه من الفقهاء الشيعة هو اتجاهه إلى ملامسة الدائرة الاجتماعية في الفقه الإسلامي بموازاة الدائرة الفردية وهذا الأمر لم يكن مألوفاً في الحوزات العلمية ولدى المجتهدين السابقين والمعاصرين له. 
 
ومن أبرز الطروحات التي لامسها البحث الفقهي عند الإمام هي اطروحة "ولاية الفقيه" التي تعالج النظرة إلى رأس الهرم الاجتماعي والسياسي في المجتمع الإسلامي والتي تعتبر أن ولاية الفقيه امتداداً للإمامة بل ونيابة عنها (في عصر الغيبة) وهذه الأطروحة لم يخترعها الإمام الخميني ولم يأت بها من عندياته بل هي متجذرة في الفقه الشيعي منذ بدايات عهد الغيبة الكبرى عام 329 هـ، فقد فوض الإمام قدس سره ولاية أمور الأمة بموجب تفويض عام للفقيه الولي بناءاً على مواصفات دقيقة على امتداد الزمان في الحديث المشهور عند الشيعة1، الذي نقله رابع السفراء وآخرهم علي بن محمد السمري حين دنت منيّته بكتاب عنه وبتوقيعه. 
 
وقد قام الفقهاء العدول من السلف الصالح بالنيابة منذ زمن الشيخ
 
 
 

1- نص الحديث المهشور : " فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، راجع الطبرسي ـ الاحتجاج مجلد 2 ـ مطبعة النعمان ـ النجف 1968، ص263. 

 
 
 
 
 
 
 
 
47

40

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 المفيد الذي حدد له الإمام عليه السلام مهامه بالقول " عليكم الفتيا وعلينا التسديد"

 
إلا أن الظروف الموضوعية التي حالت دون ممارسة الفقهاء الشيعة للفتيا في الجوانب الاجتماعية والسياسية هي التي أبعدت أطروحة ولاية الفقيه في حقبات زمنية طويلة ومتتالية وحفظتها في بطون الكتب الفقهية بعيداً عن التداول العلمي والبحث في الحوزات العلمية (وسنورد فقرة خاصة للإطلالة على الحوزة عند الشيعة وتطور المراحل التي مرت بها). 
 
إن مجموعة الدروس الفقهية التي أعطاها الإمام الخميني لطلابه في النجف سنة 1389ه ـ 1964م والتي كانت تحت عنوان الحكومة الإسلامية أحدثت هزة نوعية في البحوث الحوزوية لدى المراجع والعلماء الشيعة آنذاك، وأسست في الوقت نفسه لتيار جديد بين العلماء يرفض الرضوخ والاستسلام للواقع القائم بالابتعاد عن الفقه السياسي وتداوله في البحوث العلمية والاقتصار على الفقه الفردي التعبدي. 
 
وانطلاقاً من تلك الدروس القائمة على شرح نظرية ولاية الفقيه استطاع الإمام الخميني أن يعيد للفقه السياسي الشيعي (لاسيما ما يتعلق منه بالحكومة وتشكيلها) حضوراً فاعلاً ومؤثراً ليس فقط في الحياة العلمية الحوزوية بل أيضاً في الساحة الإسلامية عموماً وإيران خصوصا. 
 
ولسنا هنا في مقام التفصيل في نظرية ولاية الفقيه حيث كتبت فيها بحثاً أكاديمياً تحت عنوان "ولاية الفقيه بين الديني والسياسي"1 يمكن الرجوع إليه. 
 
 
 

1-عبد الله قصير-ولاية الفقيه بين الديني والسياسي-بحث أعد لنيل شهادة الجدارةفي الإجتماع السياسي- الجامعة اللبنانية-معهد العلوم الإجتماعية- 1994م

 
 
 
 
 
 
 
 
48

41

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 دور الحوزة والعلماء عند الشيعة تاريخياً
 
ولتكتمل الصورة حول الفقه السياسي الشيعي لابد من الإطلالة على دور الفقيه الشيعي والمؤسسة التي يعمل من خلالها (الحوزة العلمية) ضمن المجتمع الإسلامي العام وعلاقة هذه المؤسسة وأصحابها بالسلطة عبر الحقبات الزمنية منذ تأسيس المذهب. 
 
لمحة تاريخية
 
لقد شكلت الحوزة العلمية الدينية عبر التاريخ الشيعي الامامي موقعاً بارزاً وريادياً أهّلها للمساهمة في صنع قرارات المجتمع الإسلامي الشيعي، ومارست دوراً تغييراً في الواقع الذي تنخرط به عبر ارتباط وثيق بخصوصياته، وهي أثرت وتأثرت بهذا الواقع بنسب متفاوتة، كما مثلت الكيان الذي يعبر عن رأي الطائفة الإمامية وينطق بإسمها رسمياً. وقد دأبت الحوزة العلمية خلال مسيرتها الطويلة على حفظ الثروة العلمية الإسلامية المتدفقة، لاسيما في مجال التشريع والاجتهاد وصيانة المنابع الأساسية للتشريع، والاهتمام بالوقائع والمعطيات والمظاهر التي اكتشفت الرسالة الإسلامية في مختلف أدوارها والاعتزاز بها والمحافظة عليها قد تنقّل مركز الحوزة العلمية بين المدينة المنورة والكوفة في عهود أئمة أهل البيت، وشهدت حالات من الضغط والتعسف من قبل بعض أمراء الحكم الأموي، وازدهرت في عهد الإمام الباقر عليه السلام في المدينة وفي عهد الإمام الصادق عليه السلام في الكوفة، ومع بدايات عصر الغيبة للإمام المهدي آخر أئمة أهل البيت المعصومين بدأت خصوصيات هذا الكيان العلمي
 
 
 

1- د. جعفر الباقري، ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، دار الصفوة، بيروت، ط1، 1994/، ص11. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

42

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 ومعالم المدرسة الفقهية تتبلور بشكل أكثر وضوحاً من السابق، ووجد علماء الشيعة في مدينتي قم والري في إيران في ظل حكومة آل بويه الموالية للتشيع أرضية صالحة لنشر الفقه الإسلامي وترويج دعائم الفكر الشيعي خلال تلك الحقبة، التي برز فيها علماء ما زالت أسماؤهم وآثارهم بارزة في تراث الفقه الشيعي، أمثال الكليني1 والصدوق2

 
وقد انتقلت الحوزة بعد هذه المرحلة في القرن الخامس الهجري إلى بغداد، وأخذت ملامح هذا الكيان تحمل طابع الاستقلالية والنضج والكمال، لما تهيأت لها من أجواء فكرية وسياسية ملائمة، فأنجبت مجموعة شامخة من العقول الشيعية في طليعتها الشيخ المفيد 3والسيد المرتضى4 والشيخ الطوسي5
 
 
 

1- ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (329ه ـ ) صاحب كتاب الكافي، وقد صنفه في عشرين سنة وقد قال عنه الشهيد الأول، الذي لم يعمل في الامامية مثله)، المجلسي، بحار الانورا، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1985م و ج107، ص190. 
2- محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المشتهر بالصدوق وكتابه "من لا يحضره الفقيه" قال في حقه العلامة المجلسي انه ثقة الاصحاب لما حكموا بصحة جميع اختيار كتابه، يعني صحة جميع ما قد صح عنه من غير تأمل، . بل هو ركن من أركان الدين. 
3- الشيخ محمد بن النعمان المفيد (413ه ـ ) ويعد من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم واستاذهم، اوثق أهل زمانه وأعملهم، انتهت إليه رئاسة الامامية في وقته، له ما يقارب مئتي مصنف، اشهرها : الاركان في دعائم الدين، الايضاح في الإمامة، الارشاد. 
4- ابوالقاسم علي بن السيد احمد، ينتسب إلى الإمام علي بن أبي طالب، ولقبه المرتضى (355ه ـ . 435ه ـ )، كان اوحد زمانه فضلاً وعلماً وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابة، وتتملذ على يد الشيخ المفيد، . له مصنفات كثيرة بلغت (90) كتاباً، وبلغت محفوظاته ومقراءاته كما ذكر الشوقي ثمانين الف مجلد، اشهرها ديوانه المعروف. 
5- شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي (385 ـ 460ه ـ ) وهو ثقة عين الصدوق، تتملذ على يد الشيخ المفيد (413) ثم بعد وفاته على السيد المرتضى، وله كتب عديدة، أشهرها تفسير التبيان في عشرة مجلدات، وقد صنف في كل فنون الإسلام وهو المهذب للعقائد والأصول والفروع، والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل احرقت مكتبته في بغداد وداره وهرب إلى النجف الاشرف واستقر بها حتى مات، يعتبر أول من أنشاً الحوزة العلمية في النجف الاشرف، وكان يحضر درسه 300 مجتهد، "التراجم للعلماء أخذت من كتاب تاريخ العلماء للشيخ الحكيمي مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 1983. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

43

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 وخلال هذه المرحلة بدأ علم أصول الفقه بالتبلور أكثر فأكثر من خلال إدخال فن الصناعة إلى علم الفقه، واستنتاج أحكام شرعية خارج ألفاظ الحديث وعدم الجمود على ظاهر نصه والاكتفاء به ونظراً لحسن العلاقة مع الدولة البويهية في بغداد، فقد كان لعلماء الحوزة العلمية في ظلها دور اجتماعي وفكري متميز ودور سياسي، حيث امتد نفوذهم بشكل فاعل وقوي في الدولة وأجهزتها، إلى جانب ذلك نشطت الحركة الثقافية عبر دخول علماء الشيعة في غمار "المباراة العلمية التي كانت قائمة آنذاك بين المذاهب الفقهية، وخاضوا لججها الغامرة وخرجوا منها بنظريات فكرية وإبداعات فقهية وتصورات مفاهيمية في منتهى العمق والثراء والأصالة"1

 
كما نشطت في هذه الفترة الذهبية للحوزة حركة التأليف والكتابة، وأخذت طابع الشمولية والمنهجية أكثر من المراحل السابقة، وامتلأت الحوزة العلمية بنفائس الكتب القيمة في مختلف المعارف والفنون الإسلامية. 
 
فقد أحصى السيد الأمين في "أعيان الشيعة" للشيخ المفيد 300 كتاب ورسالة في الفقه والكلام والحديث، وللسيد المرتضى 90 مجلداً من مؤلفاته ومخطوطاته وذكر المؤرخ آغا بزرك الطهراني اسم 47 مؤلفاً للشيخ الطوسي مما وصل إليه من أسماء مصنفاته2
 
وقد أفلت الحركة العلمية في بغداد بعد دخول الجيوش المغولية وإحراق مكتباتها التي كانت تضم عشرات الآلاف من الكتب ونهب دار الشيخ الطوسي وحرق منبره، فانتقلت الحوزة إلى مدينتي (الحلة
 
 
 
 

1- محمد مهدي الآصفي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، النجف، ط1، 1389 هـ ص55. 
2- المصدر نفسه ص57 ـ 60. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

44

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 والنجف في العراق) على بعد 80 ـ 150 كيلو جنوب بغداد، وأخذت هذه الحركة طابعاً أعمق من السابق وأكثر رشداً ونضجاً، فنظمت أبواب الفقه، وعرضت بأسلوب منهجي وموضوعي، وثم تدوين (الفقه المقارن) وابرازه في موضوعات ضخمة وشاملة، وتمثل ذلك في كتاب (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي (676هجري) حيث بقي هذا الكتاب منهجاً ناضجاً وحيوياً يتعاطاه طلبة العلوم الدينية في الحوزة حتى وقتنا الحاضر"1

 
وقد رست حركة العلم في النجف بعد انتقال شيخ الطائفة الطوسي إليها، وغدت الجامعة الكبرى للشيعية الإمامية وعاصمة المذهب الجعفري، يتخرج منها المئات من المجتهدين والعلماء في كل جبل طيلة الألف عام، ومرت بظروف مختلفة قوة وضعفاً لكنها حافظت على محوريتها في الحركة الفقهية الحوزوية عند الشيعة. 
 
وفي العقدين الأخيرين 80 ـ 1990م، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران واهتمام الدولة الإسلامية الوليدة بالحوزة في قم ونظراً للأحداث الدامية التي خلفتها الحرب العراقية ـ الإيرانية بدأت مرحلة جديدة لمعت فيها مدينة قم كحاضنة للحوزة العلمية على حساب التراجع الحاصل في حوزة النجف. 
 
وقد حظيت الحوزة العلمية في مختلف مراحلها بالدور التوجيهي المتميز الذي هيمن روحياً وفكرياً وسياسياً إلى حدّ ما على كل حيثيات الوجود الشيعي والقرار الفاصل للشيعة في مختلف القضايا المصيرية الكبرى التي تتعرض لها الأمة بشكل عام، ويرجع ذلك إلى ما كانت تضمنه الحوزة من النخب المرجعية والعلماء دائماً. 
 
وإذا ما تخطينا الدور الفكري والفقهي للحوزة في مواجهة التيارات
 
 
 

1- د. جعفر الباقري، ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، مصدر سابق، ص21. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

45

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الفكرية والمذهبية وتقويم دعائم المذهب والحفاظ عليه والتجديد في منهجية الاستنباط الفقهي ودراسته، فإن الحوزة شاركت الأمة همومها وآلامها عبر تسجيل حضورها في ساحة المواجهة مع التحديات السياسية في نقاط ومفاصل مضيئة من تاريخها، كما أدت دوراً مهماً في تقويم الالتزام الديني لدى الناس. 

 
ولأن المقام ليس مقام السرد التاريخي، بل لتبيان دور العلماء والحوزات الاجتماعي والسياسي في المجتمع الإسلامي الشيعي خصوصاً، فسوف نقتصر على ذكر ابرز المحطات التي كان للعلماء والحوزات فيها دور فاعل في مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية للأمة في العصر الحديث فمن الميرزا الشيرازي1 الذي رفض استقبلال مللك إيران ناصر الدين شاه عند مدخل مدينة النجف ورفض هديته المالية، تأكيداً على استقلالية الحوزة والمرجعية، إلى مواجهته للملك نفسه بما سمي (ثورة التنباك) وإصداره الفتوى الشهيرة التي اضطرت الملك إلى أن يلغي قراره بمنح الامتياز لشركة التنباك الانكليزية (1891م)، إلى فتوى الشيخ الآخوند الخراساني (1329هجري ) التي كان لها أثر كبير في إلزام السلطة في إيران بـ (النظام الدستوري) وتشكيل القانون الاساسي (المشروطية) وفتواه أيضاً بمحاربة الروس في إيران التي استجابت لها العشائر العراقية، فخرج على راسها ومعه العديد من العلماء والمجتهدين بينهم السيد محمد كاظم اليزدي (1337هجري)، إلى فتوى السيد كاظم اليزدي بالجهاد ضد الانكليز في البصرة بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914م، وفتوى الميرزا محمد تقي الشيرازي
 
 
 

1- محمد حسن الشيرازي المعروف بالميرزا الشيرازي الكبير المجدد امتدت مرجعية 23 عاماً 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

46

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 (1338هجري) بوجوب محاربة الإنكليز في سامراء وإرسال ابنه على راس كتائب المجاهدين، كما شارك في حركة الجهاد أيضاً الشيخ مهدي الخالصي (1343هجري) ومجموعة أخرى من علماء الحوزة ومجتهديها، إضافة إلى فتوى السيد محمد سعيد الحبوبي (1333هجري) الذي تحرك إلى جنوب العراق، وتحرك بعده شيخ الشريعة الاصفهاني (1339هجري) والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء وآخرون وقد قاد العلماء ثورة العشرين (1920م) المعروفة في العراق ضد الإنكليز، ثم وقفوا في وجه الملك فيصل الذي دعا إلى انتخاب المجلس التأسيسي كمواجهة للانتداب البريطاني، وقاطعوا الانتخابات وتعدت اهتمامات علماء الشيعة السياسية مناطق نفوذهم في العراق وإيران1، فأصدر علماء الشيعة فتاوى الجهاد والدفاع عن بلاد المسلمين عندما (1390هجري) تعرضت طرابلس الغرب للغزو من قبل ايطاليا وأصدر السيد محسن الحكيم فتاوى بدعم العمل المقاوم لليهود في فلسطين والدفاع عن المقدسات الإسلامية في القدس، وموقف الإمام الخميني في هذه القضية كان مبكراً منذ بدايات تحركه السياسي في الحوزة (1963م)، وكان موقفاً مميزاً بين أقرانه المراجع والمجتهدين، وتجاوز التعاطف مع القضية ليصل إلى مساندة المجاهدين مالياً من خلال الحقوق الشرعية. 

 
وكذلك نقف عند المصاديق البارزة لمواجهة التحديات في الشأن السياسي عند صرخة الشهيد السيد محمد باقر الصدر (1400هجري) وإفتائه بحرمة الانتساب إلى حزب البعث في العراق، والتصدي لظلم الحزب الحاكم حتى دفع حياته ثمناً لهذا الموقف، وموقف المرجع
 
 
 
 

1- راجع د. الباقري، ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، مصدر سابق. 

 
 
 
 
 
 
 
 
54

47

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 السيد الخوئي (1413هجري ـ ) في انتفاضة 15 شعبان في العراق (1411هجري ـ ) الذي تصدى لهداية وتوجيه الانتفاضة، ونصل إلى خلاصة مفادها " إن الحوزات العلمية والعلماء كانوا طيلة تاريخ الإسلام والتشيع أهم قواعد الإسلام الحصينة في مواجهة الهجمات والانحرافات"1

 
ولعل هذه المصاديق تشكل تمهيداً طبيعياً لانطلاق الثورة الإسلامية في إيران على يد الإمام الخميني (1410هجري )، التي كان للعلماء والحوزة دور أساسي محرك وفاعل في صناعة انتصارها، وبرغم هذا الدور للعلماء والحوزات في تاريخ الإسلام والتشيع، فإن ما جاء به الإمام الخميني يعتبر تتويجاً لتلك الجهود والنضالات، إن بقاء الحوزات العلمية عند الشيعة وبقاء طلابها ومراجعها خارج دائرة التقنين الرسمي للحكومات في العهود المتتالية، كان له أرفع الأثر في استقلالية قرارها وبقائها خارج تأثير السلطة المباشر. وإن وجود مصادر مالية شرعية (الخمس)2 لتغذية مصاريف الحوزات ورواتب الطلبة الدارسين فيها ساعد على استمرار هذه الاستقلالية في القرار والنهج والملاحظة أن الحوزة العلمية في النجف وقم انخرطتا في الصراع ضد المستعمر لكنها لم تدخل في معركة الصراع في السياسة الداخلية في الدولة الوطنية الحديثة إلا مؤخراً (1963م بداية حركة الإمام) في قم و (1980م حركة الشهيد الصدر) في العراق الأمر الذي أبقاها بمنأى عن ضغوط السلطة وتدخلاتها، ولعل الأمر يرجع أيضاً إلى الدور الانكفائي سياسياً لعلماء الشيعة تاريخياً. 
 
 
 

1- الإمام الخميني ـ البيان التارخي الموجه إلى الحوزات والعلماء، من منشورات مجلة بقية الله. الوحدة الثقافية لحزب الله ـ بيروت، 1992م، ص2. 
2- الخمس: ضريبة تطال مداخيل الفرد في ما يزيد عن قوت السنة (مصروفه السنوي) وتدفع للمراجع الدينية للتصرف بها في موارد مقررة في الشريعة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

48

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الفصل الرابع: الفكر السياسي عند الإمام الخميني

 
في منهج التفكير السياسي:
 
إن الحديث عند نظريات التغيير والاصلاح في المجتمع الإنساني لا يختص بالمسلمين فقط بل هو حال النظريات والأفكار لدى مختلف المصلحين ودعاة التغيير في كل زمان ومكان. 
 
لكن الاختلافات بين هؤلاء تعود إلى المنطلقات الفكرية والعقائدية التي يستلهمون منها آراءهم ونظرياتهم. 
 
فقد يتفق الإمام الخميني مع العديد من المصلحين ودعاة التغيير الإسلاميين في الاستناد إلى الإسلام كفكر وعقيدة من حيث المبدأ والشعار وحتى في الخطوط العريضة التي تقول بضرورة تحكيم الإسلام في الحياة واتخاذه منهجاً للتغيير نحو الأفضل وحل المشكلات القائمة، انطلاقاً من إيمانه "بأن الإسلام هو الرسالة الوحيدة المؤهلة لهداية المجتمع والارتقاء بهو وإن العالم إذا أراد التخلص من آلاف المشاكل التي يواجهها اليوم وتوفير الحياة الإنسانية فإن عليه التوجه نحو الإسلام"1
 
 
 

1-الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص25. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

49

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 ولكن هذا الاتفاق لا يعني بالضرورة تطابقاً مع الآخرين في طريقة التفكير ومنهجية العمل وأساليبه للوصول إلى تحقيق هذا الهدف. 

 
من هنا نجد التمايز بين المصلحين وقادة التغيير الإسلاميين في الخطوط التفصيلية والطروحات العلمية والخطاب التغييري، ولعل هذا ما يفسر نجاح البعض واخفاق البعض الآخر، واقتراب البعض في خطابهم من هموم الناس والأمم وآمالهم ومحاكاتهم بلغة تجعلهم أكثر قدرة على الاستقطاب وقيادة المجتمع نحو التغيير، بخلاف الذين اختاروا الأساليب والخطاب غير الملامس بشكل مباشر لتلك الهموم والآلام فبقوا في دائرة التنظير النخبوي وكان الاخفاق نصيبهم في محاولاتهم التغييرية وإن تركوا في الأمة أثراً نسبياً على المدى البعيد، أو خلقوا ورائهم مجموعة من الأفكار والنظريات التغييرية. 
 
ولعل ما يميز به الإمام الخميني عن غيره من المصلحين ودعاة التغيير الإسلاميين هو منهجه في التفكير السياسي الذي يستند إلى مجموعة من مرتكزات أبرزها: 
 
أولا: حاكمية القانون الإلهي: 
 
انطلاقاً من اعتباره أن "العقيدة الإسلامية هي عقيدة صياغة الإنسان"1، فبالتالي ليس من حاجة إلى مرجعية عقيدية أخرى في تكوين منهجية التفكير عند الإنسان، لاسيما " وإن لدى الإسلام كل شيء لهذا الإنسان أي انه لديه أطروحة متكاملة في كل مراتبه بدءً من مرتبة الطبيعة والى ما وراء الطبيعة، بل وحتى عالم الألوهية"2
 
 
 

1-الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر ساقق، ص23. 
2-المصدر نفسه، ص24. 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

50

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 هذه الشمولية التي يجدها الإمام في الإسلام تدفعه إلى اعتبار أن "قوانين الإسلام جامعة وشاملة إلى درجة تجعل من يطلع عليها يعترف أنها تفوق حدود الفكر البشري ولا يمكن أن تكون نتائج القدرة العلمية والفكرية للإنسان"4

 
ولأنها قوانين جامعة وشاملة وإلهية في الوقت نفسه فإنه "ليس في الإسلام حاكمية سوى لقانون واحد هو القانون الإلهي"2. وهذا ما يحسم في منهجية التفكير السياسي عند الإمام "الحاكمية" التي يعيدها للقانون الإلهي أو "النص المقدس" المتمثل بالقرآن الكريم، ومن هنا نجده ينظر إلى ولاية الحاكم الإسلامي (في نظرية ولاية الفقيه) باعتبار ولايته امتداد لولاية الإمام المعصوم والنبي المرسل المعتمدة إلى ولاية الله  ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ...﴾3
 
ثانياً: مبدأ أداء التكليف الشرعي
 
ينطلق الإمام في حركته التغييرية بدءاً من النوعية والتبليغ مروراً بالخطاب السياسي الاستنهاضي للأمة وصولاً إلى الثورة الدموية وإقامة الحكومة الإسلامية، من مبدأ أن الإنسان مأمور إلهياً ببذل الجهد الممكن والمستطاع في إحقاق الحق ومحاربة الباطل في كل المراتب والمستويات وهذا الأمر هو تكليف الهي لكل إنسان بحسب قدرته وامكاناته دون النظر إلى تحقيق النتائج، أو الخوف من الخسارة وهو يجسد بذلك أعلى مراتب الالتزام الشرعي الإلهي من جهة وأعلى مراتب التوكل على الله من جهة أخرى، معتبراً أننا "مأمورون بأداء التكليف والواجب ولسنا مأمورين
 
 
 

1-المصدر نفسه، ص25. 
2-نفس المصدر. 
3-المائدة55. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

51

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 بتحقيق النتائج، وإذا عملنا بالتكليف الذي عينه الله سبحانه وتعالى لنا فلن نخاف حينها من تعرضنا للهزيمة"1. مضيفاً "لنؤدي واجبنا فقط فالله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلى وسعها"2، ولا يخفى ما لهذه الثقافة من اثر في توليد روحية المبادرة والاقتحام في ساحة الصراع عند المكلّف. 

 
ثالثا: الدور المركزي للأمة (الشعب): 
 
بعد تحديد الاطروحة الفكرية في عمله السياسي والمحافز للعمل التغييري عبر أداء التكليف الشرعي، يرى الإمام أن الدور الرئيسي في التغيير يكمن في تحرك الناس معتبراً أن " كل القوى تعجز عن الصمود أمام قدرة الشعب العظيمة وعندما يريد الشعب شيئاً فلن يتمكن أحد من معارضته، وأن علينا أن نتيقن بأن الشعوب إذا أرادت أمراً ما فإنه سيتحقق"3
 
من هنا نلحظ أن المنهج السياسي الذي اعتمده الإمام الخميني في حركته ارتكز على اعتبار دور الأمة دوراً مركزياً وفاعلاً أساسياً في حركة النهضة وإحداث التغيير السياسي المنشود. 
 
وبذلك نكون لامسنا المرتكزات الأساسية لمنهج الفكر السياسي عن الإمام والذي يرمي بضلاله على كل الموضوعات التي عالجها الإمام في خطاباته وكتاباته السياسية. 
 
وسنرى في الصفحات القادمة كيف تجسد هذا المنهج في التفكير السياسي للإمام الخميني من خلال رؤيته لكل من موضوعات الفكر وقضايا الحياة. 
 
 
 
 

1-الإمام الخميني ـ الكلمات القصار، مصدر سابق، ص59. 
2-المصدر نفسه
3-المصدر نفسه. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

52

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 رابعاً: وحدة وتكامل النظرة إلى الشريعة: 


وتبقى الإشارة إلى ميزة هامة وهي اهتمامه في كل الجوانب الشريعة فيما يمكن أن نسميه وحدة وتكامل النظرة إلى الشريعة، وقد امتاز منهج الإمام عن العديد من المناهج الأخرى بأنه اهتم بكل جوانب الشريعة، ولم يرجع اهتمامه في جانب على حساب الآخر، فلم يهمل العبادات (الجوانب الروحية والدينية والتربوية الفردية) لمصلحة المعاملات (الجوانب الاجتماعية والسياسية).. . الخ) ولا العكس أيضاً. 

فيما نجد أن بعض الحركات الإسلامية طغى عليها اهتمام بالفكر السياسي الإسلامي والمنهج العقلي في التعامل مع المفاهيم والحقائق في حين ضمرت لدى هذه الحركات روح التدين والعبادة فاهتمت في السعي لتحكيم الإسلام في الدولة والمجتمع عبر السعي لاستلام السلطة والامساك بمفاصل القوة في الدولة، ظناً منها أن هذا هو الطريق الأقصر والأنجح لنشر الإسلام وتعاليمه، وخلق المجتمع الإسلامي الذي يمارس الإسلام عقيدة وعملاً. 

وهؤلاء تحركوا في المجال السياسي من إعطاء اهتمام يذكر للتعبئة الروحية في تكوين الشخصية الإسلامية بينما ذهب البعض الآخر من التيارات والحركات الإسلامية باتجاه منحى الاهتمام بروح التدين والعبادة وتهذيب النفس، واهتم بالتالي بنشر الدعوة في أوساط المجتمع عبر إثارة الاهتمام بتلاوة القرآن وكتب الحديث في حين ضمرت لدى هذه الحركات الاهتمامات بالوعي السياسي والمفاهيم العقلية والعمل لتغيير الواقع، لمصلحة تحكيم الإسلام في الحياة الاجتماعية العامة. 

ولم يقتصر تأثير كلا التيارين على العاملين والمنخرطين في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

53

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 صفوفهما وأنصارهما، بل كاد المسلمون عموماً يتوزعون في النزعة إلى أحد هذين التيارين، عن قصد أو من غير قصد. 

 
بينما نجد أن الإمام كان شمولياً في هذا الجانب وذاك، ووازن بين العمل الدعوي والتربية الروحية والعبادية من جهة وبين العمل السياسي والسعي للثورة والوصول إلى النظام والسلطة لتحكيم الإسلام في الجوانب الاجتماعية والسياسية للمجتمع من جهة أخرى ولعله كان أكثر استيعاباً ووعياً لحركة الإسلام الشمولية التي لا تهمل أي جانب من جوانب الحياة في منهجها التوحيدي، بل لعله كان يرى أن الخلل الذي تعاني منه الأمة الإسلامية يكمن في تغليب الاهتمام بجانب دون الآخر، أو التركيز على جانب حساب الآخر عند من سبقه من المجددين والمصلحين الإسلاميين، فتراه يرسم منهج التوازن الذي لا تنفصل فيه حركة الدعوة الروحية العبادية عن حركة الاستنهاض السياسية، فيقول لطلابه فيا لحوزة" علينا من الآن أن نسعى لوضع الحجر الأساس للدولة الإسلامية الشرعية، فندعو ونثبت الأفكار، ونصدر تعليماتنا ونكسب المساندين والمؤيدين للجماهير، ليحصل رد فعل جماعي تكون على اثره جموع المسلمين الواعية المتمسكة بدينها على أتم الاستعداد للنهوض بأعباء تشكيل الحكومة الإسلامية، وعلى الفقهاء بيان المسائل والأحكام والأنظمة الإسلامية وتقريبها إلى الناس من أجل إيجاد تربة صالحة تعيش على سطحها النظم والقوانين الإسلامية"1
 
وقبل أن نلج إلى استعراض قضايا وموضوعات الفكر السياسي
 
 
 
 

1-الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى، طهران ـ 1980م. ص120. 

 
 
 
 
 
 
 
 
61

54

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 عند الإمام لابد لنا من الإشارة إلى أحد أساليب التجديد في الفكر السياسي لديه، هو في اعتماده منهج الثقافة الشعبية والخطاب الجماهيري في إيصال الفكر السياسي إلى الناس، بعيداً عن التنظير الفكري أو مخاطبة النخبة فقط بمصطلحات نخبوية. 


فمن يقرأ الأمام في تراثه المكتوب لا يجد أثراً للتنظيرات الفكرية التي اعتدنا أن نجدها عند غيره من المفكرين وأصحاب المشاريع النهضوية أو التجديدية بل نجد كماً هائلاً من الخطب والبيانات والدروس كتبت أو ألقيت في مناسبات عديدة منذ البدايات الأولى لتحركه في الأوساط الدينية (الحوزوية) والشعبية، وكلها تتضمن آراءه ومواقفه من القضايا الفكرية والسياسية وحتى معالجة طريقة ومنهج التفكير عند الإنسان ولكنها تعتمد اللغة البسيطة وغير المعقدة التي لا تحمل المصطلحات الغربية عن ثقافة عامة الناس، فهي تخاطب الناس بلغتهم وتستخدم المصطلحات القرآنية بشكل كثيف ولعل هذا المنهج التجديدي عند الإمام في رح الفكر السياسي الإسلامي كان له أثره الايجابي في تعميق حركة التواصل بين الإمام وفئات المجتمع الإيراني كافة، بل والإسلامي عامة. 

ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الأمر لا يعني أن الإمام لم يكتب بلغة النخبة، فمعظم كتاباته في مجالات العرفان وأصول الفقه والفلسفة لا يرقى إليها إلا أصحاب الثقافة والمعرفة العالية، فقد كتب الإمام في هذه الموضوعات العلمية التي يدرسها الطلبة والباحثون المتخصصين بلغة غير مبسطة تقتضيها تناول هذه الموضوعات المتخصصة. وهو عندما يعتمد هذا المنهج في طرح فكره السياسي، فهو ينطلق من كون الفكر السياسي هو طريقة فهم الناس لما يجري حولهم، ووعي الناس
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

55

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 لقضاياهم في الحياة ولذلك فلا بد لتكوّن هذا الفهم وإدراك ذاك الوعي من أن يتم الخطاب بلغة الناس، وان يكون الخطاب منسجماً مع أوليات العقيدة الإسلامية التي يؤمن بها الناس، لا ان يمارس الخطاب معهم نوعاً من الإسقاط لمفاهيم ومصطلحات غريبة عنهم أو ليست من ثقافتهم، وباعتبار أن السياسة في فهم الإمام هي "المنظم للعلاقة بين الحاكم والشعب ونمط الروابط بين الحاكم وسائر الحكومات الأخرى، ومن ضمنها مكافحة الفساد، وكل هذه القضايا تندرج في إطار السياسة، وأن أحكام الإسلام السياسية أكثر من أحكامه العبادية"1.، فلابد للغة السياسة من أن تكون منسجمة مع الموضوع المتعلق بها، وهو في أحد أطرافه الأساسية يخص عامة الناس. 

 
ابرز موضوعات التجديد في الفكر السياسي عند الإمام الخميني
 
يرتكز الفكر السياسي للإمام على أساس أن الإسلام دين الحياة بكل تفاصيلها، وهو طرح شامل لجميع شؤون وقضايا الحياة والمجتمع، وأن الفقه الإسلامي نظرية واقعية متكاملة لإدارة الإنسان والمجتمع من المهد إلى اللحد. وإن الحكومة (في نظر المجتهد الواقعي) هي تجسيد للفلسفة العلمية لتمام الفقه في جميع جوانب الحياة، والحكومة هي انعكاس البعد العملي للفقه في تعامله مع جميع المعضلات الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية، وأن الهدف الأساسي هو كيف نبغي تطبيق الأصول الثابتة للفقه في عمل الفرد والمجتمع ونتمكن من الحصول على جواب للمعضلات؟ "2
 
 
 

1-الإمام الخميني، حديث الشمس، منظمة الاعلام الإسلامي، ط1، طهران، 1992، ص17. 
2-الإمام الخميني، الخطاب التاريخي الموجه إلى العلماء والحوزات 15، رجب 1409ه ـ . اصدار مجلة بقية الله، بيروت 1990م. 

 
 
 
 
 
 
 
 
63

56

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 فالحكومة التي هي السلطة التنفيذية في الدولة تمثل ضرورة فقهية عند الإمام لتجسيد البعد العملي للفقه الإسلامي، وهو يستند في طرحه إلى محاكاة الأنبياء الذي بعثوا بالكتب السماوية لإقامة حكم الله في الأرض، ولتنظيم وهداية الإنسان إلى ما فيه خيره وصلاحه في الدنيا والآخرة، ولم تقتصر دعوتهم على الجانب التبليغي النظري، بل هم سعوا لامتلاك الأداة التنفيذية لتطبيق النظرية التي جاءت بها الشريعة، فإذا كانت الكتب السماوية متضمنة لمجموعة من القوانين النظرية لإدارة المجتمع والحياة، "فمجموعة القوانين لا تكفي لإصلاح المجتمع، ولكي يكون القانون مادة لإصلاح وإسعاد البشرية، فإنه يحتاج إلى السلطة التنفيذية، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يترأس جميع أجهزة التنفيذ في إدارة المجتمع الإسلامي، إضافة إلى مهام التبيلغ وبيان تفصيل الأحكام والأنظمة، وكان قد اهتم بتنفيذها حتى أخرج دولة الإسلام إلى حيز الوجود"1

 
هكذا يرى الإمام الإسلام انه دين ودولة متلازمان، فقه يبين التفاصيل النظرية للأحكام والقوانين، وسلطة تنفيذية لتطبيق تلك الأنظمة والأحكام والقوانين النظرية. من هنا فلابد من استعراض ابرز الموضوعات التي جسدت الفكر السياسي للإمام الخميني وهي: 
 
1 ـ وحدة الدين والسياسة: 
 
يرى الإمام أن المشكلة المنهجية الأساسية التي يعاني منها المسلمون في تفكيرهم السياسي تكمن في تسرب مفهوم فصل الدين عن
 
 
 

1-الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، مصدر سابق، ص23. 

 
 
 
 
 
 
 
 
64

57

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 السياسة إلى أذهان المسلمين وعلمائهم، من هنا فإن عدم الفصل بين الدين والسياسة يشكل أحد الأسس الثابتة في أفكار الإمام الخميني، وهو يرى في الدين المفصول عن السياسة "ديناً أمريكياً" "فالدين الذي يصبح وسيلة لسلب القوى المادية والمعنوية للبلدان الإسلامية وغير الإسلامية ويضعها تحت تصرف القوى الكبرى وباقي القوى العالمية وينادي بفصل الدين عن السياسة، هو افيون المجتمع ولكن مثل هذا الدين ليس ديناً واقعياً بل هو دين يسميه شعبنا ديناً أمريكياً"1

 
لقد تناول الإمام الخميني معالجة هذه الإشكالية منذ انطلاقة حركته الأولى في الحوزة، وفي دروسه الدينية التي ألقاها على طلابه ومريده، واستمر في الإشارة إليها والتركيز عليها في جميع خطبه ودروسه ومحاضراته وكتاباته حتى في وصيته التي فتحت بعد ارتحاله والتي حملت عنوان (الوصية السياسية الإلهية) فقد ضمّنها الإمام فقرات كاملة في هذا الموضوع، فهو يرفض الإدعاء بأن الإسلام لا يستطيع أن يجيب عن كل متطلبات الحياة وساحاتها المتعددة، ويؤكد أن الدين الإسلامي والشرع الحنيف يحوي قوانين لتنظيم جميع شؤون الحياة، و"أحكام الشرع تحوي قوانين متنوعة لنظام اجتماعي متكامل، وتحت هذا النظام تنسد جميع حاجات الإنسان، بدءاً من علاقات الجوار وعلاقات الأولاد والعشيرة وأبناء الوطن وجميع جوانب الحياة العائلية الزوجية، وانتهاءاً بالتشريعات التي تخص الحرب والسلم والعلاقات الدولية والقوانين الجزائية والحقوق التجارية والصناعية والزراعية.. في جميع هذا يملك الإسلام قوانين وأنظمة من اجل تربية
 
 
 

1-الإمام الخميني، مقطع من رسالته إلى غورباتشوف، 1990. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

58

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 إنسان متكامل وفاضل يجسد القانون ويحييه وينقذه ويعمل ذاتياً لأجله، ومعلوم إلى أي حد اهتم الإسلام بالعلاقات السياسية والاقتصادية للمجتمع، سعياً وراء إيجاد إنسان مهذب وفاضل"1

 
كما انه يستدل على ضرورة قيام الحكومة الإسلامية بوجود مثل هذه الأنظمة والقوانين التي لا سبيل إلى تطبيقها إلا بوجود سلطة تنفيذية، "وعند إمعان النظر في ماهية أحكام الشرع، يثبت لدينا أن لا سبيل إلى وضعها موضع التنفيذ إلا بواسطة حكومة ذات أجهزة مقتدرة"2. ثم يعدد أمثلة تفصيلية لهذه الأحكام، كالأحكام المالية وأحكام الدفاع والحدود والقصاص وغيرها. 
 
ومن الواضح أن ما يريده الإمام من عدم الفصل بين الدين والسياسة ومن تأكيد شمولية الإسلام لجميع شؤون وقضايا الحياة والمجتمع، هو عودة الإسلام للحياة ولأخذ دوره في إدارة المجتمع كما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء، "ففي عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل كان الدين بمعزل عن السياسة؟ وفي زمن الخلفاء وفي زمن علي عليه السلام هل فصلت السياسة عن الدين؟ هل كان يوجد جهاز للدين وجهاز آخر للسياسة؟ "3
 
ومن المعلوم أن الإمام كان يطرح هذه التساؤلات الاستنكارية ويجيب عنها في دروسه الحوزوية في النجف الاشرف على طلابه أي في الأعوام (1956 ـ 1987)، وكان يرى أن عودة الإسلام إلى الحياة
 
 
 

1-الإمام الخميني ـ الحكومة الإسلامية ـ مصدر سابق، ص20. 
2-المصدر نفسه، ص28. 
3-الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، مصدر سابق، ص30. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

59

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 في المجتمعات الإسلامية تحتاج إلى وقت ولن يكون الأمر سريعاً، ولكنه يطلب إلى تلامذته أن يبدؤوا بالتعرف على الإسلام الشمولي، وأن ينشروا بين الناس هذا المفهوم الصحيح عن الإسلام. 

 
"إن على من يريد معرفة الإسلام أن يعرفه بهذا الكل، فيعمل بالآيات والأحكام الواردة بشأن النواحي المعنوية، ويعمل كذلك بالآيات والأحكام التي جاءت لتنظيم أمور المجتمع وتدبير شؤونه السياسية والحكومية"1
 
وهذا ما حث عليه القرآن عندما حذر من أتباع جانب من جوانب الشرع وترك جوانب أخرى في الآية القرآنية  ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾2 وهي نزلت بقوم خالفوا بعض أحكام الشرع في ما يخص الأسرى وطريقة التعامل معهم. 
 
وإذا كان هذا المفهوم للدين قد غاب عن المسلمين أو جلهم لعصور وفترات زمنية طويلة بفعل الثقافة الاستعمارية، فإن عودته قد تحتاج إلى وقت طويل أيضاً، لذا نجد أن الإمام يلحظ ذلك ولكنه يحث طلابه على الانطلاق من الصفر لنشر هذا المفهوم وإعادته إلى أذهان الناس ورفع الالتباس القائم. 
 
"فالمستعمرون قبل أكثر من ثلاثة قرون أعدوا أنفسهم وبدأوا من نقطة الصفر، فنالوا ما أرادوا، لنبدأ نحن الآن من الصفر، لا تمكنوا الغربيين وأتباعهم من أنفسكم، عرّفوا الناس بحقيقة الإسلام، كي لا
 
 
 

1-الإمام الخميني، حديث الشمس، (مصدر سابق) ص23. 
2- البقرة، 85. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

60

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 يظن جيل الشباب أن أهل العلم في زوايا النجف وقم يرون فصل الدين عن السياسة، وإنهم لا يمارسون سوى دراسة الحيض والنفاس ولا شأن لهم بالسياسة"1

 
ونلحظ هنا تركيزه على عنصر الشباب باعتبار انه الفئة المتعلمة والمثقفة التي قد تكون أكثر عرضة للغزو من قبل الثقافة الغربية تحت لافتة التقدم والتطور، ولكي " لا يظن أن قصورنا عن ذلك إنما يعود إلى ديننا، وان لا سبيل إلى مثل هذا التقدم إلا في اعتزال الدين وقوانينه.. وعلى هذا فلا ينبغي لنا بمجرد أن نرى أحداً يذهب إلى القمر أو يصنع شيئاً نطرح ديننا وقوانيننا التي تتصل اتصالاً مباشراً بحياة الإنسان وتحمل نواة إصلاح البشر وإسعادهم في الدنيا والآخرة"2
 
وهو لا ينسى أن يحمّل عوامل الضعف الداخلية شراكة المسؤولية هي ترسيخ مفهوم الفصل بين الدين والسياسة في مجتمعنا "فهذه مخططات الاستعمار التخريبية، وإذا أضفنا إليها عوامل الضعف الداخلية لدى بعض أفرادنا، نتج عن ذلك أن هذا البعض اخذ يتضاءل ويحتقر نفسه في مقابل التقدم المادي لدى الأعداء"3. وبدل أن يكون العلاج في العودة إلى الدين والى منابعه الأصلية وتعاليمه، لما لجاً هذا البعض إلى تحميل الدين مسؤولية التخلف وعدم مواكبة التطور والتقدم. 
 
2- دور العلماء والحوزات في قيادة المجتمع
 
إن لموقعية الفقيه عند المسلمين الشيعة اثر أكبر في المجتمع والرأي العام من موقعيته عند المذاهب الإسلامية الأخرى، ويعود ذلك لأنه
 
 
 

1-الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، مصدر سابق، ص17 ـ 20 ـ 21. 
2-نفس المصدر. 
3-نفس المصدر. 

 
 
 
 
 
 
 
 
28

61

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 مثل عندهم القيادة الفعلية على مستوى إيصال الأحكام الشرعية وتعليمها، وباعتباره، على ضوء نظرية ولاية الفقيه 1، هو المتصدي لإدارة شؤون الأمة والقيادة السياسية، وهذا ما لا تلحظه الحركات الإسلامية على ساحة المسلمين السنة، لأن دور العالم بعد إغلاق باب الاجتهاد بات ثانوياً ما دام باستطاعة الفرد أن يحصّل الحكم الشرعي من الكتب الفقهية المقررة للمذاهب بعد وقوع العالم الإسلامي تحت سيطرة القوى الكبرى أصبحت المعاهد الرعية والحوزات العلمية هدفاً للاستعمار الذي جهد من أجل الإمساك بها وإخضاعها لتوجهاته أو خنق صوتها المعارض له، واستمر الأمر ذاته مع الدول والحكومات بعد استقلالها، لأنها أخذت بالنظم العلمانية الغربية في إدارتها السياسية وفي إبعاد أو تدجين الدين، من هنا كان الفرز الذي نراه اليوم بين مدارس مرتبطة بوزارة الأوقاف والتربية ومديرياتها، مثل الجامع الأزهر وجامعة القرويين، ومدارس ليس لها ارتباط بأجهزة الدولة مثل النجف وقم على سبيل المثال، فإن الإمام الخميني تصدى لإحدى محاولات شاه إيران في إخضاع الحوزات العلمية لسلطة الدولة، وذلك عندما قرر إنشاء جامعة إسلامية يتخرج منها أئمة المساجد وخطباؤها، فأصدر الإمام الذي كان في المنفى (النجف) فتوى تحريم الانتساب إليها واعتبرها خطوة ماكرة (كرفع المصاحف في يوم صفين) فهم يقصدون بتنفيذها تحطيم المعاقل المعادية للاستعمار

 
 
 

1-ولاية الفقيه، نظرية إسلامية تقوم على توسيع دائرة الولاية للمجتهد الفقيه إلى خارج ما تعارف عليه أكثر العلماء والمجتهدين (بالولاية على الفروج والأموال والايتام) لتشمل الولاية العامة على جميع شؤون المسلمين في المجالات كافة وهي زمن الغيبة، فيغدو للمجتهد الفقيه نفس صلاحيات الإمام المعصوم في غيابه. راجع جعفر مرتضى العاملي، ولاية الفقيه، بحث فقهي استدلالي، 1403ه ـ . ق، قم. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

62

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 وتبديلها بجهات تخدم الاستعمار والصهيونية، وبكلمة موجزة: إحلال عملائهم محل العلماء وتنحية الخطباء الشرفاء وتنصيب العمائم المرتزقين ورجال مخابراتهم الفاسدين على منابر الإسلام ومنبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم 1". وبغرم كل التاريخ الذي ذكرناه للعلماء والحوزات عند الشيعة، ودورها الريادي في حفظ الشريعة وتطوير مناهج الفقه وتبويبه والتصدي لبعض التحديات في الساحة الاجتماعية والسياسية، إلا أن الحوزات كانت تشكو من العديد من الثغرات التي تركت بصماتها على الحوزة وبعض علمائها، حتى تغلغلت إلى المفاهيم وخلقت جموداً وحجباً في زاوية الواقع السياسي والاجتماعي عند الكثير من علمائها، ويلخصها الإمام بالتالي: 

 
1- تغليب الاهتمام في البحوث الفقهية على الأحكام الفردية والعبادية دون الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والسياسية في الفقه ولعل هذا الأمر كان بسبب ابتعاد العلماء والحوزات وإقصائهم عن مراكز السلطة والقرار من جهة أخرى، بالإضافة إلى وجود العديد من الطلبة والعلماء الذين يحملون مفاهيم تقليدية حول دور العلماء والحوزات في اقتصاره على الجوانب التبليغية والروحية والتدين الفردي، وتستند تلك المفاهيم التقليدية إلى رؤية فقهية تقول بعدم شرعية أي دولة أو سلطة في زمان الغيبة (وهو ما يصطلح عليه بالانتظار السلبي للظهور)، وقد ترك هذا الأمر عند الإمام حرقة ولوعة، فهو ينعت هذا الصنف منهم "بالمتحجرين" ويعتبر "أن حجم المرارة والأسى الذي تجرعه أبوكم العجوز من هؤلاء المتحجرين لم
 
 
 

1-الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرفض، مصدر سابق، ص170. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

63

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

  يتلقَ مثله من ضغط وقساوة الآخرين، ولذلك عندما رفع شعار فصل الدين عن السياسة وأصبح الفقه في منطق الجهلة هو الاستغراق في الأحكام الفردية والعبادية، ولم يكن يسمح للفقيه بأن يخرج عن هذا الإطار ويتدخل في السياسة وشؤون الحكم، فيما أصبح تعلم اللغات الاجنبية كفراً، وتعلم الفلسفة والعرفان ذنباً وشركاً، ولا شك في انه استمر هذا التيار لأصبح وضع العلماء والحوزات كوضع كنائس القرون الوسطى"1. ولعل هذا الأمر كان الأخطر من بين المشكلات التي تعاني منها الحوزة والعلماء والتي واجهها الإمام بقوة وعمل على تغييرها، وبذل جهوداً حثيثة لإعادة الدور الريادي للعلماء والحوزات في المجتمع الشيعي، لاسيما في إيران. 

 
2- لقد اعتادت الحوزة على حالة من اللانظام في سير الحركة العلمية فيها، حيث لا يخضع الطلبة الدارسون لامتحانات أو ضوابط علمية أخرى، والأمر متروك في هذا المجال إلى الحدود العرفية والأخلاقية، فلا ضوابط لطريقة قبول الطالب سوى أن يجد ممن سبقه إلى الحوزة من هو مستعد لتدريسه، ولا ضوابط في لبس الزي الديني ولا في ترك الدراسة أو حمل بعض الألقاب العلمية سوى ما يمكن أن يصدر عن العُرف والوسط والبيئة والمحيط السائد في الحوزة ويعبر الإمام عن هذا بقوله " ولعل أطروحة (النظام في عدم الانتظام) هي من الإلقاءات المشؤومة لهؤلاء المخططين والمتآمرين"2
 
3- وجود أجواء التفرقة والخلاف بين تيارات الحوزة حتى بين أصحاب الروح الثورية فضلاً عن التقليديين، وهذا ما أدى دوماً إلى
 
 
 
 

1-الإمام الخميني، صحيفة نور مصدر سابق، ص37. 
2-الإمام الخميني، البيان التاريخي الموجه إلى العلماء والحوزات، مصدر سابق. 


 
 
 
 
 
 
 
 
71

64

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

تشرذم وتشتت الجهود في القضايا الأساسية وفي الاستحقاقات الكبرى، برغم أن معظم الاختلافات تستند إلى مسائل تفصيلية وغير أساسية، لذا نجد الإمام يركز كثيراً على ضرورة الوحدة بين الطلبة والعلماء الثوريين، ويعتبر أن من "أولى الوظائف الشرعية والإلهية، المحافظة على اتحاد ووحدة الطلبة والعلماء الثوريين والا فإن الليل المظلم ينتظرنا وأمواج الفتن والبلايا أمامنا، ولا يوجد اليوم أي مبرر شرعي أو عقلي لأن يكون الاختلاف في الأذواق والأفكار وحتى ضعف الإرادة سبباً لزوال الألفة ووحدة الطلبة والعلماء الملتزمين"1

 
من خلال تشخيص الإمام للثغرات التي تعاني منها الحوزة وعلماؤها، دخل الإمام بفكره ليصنع ما أفسده الدهر في ما يفترض أن يكون القلعة الحصينة للإسلام وكان لزاماً أن يبدأ في إصلاح النمط السائد في التفكير لدى العلماء والطلبة حول دورهم في الحوزات والمجتمع، ولكنه لم يتعاط بطريقة انقلابية يرفض فيها كل ما هو سائد أو موجود، بل سعى أولا إلى الحفاظ على المرجعية في العديد من القضايا، فهو حين يتعامل مع مفردات الواقع يتعامل معها بموضوعية كاملة ويتفهم للجوانب السلبية والايجابية في هذه المفردات فهو لا يدعو مثلاً إلى إنشاء مؤسسة دينية جديدة منزهة عن العيوب بل يطالب هذه المؤسسة القائمة والموجودة بالفعل بتصحيح الخلل الموجود فيها، والذي يمكن إصلاحه، بدليل وجود الكثير من العلماء الذين اهتدوا إلى الأفق الصحيح وسلكوه معه، فحمل الإمام لواء الدفاع عن
 
 
 

1-الإمام الخميني، البيان التاريخي الموجه إلى العلماء والحوزات، مصدر سابق. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

65

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الحوزات وتاريخها، وحاول أن يُظهر دوماً أن هناك محطات مضيئة في هذا التاريخ يجب التركيز عليها والاستفادة منها ومن تجاربها، ولكنه في الوقت نفسه، يصنف نوعاً من العلماء ويصنفهم بالمتحجرين ويحذر الطلبة منهم، فهو يقول "لا شك في أن الحوزات العلمية والعلماء الملتزمين كانوا على طول تاريخ الإسلام والتشيع أهم قاعدة ثابتة للإسلام ضد الهجمات والانحرافات، وقد سعى علماء الإسلام العظام طيلة أعمارهم لترويج أحكام الحلال والحرام الإلهية من دون تحريف أو تصرف وبحمد الله فإن الحوزات العلمية غنية ومتجددة بلحاظ منابع وطرق البحث العلمي والاجتهاد، ولا أعتقد أن هناك أسلوباً أنسب من أسلوب العلماء السالفين لدراسة العلوم الإسلامية دراسة عميقة وشاملة، ويشهد تاريخ أكثر من ألف عام تحقيق علماء الإسلام الصادقين ومتابعاتهم على ادعائنا في إنماء بذرة الإسلام المقدسة وجعلها شجرة مثمرة، ويضيف الإمام: " أي عزة أعظم من أن يتمكن العلماء مع ضحالة إمكانياتهم من أن يجعلوا من الفكر الإسلامي الخاص تياراً في ساحة الفكر والثقافة الإسلامية، وبهذا أزهرت بذرة الفقه المقدسة في روضة الحياة المعنوية لآلاف العلماء المحققين" ولكنه يستدرك، ولا يعني هذا إننا ندافع عن جميع العلماء، إذ إن علماء البلاط المزيفين والمتحجرين ليسوا قلة، ولن يكونوا قليلين، وفي الحوزات العلمية أشخاص يعلمون ضد الثورة وضد الإسلام المحمدي الأصيل، وبعضهم اليوم عبر التظاهر بالقداسة يعمل على اجتثاث جذور الدين، وكأنه لا مهمة له غير ذلك"1

 
 

1-الإمام الخميني، الخطاب التاريخي الموجه إلى الحوزات والعلماء مصدر سابق. ص6 ـ 7. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73
 

66

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 ويؤكد الإمام أن دور الفقهاء هو قيادة المجتمع ليس فقط في تبيان أحكام الشريعة بل أيضاً في مجالات الجهاد والحرب والسياسة، وبهذا يحدد الدور الشمولي للفقهاء: "إن تحديد واجبات الفقهاء وعلماء الدين بمراسم العبادات وبيان أحكامها وشرائطها من طهارة ونجاسة ودعاء ومناجاة فحسب هو من مخلفات سموم المستعمرين أعداء الإسلام إن أول واجبات الفقيه العارف بأحكام الشريعة الإسلامية هو النهضة والقيادة من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض والجهاد المستمر لتطهير أرض الله من أعدائه في ميادين الجهاد المشرفة"1. وفي الوقت الذي يحدد فيه دور العلماء الشمولي في قيادة الأمة، فهو يحمّلهم مسؤولية توعية الجماهير وتحقيق النهضة العامة في المجتمع وإقامة الحكومة الإسلامية، فيقول: " على الفقهاء أن يفضحوا، بجهادهم وقيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حكام الجور ويزلزلوهم، ويسعوا في توعية الناس لكي تتحقق النهضة العامة للمسلمين الواعين، فتسقط الحكومات الجائرة وتقام الحكومة الإسلامية، و"إن على علماء الإسلام مسؤولية تنبيه المسلمين كلّما أحسوا بالخطر يهدد الإسلام والقرآن، حتى لا يكونوا مسؤولين أمام الله"2، كما يدعو الحوزات والعلماء إلى مواكبة تطور الحياة وتلبية متطلباتها عبر الإجابة عن كل المستجدات في المستقبل "فعلى الحوزات العلمية والعلماء أن يكون على إطلاع بنبض تفكير المجتمع واحتياجاته المستقبلية دوماً، وان يكونوا على أهبة الاستعداد قبل وقوع الحوادث على الدوام لاتخاذ الموقف المناسب عند وقوعها"3

 
 

1-الإمام الخميني، موقف الإمام الخميني تجاه إسرائيل دار التوجيه الإسلامي، الكويت. ص121. 
2-الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص259. 
3-المصدر نفسه، ص260. 

 
 
 
 
 
 
 
 
74

67

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 ولأجل الحفاظ على العلاقة الوطيدة بين الناس والعلماء، يوصي كلا منهما بالآخر، فهو يسعى لأن تبقى الحوزات والعلماء موضوع احترام لدى الناس، وفي الوقت نفسه يريد من العلماء والحوزات أن يتحلوا بمسلك الاستقامة والابتعاد عن كل ما يترك أثراً سلبياً في صورتهم عند الناس، فيخاطب الناس: "احترموا الحوزات العلمية، ولا تستمعوا لمن يريد أن يفصلكم عن الحوزات العلمية وعن مراجع الدين، فإن العلماء هم الذين حفظوا الإسلام في العصور السوداء، فدافعوا عن العلماء والحوزات العلمية في أي مكان واجعلوا التقوى نصب أعينكم"1

 
وبالمقابل يخاطب العلماء "إذا رأى الناس أن السادة العلماء قد غيروا أوضاعهم لا سمح الله فبنوا العمارات وأصبح لهم نشاط لا يتناسب مع شأن العلماء وفقدوا من قلوبهم ما يربطهم بالعلماء فإن ذلك يعد بذاته ضياعاً للإسلام والجمهورية الإسلامية، فليس هناك آفة أخطر على العلماء وعلى دنياهم وآخرتهم من توجههم نحو الشرف والانسياق وراء الدنيا"2
 
إن علاقة الثقة المتبادلة التي يريد الإمام أن تُبنى بين القيادة العلمانية والقاعدة الشعبية تقوم على أساس أن (العلماء هم ورثة الأنبياء) وهم رجال علم وتقوى، يزهدون في بساطة حياتهم ومتطلباتهم الخاصة، ويفنون عمرهم في عمل دائب ومخلص في سبيل أمتهم ودينهم، وإن تحليهم بفضائل الأخلاق والورع والتقوى هو السبب الذي يخوّلهم أن ينالوا تلك الثقة من القاعدة، فهم القدوة والمثل
 
 
 

1-الإمام الخميني، مختارات من أقوال الإمام، مصدر سابق، ص32. 
2-الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق ص262. 

 
 
 
 
 
 
 
 
75

68

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الأعلى، وعندما يرى الناس المثل الصالح يتجسد في العلماء، فحتماً سيلتقون حلوهم "إن ما ساعد في تنامي موقع العلماء وحفظ مقامهم إلى اليوم، إنما هو حياتهم البسيطة"1

 
منهج الفقه والاجتهاد عند الإمام
 
أما في ما يتعلق بالفقه والاجتهاد ومواصفات المجتهد، فإن للإمام رأياً في هذا المجال، يستند إلى احترام الطريقة التقليدية لأسلوب البحث والتحقيق المعتمد لدى كبار الفقهاء الشيعة أمثال الطوسي والمفيد والحلي والصدوق وغيرهم ممن تركوا بصمات واضحة في بلورة أساليب البحث الفقهي وأصوله، وقد اعتمدت الحوزات العلمية كتبهم في التدريس ففي هذا المجال يؤكد الإمام ضرورة المحافظة على طريقة السف من العلماء، بل يطلب " أن لا يسمح العلماء والمدرسون المحترمون بانحراف الدراسة في مجال الفقه والحوزات الفقهية والأصولية عن طريق المشايخ المعظمين، التي هي الطريق الوحيد لحفظ الإسلامي". ويحثهم على "زيادة نسبة التدقيقات والأبحاث والنظريات والابتكارات والتحقيقات كل يوم وليحرصوا على الفقه التقليدي الذي هو إرث السلف الصالح لأن الانحراف عن إضعاف لأركان التحقيق والتدقيق"2
 
ولكنه في الوقت نفسه يستدرك أن "هذا لا يعني أن فقه الإسلام ليس فقهاً متحركاً، إن الزمان والمكان عنصران أساسيان في الاجتهاد"3
 
 
 

1-الإمام الخميني، الكلمات القصار، ص263. 
2-الإمام الخميني، الوصية الخالدة، مكتب وكلاء الإمام الخميني، بيروت، ط1، 1990 ص48. 
3-الإمام الخميني، الخطاب التاريخي الموجه للعلماء والحوزات، مصدر سابق، ص30. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

69

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 وهنا يكمن أحد عناصر التميز عند الإمام في الموضوع الفقهي، حيث انه يريد صياغة الفقه صياغة تنسجم مع الواقع وهو يهتم بكيفية تطبيق الفقه أكثر من مسألة طريقة البحث والتدقيق في الاستنباط، ويعتبر أن ما هو مألوف في منهجية طرق الاستنباط جيد ولا جديد عليه، ولكنه يلفت إلى ضرورة النظر إلى عنصري المكان والزمان الذي استندت إليه الفتوى أو المصطلحات التي استخدمت في الفتوى، مثل أدوات القياس التي قد تختلف من زمن إلى زمن أو من بلد إلى بلد، وعلى سبيل المثال فإن "الرطل" لدى أهل مكة هو ضعف "الرطل" عند أهل العراق، وهذا الأمر يدخل في قياس كمية الماء "الكر" التي تعتمد في باب الطهارة في الفقه، أو كموضوع ملكية الأرض وشمول أو عدم شمول هذه الملكية الخاصة للأرض بواطن هذه الأرض وقضاءها الذي يصل إلى عنان السماء، حيث إن الإمام يعتبر أن الإكتشافات للنفط والمعادن وغيرها من بواطن الأرض تحتم إعادة النظر في حجم الملكية الفردية للأرض، ويرى عدم شمولها للبواطن المكتشفة في أعماقها، معتبراً أن هذه البواطن هي ملك عام للدولة، وليست ملكاً خاصاً لصاحب الأرض التي يكتشف فيها مثل هذه الكنوز أو المعادن، وهنا يتضح مقدار حضور الجانب السياسي والاجتماعي (أو منظومة الدولة) في ذهن الإمام الفقهي. 


وهنا لا بد من التوقف إن الجديد عن الإمام في الموضوع الفقهي هو الاهتمام في كيفية تطبيق الفقه، وهذا ما يمكن تسميته (الفقه التطبيقي) غير المنفصل عن إمكانية تنفيذه في هذا الواقع ومع الاحتفاظ بالأصول والمباديء الأساسية وحتى بطرق التحقيق والبحث المعتبرة عند السلف، لابد من لحظ مستجدات الواقع التي تحتم إعادة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

70

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 النظر أحياناً في الفتوى، "فالمسألة التي كان لها حكم سابق يمكن أن تأخذ حكماً جديداً بسبب ما يتعلق بالعلاقات الحاكمة على سياسة واجتماع واقتصاد نظام ما، بمعنى انه من خلال المعرفة الدقيقة للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للموضوع الأول الذي لا يبدو في الظاهر مختلفاً عن السابق، ولكنه أصبح جديداً في الواقع، فلابد من انه يحتاج إلى حكم جديد.."1

 
إن لحركة التجديد الفقهي التي أرسى قواعدها الإمام الخميني في نظرته للفقه في الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، الأثر الأول في حركية الفقه الإسلامي وتحرره من النمط التقليدي الذي كان سائداً لدى من سبقه من الفقهاء، الذي غالباً ما كانوا يستغرقون في بحثهم الفقهي في جوانبه الفردية والعبادية، من دون أن يكون حاضراً في تفكيرهم وملحوظاً لديهم الجوانب العلمية في الفقه الاجتماعي والسياسي، فالفقه عند الإمام "نظرية واقعية متكاملة لإدارة المجتمع الإنساني من المهد إلى اللحد" الهدف الأساسي هو كيف ينبغي تطبيق الأصول الثابتة للفقه في عمل الفرد والمجتمع، ونتمكن من الحصول على جواب للمعضلات، لأن جلّ خوف الاستكبار يرجع إلى هذه المسألة وهي أن يمتد للاجتهاد بعد عيني وعملي، وان يخلق في المسلمين روج التعامل والحركة"2، والوصول إلى استحضار الجوانب السياسية والاجتماعية في ذهن المجتهد، فلابد من إعادة النظر أيضاً في مواصفات من يحمل هذا اللقب ويتحمل مسؤولية استنباط الأحكام من مصادرها المقررة في الشريعة. 
 
 
 

1-الإمام الخميني، الخطاب التاريخي الموجه للعلماء والحوزات، مصدر سابق، ص30. 
2-الإمام الخميني، الخطاب التاريخي الموجه للعلماء والحوزات، مصدر سابق، ص31. 

 
 
 
 
 
 
 
 
78

71

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 وبناءً على ذلك، فإن المجتهد في النظرة التجديدية للإمام يحتاج إلى "أن يكون محيطاً بأمور زمانه، وليس من المقبول للناس والشباب وحتى العوام أن يقول مرجعهم ومجتهدهم: إنني لا أعطي رأياً في الأمور السياسية، ومن خصائص المجتهد الجامع أن يكون محيطاً بِطرق مواجهة حيل وتزويرات الثقافة المهيمنة على العالم ومعرفة السياسات والسياسيين والقواعد التي يملونها، وإدراك نقاط الضعف والقوة في القطبين الرأسمالي والشيوعي وهو ما يرسم في الواقع استراتيجية حكم العالم كما ينبغي للمجتهد أن يتحلى بصفات النباهة والذكاء والفطنة وهو يمارس عملية قيادة المجتمع الإسلامي وحتى غير الإسلامي، فضلاً عن الإخلاص والتقوى والزهد التي هي من الشؤون الذاتية له، ينبغي أن يكون مديراً ومدبراً"1

 
هنا نرى أن الإمام ينظر إلى المجتهد المرجع نظرته إلى القائد السياسي والديني الذي لا تنفصل السياسة عنده عن الدين، بل هي ممزوجة فيه، وهو أكثر من رئيس لبلد أو لنظام في جغرافية محددة، بل إن قيادته يجب أن تكون مؤهلة لتتسع للمجتمع غير الإسلامي أيضاً، وفي هذا تأكيد أيضاً للبعد العالمي والكوني للإسلام وقيادته المفترضة، ونقرأ في المواصفات التي يحددها الإمام للمجتهد التحديات الحضارية مع القطبين الذين كانا يتقاسمان حكم العالم، وعليه أن يثبت قدرته في هذه المواجهة من خلال دراسة ومعرفة نقاط الضعف والقوة لدى كل منهما ولا ننسى هنا أن الصورة التي يستحضرها الإمام في ذهنه دوماً
 
 
 

1-المصدر نفسه، ص30. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

72

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 هي صورة الأنبياء والأئمة الذين انطلقوا بالرسالة إلى الناس كافة، وسيرتهم الحياتية التي مارسوا فيها دوراً قيادياً شاملاً على الأمة، وحاولوا أن يخضعوا العالم كله في الدعوة إلى الإسلام وحكمه وإذا كان ما يطرحه الإمام في هذه النظرة التجديدية للمجتهد حساساً وبالغ الأهمية أو مغايراً لما ورد عند أسلافه في صفات المجتهد، فإن هذا الأمر فتح الباب واسعاً أمام الفقهاء للحديث عن صحة هذا الاشتراط، وقد صار الموضوع مدار نقاش واسع في القاعات الحوزوية، التي رأت فيه صعوبة ناشئة من تاريخ طويل اغفل هذه النقطة وأسقطها من البحث، الأمر الذي جعل طرحها بل إحياءها محفوظاً بصعوبات وعلامات استفهام لابد من أن يأتي اليوم الذي تزول فيه، ويصبح الموضوع من البديهيات، لأن المراجع الذين عرفهم التاريخ في العصر لغيبة الإمام الصغرى كانوا متميزين بتوافر هذه الشرط، فضلاً عن أن تجربة الدولة الإسلامية في إيران خلال عقدين من الزمن ستعطي دفعاً علمياً لهذا الأمر، وستثبت الحاجة العملية المتنامية ضرورته، والإمام يعتبر هذا الأمر أساسيا في المعركة الحضارية للإسلام وفي دعوته إلى ساحة المواجهة في العالم، و"خلاصة القول هي انه ينبغي لنا أن نسعى لتحقيق الفقه العملي للإسلام من دون أن نلتفت إلى الغرب الماكر والشرق المعتدي والدبلوماسية الفارغة التي تحكم العالم، والا فما دام الفقه مخفياً في الكتب وفي صدور العلماء فلا ضرر يتوجه منه إلى الاستكبار وما دام العلماء لا يسجلون حضوراً فاعلاً في جميع القضايا والمشكلات، فلن يدركوا أن الاجتهاد المتعارف لا يكفي لإدارة المجتمع"1.

 
 
 

1-الإمام الخميني ـ الخطاب التاريخي الموجه إلى العلماء والحوزات، مصدر سابق، ص34. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

73

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 وينطلق الإمام ليدعوا الحوزات والعلماء إلى مواكبة العصر واحتياجاته التشريعية في القضايا المستجدة والمستحدثة، وفي استشعار ما يمكن أن يتطلبه المستقبل أيضاً. "فعلى الحوزات والعلماء أن يتحسسوا دائما نبضات أفكار المجتمع ويكونوا بمستوى احتياجاته المستقبلية، وأن يستبقوا الأحداث دائماً حتى يتمكنوا من الرد المناسب، فلربما تغيرت أساليب الإدارة الرائجة في السنوات القادمة واحتاجت المجتمعات البشرية في حل مشكلاتها إلى المسائل المستحدثة للإسلام"1

 
رفض التبعية: 
 
يجري التمييز عادة بين التبعية كعلاقة وبين التبعية كمجموعة من الأبنية، ويُقر أحد منظري التبعية (دوسانتوس) هذا التمييز ليقدم تعريفين للتبعية هما:
 
1- "التبعية هي الموقف الذي تكون فيه اقتصاديات مجموعة معينة من الدول مشروطة بنمو وتوسع اقتصاد آخر، تخضع له". 
 
2- "إن التبعية تتعلق بتكليف البناء الداخلي لمجتمع معين بحيث يُعاد تشكيله وفقاً للإمكانيات البنيوية لاقتصاديات قومية محددة"2
 
لا شك بأن الرؤية الإسلامية للتبعية تختلف عن ما ذكره دوسانتوس من تعريف اقتصادي أو بنيوي لها، وقد أشار الإمام في حديثه عن التبعية بأنها حالة شاملة في المجتمع تبدأ في شخصية الفرد ونفسيته ومنهج التفكير عنده وفقدان الثقة بنفسه وتتغلغل إلى بناء الاجتماعي في التشكل العلاقاتي والمسلكي والأخلاقي وترتقي إلى الثقافة والفكر
 
 
 

1-المصدر نفسه، ص34. 
2-د. أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث، القاهرة، ص59، 66. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

74

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 ثم السياسة والاقتصاد.. الخ، وهي عملية متداخلة ومتشابكة بجزئياتها ولا يمكن إحداث قطع حاد بين أصنافها وأشكالها، نظراً لتداخل عناصر البناء المجتمعي المختلفة. 

 
وهو ما يعبر عنه الشهيد الصدر في مقدمة كتابه (اقتصادنا) حيث يقول: " وقد عبرت التبعية في العالم الإسلامي لتجربة الإنسان الأوروبي للحاضرة الحديثة، عن نفسه بأشكال ثلاثة زمنياً ولا تزال هذه الأشكال الثلاثة متعاصرة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي الأول: التبعية السياسية. الثاني: التبعية الاقتصادية والثالث: التبعية في المنهج"1
 
ويحتل مفهوم رفض التبعية حيزاً أساسياً في فكر الإمام السياسي، ويمتد أفقياً مع بدايات تحرك الإمام السياسي وطرح أفكاره الثورية في الحوزة العلمية وأوساط المجتمع الإيراني ويستمر حضوراً في خطاب الإمام السياسي والنهضوي في منفاه في العراق وكذا يتكلف هذا المفهوم حضوراً في خطاب الثورة وبعد انتصارها كما يسجل حضوراً بارزاً في خطاب الإمام بعد قيام الدولة ولا يخرج هذا المفهوم من خطابه حتى في الوصية السياسية التي تركها بعد وفاته. 
 
كما يمتد حضور هذا المفهوم عمودياً في خطاب الإمام وفكره السياسي فلا يقتصر على رفض نوع واحد من أنواع التبعية بكل أشكالها بدءاً بالتبعية الثقافية مروراً بالتبعية السياسية وانتهاء بالتبعية الاقتصادية، بكل تفاصيلها وأبعادها المختلفة، ويستخدم الإمام في تركيز هذا المفهوم عبر خطابه السياسي
 
 
 

1-محمد باقر الصدر، اقتصادنا، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ 1981 م. ص9. 


 
 
 
 
 
 
 
82

75

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 والفكري في تعبيرات متعددة ما يمكن تلخيصها بالأكثر تكراراً في خطابه ونصه: 


- العودة إلى الشخصية الإسلامية وأصالتها (رفض التبعية الثقافية). 

- سياسية اللاشرقية واللاغربية (رفض التبعية السياسية). 

- التنمية المستقلة، والسعي للاكتفاء الذاتي (رفض التبعية الاقتصادية). 

فرفض التبعية والخروج من هيمنة المعسكرين الشرقي والغربي ضرورة للاستقلال بشتى نواحيه، وهو واحد من الشعارات الأساسية للثورة التي رددتها حناجر الملايين من الشعب الإيراني (استقلال حرية، جمهورية إسلامية) في مظاهراتها المليونية ضد نظام الشاه الذي كان غارقاً في التبعية حتى أذنيه، حيث كانت التبعية إحدى العيوب الأساسية التي يشير إليها الإمام في تعبئته الجماهيرية ضد نظام الشاه فعلاقة الشاه بالغرب واسرائيل لسياساتهم كانت مفضوحة. 

ولعل إحدى ميزات ثورة الإمام الخميني هي في كونها استطاعت أن تنتصر دون الاتكاء على أي من الدول الكبرى، كما هو الحال عادةً في الكثير من الثورات ودوله، وهو ما يلفت إليه الإمام الخميني في قوله: " إنكم ترون أن ثورتنا فريدة بين الثورات التي حدثت في العالم في قلة خسائرها وكثرة معطياتها، وعطاء هذه الثورة يتجسد في الخروج من سيطرة الشرق والغرب، وهذا ليس بقليل، فلم يحدث في العالم أن يتحرر بلد من جميع القوى، وإنما الذي حدث هو التحرر من قوة والاتجاه نحو
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

76

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 قوة أخرى. لكننا اليوم لا نحتاج إلى قوة كبرى بل تدفع عجلة بلدنا مع بعضنا بالتعاون مع بعضنا"1

 
العودة إلى الشخصية الإسلامية (رفض التبعية الثقافية) 
 
إن رفض التبعية وتحصيل الاستقلال في الفكر السياسي عند الإمام يبدأ في الإنسان في بنية وتكوين الشخصية الإسلامية الأصيلة، والتي تعي هويتها، فلا تقية في أخضم الأفكار والتيارات والأنماط تتكيء في انبناءها على قاعدة رفض العبودية لغير الله، وتبحث عن ذاتها عبر هذا الخط الإسلامي لتتعرف على دورها في الحياة ومسؤوليتها على النفس. بعد الله هو منشأ الخيرات"2 والتي لا تشعر بالدونية أمام الآخرين "علينا أن نعتقد أننا كل شيء وأننا لسنا أقل من سوانا، فنحن مطالبون بالعثور على هويتنا التي قد أضعناها"3 والتي لا تهاب أي قوة أخرى" فمن كان الله معه فإنه لا يخاف من اية قوة سواه"4 وهكذا يركز الإمام على ضرورة التحرر الفكري والعقلي من التبعية لأنهما شرط الاستقلال "فأول شرط لتحقيق الاستقلال هو الاستقلال الفكري والعقلي"5
 
 
ولأن الهزيمة التي أصيبت بها الأمة كان سببها الانهزام في الشخصية وفقدان الهوية، الذي عمل الاستكبار عليه وخطط له لتسهل السيطرة على مقدرات الأمة وخياراتها فقد شخّص الإمام هذا الداء القاتل وحاول أن يبدأ العلاج في رفضه للتبعية الفكرية والثقافية وفي
 
 
 

1-الإمام الخميني ـ الاستقلال الثقافي في طريق الثورة نحو الاصالة الإسلامية، مصدر سابق. 
2-الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص90 ـ 91 ـ 150. 
3-نفس المصدر. 
4-نفس المصدر. 
5-نفس المصدر. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

77

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 إعادة بناء الشخصية الإسلامية التي غابت عن مسرح المواجهة فسقطت الأمة أمام الغزو وبدون مقاومة تذكر: " هزيمتنا في شخصيتنا هي اكبر هزائمنا أمام القوى الكبرى، لقد سعت هذه القوى إلى تحطيم شخصيتنا الإسلامية ـ الإيرانية، وإبدالها بشخصية أوروبية تابعة شرقية أو غربية، وتمثلت هذه الهزيمة بإحساسنا بعدم قدرتنا على عمل أي شيء أو شعورنا بأن كل شيء ينبغي أن يستورد من الخارج، حتى التهاب الزائدة الدودية، ينبغي أن يعالجه طبيب خارجي، وهذا أدى بطبيعته إلى إحساس أطبائنا بالضعف، ولم تكن هذه المسألة عفوية، بل إنها مدروسة وقائمة على تخطيط يستهدف القضاء على الشخصية في هذا البلد"1

 
ولأن الثقافة هي التي تبني الشخصية في أي مجتمع فإن التبعية الثقافية هي الأخطر والأكثر سوءاً في المجتمعات الإسلامية في نظر الإمام: 
"إن ثقافة كل مجتمع تعبر أساساً عن هوية ووجود هذا المجتمع ومهما كان هذا المجتمع قوياً من النواحي الاقتصادية والسياسية والصناعية والعسكرية فإن الانحراف الثقافي سيحوّله إلى كيان خاوٍ وفارغٍ من أي اعتبار، وقريب من السقوط وإذا كان المجتمع مرتزقاً من الناحية الثقافية وتابعاً للثقافة العدوّة، فسيكون مجبوراً على أن ينجرّ إلى جانب الإعداد من ناحية الأبعاد الأخرى للمجتمع، وسوف يُستهلك أخيراً ويضيع شرفه من جميع الأبعاد والنواحي"2 وفي هذا المجال
 
 
 

1-الإمام الخميني، الاستقلال الثقافي طريق الثورة نحو الاصالة الإسلامية، مصدر سابق، ص37. 
2-الإمام الخميني ـ الاستقامة والثبات في شخصية الإمام الخميني، ترجمة الشيخ كاظم ياسين، مركز الإمام الخميني الثقافي، ط1، بيروت 1992م، ص76. 


 
 
 
 
 
 
 
85

78

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 يتفق العديد من المفكرين المسلمين في تشخيص محور التغيير المنشود الذي يكمن في الإنسان، فعندما ينطلق التغيير لابد له أن يبدأ من الإنسان، "فلا تستطيع الثورة الوصول إلى أهدافها إذا لم تتمكن من تغيير الإنسان بطريقة لا رجعة فيها من حيث سلوكه وأفكاره وكلماته"1، فالإنسان هو محو عملية التغيير وهو الأساس في النصر أو الفشل، وهذا ما يؤكده الإمام: "إن جميع الانتصارات والهزائم تنطلق من الإنسان، الإنسان أساس النصر، أساس الفشل، ما يحمله الإنسان من أفكار وتصورات هو أساس كل شيء وهذا الإنسان هو نتاج بيئته الثقافية التي يتلقاها، من هنا نفهم خطورة دور المدارس والجامعات ووسائل الإعلام والنشر وترويج الأنماط المسلكية لثقافة ما في المجتمعات "فالثقافة التي يتم تصورها في صيغة (بيداغوجية) هي كل هذا جميعاً، فهي تركيب متآلف للأخلاق والجمال والمنطق العملي والفن الصياغي"2

 
وانطلاقاً من هذا الدور الخطير والحساس للثقافة والمناهج الفكرية، يبدأ الإمام في رفضه للتبعية من رفض التبعية الثقافية والفكرية باعتبارها منشأ بقية أنواع التبعية والتخلص منها يفتح الباب للتخلص من أشكال التبعية الأخرى، "فالتبعية الفكرية والذهنية والعقلية هي منشأ اغلب التعاسات التي مرت على شعبنا وسائر الشعوب، وإذا تمكنا من إنهاء التبعية الفكرية، فإننا سنتمكن من إنهاء سائر أنواع التبعية"3. ولعل ما تقدم ينطبق مع القاعدة القرآنية في أن
 
 
 

1-مالك بن نبي، بين الرشاد والتيه، ترجمة عمر مسقاوي ـ دار الفكر ـ دمشق ـ 1978م، ص46.
2-مالك بن نبي ـ آفاق جزائرية ـ ترجمة الطيب الشريف ـ مكتبة النهضة ـ الجزائر، 1964م. ص145. 
3الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص147. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

79

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 التغيير الاجتماعي يبدأ في التغير الداخلي عند الفرد  ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾1. فمسار الاستقلال ورفض التبعية يبدأ في التحرر الفكري والثقافي عند الفرد المسلم وهو يشكل عملية مزدوجة. 

 
ترفض التبعية للأفكار الخارجية من جهة للتمسك بهويتها ويقود إلى أصالتها الإسلامية التي تشكل البديل الطبيعي، من جهة أخرى. 
 
وعندما يتخلى الفرد والمجتمع عن هويته الثقافية الأصيلة يقع في الفراغ والضياع ويصبح أكثر قابلية لتلقي الثقافات الخارجية التي تجد طريقها بسهولة إلى مناطق الفراغ والضياع الفكري والعقيدي والثقافي فيه، ولعل هذا ما حصل فعلاً في المجتمعات الإسلامية خلال القرون الأخيرة. عندما هجر المسلمون ما تبقى من هويتهم وثقافتهم ظناً منهم بأنها سبب تخلفهم وهزيمتهم، وسعوا إلى اتباع الثقافات الأخرى (شرقاً وغرباً) على أمل أن يجدوا فيها عوامل الانتصار والتقدم، فوقعوا في فخ التبعية الثقافية والفكرية، التي جلبت لهم ولمجتمعاتهم وأوطانهم باقي أشكال التبعية. حتى أحكمت التبعية طوقها على حياتهم بكل كامل، فسلبتهم القدرة على الاستقلال والنهوض واتخاذ القرار بأي شأن من الشؤون العامة. 
 
لذا كان لزاماً أن يرفض الإمام التبعية الثقافية، كمدخل للتخلص من بقية التبعات التي غرق فيها المجتمع الإسلامي في إيران، والبلاد الإسلامية عامة، والتي ساعد عليها أنماط الحكم القائمة في هذه البلاد، التي استقت مناهجها العلمانية من الغرب أو الشرق تحت تأثير
 
 
 

1-الرعد،11. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

80

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الانبهار بالتقدم والنهضة الصناعية والعلمية التي شهدها الغرب خلال القرون الأخيرة. من هنا نفهم دعوة الإمام المتكررة للمسلمين بضرورة العودة إلى الإسلام ورفض التغرب الفكري عندما يقول "اعتمدوا على الفكر الإسلامي وحاربوا العرب والتغرب، وقفوا على أقدامكم واحملوا على المثقفين الموالين للغرب والشرق وجدوا هويتكم"1

 
وهو يرسم هدفاً واضحاً للثورة هو الاستقلال بكل أشكاله واستعادة الهوية الأصيلة "علينا أن نصنع من إيران بلداً مستقلاً سياسياً وعسكرياً وثقافياً واقتصادياً ومتحرراً من الاتكاء على أمريكا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا.. هذه القوى الطامعة الدولية، وعلينا أن نعلن هويتنا الأصلية للعالم ومن المؤسف أن بعض المثقفين لا يستطيعون أن يتحرروا من تبعيتهم للشرق أو الغرب، ونأمل أن يعود هؤلاء المبتورون عن الأمة إلى رشدهم في ظل التغيير الثقافي الإسلامي القائم وأن يستعيدوا اصالتهم"2
 
كما نفهم حجم الاهتمام الذي أولاه الإمام قبل الثورة وتمهيداً لها بالحوزات والجامعات باعتبارها المعقل الثقافي للمجتمع، وكان حريصاً على ربط ثقافة المجتمع بالحوزة والعلماء والإلفات بأن مناهج الجامعات الموجودة (في عهد الشاه) هي مناهج غربية يجب التنبه لها وقد سعى الإمام لإيجاد حالة من التواصل بين الجامعات والحوزة وبين طلبة العلوم الدينية وطلبة الجامعات بهدف إيجاد حالة من التأثير الثقافي للحوزة على الجامعات وطلابها ولعل بعض الأسماء اللامعة
 
 
 

1-الإمام الخميني، الاستقامة والثبات عند الإمام، مصدر سابق، ص76. 
2-الإمام الخميني الاستقلال الثقافي طريق الثورة نحو الاصالة الإسلامية ـ مصدر سابق، ص42. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

81

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 من طلبة الإمام وتلاميذه المميزين أمثال الشهيد الدكتور بهشتي والشهيد مطهري والدكتور علي شريعتي كانوا يصبون جل اهتماهم الثقافي في أوساط الطلبة الجامعيين وتركوا أثراً بارزاً في ثقافتهم واستطاعوا أن يصنعوا نواة للطلبة الملتزمين بخط الثورة الإسلامية في جامعات إيران والطلاب الإيرانيين في الجامعات الأوروبية والأمريكية، وهو يقول: "يجب أن تتحد بقوى هاتين الطائفتين المتفكرتين" أي الجامعيون ورجال الدين، وثم ينبه "احذروا التفرقة" إن اليوم هو يوم التلاحم بين الجامعي والطالب ورجل الدين فاستمروا في هذا التلاحم بين الجامعي والطالب ورجل الدين فاستمروا في هذا التلاحم وعلى المثقفين والكتاب أن يلحقوا بهاتين الطبقتين العزيزتين"1.

 
والاهتمام المميز للإمام في رفض التبعية الثقافية تجلى في ما سمي بالثورة الثقافية التي أعلنها بعد قيام الدولة الإسلامية في إيران عندما دعا لتشكيل مجلس أعلى للثورة الثقافية شارك فيه نخبة من علماء الحوزة وأساتذة الجامعات الملتزمين، وكلف المجلس بإعادة النظر في كل المناهج الدراسية والتعليمية والتربوية المعتمدة في المدارس والجامعات في إيران وإجراء تعديلات جذرية عليها ورغم أن نظرة الإمام إلى أن "العالم كله جامعة واحدة، وجميع البشر طلبة فيجب أن يكون جميع العالم طبقتين: طبقة المعلم والأستاذ، وطبقة الطالب والمتعلم الفئتان اللتان لو صلحتا، لأصلحنا البلد والعكس صحيح، وواجب المعلم هداية المجتمع إلى الله، وواجب المعلم هداية المجتمع إلى الله، وواجب الطالب تعلم هذا الموضوع بأن يتكون مجتمع يتوجه كله إلى الله، والكل في طريقه، وإذا كان الكل في طريقه فستكون الثقافة الإلهية والاقتصاد إلهياً والجيش
 
 
 

1-الإمام الخميني، مختارات من أقوال الإمام، وزارة الارشاد الإسلامي، ط1، 1402ه ـ . طهران ـ ج1 ـ 158.

 
 
 
 
 
 
 
 
89

82

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 إلهياً والدرك إلهياً أيضاً"1. ولكنه يعتبر الجامعة والحوزة والأجهزة التعليمية تتحمل المسؤولية الأساس في صناعة المجتمع الصالح وتعميق وتجذير المفاهيم الإسلامية وهو يشبهها بالآلة التي يدخل فيها الأفراد الخام من ناحية ليخرجوا من الناحية الأخرى إما فاسدين وإما صالحين بحسب المضمون التربوي الذي يتحكم في مناهج هذه الآلة وبحسب نوعية هذا الجهاز، لذا فهو يحمل الجامعات في عهد الشاه مسؤولية تقديم البلاد للمستعمرين حيث "إن الذين تخرجوا من هذه الجامعات ومن المعاهد التعليمية، لو كانوا يملكون تربية وتعليماً صالحين لما كانوا قدّموا هذه البلاد للمستعمرين على طبق من فضة"2

 
ويطلب إلى أعضاء مجلس الثورة الثقافية أن يجعلوا الجامعة إسلامية وإلهية ويقول: " إن الثورات والانقلابات وحالات الرفض تقوم على ثلاثة أمور: الأول يتضمن أساسها، والثاني مضمونها، والثالث يشتمل على محتواها، والثورات جميعها متشابهة غير أنها تختلف في منطلقاتها، والأهداف والمضامين كلها مهمة، أحياناً تكون الأهداف جيدة ولكن المضامين ليست كذلك أحيانا يكون العكس. 
 
إن الثورة الثقافية هي أيضاً ثورة، وتحول من حالة إلى حالة أخرى، وفي الواقع لا مانع من تلقي العلوم المختلفة، فالإسلام يتقبل كل العلوم ما عدا بعض الأمور غير النافعة ولكن الشيء الذي ينفعنا أكثر من سواه في الجامعات هو أن نجعلها إسلامية إلهية"3.
 
 
 

1-الإمام الخميني ـ قبسات من الفكر التربوي للإمام الخميني، التعبئة الطلابية ـ بيروت 1987، ص50 ـ 51. 
2-المصدر نفسه، ص20. 
3-الإمام الخميني، مجلة الشهيد، العدد 157 ـ طهران ـ ص5. 


 
 
 
 
 
 
90

83

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 ورغم أهمية الجامعة والحوزة في بث الأصالة الفكرية والثقافية وترسيخها إلا أن دور السينما والتلفاز والمسرح ووسائل الإعلام الأخرى أساسي أيضاً لاسيما في عصر الاتصالات والقرية الكونية، وهذه الوسائل كلها يجب أن تحشد في معركة التأصيل الثقافي"وإذا كنا نعاني اليوم من نقص في الطاقة الإنسانية (في هذه الوسائل) فلأن الأفكار كانت قد اعتادت على التفكير بذلك النمط الذي كان مرسوماً لها، ولذلك فإن إقامة مسرح الاستقلال وفق الأخلاق الإنسانية والإسلامية يحتاج إلى جهود ومتاعب كثيرة وكذلك السينما أيضاً فإنها تحتاج إلى وقت طويل"1. 

 
وفي الخلاصة فإن عملية إعادة البناء الثقافي هي المرتكز والأساس في طريق رفض التبعية ونيل الاستقلال ولابد من بذل جهود مستمرة ويقظة دائمة لتحقيق هذه المهمة، وهذا ما يطلبه الإمام من الشعب والمسؤولين بعد انتصار الثورة: "ثقافتنا مهدمة، يجب أن نبدأ من جديد، الثقافة اليوم ثقافة استعمارية ويجب أن تتقلب"2، و"ثقافتنا يجب أن تتبدل وتحل الثقافة المستقلة محل الثقافة الاستعمارية"3
 
سياسة اللاشرقية واللاغربية (رفض التبعية السياسية) 
 
لقد أرست اتفاقية (بالطا) التي وقّعت في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م، نظام الاستقطاب الدولي من قبل مركزين رئيسين
 
 
 

1-الإمام الخميني، مجلة رسالة الثورة في حديث أثناء لقائه وزير الارشاد الإسلامي عام 1404ه ـ .) العدد 30، ص7. 
2-الإمام الخميني، توجيهات الإمام إلى المسلمين، ترجمة محمد جواد المهري، وزارة الارشاد الإسلامي، ط1، طهران، 1403ه ـ ، ص5. 
3-الإمام الخميني، خطاب الانتصار ـ الوحدة الاعلامية في حزب الله، ط1، 1992م، ص29. 

 
 
 
 
 
 
 
 
91

84

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وقد قسم هذا النظام العالم إلى مناطق نفوذ وهيمنة، موزعة بين هذين القطبين الدوليين، وبدأ مع هذا التقسيم تصاعد حدة التنافس والصراع الدولي على مناطق النفوذ الاستراتيجية، لاسيما المناطق الإسلامية الغنية بالمواد الخام من جهة والتي تشكل أسواق استهلاكية من جهة أخرى، فضلاً عن مواقعها الجغرافية المهمة، وغدت التبعية لإحدى هذين المعسكرين، المشكلة الأساس التي ساهمت في تصدي البناء الحضاري وفقدان الهوية، فضلاً عن الإمعان في التخلف والتقهقر على شتى الأصعدة، وكان أن أدرك الإمام الخميني (الذي واكب بوعيه هذه المرحلة من تاريخ الأمة الإسلامية خصوصاً إيران ومحيطها من دون المنطقة)، خطر هذه المشكلة واستمرارها، وتداعياتها على المجتمع ومستقبله ومصيره، لذا كان شعار (اللاشرقية واللاغربية) من الشعارات المركزية لنهضته، وهو التجسيد السياسي لرفض التبعية والاستسلام السائد لها كأمر واقع في المجتمعات الإسلامية، وقد يتبادر إلى الذهن استيحاء هذا الشعار أو اقترابه من سياسة عدم الانحياز التي تلاشت عملياً مع وفاة مؤسسيها أمثال نهرو في الهند وعبد الناصر في مصر وتيتو في يوغسلافيا، وهي سياسة تعرف بأنها "مستقلة في اتخاذ قراراتها وتعبر عن رأيها في أي موضوع دولي وفقاً لتقديراتها هي، ودون أي انحياز مسبق لأي كتلة أو لمصلحة أي دولة بعينها"1. فهي توحي بالوقوف خارج فلك التجاذب الدولي المشار إليه لكنها عملياً لم تفلح لأكثر من سبب كلما شهدنا في التاريخ

 
 
 

1-د. سليمان عواد، محاضرة في المؤتمر الثامن للفكر الإسلامي، طهران 1990. 

 
 
 
 
 
 
 
 
92

85

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 المعاصر ورغم اقتراب المفهومين إلا أن هناك فوارق دقيقة تظهر بينها حال التأمل والتدقيق، فصحيح أن شعار اللاشرقية واللاغربية يدعو للخروج من دائرة الاستقطاب الدولي، بيد انه يدعو إلى الخروج عليه أيضاً، كما يدعو إلى الاختيار والانتماء إلى هوية. 

 
فالمصطلح التجديدي عند الإمام مستوحى من القرآن الكريم وبالتحديد من الآية: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾1
 
والموقف هنا ليس مجرد موقف سلبي بعدم الانحياز بل اختيار وانتماء إلى تلك الشجرة المباركة، شجرة النور الإلهية، وهو ما يشكل المضمون الفعلي لهذا الشعار الأصيل، المتضمن إدراك الذات والهوية لدى الأفراد والأمة، وهذا الإدراك لا يتم من خلال الآخر، بل من خلال تجديد الانتماء التاريخي والثقافي لمبادئها ومعتقداتها، ويؤكد الإمام أن جوهر مبدأ اللاشرقية واللاغربية، إنما يقوم على كونه نوعاً من تجديد لميثاق الكفاح، وتمرين لتنظيم صفوف من أجل مواصلة الصراع ضد الكفر والشرك والوثنية ولا ينحصر أيضاً بالشعار، إذ هو بداية الإعلان عن ميثاق الكفاح وتعبئة جنود الله، أمام جنود إبليس وأتباع إبليس وهو يعتبر من الأصول الأولية للتوحيد"2
 
ويقترن هذا المفهوم المنتمي إلى التوحيد بمفهوم البراءة الذي يشكل
 
 
 

1-النور،35. 
2-الإمام الخميني، النداء التاريخي بمناسبة الحج عام 1407 هـ ، مؤسسة الفكر الإسلامي، ص7.. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

86

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الوجه الآخر للتوحيد (لا إله إلا الله) نفي الألوهية عن كل ما عدا الله، ونداء البراءة الذي قرنه الإمام مع سياسة اللاشرقية واللاغربية إنما ينطلق ليؤكد أن: " نداؤنا اليوم بالبراءة من المشركين والكافرين إنما هو صرخة أمة ضاق صدرها مما عانته من اعتداءات الشرق والغرب وعلى رأسهم أميركا وأذنابها، وسلبت أوطانها وثرواتها"1

 
إن الترجمة العملية للمبدأ والشعار تقتضي التخلص والخلوص من كل ما ينافيه، وبهذا الاعتبار فإن لهذا المبدأ فاعلية سلبية نافية، بالقدر الذي لديه أيضاً، فاعلية ايجابية مثبتة، وهي فاعلية التحرر من كل القيود التي يمكن أن تكبل مسيرة الإنسان التوحيدية نحو الله سواء كانت قيوداً سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو غيرها. 
 
وبالاستناد إلى إسلامية سياسية (اللاشرقية واللاغربية) يمكن القول انه لا يمكن أن يقف الإمام عند حدود إيران، بل إن اهتماماته وهمومه تستوعب كل قضايا الإسلام والمسلمين فضلاً عن المستضعفين والمظلومين إلى أي دين انتموا، وهذا ما نلحظه في نداءات الإمام إلى الشعوب المستضعفة في العالم. 
 
لذا فإن الإمام سعى إلى تصدير وتعميم هذه السياسية اللاشرقية واللاغربية، لكن ليس عن طريق القوة العسكرية أو الإرهاب كما وصفه أداءه إنما عن طريق القناعة الذاتية "واستنهاض الإرادة الحرة لهذه الشعوب نفسها، وهذا ما يقصده الإمام في قوله، بتصدير الثورة إلى كل مكان وليس المقصود إفهام الآخرين بأننا دعاة فتح وتوسيع،
 
 
 

1-المصدر نفسه، ص9. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

87

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 لأننا نعتبر جميع البلدان الإسلامية من أنفسنا، ومكان كل من هذه الدول محفوظ، وكل ما نريده هو أن يحصل لهذه الدول وشعوبها ما حصل في إيران، فيقطعوا تبعيتهم للقوى الكبرى، ويرفعوا أيدي هذه القوى الكبرى عن مصادر ثرواتهم هذا هو أملنا وهذا معنى تصدير الثورة، وهو أن تستيقظ جميع الشعوب والدول ويحرروا أنفسهم مما هم فيه من الفقر والفاقة ومن كون ذخائرهم كلها تذهب أدراج الرياح"1

 
وهنا يتضح أن آلية التصدير لا تتجاوز حدود النصح والتمني والدعوة وتوجيه الانتباه من منطلق الحرص ومن منطلق الإحساس بالمشكلة والمعاناة عند المسلمين والرغبة في المساعدة "فإن مسؤولية المسلمين الإسلامية تتمثل في وجوب مساعدتهم لكل من يتعرض للظلم"2. "حيث إننا مكلفون بإنقاذ الشعوب المظلومة والمحرومة، وإن الاهتمام بأمور المسلمين من أوجب الواجبات.. ونحن لبا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن سار المسلمين"3
 
بل إن الإمام يؤكد على ضرورة عدم اتكال الشعوب على الخارج في حل مشكلاتها وتحقيق حريتها واستقلالها "وصيتي إلى شعوب البلدان الإسلامية أن لا تنتظروا أن يأتيكم أحد من الخارج ليعينكم على الوصول إلى الهدف وهو الإسلام وتطبيق أحكامه، يجب عليك أن تنتفضوا من اجل هذا الهدف الذي يحقق الاستقلال والحرية"4.
 
 
 

1-الإمام الخميني، مختارات من أقوال الإمام، مصدر سابق، ج2، ص156. 
2-الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص188. 
3-المصدر نفسه، ص189. 
4-الإمام الخميني، الوصية السياسية الإلهي/ة، مصدر سابق، ص127. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

88

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 فالإمام يرفض فكرة التغيير من الخارج ويساند فكرة التغيير من الداخل، وعندما يطرح التجربة الثورية في إيران أمام الشعوب فهو يطرحها كنموذج وقدوة تدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تسعى لفرض نفوذها وسيطرتها بالقوة على الآخرين كما تفعل الدول الكبرى، وكما شهدنا في عصرنا حرب الخليج، والصومال، وأفغانستان، وفلسطين وغيرها من أعمال الهيمنة العسكرية تحت شعارات مختلفة. 

 
وهكذا نجد أن السياسة اللاشرقية واللاغربية تعني في مضمونها اعتماد العودة إلى السلام كمنهج للسياسة الداخلية والحكم ورفض الانصياع لقوى الاستكبار في السياسة الخارجية، مع الحفاظ على العلاقات الايجابية مع الدول والشعوب على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم التداخل في الشؤون الداخلية. 
 
"إننا نتعامل مع كل الدول باحترام شريطة التعامل معنا باحترام وعدم تدخلها في شؤوننا الداخلية.. وان لنا علاقات صداقة مع كل الشعوب، وإذا تصرفت الحكومات معنا باحترام، فسوف نبادلها الاحترام"1
 
وهو ينطلق من أن الأمة الإسلامية تعتنق "مبدأ يمكن تلخيصه في كلمتين: لا تَظلمون ولا تُظلمون. نحن نريد تطبيق هاتين الكلمتين: ألا نكون ظالمين ولا مظلومين. لقد كنا مظلومين طوال التاريخ كنا مظلومين من جميع الجهات ونريد اليوم ألا نكون مظلومين ولا نريد الاعتداء على أي بلد طبقاً لما أرمنا به الإسلام ولا نريد الاعتداء على أحد ولا ينبغي لنا ذلك"2
 
 
 

1-الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص187. 
2-الإمام الخميني، خطاب الانتصار، مصدر سابق، ص66. 



 
 
 
 
 
 
 
96

89

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 التنمية المستقلة والسعي للاكتفاء الذاتي (رفض التبعية الاقتصادية) 

 
إذا كانت التبعية الثقافية والسياسية تشكل المدخل لبناء شخصية الفرد والمجتمع بما يخدم أهداف الاستكبار فإن التبعية الاقتصادية هي الثمرة العملية التي وضعها الغرب والاستكبار نصب عينيه، ووصل إليها عبر اعتماد الوسائل الثقافية والسياسية لاتباع الدول والشعوب الاقتصادية وتحويلها إلى مصادر للمواد الخام التي تخدم نهضته الصناعية وأسواق استهلاكية لتصريف نتاجه الصناعي انطلاقاً من تفكيره المادي القائم على مبدأ الرأسمالية، "وقصة هذا المخطط مؤلمة وطويلة، والضربات التي وجهها إلينا هذا المخطط وما زال مهلكة وقاصمة، والأكثر ألماً هو انهما (الغرب والشرق) أبقيا على الشعوب المظلومة المستعبدة متخلفة في جميع الأمور وجعلا بلدانها استهلاكية وأوجدا في أنفسنا حالة عميقة من الرهبة تجاه مظاهر تقدمها وقواهما الشيطانية، حتى لم تعد لنا الجرأة على المبادرة على أي ابداع، فعدنا مسلّمين لهما كل أمورنا حتى مقدرات بلداننا ومنقادين لهما انقياداً تاماً"1
 
ونقرأ في هذا النص مجموعة من آثار للتبعية: 
1- الإرهاب النفسي الممارس لتعميق الإدراك المحصور بقناة الشرق أو الغرب، فخارج هذه القناة لن يكون هناك أي قوام أو نتاج. 
 
2- تعطيل الإبداع والمبادرة بفعل السقوط أمام هيبة مظاهر التقدم. 
 
3- التحول إلى مجتمعات استهلاك وبالتالي خسران كل الثروات الطبيعية والامكانات المادية والبقاء في حالة الفقر والتخلف. 
 
 
 

1-الإمام الخميني، الوصية السياسية الإلهية، مصدر سابق، ص54. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

90

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 وقد رفض الإمام قبل نجاح الثورة، ومع أولى ارهاصاتها ـ السياسية الاقتصادية للشاه واعتبرها تحمل شعارات خادعة ولا تبني اقتصاداً وطنياً سليماً، في مجالات الزراعة والصناعة، وشخّص الخلل الذي تشكوه، خصوصاً مرض التبعية في هذه السياسات قائلاً: 

"إن الهدف من (مشروع الإصلاح الزراعي لنظام الشاه) ليس إلا إيجاد سوق للدول الأجنبية، ولأمريكا بالذات، إما الإصلاح الزراعي الذي نشهده نحن فهو الذي يجعل الإنتاج للمزارعين ويحاسب الملك الذين خالفوا الشرع الإسلامي في ممارستهم ويقضي على النظام الاقطاعي. 
 
وبخصوص تصنيع البلاد فذاك هو مطلبنا ولكن بشرط أن يكون وطنياً ومستقلاً ويتماشى مع الزراعة ويتممها من أجل مصلحة اقتصاد البلد الذي يخدم مصالح أبناء الشعب وليس تصنيعاً طفيلياً (مونتاج إعادة تركيب وتجميع) مرتباً بالأجنبي كالذي هو حاصل اليوم في إيران)1
 
لقد أدرك الإمام الآثار الاقتصادية للتبعية السياسية والفكرية والثقافية أولاها اهتماماً خاصاً وحارب هذه الآثار، بالسعي لإعادة الثقة الضائعة بالنفس وتحريك المبادرة وإطلاق الإبداع والتفكير بالإنتاج والاعتماد على النفس سعياً للتخلص من التبعية الاقتصادية وللوصول إلى الاكتفاء الذاتي على المدى الطويل، وهو يرى أن الطريق في اتجاه هذا الهدف طويلة وصعبة وتحتاج إلى تضحيات وتجاوز للكثير من العوائق والتملص من الكثير من المغريات التي تعرض أمامنا "إننا تعرضنا للحرمان من أي تقدم طوال التاريخ الحديث خاصة في
 
 
 

1-الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرفض، مصدر سابق، ص318. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

91

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 القرون الأخيرة وفي عهد رجال الحكم الخونة خصوصاً أسرة بهلوي، ومراكز الدعاية ضد منجزاتنا وكذلك عامل الشعور بالنقص، كل هذه العوامل حرمتنا من أي مسعى للتقدم، فاستيراد البضائع من كل نوع، والهاء الناس والرجال خصوصاً الشباب بالكماليات كمواد للتجميل واللعب الصبيانية وجرّ العوائل إلى التباري في مظاهر الروح الاستهلاكية، وهذا الأمر بحد ذاته يحكي قصصاً محزنة، وجرّ الشباب وهم العناصر الفاعلة إلى اللهو والضياع بإشاعة مراكز البغاء والفحشاء، وعشرات من أمثال هذه المصائب التي أوجدتها مخططات مدروسة بهدف الإبقاء على التخلف في تلك البلدان"1

 
وكلام الإمام هنا يلخص ما تعاني منه دول العالم الثالث وشعوبها، من مشاكل حادة تعترض نموها وتقدمها فمن سيادة مظاهر الروح الاستهلاكية والسعي وراء الكماليات (في حين أن هذه الشعوب تعاني من فقدان المقومات الرئيسية للحياة الكريمة) إلى إضعاف المناعة الأخلاقية لدى المجتمعات بفعل نشر مظاهر اللهو والمجون التي من شأنها إطاحة الشعور بالمسؤولية لدى الشباب، وبالتالي قتل روح المبادرة والسعي لإحداث التغيير أو التقدم إلى الأمام عند المجتمعات. 
 
وفي سعيه لإصلاح هذه الحالة المأساوية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية بفعل التبعية، وكي لا يبقى هناك ثمة تبعية على الصعيد الاقتصادي يقول الإمام: "انهضوا بإرادة مصممة، وفعالية ومثابرة لرفع أنواع التبعية واعلموا أن الجنس الآري والعربي لا يقل عن جنس شعوب أوربا وأميركا وروسيا. وإذا اكتشف ذاته وأبعد اليأس عن نفسه ولم
 
 
 

1-الإمام الخميني، دروس في الجهاد، مصدر سابق، ص65 ـ 66..

 
 
 
 
 
 
 
 
99

92

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

  يتطلع إلى غير ذاته، فإنه قادر على إنجاز أي عمل، وصناعة كل شيء على المدى البعيد، وبذلك ستصلون يوماً إلى ما وصل إليه أمثال هؤلاء. شريطة التوكل على الله والاعتماد على النفس وقطع التبعية للآخرين وتحمل الصعب من أجل تحقيق حياة كريمة والخلاص من تسلّط الأجنبي. 

 
وينبغي على الحكومات والمسؤولين في الحاضر والمستقبل أن يكرموا خبراءهم ويشجعونهم على العمل بالدعم المادي والمعنوي ويمنحوا استيراد البضائع المدمرة الموجدة للروح الاستهلاكية ويكتفوا بما عندهم حتى يتمكنوا بأنفسهم من صنع كل شيء. 
 
واطلب من الشباب الفتية والفتيات أن لا يبيعوا الاستقلال والحرية والقيم الإنسانية بما يعرضه عليهم الغرب وعملاؤه الخونة من الكماليات والتحلل والانغماس في مراكز الفحشاء، ولو كلفهم ذلك تحمل المشقة والألم. 
 
فالغرب وعملاؤه لا يريدون لكم سوى الضياع والغفلة عن مصير بلدكم لينهبوا ثرواتكم ويجروكم إلى ذل التبعية وقيد الاستعمار وتحويل شعبكم وبلدكم إلى سوق استهلاكية، وهم بما يعرضونه عليكم وبأمثاله إنما يريدون الإبقاء عليكم متخلفين وإنصاف وحوش على حد تعبيرهم"1
 
كما حثّ الإمام أيضاً المجتمع الإيراني بعد نجاح الثورة سعياً للتخلص من التبعية الاقتصادية، على تنشيط العمل في مجالي الزراعة والصناعة والاهتمام بالطاقات المبدعة والاختراعات أعطى تعليماته
 
 
 
 

1-الإمام الخميني، الوصية السياسية الإلهية، مصدر سابق، ص59 ـ 60 

 
 
 
 
 
 
 
 
100

93

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 لتأسيس مؤسسة جهاد البناء التي أطلقت برامج تعبوية شعبية لتحسين وسائل الإنتاج الزراعي والحيواني وساعدت المزارعين في كل القرى والبلدات الإيرانية للنهوض وتحسين الإنتاج كماً ونوعاً، حتى "أن التقارير الرسمية تفيد أن الأعمال التي أنجزها جهاد البناء في خلال السنتين (80 – 1981) ورغم كل مشاغل الحكومة، لم ينجز مثلها طوال خمسين عام من حكم الشاه"1

 
واعتمدت سياسة جهاد البناء بشكل رئيسي على المتطوعين من طلبة الجامعات والمعاهد بالإضافة إلى المهندسين الزراعيين الملتزمين بخط الثورة، وبذلت نشاطاً مميزاً في المناطق المحرومة بشكل خاص لقد أكد الإمام على أن"العامل والفلاح هم الأساس في كل بلد، فالأساس الاقتصادي للبلد مرتبطة بالعامل والفلاح"2
 
ورغم تعقيد عملية النهوض الاقتصادية لا سيما في الظروف التي تعرض لها نظام الجمهورية الإسلامية في الحرب مع العراق والحصار الاقتصادي والعزلة السياسية التي حاولت أميركا فرضها على الجمهورية الإسلامية، إلا أن الروح الثورية التي بثها الإمام في أبناء الأمة في إيران وحالة الثقة بالنفس والإصرار والعناد على إنجاح الثورة أدت جميعها إلى تحويل حالة الحصار إلى فرصة للبحث بجدية عن حلول ذاتية للأزمة الاقتصادية وهو ما نقرأه في نص الإمام "ترون أن الانفصال الانقطاع عن الشرق والغرب يُظهر بركاته، وقد انطلقت العقول المفكرة المحلية وهي تعمل باتجاه الاكتفاء الذاتي، وما كان
 
 
 

1-الإمام الخميني، الاستقامة والثبات، مصدر سابق، ص208. 
2-الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص301. 


 
 
 
 
 
 
 
 
101

94

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 يصوره الخبراء الخونة الغربيون والشرقيين لشعبنا محالاً، بدأ يتحقق اليوم بشكل ملحوظ بيد الشعب وفكره، وإن شاء الله يتحقق أكثر على المدى البعيد"1

 
لقد عالج الإمام الكثير من آثار التبعية الاقتصادية التي كان يعيشها المجتمع الإيراني المسلم عبر علاج الأسباب المؤدية لهذه التبعية والكامنة في استعادة الهوية والثقة بالنفس والشعور بالمسؤولية والمشاركة العامة من كل فئات العب في نهضة البناء الداخلية وعبر التخفيف التدريجي لنمط الاستهلاك السائد، ورعاية واحتضان المفكرين والمخترعين في مجالات الصناعة والزراعة والتكنولوجيا الحديثة. وعبر بث ثقافة التكليف والتكافل الاجتماعي وهو يؤكد على المسؤولين في هذا المجال على "احترام الرساميل والجهود البناءة لتحقيق الحكومة والبلد للاكتفاء الذاتي وتنشيط الصناعات الخفيفة والثقيلة". 
 
كما يوصي "الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال المشروعة أن يوظفوا ثرواتهم ويبادروا إلى النشاطات البناءة في المزارع والقرى والمصانع، فإن هذا العمل بذاته عبادة قيمة". 
 
"وأوصي الجميع بالسعي من أجل رفاهية الفئات المحرومة إذ أن خيركم دنياً وآخرة، هو في الاهتمام بأوضاع محرومي المجتمع الذين عانوا الآلام والصعاب طوال تاريخ الظلم الملكي والإقطاعي"2
 
ورغم كل الإنجازات التي تحققت في طريق الاكتفاء الذاتي
 
 
 

1-الإمام الخميني- الوصية السياسية الإلهية- مصدر سابق- ص112
2-المصدر نفسه، ص121. 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

95

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 والتخلص من التبعية الاقتصادية وهي وصلت إلى نسب عالية في المجال الزراعي وحتى الصناعي إلا أن الإمام يعتبر أن هنالك حاجة في العلوم التقنية المتطورة ولكنه يوجه المسؤولين إلى الطريقة التي يجب اعتمادها في سد هذا النقص دون العودة للوقوع في التبعية فيقول إن احتياجاتنا اليوم، بعد كل هذا التخلف المفروض علينا، للصناعات الثقيلة في البلدان الأجنبية هو واقع لا يمكن انكاره ولكن هذا لا يعني أن ترتبط بأحد القطبين في علوم التقنية المتطورة، بل على الحكومة والجيش أن يعملوا لإرسال الجامعيين المؤمنين إلى البلدان التي تمتلك صناعة متطورة دون أن تكون استعمارية أو مستغلة، ولتتجنب الحكومة والجيش إرسال البعثات إلى أمريكا وروسيا وسائر الدول السائرة في فلك هذين القطبين ـ اللهم إلا أن يأتي ـ إن شاء الله ـ يوم تعترف فيه هاتان القوتان بخطئهما وتلتحقان بمسير الإنسانية وحب الإنسان واحترام حقوق الآخرين أو أن يكبح جماحهما مستضعفوا العالم والشعوب الواعية والمسلون المؤمنون على أمل يوم كهذا"1

 
ولأن عملية النهوض من التبعية الاقتصادية تستدعي استنفاراً شاملاً لكل الطاقات المحلية والكفاءات العلمية فإن الإمام لا يغفل عن الطلب إلى المتواجدين في خارج إيران العودة لخدمة بلدهم "وعليهم أن يفكروا ويروا هل يسمح لهم ضميرهم الإنساني أن يجلسوا في بلاد الغربة"2
 
ولقد افلحت المنهجية التي اعتمدها الإمام في تشخيص مرض التبعية، وأشكالها، وفي معالجات الأسباب المؤدية لها، عبر تثوير
 
 
 

1-الإمام الخميني، الوصية السياسية الإلهية، ص96. 
2-الإمام الخميني، حديث الانتصار، مصدر سابق، ص123. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

96

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

 الداخل الاجتماعي واستنفاره في مواجهة هذا الاستحقاق الكبير، مما جعل الإمام يعبر عن ارتياحه إلى النتائج المحققة في هذا المجال، مع الدعوة إلى استمرار حالة المراقبة والوعي واليقظة في مواجهة أي محاولة جديدة للانجرار إلى أشكال التبعية، وها هو يذكر في وصيته. 

 
"أنا أوصى الشعب العزيز ومن منطلق الحرقة والخدمة، أنكم تخلصتم الآن، إلى حد لافت جداً من كثير من هذه المصائد، وقد هبّ الجبل الحاضر المحروم إلى الفعالية والإبداع، ورأينا أن كثيراً من المعامل والوسائل المتطورة كالطائرات وغيرها، التي لم يكن يظن أن المتخصصين الإيرانيين يمكنهم تشغيلها أو التعامل معها، وكنا من قبل نمد أيدينا إلى الشرق والغرب ليأتي خبراؤهم لتشغيلها، رأينا كيف أن الحصار الاقتصادي والحرب المفروضة جعلت شبابنا يصنعون القطع التي دعت الحاجة إليها وبكلفة أقل، وكيف تمت عبر شبابنا تلبية هذه الحاجة، واثبتوا أننا إذا أردنا فإننا قادرون. 
 
فيجب أن تراقبوا بوعي ويقظة، كي لا يجركم الساسة المتلاعبون المرتبطون بالشرق والغرب، بوسائلهم الشيطانية، نحو هؤلاء الناهبين الدوليين"1
 
 
 

1-الإمام الخميني، الوصية السياسية الإلهية، مصدر سابق ص58. 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

97

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها


الفصل الأول: مفهوم النهضة وجذورها التاريخية
الفصل الثاني: الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في إيران قبل الثورة
الفصل الثالث: تصور الإمام لحركة النهضة وبرنامجه لتغيير الواقع
الخاتمة: نتائج حركية التجديد والاستنهاض في الإسلام السياسي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

98

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

  الفصل الأول: مفهوم النهضة وجذورها التاريخية

 
النهضة والاستنهاض في اللغة والاصطلاح
 
جاء في "لسان العرب" أن النهوض هو البراح من الموضع والقيام عنه. 
 
نهض، ينهض، نهضاً، ونهوضاً: قام عن مكانه، وارتفع عنه إلى العدو أسرع إليه يحاربه، وأنهضته أنا فانتهض، وانهضته، حركة للنهوض، واستنهضه لأمر كذا: إذا أمره بالنهوض له 1.
 
وجاء في (الرائد) نقلاً عن المنجد في اللغة: نهض بمعنى قام، والنهضة: التجدد والانبعاث بعد تأخر وركود، وناهض مناهضة: قاوم 2
 
ومن خلال المعنى اللغوي تتضح حركية النهوض وفعليته في الأشياء سواء على الصعيد الفكري والنفسي أو المادي، وفي كلا المعنيين هناك انتقال من حال إلى حال وتغيير في الهيئة والموضع وتحرك للحواس عند المرء واستحضار لطاقاته وقواه، نجد أن النهوض يرادف القيام وهو ما أورده القرآن بنفس المعنى في الآية ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن 
 
 
 

1- ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، المجلد6، ص456. 
2- جبران مسعد، الزائد دار العلم للملايين، ط5، 1986، المجلد 2، ص163. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

99

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾3، وقد ردد الإمام الخميني هذه الآية في الكثير من خطبه ومحاضراته، كشاهد على الأمر الإلهي بالنهوض لإحياء الدين وإقامة وتحكيم الشريعة الإسلامية الإلهية كما استخدم الإمام مصطلح النهضة والنهوض كثيراً في خطبه ودروسه مع استخدامه للمصطلح القرآني المرادف (القيام) في نفس المورد أيضاً، "إن النهضة الحالية في إيران نموذجاً للنهضة التي حدثت في صدر الإسلام"4

 
وقد تكرر مصطلح القيام في القرآن في عدة مواضع مختلفة لكنها تعطي نفس الدلالة: 
 
﴿وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ﴾ (238 البقرة) 
 
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ (30 الروم) 
 
﴿وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾(127 النساء) 
 
﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه﴾(13 الشورى) 
 
﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ (9 الرحمن) 
 
وغيرها من الآيات العديدة الأخرى. 
 
وقد أطلق مصطلح (عصر النهضة) على فترة الانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة في أوروبا ويؤرخ لها بسقوط القسطنطينية 1453م، حيث نزح العلماء إلى ايطاليا، ونقلوا معهم تراث اليونان والرومان، ويدل مصطلح عصر النهضة غالباً على التيارات الثقافية والفكرية التي بدأت في البلاد الإيطالية وبلغت أوج ازدهارها في القرنين (15 ـ 16) وامتدت منها إلى فرنسا وأسبانيا وألمانيا
 
 
 

1- سبأ،46. 
2- الإمام الخميني، نظرة سريعة على الثورة الإسلامية في إيران، مؤسسة مجاهدي الثورة الإسلامية ط1 ـ 1359ه ـ . ش، ص5. 

 
 
 
 
 
 
 
 
108

100

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 وإنكلترا وسائر أنحاء أوربا. وعلى الرغم من أن النهضة الأوروبية تحققت بشكل خاص في مضار الفنون، إلا أنها كانت أولا وقبل كل شيء ثورة ثقافية، أي رؤيا جديدة للحياة والواقع، انعكست على الفنون والآداب والعلوم والأخلاق، فقد تحقق تقدم سريع على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق، أي على مستوى الفكر ومستوى التقنية، ففي عصر النهضة هذا ظهرت تباشير الدولة المركزية الحديثة 1. ولمعت فيها شخصيات مميزة أمثال: ميكل أنجلو، وليوناردو دافنشي، وميكا فيلي والعشرات غيرهم. 

 
وإذا كانت النهضة الأوروبية في القرنين السابع والثامن عشر قضت عل مقومات التخلف واستحدثت النظريات العلمية وأقامت سلطة العقل والمنطق، فإن النهضة العربية الحديثة التي عرفت بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قامت على إحياء اللغة العربية وبعث التراث العربي وإدخال مفاهيم العصر إلى المجتمعات العربية إضافة إلى معارضة سياسة الحكام الأتراك الذين نالوا من حرية الشعوب العربية. 
 
وقد أطلق المصطلح (عصر النهضة العربية) على الفترة التي بدأت بحملة نابليون على مصر في أواخر القرن الثامن عشر وامتدت إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وما رافقها من اتصال ثقافي بين الشرق والغرب وأفول للدولة الإسلامية المتمثلة بالسلطة العثمانية وتفككها على يد الدول الكبرى ذات الفعالية السياسية آنذاك، وقد برزت خلال تلك الفترة اتجاهات سياسية ـ اجتماعية جديدة في صفوف المفكرين العرب وانضوى معظمهم تحت أطر
 
 
 
 

1- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ ط3 ـ 1990 بيروت ـ المجلد الخامس، ص117 ـ 118. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

101

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الأحزاب والجمعيات واتخذت منبراً لها على صفحات المجلات والصحف وعبر المؤتمرات1. وعبرت عن حركة الانبعاث والتجدد الفكري والدعوة إلى التحرر، ومن أبرز هذه الاتجاهات ورجالاتها:

 
1- الاتجاه الليبرالي العثماني والراديكالي، والاشتراكي أحياناً، أمثال فرنسيس مراش، رزق الله حسون، فرح انطوان، أديب إسحاق و بطرس البستاني. 
 
2- الاتجاه الإسلامي الإصلاحي، أمثال: جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، خير الدين التونسي ورفاعة الطهطاوي. 
 
3- الاتجاه العربي الإصلاحي أمثال عبد الرحمن الكواكبي وغيره. 
 
4- الاتجاه العثماني الذي ينشد الإصلاح الإداري في جامعة عثمانية أمثال: أبو الهدى الصيادي وشكري العسلي.
 
5- الأتجاه الإسلامي السلفي كالوهابية والشوكانية والمهدوية.
 
وقد تنوعت آراء المثقفين العرب حول مصطلح النهضة تبعاً لخلفياتهم السياسية ومنطلقاتهم الإيديولوجية، ولكنهم اجمعوا على اعتبار الشرق الإسلامي في حالة تخلف والغرب الأوروبي في حالة تقدم وتطور1. وكانت لهم رؤى مختلفة في كيفية الخروج بالمسلمين والعرب من التخلف إلى الحداثة والتمدن. 
 
لمحة عن التجربة الإسلامية في النهضة
 
ونستعرض بشكل سريع لأبرز شخصيات الاتجاه الإسلامي الإصلاحي من رواد النهضة لنلتمس اوجه التشابه والاختلاف بين
 
 
 

1- د. عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، مصدر سابق ص118. 
2- راجع نجيب نور الدين مجلة المنطلق، العدد 58، بيروت 1989، ص114. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

 


102

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 حركة النهضة وحركة الاستنهاض لدى الإمام الخميني، باعتبارهما تجربتين تنطلقان في نفس الاتجاه والهدف، وترفعان شعارات متقاربة وتستندان إلى الفكر الإسلامي والنهج القرآني وإن كانتا تختلفان في الظرف من حيث المكان أو الحقبة الزمانية، ويمكن تصنيف الشخصيات الإسلامية الإصلاحية الأبرز في عصر النهضة إلى فئتين تضم الأولى رفاعة الطهطاوي (1801 ـ 1873م) في مصر، وخير الدين التونسي (1810 ـ 1899م)، محمد عبده (1849 ـ 1905م). 


وبالإطلاع على تجربة الطهطاوي ومنهجه في التغيير نجد أنفسنا أمام تجربة كانت بمعظمها أسيرة لعهد محمد علي باشا في الحكم حيث تتلمذ على أيدي الشيخ حسن العطار في الأزهر، عمل مدرساً في بيوت الأغنياء ودخل الجيش واعظاً وإماماً، وسافر إلى باريس في بعثة حكومية بمساعدة ودعم الشيخ العطار وأتقن خلال سفره اللغة الفرنسية التي شكلت مدخلاً لإطلاعه على الفكر الأوروبي، ثم عاد إلى مصر مؤلفاً كتاب (تخليص الأبريز في تلخيص باريز) ومترجما في مدرسة الطب ثم في مدرسة المدفعية للعلوم الهندسية والفنون العسكرية، وبعدها عمل على تأسيس مدرسة الألسن تحت رعاية محمد علي باشا، ثم فترة خمس سنوات من النفي إلى السودان مع وفاة محمد علي وإبنه ابراهيم باشا، وأخيراً عودته إلى مصر بعد النفي لإكمال خطواته في الترجمة للقوانين الفرنسية ومقارنتها مع المصطلحات الفقهية الإسلامية. 

لقد حث الطهطاوي على ضرورة تعاطي العلوم العقلية التي اعتبرها سر تقدم أوروبا وحاول تطبيق مشاهدته في باريس على مجتمعه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
111

103

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 المحلي في مصر، ساعياً إلى التوفيق بين مواد الدستور الفرنسي وبعض قوانين الشريعة الإسلامية، ومقارباً بين المفاهيم الغربية الليبرالية في الحرية والمساواة والعدالة وغيرها، وبين المفاهيم الإسلامية، وجمع بين وظيفة دعم السلطة القائمة باسم الإسلام وقيادة التمرد الشعبي باسم الإسلام أيضا1

 
وبالإطلاع على الظروف الاجتماعية والسياسية التي ساعدت على تكوين فكره، نجد أن مصر كانت حينها في حالة سياسية تعتبر مفصلاً مهما في تاريخها وتاريخ المنطقة، وهي المرحلة التي تم فيها صياغة فكر سياسي أرخى بظلاله ومازال وأعطى جملة مفاهيم لم تكن في الأساس من إفراز المجتمع المعاش بل جاء نتيجة صراع بين حضارة غربية أوروبية تريد أن تفرض نفسها على المجتمعات الأخرى وبين مقاومة يبديها المجتمع بأشكال متنوعة وعلى مستويات متنوعة تتراوح بين فئة المؤيدين الخُلّص للحضارة الأوروبية ومنجزاتها وبين فئة المعارضين لدخول الطابع الغربي لهذه الحضارة إلى مجتمعنا ويقف الطهطاوي مع آخرين في فئة الموافقين لتسويغ جزء هذه الحضارة من خلال منظور تراثي نظّر له الطهطاوي كثيراً في كتاباته التي تدل على أن هذه الحضارة قد استحوذت على فكره ومنهجه النهضوي، وهو يقول بهذا الصدد "بضرورة البحث عن العلوم البرانية والفنون والصنائع، فان كمال ذلك ببلاد الإفرنج أمر ثابت وشائع والحق أحق أن يتبع"2، رغم اعترافه بأن "ممن أمعن النظر في الكتب
 
 
 

1- راجع حسن مرعي، مجلة المنطلق، العدد 85، مصدر سابق. 
2- رفاعة الطهطاوي، مجلة المنطلق، العدد 58، ص29 ـ نقلاً عن تخليص الابريز في تلخيص باريز ـ ص11.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

104

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الشرعية الإسلامية ظهر له أنها لا تخلوا من تنظيم الوسائل النافعة من المنافع العمومية حيث بوّبوا للمعاملات الشرعية أبواباً مستوعبة للأحكام التجارية كالشركة والمضاربة والقرض والمخابرة والعارية والصلح وغير ذلك1

 
ولا يبتعد نهج خير الدين التونسي كثيراً عن نهج الطهطاوي، فالفكرة الأساسية التي يدور حولها كتابه (أقوم المسالك) هي التنظير لمسألة استعارة التجربة الأوروبية في عملية النهوض بالأمة الإسلامية عموماً وتونس خصوصاً كسبيل وحيد لمقارعة الغربي الطامع في البلاد فهو يقول "الواجب مجاراة الجار في كل ما هو مظنة لتقدمه سواء كان من الأمور العسكرية أو غيرها (من قاتل فليُقاتل كما يُقاتل)، ويردد أيضاً، يستلزم معرفة قوة المستعد له والسعي في تهيئة مثلها أو خير منها ومعرفة الأسباب المحصلة لها، معتمداً على منهج استقرائي للتاريخ، وهو بذلك يركز على التنظيمات القائمة على العدل والحرية ويعتبرها السبب في تحصيل القوى لدى العدو. 
 
كما انه يحاول إظهار المرتكزات الشرعية وعدم تناقض التجربة الغربية مع التجربة الإسلامية، بل وتماهي التجربتين في مرتكزاتهما ونتائجها، وفي ذلك يجد تبريره لمبدأ الاستعارة والتغريب والدعوة إلى استقدام خبراء ومدرسين أجانب، وإرسال بعثات دراسية إلى الخارج وتطبيق أنظمة عسكرية غربية تسللت من خلالها نظريات سياسية وعناصر ثقافية غربية2، علماً بأنه عاش في تونس والتي رغم كونها
 
 
 

1- رفاعة الطهطاوي، الأعمال الكاملة، دراسة وتحقيق محمد عمارة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت ـ 1973م، ج2، ص469. 
2- انظر زينب ابراهيم، مجلة المنطلق، العدد 85، مصدر سابق. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
113

105

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 واحدة من الولايات العثمانية حينها إلا أنها تمتعت باستقلال شبه ذاتي في إقامة العلاقات مع دول أوروبا ومنح الامتيازات وإنشاء المعاهدات، وقد ورطها حكامها بقضايا مالية كانت سبباً مباشراً للتدخل الفرنسي فيها ويصنف البعض خير الدين التونسي كرجل من رجالات القرار السياسي في تونس حيث احتل مناصب عدة في السلطة، ويقول انه جيء به من اسطنبول إلى قصر الباب احمد، حيث تلقى تعليمه الديني، ثم التحق بالجيش ليصبح رئيساً لفرقة من الفرسان ثم يرقى إلى أمير للواء الخيالة كما عهد إليه إدارة المدرسة العسكرية لإعداد الضباط. ثم أرسل في عدة مهمات إلى أوروبا، وعين وزيراً للحربية بعد عودته من فرنسا 1857م، كما وأسندت إليه رئاسة اللجنة الدستورية لوضع نظام على النمط الغربي، وتذكر أخيراً "إن خير الدين التونسي كان العقل المنظم لهذه الحركة وكان له النصيب الأكبر في وضع القوانين لمجلس شوى منتخب"1

 
وبالمقابل نصل إلى الافغاني الذي انطلق في دراسته من مدارس قزوين وطهران والنجف وحمل عصارة "فلسفة الفعل" عندما اعتبر أن الملاحظة تحدث فكراً ثم يعود الفكر إلى التأثير المتبادل دائماً وباستمرار لتحدث التغيير الدائم في كل الأشياء... دور يتسلسل ولا ينقطع الانفصال بين الأعمال والأفكار ما دامت الأرواح في الأجساد، وكل قبيل هو للآخر عماد، حيث آخر الفكر وأول العمل آخر الفكر2.
 
 
 

1- احمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، ص156. 
2- جمال الدين الافغاني، الأعمال الكاملة، تحقيق ودراسة محمد عمارة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت1973، ص140. 

 
 
 
 
 
 
 
 
114

106

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 وهكذا يتساوق الطرح الفكري مع الطرح السياسي عند الأفغاني الذي حمل فكراً تغييراً شاملاً وجذرياً وانطلق للعمل مهتدياً بالقرآن الذي هو بين أيدينا "كتاب الله لم ينسخ فارجعوا إليه وحكمّوه في احوالكم وطباعكم وما الله بغافل عما تعملون وهذا الكائن الحي هو الذي يمنح الناس نهوضهم إلى مقاضاة الزمن ما سلب منهم حيث يتقدمون على من سواهم ويحافظون على حقوقهم، فلو استلهمت معاني القرآن الكريم وأحييت في نفوس المؤمنين لرأينا لذلك أثراً في هذه الدنيا وهو مجد الله الأكبر"1 وهو انطلق في حركته الدينية للاهتمام بقلع ما رسخ في أذهان الخواص والعوام من فهم بعض العقائد والنصوص الدينية على غير وجهها الحقيقي "مثل حملهم القضاء والقدر على معنى يوجب ألاّ يتحركوا، ومثل فهم لبعض الأحاديث الشريفة الدالة على فساد آخر الزمان الذي حملهم على عدم السعي وراء الإصلاح والنجاح، فلابد من بث العقائد الدينية الحقة بين الجمهور وشرحها لهم على الوجه المناسب وحملها على محاملها الصحيحة التي تقودهم لما فيه خيرهم دنياً وآخرة"2، ويقيم الأفغاني أساس دعوته على إرادة الناس التي تتحكم بالتاريخ البشري والقضية عنده هنا ترتد إلى شكل قانون: "فمتى ضعف ما كان سبباً في الصعود يحصل الهبوط والانحطاط، ومتى زال ما كان سبباً في السقوط يحصل الصعود، فهناك سنن متبعة على أساس حكمة بالغة، فتغيير المحتوى الداخلي للإنسان يستتبع تغير الوضع البشري والإنساني"3.

 
فالإنسان أو المحتوى الداخلي للإنسان هو الأساس
 
 
 

1- 2- 3-جمال الدين الأفغاني، العروة الوثقى، دار الكتاب العربي، بيروت 1980م، ص74. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
115

107

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 لحركة التاريخ عند الأفغاني، وهذا ما يتطابق مع ما قرأناه في فكر الإمام الخميني ولعل التطابق هذا مصدره النهل من مصدر واحد ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾1

 
والفكر والإرادة هما المحتوى الداخلي للإنسان هو الأساس في حركة التاريخ والتي هي غالبة وتتطلع إلى المستقبل، وبالامتزاج بين الفكر والإرادة تتحقق فاعلية المستقبل ومحركيته للنشاط التاريخي، والإسلام والقرآن يؤمنان بأن العمليتين يجب أن تسيرا جنباً إلى جنب... "فعملية صنع الإنسان لمحتواه الداخلي يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع البناء الخارجي، ومن هنا ارتباط الجهاد الأصغر بالجهاد الأكبر"2
 
لقد برزت الدعوة إلى الوحدة الإسلامية في حركة الأفغاني من خلال تجميع (طاقات الأمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً) كنقطة البداية في محاولةٍ للانقضاض على الواقع الاستعماري الذي يهدد انجازات جذرية يمكن أن تسري في رح الأمة، عن طريق بث سياسات التفرقة والخلاف بين المسلمين، وهو كان يعتبر أن العمل في الداخل محكوم بالوحدة والاتحاد ضمن ادنى الشروط الممكنة، وإن استدعى ذلك بعض التساهل أو السكوت على نظم الاقطاع المتفشي في المجتمع، لأن الاولوية هي كسر الاستعمار بأي طريق إن على الصعيد الداخلي أو المواجهة الخارجية، ويؤكد الدعوة إلى الجامعة الاقتصادية الإسلامية لوقف عوامل الاستنزاف والنهب لموارد الثروة في الشرق. 
 
وهو في الوقت الذي يواجه النموذج الغربي ويدعوا للابتعاد عنه،
 
 
 

1- الرعد، 11. 
2- محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية، دار التعارف والمطبوعات، بيروت، 1980م، ص84. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
116

108

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 يعمق العلاقة بالواقع التاريخي الإسلامي، ولكنه لم يطرح فلسفته السياسية الإسلامية بشكل تفصيلي ولعل السبب يعود إلى نضاله المستمر ضد الاستعمار وعدم تفرغه للتنظير التفصيلي أو أن نضاله هو المرحلة الأولى للثورة والبعث الإسلامي تحت عنوان أن لو نجح المسلمون في المرحلة الأولى لعرفوا ما يفعلون في المراحل اللاحقة1

 
ورغم كثرة اسفار الأفغاني واتساع دائرة علاقاته بالحكام والسياسيين في دول متعددة، فمن المؤكد انه لم يدخل في ركب أي سلطة إنما بقيت علاقاته مع السلطة علاقة من يحاول إيجاد منفذ يساعد على تحريك حركة إسلامية شعبية عبر تسيير مكتسبات جديدة لها، وهو أبرز واقعيته السياسية في مجال العلاقات الدولية ولكنه لم يتردد في اعتبار العمل الشعبي هو الأساس في تحركاته، وهو ما يفسر اختلافه مع السلطان عبد الحميد بعد أن بايعه أملاً في معاكسة السياسة الاستعمارية إلا انه عاد ليسخر منه بعد أن لاحق الاحرار وأصبحت خلافته تبيح للمستعمر ابتلاع الشرق ونهب الشرقيين حتى قال فيه وفي خلافته لقد هزلت حتى بدأ من هزلها كلاها وحتى سامها كل مفلس ودخل مرة عليه طالباً اقالته من البيعة، ورد على حاشية الملك التي طلبت إليه إلا يلعب بسبحته في حضرة السلطان فقال: إن جلالة الملك يلعب بمقدرات الملايين من الأمة على هواه، وليس من يعترض، أفلا يكون لجمال الدين حق في أن يعلب بسبحته كيف يشاء؟2، وقد انتهى مسموماً ودفن بسرية وبمظاهر بوليسية قاسية بأمر من السلطان نفسه. 
 
 
 
 

1- مرتضى مطهري، الحركة الإسلامية في القرن الاخير، دار الهادي، بيروت ـ 1982م، ص45. 
2- انظر صادق فضل الله، المنطلق، العدد، 58، مصدر سابق، ص67 ـ 106. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

109

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 إما تلميذ الأفغاني وصديقه محمد عبده، فيمكن رسم سيرة حياته في خط بياني يبدأ فيه تلميذاً على خاله الشيخ درويش ويصعد في حلقات التعليم في طنطا ويمر في الازهر حيث انهى دراسته التعليمية الدينية، ويبلغ ذروة رقية باتصاله بالسيد جمال الدين الأفغاني حيث يسجل على هذا المستوى أسمى آيات الجهاد الاجتماعي والسياسي والتربوي، ومع نهاية حركة عرابي وفشلها وإقفال مجلة العروة الوثقى، يعود هذا الخط البياني إلى الانحدار مع تأليف الكتب وتوحيشها في بيروت ويستمر الانحدار مع عرضه لمشروع إصلاح الازهر على (اللورد كرومر) حيث يقارب على نهايته مع توليه منصب مفتي الديار المصرية وخلافه مع الخديوي عباس لينتهي وحيداً فريداً مدرساً في الأزهر مع فكره اليتيم. 

 
كان الشيخ عبده يرى أن فساد الأمة من فساد حكامها ومع ذلك نراه ترك الجهاد السياسي ولم يتصدى للاصلاح أو مقاومة هؤلاء الحكام بل توجه إلى الأمة ليبذر فيها بذور الإصلاح علّ الأمل يأتي من الأمة لا من حكامها. 
 
لقد اقتصرت دعوته للإصلاح عليه كفرد، ولم يحاول بناء كتلة تحمل أفكاره ومشاريعه ولعل السبب في ذلك كان طموحه لتولي المناصب الرسمية التي كان يؤمن بالعمل السلمي للوصول لها، أو لعله كان يخاف من نظرة السلطة إلى بناء كتلة تغييرية تعتبرها حركة سياسية تشكل خطراً على النظام وهذا ما كان لا يريده الشيخ محمد عبده1
 
 
 

1- انظر نجيب نور الدين، المنطلق العدد 58، مصدر سابق، ص141. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
118

110

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 إن محاولة الشيخ محمد عبده لإصلاح الازهر، عبر إدخال بعض العلوم الأوروبية على مواد التدريس، ودعوته إلى مبدأ الاجتهاد المطلق (ولعلها من تأثيرات أفكار جمال الدين الأفغاني عليه) جعلت المشايخ التقليدين يرموه بالزندقة والكفر لاسيما بعد استعانته بالانكليز لتحقيق هذا الإصلاح المنشود في الأزهر علماً بأن هذه الخطوة (الاستعانة بالانكليز) اغضبت الأفغاني عليه فقرعه في رسالة بعثها إليه. 


إن منهج الحديث والاصلاح عند الشيخ محمد عبده بقي ضمن العناوين الكبيرة ولم يتعداها إلى برنامج عمل يمكن رؤية خطواته الاصلاحية كمشروع يحاذر من الوقوع في المطبات الفكرية والسياسية التي تترصده، فدعوته للعودة بالإسلام إلى الينابيع الأولى بقيت في اطارها العام ولم تحدد كيفية إعادة تقنين الشريعة وبهذه الطريقة من الدعوة، وكذلك دعوته إلى الأخذ بالعلوم الأوروبية الحديثة لتطوير ودفع حالة الركود في البلاد ودفعت بعموميتها ضعاف النفوس فيما بعد إلى القول بنقل الحضارة الغربية وجعل صورة مجتمعنا على هيئتها. 

إن المشكلة لديه بدأت عندما لم يستطع أن يختار الخط العملي الذي يتطابق مع تشخيصه للواقع الفاسد، فمنذ أراد لنفسه أن ينأى عن تقويم الفساد الذي رسم حدوده داخل السلطة الحاكمة نحى إلى الأمة يريد إصلاحها بعيداً عن التعرض للرأس المريض، كان واضحاً أن معالم حياته وسيرته سوف تصطدم بكثير من العقبات التي لن يستطيع حصرها في أطرها الصحيحة والتوجه لمعالجتها بالدواء المناسب، وكأنه أراد أن يبتعد عن المقارعة السياسية ليركز على نشاطه الإصلاحي في المسألة التربوية والثقافية. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
119

111

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 رغم ذلك يمكن القول أن عقيدة الشيخ محمد عبده لا يرقى إليها الشك، وقد شكل بما يملك من أفكار لا سيما الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد حدثاً مميزاً في الواقع المعاش حينها، وأحدث فكره التربوي والاصلاحي على المستوى الثقافي والديني صدمة للواقع الرتيب الذي وسم تلك الفترة، وأعاد تحريك الواقع عن طريق طرحه لأمور كانت جديدة بكل أبعادها عن ما عرف من حالة الثبات في تلك الفترة. 


ويمكن تلخيص أبرز ملامح سمات نهج التغيير عند مفكري عصر النهضة بما يلي: 

1- محاولة استعارة التجربة الأوروبية والبحث عن وسائل امتلاك أسباب التقدم الأوروبي. 
ومماهاة الغرب في تنظيماته وأساليبه ونظامه، (الترجمة، القوانين، الأنظمة العسكرية، والبعثات). 

2 ـ العمل على منح التغيير الفوقي المقتصر غالباً على الحكام والسلاطين عبر مصادقتهم وعرض المشاريع التغييرية والاصلاحية عليهم، وليس تأسيس حالة مناهضة وتغييرية في مواجهة فساد السلطة والحكام، إلا عند الأفغاني. 

3 ـ زرع حالة التثبيط للقوى الشعبية الفاعلة والدعوة إلى الاقتداء بالغرب وثقافته البديلة، ومحاولة توليف مفاهيميه بين الثقافة الغربية والإسلامية. (العدل، الحرية، المساواة... الخ). 

4 ـ العمل على تكوين التقدم والنهوض من حالة مجتمعية معينة إلى حالة أرقى بمساعدة الدول الخارجية (الأوروبية) من خلال الاستعانة بالمدرسين والخبراء لاسيما عند التونسي والطهطاوي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
120

112

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 بين تجربة عصر النهضة وحركات العصر الحديث ونهضة الإمام الخميني

 
(مقارنة سريعة) 
 
بين هذه الملامح في التغيير إبان عصر النهضة وعند مفكريه وملامح نهج التغيير عند الإمام في حركته النهضوية نجد بوناً في المرتكزات والأسلوب والمنهج، حيث وإن التقت الرؤى حول مبدأ ضرورة النهضة وتحريك الواقع باتجاه التغيير على ضوء الشريعة الإسلامية، إلا أن الإمام كان واضحاً في رفضه لاي نوع من الاستعارة لتجارب الأعداء أو مماهاتم بل عمل على استنطاق التجربة الإسلامية الغنية وابتداع أساليب منسجمة مع الواقع المجتمعي للأمة الإسلامية المختلف في تكوناته وبنيته وعوامل التأثير فيه عن المجتمع الغربي، ولعل في تجربة انشاء (التعبئة للمستضعفين)1 ما يؤكد ذلك. 
 
وخلافاً لما رأينا لدى مفكري عصر النهضة من عمل على التغيير الفوقي المقتصر غالباً على الحكام، نرى أن الإمام الخميني يعتمد على التثوير الداخلي للإنسان وينطلق من القاعدة الشعبية وتهيئة الكوادر في الحوزات العلمية والجامعات ليشكلوا بديلاً عن رجالات السلطة المرتبطين بالخارج والميؤوس من إصلاحهم، وبخط مواز يقارع السلطة والحكام وتكون المقارعة فرصة للتعبئة السياسية للأمة. 
 
كما أن منهجية الإمام لا تتوافق مع محاولات التوليف التي اعتمدها التونسي والطهطاي بين الثقافة الغربية والإسلامية، بل على العكس من ذلك سعى الإمام لاستحضار المفاهيم الإسلامية
 
 
 
 

1- التعبئة العامة للمستضعفين مصطلح أطلق على تنظيم صفوف المجتمع في لجان إحياء ولجان دعم ومساندة تشمل كل المستويات الثقافية والاجتماعية والمناطقية. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
121

113

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الأصيلة وبثها في العقول وعمل البناء الخاصة بالأمة الإسلامية من خلال استعارتها من النص القرآني (الاستكبار، اللاشرقية واللاغربية، المستضعفين.. الخ) كما خالف الإمام منهجية الطهطاوي والتونسي وعبده في الاستعانة بالمساعدة الخارجية لإحداث التغيير واعتمد على الذات وراهن على قدرة الأمة بما تختزن من طاقات وأدمغة إذا أطلق عنانها فهي قادرة على إحداث التغيير حتى في المجالات التقنية والعلمية الحديثة، والشواهد في هذا المجال كثيرة ذكرناها في سياق بحثنا ولا نريد تكرارها. 


يبقى أن نشير إلى تميز حركة الاستنهاض عند الإمام الخميني ليس فقط عن حركات عصر النهضة، بل حتى عن الحركات الإسلامية المعاصرة في تجاربها الحربية كالاخوان المسلمين وحزب التحرير وحزب الدعوة الإسلامية. 

ويمكن اجراء مقارنة سريعة في نظرية التغيير والأساليب المعتمدة لدى هذه الحركات وتميز حركة الإمام رغم التقائهم جميعاً على ضرورة الاستنهاض والقيام بالتغيير والسعي لإقامة حكم الإسلام والشريعة في الخطوط العامة، إلا أن نقاط الالتقاء هذه لم تمنع وجود اختلافات واضحة في الأساليب والمناهج المعتمدة لدى كل حركة أو تنظيم، ونقف عند ابرز تلك الخلافات:

1- التصدي للمسألة السياسية

لقد تميز الإمام الخميني عن غيره من الحركات الإسلامية المعاصرة بأنه ومنذ البداية والانطلاقة عمل على مقارعة النظام الحاكم واستنهاض الرأي العام ضده، فالنظام بنظره هو العائق أمام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

114

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 معرفة الناس لأحكام الإسلام وهو المهيمن على وسائل التثقيف والتربية والتعليم، وهذا لا يمنح لديه المسير بخط متوازٍ في مقارعة النظام وإعداد الكوادر في نفس الوقت. 


بينما اعتمدت معظم الحركات الإسلامية المعاصرة على تقسيم عملها ومساراتها إلى مراحل تبدأ بمرحلة تربوية أو ثقافية تتكون فيها النخبة أو الكتلة الواعية أو الجماعة في مرحلة سرية أو شبه سرية وعبر الحلقات والتنظيم المغلق وقد تمتد لسنوات طويلة أو عقود ثم تعمل على الانتقال إلى حلقة اوسع في المجتمع لتبدأ في تحركها السياسي ومقارعة السلطة الجائرة، وهذه انتجت ما يسمى بإشكالية النخبة. 

وهنا نشير إلى الثقافة الحزبية الخاصة المعتمدة في التدريس عند حلقات ومجموعات هذه الحركات بينما اعتمد الإمام على الثقافة الإسلامية الأصيلة في الحوزات وأضاف إليها بعض المفاهيم التي كانت غالبة أو مهملة. 

2- في ارتباط الأمة بالقيادة العلمانية: 

لقد أهمل حزب الأخوان المسلمين وحزب التحرير بشكل خاص الحوزات والعلماء في حركتهم واعتبروا أن هؤلاء في غالبيتهم يدخلون في بلاط السلطة (كالأزهر مثلاً) بينما اهتمت الدعوة بالحوزات والعلماء وقيادتهم ولكنها أرادت أن تستثمر المرجعية لخطها الحزبي كما حصل مع الشهيد الصدر ومرجعيات أخرى، مع الحرص على اختيار مرجعية تتوافق مع طروحاتها وتماشي منهجها، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى الاختلاف في نمط المؤسسات الدينية عند السنة والشيعة. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
123

115

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 بينما نجد أن الإمام كان يركز على دور العلماء وعلى ضرورة ارتباط افراد الأمة بهم، فكان الإمام يحث العلماء (من ناحية) لفهم دورهم الشمولي والريادي وممارسة هذا الدور كما يحث الناس من جهة أخرى للارتباط بالعلماء واتخاذهم قدوة واتباعهم، واستطاع استقطاب أوسع شريحة من الفئتين العلماء والناس عبر هذا الشكل من الارتباط الذي يدخل في النسيج التربوي والاجتماعي عند المسلمين، وليس عبر استحداث أو استعارة تجربة التنظيمات الغربية الحديثة، رغم انه لم يعارض قيام مثل هذه التنظيمات فيه، ولكنه لم يعتبرها هي الأساس أو الاطار الوحيد لعمله ونهضته، بل عمل على تبني التنظيم القائم اصلاً في الأمة من خلال العلاقات الوطيدة بين الشعب والعلماء، وعندما أن يوجه بعض التنظيمات مثل (جميعة الطلبة المسلمين في أوروبا) كان يدعوهم إلى الوحدة والانسجام مع بقية شرائع الأمة. 


كما أن ربط الأمة بالعلماء فتح الباب أمام انتشار والتزام الغالبية بقيادة الولي الفقيه على ضوء نظرية ولاية الفقيه باعتبارها القيادة الطبيعية في الإسلام، وهنا يمكن لحظ التناغم والانسجام في وحدة ثقافة القيادة والقاعدة. 

وفي نفس الوقت فضح علماء السوء ووعاظ السلاطين ودعا للابتعاد عنهم وإسقاطهم ولعل الشواهد كثيرة في هذا المجال وذكرناها في السابق. 

3- الدعوة الصريحة وعدم المساومة. 

تميزت حركة الإمام في دعوة العلماء والناس للمجاهرة بالإسلام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
124

116

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 بينما نجد أن الإمام كان يركز على دور العلماء وعلى ضرورة ارتباط افراد الأمة بهم، فكان الإمام يحث العلماء (من ناحية) لفهم دورهم الشمولي والريادي وممارسة هذا الدور كما يحث الناس من جهة أخرى للارتباط بالعلماء واتخاذهم قدوة واتباعهم، واستطاع استقطاب أوسع شريحة من الفئتين العلماء والناس عبر هذا الشكل من الارتباط الذي يدخل في النسيج التربوي والاجتماعي عند المسلمين، وليس عبر استحداث أو استعارة تجربة التنظيمات الغربية الحديثة، رغم انه لم يعارض قيام مثل هذه التنظيمات فيه، ولكنه لم يعتبرها هي الأساس أو الاطار الوحيد لعمله ونهضته، بل عمل على تبني التنظيم القائم اصلاً في الأمة من خلال العلاقات الوطيدة بين الشعب والعلماء، وعندما أن يوجه بعض التنظيمات مثل (جميعة الطلبة المسلمين في أوروبا) كان يدعوهم إلى الوحدة والانسجام مع بقية شرائع الأمة. 


كما أن ربط الأمة بالعلماء فتح الباب أمام انتشار والتزام الغالبية بقيادة الولي الفقيه على ضوء نظرية ولاية الفقيه باعتبارها القيادة الطبيعية في الإسلام، وهنا يمكن لحظ التناغم والانسجام في وحدة ثقافة القيادة والقاعدة. 

وفي نفس الوقت فضح علماء السوء ووعاظ السلاطين ودعا للابتعاد عنهم وإسقاطهم ولعل الشواهد كثيرة في هذا المجال وذكرناها في السابق. 

3- الدعوة الصريحة وعدم المساومة. 

تميزت حركة الإمام في دعوة العلماء والناس للمجاهرة بالإسلام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
125

117

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

  الفصل الثاني: الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في إيران قبل الثورة

 
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا البحث، كيف كانت إيران قبل الثورة وما هي الظروف والعوامل التي دفعت بالشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني ليتمرد على النظام الملكي المتجذر في السلطة منذ أكثر من خمسين عام، ولماذا كان البديل للحكم الملكي جمهوريةً إسلامية لفتت انظار العالم كله ومثلت أول قيام لحكم اسلامي على مثل هذه الأسس الدينية، بعد الغاء الخلافة العثمانية منذ ستين عام. هذه الأسئلة تدفعنا أولا للتعريف بموقع إيران الجغرافي وطبيعة تركيبتها السكانية ثم الدخول إلى الإجابة عن الأسئلة الأخرى. 

الموقع والسكان

تقع إيران في غرب آسيا، يحدها شمالاً الاتحاد السوفيتي (روسيا وبلاد القوقاز) وبحر الخزر، وغرباً العراق وتركيا، وجنوباً وبحر عمان ومضيق هرمز، وشرقاً باكستان وأفغانستان، تبلغ مساحتها مليون وستمائة ألف وثمان وأربعون كلم2، وعدد سكانها بحسب إحصاء 1977م، 36 مليون نسمة ويعمل غالبيتهم (80%) في الزراعة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

118

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 لا تتمع إيران بتماسك قومي متين نظراً لتركيبها السكاني الفسيفسائي (الفرس، الأتراك (الايرانيون، الآذريون)، الاكراد ـ العرب، البلوش، التركمان). 

 
والرابط الأساسي الذي يجمع بين قومياتها المتعددة هو الدين الإسلامي حيث يدين (89%) من السكان بالإسلام ومعظمهم من الشيعة الاثنا عشرية، عاصمتها طهران، واللغة الرسمية هي الفارسية وتستعمل أيضاً اللغة العربية والكردية والتركية. 
 
نبذة تاريخية
 
برزت إيران كدولة بالمعنى الحديث للكلمة في مطلع القرن السادس عشر مع وصول الأسرة الصفوية إلى السلطة، الذين أعلنوا المذهب الشيعي ديناً رسمياً لدولتهم وتغيرت عاصمتهم مراراً بسبب قرب إيران من السلطة العثمانية، وبدأ انحسار سلطة الصفويين بعد وفاة عباس شاه عام 1629م واستمر هذا الانحسار حتى عقدت اتفاقية بينهما عام 1907م توقف على أثرها الصراع بين الدولتين1
 
عودة إلى بداية القرن الأخير
 
مع مطلع القرن العشرين بدأ تدفق النفط في إيران، وتألفت
 
 
 
 

1- د. عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للنشر والدراسات، بيروت 1990م، ط3 ـ ج1، ص424. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
128

119

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الشركة الإنكليزية الإيرانية سنة1901م، وعاشت إيران خلال سنوات حالة من عدم الاستقرار والتجاذب بين الروس والانكليز حتى قسمت في عام 1907م إلى منطقتين محايدتين احداهما كبيرة تحت النفوذ الروسي واخرى صغيرة تحت النفوذ البريطاني وكان ذلك في عهد الشاه محمد علي، الذي كان يحكم بدستور 1906 الذي كان يفوضه بكامل الصلاحيات في السلطات الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وفي العام 1913 م بدأ تصدير انتاج البترول الإيراني للخارج، وحصلت حينها حروب تركية روسية على الأراضي الإيرانية، حتى عقدت الهيئة بينهما (روسيا وتركيا) سنة 1917م وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقعت معاهدة بين روسيا وتركيا والحلفاء سميت معاهدة (سيفر SAIVER) وكان لها علاقة مباشرة بالوضع الإيراني وكان ذلك عام 1920م تحديداً. 

 
وعقدت إيران مع روسيا في العام 1921م اتفاقية حسن جوار، وفي العام 1926، تم توقيع معاهدة أخرى بين روسيا وإيران نصت على تعهد روسيا بحماية إيران من ناحية آذربايجان وأرمينية في مقابل السماح لروسيا بدخول قواتها إلى البلاد إذا هاجمتها قوات من الجنوب وعجزت إيران عن ردها1. وخلال هذه الفترة قامت ثورة في جنوب كردستان بقيادة الشيخ سعيد بيران سرعان ما أخمدت وانتهت بإعدامه مع 46 من رفاقه وكذا في 1929م فعل الشاه مع ثورة قبيلة قواشقة بعد أن اجبرهم على ترك عاداتهم وتقاليدهم وجرهم إلى الحياة الحضرية.
 
 
 

1- راجع حسن عبد الله، يوميات الثورة الإسلامية، دار الكتب، ط1 ـ بيروت 1979م، ص19. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
129

120

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

  كما أقدم الشاه رضا بعد أبيه سنة 1930م باعتقالات واسعة ومذابح في كافة أنحاء إيران ضد الشيوعيين الإيرانيين. 

 
وأعلن الشاه رضا خان عام 1932م إلغاء شروط الشركة الإنكليزية الإيرانية التي كان معظم أسهمها للحكومة الإنكليزية مما دفع بريطانيا لحشد أسطولها في الخليج لإرغام الشاه على التراجع، حيث سويت المشكلة بشروط مرضية لإيران. 
 
وفي عام 1935م وفي هذا العام دخلت إيران كعضو في مجلس عصبة الأمم1
 
وأثناء الحرب العالمية الثانية 1941م عندما هاجمت ألمانيا روسيا أعلنت إيران حيادها بينما كانت بريطانيا وروسيا قد طلبتا إلى الشاه التدخل ضد الألمان فرفض ذلك وأصر على الحياد، مما دفع بروسيا وبريطانيا إلى احتلال إيران، وهكذا زحفت روسيا من الشمال إلى آذربايجان ومقاطعات بحر قزوين بينما زحفت بريطانيا لاحتلال أقاليم الجنوب. 
 
وعلى إثر احتلال إيران من قبل روسيا وبريطانيا سقطت الحكومة الإيرانية وتألف حكومة موالية للحلفاء، وتنازل الشاه رضا بهلوي عن العرش لابنه محمد رضا بهلوي، بينما نفي الشاه رضا إلى جزيرة (مورتيش) شرقي جزيرة مدغشقر، حيث مات هناك، ودفن في مصر ونقلت رفاته إلى إيران لاحقاً، عمد الشاه رضا بهلوي خلال فترة
 
 
 
 

1- حسن عبد الله، يوميات الثورة الإيرانية، ومصدر سابق، ص21. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
130

121

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 حكمه إلى إتباع سياسة مركزية صارمة وفرض الحضارة الغربية على البلاد كما حاول خلق وحدة قومية من خلال بعث التراث القديم واستخدام الأسد والشمس كرمز للدولتين الأكمينية والساسانية واعترف بالديانة الزردشتية مما شجع على عبادة النار، واصدر قانوناً يدعو فيه إلى نبذ الأزياء المحلية واستخدام الملابس الأوروبية ونبذ الحجاب، كما مارس الديكتاتورية في حكمه حيث قتل وصادر أموال و ممتلكات معارضيه وجمع ثروة طائلة وقلص دور المجلس وحل الأحزاب السياسية والنقابات وقيد حرية الصحافة1 وخلال فترة الاحتلال الروسي وسقوط الشاه رضا انشأ مجموعة من المعتقلين السياسيين الخارجين من السجن حديثاً (حزب توده) الشيوعي وبدأ هذا الحزب بنشر أفكاره بين الإيرانيين. 

 
وقد اتفقت روسيا وبريطانيا خلال الحرب الثانية وسمحت للحلفاء باستخدام وسائل المواصلات والبقاء في الأراضي الإيرانية أطول مدة لجيوش الحلفاء. 
 
وفي عام 1942م اجتمع في طهران تشرشل وروزفلت وستالين، ونظراً للسيطرة السوفيتية على إيران طلبت الحكومة السوفيتية عام 1944م بحقوق التنقيب عن النفط شمال إيران وبامتياز استخراج النفط في مناطق واسعة جداً أو حسب طلبها. 
 
وفي نفس العام دخل الدكتور محمد مصدق إلى البرلمان نائباً منتخباً وقدم مشروعاً يقضي بمنع الوزراء عن مناقشة العقود والاتفاقات النفطية دون موافقة المجلس2
 
 
 

1- عبد الوهاب الكيالي، الموسوسة السياسية مصدر سابق ص425. 
2- حسن عبد الله يوميات الثورة الإيرانية مصدر سابق. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
131

122

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 أما العام 1945م فكان حافلاً بالاحداث حيث تألف في آذربيجان رسمياً مجلس وطني يتألف من مئة عضو وعضو واحد، انتخبهم الحزب الديمقراطي الآذربيجاني. 


كما أعلن تاسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في منطقة مهاباد، وبحث الروس مع مجموعة من الشخصيات الكردية البارزة مستقبل كردستان، ومع قيام حركة انفصالية في آذربايجان تحت حماية روسيا منعت محاولات الحكومة الإيرانية من التدخل هناك مما شجع إعلان آذربايجان حكومة مستقلة. 

وفي العام نفسه قدمت الحكومة الأمريكية احتجاجاً تقترح بموجبه تقديم موعد اجلاء القوات الأجنبية عن إيران، ولعل ذلك كان ايذاناً ببداية الاهتمام الأمريكي بالوضع الإيراني. 

وتتالت حركات الانفصال برعاية وتشجيع السوفيت، فأعلن في العام 1946م في مهاباد عن تاسيس حكومة وطنية كردية ذات نظام جمهوري وعين القاضي محمد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني رئيساً للجمهورية. 

وفي هذا العام يقوم سجال بين روسيا وبريطانيا (دون الاحتلال) في إيران حول مواعيد الانسحاب وتأخر كل منها في سحب قواتها أملاً في حصول المنسحب على امتيازات تجارية كثمن للإنسحاب، وهنا يأتي التدخل الأمريكي مرة أخرى مطالباً السوفيت بعدم تأخير انسحابهم، ولكن السوفيت يسرعون لتوقيع معاهدة مع رئيس الوزراء الإيراني تقتضي بتأسيس شركة إيرانية سوفيتية مختلطة مع التأكيد على موعد انسحابهم القريب في نفس العام وهذا ما حصل في أيار من العام نفسه 1946م. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

123

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 وهنا تبدأ عملية الاستقطاب الدولي للحكومة الإيرانية والصراع على المصالح الدولية في إيران تتضح أكثر ففي تموز 1946م وبينما كانت القوات الإيرانية تشن هجوماً على الجمهوريتين الآذربيجانية والكردستانية وبدعم ومساندة امريكية ـ بريطانية ويسقط في الهجوم (15000) قتيل من الجمهوريتين يتحرك عمال شركة النفط الإنكليزية الإيرانية وبإيعاز سوفيتي، شيوعي لإعلان الإضراب العام مما يؤدي إلى أعمال عنف ينتج عنها العديد من القتلى والجرحى. 


وتتحول المعركة لصالح أمريكا وبريطانيا تدريجياً، فيعلن أجاويد في آذربيجان استسلامه وولائه للشاه ويدخل الجيش الإيراني مدينة تبريز عاصمة أذربيجان بعد انهيار الجمهورية المستقلة، ومع نهاية العام 1946م يرحل الممثل التجاري السوفيتي لمهاباد الكردية، ويعلن القاضي محمد رئيس جمهورية مها آباد أيضاً خضوعه للجيش الإيراني وتعود مهاباد للسلطة الإيرانية المركزية. 

كان واضحاً خلال هذه الفترة أن أسرة بهلوي تحكم شكلياً وتستخدم العنف والقمع والقوة في إخماد أي محاولة تمرد في الداخل والأطراف ولكن القوة التي تحركها هي أمريكا وبريطانيا، اللتان عملتا على تقليص النفوذ السوفيتي في إيران ونجحتا في هذا الأمر حتى استقرت الأمور لصالحهما خلال السنوات التي تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية. 

ولعل هذه المساندة البريطانية الأمريكية للشاه لم تكن مجانية، وبدأت تظهر الأثمان التي دفعها الشاه بالمقابل، فكانت زيارته إلى الولايات المتحدة عام 1984م، ثم اعترافه بإسرائيل عام 1950م، وتمهيد الطريق لتوسيع العلاقات وتبادل السفراء معها. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
133

124

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 وهنا لابد من الإشارة إلى الموقف الذي صدر عن الحوزة في قم حينها وأدان هذا الاعتراف ورفضه، وكذلك انطلقت منظمة فدائيان إسلام التي كانت قد تأسست عام 1946م وشكلت عدواً لدوداً للشاه ونظامه بقيادة السيد نواب الصفوي، لتبدأ حملة اغتيالات منظمة ضد رموز السلطة وأعوان الشاه فاغتالت عام 1951م رئيس الحكومة رازمادا الذي كان من أشهر المعارضين لتأميم النفط، كما اغتالت مجموعة من رموز السلطة واجهضت حركة المنظمة بعد إعدام نواب صفوي مع إخوانه عام 1955م. 


حركة مصدق

كان الدكتور مصدق قد انتخب عام 1950م رئيساً للجنة النفط الوطنية في مجلس النواب ودافع عن التأميم بحماس وشراسة، وقاد حملة المطالبة بالتأميم بعد اغتيال رازامادا وتعيين الشاه حسين علا رئيساً للحكومة الإيرانية، وبعد الانتفاضة الجماهيرية الكاسحة ضد التعيين ورفع شعار (آبار النفط لنا) وعلى وقع التحالف بين آية الله الكاشاني والدكتور مصدق والمد الجماهيري للانتفاضة العارمة، عُيّن الدكتور مصدق عام 1951م رئيساً للوزراء وشكل جبهة وطنية انضمت إليها الأحزاب السياسية في إيران. 

فأعلن الدكتور مصدق تأميم النفط، وتم سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني بفضل الجهود والنشاطات التي بذلها مصدق والمرحوم آية الله كاشاني. 

كما أصدر مصدق قانون للإصلاح الزراعي يقضي بأخذ 20% من المحاصيل وأثمانها من المالكين ويعطي 10% منها للفلاحين بينما
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

125

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 ص 10% الأخرى لإعمار الريف، ولعل نسبة العشرون بالمائة مأخوذة من قانون الخمس الإسلامي الذي يقضي بدفع 20% من أرباح السنة على الفقراء والمحتاجين تحت إشراف العلماء. 


وقامت حركة مصدق عام 1952م عندما تحدى الشاه بفاعلية مصمماً على إلغاء تدخل البلاط في الشؤون العسكرية للجيش فأعلن الدكتور مصدق نفسه وزيراً للحربية واتخذ قراراً بطرد البريطانيين من إيران، وحينما قاوم الشاه ذلك استنجد مصدق بالشعب الإيراني فنزل عشرات الآلاف من أبناء الشعب إلى الشوارع وبقيادة الجبهة الوطنية والعلماء وقاتلوا ببسالة ضد السلطة ولمدة ثلاثة أيام. 

وحصلت هنا التدخلات الخارجية لحماية الشاه، فوقعت بعض الحوادث المشبوهة، وفي نهاية عام 1953م ومع استمرار الضغط الجماهيري ضد الشاه، أرغم الشاه على المغادرة إلى أوروبا بعد التخلي عن العرش، ثم قامت القوات الإيرانية الموالية للشاه باحتلال العاصمة الإيرانية، وأسقطت حكومة مصدق على أيدي قائد الجيش زاهري (وبمساعدة وكالة الاستخبارات الأمريكية) الذي أعلن نفسه رئيساً للوزراء واستدعى الشاه للعودة بعد ستة أيام من خروجه فقط. 

بينما أودع الدكتور مصدق السجن ورفض طلب العفو من الشاه واستشهد في السجن. 

ومع هذه الأحداث يبرز أكثر دور الولايات المتحدة الأمريكية في الشأن الداخلي الإيراني، ففي العام 1954م يتم تأسيس الكوفسورنيوم النفطي ذي الهيمنة الأمريكية التي جاءت لتدعم نظام الشاه بالمال والسلاح في الوقت الذي وصلت فيه الأوضاع الاجتماعية والمعيشية عند الشعب الإيراني إلى حالة مرزية فبلغ معدل الدخل السنوي للفرد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

126

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 في إيران إلى 100 في مقابل 276 في السعودية و 166 في مصر و 2343 في أمريكا للفرد الأمريكي1

 
ردود الفعل على تجربة مصدق: 
 
تعتبر حركة مصدق مفصلاً أساسياً ومحطة بارزة في إرهاصات الثورة ومراجعة الحسابات عند الجميع، السلطة المتمثلة بالشاه محمد رضا بهلوي ومعاونوه من طبقة المستضعفين والرأسماليين، والمعارضة بشقيها الليبرالي اليساري والإسلامي العثماني، وهي شكلت في الوقت نفسه تجربة للشعب الذي بدأ يفتح عينيه على معارضة النظام واختيار طريق التمرد. 
 
1- اتجه الشاه إلى حل الأحزاب السياسية وأعاد بناء الجيش بعد أن طهرها من المشتبه بعدم ولائهم للعرش واسند المناصب الحساسة للمقربين من الاقليات الدينية والقومية (الأرمن، اليهود والبهائيون) ووصل في محاولاته لمركزة السلطة بيديه إلى إعلان حالة الطواريء في البلاد2. واتبع سياسة تصفية العناصر والتيارات السياسية التي عارضته ووقفت مع الدكتور المصدق في مواجهته للشاه واسرته عام 1952م واناط تلك المهمة الأساسية بجهاز الشرطة السرية (الساواك) والذي انشأه الشاك فور عودته إلى طهران عام 1953م والذي لاحق مع بدايات تشكيله حزب توده الماركسي فاعتقل المئات وأعدم العشرات منهم، وكان له الدور الابرز في ملاحقة العلماء وارتكاب مجزرة المدرسة الفيضية لاحقاً. 
 
 
 
 

1- حسن عبد الله، يوميات الثورة الإيرانية، مصدر سابق، ص25. 
2- د. عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، مصدر سابق ص427. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

127

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 2- دب الخلاف داخل الجبهة الوطنية مما أدرى إلى الانشقاق والفراق بين الإسلاميين والعلمانيين وظهر من خلال تخلي آية الله الكاشاني عن الدكتور مصدق بسبب اشتراك الحزب الماركسي في الحكومة، مما عهد لقيام حركة تحرير إيران التي أسسها أصحاب التوجه الإسلامي من رموز الجبهة وفي مقدمتهم المهندس بارزكان وآية الله الطالقاني. 

 
3- إن تجربة مصدق أثبتت أن الليبراليين واليساريين لم يحققوا الآمال التي عقدت عليهم نتيجة فشل محاولة إقصاء الشاه وبطانته لسبب أو لآخر، الأمر الذي أوجد حالة احباط عند الناس ودعا الإسلاميين لكي يخوضوا الميدان كقوة أساسية لم تحتضر بعد، فبرز تجمع جديد للعلماء تحت عنوان (روحانيان مبارز) أو علماء الدين المناضلين، وفي مقدمتهم آية الله الطالقاني وعملوا على ربط المجتمع بالدين والحوزة والعلماء وفضح سياسات الشاه. 
 
4- ولأن الشاه كان مديناً للمخابرات الأمريكية في عودته إلى العرش وهو ما لم يعد سراً ازداد ارتباطه بالمخططات الأمريكية منذ العام 1953م، إذ تضخمت أعداد المستشارين الأمريكيين عسكريين ومدنيين حتى وصل عددهم إلى الأربعين ألفا1
 
وأصدر الشاه قانوناً بمنحهم حصانة قضائية خاصة، وعاد للاعتراف بإسرائيل عام 1961م، مما أثار غضب العلماء في الحوزة في قم لاسيما الإمام الخميني الذي جاهر بمعارضته لهاتين الخطوتين وأعلن رفضه لهما. 
 
 
 
 

1- حسن عبد الله، يوميات الثورة الإيرانية، مصدر سابق، ص27. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

128

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 وبالمقابل وعلى المستوى الاجتماعي الداخلي ونتيجة تزايد انتاج النفط تضاعفت الاستثمارات وتعددت مشروعات التنمية الاقتصادية التي وسعت من رقعة الإنتاج وزادت من الدخول لدى الحكومة، فبينما كانت الإيرادات النفطية عام 1953م أقل من 34 مليون دولار، فإن حوالي 3 مليار دولار أنفقت على خطة التنمية المثالية (55 ـ 1962) وفي مقابل 10 ملايين دولار أنفقت على التسليح في الفترة ما بين (1941و1966) ذلك بالإضافة إلى مظاهر البذخ المبالغ فيها التي بدأت تطرأ على الأرستقراطية الإيرانية، الأسرة المالكة ومن حولها، من خلال التسابق على بناء القصور الفاخرة والحفلات الماجنة والرحلات الملكية الباذخة والمهرجانات الضخمة، (فقد وصلت تكلفة احتفالات عام 1972م بمناسبة مرور 2500 عام على الحكم الملكي الإيراني الذي عرف بإسم مهرجان برسوبوليس إلى 120 مليون دولاراً)1

 
لقد أدى هذا التطور الذي كرسه الشاه في ما يسمى بالثورة البيضاء (انقلاب سفيد) عام 1962م إلى تحويل المدن الإيرانية وفي مقدمتها العاصمة طهران إلى مناطق جذب بشري بحيث وفد إليها مئات من أبناء الإقليم والعمال الزراعيين العاطلين عن العمل وإذ بدا واضحاً أن هدف التنمية وهدف الثورة البيضاء هو خلق قطاع صناعي لصالح الأثرياء والاستثمارات الغربية، الأمر الذي يصب في المدن ويؤدي إلى تفريغ الريف، قد بلغ عدد الذين نزحوا إلى المدن خلال الفترة بين 1962 ـ 1972 حوالي ثلاثة ملايين نازح كان النصيب
 
 
 

1- فهمي هويدي، إيران من الداخل، مركز الاهرام للنشر والترجمة القاهرة 1988م. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
138

129

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الأكبر للعاصمة طهران، وهؤلاء تمركزوا حول العاصمة في 44 حياً سكنياً بما يشبه أحزمة البؤس، وقد لعبوا لاحقا دوراً هاما في مسار أحداث الثورة، وبرزت في المدن الوافد إليها النازحين الفوارق الاجتماعية الكبيرة بين أبناء الريف والمدينة وكانت محاولة الشاه لا تتوقف لتحسين صورته أمام الناس والعالم الخارجي عن طريقة إقامة هياكل سياسية توحي بشكل من أشكال الممارسة الديمقراطية فأنشأ حزبين توأمين هما (مردم) أي الشعب و (مليون) أي الوطنيين وغير اسمه في ما بعد إلى إيران نوين أي إيران الجديدة ونصّب اثنين من رجاله على رأس الحزبين، ولكن خطواته هذه لم يكتب لها النجاح مما دفعه إلى إلغاء الحزبين عام 1975م واستبدالهما بحزب واحد باسم (رستاخيز ملت) أي البعث الشعبي، وأعلن أن من لا ينضم إلى حزبه إما عميل أو خائن وعليه إما أن يغادر البلاد أو يدخل السجن وهذا ما أثار سخرية الجماهير فأطلق الناس على صحيفة الحزب التي حملت اسمه، كلمه واحدة ضمنتها خلاصة رأيها فيه وهي (رسوا خير) ومعناها منبع الفضيحة. 


لم تتوقف محاولات الشاه لتحسين صورته عند انشاء هذا الحزب، فقد سعى في الوقت ذاته ولأكثر من مرة إلى التقرب والتودد للمؤسسة المرجعية الدينية ليضفي مظهراً اسلامياً على شخصه فزار الأماكن المقدسة في مشهد ومناطق إيران الأخرى لأكثر من مرة، وجمع بعض العلماء أمثال بهبهاني و د. حسن إمامي حوله، وبلغ محاولة التودد مدى كبير عام 1961م حيث اوفد رئيس وزراءه علي أميني لزيارة آية الله الكاشاني في المستشفى، ونشرت الصحف صورته وهو يقبل يد الكاشاني، ولمزيد من إرضاء المؤسسة الدينية، فقد ضمت وزارة علي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
139

130

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 أميني التي شكلت في نفس العام نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الدينية لأول مرة في التاريخ الدستوري لإيران1

 
لقد أدت مرحلة الانفتاح على الغرب التي بدأها نظام الشاه عام 1960م والاعتراف بإسرائيل وفتح علاقات دبلوماسية معه مصدراً اضافياً لاستفزاز المشاعر الإسلامية عند الشعب الإيراني، واذ لم تقف خطى الالتحاق بالغرب عند شراء المعدات العسكرية والمصانع واستقدام افواج المستشارين الأجانب، بل تواصلت باتجاه تكريس الحياة الغربية بأسوأ ما فيها اجتماعياً ابتداءاً بممارسات الارستقراطية الإيرانية التغريبية مروراً بفتح قناة تلفزيونية خاصة يقتصر بثها على الأفلام والبرامج الأمريكية، فضلاً عن تشجيع فتح الحانات والنوادي الليلة وصالونات عرض البرامج الخليعة وبيوت الدعارة التي وصل عددها في طهران إلى 1876 ووصل مدمنو الأفيون إلى المليون شخص عام 1972م، علماً بأن الشخصية الأبرز في إدارة تجارته كانت شقيقة الشاه، أشرف بهلوي2. لقد عمقت هذه التصرفات سخط الجماهير واثارت العلماء بصورة متزايدة، وفضلاً عن اعترافه بإسرائيل الذي اعتبر بمثابة صدمة مهينة وجارحة للمشاعر الإسلامية، كان إلغاء التقويم الهجري واستبداله بالتقويم المجوسي ـ الشاهنشاهي، خطوة استاء منها الجميع، إذ قفز التقويم مرة واحدة من العام 1359 هجرية إلى العام 2535 شاهنشاهية، وقد شكر المجوس في جميع أنحاء العالم خطوة الشاه هذه كما أن خطوة اتخاذ البرلمان قرار رفع سن زواج الفتيات من 15 إلى 18 سنة وللفتيان من 18 إلى 20 سنة،
 
 
 

1- فهمي هويدي، إيران من الداخل مصدر سابق، ص39. 
2- مجلة الوحدة الإسلامية ـ تقرير حول الفساد في زمن الطاغوت، العدد 62 ـ 1985م، طهران. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

131

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 وإصدار وزارة العدل تعليمات إلى القضاء للتشدد في تطبيق قانون حماية الأسرة الصادر عام 1867م الهادف إلى الحد من تعدد الزوجات والطلاق، إضافة إلى أوامر وزارة التعليم العالي إلى الجامعات برفض النساء اللاتي يرتدين الشادور، كل هذه الخطوات زادت وراكمت الغضب الشعبي على السياسة التي ينتهجها الشاه وحكومته، ودفعت الناس إلى اللجوء إلى العلماء الذي شكلوا دوماً في التاريخ الإيراني الحضن الدافيء للجماهير والصوت المدافع عنهم والمقارع للظلم. 

 
وعندما نشرت صحيفة (كيهان) شبه الرسمية في ايلول 1961م قراراً لرئيس الوزراء أسد الله علم يتناول فيه بالتعديل قانون المجالس المحلية وأهم ما في التعديل هو انه ألغى القسم على القرآن الكريم عند التشريع لتلك المجالس، على أن يحل محله أي كتاب سماوي آخر معترف به، كما ألغى شرط الإسلام على المرشحين مما اعتبر "تبييتاً لمؤامرة ضد القرآن وتعاليمه ونية لإزاحته عن سدة القيادة والحكم والاستعاضة عنه بالكذب والأنظمة الضالة، فهاهم وقد الغوا شرط الإسلام من قائمة الشروط الضرورية للمرشحين والناخبين"1
 
كانت هذه الخطوة سبباً في تفجير الموقف في قم، وظهور اسم روح الله الخميني على مسرح الأحداث لأول مرة. 
 
فاجتمعت أركان حوزة قم في بيت آية الله حائري وأرسلوا برقية احتاج إلى الشاه ثم بعد أن رد الشاه بأنه احال الأمر إلى رئيس الوزراء اجتمعوا مرة أخرى وقرروا إرسال برقية، بعث بها روح الله
 
 
 

1- الإمام الخميني دروس في الجهاد والرفض مصدر سابق، ص34. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
141

132

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

  الخميني إلى رئيس الوزراء محذراً ومهدداً من مغبة مخالفة الدستور والإسلام، ويبدأ هنا الإمام برفع راية الجهاد فاضحاً تصرفات الشاه وحكومته وعلاقاته الخارجية والتدخلات الأجنبية في إيران، وبدءاً من هذه الحادثة تبدأ وتيرة الصراع بالارتفاع والسخونة بين الحوزة والعلماء وفي مقدمتهم الإمام الخميني وبين الشاه وحكومته وأجهزة الأمن في سلطته، ويكسب الإمام الخميني والحوزة في قم الجولة الأولى من المواجهة حيث يكتب الإمام في نص البرقية المرسلة إلى الشاه ورئيس الوزراء "أحب أن اذكركم بأن علماء إيران والاعلام والمراكز الدينية وسائر المسلمين، لن يسكتوا عما يخالف الإسلام ولن يعترفوا باي أمر يخالف الإسلام، بحول وقوة من الله تعالى"1.

 
ومع بداية الستينات تتبلور حالة التمرد في شخصية الإمام الخميني حتى أطلق البعض عليه لقب (بت شكن) أي محطم الأصنام، وهو الوصف الذي أطلق عليه بعدما برز كفقيه أعلن تحديه للنظام والشاه، إذ لم يذكر له منذ بدأ خطابه السياسي انه خاطب الشاه بلقب الجلالة، كما كان يفعل غيره من الفقهاء والسياسيين. 
 
وهو دخل إلى المجتمع والساحة السياسية ومعركتها من باب الفقه السياسي وقد عبر عن نفسه بصدق، عندما قال لبعض تلامذته في المدرسة عام 1961م "لست من المعممين الذين يرغبون دوماً في القعود والانشغال بالتسبيح، كما إنني لست قسيساً أقوم أيام الأحد ببعض الطقوس وامضي بقية الايام راهباً لا تعنيني شؤون الناس". 
 
ثم يقول من العار أن نسكت على هذه الأوضاع ونبدي جبناً أمام
 
 
 

1- الإمام الخميني، الكوثر (مجموعة خطب الإمام) مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام، طهران، ط1 ـ 1996 م، ج6، ص35. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

133

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الظالمين والمارقين الذين يريدون النيل من كرامة الدين والقرآن وشريعة الإسلام الخالدة... انهضوا للثورة والجهاد والاصلاح فنحن لا نريد الحياة في ظل المجرمين"1. ولعل هذه التصريحات والخطب اللاذعة دفعت بالشاه إلى إرسال السافاك وقوات الشرطة للهجوم على المدرسة الفيضية وقتل وجرح العديد من طلاب الحوزة مما أشعل الموقف في مدينة قم واعتبرت هذه الحادثة شرارة الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني، وهكذا خلال الفترة الواقعة بين 1963 وحتى 1978 كانت حدة الصراع تتصاعد بين الحوزة والعلماء والشاه والسلطة، وتخلل هذا الصراع، المزيد من الاعتقالات والتعذيب في السجون والنفي والإبعاد (ابعد الإمام الخميني إلى تركيا سنة 1964 ومن ثم إلى العراق سنة 1965 بعد ما كان قد اعتقل من قبل السلطة سنة 1963 وأطلق سراحه على إثر مظاهرات احتجاج ضخمة في المدن الإيرانية) إلى ممارسات القمع لمؤيدي العلماء والسائرين في ركب الإمام الخميني، وقد تبلورت خلال هذه الفترة الخطوط الأساسية التي حكمت مسيرة المعارضة للشاه ومقارعة حكمه: العداء للاستعمار التي حكمت مسيرة المعارضة للشاه ومقارعة حكمه: العداء للاستعمار لاسيما أمريكا التي أضحت تدخلاتها مفضوحة في الشؤون الإيرانية وفي توجيه سياسة الحكم عند الشاه وحكومته، والعداء لإسرائيل "باعتبارها تشكل خطراً ليس على الدول العربية فحسب بل على الدول الإسلامية عامة، وإن معظم مصائبنا من أمريكا ومن إسرائيل، وإن شقاءنا إنما هو بسبب تدخل الأجانب في مقدراتنا وشؤوننا وهم الذين ينهبون ثرواتنا الطبيعية الهائلة، وان سيطرة عملاء

 
 
 

1- الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرف، مصدر سابق، ص37.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
143

134

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

  الاستعمار على مقادير الشعب الإيراني هي التي أدت إلى خلق مشاكل ومخاطر حادة فقد عمدت السلطة العميلة إلى التحالف مع إسرائيل ضد الدول العربية والإسلامية، وتسعى لمحو أسس القرآن الكريم وتعاليم الإسلام التحررية"1

 
وتتتالى ممارسات السلطة الإيرانية بحق رموز المعارضة وكوادرها حتى تصدر عام 1975 منظمة العفو الدولية تقريراً جاء فيه" لا يوجد قطر في العالم له سجل سيء فيما يختص بحقوق الإنسان كإيران"2
 
ولعل أبرز عمليات التصفية التي لاحقت رموز المعارضة كانت اغتيال الدكتور علي شريعتي عام 1977م في لندن، واغتيال السيد مصطفى نجل الإمام الخميني في النجف. 
 
وعاشت إيران صراعاً مريراً على المستوى السياسي بين السلطة والمعارضة تخللته عمليات أمنية وهجومية متبادلة بين أجهزة السلطة وبعض مجموعات المعارضة المسلحة التي كانت تنفذ بين فترة وأخرى عمليات هجوم على مراكز للشرطة والاستخبارات والمصالح الأمريكية والإسرائيلية في إيران، كما شهدت هذه الفترة العديد من التظاهرات الشعبية الكبرى بمناسبات مختلفة لاسيما في عاشوراء من كل عام، وهي تظاهرات كانت تعبر عن سخط الناس من سياسات الشاه وتحالفاته الخارجية مع أمريكا وإسرائيل ومن سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية عند الشريحة الواسعة من الإيرانيين. 
 
لقد شكلت خطب الإمام الخميني في قم ومن منفاه في النجف الاشرف وفرنسا وبين الأعوام 1963 ـ 1979م مرجعاً مهماً لمعرفة وتلمس ما يدور
 
 
 
 

1- الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرفض، ص169. 
2- حسن عبد الله، يوميات الثورة الإيرانية، مصدر سابق، ص49. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
144

135

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 في الصراع مع السلطة في إيران، ولعل المراجعة المتأنية لهذه الخطب والاطلاع على مضامينها يبرز بوضوح الموضوعات التي كانت تشكل أسباباً رئيسية للمعارضة وقيام الثورة، كما تعطي صورة عامة عن الأوضاع القائمة في إيران خلال تلك الفترة التي سبقت الثورة ويمكن استخلاص ابرز العوامل التي أدت إلى قيام الثورة: 

1- إن الظلم الذي مورس على الناس من عهد القاجاريين (1779 ـ 1925م) إلى سلاسة البهلوي (1952 ـ 1979) قد أوجد قطيعة نفسية بين السلطة والشعب وإن الغضب على السلطة تزايد من جراء إمعان الحكام في التبعية للغرب واسرائيل، الأمر الذي أدى إلى نهب خيرات البلاد واستلاب قرارها وحاول طمس هويتها الإسلامية ويعبر الإمام عن ذلك بعبارة مختصرة: " عن معظم مصائبنا من امركا، ومن إسرائيل التي هي جزء لا يتجزء من أمريكا، وإن هؤلاء النواب والوزراء هم عملاء لأمريكا والا فلماذا لا يقفون بثبات ويتصدون للطغيان الأمريكي"1
 
2- إن الخطوات التي قام بها الشاه وحكومته تحت عنوان التطوير والإصلاح للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لم تكن سوى ألاعيب لنهب خيرات الشعب وإغراقه تحت القروض والديون والفوائد وهي تروج لمصالح واستثمارات أمريكا وإسرائيل في إيران، وهي أدت بالإضافة إلى تدمير الاقتصاد وازدياد نسبة البطالة وتوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، أدت إلى حراك ديمغرافي غير مدروس فتكونت نتيجته أحزمة البؤس حول المدن، وأدت من جانب آخر إلى استفزاز
 
 
 

1- الإمام الخميني، دروس في الجهاد والفرض، مصدر سابق، ص111. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
145

136

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 المشاعر الإسلامية لأنها خرجت عن المعتقدات التي نشأ عليها الناس وآمنوا بها، ونذكر من هذه الخطوات (قانون الحصانة للأمريكيين في إيران) الذي يقول عنه الإمام: " أيحق للأمريكي الدخيل والمستعمر أن يتمتع بالحصانة القضائية مهما كان جرمه بينما نرى علماء الإسلام وخطباء المنابر والمخلصين في خدمتهم، يعانون آلام التعذيب في السجون، والنفي إلى أقاصي البلاد.. وجريمتهم وجريرتهم الوحيدة هي أنهم مؤيدون وملتزمون بتعاليم الإسلام"1. وقانون تنظيم الأسرة الذي يتعارض مع الأحكام الإسلامية الشرعية، وقانون الإصلاح الذي سمي بالثورة البيضاء2. وقانون تعديل الانتخابات للمجالس المحلية الذي ذكرناه سابقاً مع الإشارة إلى ما تركه من ردة فعل غاضبة عند الحوزة والعلماء، إلى العديد من الخطوات الأخرى في سياسة تغريبية مفضوحة كانت تملى من قبل المستشارين الأجانب عليه. 

 
3- إن العلاقة بين المراجع الدينية والعلماء والناس هي علاقة تلاحم وثقة متبادلة لم تهزها محاولات الشاه باستمالة العلماء أو
 
 
 

1- الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرفض، مصر سابق، ص111 ـ 192. 
2- نفس المصدر. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

137

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 التودد إليهم أو تشويه صورتهم عند الناس، وأن الشريحة الواسعة من الناس حيث كانت تتحرك على إيقاع فتوى المراجع وتوجيهات العلماء حيث يعتبرونهم "الحصن المدافع" عن الوطن والإسلام والمعاقل المعادية للاستعمار"1، وأن المستهدف من السلطة وهجومها ليس العلماء بأشخاصهم والحوزة بمؤسستها وإنما الإسلام والدين، وهما في خطر، فلقد أدركوا بأنه ما دام لعلماء الإسلام هذا النفوذ الواسع فلن يستطيعوا استبعاد الشعب وبيعه للإنكليز والأمريكان يوماً ما 2. وليس هناك شاهد على تجذر قوة العلاقة بين المرجعية والناس أكثر من فتوى التبغ الشهيرة التي أصدرها الميرزا الشيرازي عام 1963 والتي اسقطت الاتفاقية التي عقدت يومها بين الملك الإيراني والشركة البريطانية، ثم فتوى الإمام الخميني صدرت عام 1963 باعتبار القوانين التي صدرت عن الحكومة الإيرانية والتي تخالف القرآن والسنة هي قوانين لاغية، مما أدي إلى تراجع الحكومة عنها، وفتواه بحرمة الانتساب إلى حزب (رستاخيز) الذي أنشأه الشاه، وفتواه بتحريم البضائع الاسرائيلية ومقاطعتها وفتواه بدعم المقاومة ضد إسرائيل، منذ سنة 1976م، وفتوى تحريم المشاركة في الاحتفالات الملكية. 

 
4- ضرورة التوحد بين مختلف فئات الشعب ابتداءاً من الطلبة في الحوزات والجامعات مروراً بالتجار والمزارعين والعمال والمرأة، وانتهاء بعناصر الجيش وضباطه والمتمردين، فلم يخلو خطاب من خطابات الإمام من حث الناس على الوحدة والتوحد ورص الصفوف والتعالي
 
 
 

1- الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرفض، مصدر سابق، ص170 ـ 107. 
2- نفس المصدر. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
147

138

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 عن الصغائر وتركيز الجهود باتجاه الأهداف الأساسية للثورة، وهو يقول في هذا المجال "إن الشعب الإيراني قد استيقظ وشرع بدكِّ عرش الظالمين بيقظة واندفاع، وإن أملنا أن يتحد الجميع، أن يتحد علماء الدين والمجتهدين وطلبة العلوم الدينية وطلبة الجامعات والمثقفون والتجار والفلاحون والعمال والعسكريون وسائر فئات الشعب ضد هذا الخبيث الخائن ويجب على جميع الفئات أن يتكاتفوا ويتضامنوا في رفض هذا النظام الفاسد القاتل"1. ولعل في كلمته المشهورة "إن سر انتصارنا في كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة" ما يغني عن الكثير من البيان. 

 
5- رغم انشغال الشعب الإيراني بأوضاعه الداخلية المتردية وانشغال قادته في الثورة بالمواجهة مع الشاه، إلا أن الهم الإسلامي العام لم يغب عن اهتمامات الإمام الخميني والشعب الإيراني فكان حضور قضايا فلسطين ولبنان ووحدة العالم الإسلامي وقضاياه حاضرة دوماً في خطب الإمام، وفي شوارع طهران على السنة المتظاهرين، كما نرى في دعوة الإمام الخميني عام 1986، ومناشدته المسلمين في العالم للالتحاق بصفوف الثورة الفلسطينية ودعمها، في المظاهرات التي خرجت عام 1946 عقب نفي الإمام من إيران لتطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل التي أشعلت النار في مكاتب شركة العال الاسرائيلية وهاجمت مكاتب العلاقات الثقافية الأمريكية وفي تفجير مراكز المصالح الأمريكية في إيران عام 1972 أثناء وجود الرئيس نيكسون في طهران2
 
 
 

1- الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرفض، مصدر سابقو ص267. 
2- حسن عبد الرحمن عبد الله يوميات الثورة الإيرانية، مصدر سابق، ص47

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
148

139

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

  يبقى أن نشير إلى نتيجة مهمة يوصلنا إليها هذا الربط التاريخي بين المقدمات التاريخية للثورة لاسيما منذ بدايات القرن العشرين، حيث أنها تضيء على حقيقة تخفيها شدة الاعجاب والتقديس للإمام الخميني، هي أن ثورة الإمام الخميني جاءت تتويجاً لحركة التاريخ هذه، ولم تأتي من فراغ أو مبتورة عما سبقها من إرهاصات واحداث ومقدمات. 


وهنا يصبح الإمام الخميني شرطاً تاريخياً يكتسب فرادته وعظمته في تفجير تراكم حركة التاريخ واستيراد نتائجها، وهكذا نصل إلى وضع نهضة الإمام الخميني وحركته التغييرية في موقعها الطبيعي و سياقها التاريخي ضمن سنته العامة دون أن ننقص شيئاً من دورها في انضاج الظروف التاريخية التي واكبتها أو سرّعت في انطلاقتها. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
149

140

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الفصل الثالث: تصور الإمام لحركة النهضة وبرنامجه لتغيير الواقع

 
بعد أن سعى الإمام الخميني لتشخيص الواقع ومشكلاته في مرحلة مبكرة من حياته محاولاً ملامسة مشكلات هذا الواقع عن قرب، طوى في وعيه ثلاث مساحات: الأمة كما كانت، والأمة كما هي، والأمة كما يجب أن تكون، ولم يكن معايير إداركه سوى معايير الإسلام في سنته التاريخية والتطويرية الاجتماعية والسياسية، وقوانينه ومفهومه للإنسان والحياة. 
 
فمن الإسلام جاء الإمام وبه انطلق والى تحقيق أهدافه وصل ليله بنهاره في شتى الميادين والمجالات، والى مشروعه نهض ودعا واستنهض الداخل والخارج والقاصي والداني، والمجتهد والجاهل من العامة، وصولاً إلى الظالمين أنفسهم، والخصوم والأعداء1
 
ولقد قيل معرفة الداء نصف الدواء، وأقول إن حسن اختيار أسلوب العلاج واستعماله هو النصف الآخر من العلاج. 
 
بهذه المعادلة يمكن تلخيص مسار حركة النهضة وتغيير الواقع الذي سلكه الإمام في التعاطي مع الواقع الذي عاشه وعمل لتغييره. 
 
 
 
 

1- د. سمير سليمان، الإمام الخميني والمشروع الحضاري الإسلامي، دار الوسيلة، ط1، 1993م، بيروت. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
151

141

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 تشخيص المشكلة وأسلوب العلاج

 
من خلال قراءة خطاب الإمام الاستنهاضي ومسار حركته النهضوية يمكن استنتاج ابرز الموضوعات التي حددها الإمام كمواقع للخل وتستوجب المعالجة في جسم الأمة وبنيتها، ويتضح لنا في السياق ذاته الأساليب المستخدمة من قبل الإمام في معالجة تلك المشكلات على كل الأصعدة: 
1- الفكر والثقافة: والذي يشكله المادة الأولية في صياغة الإنسان على المستوى الفكري والثفافي "فالإنسان عصارة كل موجودات الدنيا، و"إن كل إصلاح يبدأ من نفس الإنسان فإذا صلح الإنسان صلحت كل الأشياء"1
 
فالإنسان هو المحور الذي تتأسس عليه عملية الإصلاح الفردي والاجتماعي وفي بنائه الداخلي يمكن الاختيار بين مسارين: المسار الإلهي الملكوتي، أو الشيطاني الجهنمي. "فالإنسان مخلوق عجيب ليس من موجود مثله في كل موجودات ومخلوقات الباري تعالى، اعجوبة يمكن أن تكون موجوداً إلهياً ملكوتياً، أو موجوداً جهنمياً شيطانياً"2
 
وهذا البناء يتم من خلال المنظومة الثقافية والفكرية التي تصوغ هويته وشخصيته وفي الواقع المعاش في إيران قبل الثورة كانت هذه المنظومة تتعرض لحرب لا هوادة فيها، ولعملية تزوير كبرى تخضع فيها القيم والمبادىء الإسلامية إما لمحاولة طمس كاملة واستبدال بقيم ومباديء أخرى كما في سياسات التغريب المعتمدة عند السلطة سواء في العهد القاجاري قبل عام 1925م أو في عهد أسرة بهلوي بين 1925 ـ 1978م والذي أمعن
 
 
 

1- الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص231. 
2- نفس المصدر. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
152

142

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 في سياسة التغريب في الجامعات والإعلام والقوانين وغيرها (كما سبق وذكرنا في الفصل السابق)، أو كانت تتعرض لعلمية انحراف واجتزاء، كما في النهج التقليدي المتبع عند الحوزة العلمية. 

 
هاتين المؤسستين، السلطة بجامعاتها وإعلامها وبما تملك عادة من أساليب وإمكانيات هائلة وقدرة على التعبئة، والحوزة بما يفترض أن تمثل من مرجعية فكرية وثقافية إسلامية، وضابطة إيقاع للمجتمع الإسلامي الملتزم، كانتا تشكوان من خلل، الأولى تشن حرباً لا هوادة فيها على المنظومة الثقافية والفكرية الإسلامية وتقوم بعملية طمس للهوية وإعادة صياغة بديلة للإنسان المسلم في إيران، والاخرى تهمل أو تتكاسل عن القيام بدورها الكامل وترزخ تحت ثقل القيود التقليدية التي تحجّم دورها وتقلص مساحة نفوذها وتساهم في انكفاءها أو اجتزاء في الدور المفترض أن تقوم فيه وتساهم من خلاله بصياغة الإنسان المسلم والمجتمع المسلم صياغة صحيحة وفق المعايير والأسس الإسلامية، وتوقعها في غياهب التحجر العقائدي والفكري والثقافي، إلى القول فيهم:"فبالأمس قال المزيفون المبرقعون بالقدسية أن الكفاح ضد الشاه حرام، وهم أنفسهم الذي أهدروا بسكوتهم عنه وتحجرهم شرف الإسلام وقصموا ظهر الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن عنوان الولاية لديهم إلا العيش والتكسب"، "وإن المرارة التي تجرعها ابوكم الشيخ من أمثال هؤلاء المتحجرين كانت إضعاف مضاعفة من الصعاب والضغوط التي جاءت من غيرهم"1
 
 
 

1- الإمام الخميني، الرسالة التاريخية الموجهة إلى العلماء والحوزات، مصدر سابق، ص12. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
153

143

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 وليصل الإمام في حركته الناهضة إلى ما يصبوا إليه كان لزاماً عليه أن يرسم برنامجاً متكاملاً يتضمن مواجهة ما يجري من محاولات طمس للهوية والشخصية واستبدال للفكر والثقافة الأصيلة وإعادة رسم وتوجيه دور الحوزة والعلماء في مضمار بناء الشخصية الإسلامية ونشر الثقافة والفكر دون تشويه أو موارية، "فلن تستطيع الثورة الوصول إلى أهدافها إذا لم تتمكن من تغيير الإنسان بطريقة لا رجعة فيها من حيث سلوكه وأفكاره وكلماته"1

 
ولعل قراءة المسار العلمي والخطاب الاستنهاضي للإمام يوصلنا إلى تلمس ملامح هذا البرنامج غير المعلن، ولكنه الممارس والمجسد في أقواله وأعماله وسيرته. 
 
مسألة الاحتياط بالدماء 
 
من المعروف أن الاستنهاض يقوم على مرتكز أساسي هو مسألة الاحتياط بالدماء، ولعل هذه المسألة التي تندرج ضمن بحث فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومستوى التصدي في الموضوعات المندرجة تحت هذا العنوان لهذه الفريضة أوجد اختلافاً كبيراً بين الفقهاء والذي غالباً أما يأخذون جانباً الاحتياط الشديد عند التطرق لهذه المسائل، أو يهملون التحدث عنها في كتبهم الفقهية وفتاواهم بينما يرى الإمام أن الاحتياط يجب أن يكون في موارد القصاص (عند الأحكام القضائية ونحوها) ولا يرى موجباً للاحتياط في مسائل الدفاع عن الإسلام وبيضته، بما يمكن أن يطلق عليه الجانب السياسي
 
 
 

1- مالك بن نبي، بين الرشاد والتيه، ترجمة عمر مسقاوي، دار الفكر ـ دمشق ـ ط1 ـ 1978م، ص46. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
154

144

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 والاجتماعي في الإسلام، أي في السعي إلى تحكيم الإسلام وإقامة الحكومة الإسلامية، ومن المشهور أن الإمام كان يذكر أن عدد من استشهدوا في قيام الثورة الإسلامية هو أقل بكثير من عدة الضحايا الذين قضوا في ممارسات التعسف والجور والظلم والسجون عند الأسرة البهلوية، وكأنه يريد أن يشير أن النتيجة المرجوة من الثورة والمواجهة مع الظالم والتي تحتاج إلى بذل الدماء هي حتى في حسابات الخسارة والربح المادي والدنيوي ذات كلفة أقل من الاستسلام والخنوع للسلطة الظالمة التي يدفع المجتمع تحت أسواطها وعذاباتها أثمان باهظة دون أمل بالتغيير. 


ومن هنا نجده متميزاً في دعوته الفقهية للاستنهاض والتصدي والمواجهة، فيما يرى بعض العلماء ـ أن فريضة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يوجبان إلا على (ضمان الأثر وحرز الأمن من الضرر)، كان الإمام يرى أن ثقافة الاستشهاد وبذل الدم والمواجهة وتحدي السلطة هي الكفيلة بإحقاق الحق وإزهاق الباطل وهو يستند في مرتكزه الفقهي إلى استنطاق الآيات القرآنية وتفعيل الأحاديث الشريفة التي تقول: "إن الله عز وجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له... قيل وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له يا رسول الله؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر". 

وقد أشار إلى بعض المرتكزات والمقدمات الفقهية في كتاب الفتاوى الشرعية، تحرير الوسيلة ـ ففي مقدمات باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول ما نصه. 

وهما أسمى الفرائض وأشرفهما وبهما تقام الفرائض ووجوبهما من ضروريات الدين ومنكره مع الالتفات بلازمه والالتزام به من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
155

145

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الكافرين1 ويورد بعدها الأحاديث والآيات القرآنية على ذلك مثل: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ و ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾. 

 
وفي الحديث عن الرضا عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله" وعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: " لا تزال امتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء، وينقل حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام جاء فيه: " يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون فيتقرؤون ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلا إذا آمنوا الضرر يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير، ثم قال: ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وابدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى الفرائض وأشرفها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، هناك يتم غضب الله عز وجل عليهم فيعمهم بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الأشرار والصغار في دار الكبار"2
 
ومع انه يتفق مع من عاصره من العلماء والمراجع في الخطوط العامة لشرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومستوياته إلا انه يظهر تميز اهتمامه بهذه الفريضة واعتناءه في تفصيل بحثها والحث عليها وتهيئة مستلزمات أدائها لدى المكلف، ومن الملاحظ بأن لديه آراء تختلف عنهم
 
 
 

1- الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، دار الأنوار، المجلد الأول، بيروت1982م، ص462. 
2- الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، مصدر سابق، ص463. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
156

146

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 في تشخيص الموضوعات، كما لديه غزارة في المسائل المذكورة في هذا الباب في رسالته الفقهية فقد افرد لمسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتابه تحرير الوسيلة 23 صفحة متضمنة 138 مسألة وحكم وفتوى بالإضافة إلى إفراد باب الدفاع عن قسميه، عن النفس وما تملك أو عن بيضة الإسلام وحوزته، في ثماني صفحات تضمنت 51 فتوى ومسألة وحكم، بينما لم تجد في "منهاج الصالحين" للإمام الخوئي سوى باباً واحداً يحتوي على ثمانية صفحات تتضمن فقط ستة مسائل وفتاوى بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما تبقى هو ذكر امور هي من المعروف، ولا وجود لباب الدفاع أصلا، إما في كتاب "وسيلة النجاه" للإمام الكلبايكاني فلم أحد باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا وجود لباب الدفاع في كلا المجلدين من الكتاب1. ومما يلفت بعض المسائل المذكور في فتاواه وهي تدل بشكل واضح على مستوى الاهتمام بتفعيل وتحريك الفريضة متجاوزاً العديد من الآراء لمن سبقوه وطارحاً موضوعات جديدة في هذا الباب ونذكرها هنا بعض الأمثلة كشواهد، في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

 
مسألة9: لو كان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذاهب (أعلى الله كلمتهم) تقوية للظالم وتأييداً له والعياذ بالله، يحرم عليهم السكوت، ويجب عليهم الإظهار ولو لم يكن مؤثرا2
 
مسألة19:  الأعذار التي تشبث بها بعض المنتسبين بالعلم والدين للتصدي لا تسمع منهم ولو كانت وجيهة عند الأنظار السطحية الغافلة"3
 
 
 

1- الإمام الخوئي، والإمام الكلبايكاني هما من مراجع الشيعة المشهورين وقد عاصروا الإمام في النجف وقم. 
2- الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، مصدر سابق، ص473 ـ 475. 
3- نفس المصدر.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
157

147

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 وفي باب الدفاع نقرأ له الأحكام التالية التي لم نجد مثيلها في أي من الكتب الأخرى: 

 
مسألة1: لو غشي بلاد المسلمين أو ثغورها عدو يخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمعهم يجب عليهم الدفاع عنها بأية وسيلة ممكنة من بذل الأموال والأنفس. 
 
مسألة7: لو خيف على إحدى الدول الإسلامية من هجمة الأجانب يجب على جميع الدول الإسلامية الدفاع عنها بأي وسيلة ممكنة كما يجب على سائر المسلمين. 
 
مسألة6: لو كانت الروابط السياسية بين الدول الإسلامية والأجانب موجبة لاستيلائهم على بلادهم أو نفوسهم أو أموالهم أو موجبة لأسرهم السياسي يحرم على رؤساء الدول تلك الروابط والمناسبات، وبطلت عقودهم ويجب على المسلمين إرشادهم وإلزامهم بتركها ولو بالمقاومات السلبية"1
 
ثقافة التكليف
 
وفي هذه المسائل وغيرها يمكن أن نقرأ بالإضافة إلى ما ذكرنا من جرأة وشجاعة في تجاوز الاحتياط بالدماء في مواضع المواجهة والمقاومة للظالم والطغيان نجد أيضاً ملامح ثقافة التكليف"، التي تقوم على ضرورة قيام الإنسان المسلم بتكليفه الشرعي والديني بشكل كامل وان لا يتقاعس أو يهمل هذا التكليف إذا تقاعس غيره أو أهمل هذا التكليف لسبب أو لآخر وهو بقيامه بهذا التكليف غير معني بالنتائج وباحتساب
 
 
 

1- المصدر نفسه، ص485 ـ 486. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
158

148

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 أو ضمان النجاح في المهمة، إذا علمنا بالتكليف الذي عينه الله، سبحانه وتعالى لنا فلن نخالف حينها من احتمال تعرضنا للهزيمة"1

 
لأن الأمر يجب أن ينطلق من الإيمان بالمعادلة القرآنية التي تضع معادلة النصر كهبة إلهية وفعل الهي وليس كنتيجة لفعل بشر: 
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾ 2
 
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾3
 
وهي هبة إلهية لمن يوفر شروط محددة ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾4
 
﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾ 5
 
ثقافة الشهادة
 
وفي مسائل الدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نقرأ أيضاً ثقافة الشهادة كما نقرأها في عموم خطاب الإمام الخميني، عندما يستحضر عاشوراء وتضحيات الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء في سبيل الدين والشريعة وبهدف استنهاض الضمائر الميتة وإيجاد نوع من الصدمة عند والمجتمع الذي تمادي في استسلامه وخنوعه للظالمين. 
 
ولعل في هذه الحادثة التي جرت بين الإمام وبين أحد أكابر مراجع الشيعة في النجف في العراق (آية الله العظمى السيد محسن الحكيم) ما يجسد ذلك: 
 
فبعد أن يلتقي به الإمام ويشرح طبيعة الوضع في إيران ويتمنى
 
 
 

1- الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص59. 
2-  الانفال  17. 
3-  محمد  7. 
4-  آل عمران،  126. 
5-  آل عمران  160.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
159

149

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 عليه السفر إلى هناك للوقوف على حقيقة الأحداث الجارية فيه يجيب المرجع الكبير ويبدأ بالحوار التالي: 

المرجع الكبير: وما الذي يمكننا عمله وما تأثير ذلك؟ 

الإمام الخميني: له اثر قطعاً فنحن بهذه الانتفاضة (15 خرداد) أوقفنا المخططات الخطيرة للحكومة، فكيف لا أثر له إذا اتحد العلماء فسوف يكون ذلك مؤثراً قطعاً. 

المرجع الكبير: إذا كان فيه احتمال عقلاني، لا بأس بالتحرك، ولكن بطريقة عقلانية. 

الإمام الخميني: له أثر قطعاً... وما نعنيه هو التحرك العقلاني، إذ ليس للتحرك غير العقلاني مجال في حديثنا أصلاً، فالقصد هو تحرك العلماء وعقلاء الأمة. 

المرجع الكبير: إن الناس لا يطيعوننا لو تحركنا بعنف... الناس يكذبون، إنهم عبيد الشهوات ولا يفتحون صدورهم للدين. 

الإمام الخميني: كيف تقول أن الناس يكذبون؟.. . هؤلاء الناس ضحوا بأرواحهم وتحملوا الاضطهاد والمعاناة... وقد سجنوا وأبعدوا عن ديارهم وسُلبت أموالهم، فكيف يكون مثل هؤلاء الناس الذين واجهوا الرصاص بصدورهم يكذبون؟ 

المرجع الكبير: نعم لا يطيعون، إنهم طلاب شهوات وأمور مادية دنيوية. 

الإمام الخميني: لقد قلت لكم، إن الناس في (15 خرداد) عبروا عن شجاعتهم وصدقهم. 

المرجع الكبير: إذا أعلنا الثورة وسال الدم من أنف أحد سيحدث لغط كير وسيتكلم الناس عنا بشكل غير لائق. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
160

150

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الإمام الخميني "نحن عندما انتفضنا لم نشاهد إلا المزيد من الاحترام والتقدير... ولكن من تخاذل أو تراجع سمع كلاماً نابياً وأصبح محل عدم احترام الناس. 

 
وبعد أن ينقل الإمام بعض مشاهداته وأحاديثه في تركيا، يتواصل الحوار: 
المرجع الكبير: وما الذي يمكننا عمله يجب أن نضع في الاحتلال الأثر الذي يترتب على التضحيات والقتل. 
 
الإمام الخميني: يجب التضحية.. دع التاريخ يسجل بأن الدين عندما تعرض للخطر والهجوم، فإن مجموعة من العلماء نهضوا أو قيل قسم منهم1
 
بهذه الثقافة الثورية المستندة إلى مرتكزات فقهية صريحة في الكتاب والسنة، دخل الإمام الحوزة ليربي مجموعة كبيرة من الطلبة والعلماء وليشكل من خلالهم "طاقم الكوادر"، الذي ينتشر في أنحاء البلاد عبد المساجد والقرى والدساكر يحمل الثقافة والفكر الأصيل، والذي يبعث في صفوف الناس روح الاستنهاض والثورة والرفض والتمرد على الظلم والطغيان، كما يربي الشباب في المجتمع على تحمل المسؤولية والاندفاع إلى المواجهة والاستعداد للتضحية بالنفس عملاً بثقافة التكليف، والتماهي مع الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، وعلى خط آخر نرى العلامة مطهري والدكتور بهشتي وغيرهم من تلاميذ الإمام، يقتحمون بهذه الثقافة ذاتها صروح الجامعة في طهران ومدن إيران ليخترقوا ثقافة التغريب التي كانت تعمل السلطة لزرعها في
 
 
 
 

1- وثيقة منشورة في موسوعة الكوثر، مجموعة خطابات الإمام ووثائقه، مصدر سابق، المجلد الأول ص199. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
161

151

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الإمام الخميني "نحن عندما انتفضنا لم نشاهد إلا المزيد من الاحترام والتقدير... ولكن من تخاذل أو تراجع سمع كلاماً نابياً وأصبح محل عدم احترام الناس. 

 
وبعد أن ينقل الإمام بعض مشاهداته وأحاديثه في تركيا، يتواصل الحوار: 
المرجع الكبير: وما الذي يمكننا عمله يجب أن نضع في الاحتلال الأثر الذي يترتب على التضحيات والقتل. 
 
الإمام الخميني: يجب التضحية.. دع التاريخ يسجل بأن الدين عندما تعرض للخطر والهجوم، فإن مجموعة من العلماء نهضوا أو قيل قسم منهم1
 
بهذه الثقافة الثورية المستندة إلى مرتكزات فقهية صريحة في الكتاب والسنة، دخل الإمام الحوزة ليربي مجموعة كبيرة من الطلبة والعلماء وليشكل من خلالهم "طاقم الكوادر"، الذي ينتشر في أنحاء البلاد عبد المساجد والقرى والدساكر يحمل الثقافة والفكر الأصيل، والذي يبعث في صفوف الناس روح الاستنهاض والثورة والرفض والتمرد على الظلم والطغيان، كما يربي الشباب في المجتمع على تحمل المسؤولية والاندفاع إلى المواجهة والاستعداد للتضحية بالنفس عملاً بثقافة التكليف، والتماهي مع الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، وعلى خط آخر نرى العلامة مطهري والدكتور بهشتي وغيرهم من تلاميذ الإمام، يقتحمون بهذه الثقافة ذاتها صروح الجامعة في طهران ومدن إيران ليخترقوا ثقافة التغريب التي كانت تعمل السلطة لزرعها في
 
 
 
 

1- وثيقة منشورة في موسوعة الكوثر، مجموعة خطابات الإمام ووثائقه، مصدر سابق، المجلد الأول ص199. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
162

152

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 أحكامه ومداركه، والالتزام بأحكام الإسلام بجميع أبعاده، والحذر من الذين لا يلتزمون بالإسلام بكل أبعاده دون استثناء. 


5-  يجب أن تكون كل برامج وبيانات الفروع المستندة على الإسلام والدولة الإسلامية دون إبهام، والهدف هو الإطاحة بالطاغوت وكل تشعباته والتي هي في بلدنا النظام البهلوي العميل، واجتناب قول بعض الأحزاب بأن الهدف هو تطبيق دستور1906، وتبيان أن أساس الجرائم والمظالم والخيانات هو الشاه نفسه. 

6-  التذكير دائماً بأعمال الشاه اللاإنسانية، في كل المجالات خصوصاً في تغيير التاريخ الإسلامي، ويجب فضح هذا العنصر الخائن وعدم نسيان ذكر جرائمه في أي وقت، كما يجب إحياء ذكرى مجزرتي (15 خرداد 63) و (29محرم، 9 كانون الأول 1978) كشاهد على عسف الشاه واضطهاده وحتى تعرف الأجيال القادمة جرائم الملوك السفاحين. 

7-  أنا اقدّر ما هو موجود في دستور الاتحاد من ارتباط كل الطلبة في الخارج مع بعضهم البعض (في أمريكا وكندا والهند والفليبين وسائر المناطق الأخرى) وتعاونهم في نشر حقائق الإسلام التحريرية، والانسجام من أجل تحقيق العدالة وقطع أيدي الظالمين واللصوص الجبناء، ويجب توعية شبابنا البسطاء والسذج، فمن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً. 

8- يجب نشر نشاطاتكم ونشراتكم في إيران خاصة والحوزة العلمية في قم والجامعات الواعية لكي تتوحد الجهود والنشاطات ويبادروا جميعاً إلى النهضة، ويجب اتخاذ قواعد في الداخل بأي صورة ممكنة لتقويم الروح المعنوية وإضعاف المعنويات واهتزاز كيانه. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
163

153

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 9- يجب دعوة اللجان والاتحادات إلى مراقبة سلوك أعضائها، لكي لا يندس الأفراد والمنحرفين داخل اللجان والاتحادات، وعليكم اليقظة والحذر في مراقبة العدو فلا غفلة ولا تساهل في مراقبته. 


10- تجنبوا الاختلافات فهي تسري كالسرطان المدمر لتمثل النشاطات وتنسي الهدف الأساسي، اطردوا الأشخاص الذين يثيرون الاختلافات أو الذين يتمسكون بها لأنهم إما أن يكونوا مدسوسين وإما من ذوي الأغراض السيئة. 

إذا لم تلتحق فئات بالاتحاد لعذر ما، وكان لديها نشاطات إسلامية انسانية فعليكم أن لا تحاربوها وتجنبوا الاختلاف معها، بل يجب السعي إلى تكوين نوع من الارتباط معها ودافعوا عن بعضكم البعض لأن الهدف واحد وهو الإسلام، كما يجب نسيان الأهواء الشخصية وحب البروز. 

في الختام يؤكد الإمام: إني أمد يدي إلى كل الجهات التي تعمل من أجل الإسلام وأطلب من الجميع التعاون في ما بينهم لبسط العدالة الإسلامية التي هي الطريق الوحيدة لسعادة الأمة. 

هذه كانت ملامح رؤية الإمام وتصوره وبرنامجه لبناء الإنسان الذي يشكل المحور الأساسي في بناء المجتمع وتشكلاته السياسية، يبقى أن نذكر أن الإمام حاول جاهداً في برنامجه العملي ردم الهوة التي كانت موجودة بين طرفي المنظومة الثقافية والفكرية الحوزة والجامعة فعمل دوماً للتركيز على توحيدهما، وإيجاد حالة من التفاهم والانسجام بينهما لذا نراه يخاطب طلاب الحوزة والجامعة قائلاً: "لتسع الجامعة في تحكيم ارتباطها بالفيضية ولتسعَ الفيضية كذلك لتقوية علاقاتها
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
164

154

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 بالجامعة"1. ويضيف مؤكداً على دورهما في بناء الإنسان، "فعلى الحوزات العلمية أن تخرج علماء ملتزمين بمعنى الكلمة، فالحوزات يجب أن تكون مراكز لبناء الإنسان، كذا الجامعة فهي الأخرى يجب أن تكون مراكزاً لبناء الإنسان"2

 
2- القيادة والسلطة: تنطلق رؤية الإمام للقيادة والسلطة من كون أن "شقاء الشعوب وسعادتها مرهونان بأمور عديدة ومن أهمها كفاءة الجهاز الحاكم"3. فموقع السلطة والقيادة وتأثيرها حاسم في واقع المجتمعات والشعوب، ولعل هذه الرؤية لا تحتاج إلى الكثير من التنظير الفكري والفلسفي، بل هي مورد اتفاق لدى العديد من المفكرين والفلاسفة، حيث أن أي شعب مهما كانت الطريقة التي تتناوله بها، لن يكون مطلقاً إلا كما ستجعله طبيعة حكومته يكون"4
 
وانطلاقاً من كون "أن صلاح الجهاز الحاكم والذين يتولون المناصب الحساسة يؤدي إلى صلاح العامة"5، فلقد شرع الإمام في برنامجه الاستنهاضي في توجيه الأنظار إلى الخلل الكامن في راس الهرم السياسي أي في السلطة المتمثلة آنذاك في الشاه وحكومته ونظامه، فاعتبر أن "الملك نفسه هو مصدر كل الفساد"6، وأنه يتحمل مسؤولية تردي الأوضاع في إيران على كل الصعد، بدأ من التبعية الثقافية وصولاً إلى انهيار الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لدى شريحة واسعة من الناس، مروراً بالظلم والاستبداد الذي تمارسه السلطة مع
 
 
 

1- الإمام الخميني، الكلمات القصار مصدر سابق، ص273. 
2- الإمام الخميني، الكلمات القصار مصدر سابق، ص273. 
3- الإمام الخميني، الكوثر، مصدر سابق، ج3، ص329. 
4- جاك جان شوفالييه، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة محمد عرب صاصيلا، مجد للدراسات والنشر ـ ط1، بيروت1985 ـ ص475 ـ نقلاً عن كتاب الاعترافات لجان جاك روسو. 
5- الإمام الخميني، الكوثر، مصدر سابق، ج3، ص330. 
6- الإمام الخميني، الكوثر، مصدر سابق، ج3، ص323. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
165

155

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 المعارضة وأصحاب الرأي الآخر، وهو في نهضته بدأ خطأ تصاعدياً في مواجهة السلطة والشاه بدأت في 1963 في المدرسة الفيضية في خطابه الأول التحريضي والاعتراضي على الخطوات التي اتخذها الشاه وحكومته في عدد من الموضوعات

 
 العامة وانتهاءً في آخر خطاب له بعد انتصار الثورة وبعد وصوله أيضاً إلى طهران، حتى انه بقي يذكر سيئات وجرائم الشاه بحق المجتمع والإسلام حتى بعد انتصار الثورة أيضاً، مستخدماً أسلوب تعداد وذكر الانتهاكات التي قام بها الشاه أو حكومته للدستور الإيراني ولمباديء الإسلام ولأحكام القرآن ولعلم العقلاء ولحقوق الإنسان حتى وصل به الأمر إلى أن يعتبره "مصدر فاسد" كما ذكرنا. 
 
أمام هذا الواقع "لا فائدة ما لم يتم إصلاح الأمر من الأساس وبدأ من النقطة الأولى أي الإطاحة بهذه العائلة (المالكة) التي يجب أن ترحل"1. إذن يجب البدء من هنا أي من القمة ووضع سلطة البلد بيد شخص يسعى لخدمته وليس لتحقيق مطامحه الشخصية مثلما فعل هؤلاء (الملك وحكومته)2
 
لذا كان برنامج النهضة عند الإمام مرتكزاً في عناوينه السياسية إلى مباديء ثلاثة هي: إسقاط النظام البهلوي ـ زوال الحكم الملكي ـ إقامة الجمهورية الإسلامية وقد جاء هذا البرنامج واضحاً في خطبه بحضور مجموعة من الطلبة الجامعيين، أثناء وجوده في "نوفل لوشاتو ـ باريس"، بتاريخ 13/11/1978م، فهو يقول: "لقد اقترحنا ثلاثة أصول ونريد أن نرى الآن اياً منها يرفضه الذين من المحتمل أن يعارضوها،
 
 
 

1- الإمام الخميني، الكوثر، مصدر سابق، ـ ج3 ـ ص334 ـ 336. 
2- نفس المصدر. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
166

156

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

  الأصل الأول هو أن الشعب الإيراني كما تجلى في شعاراته خلال المظاهرات في هذه المدة،، لا يريد سلطة العائلة البهلوية... والأصل الثاني إنهاء الحكم الملكي لأنه غير سليم فهو رجعي وبالٍ، والى الأبد، وهو خاوٍ من الأساس... والأصل الثالث هو أننا نطالب بإقامة الحكومة الإسلامية، جمهورية إسلامية نرجع فيها إلى آراء الشعب، كما أننا نحدد شروطها أيضاً وهي مذكورة في الإسلام وسنقول للشعب: يجب أن تنتخبوا الشخص الذي تتوفر فيه هذه الشروط1

 
ويضيف "أما بالنسبة لدستورنا فهو الذي حدده لنا الله تبارك وتعالى، وينص ـ حتى الدستور الموجود الآن وتتمته ـ على نفي الصيغة القانونية عن أي تشريع يتعارض مع أحكام الشرع الإسلامي، وهذا ما نطالب به نحن، ولكنه لم يتحقق تنفيذه عملياً، ونحن نريد تطبيقه عملياً، نريد إقامة دولة يحكمها الصالحون"2
 
وهو يحدد مواصفات الحاكم المطلوب الذي يشكل النقيض للحاكم الموجود، في قوله: إن الحاكم في المجتمع الإسلامي هو ذاك الذي يقوم بما قام به الإمام علي عليه السلام مع أخيه عقيل لكي يمنعه من طلب أي تفضيل مادي على الآخرين ومن طلب معونة إضافية من بيت المال. 
 
والذي يسترد العقد الذي تأخذه ابنته كعارية مضمونة من بيت المال ويقول لها لو لم تكن عارية مضمونة لكنتِ أول هاشمية تقطع يدها في الإسلام، فنحن نريد حاكماً كهذا، حاكم يطبق القانون لا أهوائه ولا ميوله ويرى الجميع متساوون أمام القانون وذوي حقوق أساسية ووظائف متساوية فلا يفرق ولا يميز بين أحد واحد3
 
 
 

1- الإمام الخميني، الكوثر، مصدر سابق، ج3، ص41 ـ 53. 
2- نفس المصدر. ـ ص339. 
3- الإمام الخميني، الحكومة الإسلامي’ ـ مصدر سابق ـ ص164. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
167

157

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 بالإضافة إلى هذا البرنامج الصريح والمعلن كان الإمام قد وضع نظرياً وعبر الاستدلالات الفقهية، نظرية ولاية الفقيه، المتضمنة وجوب السعي لإقامة الحكومة الإسلامية وشرائطها ومواصفات الولي الفقيه الذي له ولاية مستمدة من ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة في غيبتهم، وبالتالي كان الإمام يمتلك رؤية متكاملة لشكل الحكم الإسلامي المطلوب أن يكون بديلاً عن سلطة الشاه وحكمه الملكي1، وقد سعى لترويج هذه الرؤية2 التي شاعت وصارت ثقافة جماهيرية يتحدث بها الناس فضلاً عن المتخصصين والعلماء. 

 
ولكن لم يكن وجود رؤية وبرنامج للقيادة والسلطة عند الإمام كافياً لضمان نجاح النهضة التي انطلق بها، رغم أهميتها فلقد استطاع الإمام أن يعطي المثل الأعلى والقدوة الصالحة بنفسه من خلال مسلك عرفاني وأخلاقي قل نظيره وهذا المثل الأعلى يجسده الإمام، هو المثل الأعلى الإسلامي والديني المؤدي إلى بعث صورة (الأنبياء والأئمة) عند أبناء المجتمع الإسلامي في إيران، وهو النقيض للمثل الأعلى الذي كان المستغربين قد حاولوا استيراده وتجسيده في آتاتورك في تركيا والشاه رضا خان ثم محمد رضا في إيران وباعتباره: أن أساس شقاء المسلمين هو الحكومات المرتبطة بالشرق والغرب"3
 
لقد وقفت الأمة على مفترق طريقين الأول يؤدي إلى المثل الأعلى الأجنبي وهو ما عملت عليه السلطة وجسدته بقيادتها، والثاني يؤدي
 
 
 

1- راجع الإمام الخميني، كتاب الحكومة الإسلامية، مجموعة محاضرات حول ولاية الفقيه، مصدر سابق. 
2- تم الترويج لها بالإضافة لطلابه في الحوزة والخطباء، عبر طباعة كتاب الحكومة الإسلامية، وتوزيعه بشكل واسع جداً. 
3- الإمام الخميني، الوصية الخالدة السياسية الإلهية، مصدر سابق ـ ص49. 


 
 
 
 
 
 
 
 
168

158

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 إلى المثل الأعلى المنسجم مع عقيدة الأمة وتاريخها وهويتها ورواده هم العلماء وفي مقدمتهم كان الإمام الخميني فاختارته الأمة مثلاً أعلى لها. 

 
ولعل ما شد وجذب الملايين إليه، هو تلك الصفات وذلك المسلك الرباني الذي امتاز به الإمام الخميني وشكل (كاربزم) مؤثراً جداً في صفوف الإيرانيين بل والمسلمين عموماً. 
 
استطاع من خلاله أن يستحضر عقول وأفئدة ووجدان الجماهير صورة القائد الأول في صدر الإسلام (النبي وأصحابه وأئمة أهل البيت) كما كان لصلابة موقفه وعدم قبوله بالمساومة وإنصاف الحلول أثرا إضافياً في نجاح النهضة وتعلق الناس بها والذين ملوا من أنصاف الحلول وأحبطوا من التجارب الفاشلة سابقا، هذه الصلابة التي تجلت في رفض الحلول التي طرحت عليه قبل الثورة بأسابيع ومنها، تشكيل هيئة من الشخصيات السياسية والدينية بإسم (المجلس الوطني) ويفوض إليه كل صلاحيات الملك الدستورية ويقوم بحل مجلس الاعيان والنواب ويعزل رئيس مجلس الوزراء (بختيار) ثم يرشح الإمام الخميني جديداً للحكم طبق هذا الترتيب1"، وغيرها من المبادرات التي كانت تقوم على التسوية، وإنصاف الحلول وكانت تواجه بجواب واحد من الإمام: الرفض وطلب مواصلة النهضة والمظاهرات وعدم الخوف، والتحلي بالصبر والصمود وإيمان بالنصر القريب مؤكداً "الأمة ابتداءاً بعلماء الدين ومروراً بالجامعيين وانتهاء بفئات العمال والفلاحين من الرجال والنساء قد وعت واستيقظت إلى الأبد، وأن هؤلاء المعذبين
 
 
 

1- انظر الجزء الثالث من مجموعة الكوثر، مصدر سابق، ص48. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
169

159

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الذين مرت عليهم إشكال المصائب والمآسي من المستحيل أن يصالحوا هذه العائلة أو يوافقوا على استمرار هذه السلطة الباغية الباطلة ولو ليوم واحد. إن الأمة الإيرانية امة مسلمة، وتريد الإسلام الذي يحقق الاستقلال والحرية"1. وامتلك الإمام بهذه الصفات قدرة فائقة على تثوير الشارع وتحريك الجماهير من كل الطبقات والشرائح وهو ما كانت تخشاه دوماً سلطة الشاه وتتراجع دباباتها واسلحتها أمام زحفه المقدس. 

 
3- الأمة وأساليب استنهاضها: تعتبر الأمة في المفهوم الإسلامي ظاهرة قصدية، بمعنى وجود قصد ما يجمع جماعة من الناس، سواء كان مقصداً اختياراً أم اضطرارياً، والقصد الذي يوحد الجماعة من الناس ويحولهم إلى "امة" هو المثل الأعلى الذي تتبناه الجماعة من الناس. 
 
ويرى الشهيد السيد محمد باقر الصدر أن المثل الأعلى يرتبط بوجهة نظر عامة إلى الحياة والكون وهو في الأمة الإسلامية "المثل الأعلى المطلق" أي الله تعالى، فمن خلاله تتحدد وجهة سيرهم وينظم بينهم شبكة من العلاقات الاجتماعية التنظيمية"2. وبناء على هذا الفهم للأمة لم يكن الإمام الخميني ليرى في الأمة خللاً بنيوياً لناحية غياب أحد عناصر أو شروط تكونها بقدر ما كان يرى أن المشكلة يمكن في ديناميتها وحركتها باتجاه القصد والهدف، حيث أن هذه الأمة الدينامية والحركة متعثرة أو أحياناً متوقفة ومصابة بالشلل في كثير من المواضع لاسيما في المواضع التي تشكل محطات الضخ في جسم الأمة، أو القلب النابض فيها، "فعلى أثر هذا الضعف والتكاسل الذي عمّ
 
 
 

1- الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرفض، مصدر سابق، ص332. 
2- محمد عبد الجبار، مجلة المنطلق والأمة في المفهوم الإسلامي، العدد 59، بيروت 1986. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
170

160

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الأوساط الإسلامية بدأت أقدام المستعمرين تترسخ في بلاد الإسلام أكثر فأكثر"1

 
عناوين برنامج استنهاض الأمة
 
ومن هنا كان برنامج الإمام في الاستنهاض شاملاً لكل شرائع الأمة بدءاً بمحطات الضخ والقلب في الحوزات والجامعات وصولاً إلى كل الفئات الشعبية الأخرى التي كان يرى فيها الخير وينشد من خلالها الأمل بالنهوض ولعلنا نرى في دعوته والنهوض محاكاة لتجربة الأنبياء مع أقوامهم، تلك التجربة التي تبدأ في تثوير الداخل الإنساني والفطرة المنسجمة مع الدين: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾2، والمرتكزة إلى مُسلَّمة مفادها أن منشأ جميع الهزائم والانتصارات هو الإنسان نفسه، وأن الإيمان أساس جميع الأمور ومحركها و"إذ قوي الجانب الإيماني عند الناس، هانت كل الأمور"3
 
أ: نشر الإيمان الصحيح
 
لقد بدأ العمل لبث الإيمان في نفوس الناس استناداً إلى المفهوم القرآني: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾4، وأوكل هذه المهمة إلى الخطباء والعلماء وطلبة الحوزة، باعتبارهم أصحاب
 
 
 

1- الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرفض ـ مصدر سابق ـ ص133. 
2-  الروم ـ  30. 
3- الإمام الخميني، الكلمات القصارو مصدر سابق، ص133. 
4- الإمام الخميني، الكلمات القصارو مصدر سابق، ص133. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
171

161

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الاختصاص بهذا الشأن فهو يخاطبهم قائلا: "عليكم أن تجدّوا في الإرشاد والتعليم لأجل نشر الإسلام وشرح مفاهيمه"1، ويضيف موجهاً الطلبة في الحوزة "ضعوا أيديكم بأيدي الشعب المناضل والباحث عن الحرية وعندها يكون أمر إقامة الحكومة الإسلامية أمراً مؤكداً"2

 
ولا بد من الإشارة هنا إلى وجود مناخات مهيئة في المجتمع الإيراني ساعدت في تنفيذ هذه المهمة، حيث أن المسلمين يشكلون 98% من سكان إيران ومعظمهم من المذهب الشيعي "الإثنا عشري" بالإضافة إلى قربهم التاريخي من العلماء والتدين وباعتبار أن المساجد والحسينيات تشكل نقاط الالتقاء اليومية بين الناس والعلماء والخطباء، فهي ساهمت بفعالية على نشر الإيمان الصحيح المنفتح على الحياة، والمحرك للداخل الإنساني، والذي يدفع الإنسان لتحمل المسؤولية في عملية التغيير والمشاركة فيها بفاعلية تصل إلى حدود الاستشهاد والتضحية بالنفس في سبيل المبدأ والعقيدة ورفض الظلم والطغيان ومعروف ما للمسجد من قدرة على التعبئة الايمانية وفق قوله تعالى ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾3، وهي حسب قول الإمام "قلاع الإسلام الحصينة"4
 
ب: استيعاب الأمة بكل شرائحها
 
تجاوز الإمام الواقع التاريخي الذي أفرز تقاعساً عند العلماء عن
 
 
 

1- الرعد،11
2- الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، مصدر سابق، ص169 ـ 173. 
3-  الجن، 18. 
4- الإمام الخميني، مختارات من أقواله، مصدر سابق، ج4، ص112. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
172

162

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 العمل السياسي الصريح الهادف إلى إقامة الحكومة الإسلامية والمستند إلى تجارب حدثت مع الأئمة عليه السلام وعمدتها "ما جرى مع الإمام علي عليه السلام والإمامين الحسن والحسين"عليهما السلام" ومع زيد بن علي ويحيى بن زيد " ومفادها أن الناس التي تقاعست عن نصرة الأئمة وأبناءهم لن تتوانى عن خذلان الفقهاء وهم دون الأئمة وأبنائهم في الإيمان والمرتبة الاجتماعية. 

 
واستطاع أن يكسر هذا المفهوم (عدم نصرة الأمة لأئمتها) والذي اصطلح عليه الفقهاء بعقدة "أهل الكوفة" الذي طلبوا إلى الإمام الحسين عليه السلام الثورة وبايعوه بكتبهم ورسائلهم ثم بعد أن ثار ونهض فخذلوه ولم ينصروه (سنة60ه ـ ). 
 
لقد أحسن الإمام الظن بالأمة وبإمكاناتها الجبارة وباستعدادها للنهوض والتضحية، لأنه رأى بأم عينيه ردود الفعل الغاضبة والمتمردة على أجهزة القمع في السلطة... عندما هاجمت المدرسة الفيضية عام 1962 وشاهد الناس تنزل إلى الشوارع في ثورة مصدق في نفس العام، وهي تضحي بنفسها في سبيل الحرية والاستقلال. 
 
لذا عمل على كسر الإطار التقليدي الذي وضعت فيه حوزة قم، وتجاوز الحدود الصارمة التي رسمت لها كي تظل مركزاً علمياً محافظاً فأحالها إلى خلية ثورية ملتهبة، ونجح في تفجير سخط الجماهير وغضبها على الشاه ونظامه1، لأن القناعة التي ينطلق منها هي أن الأمة قادرة على مواجهة الأقوياء في رفض ما يخالف عقيدتها، لذا "يجب أن نقنع أنفسنا انه إذا أراد شعب أن يحيا بدون تبعات فإن
 
 
 
 

1- فهمي هويدي، إيران من الداخل، مصدر سابق ـ ص21. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
173

163

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 باستطاعته ذلك ولا يستطيع الأقوياء في العالم أن يرفضوا على شعب ما يخالف عقيدته"1.

 
لقد أدى انضباط العلاقة بين الأمة والإمام وعمقها وتجذرها إلى تلاشي المسافة بين قرارات الإمامة، كما في الأمور كلها، وبين التزام الناس وحركتهم بها أو حركاتها فيهم إلى درجة التوحد2
 
ونجد في خطاب الإمام للأمة، خطاباً شمولياً لا يستثني أحدا من أفرادها أو فئاتها فهو يريد زجّ الجميع في الصراع، ويؤكد على حضور الأمة الدائم في ميادين المواجهة قائلاً: " على جميع أبناء الشعب أن يلعبوا دورهم المطلوب في جميع القضايا السياسية"3، وهو يحرص على رفع معنويات الأمة ليعمق الثقة في نفسها وفي قدرتها على المواجهة فيقول "إنني ادعي وبجرأة أن الشعب الإيراني وجماهيره المليونية في عصرنا الحاضر أفضل من شعب الحجاز في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأفضل من شعب الكوفة والعراق في عهد أمير المؤمنين عليه السلام والحسين بن علي عليه السلام4.
 
وهو يلفت الأمة إلى الجانب المعنوي في حياتها، محاولاً إيجاد حالة من التكامل في اهتماماتها بين الجوانب المادية والمعنوية "فبالإضافة إلى أننا نحب لكم حياة مادية رغيدة فإننا أيضاً نحب لكم أن تعيشوا حياة معنوية طيبة.. نحن سوف نعمّر لكم الدنيا والآخرة وهذا الأمر من الأمور التي لابد أن تتم"5.
 
 
 

1- الإمام الخميني، الوصية الخالدة، مصدر سابق ـ ص111. 
2- د. سمير سليمان، الإمام الخميني والمشروع الجغرافي الإسلامي، مصدر سابق، ص75. 
3-الإمام الخميني الكلمات القصار-مصدر سابق- ص158-160
4- نفس المصدر. 
5- الإمام الخميني، توجيهات إلى المسلمين، مصدر سابق، ص7

 
 
 
 
 
 
 
 
 
174

164

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 لقد رعى الإمام الأمة بكل شرائحها رعاية أبوية، جعلتها تتوحد في ميادين الصراع والمواجهة، من التجمعات العلمائية بعناوينها المعروفة "روحانيون مبارز" و "روحانيت مبارز" واللذان شكلا ولحد الآن التياران السياسيان الأساسيان في المجتمع الإيراني، إلى المجتمعات الاتحادية للطلاب في الجامعة داخل إيران وخارجها، إلى النقابات والعمال والمزارعين الذين يعتبرهم أساس المجتمع الإنساني "وإن إدارة شؤون الدول بيد هؤلاء. عمال المصانع والمزارعين فهم أساس المجتمع"1، كما يشدد على دور الطبقات المحرومة في صنع الثورة قائلاً "تأملوا الأحجار المنحوتة على قبور الشهداء في 15خرداد، أي أناس كانوا؟ كلهم من هذه الطبقات المحرومة، طبقات الفلاحين والعمال والتجار المسلمين والكسبة ورجال الدين الملتزمين"2

 
وهو أعطى المرأة دوراً أساسياً "فمن أحضان المرأة ينطلق الرجال نحو السمو"3. فهي بنظره تتجاوز بدورها تطوراً عجيباً في مجتمع المرأة يفوق ما حصل عند الرجال"4
 
ومن المعروف في إيران أن للمرأة حضوراً فاعلاً ومؤثراً في الأسرة والمجتمع فهي تشارك في الحياة السياسية بفاعلية منذ أيام الثورة وهذا ما يؤكده الإمام بقوله: " إن ما تحقق لنا من انتصار يعود إلى النساء قبل الرجال"5
 
ج ـ الاستعداد وتنظيم الصفوف
 
انطلاقاً من كون الإسلام يحث على التنظيم والاستقرار ﴿وأعدوا
 
 
 

1- الإمام الخميني، مختارات من أقوال الإمام، مصدر سابق، ج1، ص59 ـ 93. 
2- نفس المصدر. 
3- الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق ـ ص279 ـ 281. 
4- نفس المصدر. 
5- نفس المصدر. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
175

165

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 لهم ما استطعتم من قوة﴾و "أوصيكما... بتقوى الله ونظم أمركم"2. فقد أولى الإمام عناية خاصة لشؤون تنظيم صفوف الأمة، لكنه ابتعد في هذه المهمة عن استعارة الأطر المعروفة في الحياة الحزبية الحديثة، بل استعار واستحضر تجربة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التشكيل الذي اعتمد في المدينة المنورة أبان قيام الدولة الإسلامية، وهو ما أطلق عليه الإمام في اللغة الفارسية "بسيج مستضعفين" أي التعبئة العامة للمستضعفين، وينخرط فيها كل أفراد الأمة بمجموعات شبه قتالية متدربة على فنون الدفاع، وتتوزع على نسقين أو مقياسين أساسيين: التوزيع الجغرافي حيث تتشكل نسبة إلى عملها أو مهنتها. 

 
وهو يشدد على "أن الأمة التي تسير في خط الإسلام المحمدي الأصيل المخالف للاستكبار.. يجب أن يكون جميع أفرادها تعبئة وان أكثر التشكيلات ضرورة هي تعبئة الجامعيين وطلبة الحوزة العلمية "3
 
ومهمة التعبئة الأساسية كما حددها الإمام في الدفاع عن الثورة "إما الدفاع فهو عام يشمل الرجل والمرأة، الكبير والصغير، العجوز والشاب، وهي جزء من خطة وضعها الإمام بعد الثورة لمواجهة أي احتمال لتعرض إيران لغزو ثقافي خارجي يستدعي أن تهب الأمة كلها للدفاع والمواجهة من خلال قوله: " إننا نريد الاستعداد فيجب إعداد العشرين مليون أي جميع الشباب وجميع الذين يتوقع منهم العمل وان يضعوا في حساباتهم ذلك اليوم الذي يهجم فيه العدو"4
 
 
 

1- الأنفال،  60. 
2- الإمام علي عليه السلام- نهج البلاغة- تحقيق د. صبحي الصالح- دار الكتاب اللبناني - بيروت 1967- ط1-ص421
3- الإمام الخميني، على طريق المقاومة، إصدار حزب الله، 1995 طب1، بيروت ص37. 17
4- نفس المصدر. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
176

166

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 ولعل في ذلك الإمام أراد أن يحمي الثورة ويصونها بعد انتصارها وخوفاً من تعرضها للخطر الخارجي، (كما وقع بالفعل في حرب الثماني سنوات عندما دخل ا لعراق إلى الأراضي الإيرانية) وكان دور التعبئة في الحرب أساسيا وفاعلاً. 


وليست التعبئة هي التشكيل الوحيد وان كانت الأبرز والاوسع، فقد دعا الإمام أيضاً إلى تشكيل (سباه باسداران انقلاب اسلامي) أي حرس الثورة الإسلامية وهي تشكيل عسكري خالص متفرغ لحماية وحراسة الثورة الإسلامية وانجازاتها على المستوى الداخلي، ويشارك بنفس الوقت في الدفاع عنها إلى جانب الجيش في مواجهة الأخطار الخارجية. 

وقد اشتهرت عند الإمام كلمة أطلقها أثناء الحرب مع العراق تمنى فيها أن يكون فرد من أفراد الحرس، الذين يعتبرهم مفخرة الثورة الإسلامية، وقد تطورت هذه الصيغ والتشكيلات الرسمية في الدولة والمجتمع الإيراني، ويمكن أن تقارب هذه التجربة ما شهدته بعض البلدان الاشتراكية من تشكيلات الحرس الوطني أو الشعبي، وبالاضافة إلى ذلك نجد أن الإمام لم يشجع على قيام الأحزاب بأشكالها المعاصرة ولكنه رعى وأيد بعض التجمعات العلمائية التي شلت عملياً تيارات سياسية داخل المجتمع الإيراني وهو حالياص ما يطلق عليه الليبراليون (روحانيون مبارز) والمحافظون (روحانيت مبارز) وهما الفريقان الأساسيان في إيران اليوم. 

وهذا لا يعني انه منع قيام التجمعات الحزبية أو النقابية أو الطلابية "ليس كل حزب سيء ولا كل حزب جيد فالميزان هو الغاية التي يهدف إليها ذلك الحزب، بل حاول دوماً أن يدفعها للانخراط في التشكيلات الواسعة للأمة، وان يحذرها من كثرة الاختلافات وانتشار
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
177

167

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الروح الحزبية الضيقة التي تهدد وحدة المجتمع لذا نجده يدعوها إلى الوحدة والتنظيم قائلاً: "اتحدوا وتنظموا ورصوا صفوفكم واسعوا لتكوين الإنسان المضحي المتوافق معكم فكرياً.. ورصوا صفوفكم وأسعوا لتكوين الإنسان المضحي المتوافق معكم فكرياً.. ولا تغفلوا عن فضح مؤامرات نظام الجبابرة في إيران، الذي هو معادٍ للإسلام والمسلمين"1

 
وهو يؤمن بحرية الفكر لدى الأحزاب والتجمعات غير الإسلامية، بشروط عدم تآمرها على النظام الإسلامي فيقول: "إما في المجتمع الذي نفكر اقامته فسيكون الماركسيون احراراً في شرح مطالبهم، لاننا نعتقد بان الإسلام قادر على تلبية حاجات الناس ومتطلباتهم الحياتية وان ايماننا ومعتقدنا قادران على مواجهة ايديولوجيتهم.. وإننا لا نسلبهم حريتهم فكل واحد حر في الإعلان عن معتقده ولكنه ليس حراً في التآمر"2.، ويضيف "إن التكتلات والأحزاب التي تشكلها الجماهير مسموح بها، ما لم تعرض مصالح الجماهير للخطر، والإسلام عيّن حداً لكل هذه الأمور. 
 
د. استحضار الأبعاد السياسية والاجتماعية للعبادات
 
العبادة في الإسلام لا تنفصل عن السياسة، كما السياسة لا يمكن أن تكون في معزل عن العبادة، هذا هو منطق عدم الفصل بين السياسة والدين الذي يقع في صلب ثقافة الإمام وفكره، لذا نراه وهو يقود حركة الاستنهاض للأمة يدعو لاستثمار المواسم العبادية من أجل بث الوعي السياسي بين المسلمين، وإيقاظهم على الأخطار المحدقة بهم، ولفت نظرهم إلى حجم الطاقات والامكانات الهائلة الكامنة في
 
 
 

1- الإمام الخميني، دروس في الجهاد والرفض، مصدر سابق، ص157. 
2- المصدر نفسه. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
178

168

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 الأمة، والتي لا بد من تفجيرها نتاجاً ثورياً لتغير الواقع السيء، وإذا كانت المواسم العبادية في الإسلام متنوعة المواقيت والأماكن والطقوس، فإن هذا الأمر يساعد على توسيع دائرة الاستفادة التعبوية السياسية والاجتماعية في هذا الموسم، فصلاة الجماعة اليومية في المسجد تصهر أبناء الحي الواحد في تشكل اجتماعي يعيش هماً مشتركاً ويربطهم بإمام المسجد الذي يستمعون إليه بشكل يومي، وهو يستطيع إذا ما أحس أسلوبه أن يحول المسجد إلى خلية ثورية دائمة النبض بقضايا الأمة "فالمسجد محل ينبغي أن تدار فيه الأمور، والمساجد هي التي حققت النصر لشعبنا، فكل حركة في التاريخ الإسلامي منذ صدر الإسلام انطلقت من المسجد"1، ولعل أبرز مصاديق التعبئة السياسية الالتزام بهتاف التكبير وإعلان العداء لأمريكا وإسرائيل بعد كل صلاة في مساجد إيران. 

 
وصلاة الجمعة ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية والتي تجمع مئات الألوف أو الملايين أحياناً وبشكل دوري اسبوعياً، هي محطة أخرى للتعبئة السياسية، حيث يقوم الخطيب بإلقاء خطبتي الجمعة والتي تخصص احداهما للمسألة الاجتماعية السياسية حكماً، فتتوحد من خلالها الرؤى السياسية للمجتمع ويضبط ايقاع حركة القضايا العامة فيه من خلال ذلك، ولقد شهدت إيران أثناء الثورة وبعدها العشرات من المسيرات والمظاهرات المليونية التي كانت تخرج بع صلاة الجمعة بهتاف واحد، وشعار موحد، لتطالب بقضية أو لتعلن موقف تمت التعبئة السياسية له أثناء خطبة الجمعة. 
 
 
 

1- الإمام الخميني، الفصل بين الدين والسياسة، مصدر سابق ـ ص22. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
179

169

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 والأمر يتكرر في صلاة العيدين (الفطر والاضحى) ليبدأ كل عيد مع التعبئة السياسية والاجتماعية بأبرز الموضوعات المطروحة في الواقع الاجتماعي والسياسي عند الأمة. 

 
إما في العبادة السنوية (الحج) المميزة في مواقيتها وأماكنها وطقوسها، فهي تمثل أعلى وأوسع الأبعاد السياسية للعبادة، وقد كان هذا البعد السياسي ما الأبعاد السياسية لبقية العبادات مغفولاً عنها أو مهجورة. ولكن الإمام الخميني في حركته الاستنهاضية التي قادها وحرك أوراها أعاد لهذه العبادات معانيها السياسية والاجتماعية. حيث يجتمع ملايين المسلمين من كل الأقطار الإسلامية في مكان واحد سنوياً. 
 
"فهناك جوانب سياسية كثيرة تطرح في الاجتماعات (جماعات وجمعات) وخصوصاً في الاجتماع العظيم للحج، والتي من جملتها الإطلاع على المشاكل الأساسية والسياسية للإسلام والمسلمين، فيجب على جميع الاخوة والاخوات الإسلاميين أن ينتبهوا إلى إحدى مهمات فلسفة الحج وهو إيجاد التفاهم وتحكيم الأخوّة بين المسلمين1" إلى العديد من المعاني التي تتضمنها هذه الفريضة التي لا يتسع المجال لذكرها. 
 
وهو يذكر ذلك أيضاً في رسالة جوابية للملك خالد، بعد أن اعترض المسؤولون في السعودية على الإيرانيين لإقحامهم المسائل السياسية في موسم الحج. 
 
"إن الأقطار الإسلامية، بسكانها المليار وثروتها الطائلة وفي طليعتها
 
 
 

1- الإمام الخميني، الحج في كلام الإمام، ترجمة حسن عز الدين، دار اوسيلة، بيروت 1992. ط1، ص53. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
180

170

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 بحار النفط التي تفيض الحياة في شرايين الدول الكبرى قد حباها الله بأحكام القرآن وتعاليم النبي الأكرم عليه السلام العبادية والسياسية التي تحث المسلمين على الاعتصام بحبل الله ونبذ الفرقة والتمزق، وجعل الحرمين الشريفين ملاذاً لها، فقد كان هذان الحرمان مركزين للعبادة والسياسة الإسلامية، فيهما ترسم خطط الفتح وتحدد مناهج السياسة في عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فهل هتاف هؤلاء ضد أمريكا وإسرائيل عدوتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جريمة 1".

 
وكما في الجمعة والجماعة والحج يدعو الإمام أيضاً للاستفادة من موسم عاشوراء سنوياً حيث يحتفل المسلمون والشيعة منهم خصوصاً بذكرى فاجعة كربلاء فينطلق الخطباء ليقوموا بدور التعبئة الفكرية والسياسية، وتبيان ابعاد واسباب ثورة الإمام الحسين عليه السلام ومظلوميته، واستشهاده في سبيل إصلاح الأمة وتقويم الانحراف، وهو يؤكد "إن أهم وأول فصول المواجهة الدامية في نهضتنا كان في عاشوراء الخامس عشر من خرداد (مجزرة المدرسة الفيضية) 2" ونتيجة هذه الاستفادة من روحية عاشوراء ومفهوم الشهادة فيها يعتبر الإمام الخميني "إن الثورة الإسلامية في إيران هي ومضة من عاشوراء والثورة الإلهية التي اندلعت فيها"3. ويضيف داعياً لإحياء هذه المناسبة "احيوا ذكرى شهر محرم فكل ما لدينا من محرم هذا4
وهكذا يؤكد الإمام على بقية المناسبات التي يعتبرها من أيام الله وهو لا يقتصر بدعوته على المناسبات التاريخية المعروفة، بل يضيف
 
 
 

1- المصدر نفسه، ص72. 
2- الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق ـ ص72. 
3- الإمام الخميني، الكلمات القصار، مصدر سابق، ص128 ـ 129. 
4- نفس المصدر. 

 
 
 
 
 
 
 
 
181

171

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 إليها كل المناسبات المستجدة والتي كان للشعب الإيراني فيها أحداث أساسية (نصر أو شهادة) مثل يوم 15 خرداد فيقول " إني أعلن يوم الخامس عشر من خرداد حداداً عاماً إلى الأبد"1، وكذلك يوم السابع عشر من شهريور فهو يوم من أيام الله"2، وغيرهما الكثير من المناسبات التي تحولت إلى محطات للاجتماع الشعبي من خلالها يتم حث الناس بكل فئاتهم وطبقاتهم على النهضة والمشاركة في الثورة والتمرد على الظلم. 

 
ه- خطاب الاستنهاض
 
لقد كان خطاب الاستنهاض هو الوسيلة الأساسية في تواصل الإمام كقائد مع الأمة، وكان ينتشر هذا الخطاب عبر التسجيل والكاسيت عندما كان الإمام في المنفى ويوزع في إيران بشكل واسع أو ينقل مقاطع منه في بعض الاذاعات والصحف ووسائل الاعلام الأخرى. 
 
ومن هنا يرتدي خطاب الاستنهاض باعتباره آلة الاتصال بين القائد وشعبه خلال الثورة أهمية خاصة تستدعي التوقف عنده وأبرز أهم ملامحه وخصوصياته، ولعل مراجعة سريعة لهذا الخطاب الذي مرّت مقاطع منه في فصول البحث يؤكد تميزه بما يلي: 
1- البساطة والوضوح: فلم يستخدم في خطبه المصطلحات المعقدة أو الفلسفية أو البلاغية التي يمكن أن تشكل عائقاً في وصوله إلى الناس وفهمه من قبلهم فقد كان خطابه واضحاً وصرياً ليس فيه موارية أو لعب على الألفاظ أو ضبابيه في المواقف. 
 
 
 

1- المصدر نفسه، ص71 ـ 72. 
2- نفس المصدر 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
182

172

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 2- الثبات والصلابة: على مستوى المراحل الزمنية منذ أول خطاب منشور له سنة 1962م مروراً بالثورة عام 1978م وحتى رحيله عام 1989م، وعلى مستوى تعدد الموضوعات والمناسبات والظروف، يلحظ عدم التغير والتبدل في ثوريته وحسمه للموقف وعدائه للاستكبار لاسيما أمريكا وإسرائيل ورفض المساومة وأصناف الحلول مع الظالمين. 


3- الانسجام بين الخطاب والممارسة: لم يكن طرح الشعار عنده في الخطاب طرحاً استهلاكياً بعيداً عن التجسيد العملي، بل كان دوماً متكاملاً معه، وحريصاً على التطابق بين ما يطرحه نظرياً وما يجسده عملياً، فعندما كان يطرح الإسلام بكل أبعاده، كان يمارسه في كل تصرفاته حتى استطاع أن يشكل قدوة للناس. 

4- استنفار التاريخ: استحضر في خطابه دوما سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة "عليهم السلام" والوقائع الإسلامية في صدر الإسلام لتشكل حافزاً مهماً في عملية الاستنهاض للشعب المؤمن بالرسول والأئمة، وليواسي الناس بهم كما يراعي الترابط التاريخي وعدم القطع مع العصر الذهبي في الإسلام، فاعتبر النهضة امتداداً لدولة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام وثورة الحسين عليه السلام. 

5- الثقة بالنفس وحتمية الانتصار: يمتليء خطاب الإمام بروح الثقة بالنفس ويحاول دوماً تعميم هذه الثقة يوحي دوماً في خطابه بحتمية الانتصار ويستشهد على ذلك بالمعادلات الإلهية في القرآن، وهو ذلك يشبع ويزرع الممكن رافضاً اللاممكن أو المستحيل الذي حاول الأعداء والجهلة زرعه في عقول الأمة، فهو ليس قلق ولا يقلق الآخرين. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
183

173

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 6- استحضار المفهوم الغيبي: استناداً إلى مفهوم الإمداد الغيبي الإلهي للمؤمنين ونظراً لما في ذلك من أثر في حركتهم ونهضتهم وقيامهم لله، نجد حضوراً لهذا المفهوم دوماً في خطابات الإمام. 


7-  مخاطبة العقل والعاطفة معاً: يكاد لا يخلوا خطاب من خطاباته من اللغة المشتركة التي تخاطب العقل طوراً وتخاطب العاطفة طوراً آخر، ولعل في ذلك وقع كبير على البسطاء من الناس والمثقفين منهم. 

8- الشمولية: لم تغب قضايا العالم الإسلامي عن خطابه حتى في أكثر الظروف تأزماً أن يستحضر هموم وقضايا المسلمين في فلسطين ولبنان وأفغانستان والعراق وكشمير وغيرها، ولعل ذلك يستند إلى نظرته للمسلمين كأمة واحدة، لذا دعوته إلى الوحدة بين المسلمين لم يخلوا منها خطاب له. 

9- الربط بين الطرح السياسي والخلفية الفكرية: يتميز خطابه دوماً بطرح الواقع السياسي والمعاناة المعاشة وما يجب أن يتم السعي إليه لتغيير هذا الواقع انطلاقاً من الواجب الإلهي والتكليف بالعمل والسعي لإحقاق الحق وإقامة العدالة ورفض الظلم والتمرد عليه مستشهداً بالمفاهيم الإسلامية وسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة"عليهم السلام" وأحكام الإسلام الفقهية والسياسية. 

10- الجمع بين الدنيا والآخرة: في خطابه التبليغي لا تغيب السياسة وفي خطابه السياسي لا يغيب التبليغ، فهو ينطلق دوماً من كون الإسلام مشروع لإعمار الدنيا وضمان حسن العاقبة في الآخرة، وهما متكاملان غير منفصلان في المشروع الحياتي ولا في الهدف، ولا في الأسلوب والممارسة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
184

174

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 و ـ التكافل والاكتفاء الذاتي

 
سؤال كبير يطرح نفسه في حركة الاستنهاض التي قادها الإمام في إيران... في ظل الأوضاع المعيشية والاجتماعية والاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك وعلى مدى السنين التي قضاها الإمام بين الحوزة والسجن والمنفى كيف استطاع أن يمول حركته ويجيب عن الكثير من الاستحقاقات التي كانت تواجه هذه الحركة في الجانب المالي والمعيشي، لاسيما عند الطبقة المحرومة والفقيرة التي تشكل دائماً عماد الثورة وعنصرها الأساسي. 
 
والاجابة تكمن في أن نظام الحقوق الشرعية (الخمس) التي هي بالإضافة لكونها عبادة وفريضة واجبة الأداء في مواضع محددة (حسب الشريعة) فهي في الوقت نفسه تمثل نشاط اجتماعي مالي أيضاً وهكذا تتجسد في هذه العبادات الأبعاد الاجتماعية في الحياة عند الفرد والمجتمع المسلم. 
 
وفريضة الخمس "تدفع على الغنائم والمعادن والكنز وما اخرج من البحر بالغوص والأرض التي اشتراها الذمي من المسلم والمال المختلط بالحرام وما يفضل عن مؤنة سنته (من الأرباح) سواءً في الصناعات أو الزراعات أو التجارات والإيجارات وحيازة المباحات... الخ"1، وشكل هذا المورد نسبة 20% مما ذكر أعلاه المصدر الأساسي لتمويل مصاريف الحوزة العلمية عند الشيعة حيث تدفع هذه الأموال إلى المراجع في الطائفة الشيعية ويقومون بتوزيعها بدورهم على مؤسسات الحوزة والأعمال الخيرية الأخرى.
 
 
 

1- الإمام الخوئي، منهاج الصالحين، الجزء الأول ـ كتاب الخمس ـ ص347 ـ 355 ـ ط3 ـ بيروت 1975. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
185

 


175

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 ولقد شكل البازار أو السوق، أحد مراكز القوة الاقتصادية في إيران تاريخياً، وقد كان له دائماً في دوره الفاعل في الحياة السياسية من خلال مؤسساته المستقلة التي لم تفلح السلطة في احتوائها أو تذويبها"1، وهو كان يضم حتى منتصف السبعينات 250ألف صاحب محل وهؤلاء يمارسون نفوذهم أيضاً على مساعديهم ومستخدميهم في المحال وعلى الآلاف من الباعة المتجولين وتجار التجزئة والسماسرة والى ذلك من شبكة العلاقات التي يشكون محورها الأساسي.

 
والأهم هو العلاقة الوثيقة بين البازار والمؤسسة الدينية وهي علاقة ثابتة تاريخياً حيث ظل البازار الممول الأساسي للمؤسسة الدينية من خلال ما يدفعه من الزكاة والخمس إلى الفقهاء والمراجع لينفقوها في مصاريفهم الشرعية المقررة. 
 
ومن أبرز هذه المصاريف الشرعية كان عند الإمام دعم النهضة ومساعدة الطبقات المحرومة واسر شهداء الثورة والمحتاجين عموماً مما جعل جواً من التكافل الاجتماعي والقدرة على الاستمرار في المظاهرات والمسيرات المليونية التي كانت تخرج إلى الشوارع منددة بسياسة الشاه ومطالبة برحيله. 
 
وتنظيم ذلك كان يتم في مراحل الثورة عبر ما يسمى لجان الأحياء المرتبطة كل منها بإمام المسجد في الحي، واللجان هذه هي بمثابة القنوات التنظيمية التي كان يشرف عليها العلماء في عملها وهي تقوم بالمهام التنفيذية المطلوبة سواء في إيصال المساعدات اللازمة إلى هذه العائلات بعد استلامها من اللجان المركزية والقيادية للثورة. 
 
 
 

1- فهمي هويدي، إيران من الداخل مصدر سابق، ص313. 


 
 
 
 
 
 
 
 
186

176

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

 وقد تمأسس هذا النوع من العمل بعد الثورة في ثلاث مؤسسات رئيسية هي: 

مؤسسة ـ شهيد الثورة الإسلامية ـ وهي ترعى عوائل الشهداء. 
 
مؤسسة ـ إمداد الإمام الخميني ـ وهي ترعى العوائل الفقيرة والتي لا معيل لها أو من يكون معيلها غير قادر على العمل لمرض أو نحوه. 
 
مؤسسة ـ بنياد مستضعفان ـ وهي ترعى العوائل المستضعفة أي التي لا يكفيها انتاجها الشهري. 
 
مؤسسة جرحى الثورة الإسلامية ـ وهي ترعى الجرحى والمعوقين وتتابع استشفائهم وتأهيلهم النفسي والمهني. 
 
ولكن من هذه المؤسسات هيكليات منظمة وإمكانات ضخمة ومشاريع انتاجية تدر عليها الأرباح التي تصرف في المصاريف المقررة لكل منها1.
 
 
 
 

1- معلومات شخصية عبر الإطلاع مباشرة على هذه المؤسسات في أكثر من زيارة لها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
187
 

177

خاتمة

 الخاتمة

 
نتائج حركية التجديد والاستنهاض في الإسلام السياسي

منذ سقوط الدولة العثمانية كآخر حلقة في الخلافة الإسلامية المتداعية، واقتسام تركتها العربية والإسلامية بين دول الحلفاء ومع تكرس نظام القطبين الاشتراكي والرأسمالي وامتداد نفوذهما إلى كل الأنظمة في العالم الثالث، والتي عبّر عنها كيسنجر بقوله هناك نقاط ودوائر مغلقة، وهناك دوائر مفتوحة يحصل فيه الصراع بين القطبين، بقي السؤال الذي يطرح نفسه ويتردد في المحافل الفكرية والسياسية: لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ هل انتهى عهد الإسلام السياسي وفعالياته مع تبلور مفهوم الدولة الحديثة عند الغرب وإسقاطه على أنظمة المنظمة، وهل يتناقض هذا الشكل السياسي للحكم مع الإسلام؟ وهل هناك إمكانية لعودة الإسلام السياسي في ظل الثنائية السياسية العالمية القائمة والمسيطرة على الأنظمة في عالمنا العربي والإسلامي. إلى العديد من الأسئلة التي أبرزها الواقع المتردي الذي عاشه المسلون بعيداً عن المضمون الفكري والسياسي لهويتهم التي لم يعد لهم منها سوى العنوان. 

وإذا كان مفكرو عصر النهضة حاولوا الإجابة عن السؤال المطروح بمحاولة العودة إلى الأصالة عند بعضهم، أو التوفيق والتوليف مع
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
189

178

خاتمة

 الفكر الغربي ونهضته عند البعض الآخر أو عبر الاستعارة الكاملة للفكر الغربي وقراءة الفاتحة على الإسلام السياسي عند البعض الثالث، فإنهم جميعاً لم يخرجوا من حدود السجال الفكري والسياسي في الحد الأقصى لم تصل تجارب البعض النهضوية عملياً إلى أبعد من تشكيل حزبي أو تيار دون الوصول إلى حالة استنهاضية نصنع ثورة وتقيم دولة. 


وجاءت حركة التجديد والاستنهاض عند الإمام الخميني لتحسم الجدل، ولتجيب عن السؤال المطروح، ولتستكمل حلقات تاريخية في الدائرة الإسلامية الشيعية وتضيء بأشعتها على الدائرة الإسلامية الأوسع والأشمل على امتداد العالم العربي والإسلامي، ولتعيد عملياً حضور الإسلام السياسي ارتكازاً إلى يقين نظري وإيماني بالإسلام كنظام كامل للحياة، لم يفقد فعاليته أو قدرته على قيادة المجتمعات وبناء حياتها الدنيوية في حالة من العزة والكرامة، تتكامل في خط تصاعدي روحي وإيماني مع الحياة الأخروية. 

ومن يقرأ الإمام في حركيته التجديدية الفكرية والاستنهاضية العملانية يلحظ تكاملاً وتنسيقاً وترابطاً بين الأصالة والتحديث، بين استحضار التاريخ الإسلامي ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي والإجابة عن متطلبات الحياة، بين المحسوس والمعقول، بين الإيمان بالغيب والعرفان وبين الواقع المعاش، بكل تفاصيله وتعقيداته واستحقاقاته المادية. 

وهذه الحركية تسير على هدي الإسلام الأصيل الذي ينطلق يتمحور حول الإنسان ويبدأ في تحريك الداخل فيه عقيدة وإيماناً ومسلكاً اجتماعياً يصنع الحياة ويمارس السياسة كجزء لا يتجزأ من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
190

179

خاتمة

 العبادة لله والإعداد للآخرة، وتنطلق في المجتمع لترسي في أواصر التكامل والترابط والتمحور حول القضية الواحدة والانطلاق بصفوف متراصة خلف إمامة القائد الذي أعطى مثلاً أعلى بمسلكه المتميز والفريد، فاستحضر في أذهانهم إمامة المعصومين والأنبياء وجسدها في القرن العشرين، والذي غابت فيه مثل هذه التجليات منذ زمن. 


وبهذه القراءة من حيث التوقيت الصعب، ومن حيث المكان المهم، ومن حيث المضمون، نجح الإمام بجهد دؤوب ومتواصل لمدة خمسين عام في دفع وإعادة الإسلام السياسي إلى سدة الحكم وعبر خطاب شمولي تخطى بتأثيره وتحريكه الاستنهاضي دائرة الوطن، عبر تصدير الثورة ليتردد صدى الإسلام السياسي في أنحاء عديدة من العالم العربي والإسلامي، في فلسطين، (حماس والجهاد الإسلامي) وفي لبنان (حزب الله والمقاومة الإسلامية) وفي الجزائر، وفي العراق، واندنوسيا، والفلبين، حتى أصبح للإسلام السياسي حضوراً فاعلاً يحسب له الحساب في المعادلات الدولية والإقليمية والمحلية. 

وثم يبرهن الإمام الخميني باطلاقه للإسلام المحمدي الأصيل من قطعه على قدرته القيادية الفائقة وأهلية الشعب الإيراني المسلم على الثورة فحسب، بل برهن أيضاً على قدرة الإسلام الاستنهاضية وفعاليته في إحياء الممانعة والمقاومة للظلم والجور عند الشعوب والأمم التي تؤمن به، وعن صلاحية الأمة وأهليتها للتمرد والنهضة إذ وجد المشروع المؤهل والقائد البارع. 

كما انه كشف عن ضخامة الجناية التي يمارسها كل من ساهم في حجز هذا الإسلام السياسي في القمم وجمّد طاقاته الهائلة، والبنّاءة وأبعدها عن مجال البناء الحضاري لهذه الأمة وشعوبها، كما انه عرّى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
191

180

خاتمة

 الكثير من الأنظمة التي حملت الإسلام زوراً فساهمت بتشويه صورته في أذهان الكثيرين ممن لم يتعرفوا على الإسلام الأصيل بعد. 


لقد ولد الإسلام ولادة سياسية جديدة على إيقاع هذه النهضة الخمينية في مطلع الثمانينات، واستطاع لحد الآن أن يواجه الكثير من محاولات ضربه وإقصائه، وصمد عبر النظام الجمهوري المرتبط بقيادة الولي الفقيه، والمختلف عن غيره من الأنظمة المعاصرة في هذا المجال، ولكنه المتماهي معها في إشراك الشعب في اختيار الرئيس والهيئة التشريعية، وأثبت انه قادر أيضاً على إقامة علاقات دولية، كان الرهان على عدم قدرته على نسجها واستثمارها، وهاهو اليوم يشكل بالإضافة إلى كونه قوة إقليمية فاعلة في محيطها ومنطقتها، النموذج الذي يحتم الكثير من المسلمون في العالم بتقليده ومماهاته واستعارة تجربته الفريدة. 

ويبقى السؤال بعد تسعة عشر عاماً على قيام هذا النظام (كمحصلة لحركية النهضة والتجديد) حول نقاط النجاح والإخفاق في هذه التجربة بكل تفاصيلها، وهذا يحتاج إلى بحث آخر نأمل أن تتسنى له الظروف والامكانات للدخول فيه. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
192

181

خاتمة

 المصادر والمراجع


الكتب 

(أ) 
* الله القرآن الكريم

* ابن أبي طالب الإمام علي نهج البلاغة، تحقيق د. صبحي الصالح، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1، 1967م. 

* ابن منظور لسان العرب، طبعة دار المعارف، مصر، (بدون سنة). 

* إقبال د. محمد تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة عباس محمود، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة 1968م. 

* الأنصاري حميد حديث الانطلاق (نظرة في الحياة العلمية والسياسية للإمام الخميني) الوحدة الثقافية، بيروت ط1، 1995م. 

* الآصفي محمد مهدي الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، النجف، ط1، 1398هجري ـ. 

* الأفغاني جمال الدين العروة الوثقى، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1980م. 

الأعمال الكاملة تحقيق د. محمد عمارة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
193

182

خاتمة

 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت. 


أمين أحمد زعماء الإصلاح في العصر الحديث، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، (بدون سنة).
 
(ب) 
* الباقري د. جعفر ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، دار الصفوة، بيروت ط1، 1994. 

* بن نبي مالك بين الرشد والتيه ترجمة عمر مسقاوي، دار الفكر، دمشق ط1 1964م. 

(ت) 
* الترابي د. حسن الفكر الإسلامي.. هل يتجدد؟، مكتبة الجديد تونس. 

(ح) 
* حسن د. عباس الفكر السياسي الشيعي، الدار العالمية، بيروت، ط1، 1998م. 

حرب د. اسامة الغزالي الأحزاب السياسية في العالم الثالث، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت، (بدون سنة)، (بدون طبعة). 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
194

183

خاتمة

 (خ) 

* الخميني الإمام روح الله الفصل بين الدين والسياسة، ترجمة وإعداد محمد علي حسين، وزارة الإرشاد الإسلامي طهران 1985م. 

خطاب بمناسبة مجزرة مكة، المستشارية الثقافية الإيرانية، بيروت 1988م. 

الإسلام طريق العزة والكرامة والكمال الإنساني، منظمة الاعلام الإسلامي، طهران، 1982م. 

حديث الشمس، ترجمة رعد جبارة منظمة الإعلام الإسلامي، ط1، 1977م. 

الكلمات القصار (مواعظ وحكم من كلامه) الوحدة الثقافية، بيروت، ط1، 1955. 

صحيفة نور (مجموعة من خطاباته واحاديثه) وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران 1368هـ. ش. 

الكوثر (مجموعة من خطاباته) مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام، طهران، ط1، 1317ه.ش، ج1، 2، 3. 

الجهاد الأكبر، الدار الإسلامية، بيروت 1980. 

الآداب المعنوية للصلاة دار طلاس دمشق ط1، 1371ه.ش، 1984م. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
195

184

خاتمة

 الحكومة الإسلامية، المكتبة الإسلامية الكبرى، طهران، ط2، 1980م. 


البيان التاريخي الموجه للعلماء والحوزات 15 رجب 1409هجري ـ إصدار مجلة بقية الله، بيروت 1990م. 

تحرير الوسيلة، دار الأنوار، بيروت 1982م، (بدون طبعة). 

دروس في الجهاد والرف وثائق ومواقف من مسيرة جهاد الإمام، منشورات مجلة فلسطين المحتلة، بيروت 1990م. 

مواقف الإمام تجاه إسرائيل، دار التوجيه الإسلامي، الكويت، 1981م. 

مختارات من أقوال الإمام، ترجمة محمد جواد المهري، إصدار وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران ط1، ج1، 2، 3، 4، 1402ه. 

الوصية الخالدة (السياسية الإلهية)، مكتب وكلاء الإمام، بيروت ط1، 1990م. 

الاستقلال الثقافي طريق الثورة نحو الأصالة الإسلامية، ترجمة وإعداد محمد علي حسين، طهران، (بدون سنة). 

الاستقامة والثبات في شخصية الإمام، ترجمة الشيخ كاظم ياسين، مركز الإمام الخميني الثقافي، بيروت، ط1، 1992م. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
196

185

خاتمة

 خطاب الانتصار، الوحدة الإعلامية في حزب الله، بيروت ط1، 1992م. 


توجيهات الإمام إلى المسلمين، ترجمة محمد مهدي المهري وزارة الإرشاد الإسلامي طهران، ط1، 1402ه. 

النداء التاريخي بمناسبة الحج، عام 1407هجري ـ، مؤسسة الفكر الإسلامي (ب. م) نظرة سريعة على الثورة الإسلامية، مؤسسة مجاهدي الثورة الإسلامية، طهران، ط1، 1359ه.ش. 

(س) 
*سلطان د. جمال تجديد الفكر الإسلامي، دار الوطن، الرياض، ط1، 1412ه. 

*سليمان د. سمير الإمام الخميني والمشروع الحضاري الإسلامي، دار الوسيلة، بيروت ط1، 1992م. 

(ش) 
* شريعتي د. علي الأمة والامامة، ترجمة أبو علي مؤسسة الكتاب الثقافية طهران 1367هـ. ش. 
إسلام شناسي جابخانه، طوس، إيران، مشهد 1374هـ.ش. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
197

186

خاتمة

 *شمس الدين محمد مهدي في الاجتماع السياسي الإسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت ط1، 1992م. 


* شوفاليه جان جاك تاريخ الفكر السياسي، ترجمة د. محمد عرب صاصيلا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروتو ط1، 1985م. 

* شرف الدين الإمام المراجعات، مطبوعات النجاح بالقاهرة، ط30، 1979م. 

(ص) 
* الصدر محمد باقر التشيع والإسلام، دار الغدير، بيروت ط4 1973م. 

اقتصادنا، دار التعارف للمطبوعات، ط5، بيروت، 1981م. 

المدرسة القرآنية، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1980. 

(ع) 
*العاملي الحر وسائل الشيعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1971م. 

*العاملي جعفر المرتضى ولاية الفقيه بحث فقهي استلالي، قم 1402هجري ـ. 

*عواد د. رياض سليمان محاضرة مطبوعة (المؤتمر الثامن للفكر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
198

187

خاتمة

 الإسلامي)، الإمام وسياسة اللاشرقية واللاغربية، منشورات منظمة الاعلام الإسلامي، طهران 1990م. 


* عبد الله حسن عبد الله يوميات الثورة الإيرانية، دار الكتاب بيروت، ح1، ط1، 1979م. 

(غ) 
*غليون برهان الاجتهاد والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، مركز دراسات العالم الاسلاميو مالطا، ط1، 1991م. 

(ق) 
* قصير عبد الله ولاية الفقيه الدين والسياسي، بحث أعد لنيل شهادة الجدارة في علم الاجتماع السياسي، الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الأول، بيروت1994م. 

(ك) 
*الكيالي د. عبد الوهاب موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط3، ج1، 2، 3، 4، 5، بيروت، 1990م.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
199

188

خاتمة

 * المدرسي محمد تقي المنطلق الإسلامي وأصوله ومناهجه، دار الجليل، بيروت ط2. 1981م. 


* الميلاد زكي الفكر الإسلامي بين التأصيل والتجديد، دار الصفوة، بيروت، ط1، 1994م. 

* مغنية محمد جواد الشيعة والحاكمون، دار الهلال، بيروت، ط5، 1981م. 

* مسعد جبران الرائد (معجم لغوي عصري)، دار العلم للملايين، بيروت، ط5، 1986م. 

* مطهري مرتضى الحركات الإسلامية في القرن الأخير، دار الهادي، بيروت، 1982م. 

* المقداد محمد توفيق من أنوار العشق الخميني، دار الوسيلة، بيروت ط1، 1966م. 
(هـ) 
*هويدي فهمي إيران من الداخل، مركز الأهرام للنشر والترجمة، القاهرة2 ، 1988م. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
200

189

خاتمة

دوريات 

مجلة الوحدة الإسلامية، العدد 26، طهران، 1985م. 

مجلة الشهيد، السنة السادسة، العدد 157، طهران، 1984م. 

مجلة الاجتهاد، السنة الثالثة، العدد 9، خريف 1980م. 

مجلة رسالة الثورة الإسلامية، العدد 30، طهران 1404هجري ـ. 

مجلة المنطلق، الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، العدد 58، بيروت، أيلول 1989م. 

مجلة التوحيد ـ تصدر عن منظمة الاعلام الإسلامي ـ طهران، العدد 36 ـ 1988م. 

المصادر الأجنبية 

Encyclopedie Del Islam Paris Library – C. Klicksieck 1984 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
201

190

الفهرس

 الفهرس

الإهداء

5

المؤلف في سطور

7

المقدمة

9

القسم الأول: التجديد في الفكر السياسي للإمام الخميني قدس سره

17

الفصل الأول:ظروف تكوّن شخصية الإمام قدس سره ورؤيته التجديدية

21

الظروف المحيطة بالنشأة

21

الفصل الثالث:الفقه السياسي الشيعي

41

الفصل الرابع: الفكر السياسي عند الإمام قدس سره

56

القسم الثاني: (الاستنهاض) النهضة الإسلامية وأثر حركة التجديد فيها

105

الفصل الأول: مفهوم النهضة وجذورها التاريخية

107

الفصل الثاني: الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في إيران قبل الثورة

127

الفصل الثالث: تصور الإمام لحركة النهضة وبرنامجه لتغيير الواقع

151

الخاتمة: نتائج حركية التجديد والاستنهاض في الإسلام السياسي

189

المصادر والمراجع

193

 

 

 

 

 

 

 

 

 

203


191
حركة التجديد والإستنهاض