زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني 1435 هـ


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-01

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 السياسات العامّة للخطاب العاشورائي
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين سيّما بقيّة الله في الأرضين أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.

السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك.
السادة الأفاضل محاضري وخطباء المنبر الحسينيّ دمتم موفّقين.

ما أحوجنا ونحن نستجلي مواقف كربلاء ونسبر أعماق أسرارها, ونضيء شعلاً من قبس أنوارها, نستهدي فيها نور الفتح والفوز, لتكون كربلاء مدرسة نابضة حيّة مستمرّة تلهم الأجيال في كلّ العصور درس الإيمان والثبات المنتصر على ظلامة العدوّ وجوره, لأنّ حركة الإمام عليه السلام حركة تكامل وصلاح, وتحمل ديموميّة حيّة مرتبطة بالتكامل والسعادة الإلهيّة.

ولا غرابة إذا قال في حقّه من لم يَفُه إلّا حقّاً ولم ينطق إلّا وحياً "حسينٌ منّي وأنا من حسين", لتخلد في أفق الوجود حقيقة مشرقة أنّ الإسلام محمّديّ الوجود حسينيّ البقاء.

لقد أروى سيّد الشهداء شجرة الإسلام العطشى بدمائه 
 
5

1

المقدمة

 الزكيّة، ووهبها حشاشة نفسه, ومنحها مُهجة قلبه, فأينعت وأثمرت لتكون أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء.
ولأنّ الإمام عليه السلام هو الجاذب للناس بدافع الفطرة وشكر المنعم, كان هذا الكتاب الماثل بين يديك أخي المبلّغ عوناً لك في الليالي العاشورائية, تعيد فارّاً هنا وترشد هارباّ هناك, وتهدي ضالّاً هنا وتزيل شاكّاً هناك, وتزيد إيمان رجل هنا وتصبّر امرأة هناك, وتشدّ إلى النور شابّاً وترفع للدرجات فتاة... لنحقّق بعضاً مِنْ... "خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس" أو نبذة من "طلب الإصلاح في أمّة رسول الله".

ونطرح هنا بعض السياسات لهذا الخطاب العاشورائيّ التعبويّ المطلوب:
1- التأكيد على أهميّة الجانب المعنويّ الذي يحقّقه الارتباط بالله تعالى والتوكّل عليه، وأهميّة هذا الجانب في استنزال المدد والنّصر الإلهيّ ولو قلَّ المؤمنون وكثر أعداؤهم.
2- ربط الناس بالتّكليف الإلهيّ على قاعدة كونه الموجِّه لموقف الفرد والأمّة.

3- توجيه الناس نحو العمل للآخرة, لضمان استمرار الحياة بسعادة باقية. وإبراز دور الشهادة في تحقيق ذلك.
4- غرس روح التضحية في أبناء الأمّة لكون معركة الحقّ
 
6

2

المقدمة

 ضدّ الباطل لا بدّ لها من تضحيات، وتضحيات الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء الدليل الواضح على ذلك.
5- الإرشاد إلى دور الولاية في توجيه الأمّة وترشيدها. وأنّ وحدة الوليّ والقائد هي الضمان لوحدة الأمّة وعزِّها.
6- تأكيد ضرورة وحدة المسلمين صفّاً واحداً أمام أعدائهم.

7- تحديد طواغيت العصر ويزيديّيه المتمثّلين اليوم في الدرجة الأولى بأمريكا وإسرائيل والتطرّق إلى الممارسات الإرهابيّة التي يمارسها هؤلاء الطواغيت ضدّ مسلمي ومستضعفي 
العالم.

8- بيان تكليف الأمّة في نصرة المظلومين.
9- التشديد على ضرورة الثبات في معركة الحقّ ضدّ الباطل ودورها في تحقيق النصر الإلهيّ.

10- إبراز التشابه بين ثورة الإمام الحسين عليه السلام ومعركتنا ضدّ الباطل، سواء على مستوى أهداف وممارسات الأعداء، أو على مستوى مشاركة الشرائح المتنوّعة من المجتمع 
لنصرة الحقّ) شبّان، شيوخ، نساء، أطفال، طبقات اجتماعيّة متفاوتة).

11- الإلفات إلى ضرورة التكافل الاجتماعيّ في الأمّة بما يؤمِّن القوّة الداخليّة للمجتمع في معركته ضدّ الباطل.
 
7

3

المقدمة

 12- تقوية علاقة الناس بصاحب العصر و الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وتبيان مسئوليّتهم في التمهيد لظهوره المبارك، واستعدادهم لاستمرار التضحية بين يديه.
والحمد لله ربّ العالمين
معهد سيّد الشهداء عليه السلام
للمنبر الحسينيّ
 
8
 

4

المقدمة

 توجيهات الإمام الخمينيّ قدس سره للمحاضرين والخطباء الحسينيّين
1- إنّ على الخطباء أن يقرأوا المراثي حتّى آخر الخطبة, ولا يختصروها بل ليتحدّثوا كثيراً عن مصائب أهل البيت عليهم السلام.
2- ليهتمّ خطباء المنابر ويسعوا إلى دفع الناس نحو القضايا الإسلاميّة وإعطائهم التوجيهات اللازمة في الشؤون السياسيّة والاجتماعيّة.
3- يجب التذكير بالمصائب والمظالم التي يرتكبها الظالمون في كلّ عصر ومصر.

توجيهات الإمام الخامنئيّ دام ظله للمحاضرين والخطباء الحسينيّين
أوّل شي‏ء يجب أن تهتمّوا به هو رسالة الثورة في المصيبة وفي المدح وفي الأخلاقيّات والوعظ.

كيف يجب أن تقام مراسم العزاء؟
إنّه سؤال موجَّه إلى جميع من يشعر بالمسؤوليّة في هذه القضيّة، وباعتقادي أنّ هذه المجالس يجب أن تتميّز بثلاثة أمور:
1- تكريس محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم في القلوب, لأنّ
 
9
 

5

المقدمة

 الارتباط العاطفيّ ارتباط قيِّم ووثيق.
2- إعطاء صورة واضحة عن أصل قضيّة عاشوراء, وتبيانها للناس من الناحية الثقافيّة والعقائديّة والنفسيّة والاجتماعيّة.
3- تكريس المعرفة الدينيّة والإيمان الدينيّ. والاعتماد على آية شريفة أو حديث شريف صحيح السند أو رواية تاريخيّة ذات عبرة.

على أيّ منبر صعدتم وأيّ حديث تحدّثتم، بيّنوا للناس يزيد هذا العصر وشمر هذا العصر ومستعمري هذا العصر.
 
10

6

المقدمة

 من كلام للإمام السيّد عليّ الخامنئي دام ظله في عام 1996م. حول مواجهة الإمام الحسين عليه السلام لعالم الانحراف والظلام, وحيداً 
 
لم يتجاوز الوقت الذي استغرقته واقعة كربلاء نصف نهار أو زاد عليه قليل, واستشهد فيها عدد - اثنان وسبعون وأكثر أو أقلّ بقليل1 - وهذا الأمر موجود في الدنيا. فأن تكتسي واقعة كربلاء كلّ هذه العظمة - وهي أهل لهذا الشموخ والعظمة، بل هي أسمى وأعظم - بحيث إنّها تركت آثارها ونفذت في عمق الوجود البشريّ، كان بسبب روح هذه الواقعة. فجسم القضيّة لم يكن له ذلك الحجم. فهناك أطفال قتلوا في كلّ بقعة من العالم، بينما قتل في كربلاء رضيع لستّة أشهر. وفي بعض الأماكن أباد الأعداء الأهالي وقتلوا مئات الأطفال. القضيّة ليست مطروحة هنا في بعدها الجسمانيّ الحجميّ، بل تكمن أهميّتها في روحها ومعناها.
 
روح القضيّة هي أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يكن يواجه في تلك الواقعة جيشاً ولم تكن مواجهته مع جمع غفير- وإن كان

1-  أنساب الأشراف,ج3, ص 205, مقتل الحسين , الخوارزمي, ج2, ص44, شرح الأخبار, ج3, ص154-155, 87 شخصاً: مروج الذهب,ج3, ص61, 78 شخصاً, اللهوف, ص85, بحار  الأنوار, ج45, ص62.
 
11
 

7

المقدمة

  يفوقه بمائة ضعف- بل إنّ مواجهة الإمام الحسين عليه السلام مع عالم من الانحراف والظلمة، وهذا هو المهمّ. وفي الوقت الذي كان يواجه فيه ذلك العالم من الظلمة والظلم والانحراف، كان ذلك العالم يملك كلّ شيء، ولديه المال والذهب والقوّة والكتّاب والشعراء والمحدّثون والخطباء. كان موحشاً جدّاً. وكانت لترتعد له فرائص الإنسان العاديّ وما فوقه, مقابل العظمة الفارغة لعالم الظلمة ذاك، ولكن لم يرتعش للإمام الحسين قلب ولا اهتزّت له قدم. ولم تساوره مشاعر ضعف أو تردّد. وبرز إلى الميدان وحيداً فريداً. وإنّ عظمة القضيّة هي أنّ القيام كان لله.
 
يمكن تشبيه موقف الإمام الحسين عليه السلام ومقارنته بموقف جدّه رسول الله محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعثته, فكما واجه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمهناك عالماً بأسره، وقف الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء بمواجهة عالم بأسره. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتره أيّ خوف، بل صمد وسار إلى الأمام، وكذلك الحال بالنسبة إلى الإمام الحسين الذي لم يرهبه شيء, بل ثبت وسار قدماً. فالحركة النبويّة والحركة الحسينيّة كدائرتين متّحدتين في المركز متّجهتين نحو مسار واحد. وهنا يظهر معنى "حسين منّي وأنا من حسين"1. هذه عظمة موقف الإمام الحسين عليه السلام.
 
عندما قال الحسين عليه السلام ليلة العاشر من محرّم: "اذهبوا فأنتم
 

1- بحار الأنوار, ج45, ص314.
 
12
 
 

8

المقدمة

 في حلّ منّي, وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً, وليأخذ كلّ واحد منكم بيد واحد من أهل بيتي, فالقوم يطلبونني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري... "1، لم يكن قوله مزاحاً. لنفترض أنّهم وافقوه وانصرفوا وبقي وحده أو برفقة عشرة أشخاص، هل كان ذلك لينقص من عظمة عمله؟ كلّا، بل تبقى له هذه العظمة بعينها. ولو كان حول الحسين عليه السلام بدل هؤلاء الاثنين والسبعين، اثنان وسبعون ألفاً ، هل كان ذلك لينقص من عظمة موقفه؟ أبداً.
 
إنّ عظمة موقف الحسين تكمن في ثباته واطمئنانه وهو يواجه ضغوط وقسوة دنيا تعترضه وتدّعي في حقّه، فلم يتزلزل، والحال أنّ موقفاً كهذا، يضطرب فيه عامّةُ الناس، وحتّى من هم فوق عامّة الناس. 
 
وكما ذكرت مراراً فإنّ عبد الله بن عبّاس - وهو شخصيّة كبيرة مرموقة - وجميع أمراء قريش، كانوا في غاية الاستياء من ذلك الوضع. وهكذا كان حال عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وأبناء كبار الصحابة، وبعض الصحابة. 
 
كان في المدينة عدد كبير من الصحابة، وكانوا من ذوي المروءة - لا يتصوّرن أحد أنّهم لم يكن لهم مروءة وغيرة - وهم أنفسهم الذين تصدّوا لمسلم بن عقبة وقاتلوه في وقعة "الحرّة

1- مناقب آل أبي طالب, ج 3, ص 248.
 
13

 

9

المقدمة

 حينما هجم على المدينة وارتكب المذابح فيها بعد سنة 1 من واقعة كربلاء. لا تتصوّروا أنّهم كانوا جبناء، بل كانوا فرساناً وشجعاناً. لكن شجاعة البروز إلى ساحة الحرب مسألة، وشجاعة مواجهة عالم برمّته مسألة أخرى. 
 
والموقف الذي خاضه الإمام الحسين هو الثاني، وقد تحرّك لأجل (في) الخيار الثاني2.

1- تاريخ اليعقوبيّ, ج 2, ص 250- 251.
2- في لقاء حشود من عناصر الحرس الثوريّ بمناسبة يوم الحرس, 24/ 9/ 1375ش. 
 
14
 

10

المحاضرة الأولى

 قيمة البكاء على سيّد الشهداء عليه السلام
 
الهدف:
الحثّ على إحياء الشعائر الحسينيّة لا سيّما البكاء على الإمام الحسين عليه السلام 
 
تصدير الموضوع:
عن الإمام الرضا عليه السلام: "على مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"1.

1- وسائل الشيعة ج 14 ض 504.
 
16

 

11

المحاضرة الأولى

 محاور الموضوع
1- البكاء على الإمام الحسين عليه السلام
ورد الحثّ على البكاء على الإمام الحسين.
فعن الإمام الرضا عليه السلام: "يا بن شبيب! إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، فإنّه ذُبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيهون"1
 
وعن الإمام الباقر عليه السلام في حديث زيارة الحسين عليه السلام يوم عاشوراء من قرب: "ثم ليندب الحسين عليه السلام ويَبْكِهِ، ويأمر من في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه... وليعزّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين عليه السلام..." قلت: فكيف يعزّي بعضنا بعضا؟ قال: "تقولون: أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد عليهم السلام"2.
 
وإذا منعتنا ذنوبنا في البداية من البكاء فلنحرص على التباكي فإنّ له أجر البكاء. قال ابن طاوس روي عن آل الرسول عليهم السلام أنّهم قالوا: "من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنّة, ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنّة, ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنّة, ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنّة, ومن بكى

1- عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2 ص 268.
2- ميزان الحكمة ج 3 ص 1984.
 
18
 

12

المحاضرة الأولى

 وأبكى عشرة فله الجنّة, ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنّة, ومن تباكى فله الجنّة"1.
 
2- أجر البكاء على الإمام الحسين (الآثار الأخرويّة):
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتّى تسيل على خدّه، بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقابا"2.
 
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "كلّ عين يوم القيامة باكية وكلّ عين يوم القيامة ساهرة، إلّا عين من اختّصه الله بكرامته وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّد عليهم السلام"3.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام- في مناجاته بعد صلاته: "يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشفاعة... اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي عبد الله الحسين... اللهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حفرة أبي عبد الله عليه السلام ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، 

1- مكيال المكارم ج 2 ص 159.
2- ثواب الأعمال ص 83.
3- الخصال ص 635.
 
19
 

13

المحاضرة الأولى

 اللهمّ إنّي أستودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس حتّى توافيهم من الحوض يوم العطش"1.
 
3- فلسفة البكاء على الإمام الحسين عليه السلام (الآثار الدنيويّة):
إظهار المحبّة والولاء: 
إنّ البكاء على الإمام الحسين عليه السلام يعني أنّنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم وعدوّ لمن عاداهم, فالحزن والبكاء عليه هما إعلان الولاء والانتماء والبيعة له ولأهل البيت عليهم السلام.
 
الإجلال والتعظيم:
إنّ البكاء على الحسين عليه السلام هو تعظيم لقدره وتجليل لمقامه وتبيان لعظيم كرامته أمام جميع الناس، وبالتالي فإنّ بكاءنا هنا هو إعطاء شخصيّة الحسين عليه السلام عظمتها ومكانتها في نفوسنا.
 
ت- تعليم مبادئ ثورة الحسين عليه السلام: 
فالبكاء يستهدف التفاعل القلبيّ والروحيّ مع المبادئ التي طرحها الإمام الحسين عليه السلام والانصهار بها، تلك المبادئ التي خلّدت الإسلام كالمطالبة بالحقّ المغصوب، والرفض القاطع للظلم، والتفاني والإيثار، والجهاد بكلّ غالٍ ونفيس، لذلك اعتبر 

1- كامل الزيارات ص 229.
 
20
 

14

المحاضرة الأولى

 البكاء على الحسين عليه السلام وسيلة لتربية النفس البشريّة.
 
ث- مواساة أهل بيت العصمة عليهم السلام: 
إنّ البكاء وإقامة المآتم يعتبران لوناً من ألوان المواساة لأهل البيت عليهم السلام، والشعائر الحسينيّة هي بمثابة تعزية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بذبح سبطه وولده الحسين عليه السلام وأهل بيته وسبي عياله، وهذه المواساة نتوسّم منها نيل الأجر وعظيم المثوبة، فإنّ من صفات شيعتهم وأتباعهم أنّهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم.
 
ج - إحياء وتزكية الثورة في النفوس:
وللبكاء على الإمام الحسين دلالات يعبّر الإمام الراحل قدس سره عن جانب منها بقوله: "قد يسمّينا المتغرّبون بـ (الشعب البكّاء) ولعلّ البعض منّا لا يتمكّن من قبول أنّ دمعة واحدة لها كلّ هذا الثواب العظيم، لا يمكن إدراك عظمة الثواب المترتّب على إقامة مجلس للعزاء، والجزاء المعدّ لقراءة الأدعية، والثواب المعدّ لمن يقرأ دعاء ذا سطرين مثلاً.
 
إنّ المهمّ في الأمر هو البعد السياسيّ لهذه الأدعية وهذه الشعائر، المهمّ هو ذلك التوجّه إلى اللّه وتمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة وهدف واحد، وهذا هو الذي يعبّئ الشعب باتجاه هدف وغاية إسلاميّة, فمجلس العزاء لا يهدف للبكاء 
 
21

15

المحاضرة الأولى

 على سيّد الشهداء عليه السلام والحصول على الأجر- وطبعاً فإنّ هذا حاصل وموجود- الأهمّ من ذلك هو البعد السياسيّ الذي خطّط له أئمّتنا عليهم السلام في صدر الإسلام كي يدوم حتّى النهاية, وهو الاجتماع تحت لواء واحد وبهدف واحد، ولا يمكن لأيّ شيء آخر أن يحقّق ذلك بالقدر الذي يفعله عزاء سيّد الشهداء عليه السلام...
 
ح- بكاء الملائكة والأنبياء والنبيّ وأهل البيت عليهم السلام على الإمام الحسين عليه السلام:
- بكاء الملائكة
عن الإمام الصادق عليه السلام: "لما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان ضجَّت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت: يُفعل هذا بالحسين صفيِّك وابن نبيِّك، قال: فأقام الله لهم ظلّ القائم عليه السلام وقال: بهذا أنتقم لهذا"1.
 
- بكاء الأنبياء
في تفسير قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾2 أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة عليهم السلام فلقّنه جبرئيل قل: "يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا 

1- أصول الكافي ج 1 ص 465.
2- سورة البقرة الآية 37.
 
22
 

16

المحاضرة الأولى

 حجره ورثاه وبكى وهو يقول: "يا أبا عبد الله, عزيز عليّ" ثمّ بكى. ثمّ قال: "اللهمّ إنّي أسألك فيما سألك إبراهيم عليه السلام في ذريّته، اللهمّ إنّي أُحبّهما وأُحبّ من يحبّهما، والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض"1.
 
- بكاء أمير المؤمنين عليه السلام:
عن ابن عبّاس قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في خروجه إلى صفّين, فلمّا نزل بنينوى وهو شطّ الفرات, قال بأعلى صوته: "يا بن عبّاس, أتعرف هذا الموضع؟" قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين فقال عليّ عليه السلام: "لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي". قال: فبكى طويلاً حتّى اخضلّت لحيته، وسالت الدموع على صدره، وبكينا معاً وهو يقول: "أوه أوه, مالي ولآل أبي سفيان؟ مالي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر؟ صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم"2.
 
- مجلس الزهراء عليها السلام يوم القيامة:
فقد ورد أنّ السيّدة الزهراء عليها السلام حينما تكون في ساحة المحشر تنظر إلى ولدها الحسين‏ عليه السلام بلا رأس فتصرخ ومعها 

1- بحار الأنوار ج 44 ص 251.
2- أمالي الشيخ الصدوق ص 694.
 
24
 

17

المحاضرة الأولى

 خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وكلّ الأنبياء عليهم السلام الصالحين والمؤمنين1.
 
- الإمام الحسن عليه السلام:
وبكى الإمام الحسن عليه السلام أخاه الحسين‏ عليه السلام وذلك حين حضره الموت، وظهر السمّ في جميع أعضائه، وخرج كبده مقطّعاً، فأتى إليه الإمام الحسين عليه السلام واعتنقه وجعل يبكي، فقال له الإمام الحسن عليه السلام: "ما يبكيك يا أبا عبد الله؟"، قال: "أبكي لما صنع بك". فقال له الإمام الحسن‏ عليه السلام: "ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم أمّة جدِّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وينتحلون دين الإسلام، ويجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك, وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاك ثقلك, فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة, وتمطرُ السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شي‏ء حتّى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار"2.
 
- السيّدة زينب عليها السلام
رغم شجاعة السيّدة زينب عليها السلام وصلابتها في كربلاء لم يمنعاها من التأثّر والبكاء عند المصيبة الكبرى والفاجعة العظمى, فقد ذكر الرواة أنّها لمّا نظرت إلى جسد الحسين عليه السلام وهو

1- أنظر بحار الأنوار ج 7 ص 127.
2- أنظر أمالي الشيخ الصدوق ص 177.
 
25
 

18

المحاضرة الأولى

 بتلك الحالة, معفّر بدمائه مفقود من أحبّائه, ندبت عليه بصوت مشج وقلب مقروح: "يا محمّداه صلّى عليك مليك السماء, هذا حسين مرمّل بالدماء مقطّع الأعضاء, وبناتك سبايا, إلى الله المشتكى وإلى عليّ المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيّد الشهداء, هذا حسين بالعراء تسفي عليه الصبا قتيل أولاد الأدعياء, واحزناه! وا كرباه! اليوم مات جدّي رسول الله, يا أصحاب محمّداه, هؤلاء ذريّة المصطفى يساقون سوق السبايا. فأذابت القلوب القاسية والجبال الراسية"1.

1- مثير الأحزان ص 59.
 
26
 

19

المحاضرة الثانية

الإنصاف: فضله وأهميّته
 
الهدف:
بيان أهميّة الإنصاف وحثّ الناس على ضرورة العمل بهذا الخلق الرفيع لما فيه من صلاح المجتمع.
 
تصدير الموضوع:
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾1.

1- سورة الأنعام الآية 152.
 
27

 

20

المحاضرة الثانية

 المقدّمة
كثيراً ما يؤدّي الاختلاط بين الناس إلى أن يؤثر الإنسان نفسه في الآخرين إلى درجة أنّه يغفل عن حقوقهم بل قد يفرّط بها نتيجة حبّ الاستئثار بالأشياء لنفسه. ومن هنا أكّدت الشريعة الإسلاميّة على ضرورة إنصاف الناس وبذل حقوقهم, واعتبرت هذه الصفة من أمّهات الصفات الأخلاقيّة التي تولّد عزّاً ورفعة ونشراً للمحبّة والعدل في المجتمع. 

محاور الموضوع
1- مفهوم الإنصاف:
الإنصاف العدل والتسوية، يقال: القاضي أنصف بين الخصمين إذا عدل وساوى بينهما في المجلس، وفلان أنصف الناس من نفسه إذا رضي لهم ما رضي لنفسه وكره لهم ما كره لها وحكم على نفسه لو كان الحقّ لهم. عن جارود أبي المنذر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "سيّد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك حتّى لا ترضى بشيء إلّا رضيت لهم مثله, ومؤاساتك الأخ في المال, وذكر الله على كلّ حال, ليس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر فقط, ولكن إذا ورد عليك شيء أمر الله عزَّ وجلّ به أخذت به, أو إذا ورد عليك 
 
28
 

21

المحاضرة الثانية

 شيء نهى الله عزَّ وجلّ عنه تركته"1
 
2- أهميّة الإنصاف:
يعتبر الإنصاف من أكمل فضائل العقل, لأنّ العاقل يعلم أنّ من أنصف زاده الله تعالى عزّاً في الدنيا والآخرة وهو في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه.
 
3- موارد الإنصاف:
الإنصاف في المعاملة: وهو أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلّا مثل ما يعطيه ولا يناله من المضارّ ما يناله منه. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾2.
 
الإنصاف في القصاص: يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾3.

1- أصول الكافي ج 2 ص 144.
2- سورة الأعراف الآية 85.
3- سورة البقرة الآية 178.
 
29
 

22

المحاضرة الثانية

 الإنصاف في التعامل مع الحقائق والوقائع: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾1. ويقول في آية أخرى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾2.
 
الإنصاف في التعامل مع الآخرين: من وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابن مسعود: "يا بن مسعود, أنصف الناس من نفسك، وأنصح الأمّة وارحمهم، فإذا كنت كذلك وغضب الله على أهل بلدة أنت فيها وأراد أن ينزل عليهم العذاب نظر إليك فرحمهم بك، يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾3"4. وعن الإمام عليّ عليه السلام قال: "أنصف الناس من نفسك وأهلك وخاصّتك ومن لك فيه هوى، وأعدل في العدوّ والصديق"5.
 
الإنصاف في الحكم: عن الإمام عليّ عليه السلام- من كتابه للأشتر-: "وشُحَّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك، فإنّ الشحّ بالنفس الإنصاف منها فيما أحبّت أو كرهت... أنصف الله وأنصف 

1- سورة الأنعام الآية 36.
2- سورة العنكبوت الآية 47.
3- سورة هود الآية 117.
4- مستدرك الوسائل ج 11 ص 310.
5- ميزان الحكمة ج 4 ص 3286.
 
30
 

23

المحاضرة الثانية

 الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيّتك، فإنّك إلّا تفعل تظلم,... وتفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون، وتحقّره الرجال، ففرّغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه، فإنّ هؤلاء من بين الرعيّة أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، وكلّ فأعذر إلى الله في تأدية حقّه إليه"1.
 
4- فضل الإنصاف:
أعظم المثوبة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ أعظم المثوبة، مثوبة الإنصاف"2.
 
يجتلب المحبّة: عن الإمام الجواد عليه السلام: "ثلاث خصال تجتلب بهن المحبّة: الإنصاف في المعاشرة، والمواساة في الشدّة والانطواع، والرجوع إلى قلب سليم"3. وعن الإمام عليّ عليه السلام: "الإنصاف يستديم المحبّة"4. وعنه عليه السلام: "بالنصفة يكثر المواصلون". وعنه عليه السلام: "المنصف كثير الأولياء والأودّاء"5.
 
أعدل الناس: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أعدل الناس من يرضى للناس ما يرضى لنفسه، وكره لهم ما يكره لنفسه، وأعتى

1- نهج البلاغة, عهد الإمام عليّ عليه السلام لمالك الأشتر.
2- ميزان الحكمة ج 1 ص 350.
3- بحار الأنوار ج 75 ص 82.
4- عيون الحكم والمواعظ ص 44. 
5- ميزان الحكمة ج 4 ص 3284.
 
31
 

24

المحاضرة الثانية

 الناس من قتل غير قاتله وضرب غير ضاربه"1. وعن الإمام عليّ عليه السلام: "أعدل الناس من أنصف من ظلمه"2.
 
أفضل الشيم: عن الإمام عليّ عليه السلام: "الإنصاف أفضل الشيم"3. وعنه عليه السلام: "الإنصاف شيمة الأشراف"4.
 
يؤدّي إلى الجنّة: عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في آخر خطبته: طوبى لمن طاب خلقه وطهرت سجيّته وصلحت سريرته وحسنت علانيته وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله وأنصف الناس من نفسه"5. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنّة؟ أنفق ولا تخف فقراً، وأفش السلام في العالم، واترك المراء وإن كنت محقّاً، وأنصف الناس من نفسك"6.
 
5- قصّة وعبرة: 
عن عبد الأعلى بن أعين قال: كتب (بعض) أصحابنا يسألون أبا عبد الله عليه السلام عن أشياء وأمروني أن أسأله عن حقّ المسلم على أخيه، فسألته فلم يجبني، فلمّا جئت لأودّعه فقلت: 

1- روضة الواعظين ص 465.
2- ميزان الحكمة ج 3 ص 1843.
3- ميزان الحكمة ج 4 ص 3284.
4- ميزان الحكمة ج 4 ص 3284.
5- أصول الكافي ج 2 ص 144.
6- أصول الكافي ج 2 ص 144.
 
32
 

25

المحاضرة الثانية

 سألتك فلم تجبني؟ فقال: "إنّي أخاف أن تكفروا، إنّ من أشدّ ما افترض الله على خلقه ثلاثاً: إنصاف المرء من نفسه حتّى لا يرضى لأخيه من نفسه إلّا بما يرضى لنفسه منه، ومؤاساة الأخ في المال، وذكر الله على كلّ حال، ليس سبحان الله والحمد الله ولكن عندما حرم الله عليه فيدعه"1.
 
6- الإنصاف في كربلاء: 
"في عصر اليوم التاسع من المحرّم ولمّا تهيّأ العدوّ للحرب والقتال تقدّم زهير وحبيب للكلام معهم ونصيحتهم، وبعد أن تكلّم حبيب مع عزرة بن قيس التفت زهير إلى عزرة محذّراً له من إعانة أهل الضلال على قتل النفوس الزكيّة، فتعجّب عزرة من مواقف زهير في الدفاع عن الإمام الحسين عليه السلام فسأله قائلاً: يا زهير ما كنت عندنا من شيعة هذا البيت.... فقال له زهير: أفلا تستدلّ بموقفي هذا على أنّي منهم، أما والله ما كتبت إليه كتاباً قطّ, ولا أرسلت إليه رسولاً قطّ, ولا وعدته نصرتي قطّ, ولكن الطريق جمع بيني وبينه، فلمّا رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومكانه منه, وعرفت ما يقدم عليه من عدوّه وحزبكم، فرأيت أن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظاً لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله"2.

1- أصول الكافي ج 2 ص 170.
2- وقعة الطفّ ص‏194 و195.
 
33
 

26

المحاضرة الثالثة

 الهدف:
تسليط الضوء على شعائر الإمام الحسين عليه السلام وأهميّتها والتعرّف على أنواعها, وكيفيّة إقامتها.
 
تصدير الموضوع:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "رَحِم‌ اللهُ مَن‌ أحيا أمرنا"1.

1- بحار الأنوار ج 2 ص 151.
 
35
 

27

المحاضرة الثالثة

 المقدّمة:
 
هناك صنفان من الشعائر و الممارسات‌:
أوّلاً: الممارسات والشعائر العامّة والتي يلزم فيها تشريك مساعي مجموعة من الموالين.
ثانياً: الممارسات والشعائر الفرديّة التي يستطيع أن يقوم بها كلّ فرد حتّى لو كان لوحده..
 
محاور الموضوع
الشعائر الحسينيّة العامّة‌:
1- إقامة مجالس العزاء: فهذه المجالس المباركة وإن كانت بالنظرة العابرة تتكوّن من عناصر ثلاثة‌: المكان الذي يعقد فيه المجلس‌، والخطيب والراثي الذي يحيي المجلس ‌بحديثه‌، والجمهور الذّين يعظم المجلس بحضورهم‌، لكنّها في واقع الأمر تنتج منافع نذكر منها فائدتين‌:
 
أ- بما أنّ هذه المجالس الحسينيّة شعيرة من شعائر الدّين‌، فجميع المشاركين في إحيائها يقصدون نيل الثواب وكسب الأجر من إقدامهم لها. لا سيّما وأن‌ النصوص الروائيّة لأهل البيت عليهم السلام تثبت حضور أرواح الأئمّة وخصوصاً السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام في هذه المجالس‌. كمؤيّد 
 
36

28

المحاضرة الثالثة

 لذلك هو سؤال الإمام الصادق عليه السلام من فضيل بن يسار حين سأله‌: "تجلسون وتحدّثون؟" قال: نعم جعلت فداك ، قال: "إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل, فرحم الله من أحيا أمرنا"1.
 
وعن الصادق عليه السلام أنّه قال: "يا أبا بصير, أما تحبّ أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليها السلام"2؟.
 
ب- أنّها مدرسة تربويّة‌، تقدّم خلالها الحلول البنّاءة لما يمرّ على عالمنا الإسلاميّ من مشاكل ومحن‌. وهذا هو مضمون كلام الإمام الباقر عليه السلام لفضيل‌: "إن‌ حَدِيثَنا يُحْيي القُلُوب"3، بل وهناك الكثير من الوقائع تدل‌ على إحياء قلوب حتّى غير المسلمين بتأثير الشعائر الحسينيّة ولا سيّما مجالس عزائه سلام الله عليه‌.
 
2- المشاركة في المسيرات العزائيّة: ويمكن تفسير فوائدها وأهدافها بتفسيرين‌:
أ- إنّها استجابة علنية لصرخات الحسين عليه السلام واستغاثاته المتكرّرة منذ أن خرج من مكّة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى‌. فإقامة الشيعة وعلى مرّ العهود لهذه المسيرات

1- بحار الأنوار ج 71 ص 351.
2- كامل الزيارات ص 171.
3- الخصال ص 22.
 
37
 

29

المحاضرة الثالثة

 العزائيّة يثبت ولاءهم للإمام الحسين عليه السلام.
 
عن إمامنا الصادق عليه السلام: "رَحِم‌ الله شَيعَتنا وَاللهِ هُم‌ المُؤمِنُون‌. فَقَدْ وَاللهِ شَرَكونا في المُصيبة بطُول الحُزْن والحَسْرَة"1.
 
ب- إنّها إعلان استعداد صريح لاستقبال إمام زمانهم الموعود، والذي هو من أجل تكوين حكمه الإسلاميّ العادل بحاجة إلى جند أوفياء. فهذه المسيرات العزائيّة تعتبر بيعة وانقياداً رسميّاً منهم لإمام زمانهم الحيّ بعد أن حرموا من تقديم بيعتهم للإمام الحسين عليه السلام الشهيد بكربلاء.
 
وما اتخاذ الطغاة الأساليب القمعيّة لاستئصال هذه الظاهرة الجماهيريّة على مرّ الدهور إلّا مصداقاً بارزاً لخطورتها وبسالة روّادها. وهو ما أكّده الإمام‌الخمينيّ مراراً: أحيوا عاشوراء فإنّ كلّ ما لدينا هو من محرّم وصفر.
 
3- إطعام المؤمنين وسقيهم: ولا سيّما أصحاب العزاء منهم في مثل هذه المناسبات وذلك‌:
أوّلاً: بسبب الجهد والعناء اللذين يبذلهما المعزّون في مثل هذه المناسبات والأيّام‌؛ فعن عمر بن عليّ بن الحسين قال: لما قتل الحسين بن عليّ صلوات الله عليه لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد،

1- ثواب الأعمال ص 217.
 
38
 

30

المحاضرة الثالثة

  وكان عليّ بن الحسين يعمل لهن الطعام للمأتم1.
 
وثانياً: للنصوص الواردة في فضل الإنفاق على الآخرين‌. فما أفضل‌من أن ينفق الإنسان على الذّين يسعون من أجل تعظيم شعائر الله, وإحياء أمر الإمام الحسين عليه السلام.
 
والمروي عن النبيّ‌ صلى الله عليه وآله وسلم مع صديقات زوجته خديجة بعد رحيلها؛ فالمعروف أن‌ النبيّ كلّما ذبح شاة قطّعها ثمّ بعث بأوصالها إلى صديقات خديجة2 وذلك حبّاً وكرامة منه لها.
 
وهذا الأمر هو الذي دفع إمامنا الصادق عليه السلام بالدعاء والترّحم على شيعته الباذلين والمنفقين قائلاً: "اللّهُم‌... اغفر لي ولإخواني وزوّار قَبر جدّي ‌الحُسَين الذيِن‌ أنفقوا أموالهَم وأشخصوا أبدانهم رغبة في بّرنا..."3.
 
4- تعزية المؤمن أخاه المؤمن‌: فهذا العمل مضافاً إلى كونه مقوّياً لأواصر الأخوّة فيما بين شيعة الحسين عليه السلام، كذلك ينبئ عن معايشتهم الروحيّة مع الحسين عليه السلام وثورته‌.
 
وأمّا كيفيّة تعزية المؤمنين بعضهم بعضاً، ففي رواية عقبة عن الإمام الباقر عليه السلام حين سأله‌: فكيف يعزّي بعضنا بعضاً؟ قال‌: تقولون‌: "أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا وإيّاكم 

1- بحار الأنوار ج 45 ص 188.
2- أعيان الشيعة ج 6 ص 312.
3- كامل الزيارات ص 228.
 
39
 

31

المحاضرة الثالثة

 من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهديّ من آل محمّد عليهم السلام"1.
 
5- إبكاء المؤمنين في مصاب الحسين عليه السلام الجلل‌: سواء كان ذلك بتلاوة مصرعه المشجي أو قراءة الأشعار المناسبة في المقام‌. فإذا صار تالي المصرع وقاري‌ء الشعر سبباً لذرف دموع المؤمنين‌، فحينئذٍ يكون ‌لهما وبنصّ روايات أهل البيت عليهم السلام ثوابهما الخاصّ‌.
 
كما أكّد على ذلك الإمام الرضا عليه السلام في حديث له مع الشاعر دعبل‌الخزاعيّ وهو يرغّبه لرثاء الحسين عليه السلام فقال‌: "يا دعبل‌، إرث الحُسَيْن‌ فَأنْت‌ ناصرنا و مادحنا ما دمت حيّاً فلا تقصر في نصرتنا ما استطعت"2.
 
الشعائر الحسينيّة الفرديّة‌:
1 ـ التظاهر بالحزن ومعايشة مأساة الحسين عليه السلام وأنصاره على مستوى القلب والوجه, فعن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: "نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمّه لنا عبادة، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله". ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام: "يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب"3.

1- مصباح المتهجد ص 772.
2- بحار الأنوار ج 45 ص 257.
3- أمالي الشيخ المفيد ص 338.
 
40
 

32

المحاضرة الثالثة

 2- عدم الضحك والهزل‌، وذلك بصرف الوقت في أمور تتنافى وصفات الموالي والحزين‌. في هذا المجال ينقل عن الإمام الرضا عليه السلام قوله‌: "كان أبي (موسى بن جعفر) إذا دخل شهر محرّم لم يُر ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه, حتّى يمضي منه عشرة أيّام"1.
 
3- ارتداء السواد ونصبه في المآتم‌. وهذ العمل أيضاً من السُنن العرفيّة الجارية من قديم الأزمنة بل إن‌ّ المروّيات تسنده إلى زمن واقعة الطفّ‌؛ فعن عمر بن عليّ بن الحسين، قال: "لمّا قتل الحسين بن عليّ عليه السلام لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد, وكان عليّ بن الحسين عليه السلام يعمل لهن الطعام للمأتم"2.
 
4ـ زيارة الحسين عليه السلام والشهداء من أنصاره‌، إن أمكن ذلك من قرب‌، أي بالحضور في حرمه الشريف‌، وما لها من كرامة يكون زائر قبر المولى ‌قد نالها، بحيث صار مستوجباً للثناء من الإمام الصادق عليه السلام وذلك حين استفسر من تلميذه حمّاد الكوفيّ عن كيفيّة زيارة أهل العراق لمزار الحسين عليه السلام فقال عليه السلام: "بلغني أن‌ أناساً من أهْل الكوفة وَقَوْماً آخرين من ‌نواحيها يأتون قبْر أبي عبد الله في النصف

1- أمالي الشيخ الصدوق ص 191.
2- المحاسن ج 2 ص 420.
 
41
 

33

المحاضرة الثالثة

 من شعبان فبين قارئ يقرأ القرآن‌، وقاص‌ يقص‌ ومادح لنا ونساء يندبنه", قال حمّاد: قد شهدت بعض ما تصف‌، قال الإمام عليه السلام: "الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا..."1.
 
وإن لم يمكن فمن البعد، أي من أي‌ نقطة من العالم‌, كما عن الإمام الباقر عليه السلام: "إن‌ البَعيَد يُومي إليه‌ باِلسَلام‌ وَيجهَد في الدُعاءِ عَلى قاتِليه‌ وَليَبْكِهِ وَيَأمُرْ مَن في داره‌ البُكاءِ عَليه"2.
 
6 ـ البكاء المؤدّي إلى ذرف الدموع‌: وذلك بعد ما يتلوّع قلب المؤمن المُحبّ للحسين عليه السلام.
عن إمامنا الصادق عليه السلام: "إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السلام، فإنّه فيه مأجور"3.
 
بل وأكثر من ذلك يترحّم عليه السلام على شيعة جدّه الحسين عليه السلام قائلاً: "اللّهُم‌... وَارْحم تلك الأعْيُن التي جَرَت دُمُوعُها رَحمة لنا"4.
 
7 ـ التباكي هو التظاهر بالبكاء: حيث قد لا يرافقه ذَرْفٌ للدموع‌، وبالتالي هو دليل على عدم تلوّع القلب وحنينه

1- وسائل الشيعة ج 14 ص 599, الباب 105 من أبواب المزار حديث 7.
2- كامل الزيارات ص 326.
3- كامل الزيارات ص 201.
4- كامل الزيارات ص 229.
 
42

 

34

المحاضرة الثالثة

  كما في البكاء. ولكن على‌كل‌ حال يكون المتباكي عن صدق‌، مأجوراً ومثاباً كما قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من‌تباكى فله الجنّة"1.
 
8 ـ الإمساك عن الطعام والإكثار من الدعاء في يوم العاشر من المحرّم‌، وذلك مشاطرة للإمام الحسين عليه السلام ومن غير نيّة‌ للصوم. ولا سيّما في الساعات الأخيرة من عصر عاشوراء الذي كان يكثر الحسين عليه السلام الدعاء فيها، مضافاً إلى كونها ساعة شهادته‌. فعن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيّدي أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام في يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط. فقلت: يا بن رسول الله! ممّ بكاؤك؟ لا أبكى الله عينيك، فقال لي: "أو في غفلة أنت؟ أما علمت أنّ الحسين بن عليّ أصيب في مثل هذا اليوم؟" فقلت: يا سيّدي! فما قولك في صومه؟ فقال لي: "صمه من غير تبييت، وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملاً وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول الله وانكشفت الملحمة عنهم، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم يعزّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصرعهم

1- ثواب الأعمال ص 160.
 
43

 

35

المحاضرة الثالثة

 ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه هو المعزّى بهم"، قال: وبكى أبو عبد الله عليه السلام حتّى اخضلّت لحيته بدموعه...1.
 
ومن الدعاء ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال للريّان بن شبيب: "يا بن شبيب، إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً"2.
 
9 ـ إنشاد الشعر في إظهار مظلوميّة الإمام الحسين عليه السلام: فعن زيد الشحّام- في حديث - إنّ أبا عبد الله عليه السلام قال لجعفر بن عفّان الطائيّ: "بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتجيد؟" قال: نعم, فأنشده فبكى ومن حوله حتّى سالت الدموع على وجهه ولحيته, ثمّ قال: "يا جعفر, والله لقد شهدك ملائكة الله المقرّبون ها هنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام, ولقد بكوا كما بكينا وأكثر، ولقد أوجب الله لك يا جعفر في ساعتك الجنّة بأسرها وغفر لك"، فقال: "ألا أزيدك؟" قال: نعم يا سيّدي، قال: "ما من أحد قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى به إلّا أوجب الله له الجنّة وغفر له"3.

1- مصباح المتهجد ص 782.
2- أمالي الشيخ الصدوق ص 193.
3- وسائل الشيعة ج 14 ص 593 باب 104 من أبواب المزار حديث 1.
 
43
 

36

المحاضرة الثالثة

 10ـ لعن قتلة الحسين عليه السلام ولا سيّما عند شُرب الماء كما عن داود الرقيّ قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلامإذا استسقى الماء, فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه, ثمّ قال لي: "يا داود لعن الله قاتل الحسين عليه السلام, وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام وأهل بيته ولعن قاتله إلّا كتب الله عزَّ وجلّ له مائة ألف حسنة وحطّ عنه مائة ألف سيّئة ورفع له مائة ألف درجة, وكأنّما أعتق مائة ألف نسمة, وحشره الله عزَّ وجلّ يوم القيامة ثلج الفؤاد"1.
 
وعن إمامنا الرضا عليه السلامفي حديثه للريّان بن شبيب: "يا بن شبيب، إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ وآله صلوات الله عليهم، فالعن قتلة الحسين"2.
 
11ـ اللطم, فعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "وقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميّات على الحسين بن عليّ عليهما السلام، وعلى مثله تُلطم الخدود وتُشقّ الجيوب"3.

1- الكافي ج 6 ص 391.
2- أمالي الشيخ الصدوق ص 193.
3- تهذيب الأحكام ج 8 ص 325.
 
45 
 

37

المحاضرة الأولى

 الثوابت الأربعة في ثورة الإمام الحسين عليه السلام
 
الهدف:
التعرّف على ثوابت الثورة الحسينيّة من خلال كتاب الإمام الحسين عليه السلام لأخيه محمّد بن الحنفيّة.
 
تصدير الموضوع:
عن زرارة‌، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال‌: "كتب الحسين بن عليّ عليه السلام من مكّة إلى محمّد بن الحنفيّة‌: "بسم الله الرحمن الرحيم‌، من الحسين بن عليّ إلى محمّد بن عليّ ومَن قبله من بني ‌هاشم‌: أمّا بعد: فإن‌ من لحق بي استشهد، ومَن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام".
 
49
 

38

المحاضرة الأولى

 المقدّمة:
تتضمّن هذه الرسالة الموجزة أربع قضايا أساسيّة و ثابتة في ثورة الإمام الحسين عليه السلام.
وفيما يلي سوف نتحدّث إن شاء الله عن هذه القضايا الأربع‌.
 
محاور الموضوع
1- حتميّة الشهادة:
من أبرز سمات ثورة الإمام الحسين عليه السلام الدعوة إلى الشهادة‌، والاستماتة في سبيل الله، ولم يزل الحسين عليه السلام منذ أن غادر مكّة إلى العراق‌، إلى يوم عاشوراء، يؤكّد لمَن يلقاه‌، ولمَن يصحبه أن‌ّ سبيله وسبيل ‌مَن يصحبه الموت‌.
 
ومهما شك‌ الإنسان في شأن من شؤون هذه الثورة الفريدة في التاريخ فلن يشك‌ أن‌ الحسين كان ينعى نفسه إلى الناس في خروجه إلى العراق‌، وكان يعلن إلى الناس أن‌ سبيل مَن يخرج معه الشهادة لا محالة‌، وأن‌ مَن يخرج معه لن تتخطّاه الشهادة‌.
 
روى أصحاب السير أن‌ّ الحسين عليه السلام لمّا أراد الخروج إلى العراق قام خطيباً فقال‌: "خُط‌ّ الموت على ولد آدم مخط‌ّ القلادة على جيد الفتاة‌، وما أولهني إلى أسلافي ‌اشتياق يعقوب إلى يوسف‌، وخير لي مصرع أنا لاقيه".
 
50
 

39

المحاضرة الأولى

 والإمام عليه السلام في هذه الخطبة ينعى نفسه إلى الناس‌، ويفتح خطابه للناس بالتعريف على الموت‌.
ثم يدعو الناس إلى الخروج معه‌، ويطلب منهم مهجهم وأن يوطّنوا أنفسهم في الخروج معه للقاء الله.
 
".. من كان باذلاً فينا مهجته‌، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله".
لقد كان الحسين عليه السلام يرى أن لا سبيل له للقضاء على فتنة بني أميّة التي طالت هذا الدّين وهذه الأمّة إلّا بقتله وقتل مَن معه من أهل بيته وأصحابه‌، وكان يعرف هذه الحقيقة بوضوح‌، ولم يكن يشك‌ّ في ذلك‌. وهذا ما كان ‌يخفى على أولئك النفر الذين كانوا ينصحون الحسين عليه السلام إلّا يغترّ بكتب‌أهل العراق ودعوتهم له- ولم يكن بوسع الحسين عليه السلام أن يفصح لهم عمّا يراه ويعرفه‌.
 
وآخر مرّة أعلن الحسين عليه السلام لأهل بيته وأصحابه أن مآلهم الشهادة ‌ليلة العاشر من محرّم‌، جمع الحسين عليه السلام أصحابه وخطب فيهم‌، وأحلّهم من بيعته وقال لهم‌: "ذروني وهؤلاء القوم فإنّهم لا يطلبون غيري‌، ولو أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم‌".
 
فلمّا توثّق من عزمهم على الشهادة معه قال لهم‌:
"إنّكم تقتلون غداً، كذلك‌، لا يفلت منكم رجل قالوا: الحمد
 
51

40

المحاضرة الأولى

 الله الذي شرّفنا بالقتل معك".
 
أجل‌، إن‌ّ مَن يقرأ سيرة الحسين من المدينة إلى كربلاء من دون مسبقات ذهنيّة لا يشك‌ في أن‌ الحسين عليه السلام لم يكن يطمع في مسيرته هذه بالحكم و السلطان‌، ولم يكن يتوقع في هذه المسيرة غير القتل والسبي له ولمَن معه من أنصاره ولأهل بيته وحرمه ونسائه‌.
 
ولم يكن العبادلة الأربعة‌: (عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عباس‌، وعبد الله بن عمر، وعبد الله ابن الزبير) الذين نصحوا الحسين بالإعراض‌عن العراق أعرف من الحسين وأخبر منه بحال العراق وحال الناس في‌العراق في هذه الفترة‌.
 
وهذه السمة كما ذكرت هي أبرز معالم عاشوراء وسماتها، وإلغاء هذه السمة هو تجريد عاشوراء من قيمتها التاريخية الكبيرة‌.
 
2- حتمية الفتح‌: 
والإمام عليه السلام يقرر هنا هذه الثابتة الثانية‌، بنفس الدرجة من ‌الجزم الذي يقرر به الثابتة الأولى، وهي مفهوم الجملة الثانية "ومَن لم يلحق بي لم يدرك الفتح".
 
ولهذه الجملة منطوق وهو واضح, ومفهوم‌وهو أن‌ من لحق به أدرك‌الفتح‌، ولا يقل‌ المفهوم في الوضوح عن المنطوق‌..
 
52

41

المحاضرة الأولى

 إن‌ الإمام عليه السلام لا يريد بالفتح هنا الفتح العسكري الميداني‌، ولا يمكن أن يريد به هذا المعنى الذي يطلبه القادة العسكريون في حروبهم‌. 
 
إذاً الإمام عليه السلام يريد بالفتح معنى آخر، أقرب إلى المفاهيم الحضارية منه إلى المفاهيم العسكرية‌. إن‌ الإمام عليه السلام يجد أن بني أمية قد عملوا على استعادة الجاهلية إلى الإسلام بأفكارها وقيمها، وحتى المواقع السياسية والاجتماعية التي حررها الإسلام من نفوذ الجاهلية‌، استعادها بنو أمية إلى ‌دائرة نفوذهم من جديد، واحتلوا مواقع السلطة والنفوذ والمال في المجتمع الإسلامي الجديد..
 
وقد تحولت هذه المواقع اليوم بكل نفوذها إلى أيدي بني أمية دون أن يكون قد حصل تغيير جوهري في أفكار بني أمية ومواقفهم‌.
 
لقد واجه الحسين عليه السلام كارثة بالمعنى الدقيق‌، حلت بهذا الدين‌، وبهذه ‌الأمة‌.
 
وكان هم‌ الحسين عليه السلام في هذه المرحلة الحساسة من التاريخ:
أ - إلغاء الشرعية وسلب الصفة الشرعية عن دولة بني أمية‌، وهذا العمل كان أعظم ما قام به الحسين عليه السلام في هذه الثورة‌، ونجح الحسين عليه السلام في ذلك نجاحاً كاملاً، وقد دام حكم بني أمية بعد الحسين عليه السلام زمناً طويلاً، غير أن‌ بني أمية لم يعد
 
53

42

المحاضرة الأولى

 في نظر المسلمين بعد وقعة الطف موقع الشرعية الدينية في الحكم‌، بعنوان خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإمرة المؤمنين‌، وإن كانوا يسمون أنفسهم بهذه أو تلك‌، وكانوا في نظر عامة المسلمين حكاماً زمنيين ملكوا الحكم عنوة‌، و"بالعنف"، ولم يكن لهم شأن مثل شأن الخلفاء من قبلهم إلى ولاية الإمام الحسن عليه السلام بعد أبيه عليه السلام، ولم يأخذ الناس عنهم دينهم كما كانوا يأخذون عن الخلفاء من قبلهم‌. ولم تعد لموقع الخلافة القدسية التي ‌كانت لها قبل وقعة عاشوراء.
ب- إعادة روح الجهاد والمسؤولية والمقاومة إلى الناس‌، لقد سلب بنو أمية فيما سلبوا إرادة الناس‌، فأصبح ‌الناس‌، تبعاً لآل أمية‌، لا رأي لهم‌، ولا عزم لهم‌، ولست أدري‌ماذا فعل بنو أمية‌، خلال السنوات التي حكم فيها معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد بن‌ معاوية‌, حتى أحضر عبيد الله بن زياد رأس الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله في مجلس عام في قصره‌، قد أذن للناس فيه فينكث شفتي ابن رسول الله بخيزرانة كانت بيده‌، فلم ينكر عليه أحد غير زيد بن أرقم‌, الذي كان يحضر عندئذ هذا المجلس‌، وعبد الله بن عفيف الذي سمع من ابن زياد كلامه في علي‌ عليه السلام والحسين عليه السلام وأهل بيته‌، فأغضبه ذلك‌، فسب‌ ابن زياد وشتمه على رؤوس الناس وأسخطه وأغضبه‌، وأهانه‌.
 
54
 

43

المحاضرة الأولى

 ولم يذكر المؤرخون غيرهما مَن اعترض على ابن زياد..
والحركة التي يقدم عليها الحسين عليه السلام تستجمع كل الشروط التي يطلبها الله تعالى من عباده ليهبهم النصر وهي‌: الإيمان‌، والإخلاص‌، والتقوى‌، والجهاد في سبيل الله.

ولم يشك‌ الحسين عليه السلام لحظة واحدة أن‌ الله تعالى ينصره في هذه الحركة‌، وأن‌ النصر لن يُخطئه وهذه هي الحتمية الثانية في هذه الحركة‌.

3- العلاقة بين الفتح والشهادة:
وهي القضية الثالثة في القضايا الأربع التي يتضمنها كتاب الحسين عليه السلام. وهذه الحتمية نستخرجها من ضم‌ الحتميتين الأولى والثانية‌.

ففي القضية الأولى: يخبر الإمام عن استشهاد كل مَن يخرج معه إلى العراق‌.
وفي القضية الثانية: يعلن الإمام أن‌ الذين يخرجون معه‌، فقط ينالون الفتح‌.

والنتيجة التي نستخرجها من ضم‌ هاتين القضيتين‌: أن‌ الذين يخرجون مع الحسين عليه السلام ينالون الفتح بالشهادة‌. ولا يتيسر لنا فهم هذه النقطة إلا إذا فسرنا (الفتح‌) على النهج الذي فسرناه به, عندئذٍ تستقيم لنا العلاقة بين الفتح والشهادة‌.
 
55

44

المحاضرة الأولى

 فإن‌ هذا الفتح لن يكون إلا بفتح الضمائر والقلوب والعقول‌، وتحرير عقول الناس ونفوسهم من سلطان التبعية لبني أمية‌، وتحرير الإسلام من ‌حركة التحريف والتشويه التي تجري في حضور السلاطين باسم الإسلام‌، ومن خلال موقع خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولن يتم‌ هذا الفتح إلا إذا تيسر لهؤلاء النفر الذين يخرجون مع الحسين عليه السلام من فتح نفوسهم وعقولهم وضمائرهم وتحريرها من سلطان بني أمية‌، ومن فتح الشرعية الإسلامية للخلافة وتحريرها من نفوذ بني أمية‌.
 
ولن يتم‌ لهم هذا وذاك إلا بدم غزير وعزيز يهز ضمائر الناس هزاً عنيفاً، ويعيدهم إلى أنفسهم ووعيهم ورشدهم‌.
وهذا هو الذي يقرره الإمام عليه السلام في هذا الكتاب الذي وجهه إلى محمد بن الحنفية‌: إن‌ هذا الفتح لن يتم لمن يخرج معه إلا بالقتل والشهادة.
 
4- إن هذا الفتح لن يتكرر في التاريخ:
وهذه هي الحتمية الرابعة في كتاب الحسين عليه السلام إلى محمد بن الحنفية وبني هاشم‌. يقول عليه السلام:  "ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح" وهذا الكلام صريح فيما ذكرناه‌.
 
إن‌ هذا الفتح الذي أجراه الله على يد الحسين عليه السلام وأنصاره لن يتكرر مرة أخرى في التاريخ‌.
 
إن‌ في التاريخ نوعين من الأحداث‌: أحداث تتكرر كالحرب‌،
فإن‌ هذا الفتح لن يكون إلا بفتح الضمائر والقلوب والعقول‌، وتحرير عقول الناس ونفوسهم من سلطان التبعية لبني أمية‌، وتحرير الإسلام من ‌حركة التحريف والتشويه التي تجري في حضور السلاطين باسم الإسلام‌، ومن خلال موقع خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولن يتم‌ هذا الفتح إلا إذا تيسر لهؤلاء النفر الذين يخرجون مع الحسين عليه السلام من فتح نفوسهم وعقولهم وضمائرهم وتحريرها من سلطان بني أمية‌، ومن فتح الشرعية الإسلامية للخلافة وتحريرها من نفوذ بني أمية‌.
 
ولن يتم‌ لهم هذا وذاك إلا بدم غزير وعزيز يهز ضمائر الناس هزاً عنيفاً، ويعيدهم إلى أنفسهم ووعيهم ورشدهم‌.
وهذا هو الذي يقرره الإمام عليه السلام في هذا الكتاب الذي وجهه إلى محمد بن الحنفية‌: إن‌ هذا الفتح لن يتم لمن يخرج معه إلا بالقتل والشهادة.
 
4- إن هذا الفتح لن يتكرر في التاريخ:
وهذه هي الحتمية الرابعة في كتاب الحسين عليه السلام إلى محمد بن الحنفية وبني هاشم‌. يقول عليه السلام:  "ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح" وهذا الكلام صريح فيما ذكرناه‌.
 
إن‌ هذا الفتح الذي أجراه الله على يد الحسين عليه السلام وأنصاره لن يتكرر مرة أخرى في التاريخ‌.
 
إن‌ في التاريخ نوعين من الأحداث‌: أحداث تتكرر كالحرب‌،
 
 
56

45

المحاضرة الأولى

 والسلم‌، والمجاعات وفترات الرفاه‌، وفترات الضعف وفترات القوة‌، والهزيمة ‌والنصر وما إلى ذلك, وأحداث لن تتكرر، ولن تقع إلا مرة واحدة‌، فمَن أدركها فقد أدركها، ومَن لم يدركها فلن تعود بعد ذلك‌..
والأحداث التي لن تتكرر في التاريخ على نحوين‌: فتوح لا سقوط بعدها، وسقوط لا فتوح بعده‌.

وفتح (عاشوراء) فتح ليس بعده سقوط‌.. وهذا هو الذي يقرره الحسين عليه السلام في كتابه الذي نتحدث عنه‌. فيا ترى ما هذا الفتح الذي ليس بعده فتح‌؟

وكيف يصح‌ مثل هذا القول‌، وقد تكررت بعده هزائم وانتكاسات ومصائب على المسلمين‌، وتكررت بعدها فتوحات وانتصارات كبيرة للمسلمين‌؟

والجواب‌: أن‌ هذه الهزائم والانتكاسات حصلت للإسلام وللمسلمين بعد أن خرج الإسلام من مضايق التاريخ وتجاوزها، وانتشر على وجه الأرض, فلم تعد لهذه الأحداث خطر على كيان الإسلام‌..

وفتنة بني أمية كانت من هذا النوع‌، لقد استحوذ بنو أمية على كل‌ المساحة الإسلامية‌، وعلى كل مواقع القوة والنفوذ في ‌المجمع الإسلامي‌, وذلك من خلال موقع الشرعية السياسية‌، وهو موقع خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من هذا الموقع يأخذ الناس
 
57

46

المحاضرة الأولى

 الحلال والحرام في هذا الدين‌، فعمل بنو أمية على تحريف هذا الدين من هذا الموقع بالذات‌.
ولو كان الأمر يستقيم لهم لم يبق من الإسلام إلا الاسم‌، وكان الأمر كما قال الحسين عليه السلام لوالي المدينة يوم دعاه إلى مبايعة يزيد بعد موت معاوية‌: "وعلى الإسلام السلام إذا بُلي المسلمون بوال مثل يزيد".

وفي عاشوراء استطاع الحسين عليه السلام أن يلغي شرعية الخلافة من آل‌ أمية‌، وبني العباس, فلم يعد بعد ذلك للهوهم وطربهم وإسرافهم وترفهم وظلمهم وعدوانهم خطر على الإسلام‌، مهما بلغ أثره التخريبي في المجتمع الإسلامي يومذاك‌، ولم يعد ينظر المسلمون إلى موقع الخلافة نظرة التقديس والتنزيه والشرعية‌، ولم يعودوا في نظر المسلمين غير حكام من عامة السلاطين‌، والحكام يظلمون ويسرفون كما يسرف غيرهم من السلاطين‌.

واستمر حكام بني أمية‌، في موقع الولاية والحكم‌، واحتل‌ هذا الموقع بعدهم حكام بني العباس‌، إلا أن‌ الناس لم يأخذوا قط دينهم عنهم‌، ولم يأخذوا عنهم الحلال والحرام‌، كما كانوا يعملون في أيام الخلفاء الأوائل بعد رسول ‌الله صلى الله عليه وآله وسلم.

إذاً كانت عاشوراء فتحاً ليس بعده فتح‌، وقد خص‌ الله تعالى بهذا الفتح الحسين عليه السلام ومن كان معه من أهل بيته من بني ‌هاشم وأصحابه فنالوا هذا الفتح يوم عاشوراء بقتلهم جميعاً معه‌.
 
58
 

47

المحاضرة الثانية

مخاطر الظلم وآثاره
الهدف:
بيان خطورة الظلم والجور وتحذير الناس منه وحثّ الناس على إفشاء العدل فيما بينهم.
 
تصدير الموضوع:
عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اتقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة"1.

1- أصول الكافي ج 2 ص 332.
 
59
 

48

المحاضرة الثانية

 المقدمة:
من أكبر ما يعظّمه الإسلام على الإنسان من الذنوب ظلم الناس والعدوان على الآخرين، وذلك اتباعاً لما جاء في القرآن الكريم من تهويل الظلم واستنكاره، مثل قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾1. وقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام ما يبلغ الغاية في بشاعة الظلم والتنفير منه، كقوله: "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت"2. وهذا غاية ما يمكن أن يتصوّره الإنسان في التعفّف عن الظلم والحذر من الجور, أن لا يظلم نملة في قشرة شعيرة وإن أعطي الأقاليم السبعة, فكيف حال من يلغ في دماء المسلمين وينهب أموال الناس ويستهين أعراضهم وكراماتهم؟.
 
محاور الموضوع
1- مخاطر الظلم:
أ - عداوة الله تعالى: عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "من ظلم عباد الله كان خصمه الله في الدنيا والآخرة, ويوم الظالم

1- سورة إبراهيم الآية 42.
2- نهج البلاغة خطبة 112.
 
60
 

49

المحاضرة الثانية

 الدنيا فقط وهي تنقطع، ويوم المظلوم الدنيا والآخرة والمنتقم هو الله تعالى والله عزيز ذو انتقام". وعنه عليه السلام: "من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده"1.
 
ب- خراب القلوب: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إيّاكم والظلم فإنّه يخرب قلوبكم"2.
ج - أكبر المعاصي: عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "إيّاك والظلم فإنّه أكبر المعاصي, وإنّ الظالم لمعاقب يوم القيامة بظلمه"3.
 
د - أعظم الجرائم وأكبر المآثم: عن الإمام عليّ عليه السلام: "ابعدوا عن الظلم فإنّه أعظم الجرائم وأكبر المآثم".
هـ - أسوأ الزاد: عن الإمام عليّ عليه السلام: "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد"4.
 
2- أنواع الظلم:
أ - الظلم ثلاثة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "ألا وإنّ الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب. فأمّا الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ وأمّا الظلم الذي يغفر فظلم العبد

1- غرر الحكم, الحكمة 644.
2- مشكاة الأنوار ص 543.
3- عيون الحكم والمواعظ ص 97.
4- بحار الأنوار ج 75 ص 309.
 
61
 

50

المحاضرة الثانية

 نفسه عند بعض الهنات. وأمّا الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضاً"1.
 
ب- أسوأ الظلم: من وصيّة الإمام عليّ عليه السلام لولده الحسن عليه السلام قال: "ظلم الضعيف أفحش الظلم"2.
 
ج- أخطر الظلم: عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "لمّا حضر عليّ بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمّني إلى صدره, ثمّ قال: يا بني, أوصيك بما أوصاني به أبي عليه السلام حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به, قال: يا بني, إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا الله"3.
 
3- عاقبة الظلم:
أ- غضب الله تعالى: روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "العبد إذا ظلم فلم ينتصر ولم يكن له من ينصره رفع طرفه إلى السماء فدعا الله تعالى قال جلّ جلاله: لبيك عبدي أنصرك عاجلاً وآجلاً، اشتدّ غضبي على من ظلم أحداً لا يجد ناصراً غيري"4.
 
وحكي أنّ ظالماً ظلم على ضعيف أعواماً، قال المظلوم للظالم

1- نهج البلاغة.
2- بحار الأنوار ج 72 ص 321.
3- أصول الكافي ج 2 ص 331. 
4- شرح أصول الكافي ج 9 ص 381.
 
62
 

51

المحاضرة الثانية

 يوماً: إنّ ظلمك عليّ قد طاب بأربعة أشياء: أنّ الموت يعمّنا، والقبر يضمّنا، والقيامة تجمعنا، والديّان يحكم بيننا1.
 
ب- إعانة الظالم ظلم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة وأعوانهم؟ من لاق لهم دواة أو ربط لهم كيساً أو مدّ لهم مدّة قلم فاحشروهم معهم"2.
 
وعن ابن أبي يعفور قال: كنت عند الصادق عليه السلام ، فدخل عليه رجل من أصحابنا، فقال له: أصلحك الله تعالى، إنّه ربّما أصاب الرجل منّا الضيق والشدّة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: "ما أحبّ أنّي عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء، وأنّ لي ما بين لابتيها، لا ولا مدّة بقلم, إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النّار حتّى يحكم الله عزَّ وجلّ بين العباد".
 
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قال: "من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها نزل به ملك الموت بالبشرى بلعنه ونار جهنّم وبئس المصير، ومن خفّ لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النّار، ومن دلّ سلطاناً على الجور قرن مع هامان، وكان هو والسلطان من أشدّ أهل النّار عذاباً ومن عظم صاحب دنياه وأحبّه لطمع دنياه سخط الله عليه، وكان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل

1- شرح أصول الكافي ج 9 ص 381.
2- بحار الأنوار ج 75 ص 372.
 
63
 

52

المحاضرة الثانية

 من النّار، ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعلها الله حيّة طولها سبعون ألف ذراع، فيسلّطه الله عليه في نار جهنّم خالداً فيها مخلّداً، ومن سعى بأخيه إلى سلطان ولم ينله منه سوء ولا مكروه أحبط الله عمله وإن وصل منه إليه سوء ومكروه أو أذى جعله الله في طبقة مع هامان في جهنّم"1
 
4- آثار الظلم:
أ- زوال النعم الإلهيّة: عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "الظلم يزلّ القدم, ويسلب النعم, ويهلك الأمم"2.
ب- كما تدين تُدان: عن أبي جعفر عليه السلام قال: "ما من أحد يظلم بمظلمة إلّا أخذه الله بها في نفسه وماله, وأمّا الظلم الذي بينه وبين الله فإذا تاب غفر الله له"3.
 
وعن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام مبتدئاً: "من ظلم سلّط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه"، قلت: هو يظلم فيسلّط الله على عقبه أو على عقب عقبه؟! فقال: "إنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا﴾4"5.

1- وسائل الشيعة ج 12 ص 130.
2- ميزان الحكمة ج 2 ص 1770.
3- أصول الكافي ج 2 ص 332.
4- سورة النساء الآية 9.
5- أصول الكافي ج 2 ص 332.
 
64

53

المحاضرة الثانية

 ج- الزوال والفناء: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لو بغى جبل على جبل لجعل الله الباغي منهما دكّاً"1.
 
د- ظلمة يوم القيامة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اتقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة"2.
 
5- قصّة وعبرة:
عن صفوان بن مهران الجمّال قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السلام، فقال لي: "يا صفوان، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً"، فقلت: جعلت فداك، أيّ شيء؟ قال: "إكراؤك جمالك هذا الرجل"- يعني هارون - قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا لصيد ولا للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق، يعني طريق مكّة، ولا أتولّاه بنفسي، ولكنّي أبعث معه غلماني. فقال لي: "يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟" قلت: نعم، جعلت فداك. فقال لي: "أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟" قلت: نعم, قال: "من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النّار". قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها. فبلغ ذلك إلى هارون، فدعاني فقال لي: يا صفوان، بلغني أنّك بعت جمالك، قلت: نعم. قال: ولم؟ قلت: أنا شيخ كبير وإنّ الغلمان لا يفون بالأعمال. فقال: هيهات هيهات، إنّي لأعلم من 

1- سفينة البحار ج 1 ص 339.
2- أصول الكافي ج 2 ص 332.
 
65
 

54

المحاضرة الثانية

 أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى ابن جعفر, فقلت: ما لي ولموسى بن جعفر! فقال: دع هذا عنك، فو الله لولا حسن صحبتك لقتلتك1.
 
6- من مشاهد الظلم في كربلاء ونتائجه:
عندما ضعف الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء عن القتال وقف مكانه وكلّما أتاه رجل من جيش العدوّ وانتهى إليه انصرف عنه وكره أن يلقى الله بدمه حتّى جاءه رجل من كندة يقال له: مالك بن نسر فضربه بالسيف على رأسه وكان عليه برنس فقطع البرنس وامتلأ دماً. فقال له الحسين عليه السلام: "لا أكلت بيمينك ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين"2.
 
وعندما رجع مالك إلى الكوفة أخذ معه برنس الإمام عليه السلام المضمّخ بدمائه ولمّا أراد غسله من الدم رأته زوجته وعرفت الخبر فعاتبت مالك على فعله وقالت له: "أتسلب ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برنسه وتدخل بيتي؟ أخرج عنّي حشى الله قبرك ناراً"3.
 
وأرسل المختار الثقفيّ أحدهم للقبض على مالك بن نسر فظفر به في القادسيّة فاعتقله وجاء به إلى المختار الذي أمر بقطع يديه ورجليه وتركه ينزف دماً حتّى هلك4.

1- وسائل الشيعة ج 17 ص 182.
2- وقعة الطفّ ص‏250.
3- مقتل الحسين عليه السلام ج ‏2 ص ‏35.
4- تاريخ الأمم والملوك ج ‏3 ص ‏262.
 
66
 

55

المحاضرة الثالثة

مكانة البصيرة عند المؤمن
 
الهدف:
حثّ الناس على التحلّي بهذه الصفة الجليلة, لما لها من المكانة في المنظومة الإسلاميّة.
 
تصدير الموضوع:
يقول تعالى: ﴿قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾1.

1- سورة الأنعام الآية 104.
 
67

 

56

المحاضرة الثالثة

 المقدّمة
البصيرة هي البيّنة، والدلالة التي يبصر بها الشيء على ما هو به1. وقيل إنّ البصيرة للقلب بمنزلة البصر للعين. فالبصيرة هي الإدارك والفهم، هي الرؤية الذهنيّة والعقليّة.
 
فالبصيرة هي قوّة ونور يدرك الإنسان من خلالها الحقائق والدلائل، ويهتدي بهذا النور إلى الحقّ تعالى, وهذا المعنى نجده في جواب أمير المؤمنين عليه السلام للحبر عندما سأله: يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربّك حين عبدته؟ فقال: "ويلك، ما كنت أعبد ربّاً لم أره!", قال: وكيف رأيته؟ قال: "ويلك، لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان"2.
 
وأعمى القلب هو من فقد بصيرته، وغلب الوهم عنده على العقل، فمهما كثر عمله وفعله، فإنّه كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماءً, فالوعي والبصيرة من صفات المؤمن الأساسيّة.
 
محاور الموضوع
1- من هو البصير؟
عن الإمام عليّ عليه السلام: "فإنّما البصير من سمع فتفكّر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعِبَر، ثمّ سلك جَدَداً واضحاً يتجنّب 

1- مجمع البيان ج 4 ص 129.
2- أنظر: أصول الكافي ج 1 ص 98.
 
68
 

57

المحاضرة الثالثة

 فيه الصرعة في المهاوي، والضلال في المغاوي، ولا يعين على نفسه الغُوَاة بتعسّف في حقّ، أو تحريف في نطق، أو تخوّف من صدق"1.
 
2- مسبّبات البصيرة
التفقّه في الدّين: عن الإمام الكاظم عليه السلام: "تفقّهوا في دين الله, فإنّ الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدّين والدنيا"2.
 
القرآن الكريم: ﴿قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾3.
 
3- ما يفقد البصيرة
عشق الشهوات: عن الإمام عليّ عليه السلام: "ومن عشق شيئاً أعشى بصره، وأمرض قلبه, فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذنٍ غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه، وولهت عليها نفسه".
 
حبّ الدنيا: عن الإمام عليّ عليه السلام: "لحبّ الدنيا صمّت الأسماع عن سماع الحكمة، وعميت القلوب عن نور البصيرة"4.

1- نهج البلاغة ج 2 ص 42.
2- تحف العقول ص 410.
3- سورة الأنعام الآية 104.
4- ميزان الحكمة ج 2 ص 898.
 
69
 

58

المحاضرة الثالثة

 4- الأعمى أعمى البصيرة لا البصر
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس الأعمى من يعمى بصره، إنّما الأعمى من تعمى بصيرته"1.
 
5- البصيرة من مكارم الأخلاق
عن العالم2عليه السلام: "إنّ الله جلّ جلاله خصّ رسله بمكارم الأخلاق, فامتحنوا أنفسكم، فإنْ كانت فيكم فاحمدوا الله، وإلاّ فاسألوه وارغبوا إليه فيها". قال: وذكرها عشرة: "اليقين والقناعة والبصيرة والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والمروة"3.
 
6- شيعتنا أصحاب بصيرة
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين: عينان في الرأس، وعينان في القلب، ألا والخلائق كلّهم كذلك، إلّا أنّ الله عزَّ وجلّ فتح أبصاركم وأعمى أبصارهم"4.
 
7- العمل القليل أفضل من العمل الكثير
عن الإمام الصادق عليه السلام: "واعلم أنّ العمل الدائم القليل 

1- م.ن، ج 1 ص 266.
2- الإمام الكاظم عليه السلام.
3- فقه الرضا عليه السلام ص 353.
4- فروع الكافي ج 8 ص 215.
 
70
 

59

المحاضرة الثالثة

 على اليقين والبصيرة، أفضل عند الله من العمل الكثير على غير اليقين والجهل"1.
 
8- عمل بلا بصيرة بُعْدٌ عن الطريق
عن الإمام الصادق عليه السلام: "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، ولا يزيده سرعة السير من الطريق إلّا بعدا"2.
 
9- قصّة وعبرة
من أبرز مصاديق فقدان البصيرة والوعي هم الخوراج، الذين خرجوا على أمير المؤمنين عليه السلام، ورفعوا شعار: "لا حكم إلّا لله". وفيما يأتي حادثة لنموذج من هؤلاء:
خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجّهاً إلى داره، وقد مضى ربع من الليل، ومعه كميل بن زياد، وكان من خيار شيعته ومحبّيه، فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت، ويقرأ قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾، بصوت شجي حزين، فاستحسن ذلك كميل في باطنه وأعجبه حال الرجل، من غير أن يقول شيئاً، فالتفت إليه عليه السلام، وقال: "يا كميل، لا 

1- فقه الرضا عليه السلام ص 356.
2- أصول الكافي ج 1 ص 43.
 
71
 

60

المحاضرة الثالثة

 تعجبك طنطنة الرجل، إنّه من أهل النّار، وسأنبّئك فيما بعد"، فتحيّر كميل لمشافهته له على ما في باطنه وشهادته للرجل بالنّار، مع كونه في هذا الأمر وفي تلك الحالة الحسنة ظاهراً في ذلك الوقت، فسكت كميل متعجّباً متفكّراً في ذلك الأمر، ومضى مدّة متطاولة إلى أن آل حال الخوارج إلى ما آل، وقاتلهم أمير المؤمنين عليه السلام، وكانوا يحفظون القرآن كما أنزل، والتفت أمير المؤمنين إلى كميل بن زياد وهو واقف بين يديه، والسيف في يده يقطر دماً، ورؤوس أولئك الكفرة الفجرة محلّقة على الأرض، فوضع رأس السيف من رأس تلك الرؤوس، وقال: يا كميل، أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً، أي هو ذلك الشخص الذي كان يقرأ في تلك الليلة، فأعجبك حاله, فقبّل كميل مقدّم قدميه، واستغفر الله1.
 
10- البصيرة في كربلاء
ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام في حقّ عمّه العبّاس عليه السلام، قال: "كان عمّنا العبّاس بن عليّ نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام، وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيدا"2.
 
وقد تجسّد نفاذ هذه البصيرة في مواقف عديدة في كربلاء مع

1- إرشاد القلوب ج 2 ص 226.
2- مقتل الحسين عليه السلام ص 176.
 
72
 

61

المحاضرة الثالثة

 العبّاس عليه السلام، فقد ورد أنّ الشمر قدِم حتّى وقف على أصحاب الحسين عليه السلام، فقال: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العبّاس وجعفر وعثمان بنو عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، فقالوا: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بني أختي آمنون، فقالت له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا، وابن رسول الله لا أمان له1؟!

1- الإرشاد ج 3 ص 89.
 
73
 

62

المحاضرة الأولى

 دروس من عاشوراء (1)
الهدف:
عرض بعض المفاهيم العاشورائيّة التي يمكن استفادة الدروس والعبر المتعدّدة منها.

تصدير الموضوع:
إنّ كلّ ما عندنا من عاشوراء. (الإمام الخميني قدس سره).
 
77
 

63

المحاضرة الأولى

 المقدّمة:
تطفح كربلاء بالكثير من المفاهيم والمعاني السامية التي يمكن الوقوف عندها واستخراج مجموعة من الدروس التي تصلح أن تكون منهاجاً يتبع في الحياة, واستخلاص العبر التي تسلّط الضوء على بعض السلبيّات التي يمكن من خلالها التنبّه لمواضع الخلل وإصلاحها لتكون لنا عبرة وموعظة.
 
وسنحاول أن نقف على مجموعة من هذه المفاهيم دون أن نحصيها بأجمعها:
 
محاور الموضوع
1- المواجهة مع الطاغوت: 
وهذه من وظائف الأنبياء عليهم السلام, قال تعالى مخاطباً نبيّه موسى عليه السلام: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾1. وجعلها تعالى من صفات المؤمنين: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾2.
 
وعن الإمام الحسين عليه السلام في بعض خطبه: "أيّها الناس إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, يعمل في عباد الله 

1- سورة طه الآية 24.
2- سورة البقرة الآية 256.
 
78
 

64

المحاضرة الأولى

 بالإثم والعدوان فلم يغيَّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله, ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غيَّر"1.
 
2- إحياء سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته: 
"وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي صلى الله عليه وآله وسلم أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ وهو خير الحاكمين"2.
 
وهذا ما نجده في سيرة الأئمّة عليهم السلام جميعاً فعندما طلب المأمون من الإمام الرضا عليه السلامأن يصلّي صلاة العيد وكان الإمام عليه السلام يأبى, فلمّا ألحَّ عليه المأمون أرسل إليه الإمام عليه السلام: "إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ، وإن لم تُعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام", فقال له المأمون: أخرج كيف شئت.., فخرج الإمام عليه السلام ذلك الخروج المهيب الذي اضطرّ معه المأمون إلى إرجاع الإمام عليه السلام قبل وصوله إلى الصلاة 3.

1- تاريخ الطبري ج 4 ص 304.
2- بحار الأنوار ج 44 ص 329.
3- الإرشاد ج 2 ص 264.
 
79

 

65

المحاضرة الأولى

 وكذلك صاحب الزمان عجّل الله فرجه عندما يظهر كما جاء في دعاء العهد المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "..واجعله اللهمّ مفزعاً لمظلوم عبادك، وناصراً لمن لا يجد له ناصراً غيرك، ومجدّداً لما عطّل من أحكام كتابك ومشيّداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم.."1.
 
3- إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 
وقد تكرّر ذلك في كلام الإمام الحسين عليه السلام كقوله: "أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"2.
وعنه عليه السلام: "ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً"3.
 
وقد أعطى في ذلك درساً عمليّاً مفاده أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بدّ من القيام به لإصلاح المجتمع حتّى لو أدّى إلى القتل أحياناً.
 
4- رفض الذلّ:
إنّ الله تعالى لا يرضى للمؤمن أن يكون ذليلاً, قال سبحانه:

1- بحار الأنوار ج 53 ص 96.
2- بحار الأنوار ج 44 ص 329.
3- تاريخ الطبري ج 4 ص 305.
 
80
 

66

المحاضرة الأولى

 ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾1, وعن الإمام الحسين عليه السلام: "ألا وإنّ الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت ونفوس أبيّة وأنوف حميّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام إلا وإنّي زاحف بهذه الأسرة مع قلّة العدد وكثرة العدوّ وخذلة الناصر"2.
 
وقوله عليه السلام: "هيهات منّا الذلّة", صار شعاراً لجميع أحرار العالم.
 
5- عدم الخضوع أمام الحصار العسكريّ والاقتصاديّ:
أمّا الحصار العسكريّ فتمثّل في المواجهة بين العديد القليل- 73 شخصاً - على المشهور- مقابل ثلاثين ألفاً - كما في الروايات.
 
وأمّا الحصار الاقتصاديّ فقد تمثّل في منع إيصال الطعام والشراب إلى المخيّم حتّى أدّى ذلك إلى عطش حتّى الأطفال الصغار وقتلهم عطاشى.
 
كلّ ذلك لم يخضع معسكر الإمام الحسين عليه السلام, ما أدّى إلى انتصارهم بتحقيق أهدافهم التي خرجوا لأجلها.

1- سورة المنافقين الآية 8.
2- مثير الأحزان ص 40.
 
81
 

67

المحاضرة الأولى

 6- تحقيق مقولة انتصار الدم على السيف:
حيث تجلّت بأعلى معانيها حتّى استفاد منها كلّ أحرار العالم, وبتنا نسمع مثل المصلح الهنديّ الشهير غاندي يقول: تعلّمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر.
 
7- قبول الدعوة وإتمام الحجّة:
فمع علم الإمام الحسين عليه السلام بغدر أهل الكوفة, ولكنّه لمّا دعوه أجابهم من باب إتمام الحجّة عليهم, لأنّه هناك قيمة في نفس إجابة الدعوة, ولا بدّ من إتمام الحجّة عليهم.
 
8- إنّ الدّين أغلى من كلّ شيء:
إنّ الدّين له هذه القيمة التي يقدم له شخص كأبي عبد الله الحسين عليه السلام نفسه فداءً وفي سبيل الله, ولذا يقال: إنّ زينب عليها السلام خرجت عصر يوم العاشر من المحرّم تشقّ صفوف الجيش الأمويّ, إلى أن انتهت إلى جسد أخيها الحسين عليه السلام, وقالت: اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان.
 
ورحم الله الشاعر يقول عن لسان الحسين عليه السلام:
إن كان دين محمّد لم يستقم    إلّا بقتلي يا سيوف خذيني
 
9- حفظ حقوق الناس:
نزل الإمام الحسين عليه السلام أرض كربلاء في اليوم الثاني من
 
82
 

68

المحاضرة الأولى

 المحرّم, وروي أنّه عليه السلام اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضريّة بستّين ألف درهم, وتصدّق بها عليهم, وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيّام1.
 
كما لم يقبل أن يكون معه ومن أصحابه أحد ممّن عليه دين.
 
10- خطر الخيانة والانكفاء السياسيّ:
خرج لقتال الإمام الحسين عليه السلام ثلاثون ألفاً, بعض هؤلاء كان ممّن عزلهم أمير المؤمنين عليه السلام وجاؤوا لقتال ولده الإمام الحسين عليه السلام.
 
وبعض هؤلاء كانوا ممّن بايع الإمام عليه السلام ونكث, فعن سيّد الشهداء عليه السلاميوم العاشر من المحرّم أنّه نادى: "يا شبث بن ربعيّ, ويا حجّار بن أبجر, ويا قيس بن الأشعث, ويا يزيد بن الحارث, ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار وأخضرّ الجناب وطمّت الجمام وإنّما تقدم على جند لك مجند فأقبل"؟ قالوا له: لم نفعل, فقال: "سبحان الله, بلى والله لقد فعلتم"2.
 
11- باب التوبة مفتوح حتّى آخر الطريق:
الحرّ بن يزيد الرياحيّ مثال واضح لذلك حيث قبل الإمام عليه السلام توبته. وهناك مجموعة من أصحاب عمر بن 

1- مجمع البحرين مادة "كربل" ج 5 ص 461.
2- تاريخ الطبري ج 4 ص 323.
 
83
 

69

المحاضرة الأولى

 سعد تحوّلت إلى أصحاب الحسين عليه السلام حين رأوهم متبتّلين متهجّدين عليهم سيماء الطاعة والخضوع لله تعالى1.
 
وهناك من مال يوم العاشر من المحرّم إلى معسكر الحسين عليه السلام وقاتل معه واستشهد بين يديه.
وهنا لا بدّ من التنبيه إلى ما جاء في كلمات الإمام عليه السلام أنّه كان مانعاً من سماعهم لمواعظه وهو المال الحرام حيث جاء في كلماته عليه السلام لهم: "وكلّكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام، وطبع على قلوبكم"2.
 
12- المهم هو المبدأ والخطّ وليس الشخص والفرد:
عن الإمام الحسين عليه السلامأنّه قال عن يزيد: "إنّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله..."3.
 
فمن كان يحمل صفات كالإمام عليه السلام لا يبايع من يحمل صفات كيزيد.
 
13- كونوا أحراراً:
"إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً 

1- مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم ص 217.
2- بحار الأنوار ج 45 ص 8.
3- بحار الأنوار ج 44 ص 325.
 
84
 

70

المحاضرة الأولى

 في دنياكم"1.
 
ولذا امتدح الحرّ بن يزيد الرياحيّ بهذا الأمر فقال له: "أنت الحرّ كما سمّتك أمّك، وأنت الحرّ في الدنيا، وأنت الحرّ في الآخرة"2.
 
14- الدفاع عن الدّين ولو لوقت قليل:
لو كان الإمام الحسين عليه السلام وحيداً لقتل صبيحة يوم العاشر من المحرّم, ولكنّ أصحاب الإمام عليه السلام وأهل بيته وإن لم يستطيعوا دفع القتل عنه ولكنّهم أخّروا ذلك إلى عصر ذلك اليوم, فحفظوا حياة الإمام ولو لساعات, وهذا درس لنا أن نحفظ الحقّ ونؤخّر الفساد ونقلّل من وجوده ولو لساعات.
 
15- عدم ترك الدعوة والتبليغ مهما كان:
خطب الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه من الصباح إلى العصر حوالي عشر خطب, قصيرة وطويلة, بعض منها للإمام عليه السلام, وواحدة للحرّ وأخرى لزهير وثالثة لأبي الفضل العبّاس عليه السلام وغيرهم.
 
16- إنّ الحقّ هو المنتصر في النهاية:
قال تعالى: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن 

1- بحار الأنوار ج 45 ص 51.
2- بحار الأنوار ج 45 ص 14.
 
85
 

71

المحاضرة الأولى

 نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾1.
 
هناك الكثير من الناس يسعون إلى أهدافهم من خلال الذهاب إلى العدوّ والتعامل معه, وكان عاقبة أمرهم هو الهلاك والخسران, فهذا عمر بن سعد كان يريد ملك الريّ, وقد سعى للوصول إليه من خلال الخروج إلى حرب الحسين عليه السلام وقتله مع عبيد الله بن زياد ويزيد, فماذا كانت النتيجة؟! الخسران في الدنيا والهلاك في الآخرة, ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾2.
 
17- النسب ليس على حساب المبدأ:
لمّا كان اليوم التاسع من المحرّم جاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين عليه السلام فقال أين بنو أختنا - يعني العبّاس وجعفراً وعبد الله وعثمان أبناء عليّ عليه السلام- فقال الحسين عليه السلام: "أجيبوه وإن كان فاسقاً فإنّه بعض أخوالكم" (وذلك أنّ أمّهم أمّ البنين كانت من بني كلاب والشمر من بني كلاب), فقالوا له: ما تريد؟ فقال لهم: أنتم يا بني أختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد؟ فقالوا له: لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له3.

1- سورة الإسراء الآية 18.
2- سورة الأعراف الآية 128.
3- أعيان الشيعة ج 4 ص 129.
 
86
 

72

المحاضرة الثانية

 دور العفاف والابتذال في الكمال
 
الهدف: 
التعرّف إلى قيمة العفّة وأهميّتها في تهذيب السلوك وتقويمه، وتحصين المجتمع من الابتذال.
 
تصدير الموضوع:
جاء عن الإمام عليّ عليه السلام: "ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً، يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد"1.

1- نهج البلاغة ج 3 ص 70.
87

 

73

المحاضرة الثانية

 المقدّمة:
العفّة والابتذال: تقع "العفّة" في النقطة المقابلة لـ "شهوة البطن والفرج", والمستفاد من آيات القرآن الكريم والروايات الإسلاميّة أنّ العفّة تعدّ من أعظم الفضائل الأخلاقيّة والإنسانيّة، ولا يمكن لأيّ شخص أن يسير نحو الكمال الإلهيّ من دون التحلّي بها ونجد في حياتنا الدنيويّة أنّ كرامة الإنسان وشخصيّته وسمعته رهينة بالتحلّي بهذه الفضيلة الأخلاقيّة1. قال الله تعالى ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾2.
 
محاور الموضوع
1- مفهوم العفّة:
تحدّث اللغويّون في معنى العفّة كثيراً، وخلاصتها أنّ العفّة حصول حالة للنفس تمتنع بها من غلبة الشهوة، وتحفظها من الميول والشهوات النفسانيّة، وعلى هذا فالعفّة صفة باطنيّة، وقد ذكر علماء الأخلاق في تعريف العفّة أنّها الحدّ الوسط بين الشهوة والخمود.

1- الأخلاق في القرآن الكريم ج 1، بتصرف.
2- سورة البقرة الآية 273.
 
88
 

74

المحاضرة الثانية

 2- قيمة العفّة في الإسلام:
تحدّثت الروايات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عن قيمة العفّة، وكونها صفة إنسانيّة وخلقيّة ينبغي أن يهتمّ بها الإنسان في تربيته لنفسه، وسلوكه مع الآخرين، وذلك لما يترتّب على سجيّة العفّة من الآثار حتّى وضعت العفيف بمنزلة الملائكة، ووصف العفاف بأنّه أفضل من العبادة. عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "أفضل العبادة العفاف"1، وعنه عليه السلام في وصيّته لمحمّد بن أبي بكر لمّا ولاه مصر: "يا محمّد بن أبي بكر، اعلم أن أفضل العفّة الورع في دين الله والعمل بطاعته..."2.
 
وعنه أيضاً: "ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة"3. "العفاف أفضل شيمة"4، وعنه عليه السلام: "العفّة أفضل الفتوّة"، والعفاف زينة الفقر، وعنه عليه السلام: "زكاة الجمال العفاف"5
 
3- الحثّ على عفّة البطن والفرج:
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا 

1- أصول الكافي ج2 ص 79.
2- بحار الأنوار ج 77 ص 390.
3- نهج البلاغة: الحكمة 474.
4- ميزان الحكمة ج 3 ص 2006.
5- غرر الحكم ص 729.
 
89

 

75

المحاضرة الثانية

 مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾1.
 
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبّ العفاف إلى الله تعالى عفاف البطن والفرج"2.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "ما عُبد الله بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج"3.
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إذا أراد الله بعبد خيراً أعفّ بطنه وفرجه"4.
 
3- العفاف صفة يحبّها الله:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله يحبّ الحيي المتعفّف، ويبغض البذيّ السائل الملحف"5. وعن الإمام عليّ عليه السلام في صفة المتّقين: "حاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة"6.
 
ولهذا كان الإمام الصادق عليه السلام يدعو: "اللهمّ إنّي أسألك الهُدى والتُقى والعفّة والغنى"7.
 
4- شعب العفاف وآثاره: 
للعفاف العديد من الشُّعب:

1- سورة المعارج الآية 29-30.
2- تنبيه الخواطر ج 2 ص 30.
3- أصول الكافي ج 2 ص 79.
4- غرر الحكم ص 4114.
5- أمالي الطوسيّ ص 39/43.
6- نهج البلاغة:الخطبة 193، والكتاب 31.
7- الصحيفة الصادقيّة ص 242.
 
90
 

 


76

المحاضرة الثانية

 عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمّا العفاف: فيتشعّب منه الرضا، والاستكانة، والحظّ، والراحة، والتفقّد، والخشوع، والتذكّر، والتفكّر، والجود، والسخاء، فهذا ما يتشعّب للعاقل بعفافه رضى بالله وبقسمه"1.
 
وأمّا من ناحية الآثار فللعفّة آثار عديدة منها:
• القناعة: القناعة أحد أهمّ أصول العفاف، عن الإمام عليّ عليه السلام: "على قدر العفّة تكون القناعة"2, وعنه عليه السلام: "ثمرة العفّة القناعة"3
 
• الغيرة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "دليل غيرة الرجل عفّته"4.
 
• الصبر على الشهوات: وعنه عليه السلام: "الصبر عن الشهوة عفّة، وعن الغضب نجدة"5, وعنه عليه السلام: "العفّة تضعف الشهوة"6.
 
• زكاة الأعمال: وعنه عليه السلام: "بالعفاف تزكو الأعمال"7.
 
5- العفّة والابتذال:
العفّة برنامج حياة وخلق يجب أن يتحلّى بها من أراد السموّ

1- تحف العقول ص 17.
2- غرر الحكم ص 6179.
3- ن.م ص 7646.
4- غرر الحكم ص 5104.
5- غرر الحكم ص 7646.
6- ن.م ص 5104.
7- ن.م. ص 4238.
 
91

77

المحاضرة الثانية

 والمروءة, وإنّ من أسباب تماسك المجتمعات والأسر هو وجود العفّة قويّة وراسخة, وإنّ من أسباب تفكّك المجتمعات والأسر هو تضيبع ذلك المجتمع العفّة وضعفها، وأكثر ما يؤدّي إلى الابتذال وضعف العفّة أو عدم وجود العفاف:
• وسائل الإعلام وما تقدّمه من سموم عبر شاشاتها المختلفة.
• حملة الإفساد الموجّهة للمرأة، وتزيين الفاحشة لها، وذلك بالدعوة للتبرّج والسفور، وترك الحجاب.
 
• تأخّر الزواج عند الشباب، وذلك بسبب صعوبة المعيشة وارتفاع المهور.
• قلّة الورع، وقلّة الأمانة، وعدم المبالاة بالحلال والحرام.
 
• وبناءً على هذا لا بدّ من التذكير بما يحصّن النفس، ويصحّح السلوك ويقوّمه من خلال أمور:
• الحرص على عفّة الجوارح: المسلم يعفّ يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام فلا تغلبه شهواته، وقد أمر الله كلّ مسلم أن يعفّ نفسه ويحفظ فرجه, قال تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾1
 
• الحرص على عفّة الجسد: فعلى المسلم أن يستر ما بين سرّته إلى ركبتيه، وعلى المسلمة أن تلتزم بالحجاب، لأن شيمتها العفّة والوقار، قال الله - تبارك وتعالى-: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ 

1- سورة النور الآية 33.
 
92
 

78

المحاضرة الثانية

 عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾1, وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾2.
 
وحرَّم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبيّة، وأمر الله المسلمين أن يغضّوا أبصارهم، فقال: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾3, وقال تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾4.
 
• العفّة عن أموال الغير وعفّة المأكل والمشرب: 
المسلم عفيف عن أموال غيره لا يأخذها بغير حقّ, ويمتنع عن وضع اللقمة الحرام في جوفه، وكل لحم نبت من حرام فالنّار أولى به، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾5.
 
6- العفاف الزينبيّ:
ممّا خاطبت به الحوراء عليها السلام يزيد في الشام حينما جاؤوا بركب الحسين سبايا, قالت: "أمن العدل يا بن الطلقاء؟! تخديرك حرائرك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد

1- سورة النور الآية 31.
2- سورة الأحزاب الآية 59.
3- سورة النـور الآية 30.
4- سورة النور الآية 31.
5- سورة البقرة الآية 172.
 
93
 

79

المحاضرة الثانية

 هُتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ، تحدوا بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد، وتستشرفهنّ المناقل ويتبرّزن لأهل المناهل ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد، والغائب والشهيد، والشريف والوضيع، والدنيّ والرفيع ليس معهنّ من رجالهن وليّ، ولا من حُماتهنّ حميّ، عتوَّاً منك على الله وجحوداً لرسول الله، ودفعاً لما جاء به من عند الله، ولا غرو منك ولا عجب من فعلك، وأنّى يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء ونبت لحمه بدماء السعداء ونصب الحرب لسيّد الأنبياء، وجمع الأحزاب، وشهر الحراب، وهزّ السيوف في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أشدّ العرب جحوداً، وأنكرهم له رسولاً، وأظهرهم له عدواناً، وأعتاهم على الربّ كفراً وطغياناً"1.

1- الاحتجاج ج 2 ص 36.
 
94
 
 

80

المحاضرة الثالثة

 أبعاد العدالة الاجتماعيّة
 
الهدف:
بيان الأبعاد الاجتماعيّة المختلفة وحثّ الناس على التقيّد بها وتفعيلها في المجتمع.
 
تصدير الموضوع:
﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾1.

1- سورة النحل الآية 90.
 
95
 

81

المحاضرة الثالثة

 المقدّمة
تشكل العدالة الاجتماعيّة في مختلف أبعادها الدينيّة والإيمانيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والعائليّة في المنظومة الفكريّة والعمليّة للإسلام المحور الأساس والقيمة العليا والهدف الرئيس لبعثة الأنبياء عليهم السلام وما كانت وظيفة أتباع الرسل إلّا السير على هذا النهج كي تبقى النبوّة تمدّ الناس بظلّها الظليل حيث قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾1, وإنّما يتحقّق العدل بإيصال كلّ حقّ إلى مستحقّه والحكم بمقتضى ما شرع الله من أحكام ويتجنّب الهوى بالقسمة بين الناس بالسويّة ومن هنا نجد الحثّ الشديد في الآيات القرآنيّة والروايات الشريفة الواردة عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام على الالتزام بها والعمل بمقتضاها. 
 
محاور الموضوع
1- مفهوم العدالة
العدل في اللغة بمعنى السويّة. وفى العرف العامّ استعمل بمعنى رعاية حقوق الآخرين، "إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه",

1- سورة الحديد الآية 25.
 
96

 

 


82

المحاضرة الثالثة

 ولكن أحيانا يعرف "وضع الشيء في موضعه", وعلى وفق هذا التعريف، يكون العدل مرادفاً للحكمة، والفعل العادل مساوياً للفعل الحكيم.
 
2- أهميّة العدالة: 
العدالة عامل نجاة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ثلاث منجيات: خوف الله في السر والعلانية, والعدل في الغضب والرضا, والقصد في الغنى والفقر..."1
 
أقرب الطرق إلى التقوى: يقول تعالى: ﴿اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾2.
 
فضل العدل على الإحسان والكرم: سُئل الإمام عليّ عليه السلام: أيّهما أفضل العدل أو الجود؟ فقال عليه السلام: "العدل يضع الأمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها, والعدل سائس عامّ، والجود عارض خاصّ, فالعدل أشرفهما وأفضلهما"3.
 
فضل العدل على الشجاعة: "عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "العدل أفضل من الشجاعة، لأنّ الناس لو استعملوا العدل عموماً في جميعهم لاستغنوا عن الشجاعة"4.

1- وسائل الشيعة ج 1 ص 98.
2- سورة المائدة الآية 8.
3- نهج البلاغة ص 109.
4- شرح ابن أبي الحديد ج 20 ص 333.
 
97
 

83

المحاضرة الثالثة

 3- موارد العدالة:
العدل في الحكم: يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾1, ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾2
 
العدالة في الإصلاح بين المتخاصمين: يقول تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾3.
 
العدل في الشهادة: يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ﴾4.
العدالة في القول: يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾5. عن أبي مالك قال: قلت لعليّ بن الحسين عليهما السلام: أخبرني بجميع شرايع الدّين؟ قال عليه السلام: "قول الحقّ, والحكم بالعدل, والوفاء بالعهد"6.
 
العدالة في الوصيّة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ الرجل ليعمل بعمل أهل الجنّة سبعين سنة فيحيف في وصيّته فيختم له 

1- سورة النساء الآية 58.
2- سورة المائدة الآية 42.
3- سورة الحجرات الآية 9.
4- سورة المائدة الآية 8.
5- سورة الأنعام الآية 152.
6- بحار الأنوار ج 72 ص 92.
 
98
 

84

المحاضرة الثالثة

 بعمل أهل النّار، وإنّ الرجل ليعمل بعمل أهل النّار سبعين سنة فيعدل في وصيّته فيختم له بعمل أهل الجنّة", ثمّ قرأ: "﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ﴾", وقال: "تلك حدود الله"1.
 
العدل في الكيل والوزن: يقول تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾2. ويقول في آية أخرى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾3.
 
العدالة بين الزوجات: يقول تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً﴾4.
 
العدالة بين الأبناء: وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أنّه نظر إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "فهلّا ساويت بينهما؟"5. وعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "اعدلوا بين أولادكم كما تحبّون أن يعدلوا بينكم"6.
 
العدالة مع الآخرين: من وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام: "يا عليّ, ما كرهته لنفسك فاكره لغيرك وما أحببته لنفسك فأحبّه لأخيك، تكن عادلاً في حكمك، مقسطاً في عدلك، محبّاً في أهل السماء، مودوداً في صدور أهل الأرض، احفظ وصيّتي 

1- بحار الأنوار ج 100 ص 200.
2- سورة الأنعام الآية 152.
3- سورة الإسراء الآية 35.
4- سورة النساء الآية 3.
5- مكارم الأخلاق ص 220.
6- بحار الأنوار ج 23 ص 113.
 
99
 

85

المحاضرة الثالثة

 إن شاء الله تعالى"1.
 
رعاية العدالة حتّى مع الأعداء: يقول تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾2. ومن وصيّة الإمام عليّ عليه السلام قبيل شهادته "... ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي, انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثّل بالرجل فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور"3.
 
4- آثار العدالة: 
حياة الأحكام: عن الإمام عليّ عليه السلام انه قال: "العدل حياة الأحكام"4.
صلاح البريّة: وعنه عليه السلام: "العدل يصلح البريّة"5.
 
دوام النعمة: عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "استعمال العدل والإحسان مؤذن بدوام النعمة"6.
الرحمة لأهل الأرض: عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "إنّ أهل الأرض لمرحومون ما تحابّوا وأدّوا الأمانة، وعملوا بالحقّ"7.

1- تحف العقول ص 14.
2- سورة الممتحنة الآية 8.
3- نهج البلاغة ص 78.
4- غرر الحكم ج 1 ص 17.
5- غرر الحكم ج 1 ص 28.
6- بحار الأنوار ج 72 ص 26.
7- بحار الأنوار ج 72 ص 117.
 
100
 

86

المحاضرة الثالثة

 5- قصّة وعبرة: 
روى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولّى أبا الأسود الدؤليّ القضاء ثمّ عزله, فقال له: لم عزلتني وما جنيت وما خنت؟! فقال عليه السلام: "إنّي رأيت كلامك يعلو على كلام الخصم"1.

1- عوالي اللئالي ج 2 ص 343.
 
101
 

87

المحاضرة الأولى

 دروس من عاشوراء (2)
 
الهدف:
عرض بعض المفاهيم العاشورائيّة التي يمكن استفادة الدروس والعبر المتعدّدة منها.
 
تصدير الموضوع:
إنّ كلّ ما عندنا من عاشوراء.1

1- الإمام الخميني قدس سره .
 
105
 

88

المحاضرة الأولى

 محاور الموضوع
 
1- حسن العاقبة وسوء العاقبة:
هناك أشخاص نالوا في كربلاء حسن العاقبة وهناك آخرون نالوا سوء العاقبة.
ممّن نال حسن العاقبة الحرّ بن يزيد الرياحيّ, وكذلك زهير بن القين الذي قيل إنّه لم يكن موالياً لأهل البيت عليهم السلام .
 
وممّن نال سوء العاقبة عمر بن سعد, وقصّته معروفة. وكذلك عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ, ذاك الشخص الذي أتاه الإمام الحسين عليه السلام  حين نزل في قصر بني مقاتل فإذا هو بفسطاط مضروب، ورمح نصوب، وسيف معلّق، وفرس واقف على مذوده، فقال الحسين عليه السلام: "لمن هذا الفسطاط؟" فقيل: لرجل يقال له عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ. فأرسل الحسين عليه السلام  برجل من أصحابه يقال له الحجّاج بن مسروق الجعفيّ. فأقبل حتّى دخل عليه في فسطاطه فسلّم عليه، فردّ عليه السلام ، ثمّ قال: ما وراءك؟ فقال الحجّاج: والله! ورائي يا بن الحرّ! والله! قد أهدى الله إليك كرامة إن قبلتها! قال: وما ذاك؟ فقال: هذا الحسين بن عليّ عليهما السلام  يدعوك إلى نصرته، فإن قاتلت بين يديه أجرت، وإن متّ فإنّك استشهدت! فقال له عبيد الله: والله! ما خرجت من الكوفة إلّا مخافة أن يدخلها الحسين بن عليّ عليهما السلام وأنا فيها فلا 
 
106

89

المحاضرة الأولى

أنصره، لأنّه ليس في الكوفة شيعة ولا أنصار إلّا وقد مالوا إلى الدنيا إلّا من عصم الله منهم، فارجع إليه وخبِّره بذاك. فأقبل الحجّاج إلى الحسين عليه السلام  فخبَّره بذلك، فقام الحسين عليه السلام  ثمّ صار إليه في جماعة من إخوانه، فلمّا دخل وسلّم وثب عبيد الله بن الحرّ من صدر المجلس، وجلس الحسين، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: "أمّا بعد، يا بن الحرّ! فإنّ مصركم هذه كتبوا إليّ وخبروني أنّهم مجتمعون على نصرتي، وأن يقوموا دوني ويقاتلوا عدوّي، وأنّهم سألوني القدوم عليهم، فقدمت، ولست أدري القوم على ما زعموا، لأنّهم قد أعانوا على قتل ابن عمّي مسلم بن عقيل رحمه الله وشيعته. 
 
وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد يبايعني ليزيد بن معاوية، وأنت يا ابن الحرّ فاعلم أن الله عزَّ وجلّ مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيّام الخالية، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب، وأدعوك إلى نصرتنا أهل البيت، فإن أعطينا حقّنا حمدنا الله على ذلك وقبلناه، وإن منعنا حقّنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحقّ". فقال عبيد الله بن الحرّ: والله! يا بن بنت رسول الله! لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنت أنا أشدّهم على عدوّك، ولكنّي رأيت شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفاً من بني أميّة ومن سيوفهم، فأنشدك بالله أن تطلب منّي هذه المنزلة! وأنا أواسيك بكلّ ما أقدر عليه وهذه فرسي
 
107

90

المحاضرة الأولى

 ملجمة، والله ما طلبت عليها شيئاً إلّا أذقته حياض الموت، ولا طلبت وأنا عليها فلحقت، وخذ سيفي هذا، فوالله ما ضربت به إلّا قطعت. فقال له الحسين عليه السلام: "يا بن الحرّ! ما جئناك لفرسك وسيفك، إنّما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك، ولم أكن بالذي أتخذ المضلّين عضداً، لأنّي قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: من سمع داعية أهل بيتي، ولم ينصرهم على حقّهم إلّا أكبّه الله على وجهه في النّار". ثمّ سار الحسين عليه السلام  من عنده ورجع إلى رحله1.
 
ثمّ تداخله الندم - بعد قتل الحسين عليه السلام  - حتّى كادت نفسه تفيض، فقال:


فيا لك حسرة ما دمت حيّا
حسين حين يطلب بذل نُصري
غداةَ يقول لي بالقصر قولاً
ولو أنّي أواسيه بنفسي
تردّد بين صدري والتراقي
على أهل الضلالة والنفاق
أتتركنا وتزمع بالفراق؟
لنلت كرامةً يوم التلاق

1- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ص 443- 444.
 
108
 

91

المحاضرة الأولى

 مع ابن المصطفى روحي فداه
فلو فلق التلهّف قلب حيٍّ
فقد فاز الأولى نصروا حسيناً
تولّى ثمّ ودّع بانطلاق
لهمّ اليوم قلبي بانفلاق
وخاب الآخرون ذوو النفاق1


 
2- الاهتمام بالصلاة:
ففي اليوم التاسع من المحرّم طلب الإمام عليه السلام من أخيه العبّاس قائلاً: "ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار"1.
 
ويوم العاشر من المحرّم روي أنّ أبا ثمامة الصيداويّ قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتّى أقتل دونك, وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: "ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين، نعم هذا أوّل وقتها", ثمّ قال: "سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي..".

1- ذوب النضار ص 72- 73.
2- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ص 474.
 
109
 

92

المحاضرة الأولى

 وروي: أنّ سعيد بن عبد الله الحنفيّ تقدّم أمام الحسين، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما أخذ الحسين عليه السلام  يميناً وشمالاً، قام بين يديه، فما زال يرمى به حتّى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود، اللهمّ أبلغ نبيّك السلام عنّي وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإنّي أردت بذلك نصرة ذرّيّة نبيّك ثمّ مات رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح1.
 
3- الطمأنينة واليقين:
كان أصحاب الإمام الحسين عليه السلام مطمئنّين مسرورين, حتّى إنّهم كانوا يمزحون مع بعضهم, فقد هازل برير عبد الرحمن الأنصاريّ, فقال له عبد الرحمن: دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل! فقال له برير: والله لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّاً ولا كهلاً ولكن والله إنّي لمستبشر بما نحن لاقون, والله إنّ بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددْت أنّهم قد مالوا علينا بأسيافهم2.
 
ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسديّ، فقال له يزيد بن خضير الهمدانيّ - وكان يقال له سيّد القرّاء -: يا أخي ليس هذه بساعة ضحك، قال: فأيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور؟! والله ما هو إلّا 

1- بحار الأنوار ج 45 ص 21.
2- تاريخ الطبري ج 4 ص 321.
 
110
 

93

المحاضرة الأولى

 أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين1.
 
4- الإخلاص والعمل في سبيل الله:
كان معسكر الإمام الحسين عليه السلام عبارة عن عدد محدود من الأشخاص 73 شخصاً على المشهور, ويكاد لا يوجد في الدنيا حرب فيها مثل هذا العدد, وارتكب فيها أبشع أنواع القتل بوحشيّة لا مثيل لها, أصابت حتّى الأطفال الرضّع, وبلغت جراحات الإمام في بدنه عدداً كبيراً وكانت جميعها في مقدَّمه لأنّه كان لا يولي ظهره, وبعد القتل رفع رأسه على الرمح ووطئ جسده بحوافر الخيول, وسبي عياله ونساؤه إلى غير ذلك, وكلّ هذا كان محوره الإخلاص والعمل لله تعالى.
 
وعن الإمام الحسين2 عليه السلام: "اللهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنّتك وأحكامك"3.
 
5- توضيح الهدف والسير على بصيرة:
منذ أن تحرّك الإمام الحسين عليه السلام  كان يخبر بشهادته وقتله وقد فعل ذلك مراراً وفي أماكن عديدة, وكان يخبر أصحابه بقتلهم

1- اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي ج 1 ص 293.
2- وروي ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً وكلّهم نور واحد.
3- بحار الأنوار ج 97 ص 80- 81.
 
111
 

94

المحاضرة الأولى

 وشهادتهم, وإلى أين هم ذاهبون, ولا يوجد جيش في العالم يعطي رخصة في الحرب وساحة المعركة كما فعل الإمام عليه السلام مع أصحابه وأنصاره, حيث قال لهم: "أمّا بعد, فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا أخير من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً, ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً, وإنّي قد أذنت لكم جميعاً فانطلقوا في حلٍّ ليس عليكم منّي ذمام, هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه (جملاً), وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعاً خيراً ثمّ تفرّقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرج الله, فإنّ القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري"1.
 
فالإمام الحسين عليه السلام لا يستفيد من رجل غافل لا يدري ماذا يفعل وما هو مصيره.
 
6- توعية المجتمع:
الحرب لا تمنع من توعية الناس, وإذا نظرنا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمفي حروبه وكذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام كم ألقيا من خطبة وكلمة وموعظة, وكم صنعوا من أشياء في أدائهم لربط العديد من المفاهيم في أذهان الناس كي لا تنسى. وعلى سبيل المثال: الكساء الذي غطّى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته عليهم السلام , فقد كان 

1- الكامل في التاريخ ج 4 ص 57- 58.
 
112
 

95

المحاضرة الأولى

 يستطيع أن يدعو لهم دونه, ولكنّها حركة غريبة يراد منها ربط الناس بالحادثة. وكذلك مسألة تغيير القبلة أثناء الصلاة في المكان المعروف بمسجد القبلتين, فقد كان بالإمكان تغيير القبلة بعد الصلاة ولكنّها لا تكون حركة غريبة تبقى في الأذهان وتشعر الناس بأهميّتها.
 
والتوعية التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام  في كربلاء كانت أيضاً سبباً رئيسيّاً لندم الكثير من الناس بعد قتل الحسين عليه السلام , سواء كان ذلك في خطبه, التي لم ييأس الإمام من طرحها عليهم رغم أنّهم لم يكونوا يرغبون بسماعها, حيث تقول الرواية إنّه لمّا أتى الإمام عليه السلام  الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتّى قال لهم: "ويلكم, ما عليكم أن تنصتوا إليّ فتسمعوا قولي، وإنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين، وكلّكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام، وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟", فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا: أنصتوا له1, أو في بعض الحركات في الأداء التي وجّهت الأنظار بعد ذلك إلى موقفه في ذلك اليوم. وعلى سبيل المثال: خروجه بأهله وعياله وأطفاله, وسقيه الماء للأعداء, وطلبه من أصحابه وأنصاره أن يرحلوا ويتركوه وحيداً, ورميه للدم إلى 

1- بحار الأنوار ج 45 ص 8.
 
113
 

96

المحاضرة الأولى

 السماء, وبكاؤه, وعطشه, وجراحاته, ووحدته, إلى غير ذلك من أمور يصعب جمعها وإحصاؤها.
 
7- القلّة في مسيرة الحقّ:
لقد مدح القرآن الكريم القلّة, فقال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾1, وقال سبحانه: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾2. وقال عزَّ من قائل: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾3. إلى غيرها من الآيات الكريمة.
 
ونبيّ الله إبراهيم عليه السلام  كان لوحده ولكن وصفه الله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾4.
وهكذا أصحاب الكهف كان عددهم محدوداً.
 
ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام: "أيّها الناس, لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإنّ الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل"5.
 
وفي كربلاء كان أصحاب الإمام الحسين قلّة مقابل ذلك الجيش الجرّار الذي روي أنّه كان ثلاثين ألفاً, ومع ذلك لم يأبهوا 

1- سورة سبأ الآية 13.
2- سورة هود الآية 40.
3- سورة البقرة الآية 249.
4- سورة النحل الآية 120.
5- نهج البلاغة الخطبة 201.
 
114
 

97

المحاضرة الأولى

 بقلّتهم وقاتلوهم حتّى الشهادة.
 
8- الوحدة والتعاون:
تفرّد هذا الجيش في معسكر الإمام عليه السلام أنّه من نسيج متفاوت, ففيه الصغار والكبار, والنساء والرجال, والعربيّ والعجميّ, والحرّ والعبد, ولكنّه كان منسجماً في نفس الوقت ومتعاوناً ومتحداً في وجه الأعداء.
 
115

98

المحاضرة الثانية

 الحبّ والبغض في الله
 
الهدف:
التعرّف على الحبّ في الله والبغض في الله باعتباره الركيزة الأساسيّة للإيمان.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾1.

1- سورة آل عمران الآية 31.
 
117
 

99

المحاضرة الثانية

 المقدّمة
ذكرت الروايات للحبّ والبغض أهميّة خاصّة حيث عدّته من أوثق عرى الإيمان, فإنّ الذي يجعل ميزان ميوله وتعلّقاته, واختياره لأفعاله هو ما يحبّه الله تعالى, ويترك ما يبغضه, سوف تتمايز الأشياء أمامه إلى نوعين: نوع له علاقة بالله تعالى وأحبّائه, ونوع له علاقة بما يبغضه الله تعالى وبأعدائه.
 
محاور الموضوع
1- فضل الحبّ والبغض في الله:
أ- كمال الإيمان: عن أبي عبد الله عليه السلام: "من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله فهو ممّن كمل إيمانه"1
وعن أبي عبد الله عليه السلام: "لا يمحضُ رجل الإيمان بالله حتّى يكون الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأمّه وولده وأهله وماله ومن الناس كلّهم"2.
 
ب- أوثق عرى الإيمان: عن أبي عبد الله عليه السلام  قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: أيّ عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم, وقال بعضهم: الصلاة, وقال بعضهم: الزكاة, وقال بعضهم: الصيام, وقال بعضهم: الحجّ والعمرة, وقال 

1- الكافي ج 2 ص 124- 125.
2- بحار الأنوار ج 67 ص 24.
 
118
 

100

المحاضرة الثانية

 بعضهم: الجهاد, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لكلّ ما قلتم فضل وليس به, ولكن أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله وتوالي أولياء الله والتبرّي من أعداء الله"1.
 
ج- هل الدّين إلّا الحبّ: وعن الفضيل بن يسار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحبّ والبغض أمن الإيمان هو؟ فقال عليه السلام: "وهل الإيمان إلّا الحبّ والبغض؟" ثمّ تلا هذه الآية: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾2.
 
عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام  في حديث له قال: "يا زياد, ويحك وهل الدّين إلّا الحبّ؟ ألا ترى إلى قول الله ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ أو لا ترى قول الله لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾, وقال: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ فقال: الدّين هو الحبّ والحبّ هو الدّين"3
 
ونحن نقرأ في زيارتهم عليهم السلام: "بأبي أنتم وأمّي ونفسي وأهلي ومالي"4.

1- الكافي ج 2 ص 125.
2- الكافي ج 2 ص 125.
3- بحار الأنوار ج 66 ص 238.
4- زيارة الجامعة الكبيرة, مفاتيح الجنان ص 623.
 
119
 

101

المحاضرة الثانية

 2- فضل المتحابّين في الله:
عن عليّ بن الحسين عليهما السلام  قال: "إذا جمع الله عزَّ وجلّ الأوّلين والآخرين قام مناد فنادى يسمع الناس فيقول: أين المتحابّون في الله؟ قال: فيقوم عنق من الناس فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنّة بغير حساب, قال: فتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنّة بغير حساب, قال: فيقولون: فأيّ ضرب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابّون في الله, قال: فيقولون: وأيّ شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحبّ في الله ونبغض في الله, قال: فيقولون: نعم أجر العاملين"1.
 
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إنّ المتحابّين في الله يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور وجوهم ونور أجسادهم ونور منابرهم كلّ شيء حتّى يعرفوا به، فيقال: هؤلاء المتحابّون في الله"2.
 
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: "لو أنّ رجلاً أحبّ رجلاً لله لأثابه الله على حبّه إيّاه وإن كان المحبوب في علم الله من أهل النّار, ولو أنّ رجلاً أبغض رجلاً لله لأثابه الله على بغضه إيّاه وإن كان المبغض في علم الله من أهل الجنّة"3.

1- الكافي ج 2 ص 126.
2- الكافي ج 2 ص 125.
3- الكافي ج 2 ص 127.
 
120
 

102

المحاضرة الثانية

 3- عبادة الحبّ:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "(إنّ) العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عزَّ وجلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد, وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الأُجراء، وقوم عبدوا الله عزَّ وجلّ حبّاً له، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة"1.
 
4- مسؤوليّة الحبّ في الله:
وقال رجل للإمام زين العابدين عليه السلام: إنّي لأحبّك في الله حبّاً شديداً, فنكَّس عليه السلام رأسه ثمّ قال: "اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أُحبَّ فيك وأنت لي مبغض", ثمّ قال له: "أحبّك للذي تحبّني فيه"2.
 
5- حشر الإنسان مع من أحبّ:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إيّاك أن تحبّ أعداء الله وتصفي ودَّك لغير أولياء الله فإنّه من أحبّ قوماً حشر معهم"3.
 
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: "إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبّك, وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحبّ"4.

1- الكافي ج 2 ص 84.
2- تحف العقول ص 282.
3- ميزان الحكمة ج 1 ص 497.
4- الكافي ج 2 ص 126- 127.
 
121
 

103

المحاضرة الثانية

 عن أنس بن مالك قال: جاء رجل من أهل البادية، وكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, فقال: يا رسول الله متى قيام الساعة؟ فحضرت الصلاة فلمّا قضى صلاته قال: "أين السائل عن الساعة؟" قال: أنا يا رسول الله, قال: "فما أعددت لها؟" فقال: والله ما أعددت لها من كثير عمل لا صلاة ولا صوم, إلّا أنّي أحبّ الله ورسوله, فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء مع من أحبّ", قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد السلام  بشيء أشدّ من فرحهم بهذا1.
 
6- حبّ النبيّ وأهل بيته عليهم السلام: 
وفي خبر آخر: جاء رجل من الأنصار إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول ما أستطيع فراقك، وإنّي لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي، وأقبل حتّى أنظر إليك حبّاً لك، فذكرت إذا كان يوم القيامة وأدخلت الجنّة، فرفعت في أعلى عليّين، فكيف لي بك يا نبيّ الله؟ فنزل: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾2, فدعا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الرجل فقرأها عليه وبشّره بذلك3.
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إلزموا مودّتنا أهل البيت, فإنّه من لقي 

1- علل الشرائع ج 1 ص 139.
2- سورة النساء الآية 69.
3- بحار الأنوار ج 71 ص 14.
 
122
 

104

المحاضرة الثانية

 الله وهو يودّنا أهل البيت دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلّا بمعرفة حقّنا"1.
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "من رزقه الله حبّ الأئمّة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكّنَّ أحد أنّه في الجنّة فإنّ في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة, عشر منها في الدنيا وعشر منها في الآخرة، أمّا التي في الدنيا فالزهد والحرص على العمل، والورع في الدّين، والرغبة في العبادة، والتوبة قبل الموت، والنشاط في قيام الليل، واليأس ممّا في أيدي الناس، والحفظ لأمر الله ونهيه عزَّ وجلّ، والتاسعة بغض الدنيا، والعاشرة السخاء".
 
وأمّا التي في الآخرة فلا يُنشر له ديوان، ولا يُنصب له ميزان، ويعطى كتابه بيمينه، ويُكتب له براءة من النّار، ويُبيضّ وجهه، ويُكسى من حلل الجنّة، ويشفع في مائة من أهل بيته، وينظر الله عزَّ وجلّ إليه بالرحمة ويُتوّج من تيجان الجنّة، والعاشرة يدخل الجنّة بغير حساب فطوبى لمحبّي أهل بيتي"2.
 
ثواب من دمعت عينه في آل محمّد:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب، غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر"3.

1- المحاسن ج 1 ص 61.
2- الخصال ص 515.
3- المحاسن ج 1 ص 63.
 
123
 

105

المحاضرة الثالثة

 أهل المعروف وفضلهم
 
الهدف:
الحثّ على عمل المعروف, وضرورة شكر أهله, وحفظ المعروف لهم, وثواب عامله.
 
تصدير الموضوع:
في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام: "وأمّا حقّ ذي المعروف عليك, فأن تشكره, وتذكر معروفه, وتكسبه المقالة الحسنة, وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزَّ وجلّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانية، ثمّ إن قدرت على
 
125
 

106

المحاضرة الثالثة

 مكافأته يوماً كافيته"1.
 
المقدّمة:
المعروف هو العمل الحسن الذي يستوجب المدح والثناء من العقلاء, والثواب والجزاء من الله تعالى, وعلى هذا الأساس فقد ندبت الشريعة الإسلاميّة إليه, وحثّت عليه, ومدحت أهله, ونوّهت بعامليه, وجعلت لهم الأجر العظيم والثواب الجزيل, ونبّهت على العديد من ضوابطه وشروطه, ودعت إلى إرساء ثقافة المعروف والأمر به في مقابل المنكر والنهي عنه, وسوف نحاول الإطلالة على شيء من الروايات الواردة في ذلك ضمن بعض العناوين التي أشرنا إليها.
 
محاور الموضوع
1- ثواب أهل المعروف:
أ- هم أهل المعروف في الآخرة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  أنّه قال: "أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، قيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: يغفر لهم بالتطوّل منه عليهم, ويدفعون حسناتهم إلى الناس فيدخلون بها الجنّة, فيكونون أهل المعروف في الدنيا والآخرة"2.

1- الخصال ص 568.
2- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 17.
 
126
 

107

المحاضرة الثالثة

 وعن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث -: "إنّ الله يقول للفقراء يوم القيامة: انظروا وتصفّحوا وجوه الناس، فمن أتى إليكم معروفاً فخذوا بيده وأدخلوه الجنّة"1.
 
ب- باب للجنّة اسمه باب المعروف: عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إنّ للجنّة باباً يقال له: باب المعروف فلا يدخله إلّا أهل المعروف"2.
 
ج- رائحة من الجنّة: عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله فداك آباؤنا وأمّهاتنا، إنّ أهل المعروف في الدنيا عرفوا بمعروفهم، فبم يعرفون في الآخرة؟ فقال: إنّ الله عزَّ وجلّ إذا أدخل أهل الجنّة الجنّة, أمر ريحاً عَبِقة فلصقت بأهل المعروف، فلا يمرّ أحد منهم بملأ من أهل الجنّة إلّا وجدوا ريحه فقالوا: هذا من أهل المعروف"3.
 
د- صلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "أيّما مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفاً فقد أوصل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"4.
 
هـ- أحبّ العباد إلى الله: عن أبي حمزة أنّه قال: سمعت أبا 

1- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 18.
2- وسائل الشيعة ج 16, باب 4 من أبواب فعل المعروف حديث 8.
3- وسائل الشيعة ج 16, باب 6 من أبواب فعل المعروف حديث 5.
4- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 15.
 
127
 

108

المحاضرة الثالثة

 جعفر عليه السلام يقول: "إنّ من أحبّ عباد الله إلى الله لمن حبّب إليه المعروف، وحبّب إليه فعاله"1.
 
و- تدفع ميتة السوء: عن عبد الله بن سليمان أنّه قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "إنّ صنائع المعروف تدفع مصارع السوء"2.
 
2- المعروف عامّ في المؤمن والكافر:
عن عليّ بن سالم أنّه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "آية في كتاب الله مسجّلة، قلت: ما هي؟ قال: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ جرت في المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر، من صُنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليست المكافاة أن يصنع كما صنع به، بل يرى مع فعله لذلك أنّ له الفضل المبتدأ"3.
 
وعن محمّد بن أبي حمزة عن رجل بلغ به أمير المؤمنين عليه السلام قال: مرَّ شيخ مكفوف كبير يسأل فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "ما هذا؟" فقالوا: يا أمير المؤمنين نصرانيّ قال: فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه!! أنفقوا عليه من بيت المال"4.

1- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 4.
2- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 9.
3- وسائل الشيعة ج 16, باب 7 من أبواب فعل المعروف حديث 3.
4- تهذيب الأحكام ج 6 ص 292.
 
128
 

109

المحاضرة الثالثة

 وعن عليّ بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن موسى عليه السلام: "كان في بني إسرائيل مؤمن وكان له جار كافر، فكان الكافر يرفق بالمؤمن، ويوليه المعروف في الدنيا، فلمّا أن مات الكافر بنى الله له بيتاً في النّار من طين، وكان يقيه حرّها ويأتيه الرزق من غيرها، وقيل له: هذا ما كنت تدخله على جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق، وتوليه من المعروف في الدنيا"1.
 
3- قاطعو سبيل المعروف:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "لعن الله قاطعي سبيل المعروف"، قيل: وما قاطعو سبيل المعروف؟ قال: "الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره فيمتنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره"2.
 
4- من شروط المعروف: 
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "رأيت المعروف لا يتمّ إلّا بثلاث: تصغيره وستره وتعجيله، فإنّك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه، وإذا سترته تمّمته، وإذا عجّلته هنّأته، وإذا كان غير ذلك سخّفته ونكّدته"3.
 
وعن أبي الحسن موسى عليه السلام أنّه قال: "لا تبذل لإخوانك 

1- وسائل الشيعة ج 16, باب 1 من أبواب فعل المعروف حديث 14.
2- وسائل الشيعة ج 16, باب 8 من أبواب فعل المعروف حديث 1.
3- وسائل الشيعة ج 16, باب 9 من أبواب فعل المعروف حديث 1.
 
128
 

110

المحاضرة الثالثة

 من نفسك ما ضرّه عليك أكثر من منفعته لهم"1.
 
5- شكر المنعم: 
أ- شكر المخلوق من شكر الخالق: عن الرضا عليه السلام أنّه قال: "من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عزَّ وجلّ"2.
 
وعن عمّار الدهنيّ أنّه قال: سمعت عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: "إنّ الله يحبّ كلّ قلب حزين، ويحبّ كلّ عبد شكور، يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك يا ربّ، فيقول: لم تشكرني إن لم تشكره، ثمّ قال: أشكركم لله أشكركم للناس"3.
 
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "يؤتى العبد يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عزَّ وجلّ فيأمر به إلى النّار، فيقول: أي ربّ, أمرت بي إلى النّار وقد قرأت القرآن، فيقول الله: أي عبدي, إنّي قد أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي، فيقول: أي ربّ, أنعمت عليّ بكذا وشكرتك بكذا، وأنعمت عليّ بكذا وشكرتك بكذا، فلا يزال يحصي النعمة ويعدّد الشكر فيقول الله تعالى: صدقت عبدي, إلّا أنّك لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه، وإنّي قد

1- وسائل الشيعة ج 16, باب 10 من أبواب فعل المعروف حديث 2.
2- وسائل الشيعة ج 16, باب 8 من أبواب فعل المعروف حديث 15.
3- وسائل الشيعة ج 16, باب 8 من أبواب فعل المعروف حديث 3.
 
130
 

111

المحاضرة الثالثة

 آليت على نفسي أن لا أقبل شكر عبد لنعمة أنعمتها عليه حتّى يشكر من ساقها من خلقي إليه"1.
 
ب- كيفيّة الثناء على أهل المعروف ومكافاتهم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كفاك بثنائك على أخيك إذا أسدى إليك معروفاً أن تقول له: جزاك الله خيراً، وإذا ذكر وليس هو في المجلس أن تقول: جزاه الله خيراً، فإذا أنت قد كافأته"2.
 
6- كن من أهل المعروف:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "اصنع المعروف إلى من هو أهله، وإلى من ليس من أهله، فإن لم يكن هو أهله فكن أنت من أهله"3.
 
7- النبيّ وأهل البيت عليهم السلام مكفّرون:
والمكفّر هو مجحود النعمة الذي لا يؤدّى شكره, فعن عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكفّراً لا يُشكر معروفه، ولقد كان معروفه على القرشيّ والعربيّ والعجميّ، ومن كان أعظم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معروفاً على هذا الخلق؟! وكذلك نحن أهل البيت مكفّرون لا يُشكر معروفنا، وخيار المؤمنين مكفّرون لا يُشكر معروفهم"4.

1- وسائل الشيعة ج 16, باب 8 من أبواب فعل المعروف حديث 12.
2- وسائل الشيعة ج 16, باب 7 من أبواب فعل المعروف حديث 7.
3- وسائل الشيعة ج 16, باب 3 من أبواب فعل المعروف حديث 1.
4- وسائل الشيعة ج 16, باب 7 من أبواب فعل المعروف حديث 11.
 
131
 
 

112

المحاضرة الأولى

 مسلم بن عقيل سفير الحسين عليه السلام
 
الهدف:
التعرّف على شخصيّة مسلم بن عقيل, وأهمّ ما تمتاز به هذه الشخصيّة الفذّة من صفات قياديّة رائدة.
 
تصدير الموضوع:
زيارته رضوان الله عليه: "سلام الله وسلام ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين وجميع الشهداء والصدّيقين، والزاكيات الطيّبات فيما تغتدي وتروح عليك يا مسلم بن عقيل"1.

1- المزار ص 177.
 
134
 

113

المحاضرة الأولى

 المقدّمة:
من الشخصيّات البارزة في النهضة الحسينيّة والتي احتلّت مكانة خاصّة عند الإمام الحسين عليه السلام مبعوثه وسفيره لأهل الكوفة مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه. وإنّ التعرّف على جوانب من حياة هذه الشخصيّة وأهمّ ما كانت تمتاز به من صفات وخصائص له الدور الكبير في استفادة الدروس والعبر سواء على مستوى الفرد, أو على مستوى الأمّة ومستقبلها.
 
محاور الموضوع
1- نشأة مسلم:
نشأ مسلم في بيت والده عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليه, ذلك الرجل الذي كان يحبّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وقاتل معه وشاركه في حروبه ضدّ المشركين جنباً إلى جنب أخيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
 
وبعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان قد كُفَّ بصره ومع ذلك كان صلباً في مواجهة الأعداء فأرسل إلى أخيه الإمام عليّ عليه السلام يخبره باستعداده لتوجيهاته في مواجهة الأمويّين, فأجابه الإمام عليه السلام برسالة يعذره فيها ويطيّب خاطره.
 
وكان عقيل عالماً بأنساب قريش وأيّامها, ومن الطبيعيّ أن
 
136

114

المحاضرة الأولى

 يكون عالماً حينئذٍ بصاحب النسب الصحيح من غيره, ومحاسن القوم ومساوئهم, لذا كان بعضهم يبغضه لأنّه كان يعدّ مساوئَهم.
 
وفي هذا البيت المحاط بالمجد من جنباته: جدّ كأبي طالب المدافع الأوّل عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, وعمٌّ كأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام, وأب صلب وحازم وشجاع كعقيل بن أبي طالب, نشأ مسلم نشأة الرجل الواعي, والعالم الخبير بأيّام العرب, والحروب والأجواء المحيطة في عصره.
 
2- مسلم وأسرته:
اقترن مسلم برقيّة بنت الإمام عليّ عليه السلام وغيرها, وكان لديه أربعة أبناء أو خمسة على اختلاف بين المؤرّخين, قضى منهم اثنان بين يدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام في كربلاء, كما قضى ثلاثة من إخوته وآخرين من بني عقيل.
 
وعندما أعذرهم الإمام الحسين عليه السلام وأحلَّهم من بيعته بعد شهادة مسلم فقال لهم: "حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا فقد أذنت لكم". أبوا ذلك قالوا له: إذاً ما يقول الناس وما نقول لهم؟ إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن برمح ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا, نقاتل معك حتّى نرد موردك, فقبّح الله العيش بعدك!!
 
137

115

المحاضرة الأولى

 وكانت رقيّة زوجة مسلم مع أخيها الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وقد شاهدت ما جرى على أخيها وأهل بيته وأصحابه وشاركتهم في تقديم التضحيات وسبيت فيمن سبي مع النساء.
 
ولوفاء هؤلاء فقد حفظ الإمام زين العابدين عليه السلام لهم ذلك, فكان يوليهم عناية خاصّة, ففي بعض الروايات أنّه عليه السلام كان يميل إلى ولد عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقال: "إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام فأرقّ لهم"1.
 
3- مسلم في حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
رُوي عن ابن عبّاس أنّه قال: قال عليّ عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا رسول الله، إنّك لتحبّ عقيلاً؟ قال: إي والله إنّي لأحبّه حبّين: حبّاً له، وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإنّ وَلَدَه لمقتول في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون. ثمّ بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي"2.
 
4- مع عمّه أمير المؤمنين عليه السلام:
في الفتوح لابن أعثم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام جعل على ميمنته في

1- كامل الزيارات ص 214.
2- أمالي الشيخ الصدوق ص 191.
 
138
 

116

المحاضرة الأولى

 صفّين الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل, وعلى الميسرة محمّد بن الحنفيّة ومحمّد بن أبيّ وهاشم بن عتبة المرقال1.
 
قال العلّامة السيّد عبد الرزّاق المقرّم رحمه الله:
إنّ رجلاً يراه عمّه أمير المؤمنين عليه السلام جديراً بقيادة الجيش يوم صفّين فيجعله على الميمنة في صفّ ولديه الإمامين السبطين عليهما السلام وابن أخيه عبد الله بن جعفر, ويجده سيّد الشهداء عليه السلام قابلاً لأهليّة الولاية على أعظم حاضرة في العراق "الكوفة" فيحبوه بالنيابة الخاصّة في الدينيّات والمدنيّات, لا بدّ وأن يكون أعظم رجل في العقل والدّين والأخلاق حتّى لا يقع الغمز والطعن فيمن يمثّل موقف الإمامة2.
 
5- مع سيّد الشهداء عليه السلام:
قال الشيخ المفيد في معرض ذكره لرسائل أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه السلام: وتلاقت الرسل كلّها عنده، فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس، ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله وكانا آخر الرسل: "بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين. أمّا بعد: فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم: أنّه ليس

1- الفتوح ج 3 ص 29.
2- الشهيد مسلم بن عقيل للمقرّم ص 41.
 
139
 

117

المحاضرة الأولى

 علينا إمام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ. وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، فإنّ كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله. فلعمري ما الإمام إلّا الحكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام"1.
 
بهذه الكلمات الصغيرة في حجمها, الكبيرة في معناها, أوضح الإمام الحسين عليه السلام مكانة مسلم عنده, فهو أخوه وابن عمّه وثقته من أهل بيته..
 
6- من أهمّ مميّزات شخصيّته وموقفه:
أ- الجانب المعنويّ: جاء في زيارته: "السلام عليك أيها العبد الصالح".
ب- الطاعة لله ورسوله والأئمّة عليهم السلام: في زيارته أيضاً: "المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام".
 
ج- الشجاعة وتنفيذ المهمّة مع بقائه وحيداً: وهذه صفة اكتسبها من عمّه أمير المؤمنين عليه السلام الذي روي عنه قوله: "والله لو لقيتهم فرداً وهم ملأ الأرض ما باليت ولا استوحشت وإنّي من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لعلى

1- الإرشاد ج 2 ص 38- 39.
 
140
 

118

المحاضرة الأولى

ثقة وبيّنة ويقين وبصيرة وإنّي إلى لقاء ربّي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر"1.
 
د- الصبر والثبات والتحمّل: حتّى النهاية والشهادة.
هـ- محبّته وعشقه ومواساته لسيّد الشهداء عليه السلام: وهذا ما أشارت إليه الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً لعقيل: "وإنّ ولده لمقتول في محبّة ولدك". وقد تجسّد هذا العشق والحبّ عندما دمعت عيناه وقد أخذ أسيراً: فقيل له: إنّ من يطلب مثل الذي تطلب، إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك. قال: إنّي والله ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحبّ لها طرفة عين تلفاً، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ، أبكي للحسين عليه السلام وآل الحسين2. وكذلك مواساته للحسين عليه السلام في القتل عطشاً, وحمل رأسه إلى يزيد في الشام.
 
بكتك دماً يا بن عمّ الحسين              مدامع شيعتك السافحه
ولا برِحت هاطلات العيون                 تُحييِّك غاديةً رائحه
لأنّك لم تُروَ من شَربةٍ                     ثناياك فيها غدت طائحه

1- بحار الأنوار ج 33 ص 572.
2- المفيد: الإرشاد ج 2 ص 59.
 
141
 

119

المحاضرة الثانية

 الهدف: 
أن يتعرّف الناس على أهميّة خدمة بعضهم بعضاً ويتجنّبوا توجيه الأذى للآخرين.
 
تصدير الموضوع:
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال الله عزَّ وجلّ‏َ: الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم، وأسعاهم في حوائجهم"1.

1-أصول الكافي ج ‏2 ص ‏199.
 
143

 

120

المحاضرة الثانية

 المقدّمة: 
من النعم الإلهيّة الكبرى أن يوفّق الإنسان للقيام بخدمة أو معروف تجاه إخوانه، لأنّه لو اطّلع على ما أعدّه الله تعالى له من عطاء أبديّ لا ينفد لأدرك أنّ الأمر بالعكس، بمعنى أنّ المحتاج والمخدوم هو الذي يسدي خدمة للخادم والباذل لأنّه السبب في حصوله على هذه الهبة الربّانيّة والحيويّة الفريدة. وعليه ليس من الصواب والعقل أن تُتاح فرصة لأحدنا كي يقوم بتقديم مساعدة للآخرين وقضاء حوائجهم فيفوّت تلك الفرصة عليه.
 
محاور الموضوع
1- أهميّة خدمة الناس: 
• خدمة الناس هي خدمة لله سبحانه وتعالى: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم الله تعالى عمره"1.
 
• خدمة الناس أفضل الأعمال: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "احرصوا على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السّرور عليهم ودفع المكروه عنهم فإنّه ليس من الأعمال عند الله عزَّ وجلّ بعد الإيمان أفضل من إدخال السّرور على المؤمنِين"2.

1- غوالي اللآلي، ج ‏1 ص ‏374.
2-بحار الأنوار، ج 71 ص 313.
 
144

 

121

المحاضرة الثانية

 • خادم الناس محبوب من الله تعالى: وفي حديث آخر: "قال الله عزَّ وجلَّ: الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم، وأسعاهم في حوائجهم"1.
 
• أنّه عمل أحبّه الأئمّة عليهم السلام: الإمام الباقر عليه السلام عن مدى حبّه وتفضيله لخدمة المحرومين حيث يقول: "...ولأن أعول أهل بيت من المسلمين. أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، فأكفّ وجوههم عن الناس أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة ومثلها ومثلها حتّى بلغ عشراً ومثلها ومثلها حتّى بلغ السبعين"2.
 
2- ثمرات خدمة الناس:
الأمن يوم القيامة: روي عن مولانا الكاظم عليه السلام أنّه قال: "إنّ للَّه عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة"3.
 
ألف ألف حسنة: عن الباقر عليه السلام: "من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله كتب الله له ألف ألف حسنة"4.
 
ثواب عبادة تسعة آلاف سنة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: 

1- أصول الكافي ج ‏2 ص ‏199.
2- أصول الكافي ج ‏2 ص ‏195.
3- بحار الأنوار ج ‏74 ص ‏319.
4- أصول الكافي ج‏ 2 ص‏ 197.
 
145
 

122

المحاضرة الثانية

 "من سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره قائماً ليله"1.
 
• كان الله في حاجته: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم كان الله في حاجته ما كان في حاجة أخيه"2.
 
• استغفار الملائكة له: في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن، فيوكّل الله عزَّ وجلّ‏ به ملكين: واحداً عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته"3.
 
3- آثار الامتناع عن خدمة الناس: 
• خذلان الله في الدنيا والآخرة: عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة"4.
 
• لا يذوق طعام الجنّة: وعنه عليه السلام في حديث آخر قال: "أيّما مؤمن حبس مؤمناً عن ماله وهو محتاج إليه لم يذق والله من طعام الجنّة ولا يشرب من الرحيق المختوم"5.

1- بحار الأنوار ج ‏74 ص‏ 315.
2- وسائل ‏الشيعة ج 16 ص 367.
3- أصول الكافي ج‏ 2 ص ‏195.
4- بحار الأنوار ج ‏74 ص ‏312.
5- وسائل ‏الشيعة ج 16 ص 38.
 
146
 

123

المحاضرة الثانية

 • الابتلاء بمعونة تجرّ إثماً: عن الإمام الباقر عليه السلام: "من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته إلّا ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر"1.
 
• عدم قبول الأعمال: في الحديث عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "إنّ خواتم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم وإلّا لم يقبل منكم عمل"2.
 
• يحشر مغلولاً يوم القيامة: رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من سأله أخوه المؤمن حاجة من ضرّ فمنعه من سعة وهو يقدر عليها من عنده أو من عند غيره، حشره الله يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتّى يفرغ الله من حساب الخلق"3.
 
4- الآثار السلبيّة لأذيّة الناس:
الأذى من صفات المشركين: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾4.
 
• أذيّة المؤمن هي أذيّة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعن أبي عبد الله عليه السلام 

1- أصول الكافي ج ‏2 ص‏ 366.
2- بحار الأنوار ج ‏75 ص ‏379.
3- بحار الأنوار ج‏ 74 ص ‏287.
4- سورة آل عمران الآية 186.
 
147 
 

124

المحاضرة الثانية

 أنّه قال: "من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد وصل ذلك إلى الله عزَّ وجلّ ، وكذلك من أدخل عليه كرباً"1.
 
• وقوفه مقام الذلّ يوم القيامة: وعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "من روى على مؤمن رواية يريد بها عيبه، وهدم مروّته، أقامه الله عزَّ وجلّ مقام الذلّ يوم القيامة حتّى يخرج ممّا قال"2.
 
• سلب صفة الإيمان: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "المؤمن من آمن جاره بوائقه، قلت: وما بوائقه؟ قال: ظلمه وغشمه"3
 
• أذيّة المؤمن محاربة الله: عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "قال الله عزَّ وجلّ: ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن..."4.
 
• عاقبة السوء: قال أبو عبد الله عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصدود لأوليائي فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعاندوهم وعنّفوهم في دينهم، ثمّ يؤمر بهم إلى جهنّم"5.

1- أصول الكافي ج 2 ص 192. 
2- مستدرك الوسائل ج 9 ص 133.
3- أصول الكافي ج 2 ص 668. 
4- أصول الكافي ج 2 ص 350. 
5- أصول الكافي ج 2 ص 351.
 
148
 

125

المحاضرة الثانية

 5- من أنواع الأذى: 
• الأذى بعد الإنفاق وتقديم العون والمساعدة: قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾1
 
• إذاعة الفاحشة: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من أذاع فاحشة كان كمبتدئها، ومن عيّر مؤمناً بشيء لم يمت حتّى يركبه"2.
 
• توجيه الاتهامات الباطلة: وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما من مؤمنَيْن إلّا وبينهما حجاب، فإن قال له: لست لي بوليّ فقد كفر، فإن اتهمه فقد انماث الإيمان في قلبه، كما ينماث الملح في الماء"3.
 
• التعامل باللسان البذيء: وعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "لو قال الرجل لأخيه أفٍّ لك انقطع ما بينهما، فإذا قال له: أنت عدوّي فقد كفر أحدهما، فإن اتهمه انماث الإيمان في قلبه، كما ينماث الملح في الماء"4.

1- سورة البقرة الآية 162- 163.
2- المحاسن ج 1 ص 103. 
3- كتاب المؤمن ص 67. 
4- كتاب المؤمن ص 67.
 
149
 

126

المحاضرة الثانية

 • الخذلان: وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا خذله الله عزَّ وجلّ في الدنيا والآخرة"1.
 
• إهانة المؤمن: عن المعلى بن خنيس قال: سمعته يقول: "إنّ الله عزَّ وجلّ يقول: من أهان لي وليّاً فقد ارصد لمحاربتي، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي". 
 
• إذاعة سرّ المؤمن: عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: "نعم"، قلت: أعني سفليه؟ فقال: "ليس حيث تذهب، إنّما هو إذاعة سرّه"2.
 
• إخافة المؤمن: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عزَّ وجلّ يوم لا ظلّ إلّا ظلّه"3.
 
• ترويع المؤمن: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النّار ومن روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النّار"4.

1- أمالي الشيخ الصدوق ص 574. 
2- وسائل الشيعة ج 2 ص 37.
3- أصول الكافي ج 2 ص 368. 
4- أصول الكافي ج 2 ص 368.
 
150 
 

127

المحاضرة الثانية

 6- قصّة وعبرة: 
عن أبي جعفر عليه السلام قال: "جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه أذى من جاره. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اصبر, ثمّ أتاه ثانية فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: اصبر، ثمّ عاد إليه فشكاه ثالثة, فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي شكا: إذا كان عند رواح الناس إلى الجمعة فأخرج متاعك إلى الطريق حتّى يراه من يروح إلى الجمعة فإذا سألوك فأخبرهم قال: ففعل، فأتاه جاره المؤذي له فقال له: ردّ متاعك فلك الله عليّ أن لا أعود"1.

1- أصول الكافي ج 2 ص 668. 
 
151
 

128

المحاضرة الثالثة

 مكانة الرضا وثمراته
 
الهدف:
بيان أهميّة الرضا وحثّ الناس على الاتصاف بهذه الفضيلة العظيمة.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾1.

1- سورة الحديد الآية 23.
 
153

 

129

المحاضرة الثالثة

 المقدّمة:
إنّ الرضا ثمرة المحبّة لله، من أحبّ شيئاً أحبّ فعله, والمحبّة ثمرة المعرفة، فإنّ من أحبّ شخصاً إنسانيّاً لاشتماله على بعض صفات الكمال أو نعوت الجمال، يزداد حبّه له كلّما زاد به معرفة وله تصورّاً, فمن نظر بعين بصيرته إلى جلال الله تعالى وكماله أحبّه، والذين آمنوا أشدّ حبّاً لله، ومتى أحبّه استحسن كلّ أثر صادر عنه، وهو يقتضي الرضا1.
 
محاور الموضوع
1- أهميّة الرضا:
يعتبر الرضا من الفضائل العظيمة للإنسان, بل إليه يرجع مجموع الفضائل وقد نبّه الله على فضله وجعله مقروناً برضاه تعالى وعلامة له فقال: ﴿رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾1, وقال في آية أخرى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ﴾2
 
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ فيما أوحى الله عزَّ وجلّ إلى موسى بن عمران عليه السلام: يا موسى بن عمران, ما خلقت خلقاً أحبّ إلي من عبدي المؤمن, فإنّي إنّما أبتليه لما هو خير له, 

1- مستفاد من تسلية الفؤاد ص 79.
2- سورة الأنعام الآية 119.
3- سورة التوبة الآية 72.
 
154
 

130

المحاضرة الثالثة

 وأعافيه لما هو خير له وأزوي عنه ما هو شرّ له لما هو خير له, وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي، أكتبه في الصدّيقين عندي، إذا عمل برضائي وأطاع أمري"1.
 
2- مكانة الرضا:
أ- رأس الطاعة: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "رأس طاعة الله الرضا بما صنع الله فيما أحبّ العبد وفيما كره ولم يصنع الله بعبد شيئاً إلّا وهو خير له"2.
 
ب- نعم القرين: عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "نعم قرين الإيمان الرضا"3.
 
ج- علامة الإيمان: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "اعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحبّ وكره"4.
 
د- من حقيقة الإيمان: عن الإمام الباقر عليه السلام: "بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنتم؟ قالوا: نحن مؤمنون 

1- أصول الكافي ج 2 ص 61.
2- وسائل الشيعة ج 3 ص 254.
3- ميزان الحكمة ج 2 ص 1039.
4- فروع الكافي ج 8 ص 8.
 
155
 

131

المحاضرة الثالثة

 يا رسول الله, قال صلى الله عليه وآله وسلم: فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علماء حكماء, كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون"1.
 
هـ- ثمرة اليقين: وعنه عليه السلام قال: "الرضا ثمرة اليقين"2.
 
و- أعلى درجات اليقين: عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: "أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا"3. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "الرضا بمكروه القضاء من أعلى درجات اليقين"4.
 
3- علامات الرضا:
• سخط النفس: قال لقمان لابنه: "يا بنيّ, من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيراً، ومن لا يسخط نفسه لا يرضى به"5.
 
• عدم السخط على المولى: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل - لجبرئيل -: "قلت: فما تفسير الرضا؟ قال: جبرئيل:

1- أصول الكافي ج 2 ص 53.
2- ميزان الحكمة ج 2 ص 1094.
3- وسائل الشيعة ج 3 ص 253.
4- مستدرك الوسائل ج 68 ص 152.
5- بحار الأنوار ج 67 ص 78.
 
156

 

132

المحاضرة الثالثة

 الراضي لا يسخط على سيّده أصاب من الدنيا أم لم يصب، ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل"1.
 
4- ثمار الرضا: 
أ- القناعة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من رضي من الدنيا بما يكفيه كان أيسر ما فيها يكفيه"2.
 
ب- إجابة الدعاء: عن الإمام الحسن عليه السلام قال: "أنا الضامن لمن لا يهجس في قلبه إلّا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له"3.
 
ج- الاصطفاء: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه"4.
 
د– الظفر بثواب الله: وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب الله تعالى يوم فقركم والإفلاس"5.
 
هـ- النجاة يوم القيامة: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمّتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرحون فيها ويتنعمّون كيف شاؤوا، فتقول لهم الملائكة: هل رأيتم الحساب؟ فيقولون:

1- معاني الأخبار ص 261.
2- بحار الأنوار ج 74 ص 169.
3- مشكاة الأنوار ص 74.
4- جامع السعادات ج 3 ص 145.
5- بحار الأنوار ج 79 ص 143.
 
157

 

133

المحاضرة الثالثة

 ما رأينا حساباً، فيقولون: هل جزتم الصراط؟ فيقولون؟ ما رأينا صراطاً، فيقولون: هل رأيتم جهنّم؟ فيقولون: ما رأينا شيئاً، فتقول الملائكة: من أمّة من أنتم؟ فيقولون: من أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فيقولون: نشدناكم الله حدّثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا؟ فيقولون: خصلتان كانتا فينا فبلَّغنا الله هذه الدرجة بفضل رحمته، فيقولون: وما هما؟ فيقولون: كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه، ونرضى باليسير ممّا قسم لنا، فتقول الملائكة حقّ لكم هذا"1.
 
5- قصّة وعبرة:
روي: أنّ جابر بن عبد الله الأنصاريّ - رضوان الله عليه - ابتلي في آخر عمره بضعف الهرم والعجز، فزاره الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام ، فسأله عن حاله، فقال: أنا في حالة أحبّ فيها الشيخوخة على الشباب، والمرض على الصحّة، والموت على الحياة. فقال الباقر عليه السلام: "أمّا أنا يا جابر، فإن جعلني الله شيخاً أحبّ الشيخوخة، وإن جعلني شاباً أحبّ الشيبوبة، وإن أمرضني أحبّ المرض، وإن شفاني أحبّ الشفاء والصحّة، وإن أماتني أحبّ الموت, وإن أبقاني أحبّ البقاء". فلمّا سمع جابر هذا الكلام منه قبل وجهه، وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّه 

1- بحار الأنوار ج 100 ص 25.
 
158
 

134

المحاضرة الثالثة

 قال: "ستدرك لي ولداً اسمه اسمي، يبقر العلم بقراً..."1.
 
الرضا الحسينيّ:
لمّا ذبح طفل الإمام الحسين عليه السلام في حجره تلقّى الحسين دمه فلمّا ملأ كفّيه صبّه في الأرض، ثمّ قال: "هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله تعالى، أللهمّ لا يكون أهون عليك من فصيل! إلهي إن كنت حبست عنّا النصر فاجعله لما هو خير منه، وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حلّ بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل".

1- مسكّن الفؤاد ص 83.
 
159
 

135

المحاضرة الأولى

 وقفة مع أصحاب الإمام الحسين عليه السلام
 
الهدف:
الإطلالة على بعض فضائل أصحاب الإمام الحسين عليه السلام, وما اختصّوا به من حالات جعلتهم أفضل الشهداء في تاريخ البشريّة.
 
تصدير الموضوع:
في زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: "أللهمّ اجعلني عندك وجيهاً بالحسين عليه السلام في الدنيا والآخرة... أللهمّ ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود, وثبّت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام".
 
163
 

136

المحاضرة الأولى

 المقدّمة:
امتاز أصحاب الإمام الحسين عليه السلام بخصائص فريدة جعلتهم أفضل الشهداء الذين لم يجتمع لنبيّ أو وصيّ مثلهم. وقد كان لهؤلاء الأصحاب علاقتهم الخاصّة بسيّد الشهداء عليه السلام حيث برزت منهم مجموعة من المواقف التي تدلّل على عمق هذه العلاقة التي تخطّت مستوى التكليف الشرعيّ, لتصل إلى حالة العشق والمحبّة التي نبعت من معرفتهم بإمام زمانهم عليه السلام.
 
محاور الموضوع
1- فضل أصحاب الحسين عليه السلام:
وقد ورد هذا المعنى في العديد من الروايات, فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في زيارتهم: "أنتم سادة الشهداء في الدنيا والآخرة"1.
 
وعن أمير المؤمنين عليه السلام لمّا مرّ بكربلاء وطاف بها: قال: "قتل فيها مائتا نبيّ ومائتا سبط كلّهم شهداء، ومناخ ركاب ومصارع عشاق شهداء، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من بعدهم"2.

1- فروع الكافي ج 4 ص 574.
2- بحار الأنوار ج 45 ص 41 ص 295.
164
 

137

المحاضرة الأولى

 وحسبنا في هذا المجال ما رُوي عن سيّد الشهداء عليه السلام في حقّهم: "فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي"1.
 
ولم يكن يخفى فضل هؤلاء ومناقبهم حتّى على أعدائهم- وكما قيل: الفضل ما شهدت به الأعداء - ففي يوم العاشر من المحرّم جاء وصف أصحاب الحسين عليه السلام على لسان عمرو بن الحجّاج عندما صاح بالناس: يا حمقى أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين لا يبرز منكم إليهم أحد إلّا قتلوه على قلّتهم..2.
 
2- بين منطق التكليف ومنطق العشق:
جمع الإمام الحسين عليه السلام أصحابه ليلة العاشر من محرّم, وقام خطيباً فيهم فقال بعد الحمد والثناء: "أمّا بعد: فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي لأظنّ أنّه آخر يوم لنا من هؤلاء، ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا"3.
 
"وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله 

1- الإرشاد ج 2 ص 91.
2- بحار الأنوار ج 45 ص 19.
3- الإرشاد ج 2 ص 91.
 
165
 

138

المحاضرة الأولى

 جميعاً خيراً ثمّ تفرقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرج الله فإنّ القوم يطلبوني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري"6.
 
وبذلك أسقط عنهم التكليف الشرعيّ وأحلّهم من بيعته, فماذا كان موقفهم؟ وكيف اجتازوا هذا الامتحان الخطير؟ 
 
يقول الشيخ المفيد رحمه الله:
• قال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليّ رضوان الله عليه واتبعته الجماعة عليه فتكلّموا بمثله ونحوه.
 
• فقال الحسين عليه السلام: "يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم". قالوا: سبحان الله، فما يقول الناس؟! يقولون: إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا- خير الأعمام- ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا؟! لا والله ما نفعل ذلك، ولكن (تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا)، ونقاتل معك حتّى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك2.
 
• وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلّي عنك ولمّا
 

1- الكامل في التاريخ ج 4 ص 57- 58.
2- الإرشاد ج 2 ص 91- 92.
 
166
 

139

المحاضرة الأولى

 نعذر إلى الله سبحانه في أداء حقّك؟! أما والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفيك، والله لو علمت أنّي أقتل ثمّ أحيا ثمّ أحرق ثمّ أحيا ثمّ أذرى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا1.
 
• وقام زهير بن القين البجليّ - رحمة الله عليه - فقال: والله لوددت أنّي قتلت ثمّ نشرت ثمّ قتلت حتّى أقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك2.
 
عند ذلك أخبرهم بمقتلهم جميعاً, فقد روي أنّه قال لهم: "يا قوم إنّي في غد أقتل وتقتلون كلّكم معي، ولا يبقى منكم واحد". فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرّفنا بالقتل معك، أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يا بن رسول الله؟ فقال: "جزاكم الله خيراً"، ودعا لهم بخير فأصبح وقتل وقتلوا معه أجمعين.

1- الإرشاد ج 2 ص 92.
2- الإرشاد ج 2 ص 92.
 
167
 

140

المحاضرة الأولى

 وهنا انبرى القاسم بن الحسن ليسأل الإمام عليه السلام: وأنا فيمن يقتل؟ فأشفق عليه. فقال له: "يا بني, كيف الموت عندك؟!" قال: يا عمّ أحلى من العسل. فقال: "إي والله, فداك عمّك, إنّك لأحد من يقتل من الرجال معي، بعد أن تبلو ببلاء عظيم"1.
 
وهذه الكلمة تفتح لنا الأفق للتعرّف على منطق شهداء كربلاء في التعامل مع الإمام الحسين عليه السلام, وهو منطق العشق والمحبّة للإمام الحسين عليه السلام, كما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصفهم: "ومصارع عشّاق شهداء"، هذه المحبّة وهذا العشق الذي به نالوا به مقام المحبّة الإلهيّة كما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينا.."2. فجاء في زيارتهم: "السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه, السلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه"3.
 
عطيّة الحسين عليه السلام لأصحابه:
وبعد ذلك الابتلاء والاختبار أعطاهم الإمام عليه السلام أمرين:
الأوّل: أراهم منازلهم في الجنّة, ففي الرواية عن جعفر بن محمّد بن عمارة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت 

1- مدينة المعاجز ج 4 ص 215.
2- كامل الزيارات ص 116.
3- مصباح المتهجد ص 722.
 
168
 

141

المحاضرة الأولى

 له: أخبرني عن أصحاب الحسين عليهم السلام وإقدامهم على الموت, فقال: "إنّهم كشف لهم الغطاء حتّى رأوا منازلهم من الجنّة, فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها, وإلى مكانه من الجنّة"1.
 
الثاني: لم يجدوا ألم مسّ الحديد, فعن أبي جعفر عليه السلام قال: "قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: يا بنيّ, إنّك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيّون وأوصياء النبيّين، وهي أرض تدعى عمورا، وإنّك تستشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ يكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم. فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنّا نرد على نبيّنا"2.
 
وليس ذلك بغريب على من يعرف أسرار النفس وقواها, فإنّ من المجرّب عند أهله أنّ النفس إذا توجّهت إلى شيء معيّن توجّهاً تامّاً انشغلت بذلك عن غيره فلم تعد تشعر به, ولك أن تعتبر بما جاء في كتاب الله تعالى في حقّ نسوة المدينة لمّا رأين جمال يوسف عليه السلام الظاهريّ, فقطّعن أيديهنّ, ولم يشعرن بالألم: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا 

1- علل الشرائع ص 229 باب 163 حديث 1.
2- بحار الأنوار ج 45 ص 80.
 
169
 

142

المحاضرة الأولى

 إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾1.
 
وأصحاب الإمام الحسين عليه السلام أدركوا من الجمال المعنويّ لأبي عبد الله الحسين عليه السلام ما صار به الموت أحلى من العسل, فكانوا لا يبالون بالموت وأهواله, بل إنّ بعض من معه من خصائصه كانت تشرق ألوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم كلّما اشتدّ بهم الأمر2, وقد نصروا الحسين عليه السلام ولقوا جبال الحديد، واستقبلوا الرماح بصدورهم، والسيوف بوجوههم، وهم يعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون، ويقولون: لا عذر لنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمإن قتل الحسين ومنّا عين تطرف حتّى قتلوا حوله3.
 
3- نماذج من العشق الحسينيّ:
هناك صور كثيرة يمكن الإضاءة عليها كنماذج لعشق الحسين عليه السلام في قلوب هؤلاء الأصحاب, نشير إلى بعضها:
 
أ- تقدم عابس بن أبي شبيب الشاكريّ, يوم العاشر من المحرّم إلى الحسين عليه السلام فسلّم عليه وقال: يا أبا عبد الله, أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته، السلام 

1- سورة يوسف الآية 31.
2- معاني الأخبار ص 288.
3- رجال الكشّي ج 1 ص 293.
 
170

 

143

المحاضرة الأولى

 عليك يا أبا عبد الله، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك، ثمّ مشى بالسيف مصلتاً نحو القوم، وبه ضربة على جبينه، فطلب البراز. عن الربيع بن تميم الهمداني أنه قال: لما رأيت عابساً مقبلاً عرفته وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب، وكان أشجع الناس، فصحت: أيّها الناس, هذا أسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجنّ إليه أحد منكم، فأخذ عابس ينادي: ألا رجل؟! ألا رجل؟! فلم يتقدّم إليه أحد، فنادى عمر بن سعد: ويلكم ارضخوه بالحجارة. فرمي بالحجارة من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره خلفه، ثمّ شدّ على الناس، فوالله رأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس، ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من حواليه، فقتلوه واحتزّوا رأسه، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة، هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته، فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله إنسان واحد، كلّكم قتله، ففرّقهم بهذا القول1.
 
وقد قيل عن لسان حاله: حبّ الحسين أجنّنـي.
 
2- وقيل لمحمّد بن بشير الحضرميّ- وهو مع الحسين في كربلاء- قد أسر ابنك بثغر الريّ، فقال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحبّ أن يؤسر وأنا أبقى بعده! فسمع 

1- إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام ص 128.
 
171
 

144

المحاضرة الأولى

 قوله الحسين عليه السلام ، فقال له: "رحمك الله أنت في حلٍّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك". قال: أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك, قال: "فأعط ابنك هذه الأثواب والبرود تستعين بها في فداء أخيه"، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار1.
 
3- ثمّ تقدّم جون مولى أبي ذرٍّ الغفاريّ فقال له الحسين: "أنت في إذن منّي فإنّما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتل بطريقنا"، فقال: يا بن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدّة أخذلكم.. لا والله لا أفارقكم حتّى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم2.
 
4- خرج عمرو بن قرظة الأنصاريّ فاستأذن الحسين عليه السلام فأذن له فقاتل قتال الأبطال, حتّى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد, وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهم إلّا اتّقاه بيده ولا سيف إلّا تلقّاه بمهجته, فلم يكن يصل إلى الحسين سوء حتّى أثخن بالجراح, فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوفيت؟ فقال: "نعم, أنت أمامي في الجنّة, فاقرأ رسول الله عنّي السلام, وأعلمه أنّي في الأثر", فقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه3.

1- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ص 488.
2- بحار الأنوار ج 45 ص 22.
3- اللهوف في قتلى الطفوف ص 64.
 
172
 

145

المحاضرة الأولى

 5- ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسديّ، فقال له يزيد بن خضير الهمدانيّ وكان يقال له سيّد القرّاء: يا أخي ليس هذه بساعة ضحك، قال: فأيّ موضع أحقّ من هذا بالسرور؟! والله ما هو إلّا أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين1.

1- رجال الكشّي ج 1 ص 293.
 
173
 
 

146

المحاضرة الثانية

 من وظائف المؤمنين في غيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
 
الهدف:
الإطلالة على أهمّ الوظائف الملقاة على الشيعة في غيبة الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف, وكيفيّة الارتباط به من خلال ما ورد عنهم عليهم السلام من الأخبار والروايات.
 
تصدير الموضوع:
عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: "من عرف هذا الأمر ثمّ مات قبل أن يقوم القائم، كان له مثل أجر من قتل معه"1.

1- الغيبة للنعماني ص 460.
 
175
 

147

المحاضرة الثانية

 المقدّمة:
إنّ العلاقة بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف, هي امتداد عقائديّ للعلاقة بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم, والابتعاد عنها يؤدّي بصاحبها إلى الانحراف والهلاك, والميتة الجاهليّة التي ورد التحذير منها في الروايات عن النبيّ وآله عليهم السلام . ومن هنا كان لا بدّ من المحافظة على هذه العلاقة من خلال القنوات العديدة التي ورد التأكيد عليها في الروايات الشريفة, والتي نوردها ضمن المحاور الآتية:
 
محاور الموضوع
1- انتظار الفرج وتوقّعه:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: حدّثني أبي عن جدّي، عن آبائه عليهم السلام : "أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال:... وانتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلّ انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن..."1.
 
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل العبادة انتظار الفرج"2.
عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك متى الفرج؟ فقال: "يا أبا بصير, وأنت ممّن يريد الدنيا؟ من عرف

1- الخصال ص 610.
2- كمال الدّين وتمام النعمة ص 287.
 
176

148

المحاضرة الثانية

 هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره"1.
 
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "أقرب ما يكون العباد من الله جلّ ذكره أرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة الله جلَّ وعزَّ ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة الله جلَّ ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقّعوا الفرج صباحاً ومساء، فإنّ أشدّ ما يكون غضب الله على أعدائه إذا افتقدوا حجّته ولم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب حجّته عنهم طرفة عين، ولا يكون ذلك إلّا على رأس شرار الناس"2.
 
2- الدعاء في غيبته:
في التوقيع الصادر عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف : "وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم"3.
 
وورد عن الأئمّة عليهم السلام أنّه: "كرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك, تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبيّ عليه وآله السلام : "اللهمّ كن لوليّك فلان بن فلان (أي الحجّة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف) 

1- أصول الكافي ج 1 ص 371.
2- أصول الكافي ج 1 ص 333.
3- كمال الدّين وتمام النعمة ص 485.
 
177
 

149

المحاضرة الثانية

 في هذه الساعة وفي كلّ ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتّى تسكنه أرضك طوعاً وتمكّنه (تمتعه)1 فيها طويلاً"2.
 
عن زرارة أنّه قال: سمعت أبا عبد الله يقول: "إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم"، قال: قلت: ولم؟ قال: "يخاف" - وأومأ بيده إلى بطنه- ثمّ قال: "يا زرارة, وهو المنتظر, وهو الذي يشكّ في ولادته, منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل, ومنهم من يقول: إنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين, وهو المنتظر غير أنّ الله عزَّ وجلّ يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة". (قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل؟ قال: "يا زرارة) إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: اللهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني.."3.
 
عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : "ستصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَمٍ يُرى، ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق"، قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: "يقول: "يا

1- كذا في رواية الكافي.
2- تهذيب الأحكام ج 3 ص 102.
3- أصول الكافي ج 1 ص 337.
 
178
 

150

المحاضرة الثانية

 الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك", فقلت: "يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك", قال: "إنّ الله عزَّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك"1.
 
3- الثبات على الدّين والولاية لمحمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم:
عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "من مات وليس له إمام فموته ميتة جاهليّة، ولا يعذر الناس حتّى يعرفوا إمامهم، ومن مات وهو عارف لإمامه لا يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخُّره، ومن مات عارفاً لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه"2.
 
عن السنديّ، عن جدّه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظراً له؟ قال: "هو بمنزلة من كان مع القائم عليه السلام في فسطاطه"، ثمّ سكت هنيئة ثمّ قال: "هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"3.
 
قال أبو عبد الله عليه السلام: "من مات منكم على أمرنا هذا، فهو بمنزلة من

1- كمال الدّين وتمام النعمة ص 351.
2- المحاسن ج 1 ص 155.
3- المحاسن ج 1 ص 173.
 
179
 

151

المحاضرة الثانية

 ضرب فسطاطه إلى رواق القائم عليه السلام ، بل بمنزلة من يضرب معه بسيفه، بل بمنزلة من استشهد معه، بل بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"1.
 
عن عمرو بن ثابت، قال: قال عليّ بن الحسين سيّد العابدين عليهما السلام: "من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله عزَّ وجلّ أجر ألف شهيد من شهداء بدر وأحد"2.
 
4- الإعداد للظهور:
أ- الإعداد المعنويّ: عن أبي عبد الله عليه السلام : "..من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر, وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة"3.
 
ب- الإعداد الماديّ والعسكريّ: عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : "ليعدّن أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإنّ الله تعالى إذا علم ذلك من نيّته رجوت لأن ينسّئ في عمره حتّى يدركه، فيكون من أعوانه وأنصاره"4.

1- المحاسن ج 1 ص 277.
2- كمال الدّين وتمام النعمة ص 323.
3- الغيبة للنعمانيّ ص 207.
4- الغيبة للنعمانيّ ص 320.
 
180
 

152

المحاضرة الثانية

 5- المرجعيّة والولاية في غيبته عليه السلام:
عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمريّ رضي الله عنه، أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فوردت في التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف : ".. وأمّا ظهور الفرج فإنّه إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقّاتون.., وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم"1.

1- كمال الدّين وتمام النعمة ص 482.
 
181
 

153

المحاضرة الثالثة

 حسن العاقبة
 
الهدف:
بيان أهميّة حسن العاقبة وحثّ الناس للقيام بما يوجب ذلك.
 
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾1.

1- سورة آل عمران الآية 8.
 
183
 

154

المحاضرة الثالثة

 المقدّمة:
تعتبر سنّة الابتلاء من السنن الإلهيّة الثابتة في عالم الوجود, ومن ضمن ما يواجهه الإنسان في هذه السنّة مسألة الصراع مع إبليس الذي يبذل قصارى جهده مع عفاريته لإضلال الناس وإفساد عاقبتهم, وقد يظنّ بعض الناس أنّه إذا نجح في تجاوز بعض الابتلاءات أنّه قد نجح تماماً, بيْد أنّه في واقع الحال يبقى الاختبار والابتلاء جارياً ما دام الإنسان في عالم الدنيا ولم ينتقل إلى العالم الآخر ومن هنا كانت مسألة حسن العاقبة تشكل هاجساً لدى الإنسان وتدعوه إلى البحث عمّا يوجب له تجاوز هذا الامتحان بنجاح. 
 
محاور الموضوع
1- أهميّة حسن العاقبة: 
أ- خير الأمور: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "خير الأمور خيرها عاقبة"1.
ب- حقيقة السعادة: عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "إنّ حقيقة السعادة أن يختم للمرء عمله بالسعادة, وإنّ حقيقة الشقاء أن يختم للمرء عمله بالشقاء"2.

1- بحار الأنوار ج 68 ص 364.
2- معاني الأخبار ص 345.
 
184
 

155

المحاضرة الثالثة

 ج- ملاك العمل خواتيمه: يقول أبو فروة الأنصاريّ - وكان من السائحين -: قال عيسى بن مريم: "يا معشر الحواريّين بحقّ أقول لكم إنّ الناس يقولون إنّ البناء بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك". قالوا: فماذا تقول يا روح الله؟ قال: "بحقّ أقول لكم إنّ آخر حجر يضعه العامل هو الأساس". قال أبو فروة: إنّما أراد خاتمة الأمر1.
 
د- حسن الظنّ والأمل: من وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الإمام الحسين عليه السلام: "أي بنيّ, لا تؤيّس مذنباً، فكم من عاكف على ذنبه خُتم له بخير، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره، صائر إلى النّار، نعوذ بالله منها"2.
 
هـ - الميزان الحقيقيّ والواقعيّ: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتّى تنظروا بما يختم له، فإنّ العامل يعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنّة ثمّ يتحوّل فيعمل عملاً سيّئاً"3
 
2- موجبات حسن العاقبة:
• معرفة الله تعالى: نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى رجل أثّر الخوف

1- معاني الأخبار ص 348.
2- تحف العقول ص 91.
3- ميزان الحكمة ج 1 ص 725.
 
185
 

156

المحاضرة الثالثة

 فيه، فقال: "ما بالك؟" قال: إنّي أخاف الله، فقال: "يا عبد الله خف ذنوبك، وخف عدل الله عليك في مظالم عباده، وأطعه فيما كلّفك، ولا تعصه فيما يصلحك، ثمّ لا تخف الله بعد ذلك فإنّه لا يظلم أحداً، ولا يعذّبه فوق استحقاقه أبداً إلّا أن تخاف سوء العاقبة بأن تغيّر أو تبدّل، فإن أردت أن يؤمنك الله سوء العاقبة، فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل الله وتوفيقه، وما تأتيه من سوء فبإمهال الله وإنظاره إيّاك وحلمه وعفوه عنك"1.
 
• تعظيم حقّ الله تعالى: كتب الإمام الصادق عليه السلام إلى بعض الناس: "إن أردت أن يختم بخير عملُك حتّى تُقبض وأنت في أفضل الأعمال فعظّم لله حقّه: أن لا تبذل نعماءه في معاصيه, وأن تغترّ بحلمه عنك, وأكرم كلّ من وجدته يذكر منّا أو ينتحل مودّتنا, ثمّ ليس عليك صادقاً كان أو كاذباً إنّما لك نيّتك وعليه كذبه"2.
 
• التقوى: يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾3.
 
• الموت على طلب الحقّ: "من مات على طلب الحقّ ولم يدرك 

1- بحار الأنوار ج 67 ص 392.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص7.
3- سورة القصص الآية 83.
 
186
 

157

المحاضرة الثالثة

 كماله فهو على خير، وذلك قوله: ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾1"2.
 
• الخوف من سوء العاقبة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة لا يتيقّن الوصول إلى رضوان الله حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له"3
 
• الصبر والرضا: عن الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: "الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله, ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحبّ أو كره لم يقض الله عزَّ وجلّ له فيما أحبّ أو كره إلّا ما هو خير له"4.
 
• قضاء حوائج الإخوان والإحسان إليهم: عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "إنّ خواتيم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم، وإلّا لم يقبل منكم عمل، حنّوا على إخوانكم وارحموهم تلحقوا بنا"5.
 
• الصدقة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الصدقة تمنع ميتة السوء"6.

1- سورة النساء الآية 100.
2- تحف العقول 472.
3- بحار الأنوار ج 68 ص 366.
4- أصول الكافي ج 2 ص 60.
5- بحار الأنوار ج72 ص 379.
6- ثواب الأعمال ص 140.
 
187
 

158

المحاضرة الثالثة

 • دعاء الغريق: عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى، ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق"، قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: "يقول: يا الله يا رحمن يا رحيم, يا مقلّب القلوب, ثبّت قلبي على دينك", فقلت: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك, قال: "إنّ الله عزَّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ولكن قلّ كما أقول لك: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك"1.
 
• ممّا ورد استحباب قراءته بعد صلاة الوتر: "يا ربّ العالمين صلّ على محمّد وآله وهب لي إيمانا لا أجل له دون لقائك أحيا عليه وأفنى، أللهمّ صلّ على محمّد وآله أحيني عليه ما أحييتني، وأمتني عليه إذا أمتّني, وابعثني عليه إذا بعثتني"2.
 
• قراءة دعاء العديلة. 
 
3- قصّة وعبرة:
عن عليّ بن أبي حمزة قال: كان لي صديق من كتّاب بني أميّة فقال لي: استأذن لي على أبي عبد الله عليه السلام , فاستأذنت له، فأذن له، فلمّا أن دخل سلّم وجلس، ثمّ قال: جعلت فداك, إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً، وأغمضت في مطالبه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: "لولا أنّ بني أميّة وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلّا ما وقع في أيديهم". قال: فقال الفتى: جعلت فداك

1- كمال الدّين وتمام النعمة ص 351.
2- بحار الأنوار ج 84 ص 295.
 
188
 

159

المحاضرة الثالثة

 فهل لي مخرج منه؟ قال: "إن قلت لك تفعل؟" قال: أفعل، قال له: "فأخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، ومن لم تعرف تصدّقت به، وأنا أضمن لك على الله عزَّ وجلّ الجنّة"، فأطرق الفتى طويلاً ثمّ قال له: لقد فعلت, جعلت فداك. قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئاً على وجه الأرض إلّا خرج منه حتّى ثيابه التي كانت على بدنه قال: فقسمت له قسمة واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقة، قال: فما أتى عليه إلّا أشهر قلائل حتّى مرض، فكنّا نعوده، قال: فدخلت يوماً وهو في السوق قال: ففتح عينيه ثمّ قال لي: يا عليّ, وفى لي والله صاحبك، قال: ثمّ مات فتولّينا أمره، فخرجت حتّى دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ، فلمّا نظر إليّ قال لي: "يا عليّ, وفينا والله لصاحبك"، قال: فقلت: صدقت جعلت فداك هكذا والله قال لي عند موته1.

1- وسائل الشيعة ج 17 ص 200.
 
189
 

160

المحاضرة الثالثة

 4- حسن الخاتمة في كربلاء:
في يوم عاشوراء لمّا عزم الكوفيّون على الحرب والقتال سأل الحرّ ابن سعد: أمقاتلٌ أنت هذا الرجل؟! فأبلغه ابن سعد بعزمه على ذلك.
 
وفي تلك الأثناء صمّم الحرّ على الالتحاق بالإمام الحسين عليه السلام وأقبل حتّى وقف من الناس موقفاً ومعه رجل من قومه يقال له: قرّة بن قيس فقال: "يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم؟" فقال له: لا، قال له: "فما تريد أن تسقيه"؟ قال قرّة: فظننت والله أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ويكره أن أراه حيث يصنع ذلك، فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه1.
 
ولمّا شكّ المهاجر بن أوس بما يفعله الحرّ قال له: ما تريد يا بن يزيد، أتريد أن تحمل؟... ثمّ قال له: إنّ أمرك لمريب!! والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل هذا, ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة؟ ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟
 
فقال له الحرّ: "إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنّار, فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وحُرقّت".
 
ثمّ إنّ الحرّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام 2, ولمّا اقترب من خيمة الإمام عليه السلام - وكإشارة منه على ترك الحرب والقتال-

1- وقعة الطف ص ‏213.
2- وقعة الطفّ ص ‏214.
 
190
 

161

المحاضرة الثالثة

 خلع درعه وأظهر أنّه قد جاء طالباً الأمان, واقترب إلى الحدّ الذي عرفه الجميع, فسلّم على الإمام وقال له: "جعلني الله فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان, والله الذي لا إله إلّا هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم أبداً, ولا يبلغون منك هذه المنزلة... وإنّي تائب إلى الله ممّا صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟" فقال له الحسين عليه السلام: "نعم يتوب الله عليك ويغفر لك" ثمّ قال له: "انزل عن فرسك".
 
فقال الحرّ: "أنا لك فارساً خيرٌ منّي راجلاً أقاتلهم على فرسي ساعة"1.
قال ابن أعثم: فإذا الحرّ بن يزيد الرياحيّ قد أقبل يركض فرسه حتّى وقف بين يدي الحسين عليه السلام , فقال له: "يا بن بنت رسول الله، كنت أوّل من خرج عليك أفتأذن لي أن أكون أوّل مقتولٍ بين يديك لعلّي أبلغ بذلك درجة الشهداء فألحق بجدّك صلى الله عليه وآله وسلم"2؟.
 
فقال له الإمام عليه السلام: "فاصنع يرحمك الله ما بدا لك". ومن ثمّ تقدّم الحرّ نحو الميدان وخاطب أهل الكوفة فحمل عليه

1- الإرشاد ج ‏2 ص ‏99.
2- الفتوح، ص ‏904.
 
191
 

162

المحاضرة الثالثة

 الأعداء يرمونه بالنبال الكثيرة1.
 
ويدّعي المؤرّخون بأنّ أوّل من تقدّم إلى قتال القوم الحرّ بن يزيد الرياحيّ وهو يرتجز الشعر فقاتلهم ما بين كرٍّ وفرٍّ حتّى عقر فرسه فوقع وبقي الحرّ راجلاً, فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه يقاتل قتال الأبطال حتّى هجم عليه جماعة فصرعوه وجرح جراحات بليغة فجي‏ء به نحو الحسين عليه السلام ووضعوه بين يديه وفيه رمق, فأخذ الحسين عليه السلام يمسح بيديه المباركتين وجهه ويقول له: "أنت الحرّ كما سمّتك أمّك حرّاً، وأنت الحرّ في الدنيا والآخرة".
 
وبعد أن سمع الحرّ هذه البشارة من الإمام عليه السلام فاضت روحه2 رضوان الله عليه.

1- الإرشاد، ج ‏2، ص ‏99-101.
2- الفتوح ص ‏904 و905.
 
192
 

163

المحاضرة الأولى

 من مواقف النساء في نهضة عاشوراء
 
الهدف:
الإطلالة على مواقف بعض النسوة اللواتي كان لهن دور مميّز في نهضة عاشوراء والوقوف على أهمّ دلالاتها وعبرها.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾1.

1- سورة النحل الآية 97.
 
195
 

164

المحاضرة الأولى

 المقدّمة:
قامت مجموعة من النساء في نهضة عاشوراء بأدوار عديدة كان لها أهميّتها في مواقف العديد ممّن وقف مع الإمام الحسين عليه السلام أو لحق به, بحيث ساهمت في الحثّ على القتال بين يديه والدفاع عن ثورته, ما ساهم في تخليد اسمها بين النساء المجاهدات في ثورة الإمام الحسين عليه السلام ونهضته. وسوف نقف بشكل سريع ومقتضب على بعض هذه النسوة ومواقفهنّ.
 
محاور الموضوع
1- طوعة: وهي المرأة التي آوت مسلم بن عقيل عندما تخاذل عنه الناس وبقي وحيداً, ليس معه أحد يدلّه على الطريق, ولا على منزل, ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدوّ, فمضى على وجهه يتلدّد في أزقّة الكوفة, لا يدري أين يذهب, حتّى خرج إلى دور بني جبلة من كندة, فمشى حتّى انتهى إلى باب امرأة يقال لها "طوعة", أمّ ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوّجها أسيد الحضرميّ, فولدت له بلالاً وكان بلال قد خرج مع الناس, وأمّه قائمة تنتظره فسلّم عليها ابن عقيل فردّت عليه, فقال لها: يا أمَة الله اسقيني ماء, فدخلت فسقته, فجلس وأدخلت الإناء, ثمّ خرجت فقالت: يا عبد الله ألم تشرب؟ قال: بلى, قالت: فاذهب 
 
196

165

المحاضرة الأولى

 إلى أهلك, فسكت, ثمّ عادت فقالت: مثل ذلك, فسكت, ثمّ قالت له: فئ لله سبحان الله يا عبد الله, فمرّ إلى أهلك عافاك الله, فإنّه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحلّه لك, فقام فقال: يا أمَة الله, ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة, فهل لك إلى أجر ومعروف ولعلّي مكافئك به بعد اليوم, فقالت: يا عبد الله وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني, قالت: أنت مسلم؟! قال: نعم, قالت: ادخل, فأدخلته بيتاً في دارها غير البيت الذي تكون فيه, وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ, ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه, فقال: والله إنّه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه, إنّ لك لشأناً! قالت: يا بنيّ, اله عن هذا, قال لها: والله لتخبرني, قالت: أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء فألحَّ عليها, فقالت: يا بني, لا تحدّثن أحداً من الناس بما أخبرك به, وأخذت عليه الأيمان فحلف لها, فأخبرته فاضطجع وسكت, وزعموا أنّه قد كان شريداً من الناس, وقال بعضهم: كان يشرب مع أصحاب له...1إلخ...
 
ويستوقفنا في موقف هذه المرأة الجليلة أمور عديدة:

1- تاريخ الطبري ج 4 ص 277- 278.
 
197
 

166

المحاضرة الأولى

 منها: أنّها امرأة مؤمنة صالحة, ويدلّ قولها لمسلم: لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحلّه لك, على أنّها امرأة عفيفة طاهرة تعرف الحلال والحرام وتأنف من وقوف رجل أجنبيّ على باب دارها قد يجرّ التهمة إليها فأرادت تجنّب مواضع التهم من خلال ذلك.
 
ومنها: أنّها آوت ذلك القائد المجاهد وأدخلته إلى بيت غير البيت الذي كانت تأوي إليه, وعرضت عليه الطعام, وأخفته عن أعين الناس حتّى عن ولدها لولا إصراره وتعهّده وحلفه الأيمان أن لا يخبر أحداً بمكانه, وفي ذلك كلّه ما لا يخفى من الشجاعة والجرأة خصوصاً في الوقت الذي كان الخوف والرعب يملأ شوارع الكوفة وأزقّتها, وقبل ذلك شاهدنا كيف: أنّ المرأة كانت تأتى ابنها أو أخاها فتقول: انصرف الناس يكفونك, ويجيء الرجل إلى ابنه أو أخيه فيقول: غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشرّ؟ انصرف, فيذهب به, فما زالوا يتفرّقون ويتصدّعون عن مسلم..حتّى لم يبق معه أحد1.
 
ومنها: أنّها نصرت مسلماً بما يمثّله من مبعوث لإمام زمانها الإمام الحسين عليه السلام في وقت تخاذل عنه الناس جميعاً, ولم يعد يجد أحداً من أولئك الذين بايعوه وقد بلغوا على الأقلّ ثمانية عشر ألفاً كما جاء في الكتاب الذي بعثه مسلم إلى الإمام 

1- تاريخ الطبري ج 4 ص 278.
 
198
 

167

المحاضرة الأولى

 الحسين عليه السلام مع عابس بن أبي شبيب الشاكريّ: أمّا بعد, فإنّ الرائد لا يكذب أهله, وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي, فإنّ الناس كلّهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى, والسلام1.
 
أمّا تلك المرأة فعندما علمت أنّه مسلم وقد أخبرها بخذلان أهل الكوفة له قامت بحمايته وحفظه, وأدّت تكليفها ولم يوحشها أنّها لوحدها مع ما عرفته من مسلم وما يمثّله.
 
ومنها: أنّ المرأة وإن كان الجهاد في أرض المعركة ساقط عنها, ولكنّها قد تقوم بدور أحياناً يوازي عمل أمّة برأسها, فعندما تخاذل جميع الرجال ممّن بايع مسلماً نصرته امرأة, وهو ما يعطي للمرأة دوراً رياديّاً ومتقدّماً يستحقّ التنويه به والوقوف عنده.
 
ومنها: أنّ سنّة الاستبدال قد تصيب أحياناً أمّة من الأمم أو مجموعة من الناس بسبب عوامل عديدة ليس هنا موضع شرحها, وتكون النتيجة أن يحرموا بأجمعهم من نصرة الحقّ ويأتي من ليس في حساب أحد من الناس ليقوم بهذا الدور وينعم بالخلود ويلحق الآخرين الخزي والعار إلى الأبد.
 
2- أمّ عمرو بن جنادة الأنصاريّ: وهو فتى شابّ في مقتبل العمر وقيل إنّ عمره كان إحدى عشرة سنة, خرج بعد أن قتل أبوه في المعركة وكانت أمّه معه، فقالت له أمّه: اخرج يا بني وقاتل

1- تاريخ الطبري ج 4 ص 278.
 
199

168

المحاضرة الأولى

 بين يدي ابن رسول الله! فخرج فقال الحسين عليه السلام : "هذا شاب قتل أبوه ولعلّ أمّه تكره خروجه", فقال الشاب: أمّي أمرتني بذلك، فبرز وهو يقول:

أميري حسينٌ ونعم الأمير
عليٌّ وفاطمةُ والداهُ
له طلعةٌ مثلُ شمس الضحى
سرورُ فؤاد البشير النذير
فهل تعلمون له من نظير؟
له غرّةٌ مثلُ بدر منير


 
وقاتل حتّى قتل وجزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام فحملت أمّه رأسه، وقالت: أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرّة عيني، ثمّ رمت برأسه.. وأخذت عمود خيمةٍ، وحملت عليهم وهي تقول:


 
أنا عجوزٌ سيّدي ضعيفة
أضربكم بضربةٍ عنيفة
 
خاويةٌ باليةٌ نحيفة
دون بني فاطمةَ الشريفة


 
... فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا له1.
 
ويستوقفنا في موقف هذه المرأة الآتي:

1- بحار الأنوار ج 45 ص 27- 28.
 
200
 

169

المحاضرة الأولى

 أ- أنّها رغم فقد زوجها شهيداً في أرض المعركة, لم يثنها ذلك عن تقديم ولدها بعده للقتال والشهادة, وإن كان صغير السنّ وفي مقتبل العمر, ممّا يدلّ على عظيم التضحية والفداء, وهذا ما لفت إليه الإمام الحسين عليه السلام عندما قال: "ولعلّ أمّه تكره خروجه؟" فلا يريد أن يصيبها بفقد عزيزين دفعة واحدة, وإذا بجواب الفتى: إنّ أمّي هي التي أمرتني!
ب- إنّ قولها لابنها: اخرج يا بنيّ وقاتل بين يدي ابن رسول الله, يشير إلى طبيعة العلاقة التي تربطها بالإمام عليه السلام, وتريد أن تربط ولدها به على أساسها, وهو كونه ابن رسول الله وامتداداً له ولنهجه وخطّه, وهذا ما لعلّه ظهر في رجزه الذي أنشده واضحاً حيث لم يرتجز مفتخراً بنسبه أو معرفاً عن نفسه كما تقتضيه العادة, بل ارتجز مفتخراً بالحسين عليه السلام : أميري حسين...

ج- توضح عبارتها التي أبّنت بها ولدها أنّها كانت مسرورة بفعل ولدها مستبشرة بذلك, بل لقد أثار ذلك المشهد الرهيب عنفوانها إلى حدّ أنّها خرجت للقتال إلى أن ردّها الحسين عليه السلام ودعا لها. 

3- أمّ وهب بنت عبد الكلبيّ: ويروي أبو مخنف قصّتها عن رجل يقال له أبو جناب أنّه قال: كان منّا رجل يدعى عبد الله بن عمير من بني عليم كان قد نزل الكوفة واتخذ عند
 
201

170

المحاضرة الأولى

 بئر الجعد من همدان داراً وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط يقال لها أمّ وهب بنت عبد, فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين, قال: فسأل عنهم فقيل له: يسرحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فقال والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً وإنّي لأرجو ألّا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثواباً عند الله من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين, فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد فقالت: أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك افعل وأخرجني معك قال: فخرج بها ليلاً حتّى أتى حسيناً فأقام معه.
 
فلمّا دنا منه عمر بن سعد ورمى بسهم ارتمى الناس فلمّا ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيد الله بن زياد فقالا: من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم, قال: فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن حضير, فقال لهما حسين: "اجلسا", فقام عبد الله بن عمير الكلبيّ فقال: أبا عبد الله, رحمك الله ائذن لي فلأخرج إليهما, فرأى حسين رجلاً آدم طويلاً شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين, فقال حسين: "إنّي لأحسبه للأقران قتّالاً, اخرج إن شئت", قال: فخرج إليهما فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما, فقالا: لا نعرفك ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير ابن خضير, ويسار مستنتل أمام سالم, فقال له الكلبيّ:...وبك 
 
202

171

المحاضرة الأولى

 رغبة عن مبارزة أحد من الناس ويخرج إليك أحد من الناس إلّا وهو خير منك؟! ثمّ شدَّ عليه فضربه بسيفه حتّى برد فإنّه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شدّ عليه سالم فصاح به: قد رهقك العبد, قال: فلم يأبه له حتّى غشيه فبدره الضربة فاتقاه الكلبيّ بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى, ثمّ مال عليه الكلبيّ فضربه حتّى قتله, وأقبل الكلبيّ مرتجزاً وهو يقول وقد قتلهما جميعاً:
 


إن تنكروني فأنا ابن كلب
إنّي امرؤٌ ذو مِرّة وعصب
إنّي زعيمٌ لك أمَّ وهْبِ
ضرب غلام مؤمن بالرب
حسبي ببيتي في عليم حسبي
ولست بالخوّار عند النكب
بالطعن فيهم مقدّماً والضرب


 
فأخذت أمّ وهب امرأته عموداً ثمّ أقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيّبين ذريّة محمّد, فأقبل إليها يردّها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه, ثمّ قالت: إنّي لن أدعك دون أن أموت معك, فناداها حسين فقال: "جزيتم من أهل بيت خيراً, ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهنّ, فإنّه ليس على النساء قتال", فانصرفت إليهنّ1.

1- تاريخ الطبري ج 4 ص 326- 327.
 
203
 

172

المحاضرة الأولى

 وخرجت امرأة الكلبيّ - بعد ذلك - تمشي إلى زوجها حتّى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول: هنيئاً لك الجنّة, فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم: اضرب رأسها بالعمود, فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانه1, فكانت أوّل شهيدة بين يدي الإمام الحسين عليه السلام.
 
ويستوقفنا في موقف هذه المرأة أمور:
1- تشجيعها لزوجها في الخروج لنصرة الإمام الحسين عليه السلام, معتبرة ذلك من أرشد الأمور, وطلبها منه الخروج معه لتكون إلى جانبه في أرض المعركة, في الوقت الذي كان الناس فيه يتخاذلون عن الإمام عليه السلام وينكثون بيعتهم, ويخذل فيه بعضهم بعضاً.
 
2- شجاعتها واندفاعها, ونزولها إلى أرض المعركة لتحثّ زوجها على نصرة ذريّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, وهو ما يدلّ على معرفتها وقناعتها التامّة بما تفعله وتقوم به.
 
3- لقد استجاب الله تعالى دعاءها وحقّق لها أمنيتها أن تُقتل مع زوجها وتُرزق الشهادة في سبيل الله, وأعطاها هذا الوسام لتلتحق بشهداء كربلاء, وتكون أوّل شهيدة بين يدي الإمام الحسين عليه السلام, بعد أن باركت لزوجها وهنّأته بالشهادة.

1- تاريخ الطبري ج 4 ص 333- 334.
 
204
 

173

المحاضرة الثانية

 مقام الشهادة في الإسلام
 
الهدف:
بيان فضل الشهداء وعلوّ مقامهم في الدنيا والآخرة.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾1.

1- سورة آل عمران الآية 169-171.
 
205

 

174

المحاضرة الثانية

 المقدّمة:
تعتبر الشهادة من المقوّمات الأساسيّة في نهضة المسلمين, وتحرّك المستضعفين, وفي انتصار الانتفاضات والثورات ذات القيم والمبادئ, ولا يمكن أن تنتصر هذه النهضات والتحرّكات والانتفاضات والثورات... إلّا بتقديم تضحيات عزيزة, وإراقة دماء زكيّة غالية, وسقوط شهداء أوفياء فضلاء علماء... وقد تزيد نسبة الشهداء أو تقلّ, ولكن الشهادة ودماء الشهداء الأوفياء في النتيجة تكون أحد مقوّمات الانتصار المبدئيّ وإحدى أقوى الدعائم في الرسالات السماويّة1.
 
محاور الموضوع
1- معنى الشهيد:
الشهيد في اللغة والشرع هو المقتول في سبيل الله, وسبب تسميته بذلك: قيامُه بشهادة الحقّ في أمر الله تعالى حتّى قُتل, أو لأنّه يشهد ما أعدّ الله له من الكرامة بالقتل, أو لأنّه شهد المغازي, أو لأنّه شُهد له بالإيمان, أو لأنّه خُتم له بخير, أو لأنّه حيّ لم يمت كأنّه يشاهد ويحضر, أو لأنّه حاضر عند ربّه, أو لأنّه يشهد ملكوت الله وملكه, أو لسقوطه على الشاهدة وهي الأرض2. ولعلّه لجميع ما ذكر.

1- من كلام للإمام القائد الخامنئيّ (دام عزّه).
2- مستفاد من اللمعة البيضاء للتبريزيّ الأنصاريّ ص 368.
 
206
 

175

المحاضرة الثانية

 2- أهميّة الشهادة: 
أعلى درجات البرّ: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "فوق كلّ ذي برٍّ برٌّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ"1.
 
• إحدى الحسنيين: قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾2, وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "المؤمن يقظان مترقّب خائف, ينتظر إحدى الحسنيين"3.
 
• أكرم الموت: روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لأصحابه في ساعة الحرب: "إنّ الموت طالب حثيث, لا يفوته المقيم, ولا يعجزه الهارب, إنّ أكرم الموت القتل"4.
 
• أشرف الموت: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أشرف الموت قتل الشهادة"5.
 
3- مكانة الشهيد:
• الحياة الخاصّة: قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾6.

1- أصول الكافي ج 2 ص 348.
2- سورة التوبة الآية 52.
3- الخصال ص 633.
4- نهج البلاغة.
5- أمالي الشيخ الصدوق ص 576.
6- سورة البقرة الآية 154.
 
207
 

176

المحاضرة الثانية

 • ممّن أنعم الله عليهم: قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾1.
 
• من المؤمنين الصادقين: قال تعالى:﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾2.
 
• مغفور له: قال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾3, وعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أوّل ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنبه كلّه إلّا الدَّين"4, وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "أوّل قطرة من دم الشهيد كفّارة لذنوبه إلّا الدَّين فإنّ كفّارته قضاؤه"5.
 
• مأمون من فتنة القبر: عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من لقي العدوّ فصبر حتّى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره"6, ورُوي أنّه سُئل صلى الله عليه وآله وسلم: ما بال الشهيد لا يفتن في قبره؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: 

1- سورة النساء الآية 69.
2- سورة الأحزاب الآية 23.
3- سورة آل عمران الآية 195.
4- ميزان الحكمة ج 2 ص 1514.
5- وسائل الشيعة ج 18 ص 324.
6- ميزان الحكمة ج 2 ص 1515.
 
208
 

177

المحاضرة الثانية

 "كفى بالبارقة فوق رأسه فتنة"1.
 
• لا يشعر بالألم: روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما يجد الشهيد من مسّ القتل إلّا كما يجد أحدكم مسّ القرصة"2.
 
4- من شرائط الشهادة:
يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾3.
 
فقد حدّد الله تعالى في هاتين الآيتين مجموعة من الشرائط والمواصفات التي تؤهّل الإنسان لنيل مقام الشهادة ولصحّة معاملة البيع والشراء والثمن بين المخلوق والخالق تعالى, والشرائط التي حدّدتها الآيتان هي:
 
• التائبون: الذين يغسلون قلوبهم وأرواحهم من رين الذنوب

1- الكافي ج 5 ص 54.
2- الدرّ المنثور ج 2 ص 99.
3- سورة التوبة الآية 111- 112.
 
209
 

178

المحاضرة الثانية

 بماء التوبة.
 
• العابدون: الذين يطهّرون أنفسهم في نفحات الدعاء والمناجاة مع ربّهم.
 
• الحامدون: الذين يشكرون الله ويحمدونه على نعمه الماديّة والمعنويّة ويعيشون الحمد في الشدّة والرخاء.
• السائحون: الذين يتنقّلون من مكان عبادة إلى آخر, أو الذين يتوجّهون إلى ميادين الجهاد ومحاربة الأعداء فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ سياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله", أو الصائمون فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ السائحين هم الصائمون".
 
• الراكعون: الذين يركعون في مقابل عظمة الله تعالى.
• الساجدون: الذين يطأطئون رؤوسهم أمام خالقهم ويسجدون له.
 
• الآمرون بالمعروف: الذين يدعون الناس لعمل الخير.
• الناهون عن المنكر: الذين لم يقتنعوا بالدعوة إلى الخير بل حاربوا كلّ منكر وفساد.
 
• الحافظون لحدود الله: الذين أدّوا أهمّ واجب اجتماعيّ وهو حفظ الحدود الإلهيّة وإجراء قوانين الله تعالى وإقامة الحدود والعدالة.
فمن اجتمعت فيه هذه الصفات التِّسعُ المذكورة يأتي بعدها
 
210

179

المحاضرة الثانية

 قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾1.
 
قصّة وعبرة:
عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام عن الحسين بن عليّ عليهما السلام قال: "بينما أمير المؤمنين يخطب ويحضّهم على الجهاد إذ قام إليه شاب فقال: يا أمير المؤمنين, أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله, فقال: "كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ناقته العضباء ونحن منقلبون عن غزوة ذات السلاسل فسألته عمّا سألتني عنه, فقال: الغزاة إذا همّوا بالغزو كتب الله لهم براءة من النّار. 
 
فإذا تجهّزوا لغزوهم باهى الله بهم الملائكة. فإذا ودّعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان والبيوت، ويخرجون من الذنوب... ويكتب له (أيّ لكلّ شهيد وغاز) كلّ يوم عبادة ألف رجل يعبدون الله... وإذا صاروا بحضرة عدوّهم انقطع علم أهل الدنيا عن ثواب الله إيّاهم. فإذا برزوا لعدوّهم وأشرعت الأسنّة وفوقت السهام، وتقدّم الرجل إلى الرجل حفّتهم الملائكة بأجنحتها يدعون الله بالنصرة والتثبيت فينادي مناد: "الجنّة تحت ظلال السيوف فتكون الطعنة والضربة على الشهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصائف. وإذا زال الشهيد من فرسه بطعنة أو ضربة لم يصل إلى الأرض حتّى 

1- مقتبس من تفسير الأمثل ج 6 ص 213- 215.
 
211
 

180

المحاضرة الثانية

 يبعث الله إليه زوجته من الحور العين فتبشّره بما أعدّ الله له من الكرامة. فإذا وصل إلى الأرض تقول له الأرض: مرحباً بالروح الطيّب الذي خرج من البدن الطيّب، ابشر, فإنّ لك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر, ويقول الله: أنا خليفته في أهله من أرضاهم فقد أرضاني ومن أسخطهم فقد أسخطني"1.
 
مقام الشهادة في كربلاء:
لمّا جمع الحسين عليه السلام أصحابه في ليلة العاشر من المحرّم وأحلّهم من بيعته وطلب منهم الرجوع إلى أهليهم تكلّم جمع من بني هاشم والأصحاب ومن بينهم تكلّم سعيد, وممّا قاله للإمام عليه السلام :"لا والله يا ابن رسول الله لا نخلّيك أبداً حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصيّة رسوله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ولو علمت أنّي أقتل فيك ثمّ أحيا ثمّ أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك, وكيف لا أفعل ذلك؟ وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً"2.
 
وتقدّم الإمام الحسين عليه السلام في ظهر يوم عاشوراء لإقامة الصلاة فصلّى بأصحابه صلاة الخوف، فوصل إلى الإمام 

1- تفسير الأمثل ج 2 ص 782.
2- تاريخ الأمم والملوك ج‏ 3 ص ‏315.
 
212
 

181

المحاضرة الثانية

 الحسين عليه السلام سهم فتقدّم سعيد بن عبد الله الحنفيّ ووقف يقيه بنفسه وجعلها درعاً للإمام عليه السلام فرماه القوم بسهامهم من كلّ جانب يمنة ويسرة، وكان يستقبل السهام في وجهه وصدره ويديه ومقادم بدنه لئلّا تصيب الحسين عليه السلام وما زال ولا تخطّى حتّى سقط إلى الأرض1.
 
وعلى حدِّ قول ابن طاوس فإنّ ثلاثة عشر سهماً أصابت جسد سعيد سوى ضربات السيوف والرماح2.
 
وعندما خرّ سعيد بن عبد الله صريعاً كان يقول: "أللهمّ العنهم لعن عاد وثمود, أللهمّ أبلغ نبيّك عنّي السلام ..."ثمّ التفت إلى الحسين عليه السلام فقال: أوفيت يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فجاء الإمام ووقف عند رأسه وقال: نعم أنت أمامي في الجنّة", ثمّ فاضت نفسه واستشهد3 (رضوان الله عليه).

1- وقعة الطفّ ص ‏232.
2- اللهوف ص ‏111.
3- اللهوف ص ‏111.
 
213
 

182

المحاضرة الثالثة

 الإيثار بين المؤمنين
 
الهدف:
بيان أهميّة الإيثار والحثّ على ضرورة التحلّي به لما له من المنزلة والكرامة في الدنيا والآخرة.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى في كتابه: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1.

1- سورة الحشر الآية 9.
 
215
 

183

المحاضرة الثالثة

 المقدّمة:
لا شكّ أنّ للإيثار منزلة خاصّة في منظومة القيم الأخلاقيّة في المجتمع البشريّ عموماً وفي الإسلام خصوصاً فهو غاية المكارم التي لا تكتمل إلّا به, ويُستحقّ به اسم الكرم والجود والسخاء بل هو أعلى مراتبه, وبه يُستَرَقُّ الأحرار وتُملكُ الرِّقاب وهو زينة الزهد وأفضل الاختيار.
 
محاور الموضوع
1- مفهوم الإيثار:
الإيثار في اللغة هو اختيار الشيء وتقديمه على غيره, يقال آثره عليه أي فضّله, وآثرتك إيثاراً أي فضّلتك, واستأثر بالشيء على غيره, أي خصّ به نفسه واستبدّ به, والاستبداد يقابل الإيثار, وبالخلاصة إنّ الإيثار أنّ تفضّل الآخرين على نفسك فيما أنت محتاج إليه.
 
2- أهميّة الإيثار:
من الواضح أنّ للإيثار أهميّة كبرى في حياة المسلم, فمضافاً إلى كونه عبادة من العبادات التي يترتّب على فعلها الأجر والثواب, هناك جملة من الفوائد الأخرى المترتّبة عليه, منها:
• نفي الحرص والطمع: الأثر الذي تتركه في نفس المؤثر, حيث 
 
216

184

المحاضرة الثالثة

 إنّها تطرد عنه الحرص والطمع وشحّ النفس, فقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام قوله: "أفضل السخاء الإيثار"1.
 
• توطيد العلاقات والروابط الاجتماعيّة وإحكامها بين المؤمنين: من قضاء حاجاتهم وتفقّد أحوالهم, فقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "كان عند فاطمة عليها السلام شعير فجعلوه عصيدة، فلمّا أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال المسكين: رحمكم الله، أطعمونا ممّا رزقكم الله, فقام عليّ عليه السلام فأعطاه ثلثها. ولم يلبث أن جاء يتيم فقال اليتيم: رحمكم الله، فقام عليّ عليه السلام فأعطاه ثلثها. ثمّ جاء أسير فقال الأسير: رحمكم الله، فأعطاه عليّ عليه السلام الثلث الباقي وما ذاقوها، فأنزل الله هذه الآية: ﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾، وهي جارية في كلّ مؤمن فعل مثل ذلك"2.
 
3- فضل الإيثار: 
• أحسن الإحسان: عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "الإيثار أحسن الإحسان وأعلى مراتب الإيمان"4. وعنه عليه السلام : "الإيثار أشرف الإحسان"3.
 
• شيمة الأبرار: وعنه عليه السلام قال: "من شيم الأبرار حمل

1- ميزان الحكمة ج 1 ص 16.
2- بحار الأنوار ج 35 ص 243.
3- ميزان الحكمة ج 1 ص 16.
4- ميزان الحكمة ج 1 ص 16.
 
217
 

185

المحاضرة الثالثة

 النفوس على الإيثار"1.
 
• خير المكارم: وعنه عليه السلام قال: "خير المكارم الإيثار"2.
• مُظهر معادن الناس: وعنه عليه السلام: "عند الإيثار على النفس تتبيّن جواهر الكرماء"3.
 
• أفضل عبادة: وعنه عليه السلام : "الإيثار أفضل عبادة وأجلّ سيادة"4.
• خُلُق الأنبياء عليهم السلام : ففي الحديث: "ما شبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أيّام متوالية حتّى فارق الدنيا، ولو شاء لشبع ولكنّه كان يؤثر على نفسه"5
 
• أفضل الصدقة: سُئل الإمام الصادق عليه السلام : أيّ الصدقة أفضل؟ قال عليه السلام: "جهد المقلّ. أما سمعت قول الله عزَّ وجلّ: ﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾؟"6.
 
4- بركات الإيثار: 
• الجنّة: أبو الطفيل: اشترى عليّ عليه السلام ثوباً فأعجبه فتصدّق به، وقال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة الجنّة, ومن أحبّ شيئاً فجعله لله قال الله 

1- عيون الحكم والمواعظ ص 469.
2- ميزان الحكمة ج 1 ص 805.
3- عيون الحكم والمواعظ ص 339.
4- ميزان الحكمة ج 1 ص 16.
5- سنن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ص 228. 
6- فروع الكافي ج 4 ص 18.
 
218
 

186

المحاضرة الثالثة

 يوم القيامة: قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف, وأنا أكافيك اليوم بالجنّة"1.
 
• درجة خاصّة في الجنّة: عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إنّ لله عزَّ وجلّ جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة: رجل حكم على نفسه بالحقّ، ورجل زار أخاه المؤمن في الله، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله"2.
 
• الدرجات الرفيعة: قال نبيّ الله موسى عليه السلام : "يا ربّ, أرني درجات محمّد وأمّته، قال: يا موسى إنّك لن تطيق ذلك ولكن أريك منزلة من منازله جليلة عظيمة فضّلته بها عليك وعلى جميع خلقي...، فكشف له عن ملكوت السماء فنظر إلى منزلة كادت تتلف نفسه من أنوارها وقربها من الله عزَّ وجلّ قال: يا ربّ بماذا بلغته إلى هذه الكرامة؟! قال: بخلق اختصصته به من بينهم وهو الإيثار. يا موسى، لا يأتيني أحد منهم قد عمل به وقتاً من عمر إلّا استحييت من محاسبته وبوّأته من جنّتي حيث يشاء"3.
 
• من رجال الأعراف: عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "المؤثرون من رجال الأعراف"4.

1- تفسير نور الثقلين ج 1 ص 364.
2- أصول الكافي ج 2 ص 178.
3- ميزان الحكمة ج 1 ص 16.
4- ميزان الحكمة ج 1 ص 16.
 
219

187

المحاضرة الثالثة

 5- أنواع الإيثار: 
• الإيثار بالعبادة والدعاء: هناك نصوص كثيرة تحثّ المؤمنين بالدعاء لبعضهم بعضاً وعلى هذا جرت سيرة المعصومين عليهم السلام فقد ورد عن الإمام الحسن عليه السلام أنّه قال: "رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء, فقلت لها: يا أمّاه, لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثمّ الدار"1.
 
• الإيثار بالمال: وقد مدح الله تعالى أهل البيت عليهم السلام حينما أنزل عليهم سورة من القرآن وذلك عندما باتوا ثلاثة أيّام من غير إفطار على طعام سوى الماء حيث إنّهم كانوا عندما يقدمون على تناول الطعام يأتيهم طلب حاجة فيؤثرونه على أنفسهم, ففي اليوم الأوّل عندما أرادوا الإفطار وإذا بالباب يُطرق, وسائل يقول: أنا مسكين من مساكين المسلمين وإنّي جائع أطعموني.. فيطعمونه ما بيدهم ويبيتون جائعين, وفي اليوم الثاني أيضاً عندما أرادوا الإفطار وإذا بالباب يُطرق وسائل يقول: أنا يتيم.. ويطلب الطعام وكذلك يبيت أهل

1- وسائل الشيعة ج 4 ص 1150.
 
220
 

188

المحاضرة الثالثة

 البيت عليهم السلام ليلة أخرى جياعاً, وفي اليوم الثالث كذلك عند الإفطار يأتي أسير يطلب الطعام فيعطونه طعامهم.. فأنزل الله تعالى الآيات: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾1.
 
• الإيثار بالنفس: ولعلّه أعظم أنواع الإيثار لأنّه كلّما اشتدّ حرص الإنسان على شيء كان الإيثار عليه أصعب ولا شكّ في حرص الإنسان على حياته وروحه وبقائه... ولكن هذا الأمر ليس صعباً على أولياء الله المقرّبين, لكونهم وبحكم إيمانهم يتحلّون بهذا الخلق, وقد ورد عن الإمام عليّ قوله: "الإيثار أعلى الإيمان"2.
 
6- قصّة وعبرة: 
بات عليّ بن أبي طالب عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل: "إنّي آخيت بينكما وجعلت عمر الواحد منكما أطول من عمر الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة. فأوحى الله عزَّ وجلّ إليهما: أفلا كنتما مثل عليّ ابن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه فيؤثره بالحياة... فأنزل الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي 

1- سورة الإنسان الآية 7-9.
2- عيون الحكم والمواعظ ص 51.
 
221
 

189

المحاضرة الثالثة

 نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾1"2.
 
7- الإيثار في كربلاء:
وقد تجسّد الإيثار في كربلاء في مواطن عديدة:
• إيثار سعيد بن عبد الله الحنفيّ: روى أبو مخنف: أنّه لمّا صلّى الحسين الظهر صلاة الخوف، ثمّ اقتتلوا بعد الظهر فاشتدّ القتال، ولمّا قرب الأعداء من الحسين وهو قائم بمكانه، استقدم سعيد الحنفيّ أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً، وهو قائم بين يدي الحسين يقيه السهام طوراً بوجهه، وطوراً بصدره، وطوراً بيديه، وطوراً بجنبيه، فلم يكد يصل إلى الحسين عليه السلام شيء من ذلك حتّى سقط الحنفيّ إلى الأرض، وهو يقول: اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود، اللهمّ أبلغ نبيّك عنّي السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإنّي أردت ثوابك في نصرة نبيّك، ثمّ التفت إلى الحسين فقال: أوفيت يا بن رسول الله؟ قال: "نعم، أنت أمامي في الجنّة"، ثمّ فاضت نفسه النفيسة3.
 
• إيثار أبي الفضل العبّاس عليه السلام : وذلك عندما رمى الماء من 

1- سورة البقرة الآية 207.
2- ميزان الحكمة ج 1 ص 18.
3- أبصار العين في أنصار الحسين ص 218.
 
222
 

190

المحاضرة الثالثة

 يديه وكان قلبه يتلظّى من العطش وأخذ يقول:
يا نفسُ من بعد الحسين هوني       وبعده لا كنت أن تكوني 
هذا الحسينُ واردُ المنون            وتشربين بارد المعين1

1- مقتل الحسين أبو مخنف الأزديّ ص 179.
 
223
 

191

المحاضرة الأولى

 الهدف:
ذكر بعض النماذج الكربلائيّة غير المعصومة علّها تكون قدوة لمجتمعنا.
 
تصدير الموضوع:
عن الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء: "فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي, فجزاكم الله عنّي خيراً..."1.

1- الإرشاد ج 2 ص 91.
 
227
 

192

المحاضرة الأولى

 المقدّمة:
من الملاحظ تنوّع القدوات في كربلاء، ففيها الإمام (القائد) وأهل بيته والرجال والشباب والنساء والأطفال والأبيض والأسود والفقير والغني وصاحب الجاه ومن لا جاه له والمتزوج والأعزب، لقد كانت كربلاء مجتمعاً مقاوماً مصغّراً، فيها دروس لمجتمعنا المقاوم.
 
محاور الموضوع
 
نماذج كربلائيّة
1- النموذج النسائيّ
• أمّ وهب:
عندما قرر زوجها الخروج لنصرة الإمام الحسين عليه السلام أصرّت على اصطحابها معه. فالتحقت بأنصار الإمام عليه السلام في كربلاء, برز زوجها يوم العاشر من المحرّم لقتال الأعداء، فأخذت عموداً بيدها وأسرعت إلى ساحة القتال إلّا أنّ الإمام الحسين عليه السلام منعها من ذلك معتبراً أنّ الجهاد غير واجب على النساء، بعد شهادة زوجه, أسرعت إليه وأخذت تمسح وجهه, فأسرع إليها أحد الأعداء فضربها، فقضت شهيدة.
 
• أمّ خلف:
هي زوجة مسلم بن عوسجة، من النساء الفاضلات ومن 
 
228
 

193

المحاضرة الأولى

 أتباع سيّد الشهداء المخلصات. جهّزت ابنها "خلف" للحرب إلى جانب الإمام عليه السلام بعد شهادة زوجها "مسلم". استشهد ابنها خلف بعد أن استبسل في القتال.
 
2- النموذج الرجاليّ
• زهير بن القين:
وكان زهير بن القين قد سافر في العام 60 هـ.مع عائلته لأداء فريضة الحجّ, وعند العودة إلى الكوفة نصب خيمته في "زرود" فأرسل إليه الإمام الحسين عليه السلام قائلاً له: "أن القني أكلّمك"1، فأبى أن يلقاه وكان مع زهير زوجته (وهذه قدوة نسائيّة مهمّة في تثبيت وتشجيع أزواجهنَّ) فقالت له: سبحان الله يبعث إليك ابن رسول الله فلا تجيبه؟ فقام إلى الحسين عليه السلام فلم يلبث أن انصرف وقد أشرق وجهه! فأمر بفسطاطه فقلع، وضرب إلى لزق فسطاط الحسين عليه السلام ولحق به.
 
• الحرّ بن يزيد الرياحيّ:
الحرّ من العائلات العراقيّة المشهورة وهو من كبار أهل الكوفة. دعاه ابن زياد لقتال الإمام الحسين عليه السلام وولّاه قيادة ألف فارس. قيل إنّه عندما خرج من دار الإمارة بهدف قطع الطريق على الإمام الحسين عليه السلام سمع نداءً يقول له: "يا حرّ أبشر بالجنّة".

1- الأخبار الطوال ص 246.
 
229
 

194

المحاضرة الأولى

 فقال: ثكلت الحرّ أمّه، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويبشّر بالجنّة. ثمّ تابع المسير مع جيشه لقطع الطريق على الإمام عليه السلام وأصحابه... ثمّ إنّ الإمام أراد الانطلاق بقافلته والاستمرار في مسيره فمنعه الحرّ، فقال له الإمام عليه السلام : "ثكلتك أمّك ما تريد؟" فلم يجب الحرّ لأنّه كان يعرف الإمام عليه السلام ويعرف مقام والدته عليها السلام اقتربت ساعة المواجهة بين الإمام الحسين وأعدائه وكان الحرّ ما زال واقفاً على مفترق طريقي الحقّ والباطل, وفي اللحظة الحسّاسة اختار طريق الحقّ، وقيل إنّه أراد تقديم الماء لفرسه فهرب إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام وهكذا يكون الحرّ قد خرج من وادي الظلمة إلى جنّة الهداية. طلب إذن الإمام ليكون أوّل المبارزين، وفي الأثناء خاطب الأعداء بكلمات مؤثّرة أدّت إلى انصراف البعض عن قتال الإمام الحسين عليه السلام. استشهد الحرّ بعد أن استبسل في الدفاع عن سيّد الشهداء وقد قال الإمام عليه السلام فيه: "أنت حرّ كما سمتّك أمّك وأنت الحرّ في الدنيا وأنت الحرّ في الآخرة"1.
 
3- النموذج الشبابيّ
• عليّ بن الحسين عليه السلام قدوة الشباب‏:
هو الابن الأكبر لسيّد الشهداء عليه السلام وأشبه الناس
 
230
 
3- تاريخ الطبري ج 4 ص 325.
 

195

المحاضرة الأولى

 برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان عمره في كربلاء يتراوح بين 18 و28 سنة. عندما طلب من الإمام الحسين عليه السلام السماح له بالمبارزة توجّه الإمام عليه السلام نحو السماء وقال: "اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم, فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمّد خلقاً وخُلقاً ومنطقاً, وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيّك نظرنا إليه"1.
 
4- نموذج الفتيان والأطفال:
• القاسم بن الحسن:
هو فتى لم يبلغ سنّ البلوغ بعد، إلّا أنّه كان في أوج البصيرة والمحبّة والطاعة. أمّا شوقه للشهادة فكان أجمل حادثة سجّلها التاريخ. في ليلة العاشر من المحرّم وعندما كان الجميع يتداولون في ما ستؤول إليه الأحوال في الغد، كان يخاف أن لا يتمكّن من الالتحاق بقافلة العشق والشهادة لذلك سأل عمّه: هل سأستشهد معكم؟ وقد ألقى سؤاله سكوتاً سيطر على الخيمة. سأله الإمام: "كيف الموت عندك؟" فأجاب القاسم بأجمل عبارات وأعذب كلام: "الموت عندي أحلى من العسل"2.
 
• عبد الله بن الحسين:
استشهد يوم العاشر من المحرّم في حضن أبيه.. وقد دفنه

1- الأخلاق الحسينيّة ص 120.
2- موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ص 487.
 
231
 

196

المحاضرة الأولى

 الإمام عليه السلام إلى جانب الخيم. إنّ الحسين لمّا آيس من نفسه ذهب إلى فسطاطه فطلب طفلاً له ليودّعه، فجاءته به أخته زينب، فتناوله من يدها ووضعه في حجره، فبينا هو ينظر إليه إذ أتاه سهم فوقع في نحره فذبحه. فأخذ الحسين عليه السلام دمه بكفّه ورمى به إلى السماء وقال: "ربّ إن تك حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين"1.
 
• عبد الله بن الحسن‏:
فتى في الحادية عشرة من العمر. تقدّم للتضحية دفاعاً عن حريم الولاية. قال الشيخ المفيد: لمّا ضرب مالك بن النسر الكنديّ بسيفه الحسين عليه السلام على رأسه بعد أن شتمه ألقى الحسين عليه السلام قلنسوته ودعا بخرقة وقلنسوة، فشدّ رأسه بالخرقة ولبس القلنسوة واعتمّ عليها، رجع عنه شمر ومن معه إلى مواضعهم، فمكث هنيهة، ثمّ عاد وعادوا إليه وأحاطوا به، فخرج عبد الله بن الحسن من عند النساء وهو غلام لم يراهق، فشدّ حتّى وقف إلى جانب عمّه الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب لتحبسه فأبى، فقال لها الحسين عليه السلام: "احبسيه يا أخيّة"، فامتنع امتناعاً شديداً، وقال: والله لا أفارق عمّي.
 
وأهوى بحر بن كعب إلى الحسين بالسيف فقال الغلام: ويلك يا بن الخبيثة! أتقتل عمّي؟ فضربه بحر بالسيف، فاتّقاه

1- تاريخ الطبري ج 4 ص 342.
 
232
 

197

المحاضرة الأولى

 الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة، فنادى الغلام: يا عمّاه، فأخذه الحسين عليه السلام وضمّه إليه وقال: "يا بن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك خيراً، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين"، ثمّ رفع الحسين عليه السلام يديه إلى السماء وقال: "اللهمّ أمسك عليهم قطر السماء وامنعهم بركات الأرض"1.
 
5- نموذج الشيوخ
• حبيب بن مظاهر:
كان عمر حبيب في كربلاء 75 عاماً وقد رسم صورة ناصعةً ليلة العاشر من المحرّم تدلّ على ما يحمله من شوق للشهادة والإيثار والتضحية. أدرك حبيب ما يعتري زينب عليها السلام من اضطراب, لذلك جمع الأصحاب وتحدّث فيهم وطلب منهم ألّا يكونوا سبباً لاضطراب أهل البيت عليهم السلام بالأخصّ زينب عليها السلام. وفي اليوم العاشر برز حبيب رغم كهولته وقيل إنّه قتل 62 شخصاً ثمّ التحق بركب الشهداء.

1- أنظر: مقتل أبو مخنف الأزديّ ص 192.
 
233
 

198

المحاضرة الثانية

 العفاف وآثاره: زينب عليها السلام المخدّرة نموذجاً
 
الهدف:
حثّ المجتمع على التحلّي بهذه الصفة الجليلة.
 
تصدير الموضوع:
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾1.

1- سورة الأحزاب الآية 59.
 
235
 

199

المحاضرة الثانية

 المقدّمة:
إنّ العفّة تُعدّ واحدة من أمّهات الفضائل الأخلاقيّة الأربع (العفّة، الشجاعة، الحكمة، والعدالة)1، وتبنى عليها الحياة الإنسانيّة والاجتماعيّة، لذا كان لهذه الفضيلة الأخلاقيّة آثار جليلة تنعكس على الشخصيّة الإنسانيّة في الدنيا والآخرة.
 
محاور الموضوع
1- مفهوم العفّة: 
جاء في اللغة عن ابن منظور أنّها "الكفّ عمّا لا يحلّ ويَجمُلُ، عفّ عن المحارم والأطماع الدنيّة يعِفُّ عِفّة وعفَّا وعفافاً فهو عفيف، وعفّ أي كفّ"2.
 
أمّا في الاصطلاح: فقد عرّفها النراقيّ بأنّها "انقياد القوّة الشهويّة للعاقلة فيما تأمرها به وتنهاها عنه حتّى تكتسب الحريّة وتتخلّص من أسر عبوديّة الهوى"3.
 
وهي من الصفات الممدوحة لدى الناس، وأغلب الأخبار والروايات تُشير إلى عفّة البطن والفرج، وكفّهما عن مشتهياتهما المحرّمة، وهما من أفضل العبادات، وقد ورد عن الإمام أبي

1- انظر: شرح الأسماء الحسنى للملّا هادي السبزواريّ ج 2 ص 81.
2- لسان العرب ج 9 ص 253.
3- جامع السعادات ج 1 ص 70.
 
236
 

200

المحاضرة الثانية

 جعفر عليه السلام: "إنّ أفضل العبادة عفّة البطن والفرج"1.
 
2- عوامل تنمية العفّة:
• الزواج: جعِل الزواج وسيلة لتهذيب هذه الشهوة وإشباعها، وقد جُعِلت شهوة الجنس في الإنسان من أجل: حفظ النسل البشريّ واستمراره، ولولا ذلك لما أقدم الإنسان على الزواج، ولما تحمّل العديد من المشاكل والصعوبات المترتّبة على وجود الولد والذريّة. ولهذا حثّ الإسلام على الزواج, وإليه أشار القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾2، ويُقصد بالأيامى هنا العزّاب أي من لا أزواج لهم. وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا تزوّج العبد فقد استكمل نصف الدِّين فليتقّ الله في النصف الباقي"3.
 
• غضُّ البصر: أولى الله تعالى غضّ البصر أهميّة خاصّة بغية إرساء وبناء قواعد متينة لتأسيس مجتمع عفيف، ولهذا نرى أنّه فصّل في الخطاب بين الذكر والأنثى عندما أمر بغضِّ البصر، للدلالة والإشارة إلى أهميّة الغضِّ ولما يتركه من آثار إيجابيّة على بناء النفس والمجتمع. والتكليف موجّه لكلٍّ 

1- أصول الكافي ج 2 ص 79.
2- سورة النور الآية 32.
3- ميزان الحكمة ج 2 ص 1179.
 
237
 

201

المحاضرة الثانية

 من الرجل والمرأة على السواء، وقد بدأ توجيه الخطاب إلى الرجال قبل النساء تأكيداً منه على الدور والمسؤوليّة الواقعة على عاتقهم وكأنّ بناء المجتمع العفيف يبدأ من غضِّ بصر الرجال أوّلاً, يقول تعالى في خطابهم ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾1، ثمّ أردف تعالى بعدها مباشرة الخطاب الخاصّ بالنساء مشيراً إلى نفس الحكم ومضيفاً إليه أموراً أخرى تتعلّق بالمرأة: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾2.
 
ج- اجتناب مثيرات الشهوة وهي عديدة نذكر منها:
• وسائل الإعلام: الّتي تبثّ البرامج غير المحتشمة سواء كانت على شاشة التلفاز أم الإنترنت، وكذا الفضائيّات

1- سورة النور الآية 30.
2- سورة النور الآية 31.
 
238
 

202

المحاضرة الثانية

 السامّة الّتي غزت المنازل والنفوس وعشّشت في القلوب الشابّة كالمسلسلات المدبلجة. فعلى الإنسان اجتناب هذه الوسائل أو تنظيمها بحيث تكون تحت رقابة ممنهجة بغية الاستفادة من البرامج المفيدة منها.
 
• التفريق في المضاجع أثناء المبيت: إنّ لهذا الموضوع أثراً مهمّاً على الحياة الجنسيّة لكلٍّ من الذكر والأنثى، حيث يعتبر ذهن الطفل بمثابة لاقط لكلِّ الصور والمشاهد الّتي تمرّ عليه في بداية عمره. وقد أمر الشرع المقدّس بالتفريق في المضاجع بين الذكور والإناث لأجل أن ينشؤوا نشأة عفيفة محتشمة بعيدة عن كلّ موجبات الإثارة وتحريك الشهوات الباطنيّة.
 
• الأكل المتوازن: من المهمّ الالتفات إلى نوع الأكل الّذي يتناوله الإنسان نفسه، وأن يُحاول الالتزام بنظام غذائيّ محدّد ومنظّم، فإنّ بعض الأطعمة من شأنها تهييج القدرة الجنسيّة وتأجيجها فعليه تجنّب هذه الأطعمة ممّا هو مذكور في محلِّه.
 
• التقيُّد بالالتزام بالحجاب: الستر الشرعيّ وترك الزينة أمام الأجانب ممّا لا شكّ فيه أن التعرّي والتزيّن من شأنهما تحريك الغريزة الجنسيّة، بحيث ينجرّ إليها الشباب، ولهذا جاء الأمر الإلهيّ بوجوب ستر المرأة لكامل بدنها وتركها للزينة بالخصوص كونها عنصر إثارة للرجل. إلّا أنّه لا يُراد من

239
 

203

المحاضرة الثانية

 الحجاب هنا هو القماش الّذي تضعه المرأة وتُغطّي به جسدها الظاهريّ فحسب، فهو وإن كان مهمّاً وضروريّاً وأساساً إلّا أنّه ليس هو الواجب كلّه من الحجاب، بل هو مطلوب بالإضافة إلى الحجاب الباطنيّ والّذي يتمثّل بالعفاف الباطنيّ للمرأة وهو الأهمّ لها.
فالحجاب بالمفهوم القرآنيّ لا يكتمل إلّا بمجموعة مفردات يتشكّل منها الحجاب الكامل:
• ستر كامل الجسد بالجلباب: وهو اللباس الفضفاض الواسع كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾1.

• إسدال الخمار: وهو المقنعة الّتي توضع على الرأس وتُغطّي الكتفين والرقبة والشقّ من الصدر ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾2.

• عدم إبداء الزينة: باستثناء الظاهريّة منها، وهي الكفّان والوجه، شرط أن لا يكون عليها زينة خارجيّة من مساحيق التجميل وطلاء الأظافر، وإظهار الحلي، وغير ذلك. وكذلك عدم إظهار الزينة الباطنيّة، وهي كلّ ما عدا الوجه والكفّين

1- سورة الأحزاب الآية 59.
2- سورة النور الآية 31.
 
240
 

204

المحاضرة الثانية

 من الجسد للأجانب ما عدا طائفة من الناس وهم اثنا عشر صنفاً من المحارم وغيرهم، والّتي حدّدها وذكرها القرآن الكريم في سورة النور.
 
• غضُّ البصر: سواء كان النظر من الرجال إلى النساء وهو أساس أو العكس، إذ إنّ الحجاب لا يُمكن أن يتحقّق إلّا بغضِّ الطرف من الجنسين وعدم النظر بشهوة وريبة إلى بعضهما بعضاً، والرجل له دور في إرساء الحجاب لدى المرأة، وإيجاد العفّة. لأنّ النظر إلى الجنس الآخر يتنافى والحجاب الباطنيّ. يقول تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾.
 
• عدم الضرب بالأرجل: ويكون ذلك عادةً بالخلخال الّذي يُخرج صوتاً يعلم منه الآخر بوجود زينة خفيّة لدى المرأة، وبذلك يدخل تحت هذا العنوان كلّ ما من شأنه أن يترك صوتاً ويجلب نظر الرجال وانتباههم للمرأة أمثال الحذاء الخاصّ بالمرأة ذي الكعب العالي.
 
• عدم اختلاط الرجل بالمرأة والعكس: لا شكّ في أنّ مجتمعاتنا الحديثة والمعاصرة لا يُمكنها الفصل التامّ بين الرجل والمرأة، لأنّ المرأة اليوم أخذت دوراً اجتماعيّاً وهي تُشارك الرجل في العمل. إلّا أنّه يُمكن الاتّقاء والاجتناب 
 
241

205

المحاضرة الثانية

 عن الموارد غير الضروريّة وبهذا يُمكن للمجتمع أن يحصل على التقوى الجنسيّة وعلى العفّة الاجتماعيّة وطهارتها.
 
وإذا ما حصل الاختلاط بين الرجل والمرأة لضرورة ما، يجب أن يُقيَّد المجلس بمجموعة شروط عدم الضحك والمزاح الّذي يُزيل الحجاب والعفّة بينهما، وشيئاً فشيئاً تنكسر الحشمة، وتقع المعصية بدرجاتها، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من فاكه امرأة لا يملكها حبسه الله بكلِّ كلمة في الدنيا ألف عام"والمفاكهة هي الممازحة.
 
• اجتناب الخلوة التامّة: كأن يكونا في مكان خاصٍّ لا ثالث معهما، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا يخلو بامرأة رجل فما من رجل خلا بامرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما"2
 
لذلك ينبغي أن يكون جلوس الرجل والمرأة بمرأى الآخرين، وأن تقتصر الجلسة على الأمور الضروريّة، وأن لا تطول مدّتها. 
 
• ترك الزينة والتبرُّج والروائح العطرة: لأنّ كلّ ذلك من شأنه أن يُحرِّك ويُثير الطرف الآخر.
• عدم اللّين في الكلام: فإنّ الخضوع في القول كما عبّر القرآن الكريم، وهو من نوع الميوعة والغنج الكلاميّ يحصل بطريقة خاصّة في الكلام، من شأنه أن يوقع الرجل في شرك المرأة. 

1- وسائل الشيعة ج 20 ص 198.
2- مستدرك الوسائل ج 14 ص 265.
 
242
 

206

المحاضرة الثانية

 ولهذا نهى الله تعالى عن ذلك بقوله: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾1. وهذا النهي ليس موجّهاً إلى نساء النبيّ فقط، بل يعمّ ليشمل نساء المؤمنين، لأنّ القرآن كما أشار إلى ذلك الأئمّة عليهم السلام: أُنزل من باب إيّاك أعني واسمعي يا جارة.
 
3- العفّة الزينبيّة نموذجاً:
ومن أهمّ نماذج العفيفات التي قدّمها الإسلام بعد السيّدة الزهراء عليها السلام ابنتها عقيلة الطالبيّين زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقد بلغت من الحرص على الحجاب والستر حدّ أن تجعل في أوّل ما وبَّخت يزيد الطاغية عليه رغم كثرة وعظم جرائمه هتك ستور النساء وتعريضهنّ لأنظار القوم في مسير السبي.
 
ولا عجب فإنّ الحجاب والعفاف رافق حياة هذه العظيمة حيث يُروى أنّ يحيى المازنيّ قال: "كنت في جوار أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة المنوّرة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فوالله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخرج ليلاً والحسن عن 

1- سورة الأحزاب الآية 32.
 
243

 

207

المحاضرة الثانية

 يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن مرّة عن ذلك فقال: "أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب"1.

1- الأخلاق الحسينيّة ص 223.
 
244
 
 

208

المحاضرة الثالثة

علامات الظهور بين التطبيق والتحليل
 
الهدف:
التعرّف على أهمّ الخطوط العامّة التي رسمها أهل البيت عليهم السلام في معرفة علامات الظهور وتحديدها وتطبيقها. 
 
تصدير الموضوع
يقول تعالى: ﴿بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾1.

1- سورة هود الآية 86. 
 
245
 

209

المحاضرة الثالثة

 المقدّمة:
إنّ علامات الظهور للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف تشكّل في منظومتها الفكريّة بصنفيها المحتومة وغير المحتومة فكراً عقائديّاً عمل الأئمّة المعصومون على ترسيخه في أذهان الناس، وهذا لا يختلف كثيراً عن باقي العقائد الإسلاميّة, بل لا يختلف عن نفس عقيدة الشيعة بأئمّة أهل البيت عليهم السلام.
 
غير أنّ فكرة علامات الظهور تخطت كونها مسألة عقائديّة يؤمن بها المسلم, بل كان لها تأثيرها العمليّ في سلوكه الفرديّ الشخصيّ والاجتماعيّ، فبدلاً من أن يكون مؤمناً بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف صار لزاماً عليه أن ينتظر ظهوره ويمهّد الأرضيّة المناسبة لذلك الظهور، ولذا حدّد أهل البيت عليهم السلام الخطوط العامّة التي ينبغي على المسلم أن يتعامل من خلالها مع أحداث ما قبل الظهور، وكيف يمكن له أن يتصرّف حيال تلك العلامات الحتميّة وغير الحتميّة التي تحصل في زمانه. 
 
محاور الموضوع
1- الآثار السلبيّة للتطبيق والفهم الخاطئ لعلامات الظهور: 
• توجيه الكذب للمعصوم: إنّ تطبيق علامات الظهور وسرعة الاعتماد عليها قد يؤدّي إلى توجيه تهمة الكذب للمعصومين عليهم السلام وذلك حيث إنّ المعصوم قد حدّد
 
246

210

المحاضرة الثالثة

 العلامات وبيّن أسبابها وظروفها وأماكن حدوثها, فلو حدث في مكان ما علامات خلفت قول المعصوم أو تقدّمت علامة على أخرى فإنّ ذلك يكون مخالفاً لكلام المعصوم عليه السلام فإمّا أن تكون المشكلة في نفس تحقّق العلامة، وإمّا أن تكون المشكلة في نصّ كلام المعصوم. 
 
• إبطال فكرة الانتظار: لقد أمرنا بالانتظار انتظار الفرج المحتوم، ولكن لو اعتمدنا على علامات غير دقيقة أو أنّها خيِّلت لنا - ولو من خلال التحليل- أنّها هي العلامة المقصودة في الرواية ثمّ تبيّن خلاف ما حلّلناه فإنّ ذلك سوف ينعكس سلباً على انتظارنا للإمام عليه السلام ، حيث يصبح الإنسان غير مكترث بما سوف يحصل ولا يعدّ نفسه للظهور, بل قد يصل به الأمر إلى مرحلة أنّ العلامة تكون فعلاً قد تحقّقت إلّا أنّه ولكثرة الخطأ الحاصل في فهم وتحليل علامات الظهور ترك الاستعداد فلا يؤمن بتلك العلامة وإن كانت صحيحة. 
 
• تشويش أفكار الناس: إنّ الإسراع في عمليّة تطبيق علامات الظهور، يؤدّي إلى آثار سلبيّة على نفوس الناس وينعكس سلباً على ضعاف الإيمان بالخصوص، فقد تصل المسألة إلى مرحلة الشكّ، وعند البعض الآخر إلى مرحلة اليأس. 
 
• فتح الباب أمام الكثير من العابثين بالعقيدة المهدويّة: من خلال تشويه صورتها والقول بأنّ هذه الفكرة غير صحيحة،
 
247

211

المحاضرة الثالثة

 حيث يكثر فيها الكذب والافتراء وأنّ ما يقال بأنّه من علامات المهديّ فلم يتحقّق، وأنّ تلك الأخرى لم تتحقّق فينعكس ذلك على أصل العقيدة ويتمسّك به المنكرون للإمامة ولقضيّة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا ما نلاحظه في مجتمعاتنا المعاصرة، فكثير من الأشخاص المنكرين لقضيّة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يتمسّكون بهذه الأمور ويقولون بأنّ ما تدّعونه من علامات لم تحصل، وما من علامات طبّقت إلّا وبان فساده بعد مدّة, فهذا دليل على بطلان أصل العقيدة المهدويّة.
 
• إحداث خلل في المسار العامّ لحركة الظهور: حيث إنّ تطبيق كثير من العلامات أو التسرّع في تلقّفها سببه هو عدم الفهم والوضوح لتسلسل علامات الظهور، فقد يؤدّي ذلك إلى تقديم علامات وتأخير أخرى ممّا يحدث خللاً في المنظومة العامّة لسير علامات الظهور. 
 
2- توصيات الأئمّة المعصومين عليهم السلام بشأن علامات الظهور: 
• انتظار الفرج: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلّ انتظار الفرج ما دام عليه العبد المؤمن..."1.

1- الخصال ص 616. 
 
248
 

212

المحاضرة الثالثة

• عدم التوقيت: نهى أهل البيت عليهم السلام عن التوقيت في ظهور المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والتوقيت يتضمّن تطبيق العلامات على أشخاص قد يظنّ الشخص أنّهم هم الذين تحدّثت عنهم الروايات، عن عبد الرحمن بن كثير قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم، فقال له: جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر، متى هو؟ فقال: "يا مهزم, كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون"1.
 
• عدم الاستعجال في التعاطي مع العلامة غير المحتومة: عن أبي المرهف ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "الغبرة على من أثارها، هلك المحاضير", قلت: جعلت فداك وما المحاضير؟ قال: "المستعجلون؛ أما إنّهم لن يريدوا إلّا من يعرض لهم"، ثمّ قال: "يا أبا المرهف, أما إنّهم لم يريدوكم بمجحفة إلّا عرض الله عزَّ وجلّ لهم بشاغل"، ثمّ نكت أبو جعفر عليه السلام في الأرض ثمّ قال: "يا أبا المرهف!" قلت: لبيك, قال: "أترى قوماً حبسوا أنفسهم على الله عزّ ذكره لا يجعل الله لهم فرجاً؟ بلى والله ليجعلنّ الله لهم فرجاً"2.
 
• ضرورة وعي العلاقة والارتباط بين تحقّق العلامة غير الحتميّة ونظام البداء والقضاء غير المُبرم إلهيّاً: الفضل الكاتب قال: 

1- أصول الكافي ج 1 ص 368. 
2- فروع الكافي ج 8 ص 274.
 
249 
 

213

المحاضرة الثالثة

 كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه كتاب أبي مسلم فقال ليس لكتابك جواب, اخرج عنّا, فجعلنا يسارّ بعضنا بعضاً، فقال: "أيّ شيء تسارّون يا فضل؟! إنّ الله عزَّ وجلّ ذكره لا يعجل لعجلة العباد، ولَإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقص أجله" ثمّ قال: "إنّ فلان بن فلان حتّى بلغ السابع من ولد فلان"، قلت: فما العلامة فيما بيننا وبينك جعلت فداك؟ قال: "لا تبرح الأرض يا فضل حتّى يخرج السفيانيّ فإذا خرج السفيانيّ فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثاً - وهو من المحتوم"1.
 
• معرفة العلامة أي معرفة الإمام المهديّ: عن عمر بن أبان قال: سمعتُ أبا عبد الله الإمام جعفر الصادق عليه السلام:يقول: "اعرف العلامة فإذا عرفته لم يضرّك، تقدّمَ هذا الأمرُ أو تأخّر إنَّ الله عزَّ وجلّ يقول: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ فمَن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المُنتَظَر عليه السلام"2.
 
• التحذير من الخفّة والانزلاق وراء أدعياء الإصلاح المواكبين للإصلاح الشامل: جابر الجعفيّ عن أبي جعفر عليه السلام يقول: "إلزم الأرض لا تحرّكنّ يدك ولا رجلك أبداً حتّى ترى علامات أذكرها لك في سنة" - ثمّ ذكر العلامات المحتومة مع تفاصيل 

1- فروع الكافي ج 8 ص 274.
2- أصول الكافي ج 1 ص 372. 
 
250
 

214

المحاضرة الثالثة

 كلّ منها -، وقال: "وإيّاك وشذّاذ من آل محمّد عليهم السلام ، ولا تتّبع منهم رجلاً أبداً حتّى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه..."1.
 
• التريّث والانتظار لمعرفة مآل المدّعي أو الشخصيّة التي تظهر عليها تلك العلامة: عن عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: "والله لا يخرج واحد منّا قبل خروج القائم عليه السلام إلّا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به"2.
 
• التحذير من ظهور رايات تدّعي الدعوة للمهديّ: عن المفضّل بن عمر الجعفيّ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: سمعته يقول: "إيّاكم والتنويه، أما والله ليغيبنّ إمامكم سنين من دهركم، وليمحّص حتّى يقال مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيدّه بروح منه، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يُدرى أيّ من أيّ"، قال: فبكيت، فقال لي: "ما يبكيك يا أبا عبد الله؟" فقلت: وكيف لا أبكي وأنت تقول: "ترفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيّ من أي"، فكيف نصنع؟ 

1- تفسير العياشي ج 1 ص 64. 
2- فروع الكافي ج 8 ص 264. 
 
 
251

215

المحاضرة الثالثة

 قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُّفّة، فقال: "يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟"، قلت: نعم، قال: "والله! لأمرنا أبين من هذه الشمس"1.
 
• رواية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف واضحة المعالم: كما جاء في الرواية السابقة عن المفضّل بن عمر الجعفيّ، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال جابر: وأنت تقول: "ترفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أيّ من أيّ"، فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُّفّة، فقال: "يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟"، قلت: نعم، قال: "والله! لأمرنا أبين من هذه الشمس"2.
 
• الاستعجال: قال إبراهيم بن خليل: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك، مات أبي على هذا الأمر وقد بلغت من السنين ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيء؟ فقال عليه السلام: "يا أبا إسحاق, أنت تعجل!" فقلت: إي والله أعجل وما لي لا أعجل وقد بلغت من السنّ ما ترى! فقال عليه السلام: "..أما والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتّى تميزوا وتمحّصوا، وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ.."3.
 
• إنّ الأمر بيد الله سبحانه وتعالى: وعن أبي جعفر عليه السلام: ".. ما 

1- كمال الدّين وتمام النعمة ص347. 
2- كمال الدّين وتمام النعمة ص347. 
3- غيبة النعمانيّ ص 111. 
 
252
 

216

المحاضرة الثالثة

 لكم لا تملكون أنفسكم وتصبرون حتّى يجيء الله تبارك وتعالى بالذي تريدون، إنّ هذا الأمر ليس يجيء على ما تريد الناس, إنّما هو أمر الله تبارك وتعالى وقضاؤه والصبر، وإنّما يعجل من يخاف الفوت"1.
 
• إنّ أمر الظهور له غايته ووقته المحدّد الذي لا يمكن أن يتخلّف عنه: وعن الصادق عليه السلام عند ذكر ملوك بني العبّاس قال: "إنّما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر، إنّ الله لا يعجل لعجلة العباد، إنّ لهذا الأمر غاية يُنتهى إليها فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا"2.
 
• عدم إذاعة وقت الظهور: عن إسحاق بن عمّار، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "يا أبا إسحاق، إنّ هذا الأمر قد أخّر مرّتين"3.
 
قصّة وعبرة: 
عن الصادق عليه السلام: "وأمّا إبطاء نوح عليه السلام ، فإنّه لمّا استنزلت العقوبة على قومه من السماء بعث الله عزَّ وجلّ الروح الأمين عليه السلام بسبع نويّات، فقال: يا نبيّ الله, إنّ الله تبارك وتعالى يقول لك: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي ولست

1- قرب الإسناد ص 381. 
2- أصول الكافي ج 1 ص 369. 
3- غيبة النعمانيّ ص 303. 
 
253
 

217

المحاضرة الثالثة

  أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإنّي مُثيبك عليه، واغرس هذه النوى فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين، فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرت وتسوّقت وتغصّنت وأثمرت وَزَهَا الثمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله سبحانه وتعالى العِدَة، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكّد الحجّة على قومه.
 
فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل وقالوا: لو كان ما يدّعيه نوح حقّاً لما وقع في وعد ربّه خُلف.
 
ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرّات، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدّ منه طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلاً، فأوحى الله تبارك وتعالى عند ذلك إليه، وقال: يا نوح, الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرّح الحقّ عن محضه وصُفِّي من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة، فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوّتك بأن أستخلفهم في الأرض وأمكّن لهم دينهم وأبدل خوفهم بالأمن 
 
254

218

المحاضرة الثالثة

 لكي تَخْلُص العبادة لي بذهاب الشكّ من قلوبهم، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم، مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينهم وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة، فلو أنّهم تسنّموا منّي الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لَنشقُوا روائح صفاته ولاستحكمت سرائر نفاقهم وتأبّدت حبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرّد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدّين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾.
 
قال الصادق عليه السلام: "وكذلك القائم فإنّه تمتدّ أيّام غيبته ليصرّح الحقّ عن محضه ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف"1.

1- كمال الدّين وتمام النعمة ص 355. 
 
255
 

219

المحاضرة الأولى

 مفهوم زيارة الإمام الحسين عليه السلام وأبعادها
 
الهدف:
الإطلالة على بعض أبعاد زيارة الإمام الحسين عليه السلام وما احتوته من تعاليم تربويّة وعقائديّة وأخلاقيّة وغيرها.
 
تصدير الموضوع:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "من أراد أن يكون في جوار نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وجوار عليّ وفاطمة, فلا يدع زيارة الحسين بن عليّ عليهما السلام1".

1- كامل الزيارات ص 260.
 
259
 

220

المحاضرة الأولى

 وارث عيسى روح الله, السلام عليك يا وارث محمّد حبيب الله, السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين عليه السلام وليّ الله, السلام عليك يا بن محمّد المصطفى, السلام عليك يا بن عليّ المرتضى, السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء, السلام عليك يا بن خديجة الكبرى, السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور"1.
 
ب- التولّي والتبرّي: تحدّثت الزيارات عن شهادة الإمام عليه السلام وأصحابه ودورهم الذي قدّموه, وإعلان الزائر الموالاة للإمام عليه السلام الممثّل لخطّ الحقّ والشريعة, والبراءة من أعدائه الذين يمثّلون خطّ الباطل على مرّ العصور: "فلعن الله أمّة قتلتك, ولعن الله أمّة ظلمتك, ولعن الله أمّة سمعت بذلك فرضيت به"2.
 
ج- الواجبات والوظائف الدينيّة: "أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله ورسوله حتّى أتاك اليقين"3.
 
2- البعد العبّادي في الزيارة:
الزيارة عمل يُراد من خلاله ربط الزائر بمفاهيم إسلاميّة خاصّة 

1- مصباح المتهجد ص 720.
2- مصباح المتهجد ص 720.
3- مصباح المتهجد ص 720.
 
261
 

221

المحاضرة الأولى

 وتذكيره بها وتجديد صلته بها, ولذلك كانت أمراً عباديّاً وليس عملاً ترفيهيّاً. ومن هنا ورد الأجر الكبير والثواب الجزيل لزائر الحسين عليه السلام.
 
منها ما عن معاوية بن وهب، قال: استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فقيل لي: ادخل، فدخلت، فوجدته في مصلّاه في بيته، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه وهو يقول: "اللهمّ يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا بالشفاعة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني، وزوار قبر أبي عبد الله الحسين، الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم، رغبة في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك. فكافهم عنّا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصحبهم، واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، وكلّ ضعيف من خلقك وشديد، وشرّ شياطين الإنس والجنّ، وأعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم".
 
"اللهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيَّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حفرة
 
 
262

222

المحاضرة الأولى

 أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا. اللهمّ إنّي أستودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس، حتّى توافيهم من الحوض يوم العطش". فما زال يدعو وهو ساجد بهذا الدعاء، فلمّا انصرف قلت: جعلت فداك, لو أنّ هذا الدعاء الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله عزَّ وجلّ لظننت أنّ النّار لا تطعم منه شيئاً أبداً، والله لقد تمنّيت أنّي كنت زرته ولم أحجّ، فقال لي: "ما أقربك منه! فما الذي يمنعك من زيارته؟". ثمّ قال: "يا معاوية, ولم تدع ذلك"، قلت: جعلت فداك, لم أدر أنّ الأمر يبلغ هذا كلّه، فقال: "يا معاوية, من يدعو لزواره في السماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض"1.
 
3- البعد السياسيّ في الزيارة:
فقد كانت الزيارة أسلوباً من الأساليب التي كان الأئمّة عليهم السلام يوجّهون الناس من خلالها لحفظ الخطّ الحسينيّ الذي يمثّل الإسلام الصحيح, في قبال السلطة الحاكمة التي كانت تمثّل التيّار الفاسد والمنحرف عن خطّ الإسلام.
 
وقد تنبّهت السلطات آنذاك إلى خطورة هذا الأمر فقامت بمنع

1- كامل الزيارات ص 228- 229.
 
263

 

223

المحاضرة الأولى

 الزائرين من الوصول إلى ضريحه المقدّس, وقد تمثّل ذلك من خلال أمرين:
 
الأمر الأوّل: وضع الشرط والجواسيس على الطرق المؤدّية إلى كربلاء لمنع الزائرين من الوصول إلى مرقده الشريف, وكانوا ينزلون بهم أشدّ ألوان العقوبات من سلب الأموال وقطع الأيدي والقتل..
 
الأمر الثاني: محاولة إخفاء القبر الشريف من خلال هدمه وإجراء الماء عليه, لتزول معالم الزيارة من رأس.
وهو ما يدلّل على مدى مضايقة السلطة الحاكمة من ظاهرة الزيارة ومدى إحساسها بخطورة هذا التيّار.
 
وقد كان ذلك في عهد المتوكّل العبّاسيّ الذي كان شديد البغض لشيعة عليّ عليه السلام , يقول أبو الفرج الإصفهانيّ: وبعث برجل من أصحابه يقال له: الديزج، وكان يهوديّاً فأسلم، إلى قبر الحسين، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب كلّ ما حوله، فمضى ذلك وخرّب ما حوله، وهدم البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلمّا بلغ إلى قبره لم يتقدّم إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء حوله، ووكّل به مسالح بين كلّ مسلحتين ميل، لا يزوره زائر إلّا أخذوه ووجّهوا به إليه1.

1- مقاتل الطالبيّين ص 395.
 
264
 

224

المحاضرة الأولى

 4- الحزن في زيارته:
عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: "إذا أردت زيارة الحسين عليه السلام فزره وأنت كئيب حزين مكروب، شعث مغبّر، جائع عطشان، فإنّ الحسين قُتل حزيناً مكروباً شعثاً مغبّراً جائعاً عطشان.."1.

1- كامل الزيارات ص 252.
 
265
 

225

المحاضرة الثانية

 الشباب أهميّته وخطورته
 
الهدف:
التعرّف على أهميّة مرحلة الشباب وما تكتنفه من مخاطر وتحدّيات, وما تشكّله من فرصة لا تتوفّر للإنسان مرّة أخرى.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾1.

1- سورة الروم الآية 54.
 
267
 

226

المحاضرة الثانية

 المقدّمة:
تعتبر مرحلة الشباب من أهمّ مراحل حياة الإنسان, حيث إنّها مرحلة تكون قد تفتّحت فيها قواه وغرائزه, ويستطيع أن ينجز فيها ما لا ينجزه في مرحلة أخرى, فهي مرحلة البناء التي تحدّد مستقبله في الدنيا, وقد تكون أيضاً التي تحدّد مصيره في الآخرة.
 
محاور الموضوع
1- أهميّة مرحلة الشباب:
أ- الاستعداد القويّ: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته"1.
 
ب- نعمة إلهيّة لا يعرفها إلّا من فقدها: وعنه عليه السلام: "شيئان لا يعرف فضلهما إلّا من فقدهما: الشباب والعافية"2.
 
وفي وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام: "يا عليّ, بادِر بأربعٍ قبل أربعٍ: شبابِك قبل هرمِك, وصحّتِك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وحياتِك قبل موتك"3.
 
ولذلك فإنّ الإنسان يسأل عنها يوم القيامة: فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتّى يسأل عن

1- نهج البلاغة الوصية رقم 31.
2- ميزان الحكمة ج 2 ص 1400.
3- من لا يحضره الفقيه ج 4 ص357.
 
268
 

227

المحاضرة الثانية

 أربع: عن عُمُره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن حبّنا أهل البيت"1.
 
ج- الشباب هم عنوان المجتمع ورموزه: وعن الإمام الباقر عليه السلام: "كان أبي زين العابدين عليه السلام إذا نظر إلى الشباب الذين يطلبون العلم, أدناهم إليه وقال: مرحباً بكم, أنتم ودائع العلم, ويوشِك إذ أنتم صغار قومٍ أن تصبحوا كبار آخرين"2.
 
هـ- المهديّ عليه السلام وأصحابه شباب: عن أبي الصلت الهرويّ قال: قلت للرضا عليه السلام: ما علامات القائم منكم إذا خرج؟ قال: "علامته أن يكون شيخ السنّ شابّ المنظر, حتّى إنّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها"3.
 
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "أصحاب المهديّ شباب لا كهول فيهم إلّا مثل كُحل العين والملح في الزاد, وأقلّ الزاد الملح"4.
 
2- فرصة الشباب:
إنّ تكوين شخصيّة الإنسان وتحديد مستقبله يبدأ في هذه المرحلة, فعلى الإنسان أن يستغلّها ليكون إنساناً ناجحاً في الدنيا 

1- الخصال ص 253.
2- الدر النظيم ص 587.
3- كمال الدّين وتمام النعمة ص 652.
4- الغيبة للنعمانيّ ص 330.
 
269
 

228

المحاضرة الثانية

 وسعيداً في الآخرة. ونلفت هنا إلى أمرين مهمّين لا بدّ أن يتحلّى بهما في هذه المرحلة:
أ- العلم:
عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه لولده الحسن عليه السلام: "ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نيّة سليمة ونفس صافية، وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره"1.
 
وعن الباقر والصادق عليهما السلام: "لو أُتيت بشابّ من شباب الشيعة لا يتفقّه في الدّين لأدّبته"2.
 
ب- العبادة:
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تعالى يحبّ الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله تعالى"3.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تعالى يُباهي بالشابّ العابد الملائكة يقول: انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي"4.

1- نهج البلاغة الوصية رقم 31.
2- المحاسن ج 1 ص 228.
3- ميزان الحكمة ج 2 ص 1402.
4- ميزان الحكمة ج 2 ص 1401.
 
270

229

المحاضرة الثانية

 عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله عزَّ وجلّ مع السفرة الكرام البررة, وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة"1.
 
3- فتنة الشباب:
وحيث كانت مرحلة الشباب مرحلة تفتّح الغرائز والشهوات فإنّ الإنسان قد يقع فريسة الفتن المختلفة التي يقوى طلبها في هذه المرحلة. ونشير هنا إلى بعض ما يجب التنبّه له بالنسبة إلى الشابّ:
 
أ- الجنس الآخر:
عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "يُؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها, فتقول: يا ربِّ حسَّنت خَلقي حتّى لقيت ما لقيت, فيجاء بمريم عليها السلام فيُقال: أنت أحسن أو هذه؟ قد حسَّنّاها فلم تفتتن, ويُجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حُسنه, فيقول: يا ربِّ حَسَّنت خَلقي حتّى لقيت من النساء ما لقيت, فيُجاء بيوسف عليه السلام فيُقال: أنت أحسن أو هذا؟ قد حسَّنّاه فلم يفتتن.."2.

1- أصول الكافي ج 2 ص 603.
2- بحار الأنوار ج 7 ص 285.
 
271
 

230

المحاضرة الثانية

 ب- الرفقة:
فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يُخالل"1.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "خير إخوانك من أعانك على طاعة الله, وصدَّك عن معاصيه, وأمرك برضاه"2.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "خير إخوانكم من أهدى إليكم عيوبكم"3.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير الإخوان من كانت في الله مودّته"4
وعنه عليه السلام: "للأخلاء ندامة إلّا المتّقين"5. إشارة إلى قوله تعالى: ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾6.
 
ج- طلب المال:
قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾7.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "المال مادّة الشهوات"8.
 
ولكن هذا لا يعني أن يكون كلّاً على الناس, فعن أبي عبد

1- مستدرك الوسائل ج 8 ص 327.
2- ميزان الحكم ج 1 ص 46.
3- ميزان الحكم ج 1 ص 46.
4- ميزان الحكم ج 1 ص 46.
5- ميزان الحكم ج 2 ص 1586.
6- سورة الزخرف الآية 67.
7- سورة العلق الآيتان 6 و7.
8- نهج البلاغة, الحكم, رقم 58.
 
272
 

231

المحاضرة الثانية

 الله عليه السلام يقول: "لا خير في من لا يحبّ جمع المال من حلال يكفّ به وجهه ويقضي به دينه ويصل به رحمه"1.
 
وعن أبي عبد الله عليه السلام يقول: "استعينوا ببعض هذه على هذه ولا تكونوا كلولاً على الناس"2.
 
بل عليه أن يتخذ الدنيا وسيلة لعمارة الآخرة, فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "نعم العون الدنيا على الآخرة"3.
وعن عبد الله بن أبي يعفور قال: قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام: والله إنّا لنطلب الدنيا ونحبّ أن نؤتاها فقال: "تحبّ أن تصنع بها ماذا؟" قال: أعود بها على نفسي وعيالي وأصل بها وأتصدّق بها وأحجّ وأعتمر, فقال عليه السلام: "ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة"4.
 
أحلى ما خلق الله:
عن ابن أبي ليلى أنّه قال للصادق عليه السلام: "أيّ شيء أحلى ممّا خلق الله عزَّ وجلّ؟ فقال: "الولد الشابّ"، فقال: أيّ شيء أمَرُّ ممّا خلق الله عزَّ وجلّ؟ قال: "فَقْدُه"، فقال: أشهد أنّكم حجج الله على خلقه"5.

1- فروع الكافي ج 5 ص 72. 
2- فروع الكافي ج 5 ص 72.
3- فروع الكافي ج 5 ص 73.
4- فروع الكافي ج 5 ص 72.
5- من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 188.
 
273
 

232

المحاضرة الثالثة

 ضرورة الإصلاح بين الناس
 
الهدف:
الإضاءة على أهميّة الإصلاح وفضله, وضرورة تحقيقه بين المؤمنين, لما فيه من إيجاد الإلفة والمحبّة والتعاون بينهم.
 
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾1. وقال سبحانه: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾2

1- سورة الأنفال الآية 1.
2- سورة النساء الآية 128.
 
275
 

233

المحاضرة الثالثة

 المقدّمة:
تعرّضت الروايات الشريفة لفضل الإصلاح بين المؤمنين, واعتبرته أفضل الطاعات والعبادات, لما يحقّقه من أرضيّة مساعدة تعين الإنسان على طاعة الله تعالى.
 
محاور الموضوع
1- فضل الإصلاح:
أ- أفضل من الصلاة والصيام: عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته عند وفاته، للحسن والحسين عليهما السلام: "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّ جدّكما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: صلاح ذات البين، أفضل من عامّة الصلاة والصيام"1.
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما عمل رجل عملاً بعد إقامة الفرائض خيراً من إصلاح بين الناس يقول خيراً أو يتمنّى خيراً"2
 
ب- صدقة يحبّها الله: عن حبيب الأحول قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "صدقة يحبّها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا"3

1- نهج البلاغة الوصيّة رقم 47.
2- وسائل الشيعة ج 18 كتاب الصلح باب 1 حديث 8.
3- أصول الكافي ج 2 ص 209.
 
276
 

234

المحاضرة الثالثة

 آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾1
 
• الالتزام بقواعد القتال: يقول تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾2.
 
2- أهداف الجهاد: 
• اجتثاث الفتنة والشرك: يقول تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾3.
 
• إخافة أعداء الله وأعداء المسلمين: يقول تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾4.
 
• حفظ المعابد الدينيّة والمقدّسات: يقول تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾5.
 
• العذاب والخزي على المعتدين: يقول تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ 

1- سورة النساء الآية 91.
2- سورة البقرة الآية 190.
3- سورة الأنفال الآية 39.
4- سورة الأنفال الآية 60.
5- سورة الحجّ الآية 40.
 
303
 

235

المحاضرة الثالثة

 يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾1.
 
3- ضوابط عامّة في الجهاد:
ذكر الله تعالى ستّةً من الضوابط والقوانين لا بدّ من مراعاتها في الجهاد جاء ذلك في ثلاث آيات من سورة الأنفال يحدّد الله فيها قوانين النصر على الأعداء في جبهات القتال وهي:
• الثبات: يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ﴾.
• ذكر الله: يقول تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾.
• إطاعة الله ورسوله: يقول تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾.
• اجتناب التنازع: يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.
• الصبر: يقول تعالى: ﴿وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
• اجتناب الغرور والرياء: يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ﴾2.

1- سورة التوبة الآية 14.
2- سورة الأنفال الآية 45-47.
 
304
 

236

المحاضرة الثالثة

 4- آثار الجهاد في سبيل الله وفضله:
أ- صلاح الدّين والدنيا: عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله فرض الجهاد وعظمه, والله ما صلحت دنيا ولا دين إلّا به"1.
 
ب- محو للذنوب وعلوّ للدرجات: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من خرج مرابطاً في سبيل الله تعالى أو مجاهداً فله بكلّ خطوة سبعمائة ألف حسنة ويمحى عنه سبعمائة ألف سيّئة ويرفع له سبعمائة ألف درجة"2.
 
ج- استجابة الدعاء: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ثلاثة دعوتهم مستجابة: الحاجّ فانظروا بما تخلفونه, والغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه, والمريض فلا تعرّضوه"3.
 
د- الشفاعة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ثلاثة يشفعون إلى الله عزَّ وجلّ فيشفّعون: الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشهداء"4.
 
هـ - دخول الجنّة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ألا إنّ الله عزَّ وجلّ ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنّة: عامل 

1- وسائل الشيعة ج 11 ص 9.
2- ثواب الأعمال ص 293.
3- بحار الأنوار ج 81 ص 225.
4- الخصال ص 156.
 
305
 

237

المحاضرة الثالثة

 الخشبة والمقوّي به في سبيل الله، والرامي به في سبيل الله"1.
 
5- قصّة وعبرة:
قال خيثمة أبو سعد بن خيثمة: يا رسول الله إنّ قريشاً مكثت حولاً تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها... وعسى الله أن يظفرنا بهم، فتلك عادة الله عندنا، أو يكون الأخرى فهي الشهادة، لقد أخطأتني وقعة بدر، وقد كنت عليها حريصاً، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد رأيت ابني البارحة في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنّة وأنهارها، وهو يقول: الحق بنا ترافقنا في الجنّة فقد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقاً إلى مرافقته في الجنّة وقد كبرت سنّي ورقّ عظمي وأحببت لقاء ربّي، فادع الله أن يرزقني الشهادة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقتل بأحد شهيد2.
 
6- من صور الجهاد في كربلاء:
بعد أحداث الكوفة التحق عابس بسيّد الشهداء عليه السلام وفي يوم عاشوراء وبعد استشهاد غلامه شوذب تقدّم نحو

1- وسائل الشيعة ج 15 ص 140.
2- بحار الأنوار ج 20 ص 125.
 
306
 

238

المحاضرة الثالثة

 الإمام عليه السلام وقال له: "يا أبا عبد الله، أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريبٌ ولا بعيدٌ أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته. السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك".
 
ثمّ مشى بالسيف مصلتاً نحو القوم وكان شجاعاً إلى الحدّ الذي لم يجرؤ أحدٌ من القوم أن يبرز إليه ليقاتله وجهاً لوجه فنادى عمر بن سعد: ويلكم أرضخوه بالحجارة, فرمي بالحجارة من كلّ جانب فلمّا رأى ذلك ألقى درعه وخوذته خلفه وبرز بقميصه نحو جيش ابن سعد ثمّ استشهد1 (رضوان الله عليه).

1- وقعة الطفّ، ص‏100.
 
307
 

239
زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني 1435 هـ