بطاقة هوية
بطاقة هوية
الموضـوع: ندوة فكرية
العنوان الرئيسي: مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا وأثرها في صناعة القرار
العنوان الفرعي الأول: مركز الأبحاث في أميركا
المحاضر: السيد نواف الموسوي - مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله
العنوان الفرعي الثاني: مصانع الأفكار الأمريكية وتأثيرها في السياسة الخارجية
المحاضر: الأستاذ سمير كرم - مدير الدراسات - مركز دراسات الوحدة العربية
المداخلات: د. علي الخطيب - د. عبد الأمير فضل الله - الشيخ محمد شبر آل الفقيه - أ. حسين سلوم - أ. فادي خليفة - أ. قاسم قصير
مقدم الندوة: السيد علي عبد الله فضل الله
منظم الندوة: مركز الإمام الخميني الثقافي- بيروت
2
1
كلمة مقدم الندوة
كلمة مقدم الندوة
السيد علي عبد الله فضل الله
بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
بداية نرحب بالضيفين الكريمين السيد نواف الموسوي مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله والأستاذ سمير كرم مدير الدراسات في مركز دراسات الوحدة العربية.
إن الإنسان مناط السياسة، وسياسة الناس نشاط بشري فريد من نوعه، فهو ليس كأي نشاط مجتمعي آخر، بل يعنى بترتيب وتثمير المصالح المتضاربة على الأرض بما يحقق هدفاً محدداً رأس مزاول أو مزاولي العمل السياسي، وأثناء ممارسة السياسة، يتحكم فيها وفي إيصالها إلى شكل معين العديد من المؤثرات؛ أولاً منهج التعاطي مع شبكة تفاعلات الناس فيما بينهم.
وثانياً: فهم السياسي للحالة، فالبنسبة لمنهجية التعاطي واتجاه ردات الفعل على حركة الناس تتحكم بالسياسي رؤيته للكون وللإنسان فإذا كان مؤمناً بوجود حياة أخرى أكثر أهمية من التي يعيشها، حياة أخرى تتحدد معالمها بصرامةٍ بكيفة التزامه بقوانين أرقى وأقوى من المادة، فإن ممارسته للعمل السياسي ستتحدد وفقاً لآليات هذا الالتزام.
وإذا كان مثالياً أو متطلعاً على الدوام إلى ما يجب أن يكون كان في سياسته قفزٌ فوق حكم الواقع.
7
2
كلمة مقدم الندوة
وإذا كان واقعياً أو مزاوجاً بين أشكالٍ متعددة لفهم السياسة العامة، لن تكون سياسته إلا وفقاً لهذا الفهم.
أما بالنسبة لفهم السياسي للحالة المتعينة أمامه، فإنه محكوم قطعاً بحجم معلوماته عن هذه الحالة وعن طريقة تطورها.
من هنا قيل أن من يملك المعلومات يملك القوة. وحين نصل إلى هذه النقطة، نكون قد وصلنا إلى أهمية مراكز الأبحاث والدراسات في عالم اليوم، فمهمتها توفير المعلومات.
ومتى كانت هذه المراكز ممأسسة أكثر فخطوط اتصالها بمراكز القرار أمتن، وفهم الفاعلين السياسيين لأهمية نتاج هذه المراكز أعمق، فإن السياسة ستحقق أكبر قدرٍ من المكاسب مقابل أقل قدرٍ من الخسائر. وفي الولايات المتحدة تأثر علم وفن السياسة بمنهجيات العلوم الطبيعية نتيجة تأثر دارسي السياسة الأميركيين الأوائل بمفاهيم المدرسة الألمانية التي فصلت السياسة عن غيرها من العلوم واعتبرتها عنواناً قائماً بذاته فتحول "ودرو ولسن" إلى دراسة الحقائق على الأرض بعيداً عن ما تفترضه "شؤون" الأخلاق والتاريخ، وطالب "تشارلز ميريام" بالتركيز على الإحصائيات والتجارب والدراسات في دراسة الظاهرة السياسية، وقامت مدرسة شيكاغو على استخدام علم النفس في فهم صناع القرارت، وصولاً إلى فصل القوة عن القيم وتطبيق الفرويدية على دراسة القوة.
وظهرت "Cybenetics" في تلك الحقبة على يد "نوربرت وينر" لتهدف إلى إدخال المعادلات الرياضية والنماذج المسبقة إلى العلوم السياسية. وإلى السلوكية وما بعد السلوكية، انتقد البعض إصرار
8
3
كلمة مقدم الندوة
هذه المدارس على تحويل السياسية إلى علم كالفيزياء، الأمر الذي رد عليه "البرت إينشتاين" بقوله: "السياسة أصعب من الفيزياء"، وكان سعي "المارشال فوبان"إلى إجراء استطلاعات رأي في القرن السابع عشر باكورة ظهور الاهتمام بهذا الموضوع الذي تبلور مع دراسات "أدولف جنسن" عام 1925م، ونشوء معهد "غالوب بول""Gallop Poll" عام 1935م في أميركا و"I,F,O,P" و ال"S,O,F,R,E,S" في فرنسا.
ونحن في البلدان العربية والإسلامية معنيون تماماً بفهم آليات صنع القرار في الولايات المتحدة، وتأثير مراكز الدراسات التي أكثرت في الفترة الأخيرة من إرسال خبرائها وباحثيها إلى مناطقنا للتعرف عليها والتعريف عنها.
ومتى عرفنا أن تفضيلات صانع القرار خاضعة لمبنى نمويّ "Developmental Constract" يوجه قراراته كما يقول "لازويل"، وأننا جزء من رقعة الشطرنج التي على أساسها يتحدد مستقبلنا ضمن معادلة "ريمون آرون" للقوة، فإن علينا مسؤوليات ليست صغيرة لتقديم مزايا نسبية أكثر فعالية في النظام الدولي الراهن.
فدراسات Presthus و Ericson,Grozier, Barnham حول القيادة وشخصية صناع القرار تتقاطع مع استنتاجات "ألفن توفلر"من إن القوة تكمن في المعرفة، وتمنح الولايات المتحدة اليوم 35 ألف شهادة دكتوراه في السنة تغذي دراساتها، من بينهم مجموعة من النصف مليون طالب أجنبي الذين يدخلون الجامعات الأميركية سنوياً. هذا الدفق يستثمر في مراكز الدراسات، وبعض القوة يؤمن قوة أكبر(Mike Davis) .
9
4
كلمة مقدم الندوة
وإذا أردنا كعرب ومسلمين أن نتقدم، علينا أن نحقق ثلة من الواجبات منها التركيز على الإنتاج المعرفي (Brenner)، وتطويق مراكز الخمول والاعتماد غير المتبادل كما يقول "Olson" .
10
5
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
السيد نواف الموسوي1
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.الاخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة من الله وبركاته.
ثمة إجماع اليوم على قوة تأثير مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة الأميركية في صناعة القرار، وبوسعنا أن نعثر فيما كتب حديثاً في الدراسات التي أنتجت والأبحاث التي قدمت على كثيرٍ من الأسماء التي تحولت إلى مستشرقين لدى صناع القرار في الإدارة الأميركية، على سبيل المثال صحيفة "الجارديين" في 19آب/2002م كتبت تقريراً مفصلاً عنونته:" مراكز الأبحاث الأمريكية تعطي دروساً في السياسة الخارجية"، يستعرض هذا التقرير أسماء لمراكز دراسات، أسماء لشخصيات باحثين، كيف يسهمون في تقديم المشورة للإدارة الأميركية، كيف يقدمون المعطيات إلى الرأي العام.
حين دعيت إلى هذه الندوة أعددت بمعاونة بعض الأصدقاء قائمة طويلة بأسماء بعض مراكز الدراسات وخلفياتها، وبوسعنا أن نستعرض الأسماء من "دانيل بايبس" إلى "إبراهامس"، وأن نعطي لكل واحدٍ نبذةً عما قدمه، وعن دوره في صناعة القرار .
بوسعنا أن نقرأ أيضاً في صحيفة "هأرتس" قبل شن الحرب
1- مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله.
11
6
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
على العراق مقالاً يدعو إلى إعادة قراءة وثيقة سبق أن أُعدت عام 1996م، يقول صاحب المقالة: إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في العراق الآن علينا أن نعود إلى تلك الوثيقة، تلك الوثيقة التي عنونت بالإنكليزية "Clean Break" ـ والتي أميل إلى ترجمتها بالقطع الحازم أو القطع الصارم ـ وضعت آنذاك هذه الدراسة لحكومة "بنيامين نتنياهو" التي انتخبت حديثاً، لكي تقدم مساراً سياسياً مختلفاً عن المسار السياسي الذي سلكه حزب العمل، في قائمة معدّي هذه الدراسة أن على رأس هذه المجموعة "ريتشارد بيرل "وفي عدادها أيضاً "دوغلاس فيث"، و ريتشارد بيرل أصبح الآن في المؤسسة الحاكمة ـ من قبل أن يقدم استقالته ـ رئيس المركز الاستشاري في وزارة الدفاع ودوغلاس فيث أصبح مساعداً لوزير الدفاع.
إذاً يمكن أن أتحدث عن تسرب تلك الشخصيات إلى الإدارة الأمريكية، كما يحب أن يستخدم هذا التعبير بعض الأشخاص، يحب بعض الباحثين أن يتحدث عن هذا الحلف بين المحافظين الجدد وبين اللوبي الصهيوني، وبين الأصولية المسيحية، هذا الثالوث المكوِّن لصانعي القرار في الولايات المتحدة في الوقت الراهن، وبوسعه بالفعل بالاستناد إلى قائمة الأسماء التي تشمل مواقع أساسية في الإدارة الأمريكية، أن يقدم أدلةً على ما يقول، لكن أميل إلى اعتماد وجهة النظر التي أدلى بها "إدوراد سعيد" في هذا الموضوع برمته، هنالك مقالة لإدوارد سعيد نشرت في عدد "Le Monde Deplomatique" الأخير، عدد أيلول، عالج مراكز الدراسات ليس من الزاوية التي قدمت إلينا الآن، أن ثمة مراكز
12
7
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
معنية بالبحث العلمي الرصين والموضوعي الذي يحاول أن يقدم معطيات دقيقة إلى صانع القرار لكي يأخذ قرارات في ضوئها، ليس هذا هو الحال القائم في الولايات المتحدة، بل تمثل النسبة العليا من مراكز الأبحاث في الإدارة الأمريكية حالة مستجدة لنوع من" الاستشراق الكولونيالي" وسميت الاستشراق الكولونيالي تيميزاً له عن أنماط أخرى من الاستشراق المنصف، الموضوعي، لا سيما أنا من الذين اشتغلوا على أحد المستشرقين "هنري كوربان"، وأعتبر أن عمله كان عملاً منصفاً وسليماً، الاستعمار الكولونيالي يعبر عن نفسه بمجموعة من المفكرين يسميهم إدوارد سعيد في مقالته" الخدام الفكريين" لزعماء الإمبراطورية، هذه المجموعة قد خانت رسالتها كباحثين موضوعيين ـ وهنا أنا أقتبس عبارات "إدورارد سعيد" مرة أخرى ـ وقدموا أنفسهم على أنهم خبراء في الروح العربية أو في الروح الإسلامية، لينضموا إلى مجموعةٍ تنادي بأن بعد الخطر الروسي وبعد الخطر السوفيتي، بعد الخطر الأحمر، ثمة خطر جديد هو الخطر الإسلامي، هؤلاء لا يقدمون معطياتٍ موضوعية بقدر ما أنهم يصدرون عن فكرة مسبقة، لدرجة إذا أطلقت عليهم الآن تسمية الصليبيين فثمة من قد يعترض، في حين أن "دومينيك فيدال" وهو مؤرخ قريب من الاتجاهات الإسرائيلية وسبق أن كانت له كتابات، لم يتورع في أن يصف "دانيل بايبس" ـ الذي عُيِّن مؤخراً مستشاراً للرئيس الأمريكي برغم اعتراض الجالية العربية والإسلامية وجزء من الجالية اليهودية هناك ـ بالصليبي، لا بل أنه يعتبر أن هذه الصليبية ممتدة من الأب إلى الإبن، في مقالةٍ كتبها أيضاً في "Le Monde Deplomatique"
13
8
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
في آذار من العام 2003م، ليتحدث عن شخصية "دانيال بايبس" الذي باعتقاده أن العرب والمسلمين لا يفهمون الا لغة واحدة هي لغة القوة، وأن الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة إنما تبغي من خلال نشاطها أن تستبدل الدستور الأمريكي بالقرآن، ـ هذه مقتبسة من كلمات دانيال بايبسـ كما أنه ينقل عنه أيضاً أن التمييز بين الإسلامي المعتدل والإسلامي المتطرف هو كالتمييز بين النازي المعتدل والنازي المتطرف.
نحن هنا لسنا إزاء مراكز تقوم بمهمة بحثية موضوعية يمكن أن تقدم فكرةً قابلة للنقاش، بمعنى أنه إذا قدمت هذه الفكرة سيكون هناك فكرة مقابلة، نحن أمام خدام فكريين لزعماء الإمبراطورية، نحن بإزاء دعاة إلى الحرب، نحن بإزاء مستشرقين كولونياليين جدد، أيضاً، مرة أخرى أستشهد بمقالة كتبها "جويل بنيم" في تموز من العام 2003م في” Le Monde Deplomatrique" عنوانها مؤسسة أبحاث في خدمة الليكود،يتحدث عن واحدمن مراكز الأبحاث الذي هو" معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأدنى"، هذا المركز الذي استضاف مؤخراً "شاؤول موفاز" بعد مغادرته لرئيس هيئة الأركان الإسرائيلية،و أصبح خبيراً ومستشاراً في مؤسسة الأبحاث هذه.
بوسعي الآن أن أستعرض الكثير من مراكز الأبحاث، لكن هنا فقط كوني سميت هذا المركز سأنقل إليكم بعد هذه الوقائع التي تفيد في تبيان الصورة، تأسس هذا المعهدفي واشنطن عام 1985م وتحول بسرعة ٍ إلى الأكثر نفوذاً بين أمثاله لدى السلطات الأميركية ووسائل الإعلام فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، و "مارتن أنديك"
14
9
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الذي كان مكلفاً قبل ذلك في إطار لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ الإسرائيلية وهي من أهم اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة،و تصنف هذه اللجنة المعروفة اختصارا باسم" ايباك" في خانة الانحيازلاسرائيل ـ قدم معهده على أنه مؤيد لاسرائيل لكنه قادر على تقديم تحليلات موضوعية حول الشرق الأوسط، هذه الموضوعية مثلا في بحثين نشرا مؤخرا، الأول بعنوان :هل استأنف حزب الله الهجوم بعد التوتير الذي حصل على الحدود كتب هذا البحث اثنان أحدهما عقيد احتياط في الجيش الإسرائيلي.
البحث الأخير كاتبه "ماثيو ليفيت " يتحدث عن موطأ قدم لحزب الله في الضفة الغربية، يبدأ مقالته بأنه استند في كل المعلومات التي وضعها في هذا البحث على مصادر "الشاباك" و"الشين بيت" و"الموساد"، كيف يمكن الزعم بأن ثمة فكرة موضوعية يمكن أن تقدم بالاستناد إلى معطيات طرفٍ أو بالإنحياز إلى طرف في هذا الصراع، ومرة أخرى أؤكد على اللاموضوعية.
أما لناحية حجم التأثير الذي تملكه مؤسسات الأبحاث هذه،نجد إدوارد سعيد يسمي "فؤاد عجمي" و"برنارد لويس" بأنهما يسيطران بأفكارهما على البنتاغون وعلى البيت الأبيض ،يقول بأن خبراء في العالم العربي والإسلامي من أمثال "برنارد لويس" و "فؤاد عجمي" قد مارسوا التأثير الأكبر على البنتاغون وعلى مجلس "جورج دبليو بوش" للأمن القومي، فهم ساعدوا الصقور في التفكير عبر آراء فظة، آراء مثل الذهنية العربية أو الروح العربية أو تداعي الإسلام عبر العصور .
15
10
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
ويمكن أن نستعرض أيضا ما هي الظهورات، يعني كيف تقوم مراكز الأبحاث بتأثيرها في صناعة القرار؟ تقوم على المستوى الأول بتقديم المشورةإلى صانع القرار من خلال الأبحاث الموجهة غير الموضوعية التي تعدها، تؤثر أيضاً لناحية تكوين الرأي العام من خلال الظهور المتكرر في وسائل الإعلام، على سبيل المثال نستطيع أن نرى أنه منذ 11/أيلول حتى الآن أصبحت وسائل الإعلام الأميركية شبه مدمنة على استضافة أسماء محددة وتغييب أسماء أخرى، مثلاً "أدوارد سعيد" لا يمكن أن تجده مستضافاً، "نعوم شومسكي" وهو مفكر يهودي أمريكي لا يمكن أن تجده مستضافاً لأنه صاحب رؤية مخالفة للسياسة الأميركية الإمبريالية، أما مثل هذه الأسماء التي يمكن أن نوردها الآن تستضاف بشكل دائم ،إذاً المستوى الثاني من التأثير هو الإطلال عبر وسائل الإعلام. المستوى الثالث هو إنتاج المؤلفات الضخمة حول الإسلام وحول العرب التي تستعيد نفس الشعارات الإستشراقية التي رافقت الغزاة الهولنديين والبريطانيين و الفرنسيين و البرتغاليين، نفس الصورة النمطية التي كانت تعطى عن العربي والمسلم نراها الآن تستعاد عبر مراكز الأبحاث هذه، المثل الذي أعطيناه، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يقوم هذا المعهد بدعوة الصحافيين إلى حفل غداء أسبوعي، كما ينشر تحليلاته ويقدم الخبراء لمحطات الإذاعة وحلقات الحوار على شاشات التلفزة، ويظهر بانتظام في وسائل الإعلام مسؤولون كبار من هذا المعهد أمثال"روبرت ساتلوف، باتريك كلاوسون، مايكل إيزنشتاد"، وتنشر صحيفتي "US News وThe New Repobilit" مواقف هذه
16
11
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
المؤسسة بصورة دورية، خصوصاً أن المسؤولين في الصحف أو أصحابها كالسيدين "مورتمر زوكرمن، ومارتن بيريس" أعضاء في مجلس إدارة "الايباك"، كذلك فإن المتعاونين معها من الإسرائيليين كالصحافيين"هريش كودمان، ديفيد ماكوفسكي،زئيف شيف، إيهيت إيعاري" بإمكانهم الظهور بسهولة في وسائل الإعلام الأميركية.
يمكن أن نستعرض عن علاقات واسعة لهذه الشخصيات مع أشخاص في الإدارة الأميركية، نستطيع أن نذكر اسم "أليوت إبرامز" نستطيع أن نذكر أسماء الكثير من الشخصيات "بولوو فيتز" و"لويس ليبي" قاما بكتابة تقرير توجيه تخطيط الدفاع، هذه الوثيقة جرى تبنيها بالكامل بما سمي "استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة" التي وقعها "جورج بوش" بأيلول من العام 2002م، "ريتشارد بيرل" سبقت الإشارة إليه، "إليوت إبرامز" الذي يشغل الآن منصب مساعد خاص للرئيس ومدير لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان مشاركا أيضاً في فضيحة ايران كونترا،وجرى إدانته أثناء هذا الأمر،و عفى عنه "جورج بوش الأب" أيضاً أسهم في وضع هذه الاستراتيجية، إستراتيجية الأمن القومي، "وليام بينيت"، "لويس ليبي" إلى آخر القائمة، التي تظهر اليوم أننا إزاء موجة جديدة من الإستشراق الكولونيالي الذي يعمل فيه مسمى باحثين خانوا رسالتهم التي تقتضي منهم الموضوعية والعلمية ليستعيدوا شعارات نمطية لا مصداقية لها لكي توظف في خانة التبرير والتسويغ لحروبٍ إمبريالية تخوضها الإدارة الأميركية من أجل تثبيت نفسها كإمبراطورية معاصرة، إن ثمة من هؤلاء من
17
12
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
لم يتورع في الدفاع عن الطابع الإمبراطوري المعاصر للإدارة الأميركية.
إذاً في هذا الصدد لا يمكن الحديث عن معطيات علمية تنشأ من عمل مراكز الأبحاث هذه بقدر ما نتحدث عن خطابٍ أقرب إلى أن يكون خطاباً دعائياً يبرر السياسات الإمبريالية منه أن يكون عملاً بحثياً.
سأقول أيضاً كما استشهدت ب"إدوارد سعيد" في البداية بالنظر إلى خبرته أولاً في مجال الإستشراق وهو صاحب كتاب" الإستشراق" المعروف، خبرته كأستاذ في الجامعات الأميركية، ومعرفته بالداخل الأمريكي إستناداً إلى مواكبته الطويلة لهذه السياسة على المدى الدولي، "إدوارد سعيد" يرى بأن هؤلاء الباحثين هم أخطر من صانعي السياسات لأن الأخطر من القاتل هو من الذي يصور الجريمة على أنها ضرورة.
وشكراً لاستماعكم.
18
13
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
"مصانع الأفكار الأمريكية وتأثيرها في السياسة الخارجية"
الأستاذ سمير كرم2
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم .الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أود أن تأذنوا لي بدايةً بأن أنوه تنويهاً ضرورياً بحقيقة أن الآراء التي سأقولها خلال هذه المحاضرة أو المناقشة لا تعبر بالضرورة عن رأي مركز دراسات الوحدة العربية الذي أشغل فيه منصب مدير الدراسات، فلزم هذا التنويه لأنه ضرورة حتى يضعها المركز على كتابه الذي يصدره بإسمي.
وهناك تنويه آخر ضروري، وهو أني أشعر بسعادة غامرة وشعور بالفخر بوجودي على هذه المنصة تحت سقف هذا المركز الذي يحمل اسم إمام وثائر عظيم له دوره التاريخي المؤكد في تغيير العالم الذي نعيش فيه.
وأود أن أبدي إعجاباً ليس فيه قدر من الممالئة لما طرحه السيد الموسوي، حتى أنني يمكن أن أقول ما كان من الضروري أن أقيم في الولايات المتحدة عشرين عاماً متواصلة حتى أعرف عن مصانع الأفكار أو مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية وعن تحيِّزها ضد العرب وضد المسلمين، فالسيد نواف الموسوي قدم عرضاً رائعاً يكاد يقترب من معرفة ما يجري في الولايات المتحدة، على الأقل
2- مدير الدراسات – مركز دراسات الوحدة العربية.
19
14
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
في حدود ما سمعت الآن من موضوعه وهو موضوع مراكز الأبحاث أو مصانع الأفكار.
العلاقة بين المعرفة والسلطة
الموضوع الذي تتصدى له مناقشتنا هذا المساء يتصل اتصالا وثيقا من الناحية النظرية وفي الممارسة ـ على السواء ـ بمبحث خاص هو مبحث العلاقة بين المعرفة والسلطة. ولقد كانت هذه العلاقة قائمة منذ بداية التاريخ، منذ بداية تاريخ السلطة أو الدولة بكل أشكالها، لكن هذه العلاقة لم تصبح موضوعا لبحث علمي في الدراسات السياسية أو الاجتماعية أو المعرفية إلا منذ وقت قريب نسبيا، ربما في العقود الاولى من القرن العشرين، وبصفة أخص منذ منتصفه أي في عقد الخمسينات.
ولكن لنحاول اولا ان نلقي بعض الضوء على ما هو المقصود بالعلاقة بين السلطة والمعرفة في صورتها الراهنة، هذا هو مدخلنا المنطقي لفهم حقيقة دور مصانع الافكار في السياسة الاميركية، في رسمها ثم في عملية رسم وصنع القرار.
ولعلي أستأذنكم في الاشارة الى نقطة جانبية ارى من الواجب ان اطرقها ثم اتجاوزها سريعا: اعني بها ان العلاقة بين السلطة والمعرفة هي واحدة من المسائل التي تُوهِمنا حين نسمعها في هذا التوصيف العام بأنها مسألة واضحة وأننا ـ بالتالي ـ نعرف ما المقصود بها، الى ان نبدأ في التنقيب فيها بجِد وبجَدية، عندئذ نتبين ان معرفتنا بها ليست تفصيلية ولا يقينية بالقدر الذي نظن للوهلة الاولى.
20
15
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
والسبب في هذا اننا بازاء مفهومين شائعين لاقصى الحدود في الاستعمال السياسي والاجتماعي: المعرفة والسلطة. ويمكننا بسهولة ان نتجاوز هنا ما يحرص الباحثون الاكاديميون عليه كثيرا. وهو خطوة تحديد المفاهيم، ان لم يكن لأسباب نظرية فعلى الاقل لسبب عملي هو ان وقتكم لا يتسع لها.
لكن الموضوع ـ كما بدأت ـ يتصل بالعلاقة بين هذين المفهومين وليس بكل منهماعلى حدة. العلاقة هي الكلمة المفتاح بالنسبة الينا حينما نذكر جملة: العلاقة بين المعرفة والسلطة.
ولعلكم لاحظتم انني اقول مرة المعرفة والسلطة واعود فأقول السلطة والمعرفة، ولهذا سببه الأكيد،وهو ان هذه العلاقة تسير في اتجاهين ـ او هي سالكة على خطين اذا استخدمنا تعبيرا ألفناه من أحداث لبنان في النصف الثاني من السبعينات،واعني بذلك ان السلطة تتوجه الى المعرفة لتتسلح بها، والممسكون بمفاتيح المعرفة يتوجهون الى السلطة لبيع سلعتهم وللتأثير في مسار السلطة، أي في قراراتها، وأحيانا في مصائرها ومصائر المحكومين.
ونحن نعيش في زمن ونتحدث عن نظام اختفى فيه دور الهواة سواء في مجال المعرفة او في مجال السلطة، كلا الطرفين محترف وكلا الطرفين يدرك انه في حاجة الى الآخر.
تحذيرا ويلسون وأيزنهاور
ولقد حذّر الرئيس الاميركي دودرو ويلسون في العقد الثاني من القرن العشرين من فكرة قيام " حكومة خبراء"، فقد اعتبرها منافية للديمقراطية، لأن معناها ان السلطة ستكون بين افراد لا يتحدثون
21
16
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
لغة العامة، لغة الافراد العاديين. لكن تحذير ويلسون لم يُجد كثير. اذ كانت قد بدأت وبلا توقف العملية التي أدت بالتحديد الى ما حذّر منه وهو ان يصبح المجتمع الاميركي تحت رعاية عدد قليل من السادة (هو استخدم كلمة Gentlemen) الذين يعرفون وحدهم كيف تؤدى هذه الوظيفة، وظيفة صنع القرار. وهكذا بعد انقضاء عهد ويلسون بعدة عشرات من السنين اصبحت الصورة الراهنة في وجود مصانع الافكار تعكس تحالفا قويا بين السلطة والمعرفة، حيث اصبحت هناك شريحة كاملة من الخبراء تحتل مركزا فاصلا بين المواطن الاميركي العادي والسلطة الحاكمة، ويمثل هذا الموقع منطقة عازلة فعلا بين السلطة والمحكومين، بين المنتخَبين والناخبين. والمهم هنا ان هذه المنطقة العازلة ـ اذا جاز التعبير ليست منتخبة بأي حال ولاعند اي مستوى. مع ذلك فالدور الذي تمارسه على العملية السياسية يفوق أدوار الناخبين، ويؤثر بصورة قوية على سلوك المنتخبين وقراراتهم.
ولعل هذا التحذير من ويلسون بشأن حكم الخبراء يذكّرنا بتحذيرٍ شهير آخر في التاريخ السياسي الاميركي، اعني تحذير الرئيس الاميركي الاسبق الجنرال دوايت ايزنهاور في خطبة الوداع في كانون الثاني /يناير عام 1961 من خطر نفوذ المجمّع الصناعي العسكري على الحكم. وأوجه التماثل بين هذين التحذيرين لا تقتصر على حقيقة انهما لم يجديا، انما قوبلا بتجاهل تام من طرفي معادلة السلطة والمعرفة. كما تؤكد تطورات نصف القرن الماضي كله فان المجمع الصناعي العسكري نما ونما نفوذه بل سطوته عل القرار الاستراتيجي والسياسي، بما لذلك من تأثيرات
22
17
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
على الحياة العامة ـ الاجتماعية والاقتصادية والثقافيةـ برمتها في الولايات المتحدة،وفي العالم على نطاق واسع.
أوجه التماثل ـ بين هذين التحذيرين ـ تمتد الى الخطوط الأمامية في دور العلاقة بين المعرفة والسلطة ـ من خلال مصانع الافكار، بمعنى اننا حينما ننتقل من تحذير ويلسون من الأثر السلبي على الديمقراطية من حكم الخبراء الى تحذير ايزنهاور من الآثار الخطيرة من نفوذ تحالف الصناعيين والعسكريين لا نبتعد ـ كما قد يبدو للوهلة الاولى عن موضوعنا الاصلي.
تحالف الصناعيين العسكريين
فالتطورات التي أدت الى تقوية تحالف الصناعيين والعسكريين في الولايات المتحدة سارت جنبا الى جنب مع التطورات التي ادت الى تقوية دور مصانع الافكار في رسم السياسة الاميركية وتوجيهها. اكاد اقول انهما تطورا كظاهرة واحدة او كعملية سياسية واحدة. ومما يثير الدهشة او الريبة ان علاقة مصانع الافكار الاميركية بالمجمع الصناعي العسكري لم تنل حظا من الدراسة والبحث حتى الآن لا في اميركا ولا في البلدان التي تقع عليها آثار هذين الطرفين الفاعلين في الاستراتيجية العالمية الاميركية وفرعها المسمى السياسة الخارجية الاميركية.
لكننا نعرف على الاقل ان مصانع افكار اميركية معينة قد مدت نطاق عملها ونفوذها الى المجمع الصناعي ـ العسكري، واصبحت جزء اساسيا من مكوناته، وأداة في إضفاء الشرعية عليه، وأداة في اخفاء طابعه العدواني والتوسعي.
23
18
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
ونعرف ـ ايضا ـ وعلى الاقل ان مصانع الأفكار الاميركية ذات الصلة الوثيقة بالمجمع الصناعي ـ العسكري هي الأضخم اجهزة وميزانية وانتاجا، والأعمق نفوذا وتأثيرا على السياسة الاميركية ـ في تجلياتها العسكرية بالدرجة الاولى. وليس هذا من قبيل المصادفة.
مؤسسة راند
ليس مصادفة ابدا ان أحد اكبر مصانع الافكار الاميركية هو مؤسسة راند RAND، ومؤسسة راند هي الاسم الذي يكاد يكون في الادبيات الاميركية مرادفا لتعبير "مصنع أفكار"، كما نقول "كوداك" بالنسبة للكاميرا وسنجر لماكينات الخياطة، وشل للبنزين. وقد بدأت راند كمشروع تابع لمؤسسة كان اسمها "دوغلاس لصناعة الطائرات"، قبل اندماجها مع شركة مماثلة اخرى لتصبح ماكدونالد دوغلاس المؤسسة العملاقة في مجال الصناعات الحربية. ولم تلبث راند ان اصبحت مؤسسة بحثية " مستقلة" وأرجو التنبه هنا الى ما تنطوي عليه صفة "مستقلة" من خداع.
فهي ليست مستقلة ايديولوجيا ولا ماليا أوعمليا بأي حال عن المؤسسة الأم التي أنجبتها. مؤسسة " راند" لا تزال في القسم الاكبر من انشطتها كمصنع افكار تنفذ دراسات ومشروعات بحثية لحساب وزارة الدفاع الاميركية وبصفة اخص بعقود مباشرة مع السلاح الجوي الاميركي... مع انها قد مدّت أوجه بحثها حتى اصبحت تشمل موضوعات من الصحة الى السكان والاسكان حتى استراتيجية الأمن القومي وتوسيع حلف الأطلسي... والحرب
24
19
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الالكترونية ...الخ. لهذا يبلغ عدد التقارير البحثية التي تنشرها راند سنويا نحو 350 بحثا. ومن الصعب ـ لاعتبارات أمنية ـ معرفة عدد العاملين فيها أو ميزانيتها العامة!
لا بد ان نعرف ـ إذن ـ ان راند، هذا الاسم المكون من اربعة حروف فقط والذي لا يعدو ان يكون اسم علم، هو اسم رجل الاعمال الاميركي الذي اسس راند في عام 1948 قد لعبت دورا في التخطيط لحرب اميركا على العراق واحتلاله، وتلعب الآن دورا في محاولة توجيه القرار الاميركي بشأن ما ينبغي عمله في التصدي للتحديات التي يواجهها هذا الاحتلال. فان مؤسسة راند تنقسم الى اربعة اقسام بحثية رئيسة: الأول لا يزال يحمل اسم "مشروع السلاح الجوي"، والثاني هو قسم بحوث الأمن القومي، والثالث قسم بحوث الجيش والرابع هو قسم البحوث المحلية وفي تسمية أخرى "معهد بحوث العدالة المحلية"، وهذا المعهد يوجه بحوثه نحو العلوم السلوكية والاقتصاد والإحصاء وعلوم المعلومات... ويركز بشكل خاص على البحوث المتصلة بأحداث العصيان المدني وكيفية التصدي لها في حالة تصور سيناريوهات متباينة لوقوعها في المدن الأميركية في ظل ظروف افتراضية.
مصانع الأفكار وعلاقتها بالمؤسسة الحاكمة
تدّعي مصانع الأفكار الأميركية أنها أجهزة ثقافية، وأنها تؤدي دورها في خدمة الجمهور الأميركي – أو الرأي العام، وهو التعبير المفضل في الولايات المتحدة – لكن الحقيقة أنه لا الجمهور الأميركي يجد احتياجاته الثقافية فيها. ولا هي تأخذ هذه الاحتياجات في
25
20
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
اعتبارها عند وضع مخططات دراساتها وأبحاثها. وهي بالتالي لا تهتم بصفة مباشرة أوغير مباشرة بمصالح الجماهير الأميركية. إنها فقط في خدمة النخبة الحاكمة المدنية والعسكرية.
ولعله يجدر بالذكر – بل التأكيد – هنا أنه لا توجد وزارة للثقافة في النظام الأميركي بل إن اليمين الأميركي، وهو اليوم في السلطة التنفيذية وله الأغلبية في مجلسي السلطة التشريعية أي الكونغرس – الشيوخ والنواب-، يقبل على مضض وجود وزارة للتربية فشؤون الثقافة والتعليم لا تعني النظام الأميركي في شيء ويعتبرها خاصة بالقطاع الخاص ينبغي أن يدبر أمورها من خلال قوانين السوق ودافع الربح. ولهذا فإن هناك أكثر من مشروع قرار لإلغاء وزارة التربية، أي خصخصة التعليم بالكامل. ولعل هذا جانب أساسي مما ترمي إليه خطط الديمقراطية الأميركية التي يراد فرضها على الوطن العربي وعلى العالم الإسلامي.
لكن ما دلالة هذا بالنسبة لموضوعنا الراهن: مصانع الأفكار؟
هل مصانع الأفكار الأميركية – على اختلاف تخصصاتها وتسمياتها – مؤسسات خاصة بالمعنى الكامل للكلمة؟ نعم، إنما من الناحية الشكلية القانونية فحسب، أما من الناحية الموضوعية والعملية فإن معظم مصانع الأفكار الأميركية جزء من "المؤسسة الحاكمة" – والأميركيون يستخدمون لهذا التعبير كلمة بالانكليزية هي Establishment.
رأينا كيف أن مؤسسة راند نشأت كمشروع للسلاح الجوي من خلال شركة دوغلاس لصناعة الطائرات. والأمر لا يختلف كثيراً في حالة مؤسسات بحثية تعد في مقدمة مصانع الأفكار الأميركية،
26
21
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
مثل "مؤسسة بروكنغز"، و"مؤسسة كارينغي للسلام" و"معهد المشروع الأميركي American Enterprise Institute".
بل الواقع أن للحكومة الأميركية مصانع الأفكار الخاصة بها، بعضها يغذي السلطة التنفيذية، وبعضها يغذي السلطة التشريعية. سواء بحكم العلاقة "الايديولوجية" بين مصانع الأفكار هذه والحزب القائم في الحكم، في الإدارة كما يقولون والحزب صاحب الأغلبية في الكونغرس. هناك مصانع أفكار تابعة لكل من الحزبين الرئيسين: الديمقراطي والجمهوري تبعية مؤسسية لكن هناك أكثر منها مصانع أفكار تابعة لهما تبعية "ايديولوجية" – وهذه أهم بالتأكيد من التبعية المؤسسية – فهذه تسير في توجه سياسي ليبرالي أو محافظ مع الديمقراطيين، مثل مؤسسة بروكنغز ومؤسسة "وقفية كارينغي للسلام الدولي"، وتلك تسير في توجه محافظ متطرف مثل "مؤسسة التراث" و"مؤسسة أميركا الجديد" و"معهد المشروع الأميركي" الموالية للحزب الجمهوري في خطه الأكثر يمينية، الخط الذي يضم مجموعة المحافظين الجدد التي تهيمن على الحكم في الوقت الحاضر، وغيرها تسير في توجه محافظ معتدل مثل "معهد كاتو" و"مجلس العلاقات الخارجية" و"معهد هدسون" و"مركز السياسة القومية".
ولعل أقرب صورة إلى هذا النوع من مصانع الأفكار هي صورة طبقة الكهنة والعرافين التي كانت في المجتمعات القديمة – الفرعونية مثلاً – تغذي العروش بالأفكار التي توجه سياساتها تجاه الداخل والخارج، وربما لهذا يطلق بعض الكتاب على مصانع الأفكار تسمية "معابد الأفكار".
وهناك مصانع أفكار تابعة بصفة مؤسسية ومالية للكونغرس
27
22
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الأميركي، مثل "مكتب المحاسبات العامة"، الذي يجري أبحاثاً بناء على طلب لجان الكونغرس المتخصصة، في الشؤون الخارجية والدفاعية والاستخباراتية والشؤون الداخلية أيضاً، وبناء على هذه الأبحاث – التي يصدر مكتب المحاسبات العامة – في صورة تقارير تجري عملية المحاسبة – السياسية أو المالية أو الإدارية – لفروع السلطة التنفيذية، وزاراتها ووكالاتها... إلخ.
وتتبع للكونغرس أيضاً دائرة بحوث الميزانية ومعهد السلام الأميركي (وإن كان هناك معهد للسلام لا علاقة رسمية له بالكونغرس أو بالسلطة الحاكمة عموماً)، مع ذلك فإن تغلغل مصانع الافكار الخاصة في صنع السياسة والقرار في واشنطن يمتد الى وكالة المخابرات المركزية والى وكالة الأمن القومي ووكالة الأمن الدفاعي، فهي تكلف بعقود بوضع التقارير والدراسات عن الاوضاع العالمية والاقليمية وحتى الاوضاع الداخلية.
بطبيعة الحال فإن مصانع الأفكار التي ترتبط رسمياً باي من فروع السلطة تحاول أن تبدو محايدة ايديولوجياً فهي ليست محافظة أو ليبرالية، يمينية أو يسارية، في حين أن مصانع الأفكار الخاصة تظهر ذات توجه ايديولوجي أو فكري، بل الواقع أن الشيء الوحيد الذي يميز هذه المصانع الفكرية هو توجهها الايديولوجي، ويصدق هذا بصفة خاصة منذ أن اكتشف اليسار الأميركي في عقد الستينات والسبعينات من القرن العشرين أهمية أن تكون له مصانع الأفكار الخاصة به، فتأسس عدد منها حول الحركات والجماعات التي ناهضت حرب أميركا في فيتنام، وبينما خبا نشاط بعض هذه المصانع الفكرية مع أفول القضية نفسها بهزيمة اميركا وانتصار هذه
28
23
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الحركات، فإن بعضها الآخر استمر في الوجود وازداد تبلوراً وكبر دوره في الحياة السياسية الأميركية نسبياً مع استمرار قضايا له فيها طروحات ومواقف – حتى بعد نهاية حرب فيتنام – مثل قضايا التضخم الهائل في الميزانيات العسكرية الأميركية، وميل أميركا إلى التدخل العسكري في الخارج، وقضايا حماية البيئة فضلاً عن قضايا الاقتصاد الأميركي من التضخم إلى الكساد إلى البطالة وصولاً إلى قضايا أوسع كثيراً مثل العولمة.
وإذا كانت مصانع الأفكار ذات التوجه التقدمي أو اليساري حديثة نسبياً فهي أيضاً فقيرة الإمكانيات نسبياً، لأنها لا تنال – بطبيعة الحال – أي نصيب من تبرعات المؤسسات الاقتصادية الضخمة، وهو أمر مفهوم، بل إنها تتعرض لعملات عداء قوية من النخب الحاكمة ومن مصانع الأفكار اليمينية والليبرالية.
لا توجد – مثلاً – مؤسسة يسارية أو حتى ليبرالية لها حجم مؤسسة راند أو انتشارها أو نفوذها، وإذا ذكرنا أسماء مثل "مركز شؤون الميزانية وأولويات السياسة" أو "مركز المعلومات الدفاعية" أو "معهد دراسات السياسة" أو "معهد السياسة التقدمية" أو "صندوق القرن العشرين" أو "معهد السياسة العالمية"... فإن أيا من هذه الأسماء لا يترك الانطباع ذاته مثل بروكنغز وراند ومجلس العلاقات الخارجية... إلخ.حتى لأجدني أود أن أسأل ترى كم منا سمع باسم اي من هذه المراكز ولو مرة واحدة؟
وتنبهنا حقيقة العلاقة بين مصانع الأفكار والاتجاهات الايديولوجية السائدة في المجتمع الأميركي إلى أن صعودها قد تزامن وتواكب مع تراجع أهمية الحزب في العملية السياسية
29
24
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الاميركية، وهو تراجع ناتج بالأساس عن تقلص الفروق الجوهرية بين سياسات الحزبين الرئيسين، حتى لم يعد المواطن الأميركي العادي يجد ما يميز الحزب الجمهوري عن الحزب الديمقراطي في القضايا الجوهرية مثل الحرب والسلام، مثل السياسة الخارجية، مثل الانفاق العسكري... إلخ. وهو السبب نفسه الذي يجعل المواطن الاميركي يحجم اكثر فأكثر عن الادلاءبصوته في الانتخابات، خاصة انتخابات الرئاسة.
لقد أصبحت الاختلافات بين التوجهات العامة الايديولوجية للشخصيات أوضح وأكبر أهمية من الفوارق بين الحزبين،ه فلا يكفي مثلاً أن تعرف أن هذا الشخص – المرشح لمنصب ما – هو جمهوري أو ديمقراطي. الأهم أن تعرف إذا كان محافظاً أو ليبرالياً، يمينياً أو معتدلاً.
تقسيم آخر لمصانع الأفكار
هناك تقسيم آخر لمصانع الافكار الاميركية هذه المرة، الى مصانع أفكار تعنى بالمصالح العامة، وأخرى تعنى بمصالح الجماعات الخاصة. ولا غنى عن الاهتمام بهذا التقسيم، وبالاخص لمصانع الافكار التي تخدم جماعات المصالح الخاصة، فمنها – مثلا- مصانع أفكار مهمتها الأساسية الدفاع عن الحريات المدنية للسود، أو مهمتها تعزيز التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والدولة اليهودية إسرائيل، أو الحفاظ على التراث الثقافي الألماني...
لكن هذا لا يعني أن كل مصانع الأفكار التي تتمحور حول جماعات المصالح الخاصة تكشف عن هذه الهوية بهذا
30
25
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الوضوح، ولعل هذا يتمثل بشكل خاص في مصانع الأفكار الموالية لإسرائيل،ومن الضروري أن نميز هنا بين مستويين: مستوى الولاء لإسرائيل ومستوى التأييد لإسرائيل، هناك مصانع أفكار يفترض انها تعمل في إطار المصالح العامة، لكنها تدين بولاء خاص لإسرائيل يتضح في تخصصها في قضايا معينة.
على سبيل المثال هناك مصنع الأفكار الإسرائيلية في قلب العاصمة الأميركية الذي أطلق عليه مؤسسوه "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" وهو اسم لا يوحى بانحياز ما، هذا المعهد يفرض التعامل معه على أنه يقع تماماً خارج إطار اللوبي اليهودي و اللوبي الصهيوني أو اللوبي الإسرائيلي، يتعامل مع الجماعات النخبوية الفكرية والسياسية والإعلامية وتتعامل معه على أنه من مصانع الأفكار ذات التوجه للمصلحة العامة، مع ذلك فإن اختياره لموضوعاته – في مطبوعاته وندواته وحلقاته النقاشية – يكشف عن بؤرة إسرائيلية في هذا كله.
لكن غطاء التوجه إلى الأميركيين وكأنه معهد معني بقضايا المصالح العامة، يفيد معهد واشنطن في فتح أبوابه لباحثين ولِمنحَ زمالة ولمناصب معينة لمشاركين في أنشطته حتى من بين المثقفين والمنظّرين العرب ونظرائهم المسلمين من بلدان غير عربية، وهذا أمر ما كان ليتاح له لو أنه خرج إلى الوجود وأدى دوره على غرار لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية (المشهورة باسم الايباك AIPAC) أو على غرار "اللجنة اليهودية ـ الأميركية" أو "المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي"... على سبيل المثال.
والأمر المؤكد – بعد هذا التمييز بين مصانع أفكار المصالح العامة
31
26
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
ومصانع أفكار المصالح الخاصة – هو أنها جميعا تهدف الى التأثير على الرأي العام وليس على صناع القرار وحدهم،فإن علاقتها بصانعي القرار علاقة داخلية بلا وسائط ولا دخلاء، أما العمل الذي تؤديه للتأثير على الرأي العام، حيث تهدف إلى صهره وتكوينه، فهو يشكل علاقة علنية فيها وسيط أساسي، له- هوالآخر- دوره المعقد في عملية صراع المصالح العامة والمصالح الخاصة، وله علاقته بالسلطة والمعرفة في كافة جوانبها وتعقيداتها،وهو الإعلام، أي الوسائط الإعلامية التي بدونها كان يمكن لمصانع الأفكار أن تبقى مجرد أجنحة أو أجهزة معرفية للسلطة بعيدة عن التأثير المباشر على الرأي العام، كان يمكن عندئذ أن يصبح دور مصانع الأفكار مجرد سمسار أفكار للمجموعة الحاكمة أو للمجموعة المعارضة، أي للمجموعات التي تتبادل السلطة على فترات زمنية.
طبقة النجوم
وبطبيعة الحالة فإن العلاقة المميزة والكثيفة بين مصانع الإفكار والإعلام تظهر في أقصى حالاتها ودرجاتها في أوقات ذروة معينة. وأهم أوقات الذروة هذه هي مواسم الانتخابات والمعارك الانتخابية، وبالأخص انتخابات الرئاسة، دور صنّاع الأفكار في هذه الأوضاع القصوى لأدوارهم يتمثل في وضع البرامج الانتخابية للمرشحين على اختلاف مستوياتهم من عُمد المدن وأعضاء الكونغرس إلى حكام الولايات حتى الرئيس، وبطبيعة الحال هناك تخصصات، فهناك صناع أفكار لبرامج السياسات الداخلية ولبرامج السياسات الخارجية.
32
27
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
لكن ثمة تقسيماً آخر لهم: هناك صناع أفكار من طبقة النجوم، هؤلاء هم الذين يصعدون إلى تولي المناصب الرفيعة إذا كانوا ممن ساهموا في صناعة أفكار الرئيس ووضعوا تفصيلات برنامجه الانتخابي، وهؤلاء النجوم السياسيون – في العادة – يصعدون إلى النجومية الإعلامية على مدى فترة الحملة الانتخابية، فهم ضيوف لقنوات التليفزيون والفضائيات، وهم كتاب للتعليقات والتحليلات السياسية، وهم – في المراحل الأخيرة من الحملة الانتخابية – المرشحون للمناصب المختلفة في إدارة المرشح للرئاسة إذا تحول إلى المرشح الفائز بالرئاسة.
هكذا يكون صانعو الأفكار من طبقة النجوم قد ساهموا من البداية في عملية رسم السياسة وصنعها ثم صنع القرار قبل أن تصبح لهم أية صفة رسمية،قبل أن يعينوا وحتى قبل أن ينالوا مصادقة الكونغرس على تعيينهم، باختصار إن الناخبين الأميركيين – الشعب الأميركي – لا يختارهم اختياراً مباشراً، مع ذلك فإن الإدارات الأميركية المتعاقبة تشغل أهم مناصبها بأشخاص تختارهم من مصانع الأفكار. إدارة كارت كان معظم أركانها من باحثي مؤسسة بروكنغز – إدارة بريغان أخذت كثيرين من كوادر معهد أميركان انتربرايز ومن مؤسسة التراث ومؤسسة هوفر المعنية بقضايا الحرب والسلام... ولا يختلف الأمر بالنسبة لإدارتي بوش الابن وبوش الأب.
مع ذلك فإن الأعداد الأكبر من كوادر هذه المراكز البحثية الشهيرة يذهب إلى الكونغرس، بمجلسيه الشيوخ والنواب، فهم يشكلون الغالبية الساحقة من مساعدي أعضاء المجلسين، والغالبية الساحقة من المستشارين السياسيين والقانونيين للجان الكونغرس
33
28
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
ذات النفوذ القوي على السياسة والقرار: خاصة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ولجنة الاعتمادات بمجلس النواب، واللجنة الاقتصادية المشتركة للمجلسين، فضلاً عن لجنتي الإشراف على المخابرات.
والدور الذي يلعبه صناع الافكار هؤلاء وهم في مناصبهم كمساعدين لأعضاء الكونغرس يكاد يكون دوراً خفياً لكنه مؤثّر للغاية، فهم في مواقعهم هذه يفتحون أبواب أعضاء الكونغرس ولجانه أمام نشطاء جماعات الضغط (اللوبي)، وفي مقدمتها جماعات اللوبي الصهيونية، ومن المألوف أن تجد عضواً بارزاً ونافذاً في مجلس الشيوخ أو النواب يقرأ نصاً من تقرير إما لأحد مصانع الأفكار وإما لإحدى المنظمات اليهودية الموالية لإسرائيل تأييداً لمشروع قرار أو لموقف سياسي أو لاعتماد مالي، أو بالعكس لقتل مشروع قرار إذا كان لا يلائم مصالح إسرائيل أو الأقلية اليهودية الأميركية.
دور مصانع الأفكار
لعل من المهم أن نتوقف هنا قليلا لمعرفة الكيفية التي تحدد بها مصانع الأفكار الأميركية هي نفسها الدور الذي تؤديه، ولا بد أن نلاحظ هنا أن صانعي الافكار نادرا ما يتحدثون عن ادوارهم، ولن نجد أيا من مصانع الافكار يصدر بحثا أو دراسة عن دوره بشكل عام، أو عن تأثير هذا الدور في توجيه السياسة الأميركية داخلية كانت أو خارجية.
وأظننا جميعا نعرف ان مصانع الافكار الموالية لإسرائيل – حتى ذات الصبغة اليهودية الخالصة منها- تنكر بشدة ان لها نفوذا أو
34
29
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
حتى تأثيرا على السياسة الاميركية في الشرق الاوسط او اتجاه الصراع العربي الصهيوني، بعضها يعتبر أي حديث عن نفوذه على السياسة الاميركية وهم او اكذوبة كبرى اما من صنع العرب المعادين لإسرائيل او مبالغة قصوى من صنع اميركيين مؤيدين للعرب، سواء كانوا من الاميركيين المسلمين من اصل افريقي او كانوا من اليسار المناهض لإسرائيل والصهيونية.
انما من الفرص القليلة التي اتيحت لقراءة رأي لأحد البارزين من صناع الافكار عن "دور مصانع الافكار في السياسة الخارجية الاميركية" كانت الفرصة التي اتاحها ريتشارد هاس فقد كتب في هذا الموضوع بالتحديد في نشرة رسمية لوزارة الخارجية الاميركية: وكان اهم ما قاله ان مصانع الافكار تقدم اليوم خمس فوائد اساسية هي انها:
1- تولد تفكيرا جديدا بين صانعي القرار الاميركيين.
2- توفر خبراء للخدمة في الادارة وفي الكونغرس.
3- تعطي لصانعي السياسة مجالا لبناء تفاهم مشترك حول الخيارات السياسية.
4- تثقف المواطنين الاميركيين بشأن ما يدور في العالم .
5- تقوم بدور طرف ثالث وسيط بين الاطراف في أي صراع.
ولا نستطيع ان نقدّر قيمة هذا التحديد لفوائد مصانع الافكار لصانعي السياسة وصانعي القرار في اميركا الا اذا عرفنا ان ريتشارد هاس نفسه هو واحد من اكثر نشطاء مصانع الافكار تنقلا بين مناصب عليا في ابرز مصانع الافكار الاميركية ومناصب عليا في ادارات اميركية متعاقبة. هو اليوم رئيس مجلس العلاقات
35
30
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الخارجية الاميركي (الذي يضم ألمع نجوم) صناعة الافكار وصناعة القرار على السواء: امثال هنري كيسنجر والكسندر هيغ ومادلين اولبرايت وجين كيرباتريك، والقائمة طويلة للغاية، وهاس كان قبل شهور قليلة ومنذ بداية ادارة بوش في عام 2001 مديرا للسياسة والتخطيط في وزارة الخارجية الاميركية، وقبل ذلك كان مدير الدراسات في مؤسسة بروكنغز، وسبق ان كان مستشارا لأحد اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي البارزين قبل ان ينتقل الى "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"،تنقلات ريتشارد هاس بين هذين الفرعين من معادلة السلطة والمعرفة تمثل احد ابرز الامثلة على ما يسمى في اميركا سياسة "الباب الدوّار" الذي يفتح على الاتجاهين بين مناصب السلطة ومراكز المعرفة.
حدث هذا مرات كثيرة لكل من ريتشارد بيرل ومادلين أولبرايت ووليام كوانث وريتشارد سولومون، والأهم أن عدداً من وزراء خارجية أميركا ومستشاري الرئيس للأمن القومي وكذلك مديري وكالة المخابرات المركزية في السنوات الثلاثين الأخيرة مروا بمرحلة إثبات قدراتهم الفكرية في مصانع الأفكار، ولا تزال أسماء معظمهم على قائمة مستشاري كثير من هذه المصانع الفكرية بعد أن تقاعدوا.
هناك الآن أكثر من الف ومائتين من مصانع الأفكار في أميركا، تتفاوت في أحجامها وميزانياتها، وتتداخل أنشطتها كثيراً مع أنشطة مؤسسات سياسية أخرى رسمية وغير رسمية، تلعب أدواراً مؤثرة في رسم السياسة الأميركية،لكنها لا تخضع أبداً لأي نوع من المحاسبة لا من السلطة ولا من الرأي العام، ثمة حالة خاصة لا بد
36
31
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
أن تذكر هنا لتأكيد التداخل الشديد بين نشاط مصانع الأفكار ونشاط منظمات الضغط (اللوبي) اليهودية في أميركا.
إنها حالة "المعهد اليهودي لمجلس الأمن القومي"، ويمكن اعتبار هذا المعهد بمثابة الجناح العسكري للوبي الصهيوني، فصلته الوثيقة بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والهيئة المشتركة لرئاسة أركان القوات المسلحة الأميركية تصل إلى حدود لا يبلغها أي مصنع أفكار آخر،وهو ينظم سنوياً رحلات للضباط الأميركيين إلى إسرائيل يلتقون فيها بنظرائهم الإسرائيليين وبالقيادات السياسية والعسكرية، والتركيز في نشاط هذا المعهد هو على أمر واحد: أهمية إسرائيل للأمن القومي الأميركي وليس العكس، إن تقاريره ونشراته تركز بدرجة أولى وأساسية على أفضال إسرائيل الأمنية على الأمن الاستراتيجي الأميركي. وتقدم مراراً وتكراراً ما تعتبره الأدلة على أن إسرائيل تكلف أميركا أقل كثيراً مما يكلفها حلف الأطلسي، في حين أنها تحمي مصالح أميركا الاستراتيجية في منطقة واسعة وأكثر أهمية بكثير من أوروبا، طبعاً بسبب النفط.
ربما يكون مناسباً أن أجعل من هذه النقطة عن تداخل نشاط وأدوار مصانع الأفكار من نشاط وأدوار جماعات الضغط – الصهيونية خاصة – نقطة ختام لهذا الاجتهاد السريع.
إنني أدرك أني لم أوف الموضوع حقه، ولكنني سأتذرع مؤقتاً بضيق الوقت، ومع ذلك فإنني على ثقة من أن أسئلتكم ستساعد على إتاحة الفرصة لإلقاء الأضواء على جوانب من الموضوع لم تأخذ كفايتها من الشرح أو الإيضاح.
أشكركم، والسلام عليكم.
37
32
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
المداخلات
الدكتور علي الخطيب:
بسم الله الرحمن الرحيم، السيد الخامنئي دام ظله يقول: "أن أميركا بركانٌ من الجليد بدأ بالذوبان" ومفكرون كثر من أمثال "عمانوئيل تود" وغيره يقولون بأن الإمبراطورية الأميركية إلى زوال، حيث اعتبر أن توسع الإمبراطورية العسكري والاقتصادي والبشري غير ممكن، السؤال: ما هو تأثير هذا الكلام على مراكز الدراسات والأبحاث التي تؤثر في صناعة القرار؟ وشكراً.
تعقيب د. سمير كرم:
شكراً لتوجيهك هذا السؤال بالتحديد لأنه فتح لي نقطة أود أيضاً أن أضع تحتها خطوطاً كثيرة، مراكز الأبحاث أو مراكز مصانع الأفكار في أميركا على خلاف ما قد نظن، فهل تقدم للحكومة الأمريكية ما تريد الحكومة الأمريكية أن تسمعه؟ أنا في اعتقادي أن مصانع الأفكار الأميركية إنما تصوغ تقاريرها وتصوغ دراساتها بالصورة الموضوعية المطابقة للحقائق، حتى تستطيع الحكومة الأمريكية عند تنفيذ خططها سواء كانت هذه الخطط عسكرية أو خطط سياسية أو حتى ديبلوماسية أن تتحرك تحركاً دقيقاً، وأن تصل إلى أهدافها، طبعاً، ليس في كل الحالات تصل إلى أهدافها على الإطلاق، لكن أود التحذير من الاعتقاد بأنها إنما تضع للحكومة الأميركية ما تود سماعه، نحن هنا في موطننا
38
33
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
العربي ـ ولا أعرف إذا ما كنا مصابين بهذا في عالمنا الإسلامي ككل أم لا؟ـ مصابون بداء أن نقول لحكومتنا أو للسلطة في بلادنا ما تحب أن تسمعه، حينما تكون خبيراً في المركز أو حينما تكون تشغل مركز السلطة في مركز حكومي أو في جامعة مثلا تجد نفسك أنك تقول للحكومة ما تحب أن تسمعه وليس ما ينبغي أن تعرف، أنا أظن أن مراكز الأبحاث الأمريكية تشتغل على ما تشتغل عليه بطريقة موضوعية، وتكتب ما ينبغي أن يقال، وتترك الأمر للحكومة تنفذه بالطريقة التي تراها، هذه نقطة.
النقطة الثانية حتى أعود إلى صلب سؤالك، هم يعودون إلى الكتابات العربية، ويعودون إلى النظريات الإسلامية سواء كانت قديمة أو معاصرة، يعودون إلى تصريحات ساستنا العرب والمسلمين، خاصة إذا كان لهم وزنٌ كبيرٌ كساسة إيران أو زعمائها الدينيين أو الزعماء الروحيين في المنطقة ككل، يعودون إليها ويضعونها في تقاريرهم، والذين يتجرأون على وضع أوصاف نابية أحياناً ومنافية للحقيقة هم الجانب الدعائي الإعلامي أكثر منه الجانب البحثي، وليس مسؤولاً عن هذا من نعتبره نحن من المفكرين أو الباحثين في مراكز صناعة الأفكار، لهذا هم يعون جيداً أن هناك من يرى أن الإمبراطورية الأميركية إلى زوال شأنها شأن الإمبراطوريات السابقة، خاصة وأن هذا الرأي يتفق مع آراء أساتذة أمريكيين ومفكرين أمريكيين كبار حيث يقولون هذا الرأي وبصراحة، وبول كندي قال هذا الكلام في كتاب صدر منذ حوالي عشر سنوات، وهناك ما يشبه القانون أن الإمبراطوريات حينما تتوسع وتأخذ دوراً أكبر من حجم إمكانياتها وتوزع نفسها وتوزع
39
34
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
قوتها ومصادرها على نطاق واسع لا بد أن تضعف، ولا بد أن تنال منها التحديات الكثيرة التي تواجهها، ولعلنا نذكر هنا أن المناضل الأمريكي اللاتيني"غيفار" كان يدعو دعوة بسيطة جداً أنه في الوقت الذي كانت حرب فيتنام تدور كان يطالب أن تكون هناك فيتنام في كل منطقة في العالم، لنرى ماذا تفعل أمريكا عندئذٍ! كان يطالب بفيتنامات كثيرة في العالم، ويعتبر أن هذه هي الاستراتيجية الحقيقية لإلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة، وأظن هذا الكلام صحيح بصرف النظر عن نظرية "غيفار" أو انتمائه الإيديولوجي.
تعليق السيد نواف:
أنا أشكر للأستاذ سمير كرم إطراءه، وأعتقد أن اختياره كان صائباً جداً بالنظر إلى خبرته الطويلة في الشأن الأميركي، أود الإشارة إلى أن ما وصف خلافاً أولياً هو ليس خلافاً، من الواضح تماماً أن مراكز الأبحاث تتعدد في الولايات المتحدة بتعدد الاتجاهات السياسية، لكن بالنظر إلى أن الولايات المتحدة قارة قوى عظمى إذاً كان الحديث هو عن مراكز الأبحاث التي تمارس تأثيراً في صناعة القرار، وبالفعل فإن المراكز ذات الطابع اليساري إلى حدٍ ما تبدو مقصاة، يعني عندما نقرأ أفكارها نقرأها في وسائل الإعلام، وهي ليست صاحبة التأثير الأول، بل مهمشة، هذه النقطة الأولى.
فيما يتعلق بالموضوعية، فهنا خلاف، ما المقصود بالموضوعية؟ سأعطي مثالاً، قال البغض نسقط نظام صدام حسين ثم نسلِّم الحكم للهاشميين (الأسرة الهاشمية) لأن السنة سيرضون حيث
40
35
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
أن الهاشميين هم سنة، ولا من مشكلة عند الشيعة لأن الأسرة الهاشمية تنتمي بنسبها إلى الرسول الأعظم، فهذا كلام على مستوى من التبسيط.
يقول "إدوارد سعيد" أنه ثمة فرق بين من يريد أن يفهم بغية العيش معاً وبغية تطوير الأفكار الإنسانية، فهذا النوع من المعرفة لا علاقة له بالمعرفة التي تريد أن تهيمن والتي تريد أن تسيطر، والمعرفة التي تكون غايتها الهيمنة والسيطرة لن تكون معرفة حقيقية، معرفة تجتزأ الآخر، والدليل ما نراه اليوم، فالسياسة الأمريكية من الواضح أنها تتخبط في العراق، يعني وضعت سياسة أسمها إسقاط صدام حسين،أما ما بعد صدام حسين فهي لا تستطيع التفاهم لا مع الشرائح ولا مع القوى ولا مع إلخ...
هذا إن دل على شيء يدل على أن المعرفة التي زعمت موضوعيتها في مقاربة شأن كالشأن العراقي قد تداعت ميدانياً وواقعياً، لأنها صدرت عن إرادة الهيمنة ولم تصدر عن إرادة العلمية التي تبغي المعرفة الموضوعية، لذلك هي لا تقدم معرفة موضوعية، تماماً إذا شئت أن أصف هذا النوع من الأبحاث هو استشراق كولونيالي، الاستشراق ماذا كان يفعل ؟ كان يقوم بانتقاء صور، مثلاً عندما يجلس أحد من المحافظين الجدد ويتحدث عن الإسلام يأخذ الآيات التي نزلت في مواضع محددة في ظروف محددة تدعو إلى القتال ثم يستنتج منها صورة نمطية من أن الإسلام هو دين غير قابل للعيش لأنه دين قتال، حسناً لو أجرينا هذا الأسلوب في القراءة على التوراة ماذا يظهر لدينا؟ من هنا قولي أن المعرفة التي تقدم وإن اتخذت لبوس الموضوعية والعلمية وإن احتوت على
41
36
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
أنصاف وقائع إلا أنها بالنتيجة تصدر عن إرادة هيمنة تخرجها عن كونها عملاً بحثياً يجدر بالصفة العلمية.
أما في موضوع هل أن مراكز الأبحاث هذه تبين للولايات المتحدة نقاط الضعف التي تحول دون تداعيها وتفككها؟ أخشى من أن مراكز الأبحاث التي تحدثنا عنها تدفع الولايات المتحدة وتأخذ بها إلى مناطق التأزم ومفاقمة ما تعاني منه، بعكس بعض مراكز الدراسات والتي يمكن أن تكون موجودة داخل الإدارات، مثلاً "ريتشارد هس" كان صاحب فكرة الشراكة مع العالم الإسلامي، لا أقول أنه هو أفضل من الاتجاه الآخر، لكن هو يعتقد أن أسلوب التعاطي مع العالم الإسلامي ليس الأسلوب الحربي العسكري وإنما أسلوب الاختراق الثقافي، مثلاً مجلس العلاقات الخارجية الذي يُصدِّر "نورم أفيرز" يوجد مقال جدير بالقراءة هكذا عنوانه أخذ العرب بجدية، دعوة إلى تغيير الصورة النمطية القائمة، فيدعو إلى أن نبدأ بفهم الشارع العربي وبمخاطبة الشارع العربي، نعم هناك أصوات تريد أن تصوب السياسات الأمريكيةو عملية النمو الأمريكية التي تعاني من أزمات، لكن الآن الإدارة الأمريكية تقع تحت سيطرة ثالوث خطير هو هذه المحافظة الجديدة، هذه الأصولية المسيحية ذات الطبيعة الألفية، هذا اللوبي الصهيوني الذي بلغ أوج تقدمه وصعوده في الإدارة، من هنا بالفعل الخشية من أن تتخذ العلاقات العربية ـ الأمريكية أشكالاً أكثر سوءً في المستقبل، لأنه ليس ثمة من هو قادر على تقديم الصورة الموضوعية، وإذا كان ثمة من هو قادرٌ على تقديمها فليس قادراً على التأثير.
42
37
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الدكتور عبد الأمير فضل الله:
كدنا أن نقع في خطأ فادح، حيث أننا نتعامل وكأن مراكز الدراسات والأبحاث في أميركا تأخذ الأشياء بموضوعية وعقل وعقلانية فقط، ولكن ننسى الغرائز والأهواء والميول والعقيدة التي تلعب دوراً في توجيه هذه الدراسات والأبحاث الأميركية، المسألة الثانية التي سأقولها أن اليهود وصلوا إلى مراكز القرار ؟لأنهم امتطوا هذه المراكز حتى يوصلوا اهواءهم وآراءهم، والصهيونية موجودة حالياً في الإدارة الأميركية، ولفت نظري الكلمة التي قالها الأستاذ كرم أنه هناك مراكز أبحاث كثيرة كانت صغيرة وكبرت، السؤال لماذا لا يصبح هناك مراكز أبحاث عندنا في البلدان العربية والبلاد الإسلامية بحيث يكون لها تأثير في الولايات المتحدة أو في أوروبا أو في أي مكان آخر؟
الأستاذ سمير كرم:
عندما نتحدث عن الموضوعية لا بد من التفريق بين أمرين أساسين، بين ما هو من قبيل المعلومات وما هو من قبيل الرأي، أنا كباحث أعتقد أنه منهجياً هذا صحيح، إما أن تقول معلومة وإما تقول رأيا، حينما أقول أن الشمس تشرق من الشرق فهذه معلومة، ولكن عندما تقول أن الشمس تلهم إنساناً ما بأن ينظم شعراً فهذا رأي، لا أستطيع أن أكون موضوعياً فيما يتعلق بالرأي، أنا أقصد بالموضوعية أن مصانع الأفكار هذه لا تلجأ لا إلى الكذب، ولا إلى أساليب ممالئة السلطة حتى تصل إليها، إنما تصل إلى وضع المعلومات صحيحة بقدر ما تعرفها، لأن أي معلومة توصلها إلى أي
43
38
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
إنسان توصلها بقدر ما تعرفها، أنت لا توصل معلومة فوق طاقة معرفتك، وتوصلها بقدر ما تبذل من جهد على تجميعها وتحليلها وتقديمها في الصورة الموضوعية السليمة، هذا ما يفعلونه، والمثل الذي ضربته أردت منه أنهم لا يقعوا في الخطأ الذي نقع فيه نحن في بلادنا أو ربما في بلدان العالم الثالث كله نتيجة عوامل عديدة، وهو أن نقول للحاكم ما يحب أن يشنف أذانه به، أبداً هذا لا يفعلونه هناك، هذا الذي قصدته بالتحديد، في المعلومات يقولون ما ينبغي أن يقال في المعلومات، وفي الرأي يقولون رأيهم، وأضيف إلى هذا أن أحد الجوانب الإيجابية إذا جاز التعبير في العدو وأرجو ألا تؤاخذوني في هذا، للأسف هناك جوانب إيجابية في عدونا هذا، ولا بد أن ندركها، فهم في تقاريرهم إذا قرأناها في نصوصها الحقيقية وليس عن وعن وعن نجد أنهم يقولون أن هناك احتمالات أ ـ ب ـ ج ـ د ....
إحتمال أ) عيوبه 1- 2- 3- 4 مزاياه: 1- 2- 3- 4، هذه هي طريقتهم المنهجية في وضع هذا النوع من التقارير التي توجه صانعي القرار، صانع الفكر يريد أن يؤثر على صانع القرار من خلال إبراز نقاط معينة، ومن خلال التأكيد على نقاط معينة، يعطي المعلومة ثم يعطي رأيه لاحقاً، يعطي رأيه بأنه هذه الخطة كفيلة بأنها توصلك إلى السيطرة على منابع النفط، إلى السيطرة على اقتصاديات اليابان، إلى السيطرة على اقتصاديات أوروبا، وهناك رأي آخر يقول بأنه سيورطك في كذا وكذا، لكننا لدينا من الإمكانيات ما يمكننا من تجاوز هذه الصعاب والمشاكل، ولا يزال بوش يعتقد أنه سيتجاوز هذه الصعاب وهذه المشاكل، وأنه قادرٌ
44
39
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
عليها، وأميركا أقوى من أن تهزم، نفس الموقف الذي اتخذوه في فيتنام، يكررون أخطاءهم هي هي، لكن من حيث الموضوعية أنا أظن أن هناك قدر من الموضوعية فيما يتعلق بالمعلومات ولا أستطيع أن أطالبه بالموضوعية بحسب الرأي، إذا كان مصنع أفكار للجناح اليميني الموجود في السلطة لا أتوقع منه أنه يكتب في تقريره كلاماً يوجهه ناحية اليسار، ويوجهه ناحية أن يلفظ سياسة اليمين، ويلفظ أحلام اليمين الأمريكي في أن يسيطر على العالم سيطرة كاملة وأبدية.
الشيخ محمد شبر آل فقيه
صورنا مراكز الدراسات أنها أحياناً تسير الولايات المتحدة الأميركية، أو أحياناً هناك موضوعية في الخطاب الأميركي،ان الموضوعية التي يبحث عنها الخطاب الأميركي التابعة لمصلحته أي غير الموضوعية التي يصورها المثقف العربي، كنت أتصور أن الأستاذ سمير كرم يناقش مراكز الدراسات الأميركية بموضوعية أكثر، فمراكز الدراسات الأميركية التابعة لوزارة الخارجية أو لوزارة الدفاع تكون مثبتة للقرارات ولا تتدخل بقرارات السياسة الأميركية لا من قريب ولا من بعيد وإنما مثبتة أو مدعمة لقرارات المركز الأميركي، أنا أريد أن أسأل السيد نواف هل ترون أن مراكز الدراسات الإسلامية مهيئة لأن تضع استراتيجية إسلامية في وجه مراكز الدراسات الأميركية؟ والأستاذ سمير أيضاً هل ترون أن مراكز الدراسات الأميركية معلوماتها قاصرة عن المجتمع العربي أو المجتمع الإسلامي فهي غير مهيئة حتى لقراراتها التي تعطيها
45
40
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
إلى مراكز القرار أو اللوبي الأميركي على وجه العموم؟ وشكراً جزيلاً للاستماع.
السيد نواف:
شكراً سماحة الشيخ على سؤالك، ومع الإتصال بالسؤال الذي طرحه الدكتور عبد الأمير فضل الله، أقول لا شك أن ثمة حاجة إلى مراكز دراسات تعمل داخل الولايات المتحدة، تحاول أن تقدم الرأي الآخر في مواجهة الآراء التي تقدم، وأنا أفهم ملاحظة الأستاذ سمير فيما يتعلق بالموضوعية، وهو الناشط في مركز دراسات له التزامه السياسي لكن يحرص على الموضوعية فيما يقدمه من نتاج، فهو يلاحظ كما ألاحظ ونلاحظ جميعاً أن ثمة مراكز دراسات في العالم العربي لم تصنع إلا لممالئة الحاكم، وبالتالي إذا قارنا نتاجها مع مراكز أبحاث تعمل في خدمة الحاكم كما سماها إدوارد سعيد فالفرق هو في نوعية الاحتراف، أي بين شخص يمارس خدمته بشكل مبتذل وشخص يمارس هذه الخدمة بطريقة محترفة وبصورة أفضل، حتى نلتقي مع الأستاذ سمير فالإثنان يمارسان خدمة للحاكم ولكن هناك خدمة على نحو الممالئة لإسماعه ما يود أن يسمع، وهناك تقديم المعطى الذي يساعده على تحقيق الهدف الذي يرمي إليه، أو اصطناع هدف يتلائم مع الإيديولوجية التي ينتمي إليها..
نعم نحن بحاجة إلى مراكز دراسات، ما أود الإشارة له لأن المداخلة لم تغط النص المكتوب، بالنسبة لمراكز الأبحاث هناك مراكز أبحاث متخصصة بالشأن الأمني أشار إليها الأستاذ سمير،
46
41
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
وهناك مراكز أبحاث متخصصة بالشأن الاقتصادي هدفها أن تظهر أهمية العلاقة مع إسرائيل لنمو الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي، وهناك مراكز دراسات آخرى لها علاقة بتبيان أماكن أو مناطق التقاطع بين الثقافة اليهودية والثقافة المسيحية وهكذا...
يعني مراكز دراسات تحرص على التخصصية في مجالاتها، بحيث تغطي كل الموضوعات وكل المجالات، لتقول إسرائيل هي ضرورة، والعلاقة مع إسرائيل هي ضرورة..
نعم هناك حاجة لأن يكون عندنا مراكز دراسات، نحن بحاجة إلى مراكز دراسات تنتج معطيات توضع بين أصحاب القرار لأخذ قرارات سليمة، لكن أيضاً بحاجة إلى مراكز في الولايات المتحدة، نحتاج إلى تنشيط حركة الجالية العربية والإسلامية لا سيما بعد 11 أيلول لوقف هذه الصورة النمطية التي تنبش والتي يعاد العمل على تثميرها بتقديم العربي والمسلم بصورة الشيطان الآخر الذي ينبغي تدميره، وبالفعل هنا دعوة إلى الشروع في هذا المجال، لكن أقل الإيمان أنه إذا كانت وسائل الإعلام الأميركية مفتوحة أمام من يسموا خبراء في الروح العربية مثل "دانيل بايبس" ..
لماذا تصر وسائل إعلام عربية على تقديم هؤلاء على أنهم خبراء؟ وتفسح لهم المساحة الإعلامية والإعلانية، أما يكفي؟! أليس هناك ضرورة لتسليط الأضواء على شخصيات تمتلك الرأي الآخر؟ لم نر "نعوم تشومسكي" على محطة عربية في حين أن "دانيل بايبس" خلال فترة قصيرةرأيناه مرتين.
47
42
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الأستاذ سمير كرم:
سأجيب على سؤال سماحة الشيخ، هل مراكز الدراسات والأبحاث الأميركية معلوماتها قاصرة عن المجتمع العربي؟ أو أن معلوماتها لا تكفي؟ أو لا تستطيع أن تجمع ما يكفي من المعلومات عن المجتمع العربي ولهذا تتعثر في سياستها اتجاه المنطقة العربية؟ أنا لا أظن أنها قاصرة في الحصول على المعلومات، فمن ناحية هم لديهم المصادر الكافية للحصول على المعلومات، ومن ناحية أخرى معظم مجتمعاتنا مع الأسف مخترقة ومخترقة بمساعدة الأمريكيين وبمساعدة البريطانيين بل وبمساعدة الإسرائيليين، وهذا في النهاية يصب في المخابرات الأميركية "الأم"، كما نعرف كل ما يرد إلى المخابرات الإسرائيلية وإلى المخابرات البريطانية واليونانية ومخابرات حلف الأطلنطي كله في نهاية الأمر يصب في وكالة المخابرات الأميركية، وبالتالي لديهم حصيلة هائلة من المعلومات التي تتدفق عليهم، لا أقول يومياً إنما كل ساعة، وربما هذا يوقعهم في مشكلة.
أحد الجنرالات كان يقول أخيراً أنه حجم المعلومات التي ترد إلى المخابرات الأميركية بأجنحتها المدنية والعسكرية يفوق كثيراً قدرتها على تحليلها وقدرتها على أن تقرأها جميعها، فليس هناك نقصا، لكن فيما يتعلق بأمور الإنسان، والمجتمع هو الإنسان، دائماً هناك هامش يتعلق بالنوازع ويتعلق بالمشاعر وأمورتتعلق بالثقافة لا يدركها إلا ابن هذه الثقافة الذي تلقى تربيتها والذي تلقى ديانتها والذي يتلقى تعاليمها الروحية، ومهما كانت دراسة الأمريكي عن هذا المجتمع لا ترقى إلى مستوى المعرفة المباشرة، ما كان يسميه
48
43
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الفيلسوف البريطاني "Direct Knowledge" المعرفة بالتعرف المباشر، يمكن أن أزعم أنّ معرفتي بالمجتمع الأمريكي معرفة بالتعرف المباشر لأنني عشت المجتمع الأمريكي عشرين سنة متواصلة لكن مع ذلك ليس هذا المقصود بالمعرفة بالتعرف المباشر، المقصود بالتعرف المباشر أن أكون ابن هذا المجتمع ابن هذه اللغة ابن هذا النمط من الحياة الثقافية ابن هذا النمط من العادات والتقاليد ابن هذا النمط من الأخلاق، يعني منظومة كاملة تصنع الإنسان، ومهما كان حجم المعلومات المتاحة سواء كانوا قادرين على أن يحللوها أو فوق قدرتهم على التحليل هناك هامش للخطأ وهناك هامش للاندفاع مع الرغبة في الهيمنة...
ولهذا أنا حريص على أن تتضح لنا إلى حدِّ ما الفروق مهما كانت ضئيلة ودقيقة بين إدارة وإدارة بين حزب وحزب بين رئيس ورئيس، نحن بحاجة لأن نعرف هذه الفروق الدقيقة، ألاّ نأخذ الأمور كلها على إجمالها ونقول أن كلهم صهاينة وكلهم خاضعون، صحيح أن كلهم في تيار واحد لكن هناك فروق دقيقة، على سبيل المثال حتى أوضح الفكرة وأرجو أن لا أكون أطلت، في عهد كلينتون كان حريصاً على أن يعين حوله مجموعة من اليهود، لكن أي نوع من اليهود؟ كل اليهود الذين كانوا حول كلينتون كانوا من يهود حركة السلام الآن الأمريكية، الحركة الموازية لحركة السلام الآن الإسرائيلية، وهذا جعله إلى حدٍّ ما إذا استخدمت التعبير السياسي المألوف إلى يسار الخط الحزبي التقليدي الموالي لإسرائيل، حاول هو أن يكسب فكرة أن اليهود حولي لكن في نفس الوقت استخدم نوعاً آخر من اليهود، ولهذا كان أكثر ميلاً من غيره من الرؤساء مع
49
44
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
القضية الفلسطينية إلى أن وقع تحت الضغوط الأخيرة، وكل هذا مفهوم، لكن هذه فوارق مهمة،ناتجة من ماذا؟ ناتجة من حجم المعلومات المتاحة لنا، أنا كإجابة قصيرة لا أعتقد أن الأمريكيين قاصرون عن أن يعرفوا المجتمع العربي والمجتمع الإسلامي معرفة صحيحة، خاصة إذا عدنا الىالمجال الأكاديمي، أين هم الأكاديميون الإسلاميون الذين يخصصون من أعمارهم سنوات طويلة لدراسة شخصية ثقافية أو شخصية روحية أوروبية أو أمريكية؟ هناك مستشرقون فعلوا هذا، قضوا سنوات طويلة من 12 إلى 20 سنة ليصدر كتاب عن متصوف إسلامي، أين هو المقابل؟ أين هو النظير الإسلامي لهذا؟ ..
أنا أظن أن المجتمع الغربي لديه هذا الاستعداد للمعرفة أكثر منا حتى الآن على الأقل، الظواهر تتغير، كل الأمور تتغير بما في ذلك مصانع الأفكار الأمريكية، فهي ليست ظاهرة أبدية، لا يوجد مصنع أفكار أمريكي سيظل إلى الأبد ويظل مؤثراً، اليوم مؤثر غداً لن يكون مؤثراً إذا خرج بوش من السلطة عام 2004، مصانع الأفكار هي بنية أن توجه العالم نحو كل هذا الخطر، والأمريكيون ابتدءوا يتنبهوا لهذه الأخطار، بالنهاية لن يكون لهم هذا التأثير و لا هذا النفوذ، هم سينتظرون إلى أن يفوزوا بالانتخابات مرة أخرى ليعيدوا الكرة مرة ثانية، وأرجوا أن أكون قد أجبت عن السؤال.
الأستاذ حسين سلوم:
يفيد آخر إحصاء أن 1.3% من المجتمع الأمريكي هم يهود، وليس كل اليهود في أميركا هم نشيطون، ولكن وجود اليهود منذ
50
45
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
200 سنة وأكثر في أميركامن جهة وحيث أنهم انخرطوا بجميع أفق الحياة في داخل أميركا حتى عرفوا أين نقاط الضعف مون جهة ثانية فاستطاعوا أن يؤثروا على القرار الأميركيٍ بشكل عام، واستطاعوا أن يرغموا أميركا بتنفيذ ما يريدون، وفي نفس الوقت الجالية الإسلامية والعربية في أميركا وأنا عشت هناك للأسف حدِّث ولا حرج، حالة تشرذم، حالة تخبط وضياع، لدرجة أن مليون عربي صوت لصالح بوش، هذه أحد الدلائل، نحن لا نعلم أنفسنا إلى أين ذاهبون، والآن بعد 11سبتمبر المسألة أسوأ. السؤال كم لدينا استعداد أن نوجه مجتمعاتنا الإسلامية أو العربية لأن تنخرط في داخل أميركا؟ فهل المفروض منا أن ننخرط في جميع أفق الحياة الأمريكية لدرجة أنه علينا أن ندخل إلى الجيش الأمريكي مثل ما اليهود دخلوا إلى الجيش الأمريكي ؟هل هذا الشيء قابل للبحث عندنا أم لا؟ هل هذا الشيء مطلوب؟ بصراحة نحن بحاجة لجواب كبير على هذه المسألة، وشكراً.
سؤال:
السؤال موجه للسيد نواف، كيف تقيّم الدراسات والأبحاث الأميركية التجربة الإسلامية في لبنان وتحديداً تجربة حزب الله كحركة إسلامية ثورية؟ وبالتالي كيف تقدم هذه الدراسات والأبحاث الرؤية السياسية للإدارة الأمريكية؟
الأستاذ فادي خليفة:
أتصور أنه يوجد كثير من مراكز الدراسات في أميركا تخطط مع أطراف في السياسة للوصول إلى السلطة، يعني مرحلة
51
46
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الدراسات عندهم تكون قبل الوصول إلى السلطة وليس بعد الوصول إليها، وهذا شيء من المهم الالتفات إليه أن التخطيط يكون ليس بعد الدخول إلى السلطة بل يتم التخطيط بدراسات وبمعلومات للوصول إلى السلطة.
وملاحظة ثانية، وهي مسألة نستطيع أن نصنفها بأنها مسألة جيدة، أن صناع القرار في أي دولة في العالم يستندون إلى مراكز دراسات لإصدار قراراتهم ولا يستندون إلى العفوية وإلى المنجمين فبالتالي المسألة هي مسألة جيدة بغض النظر عن أن سلبياتها علينا نحن وشكراً.
الأستاذ قاسم قصير:
أود أن أطرح سؤالا يتعلق بموضوع التأثير في الإدارة الأمريكية، حيث دائماً الأصوات العربية والإسلامية خاصة المعادية لأمريكا تهاجم أمريكا بأنهم ضد العرب وضد المسلمين وأنها تدعم إسرائيل، وهذا كلام صحيح، ولكن هل يكفي التهجم على الإدارة الأميركية لتغيير منطق هذه الإدارة؟ أم أنه نحن بحاجة لعلاقة حوارية مع هذه الإدارة؟ فهل يكفي فقط شرح هذه الإدارة وسياستها وأهدافها وهي تريد أن تحكمنا؟ أو نحن بحاجة إلى عمل ما؟ لا أعرف من يقوم به، القوى السياسية، الأكاديمية، للتأثير في قرار الإدارة. السؤال موجه للسيد نواف والأستاذ سمير هل هناك إمكانية واقعية للقوى العربية والإسلامية سواء المعادية لأمريكا أو التي لها علاقة معها في التأثير في القرار الأميركي أو أن الموضوع محسوم ولا يجب أن نفكر في الموضوع؟ وشكراً.
52
47
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
السيد نواف:
الموضوع الذي طرحه الأستاذ قاسم والإقتراح الذي تفضل فيه الأخ حسين يتقاطعا وإن كان كلاهما يحتاج إلى جواب، في وقت من الأوقات كنت واصلاً إلى قناعة أن الجاليات العربية والإسلامية ينبغي أن تندرج في الحياة السياسية للبلدان التي تقيم فيها، والعبارة دقيقة جداً، الاندراج في الحياة السياسية، لأن الحديث عن اندماج العرب والمسلمين في حضارة أخرى أو في هوية أخرى موضوع إشكالي، أولاً من زاوية حضارية ـ ثقافية وهو أيضاً إشكالي أيضاً من ناحية أمنية ـسياسية، بمعنى أنه عندما يقال الانخراط في الجيش الأمريكي يعني يوجد معضلة أخلاقية هنا، وهناك معضلة أشد أخلاقية عندما وكالة الاستخبارات الأمريكية بسبب من عجزها عن تحليل كم هائل من المعلومات ولأسباب أخرى أيضاً تعلن حاجتها إلى تطويع أشخاص يتقنون الثقافة العربية والفارسية، فبأي موقع نحن سنصبح؟ يعني الاندراج أن نصبح جزءً من الأداة الإمبريالية؟ فهذا موضوع إشكالي لا يمكن حسمه على نحو الأجوبة البسيطة،إنما يحتاج بالفعل أولاً إلى جمع الجالية العربية والإسلامية، نعطي مثالاً: أنا تلقيت في وقت من الأوقات ما يشبه الدعوة من أحد الأحزاب الأوروبية إلى تشجيع الجالية العربية والإسلامية على التوحد والإنخراط في العملية الانتخابية لسبب أن هذا الحزب لم يعد يجد له من حليف بمواجهة الطغيان اليميني في بلده إلا التحالف مع الجالية العربية المؤثرة في الانتخابات، أقول هذا موضوع دقيق ومهم لا ينبغي الإشاحة عنه، للأسف أسجل أن الجالية العربية والإسلامية بقيت تعمل في
53
48
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
الفترة الماضية في الغرب وكأنها مقيم مؤقت، يعني تمكث قليلاً وترجع، دون أن تلتفت إلى أهمية أن تكون جزءً من الحياة السياسية، نعم هذا أمر ينبغي الإلتفات إليه، لكن ما هي السياسة التي ينبغي أن توضع؟ هذه يجب أن تكون محل دقة، أنا أعرف بعض الشخصيات التي تحدث معي أنه من الضروري أن ندعم بوش في مواجهة كلينتون الذي كان إلى جانب اليهود؟ أليس نوعاً من التبسيط، أعرف شخصية أخرى كانت على رأس حملة "هيلاري كلينتون" من أجل بلدية نيويورك، أقصد أن هذه الخيارات دقيقة جداً لن أدخل فيها بالتفصيل، لكن كعنوان أقول نعم من المهم أن تنخرط الجالية العربية والإسلامية في الحياة السياسية في أي بلدٍ كانت تقيم، شرط تلافي الإشكالات ذات الطبيعة الحضاريةـ الثقافية والإشكالات ذات الطبيعة الأمنيةـ السياسية.
أما بالنسبة إلى السؤال الذي طرح، هل تلتزم مراكز الدراسات هذه بنظرة موضوعية عن حزب الله؟ أنا بسياق الحديث أعطيت نموذجين يعني "ماثيو ليفيت" كتب مقالاً عن حزب الله ودوره في الضفة الغربية، استند فيه إلى ما قاله "الشاباك" و"الموساد"، كيف يمكن أن يكون موضوعياً حتى على مستوى المعلومة إذا استند إلى جهاز إستخباري لطرف واحد، هذه المعلومة ألا تحتاج إلى تدقيق من صوت آخر، من مرجع آخر؟ فالمعلومة لم يجر تدقيقها ولم يجر تسليط الضوء عليها من زواياها المختلفة؟ هذا أولاً، وثانياً: كيف يجري إدراج هذه المعلومة؟ يعني بأي سياق يجري توظيفها؟ من هنا هذه اللاموضوعية التي أنا أشرت إليها، هي من ناحية ابتسار المعلومات واجتزائها والتوظيف السياقي للمعلومة، من هنا أقف
54
49
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
أمام دراسة صادرة عن مركز للمجموعة الدولية للأزمات من بروكسل ليس أمريكياً، واذا قرأناه نجده يحتوي على قدر من المعلومات، بعضها دقيق، بعضها قديم، بعضها غير دقيق، لكن توظيف هذه المعلومة يأتي على نحوٍ قسري باتجاه واحد، أنه يجب أن نذهب باتجاه أن حزب الله هو متمرد بلا قضية، بالفعل من دون أن نرد عليه كان يكفي أن ننتظر 15 أو 20 يوماً حتى ترجع الأمور تتحرك على الحدود لنرى أن هذا التقرير الذي كلّف عملاً كثيراً قد تداعت قضيته، إذاً أين هي الدقة؟ أعود وأقول الصورة النمطية ذات الجذور الاستشراقية الكولونيالية. فالمديح الذي قاله الأستاذ سمير كرم عن بعض أنماط الإستشراق هو عن حق، هناك شخصيات تعكف على أن تدرس، المستشرق المستعمر الكولونيالي "لوي ماسينون" الذي يختلف عن شخصيات أخرى، جلس وكتب عن "الحلاج"، وقرأ "للحلاج"، طبعاً وقع في أخطاء قاتلة بترجمة الحلاج، لا شك أنه لم يدرك الفضاء الاصطلاحي لكلمات الحلاج، لكن لم يكن أحد آخر قادراً على تقديم هذه المقاربة إلا بدءاً من "ماسينون" لكن هذا لا يعني أن كل الاستشراق رذيل، لذلك أنا قلت الاستشراق الكولونيالي بالتحديد، وأنا اشتغلت على مستشرق و لا أزال اعتبر أن هذا العمل يجب أن يُتابع، نعم أشارك الأستاذ سمير أنه لا يوجد جلد الخبرة العلمية أو الاهتمام العلمي الأكاديمي غير موجود عندنا، لماذا لم يكن هناك استغراب في مواجهة الاستشراق؟ وهذه معضلة واجهتني عندما طلب مني تقديم البحث، أنا شعرت بفداحة المهمة التي أوكلت إليّ، وأعتبر أن ما قدمته هو خطوةعلى سبيل البحث الكامل، أعتبر الجهد الذي بذل الآن هو ما يشبه
55
50
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
المقدمة التأسيسية لعمل أكثر عمقاً وأكثر شموليةً ينبغي أن يتكامل، لكن نشكو من قلة الاهتمامات الأكاديمية، فإن كثيراً من الأكاديميين تجاذبتهم السياسة اليومية فغرقوا فيها وتخلو عن الآفاق الهامة للثقافة بمعناها الرحب، ولذلك افتقدنا كشرقيين إلى أدوات قادرة على القيام باستغراب موازٍ للاستشراق الذي كان.
الأستاذ سمير كرم:
أرجو أن تأذنوا لي بخمس دقائق فقط، سأضيف إلى ما قاله الأخ السيد الموسوي ولن أختلف معه فليس لدي رد على ما قاله، إني سأحاول أن أوضح أمراً حول التقارير التي تكتب قبل الصعود إلى السلطة هي أكثر أهمية من التقارير التي تكتب بعد الصعود إلى السلطة وتختلف اختلاف الظروف، لا نستطيع أن نصدر حكماً عاماً بأن من يكتب قبل الصعود إلى السلطة يكون قد ساعد من صعد إلى السلطة في الصعود إليها، و أهميته إذا جاز التعبير هي أهمية إجرائية أكثر مما هي أهمية جوهرية، لأن من يصعد اليوم يسقط غداً بسهولة، لكن ما يفعله وهو في السلطة هو الذي كثيراً ما يترك أثراً خطيراً، على سبيل المثال التقارير التي وضعت قبل الصعود إلى السلطة ـ من جورج بوش ومجموعة اليمين الجديد ـ بشأن غزو العراق أصبح معروفاً أنها كتبت منذ عام 1997 على الأرجح، الذي نشر في مركز أميركا الجديدة القرن الواحد والعشرين كان بالغ الأهمية لأنه أخذت به مجموعة بوش ونفذته كاستراتيجية وانتهزت فرصة 11 سبتمبر لهذا الاندفاع الخطير، لكن تبيَّن أنه هو كان محتاجاً لما بعد ذلك، للتقارير التي كتبت عما
56
51
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
سيحدث بعد ذلك، كانت تقاريراً خائبة، بدليل أنه الآن يواجه مشاكل لم يكن يتوقعها، كما نعرف أنه كان متصوراً أنهم سيقابلونه بالزهور والورود، وهو الآن يقابل بالصواريخ والأربيجيات وبالمقاومة ولا يعرف حتى من أين تأتي، حتى الأمريكي العادي أصبح في حالة بلبلة، فمسألة ما يكتب قبل أو يكتب بعد هو استمرارية لعملية التفكير وصنع الأفكار، الشيء الذي نفتقد إليه نحن بشكل أو بآخر، ولهذا أود أن أضيف إلى ما قاله أخي السيد الموسوي أنه حينما نرى أن أحدهم كتب مقالاً كتب فيه معلومات زائفة واعتمد على رأي واحد ولم يلتفت للرأي الآخر، أين هي كوادرنا التي تستطيع سواء في الجالية هناك أو نحن هنا أن تتابع متابعة دؤوبة وتبعث لهذه الصحيفة أو هذه المجلة أو لهذه الدورية وتقول لهم نشاطهم اليوم كان كذا وكذا، وهذا خطأ تاريخي لأنه غير مسؤول وإن هذا رأي وأخذتم رأياً واحداً ولم تأخذوا برأي الآخر، وتقولون صحافة حرة، ونرى ليست صحافة وضوعية؟ لا بد أن يمارس هذا النوع من الضغط من جاليتنا، وأظن في بعض الأحيان عندما يمارس يأتي بنتيجة، ويكفينا في مرحلةٍ ما أن يكون في بعض الأحيان يأتي بنتيجة، اللجنة العربيةـ الأمريكية لمكافحة التمييز في أميركا إحدى أنشطة اللجان العربيةـ الأمريكية في الولايات المتحدة الأميركية حققت عدداً من النجاحات ،حتى لا أقول انتصارات أو إنجازات في مواجهة أمور من هذا القبيل، واستطاعت أنها تجبر استوديو من الاستوديوهات على أن يغير فيلما أو سيناريو فيلم أو مشاهد أو شخصيات إلخ... كل هذه إذاً تدل على أنه إذا تحركنا نستطيع أن نفعل، إذا فعلنا نستطيع أن نغير ا، لكن ليست المسألة
57
52
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
مسألة التحرك اليومي فقط، بل نحن بحاجة إلى نوعين من الاستراتيجيات، استراتيجية قصيرة المدى وأنا أعرف بأن هذا تعبير متناقض مثل المربع الدائري لأن الاستراتيجية طبيعتها هي بالتخطيط البعيد المدى، لكن نحن بحاجة إلى تحديد أهداف على الأقل قصيرة المدى، ثم استراتيجية بعيدة المدى، تحديد أهداف بعيدة المدى، سنظل حائرين، هل نستطيع أو لا نستطيع؟ هل لا بد أو لا؟ لا بد من وضع استراتيجية أو وضع أهداف محددة للأمد القصير لنقل خمس سنوات، واستراتيجية أخرى لا تتعارض ولا تتناقض مع الاستراتيجية الأولى البعيدة المدى لمدة 20 أو 25 سنة، إسرائيل عندها استراتيجية إسمها إسرائيل 2020 واطلع عليها عدد من زعماء الدول العربية وأمروا بوضع استراتيجية بديلة ثم ما لبثوا أن تراجعوا وقالوا كفوا أيديكم عن هذا الموضوع، لماذا؟.
في المدى القصير على سبيل المثال نحن بحاجة إلى أن نعرف أين نقف من معركة بوش الانتخابية،لا بد أن يقف العرب في معركة إسقاط بوش الانتخابية، ليس لأنه جمهوري،ٌ أنا لست ديمقراطياً، ولا أمريكيا ًـ بالمناسبة أنا أفخر دائماًُ بأن أقول أقمت في الولايات المتحدة لمدة عشرين سنة ولم أطلب "Green Card" ولم أطلب الجنسية الأميركية، وكان بإمكاني ذلك ـ لكن لأن بوش كشف عن وجه بالغ السوء، وكنت أحد القلائل الذين حذروا من بوش، لأني أعلم أن لديه استراتيجية تقوم على سحب البساط من الديمقراطيين عن طريق تأييد إسرائيل إلى مدى أبعد بكثير من الذي يقدمه لها الديمقراطيون، هذا بالتحديد ما فعلوه، وبوش يريد أن يحول الحزب الجمهوري إلى الحزب التقليدي الذي يصوت
58
53
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
له الناخب اليهودي، وهو حريص على هذا أكثر مما هو حريص على كل الرأي العام العربي بما في ذلك السعودية وبما في ذلك مصر وبما في ذلك المغرب وبما في ذلك أصحاب الجلالة وأصحاب الفخامة إلى آخره.
كان حريصاً على صورته التي يقدمها إلى هؤلاء، نحن بحاجة إلى موقف استراتيجي محدد اتجاه بوش، بحاجة إلى مناقشة كيف نسهم في إسقاط بوش، لأن بوش ليس خطراً على العرب فقط، ليس خطراً على المسلمين فقط، بوش خطر على البشرية، أو هكذا أعتقد أو هكذا هو أوصلني لهذا الاعتقاد.
وأود أن أشير أيضاً أن تجربة "رالف نادر" جديرة بالاعتبار، جديرة بأن نعرفها على الأقل، وأنا كنت مقيماً في أميركا أواخر حملة انتخابات سنة 2000، لأنه يبدو لي لم يول أحد تجربة "نادر" هذه الأهمية، ولو كانوا أعطوها هذه الأهمية لربما لسقط بوش وربح نادر، فعلاً عدد الأصوات العربية التي ذهبت باتجاه بوش خطأً كان يمكن أن تؤدي إلى نجاح نادر، فالعملية الانتخابية صحيح عملية معقدة لكن الملاحظة الظاهرة الجديرة أن كل الانتخابات الأمريكية يفوز فيها من يفوز بفارق ضئيل في الأصوات، وكما نعرف بوش فاز بفارق يعتبر أضئل فارق يمكن تصوره ويحظى به رئيس ينجح ويزعم أنه رئيس ديمقراطي، حتى أنه لم يحصل على الأغلبية من الأصوات الشعبية، فعلاً تجربة رالف كانت جديرة أن تبحث، رغم أن "رالف نادر" ربط تحالفه مع اليسار ومع القوى التقدمية، أو لكونه اكتسب بسمعته وكمدافع عن حقوق المستهلكين، وليس كالمدافع عن قضايا معينة، وبعض العرب ارتكبوا خطأ
59
54
مراكز الدراسات والأبحاث في أمريكا
معلوماتياً حتى في أمريكا الجاليات العربية في أميركا ارتكبت خطأً حسب معلوماتي جسيماً تسبب في ضرر كبير "لنادر" هو أنه قالوا أن "نادر" لا يفخر كثيراً بأصله العربي ولا يحب أن يتكلم عنه، وهذا غير صحيح، في الحقيقة الرجل كتب وتحدث في حدود ما أُتيح له أن يكتب وأن يتكلم وتحدث عن أصله العربي وتحدث عن أصله اللبناني بالتحديد وقال أنه فخور بهذه الثقافة التي يعرف عمقها ويعرف من لهم تأثير على العالم ويعرف فضلها على التقدم الأوروبي وعلى أميركا، وتحالفه مع السود مهم لأنه غالبية المسلمين الأميركيين هم من السود، و نعرف أن أوائل المسلمين الأمريكيين هم من السود لسبب بسيط أن من ضمن العبيد الذين استجلبوا من أفريقيا كان هناك مسلمين، العبيد الذين استجلبوا من أفريقيا ليزرعوا أو ليقيموا الطرق في الولايات المتحدة الأمريكية عندما كانت لا تزال مستعمرات تقام لأول مرة كان بين هؤلاء العبيد من هم مسلمون، واحتفظوا بإسلامهم وظلوا مسلمين وظل أحفادهم حتى الآن فخورين بكونهم مسلمين، كل هذه الأمور كانت لا بد بأن تتضح للرأي العام العربي، وكان لا بد أن تتضح للجاليات العربية المشرذمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
60
55