المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين..وبعد..
لا يخفى ما لجهاد الأعداء من فوائد وبركات عظيمة جداً في مواجهة الأعداء وإحباط مؤامراتهم، وقطع أيديهم ومطامعهم، من خلاله يتم رفع الذل وتحقيق العزة للأمة، لذا اهتم خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وبعده الأئمة المعصومون عليهم السلام بهذا الأمر اهتماماً خاصاً، وتبعهم على ذلك علماؤنا الأبرار رضوان الله عليهم وساروا على نهجهم ونهلوا من معارفهم، وتركوا لنا تراثاً هامّاً في هذا المجال.
ومن بين هذا التراث ما جاء في كتاب "وسائل الشيعة" لمؤلفه العالم المحدث الشيخ محمد بن الحسن المعروف بـ "الحر العاملي"، الذي يُعدّ من أهم الكتب التي هي مورد اعتماد العلماء
5
1
المقدمة
والباحثين في استنباط الأحكام الشرعية، حيث تضمّن جلَّ الأحاديث الشرعية التي وردت عن المعصومين عليهم السلام.
فبالرغم من اهتمام المؤلف فيه بالأحاديث المتعلقة بالجانب الفقهي بشكل خاص، إلا أنه لم يُغفل أيضاً الجانب المتعلق بالآداب والأخلاق، فعمد إلى ذكر أبواب كثيرة من الأحاديث المرتبطة بهما، منها ما أورده في باب الجهاد حيث قسّمه إلى قسمين: الأول في ما يتعلق بأبواب جهاد العدو وما يناسبه، والثاني في ما يتعلق بأبواب جهاد النفس وما يناسبه.
وكان بعض العلماء الكبار قد أوصى بقراءة حديث من هذه الأحاديث يومياً والعمل به، وبعد مدة سوف يجد الأثر الكبير والنافع لهذا العمل.
وقد ارتأت جمعية المعارف الإسلامية أن تقوم بطباعة هذا القسم من الكتاب استكمالاً لمسيرتها في طباعة ونشر الكتب العلمية والمفيدة، خصوصاً منها تلك التي حبَّرتها يراع علمائنا الكبار أمثال الشيخ الحرّ.
يبقى أن نشير إلى عملنا في هذا الكتاب:
1- إن هذا الكتاب هو في الحقيقة مختارات ومقتطفات مما ورد في وسائل الشيعة، حيث تم اختيار الروايات التي قد تعتبر محل ابتلاء في هذا الزمن، وليس شاملاً لكل ما ورد فيه.
6
2
المقدمة
2- لم نذكر أسانيد الروايات واقتصرنا على الإشارة إلى مصدرٍ واحدٍ لها ليتسنى للقارئ الرجوع إليه لو شاء.
3- قُمنا بتقسيم الكتاب إلى فصول وأجرينا بعضَ التعديل والتغير لعناوين الأبواب.
وفي الختام نسأله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه وأن ينفع به "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"1.
جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
1- الشعراء: 88 – 89.
7
3
الفصل الأول: الجهاد في الإسلام
قيمة الجهاد
عن عقيل الخزاعي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات فيقول:...ثم إن الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم، مع العزة والمنعة، وهو الكرة فيه الحسنات والبشرى بالجنّة بعد الشهادة، وبالرزق غداً عند الربّ والكرامة، يقول الله عزَّ وجلّ "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ"1، ثم إن الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمتوازرين على الضلال ضلال في الدين، وسلب للدنيا مع الذل الصغار، وفيه استيجاب النّار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال، يقول الله عزَّ وجلّ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ"2، فحافظوا على أمر الله عزَّ وجلّ في هذه المواطن التي الصبر عليها كرم وسعادة، ونجاة في الدنيا والآخرة من فظيع الهول والمخافة فإنّ الله عزَّ وجلّ
1- آل عمران: 169
2- الأنفال: 15
11
4
الفصل الأول: الجهاد في الإسلام
لا يعبأ بما العباد مقترفون في ليلهم ونهارهم، لطف به علماً، فكل ذلك في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، فاصبروا وصابروا واسألوا النصر، ووطنوا أنفسكم على القتال، واتقواالله عزَّ وجلّ فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
عن عثمان بن مظعون قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ نفسي تحدثني بالسياحة وأن ألحق بالجبال، فقال: يا عثمان لا تفعل فإن سياحة أمّتي الغزو والجهاد.
عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: والجهاد واجب مع الإمام العادل.
عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أي الأعمال أفضل ؟ قال: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله.
عن إسماعيل بن جابر، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، عن علي عليه السلام في بيان الناسخ والمنسوخ، قال: إنّ الله عزَّ وجلّ لما بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أمره في بدو أمره أن يدعو بالدعوة فقط، وأنزل عليه "وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ"1 فلما أرادوا ما همّوا به من تبييته أمَرَه الله بالهجرة وفرض عليه القتال، فقال "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ
1- الأحزاب: 48
12
5
الفصل الأول: الجهاد في الإسلام
لَقَدِيرٌ"1 ثم ذكر بعض آيات القتال إلى أن قال فنسخت آية القتال آية الكف، ثم قال: ومن ذلك أنَّ الله فرض القتال على الأمة فجعل على الرجل الواحد أن يقاتل عشرة من المشركين، فقال "إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ"2 ثم نسخها سبحانه فقال: "الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ"3، فنسخ بهذه الآية ما قبلها فصار فرض المؤمنين في الحرب إذا كان عدة المشركين أكثر من رجلين لرجل لم يكن فاراً منالزحف وان كان العدة رجلين لرجل كان فاراً من الزحف.
آثار الجهاد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الخير كله في السيف، وتحت ظل السيف، ولا يقيم الناس إلا السيف، والسيوف مقاليد الجنّة والنّار.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:... فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه، إنّ الله
1- الحج: 39
2- الأنفال: 65
3- الأنفال: 66
13
6
الفصل الأول: الجهاد في الإسلام
أغنى أمتي بسنابك خيلها، ومراكز رماحها.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جاهدوا تغنموا.
كتب أبو جعفر عليه السلام في رسالته إلى بعض خلفاء بني امية: ومن ذلك ما ضيع الجهاد الذي فضله الله عزَّ وجلّ على الأعمال، وفضل عامله على العمال، تفضيلا في الدرجات والمغفرة، والرحمة لأنه ظهر به الدين، وبه يدفع عن الدين، وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنّة، بيعاً مفلحاً منجحاً، اشترط عليهم فيه حفظ الحدود، وأول ذلك الدعاء إلى طاعة الله من طاعة العباد، والى عبادة الله من عبادة العباد، وإلى ولاية الله من ولاية العباد.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصة أوليائه إلى أن قال هو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديِّث1 بالصغار والقماءة2، وضرب على قلبه بالأسداد، وأديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع
1- ديث: ذلل ( الصحاح ديث 1: 282 ).
2- القماءة: الذلة ( الصحاح قمأ 1: 66 ).
14
7
الفصل الأول: الجهاد في الإسلام
النصف.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله فرض الجهاد وعظمه وجعله نصره وناصره، والله ما صلحت دنيا ولا دين إلا به.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أغزوا تورثوا أبنائكم مجداً.
عن أبي جعفر عليه السلام قال: الخير كله في السيف، وتحت السيف، وفي ظل السيف.
قال الرواي: وسمعته يقول: إن الخير كل الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة.
أقسام الجهاد
عن فضيل بن عياض قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجهاد أسنَّة هو أم فريضة ؟ فقال: الجهاد على أربعة أوجه، فجهادان فرض، وجهاد سنَّة لا تقام إلا مع الفرض، وجهاد سنَّة، فأما أحد الفرضين فمجاهدة الرجل نفسه عن معاصي الله عزَّ وجلّ وهو من أعظم الجهاد، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض، وأما الجهاد الذي هو سنَّة لا يقام إلا مع فرض فإن مجاهدة العدو فرض على جميع الأمة ولو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب وهذا
15
8
الفصل الأول: الجهاد في الإسلام
هو من عذاب الأمة، وهو سنَّة على الإمام وحده أن يأتي العدو مع الأمة فيجاهدهم، وأما الجهاد الذي هو سنَّة فكل سنَّة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال، لأنها إحياء سنّة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سنَّ سنَّةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، عن علي عليه السلام قال: من رد عن المسلمين عادية ماء أو نار أو عادية عدوٍ مكابر للمسلمين غفر الله له ذنبه.
المرابطة
عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا: الرباط ثلاثة أيام، وأكثره أربعون يوماً، فإذا جاوز ذلك فهو جهاد.
16
9
الفصل الثاني: المجاهد
صفات القائد
عن زرارة، عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال: كنت قاعداً عند أبي عبد الله عليه السلام:... إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلِّف.
عن أبي عبد الله، عن آبائه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم، ولا ينفذ في الفيء أمر الله عزَّ وجلّ، فإنَّه إن مات في ذلك المكان كان معيناً لعدونا في حبس حقنا والإشاطة بدمائنا وميتته ميتة جاهلية.
عن جعفر بن محمد عليه السلام في حديث شرائع الدين قال: والجهاد واجب مع إمام عادل ومن قتل دون ماله فهو شهيد.
فضل المجاهد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: للجنة
19
10
الفصل الثاني: المجاهد
باب يقال له: باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح، وهم متقلدون سيوفهم، والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خيول الغزاة في الدنيا خيولهم في الجنّة، وإن أردية الغزاة لسيوفهم.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني جبرئيل بأمرٍ قرّت به عيني، وفرح به قلبي، قال: يا محمّد من غزا من أمتك في سبيل الله، فأصابه قطرة من السماء، أو صداع، كتب الله له شهادة يوم القيامة.
عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أي الجهاد أفضل ؟ فقال: من عقر جواده، وأهريق دمه في سبيل الله.
عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن علي بن الحسين صلوات الله عليه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من قطرة أحبُّ إلى الله عزَّ وجلّ من قطرة دمٍ في سبيل الله.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصة أوليائه.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في حديث: ومن خرج في سبيل الله مجاهداً فله بكل خطوة سبعمائة ألف حسنة، ويمحا عنه سبعمائة ألف سيئة، ويرفع له سبعمائة ألف درجة، وكان في ضمان الله بأي حتف مات كان شهيداً، وإن رجِعَ رجع مغفوراً له مستجاباً دعاؤه.
20
11
الفصل الثاني: المجاهد
صفات المجاهد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم أم هو مباح لكل من وحد الله عزَّ وجلّ وآمن برسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عزَّ وجلّ وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيل الله ؟ فقال: ذلك لقوم لا يحلُّ إلا لهم، ولا يقوم به إلاّ من كان منهم فقلت: من أولئك ؟ فقال: من قام بشرائط الله عزَّ وجلّ في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزَّ وجلّ، ومن لم يكن قائماً بشرائط الله عزَّ وجلّ في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد والدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه بما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد، قلت: بين لي يرحمك الله، فقال: إنَّ الله عزَّ وجلّ أخبر في كتابه الدعاء إليه، ووصف الدعاة اليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضاً ويستدل ببعضها على بعض، فأخبر انه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتباع أمره، فبدأ بنفسه فقال: "وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" 1 ثم ثنى برسوله فقال: صفات المجاهد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم أم هو مباح لكل من وحد الله عزَّ وجلّ وآمن برسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عزَّ وجلّ وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيل الله ؟ فقال: ذلك لقوم لا يحلُّ إلا لهم، ولا يقوم به إلاّ من كان منهم فقلت: من أولئك ؟ فقال: من قام بشرائط الله عزَّ وجلّ في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزَّ وجلّ، ومن لم يكن قائماً بشرائط الله عزَّ وجلّ في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد والدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه بما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد، قلت: بين لي يرحمك الله، فقال: إنَّ الله عزَّ وجلّ أخبر في كتابه الدعاء إليه، ووصف الدعاة اليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضاً ويستدل ببعضها على بعض، فأخبر انه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتباع أمره، فبدأ بنفسه فقال: "وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"1 ثم ثنى برسوله فقال: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
1- يونس.: 25
21
12
الفصل الثاني: المجاهد
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"1 يعني: القرآن ولم يكن داعياً إلى الله عزَّ وجلّ من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر في كتابه الذي أمر أن لا يدعى إلا به، وقال في نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"2، يقول: تدعو، ثمّ ثلّث بالدعاء اليه بكتابه أيضا فقال تبارك وتعالى: "إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ" أي يدعو"وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ"3 ثم ذكر ن أذن له في الدعاء اليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"4 ثم أخبر عن هذه الأمة وممن هي وأنها من ذرية إبراهيم وذرية إسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط الذين وجبت لهم الدعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل من أهل المسجد الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، الذين وصفناهم قبل هذه في صفة أمة إبراهيم الذين عناهم الله تبارك وتعالى في قوله: "أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي"5، يعني: أول من اتبعه على الإيمان به والتصديق له بما جاء به من عند الله عزَّ وجلّ من الأمة التي
1- النحل: 125
2- الشورى: 52
3- الإسراء: 9
4- آل عمران: 104
5- يوسف: 108
22
13
الفصل الثاني: المجاهد
بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط، ولم يلبس إيمانه بظلم، وهو الشرك، ثم ذكر أتباع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأتباع هذه الأمة التي وصفها في كتابه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية إليه، وأذن له في الدعاء اليه، فقال: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"1، ثم وصف أتباع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من المؤمنين فقال عزَّ وجلّ: "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدً"2 الآية، وقال: "يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ"3 يعني: أولئك المؤمنين وقال "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ"4 ثم حلاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللحاق بهم إلّا من كان منهم، فقال فيما حلاهم به ووصفهم: "الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ نِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ إلى قوله: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"5 وقال في صفتهم وحليتهم أيضاً "الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ"6 وكر الآيتين ثم أخبر أنه اشترى من
1- الأنفال: 64
2- الفتح: 29
3- التحريم: 8
4- المؤمنون: 1
5- المؤمنون: ما بين الآيات 2 - 11
6- الفرقان: 68
23
14
الفصل الثاني: المجاهد
هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم "أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجنّة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ"1، ثم ذكر وفاءهم له بعهده ومبايعته فقال: "وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"2 فلما نزلت هذه الآية: "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجنّة"3 قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أرأيتك يا نبي الله الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فأنزل الله عزَّ وجلّ على رسوله "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ"4، وذكر الآية فبشر الله المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنّة وقال: التائبون من الذنوب العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئاً الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء السائحون وهم الصائمون الراكعون الساجدون وهم الذين يواظبون على الصلوات الخمس والحافظون لها والمحافظون عليها في ركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها الآمرون
1- التوبة: 111
2- التوبة: 111
3- التوبة: 111
4- التوبة: 113
24
15
الفصل الثاني: المجاهد
بالمعروف بعد ذلك، والعاملون به والناهون عن المنكر والمنتهون عنه، قال: فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنّة ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط فقال عزَّ وجلّ: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ"1... فمن كانت قد تمَّت فيه شرائط الله عزَّ وجلّ التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما أذن لهم في الجهاد... ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله عزَّ وجلّ على المؤمنين والمجاهدين: لا تجاهدوا، ولكن نقول: قد علَّمناكم ما شرط الله عزَّ وجلّ على أهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان فليصلح امرؤ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك.
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال رجل لعلي بن الحسين عليه السلام: أقبلت على الحج وتركت الجهاد فوجدت الحج أيسر عليك، والله يقول: "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم" فقال علي بن الحسين عليه السلام اقرأ ما بعدها قال فقرأ "التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ إلى قوله وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ"، قال: فقال علي بن
1- الحج:39 - 40
25
16
الفصل الثاني: المجاهد
الحسين عليه السلام إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئاً.
حق المجاهد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاثة دعوتهم مستجابة: أحدهم الغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه.
عن جعفر، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من بلَّغ رسالة غازٍ كان كمن أعتق رقبة وهو شريكه في ثواب غزوته.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من اغتاب مؤمناً غازياً أوآذاه أو خلفه في أهله بسوء نصب له يوم القيامة فيستغرق حسناته ثم يركس في النّار إذا كان الغازي في طاعة الله عزَّ وجلّ.
فضل الشهيد
قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما بال الشهيد لا يفتن في قبره؟ قال: كفى بالبارقة فوق رأسه فتنةً.
عن ابن محبوب رفعه أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب يوم الجمل إلى أن قال: فقال: أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، ليس عن الموت محيص، ومن لم يمت يقتل، وإن أفضل الموت القتل، والذي نفسي بيده، لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على فراش.
26
17
الفصل الثاني: المجاهد
عن أبي عبد الله عليه السلام: من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئاً من سيئاته.
عن زيد بن علي، عن أبيه عليه السلام عن آبائه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: للشهيد سبعُ خصال من الله: أول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب، والثانية يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، وتمسحان الغبار عن وجهه، وتقولان: مرحباً بك، ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة يكسى من كسوة الجنّة، والرابعة تبتدره خزنة الجنّة بكل ريح طيبة أيّهم يأخذه معه، والخامسة أن يرى منزله، والسادسة يقال لروحه: اسرح في الجنّة حيث شئت، والسابعة أن ينظر إلى وجه الله وأنها لراحة لكل نبي وشهيد.
عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام: إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فوق كل ذي برٍ بر حتى يقتل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر.
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن قول أمير المؤمنين عليه السلام لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش ؟ فقال: في سبيل الله.
27
18
الفصل الثالث: ساحة المعركة
الإعداد للمعركة
عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرمي سهم من سهام الإسلام.
عن عبد الله بن المغيرة رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله عزَّ وجلّ: "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ"1 قال: الرمي.
عن علي بن إسماعيل رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اركبوا وارموا وإن ترموا أحبُّ إلي من أن تركبوا، ثم قال: كلّ لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث: في تأديبه الفرس، ورميه عن قوسه، وملاعبته امرأته، فإنهنًّ حق ألا إنَّ الله عزَّ وجلّ ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنّة: عامل الخشبة والمقوى به في سبيل الله، والرامي به في سبيل الله.
1- الأنفال: 60
31
19
الفصل الثالث: ساحة المعركة
عدد المجاهدين
عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال: إنّ الله عزَّ وجلّ فرض على المؤمن في أول الأمر أن يقاتل عشرة من المشركين ليس له أن يولي وجهه عنهم، ومن ولاهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النّار، ثم حولهم عن حالهم رحمة منه لهم، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفاًً من الله عزَّ وجلّ فنسخ الرجلان العشرة.
عن الهيثم بن عبد الله الرماني قال: سألت علي بن موسى الرضا عليه السلام فقلت له: يا ابن رسول الله أخبرني عن علي بن أبي طالب عليه السلام لمَ لمْ يجاهد أعدائه خمساً وعشرين سنَّة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم جاهد في أيام ولايته ؟ فقال: لأنَّه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ترك جهاد المشركين بمكة بعد النبوة ثلاثَ عشرة سنة، وبالمدينة تسعةَ عشرَ شهراً، وذلك لقلة أعوانه عليهم، وكذلك علي عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلَّة أعوانه عليهم، فلما لم تبطل نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع تركه الجهادَ ثلاثَ عشرة سنَّة وتسعة عشر شهراً فكذلك لم تبطل إمامة علي عليه السلام مع تركه للجهاد خمساً وعشرين سنَّة إذا كانت العلة المانعة لهما واحدة.
عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم ؟ فقال: للذي سبق
32
20
الفصل الثالث: ساحة المعركة
في علم الله أن يكون، وما كان له أن يقاتلهم وليس معه إلا ثلاثة رهط من المؤمنين.
وعن أبي أسامة الشحَّام قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنهم يقولون: ما منع علياً إن كان له حق أن يقوم بحقه ؟ فقال: إن الله لم يكلف هذا أحداً إلا نبيه، فقال: "فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ"1، وقال لغيره: "إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ"2، فعلي عليه السلام لم يجد فئةً ولو وجد فئةً لقاتل.
عن عمرو بن أبي نصر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خير الرفقاء أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير العساكر أربعة آلاف، ولن تغلب عشرة آلاف من قلة.
عن فضيل بن خيثم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يهزم جيش عشرة آلاف من قلة.
عن أبي حمزة الثمالي، عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجاج وسألني عن خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مشاهده ؟ فقلت: شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدراً في ثلاثمائة وثلاثة عشر، وشهد أحداً في ستمائة، وشهد الخندق في تسعمائة فقال: عمن ؟ قلت: عن جعفر بن محمد عليه السلام، فقال: ضلَّ والله من سلك غير سبيله.
1- النساء: 84
2- الأنفال: 16
34
21
الفصل الثالث: ساحة المعركة
الحثّ على الجهاد
عن أبي صادق قال: سمعت عليا عليه السلام يحرض الناس في ثلاثة مواطن، الجمل، وصفين، ويوم النهر، يقول: عباد الله اتقوا الله وغضوا الأبصار، واخفضوا الأصوات، واقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمبارزة والمناضلة والمنابذة والمعانقة والمكادمة، وأثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين.
وفي حديث مالك بن أعين قال: حرض أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين فقال: إن الله عزَّ وجلّ قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، وتشفى بكم على الخير الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله، وجعل ثوابه مغفرة للذنب، ومساكن طيبة في جنات عدن، وقال جل وعز: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ"1.
اتخاذ شعار للمعركة
عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: شعارنا "يا محمد يا محمد"، وشعارنا يوم بدر "يا نصر الله اقترب"، وشعار المسلمين يوم أحد "يا نصر الله اقترب"، ويوم بني النضير "يا روح
1- الصف: 4
35
22
الفصل الثالث: ساحة المعركة
القدس أرح" ويوم بني قينقاع "يا ربنا لا يغلبنك"، ويوم الطائف "يا رضوان"، وشعار يوم حنين "يا بني عبد الله يا بني عبد الله" ويوم الأحزاب "حم لا يبصرون"، ويوم بني قريظة "يا سلام أسلمهم" ويوم المريسيع وهو يوم بني المصطلق "ألا إلى الله الأمر" ويوم الحديبية "ألا لعنة الله على الظالمين" ويوم خيبر يوم القموص "يا علي آتهم من عل" ويوم الفتح "نحن عباد الله حقاً حقاً" ويوم تبوك "يا أحد يا صمد" ويوم بني الملوح "أمت أمت" ويوم صفين "يا نصر الله" وشعار الحسين عليه السلام "يا محمد"، وشعارنا "يا محمد".
عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قدم ناس من مزينة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما شعاركم ؟ قالوا: حرام، قال: بل شعاركم "حلال".
قال: وروي أيضا أن شعار المسلمين يوم بدر "يا منصور أمت" وشعار يوم أحد للمهاجرين "يا بني عبد الله يا بني عبد الرحمن" والأوس "يا بني عبد الله".
اتخاذ الرايات
عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليه السلام قال: أول من قاتل إبراهيم عليه السلام حين أسرت الروم لوطاً فنفر إبراهيم عليه السلام حتى استنقذه من أيديهم إلى أن قال: وأول من اتخذ الرايات إبراهيم عليه السلام عليها "لا إله إلا الله".
35
23
الفصل الثالث: ساحة المعركة
عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث علياً عليه السلام يوم بني قريظة بالراية، وكانت سوداء تدعى العقاب وكان لواؤه أبيض.
الدعاء قبل القتال
عن أبي عبد الله عليه السلام إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا بعث سريةً دعا لها.
عن ابن القداح، عن أبيه الميمون، عن أبي عبد الله عليه السلام إن أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا أراد القتال قال هذه الدعوات: اللهم إنك أعلمت سبيلاً من سبلك جعلت فيه رضاك، وندبت إليه أوليائك، وجعلته أشرف سبلك عندك ثواباً وأكرمها لديك مآباً وأحبها إليك مسلكاً، ثم اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليك حقاً، فاجعلني ممن يشتري فيه منك نفسه، ثم وفى لك ببيعه الذي بايعك عليه غير ناكث ولا ناقض عهداً، ولا مبدل تبديلاً بل استيجاباً لمحبتك، وتقرباً به إليك، فاجعله خاتمة عملي، وصير فيه فناء عمري، وارزقني فيه لك وبه مشهداً توجب لي به منك الرضا، وتحط به عني الخطايا، وتجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة والعصاة تحت لواء الحق، وراية الهدى ماضياً على
36
24
الفصل الثالث: ساحة المعركة
نصرتهم قدماً، غير مول دبراً، ولا محدث شكاً، اللهم وأعوذ بك عند ذلك من الجبن عند موارد الأهوال، ومن الضعف عند مساورة الأبطال ومن الذنب المحبط للأعمال، فأحجم من شكّ أو أمضي بغير يقين فيكون سعيي في تباب وعملي غير مقبول.
عن كرام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أربع لأربع فواحدة للقتل والهزيمة "حسبنا الله ونعم الوكيل" يقول الله عزَّ وجلّ: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ"1، والأخرى لمكر السوء" وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ"2: يقول الله "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا"3، والثالثة للحرق والغرق: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله) وذلك إن الله يقول: "وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ"4، والرابعة للهم والغم: "لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"5 قال الله سبحانه: "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ"6.
1- آل عمران: 173 - 174
2- غافر: 44
3- غافر: 45
4- الكهف: 39
5- الأنبياء: 87
6- الأنبياء: 88
37
25
الفصل الثالث: ساحة المعركة
مشية المجاهد
روي أنَّ أبا دجانة الأنصاري اعتمّ يوم أُحد بعمامة، وأرخى عذبة العمامة بين كتفيه حتى جعل يتبختر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن هذه لمشية يبغضها الله عزَّ وجلّ إلا عند القتال في سبيل الله.
أرض المعركة
وفي حديث مالك بن أعين قال: حرض أمير المؤمنين عليه السلام الناس بصفين فقال:... فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص فقدموا الدارع، وأخروا الحاسر، وعضوا على النواجذ، فإنّه أنبى للسيوف عن الهام، والتووا على أطراف الرماح، فإنّه أمور للأسنَّة، وغضوا الأبصار فإنّه أربط للجأش، وأسكن للقلوب، أميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل، وأولى بالوقار، ولا تميلوا براياتكم ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا مع شجعانكم فإنّ المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ... واعلموا أن أهل الحفاظ هم الذين يحتفون براياتهم ويكتنفونها، ويصيرون حفافيها وورائها وأمامها، ولا يضيعونها لا يتأخرون عنها يسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها، رحم الله امرءاً واسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة، ويأتي بدناءة وكيف لا يكون كذلك وهو يقاتل الإثنين، وهذا ممسك
38
26
الفصل الثالث: ساحة المعركة
يده قد خلى قرنه على أخيه هارباً منه ينظر إليه وهذا فمن يفعله يمقته الله، فلا تتعرضوا لمقت الله فإنّ ممركم إلى الله، وقد قال الله عزَّ وجلّ: "قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا"1، وأيم الله لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيف الآجلة، فاستعينوا بالصبر والصدق، فإنَّما ينزِّل النصر بعد الصبر فجاهدوا في الله حق جهاده، ولا قوة إلا بالله.
قال: وفي كلام آخر له الإمام علي عليه السلام: ... فإن بدأوكم فانهدوا إليهم وعليكم السكينة والوقار، وعضوا على الأضراس فإنَّه أنبى للسيوف عن الهام، وغضوا الأبصار، ومدوا جباه الخيول، ووجوه الرجال، وأقلوا الكلام فانه أطرد للفشل، وأذهب للويل ووطنوا أنفسكم على المبارزة والمنازلة والمجاولة وأثبتوا واذكروا الله كثيراً، فإنّ المانع للذمار عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحفون براياتهم، ويضربون حافتيها وأمامها، وإذا حملتم فافعلوا فعل رجل واحد، وعليكم بالتحامي، فإن الحرب سجال لا يشتدن عليكم كرة بعد فرة، ولا حملة بعد جولة، ومن ألقى إليكم السلم فاقبلوا منه، واستعينوا بالصبر، فإنّ بعد الصبر النصر من الله عزَّ وجلّ إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
1- الأحزاب: 16
39
27
الفصل الثالث: ساحة المعركة
عن مفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام، وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه: إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام، واذكروا الله عزَّ وجلّ ولا تولوهم الأدبار، فتسخطوا الله تبارك وتعالى وتستوجبوا غضبه، وإذا رأيتم من إخوانكم المجروح ومن قد نُكِّل به أو من قد طمع فيه عدوكم فقوه بأنفسكم.
محمد بن الحسين الرضي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له في حضِّ أصحابه على القتال: فقدموا الدارع، وأخّروا الحاسر، وعضوا على الأضراس، فإنه أنبى للسيوف عن الهام، والتووا في أطراف الرماح فانه أمور للأسنَّة1، وغضوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب، أميتوالأصوات فانه أطرد للفشل، ورايتكم فلا تميلوها ولا تجعلوها ولا تجعلونها إلا بأيدي الشجعان منكم، فإنّ الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم يكتنفونها حفافيها وورائها وأمامها لا يتأخرون عنها فيسلموها ولا يتقدمون عليها فيفردوها، أجزأ امرؤ قرنه وآسى أخاه بنفسه، ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه، وأيم الله لو فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من
1- مار السنان: اضطرب ولم يصب هدفه، انظر ( الصحاح مور 2: 820 ).
40
28
الفصل الثالث: ساحة المعركة
سيف الآخرة، أنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم إن في الفرار موجدة الله، والذل اللازم، والعار الباقي، وإن الفار غير مزيد في عمره، ولا محجوب بينه وبين يومه، من رائح إلى الله كالظمآن يرد الماء، الجنّة تحت أطراف العوالي، اليوم تبلى الأخبار، اللهّم فإن ردّوا الحق فافضض جماعتهم، وشتت كلمتهم، وأبسلهم بخطاياهم، إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم، وضرب يفلق الهام ويطيح العظام ويبدد السواعد والأقدام وحتى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر1، ويرموا بالكتائب تقفوها الجلائب2، حتى يجر بلادهم الخميس يتلوه الخميس، وحتى تدعق الخيول3 في نواحي أرضهم وبأعنان مساربهم ومسارحهم.
عن عباد بن صهيب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما بيَّت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدواً قط ليلاً.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال، كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يقاتل حتى تزول الشمس ويقول: تفتح أبواب السماء، وتقبل الرحمة، وينزل النصر، ويقول: هو أقرب إلى الليل وأجدر أن يقل القتل ويرجع الطالب، ويفلت المنهزم.
1- المنسر: قطعة من الجيش تمر امام الجيش الكبير ( الصحاح نسر 2: 827 ).
2- اجلبوا: تجمعوا ( الصحاح جلب 1: 100 ).
3- دعقت الخيل: أكثرت الوطء (الصحاح دعق 4: 1474).
41
29
الفصل الثالث: ساحة المعركة
ضوابط جهادية
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله، لا تغلّوا ولا تمثِّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأةً ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها، وأيُّما رجلٍ من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه، واستعينوا بالله.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا بعث أميراً له على سرية أمره بتقوى الله عزَّ وجلّ في خاصة نفسه ثم في أصحابه عامةً ثم يقول: اغز بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثِّلوا ولا تقتلوا وليداً ولا متبتلاً في شاهق، ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً، ولا تحرقوا زرعاً لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم مما يؤكل لحمه إلا ما لا بد لكم من أكله.
عن الريان بن الصلت قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث جيشاً فاتهم أميراً بعث معه من ثقاته من يتجسس له خبره.
عن ربيعة وعمارة، إن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين
42
30
الفصل الثالث: ساحة المعركة
عليه السلام مشوا إليه عند تفرق الناس عنه وفرار كثير منهم إلى معاوية طلباً لما في يديه من الدنيا فقالوا: يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال، وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ومن تخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: أتامروني أن أطلب النصر بالجور لا والله لا أفعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم، والله لو كان مالهم لي لواسيت بينهم وكيف وإنما هو أموالهم.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يلقى السُّم في بلاد المشركين.
اجابة المبارز
عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن المبارزة بين الصفين بعد إذن الإمام ؟ فقال: لا بأس، ولكن لا يطلب إلا بإذن الإمام.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دعا رجلٌ بعض بني هاشم إلى البراز فأبى أن يبارزه، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما منعك أن تبارزه ؟ فقال: كان فارس العرب وخشيت أن يغلبني فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: فانه بغى عليك، ولو بارزته لغلبته ولو بغى جبل على جبل لهدِّ الباغي.
وقال أبو عبد الله عليه السلام إن الحسين بن علي عليه السلام دعا رجلا
43
31
الفصل الثالث: ساحة المعركة
إلى المبارزة فعلم به أمير المؤمنين عليه السلام فقال: لئن عدت إلى مثل هذا لأعاقبنَّك ولئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لأعاقبنَّك، أما علمت أنه بغي.
محمد بن الحسن الرضي في نهج البلاغة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: لا تدعُوَنَّ إلى مبارزة، وإن دعيت إليها فأجب فإنّ الداعي باغ، والباغي مصروع.
الخدعة في الحرب
عن إسحاق بن عمار، عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه عليهم السلام، أن علياً عليه السلام كان يقول: لإن يخطفني الطير أحبُّ إلي من أن أقول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الخندق: الحرب خدعة، ويقول: تكلموا بما أردتم.
عن عدي بن حاتم وكان مع علي عليه السلام في غزوته: أنّ علياً عليه السلام قال يوم التقى هو ومعاوية بصفين فرفع بها صوته يسمع أصحابه: والله لأقتلنَّ معاوية وأصحابه، ثمّ قال في آخر قوله: إن شاء الله، وخفض بها صوته، وكنت منه قريباً، فقلت: يا أمير المؤمنين إنك حلفت على ما قلت، ثمّ استثنيت، فما أردت بذلك ؟ فقال: إن الحربَ خدعة، وأنا عند المؤمنين غير كذوب، فأردت أن أحرِّض أصحابي عليهم كي لا يفشلوا ولكي يطمعوا فيهم، فافهم فإنك تنتفع بها بعد اليوم إن شاء الله، واعلم أن الله عزَّ وجلّ قال
44
32
الفصل الثالث: ساحة المعركة
لموسى عليه السلام حيث أرسله إلى فرعون "فَأْتِيَا قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى، ولكن ليكون ذلك أحرص لموسى على الذهاب.
محمد بن علي بن الحسين قال: من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحرب خدعة.
عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه عليهم السلام، عن علي عليه السلام أنه قال: الحرب خدعة إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوالله لإن أخرُّ من السماء أو تخطفني الطير أحبُّ إليَّ من أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا حدثتكم عني فإنما الحرب خدعة، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلغه أن بني قريظة بعثوا إلى أبي سفيان إذا التقيتم أنتم ومحمد أمددناكم وأعناكم، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فقال: إن بني قريظة بعثوا إلينا إنا إذا التقينا نحن وأبو سفيان أمدونا وأعانونا، فبلغ ذلك أبا سفيان فقال: غدرت يهود، فارتحل عنهم.
الوفاء وعدم الغدر
عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسعى بذمتهم أدناهم ؟ قال: لو أن جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين فأشرف رجل فقال: أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم وأناظره، فأعطاه أدناهم
45
33
الفصل الثالث: ساحة المعركة
الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به.
عن أبي عبد الله عليه السلام إن علياً عليه السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون، وقال: هو من المؤمنين.
عن عبد الله بن سليمان قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما من رجل أمَّن رجلاً على ذمة ثم قتله إلا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر.
عن أبي عبد الله عليه السلام: قال لو أن قوماً حاصروا مدينة فسألوها الأمان فقالوا: لا، فظنوا أنهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم، كانوا آمنين.
عن أبي عبد الله، عن أبيه عليه السلام قال: قرأت في كتاب لعلي عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أن كل غازية غزت بما يعقب بعضها بعضَها بالمعروف والقسط بين المسلمين فإنّه لا تجارُ حرمة إلا بإذن أهلها، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه وأبيه، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على عدل وسواء.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: من ائتمن رجلاً على دمه ثم خاس به فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول في النّار.
عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
46
34
الفصل الثالث: ساحة المعركة
قريتين من أهل الحرب لكل واحدة منهما ملك على حدة اقتتلوا ثم اصطلحوا، ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزوا تلك المدينة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر، ولا يقاتلوا مع الذين غدروا...
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يجيء كل غادر بإمام يوم القيامة مائلاً شدقه حتى يدخل النّار.
عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة: أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس إلا أن لكل غدرة فجرة، ولكل فجرة كفرة، ألا وإن الغدر والفجور والخيانة في النّار.
عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يقتل الرسل ولا الرهن.
حكم الأسرى
عن علي بن الحسين عليه السلام في حديث قال: إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي ولم يكن معك محمل فأرسله ولا تقتله، فانك لا تدري ما حكم الإمام فيه، وقال: الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه وصار فيئاً.
عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن ميمون قال: أتي علي
47
35
الفصل الثالث: ساحة المعركة
بأسير يوم صفين فبايعه، فقال علي عليه السلام: لا أقتلك إني أخاف الله رب العالمين، فخلى سبيله وأعطاه سلبه الذي جاء به.
عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إطعام الأسير حقٌّ على من أسره، وان كان يراد من الغد قتله، فانه ينبغي أن يطعم ويسقى ويرفق به كافراً كان أو غيره.
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزَّ وجلّ: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"1، قال: هو الأسير، وقال: الأسير يطعم وإن كان يقدم للقتل، وقال: إن عليا عليه السلام كان يطعم من خلد في السجن من بيت مال المسلمين.
عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه عليهم السلام، قال: قال علي عليه السلام: إطعام الأسير والإحسان إليه حقّ واجب وإن قتلته من الغد.
حكم الغنيمة
عن حفص بن غياث قال: كتب إلي بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل من السيرة فسألته وكتبت بها إليه، فكان فيما سألت أخبرني عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمةً ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام ولم
1- الإنسان: 8
49
36
الفصل الثالث: ساحة المعركة
يلقوا عدواً حتى خرجوا إلى دار الإسلام هل يشاركونهم فيها ؟ قال: نعم.
عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن علي عليهم السلام في الرجل يأتي القوم وقد غنموا ولم يكن ممن شهد القتال، قال: فقال: هؤلاء المحرومون فأمر أن يقسم لهم.
عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنَّه سأله عن سرية كانوا في سفينة (فقاتلوا وغنموا وفيهم من معه الفرس وإنما قاتلوهم في السفينة)، ولم يركب صاحب الفرس فرسه كيف تقسم الغنيمة بينهم؟ فقال: للفارس سهمان، وللراجل سهم، قلت: ولم يركبوا ولم يقاتلوا على أفراسهم، قال: أرأيت لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف أقسم بينهم؟ ألم أجعل للفارس سهمين وللراجل سهماً وهم الذين غنموا دون الفرسان ؟ قلت: فهل يجوز للإمام أن ينفل ؟ فقال له: أن ينفل قبل القتال، فأما بعد القتال والغنيمة فلا يجوز ذلك لأن الغنيمة قد أحرزت.
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجعل للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهماً.
عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما ولي علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أما إنّي
49
37
الفصل الثالث: ساحة المعركة
والله ما أرزأكم من فيئكم هذا درهماً ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم ؟ قال: فقام إليه عقيل كرم الله وجهه فقال: فتجعلني وأسود في المدينة سواء ؟ فقال: اجلس ما كان ههنا أحد يتكلم غيرك، وما فضلك عليه إلا بسابقة أو تقوى. عن أبي مخنف الأزدي قال أتى أمير المؤمنين عليه السلام رهط من الشيعة فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء والأشراف وفضلتهم علينا حتى إذا استوسقت الأمور عدت إلى أفضل ما عودك الله من القسم بالسوية والعدل في الرعية، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمروني ويحكم أن اطلب النصر بالظلم والجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام ؟ لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير وما رأيت في السماء نجماً، والله لو كانت أموالهم ملكي لساويت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم.
50
38
الفصل الرابع: الانهزام والتراجع
الفرار من الزحف
محمد بن يعقوب، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: وليعلم المنهزم بأنَّه مسخطٌ ربه، وموبق نفسه، وأنَّ في الفرار موجدةً الله، والذل اللازم، والعار الباقي، وإنَّ الفار لغير مزيدٍ في عمره، ولا محجوزٍ بينه وبينَ يومِه، ولا يرضي ربَّه، ولموت الرجل محقّاً قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها، والإقرار عليها.
عن محمد بن سنان، أنّ أبا الحسن الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: حرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة، وترك نصرتهم على الأعداء والعقوبة لهم على ترك ما دعوا إليه من الإقرار بالربوبية، وإظهار العدل، وترك الجور وإماتة الفساد، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين، وما يكون في ذلك من السبي والقتل وإبطال دين الله عزَّ وجلّ وغيره من الفساد.
53
39
الفصل الرابع: الانهزام والتراجع
الاستسلام للعدو
عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لمَّا بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببراءة مع علي عليه السلام بعث معه أناساً، وقال: من استأسر من غير جراحة مثقلة فليس منّا.
عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: من استأسر من غير جراحة مثقلة فلا يفدى من بيت المال، ولكن يفدى من ماله إن أحبَّ أهلُه.
عن الإمام جعفر الصادق، عن أبيه، عن آبائه عليه السلام قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالراية وبعث معها ناساً فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من استأسر بغير جراحة مثقلة فليس منِّي.
54
40