آيات الجهاد – تفسير مبسّط ومختصر لآيات الجهاد في القرآن الكريم


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-12

النسخة: 2013


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 مقدّمة

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾1
 
نزل القرآن الكريم من خزانة الغيب على القلب النوراني للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم رحمةً للعالمين، وجرى منذ ذلك الحين على ساحة عالم الوجود ليرتوي من فيض معينه ومعنويّاته وهدايته عطشى طلّاب الحقيقة، ولينشئوا على أساسه حياتهم الجديدة التي أسماها القرآن نفسه بـ "الحياة الطيبة".
 
نحمد الله تعالى الذي أعزّنا بنعمة الإسلام، وجعل من نصيبنا شرف النهل من بحر معارف القرآن الذي لا يحدّ ولا ينضب. ولكن كما لا يخفى فإنّ الاستفادة الصحيحة والفُضلى من كتاب الله العزيز تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام بكتابه تعالى قراءةً وتفكّراً وتدبّراً لكي تتحقّق الفائدة المرجوّة. ومن هذا المنطلق كان حريّاَ بمن نالوا شرف الذود عن الدِّين المقدّس والدّفاع عن بلاد المسلمين وأعراضهم ومقدّساتهم، ولأجل اكتساب المزيد من



1- سورة الإسراء، الآية: 9.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5
 

1

المقدمة

 الاستعدادات لمواجهة التهديدات الثقافية والفكريّة، والتعرّف أكثر فأكثر على هذا الذخر الثمين والحصن المنيع والعمل به.


انطلاقاً من ذلك، اخترنا هذا الكتاب "آيات الجهاد" وقمنا بإخراجه بهذه الحلّة، وهو يتناول مجموعة من الآيات القرآنية التي محورها الجهاد في سبيل الله منذ تشريعه والحضّ عليه، إلى الآيات التي تتحدّث عن أوضاع المعارك والمجاهدين وأحكام الجهاد وغير ذلك، مع شرح مبسّط للمفردات، وتفسير مبسّط ومختصر للآيات، ومن ثم استخراج الأصول والعبر المستفادة من الآيات بالاعتماد على أهم التفاسير المعتبرة.

وفي الختام لا يسعنا إلا أن نشكر كل من ساهم في إخراج هذا الكتاب في صورته الحالية.

مركز نون للتأليف والترجمة

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

الفصل الأول: الجهاد في الأمم السابقة

 الفصل الأول: الجهاد في الأمم السابقة

 
قال الله تعالى:
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾1.
 
شرح المفردات:
﴿رِبِّيُّونَ﴾: فيها أقوال: الربيون جمع ربي، وهو كالرباني من أختص بربه، فلم يشتغل بغيره، ومنها أنّهم جموع كثيرة.
﴿وَهَنُواْ﴾: من الوهن أي الضعف، والضعف نقصان القوّة.
﴿اسْتَكَانُواْ﴾: خضعوا للعدو.
 
الإشارات والمضامين:
1 - القتال والجهاد في الشرائع السابقة: يُستفاد من الآية أنّ الجهاد، - فضلاً عن وجوده في الإسلام -، وُجد أيضاً في الشرائع السابقة، لأنّ كلمة ﴿كَأَيِّن﴾، تدلّ على أنّ الكثير من الأنبياء السابقين وأتباعهم كانوا يجاهدون الأعداء في



1 سورة آل عمران، الآية 146.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

الفصل الأول: الجهاد في الأمم السابقة

 سبيل الله.

 
2- دور أنبياء الله في الجهاد: بالنظر إلى كلمة ﴿مَعَهُ﴾، يُستفاد أنّ مجاهدي الأمم السابقة كانوا يشاركون في الحروب إمّا مع أنبياء الله، وإمّا تحت إشرافهم1.
 
3- خصائص المقاتل النموذجي في ساحة الحرب: المقاتل البصير لا يضعف على مستوى الروحية الداخلية ﴿وَمَا ضَعُفُواْ﴾، ولا يتقاعس عن القتال ﴿فَمَا وَهَنُواْ﴾، ولا خضعوا، ولا يستسلم، تحت الضغوط ﴿وَمَا ضَعُفُواْ﴾2.
 
4- وجوب الاقتداء بمجاهدي الأمم السابقة: عدَّدَ الله تعالى مواصفات أتباع الأنبياء السابقين حتى يعتبر المسلمون بها، ولا يُبتلوا مرةً أخرى بما أُصيبوا به في معركة أُحُد3.
 
5- التشجيع على الثبات في الحرب: من يصبر على تحمّل الشدائد في الحروب، ويثبت ولا يُظهر العجز، والضعف، والهوان، ولا يخضع للعدو أو يستسلم، فإن الله يحبه. ومن البديهي أن الله تعالى يحب مثل هؤلاء الأشخاص الذين يثبتون ويصبرون في القتال ﴿وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ﴾4.
  



1 الشيرازي، محمد الحسيني، تقريب القرآن إلى الأذهان، لبنان، بيروت، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، ج 1، ط 1، 2003م، ص 401.
2 م. ن، ج 1، ص 401.
3 الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، قم، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، (د، ن)، ج 4، (د، ت)، ص 42.
4 الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، (د.م)، (د,ت)، ج 2، (د,ت)، ص 744.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

الفصل الأول: الجهاد في الأمم السابقة

 قال الله تعالى:

﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾1.
 
مضمون: هذه الآية تكملة لمضمون الآية السابقة التي تحدّثت عن جهاد الربّيِّين، أي الربانيين (رجال الله).
 
الإشارات والمضامين:
1- لزوم الاقتداء بمجاهدي الأمم السابقة: يريد الله تعالى من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند مواجهة الأعداء، أن يقولوا مقالة الربيين (رجال الله)2، بدل قولهم قولاً يدلّ على الضعف فيطمع الأعداء فيهم، وهي عبارة عن الدعاء والتضرّع في محضر الله، وطلب العفو، وتثبيت الأقدام، والانتصار على الكفّار.
 
2- تقدّم التوبة والاستغفار على طلب النصر من الله: في الآية طلب الربيون من الله تعالى غفران ذنوبهم أولاً، ومن ثم تثبيت أقدامهم، والنصر على القوم الكافرين، وهذا يعني أنّ التوبة والاستغفار مُقَدَّمَان على طلب النصر.
  



1 سورة آل عمران، الآية: 147.
2 الطبرسي، تفسير مجمع البيان، لبنان، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ج 2، ط 1، 1995م، ص 412.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

الفصل الأول: الجهاد في الأمم السابقة

 3- الدور البنّاء للدعاء في ساحة القتال: لا شك أنّ الدعاء والتوجّه إلى الله من العوامل التي تزيد في ثبات المجاهدين، وثبات إرادتهم، وزيادة قدرتهم على تحمّل مصاعب الحرب، ومن هنا قال علماء الأخلاق بأنّ المؤمنين أثبت من غير المؤمنين في الحرب1، ويبيّن الله تعالى في هذه الآية المباركة للمجاهدين كيفية الدعاء عند الشدائد سواء في القتال أو في المواقع الأخرى.

 
4- ساحة المعركة ميدان التزكية وبناء الذات: يُفهم من هذه الآية أنّ الذين تربّوا في مدرسة الأنبياء، عندما يواجهون الأعداء (الجهاد الأصغر)، لا ينسون جهاد النفس (الجهاد الأكبر).



1 الشيرازي، تقريب القرآن إلى الأذهان، ج 1، ص 401.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

6

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

 الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

 
قال الله تعالى:
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾1.
 
سبب النزول:
كان المشركون يؤذون المسلمين (في مكّة)، وكان المسلمون يأتون مراراً مضروبين، ومجروحين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يشكون من ذلك، فيقول رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: "عليكم بالصبر، فإنّي لم أؤمر بعد بالقتال"، وبعد هجرته إلى المدينة أنزل الله عليه هذه الآية، وهي أوّل آية نزلت في القتال2.
 
الإشارات والمضامين:
1- تشريع الجهاد: هذه الآية شرَّعت الجهاد، وأذِنت للمسلمين بالقتال، فالمراد بقوله: ﴿أُذِنَ﴾، الإذن بالجهاد، وجملة ﴿لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ بدل قوله: (الذين آمنوا)، يدلّ على
  



1 سورة الحج، الآية: 39.
2 تفسير مجمع البيان,ج 7,ص 138.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

7

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

 أنّ المأذون فيه هو القتال (ضد المشركين)1.

 
2- ابتداء المشركين القتال ضد المسلمين: إنّ الفعل في جملة ﴿لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ مبنيّ للمجهول، فيدلّ على أنّ المشركين هم الذين أرادوا الحرب، وهم شرعوا بإيقاد شعلتها2.
 
3- علّة تشريع الجهاد ظلم المشركين للمسلمين: الباء في ﴿بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ للسببية، وفيه تعليل الإذن بالقتال، أي أُذِن لهم بالقتال لأنّهم ظُلِموا، والآية التي تليها ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ...﴾3 تفسّر ماهيَّة (حقيقة) هذا الظلم4.
 
قال الله تعالى:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾5.
 
الإشارات والمضامين:
1- وجوب الدفاع والجهاد على المؤمنين كافّة: عبارة ﴿كُتِبَ 
  



1 تفسير الميزان,ج 14, ص 384. النص كما ورد في كتاب الميزان: "ظاهر السياق أنّ المراد بقوله: ﴿أُذِنَ﴾ إنشاء الإذن لا الإخبار عن إذن سابق كذلك إيراد جملة: ﴿لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ بدل قوله: (الذين آمنوا)، يدلّ على أنّ المأذون فيه هو القتال (مع المشركين)".
2 م. ن، ج 14، ص 384.
3 سورة الحج، الآية: 40.
4 م. ن,ج 14, ص 384.
5 سورة البقرة، الآية: 216.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

8

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

 عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾، أوجبت القتال، والآية تخاطب المؤمنين كافّة، فالجهاد والدفاع واجب عليهم كافّة إلا من استُثني لدليل معتبر كالمريض، والأعمى، والجريح1 و...، وقد أجمع المفسِّرون على أنّ هذه الآية دالّة على الوجوب الكفائي للجهاد، فإذا تخلّف الناس عنه أَثِمُوا جميعاً، وإن قام به من يكتفى بهم سقط عن الباقين2.

 
2- معنى كُره المؤمنين للجهاد: من الواضح أنّ الجهاد تكليف إلهي، وأما في كونه مشقّة وكرهاً للمؤمنين، فهذا فيه أكثر من تفسير:
الأول: إنَّ في الجهاد مشقّة للمؤمنين، ولهذا لا رغبة لهم فيه، ولكنّ كراهتهم له كراهة طِبَاع وليس على وجه السخط، لأنّ الشيء قد يكون مكروهاً عند الإنسان في طبعه، ونفسه تنفر منه، ولكنّه يقوم به لأنّ الله تعالى أمره بذلك كالصوم في الصيف3.
 
الثاني: القتال متضمّن لفناء النفوس، وتعب الأبدان، والإضرار بالمال، وانعدام الأمن والرفاهية، وبالتالي كان كرهاً وشاقّاً لبعض المؤمنين بالطبع.
  



1 تفسير الميزان, ج 2، ص 164.النص كما ورد في كتاب الميزان: "عبارة ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال﴾ ظاهرة في الوجوب وبما أنّ المخاطَب في هذه الآية المؤمنون كافّة، فالجهاد والدفاع واجب عليهم كافّة، إلا من استُثني لدليل معتبر مثل قوله تعالى:﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾".
2  تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 549.
3 م. ن، ج 1 – 2، ص 549.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

9

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

 الثالث: إنَّ المؤمنين في صدر الإسلام كانوا يرون أنّ القتال مع الكفّار، - مع ما لهم من العدّة والقوّة -، ليس فيه صلاح الإسلام والمسلمين، وأنّ الحزم إنّما هو في تأخيره حتى يتمّ لهم الاستعداد المطلوب.

 
الرابع: إنَّ المؤمنين لكونهم متربّين بتربية القرآن، كان فيهم خُلُق الشّفقة على خَلْق الله، وملكة الرحمة والرأفة، فكانوا يكرهون القتال مع الكفّار، لكونه مؤدّياً إلى فناء نفوسهم في معاركهم مع الكفر، ولم يكونوا راضين بذلك، بل كانوا يحبّون أن يداروهم، ويُخالطوهم بالعشرة الجميلة، والدعوة الحسنة لعلّهم يُرشدون بذلك1.
 
3- مصلحة الجهاد ومفسدة تركه للمؤمنين: حيث إنّ الجهاد ينطوي على ﴿إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾: إمّا النصر والغنيمة وإما الشهادة والجنّة، فهو منشأ الخيرات للمسلمين، وفي أدائه مصلحة. وبما أنّ في تركه ذلّاً وحرماناً من الغنيمة، والثواب الأخروي، ففي تركه مفسدة لهم2، ولأنّ المؤمنين كانوا كارهين للحرب، محبِّين للصّلح والسّلم، أراد الله تخطئتهم في الأمرين معاً، وبيان أنّ ملاك المصلحة والمفسدة ليس بحسب رغبتهم وكراهتهم، فأورد كلمة (عسى) في الجملتين المستقلتين3 للدلالة على ذلك.
 
4- ترغيب المؤمنين بالجهاد: في الآية ترغيب للمؤمنين
  



1 تفسير الميزان، ج 2، ص 164-165.
2 تفسير مجمع الميزان، ج 1-2، ص 549.
3 م. ن، ج 2، ص 166.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

10

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

 بالجهاد، لأنّهم إذا ما عرفوا قصور علمهم، وكمال علم الله تعالى بالمصالح والمفاسد الحقيقية لهم، وعلموا أنّه سبحانه لا يأمر العبد إلاّ بما فيه خيره ومصلحته، وجب عليهم الامتثال لما أمرهم الله تعالى به، سواء أكان مكروهاً للطبع أو لم يكن1.

 
قال الله تعالى:
﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾2.
 
أسباب النزول:
ذهب بعض المفسِّرين إلى أنّ هذه الآية نزلت في صلح الحديبية، وذهب بعضهم إلى أنّها أول آية نزلت في الجهاد3.
 
الإشارات والمضامين:
1- وجوب الدفاع: ﴿َقَاتِلُواْ﴾ فعل أمر دال على الوجوب، والمراد من عبارة ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾، الذين حالهم القتال مع المؤمنين من مشركي مكة، والمراد بآية ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾، القتال: محاولة الرجل قتل من يحاول قتله، فهو
  



1 تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 166..
2 سورة البقرة، الآية 190.
3 تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 509-510، والتفسير الكبير، ج 5، ص 127-128.




 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

11

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

 عبادة يقصد بها وجه الله1.

 
2- تشريع الجهاد: بناءً على ظاهر الآية، فالمراد من ﴿يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ بيان حال ووصف العدو، وهذا حال من كان من المشركين في مكّة يقاتل المسلمين، وبالتالي أُذن للمسلمين بالقتال كما في آية ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا...﴾2 سواء أكان بعنوان الدفاع عن المسلمين، أو عن بيضة الإسلام، أو كان القتال قتالاً ابتدائياً، فالكل بالحقيقة دفاع وجهاد ضد المشركين3 وعليه: فسياق هذه الآية مطابق لسياق الآية 39 من سورة الحج ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا...﴾ وفيه دلالة على الإذن الابتدائي بالجهاد ضد المشركين4.
 
3- قيمة الجهاد والدفاع كونه في سبيل الله: ﴿فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ قيد يُبيِّن أنّ هدف المجاهد المؤمن من الجهاد والدفاع هو إقامة الدين، وإعلاء كلمة التوحيد، ومثل هذه الحرب هي عبادة ويجب أن تُخاض بنيّة كسب الرضا الإلهي والتقرّب من الله تعالى، وليس الاستيلاء على أموال الناس وأعراضهم5.
 
4- الطبيعة الدفاعية للحرب في الإسلام: يستفاد من هذه الآية أنّ الحرب في الإسلام لها بُعدٌ دفاعي، فيقرّ الإسلام مبدأ 
  



1 تفسير الميزان، ج 2، ص 59.
2 سورة الحج، الآية: 39.
3  م، س، ج 2، ص 66.
4  تفسير الميزان، ج2، ص 60.
5 م. ن، ج2، ص 59.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

12

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

 الدفاع عن الحقّ المشروع للبشر عن طريق الحرب والجهاد، وهذا الحقّ تعترف به الفطرة الإنسانية لكل الناس1 وهو الحقّ بالعيش بحرية وكرامة.

 
5- النهي عن البدء بالقتال: الآية تأمر بالقتال ضد الذين يقاتلون، وهذا بيان عن النهي عن البدء بالقتال قبل بدئهم به2 كما أنّ عبارة ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾ تعني لا تعتدوا بقتال من لم يبدأكم بقتال3.
 
6- النهي عن قتال غير المحاربين: هذه الآية تأمر المسلمين بقتال من يقاتلهم فقط، والنهي في ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾ عن الاعتداء وهو الخروج عن الحد، يُقال: عدا، واعتدى إذا جاوز حده، وتعدي الحد يكون بالقتال قبل دعوته إلى الحق، أو الابتداء بالقتال، أو قتل النساء والأطفال، أو عدم الانتهاء إلى العدو...4.
 
7- وجوب الالتزام بكلّ مقررات وقوانين الجهاد والدفاع: النهي عن الاعتداء شامل، ويضمّ كلّ ما يصدق عليه أنّه اعتداء، كما هو ظاهر في العنوان السابق مما بيّنته السنة النبوية5


 

1 م. س، ج 2، ص 59.
2 تفسير راهنما، ج1، ص 474.
3 تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 510.
4 تفسير الميزان، ج 2، ص 61.
5 م. ن، ج 2،ص 61.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

13

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

 وعليه، فالنهي في عبارة ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾ فيه دلالة على وجوب الالتزام بكلّ قوانين ومقرّرات الجهاد حتى فيما لو تم أسر العدو، أو سقوطه جريحاً في أرض المعركة...، مما أوضحه آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما كانوا يوصون به من وصايا في الحرب حتى شملت حقوق العدو في الحرب1.




1 تفسير راهنما، ج 1، ص 474.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

14

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

 الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

 
قال الله تعالى:
﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾1.
 
هذه الآية وبعض سابقاتها تشير إلى أحداث معركة طالوت، أول ملوك بني إسرائيل، مع جالوت، وهو جبّار من القبط سلّطه الله على بني إسرائيل بعد أن رفضوا طاعة نبيّهم، وعملوا المعاصي، وغيّروا دين الله - وفي هذه الحرب انتصر جيش طالوت الصغير، - ولكنه كان صاحب همّة -، على جيش جالوت الجرّار بإذن الله، وقُتِل فيها جالوت على يد داود الشاب، الذي كان في عداد جيش طالوت.
 
الإشارات والمضامين:
1- هزيمة الكفّار وانتصار المؤمنين متعلّقان بالإذن الإلهي:
 



1 سورة البقرة، الآية 251.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

15

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

 وتعني الآية أنّ هزيمة أتباع جالوت وكذلك انتصار أتباع طالوت تحقّقا بإذن الله1، وكأن الله أراد أن يظهر قدرته في المورد حيث إنّ الملك العظيم، والجيش الجرار لطالوت لم يستطيعا الوقوف أمام شاب مراهق مسلح بسلاح ابتدائي، ويقاتل في جيش صغير وقليل العدد2.

 
2- حضور الشباب ودورهم في القتال: روى علي بن إبراهيم القمّي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله أوحى إلى نبيهم (بني إسرائيل)، أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى، وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب، واسمه داود بن إيشا،- وكان إيشا راعياً، وكان له عشرة بنين أصغرهم داود-، فلمّا بعث الله طالوت إلى بني إسرائيل، وجمعهم لحرب جالوت، بعث إلى إيشا بأن أحضر وُلْدك، فلما حضروا دعا واحداً واحداً من ولده، فألبسه درع موسى، فمنهم من طالت عليه، ومنهم من قصرت عنه، فقال لإيشا: هل خلّفت من ولدك أحداً؟ قال: نعم أصغرهم، تركته في الغنم يرعاها، فبعث إليه، فجاء به، فلما دُعي أقبل ومعه مقلاع... وكان داود شديد البطش، شجاعاً، قوياً في بدنه، فلما جاء إلى طالوت، ألبسه درع موسى، فاستوت عليه، قال: فجاء داود فوقف بجانب 
 


1 تفسير راهنما، ج2، ص 195.
2 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 2، ص 229.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

16

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

 جالوت، وكان جالوت على الفيل وعلى رأسه التاج، وفي جبهته ياقوتة تلمع نوراً، وجنوده بين يديه فأخذ داود حجراً فرمى به في ميمنة جالوت، ووقع عليهم، فانهزموا، وأخذ حجراً آخر فرمى به في ميسرة جالوت، فانهزموا، ورمى بالثالث إلى جالوت فأصاب موضع الياقوتة في جبهته، ووصلت إلى دماغه، ووقع إلى الأرض ميتاً"1 هذه الرواية تُظهر دور داوود الشاب، - الذي وصل لاحقاً إلى الملك والنبوة -، في الحرب وهزيمة العدو.

 
3- أثر استهداف قيادة العدو في تحقيق النصر: يمكننا أن نفهم من جملة ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾، أنّ استهداف قيادة العدو يساهم بشكل كبير في تحقيق النصر2.
 
4- فلسفة الجهاد والدفاع: إن فلسفة الجهاد في الإسلام الوقاية من الفساد والإفساد.
 
والمراد من الفساد في الأرض، الفساد في المجتمع الإنساني، وذلك بأن يقوم فرد أو جماعة بالإضرار الآخرين وبمصالحهم، أو العمل ضد مقررات الشريعة السماوية، أو الاعتداء على الأعراض، وسلب الأموال بغير وجه حق، والاعتداء والاستيلاء على أراضي الآخرين وتخريب مجتمعاتهم، ولهذا شرّع الله
 



1 تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 620.
2 تفسير راهنما، ج 2، ص 195.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

17

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

 الجهاد دفاعاً عن كل ذلك1، بهدف الأمر بالمعروف وكل ما يفيد المجتمعات، والنهي عن المنكر وكل ما يوجب إضراراً بالآخرين وبمجتمعاتهم.

 
5- قانون الدفاع، تَفضُّل إلهي: الدفاع مقابل المعتدي وإسقاط الظالم تفضُّلٌ من الله تعالى2.
 
قال الله تعالى:
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾3.
 
توضيح المعاني:
﴿صَوَامِعُ﴾: أمكان العبادة عند اليهود، والمسيحيين، والمسلمين.
 
الإشارات والمضامين:
1- إخراج المسلمين من مكّة وظلم المشركين لهم: تبيّن 
 



1  تفسير الميزان، ج 2، ص 293 - 294.
2 تفسير نور، ج 1، ص 497.
3 سورة الحج، الآيتان: 39-40.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

18

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

 هذه الآية السبب الذي أدّى إلى تشريع الجهاد ضد الكفّار والمشركين، من خلال ذكر أحد مصاديق هذا التشريع في مقطع زمني معيّن زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث إنّ المشركين أخرجوا المسلمين الأوائل من ديارهم بمكّة بغير حقّ، وآذوهم وبالغوا في إيذائهم، وتشدّدوا في تعذيبهم حتى دفعوهم إلى الهجرة من مكّة، والتغرّب عن الوطن، وترك بعضهم الديار إلى الحبشة، وآخرون إلى المدينة بما عُرف بهجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم1.

 
2- حماية المعابد والمراكز الدينية: لولا الوجود الدائم للفئة المؤمنة ووقوفها في وجه المفسدين ومنهم المشركين والمستكبرين على مرّ الزمن، لتمّ تخريب بيوت الله تعالى (الصوامع، والكنس، والكنائس، والمساجد) التي يُذكر فيها اسم الله كثيراً2.
 
3- الوعد الإلهي القاطع بنصرة المجاهدين: في هذه الآية قَسَمٌ مع تأكيد بالغ على نصر الله تعالى من ينصره بالقتال دفاعاً عن الدين الإلهي، والمعنى: "أقسم لينصرنّ الله من ينصره بالدفاع عن دينه، إنّ الله لقوي لا يضعفه أحد ولا يمنعه شيء عمّا أراد"3.
 



1  تفسير الميزان، ج 14، ص 384.
2 تفسير الميزان، ج 14، ص 595.
3 م. ن، ج 14، ص 386.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

19

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

 4- حكم الدفاع في الشرائع السابقة: يُستفاد من الآية وجود حكم الدفاع في الشرائع السابقة بشكل عام وإن لم تُبيَّن كيفيته1.

 
قال الله تعالى:
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾2.
 
من أهم فلسفة تشريع الجهاد في الإسلام، امتحان المؤمنين، ومعرفة المجاهدين منهم والصابرين، والدليل على ذلك قوله تعالى:﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾3، وقوله تعالى و﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾4.
 
الإشارات والمضامين:
1- الابتلاء للتمييز بين مدعي الإيمان والمؤمن الحقيقي: فقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ...﴾، أي حسبتم أن الجنة مكتوبة 
 



1 م. س، ج 14، ص 386.
2 سورة آل عمران، الآية 142.
3 سورة التوبة، الآية 16.
4 سورة محمد، الآية 31.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

20

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

 لكم، وأنكم لا تبتلون بالغلبة عليكم لمجرد كونكم إلى جانب الحق. نعم، الحق لا يغلبه شيء واقعاً، ولكن كونكم منحازين إلى جانب الحق، لا يعني أنكم سوف تكونون الغالبين دائماً، وأنكم لن تنهزموا، فلا ملازمة واقعية بين القضيتين، وادعاء الملازمة بينهما هو ظن خاطئ، فقد تبتلون، وفيما أنتم فيه قد تبتلون بالهزيمة، ليميز الله الخبيث من الطيب، وصاحب الإيمان الظاهري عن الإيمان الحقيقي، لأن الجنة هي لمن يستحقها، والدرجات الرفيعة هي للمجاهدين والصابرين حقيقة، فلا يستوي من وقف إلى جانب الحق وانهزم في أرض المعركة مع من وقف إلى جانب الحق وصمد في أرض المعركة وخصوصاً مع النبيصلى الله عليه وآله وسلم يوم أُحُدُ1.

 
2- الجهاد ساحة اختبار لمعرفة المجاهدين الصابرين: نَصْبُ الفعل "يعلم" بأداة النصب "أن المقدّرة" دلالة على أنّ الواو في ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ هي حرف عطف وهذا يعني أنّ معيار اختبار أهل الإيمان هو الجهاد المتلازم مع الصبر2، ثمّ إن امتحان الجهاد هو من أجل أن يُعرف المجاهد الصابر في أهل الأرض، وليس أن الله أراد معرفته، لأنّ الله يعلم كل شيء قبل وقوعه.
 
3- الجهاد المتلازم مع الثبات معبر الدخول إلى الجنة:
 



1 تفسير الميزان، ج4، ص 30. بتصرف.
2 التفسير الكبير، ج 9، ص 19.
.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

21

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

  "أم حسبتم" معناه: "أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة بلا جهاد متلازم مع الصبر"1؟، وعليه: فإنّ الله تعالى ينفي الظنّ وافتراض دخول الجنة بلا جهاد وصبر، ومعناه أنّ الجهاد المتلازم مع الصبر هو الطريق للوصول إلى الجنّة.

 


1  تفسير مجمع البيان، ج 5، ص 846.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

22

الفصل الرابع: أهداف الجهاد

 الفصل الرابع: أهداف الجهاد

 
قال الله تعالى:
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾1.
 
توضيح المعاني:
﴿فِتْنَةٌ﴾: هنا بمعنى الشرك بالله.
﴿الدِّينُ﴾: الإذعان والطاعة والعبادة .
 
الإشارات والمضامين:
1- من أهداف الجهاد القضاء على الشرك وعبادة الأصنام: الآية المتقدمة نظيرة لقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ... وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾2، في الآية دلالة على وجوب الدعوة قبل القتال، فإن قبلت، فلا قتال، وإن ردّت فلا 
 



1 سورة البقرة، الآية 193.
2 سورة الأنفال، الآيتان 39 – 40.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

23

الفصل الرابع: أهداف الجهاد

 ولاية إلا الله، والقتال إنما هو ليكون الدين لله. والمراد (بالفتنة): الشرك، وعبادة الأصنام، وهو ما كان مشركو مكة يفعلونه، ويكرهون غيرهم على فعله. والآية خاصة بالمشركين وغير شاملة لأهل الكتاب، إذ المراد (ويكون دين الله) هو أن لا يعبد الأصنام ويقر بالتوحيد، وأهل الكتاب مقرون به وإن كان كفرهم من جهة أخرى وهي ﴿وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ﴾، وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أن المراد من الفتنة في هذه الآية، الشرك1.

 
2- من أهداف الجهاد حاكمية دين الإسلام: من الأهداف الأخرى للجهاد مع الكافرين والمشركين، ظهور الإسلام على بقية الأديان2.
 
3- "قبول الإسلام" أحد طرق "إنهاء القتال": كلمة "انتهوا" متعلِّقة بالفتنة والشرك. وعليه فمعنى الآية: إذا انتهى الكفّار عن الكفر والشرك، وآمنوا مثلكم، فلا تقاتلوهم.
 
وعبارة ﴿فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، تعني أنه إذا امتنعوا عن الكفر الذي هو أعظم ظلم للنفس فضلاً عن الغير، وأذعنوا للإسلام، فلا يعودوا ظالمين، ولأنّ القتال واجب مع الظالمين، فلا تقاتلوهم إن أذعنوا. والمراد من العدوان الشروع في القتال3.
 



1 تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 513.
2 تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 513 و تفسير راهنما، ج 1، ص 480.
3 تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 513.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

24

الفصل الرابع: أهداف الجهاد

 4- القتال في الإسلام هو مقابل الظالمين فقط: إذا كان المراد من العدوان القتال، فيستفاد من الحصر في الآية أن القتال في الإسلام هو فقط ضد الظالمين ولدفع الظلم، وعلى المسلمين الاصطفاف مقابل الظالمين.

 
قال الله تعالى:
﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾1.
 
الإشارات والمضامين:
1- وجوب الجهاد لتخليص المستضعفين من أيدي الظالمين: كلمة ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ معطوفة على لفظة الجلالة "الله"2، والمراد من القتال في سبيل المستضعفين، - بقرينة بقية الآية -، القتال لتخليصهم من براثن الظالمين.
 
وجملة ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ...﴾، الآية تحثّ وتستنهض المؤمنين للجهاد في سبيل الله3، ومعناها: إنّ موجبات الحرب قد توفّرت بسبب معاناة المستضعفين على أيدي الظالمين الذين هاجوا
 



1 سورة النساء، الآية 75.
2 تفسير الميزان، ج3، ص 470.
3 تفسير الميزان، ج 4، ص 415.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

25

الفصل الرابع: أهداف الجهاد

 على المؤمنين من كل جانب وخصوصاً زمن إقامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة لإطفاء نور الله، وما ارتفع من بنيان الدين، وبالتالي لا عذر لكم في ترك الجهاد1.

 
2- القتال لتخليص المستضعفين من مصاديق الجهاد في سبيل الله: من الممكن أن تكون كلمة ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ معطوفة على كلمة "سبيل"2، وهو في هذه الحالة عطف للخاصّ على العام، لأنّ ما يُقام به بأمر الله لا يمكن أن يكون خارجاً عن "سبيل الله"3.
 
3- حثّ المؤمنين على الجهاد عن طريق تحريك مشاعرهم الدينية وغيرتهم: في لفظ الاستفهام الوارد في الآية ﴿وَمَا لَكُمْ﴾، حثّ وتحريض للمؤمنين كافّة على الجهاد، سواء من كان إيمانه خالصاً، أو من لم يكن كذلك، أما المؤمنون الخلّص، فيقومون بتلبية نداء ربّهم عن طريق الاستجابة لنداء الحقّ، وأما من لم يكن إيمانه خالصاً، فإذا لم تحثّه دعوة ربّه على القيام، فإنه يُحرّض على الجهاد بواسطة الغيرة، والتعصّب، لتخليص الرجال والنساء والأطفال المستضعفين من قيد الظالمين4.
 
4- القيادة والعديد الكافي من الشرائط الأساسية للجهاد: طلب المسلمون الواقعون تحت ظلم المشركين أمرين من الله لأجل 
 



1 تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 116.
2 م. ن، ج 2، ص 116.
3 تفسير راهنما، ج 3، ص 470.
4 تفسير الميزان، ج 4، ص 419.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

26

الفصل الرابع: أهداف الجهاد

 نجاتهم: الأوّل: الولي والقائد اللائق والغيور. والثاني: الناصر والعدد الكافي من الأفراد1.

 
5- إستجابة الدعاء الخالص للمسلمين: استغاث المستضعفون المبتلون بالمشركين بالله تعالى، وطلبوا الناصر والولي منه ولم يستغيثوا بالأقارب2. وكنتيجة لهذا الدعاء الخالص، استجيب لهم وفُتحت مكة بواسطة المسلمين3.
 



1 تفسير نمونه، ج 4، ص 11 (تفسير الأمثل).
2 تفسير الميزان، ج 4، ص 419-420.
3 تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 117.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

27

الدرس الخامس: آداب الجهاد

 الدرس الخامس: آداب الجهاد

 
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾1.
 
أسباب النزول:
بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في سرية إلى بني غطفان، فلقوا رجلاً منهم قد هرب بغنم له إلى جبل، وكان قد أسلم فقال لهم: "السلام عليكم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله" فبادروا إلى قتله، واستاقوا غنمه، فنزلت الآية2.
 
توضيح المعاني:
﴿ضَرَبْتُمْ﴾: هاجرتم أو سافرتم.
  



1 سورة النساء، الآية 94.
2 تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 163.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

28

الدرس الخامس: آداب الجهاد

 ﴿فَتَبَيَّنُواْ﴾: من التبيّن بمعنى التمييز.

﴿عَرَضَ﴾: متاع.
 
الإشارات والمضامين:
1- وجوب تحقّق المجاهدين من إسلام أو كفر القوى المواجهة: الضرب هو السير في الأرض والسفر وتقييده بسبيل الله يدلّ على أنّ المراد به هو الخروج للجهاد. والتبيّن هو التمييز، والمراد به التمييز بين المؤمن والكافر بقرينة قوله: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا...﴾1 ، وتكرار لفظ ﴿فَتَبَيَّنُواْ﴾ مرتين في الآية للتأكيد على مسألة التحقُّق والتبيُّن2.
 
2- حرمة قتل أفراد العدو في حال إظهار الإسلام: المراد من "إلقاء السلام" بقرينة "لست مؤمناً"، إظهار الإسلام بقول الشهادتين أو الكلام الحاكي عن إسلامه3. ويمكن أن يُستفاد من سبب نزول الآية حرمة القتل، لأنّ قول ﴿لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ لمن أظهر إسلامه، كان مقدّمة لقتله، وقد نهي عن هذا الأمر فيها.
 
3- اكتساب المغانم ليس من الأهداف المشروعة للجهاد: المراد من ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ طلب المال
  



1 تفسير الميزان، ج 5، ص 41.
2 تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 146.
3 تفسير راهنما، ج 3، ص 523.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

29

الدرس الخامس: آداب الجهاد

 والغنيمة1. وبناءً على دلالة هذه الآية، يجب أن لا يكون غرض المسلمين من الجهاد تحقيق أهداف مادية واكتساب المغانم، لأن الهدف من الجهاد الإسلامي ليس التوسّع، وجمع المغانم2.

 
4- تشجيع المجاهدين على اكتساب المغانم الأخروية: جملة ﴿...فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ...﴾ تعني: أنّ ما عند الله من المغانم أفضل من مغنم الدنيا الذي يريدونه، لكثرتها وبقائها، فهي التي يجب عليهم أن يؤثروها3.
 
5- قتل الأشخاص للحصول على المغانم من الأساليب الجاهلية المرفوضة: يظهر أنّ كلمة "كذلك" فيها إشارة إلى جملة ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. وعليه: فالمقصود من قوله تعالى: "مِن قبل"، أي قبل الإسلام الذي هو عصر الجاهلية، حيث كان الناس يقتل بعضهم بعضاً لأجل مال الدنيا وبلا أي مبرّر4.
 
6- من النعم الإلهية امتناع المجاهدين المسلمين عن قتل الأشخاص بهدف الحصول على المغانم: معنى المنّة: النعمة الكبيرة5، ومعنى جملة ﴿فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ﴾: أي إنّ الله أعطاكم
  



1 تفسير الميزان، ج 5، ص41.
2 تفسير نمونه، ج4، ص 74 (تفسير الأمثل).
3  تفسير الميزان، ج5، ص 41.
4 تفسير راهنما، ج 3، ص 525.
5 م، ن ج 3، ص 525.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

30

الدرس الخامس: آداب الجهاد

 إيماناً صارفاً لكم عن ابتغاء عرض الحياة الدنيا إلى ما عند الله من المغانم الكثيرة، فإذا كان كذلك فيجب عليكم أن تتبيّنوا الفرق بين الأمرين1.

 
7- التحذير الإلهي للمجاهدين للإلتزام بالأوامر والنواهي الإلهية: يظهر من جملة ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾، بيان علّة الأمر بالتبيُّن والتحقُّق، والنهي عن الهجوم على العدو في حال أظهر إسلامه، وهذا تحذير لمجاهدي الإسلام من أجل الالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية.
 
قال الله تعالى:
﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾2.
 
لما وصلت قافلة المشركين بسلام وأخذ أبو سفيان عيره، أرسل إلى قريش أن ارجعوا، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نَرِد بدراً، - وكان بدر موسماً من مواسم العرب -، فنقيم بها ثلاثة أيام، وننحر الخراف، ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبداً، فلمّا وردوا بدراً، كان المسلمون بانتظارهم، فكانت المعركة، وسُقوا كؤوس 
  



1  تفسير الميزان، ج5، ص 41.
2 سورة الأنفال، الآية 47.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

31

الدرس الخامس: آداب الجهاد

 المنايا، وناحت عليهم النوائح1.

 
هذه الآية تشرح للمسلمين كيفية خروج جيش قريش للنزول في منطقة بدر وقتال المسلمين، وتُحذّر المسلمين من هذا الأمر2.
 
توضيح المعاني:
﴿بَطَرًا﴾: من البطر وهو الطغيان في النعمة ويقابله حالة الشُّكر.
﴿وَرِئَاء﴾: من الرياء وهو إظهار المحاسن حتى يراها الآخرون مع إخفاء المساوئ.
 
الإشارات والمضامين:
1- ضرورة تجنّب المجاهدين لحال الطغيان والبطر أثناء الخروج للجهاد: على المجاهدين أن لا يخرجوا من ديارهم إلى قتل أعداء الدين بطرين، مرائين بالتجملات الدنيوية. أي هناك نهي عن سلوك طريق كفار قريش الذين كانوا يخرجون إلى القتال بالبطر، والمرائاة، والصد عن سبيل الله3.
 
2- ضرورة تجنّب المجاهدين الرياء أثناء الخروج للجهاد: الرياء هو إظهار المحاسن حتى يراها الآخرون مع إخفاء المساوئ، وفي الآية نهي من الله عزّ وجلّ للمجاهدين عن اتخاذ طريقة 
  



1 تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 843 / بتصرف.
2 تفسير المنار، ج10، ص 27.
3 تفسير الميزان، ج 8، ص 96.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

32

الدرس الخامس: آداب الجهاد

 مشركي قريش في معركة بدر، حيث خرجوا للرياء، وسعياً لتمجيد الناس لهم ومدحهم، لامتلاكهم الثروة، والقدرة، والشجاعة1. وبما أنّ الإخلاص هو في مقابل الرياء، يُستفاد من هذه الآية وجوب إخلاص المجاهدين في سبيل الله، وأن يكون خروجهم للقتال من منطلق الإخلاص لله وحده.

 
3- هدف المشركين من إعلان معركة بدر: الحدّ من انتشار الإسلام، ودفع الناس إلى معاداة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإبعاده عن الدعوة، وأذيَّة الذين استجابوا لدعوته. والمقصود من "سبيل الله" هو الإسلام، فيكون المعنى: منع انتشاره2.
 
4- تهديد المشركين الظالمين بالمجازاة والعقاب: جملة ﴿...وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ معناها: إنّه عزّ وجلّ عالم بأعمالهم، وسيجازيهم بسبب أعمالهم (الطغيان، الرياء، والصد عن سبيل الله)3.
 
5- الالتفات إلى أنّ الله عز وجل محيط بأعمال الإنسان تُجَنِّبُهُ الطغيان، والرياء، والصدّ عن سبيل الله4: إذا التفت المجاهدون واعتقدوا بأنّ الله عليم ومحيط بأعمالهم، فلن يغترّوا بالقوة، ولن يعملوا ليرضوا الناس، ولن يصدّوا عن سبيل الله.
 



1 تفسير المنار، ج10، ص 26-27.
2 م. س، ح 10، ص 26 – 27.
3 تفسير مجمع البيان، ج3-4، ص 843.
4  تفسير راهنما، ج6،ص512.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

33

الفصل السادس: فضيلة الجهاد ومنزلة المجاهدين

 الفصل السادس: فضيلة الجهاد ومنزلة المجاهدين

 
قال الله تعالى:
﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾1.
 
سبب النزول:
نزلت الآية في كعب بن مالك من بني سلمة، ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية من بني واقف،حيث تخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم تَبُوك، وعذَرَ اللهُ أوليْ الضرر منهم، وهو عبد الله بن أم مكتوم2.
 
توضيح المعاني:
﴿أُوْلِي الضَّرَرِ﴾: المصابين بما يمنع من القيام بأمور الجهاد كالعمى، والعرج، والمرض.
 
﴿دَرَجَةً﴾: منزلة.



1 سورة النساء، الآية 95.
2 تفسير مجمع البيان، ج3-4، ص147.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

34

الفصل السادس: فضيلة الجهاد ومنزلة المجاهدين

 الإشارات والمضامين:

1- تفضيل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على المؤمنين القادرين القاعدين في بيوتهم: الضرر هو النقصان في الوجود المانع من القيام بأمر الجهاد والقتال كالعمى، والعرج، والمرض، فالمقصود من ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ﴾ المؤمنين السالمين القادرين على الجهاد، وجملة ﴿فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً...﴾ في مقام التعليل لجملة ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ﴾1.
 
2- الجهاد بالمال والنفس من أفضل القيم في الإسلام2: المراد من "الجهاد بالأموال"، إنفاق المال للظَّفر على أعداء الدِّين، والمراد من "الجهاد بالأنفس"، القتال. وفي هذه الآية بيان لتفضيل الجهاد على القعود، وللجهاد هذه الأفضلية لأمرين:
أولاً: إذا كان في سبيل الله لا في سبيل هوى النفس.
ثانياً: بالجود بأعزّ الأشياء عند الإنسان وهو المال وبما هو أعزّ منه وهو النفس3.
 
3- الجهاد بالمال والنفس معيار منح المناصب للأفراد: بما أن الله فضّل المجاهدين على القاعدين، لذلك يجب على المجتمع أيضاً أن يقول بهذا التفضيل، وأن يجعل لهم اعتباراً خاصاً في 
  



1  تفسير الميزان، ج5، ص 45-46.
2 تفسير راهنما، ج3، ص528.
3 تفسير الميزان، ج5، ص 45-47.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

35

الفصل السادس: فضيلة الجهاد ومنزلة المجاهدين

 الحياة الاجتماعية، والاختيار، والمنح، والمعاملة1.
 
4- الجهاد من الواجبات الكفائية2: بما أنّ الله في جملة: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ﴾ قد وعد المجاهدينَ وأيضاً المؤمنين القادرين القاعدين بالثواب الحسن، يتّضح أنّ الآية تتعلّق بالحالة التي لا يجب فيها خروج القاعدين، بسبب كفاية من خرج من المسلمين للقتال3. وكذلك يُفهم من الآية أنّ الجهاد من الواجبات الكفائية، لأنّه لو كان من الواجبات العينية، لما وُعِدَ المؤمنون القاعدون بالحسنى4.
 
5- الإيمان شرط شمول القاعدين القادرين بالثواب الإلهي: كون جملة: "من المؤمنين"، حال لكلمة ﴿الْقَاعِدُونَ﴾، يفهم منها أنّ مقارنة القاعدين عن القتال (وشمولهم بالثواب الإلهي) مع المجاهدين ممكنة إذا كان إيمانهم محفوظاً، أي أن لا يكون قعودهم عن الجهاد نابعاً من عدم إيمانهم بأوامر الله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم5.
  



1 تفسير راهنما، ج3، ص528.
2 م. ن، ج 3، ص 528.
3 تفسير الميزان، ج5، ص46.
4 تفسير مجمع البيان، ج3، ص148.
5 تفسير راهنما، ج 3، ص 528.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

36

الفصل السادس: فضيلة الجهاد ومنزلة المجاهدين

 قال الله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾1.
 
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾، والمراد بهم المهاجرين وقد وصفهم الله: بالإيمان، والهجرة، والجهاد. ﴿وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ﴾، المراد بهم الأنصار، وقد وصفهم الله بصفتين: الإيواء، والنصرة. وقد جعلت هذه الآية الجميع مسؤولين بعضهم عن بعض، ويتعهد كل بصاحبه بقولها: ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾.
 
الإشارات والمضامين:
1- أفضلية المهاجرين المجاهدين والأنصار على المؤمنين المهاجرين: عبارة ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ ... أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ تبيّن تفضيل صنفين من مؤمني صدر الإسلام، وهم المهاجرين والأنصار على غيرهم، وشهادة من الله تعالى لهم بأنهم هم المؤمنون حق الإيمان وأكمله دون غيرهم من المؤمنين الذين أقاموا في دار الشرك مع حاجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين إلى هجرتهم2.
 
2- الجهاد في سبيل الله، ونصرة المؤمنين، ميدان تجلّي 
  



1 سورة الأنفال، الآية 74.
2  تفسير المنار، ج10، ص 113.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

37

الفصل السادس: فضيلة الجهاد ومنزلة المجاهدين

 الإيمان الحقيقي: الإيمان الحقيقي يتجلّى في الهجرة، وفي الجهاد، ونصرة المسلمين المجاهدين1. والمهاجرون والأنصار كانوا من الذين تحقّق إيمانهم بالهجرة والنصرة2.

 
3- قيمة الجهاد في كونه في سبيل الله: قيمة الأعمال، - ومنها الجهاد -، تكون عندما تكتسب دافعاً إلهياً3.
 
4- عمل الأنصار (النصرة) في سبيل الله له نفس قيمة الهجرة والجهاد4: يُفهم من خلال عطف عبارة ﴿وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ﴾ على عبارة ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ ومن خلال بيان أنّهم هم المؤمنون حقاً، والرزق الكريم لهم في الآخرة، أنّ نصرة المهاجرين والمجاهدين في سبيل الله لها نفس قيمة الهجرة والجهاد.
 
5- تقدير الله للمهاجرين المجاهدين والمناصرين لهم: أثنى الله تعالى في هذه الآية على المهاجرين المجاهدين والأنصار من ثلاثة أوجه: أولها: قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ قضاء من الله بثبوت الإيمان حقاً لهم، وثانياً: ﴿لَّهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ من الله لذنوبهم، وثالثاً: لهم ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ مع الكرامة في الدنيا والآخرة5.
  



1 تفسير نور، ج 4، ص 389.
2 تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 864.
3 تفسير نور، ج 4، ص 389.
4  تفسير راهنما، ج 6، ص 581.
5 تقريب القرآن إلى الأذهان، ح 2، ص 361.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

38

الفصل السادس: فضيلة الجهاد ومنزلة المجاهدين

 6- آثار الهجرة والجهاد في سبيل الله: الهجرة والجهاد من أسباب المغفرة والرزق الإلهي1.




1 تفسير نور، ج 4، ص 389.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

39

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

 الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

 
قال الله تعالى:
﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾1.
 
توضيح المعاني:
يَشْرُونَ: يبيعون، أي يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية.
 
الإشارات والمضامين:
1- وجوب الجهاد: ﴿فَلْيُقَاتِلْ﴾ فعل أمر وفعل الأمر يقتضي الوجوب، فيكون المعنى: فليجاهد في سبيل الله2.
 
2- من خصائص المجاهدين طلب الآخرة: ﴿الَّذِينَ يَشْرُونَ﴾ معناه الذين يبيعون، وعليه، فإنّ معنى الآية هو: الذين يبيعون الحياة الدنيوية الفانية بالحياة الاخرويَّة الباقية3 ليقاتلوا في سبيل الله.
  



1 سورة النساء، الآية 74.
2 تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 115.
3 م. ن، ج 3، ص 115.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

40

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

 3- طلاب الدنيا لا يليقون ولا يقدرون على الجهاد: الفاء في (فليقاتل) تدل على أنّ هذه الآية هي نتيجة لما تقدّم في الآية السابقة، والمقصود منها حثّ المسلمين على الجهاد وذمّ من يبطئ في الخروج إليه1. وبما أن الله عزّ وجل طلب فقط من الذين يطلبون الآخرة أن يقاتلوا في سبيله - مع كون الجهاد واجباً على كل المسلمين - ففيه إشارة إلى أن طلاب الدنيا غير لائقين بالجهاد في سبيل الله ولا يقدرون عليه2.

 
4- تنعُّم المجاهدين بالثواب الإلهي العظيم: يَعِدُ الله عزَّ وجل في هذه الآية المجاهدين في سبيله بالثواب والأجر العظيم سواءً غَلَبوا أو استشهدوا. فكلا النصر أو الشهادة عاقبة محمودة للمجاهدين، فإن يقتل في سبيل الله أو يغلب عدو الله له في أيّ حال له أجر عظيم، وعدم ذكر ثالث لهما وهو الانهزام إشارةً إلى أنّ المقاتل في سبيل الله لا ينهزم3


وهذا يدلّ على أنّ المجاهد يضع نصب عينيه أمرين: إما الشهادة أو الغلبة على العدو، فإنه إذا عزم على ذلك لم يفرّ من الخصم ولم يُحجم عن المحاربة.
 
5- فضيلة الجهاد: إذا كان المجاهدون في كلا التقديرين -النصر أو الشهادة- سوف يحصلون على الأجر الإلهي العظيم
  



1 تفسير الميزان، ج 4، ص 418.
2 تفسير راهنما، ج 3، ص 468.
3 تفسير الميزان، ج4، ص 418 – 419.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

41

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

 فلا عمل أعظم وأشرف من الجهاد إذاً1.

 
6- عظمة وديمومة ثواب الشّهداء: قُدِّمت الشهادة ﴿فَلْيُقَاتِلْ﴾ على الغلبة، (أو يغلب) في الآية، لأنّ ثوابها أجزل وأثبت، لأنّ المقاتل المنتصر على عدو الله في خطر أن يحبط عمله باقتراف بعض الأعمال الموجبة لحبط الأعمال الصالحة واستتباع السيئة بعد الحسنة (مثل الغرور وما شاكل)، بخلاف الشهيد في سبيل الله الذي يستوفي كل أجره العظيم حتماً2.
 
7- الترغيب في الجهاد: بيان العاقبتين، النصر أو الشهادة، للمجاهدين فيه حثّ على الجهاد، فكأنّه يقول: هو فائز بإحدى الحسنيين: إن غُلِب، أو غَلَب ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾3.
 
قال الله تعالى:
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾4.
  



1 جامع الجامع، ج 1، ص 417.
2 تفسير الميزان، ج4، ص 419.
3  تفسير مجمع البيان، ج3-4، ص 116.
4 سورة آل عمران، الآية 195.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

 


42

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

 الإشارات والمضامين:

1- غفران الذنوب، ودخول الجنة ثواب المهاجرين، المخرجين من ديارهم: يُبيّن الله في جملة ﴿...فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ...﴾، الأعمال الصالحة بشكل مفصّل، والهدف من وراء ذلك: تثبيت ثوابها، وأجر كل منها، و"الواو" لتفصيل الأعمال الصالحة دون الجمع، حتى لا يعتقد أحد أن الآية الشريفة تُعدِّد ثواب الشهداء المهاجرين1.
 
2- عظمة ثواب المهاجرين: اقتران كلمة ﴿ثَوَابًا﴾ بعبارة ﴿وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾، دلالة على عظمة ثواب المهاجرين، - الذين أخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيل الله -، المجاهدين والشهداء. كما أنّ عبارة ﴿هَاجَرُواْ﴾، تأكيد لكون ذلك إشارة إلى أن الأجر الإلهي، والمثوبات الإلهية ليست قابلة للوصف بشكل كامل في هذه الحياة الدنيا، بل يكفي أن يعلم الناس بأن هذا الثواب أفضل وأعلى من أي ثواب2.
 
3- مراتب المشقّات في سبيل الله: يتحمّل المجاهدون في سبيل الله العديد من الصعوبات، وهذه الصعوبات لها مراتب ومراحل: المرحلة الأولى: الهجرة ﴿هَاجَرُواْ﴾. المرحلة الثانية: الإخراج من الوطن ﴿وَأُخْرِجُواْ﴾. المرحلة الثالثة: الإيذاء ﴿وَأُوذُواْ﴾
  



1 تفسير الميزان، ج4، ص 88.
2  التفسير الأمثل، ج 3، ص 55.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

43

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

 المرحلة الرابعة: القتال ﴿وَقَاتَلُواْ﴾. المرحلة الخامسة الاستشهاد في سبيل الله ﴿وَقُتِلُواْ﴾1. وهذا الاستنباط مبني على أن "الواو" بين الجمل للترتيب.

 
4- قيمة تحمّل الإيذاء والمشقات لكونها في سبيل الله2: مجيء عبارة ﴿فِي سَبِيلِي﴾ بعد جملة ﴿وَأُوذُواْ﴾، دلالة على أن التعرّض وتحمّل المصاعب والأذى (كالأسر، والإعاقة)، يكون قَيِّمَاً إذا ما كان في سبيل الله.
 
5- ترغيب المؤمنين في الهجرة، وتحمّل المصاعب في سبيل الله، والجهاد: الآية لا تُفصِّل إلا الأعمال التي تندب إليها هذه السورة، - (آل عمران) -، وتبالغ في التحريض والترغيب فيها3. كما أنّ الله عزَّ وجلَّ يُرَغِّب المؤمنين بالأعمال المشار إليها، بالوعد بالمغفرة، والدخول إلى الجنة.
  



1 تفسير نور، ج2، ص263-264.
2  تفسير راهنما، ج3، ص 255.
3 تفسير الميزان، ج4، ص88.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

44

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

 قال الله تعالى:

﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾1.
 
أسباب النزول:
"عن ابن عباس أنّها نزلت في شهداء بدر، وقُتِل من المسلمين يومئذٍ أربعة عشر رجلاً: ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، وكان الناس يقولون: مات فلان، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي أن لا يُقال فيهم أنهم أموات"2. والمعنى: أن الله نهى أن يُسمّى من قتل في الجهاد أمواتاً، (بل أحياء)، أي هم أحياء3. فلا تعتقدوا فيهم الفناء والبطلان كما يفيد لفظ الموت عندكم ومقابلته مع الحياة - كما يعين على هذا القول حواسكم - فليسوا بأموات بمعنى البطلان، بل أحياء ولكنّ حواسكم لا تنال ذلك ولا تشعر به. والآية دالة على الحياة البرزخية، وعالم القبر المتوسط ما بين القيامة وعالم الدنيا، حيث ينعم فيه الميت أو يعذب. والآية عامة شاملة وليست مخصوصة بشهداء بدر كما ذهب إليه بعض المفسرين4.
  



1 سورة البقرة، الآية 154.
2  تفسير مجمع البيان، ج1-2، ص437.
3  م. ن.
4 تفسير الميزان، ح 1، ص 347.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

45

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

 الإشارات والمضامين:

1- النهي عن اعتبار الشهداء في سبيل الله أمواتاً: يجب على المؤمنين أن لا يعتبروا الشهداء في سبيل الله ضمن الأموات1.
 
2- مقياس قيمة بذل النفس بكونه في سبيل الله: القيد ﴿فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾، يبيّن أنَّ قيمة بذل النفس والقتل هو بكونه في سبيل الله.
 
3- الحياة البرزخية للشهداء: المقصود من كون الشهداء أحياء بعد الشهادة - كما ورد في أسباب النزول -، ليس المراد منه إحياء اسم الشهيد، وحسن الثناء، وجميل الذكر له مع الزمن، لأنّ هذه الحياة مجرّد حياة خيالية تقديرية... بل المراد الحياة البرزخية الحقيقية. هذا المعنى تؤكّده عبارة ﴿عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، لأنّ الرزق يستلزم حياة حقيقية وليس خيالية، ولذا فالآية في صدد تبيين الحياة البرزخية للشهداء2.
 
4- الشهادة هي الحياة الحقيقية: إنّ فطرة الإنسان تدفعه إلى البحث عن الحياة الحقيقية الخالدة، والقرآن الكريم لا يكتفي بتقديم الموت في سبيل الله، والأهداف المقدّسة على أنَّه طريق الوصول إلى هذه الحياة، وإنما يعتبره عين هذه الحياة.
 
5- مواساة أعزاء الشهداء بتبشيرهم بالحياة الحقيقية:
  



1 تفسير راهنما، ج1، ص 393.
2 تفسير الميزان، ج1، ص 345-346.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

46

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

 هذه الآية لإيقاظ وتنبيه أولياء الشهداء بأنَّ قتل أعزاءهم ليس إلا مفارقة لهم في أيام قلائل في الدنيا، وأنهم سيلحقون بهم عما قريب بالموت، وهذا الفراق يسير في مقابل مرضاة الله سبحانه وتعالى، وما ناله أعزائهم من الحياة الطيبة، والنعمة المقيمة، ورضوان من الله أكبر1.

 
6- تشجيع المؤمنين على القتل في سبيل الله: إخبار الله سبحانه عن حياة الشهداء البرزخية، وتَنَعُّمهم عند الله، يشجِّع المؤمنين على القتال في سبيل الله، لأنَّهم سيعرفون بأنَّهم إذا قتلوا في ميدان الجهاد، فإنَّهم سيصلون إلى الحياة الخالدة، والرضوان الإلهي2.
 
7- القتل في سبيل الله من القيم السامية3: يوضح الإسلام بأن للشهادة منزلتها العظيمة كما توضح الآية أعلاه وآيات أخرى، وهذا يعطي قيمة كبيرة لمسألة الجهاد من المنظور الإلهي، ويعطي المجاهد مرتبة سامية وهامة على ساحة المواجهة بين الحق والباطل. وهذا العامل أمضى من أي سلاح وأقوى من كل المؤثّرات4.
 



1 تفسير الميزان، ج 1، ص 347.
2 تفسير راهنما، ج1، ص 393.
3 م. ن، ج 1، ص 393.
4 تفسير نمونه، ج 1، ص 522 (تفسير الأمثل).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

47

الفصل الثامن: الإستعداد للجهاد

 الفصل الثامن: الإستعداد للجهاد

 
قال الله تعالى:
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾1.
 
توضيح المعاني:
﴿مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾: كناية عن الاستعداد الكامل في مختلف الميادين.
﴿تُرْهِبُونَ﴾: تخيفون.
﴿يُوَفَّ﴾: الفوز بعظيم الثواب في الآخرة.
 
الإشارات والمضامين:
1- وجوب الاستعداد الدفاعي الشامل بالقدر الممكن: "الإعداد" تهيئة الشيء للظفر بشيء آخر، والمراد من "القوة" في
 



1  سورة الأنفال، الآية 60.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

48

الفصل الثامن: الإستعداد للجهاد

 الحرب، كل ما يمكن به الحرب والدفاع من أنواع الأسلحة، والرجال المدرّبين ومراكز التدريب، وقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم...﴾، أمر عام لجميع الناس بتهيئة القوى الحربية قدر استطاعتهم وما يحتاجون إليه لمواجهة الأعداء الموجودة بالفعل أو المفترض، وفُسِّرت "القوة" في الروايات بالسلاح، والسيف، والترس، والخضاب بالسواد،- (ليظهر بمظهر الشاب الفتي)-، والرمي وذلك من باب بيان أفراد الإعداد1. وعليه: فالقوّة لفظ كلي عام شامل لكافة مظاهر القوة التي تظهرها الأدوات القتالية أو التي يتمتع بها المقاتل واقعاً أو ظاهراً كما يستوحى من الروايات، وهذا يقتضي تعلّم الفنون العسكرية كما أصبح متعارفاً عليه حديثاً في المؤسسات العسكرية2، وامتلاك الأسلحة الحديثة، والخطط الحربية التي تتوافق مع أرض المعركة وجغرافيا الطبيعة... إلخ، وبمعنى آخر: امتلاك كلّ أنواع القوى والقدرات المادية والمعنوية3، وهذا يشمل عملية صنع المدافع بأنواعها، والبنادق، والدبابات، والطائرات، والمفخخات، وإنشاء المركبات الحربية بأنواعها ومنها الغوَّاصات. ويجب تعلّم الفنون والصناعات ذات الصلة4.

 
2- أهمية استعداد عامة الناس في الدفاع: السرّ في توجيه
 



1 الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 9، ص 114.
2 التفسير الكبير، ج 15، ص 185.
3 تفسير نمونه، ج 7، ص 222 (تفسير الأمثل).
4 تفسير المنار، ج 15، ص 62. بتصرّف.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

49

الفصل الثامن: الإستعداد للجهاد

 الخطاب للناس في هذه الآية، - بعدما كان الخطاب في الآيات السابقة موجَّهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم -، أنّ الحكومة الإسلامية هي حكومة إنسانية تراعي حقوق الأفراد وتحترم إرادتهم، ومن ضمن الأهداف التي يسعى العدو إلى استهدافها وتحطيمها هي حقوق الأفراد ومنافعهم. ولهذا فعلى الأفراد أن تدافع عن مصالحها، وحقوقها. نعم، هناك جزء من الاستعدادات لا تقوى عليه إلا الحكومات، لكونها تحتاج إلى استطاعة مالية كبيرة، وتجهيزات عظيمة، ولكن بعض الأمور يمكن أن تكون على عاتق الأفراد، مثل تعلّم العلوم الحربية، فالتكليف في التعلم موجه إلى الجميع1.

 
3- وجوب الدفاع عن الحدود: في هذه الآية أمر أيضاً بوجوب مرابطة الفرسان في ثغور البلاد وحدودها، - وهي مداخل الأعداء ومنافذ مهاجمتهم-، والمراد هنا أن يكون للأمّة الإسلامية جيش دائم مستعدّ للدفاع عنها إذا فاجأها العدو على حين غرّة، ففي السابق كانت الخيل أساس هذا الجيش لسرعتها وقدرتها على المناورة والتحرّك، وإيصالها الأخبار من ثغور البلاد إلى عاصمتها وسائر أرجائها، ولذلك عظّم الشارع أمر الخيل وأمر بإكرامها2.
 
4- إرهاب العدو وثنيه عن الهجوم من نتائج الاستعداد الشامل: جملة ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ هي في مقام
 



1 تفسير الميزان ، ج 9، ص 115.
2 تفسير المنار، ج 10، ص 61.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

50

الفصل الثامن: الإستعداد للجهاد

 التعليل لقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم﴾1، بعبارة أخرى الهدف من وجوب الدفاع ورفع مستوى القدرة على القتال ليس تزويد الناس بأنواع الأسلحة المدمّرة التي تهدم المدن وتحرق البلاد، وتقتل العباد، وليس الهدف منه استغلال أراضي الآخرين وممتلكاتهم، وتوسعة الاستعباد والاستعمار في العالم، بل الهدف من ذلك ترهيب عدوّ الله وعدوّ المسلمين2.

 
5- أصالة الصلح في الإسلام: إن تقييد الإعداد بقصد ترهيب الأعداء، دليل على أفضلية جعله سبباً لمنع الحرب على جعله سبباً لإيقاد نارها، فالله عزّ وجلّ يقول: استعدوا لمواجهة الأعداء عسى أن يمتنعوا عن الإقدام على قتالكم3.
 
6- وجوب إظهار القدرة القتالية أمام العدو (الاستعراض): خوف العدو من القدرة العسكرية يستلزم معرفته بالقدرة القتالية لأهل الإيمان. وعليه: يجب على المسلمين استعراض قواهم بنحو ما في مقابل العدو4.
 
7- هدف الاستعداد الدفاعي الشامل حفظ الإسلام والمسلمين: اقتران عبارة ﴿عَدُوَّ اللهِ﴾ بكلمة ﴿عَدُوَّكُمْ﴾، إشارة إلى عدم وجود منافع وأغراض شخصية في الجهاد والدفاع الإسلامي، 
 



1 تفسير الميزان، ج 9، ص 116.
2 تفسير نمونه، ج7، ص 225 (تفسير الأمثل).
3 تفسير المنار، ج 10، ص 66.
4 تفسير راهنما، ج6، ص 542.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

51

الفصل الثامن: الإستعداد للجهاد

 بل الهدف هو حفظ رسالة الإسلام الإنسانية1 والمسلمين2.

 
8- وجوب الاستعداد العسكري لمواجهة العدو غير المعروف: يستفاد من هذه الآية وجوب عدم الاكتفاء بلحظ الأعداء المعروفين، وإنّما الالتفات في الخطط والبرامج إلى العدو المجهول أيضاً3. وأمّا المقصود من ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾ ففيه خلاف، حيث ذكر المفسِّرون أقوالاً أشاروا فيها إلى يهود بني قريظة4، وكلّ من لم يعرف المسلمون أنّه عدوّهم5.
 
9- ترغيب المؤمنين على الجهاد بالمال لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل: لمّا كان إعداد العدّة يقتضي تمويل، وكان النظام الإسلامي كلّه يقوم على أساس التكافل، فقد اقترنت الدعوة إلى الجهاد بالدعوة إلى إنفاق المال في سبيل اللّه6، فحضّ الله تعالى في هذا المقام على إنفاق المال وغيره مما يعين على القتال فقال: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾، أي ومهما تنفقوا من شيء نقداً كان أو غيره، قليلاً كان أو كثيراً في إعداد القوة للمجاهدين والمرابطين في سبيل الله، يعطكم الله جزاءه وافياً تاماً ولا ينقص من جزائه شيء7.
 



1 تفسير نمونه، ج 7، ص 226 (تفسير الأمثل).
2 تفسير نور، ج 4، ص 368.
3 م. ن، ج 4، ص 368.
4 تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 853.
5 تفسير الميزان، ج 9، ص 116.
6 تفسير في ظلال القرآن، ج 4، ص 50.
7 تفسير المنار، ج 10، ص 67.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

52

الفصل الثامن: الإستعداد للجهاد

 10- توسيع نشاط المؤمنين لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل: كلمة "شيء" لها مدلول واسع يشمل الروح، المال، الفكر...1 ، وهي أعمّ من كلمة "خير" في الآية ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾2، لأنّ الخير هنا منصرف إلى المال3.

 
11- الجهوزية الدفاعية تصدّ الأعداء: احتمل بعض المفسرين أن جملة ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ أنها معطوفة على جملة ﴿تُرْهِبُونَ﴾، وبناءً على هذا التقدير يكون معنى الآية: أنّكم إذا ما أعددتم القوّة اللازمة لمواجهة الأعداء، فسيخافون أن يهجموا عليكم، ولن يقدروا على ظلمكم وإيذائكم، وبناءً على ذلك فلن يصيبكم ظلم أبداً4.
 
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا﴾5.
 
توضيح المعاني:
﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ﴾: إشارة إلى التوزّع على فرق متعدّدة.
﴿انفِرُواْ جَمِيعًا﴾: إشارة إلى الخروج دفعة واحدة.
 



1 تفسير نمونه، ج7، ص 228-229 (تفسير الأمثل).
2 سورة البقرة، الآية 272.
3  تفسير الميزان، ج 9، ص 117.
4 م. س، ج 7، ص 229 (تفسير الأمثل).
5 سورة النساء، الآية 71.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

53

الفصل الثامن: الإستعداد للجهاد

 الإشارات والمضامين:

1- ضرورة التيقّظ والاحتياط في مواجهة العدو:
أ- الحِذر: ما يحذر به وهو آله الحذر كالسلاح، وربما قيل إنه مصدر ك كـ(الحَذَر)
ب- والنفر: هو السير إلى جهة مقصودة، وأصله الفزع، فالنفر من محل السير فزع عنه، وإلى محل السير فزع إليه.
ج- والثبات: جمع ثبتة وهي الجماعة على تفرقة، فالثبات: بعد الجماعة بحيث تتفصّل ثانية عن أولى، وثالثة عن ثانية، ويؤيد ذلك مقابلة ﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا﴾. والتفريع في قوله: ﴿فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ﴾ على قوله: ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾ يؤكد كون المراد بالحذر أي ما به الحذر، وهو كناية عن التهيؤ التام للخروج إلى الجهاد. فيكون المعنى: خذوا أسلحتكم، أي أعدوا للخروج، واخرجوا إلى عدوكم فرقة فرقة سرايا، أو اخرجوا إليهم جميعاً عسكراً1.
 
2- ضرورة الاستعداد القتالي لمواجهة العدو: جملة ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾ تدعو إلى التهيّؤ التام للخروج إلى الجهاد، فيكون المعنى: خذوا أسلحتكم، أي أعدّوا للخروج واخرجوا إلى عدوّكم2. وكلمة "الحذر" أيضاً تستوعب بمعانيها الواسعة كل أنواع الوسائل المادية والمعنوية الدفاعية، ويشتمل أمر "الحذر" أيضاً على الاستعداد
 



1 تفسير الميزان، ح 4، ص 416.
2 م. س، ج 4، ص 416.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

54

الفصل الثامن: الإستعداد للجهاد

 النفسي، والثقافي، والاقتصادي، والإمكانيات البشرية والعسكرية1.

 
3- وجوب إحداث تشكيلات لإعداد وتعبئة القوى العسكرية: الأمر الإلهي بتعبئة القوى العسكرية، يدلّ على وجوب إحداث تشكيلات وظيفتها إعداد القوى العسكرية وتعبئتها2.
 
4- وجوب استعداد المقاتلين قبل التوجّه إلى قتال العدو: إن عطف عبارة: ﴿فَانفِرُواْ﴾ بحرف العطف فاء على جملة ﴿خُذُواْ حِذْرَكُمْ﴾، تدلّ على وجوب الاستعداد بداية، ومن ثمّ الخروج لمواجهة العدو3.
 
5- ضرورة اتخاذ التكتيك والتشكيل المناسب لمواجهة العدو: أحد الدروس المستفادة من الآية، أنّ التهيّؤ والإعداد يختلف باختلاف عدّة العدو وقوّته، فالترديد في قوله ﴿أَوِ انفِرُواْ﴾ ليس تخييراً في كيفية الخروج، وإنّما الترديد بحسب تشكُّل العدوّ من حيث العدّة والقوّة، أي إذا كان عددهم قليلاً فيجب الخروج إليهم فرقةً فرقةً (سريّةً سريّةً)، وإن كان كثيراً فيكون الخروج إليهم دفعة واحدة4.
 



1 تفسير نمونه، ج 4، ص 3 (تفسير الأمثل).
2 تفسير راهنما، ج 3، ص 463.
3 م. ن، ج 7، ص 463.
4 تفسير الميزان، ج 4، ص 416.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

55

الفصل التاسع: الإمداد الغيبي في الجهاد

 الفصل التاسع: الإمداد الغيبي في الجهاد

 
قال الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾1.
 
توضيح المعاني:
﴿أَذِلَّةٌ﴾: ضعفاء عن المقاومة، قليلو العدد والعدّة.
 
الإشارات والمضامين:
1- النصرة الإلهية لمجاهدي معركة بدر: يبيّن الله تعالى في هذه الآية نصره لمجاهدي بدر بتقوية قلوبهم، وبما أمدّهم به من الملائكة، وبإلقاء الرُّعب في قلوب أعدائهم2.
 
2- انتصار المسلمين في معركة بدر برغم قلّة الإمكانات: جملة ﴿وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ تشير إلى امتلاك عِدّة وعُدّة أقلّ من العدوّ، وعدم امتلاك القدرة على المقاومة في وجه العدو3، حيث كان 
 



1 سورة آل عمران، الآية 123.
2 تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 828.
3 م. ن، ج 2، ص828.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

56

الفصل التاسع: الإمداد الغيبي في الجهاد

 المسلمون يعدّون في معركة بدر ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً (مع القليل من العِدّة)، وكان المشركون نحواً من ألف رجل (مع الكثير من العِدَّة)1 ، ورغم ذلك فقد نصرهم الله على أعدائهم.

 
3- التوكّل على الله سبب إنزال النصرة الإلهية في معركة بدر: جملة ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ﴾، تدلّ على أنّ عامل الانتصار ببدر هو التوكّل على الله2.
 
4- سبق التقوى موجب لنيل المجاهدين النصر الإلهي: تفريع جملة ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ على بيان النصرة الإلهية في معركة بدر، أي جملة ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ﴾، بيان لسبب استحقاق المؤمنين لها، كما أنَّها تبيّن أنّ تقوى المسلمين في معركة بدر كانت السبب في جلب النصرة الإلهية لهم وانتصارهم فيها3.
 
قال الله تعالى:
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾4.
 
في هذه الآية يُذَكِّر الله عزَّ وجلّ مجاهدي معركة بدر ببعض نعمه وإمداداته الغيبية.
 



1 م. ن، ج 2، ص828.
2 تفسير راهنما، ج3، ص 46.
3 تفسير راهنما، ج3، ص 47-48.
4 سورة الأنفال، الآية 11.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

57

الفصل التاسع: الإمداد الغيبي في الجهاد

 توضيح المعاني:

﴿يُغَشِّيكُمُ﴾: يغطيكم، بمعنى يجعلكم تنامون.
﴿أَمَنَةً﴾: أماناً من الأعداء.
﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾: يشدّ على قلوبكم، بمعنى يشجّع قلوبكم ويزيدكم قوّة وثقة.
 
الإشارات والمضامين:
1- غلبة النعاس على المجاهدين قبل المعركة مددٌ غيبي: الضمير في "منه" عائد على الله، ومعنى الآية: أنّ النصر، والإمداد بالبُشرى، واطمئنان القلوب،- (المشار إليه في الآية السابقة) -، كان في وقت أخذكم النعاس، -بسبب الأمن الذي أفاضه الله على قلوبكم-، فأصابكم النعاس وهو أول النوم وهو خفيفه1، ولو كنتم خائفين مرتاعين لم يأخذكم نعاسٌ.
 
2- تأثير السِنه والاستراحة على أداء المقاتلين: من نتائج نعاس المجاهدين في معركة بدر، أن قوّاهم الله، - بواسطة هذه الاستراحة -، على قتال العدو2، فإفاضة الله النعاس على قلوبكم هو من الأمن، والإطمئنان الذي أنزله الله عليكم، (وهذا بالطبع يرتب آثاره التكوينية الخارجية على صعيد المعركة)، ولو كنتم 
 



1  تفسير الميزان، ج9، ص 18.
2 تفسير مجمع البيان، ج3، ص 808.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

58

الفصل التاسع: الإمداد الغيبي في الجهاد

 خائفين مرتاعبين لم يأخذكم نعاس ولا نوم1.

 
3- نزول المطر قبل معركة بدر إمداد غيبي: المراد من "الماء" المطر، فمن النعم والإمدادت الإلهية على مجاهدي بدر، نزول الأمطار، لأنّ المشركين سبقوا إلى موضع الماء، (واستولوا على الآبار، وهذا له آثار متعدّدة في أرض المعركة، فنزول المطر أفشل عملية ترتب هذه الآثار على المسلمين)، وقوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾2 يعني أن علة سقوط المطر هي لأجل دعم المسلمين بأمور متعدّدة أهمها:
أ - تطهير مجاهدي بدر: إنّ عدم ذكر "متعلّق" الفعل "يُطَهِّرَكُم"، إشارة إلى عمومية هذا المتعلّق للنجاسات الظاهرة والباطنة3، فمن النجاسات الظاهرية: الطهارة من الحدث، والجنابة التي أصابت بعضهم. ومن النجاسات الباطنية دفع وسوسة الشيطان، والرجز هو الرجس والقذارة، والمراد برجز الشيطان: القذارة التي طرأت على قلوب المقاتلين من ووسوسته، وتسويله4، فبعد استيلاء المشركين على آبار بدر، استغلّ الشيطان قلّة الماء للوسوسة وتخويف المجاهدين5، فعدّ الله دفع هذه الوساوس
 



1 تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 808.
2 سورة الأنفال، الآية: 11.
3 تفسير راهنما، ج6، ص 433.
4 تفسير الميزان، ج 9، ص 21.
5 تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 808.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

59

الفصل التاسع: الإمداد الغيبي في الجهاد

 من أهداف إنزال المطر، وإفشال مخطط المشركين ومخطط إبليس.

 
ب - تشجيع وتقوية روحية مجاهدي بدر: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ وهو كناية عن التشجيع1. وعليه يكون معنى الآية: ليشدَّ على قلوبكم، أي يشجِّعكم، ويزيدكم قوّة قلب، وسكون نفس، وثقة بالنصر2.
 
ج - تلبيد الرمل الناعم: إن هاء "به" في جملة ﴿...وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾، تعود إلى المطر، على أحد الوجوه، وعلى هذا التقدير يكون معنى الآية: أنّ الله أنزل ذلك المطر ليُلَبِّدَ به رمل كثيب تحت أقدامهم، فتلبدت به أرضهم، وأوحلت أرض عدوهم3، (أي إنّ المشركين سيقوا إلى المكان الذي يمكن أن يؤمن النصر لهم من خلال الموقع القتالي، وظهر أن المسلمين في مأزق لاختيارهم موقعاً قتاليّاً حرجاً، ولكن الله تدخّل فأنزل المطر، فانقلبت الصورة والدائرة على المشركين، وهذا فيه معجزة واضحة تؤمن أحد عناصر الانتصار للمؤمنين).
 
4- دور العناصر الجوية والطبيعية في القتال: لا يجب
 



1 م. س، ج 9، ص 22.
2 م. س، ج 3، ص 809.
3  تفسير الميزان، ج 9، ص 22.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

60

الفصل التاسع: الإمداد الغيبي في الجهاد

 اعتبار العوامل الطبيعية مثل المطر، النعاس و... أموراً من قبيل الصدفة1، فالآثار المتعدّدة لنزول المطر،- التي ذُكِرَت في الآية -، حاكية عن تأثير العوامل الجوية في مصير المعركة، مما يعني أن الله قد يسخّر قانوناً عاماً موجوداً في الطبيعة، يستفيد منه البر والفاجر، ضد أعدائهم الذين كانوا يستفيدون منه قبل ذلك، أي أن عناصر الطبيعة كالمطر، وأرض المعركة، والحالات الجسدية كالنعاس، والنفسية كالإطمنان وغيرها من الممكن أن تكون من عوامل النصر إلى جانب المؤمنين عندما يكون قتالهم في سبيل الله، ولإعلاء كلمة التوحيد.

 
5- لزوم استحضار الإمدادات الغيبية: من الممكن أن يكون العامل في جملة ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ﴾، فعل محذوف وهو (اذكروا)2. ففي هذه الحالة يوصي الله تعالى المؤمنين بذكر العوامل التي أدت إلى الإمدادات الغيبية، فساهمت في انتصار المؤمنين في معركة بدر، وأهم هذه العوامل هي الإخلاص والقتال في سبيل الله لإعلاء كلمة التوحيد.
 
 



1  تفسير نور، ج 4، ص 297.
2 تفسير مجمع البيان ج 3- 4, ص 806.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

61

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾1.
 
يشير الله عزَّ وجلّ في هذه الآية والآيتين التاليتين إلى عوامل النصر الحقيقية في القتال، وهي عبارة عن الاستقامة، والثبات عند لقاء العدو، والاتصال بالله بالذكر، والطاعة لله والرسول، وتجنّب النّزاع والشّقاق، والصّبر على تكاليف المعركة، والحذر من البطر، والرياء، والبغي2.
 
الإشارات والمضامين:
1- ضرورة ثبات المؤمنين عند لقاء العدو: كلمة (لقاء) المستفادة من (لقيتم)، يكثر استعمالها في القتال. والفئة بمعنى الجماعة "جماعة المقاتلين"، والمراد منها هنا الكفّار الحربيين أو الباغين3.
 



1 سورة الأنفال، الآية 45.
2 تفسير في ظلال القرآن، ج 4، ص 25.
3 تفسير المنار، ج 10، ص 21.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

62

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 و(الثبات) في هذا المورد عكس الفرار من العدو، والثبات بحسب ما له من المعنى أشمل من الصَّبر الذي يأمر به في قوله: ﴿وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾1.

 
فعبارة (اثبتوا)، أمر بمطلق الثّبوت أمام العدو، وعدم الفرار منه2. ووجوب الاستقامة في هذه الآية لا يتنافى مع الآية 16 من سورة الأنفال- آية التحرّف والتحيّز أو آية تكتيكات المواجهة - ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾، فهذه الآية فيها عدة أمور:
أ- النهي في الآية تعلق بأن لا يولّي المؤمنون الأدبار للأعداء، أي استدبار العدو واستقبال جهة الهزيمة، فخطاب الآية عام غير مختص بوقت دون وقت أو غزوة دون غزوة، فالحرمة متعلقة بالقرار من الزحف.
 
ب- يُستثنى أمران من الآية:
أولاً: التحرّف لقتال.
ثانياً: التحيّز إلى فئة.
 
2- الثبات في مقابل العدو من لوازم الإيمان الواقعي بالله: المخاطب في هذه الآية هم المؤمنون، وفيه دلالة على أنّ الثبات في
 



1 سورة الأنفال، الآية 46.
2 تفسير الميزان، ج9، ص 37.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

63

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 مقابل العدوّ من شروط الإيمان1، بمعنى أنّ ثبات القدم في جميع الميادين الخاصّة بالقتال مع أعداء الحقّ، من العلامات البارزة للإيمان2.

 
3- وجوب الذكر الدائم لله حين لقاء العدو وقتاله: ﴿اذْكُرُواْ اللّهَ﴾ معطوفة على ﴿فَاثْبُتُواْ﴾، وهي في الواقع جواب الشرط ﴿إِذَا لَقِيتُمْ﴾، وعلى هذا التقدير: المقصود بالذكر في هذه الآية الذكر الكثير لله عند قتال العدو3.
 
4- فلسفة ضرورة المداومة على ذكر الله في ميدان القتال: السبب الذي دعا إلى تقييد الذكر "بالكثير"، هو تجدّد روح التقوى عند المجاهدين كلّما لاح لهم ما يصرف نفوسهم إلى حبّ الحياة الفانية، والتمتّع بزخارفها، والخواطر النفسانية التي يلقيها الشيطان بتسويله. فالمداومة على ذكر الله تجدّد روح التقوى كلّ لحظة في قلوبهم، وتعمل على التقليل من شأن الأهوال والمخاطر التي يتعرض لها المقاتل في ميدان المعركة، لأن ظرف القتال والميدان ليس فيه إلا إزهاق النفوس، وسفك الدماء، ونقص الأطراف، وكل ذلك يهدد الإنسان بالفناء عما يحبه، فذكر الله يعينه على جهاده، والتثبت بفكرته بالظفر على عدوه الذي
 



1 تفسير نور، ج4، ص 348.
2 تفسير نمونه، ج4، ص 348 (تفسير الأمثل).
3 تفسير راهنما، ج 6،ص 508.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

64

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 يهدده بالفناء1. ويشعره بأن الله سنداً قوياً لا تستطيع أي قدرة في الوجود أن تنقلب عليه في ساحة المعركة، وأنه إذا قتل فإنه سينال السعادة الكبرى ويبلغ الشهادة العظمى، وجوار رحمة الله، فذكر الله يبعث على الاطمئنان، والقوة، والقدرة على الثبات في نفس المقاتل2، ويزيل من نفسه حب الزوجة والمال، والأولاد، وكل ما يضعفه ويزلزله كما ورد في دعاء أهل الثغور عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة، وامح من قلوبهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنة نصب أعينهم"3.

 
قال الله تعالى:
﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾4.
 
توضيح المعاني:
﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ﴾: لا تختلفوا فيما بينكم.
﴿وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾: تذهب قوتكم وهيبتكم.
 



1 تفسير الميزان، ج 9، ص 95.
2 التفسير الأمثل، ج 5، ص 45.
3 م. ن، ج5، ص 45.
4 سورة الأنفال، الآية 46.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

65

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 الإشارات والمضامين:

1- ضرورة إطاعة المجاهدين لأوامر الله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ظاهر السياق أنّ المراد من جملة ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ...﴾ إطاعة ما صدر من ناحيته تعالى وناحية رسوله من التكاليف والأنظمة المتعلّقة بالجهاد والدفاع عن حومة الدين ووجود الإسلام، والمسائل التي لها تعلق بالمعركة كالابتداء بإتمام الحجّة قبل القتال، وعدم التعرّض للنساء والذراري (الأطفال)، وغير ذلك من أحكام التي تتعلق بموضوع ساحة المعارك.
 
2- ضرورة إطاعة المجاهدين للقائد الأعلى في القتال: أي وأطيعوا الله ورسوله في الأوامر المرشدة إلى أسباب الفلاح في القتال وفي غيرها، وأطيعوا رسوله فيما يأمر وينهى عنه من شؤون القتال وغيرها، لكونه يمثل القيادة العامة بما فيها القيادة العسكرية، فطاعة القائد العام هي أساس وقوام النِّظام الذي هو ركن من أركان الظفر، فكيف إذا كان هذا القائد مؤيداً بالوحي، والنبوة، والتسديد الإلهي(!)1.
 
3- ضرورة اجتناب المجاهدين للإختلاف أثناء القتال: التَّنازع هو الميل إلى شيء ما، فكلّ واحد من المتنازعين في مسألة يميل إلى غير ما يميل إليه الآخر2، والآية أعلاه تنهي المجاهدين المؤمنين عن الاختلاف والتنازع. وبيّن تعالى في هذه الآية أنّ النزاع
 



1 تفسير الميزان، ج 9، ص 95.
2 تفسير المنار، ج 10، ص 24.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

 


66

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 يوجب أمرين: أحدهما: حصول الفشل والضّعف. والثاني: خسارة الدولة أو الغلبة، فإن اختلاف الآراء يخل بالوحدة ويوهن القوة1.

 
4- ضرورة صبر المجاهدين على مكاره القتال: الثّبات أعمّ من الصبر، فالصبر هو ثبات القلب مقابل المكاره بأن لا يضعف، ولا يفزع، ولا يجزع، وبالبدن بأن لا يتكاسل، ولا يتساهل، ولا يزول عن مكانه، ولا يعجل فيما لا يحمد فيه العجل، فالصبر ثبات خاصّ، فقوله: ﴿وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، أي الزموا الصبر على ما يصيبكم من مكاره القتال مما يهدّدكم به العدو2.
 
5- الله ناصر المجاهدين الصابرين: المراد من لفظ (مع) في جملة ﴿...إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، المعية بالنصر والظفر3، بمعنى أنّه الضامن للفوز والنصر للصابرين4.
 
6- الاعتقاد بمعيّة الله للمجاهدين الصابرين ممهّد للصَّبر على المكاره في القتال5: يستفاد من ورود جملة ﴿...إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بعد الأمر بالصَّبر، مدى تأثير هذا الإعتقاد على صبر المجاهدين على مكاره القتال. وعلى هذا التقدير، فجملة ﴿...إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ في نفسها محفّزة على الصبر.
 



1 تفسير الميزان، ج 9، ص 95.
2 م. ن، ج 9، ص 94.
3 تقريب القرآن إلى الأذهان، ج 2، ص 340.
4 تفسير في ظلال القرآن، ج 6، ص 510.
5 تفسير راهنما، ج 6، ص 510.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

67

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾1.
 
توضيح المعاني:
﴿حَرِّضِ﴾: من الترغيب والحثّ على فعل الشيء بما يبعث على المبادرة.
 
الإشارات والمضامين:
1- ترغيب المؤمنين بقتال الكافرين من مهام قائد المجتمع الإسلامي: التحريض لغة، التحضيض، والترغيب، والحثّ212 على شيء. ويستفاد من هذه الآية أنّ من مهام القائد، حثّ الناس على الجهاد3، وترغيبهم فيه بكافّة أسباب التحريض والترغيب من ذكر الثواب الموعود على القتال، وبيان ما وعد الله لهم من النصر والظفر4.
 
2- ضرورة تقوية روحيّة المقاتلين المؤمنين: مهما يكن مستوى الاستعداد لدى المقاتلين، فيجب قبل بدء القتال (وبعده) تقوية البعد الروحي عندهم5.
 



1 20- سورة الأنفال، الآية 65.   
2 تفسير الميزان، ج 9، ص 122.
3 تفسير نور، ج 4، ص 376.
4 تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 856.
5 تفسير نمونه، ج 7، ص 236 (تفسير الأمثل).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

68

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 3- أهل الإيمان مكلّفون بمقاتلة الكفّار: يستفاد من جملة ﴿...مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ...﴾ في آخر الآية، أنّ المراد من "القتال" قتال الكفّار1.

 
4- الصبر والمقاومة في ساحة القتال من العوامل المهمّة لانتصار المؤمنين على الكفّار2: يستفاد من توصيف المؤمنين بالصابرين، واشتراط الصّبر للانتصار على القوى الأكثر عدداً، أنّ الصّبر من العوامل المهمة للانتصار في ساحة القتال.
 
5- نفي المعادلة العددية على مستوى عدد المقاتلين المؤمنين مقابل الكفّار: هذه الآية تنفي المعادلة العددية، وتؤكّد على روحية الإيمان والصبر، وحتى لا يُعتَقد أنّ انتصار عشرين مؤمناً على مئتين فيه مبالغة، تكرّر أنّه إذا تحقّق فيهم الإيمان والصبر، فإنّ مئة يغلبون ألفاً، ومثاله: معركة بدر، وأُحُد، والأحزاب، ومُؤْتَة3، والوقوع خير دليل على الإمكان، فكيف إذا كان هذا الوقوع متكرراً؟.
 
6- عدم امتلاك البصيرة والمعرفة سبب هزيمة الكفّار في مواجهة المؤمنين الصابرين: الباء في جملة ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾ للسببية، والجملة تعليلية متعلّقة بقوله: ﴿يَغْلِبُواْ﴾، وعليه معنى الآية: إن يغلب عشرون من المؤمنين الصابرين مئتين من
 



1 تفسير راهنما، ج 6، ص 554-555.
2 م. ن، ج 6، ص 55.
3 تفسير نور، ج 4، ص 375 – 376.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

69

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 الذين كفروا، أو يغلب مئة من المؤمنين الصابرين ألفاً من الذين كفروا، كلّ ذلك بسبب أنّ الكفّار قوم لا يفقهون. وفقدان الفقه، - أي العلم والبصيرة -، في الكفّار لاتكائهم على هوى النفس، واعتمادهم على ظاهر ما يسوِّله لهم الشيطان. وعليه، فإنّ الكفّار متّفقون ما لم يلح لائح الموت حيث يرونه فناءً، وأمّا في المخاوف العامّة، والمهاول الشاملة، فيتفرّقون ويفرّون بسبب الجهل الذي يلازمه الكفر والهوى1.

 
7- البصيرة والمعرفة من عوامل الانتصار: فقدان العلم والبصيرة في الكفّار وبالمقابل ثبوته في المؤمنين، هو الذي أوجب أن يغلب العشرون من المؤمنين، المائتين من الذين كفروا، وإنّما يغلب المؤمنون على ما بُنيَ عليه الحكم في الآية، لأنّ المؤمنين إنّما يقدمون فيما يقدمون عن إيمان بالله، وهي القوّة التي لا يعادلها ولا يقاومها أيّ قوّة أخرى، لابتنائه على البصيرة والفهم الصحيح، حيث يتم وصفهم بكلّ سجية نفسانية فاضلة كالشجاعة، والشهامة، والجرأة، والاستقامة، والوقار، والطمأنينة، والثقة بالله، واليقين بأنّه على إحدى الحسنيين، بعبارة أخرى: فهم وبصيرة المؤمنين اللذين يترافقان مع العلم والايمان هما سبب الغلبة على الكفّار2.
 



1 تفسير الميزان، ج 9، ص 122-123.
2 م. ن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

70

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 قال الله تعالى:

﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾1.
 
أمرت الآية السابقة المسلمين بعدم الفرار من مقاتلة العدو حتى لو كان عددهم عشرة أضعاف المسلمين، بينما نزلت النسبة في هذه الآية إلى ضعفين. هذا الاختلاف الظاهري أدى إلى إعتبار البعض أنّ حكم الآية السابقة نُسِخ بهذه الآية، أو حمل حكم الآية السابقة على المستحبّ واعتبار حكم هذه الآية واجباً. واعتبر بعض المفسّرين أنّ هذا الاختلاف الظاهري ليس دليلاً لا على النسخ ولا على الاستحباب، وإنّما في كلّ آية حكم لمورد محدّد، فعندما كان المؤمنون ضعفاء، كان مقياس النسبة ضعفي العدد، ولكن هذه النسبة ترتفع إلى عشرة أضعاف عندما يصبح المؤمنون أقوياء ومدرَّبين. وعليه فالحُكمان المذكوران في الآيتين مرتبطان بمجموعتين مختلفتين في ظروف مختلفة2.
 
الإشارات والمضامين:
1- الضعف الروحي من أسباب تدنّي القدرة على القتال: المراد بالضعف في عبارة ﴿وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾، الضعف في
 



1 سورة الأنفال، الآية 66.
2 تفسير نمونه، ج 7، ص 238-239 (تفسير الأمثل).

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76 

71

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 الصفات الروحية الذي ينبع من ضعف الإيمان، لأنّ الإيقان بالحقّ فقط هو الذي ينبعث منه جميع السجايا الحسنة الموجبة للفتح والظفر، كالشجاعة، والصبر، والرأي المصيب. والدليل على أنّ المقصود ليس الضعف من حيث العدّة والقوّة، هو أن المؤمنين كانوا يزدادون عدداً وقوة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم1. ولكن العلة هي علة الضعف الروحي للمسلمين، لأنهم رغم كثرة عددهم، اختلط بهم من هو ضعيف اليقين والبصيرة2. وعليه: يُستفاد من هذه الآية أنّ الضعف الروحي يؤدّي إلى تدنِّي القدرة على القتال.

 
2- التخفيف إلى واحد مقابل اثنين ليتحقق النصر: ظاهر قوله تعالى: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ...﴾ كما قيل، كون الآيتين مسوقتين لبيان الحكم التكليفي، لأنّ التخفيف لا يكون إلاّ بعد التكليف، فالمراد في الآية الأولى: ليثبت الواحد منكم للعشرة من الكفّار، وفي الآية الثانية: الآن خفّف الله في أمره، فليثبت الواحد منكم للاثنين من الكفّار3.
 
روي عن الامام الصادق عليه السلام: "أما علمتم أنّ الله عز وجل قد فرض على المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين، ليس له أن يولّي وجهه عنهم، ومن ولاَّهم يومئذ دبره فقد تبوَّء مقعده من النار، ثم حوَّلهم رحمة منه لهم، فصار
 



1 تفسير الميزان، ج 9، ص 123.
2 تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 856.
3 م. ن، ج 9، ص 125.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

72

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفاً من الله عز وجل للمؤمنين، فخفّف الحكم السابق"1.

 
3- انتصار المؤمنين الصابرين على العدو مناط بالإذن الإلهي: جملة ﴿...بِإِذْنِ اللّهِ...﴾ تقييد لقوله ﴿َيَغْلِبُواْ﴾، وعليه يكون معنى الآية: أنّ الله أذن بالغلبة والنصر على الكفّار، نتيجة كونه تعالى شخّص بأن هؤلاء الذين مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم مؤمنون صابرون، وبذلك يظهر أن قوله: ﴿وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ يفيد فائدة التعليل بالنسبة إلى الإذن2.
 
4- الله ناصر المجاهدين الصابرين: على الرغم أنّنا لا ندرك جوهر وحقيقة المعيّة الإلهية للصابرين في الآية ﴿وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ولكن نعلم علم اليقين بأنّ من كان الله تعالى معه، فهو الغالب المنصور ولن يغلبه أحد، وعليه يمكن أن نفسّرها بمعيّة المعونة والنصرة3. نعم، يمكن القول بأن الآيات يحكيها القرآن الكريم تحكي قصة مصداق واحد من المجاهدين في مقطع زمني محدد، ولما كانت الآيات القرآنية عامة، فهي قابلة للانطباق على مصاديق أخرى متى ما توفّر عامل الإيمان، والصبر، والنصرة لله ولدينه، والجهاد في سبيله، والمعية والنصرة الإلهية قابلة للتكرار كذلك.
 



1 تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 59.
2 تفسير الميزان، ج 9، ص 122.
3 تفسير المنار، ج 10، ص 80.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

73

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 قال الله تعالى:

﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾1.
 
الوعد المذكور في الآية، كان يوم أُحُد، لأنّ المسلمين كانوا يقتلون المشركين، حتى إذا أخلّ الرماة بمكانهم الذي أمرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالبقاء فيه أتاهم المشركون بقيادة خالد بن الوليد من ورائهم، فقتل عبد الله بن جبير ونفر من المؤمنين ممن بقي معه من الرماة، فاغتنم الفارّين من المشركين بارقة النصر وكرّوا على المؤمنين، فقتلوا منهم سبعين رجلاً منهم حمزة عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم2.
 
توضيح المعاني:
﴿تَحُسُّونَهُم﴾: تقتلونهم، والحسّ هو القتل على وجه الاستئصال.
﴿فَشِلْتُمْ﴾: الفشل هو الجبن والضعف.
﴿صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾: ردّكم عن الكفّار بعد أن أمكنكم منهم بسبب معصيتكم أمر النبي.
﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾: يمتحنكم ويختبر إيمانكم.
 



1 سورة آل عمران، الآية 152.
2 تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 858.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

74

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 الإشارات والمضامين:

 

1- تحقّق الوعد الإلهي بالنصرة في معركة أُحُد: وَعَد الله المسلمين بالنُّصرة قبل معركة أُحُد، إلا أنّه شرطها بصبر وتقوى المسلمين في قوله: ﴿بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾1. في بداية المعركة كان المسلمون يلتزمون بالصبر والتقوى، فصدقهم الله وعده وشملهم بنصره، والدليل على ذلك: أنّ المسلمين كانوا يقتلون المشركين2 كما يوحي به قوله تعالى: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ﴾ المتعلّقة بعبارة ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ﴾3.
 
2- إبادة العدو من الأهداف المشروعة للجهاد: كلمة "الحسّ" تعني القتل على وجه الاستئصال4، ولذا كان المسلمون يريدون في دفاعهم بوجه العدو المشرك إبادتهم بإذن الله وأمره.
 
3- التراخي، التنازع وعصيان أوامر القيادة من عوامل الهزيمة في الحرب: في معركة أُحُد، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير بحراسة الثغر الموجود في جبل "عينين" وقال لهم: "لا تبرحوا هذا المكان، فإنا لانزال غالبين ما ثبتم مكانكم". وبعد بدء القتال وظهور علامات هزيمة
 



1 سورة آل عمران، الآية 125.
2 م. ن، ج 1 – 2، ص 858.
3 تفسير راهنما، ج3، ص 116.
4 تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 858.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

75

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 المشركين، أدّت الوسوسة بجمع الغنائم من قِبل الرماة إلى فتح ثغرة في دفاعات المعركة، وتراخى الرماة في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنازعوا أمرهم بينهم في مسألة الغنائم، فكانت نتيجة ذلك هزيمة المسلمين في معركة أُحُد.

 
كلمة "فشل"، أي فشلتم في المحافظة على أمر القائد وتراخيتم بتوجيهاته ورأيه، والمراد من ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ﴾، اختلاف عبد الله بن جبير ومن معه مع بقية الرماة الآخرين في في أنه هل يجب الحفاظ على أماكنهم ومواقعهم أم يجب اللحاق بالمشركين ونيل الغنيمة. والمراد من ﴿وَعَصَيْتُم﴾، مخالفة فئة من الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحفاظ على أماكنهم1.
 
4- الثبات، وإطاعة أوامر القيادة من أسباب تحصيل الإذن الإلهي بالنصر: كلمة ﴿بِإِذْنِهِ﴾، تفيد بأنّ النصر رهن "إذن الله"، وأنّ المسلمين في المرحلة الأولى من المعركة قد هيّأ الله لهم أسباب الانتصار، وحين تراخوا، وتنازعوا، وعصوا ضيّعوا أسباب النصر المهيئة لهم بإرادتهم، وفوّتوا على النبي والمؤمنين بهجة النصر، وهذا يعني أن إذن الله بالنصر أو الهزيمة معلّق على إرادة الإنسان، - إلا في المواطن التي يشاء الله فيها الحسم لصالح الرسالات بما لا يدع فيه للإنسان أي خيار وفق ما يريده الله من مصالح ومفاسد في الرسالات -.
 



1 تفسير الميزان، ج 4، ص 44، و تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 859.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

76

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 5- انتصار المجاهدين مرتبط بالإذن الإلهي: فاعل ﴿أَرَاكُم﴾ هو الله عزّ وجل، والمراد من "ما" في عبارة ﴿مَّا تُحِبُّونَ﴾ النصر1.

 
6- طلب الدنيا يؤدي إلى التراخي، والتنازع، وعصيان أوامر القيادة في الحرب: جملة ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ دليل جملة ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم﴾2، وعليه يتبيّن: أنّ طلب بعض المسلمين للدنيا في معركة أُحُد أدّى إلى التراخي والتنازع وعصيانهم لأوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
 
7- طلب الآخرة يؤدي إلى الثبات، والاتّحاد، وإطاعة أوامر القيادة في الحرب: بما أنّ طلب الدنيا ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ يؤدّي إلى الفشل كما ورد في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾، فالصفات المقابلة تكون كالتالي: الدنيا يقابلها الآخرة، والفشل يقابله النجاح، والتنازع يقابله الاتحاد، وبعبارة أخرى: طلب الآخرة ﴿وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ عبارة تميز بين جهتين جهة تريد الدنيا ولها خصائص تميزها وتتمتع بها كصفة التنازع، والفشل، وعصيان أوامر القيادة. وجهة تريد الآخرة، تحافظ على أوامر القيادة، وتتمتع بصفات الثبات، والنجاح، واتّحاد الرأي.
 
8- الانسحاب التكتيكي في الحرب أثناء الظروف 
 



1 تفسير راهنما، ج 3، ص 118.
2  م. ن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

77

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 الاضطرارية: بعد أن فتح المشركون ثغرة في دفاعات المعركة، وقاموا بهجوم معاكس، بدأ بعض المسلمين بالفرار، والبعض الآخر لم يفرّ، فانقسموا بذلك فريقين:

- منهم من فرّ، فعصى أحكام الشريعة، وخلّف النبي في أرض المعركة وحيداً.
- ومنهم من ثبت مع النبيصلى الله عليه وآله وسلم وهم الأقلون عدداً، وبسبب قلتهم انسحبوا من أرض المعركة بعد إذن الله لهم بذلك.
 
9- الهزيمة في ساحة القتال امتحان إلهي: جملة ﴿صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾، أي كفكم عن المشركين بعد ظهور الفشل، والتنازع، والمعصية، والاختلاف بينكم، ليمتحنكم، ويختبر صبركم، ليميز المؤمن الراسخ في إيمانه عن المنافق1، وهذا يظهر بشكل جلي في ساعات الشّدة وهذا يعني أنّ الله رفع النصرة عنكم بسبب معصية أوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووكلكم إلى أنفسكم فهُزمتم. فالهزيمة امتحان جعله الله لتتوبوا وترجعوا إليه وتستغفروه فيما خالفتم فيه أمره.
 
10- التراخي، التنازع وعصيان أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الذنوب: يستفاد من جملة ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ﴾ أنّ التراخي، والتنازع، وعصيان أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معركة أُحُد من الذنوب، وكانت
 



1 تفسير الميزان، ج 4، ص 44.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

78

الفصل العاشر: عوامل الانتصار والهزيمة في الجهاد

 تستحقّ العقاب1، ولكن الله عفا عنهم برحمته من دون استحقاق لهم لذلك، لمكان معصيتهم له.

 
11- الفضل الإلهي منشأ نصرة المجاهدين والعفو عن الذنوب: منشأ جملة ﴿وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، لأنه يحب المؤمنين، ولا يتركهم وشأنهم، ولا يكلهم إلى أنفسهم إلا بعض الأحيان ليتنبهوا، ويثوبوا إلى رشدهم، فيزدادوا التصاقاً بالشريعة، واهتماماً بالمسؤوليات، ويقظة، وإحساساً2.



1 تفسير راهنما، ج 3، ص 119.
2 تفسير الأمثل، ج 2، ص 733.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

79

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾1.
 
الإشارات والمضامين:
1- حرمة الفرار من وجه العدو: لقيتم: من مادة (اللقاء) بمعنى الاجتماع والمواجهة وتأتي في أكثر الأحيان بمعنى المواجهة في ميدان الحرب2 سواء أكان الكفار هم القادمون إلى المؤمنين، أم كان المؤمنون هم الذاهبون إلى الكفار.
 
زحفاً: الزحف في الأصل بمعنى الحركة إلى أمر ما، بحيث تسحب الأقدام على الأرض كحركة الطفل قبل قدرته على المشي، أو الإبل المرهقة التي تحطّ أقدامها على الأرض أثناء سيرها، وتطلق على الجيش الجرار الذي يشاهد من بعيد وكأنه يحفر الأرض أثناء سيره.



1 سورة الأنفال، الآية: 15.
2 تفسير الأمثل، ج5، ص 382.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

80

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 ومعنى الآية: يحرم على المؤمنين الفرار من ساحة الحرب حتى لو كان عدوهم قوياً وكثير العدد، وكان عدد المسلمين قليلاً، فللمؤمن مثال بمعركة بدر في ذلك1.

 
2- فلسفة حرمة الفرار من وجه العدو: قال الإمام الرضا عليه السلام في بيان علّة وفلسفة حرمة الفرار من وجه العدو: "وحرّم الله تعالى الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة عليهم السلام، وترك نصرتهم على الأعداء، والعقوبة لهم على إنكار ما دُعُوا إليه من الإقرار بالربوبية، وإظهار العدل، وترك الجور، وإماتة الفساد، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين وما يكون من السبي والقتل وإبطال دين الله عزَّ وجلّ وغيره من الفساد"2.
 
قال الله تعالى:
﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾3.
 
هذه الآية تكملة لما ورد من أحكام في الآية السابقة.



1 م. س، ج5، ص 382.
2 تفسير نور الثقلين، ج3، ص 26.
3 سورة الأنفال، الآية: 16.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

81

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 توضيح المعاني:

﴿مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ﴾: بأن يخدع العدو، ويوهمهم أنه ينسحب من المعركة لينصب لهم كميناً.
﴿مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ﴾: الالتحاق بجماعة من المقاتلين المسلمين لأنهم بحاجة إلى نصرته.
 
الإشارات والمضامين:
1- الفرار من وجه العدو من الذنوب الكبيرة وموجب لسخط الله: الفرار من الجبهة من الذنوب الكبيرة وفي هذه الآية أوجب الله للفارّ من الزحف القهر والعذاب1. والمهزوم يريد أن يأوي إلى مكان يأمن فيه من الهلاك، لكنّ الله يعاقبه على ذلك بأن يجعل عاقبته التي يصير إليها هي دار الهلاك والعذاب في جهنّم، أي إنّه جُوزِيَ بعكس غرضه من معصية الفرار2.
 
2- جواز الانسحاب التكتيكي في ساحة القتال: استُثني موردان في الفرار من وجه العدو لا حرمة فيهما، أي إنّ الفرار من وجه العدو حرام، إلا في موردين، والموردان هما: الأول: ﴿مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ﴾ ومعناه أن يذهب المقاتل من مكان إلى مكان أفضل لجهة القتال عن طريق خدع العدو وإيهامه بفراره على



1 تفسير نور، ج 4، ص 303.
2 تفسير المنار، ج 9، ص 617.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

82

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 الظاهر، وعندها يحمل عليه. والثاني: ﴿مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ﴾ عند فقدان المقاتل القدرة على قتال العدو، وللحصول على القدرة اللازمة يقوم بالالتحاق بفئة من قومه ليقاتل معهم1.

 
قال الله تعالى:
﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾2.
 
اتّفق المفسّرون على أنّ هذه الآية نزلت بعد واقعة بدر تُعاتب أهل بدر، لأنّهم أخذوا أسرى، واقترحوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يقتل الأسرى ويأخذ منهم الفداء حتى يتفوّقوا على العدوّ من الناحية المادية، ويُصلحوا أمورهم3.
 
توضيح المعاني:
﴿يُثْخِنَ﴾: يشتد القتل ويكثر.
﴿عَرَضَ الدُّنْيَا﴾: متاع الدنيا.
 
الإشارات والمضامين:
1- منع أخذ الأسرى قبل السيطرة الكاملة على العدو:



1 تفسير الميزان، ج 9، ص 37 وتفسير مجمع البيان، ج 3، ص 813.
2 سورة الأنفال، الآية: 67.
3 تفسير الميزان ، ج 9، ص 134.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

83

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 الأسرى جمع أسير، والإثخان معناه القوّة والشدّة. وعلى هذا التقدير يكون معنى عبارة ﴿حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ أي حتى يستقر دينه ويشتد ويثبت1.

 
وهنا أمور ينبغي إيضاحها:
أولاً: أن السنّة الجارية في الأنبياء الماضين عليهم السلام أنّهم كانوا إذا حاربوا أعداءهم وظفروا بهم، ينكّلون بهم بالقتل، ليعتبر به مَنْ ﴿وَرَاءهُمْ﴾، فيكفّوا عن محادّة الله ورسوله.
 
وكانوا لا يأخذون الأسرى حتى يثخنوا في الأرض، ويستقرّ دينهم بين الناس، عندها لا مانع من الأسر، ثم المنّ أو الفداء2.
 
ثانياً: أن المهاجرين والأنصار في بدر، وعلى قاعدتهم في الحروب، أقدموا على أخذ الأسرى للاسترقاق أو الفداء، وكان الرجل منهم يقي أسيره من الناس أن ينالوه بسوء إلا علي عليه السلام فقد أكثر من قتل الرجال ولم يأسر، ولم يرد في الروايات بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد شارك المهاجرين والأنصار، او استشارهم، أو رضي بالأسر، فنزلت الآية لتقول لمن شارك في الأسر، ولعامة المسلمين ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ﴾ ولم يُعْهد في سنّة الله في أنبيائه ﴿أَن يَكُونَ لَهُ﴾ أسرى، أو يحقّ له أن يأخذ ﴿أَسْرَى﴾، ويستدرّ على ذلك شيئاً، ﴿حَتَّى يُثْخِنَ﴾ ويغلظ ﴿فِي الأَرْضِ﴾ دينه ويستقر بين الناس، ﴿تُرِيدُونَ﴾ أنتم معاشر أهل



1 م. س. تفسير الميزان ، ج 9، ص 134.
2 م. ن، ج 9، ص 135.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

84

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 بدر، - خطاب وعتاب لمن شارك في أسر المشركين لأجل الفداء -، ﴿عَرَضَ الدُّنْيَا﴾ ومتاعها السريع الزوال، ﴿وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ بتشريع الدين، والأمر بقتال الكفار1.

 
فهذه الآية تُنبّه المسلمين إلى مسألة عسكرية حساسة وهي أنّه لا يجب التفكير بأخذ الأسرى قبل الهزيمة الكاملة للعدو، لأنّ الانشغال بأخذ الأسرى ونقلهم إلى المكان المناسب يشغل المقاتلين عن الهدف الأصلي للقتال، ويمكن أن يسمح للعدو الجريح بأن يُجدِّد هجومه2.
 
2- جواز أخذ الأسرى بعد السيطرة الكاملة على العدو: عبارة ﴿حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ تدل على أن المسلمين لا يمكنهم أن يباشروا بأسر الأعداء، إلاّ بعد حصول السيطرة الميدانية على العدو - كما اتّضح قبل قليل -.
 
3- عدم السعي للأسر بهدف الحصول على الفدية ومال الدنيا: المراد من ﴿عَرَضَ الدُّنْيَا﴾ مال الدنيا، لأنّه بمعرض الزوال. والخطاب ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا﴾ هو لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسلمين ممن شارك في عملية أسر المشركين، - كما أوضحنا سابقاً -، لأنهم رغبوا في أخذ الفداء من الأسرى3. والخطاب توجّه لجميع المقاتلين، لكون أكثرهم متلبّسين باقتراح الفداء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم4.



1 تفسير الميزان، ج 9، ص 136.
2 تفسير نمونه، ج 7، ص 244 (تفسير الأمثل).
3 تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 858.
4 تفسير الميزان، ج 9، ص 136.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

85

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 4- الهدف الأساسي من تشريع الجهاد حصول المجاهدين على المواهب الأخروية والمنافع المعنوية1: المسألة الأساسية في القتال في الإسلام هو الحصول على رضا الله وتقوية الحق ونجاة المستضعفين، وليس جمع الغنائم وأخذ الأسرى وافتداؤهم بالمال2.

 
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾3.
 
سبب النزول:
قال بعض المفسّرين، إنّ هذه الآية نزلت عندما خرج أبو سفيان من مكة، فأتى جبرائيل عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا. قال: فكتب إليه رجل من المنافقين: إن محمداً يُريدكم فخذوا حِذْرَكُم، فأنزل الله هذه الآية. وقال آخرون أنّها نزلت في أبي لبابة الأنصاري الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنصيحة يهود قريظة، فأتاهم، قالوا: ما ترى يا أبا لبابة أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه: إنّه الذبح فلا تفعلوا. فأتاه جبرائيل عليه السلام، فأخبره بذلك4.



1 تفسير راهنما، ج 6، ص 562.
2 تفسير نور، ج 4، ص 380.
3 سورة الأنفال، الآية: 27.
4 تفسير مجمع البيان ج 3، ص 823 - 824.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

86

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 الإشارات والمضامين:

1- إفشاء الأهداف والاسرار العسكرية للعدو خيانة لله، وللرسول وللمؤمنين: كان بعض المسلمين يُفشون أموراً من أسرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم المكتومة عن المشركين، فنهى الله تعالى عن هذا الأمر، وعدَّه خيانة لله والرسول والمؤمنين1.
 
2- النهي عن إفشاء الأسرار للعدوّ: النهي في ﴿لاَ تَخُونُواْ﴾، فيه دلالة على المنع وحرمة الخيانة لله وللرسول وللمؤمنين. ومن أبرز مصاديق الخيانة إفشاء الأسرار العسكرية - بناءً على ما ذُكِر من أسباب النزول-. وعلى هذا التقدير يكون إفشاء الأسرار العسكرية للعدوّ ممنوعاً وحراماً.
 
3- حثَّ المسلمين وتشجيعهم على عدم إفشاء الأسرار للعدو: المراد بقوله: ﴿وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، أنّكم تخونون الأمانات التي التزمتم بحفظها، وأنتم تعلمون أنّ كشفها يعود بالضرر عليكم، إذ يؤدي إلى ضعف المسلمين، وانفضاح خططهم العسكرية أمام الأعداء، وأيُّ عاقل يُقدم على خيانة أمانة نفسه والإضرار بما لا يعود إلاّ إلى شخصه، فتذييل النهي بقوله ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، لتهييج العصبية الحقّة، وإثارة قضاء الفطرة في هذا الأمر2.



1 تفسير الميزان، ج 9، ص 54-55.
2 تفسير الميزان، ج 9، ص 55.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

87

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 المصادر


- القرآن الكريم.
- تفسير راهنما (ج1-6 و11) أكبر هاشمي رفسنجاني ومجموعة من المحقّقين، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علميه قم، الطبعة الأولى، 1371-1380، هـ.ش، قم.
- تفسير القرآن الكريم (المنار)، محمد رشيد رضا، دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، بيروت.
- تفسير نمونه (تفسير الأمثل)، ناصر مكارم الشيرازي ومجموعة من المفكرين، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الحادية عشر، 1368 هـ.ش. طهران
- تفسير نور (ج 1-4)، محسن قرائتي، مؤسسة در راه حق، الطبعة الأولى – الرابعة، 1375 هـ.ش.، قم.
- الشيرازي، محمد حسين، تقريب القرآن إلى الأذهان، لبنان، بيروت، دار العلوم للتحقيق والنشر، 2003 م.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

88

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

 - تفسير نور الثقلين، علي بن جمعة الحويزي، تحقيق على عاشور، مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1422 هـ.ق، بيروت.

- في ظلال القرآن الكريم (تفسير)، سيد قطب، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الخامسة، 1386 هـ.ق، بيروت.
- مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي، دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1406 هـ.ق، بيروت.
- الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1391 هـ.ق، بيروت.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

89

الفهرس

 الفهرس

 

مقدّمة

5

الفصل الأوّل: الجهاد في الأمم السابقة

7

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

11

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

19

الفصل الرابع: أهداف الجهاد

27

الفصل الخامس:آداب الجهاد

33

الفصل السادس:فضيلة الجهاد ومنزلة المجاهدين والشهداء

39

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

45

الفصل الثامن:الاستعداد للجهاد

53

الفصل التاسع:الإمداد الغيبي في الجهاد

61

الفصل العاشر:عوامل الإنتصار والهزيمة في الجهاد

67

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد

85

المصادر

93

الفهرس

95

 

 

 

 

 

 

 

 

95


90
آيات الجهاد – تفسير مبسّط ومختصر لآيات الجهاد في القرآن الكريم