زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني 1437 هـ


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-01

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 السياسات العامّة للخطاب العاشورائي
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
 
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك.
 
السادة الأفاضل محاضري وخطباء المنبر الحسينيّ دمتم موفّقين.
 
ما أحوجنا ونحن نستجلي مواقف كربلاء ونسبر أعماق أسرارها, ونضيء شعلاً من قبس أنوارها, نستهدي فيها نور الفتح والفوز, لتكون كربلاء مدرسة نابضة حيّة مستمرّة تلهم الأجيال في كلّ العصور درس الإيمان والثبات المنتصر على ظلامة العدوّ وجوره, لأنّ حركة الإمام عليه السلام حركة تكامل وصلاح, وتحمل ديموميّة حيّة مرتبطة بالتكامل والسعادة الإلهيّة.
 
ولا غرابة إذا قال في حقّه من لم يَفُه إلّا حقّاً ولم ينطق إلّا وحياً "حسينٌ منّي وأنا من حسين", لتخلد في أفق الوجود حقيقة مشرقة أنّ الإسلام محمّديّ الوجود حسينيّ البقاء.
 
لقد أروى سيّد الشهداء شجرة الإسلام العطشى بدمائه
 
5

1

المقدمة

 الزكيّة، ووهبها حشاشة نفسه, ومنحها مُهجة قلبه, فأينعت وأثمرت لتكون أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء.
 
ولأنّ الإمام عليه السلام هو الجاذب للناس بدافع الفطرة وشكر المنعم, كان هذا الكتاب الماثل بين يديك أخي المبلّغ عوناً لك في الليالي العاشورائية, تعيد فارّاً هنا وترشد هارباّ هناك, وتهدي ضالّاً هنا وتزيل شاكّاً هناك, وتزيد إيمان رجل هنا وتصبّر امرأة هناك, وتشدّ إلى النور شابّاً وترفع للدرجات فتاة... لنحقّق بعضاً مِنْ... "خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس" أو نبذة من "طلب الإصلاح في أمّة رسول الله".
 
ونطرح هنا بعض السياسات لهذا الخطاب العاشورائيّ التعبويّ المطلوب:
1- التأكيد على أهميّة الجانب المعنويّ الذي يحقّقه الارتباط بالله تعالى والتوكّل عليه، وأهميّة هذا الجانب في استنزال المدد والنّصر الإلهيّ ولو قلَّ المؤمنون وكثر أعداؤهم.
 
2- ربط الناس بالتّكليف الإلهيّ على قاعدة كونه الموجِّه لموقف الفرد والأمّة.
 
3- توجيه الناس نحو العمل للآخرة, لضمان استمرار الحياة بسعادة باقية. وإبراز دور الشهادة في تحقيق ذلك.
 
4- غرس روح التضحية في أبناء الأمّة لكون معركة الحقّ ضدّ الباطل
 
6

2

المقدمة

 لا بدّ لها من تضحيات، وتضحيات الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء الدليل الواضح على ذلك.
5- الإرشاد إلى دور الولاية في توجيه الأمّة وترشيدها. وأنّ وحدة الوليّ والقائد هي الضمان لوحدة الأمّة وعزِّها.

6- تأكيد ضرورة وحدة المسلمين صفّاً واحداً أمام أعدائهم.

7- تحديد طواغيت العصر ويزيديّيه المتمثّلين اليوم في الدرجة الأولى بأمريكا وإسرائيل والتطرّق إلى الممارسات الإرهابيّة التي يمارسها هؤلاء الطواغيت ضدّ مسلمي ومستضعفي العالم.

8- بيان تكليف الأمّة في نصرة المظلومين.

9- التشديد على ضرورة الثبات في معركة الحقّ ضدّ الباطل ودورها في تحقيق النصر الإلهيّ.

10- إبراز التشابه بين ثورة الإمام الحسين عليه السلام ومعركتنا ضدّ الباطل، سواء على مستوى أهداف وممارسات الأعداء، أو على مستوى مشاركة الشرائح المتنوّعة من المجتمع لنصرة الحقّ (شبّان، شيوخ، نساء، أطفال، طبقات اجتماعيّة متفاوتة).

11- الإلفات إلى ضرورة التكافل الاجتماعيّ في الأمّة بما يؤمِّن القوّة الداخليّة للمجتمع في معركته ضدّ الباطل.

7

3

المقدمة

 12- تقوية علاقة الناس بصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وتبيان مسؤوليّتهم في التمهيد لظهوره المبارك، واستعدادهم لاستمرار التضحية بين يديه.
والحمد لله ربّ العالمين

معهد سيّد الشهداء عليه السلام
للمنبر الحسينيّ

8

4

المقدمة

 توجيهات الإمام الخمينيّ قدس سره للمحاضرين والخطباء الحسينيّين
1- إنّ على الخطباء أن يقرأوا المراثي حتّى آخر الخطبة, ولا يختصروها بل ليتحدّثوا كثيراً عن مصائب أهل البيتعليهم السلام.

2- ليهتمّ خطباء المنابر ويسعوا إلى دفع الناس نحو القضايا الإسلاميّة وإعطائهم التوجيهات اللازمة في الشؤون السياسيّة والاجتماعيّة.

3- يجب التذكير بالمصائب والمظالم التي يرتكبها الظالمون في كلّ عصر ومصر.

توجيهات الإمام الخامنئيّ دام ظلّه للمحاضرين والخطباء الحسينيّين
أوّل شي‏ء يجب أن تهتمّوا به هو رسالة الثورة في المصيبة وفي المدح وفي الأخلاقيّات والوعظ.

كيف يجب أن تقام مراسم العزاء؟
إنّه سؤال موجَّه إلى جميع من يشعر بالمسؤوليّة في هذه القضيّة، وباعتقادي أنّ هذه المجالس يجب أن تتميّز بثلاثة أمور:
 
9

5

المقدمة

 1- تكريس محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم في القلوب, لأنّ الارتباط العاطفيّ ارتباط قيِّم ووثيق.
2- إعطاء صورة واضحة عن أصل قضيّة عاشوراء, وتبيانها للناس من الناحية الثقافيّة والعقائديّة والنفسيّة والاجتماعيّة.

3- تكريس المعرفة الدينيّة والإيمان الدينيّ. والاعتماد على آية شريفة أو حديث شريف صحيح السند أو رواية تاريخيّة ذات عبرة.

على أيّ منبر صعدتم وأيّ حديث تحدّثتم، بيّنوا للناس يزيد هذا العصر وشمر هذا العصر ومستعمري هذا العصر.
 
10

6

المقدمة

 كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظلّه
في لقائه حشد من مختلف شرائح الشعب / طهران
في ذكرى ولادة الإمام الحسين  عليه السلام
في 12/6/2013

الذكرى العظيمة
لقد قدّم هذا العظيم (الإمام الحسين عليه السلام) للتاريخ وللبشريّة حركةً لا مثيل لها ولا نظير, حركةً يُحتذى بها ولن تُنسى أبداً. إنّ التضحية لهدف إلهيّ بذلك الحجم وبذلك المقياس العظيم, التضحية بالروح وبأرواح الأعزّاء، بسبي حريم (نساء) أهل البيت عليهم السلام، بتلك الطريقة وبتلك الفظاعة, وتَحَمُّلَ تلك الواقعة القاسية، من أجل بقاء الإسلام ومن أجل أن تبقى مقارعة الظلم كأصل في تاريخ الإسلام والبشريّة، لهو أمرُ منقطع النّظير.

كربلاء فوق المقارنة
لقد استشهد الكثيرون في سبيل الله، في رَكْبِ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، في ركب أمير المؤمنين عليه السلام، وفي ركب أنبياء الله. لكن أيّاً منهم لا يُقارن بواقعة كربلاء. هناك فرق بين من يدخل ميدان الحرب وسط التهليل واستحسان الموالين، على أمل الفتح والنصر، ثمّ يستشهد ويُقتل, وبالطبع له الأجر الكبير, وبين تلك الجماعة في هذا العالم المظلم والظالم، التي دخلت الساح في حين أنّ 
 
11

7

المقدمة

 زعماء ووجهاء عالم الإسلام الكبار آنذاك، قد امتنعوا عن مساندتهم، بل ولامتهم على تلك الخطوة. لم يكن هناك أمل في دعم أيّ شخص من أيّ جهة كان، ويأتي شخص كعبد الله بن عبّاس، وآخر كعبد الله بن جعفر لردعهم. كما امتنع الأصحاب والمخلصون والمحبّون في الكوفة عن مساندتهم. (كانوا) وحدة في وحدة، لا أحد معهم غير قلّة من الأصحاب المخلصين والعائلة, الزوجة، الأخت، أبناء الأخت وأبناء الأخ، الشُبّان والرضيع ذو الستّة أشهر. إنّها واقعة عجيبة، ومشهد عظيم في التاريخ قد تراءى أمام أنظار البشريّة. كان الإمام الحسين  عليه السلام، يُعدُّ نفسه لهكذا يوم.
بالطبع، فإنّ حياة الحسين بن عليّ عليهما السلام، وعلى مدى خمسين عاماً ونيّف من عمره الشريف، كلّها دروس, حياته في مرحلة الطفولة درس، وفي مرحلة الشّباب درس، سلوكه في مرحلة إمامة الإمام الحسن عليه السلام درس، كذا كان سلوكه بعد شهادة الإمام الحسن  عليه السلام, ولم تكن أعمال الإمام الحسين  عليه السلام، منحصرة في اليوم الأخير فحسب, لكنّ واقعة كربلاء بقدر ما هي عظيمة ومُشعّة، تبقى كالشمس التي يطغى نورها على كلّ الأنوار. وإلّا (وكيف لا) فخطاب الإمام الحسين  عليه السلام، للعلماء والأجلّاء والصحابة والتابعين في "منى" - والذي ذُكر في كتب الأحاديث - لهو سندٌ تاريخيٌّ، وإنّ رسالة ذلك العظيم للعلماء 
 
 
12

8

المقدمة

 والأجلّاء ولكبار وأركان الدين في عصره: "ثمّ أيّتها العصابة، عصابةٌ بالعلم مشهورة"1 - والتي وردت في كتب الأحاديث المُعتبرة - لسندٌ تاريخيّ مهمّ. إنّ سلوك ذلك العظيم كلّه خطوة بخطوة هو دروس، تعامله مع "معاوية"، رسالته لمعاوية، ووجوده إلى جانب الأب أثناء خلافة أمير المؤمنين  عليه السلام القصيرة، حياته. لكن تبقى واقعة "عاشوراء" شيئاً آخر.
 
الاستعداد للدفاع عن الحقّ
اليوم هو ذكرى ولادة هذا العظيم, وعلينا في هذا اليوم أن نتعلّم الدرس من الحسين بن عليّ عليهما السلام, ودرس الحسين بن عليّ عليهما السلام للأمّة الإسلاميّ، هو أن نكون على أهبّة الاستعداد دوماً للدفاع عن الحقّ، عن العدل ولإحقاق العدل ومواجهة الظلم، وأن نُقدّم كلَّ ما لدينا في هذه الساح. ليس باستطاعتنا أنا وأنتم فعل ذلك بنفس المستوى والمقياس، لكن يمكننا فعل ذلك في المستويات المتناسبة مع حالتنا، وخُلقيّاتنا وعاداتنا. علينا تَعَلُّم ذلك.
 
اليوم، ولحسن الحظّ فقد تعلّم الشّعب الإيرانيّ هذا الدرس من الحسين بن عليّ عليهما السلام، ومنذ نحو ثلاثين عاماً ونيّف والشّعب الإيرانيّ قاطبةً، يسير في هذا الطريق. صحيح أنّ هناك بعض

1- تحف العقول، ص 237.
 
13
 

9

المقدمة

 الحالات النادرة والشاذّة في هذه الناحية أو تلك، إلّا أنّ حركة الأمّة الإيرانيّة قاطبةً، هي في اتجاه حركة الحسين بن عليّ عليهما السلام. كان مصير ذلك العظيم الشهادة، لكن لم يكن درسه لنا درس الشهادة فحسب. فهذه الحركة، مليئة بالبركات، يمكن في بعض الأحيان أن تنتهي حادثة كحادثة الحسين بن عليّ عليهما السلام بالشهادة، لكنّ هذه الحالة، وهذه الروحيّة لإقامة دين الله، وكلّ ما ترتّب عليها من بركات لأمر مفيد. لقد نزل الشّعب الإيرانيّ بهذه الروحيّة إلى الساح، ودمّر بناء الظلم الوطنيّ والدوليّ في إيران. وأنشأ مكانهما بناءً إسلاميّاً. ليس الأمر دائماً، أنّه من المحتّم على كلّ من سار على طريق الحسين بن عليّ عليهما السلام، أن يوفّق بالمعنى الظاهريّ والدنيويّ للتوفيق، لا أبداً، لقد وضعوا هذا الطريق، وهذا الدرس أمام أنظار البشريّة وقالوا: إذا أردت الدنيا والعزّة أيضاً، فعليك بالسير في هذا الطريق.
 
14

10

المحاضرة الأولى

 التذكير بأيّام الله
 
الهدف:
الإضاءة على بعض المفاهيم القرآنيّة، وأدوار الأنبياء والأولياء, وهي مسألة تحرير واستقلال الشعوب، وضرورة التذكير بها وفوائد التذكير لنصل إلى أنّ عاشوراء وإحياءَها تذكير بيوم من أيّام الله.
 
 
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾1.
 
17


[1] سورة إبراهيم، الآية 5.
 

11

المحاضرة الأولى

 مقدّمة: الحريّة قضيّة رساليّة:
لقد تكرّر في القرآن الكريم التصريح بأنّ هدف بعثة الأنبياء إخراج من أرسلوا إليهم من الظلمات إلى النور، وهذا الإخراج الذي يراد منه انعتاق النّفوس البشريّة من التيه في أودية الضلال إلى التوحيد والاستضاءة بنور الهداية الإلهيّة. ومحوره أنّ الهداية والضلال في أيدي النّاس؛ ومن جملة مهامّ الأنبياء إخراج الناس من ظلمات العبوديّة، والظلم وتحريرهم من سطوات الطواغيت, فحريّة النّاس من أهمّ بل وأولى مهامّ القادة الربّانيّين، فالظلام منه الكفر والشرك وكذلك منه الذلّ والقهر والفساد والاستعباد والظلم، والنور كما أنّه الحقّ والتوحيد والإيمان والتقوى كذلك هو الحرّيّة والاستقلال والعزّة والشرف وعن ذلك قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾1 وفي معرض تفسيره لهذه الآية يقول العلّامة الطباطبائيّ في الميزان: "في الآية أعلاه دليل على أهمّيّة الحرّيّة والاستقلال في مصير الأمم"2.
 
ثمّ يعود مكمّلاً ما بدأه قائلاً: "ولهذا السبب كان العمل الأوّل للقادة الإلهيّين هو تحرير الشعوب من التبعيّة الفكريّة 

1- سورة إبراهيم، الآية 5.
2- تفسير الميزان، الطباطبائيّ، ج7، ص463.
 
18
 

12

المحاضرة الأولى

 والثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة..."1 وبهذا يتحصّل أن تحرّر الشعوب واستقلالها وبناء عزّتها قضيّة رساليّة يتولّاها القادة الإلهيّون كما يتولّون مسألة الهداية الدينيّة بالمعنى الأخصّ.
 
محاور الموضوع
أيّام التحرّر أيّام الله
ويكمل المولى تعالى في نفس الآية أي الخامسة من سورة إبراهيم بيان وظيفة من وظائف الأنبياء إضافة إلى العمل على تحرير شعوبهم واستقلالها, فيشير إلى أنّها أيّام الله فينسبها إلى نفسه ثمّ يأمر نبيّه موسى بأن يذكّر أمّته بهذه الأيّام بقوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ﴾2.
 
صحيح أنّ كلّ الأيّام، وكلّ الأمكنة، وكلّ الخلق، هي أيّام لله وأمكنة لله، وعباد لله، ولكن ثمّة خصوصيّة للمكان ليصبح بيت الله، وللمخلوق ليصبح وليّ الله، وكذلك كتاب الله، وكذلك شهر الله ويوم الله؛ فكلّها لله, لكن لميزة خاصّة بها استحقّت هذا الانتساب, ولنعد إلى الأيّام التي نسبها الله لنفسه لنجد في الآية التي تليها ما يلي: 

1- نفس المصدر.
2- سورة إبراهيم، الآية 5.
 
19
 

13

المحاضرة الأولى

 ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾1.
 
فالآية تشير إلى كيفيّة امتثال النبيّ موسى للأمر الإلهيّ بالتذكير بأيّام الله؛ فذكر مسألة يوم مصيريّ في حياة بني إسرائيل, وهو يوم نجاة بني إسرائيل من سطوة وجور فرعون وهلاكه وجنده بالغرق.
 
فيوم هلاك الطاغية وجنده ويوم تحرّر أمّة موسى  عليه السلام هو يوم الله, ولا بدّ من التذكير به وقد أورده تعالى في الآية السابقة حيث ذكر موسى بهذا اليوم بالخصوص مع ما في حياة بني إسرائيل من الأيّام المليئة بالآيات الإلهيّة, والأمر بالتذكير بها دليل على ما لقضيّة التحرّر والاستقلال من أهمّيّة محوريّة في حياة الأمم ومهامّ القادة الرساليّين.
 
لماذا التذكير بأيّام الله:
إنّ تذكّر الأيّام العظيمة والحسّاسة، والمصيريّة، والتي تجلّت فيها العناية والألطاف الإلهيّة مدعاة للاستفادة من دروسها وأخذ العبر منها ومعرفة السنن الإلهيّة الجارية فيها سياسيّة أو 

1- سورة إبراهيم، الآية 6.
 
20
 
 

14

المحاضرة الأولى

 اجتماعيّة أو تاريخيّة أو غير ذلك، إضافة إلى أنّ لها دوراً مؤثّراً في كلّ ما له علاقة ببناء النّفوس والجماعات وترسيخ القيم وكذلك في بناء الوعي العامّ، ولها كذلك مؤثّريّة في يقظة الشعوب، وبناء عزّتها وثقتها بالقدرة على الفعل، وصنع النّفوس المتأهّبة لصيانة الشعوب والأمم وحرّيّاتها وكياناتها والذود عن حماها، وتأصيل بعض الصفات في النّفوس كالصبر والتحمّل والشجاعة والإباء، والجدّ والاجتهاد والتعاون وغير ذلك؛ وفي التذكير بأيّام الله تنويه بأبطال الحدث وتقديمهم قدوات.
 
ولكن يبقى أن نشير إلى أنّه تعالى عقّب على الآية التي ذكرت كيف أدّى موسى  عليه السلام التكليف بالتذكير بأيّام الله؛ بخطاب وجّهه إلى بني إسرائيل قائلاً: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾1 وفيه إشارة إلى أنّ التذكير من فوائده عرفان النعمة وحقّها وحقّ المنعم وأداء الحقوق في كلّ ذلك وفي ضوئه.
 
عاقبة عدم الشكر
في الآية السابقة جعل تعالى, بإشارة ليست بخفيّة, حسن التعامل مع أيّام الله والتذكير بها الزيادة فإن كانت النعمة 

1- سورة إبراهيم، الآية 7.
 
21
 

15

المحاضرة الأولى

 هي التحرّر والاستقلال فإنّ الزيادة هي زيادة في نعمة الحرّيّة والاستقلال بزيادة الأسباب المثبتة لها, والزيادة في مراتب التحرّر والاستقلال بما يعني زيادة الاقتدار والقوّة، والعزّة والمنعة، والدولة والسلطان؛ وليكون هذا الشكر شكراً عمليّاً - وهو المطلوب هنا- يفترض أن يكون كلّ ذلك بإقامة العدل ونصرة الحقّ ونشر الهدى والصلاح كما جاء في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾1.
 
ولكن قوم موسى  عليه السلام كما نجحوا أحياناً فكان نصر طالوت على جالوت، وكانت دولة سليمان وداود عليهما السلام كذلك أخفقوا مرّات, ولأنّ الله عالم بما سيكون منهم قال لهم متوعّداً على عدم الشكر العمليّ على القوّة والسلطات والاستقلال بقوله تعالى على سبيل الإخبار: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾2.
 
عاشوراء يوم الله؟
بناء على القول إنّ أيّام الله هي الأيّام العظيمة والمصيريّة في حياة الأمم والحسّاسة والتي انتصرت فيها الحرية، والعزة، والقيم، فإنّا نستطيع القول إنّ عاشوراء ذلك اليوم الذي تجلّت 

1- سورة الحجّ، الآية 41.
2- سورة الأعراف، الآية 167.
 
22
 

16

المحاضرة الأولى

 فيه البطولة والفداء، والإيثار، والتوحيد وإباء الضيم والعزّة، وأشرقت من صعيدها شمس آل بيت الطهر نوراً عصيّاً على أن تطفئه ظلمات، سيوف، وجيوش، ونفوس، وأفواه على مدى الزمن.
 
ولئن كان للبعض أن يقول: إنّ يوم الله في الظاهر هو اليوم الظاهر فيه اللون الإيجابيّ، وفي كربلاء فإنّ ظلام المأساة، قد يجعلنا نتردّد في كون يوم عاشوراء يوماً لله.
 
إلّا أنّنا نقول: يكفي ما جاء على لسان السيّدة زينب عليها السلام ردّاً على ابن زياد عندما حاول التشفّي بمصاب أهل البيت عليهم السلام إذ قالت: "ما رأيت إلّا جميلاً"1.
 
فضلاً عن قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم: "أيّام الله نعماؤه وبلاؤه ببلائه سبحانه"2.
 
خاتمة: يوم وليّ الله يوم الله:
لقد شكّل يوم العاشر من المحرّم سنة إحدى وستّين للهجرة يوماً فارقاً في حياة الأمّة الإسلاميّة بل في حياة الإنسانيّة، وقد استخدم أهل البيت عليهم السلام في الإشارة إلى ذلك اليوم مرّات كثيرة بدل عبارة يوم عاشوراء، تسمية يوم الحسين عليه السلام. فيوم عاشوراء هو يوم تجلّي الحسين عليه السلام وظهور شيء من كمالاته

1- اللهوف في قتلى الطفوف, ص29.
2-  تفسير نور الثقلين, ج2 ص526.
 
23
 

17

المحاضرة الأولى

 الإنسانيّة والروحانيّة التي تبقى مدهشة للعقول على طول الدّهر.
ولقد أثبت إحياء ذلك اليوم كلّ عام الذي هو نحو من التذكير به أثره في بناء النّفوس وإعلاء القيم وبثّ المفاهيم.

ولذا فإنّ إحياء عاشوراء هو تذكير بيوم الحسين عليه السلام ويوم وليّ الله يوم لله تعالى, فالتذكير به تذكير بأيّام الله.

كما علينا أن لا ننسى أيّام الله في هذا البلد لا سيّما يوم التحرير ويوم النّصر الإلهيّ وغير ذلك.
 
 
24

18

المحاضرة الثانية

 حذار الغفلة
 
 
الهدف:
بيان الغفلة وخطورتها وحقيقتها وكيفيّة علاجها باليقظة والانتباه.
 
تصدير الموضوع:
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾1

1- سورة الأعراف، الآية 179.
 
25
 

19

المحاضرة الثانية

 مقدّمة: أضرّ الأعداء
من أشدّ الأمراض وأفتكها التي يبتلى بها الإنسان الغفلة، وقد ورد أنّ الإمام عليّاً  عليه السلام قال: "الغفلة أضرّ الأعداء"1.
 
ولذا فإنّ علماء الأخلاق, بعد دراستهم لأحوال الإنسان الفرد وكذلك للمسيرة الإنسانيّة, رأوا خطورة هذا المرض، وقد استفاد بعضهم من القرآن الكريم فوجد أنّ فيه ما يزيد على العشرين آية تدلّ على أنّ لشفاء الإنسان ولفساده ولرذائل الأخلاق ومذامّها أصلاً هو الغفلة, وجاء هذا الاستنتاج ولذا ورد عن أمير المؤمنين وسيّد المتّقين الإمام عليّ عليه السلام قوله: "الغفلة ضلال النّفوس، وعنوان النحوس"2.
 
محاور الموضوع
حقيقة الغفلة:
للتعرّف على الغفلة لا بدّ من الإشارة إلى أنّ معناها البسيط هو عدم الالتفات إلى شيء مع وجوده تحت سلطان القدرة ومع وجود المقتضي للالتفات.

1- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2282.
2- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2282.
 
26
 

20

المحاضرة الثانية

 والحقيقة أيضاً أنّ أهمّ ما يمنع الالتفات إلى الأمور والأشياء هو توجّه الحواس أو القوى أو النّفوس إلى أمور أخرى لأسباب نتعرّض إليها لاحقاً.
 
وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾1.
 
ويبدو واضحاً من هذه الآية أوّلاً أنّ الغفلة تُنزل الإنسان من مقام الإنسانيّة المكرّمة إلى البهيميّة وتحطّ من قدره, إضافة إلى كونها سبباً للشقاء الأبديّ, والسبب في ذلك أنّهم في زمرة الغافلين, والذي حطّهم ونزل بهم إلى هذا الدرك هو أنّهم زُوّدوا بقوى هي القلوب والأعين والآذان, فإمّا أنّهم أهملوها ولم يستخدموها أصلاً فكأنّها لم تكن لديهم, كما أنّه ليس للبهائم فقه ولا بصائر, أو أنّهم أساؤوا استخدامها ولم ينتفعوا بوجودها لديهم, فهؤلاء بسبب انحراف قوى الإدراك عندهم عن مسيرها الصحيح فقد فقدت دورها النافع والإيجابيّ وهو انتباههم والتفاتهم.
 
ولذا تمّ إغلاقها وطمسها حيث يقول تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾2.

1- سورة الأعراف، الآية 179.
2- سورة النحل، الآية 108.
 
27
 

21

المحاضرة الثانية

 عن ماذا تكون الغفلة؟
ذكر القرآن الكريم والروايات من الأمور التي تكون الغفلة عنها, منها لا على سبيل الحصر:
1- الغفلة عن الله:
وهي التي تحدّث عنها الله تعالى فقال: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾1.
 
وعن الإمام عليّ  عليه السلام: "أيّها النّاس, غير المغفول عنهم، والتاركون المأخوذ منهم، ما لي أراكم عن الله ذاهبين، وإلى غيره راغبين؟!"2.
 
2- الغفلة عن الموت وما بعده:
قال تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾3.
 
وقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾4.
 
وقال أمير المؤمنين  عليه السلام: "ويل لمن غلبت عليه الغفلة فنسي الرحلة ولم يستعدّ"5.

1- سورة الحشر، الآية 19.
2- نهج البلاغة, الخطبة رقم 175.
3- سورة التكاثر، الآيتان 1 - 2.
4- سورة الأنبياء، الآيتان 1 - 2.
5- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2282.
 
 
28

22

المحاضرة الثانية

 3- الغفلة عن آيات الله:
ومنها القرآن والمعاجز وحتّى أولياء الله: في آية مذكورة آنفاً: ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾1.
 
آثار ونتائج الغفلة:
إنّ للغفلة آثاراً مدمّرة إضافة إلى ما ذكرنا من إيجابها للشقاء الأبديّ فمنها:
1- إضاعة العمر: وعدم النجاة: بمعنى عدم استثمار العمر والاستفادة منه، عن الإمام عليّ  عليه السلام: "كفى بالرجل غفلة أن يضيع عمره فيما لا ينجيه"2.
 
2- الضلال: وعنه  عليه السلام: "كفى بالغفلة ضلالاً"3.
 
3- فساد الأعمال:
وعنه  عليه السلام: "من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر"4.
 
4- اختلاط الأمور وعدم ترتيب الأولويّات:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "كفى بالمرء غفلة أن يصرف همّته فيما لا يعنيه"5.

1- سورة الأنبياء، الآية 2.
2- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2287.
3- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2287.
4- نهج البلاغة, الموعظة رقم 208.
5- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2287.
 
28
 

23

المحاضرة الثانية

 5- موت القلب:
عن الإمام عليّ عليه السلام: "من غلبت عليه الغفلة مات قلبه"1.
 
6- عمى البصيرة:
عنه عليه السلام: "دوام الغفلة يعمي البصيرة"2.
 
7 - العمى الأخرويّ والمعيشة الضنك:
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *  قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾3.
 
اليقظة علاج الغفلة:
يقول أرباب السير والسلوك إنّ أوّل منازله هو اليقظة, فما لم يستيقظ الإنسان من غفلته وينتبه من نومته ويصح من سكرته فلن يضع قدماً في طريق السلوك والسير نحو الله تعالى والمقامات السامية, إذ إنّ الإنسان إذا ما كان يعيش حالة من الغفلة فإنّه ينسى أصله وينسى حقيقته ولا يدرك سبب هذه الحياة الدنيويّة والحكمة من وجوده فيها ولا الغاية المرجوّة منها, فلا يفكّر فيها ولا يستعدّ للرحلة عنها إلى العالم الآخر، فما دام الإنسان واقعاً في شراك الغفلة ولم يقم ليسعى في طرق نجاته والوصول إلى 

1- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2287.
2- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2287.
3- سورة طه، الآيات 124 - 126.
 
30

24

المحاضرة الثانية

 سعادته وكماله فلن يجد السير نحو إلهه تعالى.
 
وممّا جاء في الحثّ على اليقظة عن أمير المؤمنين  عليه السلام: "ألا مستيقظ من غفلته قبل نفاد مدّته"1.
 
وكذلك: "انتباه العيون لا ينفع مع غفلة القلوب"2.
 
ومن أجمل ما قاله  عليه السلام: "سكر الغفلة والغرور أبعد إفاقةً من سكر الخمور"3.
 
وعن قيمة اليقظة وأهمّيّتها وأثرها:
قال عليه السلام: "ضادّوا الغفلة باليقظة"4.
 
وعنه عليه السلام: "اليقظة نور"5.
 
اليقظة من الغفلة:
1- ذكر الله تعالى: وهو الحالة الأولى من موجبات اليقظة حيث قال الإمام عليّ  عليه السلام: "بدوام ذكر الله تنجاب الغفلة"6.
 
2- معرفة الدّنيا وأحوالها: قال  عليه السلام: "إنّ من عرف الأيّام لم يغفل عن الاستعداد"7.

1- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2283.
2- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2283.
3- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2283.
4- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2283.
5- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2283.
6- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2285.
7- ميزان الحكمة, ج 3, ص 2285.
 
31
 

25

المحاضرة الثانية

 3- تقوى الله تعالى: قال أمير المؤمنين  عليه السلام: "أوصيكم بتقوى الله... أيقظوا بها نومكم واقطعوا بها يومكم"1.
 
4- اللجوء إلى أطبّاء القلوب أي المعصومين عليهم السلام: حيث قال  عليه السلام في صفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "طبيب دوّار بطبّه، قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه، من قلوب عُمْي وآذان صُمّ وألسنة بُكم، متتبّع بدوائه مواضع الغفلة ومواطن الحيرة"2.
 
5- وثمّة أمور أخرى منها ذكر الموت والآخرة ومعرفة النّفس فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ذكر الموت يميت الشهوات في النّفس ويقطع منابت الغفلة ويقوّي القلب بمواعد الله..."3.
 
خاتمة: اهتمّ بإنسانيّتك:
إذا عدنا إلى قوله تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾4 يتّضح لنا أنّ حقيقة الغفلة وأسّها الأساس هو الغفلة عن النّفس وعدم الالتفات إليها, وإلى حقيقتها وقواها ومآلها والذي يولّد عدم الاعتناء بقواه, وفي الحقيقة إنّ الغفلة هي عن البعد الروحانيّ والحقيقة الإنسانيّة بالاستغراق في البعد الحيوانيّ, ولذا كان مَن هذه صفته كالأنعام بل أضلّ سبيلاً.؟

1- نهج البلاغة, الخطبة رقم 191.
2- نهج البلاغة, الخطبة رقم 108.
3- مستدرك الوسائل, ج 2 ص 105.
4- مستدرك الوسائل, ج 2 ص 105.
 
32
 

26

المحاضرة الثالثة

 إصلاح ذات البين حرب على الشيطان
 
 
الهدف:
بيان آثار العداوة والتهاجر, ومطلوبيّة إصلاح ذات البين وفضله, وضرورة المبادرة إليه مع التنبيه على بعض سقطات المصلحين.
 
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾1.

1- سورة الحجرات، الآية 10.
 
33
 

27

المحاضرة الثالثة

 مقدّمة: في العداوة سرور الشيطان
لقد حذّرنا الله تعالى في كتابه الكريم من الشيطان وعداوته, وأمرنا أن نتّخذه عدوّاً فقال: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾1.
 
وقد بيّن تعالى بعض أهداف الشيطان حيث قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء﴾2 فمن كان ينتمي إلى الله ويتّبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويصدّق بكتاب الله فعليه أن يضادّ إرادة الشيطان فلا يسمح للخصومة والعداوة والتشاحن والتباغض أن تحلّ محلّ الأخوة والمحبّة والصداقة والوئام, فالمجتمع ونفوس النّاس ساحات مواجهة هذا العدوّ الخبيث وفيها القتال والحرب معه على إزالة البغضاء، والعداوة والتقاتل والتناحر, لأنّها أسلحته التي يفتك بها في النّفوس والمجتمعات, فإذا ما آلت الأمور إلى التهاجر بين المسلمين والمؤمنين وصل اللعين إلى غرضه ومبتغاه, وحينها لا شكّ أنّه سيكون فرحاً مسروراً, وهذا ما جاء عن الإمام الصادق  عليه السلام: "لا يزال إبليس فرحاً ما اهتجر المسلمان, فإذا التقيا اصطكّت ركبتاه وتخلّعت أوصاله ونادى يا ويله ما لقي من الثبور"3.

1- سورة فاطر، الآية 6.
2- سورة المائدة، الآية 91.
3- الكافي، ج2، ص7.
 
34
 

28

المحاضرة الثالثة

 فمن كان قد اتّخذ الشيطان عدوّاً, مطيعاً لأمر الله عليه أن لا يقاطع مسلماً ولا يهجر مؤمناً، وعليه الصلح بين المتهاجرين والمتباعدين والمتباغضين ولا يترك الأمر يطول فإنّه كلّما طالت العداوة والهجران طال سرور وفرح الشيطان.
 
محاور الموضوع
رسالة تحذير إلى المتعاديَيْن المتهاجرَيْن:
إنّ الله حرص على وسم علاقة المؤمنين بالأخوّة بل في الآية حصرها بالأخوّة حيث قال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. فعلى المؤمنين أن يرى كلّ منهما الآخر آخاً له، فلا يفعل ما ينافي هذه الأخوة ولا يقيم على ما يفتّ ويزلزل هذه الإخوّة، ولأهمّيّة هذا الأمر فإنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أكّد عمليّاً على الأخوّة الإيمانيّة، بل الإسلاميّة من خلال المؤاخاة التي قام بها مرّة في مكّة وأخرى في المدينة المنوّرة.
 
فوجود العلاقة الحميمة والطيّبة بين المؤمنين، وبين المسلمين أمر حيويّ جدّاً بنظر الإسلام إلى درجة أن من يخالفه يكون بحكم الخارج عن الإسلام, وفي ذلك رُوي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان إلّا ماتا 
 
 
35

29

المحاضرة الثالثة

 خارجين عن الإسلام"1.
 
ولحثّ كلّ منها على المسارعة والمبادرة إلى المصالحة جاء في رواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّما مسلمين تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام ولم يكن بينهما ولاية، فأيّهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنّة يوم الحساب"2.
 
إصلاح ذات البين أمر يحبّه الله:
عندما لا يبادر المتخاصمان من المؤمنين إلى التصالح من تلقاء أنفسهما فإنّه لأهمّيّة سلامة الأجواء والعلاقات بين أبناء الأمّة الإسلاميّة فقد أمر الله بقيام أبناء المجتمع المؤمن بالإصلاح بينهما فقال: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾.
 
فإصلاح ذات البين معناه إصلاح العلاقات البينيّة أي بين الأفراد والجماعات داخل المجتمعات الإسلاميّة والمؤمنة, وقد جاء في فضل الإصلاح بين النّاس عن الإمام الصادق  عليه السلام: "صدقة يحبّها الله إصلاحٌ بين النّاس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا"3.
 
بل إنّ إصلاح ذات البين من أفضل العبادات في ما روي عن الإمام عليّ  عليه السلام في وصيّته لولديه الحسن والحسين عليهما السلام إذ 

1- سفينة البحار، ج2، ص698.
2- الكافي، ج2، ص345.
3- الكافي، ج2، ص209.
 
36
 

30

المحاضرة الثالثة

 يقول: "... فإنّي سمعت جدّكما صلى الله عليه وآله وسلم يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام"1.
 
ولو لم يكن في فضل هذا الأمر إلّا كونه أفضل من عمود الدّين الذي هو الصلاة لكفى.
 
فكيف إذا كان الإصلاح بين المتخاصمين أفضل حتّى من الصدقة بالمال ذي القيمة, فعن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً: "لأن أصلح بين اثنين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بدينارين"2.
 
الإصلاح في سيرة الأئمّة عليهم السلام:
يروي أحد الرواة قائلاً: مرّ بنا المفضّل وأنا وختني (صهري) نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه قال: أما إنّها ليست من مالي ولكن (أبو عبد الله  عليه السلام) أمرني: إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وافتديهما من ماله, فهذا من مال أبي عبد الله الصادق عليه السلام3.

1- نهج البلاغة، شرح صبحي الصالح، ص421.
2- الكافي، ج2، ص209.
3- الكافي، ج2، ص209، ح2.
 
37
 

31

المحاضرة الثالثة

 خاتمة:
- تنبيه إلى المصلحين:
- إنّ على من يريد إصلاح ذات البين أن يلتفت إلى أنّ بعض المصلحين من حيث لا يشعرون يرتكبون حراماً وهم يظنّون أنّهم في وارد الإصلاح, فمن هذه الموارد:
1- إنهاء النزاع على حساب المظلوم:
المطلوب أوّلاً ما أمكن نصرة المظلوم بإحقاق حقّه وإقامة العدل, وليس المطلوب فضّ النّزاع وإنهاؤه وفصل الخصومة على حساب المظلوم ولصالح الظالم, حيث يقول تعالى في بعض موارد كلامه خصوصاً في حالات البغي والتعدّي: ﴿فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾1 أي الذين يجرون العدل في الصلح، خصوصاً في حالات خلافات الجماعات مع بعضها، لأنّ الصلح دون العدل، يعني أنّنا تركنا مادّة الخلاف والتنازع في النّفوس، وثانياً نكون قد أقَرَرْنا للباغي بغيه، وأعطينا صورة عن الإسلام تنافي العدل والقسط.
 
2- توهّم حرمة الكذب:
صحيح أنّ الكذب محرّم، وقد ورد ذمّ الكذب والكاذبين في القرآن وكذلك في أحاديث العترة الطاهرة، إلّا أنّ الصدق أحياناً في إصلاح ذات البين قد ينطبق عليه عنوان محرّم كالنميمة، 

1- سورة الحجرات, الآية 9.
 
38
 

32

المحاضرة الثالثة

 فإن قال المصلح ما سمع من كلّ من المتخاصمين للآخر يكون من حيث لا يدري سعى بينهما بما يترتّب عليه زيادة الخلاف وتعميق الشقاق وزيادة بُعد المسافات فيكون مشّاءً بالنميمة بين المؤمنين, هذا من جهة فإنّ الصدق هنا حيث يكون مصداقاً للنميمة لا شكّ أنّه حرام.
 
وثمّة أمر آخر لو اضطرّ المصلح للكذب حتّى يقرّب بين القلوب ويجمع بين النّفوس أن ينسب كلاماً لأيٍّ من المتخاصمين بما يؤدّي إلى ردم الهوّة وسدّ الفجوة فقد يجب أحياناً ولا يكون هذا من الكذب الحرام وهذا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يصلح الكذب إلّا في ثلاثة مواطن... كذب الرجل يمشي بين الرجلين ليصلح بينهما"1.
 
بل إنّ حفيده الصادق  عليه السلام أخرجه أصلاً من صدق عنوان الكذب, مبالغة في الإشارة إلى حلّيّته وعدم حرمته حيث قال عليه السلام: "إنّ المصلح ليس بكذّاب، إنّما هو الصلح ليس بكذب"2.

1- الذريعة، ص98.
2- الكافي، ج2، ص21، ح7.
 
39
 

33

المحاضرة الأولى

 زينب عليها السلام نموذج القيادة في المحنة
 
 
الهدف:
بيان سرّ نجاح زينب عليها السلام في قيادة موكب السبي رغم المحن لتكون قدوة وأسوة.
 
تصدير الموضوع:
قال الإمام السجّاد عليه السلام لعمّته زينب عليها السلام: "أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة"1

1- الاحتجاج, ج2, ص31.
 
43
 

34

المحاضرة الأولى

 مقدّمة: المحن محكّ الصدق والصادقين:
إنّ حقائق وقيمة ومعادن النّاس إنّما تتجلّى أكثر ما تتجلّى في أوقات الأزمات والمحن وتحت ضغط المعاناة والمكابدة للمشاقّ.
 
ولهذا كانت الإشارة الإلهيّة إلى نوعيّة خاصّة من النّاس وهم المجاهدون الصابرون الصامدون الثابتون المضحّون حيث قال: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾1.
 
ولئن كانت الأزمات بما تأتي به من شدّة وعنف أحياناً تتسبّب بالكثير من المعاناة النفسيّة إضافة إلى الجسديّة والماديّة والمعنويّة، فإنّها تشبه المرجل الذي تغلي فيه العواطف والمشاعر، وتنصهر في ناره وفي غليانه النّفوس بكافّة أبعادها, وما تحمل من مبادئ وقيم على وقع ما تثيره من توتّرات وتهديدات وأخطار تؤدّي إلى اختلاط الأمور وتداخلها، وتشوّش الرؤى، وتزلزل النّفوس وخوار القوى. وينعكس تذبذباً في المواقف وتراجعاً عن المبادئ.
 
والتنويه الإلهيّ في الآية السابقة يشير إلى ذلك أنّ هؤلاء الصادقين من صفاتهم الثبات وعدم التبديل, لا في القناعات ولا في المعتقدات ولا في الآراء ولا في الرؤى وحتّى في المواقف وإن رأوا الموت فيمن قضى على هذا الطريق نحبه. 

1- سورة الأحزاب، الآية: 23.
 
44
 

35

المحاضرة الأولى

 فالأزمات والمحن هي المحكّ الذي يُحكُّ به النّاس لتظهر حقائقهم ومعادنهم، فبالمحكّ يظهر الجوهر من الحجر، وخصوصاً من يتحمّل مسؤوليّة القيادة, فالقيادة الماهرة الحاذقة القادرة والناجحة أكثر ما تتجلّى في أوقات المحن والأزمات وتحت صرير أنياب النكبات والمآسي.
 
ومن أهمّ النماذج التي تستحقّ أن تدرس في هذا المجال هو نموذج السيّدة زينب عليها السلام.
 
محاور الموضوع
الأخطار التي واجهتها زينب عليها السلام:
لا شكّ ولا ريب أنّ زينب عليها السلام تحمّلت في نهضة الحسين  عليه السلام وثورته مسؤوليّات جساماً وأوكلت إليها مهامّ قبل المسير إلى كربلاء وفيها وبعد الواقعة, من موقع المعاضدة لإمام زمانها, فتارة كان هذا القائد هو الإمام الحسين  عليه السلام وأخرى صار ابن أخيها الإمام السجّاد  عليه السلام.
 
ومن موقع القيادة واجهت أخطاراً تتلخّص بأمرين: أوّلهما يتعلّق بدين الله دين جدّها الإسلام, حيث عبّر الإمام الحسين  عليه السلام عن هذا الخطر بما ردّ به على مروان بن الحكم حيث قال: إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين, فإنّه خير لك 
 
45

36

المحاضرة الأولى

 في دينك ودنياك، فقال الحسين  عليه السلام: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمّة براع مثل يزيد..."1.
 
والخطر الثاني: هو نفس بيت النبوّة الذي تعرّض لخطرين واحد له علاقة بطمس نوره وإغلاقه كبابِ هداية، بمعنى ضرب الإمامة فكراً وعقيدة، وثانياً: اجتثاثه بمعنى الإجهاز على السلالة بالقتل. وتأتَّى عن حوادث الطفّ مجموعة أخرى من الأخطار تتعلّق بالأرامل والأيتام ومعاناة السبي وشماتة الشامتين وسياط الجلّادين وغير ذلك.
 
إلّا أنّ الخطرين الرئيسين هما: تدمير الإسلام وتغييره ومسخه، والثاني: اقتلاع الإمامة ماديّاً وفكريّاً وعقائديّاً. أي إطفاء نور آل البيت.
 
زينب عليها السلام في المواجهة قائد:
لقد لخّص الإمام الحسين عليه السلام نتائج القيام والنهوض في مواجهة الطاغية فقال: "من لحق بنا استشهد ومن تخلّف عنّا لم يبلغ الفتح"2 فالنتيجة هي شهادة أبطال هذه الثورة، ولكن ثمّة نتيجة أخرى هي حرمان المتخلّفين عن الالتحاق بالركب الحسينيّ من الفتح وليس فقط من النصر والغلبة. 

1- مثير الأحزان, ص15.
2- مثير الأحزان (ابن نما الحلي).
 
46
 

37

المحاضرة الأولى

 إلّا أنّ الإمام الحسين عليه السلام أشار إلى أنّ تحقيق أهداف الثورة والقيام والنهوض له ثمنان أو بعبارة أخرى له تدبيران إلهيّان عبّر عنهما بقوله: "شاء الله أن يراني قتيلاً". "شاء الله أن يراهنّ سبايا"1.
 
فالركن الأوّل لتحقيق الأهداف ومواجهة الأخطار هو جهاد الحسين  عليه السلام وصحبه واستشهادهم بالكيفيّة التي حصلت يوم العاشر من المحرّم، والركن الثاني من التدبير الإلهيّ لتؤتي النهضة أكلها وتنتج ثمرها هي تحمّل زينب عليها السلام والنساء والأطفال السبي ومواجهة الظالمين.
 
فقائد المواجهة العسكريّة في ساحات كربلاء هو الحسين  عليه السلام، وقائد المواجهة الجهاديّة في قصور الظالمين وصحارى السبي وسياط الجلّادين هو زينب عليها السلام.
 
وبنجاحها بهذه القيادة يكتمل النجاح للثورة الحسينيّة.
 
إنّ المنصب القياديّ الذي تبوّأته زينب في المسيرة الحسينيّة اقتضت أن تحمل صفات تؤهّلها للنجاح فيها إذ لا يستطيع أن يتحمّلها إلّا من كان معصوماً أو قاب قوسين أو أدنى من ذلك، بمعنى العصمة الفعليّة وهذا ما أشار إليه الإمام السجّاد  عليه السلام بقوله لها: "أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة"2.

1- بحار الأنوار, ج44, ص364.
2- الاحتجاج, ج2, ص31.
 
47
 

38

المحاضرة الأولى

 وهي تحتاج إلى الشجاعة وقد ورثتها من أبيها عليّ عليه السلام، واحتاجت إلى بيان لا يقلّ عن بيان أمّها بل بيان أبيها سيّد البلغاء, ولذا قال فيها من سمعها وهو حذيم الأسديّ: لم أر والله خفرة قطّ أنطق منها، كأنّها تنطق وتفرغ عن لسان عليّ عليه السلام، وقد أشارت إلى النّاس بأن أنصتوا، فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس1, وذلك عندما خطبت النّاس في الكوفة، والشخص نفسه - أي حذيم - يصف أثر كلامها فيقول: فرأيت النّاس حيارى قد ردّوا أيديهم في أفواههم، وبدأوا بالبكاء وبانت عليهم علامات الحيرة والندم2.
 
هذا إضافة إلى التربية الخاصّة التي حظيت بها من أبيها وأمّها, وكذلك الظروف والمحن التي كابدتها قبل عاشوراء بما أهلّها لتحمّل ما حملته في ذلك الظرف.
 
نموذج النجاح في المحن: 
إنّ زينب عليها السلام لم تنجح فقط في القيادة في المحنة, ولكنّها شكّلت النموذج للنجاح في القيادة في المحن حيث استطاعت بعد شهادة الإمام الحسين  عليه السلام وابتداءً من هجوم الجيش على الخيام، أن تدير الموقف فحفظت الأطفال والنساء والإمام السجّاد، وكذلك حفظت سلالة الإمامة في قصر ابن زياد بما أثار 

1- أمالي المفيد, ص321.
2- أمالي الطوسي, ص93.
 
48
 

39

المحاضرة الأولى

 تعجّبه حينما ألقت نفسها عليه فادية له بنفسها, وكذلك في مواجهة طاغية الزمان في قصره, وفي هذا الموقف نقول: إنّ القائد الفذّ هو الذي يستطيع أن ينقل الأزمة التي يريد عدوّه إيقاعه فيها إلى ديار العدوّ وإلى معسكر العدوّ وإلى نفس العدوّ.
 
فقد ألقت زينب عليها السلام خطبتها في مجلس الطاغية فهزّت أركانه وزلزلت بنيانه ونكّدت عليه فرحته بما اعتبره نصراً وإنجازاً، وملأت مجلسه وحاضريه الرعب في قلوبهم، وغلب عليهم التوتّر والخوف وقد قالت الدكتورة بنت الشاطئ فيها: أفسدت زينب أخت الحسين على ابن زياد وبني أميّة لذّة النّصر وسكبت قطرات من السمّ الزعاف في كؤوس الكافرين1.
 
خاتمة:
ويصحّ القول إنّ زينب عليها السلام قد أعلنت نتيجة المواجهة عندما قالت ليزيد لعنه الله: "فكد كيدك، واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا"2.
 
فالبيت الهاشميّ ونبوّته والإمامة باقية والإسلام المرموز إليه بالوحي باقٍ, وأمّا الباغي فله عكس ما أمل: "ولا يرحض عنك عارها".

1- موسوعة طبقات الفقهاء, ج1, ص364.
2- اللهوف في قتلى الطفوف, ص107.
 
49
 

40

المحاضرة الأولى

 نعم لقد تحمّلت زينب عليها السلام المسؤوليّة ونجحت فكانت عند حسن ظنّ ربّها عندما قبلت أن تعاني في طريق الحقّ وفي سبيل الله، قابلة وراضية بالمشيئة الإلهيّة.
 
فالسلام عليها ما دامت الدنيا بل ما دامت السموات والأرضون.
 
 
50

41

المحاضرة الثانية

 الهدف:
بيان دور المرأة في الجهاد، والإضاءة على بعض النماذج لا سيّما ما كان لزينب عليها السلام من أفعال وأقوال والحثّ على قيام المرأة بأداء هذا الدور.
 
تصدير الموضوع:
في الحديث الشريف: "جهاد المرأة حسن التبعّل"1

1- فروع الكافي, ج5, 2, ص9.
 
51
 

42

المحاضرة الثانية

 مقدّمة: للمرأة موقعها في المشروع الإلهيّ للإنسانيّة.
قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾1.
 
في ضوء هذه الآية الكريمة وفي ضوء ما هو المركوز في الفهم الإسلاميّ لدور وظيفة الأمّة الإسلاميّة التي تتلخّص بعبارة إعلاء كلمة الله في الأرض, من خلال نشر رايات الهدى وتطبيق شرع الله تعالى تتحمّل الأمّة هذه المسؤوليّة التي إن وفّقت للنهوض بها فإنّ خيرها سيعمّ البشريّة جميعها، لتصبح كما قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾2.
 
فحينها ستكون الأمّة الإسلاميّة حاملة القيم الإنسانيّة الراقية والداعية غيرها إلى تبنّيها والساعية إلى نشرها وحفظها, وكذلك ستكون الشاهدة على ذلك من جهة كونها رقيبة على ذلك ومن خلال تقديم النموذج الراقي والمثال المأمول للإنسانيّة المصاغة على التعاليم الإلهيّة. وهذه المسؤوليّة وما تستتبع من أدوار ومهامّ ووظائف لا تختصّ بالذكور والرجال من المسلمين والمؤمنين بل لا شكّ ولا ريب أنّ للمرأة موقعها في هذا المشروع, وللمرأة أدوار ووظائف، والتاريخ والسيرة البشريّة وسنن الاجتماع الإنسانيّ تفصح 

1- سورة البقرة، الآية 143.
2- سورة آل عمران، الآية 110.
 
52
 

43

المحاضرة الثانية

 أنّ طريق تحقيق هذه الأهداف ليست مفروشة بالورود, بل غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر عبر الصراعات العسكريّة، وبالتالي فثمّة مهامّ جهاديّة في مواجهة المعادين من الظلَمة والجائرين والكافرين.
 
محاور الموضوع
فما هو دور المرأة في الجهاد؟
لا يختلف دور المرأة في تبليغ الرسالة ونشرها والدعوة إليها كثيراً عن دور الرجل, وإنّما الذي هو محلّ تساؤل هو دورها في حالات الصراع العسكريّ والجهاد. وقبل الخوض في مفردات هذا الدور لا بدّ من الإشارة إلى أمر وهو أنّ الإسلام عندما أراد أن يرسم للمرأة دورها في الحياة ويحدّد لها وظيفتها راعى مقتضيات تكوينها الطبيعيّ والنفسيّ وذلك لأنّ طبيعة الاجتماع الإنسانيّ تحتاج إلى المرأة في أنوثتها وعاطفتها ورهافة أحاسيسها وبدونه لا تتكامل الإنسانيّة على صعيد الأفراد كما على صعيد المجتمعات وعلى صعيد الإنسانيّة.
 
والآن تعالوا نُضئ على مفردات هذا الدور والذي يتلخّص بما يلي:
1- الدور التعبويّ:
بمعنى القيام بما يستنهض الهمم ويشعل الحماس في نفوس 
 
 
53

44

المحاضرة الثانية

 المجاهدين من خلال الخطب، والأشعار الحماسيّة، وكذلك من خلال بعض الأفعال الأخرى.
 
وفي تاريخ الإسلام نماذج من ذلك تلك المرأة التي كانت مع جيش أمير المؤمنين تستنهض همم المجاهدين وتستثير حميّتهم ونخوتهم وتعمل على تحفيزهم للقتال حتّى وقع في نفس معاوية منها ما وقع وظلّ في نفسه شيء منها إلى ما بعد شهادة الإمام عليّ  عليه السلام.
 
وفي كربلاء نجد نماذج راقية, أمّ وهب التي أقحمت ولدها العريس ميدان الجهاد والشهادة وأبت عليه إلّا أن يقتل بين يدي حفيد رسول الله، بل كانت تقول وتحمل معه وإلى جانبه: "لن أعود حتّى أموت معك"1.
 
وثمّة امرأة في نساء كربلاء هي قائدتهنّ وقدوتهنّ زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين  عليه السلام التي كان لها دور على صعيد هذه التعبئة ورفع الروح المعنويّة، قامت به خير قيام ومن تفاصيل وخطوات هذا، دورها ليلة العاشر عندما كانت تُسائل أخاها, ولعلّها كانت عالمة بأنّ ثمّة من يسمع كلامها من الأنصار، وهي تقول له أنّه هل استخبر نيّات أصحابه لعلّهم يسلموه عند الوثبة، فأشعلت هذه الكلمات نفوس الأصحاب وكذلك الهاشميّين, فخرجوا عن أجمعهم ليُسمِعوا زينب عليها السلام والحسين عليه السلام 

1- اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس، ص44.
 
54
 

45

المحاضرة الثانية

 والنساء ما يثلج الصدور من عزمهم على النصرة والتضحية, وثانياً هو ما يختصّ بأخيها الحسين عليه السلام عندما سمعته يردّد الأبيات التي فيها:
يا دهر أفٍّ لك من خليلِ    كم لك في الإشراق والأصيل
من صاحب وطالب قتيل    والدّهر لا يقبل بالقليل
وكلّ حيٍّ سالك سبيلي1
 
فصاحت قائلة له: كأنّك تغتصب نفسك اغتصاباً، وأنّ هذا أقرح لفؤادها.
 
فهي تقول ما مضمونه أنّ إقدامه عليه السلام على القتال فالشهادة مكرهاً أشدّ إيلاماً لقلبها من نفس القتل والشهادة. ولعلّه  عليه السلام كان يريد لها أن تصل إلى هذا الموقف وهذا الرأي لتكون شريكة له في قرار القتال حتّى الشهادة.
 
2- خدمة المجاهدين وتمريضهم:
وتلخّص ذلك الصحابيّة الجليلة أمّ عطيّة فتقول: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات وكنت أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى"2.

1- روضة الواعظين, ص184.
2- المرأة في حضارة العرب، ص27.
 
55
 

46

المحاضرة الثانية

 3- الجهاد بالمال:
لقد أمر الله المؤمنين بأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأنّه اشترى منهم أموالهم كما اشترى منهم الأنفس.
 
ومن أبرز النساء المجاهدات بالمال السيّدة خديجة بنت خويلد أمّ المؤمنين التي أنفقت كلّ مالها في دعم الدعوة الإسلاميّة عندما كانت في أوائل خطواتها وفي أضعف حالاتها.
 
4- رعاية عوائل الشهداء:
وهنا يبرز دور العقيلة زينب عليها السلام في حفظ أيتام الشهداء ورعايتهم طيلة مسيرة السبي, بل في الروايات أنّها كانت تطعم الأيتام حصّتها من الخبز وتطوي أيّامها جوعاً حتّى أثّر فيها ذلك.
 
خاتمة: أدوار ووظائف أخرى للمرأة:
للمرأة أدوار قامت بها تذكرها كتب السير, فمن ذلك الدور الأمين الذي قامت به صفيّة بنت عبد المطلّب التي قامت بقتل من تسلّل من المشركين إلى معسكر النبيّ للتجسّس وإلقاء الفتنة ولجمع المعلومات وكان من اليهود، ممّا ألقى الرعب في قلوبهم1.
 
وكذلك قامت بعض النساء بالجهاد العسكريّ عندما فرّ الرجال من ساحات القتال كما فعلت نسيبة المازنيّة في أحد.

1- أسد الغابة، ص492.
 
56
 

47

المحاضرة الثانية

 ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ ثمّة وجوهاً أخرى للحرب كالحرب النفسيّة والإعلاميّة والثقافيّة, تستطيع المرأة أن تؤدّي فيها دورها, ومن أبرز من يعطينا في ذلك درساً دور السيّدة زينب في حفظ العقيدة الإسلاميّة ومفاهيمها والردّ على الحرب النفسيّة التي شنّها الطغاة عندما ردّت على من أراد قلب المفاهيم بالقول كيف رأيت صنع الله بأخيك؟ حيث كان الردّ كلاماً يثبت العقيدة ويردّ الحجر من حيث أتى: ما رأيت إلّا جميلاً, هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم, وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم فانظر لمن الفلج...1.

1- مثير الأحزان, ص79.
 
67
 

48

المحاضرة الثالثة

 الكسل موت
 
الهدف:
بيان الكسل وأضراره والحثّ على الجدّ والنشاط والعمل واتخاذ الحرفة.
 
عن الإمام الباقر عليه السلام: "الكسل يضرّ بالدّين والدّنيا"1
 
59


[1] بحار الأنوار, ج 75, ص 180.
 

49

المحاضرة الثالثة

 مقدّمة: الكسل يضرّ بالدّين والدّنيا:
من الآفات التي يبتلى بها الإنسان الفرد الكسل، ولخطورة الكسل في حياة الفرد والأمّة جاء الإسلام وإدراكاً منه لما للعمل والجدّ والنشاط من أهمّيّة في رقي الأمم وتطوّرها وتقدّمها, فقد حثّ على العمل والجدّ والنشاط ومدح ذوي الهمم العالية وأصحاب الطموح في العلم والعمل، وشنّ حملة على البطالة، والكسل، والتكاسل، وهو ما جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "الكسل يضرّ بالدّين والدّنيا" كما سبق.
 
ولَمّا كان البعض يتوهّم أنّ العمل في سبيل تحصيل المعاش هو طلب للدّنيا وهو مناف للدّين, وهذه نظرةٌ مشوِّهة للدّين, جاء الحديث الشريف ليصوّب هذه النظرة قائلاً: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً"1.
 
فالعمل في سبيل المعاش أمر ضروريّ والإسلام يبغض من يكون كلّاً على غيره يلقي على غيره مسؤوليّة إعالته.
 
والشبهة السابقة عن منافاة العمل للزهد وللدّين بالآخر واجهها أئمّة أهل البيت وبصورة مباشرة حيث جاء عن الإمام الباقر عليه السلام: "ليس منّا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه"2.

1- وسائل الشيعة، ج17، ص 76.
2- وسائل الشيعة, ج 12, ص 49.
 
60
 

50

المحاضرة الثالثة

 فلا بدّ من الموازنة بين الدّنيا والآخرة ليستقيم الإنسان وتستقيم حركته.
 
محاور الموضوع
آثار الكسل ونتائجه:
ممّا هو معروف عند العقلاء أنّ الكسل من الأمور التي تمقتها النّفوس السليمة، ويبغضه العقلاء لنتائجه المدمّرة في الأفراد والمجتمعات، فعلى الصعيد الفرديّ فإنّه يؤدّي إلى هدم الشخصيّة، فالكسل مرض يجعل صاحبه متثاقلاً عن العمل وعن تحمّل المسؤوليّات، وممَّا ذكر في الروايات حول نتائج الكسل:
1- عدم أداء الحقوق:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إيّاك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنّك إن ضجرت لم تصبر على حقّ، وإن كسلت لم تودِّ حقّاً" فمن الطبيعيّ جدّاً أنّ الكسول لا يستطيع القيام بحقوق نفسه ولا يقوم بما يلزم من عمل لنفعها 1فلا يؤدّي حقّها، فكيف لا يكون عاجزاً عن حقوق الآخرين؟ 

1- مستدرك الوسائل، ج12، ص65.
 
61
 

51

المحاضرة الثالثة

 2- التقصير في طاعة الله:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إيّاكم والكسل فإنّه من كسل لم يؤدّ حقّ الله عزَّ وجلَّ"1.
 
3- الفقر: 
وهو نتيجة وثمرة طبيعيّة, قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الأشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج بينهما الفقر"2.
 
ولذا فإنّ مصير الكسول هو أن تهون عليه نفسه حتّى يصل إلى إراقة ماء وجهه بالاستعطاء والاستجداء والسؤال، والتسكّع ومدّ يده سائلاً المساعدة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مسألة النّاس من الفواحش"3.
 
4- الكسل مانع من الحظوظ:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إيّاك والكسل والضجر فإنّهما يمنعانك من حظّك من الدّنيا والآخرة"4.
 
ومن ذلك ما عن باقر العلوم عليه السلام: "إنّي لأبغض الرجل أن يكون كسلان عن أمر دنياه, ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل"5.

1- مستدرك الوسائل، ج12، ص65.
2- الكافي، ج5، ص86.
3- جامع السعادات، ج2، ص89.
4- الكافي، ج5، ص85.
5- الكافي، ج5، ص88.
 
62
 

52

المحاضرة الثالثة

 5- المبغضة من الله والصالحين بل حتّى النّاس: 
فبغض النّاس أمر لا يستطيع عاقل إنكاره وهو جارٍ على كلّ لسان من ألسنة عقلاء النّاس, أمّا مبغوضيّة الكسل والكسول عند الله فمن ما جاء عن الإمام الصادق  عليه السلام: "إنّ الله عزَّ وجلَّ يبغض العبد النوّام الفارغ"1.
 
6- ضياع الأفراد والمجتمعات:
إنّ الأفراد الكسولين يصبحون عبئاً على عائلاتهم وثقلاً عليها وعلى المجتمعات التي ينتمون إليها, فهم فئة تستهلك ولا تنتج, عاجزون بسبب مرض الكسل ويصيبون المجتمع بالعجز, والعجز يوجب الذلّ لصاحبه وكذلك لمجتمعه, وقد جاء عن الإمام عليّ عليه السلام: "العجز مهانة"2.
 
وقال عليه السلام: "العجز آفّة"3.
 
وأي آفّة أعظم من مرض يصيب الفرد والمجتمعات بالشلل؟ فكما تشلّ يدا الكسول فلا تجلب خيراً ولا تدفع سوءاً كذلك إذا انتشر مرض الكسل يشلّ الأمّة. 

1- الكافي، ج5، ص85.
2- بحار الأنوار، ج66، ص159.
3- بحار الأنوار، ج66، ص160.
 
63
 

53

المحاضرة الثالثة

 فالكسل سبب التأخّر والانحطاط في الأمم، وهو مرض يجرّ بعضه بعضاً, فمن كسل عن شيء سوف لا ينفكّ يكسل عن غيره، فغيره حتّى يصبح ميتاً قبل أن يموت. 
 
ما العلاج؟ 
1- النشاط 
إنّ النشاط على عكس الكسل، فلئن كان الكسل يمثّل الموت، فالنشاط هو الحياة، ولولا أنّ أجدادنا كانوا نشيطين ما ورثنا هذا البنيان وتلك الحضارات وذلك العمران، والثقافة والعلوم والخبرات الهندسيّة والطبّيّة والزراعيّة وغير ذلك.
 
وروي أنّ الإمام الصادق  عليه السلام كان يشكو من الكسل المستشري في زمانه, فإذا به يقول: "لا تكسلوا في طلب معايشكم فإنّ آباءنا كانوا يركضون فيها ويطلبونها"1.
 
2- اتّخاذ الحرفة:
ولقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام مثالاً للعمل والنشاط والجدّ ومن الروايات الرائعة في حثّهم على العمل بل على اتّخاذ الحرفة جاء في الحديث أنّه: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال: "هل له حرفة؟" فإن قالوا لا، قال: "سقط من عيني"، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: "لأنّ المؤمن إذا 
 

1- وسائل الشيعة, ج 12, ص 38.
 
64
 

54

المحاضرة الثالثة

 لم يكن له حرفة يعيش بدينه"1 وهذا تحذير من أمر خطير، وهو أنّ صاحب الدّين إذا لم يستطع أن يستقلّ ماليّاً وينتج ما يكفيه فمعنى ذلك أنّه إذا ما أراد ما يعيش به لن يجد سلعة ليبيعها إلّا دينه...
 
خاتمة: بالعمل نواجه المستكبرين:
إنّ مطالعة الواقع السياسيّ والسياسات العالميّة والإقليميّة تفضي إلى نتيجة أنّ ثمّة حرباً يشنّها المستكبرون والطغاة وأذناب هؤلاء من مالكي الثروات, بل ناهبي ثروات الشعوب, وهذه الحرب هدفها الإضعاف، من خلال تحويلنا إلى شعوب لا كرامة لها، عبر إفقارنا وتحويلنا إلى شعوب متسوّلة.
 
ولا يمكن مواجهة سياسات الإفقار والإذلال إلّا بالعمل والنشاط والجدّ والاجتهاد، فَلْنُلاقِ جهاد المجاهدين في ساحات القتال بجهادنا في ساحات العمل والإنتاج ليكون لنا مثل أجرهم.
 
فعن الإمام الصادق  عليه السلام: "أجر العامل أجر المجاهد في سبيل الله"2

1- مستدرك الوسائل, ج 13, ص 12.
2- الكافي، ج5، ص88.
 
65
 

55

المحاضرة الأولى

 خير الأمم الموحّدة المتضامنة
 
الهدف:
بيان أهمّيّة التضامن ووجوهه والحثّ على التكافل وقضاء الحوائج ونصرة المظلومين والمحافظة على الوحدة.
 
تصدير الموضوع:
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾1.

1سورة المائدة، الآية 2.
 
69
 

56

المحاضرة الأولى

 مقدّمة: خير الأمم أمّة التضامن:
جاء الإسلام ليبني أمّة, ولكن ليس كما كان سائداً ومفهوماً في ذلك الزمن، الأمّة التي يريدها الإسلام أمّة يصوغها الدّين، فتحمِله عقيدة، وتجسّده قيماً ومفاهيم وتعكسه سلوكاً في حركة الأفراد والجماعات.
 
وقد أكّد الإسلام على ذلك بقوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾1.
 
فأمّة الإسلام أمّة هي في نفسها بما تحمله خير الأمم من عقيدة وفكر ومفاهيم وقيم، وهي خير أمّة أخرجت للنّاس, فخيرها ليس محبوساً فيها, وإنّما هو خير واصل لغيرها من الأمم, حيث تقدّم النموذج الأفضل للأمم على طول المسيرة البشريّة, بل هي خلاصة جهود الأنبياء والأولياء وثمرة حركتهم, وهذه الأمّة لن تكون خير أمّة أُخرجت للنّاس ما لم يفض خيرها ويصل إلى غيرها عبر أمرين, تقديم النموذج الرائع والجذّاب والنوّار بالفضائل وما لم تقم بمهمّة نشره وتوسيعه, وذلك لا يقوم إلّا بدوام حركة التطهير أو فقل الإصلاح الداخليّ ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 
ولأنّ هذه المهمّة مسؤوليّة عامّة فإنّ صناعة خير الأمم، وإبراز آيات جلالها وجمالها لا يكون إلّا بتجسيد مبدأ: ﴿وَتَعَاوَنُواْ 

1- سورة آل عمران، الآية 110.
 
70
 

57

المحاضرة الأولى

 عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾1.
 
والذي يمكن تسميته باعتماد منهج التضامن بين المسلمين خصوصاً في أيّام الأزمات التي تواجهها الأمّة.
 
محاور الموضوع
دور التضامن في بناء الوحدة:
إنّ الأمم خصوصاً الأمّة الإسلاميّة تواجه في مسيرتها وحياتها أزمات ذات أنواع وألوان فمنها:
- الأزمات الاجتماعيّة
- الأزمات الاقتصاديّة
- الأزمات الأمنيّة والعسكريّة
- الأزمات الطبيعيّة أو الكونيّة الناتجة من الكوارث والآفات الطبيعيّة
- أزمات ثقافيّة وفكريّة
 
ومن أخطر الأزمات الأمنيّة التي تواجهها الأمّة الفتن التي يسعى الأعداء إلى إيقاع الأمّة فيها والتي تأخذ أشكالاً وتتخذ أدوات فكريّة وثقافيّة وأحياناً عرقيّة وغير ذلك, بهدف تمزيق الأمّة والسيطرة عليها.

1- سورة المائدة، الآية 2.
 
71
 

58

المحاضرة الأولى

 فالتضامن والتكافل والتعاون بين مختلف قوى الأمّة كفيل بدفع أخطار هذه الأزمات جميعاً, وحفظ الأمّة ومجدها وعزّها والتضامن ركيزة من ركائز بناء وحدة الأمّة الكفيلة بدرء هذه الأخطار وكبح قدرتها على تقويض بنيان الأمّة, ولذا كان التأكيد على هذه الوحدة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾1.
 
كيف يتجلّى مبدأ التضامن والتعاون؟ 
ثمّة ألوان مختلفة يتجلّى فيها مبدأ التضامن والتعاون الذي قوامه كونه تعاوناً وتضامناً على ما فيه تقوى الله، أي حول قيم الإسلام وشريعته وعقائده ومفاهيمه, وليس تضامناً قبليّاً على طريقة نصرة القريب ظالماً أو مظلوماً, بل في ضوء ما فيه رضا الله واجتناب سخطه، ومن المجالات التي يتجلّى فيها التضامن:
1- لزوم الوحدة:
بمعنى ملازمة كلّ قول وفعل يقوّي عرى الوحدة بين المسلمين وعدم الذهاب إلى ما يوجد الفرقة والتناحر وقد دعانا الإمام الصادق  عليه السلام إلى ذلك قائلاً: "من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"2.

1- سورة الأنبياء, الآية 92.
2- الكافي، ج1، ص405.
 
72
 

59

المحاضرة الأولى

 2- التكافل الاجتماعيّ وقضاء الحوائج:
فالتكافل الاجتماعي القائم على حبّ المسلم لأخيه المسلم وإيثاره، وأن يكون ضمير المسلم صاحياً اتجاه أخيه المسلم كما يمكن تفسير الحديث المشهور عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"1.
 
فالمطلوب أن يحمل المسلم هموم أمّته وأبناء أمّته وليتحوّل هذا الاهتمام إلى خطوات عمليّة إذ إنّه حين سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اتّباع سرور المسلم", قيل: يا رسول الله: وما اتّباع سرور المسلم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "شبعة جوعه، وتنفيس كربته، وقضاء دينه"2.
 
فالتكافل الاجتماعيّ حقيقة هو نظام أخلاقيّ يستند إلى خلفيّة عقديّة ومن وجوه تجسيد التزامه الدينيّ وانتمائه إلى الإسلام.
 
3- نصرة المظلوم:
فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يقول الله عزَّ وجلَّ: وعزّتي وجلالي لأنتقمنّ من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمنّ ممّن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم ينصره"3.
 
فالإسلام يريد بذلك تربية المنتمين إلى عقيدته والملتزمين

1- الكافي، ج2، ص 163.
2- وسائل الشيعة، ج16، ص256.
3- ميزان الحكمة, ج 2, ص 1774.
 
73
 

60

المحاضرة الأولى

 بشريعته على خلق عظيم وهو رفض الظلم ومقاومته، سواء أتى الظلم من خارج الأمّة الإسلاميّة ومن عدوّ خارجيّ, أو كان الظالم من داخل الأمّة فرداً عاديّاً كما يمكن الفهم من دعاء الإمام السجّاد عليه السلام: "اللهمّ إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي فلم أنصره..."1.
 
أم مطلقاً كما جاء في وصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب لولديه الحسن والحسين عليهما السلام حيث قال: "وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"2.
 
وحيث إنّ بعض أنواع الظلم خصوصاً الداخليّ والذي قد يقع من سلطان جائر غاشم فثمّة مبدأ آخر متفرّع على مبدأ نصرة المظلوم وهو التناحر الذي هو من تجلّيات التضامن والتعاون, فالتناحر هو بالدرجة الأولى نوع من الحركة الموحّدة والجماعيّة في مواجهة الظلم الخاصّ أو العامّ لكن أهمّ تحدّياته ومجالاته الظلم العامّ الواقع على الأمّة أو فئة كبيرة منها, ومعناه أن يلتزم أبناء المجتمع بنصر بعضهم بعضاً ونصر الله تعالى, وإن كان نصر بعضهم بعضا وهم محقّون هو نصر لله، فإن فعلوا ذلك ولم يتخاذلوا يتحقّق الوعد الإلهيّ: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ)3.

1- الصحيفة السجّاديّة دعاء التوبة.
2- نهج البلاغة, الوصية رقم 47.
3- سورة الحجّ، الآية 40.
 
74
 

61

المحاضرة الأولى

 ولذا اعتبرت النصرة من واجبات كلّ مسلم اتجاه كلّ مسلم وقد رتّب الله تعالى على نُصرته لأخيه أجراً كبيراً, فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنّة مصاحباً"1 فيما يترتّب على خذلان المسلم للمسلم خذلان الله له من مواطن هو أحوج ما يكون فيها للنصرة.
 
خاتمة: الحسين عليه السلام شهيد النصرة:
إنّ القارئ لتفاصيل السيرة الحسينيّة، يعرف بيقين أنّ حركة الإمام الحسين  عليه السلام من مقوّماتها ذلك الظلم الواقع على أبناء الأمّة الأمنيّ والاقتصاديّ وحتّى الفكريّ والعقائديّ، ولم يكن مثل الحسين  عليه السلام ليقرّ على ذلك ولا ليسكت عن استصراخ دين الله له وهو الأجدر بالنهوض والثورة، ولكن ثمّة أمر آخر واضح وهو تلك الكتب التي أتته والرسل التي وافته من شتّى أرجاء الأمّة وبالخصوص من أهل العراق يشكون ما يقع عليهم من ظلم بني أميّة، فاستصرخوا كما عبّرت زينب عليها السلام الحسين وأهل بيته والهين... لكن كان ما كان من خذلان...
 
ندعو الله أن يجعلنا من الثابتين الناصرين المتناصرين المتعاونين على كلّ ما فيه تقوى الله تعالى.

1- بحار الأنوار، ج75، ص359.
 
75
 

62

المحاضرة الثانية

 من اعتبر ترك الشبهات

الهدف: 
بيان أنّ سبب هلاك واندثار الأفراد والمجتمعات هو ارتكاب الذنوب والآثام، والدعوة إلى الاعتبار من قصصهم، وبيان أنّ ترك الشبهات هو نتيجة هذا الاعتبار مع بيان فائدة وعلّة ذلك مع الحثّ على اجتناب الشبهات.
 
تصدير الموضوع:
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الدّاء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النّار"1.

1- بحار الأنوار، المجلسي، ج70، ص347.
 
77
 

63

المحاضرة الثانية

 مقدّمة: الذنوب سبب الاندثار:
قال الله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ﴾1.
 
ممّا هو من دأب العقلاء أن يكون التاريخ وحوادثه وقصص الأفراد والجماعات عبرة لهم، يقرؤونها، أو يستمعونها، فيستفيدون منها دروساً ومواعظ تعينهم في حياتهم الفرديّة والاجتماعيّة والسياسيّة وغير ذلك، فآثار الأمم السابقة خير معين لاستفادة الخبرات وأخذ العبر, وقد أمرنا الله تعالى بأخذ العبر من حوادث الزمان فقال عزَّ من قائل: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾2.
 
ولقد اعتمد القرآن الكريم أسلوب إيراد القصص لعلّة التذكّر والتدبّر: فقال عن ذلك: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾3.
 
ولاستخلاص الدروس والعبر المشروطة بالكون من أصحاب القلوب اليقظة الفهمة فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾4.
 
وفي عين ما هو مدح لمن صفتهم أخذ العبر من قصص الصالحين, فكذلك في ذلك ما لا يخفى من الحثّ على ذلك.

1- سورة آل عمران، الآية 137.
2- سورة الحشر، الآية 2.
3- سورة الأعراف، الآية 176.
4- سورة يوسف، الآية 111.
 
78
 

64

المحاضرة الثانية

 وحقيقة ذلك أنّه لله في الأمم والاجتماع الإنسانيّ وفي التاريخ البشريّ سنن وقوانين، والتفكّر والتدبّر، والاعتبار يعين الإنسان على اكتشاف هذه السنن، ويساعد المؤمنين المأمورين بالاعتبار على التطوّر والتقدّم والبقاء لأنّهم سيكتشفون سننها وكذلك تعين الأمّة والأفراد على اجتناب كلّ ما يورد في سنن التراجع، والتدهور والاندحار. ومع مطالعة القصص القرآنيّة سنجدها تصرح بالتالي: إنّ سبب موت الأمم واندثارها، وسبب تراجع الأفراد وتدهورهم وهلاكهم هو الغرق في الذنوب والآثام.
 
محاور الموضوع
أمير المؤمنين يأمرنا بالاعتبار:
فيما نقل عن الإمام عليّ  عليه السلام ما به الإشارة بل التصريح بالاستفادة العمليّة وليس فقط العلميّة من قصص الماضين حيث قال  عليه السلام: "فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس الله وصولاته...", ثمّ أضاف بما يعني أنّ من لا يعتبر إنّما يكون ذلك بسبب الكبر... "واستعيذوا بالله من لواقح الكبر كما تستعيذونه من طوارق الدهر"... ليصل إلى الدرس العمليّ قائلاً: "... فتذكّروا في الخير والشرّ أموالهم واحذروا أن تكونوا
 
79
 

65

المحاضرة الثانية

 أمثالهم..." ثمّ أمر  عليه السلام قائلاً: "... فالزموا كلّ أمر لزمت العزّة به شأنهم وزاحت الأعداء له عنهم ومدّت العافية به عليهم..." وأضاف "... واجتنبوا كلّ أمر كسر فقرتهم وأوهن منّتهم..."1.
 
هذا على الصعيد العامّ حيث: أمر بالوحدة واجتناب الفرقة وترك الضغينة والخصومات والمقاطعة والمعاداة وترك التعاون.
 
ترك الشبهات نتيجة الاعتبار
وممّا جاء في أمر الإمام عليّ بالاعتبار مما يمكن الاستفادة منه على الصعيد الشخصيّ والفرديّ قوله عليه السلام: "إنّ من صرّحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات، حجزه التقوى عن التقحّم في الشبهات"2.
 
والمعنى البسيط هو أنّ من كشفت له المواعظ عن العقوبات التي نزلت بالنّاس كانت التقوى رادعاً له عن ارتكاب الأمور التي لا يعرف أهي حقّ أم باطل صواب أم خطأ، حلال أم حرام بسبب التباسها عليه.
 
وإنّما صرّحت هذه الحكمة بعلّة ترك الشبهات ذلك أن ما نزل بالأفراد والجماعات الغابرة من عذاب وعقوبة مقطوع السبب وهو أنّه ناجم عن مخالفة أوامر الله وعدم طاعة أولياء الله، فمن يستفيد هذه العبر، فاعتباره هذه يشكّل له رادعاً ليس فقط عن

1- نهج البلاغة، الخطبة 192.
2- نهج البلاغة، الخطبة 16.
 
80
 

66

المحاضرة الثانية

 ارتكاب واقتراف ما ارتكبوه، وإنّما يكون رادعاً ومانعاً عن الدخول فيما يشتبه أنّه من المحرّمات, فمن اتّعظ بأحوال الماضين أمكنه الابتعاد عن المحرّمات.
 
ما الذي يمنع ارتكاب الشبهات:
لقد صرّحت الرواية عن أنّ ما يشكّل مناعة من أمراض الذنوب، ومن العيوب وإتيان المشتبهات هو التقوى، ولذا قال الإمام عليّ  عليه السلام: "حجزه التقوى عن التقحّم في الشبهات".
 
فالتقوى حقيقة تشكّل مقوّياً، يعضد جهاز المناعة من مخالفة الله تعالى والتعرّض لما يبغضه، لأنّها تقوّي في الإنسان إرادته، وتشيد بنيان عزمه وتساعده على تحمّل مشاقّ الصبر.
 
لكن ليست أي تقوى هي التي تحجز عن الشبهات فالتقوى أنواع منها:
1- تقوى العامّة وهي الاحتماء عن الذنوب.
2- تقوى الخاصّة هي من اجتناب الشبهات.
 
ولها أنواع ودرجات أرقى لا مجال لذكرها، فإذا قويت التقوى كانت مانعاً من ارتكاب الشبهات, وحينها وفيما جاء عن ذلك عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إنّ لكلّ ملك حمى، وإنّ حمى الله حلاله وحرامه، والمشتبهات بين
 
81
 

67

المحاضرة الثانية

 ذلك كما لو أنّ راعياً رعى إلى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن تقع في وسطه, فدعوا المشتبهات"1.
 
فالعلّة إذن هي أن يكون الإنسان في سيره في هذه الحياة بعيداً عن احتمال الوقوع في ارتكاب ما يخالف أوامر الله والشرع الحنيف.
 
من القصص في اجتناب الشبهات:
ما دمنا بدأنا حديثنا بضرورة الاستفادة من القصص وأخذ العبر منها، ونحن بصدد الحثّ على ترك الشبهات نورد هذه القصّة: دعا أبو عبد الله  عليه السلام مولى له يقال له: مصادف، فأعطاه ألف دينار وقال له: "تجهّز حتّى تخرج إلى مصر فإنّ عيالي قد كثروا"، قال: فتجهّز بمتاع وخرج مع التجّار إلى مصر، فلمّا دنوا من مصر استقبلتهم قافلة خارجة من مصر فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة وكان متاع العامّة (أي ما يحتاجه عامّة النّاس) فأخبروهم أنّه ليس بمصر منه شيء، فتحالفوا وتعاقدوا على أن لا ينقصوا متاعهم من ربح الدينار ديناراً فلمّا قبضوا أموالهم وانصرفوا إلى المدينة، فدخل مصادف على أبي عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم: ومعه كيسان في كلّ واحد ألف دينار، فقال: جعلت فداك هذا رأس المال وهذا الآخر ربح، فقال  عليه السلام: "إنّ هذا الربح كثير ولكن ما صنعتم في المتاع؟" فحدّثه كيف صنعوا 

1- بحار الأنوار، ج2، ص259.
 
82
 

68

المحاضرة الثانية

 وكيف تحالفوا, فقال: "سبحان الله تحلفون على قوم مسلمين ألّا تبيعوهم إلّا ربح الدينار ديناراً"، ثمّ أخذ الكيسين فقال: "هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في هذا الربح"، ثمّ قال: "يا مصادف, مجادلة السيوف أهون من طلب الحلال"1.
 
خاتمة: عليل بالحمية من الذنوب:
إنّ الإنسان المصدّق بالله تعالى وبوعده وبوعيده، يفترض أن يكون عاملاً بجدّ واجتهاد لما وعد من الثواب والأجر والمقام والمنزلة عنده تعالى, وحذراً أشدّ الحذر ممّا توعّد عليه العقوبة والعذاب, ولكن الأحذق واللبيب يفترض أن يكون ليس فقط حذراً وإنّما أن يكون يقظاً منتبهاً لأفعاله وأقواله بل من أحاسيسه ومشاعره وظنونه ووسوسات صدره.
 
وليعلم أنّ بعض المباحات قد تكون مزلقاً، تنزلق معه النّفس إلى المحرّمات فلو اعتاد إنسان ما مثلاً على ذكر عيوب النّاس فيما يجوز، فإنّه لا يؤمن عليه أن يذكر ذلك حيث لا يجوز فيكون قد اغتاب.
 
ولقد تعجّب المعصومون فجاء عن أحدهم: "عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النّار"2 والاحتماء من الذنوب يكون بالوقوف عند الشبهات. 

1- الكافي، ج5، ص162.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج70، ص347.
 
83
 

69

المحاضرة الثالثة

فراغ سلامة لا ندامة
 
الهدف:
بيان قيمة العمر، والفراغ وخطورته وكيفيّة العلاج لأوقات الفراغ.
 
تصدير الموضوع:
عن الإمام زين العابدين  عليه السلام في دعاء له: "فإن قدّرت لنا فراغاً من شغل فاجعله فراغ سلامة لا تدركنا فيه تبعة ولا تلحقنا فيه سآمة، حتّى ينصرف عنّا كتاب السيّئات بصحيفة خالية من ذكر سيّئاتنا ويتولّى عنّا كتّاب الحسنات عنّا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا"1.

1- الصحيفة السجّادية، الدعاء 11.
 
85
 

70

المحاضرة الثالثة

 مقدّمة: انتبه لعمرك:
ممّا جاء في وصيّة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبه أبي ذرّ: "يا أبا ذرّ, نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس: الصحّة والفراغ ..." إلى أن يقول له بعد إيصائه باغتنام الشباب والصحّة والغنى والفراغ والحياة "... يا أبا ذرّ, كن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك"1.
 
إنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوجّه إلينا وإلى كلّ مسلم هذه الوصيّة مؤكّداً فيها على الاستفادة من النعم التي خوّلنا الله إيّاها، والتي هي تحت أيدينا قبل أن نفقدها, فالعمر والصحّة والفراغ والشباب وكذلك الغنى هي الحياة وما يعرض فيها الحياة الدنيا والأمر بالاستفادة منها قبل نفاد العمر والانتقال من دار الدنيا إلى عالم الآخرة، ذلك العالم الذي يشكّل بكلّ تفاصيله ثمرة لزرع الدنيا، وجزاء لعملها، ونتيجة ودار الثواب أو دار الجزاء والعقاب.
 
وقد ذكر الله أحوال المقصّرين في الدنيا فقال مرّة: ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾2.
 
فالدّار حينها ستكون دار حسرة والحسرة على التفريط بالعمر والنعم، ومقابلة الواعظين بالسخرية.

1- بحار الأنوار، ج74، ص75.
2- سورة الزمر، الآية 56.
 
86
 

71

المحاضرة الثالثة

 وقال تعالى ذكره مرَّة أخرى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾1.
 
فالآيتان تشيران إلى أنّ الذين ضيّعوا أعمارهم ولم يستفيدوا منها حقّ الاستفادة، أي بما يضمن لهم الآخرة ونعيمها سوف تعتريهم حالة الندم عندما ينزل الموت بساحتهم فيتمنّون بل يطلبون الرجوع لأجل العمل ولكن هيهات.
 
محاور الموضوع
قياس العمر:
وليعرف كلّ منّا قيمة عمره تعالوا نحاول ما هي وحدة قياس العمر, على أننا علينا الانتباه إلى أنّ العمر هو رأسمال الإنسان, والعمر حسابه بالزمن, ومن خواصّ الزمن أنّه يمرّ دون استئذان، وما ذهب منه لن يعود ولا يمكن استرداده، ولا يمكن تخزينه، فإنّه يمرّ عملنا فيه أو لم نعمل، أحسنّا فيه أو أسأنا.
 
وثمّة أمر يجب الالتفات إليه وهو أنّه كلّما كان الشيء أقلّ قيمة وأكثر وجوداً كان ثمنه أقلّ وكانت وحدة قياسه أكبر وكلّما كان أكثر قدرة، وأعلى قيمة والحاجة إليه مع ذلك أمسّ كانت

1- سورة المؤمنون، الآيتان 99 - 100.
 
87
 

72

المحاضرة الثالثة

 وحدة قياسه أصغر.
 
فثمّة أمور تقاس بالأطنان وما هو أكبر, وهناك ما يقاس بالكيلوغرامات, ومنها ما يقاس بالغرامات، أو القراريط.
 
ولتعرف قيمة العمر نسأل: ما هي وحدة قياسه؟ هل هي القرون؟ أو العقود؟ أو غيرها؟ فعن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾1؟ قال: "ما هو عندك؟" قلت: عدد الأيّام، قال: "إنّ الآباء والأمّهات يحصون ذلك, لا، ولكنّه عدد الأنفاس"2.
 
وهذا ما أكّد عليه أمير المؤمنين  عليه السلام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في قوله: "نفس المرء خطاه إلى أجله"3.
 
الفراغ ضياع للعمر:
فإذا كان العمر على هذا المستوى من الخطورة، وعلى هذا المستوى من القيمة، فهو على هذا نعمة من النّعم, وإذا كان نعمة فنحن سنُسأل عنه, وهذا ما أكّده الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل، عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، عن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت"4 فالعمر حقيقته هو الوقت وهو مقدّر بالأنفاس كما مرّ،

1- سورة مريم، الآية 84.
2- الكافي، الكليني، ج3، ص259.
3- بحار الأنوار، ج70، ص128.
4- بحار الأنوار، ج70، ص258.
 
88
 

73

المحاضرة الثالثة

 فعندما ينتهي العدد المقدّر من هذه الأنفاس تكون نهاية العمر, ويكون الانتقال من دار العمل بلا حساب إلى دار الحساب حيث لا عمل.
 
وممّا لا شكّ فيه أنّه ليس من الحكمة بمكان ترك هذا العمر يتفلّت من بين أيدينا بدون استثماره بأفضل أوجه الإستثمار لنكون من المفلحين، والذي لا شكّ فيه أيضاً أنّ من وجوه ضياع العمر عدم استغلال أوقات الفراغ وتركها تذهب بلا فائدة وتتلف بلا نتيجة.
 
الفراغ المدمّر:
فضلاً عن أنّنا كمؤمنين لدينا إيمان بجدّيّة هذه الحياة التي نعيشها، وما يترتّب عليها حيث سنلقى بعدها الله تعالى لنرى حصيلة وجودنا وعملنا في دار الدنيا حيث ربّما يكون مصير البعض كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾1.
 
فمن أهمّ أخطار الفراغ أنّه يؤدّي إلى أمور منها:
1- الفراغ يفقد الإحساس بقيمة الوقت:
حيث نتيجة تعوّده على مرور الوقت بلا ثمرة ولا عمل, وإهداره بما يفيد ولا يفيد يصبح خارج دائرة الفعل بالوقت وإنّما 

1- سورة النبأ، الآية 40.
 
89
 

74

المحاضرة الثالثة

 في دائرة المنفعل، وفي أحيان كثيرة يصبح على هامش الحياة.
 
فليس الفارغ هو القائد لحياته بل هو منقاد للظروف ليس إلّا.
 
2- الفارغ لا يحسن ترتيب أولويّاته:
فالفارغ يعيش همّ كيفيّة قضاء الوقت، أو ما يسمّيه كثيرون قتل الوقت, ولذا فإنّ الإمام زين العابدين  عليه السلام يلفتنا إلى ضرورة الاختيار في قضاء الوقت, بل أكثر ضرورة تقديم الأولى والأفضل على غيره فيقول  عليه السلام في دعاء مكارم الأخلاق: "اللهمّ صلّ على محمّد وآله، واكفني ما يشغلني الاهتمام به، واستعملني بما تسألني غداً عنه, واستفرغ أيّامي في ما خلقتني له"1.
 
3- الفراغ منبت الأمراض والانحراف:
فهو يجعل الإنسان ذا اهتمامات حقيرة، وغالباً ما يترافق الفراغ مع استحضار حوادث العمر الماضية ما يفرح منها وما يحزن، ومعها تحضر الانفعالات وهذا ما يؤدّي إلى حالات اكتئاب وغيرها من أمراض النّفوس فضلاً عن الشعور بالملل والسأم. ومن جهة أخرى فإنّ ما يعزّز الوقوع في الأمراض النفسيّة، هو انخفاض تقدير الإنسان لنفسه عند نفسه، إذ يشعره الفراغ بعدم قيمته اجتماعيّاً وأنّه غير نافع، ويصبح حائراً يفقد الهدفيّة ويفقد معنى حياته, وهذا ما يدفع البعض ليسقطوا ضحايا الإدمان على المسكرات والمخدّرات يطلبون بها الهرب من واقعهم.

1- الصحيفة السجّاديّة، الدعاء 20.
 
90
 

75

المحاضرة الثالثة

 كيف نعالج مشكلة الفراغ؟
1- معرفة قيمة العمر، ومعرفة أخطار ومشاكل وتبعات الفراغ دنيويّاً وأخرويّاً.
 
2- السعي إلى ملء الوقت بأمور جادّة ونافعة منها:
1- المواظبة على تلاوة القرآن الكريم والتعرّف على معانيه ومضامينه, ومن ذلك إعطاء وقت للاستماع لتلاوته ومن الأصوات الجميلة بما يساعدنا على الخشوع وتدبّر الآيات.
وقد جاء عن الإمام عليّ  عليه السلام في القرآن قوله: "ما جالس هذا القرآن أحد إلّا قام عنه بزيادة أو نقصان، زيادة في هدى أو نقصان من عمى..."1.
 
2- ملء الوقت بالعلم النافع، ومراودة أماكن تحصيل العلم ومجالس العلماء, وكذلك بناء العلاقة الحسنة مع القراءة من خلال الاعتياد على قراءة الكتب المفيدة ومطالعة المجلّات والصحف العلميّة وكذلك الإسلاميّة.
 
3- معاشرة الصالحين واتخاذهم أصدقاء: عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه  عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث، ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام مثل أخ يستفيده في الله"2.

1- نهج البلاغة، ج3، ص91.
2- وسائل الشيعة، ج4، ص117.
 
91
 

76

المحاضرة الثالثة

 4- تعزيز الجدّيّة في ممارسة الحياة من خلال التخطيط الجدّي لها والالتزام بالبرامج التي يتبنّاها الإنسان على أن لا تكون مخالفة للدّين وللشرع الحنيف وذلك باعتماد محاسبة النّفس وعدم إهمالها لأنّه من حاسب نفسه غنم.
 
خاتمة:
من مظاهر الفراغ المنتشرة في مجتمعاتنا مظهران: الأوّل هذا الإقبال على اقتناء الهواتف الذكيّة والعكوف عليها ساعات وساعات، والثاني انتشار عادة تدخين النرجيلة وعقد المجالس والسهرات على شرفها. بل إنّ البعض يكاد يمضي نصف نهاره متقلّباً بين نَفَس وآخر، بما يقلّل من القدرة الانتاجيّة وانتشار الكسل والكسالى, أو ما يسمّى بالعاميّة التنابل.
 
92

77

المحاضرة الأولى

 نصرة أولياء الله
 
الهدف:
بيان معنى نصرة الله ونصرة أولياء الله كيفيّة نصرة أهل البيت عليهم السلام مع التنويه بنصرة أنصار الحسين عليه السلام له.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾1.

1- سورة الصفّ، الآية 14.
 
95

78

المحاضرة الأولى

 مقدّمة: النصرة مختبر الولاء
من مفردات الولاء لأهل بيت النبوّة صلوات الله وسلامه عليهم وترشّحاته المودّة لهم ونصرتهم، هذه النصرة التي يثبت فيها الموالي صدق ولائه وانتمائه للخطّ النبويّ، والنصرة كذلك امتحان عمليّ لمدى المودّة والمحبّة، فضلاً عن كونها إجابة وتلبية لنداء أهل البيت عليهم السلام وعملاً بما جاء في دعاء النبيّ للإمام عليّ  عليه السلام يوم الغدير إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهمّ انصر من نصره واخذل من خذله"1.
 
والذي فيه حثّ بطريقة غير مباشرة على النصرة وتحذير من الخذلان لهم عليهم السلام.
 
فضلاً عن النداء المجلجل في نفوس وقلوب وعقول شيعة آل البيت، ذلك النداء الذي حمله الزمان وردّدته الأيّام يطويها ليصل إلى مسامع القلوب كأنّه نفخة الإحياء تبعث الحياة في كلّ أبيٍّ موالٍ لأهل البيت عليهم السلام, النداء هو نداء شهيد الطفوف الإمام الحسين  عليه السلام: "هل من ناصر ينصرني؟".
 
ولقد لبّت نداء الاستنصار هذا نفوس ولا تزال في كلّ ميادين الجهاد والشهادة. ميادين العزّة والحرّيّة والإباء. 

1- أمالي الصدوق, ص428.
 
96
 

79

المحاضرة الأولى

 محاور الموضوع
معنى النصرة
بالعود إلى اللغة والفهم العرفيّ لكلمة النصرة ومشتقّاتها، نجد لها معنى لا يكاد يختلف عليه اثنان، فمعنى النصرة هو الإعانة على الشيء ويقابله الخذلان. وقد تكون النصرة والإعانة باللسان وقد تكون بالمال، وقد تكون باليد والنّفس بحسب طبيعة القضايا ودرجة حساسيّتها وخطورتها.
 
موارد النصرة:
للنصرة موارد عديدة تتّسع لتشمل شتّى وجوه الحياة وأنحائها، فقد تشمل أموراً ذات لون ثقافيّ، وأخرى عقائديّ وفكريّ وثالثة اجتماعيّ واقتصاديّ، وأخرى سياسيّ، وأحياناً إنسانيّ وغير ذلك.
 
ومن الموارد لا على نحو الحصر نتكلّم عن بعضها والتي منها:
1- نصرة الدّين:
والتي تعني حمل قضيّة الدّين بكافّة أبعاده بتقوية الانتماء إليه وحمل فكره ومفاهيمه وقيمه والأخلاق التي يدعو إليها والإعانة على نشرها ونشر الدّين بكلّ أبعاده والدفاع عن الدّين بما يتاح من مال ونفس وأولاد، لأنّ الدّين له الأولويّة على كلّ الأمور الأخرى.
 
97

80

المحاضرة الأولى

 قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾1 والنصرة تكون كذلك بتجسيد النموذج الراقي للمنتسبين إليه من خلال الانقياد لتعاليمه وهذا ما تشير إليه الآية القائلة: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾2.
 
ومقام نصرة الدّين مقام شريف لذلك وُصف أئمّة الهدى في الزيارة الجامعة بأنّهم "أنصاراً لدينه" ولذا علّمنا أئمّتنا أن ندعو في خير الشهور شهر رمضان في أحد أدعيته الشريفة بالقول في دعاء كلّ ليلة من لياليه: "اللهمّ اجعلني ممّن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري".
 
2- نصرة وليّ الله:
وهي من لوازم نصرة الله، بل إنّ نصرة الله، التي مصداقها نصرة دينه فكذلك مصداقها وأبرز تجلّياتها نصرة وليّ الله ويأتي في رأس أولياء الله النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وقد أمر تعالى بذلك في قوله: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾3 فقد حثّ المولى على الإيمان بالنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ونبوّته وتعزيره أي تعظيمه ونصرته اتّباع 

1- سورة الصفّ، الآية 14.
2- سورة الأعراف، الآية 157.
3- سورة الأعراف، الآية 157.
 
98
 

81

المحاضرة الأولى

 الدّين والكتاب الذي جاء به وفي موضع آخر عبّر القرآن الكريم عن أنّ نصرة وليّ الله هي نصرة لله حيث ينقل عن عيسى  عليه السلام قوله للحواريّين: ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾.
 
ليأتي الجواب من الحواريين: ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ﴾1.
 
نصرة أئمّة أهل البيت عليهم السلام:
ويأتي في جملة نصرة الله ونصرة رسوله، نصرة أئمّة أهل البيت عليهم السلام ولذا كان من علامات وصفات الشيعة أنّهم ناصرون لأهل البيت عليهم السلام فعن الإمام عليّ  عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى اطلع على أهل الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منّا وإلينا"2.
 
وهذه جائزة أعظم جائزة لناصر أئمّة الهدى أن يكون منهم وإليهم.
 
كيف ننصر أهل البيت عليهم السلام؟
لنصرة أهل البيت عليهم السلام مراتب ودرجات, منها:
1- الجهاد بالنّفس:
دفاعاً عنهم وعن الولاء لهم وقد جسد أرقى درجاته شهداء 

1- سورة آل عمران, الآية:52.
2- الخصال, ص635.
 
99
 

82

المحاضرة الأولى

 الطفّ من أنصار الحسين عليه السلام وأهل بيته، وقد يكون ثمن الجهاد بالنّفس أقلّ من القتل، كالأسر والسجن وغير ذلك ولولا تضحيات شيعة أهل البيت عليهم السلام لما بقي تشيّع ولا شيعة وعن ذلك ينقل عن صادق أهل البيت عليهم السلام قوله: "شيعتنا والله لا يزالون منذ قبض الله رسوله ينصروننا ويقاتلون دوننا، ويُحرَّقون، ويُعذَّبون، ويشرَّدون من البلدان جزاهم الله عنّا خيراً"1.
 
2- النصرة بالّلسان:
ومنها إنشاد الشعر ونشر فضلهم والمحاججة فيهم.
 
3- النصرة بالمال:
وقد نقلنا الرواية عن الإمام عليّ  عليه السلام في وصفه لمن اختارهم الله شيعة لآل البيت أنّ من صفاتهم "ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا"2.
 
ولقد كان بذل المال في حبّ آل البيت عليهم السلام من أهمّ الأمور التي شيّدت صروحه ونشرت علومه وحفظت المنتمين إليه. وما هذه المجالس إلّا شاهد على ذلك.
 
4- النصرة بالقلب:
عندما لا يقدر الإنسان بسبب الضعف عن نصرة أهل البيت عليهم السلام تأتي النوبة لنصرتهم بالقلب, فعن الإمام

1- تفسير البرهان, ج5, ص359.
2- الخصال, ص 635.
 
100
 

83

المحاضرة الأولى

 العسكريّ عليه السلام جواباً لمن قال له: إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي, أنّه قال  عليه السلام: "حدّثني أبي عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من ضعف عن نصرتنا أهل البيت عليهم السلام، ولعن في خلواته أعداءنا، بلغ الله صوته إلى جميع الملائكة..." إلى أن تقول الرواية: "... فإذا بالنداء من الله تعالى يقول: يا ملائكتي, إنّي أجبت دعاءكم في عبدي هذا، وسمعت نداءكم، وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار وجعلته من المصطفين الأخيار"1. وقد يكون السبب غير الضعف كحيلولة الحوادث والزمان فلا أقلّ من توطين النفس على النصرة, فعن الإمام الباقر عليه السلام: "القائل منكم: إن أدركت القائم من آل محمّد نصرته كالمقارع معه بسيفه والشهيد معه له شهادتان"2.
 
خاتمة:
لقد قدّم أنصار الإمام الحسين عليه السلام نماذج راقية وقدوات رائعة في كيفيّة نصرة وليّ الله، وكذلك أهل بيته عليهم السلام ومنهم الإمام السجّاد الذي سمع نداء أبيه بعد مصرع أصحابه وأهل بيته عليهم السلام: "أما من ناصر ينصرنا؟ أما من مغيث يغيثنا؟ أما من ذابٍّ يذبُّ عنّا؟" قام الإمام زين العابدين  عليه السلام وهو مريض ملبّياً نداء النصرة, إلّا أنّ أباه ردّه إلى الخيمة، وجاءت نصرة 

1- مكيال المكارم, ج2, ص62.
2- فروع الكافي, ج8, ص81.
 
101
 

84

المحاضرة الأولى

 زينب في كلّ مراحل الثورة، وفي آخر لحظاتها عندما قدّمت الجواد لأخيها.
 
وقد علّمنا أئمّتنا أن نلبّي نداء الحسين  عليه السلام في الدعاء والزيارات بالقول: "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً".
 
102
 

85

المحاضرة الثانية

لا لثقافة سوء الظنّ
 
الهدف:
بيان مبغوضيّة سوء الظنّ وآثاره وكيفيّة علاجه والحثّ على مواجهة ثقافة سوء الظنّ.
 
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾1

1- سورة الحجرات، الآية 12.
 
103
 
 

86

المحاضرة الثانية

 تقديم: دع أكثر الظنّ
من الآفات المنتشرة بين النّاس ضعف ثقة بعضهم بالبعض الآخر, ولعلّ ذلك لكثرة ما يرونه من خيانة بعضهم للبعض الآخر وعدم رعاية حقوق الصداقة والقرابة والجوار والزمالة وحتّى الإيمان, وهذا كلّه أوجد ويوجد حالة من حاكميّة سوء الظنّ على مشاعر النّاس, فنرى بعضنا يتوجّس من أي جديد قادم إلى حياته بعنوان من العناوين ويعامله بحذر شديد, وإذا صدر فعل أو قول عن صديق أو أخ أو جار أو غير هؤلاء يظلّ بقلبه في وجوه السوء قبل أن يسفر الفاعل والقائل عن حقيقة مراده من القول والفعل.
 
فيما نجد أنّ القرآن الكريم أمرنا بأن نتجنّب كثير الظنّ السيّئ لأنّ بعضه إثم.
 
حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾1.
 
فكأنّ الله تعالى أمرنا باجتناب أكثر الظنّ والمقصود به هو السيّئ حتّى لا نقع فريسة بعض أفراده المخالفة للواقع والموجبة للمفسدة. ولو كان قليلاً لا يقوم به أكثره ولو كان مصيباً.
 
هذا مضافاً إلى ما جاء في الروايات من النهي عن إساءة الظنّ بالمؤمنين, وأنّ الله نهى عن أن يساء الظنّ بالمؤمن وأنّه من 

1- سورة الحجرات، الآية 12.
 
104
 

87

المحاضرة الثانية

 حرمات المؤمن, وفي ما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إيّاكم وسوء الظنّ, فإنّه أكذب الكذب, وكونوا إخواناً في الله كما أمركم، لا تتنافروا ولا تتجسّسوا ولا تتفاحشوا ولا يغتب بعضكم بعضاً، ولا تتنازعوا ولا تتباغضوا ولا تتدابروا ولا تتحاسدوا فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب اليابس"1.
 
محاور الموضوع
لماذا النهي عن سوء الظنّ؟
الرواية الآنفة تدلّ على أنّه من حِكَم النهي عن سوء الظنّ أنّه مفسد للعلاقات بين المؤمنين, إذ إنّه يؤدّي إلى فسادها وتلويثها, ويؤدّي إلى التباعد والتباغض والتنافر, فيما المطلوب هو التكافل والتضامن والوحدة, بل المطلوب أن نكون أخوة في الله, ولأنّ الآية الناهية عن سوء الظنّ أشارت إلى أنّ سوء الظنّ ربّما يستدرج الإنسان إلى محرّمات أخرى كالتجسّس فالذي يسيء الظنّ قد يحاول التحقّق منه فيلجأ إلى التجسّس للتأكّد من صدق ظنّه أو كذبه, وبسبب التجسّس قد يطّلع على بعض عيوب المظنون به السوء فيتحدّث بها فتكون غيبة, ولذا قال في تتمّة النهي عن سوء الظنّ:

105

[1] وسائل الشيعة، ج27، ص59.
 

88

المحاضرة الثانية

 ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾1.
 
فكأنّ سوء الظنّ يجعل الإنسان مهيّئاً ومستعدّاً نفسيّاً لمحرّمات أخرى كالتجسّس والغيبة وتتبّع العثرات وقبول الغيبة وعدم التنفّر منها, بل قد تتدحرج الأمور إلى السخريّة والتحقير والإهانة, وربّما وصل الأمر إلى هجران المظنون به السوء ومقاطعته, وكذلك إلى ضعف الاستعداد والحماسة لإعانته ومساعدته.
 
كيف نعالج سوء الظنّ؟
هناك مرتبتان لعلاج سوء الظنّ الأولى: عند الظانّ, والثانية: عند المظنون به.
 
أمّا على صعيد الظانّ السوءَ بأخيه فالعلاج يكون بما يلي:
1- إدامة حسن الظنّ بالمؤمن وعدم الذهاب إلى سوء الظنّ به, فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً"2.
 
ففي ذلك تنزيه لباطن الإنسان المؤمن من أهمّ ملوّثاته وهو سوء الظنّ, وثانياً بحسن الظنّ يمكن تقديم سلوك الإخوان, لأنّ هذا يدفعهم ليكونوا عند حسن الظنّ بهم, فحسن الظنّ إحدى وسائل التأديب الناجحة.

1- سورة الحجرات، الآية 12.
2- الكافي، ج2، ص161.
 
106
 

89

المحاضرة الثانية

 فضلاً عن أنّ سوء الظنّ هو من مصاديق الظلم إن خالف الواقع وبه تقع في الحرام وأمّا حسن الظن بالمؤمن حتّى وإن خالف الواقع فلن يترتّب عليه آثار محرّمة.
 
قد يعتبر بعضهم أنّ حسن الظنّ نوع من السذاجة ولكنّ الحقّ أنّه لا يعني ذلك, وحاشا للنبيّ ولآل بيته عليهم السلام أن يأمرونا بالسذاجة, إذ المقصود بحسن الظنّ هو الالتزام عمليّاً بالحسن في المؤمن في قوله وفعله وعدم جعل احتمال السوء يغلب على المؤمن في مقام معاملته, بمعنى أن نستمرّ بحسن معاملته ولا نكفّ عن ذلك إلّا عندما يأتي الدليل القطعيّ.
 
2- ترك مولّدات سوء الظنّ: التي منها صحبة الأشرار، والتعوّد على اقتراف السوء, فالذي يسوء فعله يسوء ظنّه.
 
3- التروّي وعدم الإسراع إلى إصدار الأحكام بالبناء على ظواهر الأمور.
 
4- ضرورة العمل الجماعيّ على مواجهة ثقافة سوء الظنّ الذي تنمّيه البرامج التلفزيونيّة ذات الطبيعة الفضائحيّة.
 
5- اجتناب مواطن التّهم: وأمّا علاجه من المظنون به أو من كلّ إنسان فهو يُختصر بأمر واحد وهو تجنّب ما يثير سوء الظنّ والمعبّر عنه في الروايات بمواطن التّهم أو مواقع الرّيب, بمعنى أن يحتاط المؤمن في سلوكه فلا يفعل فعلاً أو يتواجد في أماكن تثير الشبهات حوله وحول دينه وسلوكه فقد 
 
 
107

90

المحاضرة الثانية

 جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من عرّض نفسه للتّهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به"1.
 
ولننتبه إلى أنّ الإمام  عليه السلام لا يريد بذلك أن يقول: إنّه تجوز إساءة الظنّ بمن عرّض نفسه للتّهمة, بل المراد والله العالم أنّ على المؤمن أن ينأى بنفسه عن كلّ ما يوجب إساءة الظنّ به.
 
خاتمة:
علينا أن نلتفت إلى الأثر السيّئ الناتج من ترويج ثقافة سوء الظنّ والمساعدة على ترويجها من خلال تناقل أخبار الفضائح عبر وسائل الاتصال وتعميمها على النّاس, لأنّنا بذلك سنكون مصداقاً لمن يعمّم ثقافة سوء الظنّ, بل سنكون كذلك مصداقاً لمن يحبّون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.
 
نعوذ بالله تعالى من ذلك.

1- الكافي، ج8، ص152.
 
108
 

91

المحاضرة الثالثة

 الخمر والمخدرات فساد
 
الهدف:
بيان معنى الفساد وآثاره ومجالاته، والتركيز على الخمر والمخدّرات، وبيان حرمتها، وآثارها، والتحذير منها ومن ترويجها.
 
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾1

1- سورة الأعراف، الآية 142.
 
109
 

92

المحاضرة الثالثة

 مقدّمة: الفساد والاستقامة:
قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾1 إنّ هذه الآية تلفتنا معاشر النّاس إلى خطورة الخروج عن الحدود الشرعيّة في أعمالنا ولا سيّما في تعاطينا مع الثروات التي أعطانا الله إيّاها بل التي سخّرها لنا - إذ تقول بلسان فصيح صريح إنّ مجاوزة الحدود التي رسمها لها الله تعالى وعدم الاعتدال تارة بالإفراط وأخرى بالتفريط يؤدّي إلى تسرّب الخلل إلى الأمور التكوينيّة حيث قال بعض المفسّرين إنّ معنى الفساد المذكور في الآية هو الجدب في البرّ والقحط في البحر2.
 
وفي المقابل وبطريقة عكسيّة إذا استقام النّاس على المنهج الإلهيّ في حياتهم ولم يتجاوزوا حدود الله تعالى لاستقامت الأمور التكوينيّة بل لزادت بركتها وهذا بارز جليّ في قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾3 فالمطلوب من الإنسان الذي كرّمه الله تعالى وجعل له الخلافة على الأرض ونعمها، أن يحسن استثمار هذه النعم ويقدّرها، أي عليه عمارة الأرض كما صرّح بذلك في قوله تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾4.
 
110




[1] سورة الروم، الآية 41.
[2] تاج العروس، الزبيدي، ج5، ص164 - 165.
[3] سورة الجنّ، الآية: 16.
[4] سورة هود، الآية 61.
 

93

المحاضرة الثالثة

 وبعبارة أوضح إنّ كلّ النّعم المسخّرة للإنسان والموضوعة تحت سلطان قدرته هي أمانات عليه أوّلاً أن يقدِّرها، ويعرف قيمتها والحكمة منها، وأن يضعها موضعها ويحسن الصحبة لها بالتأدّب بالآداب الإلهيّة في العلاقة بها.
 
محاور الموضوع
مجالات وميادين الإفساد:
إنّ الميادين والمجالات التي يمكن أن يفسد فيها الإنسان كثيرة ومتنوّعة بتنوّع جهات الإنسان وعلاقاته، فثمّة فساد في الأبعاد التكوينيّة يتّصل بسوء العلاقة بالثروات الطبيعيّة، من ماء وهواء وشجر وحيوانات وغير ذلك، ومنها ما له علاقة بعلاقات الإنسان ببني جنسه، فقد يعتدي على أجسادهم فيقتل أو يجرح أو يصادر الحرّيّات أو يعذّب كما كان قد صدر عن فرعون وهذا ما جاء به التنزيل: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾1.
 
وقد يكون بحرف النّفس والآخرين عن الحقّ في المعتقد والفكر وغيرهما كالكفر ومواجهة الهداة ومنع النّاس من

1- سورة القصص، الآية 4.
 
110
 

94

المحاضرة الثالثة

 الاهتداء بهم كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ﴾1 ومن النماذج الأخطر في الإفساد المنافقون الذين أنبأ عنهم الكتاب الكريم قائلاً: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾2.
 
ومن وجوه الإفساد وألوانه الفساد الاقتصاديّ كالتلاعب بالموازين والغشّ وقد قال تعالى في ذلك على لسان النبيّ شعيب: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾3 ومنه الاحتكار.
 
ومنها الفساد الأخلاقيّ كالزنا واللواط والغيبة والنميمة والبهتان وإشاعة الفاحشة ومن الفساد الفساد الاجتماعيّ والقضائيّ والأمنيّ وغير ذلك كثير.
 
آفّة العصر المسكرات والمخدّرات
وهي من بلاءات الأجيال هذه الأيّام ومن شرّ المفسدات التي أمر الحقّ تعالى بعدم مقاربتها سواء في تعاطيها أو في ترويجها, فالمسكر والمخدّر هو كلّ مادّة تؤثّر في الإنسان من خلال تخدير 

1- سورة النحل، الآية 88.
2- سورة البقرة، الآيتان 11 - 12.
3- سورة هود، الآية 85.
 
112
 

95

المحاضرة الثالثة

 العقل وتؤثّر في الجهاز العصبيّ بدرجة تضعف وظيفته أو تجعل الإنسان يفقدها ولو لمدّة مؤقّتة.
 
وقد أجمع الفقهاء على تحريم الخمر والمخدّرات قولاً واحداً, ومن نماذج فتاواهم ما جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت, يحرم تعاطي كلّ ما يضرّ بالبدن والعقل حرمة شديدة كالأفيون والحشيش والكوكايين وجميع أنواع المخدّرات الضارّة والسموم1.
 
وفي هذا الزمان يبتكرون أصنافاً جديدة ويسمّونها بأسماء لم تكن معروفة, فكلّ ما يكون له نفس تأثير المسكر والمخدّر له نفس حكمه وإن أعطي تسميات أخرى.
 
لماذا حرمة المسكر والمخدّر؟
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾2.
 
فقد أمر الله تعالى ليس فقط بعدم تناول المسكر وإنّما أمر بالاجتناب, وهو أبلغ في التحريم, وذلك لجملة من الحكم هدفها حماية الإنسان منها, وقد نسبت الآية هذا العمل إلى الشيطان ووصفته بأنّه رجس وقد عرف بنو آدم عداوة الشيطان لهم وكيده ومكره بهم. 

1- الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت عليهم السلام، محمّد الغروي، ص19.
2- سورة المائدة، الآية 90.
 
113
 

96

المحاضرة الثالثة

 ولأنّ آثار المسكر كثيرة وهي باب للكثير من الشرور جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الخمر جماع الإثم، وأمّ الخبائث، ومفتاح الشرّ"1.
 
ويمكن لنا أن نعدّ من أضرار الخمر ما يلي:
1- على الصعيد الدينيّ: الخمر تصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة بالخصوص.
 
2- تجاوز حدود الله: حيث تعبث بعقل الإنسان فيصبح جاهزاً لارتكاب أيّ محرّم حيث لا يقدّر عواقب كلامه ولا أفعاله، فيقذف المحصنات، ويتلفّظ بأفحش العبارات، ويتجاوز على المقدّسات حتّى الذّات المقدّسة لله تعالى ولأنبيائه وأوليائه.
 
3- يسيء معاملة النّاس ويلجأ إلى العنف بسرعة، وأكثر من يتأذّى بذلك أسرته والأقربون منه ممّا يفقده أوّلاً الهيبة والاحترام، ويؤدّي ثانياً إلى أن تسود أجواء التوتّر والشقاق والخلافات داخل الأسرة, وهذا يوصل إلى تفكّكها.
 
4- يفقد الإنسان اتّزانه وتقديره لنفسه ويصبح دنيئاً مهاناً ويؤدّي إلى حقارة النّفس.
 
5- من يدمن الخمر والمخدّر تسقط عنده الحرمات فيعقّ الوالدين ويفقد الحسّ بالغيرة على حريمه بل ربّما عندما تعوزه الأمور لا يتوانى عن بيع عرضه للحصول على جرعة مخدّر أو كأس من خمر, فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من 

1- بحار الأنوار، ج76, ص146.
 
114
 

97

المحاضرة الثالثة

 شرب الخمر بعد ما حرّمها الله على لساني فليس بأهل أن يزوّج إذا خطب، ولا يشفّع إذا شفع، ولا يصدّق إذا حدَّث ولا يؤتمن على أمانة"1.
 
6- وللخمر والمخدّرات أضرار صحيّة من الإصابة بالأمراض الخطيرة، وبما يؤدّي إلى تشوّه المواليد.
 
7- ولهما كذلك أضرار اقتصاديّة إذ تنتشر جرائم السرقة وتضعف من القدرة الإنتاجيّة للمدمنين، وأيضاً فإنّها سبب في ذهاب بركة الأموال وتعريض النعم للزوال.
 
خاتمة:
إنّ على المجتمع مواجهة هذه الآفّة يحسن تربية الأبناء والسهر على حمايتهم منها وتحذيرهم من المخدّرات والخمر، ومن صحبة السوء.
 
ولا بدّ من الإشارة أخيراً إلى أنّ المشكلة العظمى هي في من يروّج أمثال هذه السموم القاتلة للأفراد وللمجتمعات, فالبعض ليبني ثروة وبسرعة يعمد إلى مثل هذه التجارة فيسمم مجتمعاً بأكمله ليجمع ثروة ويتنعّم بها في الدنيا، وليعلم هؤلاء أنّ أموالهم كلّها سحت أي حرام وعلى المجتمع كما علّمنا رسول الله أن يقاطع هؤلاء المروّجين، ويسقطهم اجتماعيّاً ولو ملكوا الدّنيا, وهذا أقلّ الإيمان.

1- فروع الكافي، ج6، ص396.
 
115
 

98

المحاضرة الأولى

 لا تركنوا إلى ظالم
 
الهدف:
بيان معنى الركون للظالمين وأسباب تحريمه وعاقبته.
 
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)1

1- سورة هود، الآية 113
 
119
 

99

المحاضرة الأولى

 مقدّمة:
إنّما يتمّ امتحان النّفوس لتتمايز الحرّة منها والأبيّة من الخانعة والخاضعة عندما ينتشر الظلم ويعمّ الفساد ويتجبّر الحكّام ويشتدّ طغيانهم، فحينها نجد أقواماً يتلاشون ويذوبون في آلة الظلم أعواناً وأدوات ونجد آخرين ينزحون من طريق الظالم فلا يعود أمامه معوّقات, فيما نجد آخرين يثبتون على المبادئ غير عابئين بالضّرر والأذى والمعاناة التي تلحق بهم، ويحتسبون كلّ ذلك عند الله متمثلين قوله تعالى: ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾1.
 
محاور الموضوع
حرمة الركون إلى الظالمين:
ثمّة آية معروفة في كتاب الله تتحدّث عن صفة من صفات أهل الإيمان وخلّة من خللهم والتي تشكّل علامة فارقة لهم عن غيرهم, ألا وهي الثبات على الحقّ وعدم ممالأة الظالم أو الركون إليه, وهي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ 

1- سورة إبراهيم، الآية 12.
 
120
 

100

المحاضرة الأولى

 وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾1.
 
يرى أهل التفسير أنّ المراد بالركون هو السكون إلى الشيء... والذي منه الرضا بما عليه الظلمة من ظلم واضطهاد، وربّما تشير إلى أنّ هؤلاء ربّما يقومون بتزيين عمل الظالمين وتسويغ مواقفهم وترويج سياساتهم، وأيضاً يشاركون الظالمين في إدارة رحى ظلمهم على النّاس, وربّما يراد كذلك أنّ هؤلاء يقومون بمداهنة الظالمين قولاً وفعلاً فلا ينكرون عليهم ظلمهم ليصبحوا عمليّاً من المشاركين في ظلمهم إذا ما تحقّق فهم الرضا بفعل الظالمين.
 
فالآية آتية للتحذير من ذلك كلّه، بل جاءت لتحرّم أدنى أنواع الميل للظالمين ولو كان بالشيء القليل اليسير فالإسلام يريد أن يحمل المسلم والمؤمن في شخصيّته روح الإباء للظلم والرفض للطغيان. فالمطلوب دائماً من المؤمنين الوقوف مع المظلوم بوجه الظالم دفاعاً عن حقوقه, والمطلوب مقاومة الظالم والإنكار عليه والثورة على ظلمه لا الموافقة له وتكثير الجمع حوله وإضعاف حالات المعارضة له من خلال خذلان الحقّ والتخذيل عنه.
 
لماذا يحرم الركون للظالم:
إنّ للركون للظالم مفاسد كثيرة غير خافية على ذي لبّ، فهي تؤدّي إلى انقلاب المفاهيم والقيم بحيث يصبح القبيح جميلاً 

1- سورة هود، الآية 113
 
121
 

101

المحاضرة الأولى

 والجميل قبيحاً، وكذلك تغري الظالم بالمزيد من الظلم وتيسّر له اندفاعته في هتك الحرمات ودوس الكرامات فالإقرار للظالم بشرعيّة ظلمه وبحقّه في الحكم يغريه بالزيادة, إضافة إلى إشاعة حالات الجبن والقعود والتخاذل, فضلاً عن إيجاب سوء ظنّ النّاس بالدّين وبمبادئه وقيمه, ولعلّه لذلك جاءت عبارات الإمام الحسين عليه السلام: "... ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة, معلن بالفسق, ومثلي لا يبايع مثله"1 ولذا كان بنظر الحسين عليه السلام النهوض بوجه الظالم جهاداً ولو أدّى إلى الشهادة.
 
عاقبة الركون للظالمين:
لأنّ الركون للظالمين على هذا المستوى من الخطر الذي يؤدّي إلى المسخ الثقافيّ والقيميّ لمجتمع المؤمنين ولأفراد هذا المجتمع فضلاً عن كونه مخالفة صريحة لما جاء من نهي الله عنه، فإنّ ما رتبه الله المتعالي على ارتكانه هو العذاب والعذاب في النّار بقوله: ﴿فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾.
 
حيث إنّ المرتكب لهذا الأمر قد خالف صريح أوامر الله ونواهيه, فبدل محاربة الظالم ونصرة المظلوم، تراه شارك في ظلم الظالم وأعانه على ظلمه.
 
وربّما أشار بعض المفسّرين إلى أنّه من عواقب الركون إلى

1- بحار الأنوار, ج 44 ص 325.
 
122
 

102

المحاضرة الأولى

 الظالمين، أنّ من يركن إليهم قد لا يسلم من ظلمهم وسياط بطشهم، فما المانع حينها أن يتعدّى الظالم بظلمه إلى من ركنوا إليه واستقووا به وزيّنوا له ظلمه وأَغرَوه بالمزيد، وخذلوا النّاس عن الوثوب للثورة عليه؟
 
فنار ظلم الظالم إذا ما اشتدّ أوارها لا يُضمن ألّا تتعدّى إلى جوارها وأوائل المحترقين بنيران الظالمين أولئك المزينين للظالم ظلمه المروّجين لسياساته والضاربين ظهور المستضعفين بسياط جبروته. بل إنّ مجرّد الرضا بفعل الظالم تجعلنا شركاء في ظلمه وبالتالي شركاء في عقوبته.
 
خاتمة:
كما جاء في الحديث الشريف: "الراضي بفعل قوم كالدّاخل فيه معهم"1.
 
لقد ضرب الإمام الحسين  عليه السلام نموذج التعاطي مع الحاكم الظالم ونموذج التعاطي مع استغاثات المظلومين، فأجاب أهل العراق وبالخصوص أهل الكوفة الذين استنصروه على طاغية عصرهم، فحمل أهله وخيرة أصحابه وهب مجيباً استغاثاتهم عازماً على العمل على النهوض ليغير على الحاكم الظالم حتّى لا يكون من الداخلين. 

1- نهج البلاغة, الموعظة رقم 154.
 
123
 

103

المحاضرة الأولى

 مداخل الظالمين:
كما جاء في الرواية عن الإمام الحسين  عليه السلام عن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من رأى سلطانا جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل  في عباد الله بالإثم والعدوان, ثمّ لم يغيِّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله"1

1- بحار الأنوار, ج 44 ص 382.
 
124
 

104

المحاضرة الثانية

 أكل الحرام
 
الهدف:
بيان آثار أكل الحرام والحثّ على ضرورة اجتنابه.
 
تصدير الموضوع:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "بئس الطعام الحرام"1.

1- نهج البلاغة الوصيّة رقم 31, من وصيته لولده الإمام الحسن عليهما السلام.
 
125
 

105

المحاضرة الثانية

 مقدّمة:
إنّ المراقب لتصرّفات النّاس وأساليب حياتهم يستطيع ببساطة أن يلحظ تلك الغفلة التي يغرق فيها أغلبهم عن حقيقة عظيمة من حقائق وجودهم, وهي تكوّنهم من روح ونفس إضافة إلى الجسد, فتراهم يستغرقون في البعد الماديّ لوجودهم ألا وهو الجسد فيحرصون عليه, وهو الفاني, فيما يلقون أرواحهم خلف جدران سميكة من الإهمال والنسيان كإخوة يوسف ألقوا ذلك البعد الملكوتيّ في غيابة جبّ الجسد والمادّة.
 
فكم يعمدون, كما في هذه الأيّام, إلى نيل شهوات ولذائذ جسديّة حيوانيّة ويعملون على حماية الجسد وحفظه وتجميله فيلجأون إلى الأطبّاء لمجرّد الشكّ في طروء المرض أو الضعف على أجسادهم، وبالخلاصة فغالب أناس هذا الزمن يبتعدون غالباً عن كلّ ما يحتمل أن يؤذي الجسد أو يضرّ بنظافته أو جماله ويمارسون لأجل ذلك أنواعاً مرهقة ومجهدة من الحمية والتمارين الرياضيّة إضافة إلى بذل الأثمان الباهظة لقاء الحصول على مساحيق التجميل.
 
لكن هل فكّرنا يوماً بما يشوّه جمال أرواحنا، ويضعف النفوس، ويمرضها؟! هل سألنا ما هي الأمور التي إن تعاطيناها أدّت إلى مرض النّفوس والقلوب ولوّثتها؟
 
 
126

106

المحاضرة الثانية

 نعم هناك أمور كثيرة تسقم القلوب، وتمرض النّفوس وتلوّثها وتضعفها, ومن أهمّ ذلك أكل المال الحرام.
 
محاور الموضوع
تأثير أكل الحرام:
قبل الكلام في تأثير أكل المال الحرام على الروح والنفس, لا بدّ من الإشارة إلى أنّ أكل الحرام يشمل كلّ طعام حرّم الله تعالى علينا أن ندخله إلى بطوننا, فتارة يكون بنفسه محرّماً كالميتة والخنزير والشراب المسكر كالخمر وغيرها, وأخرى لعروض أمر على ما هو حلال بأصله لكن بسبب اتّصافه بوصف ما كالمتنجس قبل تطهيره، أو تحصيله بطريقة غير شرعيّة حيث يتّصف بكونه مغصوباً، ليصدق عليه عنوان أكل مال النّاس بغير حقّ.
 
وأمّا عن تأثيره في الإنسان فقد جاء عن الإمام عليّ  عليه السلام: "بئس الطعام الحرام" فمن آثار أكل الحرام:
1- مرض القلوب وقسوتها:
ومنه نستفيد أنّ أسوأ ما يمكن أن يأكله الإنسان هو الحرام من الطعام, ويمكن لنا القول: إنّه كما يؤثّر في الجسد أكل الطعام الفاسد فيؤدّي إلى التسمّم وأعراضه من ارتفاع الحرارة والغثيان, كذلك أكل الحرام يؤثّر في النّفس والروح والقلب فيؤدّي إلى
 
 
127

107

المحاضرة الثانية

 مرض القلب وتراكم الرّين عليه بما يضعف بصيرته لكونه مصداقاً لقوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾1.
 
وقد يؤدّي إلى قساوة القلب فلا يعود الإنسان صاحب القلب القاسي يتأثّر بالموعظة والهداية ويفقد صفة الرحمة خصوصاً مع إدمان أكل الحرام.
 
2- إصابة الذرّيّة:
بل إنّ مؤثّريّة أكل المال الحرام لا تقتصر على الشخص الآكل للحرام بل تمتدّ لتصيب الذرّيّة, فعن الإمام الصادق  عليه السلام: "كسب الحرام يبين في الذرّيّة"2.
 
3- أكل الحرام أكل للنّار:
ولأكل مال الحرام صورة ملكوتيّة أو على الأقلّ برزخيّة إذ إنّ الإنسان الذي يأكل المال الحرام في نفس الوقت وفي الواقع يأكل ناراً إلّا أنّه لا يشعر بها نتيجة انغماسه في الدّنيا ولذائذها وغفلته عن الآخرة وحقائقها, فعن أبي عبد الله  عليه السلام: "من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه إليه أكل جذوة من النّار يوم القيامة"3.
 
وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾4.

1- سورة المطفّفين، الآية 14.
2- الكافي, ج 5, ص 125.
3- الكافي, ج 2, ص 333.
4- سورة النساء، الآية 10.
 
128
 

108

المحاضرة الثانية

 4- لا بركة فيه ولا أجر على إنفاقه:
إنّ من آثار الطعام إنبات اللحم وتقوية الجسم وغير ذلك فعندما يكون ذلك على الحرام فمعنى ذلك أنّ لإبليس وجنوده حصّة في أجسادنا وممرّاً إلى نفوسنا, وهذا يؤدّي إلى سطوته علينا وسهولة استدراجه لنا إلى حبائله ومكائده فسيدرجنا من حرام إلى حرام، وهذا معنى كونه غير مبارك, قال أبو الحسن  عليه السلام لأحد أصحابه: "يا داود, إنّ الحرام وإن نما لم يبارك له وفيه, وما أنفقه لم يؤجر عليه, وما خلّفه كان زاده إلى النّار"1 فضلاً عن كونه ما دام في جسده ومعه وعنده موجباً للعن الله والملائكة ككلّ مغصوب.
 
5- عدم التوفيق للطاعات والمكرمات:
فيما روي أنّ من صفات المحتشدين في مواجهة الإمام الحسين  عليه السلام مع جيش ابن سعد وفي الذين تخلّفوا كذلك عن نصرته أنّهم مُلئت بطونهم حراماً.
 
وهذا كافٍ لنعرف أنّ أكل المال الحرام قد يمنع الإنسان من نصرة الحقّ بل خذلانه وربّما نصرة الباطل والكون في زمرة قتلة أبناء الأنبياء عليهم السلام.

1- الكافي, ج 5, ص 125.
 
129
 

109

المحاضرة الثانية

 خاتمة:
قال الله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾1 هذه الآية آتية لتؤكّد ما قلناه من أنّ الإنسان الذي يجمع ماله من حرام ولو فعل أفعال البرّ فحجّ وزار وصام وصلّى وتصدّق فإنّ عمله سيكون هباءً منثوراً لن يجده شيئاً, والأسوأ من ذلك أنّه قد يكون أطعم من ماله وسقى وأسكن وألبس منه وأنفقه على زوجته وأبنائه، فعندما ينكشف لهم يوم القيامة أنّ مسكنهم كان من حرام ومأكلهم من حرام ومشربهم من حرام وملبسهم من حرام سيصبحون ألدّ أعداء هذا الرجل وسيكونون ناقمين عليه وسيكونون من الشاكين منه وعليه, ويطلبون من الله أن يزيد في عذابه, والأشدّ من ذلك أن يرث ماله من يحسن إلى أهل الفاقة وينفقه في وجوه الطاعة والبرّ فيدخل الجاني للمال النّار بسببه, ويدخل الوارث الجنّة بسبب إنفاقه في البرّ والإحسان ويا لها حينها من حسرة.

1- سورة الفرقان، الآية 23.
 
130
 

110

المحاضرة الثالثة

 أسباب إدبار القلوب وفتورها
 
الهدف:
بيان خطورة فتور القلب عن العبادة وإدباره عنها وأسباب ذلك مع التوجيه إلى ضرورة المعالجة.
 
تصدير الموضوع:
عن الإمام الصادق  عليه السلام: "إنّ القلب يحيا ويموت، فإذا حيي فأدّبه بالتطوّع, وإذا مات فاقصره على الفرائض"1.

1- بحار الأنوار، ج75، ص 278.
 
131
 

111

المحاضرة الثالثة

 مقدّمة: جفاف روحيّ:
عندما ننظر إلى أنفسنا وإلى النّاس من حولنا، أو نطالع في سير النّاس الماضين نجد أنّ الكثيرين منّا قد مرّ عمر مديد على بدء تكليفه من عشرين أو ثلاثين أو أربعين أو حتّى أكثر من ذلك, صحيح أنّه لم يترك فرضاً من صلاة إلّا أدّاه ولا ترك يوماً من صيام شهر رمضان وحجّ واعتمر، ولا يخلو منه مجلس دعاء، أضف إلى حضور مجالس العزاء وأداء الحقوق الماليّة، والتردّد إلى المساجد, لكن مع ذلك لا يشعر بالطمأنينة والسكون، ولا يلتذّ بعبادة كأنّ ما يؤدّيه حركات رياضيّة وتمتمات لا يجد أثرها في نفسه ويشعر بلذّتها كأنّما قالها غيره ولغيره.
 
وقد قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾1.

1- سورة الرعد، الآية 28.
 
132
 

112

المحاضرة الثالثة

 إذاً فثمّة مشكلة تتلخّص بعدم انفعال القلوب بالعبادة، فماء العبادة ومطر الذكر لا يصل إلى أرض القلب لتنبت سكينة وطمأنينة ورقّة... فمعرفة وخشوعاً وخضوعاً. هناك جفاف في الروح والقلب بل شيء أشبه بالتصحّر ومكان المرض هو القلب الذي هو المعنيّ الأوّل بتلقّي الذكر وعيش آثاره وإذا ما أصاب المرض باقي القوى فبسبب مرض القلب.
 
فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "القلب ملك وله جنود, فإذا صلح الملك صلحت جنوده وإذا فسد الملك فسدت جنوده"1.
 
وهذه الحال قد لا تكون دائمة عند بعض النّاس وإنّما قد تحصل مرّة بعد أخرى وهذا ما تسمّيه الروايات حالات إدبار القلب, ففي الرواية عن النبيّ الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً, فإذا أقبلت فتنفّلوا وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة"2.
 
أسباب إدبار القلوب:
ثمّة أسباب كثيرة لإدبار القلوب تجعلها غير لائقة لطيّ مسافات البعد عن الله تعالى، ورفع موانع تلقّي أنوار إشراقه عليها, وهي المفطورة على معرفته ومحبّته بل إنّ حياتها الحقيقيّة هي به ومعه وبحبّه كما عبّر الإمام السجّاد تعيش حياتها الحقيقيّة: "إلهي بحبّك عاش قلبي...".
 
فمن هذه الأسباب لإدبار القلوب:
1- التوجّه إلى لذائذ الدّنيا:
أي التعلّق بالدّنيا ولذّات البدن، فإنّ ذائقة النّفس إن هيمن عليها البعد الحيوانيّ تصبح ذائقة حيوانيّة وتمنع من اللذائذ الروحانيّة والمعنويّة.

1- ميزان الحكمة، ج 3, 260.
2- الكافي، ج1، ص454.
 
133
 

113

المحاضرة الثالثة

 وهذا ما جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "لا يجد الرجل حلاوة الإيمان في قلبه حتّى لا يبالي من أكل الدّنيا، ثمّ قال: حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدّنيا"1.
 
فعندما تكون ذائقة الجسد هي الفعّالة فإنّ ذائقة القلب تصاب بالضعف وقد تصل إلى حدّ الضمور، ولذا فعلينا أن نعالج ذلك بالزهد والجوع أي الصوم مع مجاهدة النّفس لإيقاظ الذائقة المعنويّة.
 
2- اتباع الهوى:
ويكفي دلالة على ذلك ما في الرواية عن الإمام أبي جعفر  عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقول الله عزَّ وجلَّ: وعزّتي وجلالي وكبريائي ونوري وعلوّي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواه على هواي إلّا شتّت عليه أمره ولبست عليه دنياه، وشغلت قلبه بها ولم آتِهِ منها إلّا ما قدّرت له, وعزّتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوّي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلّا استحفظته ملائكتي وكفّلت السماوات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر وأتته الدّنيا وهي راغمة"2.

1- شرح أصول الكافي (الشيرازي)، ج1، ص412.
2- وسائل الشيعة، ج15، ص 279.
 
134
 

114

المحاضرة الثالثة

 3- إرهاق النّفس بالعبادة مع عدم إقبالها:
وهذا ما يؤدّي إلى أن تكره النّفس العبادة، وتملَّ منها وتكسل عن أدائها نتيجة إنهاك الإنسان لهذه النّفس بالعبادة بما يفوق طاقتها, وقد حذّرنا من ذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته فقد ورد عن أبي جعفر عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ هذا الدّين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى"1.
 
وقد علّمنا الإمام الرضا عليه السلام كيف نتعامل مع تفاوت حالات القلب فقال عليه السلام: "إنّ للقلوب إقبالاً إدباراً ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا أدبرت كلّت وملّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها"2.
 
4- ضعف الإيمان بالغيب:
ونقصد به الله تعالى والجنّة والنّار وغير ذلك، إذ عندما يكون المرء متزلزل الإيمان ضعيف اليقين متردّداً في الشكّ ملوّثاً بالشبهات، لا يركن إلى وعد إلهيّ ولا إلى وعيد فهذا القلب سيكون سقيماً, وشرط انفعال القلب بالعبادة السلامة, وقد

1- الكافي، ج2، ص 86.
2- مستدرك الوسائل، ج2، ص55.
 
135
 

115

المحاضرة الثالثة

 سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما القلب السليم, قال صلى الله عليه وآله وسلم: "دين بلا شكّ وهو عمل بلا سمعة ورياء"1.
 
وقال سبطه المجتبى  عليه السلام: "أسلم القلوب ما طهر من الشبهات"2.
 
5- الغفلة:
إنّ شرط تأثّر الإنسان هو انتباهه ويقظته، فلو كان في سبات الغفلة أو سكر النعمة أو الجاه والسلطة أو غير ذلك فإنّه أشبه بميّت في قبر حتّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يؤذن له بإيقاظه وهدايته: ﴿وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾3.
 
ومن لا يسمع أولى أن لا يتفكّر فيهم فيتأثّر, عن أبي جعفر عليه السلام: "إيّاك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب"4.
 
خاتمة: لا تؤدِّ العبادة كأنّها عادة:
من الأمور التي تفقد البعد المعنويّ للعبادة، وتجعل سهامها تطيش عن مقصدها وهي القلوب، أن يحوّل الإنسان العبادة إلى طقس فارغ من معانيه، يؤدّيه لعادة اعتادها لو تركها لاستوحش وحتّى لا نصاب بذلك علينا اتّباع جملة من الأمور منها:

1- مستدرك الوسائل، ج1, ص 113.
2- بحار الأنوار, ج 75, ص 109.
3- سورة فاطر, الآية 22.
4- وسائل الشيعة، ج4، ص74.
 
136

116

المحاضرة الثالثة

 1- إدامة التفكّر في العبادة وأبعادها ومعانيها ومعاني أفعالها وأقوالها فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذرّ ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة والقلب ساه"1.
 
2- عدم إشباع النّفس من العبادة، خصوصاً الحجّ والزيارة فعلى الإنسان أن يُبقي شيئاً من حالة عدم إشباع هذه الحاجة ليبقى شيء من الشوق بحيث يشكّل هذا الشوق دافعاً يتراكم في النّفس للعودة والإقبال على الطاعة.
 
اللهمّ وفّقنا لمراضيك وجنّبنا عن معاصيك.

1- بحار الأنوار, ج 74, ص 82.
 
137
 

117

المحاضرة الأولى

 بناء البصيرة
 
 
الهدف:
سِمَة أصحاب الحسين عليه السلام وأنّهم أصحاب البصائر، والإضاءة على أهمّيّة البصيرة ومعناها وكيفيّة بنائها.
 
تصدير الموضوع:
حدّثنا أمير المؤمنين عن البصير من النّاس فقال: "فإنّما البصير من سمع فتفكّر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر، ثمّ سلك جدداً واضحاً يتجنّب فيه الصرعة في المهاوي"1

1- نهج البلاغة, الخطبة رقم 153.
 
141
 

118

المحاضرة الأولى

 مقدّمة: أصحاب الحسين أصحاب البصائر:
ولقد شهد بذلك لهم أحد قادة جيش ابن سعد وابن زياد وهو من ألدّ أعداء الحسين عليه السلام وأصحابه ألا وهو عمرو بن الحجّاج الزبيديّ حيث خاطب أصحابه قائلاً: أتدرون من تقاتلون؟! تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين، لا يبرز لهم أحد منكم إلّا قتلوه على قلّتهم1. فمن خصائص أصحاب الحسين  عليه السلام أنّهم أصحاب بصائر.
 
وقد أشار عدوّهم إلى أثر ذلك بأنّهم لا يهزمون بسرعة, بل يقاتلون حتّى الشهادة, وقد أورثهم ذلك عزماً وقوّة بحيث لا يبرز إليهم أحد إلّا قتلوه!
 
وتجلّى ذلك كذلك في سقوط هيبة العدوّ وعدده وعدّته في أعينهم, فلم يعد مؤثّراً في عزائمهم وعلوّ هممهم.
 
وكذلك هان الموت عليهم في سبيل المبدأ والقضيّة التي يقاتلون لأجلها, لدرجة أنّ أحدهم وهو عابس بن شبيب الشاكريّ يلقي درعه ومخفره لعلّ القوم يقدمون على منازلته بعد أن أحجموا عن ذلك غير عابئ بسهام الأعداء ولا بحجارتهم ليستشهد بعدها بما أصابه منها.

1- بحار الأنوار, ج 45, ص 19.
 
142
 

119

المحاضرة الأولى

 ما معنى البصيرة؟
البصيرة هي قوّة عند الإنسان توجد نوعاً من الرؤية الواضحة للأمور حسنها وقبيحها جيّدها ورديئها صحيحها وسقيمها، وهي نظرة تنكشف بها للمتبصّر عواقب الأمور فيرى ما وراء الأعمال نتيجة إعمال الفكر فيصبح على يقين منها كمن يعاينها، فإذاً البصيرة هي قدرة على الرؤية الصحيحة التي يساعد في تشكلّها العقل والتجربة والتربية والعلم والثقافة والتي يصطلح على تسميتها في هذا الزمن بالوعي.
 
فالذي يفقد البصيرة كالذي يفقد البصر، لأنّ من يفقد البصيرة يقع في ضعف بل الخطأ في تشخيص الأمور، ولذا يخدعه الخادعون ويدلّس عليه المدلّسون، ويوقعه في الشبهات المشبِّهون, فإذا كان فاقد البصر أعمى العين، فإنّ فاقد البصيرة أعمى القلب، وماذا ينفع البصر مع عمى البصائر, قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾1.
 
كيف تُبنى البصيرة؟
هناك عدّة عوامل تسهم في بناء بصيرة الإنسان وتساهم كذلك في زيادة قوّتها وفعاليتها, ومنها:

1- سورة الحجّ، الآية 46.
 
143
 

120

المحاضرة الأولى

1- قوّة العقل:
وهذا يحصل أوّلاً وبالذّات بالتعلّم والاستفادة من التجارب، والحجج والبيّنات لإجراء عمليّة التفكّر بالاستفادة من العلم والتجربة. والحقيقة أنّ ما يقوّي العقل هو إدامة التفكّر والتأنّي والتدبّر قبل أيّ عمل وبعده, أمّا قبله لمعرفة عواقبه وإمّا بعده لحفظ التجربة ووعيها للاستفادة منها في المستقبل كتغذية راجعة للعقل والفكر.
 
ولذا جاء عن الاستفادة من التجربة: "المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين"1.
 
2- التفقّه في الدّين:
عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم  عليه السلام: "تفقهوا في دين الله، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة والسبب إلى المنازل الرفيعة، والرتب الجليلة في الدّين والدّنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرض الله له عملاً"2.
 
والتفقّه في الدّين معناه معرفة العقائد الحقّة وأدلّتها التي تورث اليقين إضافة إلى تعلّم الأحكام الشرعيّة. فإنّ ذلك يوسّع آفاق الإنسان ويقوّي عقله بقوّة يقينه.

1- بحار الأنوار, ج 19, ص 346.
2- بحار الأنوار, ج 75, ص 321.
 
144
 
 

121

المحاضرة الأولى

 3- المعرفة بالزمان وأهله:
لا شكّ أنّ جهل الإنسان بأخلاق وطبائع وعادات وأعراف أهل زمان ما ومكان ما قد يكون سبباً في انخداع الإنسان، أو تشوّش الصورة عنده، والتباس الأمور عليه, بينما معرفة الإنسان بالنّاس وعاداتهم وثقافاتهم وحتّى مفردات تخاطبهم وأفكارهم ومذاهبهم الفكريّة والسياسيّة والعقائديّة وغير ذلك يحميه من الانخداع, وفي الحديث عن الصادق عليه السلام: "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"1.
 
فاللوابس يقصد بها الأمور المبهمة والملتبسة التي تحصل نتيجة عدم وضوح الرؤية وغياب القدرة على التشخيص، فإذا علم الإنسان بطبيعة الزمان وأهله، أي بالعصر ولغته وثقافته وإيقاعه اتّضحت الرؤية وزال ما يشوب المشهد من ضباب، وانجلت أمام العقل والفكر الصورة.
 
4- تعويد النّفس على التعامل مع الأدلّة والبراهين:
ذلك أنّ أصحاب البصائر يفترض أن يكونوا أصحاب عقول لا يحكمون إلّا عن دليل ولا يتحرّكون إلّا عن وعي وفهم, ولذا لا يسلّمون ولا يقبلون بكلّ مقولة إلّا بعد الدليل والبرهان, ولذا اشتهر على ألسنة علماء الشيعة وفي مدوّناتهم القول: "نحن أتباع الدليل كيف ما مال نميل".

1- الكافي, ج 1, ص 27.
 
146
 

122

المحاضرة الأولى

 5- عدم الانخداع ببريق الأسماء ورنين البيان:
على الإنسان لكي يكتسب البصيرة أن لا يؤخذ بأسماء القائلين ولا بسحر البيان وخصوصاً أساليب الترويج الذي يعتمده الإعلام المضلّل في هذا الزمان. وكلّ ذلك يمكن استفادته ممّا روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لا يعرف الحقّ بالرّجال, اعرف الحقّ تعرف أهله"1.
 
6- تقوية الصلة بالله تعالى:
إذ إنّ الله تعالى هو مصدر كلّ النّعم ظاهرها وباطنها، صغيرها وجليلها والذي يقوّي صلته به تعالى ويوثّقها يعني أنّه اقترب من مصدر كلّ خير وكلّ نعمة، وممّا لا شكّ فيه ولا ريب أنّ من كان قريباً منه تعالى يفيض الله عليه من بركاته، وليس أفضل من البصيرة معيناً للإنسان في دنياه وفي آخرته، فإنّ الإنسان في الدّنيا بالبصر وفي الآخرة وأمورها بالبصيرة.
 
ومن جملة تقوية الصلة بالله تعالى, كلّ ألوان العبادة, والدعاء, والمناجاة, والحكيم هو من قرن بين تقوية الصلة به تعالى وطلب أن يكون الأثر هو البصيرة في العبادة وفي غيرها, وهذا ما علّمنا إيّاه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام إذ إنّه كان 

1- بحار الأنوار, ج 40, ص 126.
 
147
 

123

المحاضرة الأولى

 من دعائه: "اللهمّ وثبّت في طاعتك نيّتي، وأحكم في عبادتك بصيرتي"1.
 
خاتمة: البصيرة ضمان حسن العاقبة:
ذلك أنّ البصيرة ترشد صاحبها إلى أن يسعى ليختم عمره بأفضل طريقة وأسلوب لتسلم له الآخرة بعد أن ترشده البصيرة إلى السلامة من الدّنيا وهذا بعينه حسن العاقبة.
 
فما أشقى الإنسان الذي يعيش عمره وهو لا يبالي على أي جهة يكون وجهه حين مغادرته لهذه الحياة وإلى أي جهة يساق, وقد حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال: "لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة، لا يتيقّن الوصول إلى رضوان الله حتّى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له"2.
 
فالبصيرة ضمان أن لا تزلّ قدم الإنسان إلى ما يوجب سوء الخاتمة والعاقبة.

1- الصحيفة السجّاديّة, دعاء التوبة, رقم 31.
2- مستدرك سفينة البحار، ج7، ص297.
 
148
 

124

المحاضرة الثانية

 المنجيات من النّار
 
 
الهدف:
الحثّ على معرفة الله وتوحيده وطاعته وطلب العلم به تعالى مع العمل الصالح.
 
تصدير الموضوع:
﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾1.

1- سورة آل عمران، الآية 185.
 
149
 

125

المحاضرة الثانية

 مقدّمة: النجاة من النّار هي الفوز:
قال تعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾1.
 
إنّ هذه الآية تصرّح بأنّ الفوز في العرف القرآنيّ، والنهج الربّانيّ مؤلّف من ركنين, الأوّل: هو النجاة من النّار، وتمامه بالركن الثاني وهو: دخول الجنّة, ولعلّ تقديم الزحزحة عن النّار في الذكر ذلك لأنّ العقلاء رسموا قاعدة ألا وهي أنّ دفع المضرّة أو المفسدة أولى من جلب المنفعة، والعقل يقول كذلك إنّ على الإنسان أن يعمل على الخلاص من الخطر والشرّ قبل أن يعمل على الحصول على الخير وما فيه النعمة والمفسدة، فأيّ نعمة حتّى لو كانت كدخول الجنّة والخلود فيها تنغصّها بلا شكّ ضرورة المكوث في العذاب، عذاب النّار. وحقّ أن يقول قائل: إنّ هكذا دخول الجنّة بعد العذاب في النّار لا يكون فوزاً، وهذا ما أتت الآية لتقوله وهو أنّ دخول الجنّة ما لم يقرن بالنجاة من النّار ليس بفوز وإنّما الفوز هو الزحزحة عن النّار والنجاة من لهيبها ودخول الجنّة.
 
ومن يطيق يا ترى عذاب جهنّم التي هي محلّ تجلّي غضب الله الذي لا تقوم له السماوات والأرض فكيف بعبد ضعيف ذي جلد رقيق وعظم دقيق؟!

1- سورة آل عمران، الآية 185.
 
150
 

126

المحاضرة الثانية

 محاور الموضوع
كيف ننجو من النّار؟
إنَّ عذاب النّار إنّما كان للخارجين عن سكّة العبوديّة والتوحيد لله تعالى, هذه العبوديّة أو الطاعة وهذا التوحيد الذي من تجلّياته الطاعة والعبوديّة له تعالى, ويتجلّى التوحيد عبوديّة وطاعة صادقة في شتّى نشآت النّفس وقواها, من القلب إلى العقل، إلى الجسد، ومن العاطفة إلى السلوك والمعاملة, فقد قال تعالى عن النّار: ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾1.
 
أي تتسلّط بالعذاب المناسب على محلّ الجحود والشرك والمعصية من الأفئدة إلى الجوارح، وعليه فلتكون لنا نجاة من النّار علينا أن نكون موحّدين حيث آلات التوحيد وطائعين بآلات الطاعة.
 
ولنذكر بناءً عليه المنجيات من النّار:
1- الاعتقاد بالله وتوحيده:
بمعنى تثبيت الاعتقاد بألوهيّة الله تعالى ووحدانيّته حتّى لا تزلزله رياح الشكوك وفتن المفتنين، لأنّ من الإيمان ما هو مستقرّ ومنه ما هو مستودع كما جاء عن الإمام عليّ عليه السلام: "فمن 

1- سورة الهمزة، الآيتان 6 - 7.
 
151
 

127

المحاضرة الثانية

 الإيمان: ما يكون ثابتاً مستقرّاً في القلوب ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور"1.
 
وإذا أردنا تثبيت هذا التوحيد علينا أن نغذّي إيماننا بتحصيل العلم به ليترسّخ اليقين به تعالى وبوحدانيّته وسموّ ذاته وعلوّ مقامه وليكتمل توحيدنا وإيماننا بألوهيّة الله ووحدانيّته لا بدّ من ظهوره على آلة إظهاره والجارحة المعبّرة عن العقل والقلب.
 
وقد جمعها أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل بسؤال أقرب إلى الإقرار منه إلى الإنكار حيث جاء عنه  عليه السلام في الدعاء الذي علّمه كميل بن زياد: "وليت شعري يا سيّدي وإلهي ومولاي أتسلّط النّار ... وعلى ألسن نطقت بتوحيدك صادقة، وبشكرك مادحة وعلى قلوب اعترفت بإلهيتك محقّقة، وعلى ضمائر حوت من العلم به حتّى صارت خاشعة...".
 
فصدق الألسن بكلمة التوحيد تابع ليقين القلوب بالألوهيّة عن تحقق, ويرسخ ذلك في أعماق النفس طلب العلم به تعالى بما يؤدّي إلى معرفة تنعكس خضوعاً وخشوعاً له تعالى.
 
2- العمل الصالح:
لا نحتاج كثيراً لنؤكّد على ضرورة اقتران الإيمان القلبيّ بالعمل الجوارحيّ, وقد غدا سمة من سمات الخطاب القرآنيّ, 

1- نهج البلاغة، الخطبة 189.
 
152
 

128

المحاضرة الثانية

 وكم تكرّرت عبارة ﴿الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ وأمثالها وما في معناها في القرآن الكريم.
 
ولذا أكمل أمير المؤمنين تساؤله وليس فقط سؤاله في دعاء كميل إذ قال: "... وعلى جوارح سعت إلى أوطان تعبّدك طائعة".
 
ولذا كان في عرف أمير المؤمنين للعلم مراتب ودرجات أدناه درجة الذي لم يجاوز اللسان, وأرفعه الذي يتجلّى طاعة على الجوارح ويقيناً في الجوانح فعنه  عليه السلام: "أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان"1.
 
3- الاستغفار والتوبة:
ويكفي في ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن وجد في صحيفة عمله يوم القيامة تحت كلّ ذنب استغفر الله"2.
 
وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"3.
 
4- العبادة لله تعالى:
فالعبادة خصوصاً الصلاة سبب في غفران الذنوب وموجبة لرضا الرحمن كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾4 ورد أنّها الصلاة إلى الصلاة فإنّه يغفر ما بينهما.

1- نهج البلاغة، ج4، الحكمة 92، ص20.
2- مكارم الأخلاق، للطبرسيّ، ص313.
3- الكافي, ج 2 ص 435.
4- سورة هود، الآية 114.
 
153
 

129

المحاضرة الثانية

 ومن العبادة السجود لله تعالى وهي أقرب حالات العبوديّة له تعالى, ولذا نجد أمير المؤمنين عبّر عن هذا الأمر المنجي بدعاء كميل قائلاً: "... أتسلّط النّار على وجوه خرّت لعظمتك ساجدة..."
 
لكنّ السجود المنجي في هذه الفقرة هو السجود الناجم عن الشعور بالعظمة الإلهيّة، سجود المتوجّه بذلّه إلى عزِّ المولى وعظمته, وليعمل على مصاحبة ذلك من المنجيات البكاء من خشية الله حيث الدمعة منه تطفي بحاراً من النيران.
 
5- حسن الظنّ بالله تعالى:
فالله تعالى عند حسن ظنّ عبده به إن أحسن الظنّ بالله تعالى بمعنى أن يكون بحسب علمه به تعالى ويقينه بجماله وامتلاء الوجود وشتّى النشآت برحمته متوقّعاً لتجاوزه عن سيّئاته وغفران ذنوبه وذلك لكرم الله تعالى وسعة رحمته.
 
رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام:
"يؤتى بعبد يوم القيامة ظالم لنفسه فيقول الله: ألم آمرك بطاعتي؟ ألم أنهك عن معصيتي؟ فيقول: بلى يا رب، ولكن غلبت عليّ شهوتي فإن تعذبني فبذنبي، لم تظلمني، فيأمر الله به إلى 
 
154

130

المحاضرة الثانية

 النّار، فيقول: ما كان هذا ظنّي بك، فيقول: ما كان ظنّك بي؟ قال: كان ظنّي بك أحسن الظنّ؟ فيأمر الله به إلى الجنّة، فيقول الله تبارك وتعالى: "لقد نفعك حسن ظنّك بي الساعة"1.
 
خاتمة: زيارة الحسين  عليه السلام منجية من النّار:
إنّ الشفاعة، شفاعة النبيّ وأهل بيته من المنجيات من النّار ولهذه الشفاعة موجبات، منها حبّ آل البيت والولاء لهم، ومنها البكاء على مصاب أبي عبد الله الحسين، ومنها الزيارة لمرقده الشريف.
 
كما جاء عن ذلك شعراً:
إذا رمت النجاة فزر حسيناً   لكي تلقى الإله قرير عينِ
فإنّ النّار ليس تمسّ جسماً   عليه غبار زوّار الحسينِ 

155

[1] المحاسن للبرقيّ, ج 1, ص 25.
 

131

المحاضرة الثالثة

 من آداب التوبة
 
الهدف:
بيان بعض آداب التوبة ومقدّماتها من خلال دعاء التوبة للإمام السجّاد  عليه السلام مع الترغيب بها والحثّ عليها.
 
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾1

1- سورة التحريم، الآية 8.
 
157
 
 

132

المحاضرة الثالثة

 مقدّمة: التوبة لجوء إلى رحمة الله:
لقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾1.
 
هذه الآية خطاب للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعنوان نبوّته ورسوليّته، وعبره إلى كلّ حامل للإسلام أن يعلموا النّاس كلّ النّاس أنّ الله غفور، يغفر الذنوب جميعاً، ورحيم في معاملتهم في كلا الدارين، وقد أشار إلى أنّه تبارك وتعالى يعاهد النّاس بل كلّ المخلوقات أن يعاملهم بالرحمة قائلاً: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾2.
 
وزيادة في بثّ روح الأمل في نفوس البشر خصوصاً المذنبين منهم قال لهم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾3.
 
ولأنّ المذنبين بذنوبهم يشعرون بأنّهم بعيدون عن ساحة رحمة الله ومستحقّون لعقوبات الآجلة منها بل والعاجلة، قد يظنّون وهم على هذه الحال أنّهم ممنوعون من مخاطبته تعالى وطلب العفو والمغفرة, وهذه من حيل إبليس وتلبيساته, جاء الخطاب الإلهيّ بقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن

1- سورة الحجر، الآية 49.
2- سورة الأنعام، الآية 54.
3- سورة الزمر، الآية 53.
 
 
158

133

المحاضرة الثالثة

 رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾1.
 
وحتّى لا يستبدّ المرض الخطير وهو اليأس من رحمة الله بالعباد، فلا بدّ من باب يلجأ به الإنسان إلى كنف مغفرته تعالى من سطوات جبروته وقاهريّته, لا بدّ من باب يفضي إلى دار أمنه وأمانه من خوف عقابه وانتقامه, فكان الباب هو التوبة التي اقتضتها رحمته تعالى, فبالتوبة يلجأ العبد إلى رحمته تعالى ليعالج أمراض الذنوب وليتحوّل من مبغوضه إلى محبوبه تعالى.
 
آداب التوبة ومقدّماتها:
كما أنّ للتوبة أركانها وهي الندم والعزم على ترك الذنوب, وشرائط لقبولها وهي جبران التقصير في حقّه تعالى والخروج من مظالم العباد بردّها وطلب المسامحة منهم، كذلك فإنّ لها آداباً، ذكرتها الأدعية المنقولة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام لا سيّما الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام في دعائه الموسوم بدعاء التوبة فمنها:
1- الإقرار بالذنوب بين يديه تعالى:
إذ يعلّمنا هذا الأدب قائلاً: "هذا مقام من تداولته أيدي الذنوب، وقادته أزمّة الخطايا، واستحوذ عليه الشيطان، فقصّر عمّا أمرت به تفريطاً، وتعاطى ما نهيت عنه تعزيرا, كالجاهل بقدرتك 
 
159


[1] سورة البقرة، الآية: 186.
 

134

المحاضرة الثالثة

 عليه، أو كالمنكر فضل إحسانك إليه"1.
 
ومضمون الإقرار والاعتراف بالذنوب أن يقف موقف الذليل كاسراً كبرياء نفسه التي بها أقدم على ذنبه فكما أقدم باعتزاز على الذنب، أو على الأقلّ بلا مبالاة كما تفيده عبارة: "كالجاهل بقدرتك عليه" أو بنكران الجميل كما ترشد إليه عبارة: "أو كالمنكر فضل إحسانك إليه", عليه أن يتأدّب بين يديه تعالى ويؤدّب نفسه بإيقافها هذا الموقف مع هذه الحال في إقدامه على الإقرار ذليلاً منكسراً, ولا بدّ من الإشارة إلى أن الإقرار والاعتراف هو من ترشّحات الندم القلبيّ على اللسان, ولنتأمّل قليلاً ما ساقه من الاعتراف بأنّه عندما انساق إلى الحرام كان قائده إلى ذلك شهوته وهواه ورغباته فأسقطه ذلك في قبضة الشيطان, كأنّه أصبح مهيمناً عليه.
 
2- الاستيقاظ من الغفلة:
وهي مقدّمة لسلوك الطريق الموصل إلى التوبة, إذ بلا يقظة وانتباه جديّين كيف يتوب الإنسان؟ ولذا عدّها علماء السلوك أُولى خطوات السالكين إليه، وعنها قال  عليه السلام: "حتّى إذا انفتح له بصر الهدى وتقشّعت عنه سحائب العمى..", لكن هذه اليقظة مقدّمتها الاعتراف والإقرار التي تشكّل محفّزاً على اليقظة كوخز الأبر للنائم، ولكن لتنفع اليقظة ولا يعود المذنب

1- الصحيفة السجّاديّة.
 
160
 

135

المحاضرة الثالثة

 إلى غفلته وسباته في قبضة الشيطان لا بدّ من أن تتبعها خطوات هي محكّ جدّيّة التوبة ومؤثّريّة اليقظة وهي:
أ- إحصاء الذنوب: وفيه قال: "أحصى ما ظلم به نفسه" ذلك أن من يريد إصلاح ما أفسد عليه أن يحصي أخطاءه ليخرج منها جميعاً، ذلك أنّ التوبة إمّا أن تكون شاملة لكلّ الذنوب, وإلّا فإنّها ليست بجدّيّة تمام الجدّيّة.
 
ب- التفكّر بالحال التي هو عليها والذنوب التي اقترفها: فليس من إحصاء الذنوب هو عدّها، بل المقصود أن يعرف الإنسان أوّلاً سوء الحال التي هو عليها، تماماً كما يحصل لمن قضى ليله سكران فإنّه بعد إفاقته من سكره سيرى ما فعله، بنفسه وبمن وما هو حوله وبالتالي ستكون النتيجة المرجوّة من التفكّر انكشاف سوء حاله وقبح واقعه: "فرأى كبير عصيانه كبيراً، وجليل مخالفته جليلاً".
 
3- اللجوء إلى الله تعالى:
فبعد اليقظة وانكشاف الواقع المزري لا بدّ من البحث تلقائيّاً عن المؤمن من العواقب، والمعين على الخلاص، والمساعد في الإصلاح، ولأنّه بالتفكّر يعرف أن جرحه وخطأه مخالفة لله، ومجانبة لشرعه، وخروج عن طاعته، ولأنّه الله الواحد الأحد 
 
 
161

136

المحاضرة الثالثة

 الذي كتب على نفسه الرحمة لا بدّ من اللجوء إليه: "فاقبل نحوك" لكن لما كان على هذه الحال المبغوضة له تعالى فهذا اللجوء لا بدّ أن يكون مصحوباً بجملة من الأمور والآداب ومنها:
أ- الحياء: "مستحيياً منك", والحياء أحد موانع الذنوب فاستحضاره هنا ليكون مستجلباً لعطفه تعالى.
 
ب- الرغبة والثقة به تعالى: "ووجّه رغبته إليك ثقة بك".
 
ج- بين الخوف والرجاء: "فأَمَّكَ بطمعه يقيناً، وقصدك بخوفه إخلاصاً".
 
وفي هذا إشارة إلى توحيده تعالى في الخوف والرجاء وعلى هذا النوع من التوحيد أكّد بقوله  عليه السلام: "قد خلا طمعه من كلّ مطموع فيه غيرك، وأفرخ روعه من كلّ محذور منه سواك".
 
4- الدعاء:
والذي يشير إلى ذلك قوله  عليه السلام: "فمثل بيد يديك متضرّعاً" لدعاء طالب التوبة من الله آدابٌ, منها:
أ- في ظاهر حال الداعي أن يعكس بظاهر جسده حالة الحياء، والمذلّة لأنّه يتوجّه من ذلّ مسكنته كمذنب إلى رحمة الباري، وليكون على هيئة يستعطفه بها. "وغمض بصره إلى الأرض متخشّعاً وطأطأ رأسه لعزّتك متذلّلاً".
 
162

137

المحاضرة الثالثة

 ب- تضمين الدعاء جملة من الأمور:
1- الإفصاح عن الذنوب وتعدادها سرّها وعلانيّتها:
كما جاء في الدعاء: "وابثّك مِن سرّه ما أنت أعلم به منه خضوعاً، وعدّد من ذنوبه ما أنت أحصى لها خشوعاً". تماماً كالمريض الذي يصف لطبيبه المداوي علله وعوارضها ليترفّق به ويتحنّن عليه بالمداواة، وتخفيف الآلام بل إزالتها.
 
2- الاستقامة:
وعلى الداعي أن لا يكتفي بتعداد الذنوب، بل عليه أن يطلب غوثه تعالى مسترحماً مستعطفاً عند من بيده الانجاء من التبعات والعواقب فمن ذلك قوله عليه السلام: "واستغاث بك من عظيم ما وقع به في علمك وقبيح ما فضحه في حكمك، من ذنوب أدبرت لذّاتها فذهبت، وأقامت تبعاتها فلزمت".
 
3- اليقين بإجابته تعالى:
لكن بعد عدم استعظام عدله إن عاقب ورحمته إن عفا لأنّ من صفاته وهو الكريم: "لأنّك الربّ الكريم الذي لا يتعاظمه غفران الذنب العظيم".
 
خاتمة: له الفضل في التوبة والتوفيق لها:
هذا النذر اليسير من آداب التوبة ومقدّماتها التي ألفت إليها دعاء التوبة للإمام زين العابدين عليه السلام والتي - إضافة إلى
 
 
163
 

138

المحاضرة الثالثة

 ما ذكرنا - بقيت مضامين كثيرة, منها: إسناد الفضل إليه في اللجوء إلى التوبة الذي يشير إليه قوله  عليه السلام: "فها أنا ذا قد جئتك مطيعاً لأمرك فيما أمرت به من الدعاء، متنجّزاً وعدك فيما وعدت به من الإجابة إذ تقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.
 
على أنّه لا بدّ من تأكيد العزم على التوبة, وهذا ما لَفَتَ إليه  عليه السلام بقوله: "اللهمّ إنّي أتوب إليك... توبة من لا يحدِّث نفسه بمعصية، ولا يضمر أن يعود في خطيئة...".
 
164
 

139

المحاضرة الأولى

الثبات
 
الهدف:
بيان أنّ الحوادث هي لكشف حقائق البشر، والإضاءة على عوامل التزلزل وبيانها مع عوامل التثبّت.
 
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾1.

1- سورة الأحزاب، الآية 23.
 
167
 

140

المحاضرة الأولى

 مقدّمة: حوادث الأيّام كواشف المعادن:
كم نصادف في حياتنا أناساً زلّت أقدامهم عن صراط الحقّ وانحرفوا, وكم نجد في بطون الكتب وحكايا النّاس من الأحاديث عن أناس من علّيّة القوم، ومن القيادات وأهل الفكر والرأي والخاصّة ومن قادة عسكريّين وسياسيّين، وكذلك من عامّة النّاس قد اعتراهم حالات من التراجع عن الحقّ والمبادئ وتزلزلوا وعن أناس من هذه الأنواع من تعلّلوا بشتّى العلل ليجدوا لتخلّفهم عن ركب الحقّ والصدق ما يُسوِّغه, وربّما تقرأ أو تسمع أنّ بعضهم قد كفر بالحقّ والقيم وتحوّل إلى عكسها فأصبح من أنصار الباطل وجنده, شاهراً سيفه على الحقّ وأهله ومسلّطاً لسانه ومسخّراً بيانه لخدمة الباطل وترويجه, وما ذلك إلّا بسبب نار التجربة وفي غربال المحنة اللذين يفرزان النّاس فتزلّ قدم، وتثبت أخرى، ويهوي طود، وتشمخ قامة وتنحطّ نفس وتسمو أخرى.
 
وهذا طبع الزمن وطبع حوادثه تكشف حقائق النّفوس ومستورها والخبايا لتظهر حقائق الجوهر من زيف التراب، عن الإمام عليّ  عليه السلام: "في تقلّب الأحوال علم جواهر الرجال"1.

1- نهج البلاغة, الموعظة رقم 217.
 
168
 

141

المحاضرة الأولى

 محاور الموضوع
عوامل التزلزل:
ثمّة مجموعة من العوامل ترجع إلى حالات نفسيّة متأتّية في الأغلب من منظومة علاقات الإنسان، ومكنونات القلوب وما عقدت عليه وتيقّنت به والعواطف وغيرها، ومن هذه العوامل:
1- الخوف من الموت:
قد يثبت بعض النّاس في المواطن لكن عندما يصل الأمر إلى درجة يشكّل فيه خطراً على حياته أو حياة من يحبّ أو ينتمي إليه فقد يتزلزل, وفي الحاضر وأخبار الماضين شواهد كثيرة على ذلك.
 
ومن الشواهد ما حصل مع سفير الإمام الحسين  عليه السلام إلى أهل الكوفة الذين ما إن هدّدهم ابن زياد بالقتل عبر التلويح بمجيء جيش أهل الشام حتى انفضّوا من حول مسلم (رضوان الله تعالى عليه) وأسلموه لمصيره, والعلاج هو اليقين بأنّ تقدير الموت والحياة بيد الله تعالى, وهذا ردّ به الله على المتوهّمين أنّ الذهاب إلى ميادين الجهاد يوردهم إلى الموت وأنّ ترك ذلك يبقي لهم حياتهم حيث قال تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ...﴾1

1- سورة آل عمران، الآية 154.
 
169
 

142

المحاضرة الأولى

 ثمّ إنّه لو أنّ الأجل حان لإنسان فهل باستطاعته تأخيره أو دفعه قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾1.
 
2- حبّ الدّنيا والركون إليها:
فلقد أدّى حبّ الدّنيا والركون إليها إلى أن يخذل أبناء الأمّة سيّد الشهداء بل أن يأتي بعضهم إلى كربلاء جنديّاً في جيش ابن زياد بدل أن يأتي ناصراً لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد أدرك الإمام الحسين  عليه السلام هذا المرض عندهم فخاطب ذلك الجمع قائلاً: "الحمد لله الذي خلق الدّنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته والشقي من فتنته, فلا تغرّنّكم هذه الدّنيا فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيّب طمع من طمع فيها"2.
 
3- حبّ المال والجاه والسلطة والخوف عليها:
فإنّ الكثيرين ممّن هم في مواقع السلطة وذوي الشرف وأصحاب المال قد يتزلزلون وينقلبون عن الحقّ وأهله إلى الباطل وجمعه، ويصبحون سهاماً في كنانته، وسيوفاً في يده، ومن الشواهد على ذلك مواقف شيوخ العشائر في الكوفة، ومزايداتهم بعضهم على بعض، ولعلّ من أبرز الأمثلة على ذلك موقف عمر بن سعد

1- سورة آل عمران، الآية 168.
2- بحار الأنوار، ج45، ص6.
 
170
 

143

المحاضرة الأولى

  الذي كان يعبّر عن هذه الحال بقوله شعراً:
أأترك ملك الري والري منيتي      أم أرجع مأثوماً بقتل حسينِ
 
4- الشكّ وعدم اليقين بالآخرة:
وهذا أيضاً ما عبّرت عنه أبيات ابن سعد.
 
عوامل الثبات والصمود:
لا شكّ أنّ من عوامل الثبات كلّ ما هو مضادّ لعوامل التزلزل إضافة إلى أمور أخرى نورد منها:
1- الاتعاظ من أحوال الماضين والتأسّي بالصالحين: وقد قال تعالى لنبيّه في ذلك: ﴿وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾1.
 
وعن التأسّي بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾2.
 
وكفى بأصحاب الحسين عليه السلام مثلاً وقدوة لنا في الثبات رغم الأهوال والأخطار.

1- سورة هود، الآية 120.
2- سورة الأحزاب، الآية 21.
 
171
 

144
زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني 1437 هـ