أعينوا موتاكم


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-01

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

 الفهرس

المقدّمة                                  

9

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب                        

15

أنت أحبّ الخلق لله                                    

18

أسرار البلاء وأسبابه                      

19

الخير ما اختاره لك                                     

24

البلاءات مِنَح الله                                      

24

آخر الدواء الصبر                                      

25

مصابهم عليهم السلام يهوِّن كلّ مُصاب  

26

البكاء على الميت                                      

27

الفصل الثاني: تنفيذ الوصيّة                            

31

كيفية توزيع التركة ومصارفها الكبرى                    

32

المصرف الأوّل                           

32

المصرف الثاني                                          

33

المصرف الثالث                          

34

مسائل مهمّة في الوصيّة                                  

37

قضاء الولد الأكبر عن والده                            

45


اعتبر من غيرك                           

46

 

 

 

 

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

الوصيّة بالثلث في غير الواجبات                        

48

استحباب الوصيّة بأقلّ من الثلث         

50

الوصيّة بأكثر من الثلث                                

51

الفصل الثالث: صلة الميت                              

53

كيف تصل موتاك؟                                    

57

أنواع الصدقة الجارية                                    

60

زيارة الميت وآدابها                        

63

1- التسليم عليهم                                    

63

2- كيف ندعو للأموات؟                             

64

3 - ماذا نقول على القبر الّذي نزوره؟                   

65

4- ماذا نقرأ من القرآن؟                              

65

5 - ساعة يحتاج فيها إلى أنس الأحياء                

67

آداب متفرّقة في الجبَّانة                   

67

1-كراهة الجلوس على القبر              

67

2-كراهة المشي على القبور              

67

3-كراهة الضحك بين القبور            

67

4-وقت الزيارة                          

68

الفصل الرابع: عادات وسنن              

69

1 - التعزية                             

69

2- تشييع الجنازة                        

70

3- المشي خلف الجنازة                  

70

4- نهي النساء عن المشي في الجنائز     

71

 

 

 

 

 

 

 

 

6


2

الفهرس

 

5- الإطعام في الفواتح والأسابيع        

71

6- المأتم ثلاثة أيام فقط                 

72

7- الوقوف بالميّت على باب الجبّانة     

72

8- اعتقاد خاطئ                       

73

9- السنّة في القبور                      

73

10- تبخير القبور                       

74

11- وضع المصاحف على القبور        

74

12- زيارة القبور يوم العيد              

75

13- التشاؤم من فتح القبور            

75

الوصيّة                                  

77

متن الوصيّة الشرعية                      

78

 

 

 

 

 

 

 

 

 

7


3

المقدمة

 المقدمة



الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسلين سيّدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمّد وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين. 
 
قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾1.
 
إنّه ميزان جعله الله تعالى، للإنسان المؤمن، يزن به نفسه ليدرك أنّه يعبد الله تعالى على حرف بإيمان متزلزل هشّ، أو يعبد الله تعالى بإخلاص ويقين وإيمان راسخ لا يتزعزع ولا يهتزّ لا سيّما في الظروف الصعبة والبلاءات العظيمة.
 
ولا شكّ أنّ هدف الإنسان المؤمن أن يصل إلى اليقين في الإيمان، والإخلاص في العمل اللّذين يورثان رضوان الله تعالى والفوز يوم القيامة والسعادة الأبدية.
 
 
 

1-الحج:11.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

4

المقدمة

 فلينظر المؤمن في أعماق نفسه ليرى هل إنْ أصابه خير اطمأنّ به وفرح ورضي عن ربّه وشكره، وفي حال أنّه إذا ابتُلي بالمصائب والشدائد جزع وضجر، ويئس وحزن، وتألّم وشكا ربّه واتّهمه في عدله وحكمته وجوده ورحمته، فانقلب على وجهه وكفر بربّه، والحال أنّه شكره وحمده ونزّهه عن كلّ عيب ونقص عندما أعطاه وأنعم عليه؟

 
إن كان كذلك فهو يعبد الله على حرف، وفي الظاهر دون الواقع، لأنّه لا يعبده تعالى لأنّه أهل للعبادة ويستحقّ الشكر والحبّ والطاعة والورع عمّا حرَّم ومنع. لا يعبده لأنّه ربّ منعم خالق عزيز جبّار مقتدر. بل في الحقيقة هو لا يعبده تعالى، وإنّما يعبد الدنيا الّتي إن أقبلت عليه رضي عن واهبها ومعطيها، وإن أدبرت ومنعها ربّه عنه حزن وجزع، بل ونقم على مانعها وممسكها عنه. فالّذي يُسرّه ويسعده ويرضيه هو الدنيا لا ربّه وربّ الدنيا وما فيها.
 
إنّ المصائب والابتلاءات إذا اشتدّت وتوالت لا سيّما بفقد الأحبّة والأعزّة وبالأخصّ الأولاد وفلذات الأكباد تضعنا على المحكّ، وتكشف حقيقة إيماننا واعتقادنا. والله تعالى لم يخلقنا ليمتحننا ويبتلينا ثمّ يُعدمنا الوسيلة - والعياذ بالله - بل خلق فينا قابلية الصبر الّذي نستطيع أن نواجه به البلاء مهما عظم واشتدّ، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

5

المقدمة

  وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾1.

 
ولكي يتحلّى الإنسان بالصبر لا بدّ من توفير عوامل عديدة: أهمّها رسوخ الإيمان بالله واليوم الآخر، ومعرفة الدنيا على حقيقتها والاهتمام بمعرفة أسرار البلاءات ووجوه المصائب وما تحمل في باطنها من حِكَم ورحمة إلهيّة.
 
وهذا الأمر بالخصوص هو ما نحاول تسليط الضوء عليه في الفصل الأوّل من هذا الكتيّب لنساعد صاحب المصيبة ولنقف إلى جانبه ونسلّيه بمصابه ونخفّف عنه بعض آلامه - لا سيّما من فقد عزيزاً وحبيباً - وذلك ببيان أسرار البلاء والمصائب ووجوه الحكمة والرحمة فيها، كما أطلعنا الله تعالى على بعضها في كتابه الكريم وتفضّل علينا نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته عليهم السلام ببيان بعض آخر حسب ما وردنا عنهم عليهم السلام.
 
ونلاحظ شيئاً عجيباً من كثير من الناس الّذين عزَّ عليهم فقْد من فقدوا وهم يحبّونهم ويشفقون عليهم. وقد آلمهم الكثير ممّا آلمهم في حياتهم كما كان يسعدهم ما يسعدهم في الدنيا. ثمّ عندما يستعيد الله أمانته ويدعوهم إليه وينقلهم إلى عالم آخر، هم أحوج فيه إليهم هناك، فيتركونهم بعد قليلِ حزنٍ وبكاء، وينسونهم ولو من بعض صلةٍ قد تخفّف عنهم بعض ما هم
 
 
 
 

1-البقرة:155-156.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

6

المقدمة

  فيه، لا سيّما في أمور قد اشتغلت بها ذممهم للناس ولله تعالى. وقد فتح الله لنا - بكرمه ورحمته - نافذة نعبر منها لنساعدهم ونخفّف عنهم بعض آلامهم، وندخل الفرحة والسعادة إلى قلوبهم وأرواحهم فيما لو كانت معذّبة بسبب تقصيرهم في الدنيا.


فلو كنّا نحبّهم بحقّ وأحزننا وآلمنا فقدهم كثيراً، فلماذا نهجرهم ونتركهم في وحدتهم ووحشتهم وغربتهم ولا نساعدهم يوم حاجتهم وفقرهم، بعد أن انقطعوا عن العمل ولعلّهم قصّروا بالعمل مع ربّهم لأجلنا وأجل سعادتنا في الدنيا فباعوا دنياهم بدنيانا وأحياناً باعوا آخرتهم بدنيانا؟. 

أين الحبّ، والشفقة، والحزن، وألم الفراق؟! ثمّ إذا قرأ الحبيب, ومدّعي الإيمان, وصيّة حبيبه وعزيزه يبكي قليلاً ثمّ يرميها جانباً ويرفض تنفيذها - لأنّه قد أوصى بسدّ ديون الله والخلق ممّا ترك من ماله وكدّه وسعيه! - لماذا يأبى أن يستنيب له من يقضي عنه بعض الفرائض الّتي قصَّر في أدائها مع أنّه لم يكلّفه بشيء من جيبه؟!

في هذه الأمور، وفي غيرها من موارد الوصيّة ومضامينها، قد يتعمّد الوارث إهمالها وعدم تنفيذها، وقد لا يكون ذلك عن عمد بل لجهله بأحكامها وقوانينها، ولذلك عقدنا فصلاً ثانياً في تنفيذ الوصيّة وكيفيّتها وشرائطها ومسؤوليّته الشرعيّة والأخلاقيّة تجاه الميت.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

7

المقدمة

 ثمّ بعد ذلك عقدنا فصلاً ثالثاً في صلة الميت وعدم تركه وهجرانه ونسيانه بالتبرّع عنه لإفراغ ذمّته ممّا اشتغلت به، والتطوّع عنه بالمستحبّات؛ من دعاء له وقراءة قرآن وصلاة عنه وصدقة وزيارة لقبره يترحّم عليه عنده وغيرها، ممّا ينتفع به الميت الّذي يعزّ علينا فقده، لا سيّما من كان من أرحامنا وبالأخصّ وَالِدَينا. 

 
وفي الفصل الرابع والأخير ذكرنا بعض العادات والتقاليد الّتي تمارس في مناسبات الموت وما يرتبط به إلى ما بعد الدفن؛ لنميّز بين الّذي له أساس شرعيّ ممّا ليس له أساس شرعيّ ودينيّ وقد تلبّس بلباس الشرع والدين وانتسب له ولو بفهم الكثير من الناس البسطاء، وغيرهم من الّذين لم يتفقّهوا في الدين ولم يرجعوا إلى مصادره الصحيحة. 
 
كما وألحقنا في هذا الكتاب نموذجاً عن الوصيّة، إكمالاً لفائدة الكتاب.
 
وقمنا بعرض جميع المسائل الفقهية الواردة في هذا السِفر على مكتب الوكيل الشرعي للسيّد علي الحسيني الخامنئي دام ظله في لبنان فنشكر جهودهم المبذولة، كما ونشكر سماحة الشيخ أمين سعد على الجهد الذي بذله في إعداد هذا السِفر.
 
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل من الجميع هذا العمل وينفع به الفقيد وأهله، إنّه نِعمَ المولى ونِعمَ المجيب.
 
مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

8

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 الفصل الأوّل:

 
 الصبر على المصاب
 
قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾1.
 
الدنيا لا تكون دنيا إذا لم يكن فيها موت ومرض وفقر وخسارة وآلام وأحزان وفراق للأحبّة و... وإن كان أيضاً لجود الله وكرمه وحكمته، فيها حياة وصحّة وغنىً وربح ووصال ولذّة وسعادة وفرح وسرور... بل لا يمكن - بحسب عالم المادّة الّذي يحكم قوانين الدنيا - إلّا أن يكون فيها من الصنفين. فلا غنى إلّا بفقر، ولا ربح إلّا بخسارة، ولا مساكن وقصور فاخرة إلّا بعمّال فقراء يكدحون أكثر وقت يومهم بالعمل الشاقّ المضني، ولا زواج إلّا بفراق البنت لأهلها والولد لوالديه، ولا أولاد إلّا بجهدٍ وعناء وألم. والأمثلة على هذا من حياتنا فوق حدّ الإحصاء.
 
 
 

1-البقرة:155- 157.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

9

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 فليس في الدنيا خير مطلق وسعادة بلا شقاء، كذلك ليس فيها شرّ مطلق وشقاء بلا سعادة. وفي هذه الدار خلق الله تعالى الإنسان واقتضت حكمته أن يمتحنه ويختبره، أيشكر على النعم ويستعملها في الخير ورضا الله تعالى، أم يغرق في شهوات الدنيا ولذائذها ويسير خلف رغباته وميوله ولو كانت في سخط الله تعالى؟


وإن عرضت عليه مصيبة وبلاء هل يصبر ويستعين بالله تعالى حتّى يرفع عنه مصيبته ويخرجه من شدّته، أم يكفر ويتّهم الله في عدله ورحمته ويطغى على سيّده ومولاه؟.

وبعبارة أخرى هل يختار الدنيا على الآخرة والعاجلة على الآجلة ومتاعاً فانياً على سعادة باقية؟ أم يختار جنان الله خالداً فيها وعطاءً غير مجذوذ ونعمة لا تزول؟

إذاً: المهمّ هو كيف نتعاطى مع المصيبة والبلاء؟ وكيف نتصرّف عند الفتنة والاختبار؟ ولا ينبغي أن نتوقّع في هذه الدار أن نبقى فيها ونخلد، وأن تُرفع عنّا كلّ مِحَنها ومصائبها. فهذا لن يكون في الدنيا أبداً.

يُروى عن الإمام الصادق عليه السلام : "أنّ قوماً فيما مضى قالوا لنبيّ لهم ادعُ لنا ربّك يرفع عنّا الموت، فدعا لهم فرُفِع عنهم بدعوة نبيّهم. ثمّ كثروا حتّى ضاقت عليهم المنازل وكثر النسل، وأصبح الرجل يطعم أباه وجدّه وجدّ جدّه وهكذا من طرف أمّه ثمّ يوضبهم ويتعاهدهم في كلّ شؤونهم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

10

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

  وحوائجهم حتّى شغلوا عن طلب المعاش. فقالوا لنبيّهم بعد ذلك سل لنا ربّك أن يردّنا إلى حالنا الّتي كنّا فيها"1.

 
وإن أردت داراً لا شقاء فيها ولاتعب ولا نصب، ولا حزن ولا ألم، ولا خسارة ولا موت فقد وعد الله تعالى بها الّذين آمنوا وعملوا الصالحات واجتازوا الاختبار وامتازوا عن الأشرار.
 
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾2.
 
وقال تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾3
 
وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾4.
 
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"5
 
 
 

1-الكافي، ج3، ص260.
2-الحجر:45-48.
3-الزخرف:71.
4-فاطر: 34-35.
5-الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 281.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

11

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 أنت أحبّ الخلق لله

 
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال فيما أوحى الله تعالى لموسى بن عمران عليه السلام: "يا موسى ما خلقت خلقاً أحبَّ إليّ من عبدي المؤمن، وإنّما أبتليه لما هو خير له وأزوي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، وليرضَ بقضائي أكتبه في الصدّيقين عندي إذا عمل برضائي وأطاع أمري"1.
 
فالله يحبّ عبده المؤمن، بل لم يخلق أحداً أحبّ إليه منه فإذا ما ابتلاه - والبلاء حتم لا بدّ منه في الحياة الدنيا - فلا يبتليه إلّا بما هو خير وصلاح له، ولا يزوي عنه ما يحبّه ويريده إلّا لصلاح دينه أو دنياه بدفعه عنه وحرمانه منه. فإذا عرف العبد أنّ الله لم يبتلِه إلّا لما هو خير له وصلاحه يسهل عليه الصبر حينئذٍ، بل يستوجب ذلك منه الشكر والرضا. وهذه هي الغاية من خلق الإنسان في الدنيا.
 
 
 

1-الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص62.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

12

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 أسرار البلاء وأسبابه

 
إنَّ معرفة أسرار وأسباب البلاء تسهِّل على المؤمن الصبر وتقوّي العزيمة لديه. ولهذه الغاية نذكر خلاصة هذه الوجوه مع ذكر بعض الروايات، ثمّ نذكر بعد هذا فوائد الصبر وثوابه عند الله تعالى وما ذُكِر فيه عن طريق رسول الله وأهل بيته عليهم السلام. 
 
1- البلاء عقوبة:
 
عندما يعرض لك بلاء ومصيبة تَفكَّر في أنّه قد تكون أنت السبب فيكون هذا البلاء عقاباً لك على بعض المعاصي الّتي اقترفتها. قال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾1.
 
ومع هذا فالله تعالى يعفو عن كثير ولا يأخذنا بكلّ ذنوبنا لكرمه وجوده ورحمته. قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾2.
 
2- امتحان وابتلاء:
 
إنّ الهدف من خلق الإنسان في الحياة الدنيا هو الامتحان والاختبار، وهذا لا يتمّ إلّا بالبلاء والفتنة ليميز الله المؤمن من
 
 
 
 

1-آل عمران:165.
2-الشورى:30.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

13

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

  الكافر والصابر من الجازع والخبيث من الطيّب، ليلتحق كلٌّ بالعالم الّذي يناسبه. قال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾1.

 
3- لعلّه خير:
 
لا بدّ أن تعلم أنّه ليس كلّ بلاء في الدنيا هو شرّ ونقمة عليك، بل قد يكون خيراً لك ولكن لعدم إحاطتك بكّل شيء لا سيّما في مستقبل الأمور قد تظنّ أنّه شرّ لك وفي الواقع هو خير. قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾2، لا سيّما إن كنت متوكّلاً في كلّ أمورك وشؤونك على الله، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾3.
 
4- إيقاظ وتنبيه:
 
لعلّ الله تعالى وجدك غافلاً عن آخرتك وغارقاً في الدنيا وملهياتها، فأراد لحبّه لك أن يوقظك من غفلتك ويذكّرك به تعالى، كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : "إذا أراد الله عزَّ وجلَّ بعبد خيراً فأذنب ذنباً تبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار، وإذا أراد الله عزَّ وجلَّ بعبد شرّاً فأذنب ذنباً تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى به..."4.
 
 
 

1-آل عمران:142.
2-البقرة:216.
3-الطلاق:3.
4-بحار الأنوار، ج70، ص 387.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

14

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 ونسيان ذكر الله والإخلاد للدنيا أعظم بلاء على ابن آدم، لأنّه يوجب حرمان الجنّة وحرمان رضوان الله وجوار رسوله وأهل بيته عليهم السلام. ولذلك روي عن الإمام عليّ عليه السلام : "ما ابتلى الله أحداً بمثل الإملاء له"1 أي الإهمال والاستدراج للمعصية. 

 
5- تطهير من الذنب:
 
لعلّ الله تعالى ابتلاك ليعاقبك على ما اقترفت في الدنيا. ولحبّه تعالى لك يريد أن يطهّرك قبل رحيلك من الذنوب الّتي لا تستطيع تحمّل عقابها في الآخرة مهما قلَّ وقصرت مدّته.
 
ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال ليونس: "يا يونس إنّ المؤمن أكرم على الله تعالى من أن يمرّ عليه أربعون يوماً لا يمحّص فيها من ذنوبه ولو بغمّ يصيبه لا يدري ما وجهه... فيكون ذلك حطّاً لبعض ذنوبه"2.
 
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "صداع ليلة يحطّ كلّ خطيئة إلّا الكبائر"3.
 
وعن الامام الباقر عليه السلام "إنّ الله عزَّ وجلَّ إذا كان من أمره أن يكرم عبداً وله ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل ذلك له ابتلاه بالحاجة، فإن لم يفعل به ذلك شدَّد عليه الموت ليكافيه بذلك الذنب، قال: وإذا كان من أمره أن يهين عبداً وله عنده حسنة
 
 
 

1-نهج البلاغة، ج4، ص28.
2-مستدرك الوسائل، ج2،ص60.
3-ثواب الأعمال، 193.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

15

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

  صحّح بدنه، فإن لم يفعل به ذلك وسّع عليه في رزقه، فإن هو لم يفعل ذلك به هوَّن عليه الموت ليكافيه بتلك الحسنة"1.

 
وعنه عليه السلام أيضاً: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على خديجة عليها السلام لمَّا مات ابنها القاسم فقال صلى الله عليه وآله وسلم : "إن الله تعالى أحكَم وأكرم من أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثمّ يعذّبه بعدها أبداً"2.
 
6- أجر وثواب:
 
إذا ما عُرِّض ابن آدم للبلاء ولم يكن عقوبة له على معاصيه أو تمحيصاً له من ذنوبه أو تذكيراً له بربّه، أو لمصلحة له في الدنيا، هل يعوِّض له الله يوم القيامة بالأجر والثواب عمّا عاناه في الدنيا، أم إنّ الأجر والثواب لا يكون إلّا على الأفعال الاختيارية والعبادية؟
 
لو نظرنا إلى صفات الله وأسمائه الحسنى وغضضنا النظر عن الآيات والروايات، لجزمنا بهذا العطاء والتعويض يوم القيامة. فهو الجواد الكريم الرحيم المتفضِّل الّذي ابتدأنا بالنعم من دون طلب أو سؤال، الّذي لا تزيده كثرة العطاء إلّا جوداً وكرماً. ومع هذا فقد صرَّحت روايات المعصومين عليهم السلام بهذه الحقيقة.
 
ففي وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للإمام عليّ عليه السلام : "يا عليّ أنين المؤمن تسبيح وصياحه تهليل..."3.
 
 
 

1-الكافي، ج2، ص444.
2-م. ن، ج3، ص318.
3-الوسائل، ج2، ص400.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

16

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 وفي رواية: كتب رجل إلى الإمام الجواد عليه السلام يشكو إليه مصابه بولده وشدّة ما دخله، فكتب له عليه السلام: "أما علمت أنّ الله عزَّ وجلَّ يختار من مال المؤمن ومن ولده أنفسه ليأجره على ذلك؟"1

 
فإن كنت مصاباً بهذا المصاب ودخلك ما دخل هذا الرجل، فأرِح نفسك وأسعدها بما ادَّخر الله لك من الثواب العظيم. وارجُ - ثقة منك بالله تعالى - لعزيزك وفقيدك أعظمَ أجرٍ، وأهنأ دارٍ ومقامٍ عند ربّك وفي جوار رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الميامين الأطهار، والله عندَ حسن ظنّ عبده المؤمن.
 
7- يحبّب لقاء الله:
 
البلاء في بعض الروايات يحبِّب لقاء الله تعالى؛ لأنّ الدنيا إن صفت للإنسان ولم تتكدّر عليه قد لا يحبّ مفارقتها أبداً فيبغض لقاء الله تعالى الّذي ينتزعه من أحضان من أحبَّ وعشِق.
 
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هبط جبريل عليه السلام في أحسن صورة فقال: يا محمّد: الحقّ يقرئك السلام ويقول لك: "إنّي أوحيت إلى الدنيا أن تمرّري وتكدّري وتضيّقي وتشدّدي على أوليائي حتّى يحبّوا لقائي، وتيسّري وتسهّلي وتطيّبي لأعدائي حتّى يبغضوا لقائي، فإنّي جعلت الدنيا سجناً لأوليائي وجنّة لأعدائي"2.
 
 
 

1-الكافي، ج3، ص218.
2-البحار، ج78، ص194.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

17

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 الخير ما اختاره لك 

 
فبعد كلّ هذا نعرف أنّ المؤمن الّذي أحبه الله تعالى بل هو أحبُّ خلقه إليه قد تكفَّل ربّه أن يتولّى أمره ويدبّر شؤونه. ومن كان الله وليّه ووكيله فلا يمكن أن يختار له إلّا ما هو خير له.
 
فلا تغترّ بالنعمة فتظنّها خيراً لك، ولا تيأس من المصيبة والبلاء فتظنّه شرّاً لك، وضَعْ أمرك عندالله تعالى وتوكّل عليه، ولن يختار لك إلّا ما هو خير لك ولصالحك في الدنيا والآخرة أو في الآخرة، والآخرة خير وأبقى وهي همّك ومبتغاك. 
 
البلاءات مِنَح الله 
 
إعلم أنّ البلاء - إن كنت مؤمناً صالحاً - لا أنّه يستوجب الصبر فقط، بل هو نعمة لا بدّ أن تحمد الله عليها وتشكره. 
 
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تكون مؤمناً حتّى تعدّ البلاء نعمة والرخاء محنة؛ لأنّ بلاء الدنيا نعمة في الآخرة ورخاء الدنيا محنة في الآخرة"1.
 
ومن هنا تعرف سرّ الروايات الّتي تذكر أنّ الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه. 
 
بل في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام لأحد أصحابه: "إنّ الله إذا أحبّ عبداً غتَّه بالبلاء غتّاً، وإنّا وإيّاكم لنصبح به ونمسي"2.
 
 
 
 

1-البحار، ج64، ص237.
2-الكافي، ج2، ص253.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

 


18

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 فالبلاء خير لك ولصالحك ومنحة وهديّة من الله تعالى. البلاء حبّ وعناية ولطف وكرم منه تعالى؛ وهل يرفض عاقل مؤمن عطايا الله تعالى؟! وهل من الإنصاف المرور على هذه النعمة واللطف الإلهيّ من دون عظيم الحمد والشكر؟!.

 
هذه بعض أسرار البلاء ووجوه المصائب الّتي تُصَبُّ على المؤمن.
 
آخر الدواء الصبر
 
فإن كانت نفسك مع كلّ هذا لا ترى - بعين اليقين - الرحمةَ والخيرَ والصلاح في بواطن المصائب والبلاءات حتّى تحبّ ما أحبّ الله لك، إذاً: لا بدّ أن تعلم أنّ الإنسان ما لم يتجاوز المحن والامتحانات الإلهيّة بالصبر وعدم الجزعِ والشكوى والتأففِ لن يكتب له النجاة يوم القيامة، ولن يكون من أهل الجنّة والرضوان، والباقياتِ الصالحات، بل هو ممَّن أخلد إلى الأرض ومتاع الدنيا وغرورها، وناله من نصيبها ما ناله، وحُرِم بل حَرَم نفسه من نعيم الآخرة وسرورها، وما ربّك بظلّام للعبيد.
 
بالصبر يفوز ابن آدم ولن يحرمه ربّه منه. ومن استزاده زاده الله وثبّته ولو كانت النوائب والمصائب لا تتحمّلها الجبال الّتي ترسي دعائمها الأرض وما فيها.
 
ويكفي لمن أراد أن يستمدّ الصبر من الله تعالى أن يتفكّر في بشارة الصابرين من أصدق القائلين في كتابه الكريم: ﴿وَبَشِّرِ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

19

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾1.

 
مصابهم عليهم السلام يهوِّن كلّ مُصاب 
 
فليذكر المؤمن المحبّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصابه به كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام لعمر بي سعيد الثقفيّ: "إن أُصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك فاذكر مصابك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثله قطّ"2


وورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من عظمت عنده مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنّها ستَهُون عليه"3.
 
فليذكر المؤمن مصيبته بالإمام عليّ عليه السلام ، والسيّدة الزهراء عليها السلام ، والإمام الحسن عليه السلام ، وما جرى في كربلاء مع ريحانة رسول الله وأهل بيته وأصحابه. فليذكر مصابه بالعترة الطاهرة من ولد الإمام الحسين عليه السلام لا سيّما مصيبته بغيبة إمام زمانه عجل الله فرجه الشريف وتألّمه وحزنه على شيعته والجور عليهم، وعلى انتشار الشرك والإلحاد ومحاربة الدين والمذهب، والترويج للفساد والبدع، فإنّ كلّ هذا يهوّن عليه ويخفّف عنه مصابه وما ألمَّ به.
 
 
 

1-البقرة:155-157.
2-الكافي، ج3، ص220.
3-م.ن.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

20

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 البكاء على الميت 

 
قد يسأل سائل: هل يتنافى البكاء مع الصبر؟ وهل هو من علامات الجزع الّذي يتنافى وحقيقة الإيمان والتسليم لله تعالى أم لا؟
 
إنّ البكاء الّذي لا يخرج عن حدّ الاعتدال خلقه الله تعالى منحة منه لعبده ليريحه ويسكّن ألمه؛ ولذلك لا يمكن أن ينهى الله تعالى عنه ويُحرِّمه على عبده ما لم يفرط فيه ويوصله إلى الجزع الّذي ينافي الصبر والتسليم لأمر الله تعالى وحُكمه وقضائه. 
 
ولذلك قد ورد حصوله حتّى من رسول الله لمّا مات ابنه إبراهيم حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم : "حَزِنَّا عليك يا إبراهيم، وإنّا لصابرون. يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الربّ"1.
 
وهذا هو المهمّ الّذي لا ينبغي - مهما عظم المصاب - أن يغفل عنه الإنسان المؤمن، أي أن يصبر ولا يقول ما يسخط الربّ لا بلسانه ولا بجنانه وقلبه، فضلاً عن أفعاله وتصرّفاته.
 
وفي بعض الروايات عن منصور الصيقل قال: "شكوت إلى الصادق عليه السلام حزناً على ابن لي مات، حتّى خِفْتُ على عقلي، فقال عليه السلام : إذا أصابك من هذا شيء فأفض من دموعك فإنّه يسكن عنك"2.
 
إذاً ليس النهي عن أصل البكاء، بل البكاء الّذي يُفقِد 
 
 
 

1-الوسائل، ج3، ص280.
2-الكافي، ج3، ص250.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

21

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 الإنسان صبره، أو الّذي يظهر صاحبه بمظهر الجازع الشاكي غير الراضي بقضاء الله. ولذلك ورد النهي في رواياتهم عليه السلام عن لطم الوجه والصدر وشقّ الثوب. وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام عندما سأله جابر بن يزيد الجعفيّ عن الجزع، فقال عليه السلام : "أشدّ الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر..."1.

 
وفي رواية عن عمرو بن أبي المقدام قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "تدرون ما قوله تعالى: ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾؟ قلت: لا، قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لفاطمة عليها السلام : إذا أنا مِتُّ فلا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تنشري عليّ شعراً، ولا تنادي بالويل، ولا تقيمي عليَّ نائحة، قال: ثمّ قال: هذا المعروف الّذي قال الله عزَّ وجلَّ"2.
 
وهذا يدلّ على أنّ من وظيفة الرجل أن يأمر أهله بالمعروف ويساعدهم على عدم الخروج عن طورهنّ بالصراخ والعويل ولطم الصدور... ولذلك يُروى أنّه لمّا ورد الإمام عليّ عليه السلام الكوفة قادماً من صفّين مرَّ بالشاميِّين فسمع بكاءً على قتلى صفّين، فقال عليه السلام لشرحبيل الشاميّ: "تغلبكم نساؤكم على ما أسمع؟ ألا تنهونهنّ عن هذا الرنين (أي الصياح والصراخ)؟"3
 
 
 

1-الكافي، ج3، ص 222.
2-م. ن، ج5، ص 527.
3-نهج البلاغة، ج4، ص 77.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

22

الفصل الأوّل: الصبر على المصاب

 ومن هنا لا بدّ من الالتفات إلى أنّ المؤمن الواعي لا بدّ أن يلتفت لدقائق الأمور حتّى في عظيم المصائب، وليتأدّب بهذا الأدب وليؤدّب أهل بيته بهذا. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾1.

 
 
 

1-التحريم:6.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

23

الفصل الثاني: تنفيذ الوصيّة

 الفصل الثاني:

 
 تنفيذ الوصيّة
 
بعد أن تمّ الكلام عن التعاطي مع المصيبة، ننتقل إلى الحديث عن كيفيّة التعاطي مع المصاب على مستوى توزيع التركة وتنفيذ الوصيّة، والشرائط، وعن المسؤولية الأخلاقية والشرعية الملقاة على عاتق الوارث والوصيّ لتخليص ذمّة الميت، وتنفيذ ما يحبّ ويرغب، وحدود كلّ منها. 
 
قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾1
 
للوصيّة أحكام كثيرة أفرد لها الفقهاء في الرسائل العمليّة كتاباً مستقلّاً بعنوان "كتاب الوصايا" أو "كتاب الوصيّة". وليس من الضروريّ هنا أن نتعرّض لكلّ ما ذكره الفقهاء بل نقتصر على ذكر المسائل الأساس دون الخوض في جميع التفاصيل، لا
 
 
 

1-البقرة:180-182.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

24

الفصل الثاني: تنفيذ الوصيّة

  سيّما الاحتمالات والوجوه الدقيقة والمعقّدة، لذلك لن يستغني القارئ الكريم عن الرجوع إلى أهل الخبرة من علماء الدين عند الحاجة لتنفيذ الوصيّة؛ لتشخيص الواجب تنفيذه من غير الواجب، والباطل من غيره، والأولى في التنفيذ من غيره عند عدم كفاية المال الّذي تركه الميت لكلّ وصاياه، وغيرها من الاحتمالات الدقيقة الّتي تحتاج إلى دراسة تخصّصية لفهمها وتطبيقها على محلّها المناسب.


كيفية توزيع التركة ومصارفها الكبرى

 نقدِّم على هذه المسائل بياناً للمصارف الأساس الّتي توزّع عليها تركة الميت لنساعد القارئ على فهم هذه المسائل بشكل أوضح. 

المصرف الأوّل

وهو ما يُصرَف من تركته على ما يجب إخراجه من أصل التركة قبل أيّ تصرّف فيها. وهي أمور عديدة لها الأولوية على غيرها من مستحقّات ما بعد الموت، فتؤخذ من مجموع التركة قبل تنفيذ الوصيّة وقبل توزيع حصص الورثة، وهذه الأمور هي: 

1- الكفن، وسائر مؤن التجهيز الواجب الّتي تحتاج إلى بذلِ مالٍ بما يناسب شأنه، دون الزائد عن المقدار الواجب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

25

الفصل الثاني: تنفيذ الوصيّة

 2- ديون الناس. 

 
3- ما عليه من حقّ شرعيّ في أمواله، كالخمس والزكاة. وأمّا الكفّارات وردّ المظالم والنذور المالية فإنّها تخرج من أصل التركة عند بعض الفقهاء1 ومن الثلث عند بعضهم الآخر إن أوصى بها. (ولذلك لا بدّ هنا من ذكر مرجع التقليد لمن يشرف على تنفيذ الوصيّة). 
 
4- الحجّ الواجب بعد أن استقرّ في ذمّته (بحيث كان مستطيعاً ولكنّه تركه عمداً).
 
المصرف الثاني
 
ما يخرج من ثلث التركة. وهو الثلث الخاصّ بالميت. والثلث يحسب بعد إخراج كلّ ما تقدّم في المصرف الأوّل، والمتبقّي من التركة يقسم أثلاثاً. ثلثٌ منها للميت يخرج منه وصاياه وهي أمور:
 
1- كلّ ما يريد إعطاءه أو صرفه أو وقفه من أمواله على أشخاص أو جهات عامّة.
 
2 - ردُّ المظالم ووفاء النذور والكفّارات عند بعض الفقهاء.
 
3 - كلّ ما يريد أن يستناب به عنه من صلاة أو صيام. وهكذا سائر القربات والطاعات؛ كالحجّ والعمرة وزيارة المراقد المقدّسة وغيرها من القربات الّتي تستلزم بذل
 
 
 

1-وهو أيضاً رأي الإمام السيّد الخامنئي دام ظله .

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

26

الفصل الثاني: تنفيذ الوصيّة

  المال، فيخرج من الثلث بعد أن يوصي بها.

 
4 - أيضاً يخرج من الثلث كلّ الأمور الّتي ذكرناها في المصرف الأوّل إذا نصّ في وصيّته على إخراجها من الثلث.
 
المصرف الثالث
 
حصص الورَّاث الّتي هي ثلثا الباقي من التركة إن صرف تمام الثلث في وصايا الميت. وإن بقي شيء من الثلث فإنّه يُضم إلى الثلثين ويوزع معهما على الورَّاث. 
 
ولذلك إن أوصى بالزائد عن الثلث فإنّه لا يجب تنفيذ الوصيّة في الزائد عنه إلّا إذا وافق الورثة، إلّا إذا كان الزائد ممّا يخرج من أصل التركة، كالديون ونفقات التجهيز والحجّ الواجب، فيجب عليهم حينئذٍ أن ينفِّذوها ولو من غير الثلث الخاصّ به.
 
ثمّ إنّه لا بدّ من الالتفات إلى أنّه لا يجوز التصرّف في التركة وتوزيع الحصص قبل إخراج مصارف أصل التركة والوصايا، وقد أشار الله تعالى إلى هذا في قوله تعالى في القرآن الكريم: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

27

الفصل الثاني: تنفيذ الوصيّة

 أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾1

 
 

1-النساء: 11-12.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

28

مسائل مهمّة في الوصيّة

 مسائل مهمّة في الوصيّة


بعد أن بيَّنَّا كيفيّة توزيع التركة، وعرفنا مقدار حقّ الموصي في تنفيذ وصاياه، وأنّه لا حقَّ له في إلزام الورثة في تنفيذ وصاياه إلّا في حدود ثلث التركة إذا لم تكن من قبيل مصارف أصل التركة، من المهمّ أن نرجع للكلام عن الوصيّة ونستعرض أهمّ المسائل التي تكثر الحاجة إليها بصيغة سؤال وجواب.

1- لو أوصى بالكلام أو بالإشارة فقط دون أن يكتب فهل يجب تنفيذ الوصيّة أم لا بدّ من الكتابة؟

ج - يكفي في ثبوت الوصيّة كلّ ما دلّ عليها من لفظ صريح أو غير صريح، أو فعل، أو إشارة، أو كتابة بخطّ يده، أو لا بخطّ يده ولكن مذيّلة بتوقيعه في كلا الموردين بحيث يُعلم منه إرادة العمل به بعد موته.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

29

مسائل مهمّة في الوصيّة

 2- كيف تثبت الوصيّة؟


ج - تثبت الوصيّة بشهادة عدلين من الرجال أو شاهد ويمين أو شاهد وامرأتين أو بشهادة أربع نساء. وتثبت أيضاً بكلّ ما يفيد العلم والاطمئنان بصدورها عن الموصي، كما لو كان هناك تسجيل بصوته - مع صورته أو بدونها - وعُلِم أنّه خال من التزوير، أو كانت الوصيّة مكتوبة بخطّ يده، أو تحمل توقيعه بنحو يُعلم أو يُطمأنّ بكونها له وصادرة عنه، حتّى لو لم يكن عليها شهود.

3 - لو أوصى، ثمّ وجدنا وصيّة بتاريخ متأخّر عن الأولى فهل تبطل الأولى ويجب العمل بالمتأخّرة، أم يجب العمل بالسابقة، أم بكليهما ولو عن طريق التبعيض؟

ج - إن الوصيّة الثانية هي الّتي يجب العمل بها؛ لأنها تُعتَبر عدولاً عن الوصيّة الأولى، ولا شكّ أنّه يجوز للموصي أن يعدِل عن وصيّته ويغيِّر ما فيها، أو يغيّرها كلّها. وعليه فمع وجود الثانية تعتبر الأولى لاغية. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

30

مسائل مهمّة في الوصيّة

 4-ما حكم التصرّفات الماليّة الّتي تصدر من المريض مرضة الموت كالبيع والإجارة والوصيّة والهبة وغيرها من المعاملات الماليّة؟

 
ج - لا شكّ أنّ التصرّفات الماليّة الّتي تصدر عن المريض في مرض الموت - كالبيع والإجارة - إن لم تستلزم المحاباة ونقصاً في أمواله فهي صحيحة، ولا بدّ من الالتزام بمضمونها. ولكن قد يصدر عنه بعض التصرّفات المالية كالهبة أو البيع مثلاً بأقلّ من القيمة السوقية لما باعه، أو يؤجّر شيئاً بأقلّ من الأجرة المتعارف عليها لهذا الشيء، وهنا قد يظنّ بعضهم أنّ الشرع قد وضع حدَّاً للمريض في مرض الموت، فقيَّد سلطته على أمواله ولم يجوِّز له هذه التصرّفات - بالزائد عن الثلث الخاص به - لأنّها توجب حرمان الوارث من التركة أو تقليل حصّته منها، ولكن هذا الظنّ ليس صحيحاً وفي غير محلّه عند مشهور علمائنا1 حيث إنّهم لم يقيّدوا سلطته في أمواله، فيجوز له أن يبيع ويشتري ويؤجِّر ويستأجر ويهب ويوصي كيف يشاء ولمن شاء، طالما هو في وعيه وإدراكه حتّى ولو كان على فراش الموت سواء كان في ثلث ما يملك أم زائداً عليه، نعم
 
 
 


1-كما هو رأي الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

31

مسائل مهمّة في الوصيّة

  الوصيّة لا تنفذ إلا في خصوص الثلث كما تقدّم.


5- وهنا لا بدّ من التعرّف إلى مسألة هامّة ترتبط بالهبة لذي الرحم. والسؤال هو أنّه هل يجوز للواهب لابنه أو لأخيه أو لأيّ رحم من أرحامه أن يستردّ ما وهبه,أم لا يجوز ويجب على الورثة إعادتها للموهوب له لو كان المورِّث قد استعادها منه من دون طيب نفسه ورضاه؟

ج - لا يجوز استعادة الهبة إن كانت لرحم من أرحامه، إذا لم يكن الموهوب له راضياً بالإرجاع. ولو استرجعها الواهب وكانت باقية في أمواله يجب ردّها فوراً للموهوب له، ولا يحسبها الورثة من تركة الميت إن بقيت مع أمواله، ولا يحقّ لهم أن يتذرّعوا بما يتذرّع به عادة مَن لا دين له بأنّها غير مسجّله باسمه، أو ليس عنده فيها حجّة وأوراق ملكية، ما دام قد ثبت أن الواهب قد وهبه إيّاها ولا يجوز الرجوع بها شرعاً. 

وإن كان الميت قد تصرَّف بها ببيع أو هبة أو أيّ معاملة أخرى فالمعاملة باطلة إلّا إذا رضي الموهوب له وأمضى المعاملة. 

إذاً لا بدّ من الالتفات جيّداً إلى هذه المسألة والتدقيق فيها؛
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

32

مسائل مهمّة في الوصيّة

  لأنّها كثيرة الحصول في بلادنا إمّا للجهل بالحكم الشرعيّ أو لعدم المبالاة فيه.

 
6-هل يجوز تبديل الوصيّة لشيء أنسب ممّا أوصى به الموصي أم لا؟
 
ج - بكلّ تأكيد "لا". فالناس مسَلَّطون على أموالهم، طالما لم تخالف الشرع ولم تستلزم الحرام. سأل محمّد بن مسلم الإمام الباقر عليه السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل الله، قال عليه السلام : "أعطه لمن أوصى له به وإن كان يهوديّاً أو نصرانيّاً إنّ الله عزَّ وجلَّ يقول:﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾1 "2.
 
7-إذا أوصى على خلاف الشرع فهل يجب تنفيذ الوصيّة أم أن تنفيذها هنا محرّم ولا بدّ من ردّها إلى المعروف من الشرع؟
 
ج - قال تعالى:﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْه﴾3 أي يجوز تبديل الوصيّة. بل يجب فيما لو جارَ الموصي وظلمَ بوصيّته ولا يجوز لأحد تنفيذ مثل هذه
 
 
 

1-البقرة:181.
2-الوسائل، ج19، ص239.
3-البقرة:182.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

33

مسائل مهمّة في الوصيّة

 الوصيّة المخالفة للدين والشرع، كما لو أوصى بحرمان أحد الورثة من حصّته لأسباب نبيلة أو غير نبيلة كما هو شائع كثيراً بالنسبة لحرمان البنات من حقّهم في الإرث. فبعد أن بيَّن الله تعالى السهام في الإرث في سورة النساء ومنها سهم البنات والأخوات يقول الله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾1.

 
وعن الإمام الباقر عليه السلام : "من جار في وصيّته لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة وهو تعالى عنه معرض"2. ففي هذه الحالة يجب على الوصيّ أن يردّها إلى المعروف من الشرع في توزيع السهام ولا يُعتبر هذا تحريفاً للوصيّة. نعم هو تبديل ولكن بإذن من الشرع المقدَّس.
 
8-إذا عيَّنَ الموصي وصيَّه- من الورثة أم من غيرهم - هل يجوز تجاوز رأيه وتجاهله في تنفيذ الوصيّة أم أن تنفيذها لا يجوز من دون إذنه؟
 
ج - إذا كان الموصِي قد عيَّن وصيّاً لتنفيذ الوصيّة - سواء
 
 


1-النساء:14.
2-من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص 184.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

34

مسائل مهمّة في الوصيّة

  كان من ورثته أم لا - لا يجوز للورثة ولا لغيرهم أن ينفذوا الوصيّة من دون إشرافه وإذنه، ويُعتبر هذا العمل على خلاف الوصيّة وغير نافذ شرعاً.

 
9-من هو الّذي ينفذ الوصيّة, إذا لم يُعيِّن الموصي وصيّاً؟
 
ج - الولاية حينئذٍ للحاكم الشرعيّ، فإن نصَّب أحداً من الورثة فهو، وإلّا فيجب تمكين من يختاره الحاكم لتنفيذ الوصيّة حتّى ولو لم يكن من الورثة.
 
10- هل يجوز حلُّ النزاعات في الوصيّة والإرث عند الدولة الّتي لا تعتمد الشرع بل تعتمد القانون المدنيّ الوضعيّ؟
 
ج - بصريح القرآن والروايات لا يجوز للمسلم المؤمن بربّه أن يحلَّ النزاعات المالية وغيرها عند غير الشرع. قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾1.
 
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام : "إيّاكم أن يحاكم
 
 
 

1-النساء:65.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

35

مسائل مهمّة في الوصيّة

  بعضكم بعضاً إلى أهل الجَور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضياً عليكم فتحاكموا إليه"1.

 
ولذلك لا بدّ من حلّ جميع نزاعاتنا عند الحاكم الشرعيّ، طبقَ الشرع الّذي له حكم في كلّ واقعة وقد ألزمنا بطاعته بكلّ تشريعاته، أوامره ونواهيه، عباداته ومعاملاته لا سيّما الّتي ترجع للأموال، والّتي منها قضايا الإرث والوصيّة الّتي نحن بصدد الحديث عنها.
 
11- ماهو المقدار الّذي يحقّ فيه للموصي؟ أي هل إنّ تنفيذ الوصيّة واجب بكلّ ما أوصى حتّى ولو تجاوز ثلث التركة, أم أنّ هناك حدّاً ومقداراً خاصّاً يُلزم فيه الورثة بتنفيذ الوصيّة؟
 
ج - يجوز للموصي أن يوصي بكلّ ما يملك، ولكن لا يجب على الورثة تنفيذ الوصيّة في الزائد عن الثلث، إلّا إذا كانت وصايا بالديون، والحجّ ونفقات تجهيزه على تفصيل مرّ عند الكلام في كيفية توزيع التركة.
 
نعم إذا أجازالورثة الوصيّة في الزائد على الثلث، ورضوا به
 
 
 

1-الوسائل، ج27، ص13.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

36

مسائل مهمّة في الوصيّة

  قبل موت الموصي أو بعد موته، يجب عليهم تنفيذها ولا يجوز لهم التراجع عن إجازتهم. 

 
قضاء الولد الأكبر عن والده
 
هنا أيضاً لا بدّ من التنبيه على أنّه يجب على الولد الذكر الأكبر أن يقضي عن والده الصلوات الّتي فاتت والده، إمّا بنفسه أو بأن يستأجر له من ماله الخاصّ من يصلّي عنه، هذا إذا لم يكن قد أوصى. أمّا لو أوصى بالقضاء وكان ثلثه الخاصّ به يكفي للاستئجار فيسقط عنه القضاء إن نُفِّذت الوصيّة. وكذلك الأمر في الصيام، إلّا أنّه إذا فاته بعض الصوم لمرض واستمرّ العذر إلى الشهر اللاحق ومن السنة القادمة يسقط القضاء عن ولده لأنّه سقط من ذمّة الحيّ حال حياته لاستمرار المرض. وفي المسألة بعض التفصيلات يُسأل عنها المختصّون. أمّا بالنسبة للأمّ فمع حقّها العظيم على ولدها إلّا أنّه لا يجب القضاء عنها إلّا إذا أوصت وكان لها مال. ولكن لا شكّ أنه يستحبّ1 القضاء عنها وهو من أعظم وجوه البرّ والصلة الّتي أكّد عليها الشرع في حياة الوالدين وبعد مماتهما. 
 
 


1-بل على الأحوط استحباباً، نعم بحسب رأي الإمام الخامنئي دام ظله الأحوط وجوباً القضاء عنها أيضاً.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

37

مسائل مهمّة في الوصيّة

 اعتبر من غيرك 

وكن وصيّ نفسك 
 
أخي الكريم: ما دمت في فرصة الحياة ودار الاختبار والعمل، فاسعَ في فكاك نفسك ولا تطلب من غيرك أن يعمل لك في فكاكها، مع أنّك لا تضمن منه ذلك، ولن يحرص عليك مثل نفسك. إغتنم حياتك قبل موتك، فيأتيك ملك الموت وترى ما ترى وتدرك أنّ الموت وما بعد الموت ليس بنزهة فتخاطب ربّك الّذي أمهلك ولم يهملك: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ فيأتيك النداء ﴿كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾1 قد أُمهلت كثيراً وأعرضت عن كرم الله تعالى ورحمته، حيث مدَّ بعمرك وفتح لك باب التوبة فأعرضت عن ذكره، وأطلتَ أملك وظننتَ نفسك من الخالدين، فغرّك الشيطان بالدنيا وأخلدت إليها. وها أنت تُخدع مرّة أخرى إن قصَّرت في قضاء ما افترض الله عليك ولم تؤدِّ ما أوجب الله عليك أداءه، وتركت مصيرك في يد غيرك. يقول الإمام أبو عبد الله عليه السلام : "أعدّ جهازك وقدِّم زادك وكن وصيّ نفسك ولا تقل لغيرك يبعث إليك بما يصلحك"2
 
إن استطعت أن ترجع ديون الناس وحقوقهم في حياتك
 
 
 

1-المؤمنون: 99 - 100.
2-الكافي، ج7، ص65.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

38

مسائل مهمّة في الوصيّة

  فيجب عليك ردّها مباشرة وبلا أدنى تأخير، إلّا إذا كانت من قبيل القرض والدين الّذي لم يحلَّ أجله بعد. نعم لو كان كذلك وخفت أن ينكره الورثة وأن لا يردّوه لأصحابه وكنت مستطيعاً ردّه فيجب عليك ردّه قبل حلول الأجل حتّى لا يضيع الحقّ على صاحبه. وفي حال علمك أنّ الورثة لا يجحدون حقّ الدُّيان فلا يجب دفعه فوراً إذا لم يحلّ أجله، ولكن عليك أن توصي به قبل كلّ الوصايا لتحفظ لهم حقّهم. وعليك أن توصي بحقوقهم الأخرى الّتي لا تستطيع ردّها الآن ولكن يمكن تحصيلها ممّا تتركه بعد الموت.


ديون الشرع كالخمس والزكاة والكفارات والنذور المالية لها نفس الحكم.

الحجّ الواجب أيضاً, الّذي لم تؤدّه عصياناً وتهاوناً بعدما وُفِّقت للاستطاعة توصي به إن خفت عدم إدراكه قبل الموت. 

الصلاة اليوميّة، والصيام إن كان في ذمّتك شيء منهما يجب عليك قضاؤه فوراً إن شعرت باقتراب الأجل لمرض أو غيره. وإن لم تستطع فتوصي بهما. ولكن بما أنّ أجرة الصلاة والصيام تؤخذ من الثلث لا من أصل التركة. فإن كان الثلث لا يفي بديون الشرع وغيرها بالإضافة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

39

مسائل مهمّة في الوصيّة

  للواجبات البدنية لا بدّ أن توصي بأن تخرج الديون والحجّ من الأصل والباقي يُخرج من الثلث. فيُلزم الوارث في الحالة هذه - قبل التصرّف في التركة - بإخراج ديونك وحجّك الواجب، ثمّ باقي التركة يعزل منها ثلثك الخاصّ بك ويصرف على الصلاة والصيام هذا كلّه بالنسبة للواجبات المالية وغيرها.


أما غير الواجبات فتستطيع أن توصي بما تريده من ثلثك الخاصّ بك. وإذا أردت فلكَ أن توصي بأكثر من الثلث، ولكن لا بدّ أن يجيز الورثة هذه الوصيّة حتّى يُلزم الورثة بتنفيذها.

الوصيّة بالثلث في غير الواجبات 

إن لم يكن عليك أيّ واجب، لا دين للناس ولا للشرع، ولا فريضة قد فوّتّها فسيبقى الثلث الخاصّ بك بالإضافة إلى الثلثين الآخرين للورثة.

وإن كان عليك ديون للناس أو للشرع وقد أوصيت أن تخرج من أصل التركة فسيبقى أيضاً الثلث الخاصّ بك بعد إخراج تلك الديون منها وإذا لم تستوعب الديون تمام التركة وتستطيع أن توصي به ما تشاء.

ولو كان عليك بعض الديون أو الفرائض الّتي فوّتّها أو أوصيت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

40

مسائل مهمّة في الوصيّة

  بها من الثلث، فإن بقي شيء من الثلث، أيضاً تستطيع أن توصي به كما تريد ما دام ليس في معصية الله تعالى.


وهنا نضيف: تستطيع أن توصي بالثلث أو ما بقي من الثلث بالأمور التالية:

العبادات المستحبّة، كالصلاة والصيام والحجّ والعمرة وزيارة الأماكن المقدّسة كزيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسيّدتنا فاطمة عليها السلام ومراقد الأئمّة عليهم السلام في المدينة والعراق وإيران ومرقد السيّدة زينب عليها السلام في الشام وغيرها من المراقد والمشاهد المشرّفة.

الصدقة، وأفضلها الصدقة الجارية الّتي يجري نفعها عليك بعد الموت وتستفيد منها بالأجر والثواب طالما يستفيد منها المؤمنون في الدنيا. وسيأتي الحديث عن هذا الموضوع بالتفصيل لا سيّما نوع الصدقة الجارية (الفصل القادم).

لبعض الورثة، لخصوصيّة فيهم وأردتَ أن تميّزهم عن غيرهم بشيء من أملاكك وهذا حقّك الشرعيّ. 

للأقارب الّذين لا يرثون منك، وهذا مستحبّ مندوب إليه ولذلك ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : "من لم يوصِ عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرث فقد ختم عمله
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

41

مسائل مهمّة في الوصيّة

  بمعصيته"1. وهنا لا بدّ من الالتفات أكثر بالنسبة لمن مات أبوهم أو أمّهم في حياة المورِّث وحجب أولادهم عن الإرث بأعمامهم وعماتهم أو أخوالهم وخالاتهم. ففي الكثير من الأحيان يشعرون بالحزازة حيث حُرموا نصيب أبيهم وأمّهم مع أنّه لا نصيب شرعاً لمن يموت قبل مورّثه، ولكن مع هذا من الجيد أن يُذكروا ويُخصُّوا بشيء، لا أقلّ بعنوان أنهم أقارب أو فقراء وهذا بحدّ ذاته عنوان يستحبّ مراعاته والالتفات إليه. 

 
استحباب الوصيّة بأقلّ من الثلث
 
إنّ الشرع قد جوَّز لك أن توصي بثلث مالك كما تشاء وتحبّ. ولكن مع هذا نجد أنّ الإسلام قد حثَّ على الوصيّة بأقلّ من الثلث حتّى لا ينقص نصيب الورثة كثيراً لأنّهم أولى الناس بك وهم أولى بالمراعاة من غيرهم. 
 
نعم لو كان عليك شيء من الواجبات يحتاج لمقدار الثلث كلّه أو أزيد منه، فالأولى، بل يجب، أن تخلّص ذمّتك ممّا افترضه الله عليك ولو بكلّ الثلث، بل توصي بكلّ ما عليك حتّى مع عدم كفاية الثلث لكلّ ما عليك من واجبات، إذ لعلّ الورثة يجيزون ويقيلون تنفيذ هذا الواجب من باقي التركة أيضاً، وينفذّون الوصيّة بكلّ
 



1-تهذيب الأحكام، الطوسي، ج9، ص174.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

42

مسائل مهمّة في الوصيّة

  ما أوصيت. أما لو لم يكن في ذمّتك شيء واجب، أو كان، ولكن مقدار الثلث يفي به ويبقى من الثلث شيء زائد فلتترك شيئاً منه للورثة ولا تصرفه كلّه في المستحبّات، لا سيّما إن كانوا فقراء والمتبقّي من التركة لا يغنيهم. 

 
وقد ورد في بعض الروايات عن أحد أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم - واسمه سعد - قال: مرضت مرضاً شديدأ فعادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: "هل أوصيت؟ فقلت: نعم أوصيت بمالي كلّه للفقراء وفي سبيل الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أوصِ بالعُشر. فقلت: يا رسول الله إنّ مالي كثير وورثتي أغنياء، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يناقص حتّى قال: أوصِ بالثلث والثلث كثير"1.
 
وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : "لئن أُوصِي بخُمس مالي أحب إليّ أن أوصي بالربع، ولئن أوصي بالربع أحب إليّ من أن أوصي بالثلث ومن وصَّى بالثلث فلم يترك وقد بالغ..."2.
 
الوصيّة بأكثر من الثلث
 
يجوز لك أن توصي بأكثر من الثلث ولكن لا يجب على الورثة تنفيذ الوصيّة في الزائد على الثلث، إلّا إذا كانت وصيّتك بالديون، والحجّ الواجب، والواجبات المالية الأخرى.
 
 
 

13-مستدرك الوسائل، ج14، ص95.
14-الوسائل، ج19، ص271.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

43

مسائل مهمّة في الوصيّة

 أما لو كانت بغيرها من الواجبات، أو المستحبّات فلا يجب تنفيذها إلّا بمقدار ثلث التركة. نعم لو أجاز الورثة تنفيذ الزائد يصبح حكم الزائد حكم الثلث في وجوب العمل بما أوصى.


الوصية لمن ليس لديه مال

 من لم يكن لديه شيء من المال لا عيناً ولا نقداً، فأوصى بأمور ماليّة وعباديّة وما شابه ذلك، فلا يجب على أحد القيام بتنفيذها. نعم إذا قبل الوصية أحد قبل وفاة الموصي فيجب عليه تنفيذها حينئذٍ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

44

الفصل الثالث: صلة الميت

 الفصل الثالث: صلة الميت

 
تحدّثنا عن تنفيذ الوصيّة ، وحدود هذه الوظيفة على الوارث والوصيّ وعن الكثير من تفصيلاتها المهمّة والضروريّة. ومن المهمّ أن نتكلّم بشيء من التفصيل حول صلة الميت والإحسان إليه، وعدم هجرانه ونسيانه بعد نقله إلى ذلك العالم الجديد، فإنّه أحوج ما يحتاج إلينا في ذلك العالم وتلك المرحلة من سفره الطويل والشاقّ، لا سيّما لمن قصَّر في دار الدنيا في واجباته الّتي افترضها الله تعالى عليه. وتتأكّد هذه الصلة لمن كان مقصّراً مع فقيده في الدنيا، فإنّه يستطيع أن يستدرك شيئاً من تقصيره لعلّ الله يغفر له ويرضي فقيده عنه لا سيّما والديه.
 
عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام : "نزور الموتى؟ فقال عليه السلام : نعم، قلت: فيسمعون بنا إذا أتيناهم؟ قال عليه السلام : إي والله ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم"1
 
إذا كنت أعلم أن صديقاً يعزُّ عليّ، أو أحد أفراد أسرتي في
 
 
 

1-بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج99، ص300.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

45

الفصل الثالث: صلة الميت

  يد عدوٍّ، أو تقترب منه حيّة أو سبع فإنّي أسرع تاركاً كلّ شيء من خلفي لأنقذ أو أساعد هذا العزيز على قلبي. والنزعة والميل لهذا التوجّه والمساعدة أمر فطريّ قد جرّبه كلّ واحد منّا في حياته.

 
ومن كرمِ الله تعالى أنّه لم يسدَّ بيننا وبين أمواتنا جميع أبواب الصلة والاتصال والارتباط حتّى - نمدّ يد العون لهم. وفي نفس الوقت جعلها تعالى فرصة للميت حتّى يستدرك - بعض ما فاته حال حياته ولذلك شجّعه على الصدقة الجارية والولد الصالح والسنة الحسنة. 
 
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : "ليس يتبع المرء بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال، صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنَّة هدى سنَّها، فهي يُعمل بها بعد موته أو ولد صالح يدعو له"1
 
ونرى في رواية محمّد بن مسلم أنّ الإمام الصادق عليه السلام يحثّ على زيارة الموتى وأنّهم يعلمون ويفرحون ويستأنسون بمن يحضرهم للزيارة. 
 
بل يأتون إلينا طالبين العون حيث انقطعوا عن العمل وينتظرهم حساب على كلّ صغيرة وكبيرة، حتّى الكلمة والخاطرة في القلب. 
 
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اهدوا لموتاكم، فقلنا:
 
 
 

1-الكافي، ج7، ص56.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

46

الفصل الثالث: صلة الميت

  يا رسول الله وما هديّة الأموات؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : الصدقة والدعاء. وقال صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ أرواح المؤمنين تأتي كلّ جمعة إلى السماء الدنيا بحذاء دُورهم وبيوتهم ينادي كلّ واحد منهم بصوت حزين باكين: يا أهلي ويا وُلدي ويا أبي ويا أميّ وأقربائي: أعطفوا علينا يرحمكم الله بالّذي كان في أيدينا، والويل والحساب علينا والمنفعة لغيرنا... أعطفوا علينا بدرهم، أو رغيف، أو بكسوة يكْسوكم الله من لباس الجنّة. ثمّ بكى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبكينا معه، ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلم : أولئك إخوانكم في الدين فصاروا تراباً رميماً بعد السرور والنعيم، فينادون بالويل والثبور على أنفسهم يقولون: يا ويلنا لو أنفقنا ما كان في أيدينا في طاعة الله ورضائه ما كنّا نحتاج إليكم، فيرجعون بحسرة وندامة وينادون أسرعوا صدقة الأموات"1.

 
فإن كنتُ أحبُّ من افتقدتُ وعزَّ عليّ فراقه وآلمني مصابه، فلماذا سرعان ما أنساه في مواقف أصعب وأشدّ عليه من كلّ مصائب وبلاءات الدنيا ؟ يمكنني أن أمدَّ له يد العون والمساعدة بالصدقة والصلاة والحجّ والدعاء والاستغفار والمساهمة عنه في مشروع خيريّ كبناء مدرسة أو مكتبة أو مستشفى، أو قضاء حاجة مسلم أفرِّج عنه كربه، وغيرها من الأعمال الّتي تنفعه، وسيأتي تفصيل الكلام فيها.
 
 
 

1-مستدرك الوسائل، ج2، ص 484.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

47

الفصل الثالث: صلة الميت

 وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً قال: "من عمل من المؤمنين عن ميت عملاً أضعف الله له أجره وينعم به الميت"1.

 
لا تستقلّ هديّتك لفقيدك مهما كانت، كالترحّم عليه والاستغفار له، حيث روي أنّ الميت ليفرح بالترحّم عليه والاستغفار له كما يفرح الحيّ بالهديّة تهدى اليه. 
 
والأجمل من هذا أنّ الميت يعلم مَن هو الّذي وصله وذكَره، فتسعده لأنّك استطعت أن تخبره أنّك لم تنسه بعد موته وأنّك على حبّك ووفائك له كما كنت في حياته. 
 
سأل أحدهم الإمام الصادق عليه السلام : يُصلَّى عن الميت ؟ قال: "نعم. حتّى إنّه يكون في ضيق فيوسّع عليه ذلك الضيق، ثمّ يؤتى، فيقال له خُفِّف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك"2
 
فعليك الانتباه إلى أنّك معرّض لنفس الموقف، وسيأتي عليك نفس اليوم الّذي تقف فيه هذا الموقف وتطلب فيه الصدقة والهديّة والذكر ولو بالترحّم وكسرة خبز لتُهدى ثوابها، ولا تغترّ بعملك - مهما كان - فإنّك لا تدري إلى ما تصير عليه وإلى أيّ عاقبة أمرك. 
 
 
 

1-وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص444.
2-م. ن، ج2، ص443.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

48

الفصل الثالث: صلة الميت

 لا شكّ إن ذَكرتَ موتاك سخَّر الله تعالى لك من يذكرك، ولعلّ أحداً منهم ينفعك بشفاعته يوم القيامة لوجاهته عند الله تعالى وكرامته لديه، والله تعالى قد أخفى أولياءه في عباده كما ذكرت الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام. 

 
فما تنفع به اليومَ غيرك هو في الحقيقة لك، لا سيّما وأنّ لك عليه الأجر والثواب أيضاً. فلتطرق كلّ الأبواب لتجمع ليوم فقرك وحاجتك. 
 
كيف تصل موتاك؟
 
1- أن تعمل على إفراغ ذمّة الميت من ديون الناس وحقوقهم، لا سيّما الّتي قد وضع يده عليها ظلماً وعدواناً وبلا أيّ وجه حقّ، والاستحلال منهم وممّن يعرف أنّه قد ظلمه بغيبة أو تهمة أو أذيّة في نفسه أو في عرضه أو في ماله أو في أيّ حقّ يمكن أن يطالب به يوم القيامة، حيث لا يستطيع أن يعيده ويُترك أمرُه إلى صاحبه وهو يومه. "ويومُ المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم"1 كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام.
 
وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام يبيّن فيها أنواع الظلم ثمّ يقول عليه السلام : "أمّا الظلم الّذي لا يُترك فظلم العباد بعضهم 
 
 
 

1-بحار الأنوار، ج72، ص 320.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

49

الفصل الثالث: صلة الميت

 بعضاً، القصاص هناك شديد ليس هو جرحاً في السكاكين ولا ضرباً بالسياط، ولكنّه ما يستصغر معه ذلك"1.

 
ولن يترك الله حقّاً لأحد على أحد مهما صغر في أعيننا. فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : قال الله تعالى: "وعزّتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كفٌّ بكفّ، لو مسحة بكفّ ونطحة ما بين الشاة القرناء إلى الشاة الجمّاء، فيقتصّ الله للعباد بعضهم من بعض حتّى لا يبقى لأحد عند أحد مظلمة ثمّ يبعثهم الله للحساب"2
 
خلِّص ذمّة حبيبك وأنقذه من هذه الهلكة، لا أقلّ إن كنت تستطيع إرجاع حقّ لمظلوم من تركته - إن كان غاصباً لمال أحد من الناس - ولم ترجعه حتّى ولو لم تأكله فإنّك أعنته على ظلمه وشاركته لسكوتك ورضاك. ولماذا لا يكون لك شرف إعانة هذا المظلوم وتكون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنّة كما في الحديث لمن أعان المظلوم؟! 
 
2- حقوق الله المالية - وهي الّتي يعبّر عنها بالديون الشرعيّة كالخمس، والكفّارات، والزكاة، والنذورات - وهي كديون الناس يجب إخراجها من التركة قبل تقسيمها على الورثة سواء أوصى بها الميت أم لم يوصِ. بل لا يجوز التصرّف في التركة قبل إخراج هذه الحقوق حتّى بالصلاة والعبادة. 
 
 
 

1-نهج البلاغة، ج2، ص95.
2-الكافي، ج2، ص443.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

50

الفصل الثالث: صلة الميت

 3- أفضل هدية وَصِلة للميت - بعد إفراغ ذمّته من الديون المالية الشرعية وغيرها - تنفيذ وصيّته في الواجبات الأخرى كقضاء الصلاة والصيام والحجّ لإبراء ذمّته منها. 


ثمّ إنْ كان عليه شيء من هذه الحقوق ولكن لم يوصِ بها لعدم تركه للمال، أو أوصى بها ولم يكن له تركة ومال، يستحبّ التبرع عنه - سواء من الورثة أم من غيرهم - لإفراغ ذمّته منها فينتفع الفاعل بأجرها ويسقط عن الميت كما ورد في الرواية. نعم في خصوص الصلاة والصيام يجب على الولد الذكر الأكبر أن يقضي أو يستنيب من يقضي عنه ولو من ماله الخاصّ على تفصيل مرّ في تنفيذ الوصية.

4- ينتفع الميت بكلّ المستحبّات ووجوه البرّ سواء الّتي أوصى بها أم الّتي لم يوصِ بها. فإذا أراد الحيّ أن ينفع فقيده في قبره ووحشته ووحدته يستطيع أن يصله بحسن تجهيزه من حين تغسيله إلى تكفينه إلى تشييعه إلى دفنه ولحده، بأنّ يطلب ممّن يجهّزه أن يأتي بالسنن والآداب المعروفة الّتي تهوِّن على الميت وتخفِّف عنه قبل الدفن وبعد الدفن.

5- يتنفع الميت بالتطوّع عنه بالعبادات المستحبّة كالصلاة والصيام والحجّ والعمرة وزيارة مراقد المعصومين عليهم السلام ، يُؤتى بها نيابةً عنه، أو يُهدى بعد الإتيان بها ثوابها له.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

51

الفصل الثالث: صلة الميت

 رُوِيَ عن الإمام الكاظم عليه السلام : في الرجل يتصدّق عن الميت أو يصوم ويصلّي ويعتق، قال عليه السلام : "كلّ ذلك حسن يدخل منفعته على الميت". وفي بعض الروايات هو أيضاً ينتفع بهذ العمل1.

 
6- ينتفع الميت بالصدقة؛ وبالأخصّ الصدقة الجارية، ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام : "ستّة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، أو مصحف يخلفه، وغرس يغرسه، وبئر يحفره، وصدقة يجريها، وسنّة يؤخذ بها من بعده"2
 
المراد بالصدقة الجارية هي كلّ بِرٍّ وخير يفعله الإنسان قربةً إلى الله تعالى وينتفع به لوقت غير قصير؛ كبناء مسجد أو مدرسة أو مستشفى أو مأوى للأيتام أو حسينية أو بئر مياه أو مقبرة أو طريق يستفيد منه عموم الناس أو طريق لمنزل ليس له طريق، أو حديقة عامّة وغيرها من المنافع الخاصّة أو العامّة.
 
أنواع الصدقة الجارية
 
 وهنا لا بدّ أن نقف قليلاً مع المؤمن الّذي يريد أن يرضي ربّه لنلفت نظره إلى هذه المسألة المهمّة. 
 
وهي: إنّ الكثيرين قد يظنّون أنّ الصدقة الجارية هي فقط الحسينية والمسجد والمقبرة. وصحيح أنّ هذه أمور مهمّة وقد
 
 
 

1-وسائل الشيعة، ج8، ص279.
2-الكافي، ج7، ص57.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

52

الفصل الثالث: صلة الميت

  نحتاجها في القرية أو المدينة الّتي نعيش فيها لقلّتها أو لعدم وجودها أصلاً. ولكن في الكثير من الأحيان لا نحتاجها، ويعمد بعض الناس إلى بناء المساجد والحسينيّات مع الحاجة الملحَّة لكثير من المشاريع الخيريّة الأخرى كالمدارس والآبار، وفتح الطرق وتعبيدها وتوسيعها، أو بناء مشاغل ومعامل تساعد في إيجاد فرص عمل للعاطلين والشباب، ويعود في نفس الوقت ريعها للفقراء والأيتام وتعليم الشباب الّذين يمتلكون المؤهّلات والقابليّات وعندهم العزم والإصرار على التعلّم، ولكن أوضاعهم المالية لا تمكّنهم من ذلك. ولا شكّ أنّ هذه المشاريع قد تكون أهمّ بكثير من تلك مع عدم الحاجة لها والتخمة فيها. بل قد نجد أن بعض من يريد أن يبني مسجداً أو حسينية يبخل على جاره بطريق إلى منزله الّذي لا طريق له وهو في ضيق وحرج من وضعه. وهل يظنّ فاعل الخير هذا أن الأجر والثواب فقط في بناء المسجد وليس في التوسيع على جاره وقضاء حاجته وتفريج همّه وغمّه؟! 

 
في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام : "من أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده فنفَّس كربته وأعانه على نجاح حاجته كتب الله عزَّ وجلَّ له بذلك اثنتين وسبعين رحمة من الله، يعجِّل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته ويدَّخر له إحدى وسبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهواله"1.
 
 
 

1-الكافي، ج2، ص199.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

53

الفصل الثالث: صلة الميت

 هذا لمن فرَّج عن مؤمن كرباً وقضى له حاجة. أما الروايات الّتي تتحدّث عن إدخال السرور على المؤمن، فيكفي منها ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : "من سرَّ مؤمناً فقد سرّني ومن سرّني فقد سرّ الله"1

 
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام : "إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم أمامه، كلّما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن... فيقول له المؤمن: من أنت؟ فيقول: أنا السرور الّذي كنت أدخلت على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله عزَّ وجلَّ منه لأبشّرك"2.
 
إنّك إلى تربة وضيق ووحشة وظلمة، فاصطنع لنفسك مؤنساً، وقريناً صالحاً يبشّرك بالجنّة. وسِّع على نفسك بما توسِّع به على المؤمنين في الدنيا. 
 
إنّك ميت ومنقطع عن العمل والتزود إلّا من صدقة جارية - من أصناف ما ذكرت لا سيّما ما يدخل في عنوان قضاء الحوائج والتوسعة على عموم الناس والمسلمين ورفع الأذيّة عنهم - طالما هذه الصدقة يُنتفع منها وطالما يُسجّل لك في دفتر أعمالك وميزان حسناتك. 
 
 
 

1-الكافي، ج2، ص 188.
2-م. ن، ج2، ص190.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

54

الفصل الثالث: صلة الميت

 7- ينتفع الميت بالزيارة؛ ولذلك ورد حثٌّ كبير في روايات أهل البيت عليهم السلام على زيارة الموتى. وقد ذُكر سابقاً رواية محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام ، حيث سأله نزور الموتى؟ فقال عليه السلام : "نعم. قال: فيسمعون بنا إذا أتيناهم؟ قال عليه السلام : "إي والله ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم"1.

 
زيارة الميت وآدابها
 
وكما أنّ الروايات ركَّزَت على الاهتمام بصلة الأرحام والتواصل معهم وهم أحياء، كذلك أوْلت أهميّة كبيرة لصلتهم وهم أموات، لا سيّما الوالدين. وفي بعض الروايات أنّ الدعوة تستجاب على قبريهما. فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمّه بعدما يدعو لهما"2
 
1- التسليم عليهم 
 
من المستحبّات الّتي ذكرت في رواياتنا عند زيارة الموتى التسليم والترحُّم عليهم. وقد وردت فيه عدّة كيفيّات، منها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سأله أحد أصحابه كيف
 
 
 

1-البحار، ج99، ص300.
2-الكافي، ج3، ص230.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

55

الفصل الثالث: صلة الميت

  نسلِّم على أهل القبور؟ فقال عليه السلام : "تقول: السلام على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين. أنتم لنا فرَط ونحن إن شاء الله بكم لاحقون"1

 
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام قال لأحدهم: تقول: "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، رحم الله المستقدِمين منّا والمستأخرين وإن شاء الله بكم لاحقون"2
 
والسلام المعروف عن الإمام عليّ عليه السلام : "بسم الله الرحمن الرحيم، السلام على أهل لا إله إلا الله، من أهل لا إله إلا الله، يا أهل لا إله إلا الله، بحقّ لا إله إلا الله، كيف وجدتم قول لا إله إلا الله؟ من لا إله إلا الله، يا لا إله إلا الله، بحقّ لا إله إلا الله، اغفر لمن قال: لا إله إلا الله، واحشرنا في زمرة من قال لا إله إلا الله، محمّد رسول الله عليّ وليّ الله"3
 
ورد عن الإمام عليّ عليه السلام : إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من قرأ هذا الدعاء، أعطاه الله سبحانه وتعالى ثواب خمسين سنة، وكفّر عنه سيّئات خمسين سنة ولأبويه أيضاً"4.
 
2- كيف ندعو للأموات؟
 
ورد عن الإمام الحسين عليه السلام : "من دخل المقابر فقال:
 
 
 

1-الكافي، ج3، ص 229.
2-م. ن.
3-بحار الأنوار، ج99، ص 301.
4-مستدرك الوسائل، ج2، ص370.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

56

الفصل الثالث: صلة الميت

  اللهمّ ربَّ هذه الأرواحِ الفانيةِ والأجسادِ الباليةِ والعظامِ النخرةِ الّتي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها رَوحاً منك وسلاماً. كتب الله له من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات"1

 
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام : تقول: "اللهمّ جافِ الأرضَ عن جنوبهم ولقِّهم منك رضواناً وأَسكِن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم وتؤنس به وحشتهم إنّك على كلّ شيء قدير"2.
 
3 - ماذا نقول على القبر الّذي نزوره؟ 
 
بعد أن تزور أهل القبور وتدعو لهم وتصل إلى القبر الّذي تقصده بالخصوص تستقبل القبلة وتضع يدك على القبر وتقول كما روي عن الإمام الباقر عليه السلام : "اللّهمّ ارحم غربته وصِل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته وأسكن إليه من رحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سواك وألحقه بمن كان يتولّاه"3
 
4- ماذا نقرأ من القرآن؟
 
ثمّ تقرأ: "﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ سبع مرّات. فقد ورد أنّه من قرأها كذلك أمن من الفزع الأكبر. وفي رواية غفر الله له ولصاحب القبر"4
 
 
 

1-م. ن، ج2، ص373.
2-م. ن.
3-الكافي، ج3، ص229.
4-من لا يحضره الفقيه، ح1. ص 181.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

57

الفصل الثالث: صلة الميت

 وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه: من مرَّ على المقابر فقرأ سورة: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ إحدى عشرة مرّة، ووهب أجره للأموات، أعطي من الأجر بعدد الأموات1.

 
وإذا قرأ "آية الكرسي" وجعل ثواب قراءتها لأهل القبور أدخلها الله تعالى قبر كلّ ميت وخلق الله من كلّ حرف ملكاً يسبّح له إلى يوم القيامة.
 
وروي عن المفضّل في كتاب كامل الزيارات المعروف أنّه: "من قرأ إنّا أنزلناه عند قبر مؤمن سبع مرّات بعث الله إليه ملكاً يعبد الله عند قبره، ويكتب للميت ثواب ما يعمل ذلك الملك، فإذا بعثه الله من قبره لم يمرّ على هول إلا صرفه الله عنه بذلك الملك، حتّى يدخله الله به الجنّة، ويقرأ مع إنّا أنزلناه سورة الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي، ثلاث مرّات كلّ سورة، وإنّا أنزلناه سبع مرّات"2.
 
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من دخل المقابر فقرأ سورة "يس" خفَّف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد ما فيها حسنات3. ثمّ إنّ كلّ القرآن حسن ينتفع به الميّت. 
 
 
 

1-مستدرك الوسائل،ج2،ص483.
2-كامل الزيارات، ص 322 وفي نسخة في الحديث الثاني هكذا (وتقرأ بعد الحمد إنّا أنزلناه سبعاً والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي ثلاثاً ثلاثاً).
3-البحار، ج99، ص300.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

58

الفصل الثالث: صلة الميت

 5 - ساعة يحتاج فيها إلى أنس الأحياء

 
وأحوج ما يحتاج الميّت لقراءة القرآن والدعاء بعد دفنه مباشرةً. فقد ورد عن فاطمة عليها السلام أنّها أوصَت أمير المؤمنين عليه السلام أنّه بعد أن يدفنها يجلس قبالة وجهها، ويكثر من تلاوة القرآن والدعاء فإنّها ساعة يحتاج الميّت فيها إلى أنس الأحياء.
 
آداب متفرّقة في الجبَّانة
 
1-كراهة الجلوس على القبر
 
عن عليّ بن جعفر قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟ قال: "لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه"1.
 
2-كراهة المشي على القبور 
 
فقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : "لئن أطأ على جمرة أو سيف أحبُّ إليّ من أن أطأ على قبر مسلم"2
 
3-كراهة الضحك بين القبور 
 
ورد في الكثير من الروايات عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كراهة الضحك
 
 
 

1-وسائل الشيعة،ج3،ص210.
2-مستدرك الوسائل،ج2،ص376.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

59

الفصل الثالث: صلة الميت

  في الجبّانة بين القبور. ففي وصيّة النبيّ للإمام عليّ عليه السلام : "إنّ الله تبارك وتعالى كره لأمّتي الضحك بين القبور و...."1

 
4-وقت الزيارة
 
ليس للزيارة وقت خاصّ. نعم ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه يتأكّد الاستحباب يوم الاثنين والخميس خاصّة عصر الخميس. وأيضاً يوم السبت كما ورد في بعض الروايات عنهم عليهم السلام. نعم قد ورد في بعض الروايات كراهة زيارة القبور في الليل.
 
 
 

1-وسائل الشيعة، ج3، ص 232.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

60

الفصل الرابع: عادات وسنن

 الفصل الرابع: عادات وسنن

 
هناك عادات وتقاليد ومراسم تُمارس حال الموت إلى الدفن ثمّ ما بعد الدفن، بعضُها جيّد ومستحبّ شرعاً، وبعضها مكروه وقد يحرم لانطباق عنوان البدعة عليه. 
 
ولن نستوفي كلّ العادات، لا سيّما وأنها قد تختلف من بلد إلى بلد ومن قوميّة إلى أخرى بل ومن قرية إلى قرية، بل سنكتفي بذكر بعض العادات والمراسم المهمّة والشائعة والمستحكمة وننبِّه على المستحسن منها شرعاً من غير المستحسن. 
 
1 - التعزية 
 
من العادات المعروفة في مناسبة الموت عند المسلمين - بل وعند غيرهم - تعزية أصحاب المصيبة. وإليك بعض الروايات الّتي تدلّ على مشروعيّتها بل على استحبابها المؤكّد لتحسين النيّة ولتزداد دواعيك على ممارسة هذه السنّة.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من عزَّى حزيناً كُسي في الموقف حلّة يُحبر بها"1.
 
 
 

1-الكافي، ج3، ص205.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

61

الفصل الرابع: عادات وسنن

 وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم : "من عزَّى مصاباً كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيء"1

 
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من عزّى ثكلى كُسي بُرداً في الجنّة"2.
 
والتعزية مستحبّة قبل الدفن وبعده كما ورد في بعض رواياتنا أيضاً. وعلى هذا ينبغي لنا أن نغتنم الفرصة للاستزادة من عظيم ما كتبه الله للمعزِّي من أجر وثواب، ولا نقوم بهذا الواجب الأخويّ والاجتماعيّ فقط حياءً من المصاب ومن باب رفع العتب أو لأجل المصالح الشخصيّة. 
 
2- تشييع الجنازة
 
من العادات والسنن المعروفة الّتي أكّد عليها الشرع تشييع الجنازة إلى القبر. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "أوّل ما يُتحف به المؤمن في قبره أن يُغفر لمن تبع جنازته"3.
 
3- المشي خلف الجنازة 
 
من آداب التشييع أن يكون المشي خلف الجنازة، وهو أفضل من المشي على جانبيها. أما المشي أمامها فمكروه. فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : "اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب"4
 
 
 

1-الكافي، ج3، ص205.
2-البحار، ج79، ص94.
3-الوسائل، ج3، ص 143.
4-م. ن، ج3، ص 149.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

 


62

الفصل الرابع: عادات وسنن

 4- نهي النساء عن المشي في الجنائز

 
عن أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "نهى عن اتباع النساء الجنائز"1
 
وفي رواية عن الإمام عليّ عليه السلام : "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج فرأى نسوة قعوداً فقال: ما أقعدكنّ هيهنا؟ قلن: لجنازة، قال: أفتحملن فيمن يحمل؟! قلن: لا، قال: أفتغسلن فيمن يغسل؟! قلن: لا، قال: أفتدلين فيمن يدلي؟! قلن: لا، قال: فارجعنَ مأزورات غير مأجورات"2
 
5- الإطعام في الفواتح والأسابيع 
 
إنّه من العادات الّتي تثقل كاهل أصحاب المصيبة في الكثير من الأحيان، حيث تضاف مصاريفُ إلى الكثير من المصاريف غير الضرورية فُرِضت بحكم استحكام العادات وخوف الخروج عن المألوف، حتّى ولو لم يكن لغاية عقلائية وحاجة ضرورية.
 
بل ذكرت بعض الروايات أن السُّنة أن يُصنع الطعام لأهل المصيبة ثلاثة أيّام ويُرسل لهم. 
 
روي عن مولانا وإمامنا الصادق عليه السلام : "أنّه لمّا قُتل جعفر بن أبي طالب (رض) أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام أن تتّخذ طعاماً لأسماء بنت عميس (زوجة جعفر) ثلاثة أيّام...
 
 
 

1-أمالي الصدوق، ص510.
2-الوسائل، ج3، ص240.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

63

الفصل الرابع: عادات وسنن

 فجرت بذلك السنّة، أن يُصنع لأهل المصيبة طعامٌ ثلاثاً"1.

 
بل ونُقل عن الإمام الصادق عليه السلام : "إنّ الأكل عند أصحاب المصيبة من عمل الجاهلية"2.
 
6- المأتم ثلاثة أيام فقط
 
من العادات الّتي تثقل على أهل المصيبة وتزيدهم إلى همّهم همَّاً وتعباً وعناء وشقاء. هي: مراسم العزاء، كالفواتح والأسابيع الّتي قد تشغل أهل المصيبة أسبوعاً أو أكثر في بعض الأحيان لتقبّل العزاء والتعطّل عن أعمالهم وأشغالهم، مع أنّ عادة السبعة أيّام وإقامة المجالس ومراسم العزاء للسبعة لم ترد في أيّة رواية، بل السنّة أن المأتم ثلاثة أيام فقط.
 
فقد ورد عن أبي جعفر عليه السلام قال: "يُصنع لأهل الميت مأتم ثلاثة أيّام من يوم مات"3. ولذلك أمرت الروايات أن يصنع لأهل الميت الطعام ثلاثة أيّام لأنّهم في شغل عنه بالمأتم، والّذي هو ثلاثة أيّام.
 
7- الوقوف بالميّت على باب الجبّانة 
 
من الأعراف والعادات المشهورة أنّ الجنازة عندما تصل إلى باب الجبّانة ينزلها المشيّعون على الأرض ويقرؤون الفاتحة، ثمّ يحملونها إلى القبر ويدفنونها مباشرة.
 
 
 

1-الكافي، ج2، ص217.
2-الوسائل، ج3، ص 237.
3-م. ن، ج3، ص236.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

64

الفصل الرابع: عادات وسنن

 وهذه العادة ليس فيها أيّ أثر من الشرع. نعم المعروف في روايات أهل البيت عليهم السلام أنّه إذا حمل الميت إلى قبره فلا يفاجأ به القبر؛ لأنّ للقبر أهوالاً عظيمة، ويتعوذ حامله بالله من هول المطلع، ويضعه قرب شفير القبر، ويصبر عليه هنيئة، ثمّ يقدمه قليلاً ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبته ثمّ يقدمه إلى شفير القبر1

 
ولعلّه لهذا السبب اشتبه الأمر على الناس فأخذوا يضعون الجنازة عند باب الجبانة ثمّ يحملونها للدفن دون أن يفعلوا المستحبّ الأصلح للميت الّذي أُمروا به.
 
8- اعتقاد خاطئ
 
عند بعض من كبار السن اعتقاد خاطئ مستحكم، وهو أنّ المرأة تحرم على زوجها بموتها، ولذلك يمنع زوجها من تغسيلها وتجهيزها والنزول إلى قبرها، مع أنّه لا يذهب إلى هذا الرأي سوى أبي حنيفة وأتباعه، أما في مذهبنا وسائر المذاهب فهذا الأمر لا أساس له من الصحّة، ويكفينا الرواية المعروفة في تغسيل وتجهيز الإمام عليّ عليه السلام لفاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام.
 
9- السنّة في القبور 
 
من العادات السيّئة والّتي لا يستفيد منها الميت بشيء ويظنّ أهله أنّهم يكرمونه بهذا، وهو ليس إلّا تقليداً ومباهاة وصرفاً
 
 
 
 

1-من لايحضره الفقيه،ج1، ص171.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

65

الفصل الرابع: عادات وسنن

  للمال في غير محلّه ومخالفة للسنّة النبويّة، هي عادة تفخيم القبور وتزيينها بالأقفاص ورفعها عن الأرض عدّة طبقات قد تصل لأكثر من متر في بعض الأحيان، مع أنّ السنّة أن لا يُرفع القبر عن الأرض أكثر من أربع أصابع مضمومة وكحدّ أقصى أربع أصابع مفرجات.


ثمّ إنّه يكره أن تجصّص القبور. مع أنّ العادة الآن على تزيينها بأفخم أنواع الرخام كالغرانيت وغيره.

ثمّ إنّه إذا اندرست القبور وخربت يكره إعادة ترميمها وتجديدها كما تذكر بعض روايات العترة الطاهرة عليهم السلام.

10- تبخير القبور

إنّها من العادات المعروفة والّتي تنقرض شيئاً فشيئاً في هذه الأيّام، ولكن ما زال الكثير يمارسها، وهي لا تمتّ إلى الدين بصلة، وليست من الأعمال الّتي تنفع الميت أو زائر الميت، ولعلّها قد دخلت علينا من الأديان الأخرى.

11- وضع المصاحف على القبور 

للأسف بعض الناس يتركون المصحف الشريف على القبر يتعرّض للشمس والغبار والوسخ ممّا قد يسبّب له التلف والهتك، وهو من أكبر المحرّمات.

فإن كان المقصود أن ينتفع به الميت فلم يذكر لنا رسول
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

66

الفصل الرابع: عادات وسنن

  الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا آل بيته عليهم السلام - وهم أعلم الخلق بأسرار هذه العوالم الخفيّة علينا - أنّه ينتفع الميت بوضعه على القبر. وإن كان المقصود أن يكون تحت تناول اليد لمن يريد أن 

يقرأ القرآن للميت عند زيارته لقبره فهذا جيّد لو كان في مكان لا يتعرّض فيه للهتك والإهانة.

12- زيارة القبور يوم العيد 

ليس في هذه العادة نصّ خاصّ من الشرع، ولكن بما أنّه قد تقدّم معنا في الروايات أنّ الميت يعلم بمن يزوره ومن يهدي له ما يفرّج الله به عنه في قبره. فليس من البعيد أن يعلمه الله تعالى أن أحباءك المؤمنين لم ينسوك في عيدهم، وقد افتقدوك فيه وخصّوك ببعض الصلة والهدية.

13- التشاؤم من فتح القبور 

بعض الناس يتشاءم من فتح القبور قبل الحاجة الفعليّة إليها. وليس لهذا التشاؤم أيّ أساس صحيح يمكن أن يستند إليه. وأسباب الموت معروفة وليس فتح القبور منها. وإن كانت كذلك في سرّ وعلم الله سبحانه وتعالى فمن أين اطلعوا عليه؟ لا ينبغي للمؤمن أن يتأثّر بأيّ شائعة أو عادة، وينبغي أن يحكم عقائده ويحكّمها للقرآن والسنّة والعقل دون الخرافات والمشهورات الّتي لا أساس لها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

67

الوصيّة

 الوصيّة

 
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
 
وصلى الله على نبيّه محمّد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين منذ آدم الآن إلى قيام يوم الدِّين.
 
قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾
 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهليّة"1.
 
اللّهمّ فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، إنّي أعهد إليك في دار الدنيا، أنّي أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأنّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم عبدك ورسولك، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّك تبعث من في القبور، وأنّ الحساب حقّ، وأنّ الجنّة حقّ، وما وعدت فيها من النعيم من المأكل والمشرب والنكاح حقّ، وأنّ النار حقّ، وأنّ الإيمان حقّ، وأنّ الدِّين كما وصفت، وأنّ الإسلام
 
 
 

1-النهاية، الشيخ الطوسي، ص 604.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

68

الوصيّة

  كما شرَعت، وأنّ القول كما قلت، وأنّ القرآن كما أنزلت، وأنّك أنت الله الحقّ المبين، وأنّي أعهد إليك في دار الدنيا، أنّي رضيت بك ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم نبيّاً وبعليّ عليه السلام وليّاً وبالقرآن كتاباً، وأنّ أهل بيت نبيّك (عليه وعليهم السلام) أئمّتي... اللّهمّ أنت ثقتي عند شدّتي، ورجائي عند كربتي، وعدّتي عند الأمور الّتي تنزل بي، وأنت وليّ في نعمتي، وإلهي وإله آبائي، صلّ على محمّد وآله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً، وآنس في قبري وحشتي، واجعل لي عندك عهداً يوم ألقاك منشوراً.فهذا عهد الميت يوم يوصي بحاجته، والوصية حقّ على كلّ مسلم1.


متن الوصيّة الشرعية

إنّي أنا العبد الفقير إلى الله أوصي وأنا بكامل قواي العقليّة، وباختياري التامّ، وذلك بما أريد أداءه من حقوق الخالق والمخلوق وهي كالتالي:

قضاء الصلوات اليوميّة: ................................................................
قضاء صلاة الآيات: ....................................................................
قضاء الصيام الواجب: .................................................................
الحجّ الواجب: ..........................................................................
 
 
 
 

1-مصباح التهجّد، الشيخ الطوسي، ص 15.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

69

الوصيّة

 الحجّ المستحبّ: .......................................................................

عمرة مستحبّة: ........................................................................
زيارة الأماكن المقدّسة في: ...........................................................
........................................................................................
دفع الخمس بمقدار: ..................................................................
كفّارة ترك الصوم الواجب عمداً: ....................................................
فدية ترك الصوم الواجب بغير عمد لمرض أو تأخير قضاء وغيره:
...............................................................................
كفّارة مخالفة النذر: ...................................................................
كفّارة مخالفة اليمين: ..................................................................
كفّارة مخالفة العهد: ..................................................................
ردّ مظالم: ............................................................................
في ذمّتي دين: ........................................................................
لي في ذمّة: ..........................................................................
أوصي أن يكون مدفني1 في:.........................................................
 يقرأ على القبر2: عدد ساعات ......................................................
صدقة ليلة الدفن: .....................................................................
صلاة الوحشة: .......................................................................
وصيّتي في حدود الثلث: .............................................................
 
 
 
 

1-إذا أوصى لشخص معيّن بأن يدفنه في مكان معيّن فيجب عليه العمل بوصيّته إذا قبل الوصيّة، وأما إذا ذَكَر في وصيّته ذلك فقط من دون الوصيّة لشخص معيّن فلا يجب على أحد تنفيذ وصيّته بذلك.
2-لم يرد دليل شرعيّ على ثبوت قراءة 3 ليالٍ على القبر، وإن كانت قراءة القرآن مطلقاً من أعمال الخير والبرّ الّتي فيها أجر وثواب. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

 


70

الوصيّة

 تقسيم حسب الشريعة الإسلاميّة، باستثناء:

 
أ - .................................................................
ب -  ..............................................................
 
ملاحظات: 
الوليّ على الصغار هو 
 
والوصيّ لتنفيذ الوصيّة هو:........................ ومن بعده أو في حال عدم حضوره مع الحاجة إليه في أمر ليس من المصلحة تأجيله هو:..................... والناظر المراقب على تنفيذ الوصيّة هو :.......................
 
الشاهد الأوّل: 
                         التوقيع: .......................
 
الشاهد الثاني: 
                         التوقيع: .......................
 
محرّر الوصيّة: 
                         التوقيع: .......................
 
الموصي: 
حرّر بتاريخ:........................ مكان التحرير: ............................
                         التوقيع: 
 
﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

71
أعينوا موتاكم