العلّامة الشيخ حسين معتوق شمسٌ بين محراب ومنبر


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-12

النسخة: 1


الكاتب

المركز الإسلامي للتبليغ

مؤسسة إسلامية، تعنى بالتبليغ المسجدي والعام، ورعاية شؤون أئمة المساجد والمبلغين.


الفهرس

 

الفهرس

5

المقدّمة

7

الفصل الأول:بزوغ الشمس

11

الفصل الثاني:السيرة التبليغيّة

17

الفصل الثالث:على صعيد دوره الإجتماعيّ

61

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

69

 

 

 

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

الفصل الخامس: الكلمات القصار

85

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

119

 

 

 

 

 

 

 

 

6


2

المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم


العلاّمة الشيخ حسين معتوق، اسمٌ لَمَعَ في أواسط القرن العشرين، حيث استطاع بفطنته الفريدة أن يحوّل المنبر الحسينيّ إلى مدرسةٍ تُعلِّم الناس مناهج الحياة والعزّة.

غيّر نظرة الناس نحو العلماء في وقت كانت فيه الحركات الإلحاديّة تعمل ليل نهار من أجل إبعاد الناس عن دينهم وقِيَمهم ورسالتهم وعلمائهم.. فقد واجههم بكلّ قوّة، واستطاع أن يحدَّ من أذاهم لا سيّما في منطقة الغبيري في بيروت، وفي قرى النبطيّة في جبل عامل.

إنّه بحرٌ لا حدود له، كلّما قرأتَ عنه كلّما ازددتَ عطشاً وشوقاً لمعرفة المزيد، ولعلّ الباحث عن جهاد العلاّمة الشيخ حسين معتوق ونشاطه وعمله، سيقف حائراً أمام الفيض الهائل من عطاءاته ومشاركاته؛ لذا فإنّ هذا الكتاب، ما هو إلاّ لمحة مجملة من عمره الشريف، وقد تمّ إعداده بناءً على مقابلات مع بعض من عرفه من بلدته وأقاربه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

المقدمة

 وللشيخ محطّات بارزة تصلح أن تُدوّن في سجّل الكرامات العظيمة، فهو يقول عن المتقاعسين في طلب العلم: "لا عذر لأحد في التقاعس عن طلب العلم، فإن كان السبب الفقر فأنا كنت فقيراً، وسلكت هذا الدرب, وأَعتبر نفسي حجَّةً على المتقاعسين".

 
 وبعد الشرارة الأولى من انطلاق ثورة الإمام الخمينيّ قدس سره كان يدعو الله مبتهلاً أن ينصر هذه الثورة ويكتب لها النجاح، وأثناء ذكرى أسبوع أحد المقاتلين اليساريّين في بلدة كفرصير، قال: "بأنّه بدل التلهّي بالحروب الداخليّة، فإنّه من الأفضل أن يتمّ دعم الثورة الإسلاميّة في إيران"، حتّى إنّه قال لرجل لديه خمسة أولاد في الأحزاب العلمانيّة، ولدى إجابته عن سؤال حول الإمام الخمينيّ قدس سره قال للسائل: "خَمّس أولادك عند الإمام الخمينيّ".
 
 وعن القتال والجهاد، وأثناء الحرب الأهليّة وما حصدته من ويلات في بيروت وضواحيها، كان يوجّه كلامه دائماً نحو الاتجاه الصحيح، فيقول في غير مرّة: "العدوّ الحقيقيّ لنا هو الكيان الإسرائيليّ الغاصب، من أراد أن يقاتل عدوّاً فليقاتل إسرائيل، فإسرائيل عبءٌ كبير على لبنان والأمّة..."
 
 إنّه العلاّمة الشيخ حسين معتوق، الذي وهبَ كلّ وقته لخدمة المؤمنين، متنقّلاً بين مسجد الغبيري ومسجد صير الغربية، وله في كلّ مكان قصّة جميلة، وفي كلّ بيت مكان مألوف، وفي كلّ قلب ممّن عرفوه مكانة لا تمحوها الأيّام ولا السنوات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

المقدمة

 مقدَّمة المركز

 وتبقى مسيرة العلم والعلماء منارات هدى ومصابيح بصيرة تقود الأمّة إلى سبيل الرشاد، وتنقذهم من ظلمات الجهل والضلالة، وقطرات ماء تبعث الحياة في النفوس فتُعطيها المعاني الحقيقيّة للوجود ليتجلّى التوحيد في السلوك، وتعمر القلوب بالإيمان، فتسيل الحكمة في أوعية المعرفة، وترسم للأمّة معالم الطريق الذي لا يَرْعوي أعداء الدين عن محاولات طمس أنواره بأفواههم أو بغبار يثيرونه لتعمية الناس عن رؤية جادّة الهدى.
 
 إنّ المركز الإسلاميّ للتبليغ، وإيماناً منه بعظمة جهود العلماء الأعلام الذين حملوا هذه الرسالة في الزمن الصعب وواجهوا التحدّيات المختلفة، يرى لزاماً عليه أن يقدّم كلمة شكر وكلمة وفاء لهؤلاء الأطهار الذين مهّدوا السبيل وثبّتوا المداميك الأولى لهذا الصرح الكبير، ونثروا البذور الأولى لهذا الزرع الوافر الذي تنعم الأمّة اليوم بمختلف نعمه الوافرة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

المقدمة

 إنّ واجب الشكر لهؤلاء العلماء الذين سبقونا في العلم والتجربة والعمل ونحن ننهل من معين تجاربهم، من حيث نشعر أحياناً ومن حيث لا نشعر أحياناً أخرى، أن نحيي ذكراهم ونعترف بأسبقيّتهم وفضلهم، فمثلهم كمثل الجنود المجهولين الذين يبنون مجد الأمّة ولا ينتظرون منها جزاءً ولا شكوراً، وإنما يتوسّمون الرفعة والعلياء عند ربّ الأرباب وإله الأرض والسماء.

 
 إنّ واجب الوفاء لهم عدم الغفلة والنسيان عمّا قدّموا، فإنّ من معايير الأمّة الراشدة أن تبرز ما نكنُّه لعلمائها ورجالات الهداة فيها من احترام وتقدير، مدركة لجمال ما صنعوا وشاكرة لجلال ما تركوا، وحاملة لأمانة ما خلّفوا بصدق وثبات.
 
 إنّ فضيلة الشيخ حسين معتوق قدس سره واحد من هؤلاء الرجالات الذين سطع نجمهم في ليالي الأمة المظلمة، وتلألأت أنواره في غفلة الجهل والضلالة، فكان المعلم والمربّي والهادي الذي تربّى تحت منبره الكثيرون، وتتلمذ على يديه نخبة من الطلاب الذين أضحوا من أهل العلم والفضل والإيمان، فنسأل لهم الله تبارك وتعالى أن يمنّ على أمّتنا الإسلاميّة بالمزيد من أمثال العلاّمة فضيلة الشيخ حسين معتوق قدس سره لتبقى شعلة العطاء والعلم والجهاد مشعّة متوقّدة إلى يوم القيامة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

6

الفصل الأول: بزوغ الشمس

 المولد والنشأة

وُلد الشيخ حسين معتوق قدس سره في بلدة العباسيّة، من قرى جبل عامل في قضاء صور، عام 1330هـ الموافق لعام 1912م، وقد نشأ يتيماً في عائلة فقيرة تعتمد الزراعة مصدراً لمعاشها، إذ توفّي والده يوسف مصطفى معتوق قبل أن يبصر النور، ومن هنا نعلم أنّه قد بدأ مسيرة الحياة عصاميّاً، إذ لم يقف وراءه سوى أمٍّ طاهرة مثاليّة كانت تكابد الجهد والمشقّات لكي تؤمّن له العيش بكرامة، وينتهي أمر هذه الأمّ البارّة إلى أن تدفع ولدها بهدوء، لكي يمضي إلى النجف الأشرف، عاصمة العلم وحاضنة الحوزة العلميّة، مع ما في ذلك الدفع من التفاني والتضحية بوجود ولدها الوحيد قربها، فقد كان له أخوان كبيران هما حبيب وخليل، لكنّهما سافرا إلى الأرجنتين بُعيْد الحرب العالمية الأولى، وهو طفل في سِنِيه الأولى، ولم يَعد منهما إلى الوطن سوى حبيب في منتصف عام 1966م، إلاّ أنّه ما لبثَ أن يمّم وجهه شطر المهجر مرّة أخرى في آخر العام نفسه، ووافته المنيّة في بيونس أيرس عام 1978م. هذه الأمّ لطالما كانت

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

7

الفصل الأول: بزوغ الشمس

 تمنّي النفس برؤية ولدها وقد عاد إلى البلاد عالماً كبيراً. وكان ذلك بعد ربع قرن من الزمان. عاد الشيخ حسين معتوق عالماً مرموقاً ومشهوداً باجتهاده، لكن بعد أن رحلت إلى الباري الكريم.

 
 - المسيرة العلميّة
 تلقّى علومَه الأوليّة من الأجرومية والقطر والخطّ والحساب عند الشيخ إبراهيم ياسين، ثمّ انتقل إلى طيردبّا لمتابعة الدراسة عند الشيخ حسين مغنيّة قدس سره.
 
 وفي العام 1347هـ، هاجر إلى العراق لمتابعة دراسته الدينيّة في مدينة النجف الأشرف، حيث درس الرسائل عند السيّد حسين الحمامي، والمكاسب عند السيّد محمود الشوشتري، وحضر درس الخارج في الفقه عند الشيخ محمّد عليّ الخراسانيّ الكاظميّ، وخارج الكفاية عند الشيخ عبد الحميد ناجي، ثمّ خارج العروة الوثقى عند السيّد محسن الحكيم قدس سره، حيث انقطع إليه انقطاعاً تامّاً، إلى أنْ بلغ الأخير مرحلة المرجعيّة.
 
 وفي هذه الفترة، كانت تشدّه أواصر الصداقة التي عمَّقها البحث العلميّ إلى نفرٍ من علماء جبل عامل كالشيخ إبراهيم سليمان, والسيّد عبد الرؤوف فضل الله, والسيّد محمّد سعيد فضل الله وغيرهم.
 
 ولقد كانت الظروف الحياتيّة التي مرّ بها الشيخ حسين معتوق في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

8

الفصل الأول: بزوغ الشمس

 فترة دراسته المذكورة صعبة للغاية، تتّسم بالفقر المُدقع، والدأب والسهر على التحصيل، لا فرق في ذلك بين الليل والنهار.

 
 وعن هذه الفترة يتحدّث الشيخ إبراهيم سليمان، وهو من عاصر الشيخ حسين معتوق طيلة أيّام دراسته، فيقول في سياق ترجمته له في كتابه (علماء جبل عامل): "لقد بنىَ نفسه بنفسه، وكوّن ذاته بذاته، من غير أب يلوذ به أو وليّ يعتمد عليه، ولقد مرّت عليه وعلينا فترات من الضيق، دفعت بنا إلى الاشتغال بالعلم بدلاً من أن تحطّ عزيمتنا, أو تُقللّ من جهدنا، فكأنها كانت حافزاً لنا لبلوغ الغاية التي نتوخّاها بدلاً من الاشتغال بالدنيا وحطامها, والأثاث والرياش والملابس الفخمة والمآكل الشهيّة.
 
 وقد كان فقر أساتذتنا وعلى رأسهم السيدان الحكيم والحمامي، والشيخ عبد الحميد ناجي, والشيخ منصور المحتصر, والسيّد الشوشتري والشيخ عليّ غلام القميّ, والسيّد الكيشوان وغيرهم، مثلاً أعلى لنا يُرينا أنّ العلم لا يجتمع مع المال، وأنّ العلم قرين الفقر والصبر والجهد والتعب والبحث والدرس.
 
 وكنّا نرى التحقيق في جانب الفقر، وغيره في جانب الغنى من مشايخ النجف البارزين، لقد خرّجت النجف أيّام الفقر عشرات المجتهدين من أهل جبل عامل الأشمّ وحده، فضلاً عن بقيّة بلاد الشيعة الشاسعة الواسعة، ولم تخرّج أيّام الغنى ربع أو ثمن هذا العدد".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

9

الفصل الأول: بزوغ الشمس

 - العودةُ إلى الوطن

 بعدَ أن حازَ الشيخ حسين معتوق على درجة الاجتهاد المطلق، بإجازة من المرجع الديني الأعلى السيّد محسن الحكيم، انتُدب من قِبَله لممارسة مهمّة الإرشاد الدينيّ في مدينة بيروت، فكان أن شدّ الرحال إليها في عام 1371هـ الموافق لعام 1951م، واختار محلّة (الغبيري) مكاناً لإقامته وشرع في ممارسة مهامّه الدينيّة التي لم تكن تقتصر على المحلّة المذكورة، أو على مدينة بيروت بالذات، بل كانت تتَّسع شيئاً فشيئاً حتى شملت جميع الأراضي اللبنانية، وخاصّة حين انفردَ بمهمّة تمثيل للمرجعيّة العظمى في لبنان تحت عنوان "المعتمد الدينيّ الأوّل للمرجع الأعلى".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

10

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 الفعاليّات الدينيّة والروحيّة

لقد عاد الشيخ حسين معتوق قدس سره إلى لبنان، واستقرّ في (الغبيري) في فترة كانت فيها بيروت تُعاني من فراغ دينيّ، وكانت البلاد إجمالاً في الخمسينيّات والستينيّات تتّجه نحو العلمانيّة والفكر اليساريّ، المروِّج غالباً للإلحاد، والإنفلات الغرائزيّ الذي كانوا يسمونه حريّة وتحرُّراً، ومن مقولاتهم المشهورة:"الدين أفيون الشعوب" وقد حاصرت هذه الأفكار الدين والمتديّنين بحيث كانت العلاقة بين رجل الدين وسائر الناس محدودة وغير وثيقة، ممّا يزيد في صعوبة دوره والحدّ من نشاطه.

ومن هنا نعلم أنّ الشيخ حسين معتوق قدس سره قد بدأ باستقراره في بيروت رحلة الألف ميل، من نقطة الصفر، فقد كان همّه هو التأسيس قبل كلّ شيء وفي عدّة مجالات، وهكذا نجد أنّ دوره في كثير من الفعاليّات التي سنعرضها كان تأسيسيّاً غير ذي سابقة، وسوف نحصر عرضَها في الآتي:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

11

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 1- إحياء الشعائر الدينيّة والروحيّة:

 ويمكن الحديث عن عدّة إحياءات منها:
 
 أ - إحياء الشعائر الحسينيّة:
 وذلك بإقامة مجالس العزاء التي تنطوي على سيرة الثورة الحسينيّة, وإلقاء الخُطَب التي تتعرّض لتحليل فكر هذه الثورة العظيمة، وكان يقيم هذه المجالس في أيام عاشوراء فضلاً عن سائر أيّام السنة، وكان يركّز في إقامتها على جامع الغبيري، الذي قام بنفسه بتجديد بنائه، والذي كان يشكّل أكثر المجالس أهميّة في أيّام عاشوراء من كلّ سنة, وفي الوقت نفسه كان يُشرف على إقامة هذه المجالس في أماكن أخرى.
 
 وفي هذا المجال، يظهر دوره التأسيسيّ واضحاً، غداة كانت المجالس قبلَ قدومه إلى لبنان، وفي الفترة الأولى لاستقراره في بيروت، بدائيّة سطحيّة لا تتناسب مع مستوى هذه الذكرى ومُعطيات تلك الثورة العظيمة. فكان دائماً يفكّر في تطويرها بحيث تلتقي مع المستوى الثقافيّ الذي كان يرتقي شيئاً فشيئاً في بيروت، وخاصّة على صعيد الشباب، وبالأخص طلاّّب الجامعات، فكان أن اهتدى أخيراً إلى فكرة استقدام قارئ عزاء من أفذاذ مدينة النجف الأشرف، التي يتخصّص فيها بعض أصحاب الكفاءات، في قراءة المجالس الحسينيّة، ويتفرّغون لكيفيّة تطويرها بحيث تتلاءم مع هذا الزمن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

12

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 وقام بتنفيذ هذه الفكرة في أوائل الستينيّات، حيث شدّ الرحال إلى العراق، وهناك فتّش النجف حتى عثرَ على غايته المنشودة في شخص الخطيب الفذّ الشيخ عبد الوهّاب الكاشي رضي الله عنه فأحضره في تلك السنة إلى لبنان، مُوِّكلاً إليه أمر القراءة في مجلس الغبيري.


وحين شاهد الناس أوّل انهمار الغيث، كَثُرَ الطلب عليه في السنوات اللّاحقة، بحيث صار يعهد إليه أيّام عاشوراء في بيروت وحدها، بخمسة مجالس يوميّاً، فضلاً عن مجلس مدينة بعلبك المهمّ، ومجالس أخرى خاصّة.

وهكذا ذاعت شهرته، وأصبح يُشار إليه بالبنان، كلّما ذكرت القراءة والثورة والمجالس الحسينيّة، ولقد كان الشيخ حسين معتوق قدس سره حتّى أواخر أيّامه الشريفة، هو الذي ينظّم مجالس الشيخ الكاشي، ويُنسّقها بالتعاون مع العلماء الآخرين في بيروت، الذين كانوا يرغبون بأن يتولّى الشيخ الكاشي القراءة في مجالسهم الحسينيّة في عاشوراء.
ولقد بلغَ جامع الغبيري من الأهميّة في أيّام الشيخ حسين معتوق قدس سره، بحيث أن يُغلق الشارع الرئيسي المؤدّي من مستديرة المطار إلى الحازميّة، في وجه حركة السير تماماً يوم عاشوراء، من الثامنة صباحاً وحتى الظهر، موعد انتهاء العزاء الحسيني، ويعود السبب في إغلاقه آنذاك إلى تجمّع حشد المستمعين، الذين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

13

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 كانوا يؤمُّون هذا المجلس من مختلف نقاط بيروت والأراضي اللبنانيّة.

 
 ب- إحياء شعائر شهر رمضان المبارك:
 إنّ لشهر رمضان في كلّ مكان سِحراً، وإنّه في كلّ زمان ينبوع خير وبركة، وهو من السَّحَرِ إلى السَّحَر عبارة عن رَحَمات تتنزَّل من السماء على أهل الأرض تَهيب بهم أن يعودوا إلى الله في شهر الله، وإنَّ لهذا الشهر المبارك، في آخر لياليه وخصوصاً ليالي القدر في جامع الغبيري طَعماً ولَوناً آخرين، حيث يتحلّق جمعٌ غفير من المؤمنين، الذين جاؤوا من شتّى المناطق، حول الشيخ حسين معتوق قدس سره، الذي يقود جمعَهم في إحياء هذه الليالي العظيمة المليئة بالبركات، وخاصة الليلة الثالثة وهي ليلة الثالث والعشرين.
 
 إنّ جَلَسات الدعاء تلك، كانت تطول لتستمرّ أحياناً سبع ساعات، تتخلّلها استراحات محدودة، وكانت تشمل أدعية مشتركة من قبيل دعاء الجوشن الكبير, ودعاء السحر، وأدعية تختصّ بليلة دون سواها..
 
 ففي الليالي: لقد أثبت الشيخ حسين معتوق قدس سره أنّه في لحظات السموّ الروحي، تُختزل الكثير من القواعد الماديّة والطبيّة، حيث يظل مثابراً على إحياء تلك الليالي حتى الصباح، بنفس الجُهد إن لم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

14

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 نقل بأكثر منه، في سنوات عمره الأخيرة، بالرغم من إصابته بمرض خطير في قلبه.

 
 وفي النهار: لقد كان يُطيل المكثَ في المسجد عقيب صلوات الظهرين في أيّام شهر رمضان المبارك، وذلك لقراءة الأدعية النهاريّة العامّة والخاصّة.
 
 وقد كان هذا هو الدافع له لتأليف كتاب "منهج الدعوات في أعمال شهر رمضان المبارك من الأدعية والصلوات"، هذا الكتاب الذي جمع فيه كلّ شاردة وواردة تختصّ بهذا الشهر العظيم، مُعتمداً في تأليفه على أمّهات الكتب في هذا الباب، وعلى أوثق الأسانيد والمصادر، بحيث جاء من أكثر كتب الأدعية اختصاصاً بشهر رمضان المبارك.
 
 ج- إحياء شعائر يوم الجمعة:
 لقد كان الشيخ حسين معتوق قدس سره يُولي يوم الجمعة اهتماماً خاصّاً، ويُعِدُّ له إعداداً فريداً، وكان يتفرّغ في صباح أيّام الجمعة لاستقبال المؤمنين الذين كانوا يرافقونه ظهراً إلى مسجد الغبيري لإقامة الصلاة، وفي المسجد كان يركّز اهتمامه على خطبة الجمعة ويعتني بالسُّنَن والمُستحبّات، بما فيها تلاوة الزيارة المأثورة بعد الصلاة.
 
 د- بناء المساجد والحسينيّات:
 سَاهم سماحة الشيخ حسين معتوق قدس سره في إطلاق العشرات
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

15

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 من المساجد والنوادي الحسينيّة والمستوصفات والمكتبات العامّة، كما وساهم في مدّ يد العون إلى الكثير من النشاطات الاجتماعيّة والإنسانيّة، وفي هذا السياق نذكر منها:

 
 • الإشراف المباشر على بناء النادي الحسينيّ في بلدة صير الغربية في قضاء النبطيّة، وتجديد المسجد فيها وتوسيعه.
 • ضمّ المسجد الجامع في الغبيري إلى النادي الحسينيّ.
 
 التعليم الدينيّ ودعم الجمعيّات:
 كان للشيخ مساهمة فعّالة في التعليم الدينيّ في بيروت والمناطق، حيث كان يعيّن أساتذة لخصوص التعليم الدينيّ في المدارس الرسميّة وبعض المدارس الخاصّة، ويقوم بدفع رواتبهم.
 
 كما عمل على دعم التجمّعات الدراسيّة الدينيّة في لبنان، من خلال دفع الرواتب لطلّاب العلوم الدينيّة، وتأمين السكن لهم في بعض الأحيان، كي لا يضطرّوا للهجرة إلى الحوزات العلميّة في الخارج في وقت مبكّر.
 
 أنشطة تبليغيّة مختلفة
 مهمة الإرشاد الدينيّ والوعظ الأخلاقيّ، التي كان يقوم بها من خلال إمامة الجماعة في الغبيري، حيث كان يربط الناس بالعالم الآخر، ويصرف أنظارهم عن الدنيا وزخرفها. وله
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

16

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 خُطب تعتبر نموذجاً فريداً في مجال الوعظ، بحيث كانت تنفرد بأسلوب يذبّ الشباب عن حلقوم الشيطان، ليلقي بهم في نور الإيمان والتوحيد.

 
 وكانت حياته تتميّز بالزهد والبساطة الواضحة، ممّا كان يجعل لكلامه ولمواعظه أكبر الأثر في نفوس الناس، ومن وجوه بساطة حياته أنّه طوال عمره كان يلازم غرفة له صغيرة، كانت عبارة عن كلّ شيء بالنسبة إليه، فهي غرفة استقبال الناس، وهي غرفة الطعام، وهي غرفة المطالعة وإدارة الشؤون العامّة التي كانت من جملة مهامّه، وهي بالتالي غرفة نومه، وفي آخر حياته، حين بلغ أوجَ شهرته، كانت حياته لا تختلف قيد أنملة، عن حياته في أيّام دراسته.
 
 القيام بمهمّة الإرشاد الدينيّ من خلال التردّد إلى الكثير من المناطق، وخاصّة في جنوب لبنان، حيث كان يولي عناية خاصة لمنطقة النبطيّة، وبالأخصّ قرى صير الغربيّة وكفر صير والقصيبة، والقرى المحيطة بهذه القرى أيضاً.
 وكان يتردّد بشكل ملحوظ إلى القرى الشيعيّة في منطقة كسروان وجبيل حيث استطاع أن يقوم بدور إرشاديّ وتبليغيّ ملموس.
 
 وكان يخصّص يوماً أو يومين في الأسبوع، يقصد فيه المناطق المذكورة في الجنوب أو الشمال، وكان في كلّ بلدة يَقصدها
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

17

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

  يقوم بإمامة المصلّين من أهلها في مسجدها، وإقامة اجتماع عامّ يتحدّث فيه إلى أهالي البلدة، ثمّ يتبع ذلك اجتماعات خاصّة في منازل أهلها، وكانت تُعتبر من أكثر مجالس الفقه والأدب أهميّة.

 
 وكان من خلال هذه الجولات، يتعرّض إلى مشاكل النّاس ويحلّها بالطريقة المناسبة، وبالقدرة التي تسمح بها ظروفه وإمكانيّاته.
 
 ولقد كان يقوم بمهمّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر على وجهها الأتمّ، ولم يكن يتأخّر عن إنكار المنكر بيده في كثيرٍ من الموارد، وهي طريقة كانت تستند إلى جرأته وقوّة شخصيّته، إذ كان لا يخشى في الله لومة لائم.
 
 الإجابة عن استفتاءات الناس، وقد غَدَت هذه من مهامّه الأولى كممثّل للمرجع الدينيّ الأعلى الذي كان في كثير من الموارد يطلب في الاستفتاءات الواردة إليه من لبنان عدم تكلّف الكتابة إليه، والاعتماد على مراجعة الشيخ حسين معتوق.
 
 القضاء بين الناس بحكم الله ورسوله، وحلّ المشاكل الشرعيّة والإشراف على المعاملات والبيوع والوقفيّات، والأمور المتعلّقة بالزواج والطلاق وما شابه.
 
 نشر مناقب النبيّ صلى الله عليه واله والأئمّة الأطهار عليه السلام:
 لقد كان الشيخ حسين معتوق قدس سره يُولي الاهتمام الكبير لتعريف
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

18

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 الناس على مناقب الأئمّة الأطهار والسيرة النبويّة الشريفة، وقد أفرد لذلك مساحات كبيرة في العديد من خطبه وكتاباته حول هذه القضيّة المحوريّة، في زمن كانت الأفكار الماركسيّة تغزو عقول الناس لا سيّما الشباب. فهو كان دائماُ يقول: "نحن ولله الحمد، معشر الشيعة، أغنياء وأعزّاء، بهذا النفر، بهذا السلف".

 
2- من بعض أقواله:
 كلامه عن الدين الإسلاميّ ورقيِّه:
 • لقد نشرت الدعوة الإسلاميّة ألوية الحضارة خفّاقةً على ربوع الأرض في أقلّ من ربع قرن.
 
 • الدعوة التي قادها النبيّ محمّد صلى الله عليه واله، وسعدت في ظلّها البشريّة جمعاء، يوم أن علا الحقُّ شامخاً في عزّته، وسقط الباطل صريعاً بعد صولته.
 
 • وهكذا كما أضاءت مكّة ببعثته، وأشرقت المدينة بهجرته، فقد سُعدت الدنيا برسالته. فذكريات الهجرة تعيد إلى الأذهان طلائع الإيمان، متمثّلة في جند الرحمن. فلا بِدَع إذا كان يوم الهجرة أعظم أيّام التاريخ.
 
 كلامه عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه واله:
 • ففي الهجرة زحف إلى حيث القوّة والجهاد، لا رغبةً في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

19

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 الحرب من أجل الحرب، بل لإقرار السلام في الأرض، الذي تمّ من وراء المسيرة الكبرى، التي قادها النبيّ محمّد صلى الله عليه واله.

 
 • ومضى صلى الله عليه واله يشقّ الطريق، لتأخذ الدعوة سبيلها في الأرض، متحمّلاً من الأعباء فوق المستطاع. وقد إستقبلته الأحداث المتنوّعة، التي غيّرت وجه الأرض، ووجه الحياة، حتّى اضطرّ إلى الخروج من وطنه.
 
 كلامه عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام:
 • لا شكّ أنّ من يرجع إلى التأريخ، يجد واضحاً جليّاً، أنّ آل عليّ عليه السلام هم ميزان المجتمع وقادته وسادته.
 
 • لقد ترجمت بطولة عليّ عليه السلام، وهو مضطجع في فراش النبيّ صلى الله عليه واله، والسيوف تحيط به وتنتظره، وهو ثابت النفس، مطمئنّ القلب، فهل بعد هذه الروح المثاليّة الفدائيّة شجاعة تفوق هذه الشجاعة، التي لولاها لظلّت دعوة محمّد صلى الله عليه واله محبوسة في جبال مكّة، يحيط بها الأعداء من كلّ جانب؟
 
 • فهذا فتى قريش، بل فتى الإنسانيّة جمعاء، عليّ بن أبي طالب عليه السلام، يضرب أروع المُثُلِ للتضحية والفداء، فيبيع نفسه لله، ويقدّم روحه رخيصة فداءً لدينه، عندما عزمت قريش على تنفيذ مؤامرتها الدنيئة لإغتيال رسول الله صلى الله عليه واله، والقضاء عليه وعلى دعوته.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

20

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 • وحَسْبُ الهجرة أن ترى فيها مشهداً فدائيّاً لشابّ من شباب الإسلام، الذين تربّوا على الإيمان والتضحية، وعلى بذل النفس والنفيس لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. ألا وهو عليّ عليه السلام، الذي نام في فراش النبيّ صلى الله عليه واله فادياً إياه بنفسه، ومؤدِّياً عنه الودائع التي عنده للناس، وفي ذلك ما يدلّ على أنّه لا يؤدّي عن النبيّ صلى الله عليه واله غير عليّ عليه السلام، ولا يملأ فراغ المكان الذي يجلس فيه النبيّ غير عليّ.

 
 كلامه عن الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام:
 • التأريخ ظَلَم الإمام الحسن عليه السلام. وأكثر الشباب الذين لم يدرسوا التاريخ بإمعان، نظروا إلى الإمام الحسن عليه السلام نظرة مشوّهة.
 
 • إنّ الإمام الحسن عليه السلام بقعوده وبصلحه في الحقيقة وضع ألغاماً في طريق الحزب الأمويّ، الذي تمَّ نسفه بثورة الإمام الحسين عليه السلام المتمّمة.
 • صلح الإمام الحسن عليه السلام قد مهّد السبيل لثورة الإمام الحسين عليه السلام، لتبرز إلى الوجود، كأقدس ثورة تجلّى فيها صراع الحقّ ضدّ الباطل، وكأشرف جولة في معركة الخير ضدّ الشرّ.
 • فكان للحسن عليه السلام منها دور
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

21

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

  الصابر، وللحسين عليه السلام دور الثائر ليتكوّن من الموقفين الخطّة الكاملة، للبلوغ إلى الهدف الواحد، الذي كان من ورائه الفتح المبين.

 • وهذا هو الإمام الحسن عليه السلام يغتال حياته رئيس عصابة الشرّ معاوية بالسمّ، وسيّد الشهداء عليهم السلام  بلا استثناء يعانق الشهادة مع أهل بيته عليهم السلام .
 • لقد استطاع الإمام الحسن عليه السلام بحنكته وسياسته الحكيمة أن يغرس في طريق معاوية كميناً من نفسه، يثور عليه من حيث لا يشعر.
 • فالإمام الحسن عليه السلام بصلحه فتح باب الميدان للحسين عليه السلام، وبثورة الإمام الحسين عليه السلام قطف الإمام الحسن عليه السلام ثمرة الصلح. الإمام الحسين عليه السلام إنّما ثار وانتصر وتمّ له الفتح المبين، بفضل الإمام الحسن عليه السلام قبل الثورة المسلّحة، بمعنى أنّ الصلح هو الذي هيّأ الجوّ للحسين عليه السلام كي يثور.
 
 كلامه عن الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام:
 • كان النبيّ محمّد صلى الله عليه واله يقول أنا من حسين عليه السلام فأين أنت أيّها المسلم من الحسين بن علي عليه السلام؟
 • وليس من باب الاتفاق، أن تقترن ذكرى هجرة النبيّ صلى الله عليه واله، من مكّة إلى المدينة،، بذكرى هجرة الإمام الحسين عليه السلام، من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

22

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 المدينة إلى مكّة. ولئن اختلف مكان الهجرتين، فلن تختلف الغاية والهدف من وراء الهجرتين. يهاجر النبيّ صلى الله عليه واله خوفاً على رسالته من أبي سفيان وأعوانه. ويهاجر الإمام الحسين عليه السلام من المدينة خوفاً على دعوته قبل أن يصل بها إلى الهدف المنشود من حفيد أبي سفيان. وبين الهجرتين ستّون عاماً.إذاً الهجرتان سلكتا خطّاً واحداً، ومسيرة واحدة، توصلان معاً إلى الله وإلى إعلاء كلمته في الأرض، وتطبيق شريعته في كلّ بقعة حلّت أو تحلّ بها.

 
 • ولا ريب في أنّ هجرة الإمام الحسين عليه السلام هي امتداد لهجرة الأنبياء من قبله من حيث إنّ سيرته امتداد لسيرتهم ومسؤوليّته أمتداد لمسؤوليّاتهم.
 
 كلامه عن ذكرى عاشوراء وإحيائها:
 • إنّ هذه الدموع يجب أن تكون ثورة على الظلم والظالمين.
 
 • إنّ نصرتكم للحسين عليه السلام اليوم، تتمثّل اليوم حيث تأخذون من هذه الذكرى ما يوثّق صِلتكم بالله ويعمّقها، ويعمّق ارتباطكم بمعارك الحقّ لكي تصونوا الحقّ كلّما عصفت به عواصف الباطل.
 
 • وأن يجنّدوا من هذه الذكرى، روحاً حسينيّة تقودهم في محنة فلسطين، وتخوض بهم في ساحات معارك الشرف،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

23

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

  التي خاضها الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، لأنّه يجب على المسلمين أن يكون لهم في كلّ قطر مسلم حسينٌ جديد إذا تعرّض ذلك القطر لكربلاء جديدة.

 
 • إذاً، يجب أن نحافظ على هذه الذكرى، وأن نترسّم خطاها، وأن نأخذ من معطياتها الدروس والعبر، وأن نجنّد نفوسنا لنصرة الحقّ كما جنّد الإمام الحسين عليه السلام نفسه.
 
 • نحن في هذا الزمان، مدعوُّون لأن نكون من جند الحقّ. وما هذه المجالس إلاّ محاولة من المحاولات، لأن نجنّد منها روحاً حسينيّة تقودنا في محنتنا، وفي ساحات معارك الشرف، التي يقف فيها الحقّ في وجه الباطل. فإذاً نحن نستطيع الآن أن نكون جنوداً للحسين عليه السلام بالمحافظة على ما بذل الإمام الحسين عليه السلام دمه في سبيله.
 
 • والله إنّ مجلسكم هذا، إن أخذتم من معطياته، كنتم أسعد الناس. منذ أثني عشر عاماً، نقيم هذه الذكرى، ونريد من وراء ذلك، أن تُستغّل الإستغلال الحسن. أتعرفون أنّه في بيروت، يقام للحسين عليه السلام مئة وثمانية عشر مجلساً؟ هذا كله تأسّس ولله الحمد، ببركة هذا المجلس الذي تجلسون فيه.
 
 • بعض الشباب البعيدين عن الدين، وعن سيرة الإمام الحسين عليه السلام، وما أكثر هؤلاء، ينكرون علينا حتى الآن، إقامة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

24

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 عاشوراء، ويسألون ما الغاية منها وما الغرض من النحيب؟. نحن لا نستقبل عاشوراء بالبكاء وبالنحيب، وليس هذا هو الهدف، فالإمام الحسين عليه السلام نفسه يبرأ من الدموع إذا لم تترجم عمليّاً إلى الإقتداء به وبسيرته. من أين يتصوّر هؤلاء الجهلة أنّا نقيم عاشوراء لنبكي؟ هل لأنّهم سمعوا أنّ من نزل من عينه دمع مثل جناح الذبابة غَفَر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر؟.
• فهذه المجالس، على لسان النبيّ صلى الله عليه واله وقوله الصدق، ستنتشر وترتفع، وأنتم مأجورون بمحافظتكم عليها وحضوركم، ولكن بشرط أن تتخذوا من سيرة الإمام الحسين عليه السلام عنواناً لحياتكم. إنّ الإمام الحسين عليه السلام يعيش في ضمير كلّ إنسان؛ لأنّ الظلم محيط بالناس من كلّ جانب، وإذا ذُكر الظلم تذكّرنا المظلومين، والإمام الحسين عليه السلام هو إمام المظلومين. ولكنّه ما سَكَت عن الظلم.
• إنّ يوم الإمام الحسين عليه السلام لا يُنسى، وأنا إن كنت توفّقت، فأحمده سبحانه على هذا التوفيق، حيث أتيت بهذا الشيخ1، فطوّر المجالس حسبما تتطلّبه الظروف والعصور. إنّ هذا مضمون الحديث الشريف الذي كشفت عنه الأيّام، وحكمت بصدقه، حيث أخبر النبيّ صلى الله عليه واله ابنته
 
 


1-المقصود به الشيخ عبد الوهاب الكاشي، حيث أتى به من العراق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

25

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 فاطمة  بأنّ الله جاعل لولدها من يقيم عزاءه عاماً بعد عام وجيلاً بعد جيل.


كلامه عن الروح الحسينية عند الشباب في مواجهة الأعداء وقضيّة مقاومة العدوّ:
• ولئن استشهد الإمام الحسين عليه السلام في ميدان المعركة يوم كربلا، فإنّ هذا الإستشهاد من أقوى الدعائم لإنتصار الحقّ، لأنّ المغلوب بالباطل غالب بالحقّ ودولة الباطل ساعة، ودولة الحقّ إلى قيام الساعة.

• إن ذكرى الإمام الحسين عليه السلام، أيها المؤمنون، يجب أن تظلّ مثلاً يحتذى، ودرساً يردده الزمان، فتتلقّنه الناشئة في البيوت، ويتدارسه الطلّاب في المدارس، ويتذاكره الشعب في الندوات، ويتدرّب عليه الشباب في المعسكرات، وبذلك يصلون إلى أهدافهم في الحياة. وفي ذلك وفاء للدين وأداء للواجب، ورعاية للأمانة الملقاة على عاتقهم، وتلبية لنداء الإمام الحسين عليه السلام يوم كربلاء.

• فخليق بنا، ونحن نعيش اليوم ذكرى الهجرة، ونخوض معركة المصير ضد أعداء الله والإنسانيّة، أن يهاجر كلّ منّا إلى نفسه ويسألها ماذا قدّمت لخوض هذه المعركة؟ وبماذا ضحّت في سبيلها؟ علينا أن نأخذ من معطيات هذه الذكرى،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

26

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 ما ينفعنا في حياتنا الحاضرة. والجدير بالمسلمين اليوم، أن يمثّلوا الدور نفسه الذي مثّله أولئك، بالفناء في ذات الحقّ الذي ترجموه إلى أعمال قائمة على الوفاء لدين الله، وأن تعيش تلك المبادئ والقيم في نفوسهم وأفكارهم، ولا سيّما وهم يخوضون معركة المصير ضدّ أعداء الله والإنسانيّة. فأيّ فائدة لذكرى الهجرة، إذا لم تفجّر في النفوس مكامن الخير، ومطاوي العزّة والرجولة؟


• لقد كانت القراءة قبل أن نتعرّف على الخطيب الشيخ عبد الوهّاب الكاشي، بسيطة لا تمثّل الغرض الذي يريده الإمام الحسين عليه السلام، كانت صرف نحيب وبكاء. والإمام الحسين عليه السلام نفسه يبرأ من الدموع، إذا لم تكن سخطاً ونقمة على الظلم والظالمين، أو إذا لم تكن تعبيراً عن الحقّ، والعمل بالحقّ، تبدأ بنفسك أوّلاً، ثمّ ببيتكَ ثانياً، ثمّ بمجتمعك ثالثاً.

• نستعيد في أفكارنا ذكرى عاشوراء، فنأخذ من معطياتها، وما أكثرها! إذا اقتصرنا على أخذ العبرة وعلى البكاء أثناء إقامة ذكرى مصيبة كربلاء، فلا يكون في ذلك إحياء لأمرهم، إلاّ إذا تفجّرت تلك الدموع حُمماً على الظلم والظالمين، وإلاّ إذا كانت تعبيراً عمليّاً، وترجمةً عمليّة.

• ليس من الضروريّ أن يبقى المؤمنون المنتصرون على قيد الحياة. إنّهم يريدون من معركتهم مع خصومهم، أن تنتصر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

27

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 كلمة الحقّ ولو على حساب أرواحهم ودمائهم.

 
 • لقد كان مجتمعاً مريضاً، يباع بالمال الزهيد، ولم يكن إيقاظ الروح النضاليّة فيه، إلاّ بعمل استشهاديّ فاجع. وهذا ما دفع الإمام الحسين عليه السلام لأن يقدم على عمليّة الإستشهاد. وبذلك نستطيع القول بأنّ فاجعة كربلاء، قد أيقظت الضمير الإسلامي وانفعل بها إنفعالاً عميقاً، تحطّم معه الإطار الدينيّ المزيّف، الذي كان يتستر به الحكم الأمويّ؛ لأنّ الغرض الأقصى لأهل البيت، ليس إلاّ الحفاظ على الإسلام كعقيدة ونظام.
 
 • هذه المجالس، أيّها المؤمنون، موسم وفرصة، لا تدَعوها تمرّ مرّ السحاب، وكلّ سنة تجتمعون وتتزوّدون، ولكن مع كلّ الأسف، أستطيع أن أقول، أخشى أن يذهب أثر هذه الذكرى من نفوسكم، بعد مضيّ العشرة الأيّام من محرّم... فلتبقَ هذه الذكرى في نفوسكم، لتواصلوا المسيرة على نهج الإمام الحسين عليه السلام، لأنّنا نحن مدعوُّون إلى الصمود، فعلينا أن نتابع المسيرة، ولا نلوّث شرف هذا الطريق. طريق ملؤُه الحقُّ والعدل، ولا حقَّ ولا عدلَ في سواه.
 
 رفض الإنحرافات الأخلاقية:
 • الآن مبدأ يزيد وعقيدة يزيد، تتمثّل في بيوتكم أيّها الموالون.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

28

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

  ما هو عمل يزيد المجون.. الخلاعة.. الفسق.. الفجور.. بهذا نريد أن نحيي ما أحياه الإمام الحسين عليه السلام؟ الإمام الحسين عليه السلام يقول مبيّناً الهدف من ثورته "أمّا بعد فإنّ السنّة قد أُميتت، والبدعة قد أُحييت، فإن تتبعوني وتطيعوا أمري، أهدكم سبل الرشاد والسلام" فلماذا كلّ هذه الانحرافات في مجتمعنا؟ لماذا السفور؟ أين الحجاب والعفّة.؟..


في مواجهة سهام الإلحاد:
• تقول الدين رجعي؟ تعال وادرس الدين ثمّ ارمني بالرجعيّة، إنّك إذا درست الدين فلن تستطيع أن تتخلّى عنه. لكنّك ترى أباك يصلّي ويصوم ثمّ يكذب وينحرف والطفل قدوته أبوه، ويأتيني بعض الآباء شاكين لي أبناءهم مدّعين عدم القدرة عليهم، فأقول لواحدهم (أولاً أنظر لنفسك، هل أنت مستقيم؟).

"هذه هي الصلاة. فلا تتصوّر أن يقيمها أحدٌ وهو غافل عن معانيها، وهو يفكّر بحقله أو بشيء آخر. إنّ هذا يكون قد مارس الصلاة بجسمه، أما فكره فلم يشترك بالعبادة، ولم يتطلّع إلى الله. فالعيب في المتديّن لا في الدين...يقولون: الدين جمود. متديّن يعني رجعيّ! رجعيّ لأنّه يصلّي ويصوم؟ لأنّه لا يشرب الخمر؟ لأنّه لا يتعاطى المنكرات؟لأنّه يؤدّي الحقوق والواجبات؟ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

29

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 لأجل ذلك فهو رجعيّ. لكن من التقدميّ؟ ثمّ هل الدين وُجد لزمن معيّن حتّى يكون فيه ماضٍ وحاضر ومستقبل؟ هل في الحقّ ماضٍ وحاضر ومستقبل"؟.

 
 يقولون إن الدين قيد. هو قيد لأي شيء؟ قيد لحيوانيّتك، حتّى لا تنجرف مع الهوى، وتتملّكك الرغبات. هل هو قيد للإنسانيّة؟ إنّه ما جاء إلاّ ليدعم الإنسانيّة، التي تأبى عليك أن تنجرف مع الهوى.
 
 وفي مقام آخر يقول: ما هي الصلاة يا غافل؟ هل عرفت الصلاة التي تسخر منها ومن أهلها؟ الصلاة وقفة بين يدي الله، الصلاة حركة جسم تطهّر إلى جانب روح متطلّعة إلى الله. هؤلاء الذين مارسوا العبادات مارسوها بأجسامهم لا بأرواحهم. لا تسخر، الذين جاءوا بالصلاة وفرضوها على العباد، هم فوقي وفوقك. أوّل وصايا دعوة الأنبياء، وآخر وصاياهم الصلاة. لماذا؟ لتبقى مشدوداً ومرتبطاً بمصدرك الأوّل، مرتبطاً بمصدر الخير وهو سبحانه وتعالى. ترفعك الصلاة إلى حيث تهبط عليك روحانيّة من السماء. أنت إبن السماء ولست ابن الأرض.
 
 أين الناس من الحسين عليه السلام؟
 • السنّة أماتها بنو أميّة فأحياها الإمام الحسين عليه السلام بدمه، والبدعة أحياها بنو أميّة فأماتها الإمام الحسين عليه السلام بتضحيته. والآن اكثركم يحيي ما أحياه بنو أميّة، ويميت ما
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

30

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 أحياه الإمام الحسين عليه السلام. يزيد كان يصلّي. أقل التقادير كان ثمّة مظهر إسلاميّ في بيت يزيد، والآن ليس في بيوت أكثركم مظهر إسلاميّ، بهذا نريد أن نجعل أنفسنا مع الإمام الحسين عليه السلام ونقول يا ليتنا كنّا معكم؟.

 
 • نحن نحبّ الإمام الحسين عليه السلام، ولكنّ السلاح الذي نحمله، لم ننصر به الإمام الحسين عليه السلام، وإنّما قتلناه به، لأننا قتلنا به الدين، لأنّنا سكتنا عن الباطل، وهو في بيوتنا.
 
 • أبكي على الإمام الحسين عليه السلام، وولدي في البيت لا يصلّي؟ أَوَينفعني البكاء؟ أبكي على الإمام الحسين عليه السلام وابنتي تخرج سافرة؟ أنت تحارب الإمام الحسين عليه السلام بالسكوت عن هذه المنكرات والجرائم، وهي في بيتك تغذّيها بمالك، بحياتك. أيّها المؤمنون، لا يغرّنَّكم الشيطان.
 
 • أيّها الشابّ، أنت الآن تستطيع أن تنصر الإمام الحسين عليه السلام...كلّ من تخلّف عن الدين فقد تخلّف عن الإمام الحسين عليه السلام، وكلّ من اعتنق الفسق والفجور، فهو من حيث يريد أو لا يريد، مع يزيد ومن أعوان يزيد.
 
 • إنّ ذرف الدموع فيه إعزاز للشخص الذي يُبكى عليه، لكن ليس هذا هو الغرض، إذا استعبر الإنسان، وبكى على الإمام الحسين عليه السلام، وكان يسير في خطّ معاكس للحسين عليه السلام،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

31

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 فأيّ فائدة من تلك الدموع؟ إنّ الإمام الحسين عليه السلام نفسه يبرأ من تلك الدموع.

 
 • المسألة لا تكلّفكم أكثر من أن تحافظوا على دينكم، أن تقول لإبنك صلِّ، أن تقول لإبنتك تستَّري قبل أن تحرقك في الدنيا قبل الآخرة. هذه هي نصرة الإمام الحسين عليه السلام.
 
 كلامه حول قضيّة الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف:
 • ومن هنا يزول الإستغراب، عندما نجد في التاريخ أنّ المهديّ عجل الله فرجه الشريف  يعلن ثورته، ويجعل شعار ثورته(يا لثارات جدِّي الإمام الحسين عليه السلام )؛ ذلك لأنّ ثورة المهدي عجل الله فرجه الشريف ، هي الفصل الأخير من فصول ثورة الإمام الحسين عليه السلام. لذلك يعلنها في مكّة، ويفجّر الثورة من كربلاء، حيث أُريق دم النبوّة فيها.
 
 • المهمّ أنّ الدين بدأ بمحمّد صلى الله عليه واله، وسيعود إلى الحياة على يد رجل من آل محمّد صلى الله عليه واله.
 
 • إنّ الدين لا يرتفع علمه في الأرض، إلاّ بمحمّد وأهل بيته. فكما أنّ الدين ستعود إليه عزّته على يد مهديّ آل محمّد عجل الله فرجه الشريف ...
 
 • إنّ مهديّ آل محمّد عجل الله فرجه الشريف  يستطيع أن يعيد للحقّ عزّته وكرامته، بعد أن تمتلئ الأرض بالجور.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

32

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 الدعوة للجهاد وتعبئة الروح الجهاديّة:

 • فالإمام الحسين عليه السلام أعطانا صورة عظيمة عن الحقّ، فضحّى في سبيل الحقّ، والحقّ بعده أمانة في أيدينا؛ لأنّ الإمام الحسين عليه السلام ما ثار إلاّ ليقدّم للأجيال المثل الخالد، في التضحية والفداء، وليفهم الأجيال المتعاقبة، أنّ الأمّة التي تكتب تاريخها بالدم، لن تقهر ولن تزول من الوجود، ما دامت هذه الأمّة تعطي الموت، ما يشاء من الشهداء، وما دامت تقف من الموت، موقف الصمود والكبرياء.
 
 • إنّ رأس مال هذه التجارة مع الله، هو الجهاد في سبيله بالمال والنفس، والتجارة مع الله لن تبور ولن تخسر، فالله ما ندبك للتجارة معه إلاّ لتربح عليه، لا ليربح عليك. هو غنّي لا يريد ربحاً فالتجارة معه ربحها مضمون.
 
 • أكثر الشباب قد يظنّون أنّ الإمام الحسين عليه السلام مغلوب، أنّ الإمام الحسين عليه السلام مهزوم، أنّ الإمام الحسين عليه السلام انكسر في المعركة، إنّ أوّل شيء يجب أن يفهمه الشباب هو أنّ المغلوب بالباطل غالب بالحقّ. والشيء الآخر، إذا أنت قلت، أو الإمام الحسين عليه السلام قال: إنّي أنا المنتصر، فهل تتجاوز الحقيقة؟.
 
 • الإمام الحسين عليه السلام لمّا قال يوم العاشر: هل من ناصر؟ هل كان يخاطب أهل النصرة من جيش عمر بن سعد، وهو
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

33

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 يعلم أنه جاء ليقتله؟ هل كان يقول للقوم (تعالوا وخلّصوني) وهو يراهم وقد امتدت إليه سيوفهم. إنّه حين ألقى تلك الكلمة كان يخاطب بها الأجيال، كأنّه يقول لهم إنّي أنا فتحت لكم الباب إلى الإنتصار، فهل من ناصر للدين؟

 
 • ولذا سيتحمّل أهل الحقّ كلَّ مسؤوليّة مهما كلّفتهم، ولا تدخل العواقب في حسابهم، ولا يبتغون من وراء دفاعهم ونضالهم، أن ينتصروا في الحياة، أو أن يعيشوا بسعادة وهناء، وإنّما أكبر همّهم أن تنتصر كلمة الحقّ، ولو على حساب أرواحهم. وطيّبات الحياة التي يلتمسها الآخرون، بعيدة كلّ البعد عن أخلاقهم.
 
 • على هذا الأساس، قامت معارك الحقّ ضدّ الباطل. وحمل المؤمنون فيها لواء الحقّ منذ القِدم، ملطّخاً بدم الشهادة، ليقدّموا للأجيال المثل الخالد في التضحية والفداء، ليفهموا الأجيال المتعاقبة، أنّ الأمّة التي تكتب تاريخها بالدم، لا يمكن أن تُقهر، ولا يمكن أن تزول من الوجود، ما دامت تعطي الموت ما يشاء من الشهداء، وما دامت تقف من الموت موقف الصمود والكبرياء. والحقّ بعدُ في أيديهم أمانة، ومن حقّ الأمانة الإحتفاظ بها، ولو على حساب المهج والأرواح.
 
 • فالذي يجب أن نجنيه من إحيائنا لذكرى الإمام الحسين عليه السلام، في كلّ مناسبة، هو أن نتّصل به عبر الفاصل
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

34

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 الزمنيّ، اتصالاً عقائديّاً لا عاطفيّاً، بمعنى أن يتحوّل الإمام الحسين عليه السلام في قلوبنا وعقولنا، إلى قوّة عمل تدفعنا إلى تجديد صلتنا بالله، صلة خالصة من كلّ شائبة، وتدفعنا إلى التضحية على كلّ صعيد، من أجل الحقّ والعدل، لنكون أهلاً للنصر من عند الله، كما قال: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾1.

 
 • إذاً نحن بعد هذه المحنة، وبعد هذه الأيّام السوداء، علينا أن نستعيد حقّنا، علينا أن نعيد للدّين هيبته في أجواء الحياة، علينا أن نستردّ من الحقّ ما فات. لأنّنا نحن ورثة حملة اللواء، نحن ورثة المؤمنين الأوّلين، نحن أتباع سادات الأوّلين والآخرين، لا أتباع من عافهم الدهر ولفظتهم الأيّام...
 
 كلام له في الثورة الإسلاميّة المظفّرة في إيران الإسلام والتي كانت ما زالت في بداياتها، قال:
 • أيّها الإخوان، هذا اليوم هو الأخير، وأسأل الله أن يعيد علينا هذه الذكرى، والإسلام قد بلغ العزّة والمنعة، ببركة الثورة الإيرانيّة، إن شاء الله، بقيادة الإمام الخمينيّ قدس سره، نسأل الله سبحانه وتعالى، أن ينصره بنصره. ولا شكّ بأنّ النصر لا يكون إلاّ من عند الله. ولكنّ الله يريد منّا قبل أن ينصرنا،
 
 
 
 

1- غافر، الآية: 51.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

35

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

  أن ننصره وأن ننصر دينه.

 
 • وقال مخاطباً أحد الأشخاص الذي اشتكى إليه على أولاده: "إذا أردت أن تنجو وينجو أولادك فليتبعوا نهج الإمام الخمينيّ بدل التلهي بالأحزاب اليساريّة" أي ادفع بهم نحو خطّ الإمام حتّى الاستشهاد.
 
 3ـ الاهتمام بجيل الشباب:
 لقد كان الشيخ حسين معتوق قدس سره يُولي اهتماماً كبيراً بعنصر الشباب، كونهم الشريحة الأكثر فعاليّة وحركيّة في المجتمع؛ ولذا فقد كان يخصّص جلسات أسبوعيّة مع الشباب للإطّلاع على حاجاتهم ومشاكلهم، خاصّة وأنّهم كانوا عرضة للانحراف بسبب الهجمة الماركسيّة واليساريّة في ذلك الوقت، حيث الإغراءات والمفاسد، وسيطرة الأحزاب العلمانيّة. ما حدا بالشيخ أن يكون دائماً بمواجهتهم، وهذا ما جعله في أكثر الأحيان يخصّص أوقاتاً كبيرة لتفنيد مزاعم الشيوعيّين والعلمانيّين، ومن ناحية أخرى توعية الشباب من هذه المفاسد.
 
 • ففي حديث له عن دور المعلّم وأثره على الشباب والمجتمع: "هذا إذا كان المعلّم غيرمستقيم وإذا كان شيوعيّاً فإنّه يتجاوز كلّ القيم لنشر أفكاره، لقد نُقل إليّ أنّ أحدهم يأتي إلى التلميذ ويَعِدُه بترفيعه في الإمتحان إذا صار شيوعيّاً".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

36

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 وفي مجال آخر قال: "إنّني أقول لكم الآن، إنّ القريب العاجل سوف يكشف لكم عن حقيقة هذه الأحزاب، وحينئذٍ ستعيشون نقطة تحوّل، قهراً عنكم، شئتم أم أبيتم".

 
 وفي خطاب مباشر للشباب في مسجد الغبيري يقول: "أيّها الشابّ: سوف تلمس الأمر بيديك غداً، وتقول: آخ، يا ليتني! وتعضّ يديك. وحينئذٍ تعي من هو رجل الدين. رجل الدين هل يريد منك "طحنة"؟ هل يريد منك أن تمشي وراءه؟ هل يطلب منك غاية؟.. يقول إمامك (صديقك من صدقك لا من صدّقك). من قال عنك أعوج، فقل هذا يُتتبَّع، ويريد الخير لي. أمّا من قال لك أنت خير الناس في حين أنت فاسد، فهذا كذّاب يريد اصطيادك".
 
 ومن توجيهاته:لقد جاء الإنحراف اليوم، ودخل البيوت، بإسم الثقافة، بإسم الحضارة، وهي حضارة ماديّة، ولكن أين أصبح الإنسان في ظلّ هذه الحضارة؟ هل حفظت لك هذه الحضارة أمنك واستقرارك أيّها المسكين؟
 
 إنّ ما نشهده اليوم من إنعدام الأمن والإستقرار، ما هو إلاّ نتيجة لما جاءتنا به الحضارة الغربيّة، وهي فوق ذلك، ما جاءت إلاّ لتقضي على دينك، وعلى ارتباطك بالله، لأنّك ما دمت مرتبطاً بالله فلن يقووا عليك. هم أضعف ما يكونون في جنب الله.
 
 لقد غزوك فكرياً أوّلاً، ثمّ غزوك اقتصاديّاً، ثمّ غزوك استعماريّاً، وأخيراً أخذوك من بين أيدينا، وانتشلوك من أحضان أبيك وأمّك.
 
 
 
 
 
 
 
 
45

37

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

  لقد فصلك الإستعمار الفكريّ قبل كلّ شيء عن دينك، وهذا هو منهج الدراسات الذي يرافق الولد منذ حداثته، خير دليل على ذلك.

 
 إنّنا نقول لك أيّها المخدوع: إذا حصلت على دنياً من ورائهم، فلا كلام، ولكنك تصبح خالي اليدين من دنيا ومن آخرة، ويستمرّون في الضحك عليك وخداعك إلى آخر الأمر.
 
 بإسم الثقافة، بإسم المدنيّة، مع الأسف، والتاريخ أمامنا، والتاريخ كفيل بأن يسجّل للإنسان كلّ ما يعمله في حياته. ونحن وإيّاكم على الطريق، ولكن يا إخوان، نصيحة من شخص لا يحمل حقداً على أحد ولا يريد إلاّ الخير للجميع، لأني بلغت سنّاً ودوراً لا أرجو فيه إلا الله، ولا أخاف إلا الله.
 
 وفي حديث أبويّ للناس بعد مقتل عدّة عناصر مع الأحزاب اليساريّة قال: "نحن لا نريد أن نخسركم، والله حتى الحزبيُّون الذين ذهبوا وقُتلوا نحن خسرناهم. نحن لا نتنكّر للشخص بمجرّد أن يذهب ويصير حزبيّاً، نحن نبقى معه إلى آخر الطريق، طمعاً بعودته إلينا؛ لأنّنا نحن منه وهو منّا. لا تجعلوا منّا أعداء لكم. نحن أعداء الأعمال الشاذّة، لكنّ قلوبنا محترقة عليكم" وقال: "الآن أنت عندما تمشي وراء واحد من هؤلاء الذين تزعّموا الشارع اليوم، أنظر ما هي غايته، هل صحيح أنه طالب حقّ؟ هل صحيح أنّ قلبه محروق على الشعب كما يدّعي؟ نحن نطالبكم بأن

 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

38

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 يكون لكم الوعي الكافي فتحاسبوا، ولا تنحرفوا وتنجرفوا وراء عواطفكم، فكّروا قبل أن تنقلوا أقدامكم".

 
4- دوره في أحداث لبنان المؤلمة ومكافحة الإلحاد
 فقد انطلقت شرارة الحرب الأهليّة في لبنان في نيسان 1975م، وصار الشباب وَقوداً لأتون هذه الحرب التي حصدت الآلاف منهم، لكنّ الشيخ حسين معتوق قدس سره وببصيرته النافذة، قامَ بحملةٍ عنيفة ضدّ الأحزاب التي كانت تسوق الشباب إلى الحرب بلا هدف.
 
 • كما وإنّه كان يؤلمه أن تتحوّل قرى جبل عامل، في فترة من الزمن وهي الأرض التي حملت أمانة الرسالة قروناً عديدة، إلى مسرح لهذه الأحزاب المُلحدة، بحيث أصبح للناس آلهة مبتدعة تُعبد من دون الله.
 فقد كان دائماً يقول للناس إنّ العدوّ الأوّل للبنان وللمسلمين هو (إسرائيل) وكان يؤكّد دائماً على أنّ قتال (إسرائيل) واجب على جميع المسلمين وكافّة اللبنانيّين، لأنّها العدوّ الحقيقيّ والعدوّ الوجوديّ للبنان ككيان وللمسلمين كأمّة.
 
 وفي نقاشه مع الأحزاب كان دائماً يطلب منهم العودة إلى الأصالة وإلى القيم الإنسانيّة وإلى تعاليم الدين الحنيف، ففي حفل تأبين المغفور له الحاج عليّ مشيمش في كفرصير في أيّار 1972م، وأثناء وجود ممثّلين عن قيادات الأحزاب دعا أهل الأحزاب إلى العودة إلى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

39

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 الإسلام وترك ما اعتنقوه من مبادئ غريبة، وأن يكفّوا عن التضليل والإدّعاء بأنّ مبادئهم تسير جنباً إلى جنب مع الإسلام، فالإسلام نظام متكامل لا يحتاج إلى مُتمّمات. وممّا قاله: "إنّ هذه المبادئ الغريبة لا تَعدو كونها تراقيع، وثوب الإسلام لا يقبل الترقيع".

 
 وفي موقف آخر، في حزيران 1976م، في بلدة صير الغربيّة، وأثناء ذكرى أسبوع أحد المقاتلين الذين سقطوا في معارك بيروت، وقد تنافست الأحزاب في حشد كلّ ما لديها من قوّة في تلك البلدة، وعلى رأسهم قادتهم، للاشتراك في هذه المناسبة، يومها وقفَ قائلاً: "إنّ الثورة الحقيقيّة لا يمكن أن تُستمدّ إلاّ من ثورة الإمام الحسين عليه السلام، ولقد غَدونا بهذا التراث العظيم, ولا نحتاج لمن يرشدنا إلى المواقف الثوريّة".
 
 وبالرغم من شدّة ألمهِ لانحراف الشباب وسلوكهم في كلّ مسلك، كان لا ييأس من هدايتهم وعودتهم إلى الطريق المستقيم، ولهذا فقد كان يخاطبهم بلسان الأب الرؤوف الذي يمتلئ غيرةً على أولاده، وإنّ نظرةً سريعة إلى خُطبه ومقالاته تؤكّد هذا المنهج، وبالفعل فقد كان له الأثر الكبير في تراجع عدد كبير من الشباب عن معتقداتهم الزائفة.
 
 وقد صرّح في بعض خطبه قائلاً:"نحيي ذكرى الإمام الحسين عليه السلام ثمّ إذا ذهبت عشرة محرم، إذا بنا نرجع إلى سيرتنا الأولى، ونرجع إلى محاربة المجالس، ومحاربة هذه الذكرى؟ لا أريد أن
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

40

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 أسمّي الأشخاص، ولا أريد أن أصارح، ولا أريد أن أتخذ من الكلام سلاحاً. قد يضطرّني الموقف لأن أستعمل غير الكلام لكلّ من يقف في طريق هذه الذكرى ويحاربها. والذين أعنيهم يسمعون، إنّما أعني أشخاصاً مخصوصين قد يأتي اليوم الذي أصرّح فيه بأسمائهم" وكان بذلك يعني بعض الحزبيّين العلمانيّين الذين كانوا يتطاولون على الدين ويطالبون بإلغاء المجالس العاشورائيّة.

 
5-شخصيّته وكفاءاته
 ينقل جميع من عايش الشيخ حسين معتوق قدس سره، الكثير من الصفات الإنسانيّة والقياديّة والروحيّة الأبويّة، فهو كان:
 
 أ- يتمتّع بقوّة الشخصيّة ونفوذها.
 
 ب - الحساسيّة والشعور المُرهف، وشفافيّة النفس، والذوق الذي يَزنُ به كلّ ما يجري حوله.
 
 ج - التواضع الذي كان فيه طَبعاً لا تَطبّعاً، إذ كان أشدّ ما يُنفّره تلك الهالة التي يحيط بها البعض نفسه، وكان يكره الألقاب وخاصة المطوّلة فيها.
 
 د - الأريحيّة والروح الأدبيّة، وكان يمتاز بشاعريّة مرموقة، ويتذوّق طرائف الشعر والأدب، بحيث كانت مجالسه تتحوّل بعض الأحيان إلى ندوات أدبيّة، فضلاً عن كونها جلسات مذاكرة علميّة وفكريّة.
 
 هـ- الذاكرة القويّة التي أودع فيها من الطرائف والحوادث
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

41

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 التأريخيّة ما يكفي للتعليق على كلّ كبيرة وصغيرة يراها أو يسمعها، فتراه يذكر لكلّ مناسبة نكتة أو طريفة تلائمها بحيث لا يملّ السامع من مجلسه وأحاديثه، ولقد كان يحيط إحاطة تامّة بتأريخ جبل عامل وكثير من أحداثه التي لم تجد الطريق إلى النشر في الكتب، وذلك من خلال ما يحفظه نقلاً عن الجيل الذي سبقه. وهذه الخاصّة جعلته يتميّز بفكر موسوعيّ بحيث غدا دائرة معارف حيّة.

 
 و - التشدّد والاحتياط في الأمور التي تستدعي ذلك وخاصّة عند الشبهات.
 
 ز - الجرأة في قول الحقّ من غير اكتراث بالعواقب ومهما كان الباطل في مقابله قويّاً.
 
 ح - عزّة النفس وكبرها، فلم يَنحنِ لمخلوق في أكثر الأيّام تعاسةً، حتّى لتَخَاله الجبل الأشمّ،أنفةً وشموخاً.
 
 ط - الذكاء وحضور البديهة، وهذه الصفة كانت تظهر واضحة في جَلَسات الجدل حول القضايا الفكريّة والعقائديّة، وكان يتميّز بخاصة استدراج الخصم، حيث يُلقي عليه بعض الأسئلة التي تجرّه الإجابة عنها إلى الإدلاء بالنتيجة المطلوبة على لسانه، وهو أسلوب كان يشتهر به سقراط في مجادلاته مع السفسطائيّين قديماً، وفي عصر الشيخ كان آية الله العظمى السيّد أبو القاسم الخوئيّ مشهوراً بهذه الطريقة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

42

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 ولا ننسَ أبداً شغفه وتعلّقه وولاءَه الشديد لأهل البيت  عليهم السلام ، ولقد كانت له نظرة خاصّة إلى كفاح أمير المؤمنين عليه السلام، بحيث كان دائماً يتألّم للصبر الذي كان الأمير عليه السلام مأموراً به، ولربّما هذا الموقف منه يلتقي مع موقف آية الله العظمى السيد محسن الحكيم رضي الله عنه الذي كان دائماً يتحدّث عنه، وهو أنّ السيّد الحكيم بالرغم من تأثّره البالغ بمصيبة كربلاء، كان يبدو منه التأثّر بشكل أبلغ في ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان، وهي ليلة استشهاد أمير المؤمين عليه السلام، فقد دَخَل عليه مرّة في تلك الليلة، ووجده يبكي بكاءً مُرّاً، فتساءل عن سرّ ذلك التأثّر البليغ مع أنّ مصيبةَ كربلاء أمرُّ وأدهى؟! فأجابه السيّد الحكيم: إنّ أهلَ الطفّ قوم زُفّوا إلى مصارعهم في موكبٍ أشبه بمواكب الأعراس، وأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فقد ظلّ يعاني صبراً أمرَّ من الموت طوال ثلاثين عاماً.

 
 - يقول عنه المرحوم الشيخ بدر الدين الصايغ: "إنّ الشيخ حسين معتوق كان مثالاً للعلم والتقوى والإيمان، فهو استطاع بالرغم من شدّة فقره أن يبهرَ أقرانه بالبحث والدرس والمذاكرة، وهو علامة فارقة بين كلّ أقرانه.."
 
 - يقول عنه المرحوم الشيخ حسن محمّد العسيلي: "المرحوم الشيخ حسين معتوق كان نواة الخير لكثير من المؤسّسات الخيريّة.."
 
 - ويقول عنه المرحوم السيّد محمّد عليّ إبراهيم: "الشيخ حسين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

43

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

  معتوق وبالرغم من فقره، فقد كان يَهبُّ لمساعدة الطَلَبة في النجف الأشرف..بما لديه من إمكانيّات واستطاعة..."

 
 - ونقل الحاجّ أبو أديب الصايغ من بلدة القصيبة: "أنّ سماحة الشيخ حسين معتوق كان له ذوق خاصّ بالشعر، وكانا ينظمان الشعر سويّاً، وقال بأنّ الشيخ كان لديه شجاعة وجرأة قلّ نظيرهما في ذلك الوقت، فهو كان يواجه الأحزاب المُلحدة ولا يخاف في الله لومة لائم".
 
 الروح الجهاديّة والدعوة للمقاومة
 يقول قدس سره فما على المسلمين في هذا الجوّ المشحون بالغيوم، إلاّ أن يستعيدوا إلى أذهانهم، صورة حيّة من صور هذه الذكرى، ويستفيدوا من معطياتها، لخوض المعركة مع العدوّ الذي اعتدى على مقدّساتنا، واستلب منّا حريّتنا وكرامتنا. علينا أن نخوضها معركةً فاصلة بالعرق والدم والسلاح، مع العدوّ الغادر الذي لا يعرف السلام القائم على العدل، والحريّة والمساواة. والمسلمون اليوم، يطالبهم دينهم في شتّى بقاع الأرض أن يكونوا أقوياء، وأن يحاربوا مواضع الضعف من نفوسهم، حتى لا يهنوا ولا يستسلموا﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾1
 
 
 

1- آل عمران: 139.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

44

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 -6 آثاره

 بالرغم ممّا كان يمتاز به الشيخ حسين معتوق من الدرجة العلميّة العالية، وسِعَة الإطّلاع وشموليّة الفكر، ومتانة القلم والأسلوب، فإنّ مشاغله ومسؤوليّاته واهتماماته الكثيرة التي كان ينوء بحملها، لم تترك له فرصة التأليف والنشر.
 
 ويوجد بين كتاباته الكثير من الكتابات المتفرّقة تصلح للفرز والنشر في كتب ينفرد كلّ منها بالموضوع الذي يخصّه.
 
 
 ومن آثاره:
 - العديد من الخُطب الحسينيّة وهي خُطب توجيهيّة تمتاز بالوعظ والدعوة إلى الالتزام بنهج أهل البيت  عليهم السلام .
 - مجموعة من المقالات والخطب العامّة التي يكثر فيها التحليل حول العبادات.
 - كتابات متعدّدة في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وفي تحليل مشكلة الخلافة.
 - كتابات وخُطب في المناسبات المهمَّة.
 - كتابات في تفسير سورة الفاتحة.
 - كتابات يتناول فيها بعض المفاهيم الإسلاميّة..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

45

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 أمّا أثناء دراسته في النجف الأشرف، فإنّ للشيخ حسين معتوق تقريرات فقهيّة وأصوليّة، وقد نُشر جزء منها، وهي:

 - كتاب: المرجعيّة الدينيّة العليا عند الشيعة الإماميّة: وهو عبارة عن رسالة قيّمة تقع في ستين صفحة، يتعرّض فيها بالشرح والتحليل لمنصب المرجعيّة وظروفه وكيفيّة تصدّره وحمل مسؤوليّاته. وهذه الرسالة كانت ذات تأثير كبير من حيث إنّها قضت على الأميّة الملحوظة لدى الناس آنذاك فيما يعود إلى معرفة خصائص منصب المرجعيّة، وقد تمّ طبعها عام 1970م، وهو العام الذي كانت فيه خسارة العالم الإسلاميّ المرجع الأعلى السيّد محسن الحكيم قدس سره.
 
 - كتاب: منهج الدعوات في أعمال شهر رمضان المبارك من الأدعية والصلوات: وقد تمّ في هذا الكتاب جمع كافّة أعمال شهر رمضان المبارك من أدعية وصلوات وزيارات.
 
 الإنتاج الشعريّ:
 - احتفظت مجلّدات مجلّة العرفان بعدة قصائد من شعره، وكذلك "مستدركات أعيان الشيعة".
 ويدور شعره القليل - الذي وصل إلينا - حول محورين: مديح آل البيت، والغزل، في عبارته عذوبة، وفي قوافيه شَجَن، وفي إيقاعاته تدفّق يجسّده غزله بصفة خاصة، على أنّ للوطنية مكانًا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

46

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 في منظوماته. شعره من الموزون المقفّى على الرغم من معاصرته للتمرّد على الشكل التراثيّ للقصيدة في العراق ولبنان - حيث عاش - خاصّة.

 
 عناوين القصائد:
 • هيهات السلوّ.
 • أكلّف نفسي.
 • يا أيُّها الوطن المحبوب.
 • الشاعر الفذّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

47

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 هيهات السلوّ.

أيـقَـظوا جفـنـيَ القـريحَ ونامُوا
فـي نـَواهُـم وللـمحـبِّ ذِمام
مـِلؤهُ لـوعةٌ بـهـم وغرام
حـيثُ كـانـوا تـرحّلَوا أم أقامُوا
روحَ حـبٍّ تَضمُّهـا أجسـام
وأَتتْ فـيـه بـيـننـا الأيّام
فسـواءٌ تَرحُّلٌ ومقـام
فَعـلى الـحـبِّ والودِادِ السلام
لعبِتْ فـي وفـائِهِ الأوهام
تفصـمُ الـودَّ فـي يـديـهِ سِهام
لـيس تسطـيعُ نشـرَهُ الأقـلام
وكذا تَحفَظُ الـحقـوقَ الكرام

أمِـنَ العـدلِ أنّهـم يـومَ بانُوا  
روّعـونـي ومـا رعَوْا لـي ذِماماً
تـَركـوا مُهجَتـي تذوبُ وقلبي
لا عـلـيـهمْ فهـم هـنـا بفؤادي
وحَّدَ الـحـبُّ بـيـننـا فغدوْنـا
لا نُبـالـي بـمـا جنـتْهُ الليالي
وإذا صحَّ فـي النفـوسِ ودِادٌ
وإذا خـالطَ الـودِادَ رياءٌ
خسـرتْ صـفقةُ الـمحـبِّ إذا مـا
تـارةً يُحكِـمُ الـولاءَ وأُخرى
يـا أحـبّائي قـد طـويْنـا عتـاباً
وحفـظْنـا لكـم حقـوقَ إخـاءٍ


أكلف نفسي

فتأبىَ ويأبىَ حـبُّهـا وغرامُها
لعـمـركـمُ دونَ الأنـامِ مَرامُهـا
لظىَ وجدِهـا فيكم يشبُّ ضِرامُهـا

أكلّفُ نفسـي عـنكُـمُ صـبرَ ساعةٍ  
وكـيف تطـيـقُ الصـبرَ عـنكـم وأنـتـمُ
محا البـينُ منها أسطرَ الصبرِ فاغتدى

 

 

 

 

 

 

56


48

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 

ويعذبُ فـيكـم وجـدُهـا وهـيـامُها
أُصـيـنَ لـديكـم أم أُضيعَ ذِمـامُها
وفـيكـم إذا فـاهتْ يـطـيبُ كلامُها
فهـيـهـات فـيكـم أَنْ يفـيـدَ مَلامُها
تـراءَوا لعـيـنـي كـي يلـذَّ مـنـامُهـا
مدى العمـرِ والأيـامِ كان دوامُها

تهـيـمُ بكـم فـي كلِ آنٍ ولحظةٍ  
عـلى أيِّ حـالٍ أنـتـمُ غايةٌ لها
إذا سكتتْ كـنـتـم قبـالةَ فِكْرها
تـنـاهتْ لكـم وِدّاً وفـيكـم صـبـابةٌ
بـمـا بـيـننـا مـن خِلّةٍ ومودّةٍ
رعى اللهُ أوقاتَ اللقـاءِ فلـيـتَهــا

 

يا أيها الوطن المحبوب

والـبُعْدُ يـقدحُ أزنـادَ الأسـى فـيــهِ
ذكراكـمُ لـوعةَ الأشـواقِ تُوريه
فأنـتـمُ حـيثُ كـنـتـم فـي مَحـانـيـه
والـحـبُّ مـرآتُه أفكـارُ قـاريـه
أنفـاسُ أحشـائِنـا الـحـرّى تُحـيّيه
فألسنُ الـحـبِّ لا تـنفكُّ تـرويــه
دمعٌ تـُرقـرقُه الـذكرى وتُجـريه
فـنستلـذّ بـمـا فـيكـم لغانـيـه
قضى علينا النوى ما بينَ أيديـه

هـيهاتَ أَنْ يـتسلّى القـلـبُ بعـدَكمُ  
إِنْ مـالَ للصـبرِ عـنكـم لـحظةً بعثتْ
خطّ الغرامُ لكـم فـيـه سطـورَ صفا
دروسُ حـبٍّ قـرأنـاهـا على صغرٍ
إذا سـرى نَسَمٌ مـن نحـوكـم صعـدَتْ
يَحـلـو لنـا ذكركُم مـا مـرَّ ذكرُكـمُ
نَظلُّ فـيكـم حـيـارى لا يجفُّ لنا
عذابُنـا فـيكـمُ عذبٌ يـطـيبُ لنا
لـولا تعـلُّلنـا فـي قـربكـم زمـنًا

 

 

 

 

 

 

57


49

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 

يـا جـيرةَ الـحـيِّ هل بعـدَ الفراقِ لِقَا ً  
نسيتـمُ حـيـن كان الحـبُّ يجـمعُنـا
حـيث الهـزارُ يغنّيـنـا فـيـطربُنـا
وأكؤسُ الراحِ تُجلى بـيـننـا عـلنًا
ننظِّمُ الشعـرَ في أسلاكهِ دُرَراً
مـا أبدعَ الشعرَ لـو ألفـاظُهُ عذُبَتْ
يدقُّ فـي القلبِ نـاقوسَ السرورِ إذا
ما الشعرُ تسطيرَ ألفـاظٍ مُعقَّدةٍ
آليتُ أرسلُ أفكاري تنظّمُهُ
يا موطنًا عاثَ فـيـه الجورُ فـانبعثتْ
جارت عليه اللـيالي فـي تَصرّفها
أزهـارُ روضاتِهِ مالَ الـذُّبولُ بها
هل ينفحُ العدلُ فـيـه نفحةً فعسى
يا أيها الوطنُ المحبوبُ نارُ أسىً

يفـوزُ كلُّ محـبٍّ فـي أمانيـه
في جانبِ الحيِّ مـن شـرقـيِّ واديـه
بـيـن الأزاهـيرِ فـي أحـلى أغانـيـهِ
فـي كفِّ أهـيفَ يحكـيـهـا وتحكـيـه
تجلـو ظلامَ الأسى عنا دَراريه
ومـا أُحيلاهُ لـو رقّتْ معانيه!
ما أتقنتْ صنعَهُ أفكارُ مُنشيه
ما أبعدَ الشعرَ عمّن ليس يدريهِ!
إلاّ إلى الوطن المحبوبِ أُهْديه
هـذي الجفـونُ بقاني الـدمعِ تبكـيه
فأسلـمتْهُ إلى أيـدي أعـاديه
حزنًا عليه كما جفّتْ مَجـاريـه
تربو وتهتزُّ بالبشرى مغانـيه
عليكَ فـي القلبِ لاتنفكُّ تُذكيه

 


 

 

 

58


50

الفصل الثاني: السيرة التبليغيّة

 الشاعر الفذّ

ألـذّ للمرء مـن شعـرٍ يـنضّده
أرقّ مـنه لـديـه حـيـن يـنشده
يبقـي الأديبَ بـلا لبٍّ يردّده
فجـاء بـالشعر سهلاً لا يعقّده
حتّى يخال إذا مـا شـاء يـوجده
تقـيـم قارئها قهـراً وتُقعده

ما خمرةٌ قـد بدت بالكأس صافيةً  
مـا نسمةٌ قـد سـرت بـالطـيب نافحةً
لا يفعـل السحرُ بالألباب فعـلتَه
والشـاعـرُ الفذّ مـَنْ فـاضت قريحتُه
يكاد يفهـمه مـن لـيس يفهمه
تكـادُ أبـياتُه مـن فرط رقّتها

 

 

 

 

 

 

 

 

59


51

الفصل الثالث:على صعيد دوره الإجتماعيّ

 تمهيد

 منذ أكثر من قرن نشطت في لبنان حركات أهليّة - غير بريئة-، في ظلّ ظروف وطنيّة بالغة الصعوبة، مع قيام الحروب الداخليّة والصراعات وانتشار الجوع والاستبداد، خصوصاً خلال الحرب العالميّة الأولى.
 وقد واصلت الجمعيات دورها في ظلّ الانتداب، ومع الاستقلال تواصلت المسيرة إلى أن جاء عهد فؤاد شهاب حيث عزّز دور الشراكة بين القطاع الأهليّ المزعوم والقطاع العامّ.
 
 ومع نشوء الأزمة اللبنانيّة - أي خلال الحرب الممتدّة ما بين 1975: 1990 - والتي أدت إلى شلل الحياة العامّة، واجهت الجمعيّات الأهليّة حقائق كبيرة، فانكشف العديد منها وانكفأ، وهي لم تكن مستعدّة لها بشكل كاف، وفي ظلّ تفكّك أوصال الدولة والمجتمع، وضعف النسيج المجتمعيّ وتدهور مستوى المعيشة، وتقلّص الموارد الماليّة وتدمير البنى الاقتصاديّة للحياة المقبولة. كان الدور البارز لبعض المؤسّسات الصغيرة خاصّة في المجتمع الشيعيّ ذي الحرمان المزمن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

52

الفصل الثالث:على صعيد دوره الإجتماعيّ

 هنا انبرى سماحة الشيخ حسين معتوق - في بداية الحرب الأهليّة - بمبادرات فرديّة مع مجموعة من المؤمنين يبلسمون الجراح ويخفّفون عن الناس المعاناة، ويعوّضون لهم بعض ما فاتهم من خدمات صحيّة واجتماعيّة وغيرها.

 وأبرز المشكلات الاجتماعيّة في لبنان خلال الحرب تتمثَّل بالمستوى المتدنّي للمعيشة، حيث إنّ ثلث السكّان يعيشون دون خطّ الحرمان والفقر، وبمدخول دون مستوى كلفة المعيشة، إضافة إلى فرص العمل المفقودة ممّا يرفع معدّلات البطالة.
 
 ويتميّز لبنان بظاهرة التفاوت الاقتصاديّ والاجتماعيّ الشديد بين المناطق والتي يؤكّد الباحثون أنّ هذه التفاوتات كانت سبباً أساسيّاً من أسباب اشتعال الحرب في لبنان عام 1975.
 أمّا بخصوص تقلّص دور الدولة فيرى باحثون اجتماعيّون مختصّون أنّ الأمر غير مبالغ به، وذك بسبب تقاعس أجهزة الدولة عن خدمة المواطنين.
 
 1- إغاثة الأيتام والفقراء ومساعدتهم:
 لقد جعل سماحة الشيخ حسين معتوق مسألة الاهتمام بالأوضاع الاجتماعيّة همّاً يوميّاً، له مساحة كبيرة في حركته اليوميّة، خصوصاً بالنظر إلى ما كانت تعيشه الغالبيّة من الناس، نتيجة الأوضاع الاقتصاديّة العامّة، فضلاً عمّا طرأ من أمور زادت حجم المعاناة،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

53

الفصل الثالث:على صعيد دوره الإجتماعيّ

 لتتوسّع دائرة المحتاجين، وبالأخصّ في ظروف الحرب الأهليّة المستعرة إلى ما كان يحصل من آثار الاعتداءات اليوميّة للعدوّ الإسرائيليّ، التي كانت بمؤازرة الفقر والعوز مزعجات تزعج الناس في قراهم وبيوتهم، لتلجئهم إلى الهجرة داخل الوطن وخارجه.

 
 وتتمحور اهتماماته الاجتماعيّة ومواجهته لها على صعيد:
 أ- المساعدات الماليّة والعينيّة:
 - نقل الحاجّ عليّ صايغ، وهو كان صاحب سيّارة (فيات) ينقل بها الشيخ حسين معتوق من بيروت إلى الجنوب وبالعكس، يقول: كان المقدّس الشيخ حسين معتوق يصرُّ على قضاء حوائج الناس بنفسه، وكان إذا حضر عنده شخص محتاج، كان يجلس معه بشكل منفرد، ويقوم بنفسه ويعطيه ما تيسَّر دون أن يعرف أيّ شخص من الحاضرين، وكثيراً ما كان ينقل بنفسه المساعدات العينيّة إلى المحتاجين خاصّة خلال الأحداث، وكان قد تكفّل بتأمين المساعدات لحوالي 400 عائلة مستضعفة، فكان يؤمّن لهم رواتب شهرية ومساعدات عينيّة.
 
 لقد اتخَذَ هذا العمل طابعاً خاصّاً بعد الأحداث وتوسّع كثيراً عمّا كان عليه قبلها، بحيث تجاوز عدد العائلات التي كانت تأخذ راتباً شهريّاً مُنتظماً من سماحة الشيخ حسين معتوق لأربعمائة عائلة، هذا فضلاً عن المُساعدات الخاصّة، المساعدات الطبيّة والتي كان من أبرزها دفع تكاليف العمليّات الجراحيّة الضروريّة، والقيام بنفقات
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

54

الفصل الثالث:على صعيد دوره الإجتماعيّ

 الطبابة والعلاج للكثير من المرضى والجرحى، وخاصّة المُشوَّهين في الحرب، الذين عُولجوا داخل البلاد وخارجها.


ب - المساعدات الطبيّة والصحيّة
مع الإشارة إلى أنّ مشروع مساعدة العائلات الفقيرة ودفع النفقات العلاجيّة لمشوّهي الحرب، خاصّة الذين يحتاجون إلى أطراف اصطناعيّة، بقي صَدَقةً جارية بعد رحيل الشيخ بمدّة غير قصيرة، وذلك بفضل ما كان يرصد من الحقوق الشرعيّة والتي كانت تَرد من أصدقاء الشيخ وتلامذته ومُحبّيه.

ج - تأمين منازل للفقراء
سعى الشيخ حسين معتوق مع مجموعة من المؤمنين، نحو تأمين منازل لائقة لبعض البائسين الفقراء، فكان يصرف من الحقوق الشرعيّة ومن التبرّعات من أجل شراء مساكن وأثاث لبعض الفقراء، الذين سيطر عليهم العوز، ويذكر أحد المواكبين له، أنّ سماحة الشيخ ساهم في شراء أكثر من 70 مسكناً لعوائل مستضعفة فقيرة، وساهم أيضاً في تأثيث أكثر من 300 مسكن لمن لا يقدرون على ذلك.

وأمّا بعض العوائل المستضعفة التي كانت غير قادرة على دفع أجور المساكن، فقد كانت تستفيد من مساهمات الشيخ في دفع الأجور وبنسب متفاوتة. وقد استفادت العشرات من العوائل المستضعفة من هذه المساهمات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

55

الفصل الثالث:على صعيد دوره الإجتماعيّ

 د - تكفّل الأيتام

بعد أن اشتعلت نيران الحرب الأهليّة، وحيث ازدادت حركة اليتم في المجتمع، سعى الشيخ حسين معتوق إلى تطويق آثار هذه الظاهرة الاجتماعيّة الصعبة، فكان يقوم بتكفّل الأيتام ومواكبتهم حتّى يصبحوا منتجين، وقد واكب عشرات الأيتام الذين تخرّجوا من الجامعات فيما بعد وأصبحوا من روّاد المجتمع.

2- المشاركة في بناء المشاريع العامّة:
سَاهم سماحة الشيخ حسين معتوق في إطلاق العشرات من المساجد والنوادي الحسينيّة والمستوصفات والمكتبات العامّة، كما وساهم في مدّ يد العون إلى الكثير من النشاطات الاجتماعيّة والإنسانيّة، وفي هذا السياق نذكرمنها:

الإشراف المباشر على بناء النادي الحسينيّ في بلدة صير الغربيّة في قضاء النبطيّة، وتجديد وتوسيع المسجد فيها.
ضمّ المسجد الجامع في الغبيري إلى النادي الحسينيّ.

المساهمة الفعّالة في التعليم الدينيّ في بيروت والمناطق، حيث كان يعيّن أساتذة لخصوص التعليم الدينيّ في المدارس الرسميّة وبعض المدارس الخاصّة، ويقوم بدفع رواتبهم.

دعم التجمّعات الدراسيّة الدينيّة في لبنان، من خلال دفع الرواتب 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

56

الفصل الثالث:على صعيد دوره الإجتماعيّ

 لطلّاب العلوم الدينيّة، وتأمين السكن لهم في بعض الأحيان، كي لا يضطرّوا للهجرة إلى الحوزات العلميّة في الخارج في وقت مبكّر.

 
 حلّ الخصومات والنزاعات
 حلّ الخصومات والنزاعات العائليّة والسياسيّة، التي تتّخذ طابع الخطورة في بعض الأحيان، فكم من مرّة تدخّل في الوقت المناسب، ليمنع حصول مشاكل خطيرة بين أطراف متناحرة، وكان أحياناً يتورّط لتطويق خلافات بين بعض السياسيّين، نظراً لما يتمتّع به من احترام وتقدير عند الجميع، ولما يَنفرد به من استقلاليّة وحياديّة عن الأطراف.
 
 مواجهة الزعامات والأحزاب
 مكافحة تسلّط الزعامات السياسيّة والأحزاب في جنوب لبنان، بحيث كان يقف بالمرصاد لكلّ زعيم أو رجل سياسة يحاول إثارة الفتن بين الناس، ويستغلّ نفوذَه لمصالحه الشخصيّة، ويسعى لتهييج الناس في الانتخابات العامّة، أو يقوم بأعمال شائنة لا تتّفق مع مبادئ الإسلام الحنيف.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

57

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 7- وفاته

 لقد شاءَ ألقدر أن يكون في وفاته صورة تحكي حياته، ففي صباح يوم الأحد الواقع في 13صفر1401هـ الموافق 21كانون الأوّل 1980، غادر الشيخ حسين معتوق الغبيري إلى الجنوب في زيارة معتادة.
 
 وفي ليلة الاثنين كان يتصدّر اجتماعاً في بلدة القصيبة، وكانت الأحاديث والإرشادات تفيض منه على الجالسين بحيث بدا في حالته العاديّة من النشاط والأريحيّة اللذَيْن لم يفقدهما في أواخر عمره، ويقول الحاجّ أبو أديب الصايغ، وهو كان من الحاضرين في هذه السهرة، إنّ الشيخ حسين معتوق في هذه الليلة تحدّث عن عدّة مواضيع, وكان قد خصَّص جزءاً كبيراً عن ذكر الموت, ثمّ قال بعض الأشعار، ثمّ تحدّث بأنّه سيذهب صباح اليوم التالي إلى بيروت، وأنّه يشعر بأنّ هذه السهرة لا بدّ أن تطول أكثر...وفي منتصف الليل توجّه الشيخ حسين معتوق إلى بلدة صير الغربيّة مع الحاجّ عليّ صايغ في سيّارته، وفي الطريق طلب الشيخ من الحاجّ عليّ صايغ أن يمرّ عليه صباحاً من أجل الذهاب إلى بيروت باكراً؛ لأنّ لديه مواعيد مهمَّة، وأصرّ على المبيت منفرداً في بيته في البلدة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

58

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 وفي صباح يوم الاثنين حضرَ السائق وأهالي البلدة إلى باب المنزل بعدما استبطأوا خروجه، وطفقوا يطرقون الباب، ولكن طَرقاتِهم ظلَّت تشقّ جدار الصمت بغير جواب: إنّها المرّة الأولى التي يَُطرق فيها بابه ولا يفتحه بنفسه، إذ لم يجعل في حياته كلّها فاصلاً بين غرفته والناس.


وحين طال المكث على الباب، وساور الشكّ النفوس، أقدم أهالي البلدة على فتح الباب ودخول غرفة الشيخ، فعثروا عليه نائماً نومته الأبدية على أرض الغرفة..

وإذ ذاك، فقد غلبت الدهشة وعَظُمت الصدمة: مات الشيخ حسين معتوق، مات وحيداً كما عاش في حياته الخاصة، مات في أوجِ عطائه وجهاده، بعد ثمانية وستّين عاماً كانت حافلة بالكفاح والصبر والبذل والجهاد.

وفي صباح يوم الأربعاء 24 كانون الأوّل 1980، دُفن الشيخ حسين معتوق في الفسحة التابعة لحسينيّة البلدة..

ما قيل فيه بعد وفاته في ذكرى الأسبوع:
- الشيخ حسين زين الدين:

لَبِستْ عليك حدادَها الأيامُ              فعليكَ منّا يا حسينُ سلامُ
جُرحُ الشريعةِ فيكَ غيرُ مضمّدٍ        جَزَعاً وجرحُ الفضلِ لا يلتام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

59

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 - الأستاذ حسن معتوق نجل الفقيد الراحل:

 حاولتُ نظمَ الرثا فاستعصتِ الكَلِمُ وهل لأهل النُهى بعدَ الحسينِ فمُ؟
 ما كنتُ أَحَسبُ يجري في الرثا قلمي ما حيلتي قد جرى في ذلك القلم
 
 - آية الله السيد محمد حسين فضل الله قدس سره:
 من الأشخاص الذين نفتقدهم في حياتنا مَن تشعر أنّك تريد أن تنطلق من اسمه لتهرب إلى شيءٍ آخر، ولكن هناك من الأشخاص من يفرض عليك اسمه أن تعيش في عمق ذاته وفي حياته وفي منطلقاته؛ لأنّ حياته تتحرّك في الاتجاه الكبير من حياة الناس، وفي المنطلق الكبير من رسالات الله، من هؤلاء الأشخاص فقيدنا الكبير - المقدّس الشيخ حسين معتوق- الذي نشعر حين افتقدناه,بأنّ هناك فراغاً كبيراً في حياتنا العلميّة وحياتنا العمليّة، لأنه يمثّل ذلك الجيل من علماء الأمّة الذي لم يحاول عندما تحرّك في إطار العلم، أن يأخذ من العلم كلمة هنا يحفظها, وكلمة هناك يحفظها, وحُكماً يستظهره، وإنما كان يريد أن ينطلق بالعلم من أجل أن تستمرّ المسيرة، مسيرة العلماء التي بدأها علماء أهل البيت من أجل أن يكون لنا في كلّ عصر مجتهدون، ومن أجل أن يكونَ لنا في كلّ عصر علماءُ يعيشون الوعي للشريعة من خلال علمهم الذي يتعمقّ في فهم الشريعة. إنّه من قلةٍ من العلماء عرفوا أنّ معنى أن يقف الإنسان في موقع المسؤوليّة العلميّة الفقهيّة, أن يعيشّ الإسلامَ فكراً مُمتدّاً متعمّقاً كما يعيشه حياةً وممارسة وسلوكاً؛ لأنّ الإنسان الذي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

60

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 يَعي الإسلام علماً يستطيع أن يقف أمام أحكام الله, موقف الإنسان الذي يملك وضوح الرؤية، ويعرف كيف يبتدئ حكم الله, وكيف يتحرّك وإلى أين ينتهي.

 
 إنّه من هؤلاء الذين امتدّت بهم مسيرة علمائنا في جبل عامل, وعلمائنا في العراق وعلمائنا في إيران، حتّى استطاعوا أن يغنوا الفقه الإسلاميّ باجتهادهم، وأصبح الفقه الإسلاميّ الإماميّ بوساطة علومهم وجهدهم وثقافتهم يمثّل قمةً في العلوم كلّها.
 
 من خلال الاجتهاد يقف الكثيرون من المشرّعين في العالم ليقولوا إنّ الفقه الإسلاميّ يمكن أن يشكّل أساساً وقاعدة للتشريع في العالم كلّه.
 
 سار الفقيد في هذا الجوّ وعاش هناك في النجف، عاش مع العلماء الكبار على أن يختزن من علومهم الكثير, وعلى أن ينطلق من خلال هذا العلم الغزير من جديد.. لهذا نحن نشعر بالفراغ الكبير؛ لأنّنا نشعر أنّ هذه المسيرة بدأت تقلّ ولا أريد أن أٌقول إنّها بدأت تنعدم.. من خلال ذلك نشعر بعمق وسعة هذا الفراغ.
 
 ثمّ تنطلق معه وأنت تعيش معه في حياته.. تنطلق معه لتشعر بالخُلُق الطيّب الذي يحتويك حتى لو كنت تختلف معه أو يختلف معك، كان يتّسع بخُلُقه لمن يتَّفقون معه في الرأي, ويتّسع لمن لا يتّفقون معه. وعندما يتّسع بخُلُقه لمن لا يوافقونه في الرأي,لا يتنازل على أساس مجاملة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

61

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 الكثيرون منّا ربّما تدفعهم أخلاقهم إلى أن يجاملوك على حساب مبادئهم وقِيَمهم ومواقفهم. لكنّه كان يفتح لك صدره، وكان يوحي لك عندما يفتح لك صدره بكلّ محبّة وبكلّ رحابة صدر.. كان يوحي لك بأنّ الخُلُق الذي يرتكز على أساس العلاقات الاجتماعيّة شيء, وأنّ المواقف المبدئيّة شيء آخر، وليس معنى أن تحمل خُلُقاً عظيماً أن تتنازل مع الذين تختلف معهم في الرأي، بل أن تعرّفهم أنّ اختلاف الرأي لا يمكن أن يشكلّ أساساً لعداوة أو خصومة أو خلاف شخصيّ.

 
 وتلك نقطة نحتاجها في مسيرتنا الاجتماعيّة، في خلافاتنا واتفاقاتنا....تلك هي نقطة بارزة في حياة فقيدنا الكبير، وفي هذا الاتجاه نظلّ نسير مع حياته لنلتقط عنها الكثير الكثير ممّا يمكن أن نتعلّمه، كان يرصد واقعه من حوله، وكان يرصد الانحراف في أجوائنا، الانحراف في العقيدة أو الانحراف في الخطّ السياسيّ, أو الانحراف في الممارسات الاجتماعيّة.
 
 وكان يشعر أنّ عليه أن يقف موقف الإنسان الذي يعنّف تارةً ويهاجم, ويرقّ تارة أخرى. وأنتم هنا في هذه البلدة الطيّبة تعرفون أنه وقف من على هذا المنبر الوقفات القويّة الصامدة المنفتحة. كان يشعر من خلال قناعته أنّ الواجب يفرض عليه إلاّ يسكت لأنّ الساكت عن الحقّ شيطان أخرس. إذا استطاع أن يتكلّم، وكلٌّ يشعر أنّه يستطيع أن يتكلّم... وتكلّم بالكلمات القويّة وبالكلمات المنفتحة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

62

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

  يقنع هذا ويحاور ذاك، وكان يشعر أنّ الكثيرين لا يرتاحون لتلك الكلمات، وكان يشعر أنّ الكثيرين يسجلون مواقف سلبيّة، ولكن متى كان الرساليّون يتوقّفون أمام موقف سلبيّ من إنسان أو أمام معارضة من إنسان آخر؟ إنّ عليهم أن يقولوا كلمتهم من موقع قناعتهم ومن موقع دراستهم للواقع، وليست المشكلة بعد ذلك أن يقبل الناس أو لا يقبلوا،...


... كان يتحرك في حياته، يتسلّم الحقوق الشرعيّة باعتباره المعتمد للمرجع الأعلى للطائفة الإسلاميّة الشيعيّة آية الله العظمى السيّد محسن الحكيم، وكان يشعر أنّ الحقوق ليست امتيازاً وليست غنىً وإنّما هي مسؤولية.. ونحن نعرف أنّه عاش حياته من موقع العطاء وأنه كان يستقبل في أوائل كلّ شهر وفود الأرامل والأيتام ويمنح لكلٍّ منهم ما يستطيع أن يمنحه..

والله اسأل أن يتغمّد فقيدنا الكبير برحمته ويسكنه فسيح جنّته ويلهمنا ويلهم أهله الصبر والسلوان.

8- ما ورد في تراجم الشيخ
ورد في مستدركات أعيان الشيعة للسيّد حسن الأمينما نصُّه: الشيخ حسين معتوق درس دراسته الأولى في جبل عامل ثمّ أتمّها في النجف الأشرف ,وعاد إلى لبنان فسكن في (الغبيري) من 
 
 
 

1- مستدركات أعيان الشيعة: ج1 - ص36 - 37.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

63

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 ضواحي بيروت, وبنى فيها مسجداً, كان يقيم فيه الجمعة والجماعة, ويعظ الناس ويرشدهم، وكان وكيلاً لأحد مراجع النجف.له كتاب المحاضرات الدينيّة, وله بعض الأشعار عندما كان طالباً في النجف.


من شعره:
أَمِنَ العدلِ أنّهم يوم بانوا       أيقظوا جفنيَ القريحَ وناموا؟

ومنه:
هيهاتِ أن يتسلّى القلبُ بعدكمُ             والبُعدُ يقدحُ أزنادَ الأسى فيهِ
إنْ مالَ للصبرِ عنكم لحظةً بعثَتْ            ذكراكُمُ لوعةَ الأشواقِ توريه

- ويقول عنه الشيخ إبراهيم سليمان في كتابه "علماء جبل عامل": "كان مثالاً للعالِم العامل، وكان من أجمع أهل صنفه للكمالات أخلاقاً وعلماً وفضلاً وتواضعاً وبَذلاً وإرشاداً، وكان حَسَن الحفظ،وحَسَن الأخلاق، يحفظ من الحوادث المؤنسة والنكات المُضحكة ما لا تجده عند غيره، لا يكاد يملّ المرء من معشره إذا جلس إليه.

وهو من الطبقة الأولى في المعاصرين، شاعرٌ أريحي الطبع، لطيفُ المجالس، ثابتٌ في فتاواه، إنّه بقيّةٌ من القطع النادرة الذين قلّ وجود أمثالهم علماً وتقوى وأمانة وصدقاً وتديّناً واستقامة، يمثّل العالم الديني الكامل أروع تمثيل في زمن قلّ فيه الديّانون.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

64

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 وصفة اللطف والتواضع وحُسن الأخلاق من أبرز مميّزاته وتلك من صفات العالم الدينيّ حقيقة، التي يمثّل بها الإمام عليه السلام والنبيّ صلى الله عليه واله قبله الذي نطق التنزيل بوصفه قائلاً ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾1

 
 تُضحِكه النكتة، ويُعجبه الشعر الجيّد, والمفاكهة العذبة، كما يُؤنسه البحث العلمي والجدل الدينيّ والتحقيق الفقهيّ، ولقد كانت تدور بيننا مكاتبات لو صحّ نشرها لكانت من طرائف الفنّ والأدب والعلم والشعر.
 
 لقد عاش وسط تيّارات سياسيّة واجتماعيّة وعلميّة هنا وفي العراق، فرأيناه حافظاً لتوازنه، حَسَن الاختيار، ورأيناه في فتاواه طوال مدّة حياته موزوناً شديد الاحتياط رغم أنّه من أهل النظر. ولم يخلُ ظرف من ظروفه التي عاشَها في بيروت من تيّارات تتطاحن قيماً فيها، فكان مع ما يعتقد أنّه الحقّ في ضميره، واسع الصدر للخصوم فلا يجابههم بقسوة، ولا يعارضهم بحِدّة، وتَغلب عليه الابتسامة التي يُنهي بها النزاع، وكأنّ شيئاً لم يكن..
 
 قامت مجلّة العرفان بدراسة حول سماحته وشعره، حيث وجدنا النص الآتي: "سماحة الشيخ حسين معتوق وُلد سنة 1320هـ في بلدة العبّاسية من جبل عامل. بدأ دراسته في كتّاب البلدة عند الشيخ إبراهيم ياسين، ثمّ في مدرسة بلدة طيردبّا القريبة من قريته عند
 
 
 

1- القلم: 4.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

65

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 الشيخ عبد الله دهيني. ثمّ درس العلوم التي تعدّه للدراسة النجفيّة على الشيخ حسين مغنية، ثمّ سافر إلى النجف الأشرف فكان من أساتذته هناك كلّ من السيّد حسين الحمامي والسيّد محسن الحكيم".


9-وما قيل فيه في مناسبات أخرى:

- الشيخ إبراهيم سليمان:
عَلَمٌ أنتَ في سِجِلِّ الخلودِ                 صاعدٌ أنت، مُمعنٌ في الصعودِ
راسخٌ في عقيدة الحقّ، ماضٍ            في سماء الهُدى لأفْقٍ بعيد
صامدٌ في مضارب العلم والفضلِ        بعد المدى، شديدُ الصمود
قد بسطتَ الأموالَ بسطاً جميلاً          في اليتامى، وفي أيامى الوفود

- الدكتور زهير البيطار:
أيها العلاّمة العَلَم الشامخ، لقد غبت عنّا بجسدك، لكنّك بيننا بضيائك وأثرك، فأنتم معاشرَ العلماء كالنجوم الساطعة تُنيرون دروب الحياة، بل أنتم خيرٌ من النجوم، فهي آفلة فيحتجب نورها ولكنّ نوركم باقٍ بعد الأفول.

الشيخ محمّد جواد الفقيه:
أنت معجزة في نشأتك, ومعجزة في رحلتك الطويلة, ومعجزة في فتح باب الأمل للبائسين الصابرين إذا تأمّلوا في سيرتك واحتذوا خطاك.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

66

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 - الدكتور محمّد كاظم مكي:

لقد كنت في حياتك مؤثّراً, وفي مماتك أكثر تأثيراً، فالتكلم اليوم عليك إطلالة على الجنّة حيث أنت مع الصدّيقين والأولياء في ظلّ من رحمة ربّك.

- الدكتور عبد الجليل عمرو:
الإنسان فكرة وعمل.. يسعى المرء جاهداً إلى أن يسمو بفكره كما يسعى إلى أن يتجلّى ويتكامل بعمله.. وغاية الغايات أن يبدع بالاثنين معاً، إذاً أجلّ نعمة يسبغها الخالق على مخلوق, هي شخصيّة متماسكة متناغمة ومتجانسة فكراً وعملاً، هذه النعمة حلّت على فقيدنا الكبير تغمدّه الله بواسع رحمته.

- الشيخ عبد الامير قبلان:
في هذا الحفل جئنا لنودّع عميد العلماء وكبيرهم ومرجعهم الشيخ حسين معتوق، نتجرّأ في غيابه أن نتكلّم وأمّا في حضوره فلم يفسح لنا أبداً.. كان السند والثقة. وأوّل فاتح من رجال الدين لبيروت وللضاحية هو الشيخ حسين معتوق، أوّل من أسّس وعلّم وجاهد في هذه المنطقة.. كان يعيش الزهد، كان يرفض الدنيا ولا يجامل الدنيا ولا يتعامل مع أهل الدنيا، كان أكبر من آمالهم ومن خدعهم ومن تصوّراتهم.. بذل جهده ليكون في الغبيري مسجد يليق بهذه الطائفة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

67

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 من عاشر الشيخ حسين معتوق يعرفه حقّ معرفته. كان لنا في المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى السند الحقيقيّ، هو الذي أشرف على تشكيلة الهيئة الشرعيّة الموجودة حاليّاً، وكان الإمام السيّد موسى الصدر يسترشد بآرائه ويأخذ منها، كان العين الساهرة، كان المراقب، وكان المدّبر وكان الواعظ. أوّل رجل دين في لبنان طوّر المجالس الحسينيّة.. نحن لا نفيه حقه بمهرجان، لا نفيه حقّه بخطبة مهما كان وزنها ومهما كان قائلها.

 
 - الشيخ حسن طراد:
 ... فقيدنا الراحل المجاهد الكبير، فرد من هؤلاء الأعلام الذين حملوا مصباح الهداية وراية الإصلاح، فقادوا المجتمع في السبيل المستقيم والنهج القويم بالسيرة المستقيمة والموقف الصريح الثابت، الذي لم يزل ولم يتزلزل معه قيد شعرة عن منهج الحقّ، هذا الحقّ الذي لزمه وتابعه وكان يصارع في سبيل الدفاع عنه والمحافظة عليه اقتداءً بإمامه أمير المؤمنين عليه السلام الذي قال:"ما ترك لي الحقّ من صديق"، هكذا كانت الصفة البارزة في حياة فقيدنا الراحل, الاستقامة في طريق الحقّ, والمدافعة عن الحقّ, والدعوة إلى الحقّ, مهما كلّفت الأمور، رضي الناس أم سخطوا...
 
 فالمرحوم فقيد الإسلام، حجّة الإسلام، طرح قشور الدنيا،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

68

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 وأخذ باللباب، وسار على درب الحقيقة والصواب, حتى نال الحياة الحقيقيّة الخالدة..


هذا مضاف إلى ما خلّفه من آثار, وتركه من خدمات ومشاريع، وهذه الحسينيّة إحداها, وهناك المسجد بعض حسناته,وهناك المسجد في الغبيري الذي أسّسه وأقامه حرماً شامخاً, وتركه مدرسة سيّارة, ليستفيد المجتمع منها دروساً في الهداية والصلاح والإصلاح..ومن آثاره وأسباب خلوده, أبناؤه الأخيار الذين ساروا على منهجه عقيدة صحيحة, وإيماناً راسخاً, وسلوكاً معتدلاً,علماً وأدباً وخلقاً وفضيلة ونُبلاً وشهامة، تلك آثارنا تدلّ علينا فسلوا بعدنا عن الآثار.

- ويروي الشيخ عبد الرسول حجازي (مواليد 1933): "بدأت دراستي الدينيّة عند سماحة العلاّمة المرحوم الشيخ حبيب آل إبراهيم، والعلامة المرحوم الشيخ حسين معتوق الذي استفدت منه كثيراً، من علمه ومن أخلاقه، فكان داعياً لله بعلمه وعمله مصداقاً للحديث الشريف (كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم)".

- ويروي الشيخ محمّد تقيّ الفقيه قدس سره في كتابه "حجر وطين"، حول وضع الطلاّب اللبنانيّين في النجف، فيقول:"(وقلّ عدد العامليّين في النجف حتّى أصبح نحواً من عشرين طالباً، وكانوا كلّهم يحضرون دروس الخارج)، أحدهم هو، والسيّد 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

69

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 حسين مكّي، والسيّد هاشم معروف، والسيّد عبد الرؤوف فضل الله، والشيخ حسين معتوق، والشيخ سليمان سليمان، والشيخ إبراهيم سليمان، والشيخ رضا فرحات، والشيخ بشير حمّود، والشيخ خليل ياسين، والشيخ زين الدين شمس الدين، وغيرهم.


ومعظمهم ممّن نال المراتب العالية في الفضل والكمال، إلاّ أنّ أكثرهم ترك النجف في وقت مبكّر، لحاجة بلادنا إليهم من جهة، ولاشتداد المحنة عليهم بسبب الظروف التي رافقت الحرب العالميّة الثانية, وما رافقها من غلاء وفقر، حيث كان اعتمادهم على الفُتات الذي كان يصل إليهم من بلادنا مع انقطاع ذلك بسبب تلك الحرب. لا سيّما الشيخ حسين معتوق الذي قام بجهود كريمة في بيروت وجبل عامل".

- ويقول الشاعر سمعو عبد الكريم الدرويش، مواليد حلب 1922م، الذي اعتنق التشيّع عام (1968م):"سبب تشيُّعي لآل البيت أنّي كنت أقرأ كتب الإماميّة، وقد التقيت بسماحة العلاّمة المجاهد الشيخ حسين معتوق من صير الغربيّة (جنوب لبنان) بمسجد يقع في حيّ الشيّاح (الغبيري) حيث سألته ومن ثَمَّ لازمته فترة طويلة، وكان مثالاً للعالم الزاهد القانع، فكان يدعو لله دون أن يتكلم(كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم)".

ومن الشواهد التي ما زالت عالقة بذهن الشاعر، أنّ سماحة الشيخ عاش الزهد قولاً وفعلاً، وأنه كان دائم البسمة، وكان يبادر إلى 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

70

الفصل الرابع:أفول لا يحجب النور

 السلام على الصغير والكبير، وإذا كان جالساً، يهبّ واقفاً لاستقبال زائريه، ويودّعهم إلى باب المنزل عند مغادرتهم. وكان يصوم معظم أيّام السنة.

 

 

 

 

 

 

84


71

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 الهجرة النبويّة المشرّفة

 • في لحظة من لحظات التأريخ الخالدة، تلفّت الزمن إلى الأمام ليرى كيف يمكن للقلّة المؤمنة أن تغيّر مجرى التأريخ، وأن تغيّر مجرى الحياة، وتفتح في سجلّ الخلود باب الأمل في الحياة بعد اليأس، والحركة الهادفة إلى الغاية بعد طول الركود.
 
 • تلك معانٍ قد تمثّلت في تأريخ الهجرة النبويّة، التي كانت فصلاً بين حياتين: حياة كان الإسلام فيها من جهة بأهله غريباً، وحياة أقام المسلمون في ظلّها دولة وطيدة الأركان، شامخة البنيان..
 
 • لقد أراد الله أن تكون الهجرة بداية الطريق لإقامة المجتمع المسلم، حيث الأرض الهادئة، والقلوب الوادعة، والأخلاق الرحيمة، التي فتحت ذراعيها لإستقبال الدعوة.
 
 • إنّ الهجرة النبويّة تعتبر بحقّ، من أروع الأحداث التي سجّلها
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

72

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 التأريخ الإسلاميّ، وهي أوّل لبنة في بناء صرح الدعوة الإسلاميّة؛ لأنّ الدعوة في مكّة لم تظفر إلاّ بتركيز جهودها على تحرير العقيدة، وتوجيه الناس إلى عبادة الله. أمّا بعد الهجرة، فقد انتقلت إلى مرحلة التشريع والتنظيم، بوضع المنهاج لسلوك الفرد والجماعة، بما يتقوّم به صلاح المجتمع، من جميع جوانبه الدينيّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة، والإقتصاديّة.


فالهجرة حركة فاصلة بين مرحلة من الزمان انتهت، ومرحلة جديدة من الزمان أقبلت، وهي تحمل في طيّاتها ذكرى المرحلة المظلمة التي انتهت، والمرحلة المشرقة التي أقبلت، حيث انتقل المسلمون فيها من الذلّ إلى العزّ، ومن الفقر إلى الغنى، ومن رعي الغنم إلى قيادة الأمم.

• لم يكن المقصود من الحديث عن هذه الهجرة المباركة حديثاً يُنشر أو يُذاع، لمجرّد العلم به أو التندّر فيه، وإنّما أن يكون درساً نستمدّه من واقع تاريخنا المجيد، نتعلّم منه كيف يكون التخطيط للجهاد في سبيل الحقّ والحريّة، والعزّة والكرامة.

• فإن الرجوع إلى ذكرى الهجرة، وما صاحبها وسبقها من التخطيط يجعلنا في مستوى المسؤوليّة، لمواجهة سفينة الحياة الإنسانيّة, خلال الأمواج العاتية، وتوجيهها نحو شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان، إلى حيث النصر والتحرير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

73

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 • أصحاب الهجرة، لم يعرفوا لأنفسهم إلاّ النصر أو الإستشهاد في سبيل عقيدتهم. وقد اجتمعوا بحكمة القائد والمعلّم، للإسهام في نشر الدين الجديد، وإقامة صرح الإسلام قويّاً، وثيق البناء..


• ولأجل ما اشتملت عليه الهجرة من الأحداث، وما ترتّب عليها من الإنطلاق والتغيير في حياة المسلمين، ناسب أن تكون الهجرة بداية التاريخ في حساب الزمن، وإن كانت في أبعادها، تستقلّ عن مدار الزمن، لأنها بداية الشريعة الخالدة، والمعاني الخالدة لا تخضع لعوامل الزمن؛ لأنّ الزمن محدود ببداية ونهاية، وهي لا تنتهي إلى نهاية؛ لأنّها ليست من الزمن..

• وكل تلك الأحداث، تطالعنا مشرقةً بالإيمان المخلص، والتضحية الغالية، تلك التضحية التي تألّقت في حادثة الهجرة، لنأخذ منها العبرة والعظة، لنجعل منها القدوة الطيّبة، والأسوة الحسنة.

• وهنا تتجلّى فدائيّة عليّ، فيمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه واله طائعاً مختاراً، بقوله: فداك أبي وأمّي ونفسي يا رسول الله، أوتسلم أنت؟ قال نعم.لقد فدى رسول الله بنفسه، وقدّم روحه فداءً لدين الله، عن رضا وإطمئنان. ولولا تلك التضحية، لما تسنّى للنبيّ صلى الله عليه واله أن يترك داره في تلك الليلة، ولما تيسّرت 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

74

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 له الهجرة التي كانت مفتاحاً لإنتشار دين الله في الأرض. وللتدليل على عظمة هذا الموقف الذي يستحقّ التقدير والتكريم من العزيز الحكيم، أنزل الله في حقّه قرآناً يتلى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد﴾1.

 
 • وحادثة الهجرة تطلّ علينا بعد أربعة عشر قرناً من الزمان وهي لا تزال تتألّق في جبين الحياة، وتهزّ ضمير الوجود؛ لأنّها هجرة تحمّلت مسؤوليّة الأمانة، وهي لم تبتغ بما حملت وتحمّلت، غير وجه الله، فهي لذلك هجرة قلوب وأرواح، لا هجرة قد نزعت راضية عن الأهل والمال والولد، إلى قمم من المعاني يتضاءل بجانبها كلّ متاع الدنيا. وهي لم تكن مجرّد رحلة من أرضٍ إلى أرض، تخللتها معجزة الغار والحمام والعنكبوت، أو فراراً من أرض المعركة، كما حلا لأعداء الإسلام أن يلقّبوا صاحبها بالنبيّ الفارّ، وإنّما كانت منطلقاً للفداء والتضحية من أجل المعذّبين في الأرض، الذين قد أصبح لهم بالهجرة وجودهم الواسع، وعلاقاتهم القائمة على الحبّ والإخاء.
 
 • فهجرة كلّ إنسان إلى ما هاجر إليه. من هاجر إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر إلى الشيطان، فهجرته إلى الشيطان، وقلب الإنسان هو سفينة الإنسان إلى
 
 
 

1- البقرة: 207.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

 


75

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

  مهجره، والعقل هو ربّان تلك السفينة إلى شاطئ النور أو الظلام.


• أيّ فائدة لذكرى الهجرة، إذا لم تفجّر في النفوس مكامن الخير، ومطاوي العزّة والرجولة؟ فالذكرى إذا لم تكن حافزاً للإيمان بمعانيها وقيمها خرجت عن مغزاها وحقيقتها.

• يقول إنّ ذلك الصوت الذي دوّت به شعاب مكّة، يعيده الحسين ابن عليّ عليه السلام بعد سبعين عاماً في كربلا، بل في مكّة، لأنّ هذين الصوتين، إنّما ارتفعا، وعمَّا، وشملا العالم في مكّة: صوت محمّد في مكّة يدعو الناس إلى الله فيقول: أيّها الناس، قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا.

• وليس من باب الاتفاق، أن تقترن ذكرى هجرة النبيّ، من مكّة إلى المدينة، بذكرى هجرة الحسين عليه السلام، من المدينة إلى مكّة. ولئن اختلف مكان الهجرتين، فلن تختلف الغاية والهدف من وراء الهجرتين.

- المؤاخاة بين المسلمين الأوائل:
• وكان أوّل عمل باشره النبيّ صلى الله عليه واله في أرض الهجرة أن أزال ما في نفوس الأوس والخزرج من عداء متأصّل، نتيجة الصراع الدامي الذي كان يقع بينهم في الجاهلية. وثنّى بعملٍ رفيع له أهميّة في إيجاد المجتمع المتماسك، وهو مؤاخاته بين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

76

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

  المهاجرين والأنصار، تلك المؤاخاة التي انتهت في عمقها وأصالتها إلى مرتبة الإيثار، تحوّلت إلى نقطة إنطلاق للدعوة الإسلاميّة، تشقّ طريقها في الأرض بعدما وجدت سبيلها في النفوس التي صاغها الدين وفق إرادة السماء وأعدّها لحمل الأمانة.


- كلامه في أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام :
• فيجدر بالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أن يستعيدوا في أذهانهم، صورة حيّة من صور هذه الذكرى المليئة بالعظات والعبر، وان يستلهموا من تضحية عليّ عليه السلام، في سبيل المبدأ والعقيدة، ما يبعث فيهم العزيمة والصلابة، في نصرة الحقّ، ومقاومة الباطل.

• فليحدّث التاريخ، إن استطاع أن يحدّث، عن مثل شجاعة عليّ عليه السلام وصموده في وجه الأحداث التي إصطدمت بها حياته من اليوم الأوّل، حتى اقترن تاريخها بتأريخ الهجرة التي كان فيها الفدائيّ الأوّل.

- كلامه في الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام :
• لم يكن خافياً على الإمام الحسن عليه السلام ما كان يُحاك حوله من المؤمرات في صفوف جيشه الذي كان أكثره على صلة بمعاوية لأنّه مؤلّف من عناصر شتّى قد ساعدت معاوية على خلق الشغب 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

77

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 في صفوفه، وسهلت له السبيل لشراء الضمائر الرخيصة التي كانت أقوى في يد معاوية من سلاح الحديد والرجال.


• لقد صالح الإمام الحسن عليه السلام كما صالح جدّه في صلح الحديبية، وقعد لما فقد الأنصار كما قعد أبوه من قبله لمّا فقد الأنصار يوم السقيفة ويوم الشورى.

• تضحية الإمام الحسن عليه السلام في سبيل الحقّ لا تقلّ أثراً عن تضحية الإمام الحسين عليه السلام، بل لولا تضحية الإمام الحسن عليه السلام بالصلح لما كانت تضحية الإمام الحسين عليه السلام ولما بقي الإمام الحسين عليه السلام أو أحد من آل عليّ ليثور بجانب الحقّ على الباطل. والإمام الحسن عليه السلام بالصلح شهيد الحقّ كأخيه الإمام الحسين عليه السلام، ولو أنّ جسمه سلم من جراح المعركة، لكن قلبه لم يسلم من جراحها، وإنّما حمل الجراح بقلبه صبراً وإباءً حتّى تقيّأه في الطشت قطعة قطعة.

• الإمام الحسن عليه السلام بقعوده، قد فتح باب الميدان للإمام الحسين عليه السلام. بينما في ظرفه هو، كان أكثر أنصاره متخاذلين، وأكثر جيشه من المنافقين. ومعاوية الداهية قد أخذ زمام المبادرة، فدعا الإمام الحسن عليه السلام إلى الصلح، والجيش قادم يومذاك، من ثلاث معارك، قد ملّ الحرب، فلمّا سمعوا بكلمة الصلح، تخاذلوا وتواكلوا.

• أمّا الإمام الحسن عليه السلام، الذي لم تسمح له ظروفه بالثورة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

78

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 المسلّحة، فقد جرّد سلاحاً خاصّاً هو الصلح، ففضح به معاوية وبني أميّة قاطبة، وأثبت للرأي العامّ، أن بني أميّة قد ساروا في جاهليّتهم الحديثة، ينسجون على منوال جاهليّتهم القديمة. حتى إذا وصل الدور إلى يزيد وطفح الكيل، فحينئذٍ أصبحت القضيّة لا تحتمل سوى الثورة؛ لأنّ يزيد قد أعلن الكفر صراحةً.


• ما امتنع الإمام الحسن عليه السلام عن الشهادة، وإنما الشهادة هي امتنعت عليه، ما ضنّ بنفسه، أو بخل بنفسه، وما قيمة الحياة في نظر أهل البيت لولا أنّهم في الحياة؟ قيمة الحياة بهم فهل يلتمسون الحياة؟ ما قيمة الحياة لولا أنهم فيها؟ وما قيمة السلطة لولا أنّها ميدان لخلافتهم في الأرض؟ والخلافة كالنبوّة، لا يمكن أن تأخذ سبيلها في الأرض إلاّ بالأنصار المخلصين الذين لم يتيسّروا في أيّام الإمام الحسن عليه السلام، كما تيسّروا للحسين عليه السلام.

• النبي صلى الله عليه واله يشير إلى قعود الإمام الحسن عليه السلام، كما يشير إلى قيام الإمام الحسين عليه السلام، حيث يقول صلى الله عليه واله: "هذان ولداي، إمامان قاما أو قعدا"، والمعنى أنّ إمامتهما ثابتة في حالتي القيام والقعود.

- كلامه في الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام 
• إنّ النبيّ صلى الله عليه واله كانت له عناية خاصّة بالإمام الحسين عليه السلام، دون أخيه الإمام الحسن عليه السلام، وللحسين علاقة خاصّة بالنبيّ محمّد صلى الله عليه واله. هذه العلاقة ليست علاقة العاطفة، إنّها 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

79

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 علاقة بالرسالة، وللإمام الحسين عليه السلام علاقة خاصّة برسالة الرسول الأكرم صلى الله عليه واله.


• سجّل التاريخ هذه الكلمة، حيث قال صلى الله عليه واله : "حسين منّي وأنا من حسين" ما معناها؟ إنّ هذه الكلمة تشير إلى معنى عميق الدلالة. أّمّا قوله حسين منّي، فيعني تولّد منّي لأنّه إبن بنتي، وأمّا تولّد النبيّ صلى الله عليه واله من الإمام الحسين عليه السلام فهو بالولادة الروحيّة. يعني أنّ الرسالة عادت إلى المجتمع المسلم بنهضة الحسين عليه السلام، وبحياة الرسالة حياة محمّد صلى الله عليه واله، فكأنّ محمّداً صلى الله عليه واله وُلد من جديد بثورة الإمام الحسين عليه السلام.

• كلّ الناس يعلمون أنّ الإمام الحسين عليه السلام من النبيّ 
محمّد صلى الله عليه واله بالولادة. لكنّ النبيّ صلى الله عليه واله يريد الإشارة إلى معنى عميق الدلالة، يريد أن يجعل من الإمام الحسين عليه السلام إمتداداً لمحمّد الرسول صلى الله عليه واله. يريد أن يقول حسين منّي يعني لا من ذات محمّد، بل من محمّد الرسول صلى الله عليه واله، وإلاّ فالإمام الحسن عليه السلام منه أيضاً فلمَ لم يقل الحسن منّي؟.

• إذاً لا يتصوّرنّ أحد أنّه يستطيع أن يتَّصل بالإسلام، ويتّصل بالرسول محمّد صلى الله عليه واله، ولا يتّصل بالإمام الحسين عليه السلام. الإسلام تمثّل بالإمام الحسين عليه السلام، ومحمد صلى الله عليه واله تمثّل بالإمام الحسين عليه السلام، وأنتم الآن تتمثّلون بالحسين، لكن إذا طبّقتم مبدأ الحسين، وسلكتم نهج الإمام الحسين عليه السلام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

80

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 • أيّها المؤمنون، حينما قال النبيّ صلى الله عليه واله: "حسين منّي وأنا من حسين"، فكلّ حياة الإمام الحسين عليه السلام هي تمثيل لحياة جدّه النبيّ صلى الله عليه واله، من جميع النواحي؛ لأنّ الظروف قد هيّأت للحسين عليه السلام، ما لم يتهيّأ لغيره، فلذلك كان إمتداداً لسيرة جدّه وحياة جدّه.


• خرج الإمام الحسين عليه السلام من مكّة والناس يدخلون لأداء فريضة الحجّ. لكنّ الإمام الحسين عليه السلام أُزعج فأُخرج عن حرم الله، وحرم رسوله. لأنّ يزيد بن معاوية، قد دسّ ثلاثين شيطاناً من شياطين بني أميّة، وأمرهم أن يقتلوا الإمام الحسين عليه السلام، ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة، فخاف الإمام الحسين عليه السلام أن يغتاله بنو أميّة. لكن ما فرَّ من القتل، فرَّ لئلا تموت دعوته ورسالته. إذ هو لم يبلّغ الرسالة حتّى الآن؛ لأنّ الرسالة تحتاج إلى عمليّة استشهاديّة.

• خرج الإمام الحسين عليه السلام من بلد قد جعله الله مثابة للناس وأمناً، ولكنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يكن آمناً في ذلك اليوم. محلّ أمن لمن؟ للطيور والحيوانات، وللبشر والنبات. ومع ذلك فابن رسول الله صلى الله عليه واله لم يكن آمناً في مكة.

• وقف الإمام الحسين عليه السلام في كربلا ملبِّياً، ولكن من بعد التلبية قدّم التضحية. قدّم الإمام الحسين عليه السلام بدل الضحيّة في منى، ضحايا من أهل بيته وصحبه، حتى نفسه جاد بها 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

81

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 بسخاء في سبيل الله. واستبدل بالسعي الذي يكون بين الصفا والمروة، السعيَ ما بين جثث القتلى من صحبه وأهل بيته، فصار يسعى في وادي كربلا. واستبدل بالطواف حول البيت، الطوافَ حول تلك الجثث الطاهرة في كربلا. وبالتالي استبدل أنه قدّم نفسه الضحية الكبرى لهذا الدين. إستبدل بالطواف واستبدل بشيء آخر. والذي يطوف ماذا يصنع؟ الذي يطوف والذي حجّ البيت يعرف، الذي يطوف يبتدئ بطوافه من الحجر، ويلمس الحجر إذا تمكّن ويقبّله، ولكنّ الإمام الحسين عليه السلام بدل أن يستلم الحجر بيده، قد إستلم الحجر يوم العاشر بجبهته.


• الإمام الحسين عليه السلام هانت عليه الحياة حين عزّت في عينه العقيدة، وصغرت في عينه الدنيا، عندما كبرت في عين غيره. لذلك استبسل في مواطن البأس، وتماسك في مزالق المحنة، فما وهن لما أصابه في سبيل الله، ولا ضعف ولا استكان، بل بقي ثابت الجأش، حتى خطّ بدمه الزكيّ على أرض الفناء وثيقة الخلود.

• نحن الآن مدعوّون لأن نكون مع الإمام الحسين عليه السلام، فنهاجر إلى ما هاجر إليه، ونتمسّك بما تمسّك به، وأن نكون مستعدّين للتضحية إذا لزم الأمر.

- أسباب النصر الإلهيّ:
• عندما علم الله من هذه النفوس صدق النيّة، على ما بايعت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

82

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

  وعاهدت، آتاها النصر, ومنحها الصبر الذي تستدعيه عبادة الله في الأرض. وهي من وراء هذا وذاك، قد قدّمت للأجيال المتعاقبة المُثل الخالدة في الدفاع عن المبادئ الحقّة، بعدما أثبتت أنّ تلك المبادئ قد انتصرت أوّلاً في نفوس أصحابها, وامتزجت بوجدانهم, وإلاّ لإنطوت في مطاوي الضياع والفناء.


• إنّ الصفوة المختارة، التي صنعت الأحداث للتأريخ، وسجّلت بدمائها تأريخاً حافلاً بالعزّة والكرامة، ترينا معالم الطريق واضحة, وتثبت خطى من يريد متابعة الزحف في دروب الجهاد، ويختار لنفسه حياة الأحرار، وهي الحياة التي تشرق في سمائها شمس الإخاء والإيثار، وترفرف في أجوائها ألوية العزّة والإنتصار.

• فليحدّثنا التاريخ، إن اسعفته الذاكرة، عن إيثار الأنصار في المدينة، لإخوانهم المهاجرين على أنفسهم، ثمّ ما نتج من هذا الإيثار والتلاحم والوحدة، من عزٍّ للإسلام، وخيرٍ للمسلمين.

• لقد نشرت الدعوة الإسلاميّة ألوية الحضارة خفّاقةً على ربوع الأرض في أقلّ من ربع قرن. وذلك إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على أنّ النصر والفتح، هما وليدان شرعيّان للفداء والإيمان، وأنّ الفداء والإيمان هما وليدان مباركان لهجرة القلوب إلى المُثل الرفيعة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

83

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 عاشورائيّات

 - عاشوراء والنهضة الحسينيّة:
 • لقد كانت القراءة في السيرة العاشورائيّة قبل أن نتعرّف على الخطيب الشيخ عبد الوهّاب الكاشي قدس سره، بسيطة لا تمثّل الغرض الذي يريده الإمام الحسين عليه السلام، كانت صرف نحيب وبكاء. والإمام الحسين عليه السلام نفسه يبرأ من الدموع، إذا لم تكن سخطاً ونقمة على الظلم والظالمين، أو إذا لم تكن تعبيراً عن الحقّ، والعمل بالحقّ، تبدأ بنفسك أوّلاً، ثمّ ببيتك ثانياً، ثمّ بمجتمعك ثالثاً.
 
 • لا داعي لأن نقول يا ليتنا كنّا معكم، نحن الآن معهم، نستطيع أن نمثّل دور حبيب وزهير وبرير.
 
 • فليفهم الطاغون، وليفهم المنحرفون، الذين نسجوا على منوال أولئك الذين إنحرفوا في ذلك اليوم عن الحقّ وأهله، أنّ هذه المأساة نجدّدها في كلّ عام، بل في كلّ شهر، بل في كلّ يوم، لتعيش معنا وتحيا في قلوبنا وضمائرنا.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
99

84

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 • الإمام الحسين عليه السلام لا يريد منّا البكاء فحسب، صحيح أنّ القلب إذا لم يكن ممسوخاً، فلا بدّ أن يتأثّر بهذه الحادثة، ولكنّ الإمام الحسين عليه السلام لا يكتفي من محبّيه بالدموع. إنّما يريد أن نطبّق مبادئه ونسير بسيرته.


• إنّ المؤمن لا يهمّه الإنتصار في المعارك، بقدر ما يهمّه أن ينتصر على نفسه، وأن يكون إلى جانب الحقّ. وليست العِبرة أن ينتصر في معارك السلاح. فقد ينتصر مبدأ الحقّ، دون أن يرافق ذلك إنتصار بالسلاح.

أنصار الإمام الحسين عليه السلام 
كثير ممّن استشهدوا مع الإمام الحسين عليه السلام، ما مرّت عليهم فترة طويلة صحبوا فيها الإمام الحسين عليه السلام حتّى نقول إنّهم شاهدوا الأنوار الإلهيّة، فإقتبسوا من تلك الأنوار حقيقة الدين. ففيهم من كان نصرانيّاً مثلاً، وفيهم من سمع موعظة فأثّرت فيه، فمثلاً نجد أنّ سعيد بن مرّة التميميّ الذي كان في مجلس يزيد بن مسعود النهشليّ، حين يسمع القصّة ببساطة، يذهب، ويترك زوجته وينطلق إلى كربلاء.

إنّها نفوس مستعدّة مهيّأة لدعوة الحقّ، وهذه المجالس لها أثر كبير في تلك النفوس، فلا تعلم في أيّ لحظة تدرك العناية والرحمة الإلهيّة، فإذا به يتحوّل في لحظة واحدة من جانب إلى جانب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

85

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 لقد كانت كلّ قطرة من دم الإمام الحسين عليه السلام، قنبلة في عرش الملك الأمويّ. وكلّ قطرة دم أريقت على أرض كربلا، هي شعلة تنير دروب الحياة. لذلك كان لها هذا النغم الأبديّ الخالد الذي تُردِّده الأجيال تلو الأجيال، ويدفع الإنسان للثورة على الطغيان والإنحراف ويحفزه للنهضة من أجل العدالة والإنصاف.

 
 إنّ الحقّ لا يتقيّم بالنصر الآنيّ، وإنّما يتقيّم بالنصر الأبديّ، والنصر الأبديّ لا يكون لغير الحقّ، والنصر إنّما يكون للقضيّة التي تبقى ببقاء الحقّ. ومن هنا ذكر الحسين عليه السلام خالدٌ، ولن يفنى الحقّ الذي ارتوت عروقه بدم الحسين بن عليّ عليه السلام.
 
 إنّ الغاية لا تبرّر الواسطة في نظر الإمام الحسين عليه السلام. فالغاية إذا كانت شريفة، لا يجوز التوصّل إليها بكلّ وسيلة. لذلك لم يلجأ كغيره، إلى الدعايات الكاذبة، والشعارات المضلِّلة. إنّه يريد الوصول إلى الحقّ، لكن لا من طريق الباطل، ويريد إقامة موازين العدل، لكن لا من طريق الجور.
 
 كلامه في سبايا العترة الطاهرة:
 إنّ في السبي والتطواف بزينب وأخوات زينب، والسلاسل والأغلال في أيديهنّ وأعناقهنّ أعمقَ الأثر الذي لا يغني غناءه السيف في التشهير ببني أميّة، وكشف ظلمهم للناس وكأنّ في ذلك موكب إعلام للناس أن انظروا أيّها المسلمون إلى ما فعله بنو أميّة بذريّة نبيّكم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
101

86

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 إنّ إخراج الأمويّين لزينب وأخواتها هو الذي أعطى مثل هذا الأثر، فهم الذين أدخلوها إلى مجالسهم، وهم الذين مهّدوا لها السبيل لسبّهم ولعنهم والتشهير بهم على رؤوس الأشهاد. وهذا بخلاف ما لو خرجت مختارة - إن سوّغنا لها مثل هذا الخروج أو أرادته لنفسها وحاشاها - فإنه لا يكون له مثل هذا الأثر قطعاً.


ما حاوله الحسين عليه السلام من إخراج العائلة لم يكن ليفهمه أحد غير الإمام الحسين عليه السلام، ولذا لم يجب من أشار عليه بترك العائلة إلاّ بجواب مقتضب (شاء الله أن يراهنّ سبايا)، فإنّ السبي ليس غاية بنفسه وإنّما الغاية النشر والتشهير والدعاية ضدّ الظالمين وضدّ سلطانهم الظالم الغاشم. وهذا ما يريده أهل البيت في مواقفهم من وراء نصرة الحقّ ومقاومة الباطل.

عاشوراء صرخة في وجه الظالمين:
• لقد ترجم الإمام الحسين عليه السلام القول إلى عمل؛ لأنّه لم تنفع مع القوم لغة الكلام. وأخيراً تكلّم السيف، أخذ مأخذه من جسد الإمام الحسين عليه السلام ومن أجساد رجاله، وإنهزمت كلمات الإمام الحسين عليه السلام أمام سلاح يزيد، ولكنّ مبادئ الإمام الحسين عليه السلام لم تنهزم وإسم الإمام الحسين عليه السلام لم يُمح من الوجود، وبقي مع الأيّام رمزاً لمبدأ وعنواناً 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

87

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 لقضيّة، ولا غرو فإنّ موقف الإمام الحسين عليه السلام لم يكن إلاّ نواة للإنسانيّة التي قدّر لها البقاء على مرّ الزمان.


• الإستشهاد من أجل العقيدة ومن أجل بناء الإنسان بناءً إسلاميّاً جديداً هو في الحقيقة معنى إنسانيّ متجدّد لا ينقطع عنه الإنسان في كلّ عصر، وهو لذلك خليق بأن تتعاطف معه القلوب جيلاً بعد جيل على إختلاف في عقيدة الأجيال وتباين أنظمتها الإجتماعيّة، فإنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام قد لبست مع الأيام ثوباً يصلح لأن يرتديه كلّ إنسان يريد الإحتفاظ بإنسانيّته.

• والثورة كما تكون بالسيف حيث لا مجال إلا للسيف، كذلك تكون بالرأي والفكر، بإعلان الثورة الفكريّة ضدّ الظلم والظالمين. لذا قام كلّ واحد منهم بدوره تجاه الدين بما يناسب طبيعة ظرفه وعصره وكان له أسلوبه الخاصّ في نشر الدعوة وإيضاح معالمها والدفاع عنها بالسيف إن أحوجت الحالة إلى السيف أو ببثّ المظلوميّة بأناة ورويّة وإيقاظ الشعور نحو الحقّ الذي تنكّر له أولئك الطغاة الذين تحكّموا في رقاب العباد بأن يجعل من ذلك منطلقاً للوصول إلى الهدف حفظاً لروح الثورة وتمهيداً لأسباب النهضة ولو بعد حين. وأهل البيت الذين أسندت إليهم مهمّة الرسالة كانوا يسيرون معها جنباً إلى جنب، 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

88

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 وكلّ إمام قام بالمهمّة حسبما سمحت له الظروف، وإن بدا في ظاهر القيام تباين في السلوك وتناقض في الشكليّات، ولكنّ هذه الظاهرة كانت تبدو على هذا المستوى مختلفة في الظاهر ومتّحدة في الواقع تبعاً لإختلاف الظروف التي مرّ بها كلّ إمام.


• نحن لا نقيم هذه الذكرى بكاءً على فائت، أو بكاءً على الإمام الحسين عليه السلام فقط، وإنّما نجعل من هذا اليوم، ومن هذه الذكرى، احتجاجاً صارخاً على الظلم والظالمين، أينما كان وحيثما وجد.

• ليس غرض الأئمّة من إقامة عاشوراء أن نأخذ منها العَبرة، وإنّما غرضهم أن نأخذ منها العِبرة. أن نعتبر بها وأن نتّعظ بها.

• وتأتي زينب، لتتمّم هذه الأضحيّة. الإمام 
الحسين عليه السلام ضحّى وقدّم ما عليه، ولكن بقيت هذه الأضحيّة تحتاج إلى من يقدّمها قرباناً إلى الله، لأنّ لها نيّة، لها تقدمة. فجاءت زينب ورمقت السماء بطرفها، بعدما وضعت يديها تحت ظهر الإمام الحسين عليه السلام، قائلة: (اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان). فهل هناك أعظم من هذا القربان، ومن هذه الأضحيّة؟.

• وإذا جاء أحد الشباب وقال: لقد مضى على مأساة الطفّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

89

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 قرون وقرون، فما بال الشيعة يضربون لها موعداً في كلّ عام؟ وما بالهم لا يزالون يرون جرحها حيّاً؟.

 
 • فحينئذٍ نقول: إنّ مصيبة الإمام الحسين عليه السلام لم تكن مصيبة شخصيّة، والإمام الحسين عليه السلام لم يمضِ إلى القتل من أجل شيء زائل، حتى يُقال إنّ الزمن قد مرّ على تلك المصيبة. إنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي امتداد لثورة الإسلام الكبرى، والإسلام لم ينتهِ بعد.
 
 • ما دام الإسلام قائماً فالإمام الحسين عليه السلام موجود، قضيّة اقترنت بكلمة لا إله إلاّ الله، ولولا الإمام الحسين عليه السلام لم تُسمع على وجه الأرض تلك الكلمة.
 
 • إنّ نصرة الإمام الحسين عليه السلام لا تتمثّل في إنقاذه من القتل، وإنّما تتمثّل في نصرة هذا الدين. الإمام الحسين عليه السلام جاء ليُقتل؛ لأنّ في قتله حياة للأمّة. وكلّ من قال لا إله إلاّ الله هو مدين للحسين عليه السلام.
 
 • قضيّة الإمام الحسين عليه السلام ستبقى، وستحيا بالرغم من أنوف الظالمين، وستتنشر وتتّسع، إنّ هذه القضيّة هي اليوم أوضح منها بالأمس، وستكون غداً أوضح منها اليوم، وسيأتي اليوم الذي لا يكون لغير ثورة الإمام الحسين عليه السلام وجود وسلطان في الأرض.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

90

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 عِبرٌ من كربلاء:

• لقد امتُحن إبراهيم الخليل عليه السلام بنفسه، فكان في مستوى المسؤوليّة، وامتُحن بماله، فكان في مستوى المسؤوليّة، وامتحن بذبح ولده الذي بقي ينتظره ثمانين عاماً، وقيل أكثر من ذلك، فاستعدّ وتهيّأ لذبحه، وكذلك أذعن إسماعيل عليه السلام استجابة لصوت الحقّ، فامتثل أمر أبيه، ولكن لمّا رأى الله سبحانه وتعالى، من إبراهيم التصميم والعزم على التنفيذ، فداه بذبحٍ من عنده؛ لأنّ القضيّة كانت قضيّة امتحان، لا أقلّ ولا أكثر، يعني حكم صدر، لكن مع وقف التنفيذ.

• ولكنّ الحسين عليه السلام حفيد إبراهيم الخليل عليه السلام، كان له مع البلاء شأن آخر، وهو الوارث للإمامة الإبراهيميّة منذ ذلك اليوم، وهو يوم التأسيس؛ لأنّ إبراهيم هو المؤسّس الأوّل لرسالة الإسلام التي نعتنقها نحن اليوم.

• إنّ ذرف الدموع فيه إعزاز للشخص الذي يُبكَى عليه، لكن ليس هذا هو الغرض، إذا استعبر الإنسان، وبكى على الحسين، وكان يسير في خطّ معاكس للحسين، فأيُّ فائدة من تلك الدموع؟ إنّ الإمام الحسين عليه السلام نفسه يبرأ من تلك الدموع.

• فالحسين عليه السلام أعطانا صورة عظيمة عن الحقّ، فضحّى 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
106

91

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 في سبيل الحقّ، والحقّ لا زال أمانة في أيدينا؛ لأنّ الإمام الحسين عليه السلام ما ثار إلاّ ليقدّم للأجيال المثل الخالد، في التضحية والفداء، وليفهم الأجيال المتعاقبة، أنّ الأمّة التي تكتب تاريخها بالدم، لن تقهر ولن تزول من الوجود، ما دامت هذه الأمّة تعطي الموت، ما يشاء من الشهداء، وما دامت تقف من الموت، موقف الصمود والكبرياء.


• علينا أن نؤدّي رسالة الحقّ التي ورثناها، على أتمِّ وجه، مهما تطلّب ذلك من البذل والتضحيات، علينا أن نعيش مع هذه الذكرى، ونخرج منها ونحن أقوى إرادة وأمضى عزيمة، وأصمد ما نكون في وجه الباطل، وفي وجه كلّ من يريد الكيد للإسلام والمسلمين. إنّ قضيّة الإمام الحسين عليه السلام ليست حبيسة ذلك المكان وذلك الزمان.
• نستوحي من هذه الذكرى، أنّ مَنْ كرمت عليه نفسه، وعظم الحقّ في نفسه، هان عليه الباطل، وهانت عليه شهواته وملذّاته.

• ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "يا فضيل، أتجلسون وتتحدّثون بالرِّقة أو بالرَّقة؟ (يعني بنواعيهم وهي هذه اللغة الموجود الآن عند أهل العراق وفيها رقّة، وفيها لطافة، تبعث الأسى والشجى في النفوس) قال بلى يا بن رسول الله. قال أما أنّ تلك المجالس أحبُّها، فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا أهل البيت".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107
 

92

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

• إنّ إقامة هذه الذكرى، إذا لم تكن إحياءً لأمرهم، فهي حجّة علينا، وبلاء علينا؛ لأنّنا بدل أن نخرج حينئذٍ من هذه المجالس، ودموعنا تتفجّر براكين ثورة على الظلم، فإنّنا نخرج لنسير مع الظالمين، ونمشي في ركاب الظالمين. حينئذٍ نعلم ألاّ قيمة للبكاء وخاصّة أنّ أهل الكوفة بكوا على الحسين، بعد أن نفّذوا جريمتهم.

• إن ثورة الإمام الحسين عليه السلام قد إحتلّت مكانتها في قلب الخلود. وستبقى ما بقي هذا الوجود، تسير مع الإسلام جنباً إلى جنب؛ لأنّها قد احتضنت أهداف الإسلام، وكان الإسلام يومذاك في أشدّ الحاجة إليها. وإذا كان الإسلام بالنظر إلى الأديان خلاصتها، كان الإمام الحسين عليه السلام بالنسبة إليها ضمانتها.

ثورة الإمام المهديّ  عجل الله فرجه الشريف  امتداد للثورة الحسينيّة:
• يزول الإستغراب، عندما نجد في التاريخ أنّ المهديّ  عجل الله فرجه الشريف  يعلن ثورته، ويجعل شعار ثورته "يا لثارات جدّي الحسين"؛ ذلك لأنّ ثورة المهديّ، هي الفصل الأخير من فصول ثورة الحسين عليه السلام. لذلك يعلنها في مكّة، ويفجّر الثورة من كربلاء، حيث أُريق دم النبوّة فيها.

• إنّها حلقة في سلسلة، فكذلك لو لم تخرج فاطمة خلف أمير 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108

93

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 المؤمنين، تلك الخطوات من الدار إلى المسجد، لتنقذ وليّها، لما خرجت زينب بعد ذلك، مع الإمام الحسين عليه السلام، وبعد الإمام الحسين عليه السلام من كربلا إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى الشام، وهكذا من بلد إلى بلد.


• كما أنّه قد آن للمسلمين عامّة، لا للشيعة فقط، أن يتّصلوا بالحسين عليه السلام اتصالاً عقائديّاً، لا إتصالاً عاطفيّاً، بأن يستعيدوا إلى أذهانهم وأفكارهم ذكرى عاشوراء، ليأخذوا من معطياتها - وما أكثرها! - الدروس والعبر، وأن يجنّدوا من هذه الذكرى، روحاً حسينيّة تقودهم في محنة فلسطين، وتخوض بهم في ساحات معارك الشرف، التي خاضها الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، لأنّه يجب على المسلمين أن يكون لهم في كلّ قطر مسلم، حسينٌ جديد إذا تعرّض ذلك القطر لكربلاء جديدة.

هجرة الإمام الحسين عليه السلام امتداد لهجرة النبيّ صلى الله عليه واله:
• لقد خرج الإمام الحسين عليه السلام بأهله من المدينة إلى مكّة خوفاً من آل أبي سفيان وأعوانهم، وخرج جدّه محمّد من مكّة إلى المدينة خوفاً من أبي سفيان وأعوانه. وبين الخروجين ستون عاماً وانقرض مجد أبي سفيان على يدي محمّد بفتح مكّة في بضع سنين، وانقرضت دولة أبي سفيان على يد 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

94

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 ولده في أقلّ من ثلاث سنين، وقامت على أنقاضها الدولة المروانيّة، وانقرضت هي الأخرى في أقلّ من ستين عاماً، وأراح الله العباد والبلاد من ظلمهم وجورهم.


• خرج بالنساء والأطفال، ولو لم يخرج بهنّ لما حصل السبي والتنكيل، بدون ذلك لا يحقّق الهدف الذي أراده وهو القضاء على دولة الظلم، وكشف القناع الذي تستّرت به لخداع البسطاء من الناس بأنّ الدولة الأمويّة دولة مسلمة، ولولا الخروج بزينب وأخوات زينب، لما تسنّى لها أن تقف في مجلس ابن زياد وفي مجلس يزيد لتبيّن للرأي العامّ مبلغ عتوّ القوم وظلمهم، ولما تسنّى لها أن تصبّ اللعنات على بني أميّة على رؤوس الأشهاد. ولا قيمة للتضحية إذا لم تولد العطاء، ولقد أسفرت تضحية الحسين عليه السلام عن أكبر العطاء بخروج النساء، فكان من معطياتها إقتلاع عرش الأمويّين وإيقاظ النفوس لإتِّباع الحقّ.

- أدوار أهل البيت عليهم السلام
• لقد سكت الإمام عليّ عليه السلام في بداية الأمر حرصاً على وحدة الكلمة، ولكنّه في الوقت نفسه كان يمنح الرسالة والقائمين عليها صواب الرأي، ونبّه الغافلين إلى مركزه من الدعوة إحتفاظاً بحقّه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

95

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 • تجد حياة الإمام السجّاد عليه السلام حافلة بالدعاء وتوجيه المجتمع المسلم إلى الله، والظرف الذي عايشه الإمام السجّاد من أشدّ الظروف قساوة ومن أجمعها للحوادث والكوارث على المسلمين عامّة وعلى أهل البيت خاصّة... والدعاء خير وسيلة لنشر تلك المثل وبثّ الوعي الدينيّ في النفوس حيث أوشكت في ذلك الجوّ المظلم أن تزول معرفة الحقّ من قلوب الناس، ولم يبق للدين أثر إلاّ في أفواههم وعلى ألسنتهم...


• مشى أهل البيت مع الدين جنباً إلى جنب يحوطونه بالحماية بما يتّسع له صدر الزمان، فهذا الإمام الباقر عليه السلام قد ملأ حياته بنشر علوم الرسالة عن طريق الحديث ومناظرة أهل البدع وأهل المذاهب الفاسدة التي مهّدت لها تلك العصور المظلمة على ألسنة بعض الشيوخ الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم. هكذا ينتقل الدور إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي ساعدته الظروف على نشر العلوم والمعارف من شتّى النواحي، فلقد كان عصره عصر العلم، والناس يومذاك قد وجدوا من نفوسهم الإستعداد الكامل لتلقّي العلوم من مدرسة الإمام، والناس وإن تمكّن حبّ الدنيا من نفوسهم لكنّ العلم تبقى له مكانة في تلك النفوس، وهو غير موجود عند أولئك الذين تخلّفوا على المسلمين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
111

96

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 • والحاصل أنّ دور الأئمّة عليهم السلام على الرغم من إقصائهم عن الحكم كان دوراً مشتركاً في حماية الرسالة والعقيدة، وكانت الحالة عند البعض منهم تُؤدّي إلى الإصطدام المسّلح في سبيل حمايتها، كما تمّ للإمامين عليّ والحسين، والإمتناع عن الإصطدام المسلّح من قبل الآخرين لإمتناع الظروف عن تحمّلها لمثل هذا الإصطدام، ولكنّ موقفهم وإن اتخذ الطابع السلبيّ إلاّ أنّه بصورته السلبيّة كان يعطي ثمرة العمل الإيجابيّ من حيث إنّ موقفهم في حالتي الإصطدام والمهادنة كان يعكس تعاليم رسالة الإسلام ويؤكّد للرأي العامّ انحراف الحاكمين عن تلك التعاليم، وهذا هو أكبر همّهم.


• وجواب الإمام الصادق عليه السلام للمنصور لما استدعاه هذا الأخير للإتصال به أسوة بغيره من الشيوخ، فيه كلّ الدلالة على قوّة لا تتزعزع في معارضة صلبة للحكم القائم إذ يقول له "إنّ من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك".

• وانظر إلى قول الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لهارون العبّاسي "أنت إمام الأجسام، وأنا إمام القلوب".

• إنّ مهمة الأئمّة في جميع أدوارهم مدّ الرسالة الإسلاميّة بالحياة وحمايتها من الإنحراف ليبقى لها أثرها الطبيعيّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

97

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 ممتدّاً عبر الأجيال، وهذا المعنى لا يكفي فيه القيام بثورة مسلحة؛ ذلك لأنّ ترسيخ الحكم الصالح في الأرض يحتاج إلى إعداد جيش عقائديّ يؤمن بالإمام إيماناً مطلقاً يكون فيه دعامة للحكم الصحيح ويحقّق للثورة القائمة مكاسبها.


- الحضّ على التديّن
• فما على المسلمين في هذا الجوّ المشحون بالغيوم، إلاّ أن يستعيدوا إلى أذهانهم، صورة حيّة من صور هذه الذكرى، ويستفيدوا من معطياتها، لخوض المعركة مع العدوّ الذي اعتدى على مقدّساتنا، واستلب منّا حريّتنا وكرامتنا. علينا أن نخوضها معركةً فاصلة بالعرق والدم والسلاح، مع العدوّ الغادر الذي لا يعرف السلام القائم على العدل، والحريّة والمساواة. والمسلمون اليوم، يطالبهم دينهم في شتّى بقاع الأرض أن يكونوا أقوياء، وأن يحاربوا مواضع الضعف من نفوسهم، حتّى لا يهنوا ولا يستسلموا ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾1.

• ونخوض معركة المصير ضدّ أعداء الله والإنسانيّة، أن يهاجر كلّ منّا إلى نفسه ويسألها ماذا قدّمت لخوض هذه المعركة؟ وبماذا ضحّت في سبيلها؟ علينا أن نأخذ من معطيات هذه 
 
 
 

1- آل عمران: 139.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
113

98

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 الذكرى، ما ينفعنا في حياتنا الحاضرة. والجدير بالمسلمين اليوم، أن يمثّلوا نفس الدور الذي مثّله أولئك، بالفناء في ذات الحقّ الذي ترجموه إلى أعمال قائمة على الوفاء لدين الله، وأن تعيش تلك المبادئ والقيم في نفوسهم وأفكارهم، ولا سيّما وهم يخوضون معركة المصير ضدّ أعداء الله والإنسانيّة.


• أمامك أيّها الشابّ طريقان: طريق الخلود والبقاء، وطريق الزوال والفناء. والشباب الواعي سوف يجعل من الإمام الحسين عليه السلام قدوة صالحة فلا يختار غير طريق الحسين، طريق الحقّ والعدالة والعزّة والكرامة، وأمّا الشباب الذي لا يفكّر بأكثر ممّا تمليه عليه ملذاته وشهواته فقد آثر أن يسلك طريق يزيد.

• إنّ حادثة الطفّ مدرسة تخطّ للأجيال المتعاقبة نهجاً وحبّاً يعمره الإيمان الصادق وتتمثّل فيه قصّة هي رمز للبطولة والإباء لا تجد لها مثيلاً في تاريخ الأبطال الأباة، فقد أخرجت للناس نموذجاً فريداً في عالم التضحية، تلك التضحية التي خرقت بمعجزاتها سنّة الحياة وقلبت سلّم التطوّر وراحت تهزأ بالخطوب وتسخر بالحياة إذا ساد فيها الظلم وانتشر الجور.

- الجهاد ومواجهة الأفكار الإلحاديّة والمنحرفة
• الآن نحن نستطيع أن نرحل مع الإمام الحسين عليه السلام، ونكون معه، إذا تمثّلنا ثورة الإمام الحسين عليه السلام في أفكارنا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
114

99

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 وقلوبنا، وعملنا بمغزاها ومرماها. ولا نقتصر على الدموع، وعلى البكاء، بل إنّ هذه الدموع يجب أن تكون ثورة على الظلم والظالمين.

 
 • والله إنّك إن تنكّبت طريق الإمام الحسين عليه السلام، وسرت في غير طريق الإمام الحسين عليه السلام، تكون كمن هدر دم الإمام الحسين عليه السلام ؛ لأنّ الإمام الحسين عليه السلام دمه غالٍ أيّها المسلمون المؤمنون. الإمام الحسين عليه السلام سقى الحقّ بدمه. فلا تضيّعوا هذا الدم فتتركوا الحقّ.
 
 • أنظروا، الخطر أحدق بكم، خاصّة أنتم أيّها الشيعة أحدق بكم. والله لا خلاص لكم، ولا نجاة لكم، ولا مستقبلَ زاهراً لكم، إلاّ أنّ تتّصلوا بالإمام الحسين عليه السلام وتستظلّوا بظلّ نظام محمّد بن عبد الله صلى الله عليه واله.
 
 • فإذاً نحن في هذا الزمان، مدعوّون لأن نكون من جند الحقّ. وما هذه المجالس إلاّ محاولة من المحاولات، لأن نجنّد منها روحاً حسينيّة تقودنا في محنتنا، وفي ساحات معارك الشرف، التي يقف فيها الحقّ في وجه الباطل. فإذاً نحن نستطيع الآن أن نكون جنوداً للحسين بالمحافظة على ما بذل الإمام الحسين عليه السلام دمه في سبيله.
 
 • لا تنظروا إلى الدين من زاوية المتديّنين، فإنّ المتديّنين شيء والدين شيء آخر، من أين عرفت الدين حتّى رميته
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
115

100

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

  بجهلك؟ لا تنظر إلى الدين من زاوية المصلّين والصائمين، تقول يصلّون ويصومون ويكذبون ويفعلون المنكرات. هؤلاء ما صلّوا ولا صاموا، وليس العيب في الصلاة، إنما العيب في المصلّين.


• الله أقام لك أيّها الإنسان حفلة تكريم بين ملائكته المقرّبين وأمرهم بالسجود لك، فلماذا تلوثّ شرف إنسانيّتك؟ لماذا تمرّغ كرامتك بوحل الأرض؟

• كلمة (الله أكبر) تحمل صرخة عالية في وجه كلّ متكبّر بأنّ الله أكبر منه, كلمة (الله أكبر) تنفخ فيك روح العزّة والكبرياء والكرامة، فلا تكون عبداً، ولا مستعمَراً، ولا مذنباً، لا تركع إلا لله، ولا تحني هامتك إلا لله.

• يقولون إنّ الدين قيد. هو قيد لأي شيء؟ قيد لحيوانيّتك، حتى لا تنجرف مع الهوى، وتتملّكك الرغبات. هل هو قيد للإنسانيّة؟ إنّه ما جاء إلاّ ليدعم الإنسانيّة، التي تأبى عليك أن تنجرف مع الهوى.

• فكّروا أنه ما انتشر الفساد، وما عمّ الظلم إلاّ بالبعد عن الله. عندما يبتعد الإنسان عن الله وعن ذكر الموت فإنّه يصدر عنه كلّ شيء. كلّ شيء يرقى إليه الشكّ إلاّ الموت..

• الآن أنت عندما تمشي وراء واحد من هؤلاء الذين تزعّموا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
116

101

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 الشارع اليوم، أنظر ما هي غايته، هل صحيح أنّه طالب حقّ؟ هل صحيح أنّ قلبه محروق على الشعب كما يدّعي؟ نحن نطالبكم بأن يكون لكم الوعي الكافي فتحاسبوا، ولا تنحرفوا وتنجرفوا وراء عواطفكم، فكّروا قبل أن تنقلوا أقدامكم.


• لِمَ ذهبتم من بين أيدينا؟ لِمَ تنكّرتم للدين؟ ما الذي وجدتموه في الدين؟ تعالوا نجلس على طاولة.

• لقد جاء الإنحراف اليوم، ودخل البيوت، بإسم الثقافة، بإسم الحضارة، وهي حضارة ماديّة، ولكن أين أصبح الإنسان في ظلّ هذه الحضارة؟ هل حفظت لك هذه الحضارة أمنك واستقرارك أيّها المسكين؟

• إنّ ما نشهده اليوم من إنعدام الأمن والإستقرار، ما هو إلاّ نتيجة لما جاءتنا به الحضارة الغربيّة، وهي فوق ذلك، ما جاءت إلاّ لتقضي على دينك، وعلى ارتباطك بالله؛ لأنّك ما دمت مرتبطاً بالله فلن يقووا عليك. هم أضعف ما يكونون في جنب الله.

• هذا إذا كان المعلّم مستقيماً. ولكن تعال وانظر إذا كان شيوعيّاً، لقد نُقل إليّ أنّ أحدهم يأتي إلى التلميذ ويعده بترفيعه في الإمتحان إذا صار شيوعيّاً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

102

الفصل الخامس: الكلمات القصار - مقتطفات من كلمات العلّامة الشيخ حسين معتوق قدس سره

 • إنّني أقول لكم الآن، إنّ القريب العاجل سوف يكشف لكم عن حقيقة هذه الأحزاب، وحينئذٍ ستعيشون نقطة تحوّل، قهراً عنكم، شئتم أم أبيتم. ولا أريد أن أفضي الآن بما عندي من المعلومات الجديدة.


• لقد تبدّلت المقاييس في هذا اليوم بإسم المدنيّة، بإسم الثقافة، بإسم الحضارة، أنظر إلى هذه الألفاظ الحلوة كيف يستغلّونها، كما جاءوا في العراق يوماً بإصطلاح "الإصلاح الزراعيّ" ونفّذوا من خلاله ما أرادوا: ههنا أيضاً مدنيّة، ثقافة، حضارة، ليخدعوا البسطاء.

• إنّ نصرة الحقّ لا تقتصر على ميادين الجهاد، حيث تدور المعركة بين المسلمين وخصومهم، وإنّما تتعدّاها إلى حياتنا اليوميّة وأعمالنا في بيتنا، ومع إخواننا، ومع المجتمع من حولنا. لأنّنا إذا لم نجاهد الباطل في نفوسنا، ونستنكر الظلم في نفوسنا، وإذا لم ينتصر الحقّ في داخل نفوسنا، فلا يمكن أن نلبّي دعوة الحقّ في ميادين الجهاد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
118

103

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

  خطبة حول:

الثورة الحسينيّة امتداد للدعوة المحمّديّة1

فذًّا إلى الآن لم يشفعِ
للَّاهين عن غدِهم قُنَّعِ
وبورك قبرُك من مفزعِ
على جانبيهِ ومن رُكَّعِ
نسيمُ الكرامةِ من بلقعِ
خدٌّ تفرّى ولم يضرعِ
وردّدتُ صوتك في مسمعي
لحمُك وقفاً على المبضعِ
ضميرك بالأسل الشرَّعِ
من الأكهلين إلى الرضَّعِ
وخيرَ بني الأبِ من تُبَّعِ2

فيا أيّها الوترُ في الخالدين  
ويا عظةَ الطامحينَ العِظامِ
تعاليتَ من مُفزع للخطوب
تلوذُ الدهورُ فمِنْ سُجَّدٍ
شممتُ ثراكَ فهبَّ النسيمُ
وعفَّرتُ خدّي بحيث استراح
تمثلتُ يومك في خاطري
وماذا أروعُ من أن يكون
وأن تتقي دون ما ترتأي
وان تطعمَ الموتَ خيرَ البنين
وخيرَ بني الأمِّ من هاشمٍ

 
 
 
 

1-آخر خطبة حسينية له، ألقاها في مسجد الغبيري يوم 10 محرم 1401 هـ الموافق لعام 1980 م أي قبل شهر من رحيله.

2-مقطع من قصيدة للشاعر العراقي الجواهري.

 

 

 

 

 

 

 

121


104

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 الإمام الحسين عليه السلام معجزة الأجيال، الإمام الحسين عليه السلام معجزة محمّد صلى الله عليه واله، الإمام الحسين عليه السلام معجزة القرآن، الإمام الحسين عليه السلام معجزة الدين، ولك أن تقول إنّ معجزة الدين هي القرآن، ولكن أقول لكم ثقوا أنّه لولا الحسين، لم يكن هناك قرآن، ولا سمعت ذكراً لمحمّد، ولا ذكراً للدين، بل ولا ذكراً لله في الأرض.


يحقّ لنا بهذه المناسبة أن نفتخر، وأن نعتزّ بالإنتماء والولاء للحسين عليه السلام. يحقّ لنا أن نرفع رؤوسنا عالياً، لا أن ننتظر بهذه المناسبة، الإقتصار على البكاء والنحيب. فإن البكاء المجّرد الذي لا يدفع إلى العمل، ولا يتفجّر ثورة على الظلم والظالمين، الإمام الحسين عليه السلام نفسه يبرأ منه.

أيّها الإخوة، قد تستغربون أن يكون هذا اليوم جديراً بالإعتزاز والتقدير والفرح، بهذا الإنتماء، حتى ولو كان هناك بكاء، ولا عجب لأن من البكاء ما يكون فيه العزّ والفخر للباكي، حيث يبكي على مثل الحسين عليه السلام ؛ ذلك لأنّ الإنسان، قد يبكي عندما يتعرّف على الحقّ، كما قصّ الله تعالى من أمر بعض أهل الكتاب، حيث قال عزّ من قائل ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ﴾1.

أيّها الإخوة، إنّ موقف الحسين عليه السلام أعاد للإسلام عزّته وكرامته وأعاد لمحمّد صلى الله عليه واله وجوده. ولا شكّ بأنّ النبيّ صلى الله عليه واله قد عبّر عن
 
 
 

1- المائدة: 83.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

105

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 ذلك أحسن تعبير، عندما قال (حسين منّي وأنا من حسين، أحب الله من أحبّ حسيناً). النبيّ صلى الله عليه واله أعدّ الإمام الحسين عليه السلام لرسالة مستقبلة، تشابه رسالته الحاضرة، عندما أطلق هذه الكلمة، ومعنى هذه الكلمة أنّ الحسين عليه السلام يتمثّل بوجوده وجود جدّه، بمعنى أنّ للحسين وجودين: وجوداّ قائماً في ذاته، ووجوداً قائماً في النبيّ محمّد صلى الله عليه واله. كما أنّ للنبي وجودين: الوجود الأوّل وجوده في ذاته، والثاني وجوده بسبطه الحسين عليه السلام.

 
 وعندما قال النبيّ صلى الله عليه واله (حسين منّي) لا يعني أنّه من محمّد الشخصيّ، وإنّما يعني أنّه من محمّد الرسول. يفسرّه قوله (وأنا من حسين) لأنّ الولادة من الجانبين ولادة روحيّة لا ولادة جسميّة. ومعناه أنّ النبيّ صلى الله عليه واله رأى أنّ في الإمام الحسين عليه السلام امتداداً لوجوده وامتداداً لرسالته. النبيّ لم يقل حسن منّي وأنا من حسن، فلو كان يعني الولادة الجسميّة لما إختصّ الإمام الحسين عليه السلام بهذه الولادة، إنّما أشار النبيّ، إلى أنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام ستعيد للدين وجوده، وإذا عاد الدين إلى الوجود، عاد محمّد إلى الحياة من جديد؛ لأنّ حياة العظماء بحياة مبادئهم، لا بحياة أشخاصهم. ولذا يولد الإنسان مرّتين: المرّة الأولى عندما يكتحل بمرآة الوجود، والولادة الثانية عندما يزدهر الوجود.
 
 يحقّ لنا أن يهنّئ واحدنا الآخر بهذه المناسبة، ولعلّك ت أقول إنّ ذلك السيّد القزوينيّ - رحمه الله - أشار إلى هذه الظاهرة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
123

106

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

  حيث قال بهذه المناسبة:

أبا حسنٍ يهنيكَ ما أصبحوا          بهِ وإن كان للقتلى تُقامُ المآتمُ
لأورثتهم مجداً وما كان حبوةً        ولكنّ رسماً في بنيكَ المكارم

أيّها الإخوان. قضت حكمة الله سبحانه وتعالى، أن يخصّ أهل الأرض بفيض من وحيه. وعائدة هذا الوحي وفائدته، إنما تخصّ الإنسان دون سواه، فكانت الرسالات. وانتهى أمر الرسالات إلى الإسلام، وقد خُتمت الرسالات بالإسلام. ولقد قُدِّر لرسالة الإسلام أن تنتظمها حلقة من الإمامة، يتمثّل دورها بعليّ وبنيه، فإذاً الإمامة جزء مكمّل للنبوّة. ولا شكّ بأنّ هذه الإمامة إنّما قدّرت وفُرضت من العهد الأوّل الذي منحته الرسالة لأبي الأنبياء إبراهيم عندما قال ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا1﴾.

هذه الإمامة قد انتظمت رسالة النبوة منذ العهد الأوّل، وشهادة الإمام الحسين عليه السلام جزء من الرسالة كإمامته. فالحسين عمدٌ من أعمدة الرسالة، وشهادته جزء متمّم للرسالة كإمامته. ولك أن تقول وكيف ذلك؟. أقول إنّ الله سبحانه وتعالى لمّا أمدّ الأرض برسالات السماء بسخاء، أراد من أهل الأرض أن يقدّموا بين يدي الرسالة الفداء؛ لأنّ الرساليّة لا تستقرّ، ولا تأخذ مكانها في الأرض، إلاّ بتضحية تشابه في العمق، عظمة الرسالة. ولذلك ينبغي أن يقدّم 
 
 
 

1- البقرة: 124.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
124

107

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 أحبّ خلقه إليه تضحية بين يدي رسالته لكي تستقرّ وتدوم.


فإذاً، الحسين عليه السلام عندما أحبّه النبيّ، ونفحه بتلك الكلمة القيّمة، إنّما يعني أنّ الحسين عليه السلام هو المدَّخر لأن يقدّم من التضحيات ما لم يقدّمه أحد من الأنبياء. وإذا كان لكلّ نبيّ شهيد، ولكلّ رسالة ذبيح، فإنّ معركة كربلا قد قدّمت للدين أكثر من شهيد واكثر من ذبيح.

ولذلك لم تعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام ثورة شخصيّة فرديّة، لكي يقال انتهى زمانها، ومضى دورها، لأنّها ارتبطت بشيء فانٍ، الإنسان إذا كانت حياته في سبيل ما لا ينتهي، فستدوم له الحياة. أمّا إذا كانت حياته في سبيل ما ينتهي، فلا شكّ بأن حياته تنتهي بإنتهاء ما أوقف حياته عليه. فالحسين حيث ضحّى في سبيل الدين، فقد ارتبطت ثورته بالدين، ولذلك ستبقى ثورته، وستستمرُّ ثورة في النفوس على النفوس لتهذيبها، وثورة على الظلم لإزالته من الوجود.

ولذلك لن تنتهي أهداف ثورة الحسين، ما دام في الكون حقّ وباطل، وما دام في الكون ظالم ومظلوم، وما دام في الكون فقير وغنيّ وطريد، فإنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام تبقى قائمة في النفوس والأفكار والعقول، ولا ينتهي دورها إلاّ بأن تختفي هذه الظواهر من الوجود. ولن تختفي هذه من الوجود، إلاّ بخروج مهديّ آل محمّد صلى الله عليه واله. وحينئذٍ تنتهي، ولا نقيم عاشوراء بعد ذلك، لأنّ رسالة الإمام الحسين عليه السلام تكون قد حقّقت أهدافها، وحيث تحقّق ثورة الإمام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
125

108

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

  الحسين عليه السلام أهدافها فحينئذٍ لا يبقى لها محلّ من الوجود.


ولسوف يبدأ محمّد الأخير دوره، من حيث انتهى دور محمّد الأوّل، لأنّه هو المدّخر لإقامة موازين الحقّ والعدل، كما نصّت على ذلك الآية الكريمة ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه﴾ِ 1. وظهور الدين الإسلاميّ على الأديان كلّها، لن يكون إلاّ بمهديّ آل محمّد.

ومن هنا يزول الإستغراب، عندما نجد في التاريخ أنّ المهديّ عجل الله فرجه الشريف  يعلن ثورته، ويجعل شعار ثورته (يا لثارات جدّي الحسين)؛ ذلك لأنّ ثورة المهديّ، هي الفصل الأخير من فصول ثورة الحسين عليه السلام. لذلك يعلنها في مكّة، ويفجّر الثورة من كربلاء، حيث أُريق دم النبوّة فيها.

إذاً، ما فائدة إقامة هذه الذكرى بالنسبة إلينا؟ إنّ فائدتها تعود إلينا بأن ننظر إلى أنفسنا كمسلمين، ولا سيّما في هذا اليوم، حيث آن لنا ونحن نمرّ بمرحلة من أقسى مراحل الحياة أن نتّصل بالحسين اتصالاً عقائديّاً، لا عاطفيّاً، بأن نستعيد في أفكارنا ذكرى عاشوراء، فنأخذ من معطياتها، وما أكثرها!، نأخذ الدروس والعبر. وأن نجنّد من هذه الذكرى روحاً حسينيّة، تقودنا في محنة فلسطين، وتخوض بنا في ساحات معارك الشرف، التي خاضها الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته عليهم السلام وأصحابه. تخوض بنا في معركتنا الإسلاميّة اليوم 
 
 
 

1- التوبة: 33.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
126

109

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 حيث تعلمون. علينا أن نجنّد من هذه الذكرى، روحاً حسينيّة، تدفعنا إلى العمل من أجل الدين، ومن أجل الدين وحده، لأنّ الإمام الحسين عليه السلام إنّما كان فداءً لهذا الدين.


ولعلّك تتساءل: أنّه ما أُنزل الدين، إلاّ لخير الإنسان وسعادة الإنسان، وكل ما في الكون هو لخير الإنسان، ومصلحة الإنسان، فلماذا يُطلب من الإنسان أن يضحّي في سبيل الدين؟ إذا كان كلّ شيء في الوجود لأجل الإنسان، فلماذا يضحّي الإنسان بنفسه في سبيل الدين؟ نقول: إنّ الدين إنّما أُنزل إلى الأرض من أجل كرامة الإنسان وسعادة الإنسان، فإذا تعرّض الدين للخطر، فقد تعرّضت كرامة الإنسان وسعادته للخطر، وحينئذٍ يدور الأمر بين أن يعيش الإنسان في الحياة بلا سعادة وكرامة، أو يموت في سبيل عزّته وكرامته. والإنسان الذي يحافظ على خصائص إنسانيّته، يرى أن الموت خير ألف مرّة مع العزّ من الحياة مع الذلّ.

إنّ ذكرى الإمام الحسين عليه السلام تطوّرت مع الأيام، وسيعيها الجيل الآتي أكثر مما وعاها جيل اليوم، وستستمرّ وتستمرّ حتى لا يكون لغير مبادئها في الأرض سلطان، علينا أن نحافظ على هذا الدين الذي دعانا الحسين عليه السلام لنصرته، عندما أعلنها صرخة مدوّية يوم عاشوراء، حيث طلب الناصر، والحسين لم يطلب الناصر لتسلّم له الحياة، الإمام الحسين عليه السلام ما جاء إلى كربلاء لتسلّم له الحياة، وإنّما أراد أن تسلّم لدين جدّه الحياة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

110

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 إنّما أرسلها صرخة مدوّية عبر الأجيال، ليدعونا إلى نصرة المبدأ الذي نصره وضحّى في سبيله، وفداه بدمه، وتلك الدماء الزكيّة من أهل بيته وأصحابه، التي سقى بها أرض كربلا، والتي لا تزال طريّة، تهيب بالمسلمين إلى الحفاظ على الدين، وإعلاء كلمة الحقّ في الأرض.

 
 أيّها المؤمنون، أيّها الإخوة، نحن في هذه المناسبة أحوج ما نكون لأن نتفهّم مغزاها ومؤدّاها. الحسين عليه السلام جاهد إلى آخر قطرة من دمه، وفصلوا رأسه عن جسده، وكأنّه يُراد للرأس أن يؤدّي دوره منفصلاً عن الجسد أيضاً. لقد قدَّم الرأس في الكوفة وفي الشام، مظاهرة شعبيّة تلتها ثورة فكريّة. يحدّثنا زيد بن أرقم أنّهم حين أدخلوا السبايا إلى الكوفة (مرّوا بدار كنت في روشن فيه، فلما حاذاني الرأس سمعته يتلو هذه الآية ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾1. فضربت رأسي بالروشن فقلت: يا بن رسول الله، رأسك والله أعجب وأعجب). وكذلك ظهرت له معجزات باهرات، في الطريق وفي الشام أيضاً.
 
 وإنّما كان الغرض من هذا الفصل المقدّر في علم الله سبحانه وتعالى، أنّه جاء الرأس إلى الشام، ليعلم طغاة أهل الشام، بأنّ تلك المصاحف التي رُفعت يوم صفين، ما كان الغرض منها إلاّ أن يُرفع رأس الحسين عليه السلام. بعد عشرين عاماً جاء الرأس ليفهمهم، لأنّهم
 
 
 

1-الكهف: 9.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
128

111

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

  لم يفهموا يومذاك، ولم يسمعوا كلمة الإمام أمير المؤمنين بأّنها كلمة حقّ يراد بها باطل. جاء الرأس ليفهمهم أنّ الغاية من حمل تلك المصاحف هي حمل رأس الحسين عليه السلام. ولقد أشار إلى هذه الظاهرة الأزريّ رحمه الله بقوله:


حملتْ بصفين الكتابَ رماحُهم        ليكون رأسُكَ بعدها محمولا
لو لم تَنَلْ أحقادُ حربٍ منك ما        جرأ الوليدُ فمزّق التنزيلا

إنها حلقة في سلسلة، فكذلك لو لم تخرج فاطمة خلف أمير المؤمنين، تلك الخطوات من الدار إلى المسجد، لتنقذ وليّها، لما خرجت زينب بعد ذلك، مع الحسين، وبعد الإمام الحسين عليه السلام من كربلا إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى الشام، وهكذا من بلد إلى بلد. أشار الشاعر إلى هذه الظاهرة فقال:

قد ورثتْ من أمِّها زينبٌ             كلَّ الذي جرى عليها وصار
وزادت البنتُ على أمّها             من دارها تُهدى إلى شرّ دار

إذاً حلقات مستمرّة في سلسلة معركة الحقّ والباطل، وستبقى ثورة الإمام الحسين عليه السلام قائمة وستنتشر وتنتشر وتتّسع، بمقتضى الحديث الوارد عن نبيّنا محمّد صلى الله عليه واله، حيث إنّ النبيّ أخبر بما يجري على الحسين.

يقول التاريخ: كان الإمام الحسين عليه السلام في حجر النبيّ صلى الله عليه واله، وهو طفل، فدخلت عليه أمُّه فاطمة، فوجدت النبيّ يبكي 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
129

112

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 والحسين في حجره، فقالت له: يا أبه، ما يبكيك؟ قال: يا فاطمة عليها السلام ، خرج من عندي جبرئيل آنفاً وأخبرني أنّ ولدي هذا، يُقتل في أرض من العراق، يقال لها كربلا. قالت: يا أبه، ومن يقتله؟ قال: شرار أمّتي، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة. ثمّ قالت: ومتى يكون ذلك؟ قال: في زمانٍ خالٍ منّي ومنك ومن أبيه ومن أخيه. قالت: إذاً فمن يقيم عزاء ولدي؟ قال: أبشري يا فاطمة عليها السلام ، إنّ الله سيخلق له شيعة طاهرين مطهّرين، يقيمون له عزاءه عاماً بعد عام، وجيلاً بعد جيل، وسيجهد أعداء الله في محو ذلك، فلا يزداد إلاّ سموّاً وانتشاراً.


وهكذا نرى بأمّ العين، تصديق حديث النبيّ صلى الله عليه واله، وهو الصادق الأمين. هذه المجالس اتّسعت واتّسعت وانتشرت. وقلنا ستبقى ثورة الحسين، تغلي في النفوس، إلى أن يحقّق الأمل مهديّ آل محمّد.

أيّها الإخوان، يعزّ عليّ أنّ الوقت ضيّق ولم يبق من الوقت ما يتّسع للقول الذي أرتضيه، أيّها الإخوان، لا نرخّص دم الحسين، دم الإمام الحسين عليه السلام غالٍ، دم الإمام الحسين عليه السلام أزكى الدماء. الله قدّم لدينه أطهر ضحيّة وأزكى دم في الأرض، ومعاذ الله أن تكون ضحايا الدين غير قدسيّة، وغير زكيّة، إنّ الدين منذ القديم، قدّم الضحايا الكثيرة، ولكنّ الضحايا التي قدّمها سيّد الشهادء، هي أعظم وأعظم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
130

113

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 ولا شكّ بأنّ الإمام الحسين عليه السلام قد ورث هذه التضحية، عن آبائه. بل في الحقيقة، حكى تضحية إبراهيم، عندما امتحنه الله، بأن يبذل ماله في سبيله فقدّمه، وبأن يضحّي بنفسه، فاستعدّ للتضحية، وبأن يذبح ولده، فاستعدّ لذبحه، ولكنّ السماء قد تدخلّت، في ذبح ولده إسماعيل، فقدّمت له الفداء. أمّا الحسين، فلم تتدخّل السماء بذبحه، حتّى كان بنفسه هو الفداء. لذلك يخاطبه الشاعر، ولا عجب فهذه الثمرة من تلك الشجرة:


 الذبيحُ وليلى في التحمُّلِ هاجَرُ           لأنتَ خليلُ اللهِ حقّاً ونجلُكَ 

أيّها الإخوان، هذا اليوم هو الأخير، وأسأل الله أن يعيد علينا هذه الذكرى، والإسلام قد بلغ العزّة والمنعة، ببركة الثورة الإيرانيّة، إن شاء الله، بقيادة الخمينيّ، نسأل الله سبحانه وتعالى، أن ينصره بنصره. ولا شكّ بأنّ النصر لا يكون إلاّ من عند الله. ولكنّ الله يريد منّا قبل أن ينصرنا، أن ننصره وأن ننصر دينه.

ولذلك أيّها الإخوان، الإسلام ينتظرنا لنعمل، والمسؤوليّة تدعونا لنتقدّم انطلاقاً من واقع رسالتنا فنعمل بإخلاص، والحسين لا شكّ بأنه يطلّ عليكم، من عالم الخلود، فيطلب منكم الناصر لدينه. ونصرة الدين نصرة الحسين. فإنّكم إن فعلتم ذلك، كنتم جنوداً أمناء للحسين وللدين، مجنّدين في كتيبة الدين، وكنتم أنصاراً مخلصين لثورة الحسين عليه السلام. وعندئذٍ تكونون صادقين بقولكم عند سماع هذه الذكرى يا ليتنا كنّا معكم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
131

114

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 فيا أيّها المؤمنون، كونوا مع الإمام الحسين عليه السلام في الدينا، لتكونوا معه في الآخرة. ولبّوا دعوته لتكونوا مع من لبّى دعوته يوم كربلا، وقولوها كلمة صادقة مخلصة (لبّيك داعي الله، إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك، ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري).

 
 ويشير إلى هذه الظاهرة، ابن أبي الحديد المعتزليّ حيث يقول:
 فواحسرتا أن لم أكن في أوائلٍ            من القوم يُتلى فضلُهم في الأواخرِ
 فأنصرَ قوماً إن يكن فاتَ نصرُهم         لدى الروعِ خطاري فما فات خاطري
 
 الحسين عليه السلام معجزة الأجيال - قلت لكم في البداية -، حيّر العقول بثورته، والذين فهموا ثورته، واستطاعوا أن يحلّلوها التحليل اللائق بمكانتها، وعمقها هم المستشرقون.
 
 مع كل الأسف، نحن اتّكلنا على الانتماء الظاهر، والولاء الظاهر. وما فتّشنا ببصائرنا، للنظر إلى جوهر القضيّة، وإن قضيّة الحسين عليه السلام تمثّل عظمة الثبات، وعزّة الإيمان، وجلال التضحية، إذا نفذنا إلى واقعها.
 
 يريد منّا الإمام الحسين عليه السلام أن نتحلّى بهذه الأخلاق، ونتَّصف بهذه الصفات. ولقد مشى الشيعة الأوائل على هذا النهج، واتّخذوا لنفسهم موقف الحسين عليه السلام، فوقفوا من كلّ حاكم جائر ظالم، موقف المعارض، بعلمائهم وببقيّة الشيعة من سائر الطبقات. ولا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

115

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 زالوا يقفون موقف المعارض لكلّ سلطة جائرة، إلى أن تعمر الكون الرسالة الإلهيّة بنهج آل محمّد.


علينا ألاّ نسير في ركاب الظالمين. الآن كلّ منّا يستطيع أن يعرف نفسه، هل هو واقف في صفّ حبيب وزهير، أم هو في صفّ الشمر وعمر بن سعد؟ وذلك بأن يعرض نفسه على الدين: هل هو سائر في خطّ الدين؟ فإذاً يكون في الحقيقة كحبيب وزهير، وإذا كان موقفه يصطدم مع الدين، فهو من حيث يريد أو لا يريد، في صفّ عمر بن سعد، وفي صفّ يزيد.

الحسين ما حارب شخص يزيد، لم تكن ثورة الإمام الحسين عليه السلام إلاّ مظهراً من مظاهر الصراع بين الحقّ والباطل، وهو صراع مستمرّ، ولم يكن صراعاً بين شخصين يتسابقان إلى عرش، وإنّما كان صراعاً بين مبدأين يتنازعان البقاء والخلود. الإمام الحسين عليه السلام ما حارب يزيد، بل وقف في جه الظلم المتمثّل في يزيد.

وعلينا نحن، شيعته بصورة خاصّة، أن نقف من الظلم المتمثّل بأيّ شخص، موقف الإمام الحسين عليه السلام منه، لا أن نسبِّح بحمد الظالمين ونقدّس لهم.

ما قيمة حضورنا في مجلس الحسين، والبكاء على الحسين، ونحن نسير في خطّ معاكس لخطّ الحسين؟ قلت لك، الإمام الحسين عليه السلام يبرأ من البكاء المجرّد. لا تصدّق ما تسمعه من بعض القرّاء عمّن يخرج من عينه مثل جناح البعوضة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
133

116

الفصل السادس: مختارات من خطبه ومقالاته

 من الدمع... نعم، مثل جناح البعوضة مع العمل.. هذه الدمعة يجب أن تفجّر في نفوسنا الثورة على الظلم والظالمين.


وأسأل الله التوفيق لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

117

خطبة حول: حول معركة المبادئ

 خطبة حول: حول معركة المبادئ

الحمد لله ربَّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين.
 
 إليكم كلُّ منقبةٍ تؤولُ         إذا ما قيلَ جدُّكُمُ الرسولُ
 وفيكم كلُّ مكرمةٍ تجلّى      إذا ما قيلَ أمُّكُمُ البتول
 فلا يبقى لمادحكم كلامٌ       إذا تمَّ الكلامُ فما يقول
 
 لا شكّ أن من يرجع إلى التاريخ، يجد واضحاً جليّاً، أن آل عليّ هم ميزان المجتمع وقادته وسادته. قد ورث كلّ واحد منهم الفضائل من معدنه، وأخذ المكرمات من مصادرها. وهذا الإرث الجليل قد هيّأهم لنصرة الحقّ والعمل في سبيله.
 
 وهم لم يرثوا هذا الحقّ، ليستغلّوه لصالح أنفسهم، وإنّما كان في أيديهم حقّاً مشاعاً للناس، بحيث يكون لكلّ بيت من هذا الحقّ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

118

خطبة حول: حول معركة المبادئ

 نصيب. وفي حين كان الحقّ، الذي تمخّضت عنه رسالة الإسلام، من نصيبهم، كان الباطل الذي تمخّضت عنه رسالة الشيطان، من نصيب أعدائهم، ونعني بالأعداء هنا، الحزب الأمويّ.


وهكذا، فقد وقع الصراع من اليوم الأوّل، بين أهل البيت النبويّ، والحزب الأمويّ. ولذلك، لم تكن المعركة بين هذين البيتين، أو بين هذين الحيَّين، معركة شخصيّة، وإنّما كانت معركة مبدئيّة، وعلى هذا الأساس، ما كانت هذه المعركة لتقف عند هؤلاء الأشخاص، وإنما تعدّتهم إلى أشخاص آخرين، بمعنى أنّ الحقّ الذي ورثه البيت النبوي، بقي يمتدّ عبر القرون والأجيال، إلى الأبناء وإلى الأحفاد، بل وإلى الأتباع أيضاً.

وراية الباطل التي تسلّمها الحزب الأمويّ، أوّل من رفعها في وجه راية الحق، هو أبو سفيان بن حرب، وهكذا إلى يزيد. ومن ثَمَّ امتدّ الصراع إلى الأتباع من الجانبين.

فمعركة المؤمن مع خصمه في هذا اليوم، هي المعركة الأولى نفسُها، بلا فرق. من انتسب إلى راية الحقّ وإلى أهل الحقّ وسار على نهج عليّ وأبناء عليّ، هو في صراع دائم مع من سار في ركاب بني أميّة، وفي ركاب الباطل الذي يمثّلونه.

إنّه صراع مستمرّ، وإذا اندحر الباطل أحياناً، أمام ضربات الحق، فليس معناه القضاء على الباطل نهائيّاً. بل في النتيجة، يتحوّل الباطل من أرض إلى أرض، ليستجمع قواه، ولكن بعد أن يتمثّل بأشخاص آخرين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

119

خطبة حول: حول معركة المبادئ

 إنّها أيضاً معركتنا اليوم نحن المسلمين، فحيثما حملنا راية الحقّ، فُرض علينا أن نسير دروب الجهاد، لنكون من أتباع أهل البيت بحقّ. ولا شكّ أنّ نصرة الحقّ لا تقتصر على معركة السلاح، بل إنّ لها ميادين أخرى.

 
 وهذا يعني أنّنا يجب أن نصارع أوّلاً قوى الباطل والشهوات من أنفسنا، علينا أن نستنكر الباطل من أنفسنا وبالتالي نستنكره من غيرنا. يجب أن تقتنع النفس أوّلاً بالحقّ قبل أن تطبق مبادئه على الآخرين، وتدافع عنه في الخارج.
 
 إنّ المؤمن لا يهمّه الإنتصار في المعارك، بقدر ما يهمّه أن ينتصر على نفسه، وأن يكون إلى جانب الحقّ. وليست العِبرة أن ينتصر في معارك السلاح. فقد ينتصر مبدأ الحقّ، دون أن يرافق ذلك إنتصار بالسلاح. بعبارة أخرى، إنّ مبدأ الحق قد ينتصر تحت ظلّ اللواء المغلوب، وليس من الضروريّ أن يبقى المؤمنون المنتصرون على قيد الحياة. إنّهم يريدون من معركتهم مع خصومهم، أن تنتصر كلمة الحقّ ولو على حساب أرواحهم ودمائهم.
 
 وممّا يؤسف له، أنّ كثيراً من الشباب يظنّون أنّ الحسين عليه السلام قد أخفق في ثورته، ولم يحقّق الأهداف المطلوبة منها، لأنّه كان يريد أمراً فحال الموت دونه. إنّ هؤلاء يعتقدون أنّ الحسين عليه السلام قام ليأخذ السلطة من يزيد فعاجله يزيد وقتله وانتهى الأمر.
 
 ونحن نقول لهؤلاء إنَّ كلامكم يصحّ إذا كان الهدف من ثورة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

120

خطبة حول: حول معركة المبادئ

 الحسين عليه السلام، أن يصل إلى الملك والسلطان. لكن إذا قلنا إنّ الغرض من ثورة الحسين، هو القضاء على الفساد في الأرض، بمعنى القضاء على بني أميّة، وهو بيان أعمالهم للرأي العامّ، وكشف حقيقتهم، وإفتضاح أمرهم. إذا قلنا إنّ الغرض هو ذلك، فلا شكّ أنّ الحسين عليه السلام قد حققّ أهداف ثورته، وها هم بنو أميّة، بعد ثورة الحسين عليه السلام، قد غدا سبّهم وبغضهم ولعنهم شعاراً للمسلمين الطيّبين، هذا هو المقصود.


إنّ الإمام الحسين عليه السلام هو المنتصر، لأنه لولا ثورة الحسين عليه السلام، لما سمعت ذكراً للحقّ، ولا رأيت أثراً للدين. ولكن لو أنّ المسلمين استغلوا ثورة الحسين عليه السلام لصالح الدين، لا لمآرب شخصيّة، لما سمعت ذكراً للباطل على وجه الأرض أبداً؛ لأنّ الحسين عبَّد الطريق إلى الحقّ على نحو يستطيع أن يسلكه كلّ أحد، كما زرع الأشواك في طريق الباطل. ولكنّ المسلمين من بعد الحسين، أساؤوا التصرّف، واستغلوا هذا المبدأ لمآرب شخصيّة، لا أقلّ ولا أكثر.

إذاً تلك معركة المبادئ، التي لا تسجّل انتصاراتها عن طريق الغلبة بالسلاح، كما أنّها تتجاوز حدود الأشخاص المتصارعين فيها، وها هو الحسين عليه السلام يؤكّد ذلك حين سجّل في وصيّته يوم خروجه، أنّ قبوله والسير في ركابه، إنّما هو طريق للسير في ركاب الحقّ، حيث قال: "فمن قبلني بقبول الله فالله أولى بالحقّ". وكأنه يقول: أيّها الناس لا تتّبعوني لذاتي، لأنّي الحسين بن عليّ عليه السلام،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
138

121

خطبة حول: حول معركة المبادئ

  إنّما تتَّبعونني على أساس اتّباع الحق، لأنّي أنا القائم بالحقّ.


هؤلاء النفر الطيّب، وهم أهل بيت النبيّ صلى الله عليه واله قد وضعوا الحقّ نصب أعينهم، ولم يكن لهم من همّ، سوى أن تبقى راية الحقّ عالية فوق رؤوس الخلق، أنظر إلى كلمة عليّ بن الحسين عليه السلام لمّا قال له أبوه الحسين عليه السلام: "يا بنيّ عنَّ لي هاتف يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم إلى الجنّة". قال "يا أبه، أولسنا على الحقّ؟" قال: "بلى يا بنيّ، والذي إليه مرجع العباد" قال: "إذاً لا نبالي أن نموت محقّين". ما أحسن الموت إذا كان في جانب الحقّ!.

وانظر إلى كلمة تلميذ مدرستهم عمّار بن ياسر "سلام الله عليه" في معركة صفّين، حيث قال "والله لو ضربونا، حتّى يلحقوا بنا سعفات هجر، لعلمنا أنّا على الحقّ وهم على الباطل". يعني نحن لا نرتاب إذا هزمنا وإذا غُلبنا، ولا يهمّنا ذلك ولو أدى إلى القتل ما دمنا إلى جانب الحقّ. ما أعظمها من كلمة حفظها لنا التاريخ !.

لقد حمل أهل البيت عليهم السلام راية الحقّ، ووقفوا ساهرين على حمايتها والحفاظ عليها، بقدر ما تسمح الظروف، وبقدر ما يتّسع صدر الزمان لنصرة الحقّ، بالثورة المسلّحة إذا ساعد الظرف عليها. وإذا لم يساعد الظرف، توجّهوا إلى سلاح آخر لنصرة الحقّ، ولو بمجانبة الظالمين والبعد عنهم، ليثبتوا للرأي العامّ، أنّ هؤلاء الذين يحكمون بإسم الإسلام إنّما هم يحاربون الإسلام بإسم الإسلام. وأقرب مثال على مجانبة الظالمين موقف الإمام زين العابدين عليه السلام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
139

122

خطبة حول: حول معركة المبادئ

 أمّا الإمام الحسن، الذي لم تسمح له ظروفه بالثورة المسلّحة، فقد جرّد سلاحاً خاصّاً هو الصلح، ففضح به معاوية وبني أميّة قاطبة، وأثبت للرأي العامّ، أنّ بني أميّة قد ساروا في جاهليّتهم الحديثة، ينسجون على منوال جاهليّتهم القديمة. حتّى إذا وصل الدور إلى يزيد وطفح الكيل، فحينئذٍ أصبحت القضيّة لا تحتمل سوى الثورة؛ لأنّ يزيد قد أعلن الكفر صراحةً.

 
 لقد كان ثمّ ستار رقيق يتستّر به معاوية، جاء الحسن فمزّقه بالصلح. لكنّ المسألة وصلت في عصر يزيد، إلى حدّ إعلان الكفر الصريح، لكن من يتكلّم؟ من الذي يثور في وجه هذا الكفر، ثورة محدّدة الأهداف بعيدة عن الأطماع والشوائب بحيث تستمدّ روحها من تعاليم الإسلام الصافية؟ لم يكن رجل الساعة إلاّ الحسين بن عليّ عليه السلام.
 فانطلق الحسين عليه السلام جاعلاً رسالة الحقّ عنواناً لثورته كما تقدّم وحيث قال "أفلا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟".
 
 ونحن اليوم، حيث كنّا أتباعاً لأهل البيت عليهم السلام ، علينا أن نؤدّي رسالة الحقّ التي ورثناها، على أتمّ وجه، مهما تطلّب ذلك من البذل والتضحيات، وحينئذٍ يحقّ لنا أن نعتبر أنفسنا بحقّ، من شيعة أهل البيت عليهم السلام .
 
 والحمد لله ربّ العالمين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

123

الهجرة النبويّة والهجرة الحسينيّة

 الهجرة النبويّة والهجرة الحسينيّة

ليست الهجرة مجرّد انتقال من مكان إلى مكان، وإنّما هي انتقال من حال إلى حال، فالإنتقال من حال الحيرة الفكريّة، إلى اليقين الثابت هجرة. والانتقال من الشِّرْك إلى الإيمان هجرة. بل إنّ التغيّر الذي طرأ على مجتمع المدينة، من قبائلها إلى مكّة هجرة استعدّ من خلالها هذا المجتمع للقتال من أجل الدين.
 
 وعلى هذا الأساس من المنطق، يمكننا القول بحقّ بأنّ ظهور الإسلام في جزيرة العرب هجرة إنسانيّة كاملة، من حياة الضلال والظلام، إلى حياة جديدة مليئة بالهدى والنور. بل إنّ الدخول في دين الإسلام هجرة. وبدأت هذه الهجرة في بيت النبوّة بالنبيّ وبزوجه خديجة، وأخيه عليّ. ثمّ انطلقت الهجرة من خارج بيت النبوّة، تعمل عملها في النفوس، فكانت إيذاناً للإنسانيّة بأنّ قوّة الباطل، مهما عظمت فمصيرها إلى الفناء، وأنّ الحقّ وإن طال عليه الأمد، فلا بدّ له من يوم تتبدّل فيه ضرَّاؤه إلى سرّاء.
 
 ولم تكن الهجرة هذه بدعاً، وإنّما هي سنّة الأنبياء من قبلها، من لدن إبراهيم إلى عيسى. فإبراهيم قال كما قضى الله من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
141

124

الهجرة النبويّة والهجرة الحسينيّة

  أمره ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾ 1ولقد هاجر إلى ربّه. وكذلك فعل موسى بعده. ومثلهما عيسى، هاجر فراراً من اليهود، وقد أرادوا الفتك به، فأيّده الله في هجرته.


ومثل هؤلاء فعل النبيّ بهجرته من مكّة إلى المدينة. وقد أذن الله له بالهجرة التي لم تكن إلى فراغ، فقد كان مجتمع المدينة مهيّأً لنصرة المسلمين، الذين تنقّلوا فيها من جهاد إلى جهاد. ومن هنا كانت الهجرة ميلاداً جديداً للإسلام. فقد غيّرت تاريخ العالم. إذ كان من آثارها، إنشاء دولة امتدّت من الأندلس غرباً، إلى أن دقّت أسوار الصين شرقاً.

ونستطيع أن نقول إنّه بتلك الهجرة من مكّة إلى المدينة، قد هاجر معه التاريخ بعصوره وأجياله، وأعدّ سجلّه المرقوم ليكتب أعمال المجد والخلود، لخير أمّة أُخرجت للناس. بل هي هجرة أهل السماء لأهل الأرض، لكي يهاجر أهلها إلى السماء باتّباع رسل السماء. ولذا عقد فيها روابط المحبّة عملاً وإنجازاً، بين قوم يحبّون من هاجر إليهم، فعاش الجميع في حياة وثيقة المودّة، محكمة الروابط تضرب الأقدار بسيف تقديرها. وقوّات العالم خاضعة لتسخيرها. والعدالة في الدنيا قائمة بتدبيرها.

وهكذا كما أضاءت مكّة ببعثته، وأشرقت المدينة بهجرته، فقد سُعدت الدنيا برسالته. فذكريات الهجرة تعيد إلى الأذهان طلائع 
 
 
 

1- العنكبوت: 26.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

 


125

الهجرة النبويّة والهجرة الحسينيّة

 الإيمان، متمثّلة في جند الرحمن. فلا بدع إذا كان يوم الهجرة أعظم أيّام التاريخ.


وإذا كانت الهجرة قد انقطعت بالفتح، أي فتح مكّة، كما قال "لا هجرة بعد الفتح" فتلك هي الهجرة إلى دار النبوّة. أمّا الهجرة إلى رسالة النبيّ، فهي قائمة إلى يوم القيامة. إنَّها بواقعها، تعني كلّ هجرة في سبيل الحقّ، فإنّها هجرة إلى الله وإلى رسوله بهذا الإعتبار، كما تعني الآية ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾1.

إنّ الهجرة هي الحدّ الفاصل بين الذلّة والعزّة، وبين الشكّ واليقين، وبين الرجس والطهر، قد غيرت مجرى التاريخ، فهي كما بدّلت الأرض كذلك بدّلت ديناً بدين، وفساداً بإصلاح، وفوضى بنظام. بل لولا الهجرة ما تجاوز الإسلام أطراف مكّة.

وحسب الهجرة أن ترى فيها مشهداً فدائيّاً لشابّ من شباب الإسلام، الذين تربّوا على الإيمان والتضحية، وعلى بذل النفس والنفيس لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. ألا وهو عليّ، الذي نام في فراش النبيّ فادياً إيّاه بنفسه، ومؤدّياً عنه الودائع التي عنده للناس، وفي ذلك ما يدلّ على أنّه لا يؤدّي عن النبيّ غير عليّ، ولا يملأ فراغ المكان الذي يجلس فيه النبيّ غير عليّ. 
 
 
 

1-النساء: 100.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
143

126

الهجرة النبويّة والهجرة الحسينيّة

 ولقد فسّرت الأحداث هذا الموقف من عليّ، بما أحرزه الإسلام من انتصار، من قوّة وازدهار، وكلّها تلتقي مع معطيات الهجرة، التي سمعت بأنّها لا تعني الإنتقال من مكان إلى مكان، ولا من بلد إلى بلد. وإنّما تعني الإنتقال من وطن الملك إلى وطن الملكوت، ومن وطن الحسّ إلى وطن القدس، بل إنّها الانتقال من الكون إلى المكوِّن. وهل تتمّ فائدة الإنتقال، إلاّ حيث تنتقل النفس من شعور إلى شعور. فإذا سافر معك الشعور الأوّل فأنت مقيم لم تبرح.

 وليس من باب الاتفاق، أن تقترن ذكرى هجرة النبيّ، من مكّة إلى المدينة، بذكرى هجرة الحسين، من المدينة إلى مكّة. ولئن اختلف مكان الهجرتين، فلم تختلف الغاية والهدف من وراء الهجرتين.
 
 يهاجر النبيّ خوفاً على رسالته من أبي سفيان وأعوانه. ويهاجر الإمام الحسين عليه السلام من المدينة خوفاً على دعوته - قبل أن يصل بها إلى الهدف المنشود - من حفيد أبي سفيان. وبين الهجرتين ستّون عاماً.
 
 وإذا كانت هجرة النبيّ من أجل رسالته، التي كانت تحتاج إلى أرض تستطيع فيها الوقوف على أقدامها، لتنطلق منها إلى بناء المجتمع بناءً إسلاميّاً، وإذا كانت هجرة النبيّ من أجل حماية العقيدة من كيد المشركين، فإن هجرة الإمام الحسين عليه السلام كانت من أجل صيانة تلك العقيدة من تلاعب الحاكمين بإسمها.
 
 إذاً الهجرتان سلكتا خطّاً واحداً، ومسيرة واحدة، توصلان معاً
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
144

127

الهجرة النبويّة والهجرة الحسينيّة

 إلى الله وإلى إعلاء كلمته في الأرض، وتطبيق شريعته في كلّ بقعة حلّت أو تحلّ بها. لقد هاجر الإمام الحسين عليه السلام لينتقل بأمّة جدّه، وبرسالة جدّه، من أرض تهدّدها بالفناء، من حيث إنّ الإمام الحسين عليه السلام مهدّد فيها بالقضاء عليه، قبل أن تستوعب دعوته وصرخته أطراف الأرض وآفاق السماء، ومعنى ذلك أنّ ثورة الحسين، ببواعثها وأهدافها، لا يمكن فصلها عن تاريخ الدعوة التي صدع بها جدّه، كما يقضي بذلك الحديث "حسين منّي وأنا من حسين".

 
 إذاً، ثورة الحسين عليه السلام قد ارتبطت بحركة الإسلام الأولى، ولا يمكن النظر إليها مجرّدة عن إطارها العامّ.
 وهنا يبرز التساؤل: كيف ننظر نحن اليوم إلى ثورة الحسين؟ وماذا تعني لنا هذه النهضة؟.
 
 إنّ الصورة التي نتمثّل بها الحسين، لا تعدو الحزن والأسى، لأنّنا نتمثّل الإمام الحسين عليه السلام في صورة المظلوم والمقتول، الذي يستحقّ الرثاء والبكاء. ولكنّ هذه الصورة بعيدة كلّ البعد عن الواقع الذي فتح الإمام الحسين عليه السلام عيوننا عليه، وأيقظ أفكارنا ومشاعرنا على حقيقته، عندما كان يطلق تلك الصيحات المتتالية يوم مقتله، ويطلب الناصر لدينه، والدين لا يُنصر في ميدان كربلا فحسب، بل تمتّد نصرته إلى كلّ معركة في الأرض.
 
 إنّها صورة مشوّهة، تلك التي تمثّل الإمام الحسين عليه السلام ضحيّةً ومغلوباً على أمره، وهي بلا شكّ من نسج أولئك الذين سوّدوا وجه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
145

128

الهجرة النبويّة والهجرة الحسينيّة

  التاريخ، بإظهار الشيعة بمظهر الذّل والخنوع، والتعلّق بالماضي المشوّه، ذاك التعلّق الذي لا ينفصل عن الروح الإنهزاميّة، أمام الأحداث التي تتحدّى وجودنا ومصيرنا.

 
 إنّ نداء الإمام الحسين عليه السلام يوم العاشر، وصرخته التي أطلقها عبر الأجيال، لا تستوجب إلاّ الصمود في مواجهة الأحداث، والإرتفاع معه إلى حيث أراد من ثورته، وهو أن لا يقف أحدنا أمام حقّه المسلوب، وقفة الخانع الذليل. وإنّما يريد منّا أن نمدّ إلى حقّنا يد العزّة والقوّة، ولا نردّها إلاّ وهي قابضة عليه، أو هي مقطوعة دونه.
 
 إنّ الإمام الحسين عليه السلام وإن كان مظلوماً، فإنه ثائر. وهو وإن كان ضحيّة، لكنّه في الوقت نفسِه شهيد. إنّ النظر إلى الحسين عليه السلام، بهذه الصورة، يبعث العزّة في كلّ نفس، ويشعل النار في كلّ قلب على الظلم، ويؤجّج الثورة في كلّ إنسان وفي كلّ مكان.
 
 وهل يستطيع الإمام الحسين عليه السلام أن يفعل غير ما فعل، وهو يرى من حوله ظلماً واستبداداً، وتحريفاً للشريعة وتبديلاً للنظام، وهو يحتلُّ المركز القياديّ في العالم الإسلامي؟ إنّه حين رأى أنّ الوضع يتعذّر إصلاحه بالحسنى، وأنّه لا بدّ من القيام بعمل(استشهاديّ) يستيقظ معه الناس على الحقّ الضائع، هيّأ لثورته أسباب الفاجعة، بالشكل الذي لم يسبق له نظير في دنيا الناس، لأنّه أراد أن يجعل من ثورته ناراً تأتي على الحكم الظالم المستبدّ فتحرقه بمن فيه.
 
 إنّ الإمام الحسين عليه السلام ينادينا بلسان الثائر والشهيد، لا بلسان
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

129

الهجرة النبويّة والهجرة الحسينيّة

 الضحية والمظلوم، لأنّه لا يريد أن يثير فينا روح الخنوع والإستسلام، وإنّما يريد أن يثير فينا روح الثورة والفداء. تلك الروح التي انحسرت رويداً رويداً من صفوف أفرادنا، ومن صفوف مجتمعنا.

إنّنا كمسلمين لم ننتصر على أعدائنا، إلاّ بعدما انتصرنا على أنفسنا. إنّنا لم ننتصر بقوّتنا، ولا بكثرة عددنا، وإنّما انتصرنا بالإيمان بقضيّتنا، إيماناً نستسهل معه الموت في سبيلها. ولدينا من تاريخنا مثلان بارزان يفتحان أمامنا الطريق، أوَّلهما معركة بدر، التي انتصرت فيها القلّة المؤمنة على الكثرة الكافرة، وهي درس لنا نتعلّم منه أنّ الغلبة للحقّ لا للقوّة.

وثانيهما الإنتصار الكبير الذي تحقّق في وقعة حُنين، التي أصبح الإسلام من بعدها قوّة كبيرة خضعت لها الجزيرة العربيّة بكاملها. ولقد علّمتنا هاتان المعركتان اللتان تحوّل فيهما مجرى التاريخ، أنّ الإيمان بالله والتسليم لأمره، هما الشرطان الأساسيّان لإنتصارنا. ولذا لمّا أصاب الغرور بعض المسلمين في وقعة حنين، انهزموا شرّ هزيمة بالرغم من قوّتهم وكثرة عددهم. ولولا ثبات من ثبت مع النبيّ وعلى رأسهم عليّ، الذي دارت رحى المعركة على يده وحده والمسلمون منهزمون، لكان قد تمّ القضاء على الإسلام وأهله، كما قصّ الله لنا من أمر هذه الوقعة بقوله ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
147

 


130

الهجرة النبويّة والهجرة الحسينيّة

  ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِين﴾1. والمراد من المؤمنين عليّ ومن ثبت حول النبيّ من الثمانية الذين أحدقوا به، كما حدّث التاريخ، بل لولا عليّ لما ثبت هؤلاء، فقد خاض المعركة بنفسه حتّى جاء برأس أبي جرول.


وختاماً، فالذي يجب أن نجنيه من إحيائنا لذكرى الحسين، في كلّ مناسبة، هو أن نتّصل به عبر الفاصل الزمنيّ، اتصالاً عقائديّاً لا عاطفيّاً، بمعنى أن يتحوّل الإمام الحسين عليه السلام في قلوبنا وعقولنا، إلى قوّة عمل تدفعنا إلى تجديد صلتنا بالله، صلة خالصة من كلّ شائبة، وتدفعنا إلى التضحية على كلّ صعيد، من أجل الحقّ والعدل، لنكون أهلاً للنصر من عند الله، كما قال: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾2
 
 
 

1- التوبة: 25 ـ 26.
2- غافر: 51.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
148

131
العلّامة الشيخ حسين معتوق شمسٌ بين محراب ومنبر