المناهج التربوية في العالم الإسلامي معالم الخطة الأميركية واليات المواجهة


الناشر: مراكز الإمام الخميني الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-02

النسخة: 0


الكاتب

جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية

مراكز ثقافية تعنى بحفظ نهج الإمام الخميني قدس سره ونشره من خلال إنشاء مراكز متخصصة بإقامة الندوات الفكرية واللقاءات الحوارية للنخب الثقافية والجامعية، وإنشاء المكتبات العامة للمطالعة، وتكريم شخصيات ثقافية، وإقامة دورات فكرية، وتوقيع كتب أدبية وفكرية، وإصدار سلاسل فكرية متنوعة لكبار العلماء والمفكرين.


الهوية العامة للمؤتمر

  الهوية العامة للمؤتمر

 
اسم المؤتمر

المناهج التربوية في العالم الإسلامي، معالم الخطة الأميركية وآليات المواجهة.

الهدف المنشود

إلقاء الضوء على الهجمة الأميركية على المناهج التربوية في العالم الإسلامي والتأشير على مواضع الخلل ولفت النظر لما يحصل من تشويه للقيم التربوية الإسلامية، والإضاءة على سبل المناعة والعلاج.

منظمو المؤتمر

الوحدة الثقافية المركزية في حزب الله.

المشاركون

- المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم.
- معهد الرسول الأكرم للدراسات الإسلامية.
- جمعية التعليم الديني الإسلامي.
- معهد الإمام الجواد عليه السلام.
- جمعية الإمداد الخيرية الاجتماعية - المركز التربوي
- معهد الثقلين.
- المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق.
- معهد الدراسات الإسلامي للمعارف الحكمية.
- الوسائل الإعلامية: (إذاعة النور، جريدة الانتقاد، تلفزيون المنار، إذاعة البشائر).
- بالإضافة إلى حشد من الأساتذة الجامعيين ومن الأخوة العلماء الأفاضل والطلاب الجامعيين والمهتمين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

برنامج المؤتمر

 برنامج المؤتمر

 
الجلسة الافتتاحية
كلمة الترحيب: سماحة السيد علي حجازي.
كلمة الافتتاح: سماحة الشيخ نعيم قاسم.


الجلسة الأولى: رئيس الجلسة: سماحة الشيخ نعيم قاسم

1- الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي - في ميزان النقد
                                                         د. محمد منير سعد الدين
2- المخاطر التربوية والثقافية في خطاب الإدارة الأميركية.
                                                              الدكتور علي فياض
3- دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة.
                                                         سماحة الشيخ علي سنان


الجلسة الثانية: رئيس الجلسة: سماحة الشيخ محمد جعفر شمس الدين

1- دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب.
                                             سماحة السيد عبد الكريم فضل الله
2- المناهج اللبنانية وبناء المناعة الفكرية.
                                                          الدكتور عدنان الأمين
3- مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل.
                                                   سماحة الشيخ مصطفى قصير


الجلسة الثالثة: رئيس الجلسة: سماحة الشيخ أكرم بركات

1- المرتكزات التاريخية للغزو الثقافي.
                                                         الدكتور طلال عتريسي 
2- العولمة ومخاطر الاستنساخ.
                                                 ساحة السيد محمد حسن الأمين
3- الدور السياسي في التحصين التربوي.
                                                 سعادة النائب الحاج محمد رعد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

الجلسة الافتتاحية

 الجلسة الافتتاحية

 
كلمة الترحيب
 
فضيلة السيد علي حجازي(*)
 
لقد تبلورت فكرة هذا المؤتمر من محاضرة إلى ندوة ثم إلى مؤتمر بحجم الهم التعليمي لأجيالنا وبحجم الهجمة الأمريكية على تراثنا وثقافتنا لسلب حرية التعليم منا، والسيطرة على عقول أطفالنا وحشوها بالأفكار التي تخدم الهدف الاستعماري للمستعمر الجديد.
 
ولبنان والمقاومة وحزب اللَّه عودونا أن يكونوا السباقين في المواجهة، فكان هذا المؤتمر حلقة من حلقات المواجهة الهادفة لإسقاط كل المشاريع الرامية إلى إذلال إرادتنا لخدمة المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة والعالم.
 
ونحن اليوم نسعى جميعاً ليكون هذا المؤتمر الشعلة لعالمنا العربي والإسلامي للتنبه لمخاطر مشروع (بوش - باول)، خاصة بعدما سمعنا أن بعض الدول العربية بدأت بتنفيذ هذا المشروع وتجاوبت مع طروحاته.
 
آملين أن نخرج بتوصيات عملية تساعد على الوقوف بوجه الاحتلال الثقافي - التربوي لعقول أجيالنا وشبابنا كي نكون القدوة لكل المجتمعات الطامحة نحو الكرامة والحرية.
 
 
 

(*) مدير معهد سيد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

كلمة الافتتاح

 كلمة الافتتاح


سماحة الشيخ نعيم قاسم

                                        بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين السلام عليكم أيها السادة العلماء والإخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

راهنت أمريكا على إمكانية الاستقطاب الثقافي واعتمدت لفترةٍ من الزمن على الطروحات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وما شابه ذلك ظناً منها أنها تؤثر في عملية التغيير والتي تنتج آلياتها بشكلٍ طبيعي للتناغم مع هذه الطروحات التي قدمتها أمريكا للعالم كنموذجٍ من أجل الاحتذاء به بهدف أن يكون هناك انقياد بين التابع والمتبوع وبين الملهِم والملهَم من أجل سهولة الدخول إلى عالمنا الإسلامي على قاعدة تبنّي الأفكار الأميركية وعلى قاعدة تبنّي الطروحات الغربية بشكلٍ عام وراهنت أيضاً على العولمة الاقتصادية من البوابة التي يمكن الإمساك من خلالها بكل مقدرات البلاد والتي تنعكس بشكلٍ مباشر على العولمة السياسية تمهيداً لتأثيراتها الثقافية والأخلاقية والتربوية في ظل دوران أنظمة العالم حول القطب الأمريكي الواحد بعد سقوط الإتحاد السوفياتي لكن أمريكا اصطدمت بالخلفيات الثقافية العميقة الموجودة في منطقتنا والتي لم تنشأ عبثاً وإنما تراكمت بفعل الإسلام عبر فترةٍ طويلةٍ من الزمن واستطاعت أن تتحدى المتغيرات والصعوبات والانتكاسات التي أصابت منطقتنا وشكلت الخلفية الحضارية الإسلامية تأثيراً مباشراً لكل الأداء على الأقل للشعوب والحركات الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي فعاد الإسلام مجدداً وبفعالية في حياة الناس بعد الفشل المتكرر للأطروحات المختلفة على المستويين الفكري والسياسي وجل مل أنتجته الأنظمة في منطقتنا كان تابعاً بشكلٍ مباشر للتوازن الدولي ولم يكن إنجازاً محلياً طبيعياً فلا الأنظمة نتاج اختيار الشعوب ولا السياسات المعتمدة والتوجيهات القائمة نتاج اختيار هذه الشعوب إنما هي أنظمةٌ تابعةٌ صنعها الاستكبار ورعاها بشكلٍ مباشر باتجاهاتها
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

كلمة الافتتاح

 المختلفة وبألوانها التي تنسجم مع ظروف كل دولةٍ على حدى فوجود الأنظمة استمد من حضور ورعاية الاستكبار العالمي بشكليه الشرقي والغربي وكل عنوان طرحته هذه الأنظمة لا تتحمل مسؤوليته الشعوب ولا يعبر عن القناعات الحقيقية المضمرة إذ عندما كانت تقوم الحركات وتنطلق الأفكار والآراء سرعان ما تباشر هذه الأنظمة سياستها القمعية وتضع هؤلاء المفكرين أو العلماء أو المتحركين أو المحازبين في السجون وتمارس عملاًُ قمعياً يمنع إمكانية التغيير في مواجهة هذه الأنظمة المدعومة إستكبارياً أما أمريكا فقد دخلت من بوابتها الكبيرة كقطبٍ وحيدٍ للعالم بدافع مصالحها وبدافع تأمين الرفاه للمواطن الأمريكي بصرف النظر عن الإنسان فلم يكن الإنسان محوراً لاختيارات الإمبراطورية الديكتاتورية الأمريكية، وإنما كانت مصالح المواطن الأمريكي هي التي تقف أمام كل اعتبار ولا قيمة لكل العناوين الثقافية المدعاة إلا للتغطية على هذا الهدف، وقد كان واضحاً من خلال الأداء اليومي ومن خلال المشاريع التي خاضتها أمريكا في منطقتنا والعالم، وسأستعرض بشكلٍ موجزٍ وسريع بعض ما ذكرته وسائل الإعلام عن حالة الضغوطات الأمريكية في الدول المختلفة من أجل التدخل في العملية التعليمية التربوية لنرى حجم الكارثة التي ستقع على منطقتنا فيما لو لم نتداركها ولم نواجهها بشكلٍ صحيح. في باكستان يوجد حوالي عشرة ألاف مدرسة دينية وهناك خطة مدروسة بالتفاهم مع الإدارة الأميركية من أجل استبدالها بمدارس دينية مركزية ترعاها الحكومة حتى تضم المليون طالب الذين يدرسون في هذه المدارس، وقد قال مشرف رئيس باكستان بأنها مدارس تسيء إلى الإسلام ويجب إغلاقها. الحكم على هذه المدارس جاء على قاعدة الضغوطات وقد ذكرت جريدة الحياة في عددها02/12/2001 أن بنك التنمية الآسيوي قد اتفق مع البنك الدولي وأمريكا لتقديم مساعدات إنسانية للمدارس الدينية الناشئة لتكون بديلاً عن المدارس الموجودة، وكذلك في اليمن تم إلغاء 1300 معهد يُدَرِّس حوالي نصف مليون تلميذ على قاعدة أنها معاهد متخلفة وتنتج واقعاً إرهابياً لا فائدة منه، وفي الأردن وضعت الحكومة يدها على مدارس جمعية المحافظة على القرآن الكريم بأكملها تحت عنوان تنظيم الأوقاف ومنع المدارس المستقلة، وفي ماليزيا تم إلغاء مساعدة 2500 مدرسة وقد انتقد مهاتير غسل

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

كلمة الافتتاح

 أدمغة التلامذة التي تجري في هذه المدارس واعتبر أنه واحد من المتأثرين بسلبياتها إذ أن ولده قد غُسل دماغه في مثل هذه المدارس، وقد وضعت الكاميرات في المساجد لمراقبة خطب الجمعة والتدقيق. مصادر سعودية ذكرت أن ورشةً كبرى تقوم بإعداد وتنقيح الكتب الدراسية الإسلامية للتثبت من توافقها مع التوجه العام بالتصدي للتطرف والإرهاب، وزير الأوقاف الإماراتي الظاهري يتحدث عن ضرورة توحيد الخطب في المساجد وقد باشر هذا الأمر، وفي المغرب الدكتور زين العابدين بن فريج في جامعة محمد الخامس يقول جاءت مؤسسة كندية ووضعت برنامجاً للإصلاح التعليمي الذي يستبعد العلوم الإسلامية تحت عنوان التنشئة المهنية وفي مصر يقول أمين عام جبهة علماء الأزهر بأن الضغوطات مستمرة على الأزهر منذ ثلاث سنوات وهي تركز على حذف أمورٍ من العقيدة وكل ما له علاقة بالجهاد وقد جرت تغييرات في المناهج الابتدائية والمتوسطة والثانوية وحُذفت الكثير من المعطيات والمعلومات والآيات التي تتحدث عن إسرائيل والتي تدعو إلى الجهاد وما شابه هذه بعض العينات من بعض الدول التي تُبرز بشكلٍ واضح كيفية التدخل الأمريكي والضغوطات الأمريكية وأينما ترى فكرةً من أفكار التغيير والتعديل ترى أنها مصحوبةً بشكلٍ مباشر بالمطالب الأمريكية وقد قال "كولن باول" في مناسبتين مختلفتين بشكلٍ صريح في المناسبة الأولى كما أوردتها جريدة السفير في 22/12/2001 "لسنا في الحقيقة بصدد حملةٍ ضد الإسلام ولكننا في إزاء مسعىً حثيث لصياغة إسلامٍ معدل" فالهدف واضح إنه يريد التدخل بالبنية الفكرية الإسلامية المباشرة ويقول في حديث آخر بعد حوالي شهر تقريباً "كل دولة في العالم وخاصةً تلك المنطقة أي الشرق الأوسط عليها أن تلقي نظرةً على كيفية تحضيرها لشبابها ومتطلبات المستقبل" الأمر واضح بالنسبة للإدارة الأميركية ويدخل من ضمن خطتها من أجل السيطرة على مناهج التعليم والتربية لأنها فشلت في الدخول إليها وفشلت في التأثير على شبابنا ولعل أكبر عنوان من عناوين الفشل الأمريكي استخدام القوة المفرطة في الدخول إلى المنطقة بشكلٍ واضحٍ وسافر لعدم القدرة على الاعتماد على شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية إذ تبيّن أن المنطقة لا تهضمها على الطريقة الأمريكية وإنما تتلقفها في أحسن الحالات

 

 

 

 

 

 

 

 

10


6

كلمة الافتتاح

 لِتُصنِّعَها وتنتجها من جديد على الطريقة الإسلامية وهذا أمرٌ مسيء جداً في نظر أمريكا لخطتها ولمشروعها نحن اليوم أمام مواجهةٍ ثقافية وسياسية وعسكرية واقتصادية أي نحن أمام مواجهةٍ متنوعة الأشكال ومتنوعة الأهداف لكننا يجب أن نركز بشكل مباشر على كيفية إيجاد حالةٍ من التحصين الداخلي الذي يساعدنا على التصدي لهذه المؤامرة الأمريكية الكبرى وعلى كيفية التوعية العامة التي تساعدنا في تسليط الضوء على هذا المشروع الأمريكي ولذا أقترح في هذا المجال عدة اقتراحات:


أولاً: لا علاقة لأمريكا بمناهجنا التربوية ويجب أن تكون اختياراتنا تعديلاً وإنشاءً وإثباتاً بصرف النظر عن مضمونها وبصرف النظر عن تدخل أمريكا بأي شكلٍ من الأشكال فهي ليست وكيلةً عن البشر لتقرر مصيرهم وخطوات تفكيرهم وأدائهم.

ثانياً: لنا ثقافتنا الإسلامية التي تعبر عن منظومة كاملةٍ في التربية والحياة «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً» ونستفيد في آنٍ معاً مما أنجزته البشرية لتطور وسائل خدمة الإنسان من دون الوقوع في أسر التبعية بأشكالها كافة فلسنا بعيدين عن التطور الحاصل والتغييرات الناشئة والوضع المعاصر لكن لا يمكننا أن نكون أتباعاً للمشروع الأمريكي.

ثالثاً: تحصين الوضع التربوي الإسلامي بالعودة إلى منابع الدين وتشذيب ما لحق به من استنتاجاتٍ خاطئة وعقد اللقاءات والمؤتمرات بين علماء المسلمين والمثقفين المهتمين للاستفادة من التجارب التربوية الناجحة لتعميمها والابتعاد عن الانغلاق والتفرد والغرور وتعزيز بنية التعاون في المجالات المختلفة "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

رابعاً: التمسك بالمبادئ الصحيحة وترويجها والدفاع عن الحق في الأرض والاستقلال كعملٍ مشروع من دون الوقوع في فخ الهلع من التهم الجاهزة مهما كانت مرة كتهمة الإرهاب وذلك بالثبات وإثبات المصداقية العملية وجرأة المواجهة كي لا تسقط الساحة أو تخلو للعابثين.

خامساً: الاستفادة من العمل الإسلامي النهضوي الذي أنجز خطوات تقدميةٍ ناجحة في أداء بعض الأحزاب والحركات الإسلامية كحزب الله وحماس وإيران الإسلام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

7

كلمة الافتتاح

 وغيرهم من القوى الإسلامية الحية والفاعلة التي قدمت نموذجاً رائداً يمكن الاحتذاء به وعدم الاكتفاء كما تفعل أمريكا بتسليط الضوء على بعض التجارب الفاشلة أو المنغلقة وعدم الوقوع في بعض وجهات النظر التي يفترض أن نقيِّمها بشكل ذاتي ونختار الأصلح بمعزل عن الخطوات أو التدخل الأمريكي والغربي.


إننا نعتبر بأن الخطة الأمريكية المزعومة لإصلاح التربية والتعليم وطريقة التفكير ليست خطة لإصلاح التعليم الديني بل لتدمير البنيان الديني باسم الحداثة والتربية وإعطاء حقوق المرآة والحرية والديمقراطية لإيجاد بناءٍ ثقافيٍ حضاريٍ تابع يختلف تماماً عن الإسلام ويجب أن نتنبه إلى خطر التدخل في مناهجنا التربوية فضلاً عن الدينية منها، فهو يشكل خطوةً وقحة لإلغاء الهوية والوجود.

نحن واثقون بعجز أمريكا عن التغيير وفق مفهومها فالقوى الإسلامية الحية والواعية والمجاهدة أثبتت حضورها وفعاليتها وكما شكّلت المقاومة الإسلامية مأزقاً لإسرائيل وكذلك الانتفاضة في فلسطين ولا تلوح مع هذا المأزق إمكانية الخلاص بمعنى تثبيت الكيان وإقرار هؤلاء الناس بحق الكيان في الوجود وكذلك ما حصل في احتلال العراق من وقوع أمريكا في مأزق الوحل العراقي ولا نعتقد بإمكانية الاستقرار هناك بل يبدو أن الأمر يتفاقم يوماً بعد يوم، فما دام الضغط الأمريكي قائماً وما دام الاحتلال الأمريكي قائماً في العراق فهذا يعني أن الممانعة والرفض بأشكالها المختلفة ستسبب قلقاً وإرباكاً مباشراً للإدارة الأمريكية وللجنود الأمريكيين فلا هم قادرون على إعمار العراق على طريقتهم ولا يمكن للشعب العراقي أن يقبل باستمرارهم في هذا الاتجاه.

نحن نعلم بأن الدعم المطلق الذي قدمته أمريكا لإسرائيل يستهدف تثبيت هذا الكيان ليكون وكيلاً عنها في منطقتنا حتى يسيطر على الاقتصاد والثقافة والسياسة وعلى كل العناوين الأخرى ويخطئ من يظن بأن مواجهتنا لإسرائيل مواجهة عسكرية عادية لتحرير قطعةٍ من الأرض فالمواجهة في حقيقتها هي مواجهة حضارية تستهدف إثبات الهوية ومنع مسخها وإلغائها بفعل هذا الكيان الذي يريد استئصال قدرة الأمة وفكر الأمة من هذه المنطقة وفي استطاعتنا أن نواجه كما واجهنا وباستطاعتنا أن نغيِّر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

8

كلمة الافتتاح

 كما غيرنا وباستطاعتنا أن نُصعِّب الأمر على الاستكبار وإسرائيل كي لا يستقروا في منطقتنا، فبإمكان أمريكا إشاعة عدم الاستقرار حتى حين لكن هذا سينعكس أيضاً على عدم استقرارها فيها وهي لا تستطيع استبدال البنية الحضارية المتجذرة ما دام هناك أناسٌ يرفضون الطرح الاستكباري ويقفون بكل جرأةٍ وثبات ويعلمون طبيعة الأهداف ويواجهون المخططات من أجل نشر ثقافةٍ مؤمنةٍ تلتزم المنهج التربوي الذي ينسجم مع إيماننا والتزامنا والحمد لله رب العالمين وصلوا على محمد وآل محمد.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

9

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 
د. محمد منير سعد الدين(*)
 
مدخل
 
التربية هدف وغاية في تكوين الشخصية الإنسانية عقلياً ونفسياً واجتماعياً وجسدياً، ووسيلة، وأداة لتحقيق تلك الغاية، وهي نهج وسبيل لا يمكن تجاوزه لأولئك الذين يريدون بناء أمم، أو تجديدها إذا طال على الأمة الأمد وقست منها القلوب، وتراجعت فيها الحضارة وتخلف فيها العمران.
 
... والتربية عملية مركبة معقدة، من حيث وسائلها وأدواتها ومصادرها وخطواتها ومناهجها، وما تقتضيه كل خطوة من تلك الخطوات لبلوغ أهدافها في الأفراد والجماعات والشعوب، لذلك فإن الأمم تحدد عادة ما تريده من التربية، فتبني نموذجها الذي تريد أن تراه في الواقع وفقاً لرؤيتها الكلية في الحياة والإنسان والكون، وتصور ذلك النموذج في سائر الأحوال التي تتوقعها، فتصوره فرداً وأسرة ومجتمعاً وحاكماً ومحكوماً وطالباً وباحثاً ومعلماً وبانياً وهادماً، فتصوره في علاقاته مع نفسه وربه وبيئته، وما جاوره وما بعد عنه، ثم تبنى النظريات والوسائل والأدوات التي تكفل لها تكوين إنسانها وفقاً لتصورها ذلك، وهي لا تنقطع عن المراجعة والتعديل والتغيير والحذف والإضافة وفقاً للنتائج التي تراها في الواقع. فتأخذ التربية شكل عمل دائم وشغل مستمر لدى فصائل الأمة كلها، لا لدى مؤسسات معينة أو متخصصة فقط، ونظراً لتركيب العملية التربوية وتعقيدها وارتباطها بكل أنواع المعارف والخبرات والتجارب والفلسفات والنظريات إضافة إلى الأديان والأخلاق، فإنها عمل أمة وتوجيه نخبة.
 
إن نهوض الأمم وسقوطها وتقدمها وتراجعها منوط بالتربية، فإن الأمة إذا نجحت في برامجها التربوية حققت أهدافها، وإن هي أخفقت تراجعت عن أهدافها.
 
 
 

(*)  أستاذ جامعي وباحث تربوي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

10

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 ... إن هناك انهياراً في دعائم نظم التربية في الأمة الإسلامية، وتذبذب وعدم وضوح، فلم تعد الأمة قادرة على تكوين الإنسان الذي يقوم بمهام العمران لا في قابلياته، ولا في دوافعه ولا في استعداداته1.

 
إذن نحن كعرب وكمسلمين نؤمن في التربية بضرورة التطوير والمراجعة والتعديل والإضافة وفقاً لما نراه في واقعنا، ولعل الأمريكان دخلوا على الخط مطالبين بتطوير مناهجنا حيث أدركوا وأدرك الغرب معهم "أن التعليم في أوروبا كان المدخل للسيطرة على الفرد وعلى الأمة، وكان أساس بناء الدولة القومية العلمانية في أوروبا، ففكرة العلاقة بين الهيمنة والتعليم في الغرب أساسية، لذا فهم يحاولون الهيمنة والسيطرة والإخضاع عبر التعليم، عبر تغيير مناهج التعليم الديني وغيرها في مصر والسعودية وباكستان واليمن، وعبر القضاء على المدارس الدينية والجمعيات الخيرية التي تدعمها. وذلك يعني محاولة تدجين المجتمع الأهلي الإسلامي الذي يمثل قاعدة نبض الأمة وحيويتها"2.
 
وقد يستغل الأعداء بعض السلوكيات العنيفة من بعض المسلمين نتيجة فهمهم الخاطىء للدين ومبادئه، وأحكامه، والظروف التي تهيء له وتعين عليه. علماً بأن الإسلام يدعو إلى الاعتدال والوسطية، ووضع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منهجاً ذكياً للاعتدال والقصد، والتيسير لا التعسير، ويعلمنا الإسلام أن نركض إلى العلم ركضاً، والعلم هذا دنيا وآخرة، والمجتمع المسلم والدولة المسلمة كانوا رواداً في تبني قضية الحضارة الإنسانية والغيرة عليها والاسهام في تنميتها والأخذ بالخطوط الوافية منها.
 
ومن هنا علينا أن نسعى مدرسة ومجتمعاً ودولة لايجاد فسحة لشبابنا من الطمأنينة والسكينة والحوار والاقناع. ونعمل على تطوير مناهجنا انطلاقاً من واقعنا، وضمن معاييرنا لا معايير ومصالح غيرنا.
 
 
 

1- كلمة التحرير: التربية البعد الحاضر الغائب، مجلة إسلامية المعرفة، بيروت، السنة الثامنة، العدد التاسع والعشرون، 1423 هـ - 2002م.
2- كمال حبيب: مناهج التعليم في العالم الإسلامي، مجلة البيان، لندن، السنة السابعة عشرة، العدد 173، 1423 هـ - 2002 م، ص 49.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

11

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 محاور الهجمة الأمريكية على التعليم

 
يقوم الأمريكيون بهجوم منسق على الإسلام وعلى المناهج التعليمية في العالم العربي والإسلامي مستهدفاً الكثير من المحاور نذكر منها:
 
1- المدارس الدينية:
 
لقد تركزت الهجمة بشكل خاص على المدارس الإسلامية في الباكستان والسعودية، ففي الباكستان اعتبرت مركز تفريخ إرهابيي ومتطرفي طالبان، وفي السعودية القاعدة وقيادتها والأصوليين وحتى الأزهر في مصر تعرض لهجمة لتغيير مناهجه وبشكل خاص ما قبل المرحلة الجامعية، وكل هذا يتم في إطار علمنة ثقافة الأمة وتحطيم هويتها عبر التعليم الديني فليجفف، وطالما أن الطلاب الذين يرغبون في الالتحاق به يشتبه أن يكونوا متطرفين فليمنعوا وهكذا.
 
وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول أصبحنا نرى الإدارة الأمريكية تعمل بعصبية شديدة وانفعال وقلة خبرة، وهي تجهل أنها تدخل في قلب الوجود الإسلامي وفي قلب هوية الأمة، وهو ما يعد عدواناً قاسياً وخطيراً، ويُدخل الولايات المتحدة بمتاهة لا تستطيع الخروج منها خصوصاً وأن الأمة الإسلامية بحكم صفتها هي أمة روحها هو الدين وتاريخها وثقافتها ونشاطها كله بالأساس حول الدين.
 
وها هي الولايات المتحدة الأمريكية تقدم دعماً لباكستان مقداره (100) مليون دولار لبناء بنك معلومات عن تلاميذ المدارس القرآنية يهدف لتأمين معلومات أساسية عن كل تلميذ ومدرس في هذه المدارس. وسيكون من أهداف هذه البرامج أيضاً الرقابة على منشورات هذه المدارس ودور النشر التابعة لها.
 
هذا المبلغ سيستخدم أيضاً في ايجاد برامج دراسية جديدة في هذه المدارس التي لم تكن تدرس سابقاً سوى القرآن، وسيكون على المدرسين أن يوافقوا على الخضوع لدورات تدريبية لمتابعة البرامج الجديدة في حين سيفقد المعارضون منهم وظائفهم1.
 
 
 

1- محمد بن عبد اللَّه الدويش: هل لمناهجنا صلة بالتطرف والإرهاب، مجلة البيان، لندن، السنة السابعة عشرة، العدد 173، 1423 هـ - 2002 م، ص 30.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

12

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 2- المناهج التعليمية وتطويرها:

 
يعرف المنهج الدراسي بأنه "نظام من الخبرات التي تقدمها المؤسسة التربوية للمتعلمين، - منها ما يتعلق بالمُنَزل من عند اللَّه وأخرى تتعلق بالمكتسب بواسطة البشر - لتساعدهم على اكتسابها تحت اشرافها، وذلك بهدف تحقيق نموهم نمواً شاملاً ومتكاملاً ومتوازناً، وتمكينهم من السلوك قولاً وعملاً وفق منهج اللَّه"1. وهذا المنهج وفق المنظور الإسلامي. فالمنهج الدراسي بهذا المعنى ينطبق على جميع المؤسسات في المجتمع المسلم لأن جميع المؤسسات في هذا المجتمع مسؤولة عن التربية الإسلامية، فالمسجد ومؤسسات الإعلام والنوادي الثقافية والاجتماعية تتحمل مسؤولية تربية منسوبيها تربية إسلامية، وذلك عن طريق العمل على تحقيق التزامهم بالسلوك الإسلامي، وتخطيط برامجها وتنفيذها والاشراف عليها وتقويمها بمقتضى مدى إسهامها في تحقيق التربية الإسلامية في سلوك منسوبيها، وأن المسؤولين في كل مؤسسة مكلفون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالتربية على الاستقامة على منهج اللَّه2.
 
هذا وإن "عملية بناء المنهج - حينما تتم على أسس علمية تربوية - عملية معقدة نوعاً ما، بحيث تتضمن عمليات فرعية دقيقة ومتداخلة في أحيان كثيرة، تضع في الحسبان المجتمع وقيمه ومعتقداته وتطلعاته ومشكلاته والتحديات التي تواجهه من جهة، والتلميذ وخصائص مرحلة نموه ولغته وطرائق تفكيره واحتياجاته ومشكلاته وتوقعات مجتمعه منه من جهة ثانية، والمعرفة وطبيعتها وخصائصها من جهة ثالثة حتى يصبح المنهج نسيجاً متكاملاً محكم الحياكة وليس مجرد خيوط مهلهلة.
 
ومن أكثر مدخلات هذه العملية أهمية تحديد الأسس التي يبنى عليها المنهج ويتفق كثير من التربويين على تصنيف هذه الأسس بالنظر إلى مجالاتها في أربعة أنواع: الأسس العقدية، والأسس المعرفية، والأسس الاجتماعية، والأسس النفسية3.
 
 
 

1- محمود أحمد شوق: أساسيات المنهج الدراسي ومهماته، الرياض، دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1416 هـ - 1995 م، ص 38.
2 المرجع نفسه، والمكان نفسه.
3- سعد الشدوخي: حاجتنا إلى مناهج إسلامية، مجلة البيان، لندن، السنة السابعة عشرة، العدد 173، 1423 هـ - 2002 م، ص 25.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

13

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 وقد برزت مواقف الحديث عن المناهج في العالم العربي والإسلامي فيما يلي:

 
1- العلاقة بإسرائيل وذلك من خلال:
أ- الصراع العربي الإسرائيلي.
ب- السلام المصري الإسرائيلي.
ج- السلام الفلسطيني الإسرائيلي.
 
2- أعمال العنف في بعض البلدان العربية.
 
3- الأقليات المسلمة.
 
4- شن بعض الحكومات في العالم الإسلامي الهجوم على التعليم الشرعي.
 
أما تطوير المنهج فيقصد به في المعنى العام "تحسين ما أثبت تقويم المنهج حاجته إلى التحسين من عناصر المنهج أو من المؤثرات عليه، ورفع كفاية المنهج على وجه العموم في تحقيق الأهداف المرجوة"1.
 
ووفق التوجيه الإسلامي هو "تحسين ما أثبت تقويم المنهج حاجته إلى التحسين من عناصر المنهج أو من المؤثرات عليه، إضافة إلى رفع كفاءة المنهج ــ على وجه العموم ــ في تحقيق أهداف التربية الإسلامية"2.
 
أما ما هو مطروح اليوم حول تطوير المناهج فهو مفروض من الخارج ولا ينبع من الذات ومن عقيدتنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، علماً بأننا ندرك أن هناك دواعي متعددة لتطوير المناهج الحالية بالعالم الإسلامي على وجه العموم خصوصاً لجهة:
 
1- عدم توجيه المناهج الحالية في بعض الأقطار الإسلامية توجيهاً إسلامياً.
 
2- القصور التربوي بعامة، وفي المناهج الدراسية بخاصة.
 
3- عدم قدرة المناهج الحالية على الإسهام الفعال في توجيه التغير الاجتماعي.
 
4- عجز المناهج الحالية عن ملاحقة التطور في الفكر التربوي والنفسي وتطبيقاتهما.
 
 
 

1- محمود أحمد شوق: تطوير المناهج الدراسية، الرياض، دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 6141هـ - 1995 م، ص 32.
2- المرجع نفسه، ص33.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

14

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 5- عجز المناهج الحالية عن الإسهام الفعال في حل مشكلات المجتمع، لذلك فنحن ندعو إلى تطوير المناهج والعمل على إزالة معوقات تطوير المناهج ونود أن يكون هذا التطوير صناعة عربية - إسلامية.

 
أسباب الهجمة الأمريكية:
 
1- البعد الديني، على الرغم من أن ظاهر الحياة الأمريكية ودستورها يقولان أنها مجتمع علماني لا ديني إلا أن الغوص في حقائق الأمور واستجلاء بواطنها يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية أكثر البلاد الغربية تأثراً بالدين المسيحي في سياستها، وخصوصاً فيمن يسيطر على السياسة الأمريكية وإدارتها من مسيحيين متصهينين، ولا أحد منا لم يسمع إعلان بوش الابن للحرب الصليبية ــ ولو أنني أمقت هذه الكلمة علماً أن مؤرخينا استعملوا حروب الفرنجة - تحت شعار ما يسمى بمكافحة التطرف والإرهاب.
 
2- الجهل الأمريكي بحقيقة الإسلام وتاريخ المنطقة مما سهل على عصابات الافتراء والدجل والحقد من الصهاينة والمسيحيين المتصهينيين أن يتقولوا ما شاؤوا وهم في مأمن من أن تكشف أباطيلهم أو تدحض افتراءاتهم على الإسلام.
 
3- النفسية الأمريكية المتغطرسة التي تصنف الآخر، إما تابعاً ذليلاً يأتمر بأمرها أو عدواً لدوداً لا حلَّ إلا في القضاء عليه.
 
وللتدليل على صحة هذا القول ما عليك إلا أن تتابع تصريحات أي مسؤول أو مفكر أمريكي لتدرك حقيقة ذلك فهذا كيسينجر مثلاً يرسم في مقال له ملامح دور أمريكا في بداية الألفية الثالثة بأنه يتلخص في:
 
أ- أن القوات الأمريكية يجب أن تنتشر في أغلب بقاع العالم، وأن تتدخل في أي قضية مهما كانت إقليمية وأن تفرض الحل الذي تراه.
ب- وأنها يجب أن تكون المصدر والضامن والمقوم لجميع أنظمة الحكم الديمقراطية في العالم.
ج- أن تسيطر على النظام المالي العالمي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

15

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 د- وأن الثقافة الأمريكية والعادات الأمريكية يجب أن تشكل معايير الذوق في جميع أنحاء العالم.

 
ولئن كانت هذه نظرة الثقافة الأمريكية في مجملها للآخر، فإنها حين يكون هذا الآخر هو الإسلام تزداد عمى وحقداً كما في مقولات فوكوياما وصامويل هنتنجتون.
 
هذه النفسية التي ترسخت في الوجدان الأمريكي منذ إبادة الهنود الحمر واستعباد السود الأفارقة، ورسخها الانتصار في حربين عالميتين وسقوط الاتحاد السوفيتي بعد الحرب الباردة، هي التي تعامل بها أمريكا اليوم الإسلام كدين.
 
- مع الإشارة إلى إن الولايات المتحدة يتردد في مخيلتها باستمرار صناعة عدو لها لتمرر السياسات التي تريد، فبالأمس كانت الشيوعية واليوم استبدلت بالإسلام والصراع معه.
 
4- الدور الصهيوني اليهودي، وما يملكه من مال وإعلام وتأثير في السياسة الأمريكية، حيث لم تبلغ الهيمنة الصهيونية على الحكومة الأمريكية ما بلغته في عهد جورج بوش الابن ولذا فإنها تنفس عن أحقادها وتنفث سمومها، وهي في مأمن من أي امتعاض من الحكومة الأمريكية، بل إنها تلقى الدعم والتأييد من أركان الحكم1.
 
5- تجفيف المنابع الإسلامية وشل دور الحصون العلمية التي تحفظ للأمة هويتها وعقيدتها، ومسح لقيمها وعاداتها من خلال الهجمة على المناهج التعليمية، ووسائل الإعلام الإسلامية، والمجلات والدوريات والمؤسسات الخيرية، وأنا هنا عندما أقول مناهج التعليم أدعو إلى تطوير هذه المناهج بشكل طبيعي نابع من الذات لا مفروض من الخارج، وليس لأن هذه المناهج تفرخ إرهابيين، وإنما لأننا نريد مناهج تعتمد على إعمال العقل والاجتهاد، وبُعد بعض الإسلاميين عن التعصب والتزمت، والعنف والخشونة، والتشديد في غير محله، والسقوط في هاوية تكفير الآخرين، وسوء الظن بالناس.
 
 
 

9- عوض بن محمد القرني: الحرب الإعلامية الدعائية الأمريكية ضد السعودية وسبل مواجهتها، الكويت، مجلة المجتمع، العدد رقم 1516 ، 1423 هـ - 2002 م، ص 30 - 31.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

16

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 ثغرات في المطالبات بالتطوير والتغيير:


يوجد نواقص وثغرات ومنهجية في المطالبة بالتغيير في المناهج انطلاقاً مما يولد التطرف والإرهاب، هذه المطالب التي اشتدت بعد أحداث 11 سبتمبر وتوجهت غربياً وبشكل خاص أمريكياً نحو مواجهة الإرهاب، وقد اتسعت دائرة التعامل مع هذه الظاهرة رغبة في اجتثاث مصادرها، وتوجهت الأنظار نحو مناهج التعليم حيث اعتبرت مسؤولة عن تفريخ الإرهاب، وعلت الأصوات لمكافحة التطرف والإرهاب، في الدوائر الرسمية، ووسائل الإعلام الغربية، وساهمت في ذلك الحركة الصهيونية وركيزتها إسرائيل، إنها الحرب الضروس على مناهج التعليم في العالم الإسلامي.

وقد شملت الثغرات في مجال تغيير المناهج وربطها بالتطرف والإرهاب ما يلي:

1- غموض مفهوم التطرف والإرهاب:

نسمع الكثير عن التطرف والإرهاب، ولا نجد تعريفاً محدداً يحتكم إليه، ويخبط فيه الناس خبط عشواء، ومما يقال عن الإرهاب أنه في تعريفه يمثل اشكالية قانونية وسياسية بالغة التعقيد لاختلاف وجهات النظر حيال الفعل الواحد، حيث يعتبره البعض إرهاباً، وينظر إليه الآخرون باعتباره عملاً من أعمال النضال الوطني (والمقاومة لمحتل)، وقد أخفق المجتمع الدولي في الوصول إلى تعريف للإرهاب، والذي يتابع مناقشات الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في اللجنة السادسة القانونية منذ عام 1973م وحتى الآن يستطيع أن يتبين بوضوح مدى اختلاف وجهات نظر الدول نحو الإرهاب... والتي تتوقف على النظرة المصلحية للدولة بصرف النظر عن المبادىء والقيم الأخلاقية.

ولقد دعا أحد الكتاب إلى العدول عن مصطلح الإرهاب إلى مصطلح الظلم معللاً ذلك بقوله: أما الإرهاب فإنه حمّال أوجه ومتعدد المفاهيم، لم يتفق له على معنى محدد، أو تعريف جامع مانع بعد... والظلم مفهومه واضح، لا لبس فيه ولا غموض، يدركه الإنسان بفطرته، بينما الإرهاب لا تزال مفاهيمه غامضة ودوافعه متعددة، يسمح تحالف الناس على مكافحته بسوقهم إلى حرب مدمرة يخوضونها باسمه، ثم سرعان ما يكتشفون أنهم خدعوا بشعارات براقة تخفي وراءها تحقيق مصالح خاصة تنطلق من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

17

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 رغبة بالاستئثار والتسلط.

 
ومع عدم وجود تعريف دقيق للتطرف والإرهاب فهو أيضاً معنى نسبي يتأثر بالشخص نفسه وموقفه من الدين.
 
ويقول باحث أن التطرف وصف معياري، حيث لا يمكن تحديد التطرف دون تحديد الحد المعياري الذي ينبغي تجاوزه لتطلق على الفعل أو الشخص لفظ متطرف1.
 
هناك من يرفع شعار مواجهة التطرف والإرهاب وأمثال هؤلاء قد يكون لا صلة لهم بالدين، أو يكون ممن رق دينه، فهم يتخذون واقعهم معياراً لما يحكمون به على التطرف والإرهاب، ذلك "أن مقدار تدين المرء وتدين المحيط الذي يعيش فيه، حيث القوة والضعف، له أثره في الحكم على الآخرين، بالتطرف أو التوسط أو التسيب.
 
فمن المشاهد أن من كانت جرعته من التدين قوية، وكان الوسط الذي يعيش فيه شديد الالتزام بالدين، يكون مرهف الحس لأي مخالفة أو تقصير يراه. حتى أنه ليعجب أن يوجد مسلم لا حظ له من قيام الليل، أو صيام النهار، وفي هذا ورد القول المأثور: حسنات الأبرار، سيئات المقربين.
 
... وفي مقابل هذا نجد الشخص الذي قل زاده من التدين علماً وعملاً، أو عاش في محيط تجرأ على محارم اللَّه وتنكر لشرائعه، يعتبر التمسك بالحد الأدنى من الدين، ضرباً من التعصب أو التشدد"2.
 
 
2- هل من دراسة علمية للتطرف والإرهاب:
 
هل هناك من مفهوم واضح للتطرف والإرهاب، وإذا كان هناك من مفهوم يستند على أسس موضوعية وعلمية، ما هو المعيار المشتق من هذا المفهوم، وإذا تم ذلك كيف نقوم بتطبيق هذا المعيار على المناهج الدراسية لمعرفة مدى صلتها بالتطرف والإرهاب.
 
إذن أين هذه الدراسة؟ أين الخطوات العلمية المتخذة في ذلك؟
 
إن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة تحوير أجزاء من محتوى المنهج دون خطوة علمية موضوعية تنتظر إلى المنهج بكافة عناصره نظرة شاملة.
 
 
 

1- محمد بن عبد اللَّه الدويش: هل لمناهجنا صلة بالتطرف والإرهاب، مجلة البيان، لندن، السنة السابعة عشرة، العدد 173، 1423 هـ - 2002م، ص 34.
2- يوسف القرضاوي: 6 علامات للتطرف الديني، مجلة العربي، العدد 278 ، 1402 هـ - 1983 م، ص 32 - 33.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

18

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 3- من المستفيد من الهجمة على المناهج؟

 
حين يتحدث الغرب وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية عن تنقية المناهج مما يغذي الإرهاب فإنهم يتحدثون عن نوع محدد من الإرهاب ذلك هو الذي يتهدد مصالحهم، بل يسعون إلى تنقية المناهج من كل ما يعارض مصالحهم ونفوذه.
 
ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس التدخل في خصوصيات المجتمعات الأخرى، إلا أنها لا ترضى ذلك لنفسها وهي القائلة قبل عشرين عاماً: "لو قامت قوة بفرض نظام تعليمي علينا لكان ذلك مدعاة لإعلان حرب".
 
4- الظروف الحالية:
 
ترتبط المناهج بهوية الأمة، وتشكل عاملاً مهماً في إعدادها وتربيتها، ومن ثم فالتعامل معها لا يسوغ أن يخضع لظروف طارئة، فالظروف تتغير وتتبدل، فكيف بمثل هذه الظروف التي أحدثت ضخامتها هزة في طريقة التفكير والتعاطي معها، فلا عجب إن صدرت تصريحات طائشة ومواقف مندفعة.
 
ولئن عظم الخطب في قرارات ومواقف اتخذت استجابة لهذا الاندفاع غير المتزن مع الحدث، فالخطب سيكون أعظم حين يمتد إلى مناهج التسليم التي تحتاج إلى أن يتعامل معها في ظل أوضاع هادئة بعيداً عن التشنج والانفعال، وبعيداً عن الاستجابة لردود الأفعال1.
 
5- هل الدين الإسلامي يغذي الإرهاب أم يعالجه؟
 
تنطلق الحملة على المناهج عامة في العالم العربي والإسلامي، وخاصة على المناهج الشرعية والمدارس الدينية من فرضية مؤداها أن التعليم الشرعي يغذي الإرهاب، لكن هناك من رجال التربية من يعكس الأمر فيقول: إن زيادة الجرعة الشرعية هي التي تقي من التوجه للإرهاب والتطرف2.
 
يقول الدكتور محمد إسماعيل علي: إن الطلبة في جامعة الأزهر لا ينتسبون أو يتصنعون بالتطرف على الإطلاق، وإنما هم طلاب معتدلون فـي أفكارهم يقبلون
 
 
 

1- أنظر: محمد بن عبد اللَّه الدويش: هل لمناهجنا صلة بالتطرف والإرهاب، مرجع سابق، ص 53.
2- المرجع نفسه، ص 53.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

19

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 الأمور ببساطة، ويفهمون دينهم فهماً واسعاً عميقاً وشاملاً مختلطاً بالعلوم المدنية الحديثة.

 
وعلى الجانب الآخر كنت أجد في الجامعات الأخرى كثيراً من التطرف وربما يكون سببه من وجهة نظري مظاهر الاستفزاز الموجودة داخل هذه الجامعات من بهرجة قد تستفز بعض الطلاب. وربما يكون افتقاد دراسة الدين الصحيح في هذه الجامعات. ذلك لأن طلابها بصفة عامة لو أجريت إحصائية سنجد أنهم أكثر تطرفاً. أما طلاب جامعة الأزهر فأقل تطرفاً... والشباب كلما عرف دينه كلما كان متسامحاً أكثر تجاه الأديان الأخرى.
 
هذا الرأي استقيته من اختلاطي بطلاب جامعة الأزهر يدعوني إلى أهمية التركيز على تدريس مادة دينية في الجامعات الأخرى. فطلاب الأزهر لا يدرسون الدين لمجرد أداء الصلوات. وإنما يدرسون المذاهب الفقهية ويطلعون على الآراء المتصارعة بين فقهاء المسلمين ويتعلمون كيف يكون الحوار وكيف يصل الإنسان إلى النتيجة المرغوبة. وأن الحقيقة هي الجوهر المبهج، وأن العلم بالشيء خير من الجهل به، وهم يتعلمون كيف يفسرون الأحاديث النبوية تفسيراً صحيحاً وكيف يقارنون بين المذاهب. أما في الجامعات الأخرى فأنتم تعلمون جميعاً أنهم لا يدرسون من الدين إلا القشور. وقد لا يدرسون شيئاً على الإطلاق1.
 
يقول الدكتور المستشار علي جريشة: إن الكثيرين من الذين اتهموا بالعنف هم من خريجي المدارس العادية وليست الدينية، فالعنف ليس سببه مناهج التعليم، إنما هم يدعون ذلك لضرب المؤسسات التعليمية الدينية2.
 
6- هل الطالب مخرج للمدرسة أو للجامعة وحدها؟ وهل مظاهر التطرف تبدو في مدارسنا في العالم العربي والإسلامي وغيرنا صفحة نقية بيضاء؟
 
إن الطالب مخرج لعوامل ومؤثرات عدة: الأسرة، والرفاق، والمجتمع، ووسائل
 
 
 

1- محمد إسماعيل علي: المؤسسة التعليمية والتطرف (ندوة)، مجلة التربية المعاصرة، مرجع سابق، ص 223- 323.
2- علي جريشة: في مناهجنا الدينية بريئة من الإرهاب، مجلة المجتمع، الكويت، العدد 1915، 1423 هـ - 2002 م، ص 28.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

20

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 الإعلام، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فهل من المقبول علمياً أن نختار مجموعة من سمات وأعمال الطالب لنحيلها إلى المدرسة؟

 
إننا حين نتأمل في واقع تلاميذ المدارس نرى أن ثمة أعداداً وقعت في جرائم جنائية، وأخرى وقعت في المخدرات، وأن هؤلاء أضعاف أولئك الذين اتهموا بالقيام بالأعمال الإرهابية، فلم يقال بأن الإرهاب من مخرجات مناهج التعليم، ولا يقال أن الجريمة والانحراف وتعاطي المخدرات والبطالة هي من مخرجات مناهج التعليم؟
 
إن من يطرق أبواب الولايات المتحدة الأمريكية، ويدخل إلى مدارسها يرى ظاهرة العنف والإرهاب في مدارسها، ويمارس تلاميذها أعمال الإرهاب البشعة قبل أن يتجاوزوا أسوار المدرسة.
 
ففي 11/3/2000 م قُتل شاب رمياً بالرصاص وأصيب اثنان آخران بجروح قرب إحدى المدارس الثانوية في ولاية جورجيا الأمريكية. وفي أبريل من العام نفسه قتل تلميذان (12) من زملائهما وإحدى المدرسات بعد أن يطلقان النار بشكل عشوائي في إحدى مدارس دينفر بولاية كولورادو. وفي مايو ــ أيار أصاب تلميذ ستة من زملائه بجروح حين أطلق النار عليهم في مدرسة ثانوية قرب بلدة كونييرز في ولاية جورجيا. ومنذ فترة أطلق صبي في العاشرة من العمر النار على زميلة له فأرداها قتيلة في إحدى مدارس ولاية ميتشيجان1.
 
7- كم نسبة المتهمين بقضايا الإرهاب والتطرف في العالم العربي والإسلامي؟
 
إن من يتهمون اليوم بالضلوع فيما يصنف على أنه أعمال إرهابية لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة جداً من ملايين طلاب المدارس الذين يدرسون المناهج نفسها، ويعلمهم المعلمون أنفسهم، فلم لم يظهر أثر هذه المناهج على هذه الفئة المحدودة جداً من التلاميذ؟ (وهنا نستعمل مصطلح الإرهاب والتطرف وندرك أنه ليس هناك من وضوح في المفهوم، وكل يعرفه حسب مصالحه، وحسب معاييره).
 
ثم هل يتناسب هذا مع ما يقال حول حجم ما يؤدي إلى الإرهاب ويغذيه؟
 
 
 

1- محمد بن عبد اللَّه الدويش: هل لمناهجنا صلة بالإرهاب والتطرف، مرجع سابق، ص 36.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

21

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 لقد كانت مناهج التعليم كما هي عليه اليوم، والتغيرات التي طرأت عليها لا تخرجها من دائرة ما يوصف بأنه تغذية للإرهاب فلمَ لم يظهر أثرها إلا اليوم وفي هذه الظروف بالذات؟ لو أن المناهج والمقررات الدراسية هي التي تخرج الإرهابيين، لكان هؤلاء الإرهابيون بمئات الألوف، بل لربما كانوا أو كُنّ بالملايين ولكانت الأوضاع غير الأوضاع والأحوال غير الأحوال.

 
بل إن معظم المتهمين بالضلوع في هذه الأعمال هم ليسوا من خريجي المعاهد الشرعية، ونسبة منهم ممن لم يكملوا تعليمهم وقليل منهم كانوا متفوقين في دراساتهم.
 
فلِمَ لا يقال إن هناك عوامل أخرى أدت إلى نشوء هذه الظاهرة غير تأثير المناهج والمعاهد الشرعية؟
 
بل لو جزمنا بنفي تأثير المناهج والمعاهد الشرعية من خلال حجم المتهمين بذلك لكنا أكثر منطقية وموضوعية من نسبة التأثير إليها1.
 
وأنا أسأل ما هي المناهج التي تربى عليها من سمي بالثوريين أمثال: الفيغارية في أميركا اللاتينة وتيار العنف المسلح داخل الحركات التقدمية واليسارية والشيوعية (التوباماروس في الستينات والدرب المضيء في الثمانينات) لا بل حتى داخل الكنيسة المسيحية (ظاهرة الآباء الحمر في السلفادور، والأب كاميليو توريش كمثال ولاهوت التحرر كإطار)... ولنتذكر كاثوليك إيرلندا الشمالية وجيشهم السري، وجماعات الباسك، في إسبانيا، والكورسيكيين في فرنسا. فهل نقول أن الكاثوليكية أو القومية أو اليسار والشيوعية، عنف وتطرف مطلق؟ أم نضع هذا العنف في إطاره الصحيح ونبحث عن جذوره وأسبابه؟2 وهنا لا بد لي أن أشير إلى العنف الصهيوني في فلسطين من خلال منظماته الإرهابية في فلسطين قبل الاحتلال وإقامة الكيان الصهيوني (الهاغانا، وأرغون زفائي ...، وشتيرن)، والتي انقلبت في الكيان الصهيوني إلى ارهاب دولة تجاه الشعب الفلسطيني.
 
 
 

1- المرجع السابق نفسه، ص 37.
2- سعود المولى: الحوار الإسلامي المسيحي، ضرورة المغامرة، بيروت، دار المنهل اللبناني، ط، 1996 م - 1416 هـ، ص 28 - 29.




 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

22

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 8- الكيل بمكاييل متعددة:

 
أ- الولايات المتحدة الأمريكية:
 
الإرهاب تهمه يركز فيها غالباً على المسلمين، أما غيرهم ممن يمارس أبشع صور الإرهاب منهم بريئون منه، وعلى رأس هؤلاء الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني الإسرائيلي. وها نحن نرى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يدعم رجل السلام المتميز أرييل شارون الذي يقتل الأطفال ويهدم البيوت، ودولة إسرائيل بؤرة خطيرة للإرهاب الذي يهدد السلام العالمي والأمم المتحضرة، كما أن الولايات المتحدة ظهر إرهابها في أفغانستان والعراق.
 
إن مدارسنا الدينية الشرعية الإسلامية تحارب في ديارنا، رغم أن المدارس الدينية اللاهوتية في أمريكا لا تعد مشكلة، ولا أثر لها في الإثارة ضد الآخر، أو تحريك النزعات الدينية، ففي عام 1945 ــ 1955 م كان عدد المدارس الدينية اليومية في الولايات المتحدة الأمريكية لا يزيد عن (123) مدرسة تضم (13) ألف تلميذ، وفي عام 1980 م وصل إلى (18) ألف مدرسة تضم أكثر من مليوني تلميذ.
 
أما عقلية العنف والإرهاب في المجتمع الأمريكي فيعبر عنها كاتبان أمريكيان كان عنوان أحد فصول كتابهما (أكثر دول العالم عنفاً في العام) ومما جاء في المقابلات التي أجراها هؤلاء مع شريحة من المجتمع الأمريكي: (أحب قتل الناس بالمتفجرات)، (أشعر بحاجة للقضاء على كل الناس المزعجين الذين يضايقونني)، (أشعر برغبة في ضرب الناس لأني لا أحبهم)، (أريد أن أبيد العالم وأبدأ من جديد، أريد أن أقتل كل الناس)، ومهما قيل بشذوذ هذه الحالات فهي حالات موجودة فلِمَ لا تصنف ضمن دائرة الإرهاب1؟
 
ب- الكيان الصهيوني في فلسطين:
 
في إسرائيل يتعلم التلميذ كل ما يغذي الإرهاب لكن ذلك لا يعد مشكلة تستحق الذكر، والصهيونية والدين اليهودي على علاقة وثيقة، ومناهجها وكتبها سموم من الغلاف إلى الغلاف.
 
 
 

1- محمد بن عبد اللَّه الدويش: هل لمناهجنا صلة بالإرهاب والتطرف، مرجع سابق، ص 36 - 37.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

23

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 تبلغ نسبة المتدينين من التلاميذ في إسرائيل إلى التعليم الديني الحكومي في المرحلة الابتدائية (21.6%) كما تبلغ نسبة المنتسبين إلى المدارس التابعة للأحزاب الدينية الأرثوذكسية (9.9%) أي أن (31%) من تلاميذ المرحلة الابتدائية يدرسون في مدارس دينية، ولا يوجد في العالم الإسلامي دولة نسبة الملتحقين بالتعليم الشرعي هذا الرقم.

 
ومع انتشار التعليم الديني في إسرائيل فمناهجهم تطفح بما يغذي الإرهاب ويذكي جذوته ويقضي على أي انفتاح في النظر للآخر أو التعايش معه.
 
وهناك دراسة أجريت على (280) كتاباً ألحقت بالعرب المواصفات التالية: لصوص (42) كتاباً، مخربون (36) كتاباً، قناصون وقتلة (37)، مختطفو طائرات (31)، مغتصبو أملاك (41)، يحرقون الحقول والأشجار (17) أعمال قاسية دون تحديد (181).
 
وفي مقرر الصف السابع هجوم سيء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووصفه بالغارق في الأحلام، وأنه يأمر أتباعه بنشر الدين بقوة السلاح، وأنه يستعمل المكائد والمؤامرات في حرية مع اليهود. (وتزييف لتاريخنا).
 
وفي لقاء أجراه مركز مراقبة تداعيات السلام مع طالب عمره سبعة عشر عاماً يدعى (دانيال بافوليجي) وجاء فيه: إن تلك الكتب تعلمنا أن كل ما يفعله اليهود صحيح وشرعي، بينما تصور العرب بأنهم دائماً على خطأ ويحاولون إرهابنا، وذكر أن أحد أصدقائه بادله الرأي بقوله إنه شعر بسخط شديد في أعقاب محاضرة له بالمدرسة، وأحس برغبة شديدة في قتل أول عربي يقابله وقال: يعلموننا التباغض بدل التسامح، والكثير من مدرسينا يثيرون سخطنا نحو العرب1.
 
ولقد لاحظ بعض الباحثين أنه من خلال دراسة أجراها أساتذة علم الاجتماع في إسرائيل على تلاميذ المدارس الابتدائية الصهيونية بالأرض المحتلة، أن 60% من الأطفال الذين أجريت عليهم الدراسة والذين تتراوح أعمارهم ما بين 9 ــ 14 سنة أبدوا رغبة في الإفناء الكلي للسكان العرب المدنيين المقيمين في الأرض المحتلة في حال وقوع صراع مسلح مع الدول العربية2.
 
 
 

1- المرجع السابق نفسه، ص 37.
2- هادي نعمان الهيتي: أدب الأطفال فلسفية، فنونه، وسأعطه، بغداد، وزارة الإعلام، 1977 م، ص 123.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

24

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 ولعل ما يميز التربية في إسرائيل عسكريتها وإن ما يميز عسكرة التربية والتعليم في هذه الدولة المحتلة أنها تجعل التلميذ خصوصاً في المراحل الإعدادية والثانوية جندياً. وبهذا تتكامل المناهج مع التربية لتؤدي دوراً واحداً وهو خلق جيل متطرف معبأ بكافة المبررات ليسلب ويغتصب حق الآخرين.

 
ومن يطلع على مناهج التعليم في جميع المراحل يشد انتباهه التوجه العام القائم على التنشئة التربوية بروح العسكرة والتجنيد للجيش وإعداد الطفل حتى يكبر فيصبح مقاتلاً1.
 
وكذلك في غالبية كتب التدريس لا يزال اليهودي يوصف بأنه جالب الحضارة والعربي هو البدائي والمتخلف.
 
ومن يطلع على هذه الكتب وما كتب حولها يرى أن أبرز أهداف مناهج التعليم في الكيان الصهيوني، والتي تحتل مكان الصدارة هي الأهداف الإيديولوجية القومية والوطنية، ولقد برز الهدف الإيديولوجي الرئيس الذي يسعى إلى تنشئة مواطنين يؤمنون بالمبادىء والقيم والأفكار الصهيونية، بينما يسعى الصهاينة إلى طمس هوية العربي وانتمائه من جهة ومحاولة (أسرلة) الفلسطينيين في فلسطين المحتلة2.
 
ومع هذا فهم يطالبون بتغيير الكتب العربية والإسلامية، ولا يطالبون أنفسهم بذلك، ويتهمون مناهجنا التعليمية بتخريج إرهابيين. ولا ينظرون إلى عنصرية وصهيونية وتطرف مناهجهم التي تعكس حقيقة ما تربي عليه دولة الاحتلال أجيالها.
 
وهذا يظهر الانتقائية في التعامل مع ظاهرة الإرهاب من قبل الأمريكان والإسرائيليين.
 
نماذج من التطرف المزعوم في المناهج الدراسية الإسلامية:
 
حين نعود إلى ما يقوله من يصم المناهج بالإرهاب نرى أن من صور الإرهاب والتحريض عليه ما يأتي:
 
 
 

1- وسام عفيفة: مناهج التعليم الصهيونية نموذج للتربية العنصرية، مجلة المجتمع، العدد 1488 ، 1423 هـ- 2002 م، ص 25.
2- المرجع نفسه، ص 32.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

25

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 1- الجهاد في سبيل اللَّه:

يقول أحدهم "فقه الموت هو الذي ما زال يدرسه أبناؤنا في مدارس العالم الإسلامي وجامعاته باستثناء تركيا وتونس، لأن برامج التعليم غسلت أدمغتهم ولقنتهم منذ نعومة أظفارهم فقه الحروب الصليبية القائل: الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة إذا غزت الحرب دار الإسلام سواء كانت ظالمة أو مظلومة"1.
 
2- أحكام الزواج والأسرة:
تقول إحدى الكاتبات في النيويورك تايمز: "هل تتصور أن المرأة في السعودية ليس من حقها أن تتزوج على زوجها، في الوقت الذي يتزوج الزوج عليها؟ هل تتصور أن الرجل في السعودية يطلق امرأته، بينما المرأة لا تستطيع أن تطلق زوجها؟ هل تتصورون أن الرجل في السعودية يتزوج من كتابية، ولكن المرأة السعودية لا تستطيع أن تتزوج من كتابي؟ وتطالب السيدة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية أن تتدخل لدى الدول العربية والإسلامية لانصاف المرأة كما تدخلت لانصاف المرأة الأفغانية"2.
 
3- الثناء على زوجات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
عندما يرد في الكتاب المدرسي أخباراً عن خير النساء، ومنهن زوجات الرسول يكون الحديث عنهن فيه ما يغذي الإرهاب ويذكيه.
ولنستمع إلى ما يقوله أحد التربويين أنه في مقرر اللغة العربية للصف الثاني الإعدادي في مصر، في مادة النصوص طبعة عام 91 - 92 موضوع بعنوان "المرأة العربية" وفي هذا الموضوع تمجيد وتركيز مبالغ فيه على زوجات الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، يقول: أليس هناك نماذج أخرى من تاريخنا الممتد على الآلاف من السنين سواء في الحقبة الفرعونية أو الحقبة القبطية تحدث توازن ما بين تلك النماذج المقدمة في فترة معينة... هناك سيدات فاضلات من هنا ومن هناك؟ لماذا الإصرار على الأحادية؟"3.
 
 

1- محمد بن عبد اللَّه الدويش: هل لمناهجنا صلة بالتطرف والإرهاب، مجلة البيان، لندن،السنة السابعة عشرة، العدد 173، 1423 هـ - 2002 م، ص 31.
2- المرجع نفسه، ص 32.
3- شبل بدران: المؤسسة التعليمية والتطرف (ندوة)، مجلة التربية المعاصرة، القاهرة، العدد السادس والثلاثون، السنة الحادية عشرة، 1994 م، ص 318 - 319.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

26

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 4- أحداث السيرة1:

هناك نموذج من التهذيب للصف الثالث الثانوي، ورد في ص124، طبعة 92 - 1993 م موضوع "التطرف والارهاب" يصف فيه المؤلف بعض الصحابة بالتطرف والارهاب، في حين أن هذا غير صحيح، كما أنه لا يليق في حق صحابة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم.
 
حيث قال مؤلف الكتاب ما يلي: "قديماً تطرف الرومان ضد المسيحيين... فقد كان الرومان يطلون المسيحي بالقار ويشعلون فيه النار... وتطرف اليهود ضد نصارى نجران فأشعلوا النيران في الأخدود واستاقوا عشرين ألفاً من المسيحيين إلى هذه النار... إن التطرف ظاهرة بشرية رأيناها في الرومان واليهود... بل وحتى في بعض المسلمين فقد نهر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الثلاثة المتشددين الذين نذر أحدهم أن يصوم الدهر ولا يفطر ونذر الآخر أن يقوم الليل ولا ينام ونذر الثالث أن لا يتزوج، لقد نهاهم صلى الله عليه وآله وسلم ــ عما يفعلون وعلمهم أنه ــ وهو رسول اللّه وأتقى الناس للَّه يصوم ويفطر، ويصلي ويرقد، ويتزوج النساء، وأن من رغب عن سنته فليس منه" انتهى.
 
ونلاحظ أن المؤلف في البداية وصف هؤلاء الصحابة بالتشدد، ولا اعتراض منا على ذلك ولكنا نعترض على وصفهم بعد ذلك بالتطرف من خلال السؤال رقم (4) صفحة 126 الذي يقول فيه المؤلف: "أذكر قصة الثلاثة المتطرفين الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التطرف؟" كما وصفهم المؤلف بالارهاب عندما قرن كلمة التطرف بكلمة الارهاب في عنوان الدرس. والحقيقة أن صفة التطرف والارهاب لا تنطبق عليهم حيث لم يقترن تشددهم هذا بالقتل وسفك الدماء ومحاولة فرض رأيهم بالقوة كما فعل الرومان واليهود.
 
5- إنشاء المدارس الدينية:
 
إن مجرد إنشاء مدارس تعنى بتعليم الدين وأحكامه، وتربي التلاميذ عليه يعد عاملاً مهماً من عوامل انتشار الارهاب.
 
وها هو أحد التربويين يقول: إن إنشاء مدارس للروابط والهيئات الدينية الخيرية باسم الإسلام أمر غير مطلوب، حيث يتم اختيار التلاميذ والمعلمين الذين يقومون
 
 
 

1- جمال عبد الهادي وآخرون: تطوير أم تضليل في مناهج التربية الإسلامية ، لا.م.لا.ن.لا.ت، ص 36 .


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

27

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 بالتدريس على أساس ديني صرف. إن موافقة الوزارة على إنشاء تلك المدارس يعد مساهمة منها في تأجيج الصراع الطائفي والمعرفي والديني في بلد لم يعرف لهذه الظاهرة وجود من قبل. إن الصمت الثقافي أو الصمت الرسمي على تلك الممارسات يعد مشاركة بشكل أو بآخر1.

 
ومن هنا ومن أمثال هؤلاء من أبناء جلدتنا أفسح المجال إلى تلك الحملة الشرسة على المدارس والمعاهد الشرعية في باكستان، واليمن، والسعودية، وقبل ذلك تركيا.
 
تجربة تغيير مناهج التعليم في مصر:
 
إن قضية تغيير المناهج التعليمية في المنطقة العربية والإسلامية لم تفتر منذ معاهدة كامب ديفيد، مروراً باتفاقيات مدريد وما تلاها، إلا أنها طفت على السطح وازدادت زخماً في ظل أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال الربط الأمريكي بين المناهج التعليمية المقررة في عدد من الدول من بينها مصر والسعودية والباكستان، واليوم العراق، وغيرها من البلدان، وبين ما تسميه الولايات المتحدة إرهاباً. وزاد حجم التركيز خاصة على التعليم الديني.
 
ورأت الدول الغربية الفرصة مناسبة من أجل إجراء عمليات تغيير واسعة للمناهج وفقاً لما كانت تطالب به تلك الدول سراً من قبل.
 
وازدادت مطالب الدول الغربية حدة وصراحة بتغيير المناهج، والتلويح بالاتهام بالمروق في وجه الدول التي تأبى التغيير.
 
لقد أصبح جلياً أن قضية المناهج التعليمية لم تعد شأناً داخلياً ترتبه الحكومات متى وكيف شاءت، وتهمله أو تؤجله متى فترت، وإنما أصبحت شأناً عالمياً في ظل ثقافة العولمة وبفعل أدواتها، وأصبحت في منطقتنا العربية والإسلامية قضية ذات أبعاد ثقافية واقتصادية وسياسية بل وربما عسكرية إن لزم الأمر.
 
صحيح أنها لم تكن المرة الأولى التي تكتسب فيها هذه الأبعاد لكنها هذه المرة كانت الأكثر وضوحاً، والتي حشدت كل الأبعاد فيها دفعة واحدة، بحيث لم تعد مسألة تغيير
 
 
 

1- شبل بدران: المؤسسة التعليمية والتطرف، مرجع سابق، ص 320 - 321.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

28

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 المناهج التعليمية وفق الجداول المطلوبة شأناً داخلياً بل أصبح إدارة عالمية وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط1.

 
إن الأبعاد المختلفة للتغيير بشكلها العالمي ظهرت من خلال: السياسة، والاقتصاد، والدين من خلال حوار الأديان، ومنظمة اليونسكو، وبرامج المساعدات والمنح، واتفاقيات السلام مع اليهود ضمن مشروع الشرق أوسطية، وشروط البنك الدولي للمساعدة، ومباحثات الشراكة المتوسطية، واللجان البحثية المشتركة، والندوات والمؤتمرات المختلفة المشارب والتوجهات، وضمن البنود الثقافية لاتفاقية تحرير التجارة العالمية.
 
وتتم عملية التغيير تحت مسميات براقة يجعل منها صنم عجوة يُقدس حيناً وتنزع القداسة عن سواه، ثم لا يلبث أن يؤكل أمام جوعة من الجوعات ليصنع صنماً جديداً مثل ألفاظ التطوير والتغيير والتنمية والثورة العلمية، فالعملية لا بد أن تتم بأسماء براقة.
 
والحقيقة أن التطوير لم يكن تطويراً بشهادات الواقع واعترافات المسؤولين، وتقويمات المتخصصين من أهل الشأن، وإنما هي واقعة ضمن التبديل، بدلالته القرآنية.
 
أما لفظ (المنهج) فهو يتخطى حقيقة مادة المقرر التعليمي إلى الخلفيات العقدية والتربوية، لأن المنهج لا يحمل مادة معلوماتية مجردة، وإنما يحمل إلى جانب حقائق العلم أو أغاليط التصور، منهجية الحكم، وأسلوب التعامل، وطريقة الحياة... وهذه التي يسعى الغرب إلى تغييرها، ومن ثم فإن حذف عبارة معينة من منهج مقرر للدراسة قد لا تعني مجرد تغيير ألفاظ بغيرها فقط، ولكن تعني لوناً من التحريف والتبديل الذي يراد به وما بعده، ومن هنا نجد أن عملية التبديل التي تمت في المناهج إنما عمدت إلى طريقة بعينها، فقامت على طمسها بعناية يعوزها في كثير من الأحيان اللياقة.
 
ولا يعني وصفنا له بالتبديل هنا أن الأصل سالم مبرأ... لا!.. وإنما للإشارة إلى أمر خطير هو أن التبديل إنما عمد إلى معاني الكمال فمحاها، وكثيراً ما أبقى ما سواها، والتتبع لهذه المسألة أمر يطول، ولكن يمكن ببعض الأمثلة من النموذج المصري بما يمثله
 
 

1- محمد أحمد منصور: مناهج التعليم، مجلة البيان، الرياض، السنة السابعة عشرة، العدد 173 ، 1423 هـ - 2002 م، ص 40.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

29

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 من تجربة لها ريادتها وخبرتها في هذا المجال أن يطلع الناس على قدر العناية التي كانت تصفى بها مادة الإسلام من مقررات التعليم...

 
وقد اخترت تجربة مصر وما حدث فيها من تغيير للمناهج، لأن هذا البلد أحبه وتعلمت في جامعاته لفترة من الزمن، وكان له فضل عليّ، لكن حبي لهـذا البلـد، وقناعتي بمكانة مصر في العالم العربي والإسلامي، وهي ركن أساسي في المجموعة العربية لا يمكن سلخه عنها، ولا يمكن لأي إنسان عربي أن ينسى الدور المشرق للشعب المصري والثمن الذي دفعه في الدفاع عن العروبة والإسلام، ومقاومته للاستعمار بشتى أشكاله.
 
لذلك فنحن لسنا ضد التطوير، بل نريده تطويراً حقيقياً كما تلقيناه عن كبار أساتذتنا وغير مفروض فرضاً بل نابع من ذاتنا، من حاجاتنا، من عقيدتنا التي حددها رب العالمين، وبحيث يهدف التطوير إلى تبسيط المناهج والمقررات، واختصار الجانب النظري منها، لحساب الجانب العملي التطبيقي، بالإضافة إلى مواكبة التطورات الحديثة والمكتشفات العلمية، وإزالة للتناقضات بين بعض المقررات الدراسية، وأن يكون التطوير ترسيخاً لعقيدتنا، وقيمنا، وبلورة لشخصيتنا، وإظهار هويتنا.
 
لذلك فإن مصر مستهدفة، وذلك يعود كما تقول د. كوديت كوكران: مصر هي القائد التربوي في الشرق الأوسط كما أنها المخطط والمنفذ في الماضي والحاضر للسلوك الاقتصادي والاجتماعي في الشرق الأوسط، وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي وعلى مدى أكثر من ألف عام حيث كان الأزهر مركزاً للعلوم الإسلامية والتربية الإسلامية والفكر الإسلامي 1.
 
أولاً: التضليل في مناهج التربية الإسلامية في مصر
 
لقد عملت وتعمل أيادٍ خفية على محو الهوية الإسلامية للأمة ونشر أساليب الغزو الفكري من خلال كتب التربية الإسلامية ومناهجها، وتعرضت كتب التربية الإسلامية في مصر لعملية حذف واختزال وتشويه لكل ما له صلة بحقائق الدين الإسلامي وقيمه
 
 
 

1- حسن جودة وآخرون: الغزو الفكري في المناهج الدراسية، المؤامرة على التعليم والتعلم، لا.م.لا.ن.لا.ت، ص 34 .

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

30

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 وتقاليده. إنها عملية حذف واختزال بشعة لكثير مما له صلة بمبادىء الإسلام، وذلك بواسطة مركز تطوير المناهج - الأمريكي - في القاهرة.

حذفت شخصيات إسلامية، وأناشيد، ونذكر على سبيل المثال ما حذف من كتاب الصف الخامس الابتدائي (عام وأزهر) في مرحلة التعليم الأساسي.
 
نشيد "قرآن ربي" ص75 ومن كلماته:
 
سبحانك ربي سبحانك                          أنزلت على الناس بيانك
أنــزلت علينا قرآنك                         ربي ما أعظم إحسـانك
 
حذف من هذا النشيد الأبيات التالية:
 
فيـــه من فضـلك آيـات                  وهـدى للناس وبركات
قصص الماضي وعظـات                         نتلوها نبغـي رضوانك
سبحانك ربـي سـبحانك                      نزلت كضياء من بـدر
لرسولك فـي ليلة قـدر                        تزهو باليمــن وبالخــير
وســـلام حتى الفجر                       سـبحانك ربي ســبحانك
 
كما حذف من صفحة 75 نشيد الحج، ومن صفحة 156 نشيد أنا يا قوم مسلم1.
 
وفي مرحلة التعليم الثانوي وفي كتاب الصف الأول الثانوي، تأليف د. عبد المنعم النمر وآخرين، طبعة 88 - 89 ألغي منها2:
 
1- حذف الآيات التي تتحدث عن فرعون وطغيانه (سورة الجاثية) صفحة 18.
 
2- إلغاء السورة التي توجب تطبيق الشريعة والتي تسمى سورة "الشريعة" وهي سورة (الجاثية) ص26 وفيها قول اللَّه تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
 
هذه الآيات تعرف التلاميذ بأن تطبيق شرع اللَّه واجب، وأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان. وأنه شامل لجميع الأحكام، وأنه دين اليسر والسماحة والاعتدال.
 
3- الغاء الحديث الشريف الذي يحض على الجهاد في سبيل اللَّه. هذه الأحاديث
 
 
 

1- جمال عبد الهادي وآخرون: تطوير أم تضليل في مناهج التربية الإسلامية، لا.م.لا.ن.لا.ت، ص 3 - 5.
2- المرجع نفسه، ص 10 - 16.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

31

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 التي تعلم التلميذ أن الجهاد يكون بالمال والسلاح كما يكون بالكلمة المسموعة والكلمة المكتوبة. وإن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.


4- وضع الخمر والمخدرات تحت عنوان الممنوعات، بعد أن كانت تحت عنوان "المحرمات".

ومن كتاب الصف الثاني الثانوي حذف موضوع (مصادر الشريعة) القرآن - السنة - الاجتهاد، ص69 وحذف معه موضوعات (مراحل تدوين السنة - وكتب الحديث المشهورة - وشروط الاجتهاد - وأشهر المجتهدين، والكتاب الجديد لم يأت في هذا الموضوع إلا بأشياء منثورة وقليلة. وحذف أيضاً موضوع الرشوة، وموضوع البركة في الصدق.

ثانياً: الهجمة على الهوية الإسلامية في مناهج اللغة العربية في التعليم العام والتعليم الأزهري في مصر

تحت اسم التطوير، تم رفع آيات قرآنية، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأخبار الرسل والأنبياء والأناشيد الإسلامية، وأخبار الصحابة والتابعين من كتب القراءة المقررة، على الصفوف الخمسة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي بوزارة التربية والأزهر.

ففي كتاب الصف الأول حذف حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم "وخيركم من تعلم القرآن وعلمه"، في طبعة 1990، ص4.

وفي كتاب الصف الثاني في موضوع (أهلاً وسهلاً) حذف منه عبارة (السلام عليكم)، وفي الأصل كانت العبارة "إذا مررتُ بجماعة أقول لهم (السلام عليكم)، فحل محلها "إذا مررت بجماعة ألقي عليهم التحية".

وفي كتاب الصف الثالث في موضوع (النظافة من الإيمان) ص71، حذف منه أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي "النظافة من الإيمان" وحديث "تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب".

وفي كتاب الصف الرابع في موضوع (شجاعة مصرية) ص86 عن حرب العاشر من رمضان مع اليهود حذف منه العبارة الآتية من التدريبات: (العدو المحتل كان اليهود ــ احتلال الأراضي المصرية لا أرضى به.. الخ). وبهذا يكون تم حذف العبارة الوحيدة التي ترشد التلاميذ إلى أن العدو المعني في الموضوع هم اليهود؟
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

32

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 وكذلك حذفت أناشيد متعددة (نشيد اللَّه ربي، ونشيد الصلاة، ونشيد الفتاة المصرية...)1.

 
هذا وأن المحذوف من موضوعات القراءة العربية ذو أهمية لأن الموضوعات التي تم حذفها من كتب القراءة للتعليم العام والأزهري تحوي نصوصاً قرآنية وأحاديث نبوية وموضوعات تربوية إسلامية، وكلها مما يحض التلاميذ على فعل الخير وتبغضهم بفعل الشر مثل:
 
أولاً: في الصف الثاني الابتدائي:
1- موضوع (البطل الصغير) وهو بحث على الجهاد دفاعاً عن الإسلام ومن عباراته قول قائد الجيش: (إن جيشاً فيه مثل هذا الغلام لا يمكن أن يهزم ولا بد أن ينتصر بإذن اللَّه).
2- موضوع (فاعل الخير).
3- موضوع (الولد الشجاع) عبد اللَّه بن الزبير.
 
ثانياً: في الصف الثالث الابتدائي:
1- موضوع (الكعبة المشرفة).
2- موضوع (العفو عند المقدرة). سلوك النبي عند فتح مكة.
3- موضوع (ذكاء وحسن تصرف).
 
ثالثاً: في الصف الخامس الابتدائي:
- موضوع (الفروسية) وهو يحببهم في البطولة والشهامة، ويذكر لهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تستحثهم على الجهاد والتضحية.
 
وغيرها في صفوف أخرى، وحل محلها موضوعات خالية من المبادىء والأهداف التربوية التي كانت تشتمل عليها الموضوعات المحذوفة حيث فرغ معظمها من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والفضائل الإسلامية الأخرى ووضع بدلاً منها موضوعات بعضها يخرب الشخصية الإسلامية. ويمسح هويتها2.
 
 
 

1- محمد عبد الرحمن طبل وآخرون: الغزو الفكري في المناهج الدراسية، المؤامرة على مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية، لا.م.لا.ن.لا.ت، ص5 - 10.
2- علي أحمد لين: الغزو الفكري في المناهج الدراسية، المؤامرة على الأزهر، لا.م.لا.ن.لا.ت، ص11 - 12.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

33

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 ثالثاً: التضليل في مناهج التاريخ الإسلامي في مصر وتشويهه:


تعد التوعية التاريخية ضرورة لاكتمال التوعية العقدية وبخاصة بعد أن تعرضت قضايا العقيدة الإسلامية والتاريخ الإسلامي لحملات التحريف والتجهيل على أيدي الحاقدين من متفلسفة ومستشرقين وباحثين غربيين (غير نزيهين) ومن سار على نهجهم ممن نتحسس بأن وراءهم عقل منظم ومدير، كما نتحسس بأن حملاتهم مدروسة ومخطط لها، لذلك فقد أصبح من الضروري مواجهة هذا بعمل جاد يستهدف تنمية المناهج الدراسية من مثل هذه الانحرافات. فإن من عرف تاريخه، فقد عرف ربه، وعرف دينه، وعرف نبيه، وعرف من هم أعداء الأمة ومن هم أصدقاؤها، وعرف الطريق إلى حل مشكلاتها.

ومما يلاحظ على هذه المناهج:

1- اغفال الهدف التربوي من دراسة التاريخ، وتجاهل الدروس والعبر المستفادة من الأحداث التاريخية والإدعاء بأن تاريخ الماضي لا يفيد الحاضر.

2- الاعتماد على مراجع مشبوهة، وعلى حاقدين، والعزوف عن المراجع الإسلامية الموثقة وبخاصة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.

3- إخفاء سوءات اليهود، وتزيين عقيدتهم، وإثبات حقوق مزعومة لهم في جزيرة العرب وغيرها من ديار المسلمين، وإظهارهم بمظهر المضطهدين حتى من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ودعوة الأمة إلى الاسترضاء وترك الجهاد... وغير ذلك مما يمكن اليهود من اغتصاب المزيد من أرض الإسلام.

4- عرض كم هائل من المعلومات التي تهدر جهد التلميذ والمعلم والأمة فيما لا يعود عليهم بالنفع، والعجيب أنه رغم الركام الفخم من أحداث التاريخ القديم فإن التلميذ قد حرم من أن يعرف شيئاً يذكر عن آدم وزوجه وبنيه الذين شكلوا نواة المجتمع الإسلامي الأول وبالمثل باقي الأنبياء، فهل تاريخ الوثنيات وتاريخ الشرق والغرب القديم أعز على أمتنا من تاريخ الإسلام الذي دعا إليه جميع الأنبياء والمرسلين.

ولننظر ما حدث للتاريخ الإسلامي من تشويه كنموذج، ففي تاريخ العصر النبوي حذفت أهم وقائع السيرة النبوية حتى بدت وكأنها سيرة شخص عادي لا سيرة أعظم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

34

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 الأنبياء، أو على أحسن الفروض سيرة مصلح أو زعيم تقليدي، حيث حذف منها مواطن الفطنة ونماذج القدوة، هذا فضلاً عن تشويه كثير من الوقائع التاريخية، (قارن بين طبعة 90 - 91 وطبعة 91 - 92)، فما تم من حذف من وقائع السيرة سيؤدي بالطبع إلى تجهيل التلميذ بحقائقها وما فيها من دروس وعبر تدفعه إلى الاقتداء بها1.

 
وفيما يلي أمثلة لما اختزل أو شوه. من وقائع السيرة النبوية في تاريخ الدولة الإسلامية بالصف الثاني الإعدادي (عام وأزهر)2.
 
1- أغفل أمر اللَّه إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن يجهر بالدعوة إلى اللَّه.
 
2- أغفل وقائع تعذيب آل ياسر وزوجة عمار سمية رضي اللَّه عنهما وتثبيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لهم.
 
3- أغفل موضوع هجرة صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة.
 
4- أغفل موضوع شجاعة علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه.
 
5- أغفل موضوع غدر اليهود.
 
6- حذف بعض الأمور من غزوات: بدر، والخندق، وفتح مكة.
 
7- أثيرت شبهات ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان، وضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما.
 
8- التنكر لتاريخ مصر الإسلامية هذا ولا بد من الإشارة إلى أن التغيير طال أيضاً مواد الجغرافيا، والفلسفة، والرياضيات... الخ.
 
رابعاً: مراكز التطوير الأجنبي في مجال التعليم في مصر
 
إن التطوير الذي فرض على مصر في مجال التعليم ليس دليلاً على صحة أو مراجعة للنفس، لأن التحويل جاء من الولايات المتحدة الأمريكية وليس لصالح مصر، لذلك فشعار التطوير ليس إلا واجهة براقة تخفي وراءها مؤامرة لتخريب عقل الأمة وتهويده، وسلخ الأمة عن عقيدتها.
 
 
 

1- جمال عبد الهادي وآخرون: تطوير أم تضليل في التاريخ الإسلامي، 2 - في عهد د. حسين كامل، لا.ن.لا.ت، ص 23.
2- انظر: المرجع نفسه، ص 23 - 29.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40
 

35

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 ومن قبل طور الاستعمار التعليم في العالم العربي والإسلامي بعد أن قسمه إلى تعليم ديني وتعليم علماني، واهتم بالتعليم العلماني. يقصد تحطيم عقيدتنا وقيمنا، حتى لا يبقى لنا بعدها ما ندافع عنه أو نحرص عليه فيسلس على الأعداء قيادتنا. ويعبر عن ذلك الشاعر الإسلامي (أكبر الإله آبادي) "إن التعليم هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي، ثم يكونها كما يشاء، إن هذا الحامض هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيميائية، هو الذي يستطيع أن يحول جيلاً شامخاً إلى كومة تراب"1.

 
وها هو الزعيم الإسلامي الهندي مولانا محمد علي يتحدث عن التعليم الحديث وأثره "لقد كانت الحكومة البريطانية تحمل لواء الحياد الديني الكامل، فقد أقصت دراسة مادة الدين حتى دراسة الأخلاق تماماً من الكليات، وطبقت هذه السياسة التعليمية عملياً في ذلك، ولم يبق من المعلومات الدينية والخلقية إلا ما يتلقفه الطلاب بأنفسهم من الكتب الإنجليزية أو الكتب الدراسية المؤلفة بلغات المشرق"2.
 
وعندما نتحدث عن مصر وحتى هناك بعض الدول العربية الأخرى، ترى غزواً عقلياً وثقافياً واقتصادياً، ويهدف إلى أن يسقط عن مصر أهم ما يميزها تاريخياً واستراتيجياً وهو دور الدولة القائد في عالمنا العربي والإسلامي، ويتم هذا الغزو من خلال مؤسسات أمريكية وصهيونية لها مهام ظاهرة معلنة، ومهام مستترة خفية وتتقدم بمشاريع ومساعدات ومنحٍ في مجالات متعددة، ومراكز تخطيط تربوي ومعلوماتي، وتطوير للمناهج، ومؤسسات للأبنية التعليمية ومراكز أبحاث وجامعات، ومنح كما هو حال (مشروع أولبرايت الأمريكي، ومنح السلام، ومنح مؤسسة الفورد فونديشن، ومنح إم - آي - تي، ولجنة الكونغرس الأمريكي، وهيئة المعونة الأمريكية، ومؤسسة ليجاسي الأمريكية وغيرها).
 
أما ما يهمنا الحديث عنه فهو مركز تطوير المناهج الأمريكي، حيث أعلنت الوكالة الأميركية عن التعليم في مصر أن إحدى أبرز المشكلات التي يعاني منها التعليم تتمثل
 
 
 

1- أبو الحسن علي الحسني الندوي: نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط4، 1402 هـ - 1982 م، ص 31.
2- المرجع نفسه، ص33.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

36

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 في الاعتماد على الكتاب المدرسي وعدم وجود مواد تعليمية أخرى. وعلاجاً لهذه المشكلة قررت الوكالة انشاء وحدة لتطوير المناهج... وتحدد أهداف المركز في مراجعة وتطوير المناهج والكتب الدراسية وغيرها من المواد التعليمية، ووضع خريطة للمدى والتتابع لجميع المقررات الدراسية من الروضة حتى الصف الثاني عشر. ولذلك صدر قرار وزير التعليم رقم 291 بتاريخ 23/8/1988 بشأن انشاء مركز تطوير المناهج.

 
وبعد ذلك صدر خطاب تنفيذ المشروع من الوكالة الأمريكية موجهاً إلى مدير المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية في فبراير 1989 بأن تنشأ في إطار هذا المركز وحدة لتطوير المناهج، وقد ختم مدير مكتب الوكالة الأمريكي خطابه إلى مدير المكتب القومي للبحوث التربوية والتنمية المصري بعبارة: "من فضلك أشر إلى موافقتك بالتوقيع أسفل" "please Indicate your Approvel by Signing below".
 
ويعلق الدكتور حجي بقوله: العبارة تعني أن الشروط وضعت بمعرفة الجانب الأمريكي الممثل في الوكالة، وأن مهمة الجانب المصري الموافقة أو عدمها فقط، هذا وقد وقع المدير المصري بالفعل في 28 فبراير 1989.
 
وهناك إشارات إلى شروط يضعها مدير الوكالة الأمريكية تجعل من الجانب المصري ليس إلا منفذاً لمخططات الوكالة الأمريكية.
 
واشترط الجانب الأمريكي في حالة التعارض بين قوانين الحكومة المصرية وتعليمات الوكالة فإن تعليمات الوكالة هي التي تطبق:
 
In case of conflict between GoE laws and AID Regulations, AID Regulations Will apply.
 
ومعنى هذا ألا تطبق القوانين المصرية في مصر، وفي أمور تخص مركزاً يتعامل مع التعليم المصري.
 
إذن الهدف من إنشاء المركز هو فقط زرع الثقافة الأمريكية على حساب الثقافة العربية الإسلامية1.
 
وفي تقرير عن هذا المركز الأمريكي لتطوير المناهج يقول سماح رافع محمد رئيس قسم التدريب بمركز البحوث التربوية رفعه إلى وزير التربية جاء فيه:
 



1- انظر: حسن جودة وآخرون: الغزو الفكري في المناهج الدراسية، لا.م، لا.ن، لا.ت، ص 14 - 16.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

37

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 ومن المهازل التي ابتليت بها مصر في نظامها التعليمي - التغلغل الأمركي - تحت ستار العلم والمساعدات الأخوية الأمريكية لمصر... والتي هدفها إحكام السيطرة الأمريكية على تربية الشباب المصري وتيسير الاختراق الغربي لعقول الأجيال الجديدة من أبناء مصر، وذلك تدريجياً من خلال النظام التعليمي ودون أن يدري المسؤولون شيئاً عن أخطار ذلك المخطط في المستقبل، وما سوف يؤدي إليه من تقلص مشاعر الانتماء عند الشباب نحو وطنهم وعروبتهم وإسلامهم.

 
ونستطيع أن نطرح بعض النماذج من مفاسد ومداخلات مركز تطوير المناهج الأمريكي وذلك من خلال:
 
أولاً: في الكتاب المدرسي:
 
قامت وكالة التنمية الأمريكية لحساب مركز تطوير المناهج بالتعاقد بنظام المقاولة مع مراكز أمريكية أخرى كمركز التطوير التربوي (الإنماء التربوي) بواشنطن Edecational Develppment Center Inc الذي تعاقدت معه الوكالة لتأليف كتب الأنشطة البيئية للصفوف الثلاثة الأولى من التعليم الأساسي تحت إسم "مشروع المركز القومي لتطوير المناهج في مصر، حيث أشرف عليها اثنان من الأمريكان. وقد تم ذلك بموجب عقد بين الوكالة الأمريكية وهذا المركز لحساب مركز تطوير المناهج - الأمريكي - بالقاهرة.
 
وإذا دققنا النظر في كتب المعلومات العامة والأنشطة البيئية للصفوف الثلاثة الأولى من التعليم الأساسي المشار إليها نجد أنها قد أشرف عليها ــ كما هو مسجل على أغلفتها ــ إثنان من الخبراء الأمريكيين. وأنها قد صدرت عن مركز التطوير التربوي في واشنطن بشكل تفصيلي. وأن الكتب المصرية الثلاثة قد تناولت الموضوعات المقررة بنفس الأسلوب الموجود بالوثيقة الأمريكية عن الدراسات البيئية للصفوف من الأول للثالث.
 
Enviromental Studies For Grades 1 - 3
 
وهذا يبين مدى التماثل بينهما كما يبين أن هذه الكتب المصرية هي ترجمة لما وضع في الولايات المتحدة الأمريكية1.
 
 
 

1- المرجع نفسه، ص 180.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

38

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 وهنا نشير أن الحكمة ضالة المؤمن، يستفيد منها حيث يجدها، لكن أن تكون ضمن الضوابط الإسلامية، ونابعة من عقيدتنا، وقيمنا، وحاجاتنا، ونرفض أن تكون مناهجنا وكتبنا صناعة أمريكية مفروضة علينا.

 
ثانياً: إنفراد الأمريكيين بتسيير الأمور داخل المركز مما يشكل جناية على التعليم1:
 
تعتبر الإدارة الحقيقية داخل مركز تطوير المناهج بأيدي الأمريكان، وبخاصة خمسة منهم هم د. ديفيد بتس، ود. إفرت كتش، ود. ليندا، ود. مايلا، ود. فيروز، وقد استدل خبراء المركز الأصلي على ذلك.
 
أ- استبعاد د. محمود الدسوقي، وأ. علي شعبان:
 
ومما يروى أن مديرة المركز استبعدت الدكتور محمود الدسوقي وأ. علي شعبان من لجنة تطوير التربية الدينية بعد أن حدث خلاف فكري بينهما وبين مقررة اللجنة د. ليندا الأمريكية حول المحرمات الثقافية. إذ رأت (ليندا) أن منهج التربية الدينية يصور الغرب بالنسبة للأطفال تصويراً سيئاً وكذلك الخمر والربا وعندما اعترض الباحثان بسبب تحريم القرآن للخمر والربا وضرورة إظهار التحريم طالبت ليندا من مديرة المركز (المصرية) استبعادهما وهو ما حدث بالفعل!!
 
ب- شهادة الأستاذ علي إسماعيل الباحث بمركز التطوير:
 
يروي الأستاذ علي إسماعيل أنه كان ضمن فريق العمل المختص بتطوير مادة التربية الدينية، وأنه كان متضايقاً من وجود الخبراء الأمريكيين واليهود معهم في لجنة تطوير مادة الدين وفي إحدى الجلسات قال ونحن نقوم بمراجعة مادة الدين اعترضت الباحثة الأمريكية د. (ليندا لامبرت) على آيات وأحاديث عن الخمر ووقائع عن الحروب الصليبية... ولقد حاولت أن أقنعها أن تحريم الخمر وعداءنا للحروب الصليبية نابع من عقيدتنا الإسلامية وشرحت لها ذلك شرحاً مفصلاً إلا أنها قالت لي إن تلك الآيات والأحاديث والأحداث التاريخية تعوق الإبداع عند الطلاب وتحرمهم لذة العيش مع العالم الجديد، وقالت لي إن هناك نظاماً دولياً جديداً يقوم على الحرية واحترام حقوق الإنسان ولا داعي لأن نملأ عقول الأطفال بالحروب الصليبية!!
 
 
 

1- المرجع نفسه، ص 25 - 26.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

39

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 يضيف علي إسماعيل قائلاً: لم أقتنع وطلبت منها عدم حذف تلك الآيات والأحاديث والوقائع التاريخية وفي النهاية بعد انتهاء الجلسة فوجئت بقرار من د. كوثر كوجك مدير مركز تطوير المنهج باستبعادي من لجنة تطوير التربية الدينية!!

 
ج- شهادة الأستاذ محمد طبل الخبير بوزارة التربية:
 
أرسلت لي د. كوثر كوجك تطلب مني حضور لجنة تطوير مادة التربية الدينية وبعد أن ذهبت وأنا أحمل معي كتاباً ألفته لتدريس الدين فوجئت بأن المركز يعطيني دليل منهج الدين للتعليم الأساسي ويحدد فيه الموضوعات التي ينبغي الحديث فيها.
 
ويضيف محمد طبل: وعندما فتحت الدليل وجدته ملئياً بموضوعات ودروس تم الانتهاء منها في المركز ومطلوب مني أن أباركها وأؤيدها لا أن أؤلف أو اقترح!! وعندما تصفحت الموضوعات موضوعاً موضوعاً وجدت أنها تركز على العبادات فقط ولا توضح حقيقة الإسلام، كما وجدتها حذفت منها كل الآيات والوقائع التاريخية عن اليهود والغرب.
 
ويواصل محمد طبل قائلاً: عندما صرخت أنها مؤامرة، وعندما تأكد لي أن للأمريكيين اليد الطولى في المركز وعندما أحسست أن الهدف هو توقيعي على المناهج آثرت الانسحاب تاركاً لهم دولاراتهم ومؤكداً لهم أنهم يقومون بتخريب التعليم1!!
 
ويعترض كثير من خبراء التربية بمصر لتصرفات العاملين في مركز تطوير المناهج أمثال الدكتور محمد عبد الظاهر وكيل كلية التربية بطنطا، والدكتور محمود عبد الحليم منسى رئيس قسم علم النفس بتربية الإسكندرية، والدكتور عبد الوهاب محمد كامل أستاذ ورئيس قسم علم النفس بتربية طنطا، ويرون ضرورة طرد الخبراء الأمريكان من المركز لأنهم يشكلون بذلك عقولنا فلا يعقل أن يأتوا ليضعوا لنا مناهج التربية الدينية والقومية رغم اختلافهم معنا في العادات والتقاليد... وعلينا الاكتفاء بالخبراء الوطنيين حتى لا نفاجأ بوجود كارثة قومية تصيب عقول النشىء. ويرون أيضاً أن الهدف الحقيقي لهذه المحاولات تغريب الثقافة بالوعي المصري، وهو الأمر الذي نلحظه في أطفال الحضانة الذين يجيدون اللغات الأجنبية ولا يعرفون لغة أمتهم.
 
 
 

1- انظر المرجع نفسه، ص 28.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

40

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقد

 وفي الختام فإنني أرفع الصوت عالياً وأقول الخطر داهم على أمتنا حكاماً وشعوباً، ولذا يجب على الجميع أفراداً ومجتمعاً، ودولة أن يستيقظوا ويرفضوا المساومة على الثوابت أو التلاعب بالعقائد، وعلى الجميع أن يدركوا ويعرفوا أن روح الأمة أقوى من كل شيء، والحمد للَّه أن في هذه الأمة من يعي خطورة ما يرسم لنا وما ينفذ على أرض الواقع، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾.

 
كما أتمنى على وسائط التربية جميعها في بلادنا أن نسعى إلى تربية أبناءنا على الحوار والبعد عن التزمت والتعصب والعنف والخشونة وتربيتهم التربية الإسلامية المتكاملة المتوازنة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

41

الجلسة الأولى: مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

 الجلسة الأولى: مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

 
د. علي فياض(*)
 
تبدو إحدى المعالم الراهنة، هي إكثار الأميركيين، على نحو ملفت، في الكلام عن استراتيجياتهم وأهدافهم، إذ أنهم لا يرون ضيراً في أن تكون هذه الاستراتيجيات معلنة وغير مبيَّتة.
 
ففي التقليد الديمقراطي، حتى الاستراتيجيات الكبرى هي قضية نقاش عام. ومنذ العام 1986 بات ذلك قانوناً يفرض على الرئيس الأميركي أن يتقدم من مجلس النواب ومن الشعب الأميركي بتقرير عن استراتيجية الأمن القومي.
 
وفي واقع الأمر يبدو الأميركيون على أدنى درجات الإكتراث بما يقوله الأخرون أو بما يتولد لديهم من انطباعات حول خطورة استراتيجياتهم وأهدافهم وسياساتهم على غرابتها وفجاجتها في أغلب الأحيان. ويبدو إن ذلك هو إحدى السمات المتنامية لما يطلق عليه في هذه الأيام بالنزعة الامبراطورية، التي تعني بحسب المفكر الأميركي اليساري إيمانويل قالرشتاين القدرة على التحرك دون أن يتوفر من لديه القدرة على المعاقبة أو المنع.
 
كما إن هذه النزعة الإمبراطورية تعني في أحد أبعادها الأخرى، عدم الاقتصار على الهيمنة القطبية الآحادية على المستوى العالمي، إنما السعي أيضاً إلى إعادة تشكيل العالم وفق ضرورات هذه الهيمنة، وبما يتلاءم مع ضرورات التحول من العالم الثنائي القطبية إلى العالم الآحادي القطبية.
 
إن ما يسمى بالهيمنة الأميركية أو التفوق الأميركي، إنما يستند بالدرجة الأولى إلى التفوق العسكري بأبعاده التقانية، وبالدرجة الثانية إلى التفوق الاقتصادي (الأميركيون يشكلون 4% من سكان العالم في حين أن حجم الاقتصاد لديهم هو ثلث الاقتصاد العالمي 10.4 تريليون دولار). وإذا كان التفوق الاقتصادي يفتقد إلى الفارق التفاضلي الصارخ بالمقارنة مع أوروبا الموحدة أو مع اليابان، إلا أن التفوق العسكري يمتلك مثل هذا
 
 
 

(*) رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

42

الجلسة الأولى: مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

 الفارق، إذ أن البعض يقيس هذا الفارق زمنياً بما يتجاوز العشرين عاماً بالمقارنة مع أكثر الدول تطوراً في الجوانب العسكرية والتقنية.


إلا أن الأكثر إلفاتاً للنظر، أن الأميركيين، وعلى الأخص منذ 11 أيلول، قد أضافوا إلى التفوقين العسكري والاقتصادي، بوصفهما المجالين الحيويين في ابتكار أدوات الهيمنة والتدخل في الأزمات الدولية وفي إدارة الصراع الدولي، مجالات وأدوات أخرى، تركزت على المستويات الثقافية والتعليمية. إذ بدا بوضوح، وكأنه اكتشاف أميركي مستجد، إن المستويات الأخرى ستبقى عاجزة عن معالجة مناخات العداء للأميركيين، ما لم تطل المستويات الأكثر عمقاً في بنية الواقع الاجتماعي العربي والإسلامي، أي ما يرتبط بالقيم وبالأنظمة التعليمية السائدة.

ولهذا نلاحظ أن عدداً من الوثائق الاستراتيجية الأميركية التي صدرت بعد 11 أيلول قد تضمنت أطروحات وإجراءات تعكس اهتماماً أميركياً متنامياً بالجوانب الثقافية والتعليمية.

وينطلق الأميركيون في ذلك كله من دروس 11 أيلول، التي أظهرت أن الاستناد إلى الأنظمة السياسية الحليفة، لا يشكل لوحده ضمانة في الحفاظ على المصالح الأميركية، ما دامت هذه الأنظمة لا تمثل حقيقة ما يعتمل في القاع المجتمعي الذي يتشكل بعيداً عن اتجاهات السلطة وسياساتها. لذا يمكن القول أن الاستراتيجيات الأميركية الجديدة. من هذه الوجهة، هي محاولة امتداد في سياسات الهيمنة باتجاه الجوانب التي طالما بقيت في المراتب المهملة أو المسكوت عنها.

ماذا جاء في مبادرة باول للشراكة مع الشرق الأوسط؟

تشكل مبادرة وزير الخارجية الأميركي كولن باول حول الشراكة بين الولايات المتحدة الأميركية والشرق الأوسط (يقصد العالم العربي) أحد أهم التصورات الأميركية وأوضحها حول الاهتمام الأميركي بالجوانب غير العسكرية وغير السياسية، وهو على غرار غيره من المسؤولين الأميركيين، يتخذ من تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عن الأمم المتحدة مدخلاً لحديثه، إذ بعد الإشارة إلى أن الثورة التكنولوجية قد خلَّفت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

43

الجلسة الأولى: مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

 وراءها الشرق الأوسط إلى حد كبير وإلى أن الناتج المحلي الإجمالي لـ260 مليون عربي هو أقل مما ينتجه أربعون مليون إسباني، وإذا ما أضيف لهم 67 مليون إيراني تبقى النتيجة مجرد ثلثي الناتج الإيطالي. وأن دول الشرق الأوسط غائبة عن الأسواق العالمية وبالكاد تولد 1 بالمئة من صادرات العالم غير النفطية، كما إن هذا الناتج المحلي آخذ في التدهور أكثر من ذلك.


فإن باول ينتقل بعد ذلك إلى ملاحظة قمع الأنظمة للمجتمع المدني وسيادة لغة الكراهية والاستبعاد والتحريض على العنف (بحسب تعبيره) ثم يلاحظ أن عدداً كبيراً من أطفال المنطقة يفتقر إلى المعرفة، حيث إن عشرة ملايين طالب في سن الدراسة إما في المنازل أو يعملون أو في الشوارع. وحوالي 65 مليوناً من آبائهم لا يحسنون القراءة أو الكتابة وبالكاد يستطيع شخص واحد من كل مائة الوصول إلى كومبيوتر، وحتى عندما يذهب الأطفال إلى المدرسة، غالباً ما يتعذر عليهم تعلم المهارات التي يحتاجون إليها لكي ينجحوا في القرن 21. (التعليم) غالباً ما يعني الإستظهار من غير فهم بدلاً من التفكير الحيوي الضروري للنجاح في عالمنا المتصف بالعولمة. ويستشهد باول مجدداً بتقرير التنمية العربية الذي قال: إن التعليم أخذ يفقد دوره المهم كوسيلة لتحقيق تنمية اجتماعية في الدول العربية، متحولاً عوضاً عن ذلك إلى وسيلة لإستدامة الفقر.

إن باول يخلص إلى القول بأن أي معالجة للشرق الأوسط تتجاهل تخلفه السياسي والاقتصادي والتعليمي ستكون مبنية على رمال. وهو يحدد استناد مبادرته إلى ثلاث ركائز: "إننا سنشترك مع مجموعة من القطاعين الخاص والعام لسد فجوات الوظائف بإصلاح اقتصادي واستثمار للأعمال وتنمية القطاع الخاص. وسنشترك مع قادة المجتمع لسد فجوة الحرية لمشاريع تقوية المجتمع المدني، وتوسيع المشاركة السياسية ورفع أصوات النساء. وسنعمل مع المربين لسد فجوة المعرفة بمدارس أفضل ومزيد في الفرص للتعليم العالي".

وهو يوضح إن الركيزة الثالثة ستركز على اصلاح تعليمي وستشدد برامجنا على تعليم الفتيات، فعندما تتحسن نسبة التعليم بين الفتيات تتحسن كذلك جميع مؤشرات
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

44

الجلسة الأولى: مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

 التنمية المهمة الأخرى في أي بلد (مستشهداً بأبيات شعر لحافظ إبراهيم حول الأم)، وسنوفر منحاً دراسية لإبقاء الفتيات في المدارس وتوسيع التعليم للفتيات والنساء، وبصورة أوسع سنعمل مع الأبوين والمربين لتعزيز الاشراف المحلي واشراف الأبوين على الأنظمة المدرسية، وفي كل واحد في هذه المجالات الثلاثة نحن ملتزمون بمشاركة أصيلة في إتجاهين، مشاركة مع المواطنين ودول المنطقة ومع الكونغرس وحتى مع جهات مانحة، بينما ننفذ هذه الأجندة (agenda).


وهو إذاً يحدد أن هذه المبادرة هي من المشاريع الأكثر تحدياً التي درسها الأميركيون ملاحظاً حجم العقبات والوقت الذي تحتاجه، فإنه يشير إلى أنهم يقومون مع شركاء في تدريب المعلمين وتعليم اللغة الإنكليزية وبرامج أخرى لتقوية الأنظمة التعليمية (لا يحدد ما هي هذه البرامج).

ويختم باول كلامه بالإشارة إلى أن الأمل المبني على فرصة اقتصادية وسياسية وتعليمية هو حاسم لنجاح الجهود الأميركية.

في الواقع لا يقتصر الأمر، كما ذكرناه على مبادرة باول، بل ثمة سيل من الرؤى والخطب والوثائق التي تصب في الاتجاه ذاته، إذ أن وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي (أيلول 2000 م)، جاءت مشبعة بالتنظير لمفاهيم أساسية اعتبرتها الوثيقة رسالة أميركا في الساحة الدولية، وهي مفاهيم الحرية والديمقراطية واقتصاديات السوق. في حين أن الرئيس الأميركي بوش حدد لأميركا أثر انتهاء الحرب على العراق أربعة أهداف ستعمل على تحقيقها وهي: إقامة ديمقراطية على النموذج التركي، إقامة منطقة تجارة حرة بين أميركا والعالم العربي، ايجاد حل للمشكلة الفلسطينية، واصلاح النظام الاقتصادي والتعليمي في المنطقة.

انعكاس الضغوطات والسياسات الأميركية على المنطقة العربية

في الواقع لئن كنا في لبنان أكثر انشغالاً بالقضايا السياسية، إلا أن محيطنا العربي والإسلامي كان خلال الفترة الماضية عرضة لضغوطات حادة وتحولات عبَّرت عن نفسها على صيغة إجراءات حصلت في أكثر من دولة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

45

الجلسة الأولى: مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

 لقد أعلنت السعودية منذ أيام نيتها بإعادة تأهيل ألف داعية وفق قيم ثقافية أكثر تسامحاً وإنفتاحاً، في حين كان أحد أعضاء مجلس الأمة الكويتي قد وجه في بداية العام سؤالاً إلى وزير التعليم حول طبيعة المهمة التي تقوم بها لجنة فنية لمراجعة منهجي اللغة العربية والتربية الإسلامية، وقيل أن هذه المراجعة ستشمل مفاهيم ومصطلحات عدة بما فيها مصطلح الجهاد واستبداله بكلمة التضحية. علماً أن الكويت قد أعلنت على لسان وزير التعليم (الدكتور مساعد الهارون) عن خطة شاملة "لتطوير المناهج العلمية والأدبية والدينية، وذلك لتعزيز القيم الدينية التي يدعو لها ديننا الحنيف، مثل قيم التسامح ونبذ العنف واحترام الأديان السماوية والسلام" (الشرق الأوسط 7 -1).


وكان الرئيس اليمني علي عبد اللَّه صالح قد صرَّح بأن اليمن كان من الممكن أن تتعرض لقصف مماثل لما تعرضت له أفغانستان لما لم تقم الحكومة بضبط المدارس الدينية وإخضاعها للرقابة عبر ضمها إلى الاشراف الحكومي.

وكان وفد أميركي ثقافي قد قام بعد 11 أيلول بزيارة اليمن، وأعقب هذه الزيارة حملات شنتها السلطة اليمينة على المدارس والمعاهد الدينية واعتقال عدد كبير من الطلاب واخضاعهم للاستجوابات والتحقيقات وفي السعودية شكل مجلس الشورى السعودي لجنة تضم كبار المسؤولين التربويين للعمل على الأهداف التالية:

- دراسة خطوات تغيير مناهج التعليم والأهداف التي تحقق الغايات.

- تقديم أسس علمية منهجية لنوعية المتلقي المطلوب في الأعوام المقبلة.

- إعادة رسم الاستراتيجية التعليمية بصورة شاملة في المملكة العربية السعودية، خصوصاً أن نتائج التعليم غير متوافقة مع متطلبات سوق العمل.

أما قطر فقد أعلنت رسمياً عن توقيع عقد مع مؤسسة راند الأميركية للأبحاث لإعادة صياغة مناهج التعليم تحت شعار "إسلام أقل وإنكليزية أكثر"، علماً أن قطر كانت قد شهدت نقاشاً مستعراً إثر تصريحات أدلى بها عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة قطر في بداية العام 2002 أعلن فيها أنه يؤيد "الدعوة الأميركية إلى إعادة النظر في مناهجنا التعليمية".

وكانت قد جرت مفاوضات لتوقيع مذكرة تفاهم بين اليونسكو والمكتب العربي للتعليم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

46

الجلسة الأولى: مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

 في دول الخليج الست ومقره الرياض حول برنامج لتطوير مناهج التعليم، ويشمل هذا البرنامج تدريب المدرسين، ومن المتوقع أن يشمل أكثر من خمسة ملايين تلميذ.


وفي هذا السياق يغدو غريباً، أن نعرف أن الأميركيين قد أنجزوا تغيير المناهج في أفغانستان (أو هم بصدد ذلك). وهم يعدُّون العدة للمباشرة في تغيير المناهج العراقية.

وقد علقت جريدة السياسة الكويتية على هذا الواقع، بالقول أن العالم العربي يموج من شرقه وغربه بدعوات إلى اعتماد سياسات تعليمية جديدة ولا يقتصر الأمر على الدعوات لاصلاح التعليم بصفة عامة وتطوير التعليم الديني منه بصفة خاصة بل تشهد المنطقة العربية والخليجية أيضاً دعوات لإعادة النظر في أوضاع أئمة المساجد والخطباء.

أية مخاطر يحملها الخطاب الأميركي؟

1- بمعزل عن السياسات العسكرية الأميركية التي تستند إلى استخدام القوة مباشرة أو عبر التصريح باستخدامها ضد المواقع المناوئة، أو السياسات السياسية التي تستند إلى السعي الدائم إلى فرض حل للقضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي وفق مصالح أمن واستقرار وقوة الكيان الإسرائيلي.

فإن السياسات الأخرى في المجالات الاقتصادية والثقافية والمجتمعية تقوم:

أولاً: على تحرير اقتصاديات المنطقة عبر رفع القيود الجمركية وفتح الأسواق والانتساب إلى اتفاقيات التجارة العالمية وإقامة منطقة حرة للتبادل التجاري مع أميركا.

ثانياً: طمس الأسباب الحقيقية لعدم الاستقرار والتي ترتبط على نحو رئيسي بوجود الكيان الإسرائيلي وسياسات التدخل والهيمنة الأميركية في شؤون المنطقة، وربطها بغياب الديمقراطية وسيادة الاستبداد وعدم توفر مناخات الحرية وغياب فاعلية المجتمع المدني. وبالتالي تصوير القيم الليبرالية في الحرية والديمقراطية بوصفها خشبة الخلاص الحصرية التي من شأنها أن تقدم حلولاً لكل أزمات الواقع العربي المستديمة.

ثالثاً: العمل على إعادة تشكيل القيم السائدة، وعلى الأخص القيم الدينية تشكيلاً
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

47

الجلسة الأولى: مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

  

مختلفاً، يجعل من مجتمعاتنا أقل ممانعة وأكثر تكيفاً، وتبدو الوسائل الأميركية المعتمدة في ذلك أكثر من أن تحصى، بدءاً من تطويق وإضعاف المؤسسات والجمعيات والأطر الدينية عبر تجفيف مصادر الدعم المالي لها واصدار قوانين دولية تحت عنوان محاربة الإرهاب، ومروراً باطلاق عدد من المؤسسات الاعلامية ذات الإمكانات المالية الهائلة (هناك إذاعة وتلفزيون باللغة الفارسية، وإذاعة سوا باللغة العربية، ويعمل الأميركيون الآن على تأسيس تلفزيون ينطق باللغة العربية). وليس انتهاء بإعادة تشكيل أنظمة ومناهج التعليم، وابتكار أدوات تواصل عبر جمعيات ومؤسسات تبلغ حد إقامة صلة مع آباء الطلاب على حد ما أشار إليه باول.

2- علينا أن نعترف أن مجتمعاتنا تعاني من مأزق مستديم هو المأزق الحضاري، الذي يعبِّر عن نفسه بالانقسام بين السلطة والمجتمع وبفشل مشروعات التنمية وتفاقم الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض معدلات النمو وتردي أنظمة التعليم في المراحل العليا والعجز عن مراكمة المعرفة القادرة على التحول إلى تنمية واستنهاض، والقصور عن اللحاق بالثورة الثقافية والصناعات الدقيقة ذات المردودية العالمية، إذ لا تزال الغالبية الساحقة في شعوبنا تكافح من أجل لقمة عيش كريمة وطبابة وفق الحد الأدنى فضلاً عن توفير مقاعد الدراسة والسكن اللائق...

وإذا ما استثنينا الجمهورية الإسلامية ذات المستقبل الواعد والتي سجلت هذا العام أعلى معدل نمو في الشرق الأوسط. فكيف يرجى لشعوب لا تزال مشغولة بالحقوق الأساسية أن تضطلع بدور فاعل وحيوي في معالجة المأزق الحضاري المشار إليه.

ومما يدعو للأسف إن القوى السياسية في العالم العربي، بما فيها الحركات الإسلامية، لا تولي هذا التحدي الحضاري أهميته التي يستحق، بل ثمة عزوف عن انتاج المشروعات والتصورات الشاملة التي تشكل إطاراً نظرياً وعملياً للإجابة على هذا التحدي، الذي بلغ مبلغاً بعيداً من التعقيد والتشابك بحيث يصعب فك حلقاته عن بعضه البعض، والذي تحول أيضاً إلى كلٍ معقدٍ من الأزمات التي يصعب توصيفها وتحديد مداخل المعالجة إليها، بل تبدو المقاربة نفسها هي مقاربات مطلوبة جميعها في الوقت نفسه بفعل صعوبة تحديد أولوياتها...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

48

الجلسة الأولى: مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

 3- لا شك أن الغرب بفعل سياساته التاريخية والراهنة، هو أحد أسباب هذا المأزق لكنه ليس كل الأسباب، وهو يستغل هذا المأزق بوصفه بيئة موضوعية مناسبة للتدخلات الخارجية، وللاستفادة منها لتعميق الاختلالات القائمة في موازين القوى والعمل على استدامتها...


ولا يخفى أن هذا المأزق سيظل يشكل نقطة ضعف قائمة في بنية المواجهة، وخاصرة رخوة تسهل اللكمات عليها وتؤلم...

وقد بات معروفاً أن الخطاب الليبرالي يلقى رواجاً راهناً بفعل جاذبيته التلقائية في أوساط سياسية ونخبوية وشعبية لا يستهان بها.

وأكثر ما يستدعي من خطورة، هو أن تفاقم الاحساس بانحباس الأفق وانقفال فرص التغيير الذاتي في مجتمعاتنا العربية، من شأنه أن ينمي مناخات المراهنة على الخارج بوصفه رافعة التغيير والخيار المر الذي لا بد منه (على غرار ما حصل في العراق)...

إن صياغة مشروعات التغيير والتطور تبدو مهمة تاريخية بالغة الأهمية، ولا تقلل تاريخيتها ومساراتها المستقبلية البالغة التعقيد من مستوى إلحاحها وراهنيتها العاجلة.

لقد قدمت المقاومة الإسلامية الإجابة التاريخية التي احتاجت إلى ثمانية عشر عاماً كي تؤتي أكلها على المستوى الجهادي الذي مارس فاعليته في المجال الوجودي من مجموع التحديات التي تواجه الأمة.

لكن ماذا عن المستويات الأخرى؟ في واقع الحال أن تجربة الإسلاميين في لبنان أكثر إشراقاً من كل ما يحيط بنا في العالم العربي.

وإنني أرى في التنامي المؤسساتي للإسلاميين في لبنان، وفي طليعته تنامي المؤسسات التربوية الذي يحتاج إلى استكمال في إطار مشروع تربوي غير تقليدي يجد ذروته في مؤسسة جامعية رائدة واستقطابية للعقول وقادرة على رعاية الطاقات وإطلاقها في الحقول العلمية المختلفة.

إنني أرى في ذلك مبعث اشراق وأمل في اتجاه المستقبل، لكن ذلك يبقى مستوى من مستويات أخرى لا حصر لها يجب أن يطالها اهتمامنا دون تعب أو خوف أو قلة جرأة أو اضطرابٍ في رؤيته... ولهذا حديث آخر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

49

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 
فضيلة الشيخ علي سنان(*)
 
                                           بسم اللَّه الرحمن الرحيم
 
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان الى قيام يوم الدين.
 
المقدمة
 
حظيت التربية الإسلامية باهتمام الغرب وخصوصاً الولايـات المتحدة الأميركية التي أربكها الدور المميز الذي تضطلع به التربية الإسلامية من حيث بناء شخصية الإنسان المسلم من مختلف جوانبها وتحصينه ضد اي خطر داهم يمكن ان يأتيه من أبواب متعددة وتحت شعارات براقة، وإن السعي لإعادة النظر بالمناهج التربوية في عالمنا العربي والإسلامي بشكل عام ومناهج المدارس الدينية بشكل خاص، يظهر بوضوح الدور المهم الذي يمكن ان تلعبه التربية الإسلامية في صياغة مستقبل زاهر لهذه الأمة التي أصابها الضعف والوهن بعد ان تخلت عن دينها ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها.
 
هذه الأمة التي يؤمل ان ترجع الى خير أمة كما أرادها الله تعالى إذا تمسكت بدينها وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه﴾.
 
وحديثنا في هذا المؤتمر يتناول موضوع "دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة"، حيث يتم البحث فيه حول الأمور التالية:
 
أولاً: مفهوم التربية الإسلامية.
ثانياً: مفهوم الثقافة المفروضة.
ثالثاً: طبيعة المواجهة القائمة اليوم.
رابعاً: دور التربية الإسلامية بشكل عام.
خامساً: دور التربية الإسلامية في المواجهة.
 
 
 

(*) مدير عام جمعية التعليم الديني الإسلامي في لبنان.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

50

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 أولاً: مفهوم التربية الإسلامية


لسنا بحاجة للغوص كثيراً في هذا المفهوم، إلا ان ما يمكن قوله يتحدد في عدة فقرات هي:

أ- هناك مفهوم عام للتربية لا يختلف عن كونها ذات طابع إسلامي او غير إسلامي، يتحدد ببناء شخصية الإنسان ونمائه من كل الجوانب الفكرية والجسدية والنفسية والسياسية والإهتمام به منذ ولادته أو قبلها حتى آخر حياته، وبالتالي تنمية مواهبه والإفادة منها لمستقبله ولخير البشرية وخدمة المجتمعات والإنسانية.

ب- عندما نطلق كلمة "التربية الإسلامية" فنحن نقصد التربية وفقاً للمنظور الإسلامي وللرؤية الإسلامية المستندة الى القرآن الكريم وتعاليمه والى السنة النبوية الشريفة وأحكامها والى سيرة الأئمة الأطهار وتوجيهاتهم.

ج- على ضوء ما ذكر، نعتقد ان التربية الموجهة من الإسلام هي تربية إنسانية شاملة ومستمرة، تنمي الإنسان وتهتم بشخصيته منذ ما قبل الولادة وتتابع مسيرة حياته حتى آخر لحظة من عمره، عبر توجيهات قرآنية واضحة ومتنوعة، وعبر أساليب كثيرة جسدها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام في حياتهم، وأوجدوا بفضلها تغييراً وتحولاً جذرياً في الأمة (العربية الجاهلية)، فانطلقت مسلحة بتلك التربية وعلى ضوء تعاليمها لتنشر الإسلام في كل بقاع العالم.

- إنها التربية الإلهية التي تبغي خير الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة معاً، وهي تربية متكاملة ومتوازنة، لها وظائفها وخصائصها ومميزاتها ومنطلقاتها وأهدافها التي لا يمكن ان تقارن بأية تربية أخرى..

- ونكتفي بما ورد من دون الغوص في التفاصيل.

ثانياً: مفهوم الثقافة المفروضة

ربما كان هذا الأمر طارئاً علينا وعلى أمتنا الإسلامية وعلى ثقافتنا وحضارتنا ومجتمعاتنا الغنية بفكرها والمميزة بثقافتها الخاصة.

وما يمكن ذكره في هذا المجال هو الآتي:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

51

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 أ- ليس هناك ثقافة مفروضة وأخرى غير مفروضة، لأن الثقافة بتعبيرها العام كمجموعة من العوامل والأسس والأصول المتمثلة بأنواع من الأفكار والسلوكيات، لا تحصل لدى الإنسان إلا بفعل قناعات ومعتقدات، تجعله يتبنى تلك الأفكار ويدافع عنها ويحولها الى سلوك عملي (ثقافي وفكري).


ب- ان الإسلام بطبيعته كدين منفتح وغير مغلق في وجه الأمم او الشعوب، يحترم جميع الأديان السماوية ويؤمن بتطور العقل البشري، وبطريقة الحوار والإقناع، وليس معقداً من أية فكرة جديدة تطرح في أحضانه وبين يديه، لأنه يملك المناعة الكافية لمواجهة الثقافة الأخرى (القديمة - الجديدة)، لا ليكون عدواً لها بشكل مسبق، وإنما ليأخذ تلك الثقافة فيمحص أفكارها ومعتقداتها وسلوكياتها وينتقدها ويبين ايجابياتها وسلبياتها، ويأخذ منها ما ينسجم مع منطلقاته وأهدافه وتعاليمه ويطرد ما يخالف ذلك، تاركاً أنصاره لقناعاتهم الراسخة التي لا يمكن ان تنال منها أية ثقافة وافدة مهما كانت قوية.

ج- إن تجاربنا كمسلمين عبر التاريخ، أثبتت متانة التربية الإسلامية وقوة معتقداتها وتأثيراتها، وتمثل ذلك عبر مواجهة أعتى الغزاة والمحتلين وأكثرهم شدة وقسوة وظلماً وقهراً، بحيث تحول الغزاة للأرض وللعرض الى دعاة للإسلام بعد اعتناقه وتأثرهم بأخلاقه وتعاليمه وتربيته وفكره.

د- وإذا كان لا بد من تحديد للثقافة المفروضة اليوم فإننا يمكن ان نخلص الى القول، أننا في عصر العولمة الاقتصادية القاهرة والتي تكتسح في طريقها الضعفاء والفقراء ومحدودي الرأسمال، والتي تنطلق بالوجه الاقتصادي لتعبر عن عمق ثقافي وفكري وسياسي، نجد أنفسنا وكأننا أسرى مقيدين، ومكتوفي الأيدي أمام ثقافة واحدة قاهرة وقوية ومعولمة، تدخل غرف نومنا قبل مناهج جامعاتنا، وتتغلغل في نفوسنا وسلوكنا قبل عقولنا وأفكارنا.. بفعل:

- قوة سياسية - عسكرية متمثلة بالولايات المتحدة الاميركية التي تخفي وراءها كل النظم المادية القهرية المنحرفة والبعيدة عن خط الله ورسله.

- سلطة إعلامية معولمة، فضائية، وأرضية، يشعر المرء بشدة طغيانها وتأثيرها وعدم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

52

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 إمكانية التخلص منها على الصعد المختلفة، فيتلقفها وهو مستلق على أريكته وفي مكتبه مسلماً لها طواعية وكأنه مسلوب الإرادة بفعل الإنبهار والإعجاب بها.


هـ- إننا لا نؤمن بأن هناك ثقافة مفروضة علينا، بمعنى الفرض القهري، وإنما نعتقد بأن الثقافة المنتشرة حالياً والسائدة بين شبابنا وفتياتنا في جزء كبير منها، إنما جاءت بسبب بعدنا عن ديننا وعدم التزامنا بتعاليمه، وضعف بنائنا الروحي - الأخلاقي وعدم وجود المناعة اللازمة والتحصين الكافي لأسباب كثيرة تأخذ الطابع التاريخي متمثلاً في حال المسلمين من جهة وتخلفهم العام، ومتعلقة بتقصير الأهل عن واجباتهم وانحراف المدرسة عن أهدافها السامية من جهة أخرى، وإلا فلو قامت الأسرة بواجبها الطبيعي الدائم في رعاية الأبناء وتوجيههم وتربيتهم، وأكملت المدرسة دورها عبر تحسين أهدافها وإدارتها، ومثلت القدوة عبر المعلمين، ولو قامت الدولة الإسلامية العادلة على أساس القرآن والسنة، لما وصلنا الى حالنا اليوم، نتندر على جيلنا المعاصر الذي نشعر أنه ليس جيلنا، ولا يعبر عن آمالنا وطموحاتنا (كخير أمة أخرجت للناس).

وإذا كان من لوم نوجهه او مسؤولية نحملها، فإننا وبكل ثقة نؤكد على دور أمتنا وشعوبنا ومسؤوليتهم عن أوضاعنا اليوم، بفعل استسلامهم للوافد نتيجة البعد عن الدين والرسالة السماوية.

والغزوات الصليبية خير دليل على تلك المواجهة، وثورات العلماء عبر تاريخنا المعاصر تثبت قوة المجابهة وعدم الاستسلام او القبول او التأثر بأية ثقافة وافدة، ومناعة المسلمين والأجيال عن التوافق او الانسجام او التأثر مع الثقافة (الملتقطة).

ثالثاً: طبيعة المواجهة القائمة اليوم

على ضوء ما تقدم، فإننا نعتقد ان المواجهة القائمة اليوم يمكن الحديث عنها عبر الآتي:

أ- هناك انهيار للنظم العالمية السياسية وهيمنة لنظام القطب الواحد متمثلاً بالولايات المتحدة الأميركية التي تريـد السـيطرة على العالم وبناء امبراطوريتها العالمية، معتمدة على القـوة العسكرية والقدرات النووية الهائلة، لتمرر عبر الضغوط او الاحتلال
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

53

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 المباشر او التهديدات كل أنواع الثقافة والتربية والفن والسلوك.. وبما ينسجم مع رؤيتها للعالم وفلسـفتها الماديـة الخاصة.


وهذا ما أكد عليه الإمام القائد السيد الخامنئي حفظه الله عندما اعتبر أن "الهجوم الثقافي فهو ان تشن قوة سياسية أو اقتصادية حرباً على المبادئ الثقافية لشعب من الشعوب، لتنفيذ أهدافها الخاصة والتحكم بمصير ذلك الشعب. إنهم يفرضون بالقوة عقائد جديدة على تلك الدولة وعلى شعبها من أجل ترسيخها بدلاً من ثقافة ومعتقدات ذلك الشعب".

واعتبر أن "الهدف من الهجوم الثقافي هو اجتثاث أصول الثقافة الوطنية والقضاء عليها".

ب- إن المواجهة القائمة اليوم هي مواجهة مفتوحة ولا حدود لها وهي تشمل كل شيء بلا استثناء، وتهدف فيما تهدف اليه الى سلخ الشباب والأجيال عن دينها وأخلاقها ومعتقداتها، لتصبح أجيالاً لا صلة لها بالخالق عز وجل او بالاخلاق الفاضلة، وهي تعتمد لأجل ذلك جميع الوسائل وأشدها فتكاً، ابتداءً من الإعلام وسلطته، مروراً بالجامعات ومناهجها وانتهاء بالإغراءات المثيرة التي لا حصر لها ولا قدرة كافية لجيلنا على مقاومتها بسهولة.

وليس هناك "محرم" في وسائلها، من الكذب والغش والخداع والتزييف والتزوير والقتل والسجن وإثارة الغرائز واللعب على وتر الكلمات والمصطلحات وغير ذلك.. من الأمور المتاحة والمستخدمة.

- فالزنا يصور على أنه الحب.

- وأعمال اللواط والسحاق تشرع بالزواج.

- والفساد والدعارة... يأخذان إسم الفن الراقي.

- والرجال والنساء المنحرفين والفاسدين يقدمون على انهم نجوم ومشاهير.

ج- على ضوء ذلك تصبح المواجهة القائمة اليوم، ليست مواجهة الفكر للفكر او الثقافة للثقافة.. فهذا أمر يُسقط الآخرين بالضربة القاضية أمام الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

54

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 بل إن المواجهة.. تتعلق بالغرائز وإثارتها بأبشع الصور..


هي مواجهة بين ثقافة لباس البحر (البيكيني).. وثقافة العفة والكرامة للمرأة.

هي مواجهة بين ثقافة الهيبز والتسكع والبانك.. وثقافة المقاومة والاستقامة.

هي مواجهة بين ثقافة الموضة والصرعات وعالم الأزياء وثقافة العقل والحرية والفكر.

وهي مواجهة حادة ومعركة بكل معنى للكلمة، بحيث لا يمكن الهروب منها او السكوت عنها ولا بد من التصدي والوقوف بوجهها بوعي وحكمة متسلحين بفكرنا وعقيدتنا وتاريخنا الغني بالتجارب، ومعتمدين على الله سبحانه وتعالى وإرادة أمتنا وخصوصاً إرادة شبابها التي لن تنهزم ونموذج شباب المقاومة الإسلامية في لبنان والانتفاضة المقدسة في فلسطين.. خير مثلين ودليلين.

رابعاً: دور التربية الإسلامية بشكل عام

في نظرتنا لدور التربية الإسلامية عموماً، نؤكد على ما يلي:

أ- إن التربية الإسلامية كانت ولا تزال هي التربية الأسلم لحياة الإنسان ولا يحتاج الأمر الى شرح في هذا المجال.. وهي تربية قادرة على بناء الإنسان وتحصينه مهما اختلفت الظروف والأحوال.

ب- إن ما تحتاجه التربية الإسلامية اليوم لتقوم بدورها الحقيقي،كما الأمس، وجود فئة او طائفة من الأمة تحمل مفاهيمها وتطبقها وتمثل القدوة للآخرين في أفعالها لا أقوالها، وفي ممارساتها العملية وليس في أفكارها النظرية فقط.

ج- إن دور التربية الإسلامية لن يؤتي ثماره بدون تعاون وثيق بين كل من:
- الأسرة (آباء وأمهات).
- المدرسة (معلمون وإداريون).
- الإعلام (المقروء والمسموع والمرئي).
- الدولة (حكام.. وقوانين عادلة وعاقلة).

وبدون ذلك لن نصل الى التربية المطلوبة ولربما ستكون هناك أسرة تعمر ومدرسة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

55

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 تدمر، أو اسرة تبني مع المدرسة لتأتي وسائل الإعلام فتخرب عملهما.. فضلاً عن قوانين الدولة المعاكسة عبر تركها الحبل على الغارب لسيل الإعلام الجارف والمشوه للأديان وللتربية على حد سواء.


فأي تناقض بين هذه الحلقات سيخلق أجيالاً غير متوازنة، ضائعة وحائرة، وشخصياتها مهتزة وغير سوية.

د- إن الرهان على دور التربية الإسلامية في صنع شخصيات مستقيمة وقويمة، تكون قادرة على التأثير فيما حولها وبالتالي قادرة على استقطاب الآخرين وجذبهم نحو الإسلام، وهذا الرهان في محله، فتلك سنة الله التي لن تجد لها تحويلاً ولا تبديلاً "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

هـ- إن دور التربية الإسلامية اليوم، هو حاجة ملحة وفعلية، ليس لإنقاذ أجيال أمتنا فحسب، بل لإنقاذ شباب العالم وأجياله مما تتخبط فيه من رذيلة وفساد وانحراف.. وربما كان الآخرون ينتظرون الخلاص، وعلى أيدينا، ولتكن البداية من أجيالنا التي نخشى عليها من الانغماس أكثر فأكثر في بحر اللذات والانحراف والفساد، حتى لا نصل الى نقطة اللاعودة واللارجوع.. فلا ينفعنا الندم على تضييع الفرص ولا تفيدنا التوبة بعد العصيان المتعمد واللهو، بل ربما استحقينا العقاب الإلهي عن تقصيرنا واستهتارنا..

خامسا: دور التربية الإسلامية في المواجهة

عندما نتحدث عن دور التربية الإسلامية في المواجهة فإننا نلفت الى النقاط الآتية:

أ- ننطلق ونحن على ثقة تامة بقدرة التربية الإسلامية على المواجهة من دون اي تشكيك بمفرداتها او منطلقاتها او أهدافها.

ب- نؤمن بان التربية الإسلامية هي البديل لما يجري على الساحة العالمية من محاولات شيطنة الإنسان بدل أنسنته والعودة به الى حظيرة الرحمن جلا وعلا.

ج- إن المواجهة طويلة ومكلفة وستحتاج للوقت والجهد الكبيرين، والنفس الطويل والصبر والتحمل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

56

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 د- من الضروري تسخير كل الامكانيات لأجل المواجهة من مال وجهد ووقت وإنسان (معلم كفؤ او مرب قدير) لأجل تربية الأجيال وفق تعاليم الإسلام.


هـ- إن الاخطار المحدقة بأجيالنا تزداد يوماً بعد يوم، وأعداؤنا في يقظة تامة، ويعملون بكل خبث في ليلهم ونهارهم لطمس معالم هذه التربية الربانية ولا يمكن التأخر عن المواجهة او التأجيل او التسويف.

ويمكننا الحديث عن دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة عبر النقاط الست الآتية:

1- تحصين الجيل بشكل فردي وجماعي، والرهان على الأفراد أمر أساسي لشدة تأثيرهم على الجماعة (ذكوراً أو إناثاً) على حد سواء وهذا التحصين يرتكز على خطوات أربع هي:

الخطوة الأولى:

بناء الشباب الأصيل عبر ما يلي:

أ- الإرتباط بالقرآن الكريم لأن (الجهل بالقرآن هو جهل بالإسلام) وذلك من خلال التركيز على التلاوة المباركة للكتاب المقدس وتعلم أحكام التلاوة فضلاً عن التفسير الشامل الذي يركز على الجوانب التربوية والروحية والسلوكية، في فهم الآيات المباركة.

ب- تركيز ثقافة النص المقدس الصادر عن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام وشرح حياتهم بشكل مفصل وحفظ الكثير من الأحاديث الشريفة في شتى المواضيع الحياتية، وإزالة أي غبار عن السيرة عبر توضيح تاريخها وأبعادها (صلح الحديبية مثلاً، دور الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حياة الإمام علي عليه السلام مع الخلفاء..) مع التركيز على طريقة فهم النص الشريف وكيفية التعامل معه.

د- تعزيز التفكير الحر، عبر اتاحة الفرصة للشباب للتعبير عن آرائهم وأفكارهم خصوصاً شباب المرحلتين الثانوية والجامعية، وإعطاء مساحة واسعة لهم، للحوار مع شخصيات إسلامية تتميز بأسلوبها الجذاب وعمق التفكير وسعة الثقافة والإطلاع.

ومن الضروري تعويد الشباب على التفكير المستقل والحر بدون قيد او شرط (إلا الأدب فقط) وإبعاد شبح الخوف عن الشباب حتى يقولوا كلمتهم بدون خوف على الموقع
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

57

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 والمعاش والوظيفة والمسؤول وإمكانية الطرد، وإقامة الندوات باستمرار كوسيلة من وسائل التفكير الحر.


هـ- تعزيز النقد الايجابي عبر إبراز حسنات النقد وإعطاء نماذج عن النقد المطلوب في الصحف والحوارات والمقالات مع شمولية النقد للأفكار وللأعمال مهما كانت الشخصيات صاحبة الفكر او العمل.. ومهما كان موقعها.. فتعزيز النقد عبر المحاكمة الهادئة الواعية للطروحات هو أمر مطلوب وملح مع التركيز على فهم عملية النقد كعملية بناءة.. وإلا فعدمه يساوي المداهنة والخيانة للأمة.

و- التربية على العزة والجرأة والشجاعة ومعرفة العدو والتحرك لرفض الظلم والهيمنة، وتدريب الشباب على ذلك سواء عبر المقاومة العسكرية وإعداد العدة او عبر البناء النفسي والمعنوي العالي ليشعر الشاب بكرامته وعنفوانه، ويعرف هويته وهوية انتمائه ووطنه وقومه، وفهم معنى الجهاد، والتضحية والايثار.

الخطوة الثانية:

تركيز المحتوى الثقافي عند الشباب لإنشاء أجيال واعية ("ثقيلة" من الناحية الفكرية وليست "خفيفة" وسطحية) قادرة على مقارعة الأفكار الوافدة بدل ان تتحول الى فريسة سهلة لها، وذلك عبر الخطوات الأربع الآتية:

أ- طرح المواضيع محل حاجة الشباب واهتمامهم وطموحاتهم (المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والنفسية) مثال: مواضيع الزواج والجنس والحرية والديمقراطية والإرهاب والمرأة والأسرة والمستقبل والمسؤولية والعلماء والولاية والعلم والأخلاق..).

ب- استعمال الوسائل والأساليب المتنوعة والعصرية في تقديم مادة الدراسة والحوار والنقاش من انترنت وفيديو ووسائل عرض متنوعة ووسائل أيضاح ورسومات وأفلام..

ج- اعتماد الموضوعية في طرح الآراء والأفكار، فقبل الهجوم على الفكر الآخر.. لابد من شرح مضمونه ثم تبيان ثغراته وسلبياته وتجريده من أدلته وبراهينه ليتم اسقاطه من أعين الجيل. بشرح أخطاره وفلسفته و"مطباته" وأفخاخه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

58

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 د- تصحيح المفاهيم الكثيرة المطروحة اليوم، عبر تحديد الموقف الإسلامي منها (الحداثة، الإرهاب، الديمقراطية..) وكيف يستغل الآخرون هذه المفردات بطريقة خاطئة، وكيف يطبقونها بشكل آحادي على شعوبهم لا على شعوب العالم..


الخطوة الثالثة:

إعادة النظر بالمناهج التربوية - الدينية المعتمدة كجزء من عملية التقويم المستمرة للمادة والمنهج وبالتالي انسجاماً مع تطور العقل البشري واختلاف الظروف بين مرحلة وأخرى، وذلك عبر الآتي:

أ- تعديل كتب التعليم الديني كل 7 - 10 سنوات من حيث المضمون والمواضيع والصور والأسلوب وطريقة العرض.

ب- تركيز النشاطات للشباب بما تشمل من رحلات ومخيمات ومسابقات متنوعة، خلال العام الدراسي وخلال الصيف وفق خطة تأهيلية مركزة على ان لا تكون الرياضة هي الهدف الوحيد بل هي الوسيلة لبلوغ الرقي الروحي والفكري والسلوكي والتهذيب الأخلاقي.

ج- إعداد كتب للمعلمين تتضمن الشروط الكافية لشرح الدروس، متضمنة كل المعلومات اللازمة والأسئلة التمهيدية والطريقة والخلاصة المطلوبة.

الخطوة الرابعة:

تأهيل المربين والمعلمين، لأنهم عصب العملية التربوية للأجيال وذلك عبر الخطوات التالية:

أ- إقامة الدورات المستمرة لهم للإطلاع على كل جديد وإرسال بعثات منهم للتدريب في دول مختلفة.

ب- إتقان المبلغين للغات الأجنبية (لغة واحدة كحد أدنى) واتقانهم للأساليب الحديثة في (الخطابة، التربية، والطرائق الناشطة في التعليم..) 

ج- اختيار المعلمين - المربين الرساليين من علماء وغيرهم.

د- تركيز "القدوة" عند المبلغين، لتكون الأفعال هي المؤثرة لا الأقوال التي فشلت في ذلك.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

59

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 2- رد الاتهامات عن التربية الإسلامية والثقافة الإسلامية والمفاهيم الإسلامية وذلك عبر اعتماد النقاط الأربع الآتية:


أ- نشر احصاءات حول أوضاع الغرب المتردية الناشئة عن تربية سيئة، وأفكار تربوية مادية منحرفة.

ب- نقد الفكر الثقافي الآخر بطريقة موضوعية ومنطقية ومستمرة، والاطلاع على كل تطور لدى الآخرين ودراسته بدقة.

ج- كشف عيوب الثقافة المفروضة (الهيبز - البانك، العري - الموضة - الأزياء - الزي...)

د- الرد عبر وسائل الإعلام المختلفة على المقالات الصحفية التي تشوه مفاهيم الإسلام وأحكامه وهي تصدر يومياً وبكميات هائلة وفي وسائل الإعلام ووسائط الإتصال المختلفة.

3- تعزيز دور الإعلام الإسلامي الملتزم والاهتمام بوسائله عبر الخطوات الآتية:

أ- تأصيل البرامج الإذاعية - التلفزيونية وإعطائها البعد التربوي - الثقافي باستمرار.

ب- تكليف العاملين الإسلاميين الأصيلين من ذوي الثقافة الأصيلة وأصحاب الخبرة التربوية بالإشراف على وسائل الإعلام وتوجيهها.

ج- تنويع المادة المطروحة (سياسة - ثقافة - ترفيه - رياضة..).

د- تركيز برامج الشباب، ومشاكلهم وهمومهم ومشاركتهم الفعلية في ذلك.

4- التصدي لحل مشاكل الشباب، لأنها مؤثرة بشكل كبير وضاغطة الى حد لا يمكن تركها تستفحل كالأمراض والأوبئة وذلك عبر الآتي:

أ- تحديد مشاكل الشباب (النفسية - الاجتماعية - العقلية - السياسية - الصحية - التربوية..).

ب- السعي لحل مشاكل الشباب عبر أساليب كثيرة نذكر منها (زواج، تعليم، فرص عمل، حرية، مجالس الشباب، رياضة، توعية..)

ج- الحوار الدائم مع الشباب عبر الندوات واللقاءات المستمرة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

60

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

 5- تركيز اختصاص "التربية"، وهو اختصاص نادر، وبذل ما يسلتزم من المال لأجله وذلك عبر الآتي:


أ- تشجيع الدراسات التربوية في الجامعات وإعطائها الأولوية على باقي الاختصاصات في حقل العلوم الانسانية.

ب- تخصيص منح تعليمية متخصصة (مبالغ مالية كافية) للدراسات العليا التربوية، ماجستير، دكتوراه.. في لبنان وخارجه (إيران، مصر، اوروبا..).

ج- توحيد الأداء التربوي - المدرسي بين المدارس الإسلامية، فيما يتعلق بمسائل عدة (المواد الأساسية، الثواب والعقاب، العطل المدرسية، الزي...).

6- تركيز وعي المربين "الأهل" فهم الحلقة التربوية الأولى لأي شباب وذلك عبر الأساليب الآتية:

أ- نشر ثقافة تربوية باستمرار عبر وسائل الإعلام المختلفة وعبر إصدار كتيبات عدة حسب المناسبات او بدونها بأسلوب مبسط وسهل مع سهولة الحصول عليها (مجاناً او بسعر رمزي).

ب- محاربة الجهل والأمية لدى الكثيرين من أولياء الأمور.

ج- تركيز التوعية الصحية الخاصة بالأبناء والثقافة العامة التي تؤهلهم لتربية الشباب وتعرفهم على كيفية التعامل معهم بدقة.

د- تركيز علاقة الأهل بالمدرسة وبالمعلمين.

الخاتمة:

إن حملات الغزو الثقافي لأمتنا مستمرة ولن تتوقف طالما بقيت جذوات النور والإيمان متقدة وتبعث ضياءها ليهتدي بضوئها المجاهدون في لبنان وإيران وفلسطين والعراق وكل بقاع الأرض.

وإن الوسائل المستخدمة الآن، لا تقف عند حد، فمن وسائل الإعلام الموجهة، سواء في ذلك المرئية او المسموعة او المقروءة. او من خلال وسائط الإتصال الحديثة كالإنترنت وما تنشره المحطات الفضائية وتعرضه اقنيتها التي تعمل ليل نهار.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

61

الجلسة الأولى: دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

  كل هذه الأمور تكشف عن ان الحرب اتخذت شكلاً آخر في محاربة الإسلام والتعرض لمقدساته وتشويه أفكاره.

 
وإن أخطر هذه الوسائل هي الانترنت التي تعرض من خلالها الشبهات وتثار عبرها الأحقاد والخلافات بين المسلمين والتي تعرض مشاهد وصوراً تتنافى مع الأخلاق ومع تعاليم الإسلام.
 
إن الوسيلة الناجحة لحماية أطفالنا وشبابنا من هذه الأخطار المحدقة بنا والتي أصبحت في داخل منازلنا في أشكالها المتعددة هي بتربية الطفل على الإسلام وتحصينه ضد الإغراءات وهذا دور الأبوين أولاً ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...﴾ وتركيز المناعة عند الشباب.
 
ودور معلم التربية الإسلامية ثانياً، الذي عليه ان يقدم الإسلام بصفائه ونقائه للناشئة.
 
وعلى مؤسسات المجتمع الأهلي ان تقوم بدورها في هذا المجال وخصوصاً في الوقت الذي تخلى الكثير عن مسؤولياته والقى باللوم على الآخرين من دون ان يقدم لأمته اي شيء في سبيل خلاصها وصلاحها.
 
وأثني في هذا المجال على الدور الذي تقوم به جمعية التعليم الديني الإسلامي في لبنان على صعيد التربية الإسلامية ونشرها في المدارس الرسمية والخاصة.
 
وأدعو إلى تمثل تجربتها لنكون جميعاً مشاعل هداية كل في موقعه وحسب إمكانياته وقدراته.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

62

التعقيبات والنقاشات

 التعقيبات والنقاشات

 
مداخلة د. نجيب نور الدين1
 
أظن أن مشكلاتنا التربوية بدأت قبل التهديد الأمريكي لمنظومتنا التربوية العربية - الإسلامية وأن أزمتنا التربوية هي جزءٌ لا يتجزَّأُ من أزمتنا المعرفية بالإجمال، والتي هي إحدى معضلاتِ أزمةِ العقلِ العربي والإسلامي المعاصر...
 
حريٌ بنا أن نعترف في البداية أننا كعرب ومسلمين نعيش ازدواجيةً لا مثيل لها في العالم، فنحن تقليديون على كافة الصعد، ونقليون إلى أبعد الحدود، وهويتنا معلقة وحائرة كأعقد ما تكون الحيرة... وبجملةٍ واحدة، نحن عالقون بين الماضي البعيد والآتي القريب...
 
لعلنا من الشعوب القليلة في العالم التي لا تعرف ماذا تريد وإلى أين تستقل قطار الزمن الذي تركبه بلا دليل، أو بوصلة...
 
مفكراتُنا صنفان، إما تقليدية.. تردادية.. اجترارية، متكلسة.. بمعنى تكرارية تجتّر كل ما أنتجه تاريخنا وتراثنا الفكري والتربوي والسياسي مضمونها مقدسات عفا عليها الزمن ونقاوم فعلها في التاريخ، والحاضر والمستقبل وتجهد في ممارسة الصدمات الكهربائية على قلبها الميت، فلا نخرج في كل محاولاتنا إلاّ عن جثة بلا روح، وإما نقليّة بما نمارسه عن غير تبصُّرٍ من تقليد لإنتاج الغرب على كافة المستويات بما فيها التربية والتعليم.
 
ربما يحلوا لنا نحن العرب والمسلمين أن نتجاهل أو نتناسى أن الغرب، قد قطع نصف الطريق إلى مناهجنا التربوية والتعليمية منذ زمن بعيد وترك لنا حرية العمل في النصف الآخر. لأنه كان يؤدي أغراضاً تفيده في صراع الغرب مع المعسكر الاشتراكي، أما وقد استغنى عن خدماتنا في هذا المجال فهو طامحٌ لأن يحوّل برنامجنا التربوي والتعليمي ومناهجنا العقائدية غربيةً بالكامل...
 
إننا قوم لا يستشعرون الخطر إلاّ من خلال البندقية فيما يتسلل إلينا الأعداء من كل
 
 
 

1- رئيس تحرير مجلة "بينات" ومدير البرامج في اذاعة البشائر.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

63

التعقيبات والنقاشات

 حدب وصوبٍ، ويدخلون من مختلف المآرب والتجاويف التي ملأت عالمنا الفكري، والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، تعوَّدنا على مشهد العدو وهو يحمل رشاشاً أو يركب دبابة، أما إذا أتانا يحمل كاميرا وقرطاساً، وهما أشدُّ فتكاً إذا ما أحسن العدو استعمالهما، فإننا نفتح له أبواب مجتمعاتنا على مصراعيها نحن العرب المسلمين نمارس فعلنا التربوي ــ المعرفي من خلال مؤسستين أو شكلين من المؤسسات:


الأولى، المدرسة، بصيغتها الأكاديمية المعروفة...

والثانية، الحوزة، بصيغتها التقليدية المعروفة أيضاً.

في النموذج الأول، المدرسة، نحن مشدودون بالكلية - تقريباً - إلى مناهج الغرب ومدارسه وننشدهما مثالاً قدوةً... ونقيس مدى نجاحنا أو فشلنا في عملنا التربوي بمـدى اقترابنـا من هـذا النمـوذج أو ابتعادنـا عنـه، ونغلِّفُ هـذا الفعـل الانقيـادي الاختياري بصيغ تجميلية مثل، التربية الحديثة والمناهج التربوية الحديثة، والطرق العصرية بالتربية والتعليم... إلى آخر منظومة المراوغة التي نمارسها على أنفسنا قصداً أو جهلاً، لا أدري، إنما النتيجة واحدة، نحن مقلّدون للغرب حتى أخمص قدمينا.

وفي النموذج الثاني، الحوزة، المدارس الدينية، نحن مشدودون بالكلية إلى الماضي، إلى مناهج الأساتذة الأوائل، في اعتماد نفس المناهج والمسالك، ونفس الطرق البدوية ونفس الروح المكتسبة في العالم والمتعلم، ونصل دائماً إلى نفس النتائج التي توصَّل إليها أساتذة الحوزة وجهابذتها منذ مئات السنين، ونسعد بهذا الإنجاز، بدعوة أننا لم نشذ أبداً عن أصالتنا وأصولنا ولم يضيع الآخرون بوصلة الأولين وندور في هذه الحلقة المفرغة بعيداً وكأننا خارجَ الزمن، حتى بات يصحُّ أن يقال فينا على وجه من الوجوه إننا خارج التاريخ أيضاً...

أقول، وباختصار، إن التصدي لمحاولات أمريكا، غربنة أو أمركة المناهج التربوية العربية والإسلامية يبدأ بحلّ اشكال العقل في الإسلام، لا بد أن ندشن حركة وعي حقيقية، ولنحاول لمرة واحدة أن نخرج من دائرة ردة الفعل، التي نشترك فيها مع الكائنات غير العاقلة.. فلنفتتح ورشة نقاش نقدية جدية وهادفة، ونوسع مدى الحرية في طرح كل ما يفيد مسيرتنا ووعينا وعقلنا.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

64

التعقيبات والنقاشات

 بصراحة إن ما تشهده الساحة العربية والإسلامية من تزمت وتقوقع، وتهجين للوعي، واختصار للعقل، لا يبشَّر بأننا سنصنع القلعة الحصينة التي ستنكسر على أعتابها أمواج الغزاة الحاقدين.


فالأنظمةُ العربيةُ تدرّسُ التربية بهدف ترويض الجمهور على الطاعة - والقيادات الدينية والمدنية والسياسية المتسلطة على المدارس الأكاديمية والحوزوية تربِّي أجيال مدارسها على ثقافة الانقياد.

والأحزابُ الدينيةُ والسياسيةُ تنتجُ ثقافة التعبّدِ التي تنمو على تعطيل دور العقل والحدِّ من مفاعيله وتتحصَّن باستبعاد العقل عن دوره الفعَّال لتلافي عادات العقل المضرّة في التفكير والإبداع...

نحتاج كعرب ومسلمين وشرقيين عموماً في بداية عملية المواجهة مع الهجمة التربوية الأمريكية، وقبل كل شيءٍ، إلى فكِّ أسر العقل العربي والمسلم من قيوده، إلى اطلاق حرية التفكير، إلى تشجيع ثقافة النقد، وإعلان شأنِ ثقافةِ الشك، وتقديس تقنية السؤال، السؤال المنتج للمعرفة... لا إلى الثقافة اليقينية والمقفلة التي تحرّم الأسئلة... وتنبذ الشكاكين.. وتعدم المفكرين.. وتكفّر المبدعين..

البداية الصحيحة توصلنا إلى الأهداف الصحيحة والسؤال الصحيح يهدينا إلى الإجابات كفانا رداتُ فعلٍ لا تزيد ثقافتنا إلاّ مجموعة أخرى من الشتائم للآخر.. الذي يستدرجنا، حتى ونحن نلعنه إلى ملاعبه وساحاته ومعارضه.. ولنقم لمرةٍ واحدةٍ بإعادة التفكير إلى نصابه الأوّلي إلى حيث نمارس عملية انتاج الوعي بلا خوف من أنظمة الاستبداد المحيطة بنا، المكشوف منها والمقنَّع ولنحاول لمرة واحدة أن نتجاوز شرطة التربية والأخلاق والفكر الموزعين على مفارق الطرق العربية والإسلامية، علّنا ننتج أنظمةً معرفية ــ تربوية أصيلة، نسهم من خلالها في رفد المنتوج التربوي الإنساني العالمي غير مشدودة لا للاستبداد الداخلي ولا للاستعباد الخارجي...

فنبني نموذجنا التربوي في ضوء حركة الإنسان في العالم وليس في الخفاء عنه، فثقافة الخفاء لم تعمر في البشرية إلاّ كهوفاً مظلمة للتربية الحيّة التي تلبي حاجة عالمنا العربيّ والإسلامي والإنساني شروط اجتماعيةٌ وسياسيةٌ وإنمائيةٌ وحضارية...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

65

التعقيبات والنقاشات

 مطلوب منا تأمينها قبل إلقاء اللوم على الآخر، وإلاّ فإننا لا نكون قد فعلنا في كل مؤتمراتنا وندواتنا ودراساتنا سوى لوك الكلام لنملأ فراغ الوعي المضجر والقاتل فينا...


طبعاً أمريكا عدوّ، وأكيد أن سياساتها كافةً، بما فيها التربوية، سياساتٌ عدوانيةٌ، ولا نشكُّ لحظةً أن هجمتها على مناهجنا هي بهدفِ التسلّل إلى المادة الأساسية التي تتغذّى عليها أجيالنا الناشئة وينمو على أعوادها عقلُ شبابنا الطالع... لكن ليس كل المشكلة في أمريكا... فمن الطبيعي أن تسعى امبراطورية كأمريكا إلى تعميم نموذجها التربويّ على العالم، وهذا لا يخرج عن سياق العولمة الذي أخذ يتّسع كبقعةِ الزيت في الماء، فأمريكا تعرف ماذا تريد لنفسها من العالم.

العيب والضعف والوهن هو أن لا نعرف نحن ماذا نريد لأنفسنا في عالمنا والعالم.

أن نقبل التحدي هو البداية وأن نرد التحدي هو المطلوب لكن بأي رؤيةٍ - بأي استراتيجيةٍ بأي خطةٍ بأي برنامج عمل - الشعار لا يكفي، المطلوبُ تحريرُ العقلِ... كشرطٍ أساس لإنتاج وعيٍ تربويٍّ جديدٍ، أصيلٍ، ومنيعٍ، وإنسانيٍّ قابلٍ للحياة.. واللَّه من وراء القصد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

66

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة الأستاذ حسن سلهب1

 
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
 
حضرة رئيس الجلسة الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعاً ورحمة اللَّه وبركاته..
 
في أوائل القرن الماضي تعرضت التربية الإسلامية لتجربة مختلفة لم تعهدها من قبل وبدت في تلك الأثناء كما هي عليه اليوم تحصيناً للذات وشكلاً من أشكال الممانعة وها هي مجدداً ومع بداية القرن الحالي تدخل في تجربة أخرى لا تقل خطورة عن الأولى بل ربما كانت أخطر بكثير منها في بعض المجالات.
 
إن طرح هذا الموضوع في هذه الأيام يشكل خطوة أولى في تقدير هذه الخطورة.
 
العودة إلى الدين والتحصُّن بالدين سيرة خبرناها في تاريخ الأمم عندما ينهار كلُّ شيء لديها أو تفقد عوامل القوة فيها وميزة الإسلام أنه دينٌ لكل الظروف وحصن لا يقاوم إذا ما اشتدت هذه الظروف على أتباعه من هنا تبدو مداخلة مدير عام جمعية التعليم الديني سماحة الشيخ علي سنان في هذا المؤتمر على مستوى عالٍ من الأهمية والخصوصية وقد خرجت بانطباع ايجابي عام لدى مراجعتها حيث تمكن الأستاذ الشيخ بحكم خبرته الطويلة ودأبه الفريد من أن يطرح مجموعة من الأفكار جديرة بالتأمل العميق ولكن كما في كل عمل تتعرض الأفكار للنظر من زوايا ما يؤدي إلى تكوين مجموعة من الملاحظات وربما بعض المقترحات التي من شأنها إثراء الموضوع.
 
إن أول ما أثار التساؤل لدي هو العنوان "دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة" وقد توقفت قليلاً عند مصطلح الثقافة وعبارة المفروضة ولدي مراجعة المادة المرتبطة بهما يظهر بعض الالتباس في مصطلح الثقافي والفكري ذلك بعض التردُّد في تقبل عبارة المفروضة في موضوع الالتباس تشكل النقطة الأولى تحت عنوان مفهوم الثقافة المفروضة حيث يرد تعريف للثقافة "مجموعة من العوامل والأسس والأصول المتمثلة بأنواع من الأفكار والسلوكيات لا تحصل لدى الإنسان إلا بفعل قناعات ومعتقدات، تجعله يتبنى تلك الأفكار ويدافع عنها ويحولها إلى سلوك عملي (ثقافي
 
 
 

1- مدير الإعداد والتوجيه في مدارس الإمداد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

67

التعقيبات والنقاشات

 وفكري)، وبالامكان العثور على أمثلة أخرى في ثنايا المادة عموماً يوحي بهذا في كل الأحوال. ربما كان تعريف الثقافة المقصودة بهذا النص في بدايته إجراء يكشف هذا الغموض.


أما عبارة المفروضة ففي النقطة ذاتها أي (النقطة الأولى تحت عنوان مفهوم الثقافة المفروضة) ينفي الشيخ "وجود ثقافة مفروضة وأخرى غير مفروضة" ويعلل ذلك بالتعريف الذي ذكرته قبل قليل كذلك يعود لتأكيد ذلك في الفقرة الأخيرة عندما يقول: "إننا لا نؤمن بأن هناك ثقافة مفروضة علينا، بمعنى الفرض القهري..." من دون أن يحدّد معنى آخر لهذا الغرض بل اعتمده بعد ذلك على حاله هذه .... إن هذا التردُّد ــ التردُّد بالمعنى العلمي ــ مبررٌ في قناعتنا ونقترح استبدال عبارة (المفروضة) بعبارة أخرى من قبيل الشائعة الرائجة أو الطاغية أو أي صفة أخرى لا تقدِّم الثقافة بمعنى الفرض والالزام.

ننتقل إلى الموضوع الثالث طبيعة المواجهة القائمة اليوم وبالتحديد النقطة الثانية حيث يصوِّر الشيخ علي طبيعة المواجهة بعبارات غنية ودقيقة ثم يورد مجموعة من الأمثلة أغنت هذه العبارات دلالة ووضوحاً وبالامكان اعتماد هذه الفقرة في صياغة البيان الختامي بطريقة أو أخرى.

أما النقطة الثالثة وضمن الموضوع نفسه فقد استوقفني التعبير الذي يرى المواجهة القائمة اليوم بأنها "ليست مواجهة الفكر للفكر أو الثقافة للثقافة..." ثم يستعرض رأساً أمثلة تؤكد على المواجهة بين الثقافة والثقافة فعلاً مثال "هي مواجهة بين ثقافة لباس البحر (البيكيني).

وثقافة العفة والكرامة للمرأة هي مواجهة بين ثقافة الموضة والصرعات وعالم الأزياء وثقافة العقل والحرية والفكر يبدو أن ذلك يعود كما لفتنا في بداية الحديث إلى التباس المفهوم بين الثقافي والفكري.

كذلك في الفقرة نفسها نستعمل عبارة "فهذا أمر يسقط الآخرين بالضربة القاضية أمام الفكر الإسلامي" قد يكون استعمال عبارة الضربة القاضية في التصدِّي الثقافي أمراً يحتاج إلى تأمَّل ننتقل إلى الموضوع ما قبل الأخير "دور التربية الإسلامية بشكل عام" حيث نتوقف عند النقطة الثانية التي تضمنت حاجة التربية الإسلامية إلى "وجود
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

68

التعقيبات والنقاشات

 فئة أو طائفة من الأمة تحمل مفاهيمها وتمثل القدوة للآخرين الخ" إننا نؤيد الشيخ على كامل مضمون هذه النقطة ونعتبرها استراتيجية في احداث التحوَّلات المنشودة في تعزيز الواقع الثقافي الإسلامي على قاعدة الآية القرآنية "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون...." نعم إننا بحاجة ماسة إلى هذه الطائفة والفئة وربما كان تعبير المفكر محمد عابد الجابري "الكتلة التاريخية" قريباً من هذا الطرح مع اختلاف في المجال.


النقطة الثالثة "ج" يؤكد شيخنا الكريم على ضرورة التعاون الوثيق بين الأسرة والمدرسة والأعلام والدولة ولا يرى ثماراً للتربية الإسلامية من دون ذلك ويؤكد على أن التناقض بين هذه الحلقات سيخلف أجيالاً غير متوازنة ربما أراد بذلك التأكيد على أهمية التعاون والتظافر أكثر من تأكيده على ضرورة توافر هذا التعاون في الأساس وإلا فنحن أمام واقع لا دور فيه للتربية الإسلامية وهذا أمرٌ لا يراه الشيخ على ما أعتقد.

نطرح النقطة الأخيرة ضمن هذا الموضوع "دور التربية الإسلامية عموماً مجالاً أوسع حيث المطلوب "والكلام للشيخ علي" "ليس انقاذ أجيال أمتنا فحسب بل لانقاذ شباب العالم وأجياله..." إننا نثني على هذا النوع من التفكير الاستراتيجي كما نقترح أن يكون موضوعا الوحدة الإسلامية والمستضعفين في العالم مدخلاً رئيساً في هذا المجال إذ لا تربية إسلامية واسعة وفاعلة من دون موقف سياسي وعمل سياسي بهذا الحجم من الشمولية.

نصل إلى جوهر مضمون الورقة في الموضوع السادس في مواجهة الثقافة يرى سماحة الشيخ بأن دور التربية الإسلامية المفترض يتم عبر ست محاور:
1- تحصين الجيل بشكل فردي وجماعي.
2- رد الاتهامات عن التربية الإسلامية.
3- تعزيز دور الاعلام الإسلامي الملتزم.
4- التصدي لحل مشاكل الشباب.
5- تركيز اختصاص التربية.
6- تركيز وعي المربين.

قد نختلف في صياغة هذه الاستراتيجيات لكن مضمونها بالتأكيد محل اتفاق أما
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

69

التعقيبات والنقاشات

 الاجراءات العملية فإننا نتوقف عندها على الشكل التالي: يرسم سماحة الشيخ أربع خطوات لتحقيق هذا التحصين في تحصين الجيل بشكل فردي حيث تمثل الخطوة الأولى بخمس نقاط تتضمن رؤية متقدِّمة في موضوع التربية الإسلامية نأمل أن تتحول إلى برامج عملية، فالارتباط بالقرآن الكريم وتركيز ثقافة النص النبوي أمران قائمان حالياً وهما ركيزة.


لكن تعزيز الفكر الحر، وتعزيز النقد الايجابي، والتربية على العزة والجرأة والشجاعة، ثلاث نقاط بمثابة أهداف جديدة، متقدِّمة من شأنها توليد طاقة هائلة في الممانعة وبناء المضمون الثري للشخصية الإسلامية من هنا فإننا نقترح اعتماد هذه الخطوة بفقراتها الخمس كلها وبحميع تعابيرها ومفرداتها.

أما الخطوة الثانية فهي في المنهج قريبة من أهداف الخطوة الأولى طرح المواضيع محل حاجة الشباب، اعتماد الموضوعية في طرح الآراء والأفكار مع اقتراح تجنّب عبارات "مقارعة الأفكار الوافدة" أو "الهجوم على الفكر الآخر" "ينقد الأفكار الوافدة" أو "تفكيك الفكر الآخر".

في خصوص الخطوة الثالثة (إعادة النظر بالمناهج التربوية) فإننا نؤكد على الموضوعات المطروحة مع ضرورة الاستعداد لتطوير الكتاب المدرسي الديني في فترة أقل خصوصاً لجنة التعديل ربما تكون هذه الفترة من 7 - 01 كافية للتطوير والتغيير الكلي أما التعديل و....

فيما يتعلق بكتب المعلمين أو أدلة المعلمين فإننا نؤكد على هذه الفكرة مع ضرورة الاستفادة من الاستراتيجيات الجديدة في التربية والتعليم حيث تم الانتقال بالمعلم من كونه محوراً للعملية التعليمية إلى مديرٍ لها ومخرج لمشاهدها.

كنا نتمنى تحديد الاتجاهات الجديدة في موضوع إعادة النظر بالمناهج التربوية. بمعنى آخر الأفكار الثلاثة الموجودة في الخطوة الثالثة ليست جديدة في الشكل من هنا كان المطلوب هو تحديد قواعد وأهداف من شأنها تطوير فعالية المناهج وإلا فإن بالامكان أن نتصور تعديلاً في المناهج وتركيزاً على النشاطات وإعداداً لأدلة المعلمين من دون أن يعني ذلك حركة فعلية إلى الأمام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

70

التعقيبات والنقاشات

 كذلك فيما يتعلق بنقاط الخطوة الرابعة نسأل دائماً عن الخلفية الجديدة أو الفلسفة التربوية الجديدة التي يمكن أن تبعث روحاً جديدة وتشيع مناخاً جديداً في كل هذه الأفكار التي سبق وأن تم بحثها ونحن اليوم في سياق تطوير هذا السابق.


ربما شكلت الخطوة الثالثة والرابعة عنوانين جديدين إذ أنهما لا يرتبطان مباشرة بالعنوان الرئيسي. تحصين الجيل بشكل فردي وجماعي من هنا نقترح توسيع هذين العنوانين (إعادة النظر بالمناهج التربوية) و(تأهيل المربين والمعلمين) في ما يتعلق بصورة مستقلة بالمحور الثاني. "رد الاتهامات عن التربية الإسلامية" ربما يبدو هذا العنوان ردة فعل أكثر منه محور عمل قائم بذاته فالتربية الإسلامية ليست مشغولة بتهم الآخرين لها في الأساس إن هذا الاجراء لا يشكل برنامجاً قائماً بذاته على غرار تحصين الجيل الفردي والجماعي.

لذلك ربما كانت النقاط التي وردت تحت هذا العنوان لا تعبر بدقة عن منطوقه.

فنشر الاحصاءات حول أوضاع الغرب ليست رد اتهام عن التربية الإسلامية كذلك نقد الفكر الثقافي الآخر ثم كشف عيوب الثقافة المفروضة ربما كانت النقطة الأخيرة توحي بعض الشيء بالعنوان "الرد عبر وسائل الاعلام المختلفة..." قد يكون استبدال هذا المحور بمحور آخر من قبيل عرض ونقد التجربة الغربية متناسباً مع مضمون النقاط المدونة له.

المحور الثالث، تعزيز دور الاعلام الإسلامي الملتزم نؤيد الشيخ في ما عرض من نقاط تحت هذا العنوان إلا أن السؤال يطرح نفسه مجدداً ما هو الجديد في هذا الطرح.

ثم لدينا سؤال آخر إن العنوان "دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة".

فهل يعني ذلك كل مجالات التربية الإسلامية بما فيها امكانات التيارات الإسلامية والأحزاب والمؤسسات على اختلافها أم أن الأمر محصور في التربية الإسلامية ضمن الامكانات والأوقات المتاحة لمؤسسة مختصة في هذا المجال.

المحور الرابع، التصدي لحل مشاكل الشباب

إن اعتماد عبارة "حل" أو "معالجة" وغيرها من المفردات القاطعة والحاسمة في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

71

التعقيبات والنقاشات

 التربية دونها محاذير واقعية وموضوعية بصورة خاصة ثم إن برنامج التصدي لمشاكل الشباب كما هو مذكور بالنقطة أ (النفسية والاجتماعية، العقلية، السياسية، الصحية، التربوية...) أعتقد أن هذا البرنامج لا يطرح نفسه على التربية الإسلامية ولا يجد القيمون على التربية الإسلامية أنفسهم قادرين على ذلك كذلك مضمون النقطة الثانية زواج، تعليم، فرص عمل، حرية، ربما كانت النقطة الأخيرة، "الحوار الدائم مع الشباب عبر الندوات واللقاءات المستمرة..." هي النقطة الوحيدة التي يمكن للتربية الإسلامية بأشكالها ومؤسساتها الراهنة من التصدي لها. 


أخيراً ربما كان بعض فحوى هذا العنوان قد ورد في ثنايا نقاط تحصين الجيل بشكل فردي وجماعي خصوصاً في النقطة الأولى من الخطوة الثانية.

المحور الخامس، تركيز اختصاص التربية محور جيد ومطروح بقوة في الأوساط التربوية العامة لكن ما قدَّمه سماحة الشيخ ثلاث نقاط محدودة واحدة منها أي "توحيد الأداء التربوي ــ المدرسي بين المدارس الإسلامية..." قد لا يتناسب مع العنوان وتبقى النقطتان تشجيع الدراسات التربوية، وتخصيص منح تعليمية متخصصة، وعلى الرغم من أهميتهما إلا أن ذلك يحتاج إلى مزيد من الخطوات والبرامج.

المحور السادس، والأخير تركيز وعي المربين.

أيضاً عنوان مناسب وجيد ويتضمن نقاطاً عديدة إلا أن الجديد فيها محدود ويحتاج إلى توضيح نخلص مما تقدَّم إلى أن هذه الورقة بين أيدينا جديرة بالاهتمام كما تتضمن أفكاراً عديدة تصلح مادة مفيدة في البيان الختامي ولا نعتقد أن سماحة الشيخ كان في صدد وضع خطة عملية للنهوض بالتربية الإسلامية أمام الثقافة الغربية أو المخالفة فهذا عملٌ جماعي يتطلب الكثير من الجهود والأوقات والامكانيات مع الاعتذار الشديد من الجميع.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

72

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة السيد موسى فحص1

 
معالم الخطة الأميركية في ما يتعلق بالمناهج التربوية في العالم الإسلامي.
 
هل قدرنا أن نختار بين مناهج الاستعمار القديم ومناهج الاستعمار الجديد؟
 
إن أميركا تريد بكل وضوح احداث تغييرات جذرية في المضمون والشكل للمناهج التربوية المدرسية في العالم الإسلامي وخاصة في ما يتعلق بالأبعاد الاستراتيجية وما لها من تأثير على الموقف العام المتعلق بالكيان الصهيوني ومستقبل المنطقة العربية والإسلامية. ونجد في عالمنا من يستجيبون لهذه الطروحات ويسارعون إلى احداث سبق في هذا المجال فيحذفون مجاناً ما يخالف الهوى الاستعماري الأميركي، ونجد في المقابل من يتمسك بتعصب بكل ما هو قائم ونافذ في تلك المناهج التي نرى أن الكثير منها هو من مخلفات الاستعمار القديم، فهل نترك المسألة لتكون صراعاً بين مناهج استعمارية قديمة ومناهج استعمارية جديدة؟
 
إننا نرى أنه لا شأن لنا بالدفاع عن مناهج عفا عليها الزمن ولا تعبر عن مضموننا الحضاري الإسلامي بل هي صورة صادقة تعبر عن مدى تمزّق هذه الأمة وانشغالها بصغائر الأمور ومظاهرها واهمالها لقضاياها الكبيرة وفي مقدمتها اخراج الإسلام من زوايا التعصب والتخلف إلى ميدان الحياة بكل أصالته وجدارته في ساحة الفكر والثقافة والانبعاث الإنساني وحل المعضلات المتصلة بعلاقات البشر، خاصة إذا ما نظرنا إلى هذا الافلاس الفكري والثقافي في العالم وهذا الحضيض الذي هبطت إليه الإنسانية في عصرٍ ينبغي أن ترفعها منجزاته العلمية في مراقي السمو الإنساني.
 
نعم نحن بحاجة إلى التغيير، وفي مناهجنا التربوية المدرسية بالذات شكلاً ومضموناً لكي تتلاءم مع ثقافتنا الإسلامية الأصيلة ومع روح الإسلام الرحبة التي تسع العالم كله وتتسع بركاتها لتشمل كل الناس حتى من هم خارج نطاق الإسلام العقيدي، ولكي تتلاءم مناهجنا مع تطلعاتنا للمستقبل الذي ينبغي أن تستلمه من الأجيال الآتية بصورة أوضح وأرقى من الصورة التي استلمناها نحن من الأجيال السابقة.
 
 
 

1- مشرف الرياضيات في مدارس الإمداد.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78
 

73

التعقيبات والنقاشات

 لأننا لم نرث من هذه الأجيال ديناً بل ورثنا أدياناً مختلفة بشكل عميق سماها أسلافنا المذاهب، وهذه المذاهب أصبحت بديلاً كاملاً عن الدين الذي هو الإسلام، كل فئة راضية بما ورثت وتجيّر كل التاريخ وكل الفكر من أجل تكريس مذهبها وابطال مذاهب الآخرين إلى حد يصل إلى التكفير.


فهذه بعض فرق السنة تخرج الشيعة من دائرة الإسلام. وهذه بعض جهات الشيعة تخرج السنة من دائرة الإيمان ومن يحل هذه المعضلة؟... أظن إذا لم نبادر إلى حلها لصالح الإسلام ومستقبله ستنجح أمريكا في حلها لصالح الصهيونية والاستعمار الجديد أسألكم: أي دين وأية مدرسة دينية إسلامية تدفع المسلم من طائفة في باكستان لاطلاق النار على المصلين في مسجد لطائفة إسلامية أخرى وقتل العشرات من المصلين وإن كانت هذه هي المعضلة الكبرى والعائق الأكبر في طريق جيلنا ليتمكن من طرح الإسلام الريادي المقنع فهناك مشكلات أخرى كبيرة أيضاً في مناهجنا منها:

أولاً: موقفنا من التربية الوطنية وتعميق أسس التعايش والمواطنية السليمة لكي لا تكون أحلام كل طائفة أو منطقة أو شخص أهم من الوطن.

ثانياً: تعريب المناهج العلمية المتعلقة بمواد التدريس في العلوم والرياضيات وهذا ليس للاستهلاك ولكنه ناتج عن تجربة مريرة في التعلم والتعليم في المدارس اللبنانية.

ثالثاً: في الثقافة العامة والشعبية هناك مصطلحات واستعمالات لغوية دخيلة يجب أن نقف دون ترويجها أو على الأقل أن لا نستعملها نحن في أدبياتنا ووسائلنا الاعلامية، مثل كلمة الأصولية وكلمة الإرهاب حتى في وصف الأعمال المعادية حتى لا تصبح هذه الكلمات جزءاً من قاموسنا اللغوي بمعانيها المشبوهة كما حدث مع كلمة البربرية.

إن أكثر الناس وأكثر الخطباء وحتى الأدباء يصفون كل ما هو وحشي وفظيع بأنه بربري ومن أين أتت هذه الكلمة؟ إنها استعمال استعماري من مخلفات الاستعمار القديم في المغرب العربي حيث كان لإخواننا البربر دور في الجهاد لاخراج المستعمر، وهكذا دخلت هذه الكلمة إلى قاموسنا اللغوي بما فيها من إهانة لقوم لا يستطيع أحد أن ينكر تحضرهم ورقيهم الإنساني مثلهم مثل غيرهم من الشعوب. إننا ندعو إلى الكف
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

74

التعقيبات والنقاشات

 عن استعمال هذه الكلمة المهينة نهائياً وخاصة مع وجود بدائل أساسية لها في جميع اللغات.


* إننا ندعو إلى عدم توحيد الغرب حول الولايات المتحدة في كل خطابنا السياسي والثقافي بل التركيز على نقاط الاختلاف الكبيرة بين أميركا والدول الغربية وحصر معاداتنا وممارستنا للسياسة الأميركية والصهيونية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

75

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة السيد خضر الموسوي1

 
في هذه العجالة لا يسعني إلا التقدم بمجموعة من الأفكار والمقترحات حول المؤتمر ومحاوره، عبر الآتي:
1- مقدمة، 
2- ملاحظات ست،
3- خلاصة.
 
المقدمة: المناهج التربوية في العالم الإسلامي
 
ليس هناك من عالم إسلامي واحد حتى نتحدث عن المناهج التربوية في العالم الإسلامي فليس هناك من فلسفة تربوية واحدة، بل نجد لكل بلد أو نظام أو حاكم فلسفة خاصة إذا وجدت وهي موزعة بين تيارات وأفكار وفلسفات اجتماعية لا حصر لها. بل قد تكون معدومة.
 
أما عن معالم الخطة الأميركية وآليات المواجهة، فإننا نرى أنها غير واضحة من حيث التفاصيل، لأنه مع كل يوم هناك جديد وتطور وطرح ورأي وذلك حسب نوع الإدارة الأميركية ولكنها بمعظمها طروحات (قديمة - جديدة)، والسؤال هو: هل هي خطة أميركية فقط؟ فماذا عن فرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا، وذلك الكّم الهائل من التوجهات المضادة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار - ويمكن إعطاء أمثلة قليلة في هذا المجال.
 
بريطانيا واحتضانها لسلمان رشدي - فرنسا ومنعها لحجاب الفتيات ألمانيا وحملتها ضد المسلمين المهاجرين الأتراك، ومن دون الحديث عن روسيا الملحدة وما فعلت عبر التاريخ أو الصين (العملاق النائم) أو غير ذلك - على ضوء ما تقدم نرى أن الحاجة إلى المؤتمرات كبيرة لوضع اليد على الجرح في مجال ليس توسيع الأعداء بل لتكوين قاعدة حقيقية للمواجهة، حتى لا تنطلي علينا حقيقة المعركة من خلال الغبار الذي تثيره الولايات المتحدة هنا وهناك...
 
 
 

1- مدير التفتيش المركزي - جمعية التعليم الديني.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

76

التعقيبات والنقاشات

 ملاحظات ست


إذا ما عدنا إلى المحاور المطروحة في المؤتمر فيمكننا ملاحظة الآتي:

1- إذا كان القصد -المناهج التعليمية العامة، فنحن ربما نكون مثقفين على أنها مناهج بمعظمها رثة وقديمة وغير عصرية وتحتاج إلى "نفضة" على مستوى المدارس والجامعات، وهي مناهج غير منسجمة مع عقيدتنا وفكرنا، لذا فنحن أولى بالهجوم عليها، ولعل سبب وجودها هو الأنظمة الحاكمة بفعل المستعمر الأوروبي وإلا فمتى كانت مناهجنا من صنع أيدينا.

أما إذا كان القصد مناهج التعليم الديني على صعيد المدارس والجامعات والحوزات والمعاهد الدينية، فنحن نعتقد بضرورة توضيح الأمر الآتي:

إن هناك جزءً من مناهج التعليم الديني نعتقد بضرورة تغييره وتعديله لعدم صلاحية العمل به أو عدم إمكانية التطبيق، أو عدم الحاجة إليه - أو عدم ملاءمته لتطور العقل البشري، ولست أرى في هذا المجال نتاجاً لتلك الأجزاء إلا الأفكار السلفية المتخلفة (الطالبان عند السنة، والحجتية عند الشيعة) وغيرها - ولعل من يستمع بعض خطباء الجمعة، عندما يتحدث الخطيب للأمة عن نوع السروال المناسب للاستعمال من الشباب وأي نوع جائز وما هو المناسب والطول، أو وهو يتحدث عن مقدار طول اللحية ــ وغيره ــ من أدلة على مدى تخلف برامج التعليم الديني ــ هذا من جهة، ومن جهة ثانية يمكن إيضاح المسألة بمدى الجهد الذي يبذل من العلماء هنا وهناك لمعالجة آيات الأحكام في القرآن وهي لا تتجاوز الخمسمائة مما يأخذ 90 ــ 95% من وقتهم وجهدهم، فيما آيات الجهاد والحركة والسياسة والعمل والتربية والاقتصاد وغير ذلك لا تأخذ أكثر من 5 - 10% من الوقت والجهد.

2- أما حول المخاطر التربوية والثقافية في خطاب الإدارة الأميركية، فهي مخاطر فعلية، ولكن إن ما تمارسه أمريكا سابقاً في الخفاء أصبح علنياً وسافراً ولربما نرى إيجابية في ذلك رغم الكثير من السلبيات، لأن التدخل الأميركي السافر يفضح نفسه ومخططاته، فيما كنا في الماضي نجهد أنفسنا كثيراً لفضح العدو.

فالتربية الأميركية والثقافة الأميركية - هي تربية وثقافة الغالب على المغلوب وهذا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

77

التعقيبات والنقاشات

 أمر طبيعي من جهتهم، والسؤال هو: لماذا قصرنا سابقاً وماذا أعددنا لاحقاً وكيف سنرسم المستقبل؟.


3- أما دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة فإننا نرى أن ذلك يجب أن يكتسب الأولوية الكبرى مع أولوية الدفاع والمقاومة عن النفس والوجود عبر المبلغين والمعلمين والمدارس والجامعات والأسرة والاعلام الملتزم.

4- بالنسبة لدور الحوزات العلمية والمعاهد في قم والنجف والأزهر وغيرها، فإننا ننظر إلى دورها، كدور فاعل ومؤثر، لكن تنقصه الحيوية والمتابعة للأحداث، لأن أميركا اليوم وحركتها لم تعد مجرد شعارات أو كلمات صحفية أو تصريحات إعلامية، بل أن أميركا اليوم تجوب عالمنا العربي والإسلامي كراعي بقر يفرض نفسه بقوة السلاح ــ وعلى الحوزات والمعاهد القيام بالكثير أقله رفع الصوت عالياً، وتخصيص المال للمعركة الثقافية الكبرى والحوار مع الشباب والإجابة عن أسئلة العصر.

5- لست أرى مجالاً للحديث عن المناهج اللبنانية وبناء المناعة الفكرية - لأنها مناهج لا تزال عاجزة وقاصرة عن القيام بهذا الدور الكبير، وأرى أن الأخ د. عدنان الأمين سيفي الموضوع حقه، وماذا ننتظر من مناهج أُحضرت هيكليتها من الأردن (أميركية) فيما مضمونه موزع بين الفرنسي والكندي وغيرهما.

6- أما عن مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل، فنعتقد بأن هذا أمر جبار، لكنه يحتاج إلى مجلس تخطيط تربوي موحد بين مختلف المدارس الإسلامية الشيعية والسنية ــ واختيار نخبة من التربويين الإسلاميين الأصيلين ليقوموا بذلك.

خلاصة

سأكتفي بما ذكر لأخلص إلى تسجيل النقاط الأربعة الآتية:

1- إننا لا نلاحظ حتى اليوم أن هناك جدية في التصدي للمشاكل الثقافية والتربوية العامة من حيث: إعداد المعلم الكفؤ وتوفير الإدارة التربوية المناسبة وتطوير المناهج الحوزوية واختيار العلماء على أساس أو أسس شخصية وتربوية ونفسية ومظهرية محددة ــ وتوفير المنح التعليمية للتخصص العالي وتعديل كتب التعليم الديني بشكل مستمر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

78

التعقيبات والنقاشات

 2- إن مشكلتنا ليست مع الثقافة والتربية الأميركية، بل مع التربية والثقافة الغربية المادية بشكل عام، فليست التربية والثقافة الفرنسية أو البريطانية أو الألمانية أو الروسية أكثر انسجاماً مع ديننا وعقيدتنا من حيث أفكارها المنحرفة وإعلامها المضلل، من هنا وبكل ثقة فإننا نرى ضرورة المواجهة عبر:


أ- الثبات والصمود دفاعاً عن الوجود.

ب- إعلان حالة طوارىء فكرية وثقافية وتربوية تساهم فيها جميع القوى الإسلامية (حوزات ومعاهد ومدارس وجامعات، سنية وشيعية) حتى نواجه الآخر من جهة وحتى نعد للمستقبل من جهة ثانية، على أن يتم التركيز على إبراز جوانب النظرية التربوية الإسلامية ونبثها في بطون الكتب والمكتبات حتى لا نضطر دائماً إلى الأخذ عن الغرب وطروحاته ومن ثم نسبه ونشتمه في آن معاً.

3- إننا لا ننتظر أن ينتهي الصراع الفكري، الثقافي، التربوي في يوم أو اثنين - بل إن المسألة تحتاج إلى وقت وجهد وهي معركة بالطبع مفتوحة وستكون الغلبة بإذن اللَّه لرسله والمؤمنين.

4- أدعو جميع الغيارى مجدداً إلى إعطاء الأولوية للبناء التربوي - الثقافي من دون التفريط بالمسائل الأخرى عبر شروط خاصة بالعمل التربوي والثقافي.

أخيراً - نشكر الوحدة الثقافية المركزية لحزب اللَّه، نشكر السادة الحضور - وإلى مؤتمرات أخرى بإذن اللَّه.

والسلام عليكم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

79

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة د. حسن البنا عبد المنعم1

 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بالنسبة إلى ما لم يتطرق إليه المؤتمر هو طبعاً المؤتمر عن المؤامرة والمؤامرة إعداد الخطط والتوصيات واللجان التنفيذية.
 
أولاً: لم يتعرض المؤتمر للسياسات الخارجية المحيطة بالمنطقة منذ قرن ونصف فمثلاً المشاريع الأنجلوساكسونية التي قامت ببناء الجامعات في العالم العربي والعالم الإسلامي لم يتطرق إليها أحد وكذلك المشاريع الفرنكوفونية المتعلقة بالمنطقة وطبعاً لبنان لا يخرج عن هذا الإطار وخاصة أن هناك خمسة عشر خبيراً فرنسياً في وزارة التربية والتعليم في لبنان ساهموا في صياغة المناهج الجديدة مباشرةً وأيضاً السياسات الأنجلوأميركية تعرضنا إليها لماماً وعلى السريع على الرغم من أن هناك مخططات تفصيلية بدأت من قبل 11 أيلول سبتمبر فمؤسسة فرانكلين في مصر كانت تدير التعليم في عهد عبد الناصر بواسطة المخابرات الأميركية وبواسطة أساتذة الجامعات وأيضاً يرسل من مصر ما لا يقل عن 21 ألف معلم ومعلمة إلى الولايات المتحدة الأميركية في الصيف من أجل إعادة صياغة الجيل الموجود عدا عن جهاز الأمن المصري للدورات التي يأخذها في الولايات المتحدة الأميركية أيضاً بالنسبة لموضوع الأزمة الخارجية والأزمة الداخلية، الأزمة الداخلية أعتقد أنها تنبع من الأنظمة الاستبدادية الحاكمة فإسماعيل باشا كان صرح في القرن الماضي الأمم الجاهلة إن الأمة الجاهلة أسلس قيادةً من الأمم المتعلمة وبالتالي هاتان النقطتان النقطة الأولى المتعلقة بإدارة المنطقة من الخارج والضغط الموجود من الداخل يشكلان بؤرة مهمة جداً في قضية المعالجة التي لا بد أن يأخذها المؤتمر على عاتقه.
 
نأتي لمشروع المؤتمر، المؤتمر هو عبارة عن آلات وطموحات لا ترقى إلى المستوى الرسمي في التعاطي مع أجهزة الدولة مثلاً إذا أردنا أن نتحدث عن عمليات التطوير بناء الكتب إلى الآن داخل الحوزات وداخل المؤسسات الدينية والأزهرية وحتى داخل الأكادميات العلمية متخلفة لا ترقى إلى معايير 22 معياراً في بناء الكتاب هذا على
 
 
 

1- موجّه فني في وزارة التربية والتعليم.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

80

التعقيبات والنقاشات

 مستوى الكتاب وانعكس ذلك على سياسة الاستظهار والبصم بالنسبة للطلاب ففي أحد المدارس طالب أجاب عن مسألة في مرحلة الثانوية العامة بطريقة صحيحة إلا أن الوزارة رسّبت هذا الطالب لماذا؟ لأنه أجاب عن المسألة بطريقة ليست معتمدة في المنطقة العربية والشاهد موجود والوثائق موجودة وطبعاً هي دولة قريبة منّا، بالنسبة لموضوع الدراسات والبحوث لا توجد مراكز دراسات وبحوث متخصصة برسم الإيديولوجية التربوية الإسلامية حتى النخب الإسلامية إلى الآن لم تقم بعمليات التنظير على امتداد التاريخ الإسلامي لتمتلك التراث من أجل إخراج نظرية إسلامية بديلة في مواجهة والدكتور منير يعرف هذا الكلام في مواجهة الإيديولوجيات التربوية على مستوى العالم لدرجة أن الدكتور عبد الغني عبود أسس في جامعة عين شمس قسم للتربية الإسلامية لإخراج نظرية خاصة رسالات أطلقها وسجن الدكتور وله كتاب معروف أيديولوجية التربية حتى الألوان الموجودة على الكتاب الأخضر والأزرق والأحمر يعبر فعلاً عن النظريات التي لم نصل إليها بعد مراكز الدراسات غير متخصصة أيضاً هناك نقطة خطرة جداً لم يعالجها المؤتمر وهي مسألة الازدواجية نحن نعيش ازدواجية كبيرة جداً تؤدي إلى انفصام بين التعليم العام والتعليم الفني فالتعليم الفني لا زال متخلفاً وتأتي الشركات الأجنبية لكي تقوم بالمشاريع الموجودة والتعليم العام للأسف الشديد نظري أكاديمي يقوم على عمليات الاستظهار والحفظ للمعلومات المعرفية أيضاً هناك تعليم ديني وتعليم علماني ازدواجية ضخمة أيضاً نقطة خطيرة جداً من قال أن هناك مدارس خاصة؟ لا يوجد في عمليات التعليم على المستوى التنظيري الأصولي بعملية التربية أن يكون هناك تعليم رسمي وتعليم خاص وعبد الناصر أول ما استلم السلطة أعلن شعاراً كبيراً جداً لا بد من تنصير التعليم تنصير التعليم أي أن لا بد أن تقوم الدول بمراعات خصوصياتها التاريخية والمعتقدية والفكرية من أجل بناء تعليم خاص.


أيضاً الجمعيات الدينية المسؤولة عن عملية إعداد معلم دين للأسف الشديد جمعيات القرآن الكريم قاطبة على مستوى العالم العربي لأن أنا أول ما درست درست في المعاهد الأثرية الدينية على مستوى عالمنا العربي لا يوجد هناك أستاذ متخصص
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

81

التعقيبات والنقاشات

 حتى الإداريين الموجودين بالنسبة لهذه الأجهزة يعني ليست لديهم الكفاءة في إدارتهم فمثلاً في لبنان لا توجد كتب مؤلفة على مستوى جمعية القرآن الكريم لا يوجد أدلة للمعلمين أيضاً ضعف راتب مدرس التربية الدينية بحيث أنه يتقاضى راتب 150$ في السنة بالنسبة لموضوع ضعف إعداد المعلم الديني فيأتون مثلاً بمدرس لديه شهادة الإعدادية أو معه شهادة الثانوية العامة الأخطر من هذا أن المدرس الكفؤ على مستوى لبنان في كل الورش التي شاركت فيها سواء كانت في البقاع أو في بيروت أو في الجنوب لدي ما لا يقل عن واحد وعشرين دفتر للمعلمين للأسف الشديد ولا دفتر منهم صالح لعملية تحضير درس لا في الفيزياء ولا في الكيمياء ولا في اللغة وأقف عند هذا الحدّ.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

82

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة الأستاذ علي يوسف1

 
مرت علاقتنا بالغرب في مرحلتين: الأولى هدفت السيطرة الاستعمارية الغربية خلالها إلى تشكيل قيادات المجتمع السياسية والأمنية والتربوية على صورة قدرت أنها تضمن لها استمرار السيطرة غير المباشرة. وعندما قامت حركات التحرر الوطني والقومي، لوحظ أنه بالامكان احتواء مثل هذه القيادات، أو شل حركتها لأنها لا تستند في برامجها وسياساتها وفكرها إلى ثقافة الأمة التي ظلت مترسخة لدى البنى الشعبية القاعدية.
 
شكل انتصار الثورة الإسلامية معطى خطيراً لأن استناد قيادة الثورة إلى ثقافة الأمة (الإسلام) وتجاوز الإزدواجية بين القيادة والناس جعل النتيجة عصية على الاحتواء من قبل الغرب عموماً والإدارة الأميركية خصوصاً.
 
الإدارة الأميركية المتوجهة بصورة مشروعة من حيث القوة والامكانات وليس من حيث المشروعية القانونية نحو لعب دور القطب الأوحد.. ولذا فإن تشجيعها للدراسات حول الإسلام والأصولية الإسلامية بصورة موضوعية هدف إلى معرفة الوعي الجمعي المقاوم لدى المسلمين أي البنية الثقافية وكيفية توظيفها في الاستنهاض.
 
وهذا ما قاد الأميركيين إلى تجاوز التأثير في ثقافة المفاصل القيادية إلى التأثير في البنية الثقافية (المعتقدية والسلوكية) لعامة المسلمين. ومن هنا كانت الهجمة.
 
في الدفاع ضد هذه الهجمة، نحن بحاجة إلى التربية الإسلامية، وهنا نرى أن المادة موجودة ولكن تحديد الأهداف وتوزيعها على الأعمار انطلاقاً من معرفة استعدادات الطفل وما بلاغها من هذه الأهداف أو القيم.
 
إن كل المواد التعليمية أتيح لها تحديد أهداف ومناهج وطرائق وأساليب ووسائل لأنها أتيح لها ذلك في الغرب، بينما التربية الإسلامية بكل تفرعاتها الممكنة لم يتح لها ذلك وهذه نقطة طبعاً قد تساهم في تنفير الناشئة من دروس التربية الدينية لابتعادها عما يفرح الناشىء عبر استخدام أساليب ووسائل متقدمة لتعليم مواد التربية على قيم تتناسب واستعدادات الناشىء الإدراكية والانفعالية والاجتماعية والروحية.
 
 
 
 

1- مدير الإرشاد والتأهيل في المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

83

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة فضيلة الشيخ شفيق جرادي1

 
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته بالحقيقة يوجد بعض التناقضات السريعة ملاحظات سريعة ولو بشكل مبعثر يوجد سؤال.
 
الملاحظة الأولى من الواضح أنه في نقاشاتنا من حيث عمق المضمون علينا أن نكون متفقين تماماً لكن يخشى في كثير من الملاحظات التي تقدم أن نقع بإشكالية الفرز القائم على أساس عقدة اللغة كل واحد يحاول أن يعبّر بطريقة قد تختزن الكثير من الانفعال الذي قد يولد في بعض الأحيان شيئاً من الفرز السجال فيما بين بعضنا البعض وإلا لا أظن أن أحداً مقصر فيه. كل الجو القائم حولنا الواقع هو كذلك، لذلك بالواقع أنا أقترح بالنسبة لمركز الإمام الخميني حبذا لو يصير عقد لقاء للحديث عن نمط التفكير عند المسلمين وما هي اللغة التي يمكن أن نستخدمها في خطابنا المتبادل فيما بين بعضنا البعض.
 
الأمر الثاني الذي أود التحدث عنه له علاقة بأصل الموضوع القائم اليوم والذي أثاره الدكتور علي بالواقع بخصوص موضوع الجامعة والذي أنا إلى الآن طبعاً أعتبرها من الأسئلة الموجودة في ذهني ولا أعرف كيف يمكن أن أجد لها جواباً واضحاً على هذه التساؤلات أنه إذا كانت المشكلة التي نعانيها أن المجتمع المحيط بنا هو مجتمع استهلاكي أكثر مما هو مجتمع إنتاجي فهل الآن نحن ننادي بإنشاء جامعة تستطيع أن تكون صاحبة قدرات وكفاءات استثنائية عمّا هو قائم حتى يبقى فاصل تتولد منه الطاقات يحتفظها واقعنا الموجود من حولنا أم من المفروض أن نبحث عن الكيفيات للاستفادة من الطاقات في جامعات قائمة وتستطيع أن تفرز الكثير من الإمكانات لكن هذه تدل أنه لا يوجد لها مكان في بلد هي منه.
 
الأمر الآخر الذي قد يكون مورداً من موارد التساؤل أنه إذا كان المقصود من الجامعة ليس الاهتمام بالإطار العام للدراسات بل هي اهتمامات يمكن لها طابع التحدي من موقعنا الإسلامي سؤالي يمكن أن يكون لمثل هذه المؤسسات الجامعية
 
 
 

1- مدير معهد الدراسات الإسلامية للمعارف الحكمية.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

84

التعقيبات والنقاشات

 التربوية التعليمية..؟ هي الجامعة أن تولد لدينا مجتمعاً مغلقاً عن المعايشة العامة للبيئة المحيطة بنا بالتالي نقع في ما وقعت فيه بعض التجارب عند غيرنا في دول أخرى من أننا نتحول فعلاً إلى حركات مغلقة على نفسها بسبب يمكن مراكزها التي عملت من خلالها وبهذا الصدد أيضاً سؤال أليس من الأفضل واليوم يوجد دائما إشكالية لا أعرف منذ متى متولدة قصة العلاقة بين الحوزة والجامعة ولا أعرف إذا كان يوجد إمكانية للجمع بينهما بالحقيقة أصبحت في مورد الشك بهذا الأمر لكن أليس من الأفضل إذا كان المقصود منها تجربتنا الإسلامية أن نهتم بتطوير ما لدينا من معاهد دينية أساساً للاهتمام بمجالات في أفاق إسلامية وفكرية وإنسانية عامة من أن نبحث عن إقامة جامعة مستقلة إلا إذا كان المقصود من الموضوع الجامعي شيئاً أبعد مما هو تعليمي بحت أو تربوي بحت ولكم جزيل الشكر.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

85

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة د. بلال نعيم1

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته مع الثناء على ما قاله السيد نجيب نور الدين وهو (غير موجود الآن) والذي ينم ويكشف عن الغيرة الموجودة عنده والتي دعته لأن يتكلم بلغة فيها من الجلد لواقعنا، أعتقد ولكي نكون منصفين فإن من يريد أن يقيّم من المفترض أن يستعرض كل الجوانب وإذا وجدت إضاءة واحدة على الأقل فليسلط الضوء عليها، هذا إذا كان التقييم لمجرد التقييم، إما إذا كان التقييم للتصحيح فأعتقد أنه في واقعنا الكثير من الإيجابيات في الوقت الذي يوجد فيه الكثير من السلبيات التي معظمها ناتج عن الجهة التي تهجم الآن، بشكل سافر على هذه الأمة بعد أن كانت طبعاً مهاجمة ومحتلة ومستعمرة بشكل غير مباشر، على كل الأحوال توجد اليوم هجمة أميركية كبيرة على هذه الأمة بكل مقوماتها أحد أوجه هذه الهجمة هي موضوع التربية ومناهج التعليم أعتقد بموضوع ردود الفعل والمواجهة مع هذه الهجمة يجب أن تكون هناك أنماط تتناسب مع طبيعة الموضوعات والساحات فاحتلال الأرض مثلاً أكيد يتناسب مع مقاومة عسكرية لكن موضوع المواجهة في الإطار التربوي فالأمر مختلف تماماً وأعتقد أنه في هذا المضمار يجب أن تكون ردة فعل ثنائية الأبعاد: ردة فعل إعلامية وسياسية ويجب أن تكون رافضة وفيها ممانعة وأيضاً أحياناً مكابرة ترفض أن تعترف بالنقص والضعف أمام هذه الهجمة الأميركية على المستوى الإعلامي والسياسي لكن على المستوى الواقعي والفعلي يجب أن نعمل على أنفسنا لأن هذه الهجمة تمثل أيضاً فرصة كما تمثل تهديداً تمثل فرصة لنا لكي نكتشف الكثير من الثغرات والعيوب في منهجياتنا، في أفكارنا، في مضاميننا، وفي بنية العقل الذي ننتجه في عالمنا في كثير من الأزمات صحيح على المستوى الإعلامي والسياسي يجب أن نرفض الاعتراف بهذا الأمر لأن الجهة التي تحاول أن تكشف عن هذا الموضوع هي جهة مغرضة وجهة معادية وليست جهة تريد الإصلاح حتى نعترف أمامها كما يحصل عند البعض بمجرد
 
 
 

1- عضو مجلس مركزي في حزب الله.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

86

التعقيبات والنقاشات

 أن تحصل هجمة يكشف عن كل عوراته أو سوءاته حتى التي ليست مكشوفة للآخرين إذاً على المستوى الإعلامي يجب أن نرفض ويجب أن نكابر ونغطي على واقعنا ولكن على المستوى الداخلي يجب أن نعترف بالتقصير ونسعى لتصحيح واقعنا في أكثر من اتجاه وأحد اتجاهات التصحيح يكمن في الإلتفات إلى أن هذا المتدفق من الغرب وخصوصاً من أميركا هذا المتدفق القادم من الغرب فإن واحدة من الأمور التي تجعله يبقى على تدفقه هو استهلاكه واعتماده من قبلنا حتى لو اعتبرنا أن الذي يأتي من الغرب هو ماء طاهر فإنه عندما يرى أو يجد سدوداً في مقابله فإنه سوف ينفجر في مكانه وسوف يرتدّ على نموذجه فالنموذج الغربي يعاني الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية والأسرية الناتجة عن المناهج التربوية والتعليمية والذي يساعد هذا النموذج مع أزماته على الاستمرار أو واحد من العوامل الذي يساعد على بقائه حياً هو استهلاكه وتبنيه من قبلنا لكن عندما يجد سدوداً أمامه فإنه سوف يرتد وينفجر في مكانه وهذا الأمر يمكن أن نتلمس إرهاصاته من خلال الأمرين التاليين أختصر بهذين الأمرين، الآن أحد العوامل المساعدة على سريان هذا النموذج التربوي الغربي بالرغم من أزماته الاجتماعية والنفسية هو العقل المنفتح أعني موضوع الحرية الحامل للنموذج والأمر الثاني هو تبني هذا النموذج من قبل الشعوب والأمم الأخرى. وفي موضوع الحرية الفردية الآن وبعد أحداث أيلول بغض النظر عن رأينا فيما حصل، لكن هناك أزمة نشأت في موضوع الحرية فالنموذج الليبرالي الغربي بدأ يتآكل ولو جزئياً بدأ يتآكل فهناك أزمة على مستوى الحرية الفردية من خلال مجموعة تشريعات وقوانين تستلب هذه الحرية الفردية والأمر الثاني أو العامل الثاني والمرتبط بنا أي بموضوع تبنينا لهذا النموذج فإذا استطعنا أن ننصح قائلاً دون استهلاك المنظومة التربوية أو الفكرية الغربية على ما هي عليه فإن هذين الأمرين أي أزمة الحرية وأزمة عدم الإستهلاك للمنظومة التربوية الغربية سوف يرتدان على النموذج الغربي وتصبح الأزمة في النموذج التربوي الغربي وليس في النموذج الإسلامي وشكراً.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

87

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة الأستاذ حسن نعيم1

 
عندما كنت أستمع إلى مداخلة الدكتور علي فياض وحديثه حول ما جاء في مبادرة باول بشراكة مع الشرق الأوسط حمدت اللَّه أن الرجل لم يصل إلى موضوع المعلم، فالمعلم عندنا هو بحالة يرثى لها وخصوصاً فيما يتعلق بالجانب المعنوي مدارسنا تتعاطى مع المعلم كموظف يمكن الاستغناء عن خدماته بأي لحظة وهذا ما يورث عنده النظر إلى رؤسائه كأولياء أمره وهذا ما يؤدي في النهاية إلى شخصية مسحوقة لا تشعر بذاتها وبكرامتها، وهذه الشخصية ستنتقل إلى الطلاب، فلا يمكنك أن تطلب من شخصية مسحوقة أن تربي أشخاصاً أحراراً يواجهون أمريكا والاستعمار، نتحدث عن المدرسة الرسمية وعن سلبياتها لكنها أعطت شخصيات ثقافية حرّة كبيرة.
 
فإذا كانت الجامعة المرجوة التي تحدث عنها الدكتور علي فياض ستأتي على صورة المدارس الخاصة التي أنجزناها فأعتقد أنه لو بقينا على الجامعة اللبنانية سيكون أفضل.
 
 
 

1- المحرر الثقافي في جريدة الانتقاد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

 


88

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة الحاج محمد سلامي1

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
برأيي المشكلة الجوهرية التي نعاني منها هي الهوة العميقة بين التوسع السريع للمؤسسات التربوية من ضعف النتاج النظري الذي يستطيع أن يوفر لنشاطنا التربوي وخصوصيته وهويته المميزة فالفعل التربوي لكي يكون مؤثراً كدماء وكمواجهة يحتاج إلى بلورة رؤية نظرية وفلسفة واستراتيجيات تربوية حتى الآن لدينا مؤسسات للدراسات تهتم بالسياسة بالاقتصاد لكن هناك غياب لمراكز الدراسات على صعيد الثقافة والتربية لذلك أدعو إلى تظافر جهود جميع المؤسسات الإسلامية لإنشاء مراكز تتصدى لهذه المهمات هذه النقطة الأولى التي أحب أن أتحدث بها.
 
النقطة الثانية هي للأسف للالتقاط السريع للأميركان لبعض الخصوصيات لمجتمعنا التي إلى الآن نحن لا نستفيد منها يعني من المعروف أنه على المستوى الاجتماعي الإسلامي الأسرة كما أثبتت معظم الدراسات حتى الآن أنها تلعب الدور الرئيسي وإذا أخذنا بعين الاعتبار هذه الحقيقة نجد أن جهودنا حتى الآن في تزويد أهلنا بمهارات تربوية لإنشاء جيل مسلم ومؤمن لا تزال متواضعة هناك تجارب مثلاً في الجامعات الماليزية في بعض التجارب التي دخلوا فعلاً في هذا الحقل، لذلك أدعو أيضاً إلى إيلاء هذا الجانب أهمية خاصة وإعداد رؤية وبرامج لمد يد العون إلى أهلنا في المجال التربوي وشكراً.
 
 
 

1- المدير المركزي للدراسات والتوثيق في جمعية التعليم الديني الإسلامي.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

89

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة الأخت سكنة حجازي1

 
أود الثناء على المؤتمر فالفكرة رائدة في مجال مواجهة المناهج التي بدأت تظهر آثارها في مخططها الخطير وإذا ما استمرت ولم يتم العمل الجاد لمواجهتها فإننا ولا شك نسير بأجيالنا نحو الهاوية.
 
ولكن
 
فهناك تفاصيل قد أشار بعض المداخلين الأفاضل إلى بعض منها كالحوزات ودورها وأساليبها القديمة والتي أصبحت غير فعالة (بأسلوبها لا بمادتها ومضمونها).
 
كمثال عدم وجود علماء دين متخصصين في مجالات العلم الحديث الذي يجمع العلوم العصرية إلى العلوم الدينية.
 
كمثال آخر تدريس اللغة العربية (الألفية مثلاً) التي لم يتم تحديث تدريسها لا إلغائها. وأضيف نقطة، أراها هامة، وهي دور اللغة العربية خاصة في التربية والثقافة في تكوين الفكر عند الجيل.
 
وقد أرى أن تضييع الأمة يتم عبر تضييع لغتها الأساسية وقد قال اللَّه تعالى في محكم تنزيله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
 
وأنني كمعلمة أرى أن المناهج الجديدة بدأت بتضييع الأجيال عبر تضييع هذه اللغة.
 
المدارس الإسلامية (مع قلتها) إذا كان لها دور فهو منحصر في إطارها الخاص، أي داخل المدرسة دون أن يمتد إلى المدارس الأخرى في كافة المناطق.
 
أخيراً أتوجه بالشكر إلى معدّ المؤتمر وأثني على جهوده وأتمنى أن تكون هناك خطوات عملية في هذه المواجهة عبر المدارس والمعلمين والأسر...
 
والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته
 
 
 

1- كاتبة في مجلة بقية الله.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

90

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة فضيلة الشيخ يوسف سبيتي1

 
السلام عليكم جميعاً بسم الله والحمد لله والصلاة على النبي محمد نبي الله وعلى آل الله لدي ملاحظتان هنا أحب أن أتحدث حولهما تعليقاً كمقدمة واستعجالاً لما شاهدته وما سمعته في هذا الشطر البسيط لكن في الواقع أصبح هناك إثارات كبيرة جداً من كثير من الإخوان في زماننا الحاضر عن موضوع الآصالة والعلوم الحوزوية وتطور الحوزات على كافة المستويات كأنه يوجد نوع من الهجمة، هجمة واضحة بشكلٍ أو بآخر بحسن نية أو لا ونحن نولي الآخرين على حسن نية إن شاء الله لكن الحقيقة التداخلات الكثيرة والاعتراضات الكثيرة التي تتحدث عن تطور الحوزات ونقد الحوزات والإشكالات الواردة على الحوزات إنما في غالبها تكاد أن تخرج عن الهدف حسب ما نلاحظ وإن كان بحسن نية حتى حلا للبعض أن يشطح إلى أن يجعل الحوزات كمراكز مقوقعة ومنزوية وبعيدة وغريبة وإلى آخر ما هنالك من مصطلحات علماً منّا والكل يرى ويلاحظ ويعلم ويشاهد بشكل واضح أن الحوزات هي بهذه البرامج الموجودة حالياً دون أي تطوير دون أي تغيير هي التي خرّجت الفقهاء العظماء وجهابذة الأمة الذين حفظوا الشرع والشريعة وأوصلوا علوم أهل البيت عليهم السلام إلينا وهي التي خرّجت أيضاً العلماء الذين تحدثوا عن الوقائع الاستخباراتية عبر التاريخ والتي حاربت وجاهدت وحافظت على أمتنا وعلى أصالة أمتنا إلى زماننا الحاضر بالوقت الذي لم يكن هناك علوم أبداً أو كان هناك علوم جزئية وبسيطة عند الآخرين وكل الآخرين كانت العلوم تخرج من الحوزات إن كان على مستوى الأدب والعلم والفلسفة وأصول وفقه وحتى كيمياء وفيزياء أيضاً كما نسمع وكما نقرأ نحن لسنا ضد تطور الحوزات بتاتاً لكن ما الهدف بالتالي فقط هذه رسالة أحب أن أتحدث بها الآن بخدمة الإخوان الأعزاء والأخوات العزيزات بشكل سريع نلاحظ أن وظيفة العالم هي هذه الخمسمائة آية التي بعضهم تحدث بها خمسمائة آية أو أقل التي تتحدث عن جوانب الاستنباط استنباط الأحكام الشرعية المكلف بها مباشرةً هي هذه وظيفة العالِم وهذا غنى وهذا
 
 
 

1- مدير عام معهد الإمام الجواد عليه السلام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

91

التعقيبات والنقاشات

 كافي مع ستة آلاف أو سبعة آلاف آية عن الهداية وبالتالي وظيفتها أن تحل مشكلات الفرد ومشكلات المكلف على مستوى الوظيفة الشرعية هذا بالنسبة له كافي ولا نريد أن نحمله أكثر من طاقته هذا العالم أو هذا الحوزوي مع ضرورة أن يُسعى ويجاهد إلى وجود أو إيجاد طرق تعليمية حديثة ربما تكون تجدي نفعاً أكثر أو توصل إلى الهدف والغرض والمراد أكثر لكن أنا لن أطيل أكثر أقترح أن يدعى إلى مؤتمر لأجل تقوية الحكومة الإسلامية في عصرنا الحاضر مع إقامة المؤتمرات كافة في كافة الجوانب لكن لا نريد أن نغفل عن إيجاد مؤتمر لتقوية الحكومة الإسلامية بعصرنا الحاضر لأنه بكل صراحة يا إخوان نحن نشاهد الآن في كل العالم وفي لبنان خاصةً نشاهد حملة شرسة ومؤذية جداً على الحكومة الإسلامية بما تمثل من قادةٍ وعلماء وأركان وكوادر وإذا ما ضعفت فلا يعود حاجة لا لأساليب تربية ولا للبحث في مسائل التربية والتعليم والثقافة وغير ذلك من الأمور نحن الآن دعونا لا نركز كثيراً على الانتقادات اللاذعة والمؤذية والتي من شأنها أن تحطم الحكومة الإسلامية إذا لم نركز كثيراً على الانتقادات هذه وأنهم هم ليس لديهم لا نضوج حوزوي ولا علمي ولا إلى آخره إذا ركزنا على هذه المسألة فبعدها نتكلم بشيء اسمه وسائل تربية وتعليم وثقافة وإلى آخره فيما بعد نركز ويبقى لنا شيء نتحدث عنه تربية وتعليم وثقافة والحمد لله رب العالمين.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

92

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة الحاج عبد الرحيم فخر الدين1

 
أنا سوف لن آخذ أكثر من ذلك لأنه ما شاء الله الإخوان استفاضوا لكن فقط لدي إشكالية على عنوان المؤتمر يعني مكتوب بالدعوة عنوان المؤتمر : المناهج التربوية في العالم الإسلامي فهذا كان يستوجب على الأقل مشاركات مؤسسات تربوية مختارة من بعض الدول الإسلامية ومن ضمنها الجمهورية الإسلامية لأنها معنية جداً بالموضوع لذلك كان من الأفضل الاقتصار على اختيار عنوان أكثر تحديداً بما يختص بالمناهج التربوية للمؤسسات الإسلامية في لبنان فكان أفضل واستثناء الحوزات من الموضوع لأن موضوع الحوزات التي تحدث عنها الشيخ يوسف مهم جداً وضروري أن يفتح على مصراعيه ولا يختصر بمحاضرة بالمؤتمر وشكراً.
 
 
 

1- مدير الدائرة الإعلامية في جمعية التعليم الديني الإسلامي.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

93

التعقيبات والنقاشات

 مداخلة الأستاذ علي علوية1

 
إن بعض العادات والتقاليد التي تبثها إلينا وسائل الاتصال وما أكثرها (والتي نعتبر بعضها سلبياً ومغايراً لعاداتنا وتقاليدنا ومعتقداتنا) وهذه العادات والتقاليد ترفه في الغالب عن الشباب القابع تحت ضغط الحاجات النفسية والفعلية والجسدية في هذا القرن.
 
فالفرح حاجة ملحة لكل إنسان ومن هذه النافذة برامج الفرح دخلت العادات والتقاليد الغربية بحسنها ورديئها فالانبهار بالحضارة الغربية يجعلها مقبولة لدى الناشئة بكل ما فيها إن في العقل الباطن أو الظاهري.
 
إن برامجنا الإعلامية والإسلامية بالخصوص تركز على التقنية الغربية لا تلبي حاجة الفرح عند الشباب أو تجرب تقنينه أو استبداله ببرامج متكافئة.
 
لقد تخصصنا في الحزن وقدسناه حتى حزنّا الفرح هذا الأمر نفّر شبابنا التقليدي أو قوقع وعزل شبابنا الملتزم مما رتب عليه ازدواجية في الشخصية فتارة يشده الإسلام الحنيف إلى جهة والواقع المعاش إلى جهة ثانية.
 
السؤال الموجه:
 
ما هي الخطة أو البدائل التي نقدمها كبرامج للفرح لشبيبتنا تلبي حاجة الناشئة في هذا القرن وتمنع انسياب الثقافة الغربية السلبية إلى نفس أولادنا المحتاجة لهكذا برامج؟.
 
 
 

1- مشرف العلوم في جمعية التعليم الديني الإسلامي.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
99

94

الجلسة الثانية: دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب

 الجلسة الثانية: دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب

 
فضيلة السيد عبد الكريم فضل الله1
 
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
 
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد أشرف الخلق أجمعين وآل بيته الأطهار الميامين.
 
هذا البحث سيتم عبر النقاط التالية: الحوزة، الغرب، التغرُّب، التغريب، الأمركة، سبل المواجهة ونفع العالم، وسنحاول الاختصار ما أمكن عن طريق إعطاء إشارات.
 
النقطة الأولى: الحوزة
 
هي في الأساس مدرسة لدراسة علوم أهل بيت النبوة عليهم السلام خاصة ما يتعلق باستنباط الأحكام الشرعية، أي ايصال بعض الطلبة إلى مرحلة الاجتهاد والقدرة على الفتوى بعد سنين طويلة، ولكنها أخذت دوراً عبر التاريخ الإسلامي في مختلف نواحي الحياة الإنسانية من سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية من جهتين:
 
الجهة الأولى: نفس النظريات التي يتوصل إليها المجتهد من الناحية النظرية العلمية، مثل أن يتوصل إلى وجوب إقامة دولة وسلطة قوامها الفقيه العادل، فيحرِّكه واجبه الشرعي بهذا الاتجاه، أو أن يتوصل إلى عدم ذلك فيحرِّكه الواجب باتجاه آخر، مثل الانكفاء والسلبية مع السلطة القائمة أو المهادنة أو غير ذلك ويختلف ذلك باختلاف الأدلة الاجتهادية التي استند إليها وباختلاف الموضوع من زمان ومكان وظرف وسلطة.
 
الجهة الثانية: تفاعل المجتمع الإسلامي مع الحوزة حيث إن المسلمين وخاصة الشيعة منهم ينظرون إلى علمائهم وخصوصاً مراجعهم نظرة علم وفكر وقداسة ونزاهة تكاد تقارب العصمة، فيلجأون إليهم لأخذ توجيهاتهم في التساؤلات السياسية أو الثقافية أو غيرها، ويختلف تأثير الحوزة باختلاف الناس من جهة وشخصية المرجع الديني من جهة أخرى.
 
 
 

1- مدير عام معهد الثقلين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
101

95

الجلسة الثانية: دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب

 النقطة الثانية: الغرب


هل في الإسلام حدود مناطقية، ليس في الإسلام شرق ولا غرب، وليس هناك نمطاً خاصاً حتى يقال إنَّ هذا النمط إسلامي. وفَّر عناصر الحلال وابتعد عن الحرام في حياتك وعش كما شئت، في البيئة التي تريد، وبالنمط واللغة التي تحب وترضى.

ليس هناك نمطاً واحداً في العالم الإسلامي، فالعادات تختلف من مكان لآخر، اللباس يختلف كذلك المأكل والمشرب والمسكن، كذلك كيفية إحياء المناسبات الدينية، فإحياء ذكرى عاشوراء في أندونيسيا مثلاً، يختلف عن العراق وعن لبنان، المعمم في إيران يركب الدراجة النارية، وفي لبنان أمر مستنكر، إلى غير ذلك، وكلها مجتمعات إسلامية، بل أقرَّ الإسلام هذا الاختلاف، يقول تعالى: "يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم" إقرار وتشريع لاختلاف الأنماط والعادات، والمهم أن يكون الجميع تحت "تقوى اللَّه".

وأستغرب هنا بعض العناوين من كتب أو مقالات: الصراع الإسلامي - الغربي، الإسلام والغرب...

وبالنتيجة إن الإسلام لا يريد تشريق الغرب ولا تغريب الشرق، وليبق كل على نمطه الذي يحلو له ضمن تقوى اللَّه، وليتعارفوا ويتفاعلوا.

نعم عوام الناس تنطبع لديهم انطباعات شتى وأروي هنا حادثة طريفة حدثت في بيروت في محلة الغبيري أتوستراد المطار حيث كانوا يزرعون النخيل على جنبتي الطريق، فوقفت امرأة مسيحية تسألهم: لماذا تزرعون زراعة إسلامية ولا تزرعون زراعة مسيحية؟!

فسألها أحدهم: وكيف يعني زراعة إسلامية وزراعة مسيحية؟ فأجابت: النخيل زراعة إسلامية والصنوبر زراعة مسيحية!!!

ولن أعلق.

النقطة الثالثة: التغرب

والتغرب غير التغريب فالتغرّب هو الجنوح إلى الغرب والأخذ بعاداته وتقاليده وعقليته وثقافته وذهنيته وهو بحد ذاته لا بأس به شرعاً بغض النظر عن العناوين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

96

الجلسة الثانية: دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب

 الثانوية وما سنذكره لاحقاً من شروط الجواز، وكذلك الشرق، لما ذكرنا من أن الإسلام هو للشرق والغرب ولكل الأنماط، خصوصاً في موارد أخذ العلم والحكمة "اطلب العلم ولو في الصين"، "خذ الحكمة ولو من أفـواه المجانـين" - ولو هنا وصلية مثل اعط ولو كنت فقيراً ــ أي اطلب الحكمة ولو من المجانين فأخذها من العقلاء أولى.


نعم يحرم التشرق أو التغرّب إذا أدَّى إلى تأثير سلبي في العقيدة أو أدَّى إلى الوقوع في ممارسات محرَّمة، ولذا حرم الغرب بعد الهجرة، والمراد منه الذهاب إلى بلاد الكفر والنفاق بعد الإسلام، والمحرم هو ما يؤثر في العقيدة، وإلا فإني رأيت كثيراً من المسلمين في بلاد الأجانب متدينين وصحيحي العقيدة رغم أنهم في بيئة مختلفة كلياً.

كذلك ورد النهي عن التشبه بالكفار، ولعلَّ ذلك لأن التشبه في المظهر قد يؤدي إلى تأثير سلبي في داخلية المؤمن ومفاهيمه، وتأكيداً على شخصية المسلم.

إننا نجد في ثقافة أطفالنا "ألعاب الكومبيوتر" تستشري بسرعة، مع أن جمهور المساجد من الشباب والأطفال.

والنتيجة: أن التغرُّب إن كان الأخذ بقيم العلمانية من كفر بالغيب وانحلال وفساد خلقي وإباحية، وهو ما يفهمه الناس من التغرُّب، فهذا لا إشكال في حرمته، وأما إن لم يكن كذلك ولا ينافي الدين، فلا بأس بالشروط المذكورة.

النقطة الرابعة: التغريب

وأما التغريب فالمراد منه فرض المفاهيم الغربية والعادات والثقافة، وهذا نرفضه رفضاً باتاً، وليس من منطلق ديني بحت - بمعنى الانتساب - بل من منطلق إنساني، لأننا نحترم حقوق الإنسان، وإن كان احترام حقوق الإنسان هو ديني أيضاً.

ذلك أن التغريب أو أية عملية غزو تسبِّب استلاباً ينتقص من إنسانية الإنسان وحقه في أن يكون حراً مستقلاً في التفكير في مستقبله الذي يريد.

ولكن، بالمناسبة، علينا أن لا نكون طوباويين لهذه الدرجة، لأن دراسة اجتماعية للتاريخ تثبت أن الإنسان لم يكن مستقلاً يوماً في التفكير إلى هذا الحدّ.

وغاية التغريب هي السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية، وكلها بالنتيجة لصالح
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

97

الجلسة الثانية: دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب

 سلطان ظالم غاشم يريد أن يفرض كل شيء يؤدي إلى تبعية المسيطر عليه وفقدان استقلاله.


وقد واجهت الحوزة هذه الأنماط بوسائل عدة نذكر منها:

- في المجال السياسي والأمثلة كثيرة على ذلك منها ثورة العشرين في العراق ضد الغزو الانكليزي بتوجيهات من حوزة النجف الأشرف العلمية، والتوجيهات بعدم جواز معونة الاستعمار بأي شكل من باب عدم جواز معونة الظالمين.

ومنها تصدى الشيخ الآخوند لقيصر روسيا عندما فكَّر الأخير في غزو خراسان.

- في المجال الاقتصادي نذكر من الأمثلة فتوى المرجع الديني الشيرازي بتحريم التنباك فيما عرف آنذاك بثورة التنباك أيام القاجاريين في إيران، حيث أعطت الحكومة القاجارية امتياز التنباك إلى شركة بريطانية حيث خاف المرجع الديني آنذاك ببداية سيطرة اقتصادية، وكانت نتيجة فسخ الامتياز بعد أن التزم الشعب الإيراني بالفتوى.

ومثال آخر: عدم استعمال المرجع الديني في عصره السيد كاظم اليزدي قدس سره لأية سلعة أجنبية باعتبار أنها دعم اقتصادي للاستعمار، حتى أنه كان لا يستخدم السكر المستورد لتحلية الشاي مثلاً، بل يستخدم الحلو الطبيعي كالتمر. ونحن نعلم أن استعمال البضائع الأجنبية بذاته غير محرم إلا إذا أدَّى إلى تهديد اقتصاد المسلمين.

وقد أوضح الإمام الخميني قدس سره هذه المسألة في باب الدفاع في كتابه تحرير الوسيلة فليراجع.

- في المجال الثقافي، نذكر من الأمثلة نشر الانكليز في العراق لكتب تبشرية أو إلحادية ككتب شبلي شميِّل وغيرها، وحيث كان من المحال للسلطات الانكليزية مواجهة ذلك لأنها هي الناشر، قام العلماء بالكتابة والرد، فكانت كتب كثيرة في زمنها مثل "الهدى إلى دين المصطفى" للشيخ محمد جواد البلاغي وغيره.

النقطة الخامسة: الأمركة

ونلاحظ ظاهرة في الغرب نفسه، وهو الغزو الثقافي الأميركي للغرب نفسه، حتى أوروبا الغربية، فإننا نلاحظ الرغبة في تقليد ما هو أميركي في المأكل والملبس، وتجد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

98

الجلسة الثانية: دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب

 الأفلام الأميركية سوقاً واسعاً في نفس أوروبا على حساب الأفلام الأوروبية، ولعلَّ السبب هو تراكم الثروات في أميركا، وتصوير الإعلام الأميركي من أفلام وغيرها لهذا التراكم وكأن كل إنسان في أميركا يمكنه أن يكون كذلك "السوبر مليونير"، وتصويرها بأنها جنة الدنيا وحلم البشر وأعطي هنا مثالين على ذلك:


- كتاب "نهاية العالم" حيث يعتبر مؤلفه فوكوياما أن الليبرالية - وهي النمط الاقتصادي والثقافي والاجتماعي الأميركي - أنها نهاية العالم، لأن العالم كله سيصل إلى الحرية والعدالة والليبرالية، ويصوِّر العالم وكأنه عربات ستصل إلى ساحة بلدة ولكن بعضها يصل قبل الآخر، أي أن أميركا وصلت قبل غيرها.

وطبعاً في هذا الدمج: الحرية والعدالة مع الليبرالية، مغالطة تهدف إلى اللعب على "اللاوعي" عند البشر، فإن الحرية والعدالة مطلب كل إنسان، أما الليبرالية فهي كيفية تطبيق وقانون ومسلك يؤدي إلى الحرية والعدالة، وليست هي مطلب كل إنسان، ولا محل إجماع أنها تؤدي إلى العدالة، ولذا فالاشتراكيون مثلاً يطلبون الحرية والعدالة ويعتبرون أن الوصول إليهما يكون عن طريق الاشتراكية، والمسلمون يريدون الحرية العدالة ويعتبرون أنهما يتحققان بتنفيذ حكم اللَّه عزَّ وجلَّ.

وهكذا... إن الاقتران بين الليبرالية من جهة والحرية والعدالة من جهة أخرى يعمي البصيرة، ويتوهم الإنسان أن الليبرالية مطلب البشر كبشر. وينسى هؤلاء أن ما بين 22 مليون و30 مليون إنسان يعيشون تحت خط الفقر... وغير ذلك.

ومثال آخر: كان هناك في تلفزيون لبنان برنامج "سوبرمان" في ضمن مقدمته "أنا الرجل الخارق أدافع عن الحرية والعدالة ونمط الحياة الأميركية".

فإن المشاهد حيث يحب شخصية الفتى الخارق التي تساعد الضعفاء، واقترانها مع الحرية والعدالة سيحب حينئذ نمط الحياة الأميركية.

النقطة السادسة: سبل المواجهة

لما قدمنا أننا ضد قيم الإلحاد والفساد، ولسنا ضد القيم الاجتماعية للشرق أو للغرب، فلسنا ندافع عن مجتمع هندي أو فارسي أو عربي أو أوروبي، بل ندافع عن قيم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

99

الجلسة الثانية: دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب

 الإنسان التي هي قيم الإسلام، فلسنا ضد الشرق أو التشرق أو الغرب أو التغرب إلا بالشروط التي ذكرناها.


نعم نحن ضد فرض الأنماط لأنها ضد حرية البشر وحقوق الإنسان، فنحن ضد التغريب بهذا المعنى، وعلينا أن نواجه هذا التسلط بالأمور التالية:

أولاً: العمل على تقوية الاقتصاد لما له من أثر على التبعية الثقافية ولا أقول أنه علة تامة فإنني ضد مقولة أن التبعية الاقتصادية تعني التبعية الثقافية، والاستقلال يعني الاستقلال، فهذا الاتحاد السوفييتي كان مستقلاً ومكتفياً إلى حد كبير، ومع ذلك كان الروس يتهافتون على الهمبرغر.

ثانياً: تنمية الثقة بالنفس، فمن أهم ما يؤدي إلى التبعية عدم الثقة بالنفس وضعف الإيمان بمنجزات الأمة، حتى أنَّ بعضهم يتندر ويزايد في السخرية من عادات الأمة ومن تمجيد العادات الغربية ليظهر بمظهر الحضاري.

فمثلاً يجب أن نعلم أن في حياتنا من المروءة والتزاور وحفظ الجواب والحنان وبر الوالدين وغير ذلك من القيم الإنسانية ما يفتقده الغرب، الذي يعيش حياة جافة ليس فيها دفء حنان.

ولهذا أصبحوا يربّون الكلاب والهررة نتيجة حاجة نفسية، حيث إنه عندما يكبر المرء فيهم وليس في العلاقة معه أية مصلحة مادية أو معنوية أو جاذبية جنسية من الجنس الآخر، يعيش وحده وسط كآبة قاسية تفرضها عليه الوحدة والوحشة فيضطر إلى تربية حيوان في البيت يكون أنيساً له.

من هنا نحن مدعوون إلى تركيز هذه القيم في مجتمعاتنا كي تنفع العالم، فإذا نفعنا العالم في السابق بالعلوم والفلسفات ثم تأخرنا عن الركب، فإننا مدعوون الآن، لنفع العالم الذي يحن إلى كثير من روحية هذه الأمة وتعاطيها الاجتماعي، إننا مدعوون لتركيز هذه القيم في أنفسنا كي نخدم العالم بها.

ثالثاً: النظر إلى سلبياتنا، لا بعين السخرية، بل الإصلاح، بعد التركيز على الايجابيات.

رابعاً: تطوير ثقافتنا الاجتماعية بما يتلاءم مع الإسلام ومع إنسانيته، مثلاً: الحرية
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
106

100

الجلسة الثانية: دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب

 التي هي جوهر الدين، حتى أن في الأصول العملية وهي المرحلة الأخيرة في استنباط الأحكام قاعدة تسمى "أصل البراءة" أي أن الإسان حرٌّ في تصرفاته ففي الحديث "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي" فالإنسان حر ولنسمها أصالة الحرية، وهذه تساوق مبدأ الحرية الشخصية التي أقرَّته الأمم المتحدة أخيراً. وهذا الأصل له تطبيقات واسعة جداً في الفقه، فالحرية أساس في الدين عقيدة وفقهاً.


والمشكلة أننا لا نمارس الحرية في مسلكنا، مما أدَّى إلى نظرة خاطئة حتى عند المسلمين إلى أن المؤمن مقيَّد في حياته. ونعلم أن الحرية مطلب كل البشر.

خامساً: الالتزام الديني في المعاملات كالصدق واتقان العمل والتركيز عليها في المؤسسات التربوية والعملية "الدين المعاملة"، كذلك العادات الفاسدة خصوصاً ما يتنافى منها مع الدين.

سادساً: حملات إعلامية في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لبيان ايجابيات المجتمع، وإصلاح السلبيات.

سابعاً: بيان سلبيات الأنظمة عند الغرب، من قوانين واقتصاد وسياسة، كي لا نؤخذ به ونأخذ ما عنده حتى السلبيات.

مثلاً: إن الحرية السياسية التي يتغنون بها "الديمقراطية" نجدها تختفي عندما تهدد أنظمتهم ولو كانت بانتخاب شعبي ومثال عـلى ذلـك "النمسا" عندما وصل اليمين إلى الحكـم عن طريق الانتخابات، فقامت الدنيا ولم تقعد حتى أسقطت لا بلا انتخاب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

101

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 المناهج وبناء المناعة الفكرية

 
د. عدنان الأمين(*)
 
مقدمة
 
البحث في تصميم المناهج التعليمية أو تعديلها أو تطويرها محكوم شئنا أم أبينا بالسياق العام الذي يعيشه مجتمع ما. وفي الحالة التي نحن فيها، أي في لبنان، ثمة أبعاد حادة لهذا السياق، كل واحد منها أخطر من الآخر.
 
* البعد الأول هو بعد الاحتلال الاسرائيلي، ومقاومته واستتباعاته الإقليمية والدولية.
 
* البعد الثاني هو بعد الصراع اللبناني الداخلي، الذي شـهده لبنان خلال 15 سنة، والـذي مـا زال يحمـل أثـاره التي لم تلتئم ندوبه بعد. وهو بعد متصل كما هو معروف بالبعد الإقليمي.
 
* البعد الثالث هو بعد الصراع العالمي الذي كان قد خمد في الثمانينيات مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وعاد فالتهب مؤخراً متخذاً وجهاً جديداً مع الاحتلال الأميركي للعراق، وأصبح له تبعات جديدة، لا تقل خطورة عن أي بعد آخر، لأن المنطقة العربية هي المستهدفة فيه.
 
* البعد الرابع والأخير والذي نكاد ننساه تحت وطأة الحروب والصراعات المتلاحقة، هو بعد بناء القدرات، وهو بعد ثقافي ومجتمعي.
 
سوف أتوقف قليلاً عند كل من هذه الأبعاد الأربعة، علماً بأن ما يهمني منها جميعاً الآن، رغم كل شيء، هو البعد الأخير. وسوف يتبين تباعا سبب ترجيحي له.
 
1- الاحتلال
 
لا أدري إن كانت منطقة أخرى من العالم شهدت ما شهدته البلاد العربية من اعتداءات خارجية. صحيح أن دولاً عديدة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية شهدت
 



(*) أستاذ جامعي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108

102

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 تغلغلاً استعمارياً أو دخولاً عنيفاً له، لكن أسباباً عديدة جعلت بلداننا ذات أولوية في العدوان والطغيان والاحتلالات. منها الثروات التي اكتنزت في بلادنا ومواقعها الجغرافية. ومنها كون هذه المنطقة مهد الأديان السماوية، التي قلبت التاريخ البشري في ثورات متعاقبة. وآخر مسلسل للعدوان بدأ مع إقامة دولة إسرائيل عام 1948.


إن الخمسين سنة الماضية لا تحتسب نتائجها في الخسائر المادية والبشرية، فقط، بل في استنفاد الطاقات البشرية والفكرية والمادية في المدافعة والمقاومة الخارجية، أكانت فعلية أو وهمية.

والناتج على المستوى التربوي معروف، فبدلاً من أن تكون التربية وسيلة للبناء وممارسة التفكير اتخذت من أجل الأدلجة البحتة والإفقار الفكري، لأن المجتمعات العسكرية لم تبن أصلاً، بالمعنى العلمي التقني للكلمة، بل بنيت بالمعنى الأمني فقط.

2- الصراع الداخلي

قبل اندلاع الحرب اللبنانية بشهر أظهر استطلاع أجريناه على طلاب السنة الأولى الجامعية، المتخرجين حديثاً من المرحلة الثانوية، أن توجهات الطلاب السياسية، ليست محكومة بالمدارس التي يرتادونها، بقدر ما هي محكومة بالطوائف التي ينتمون إليها. وبعد انتهاء هذه الحرب أظهر استطلاع ثان أجريناه على عينة ممثلة من الطلاب الجامعيين أن هؤلاء هم أكثر التصاقاً بطوائفهم في خياراتهم السياسية من أي وقت مضى. ذلك أنه بغض النظر عن نوايا الزعماء السياسيين ونوايا الدول الصديقة والعدوة، فإن خيارات الطلاب حول هؤلاء الزعماء وتلك الدول كانت مفروزة تماماً طائفياً، دون أي قاسم مشترك بينهم.

وهذا يعني أن التنشئة السياسية والدعوات السياسية تمر عبر قنوات ووكالات عديدة ولا أثر فيها للمدرسة أو للجامعة المرتادة. الصراع الكامن أقوى من اتفاق الطائف المعلن. والوحدة الوطنية لم تنضج بعد على مستوى المجتمع ككل. فماذا تفعل المناهج الجديدة، وماذا يفعل توحيد كتاب التربية الوطنية والتنشئة المدنية؟ وأي مناعة تكتسب عن طريق المناهج؟
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

103

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 3- الصراع الدولي


يجري الصراع الدولي الراهن، أو نزعة الهيمنة الأميركية الوحيدة الجانب، تحت شعارات تسويغية مثل: بناء الديمقراطية محل الديكتاتورية، وإحلال الأمن محل الإرهاب. وإذا وضعنا جانباً دوافع الهيمنة وراء هذه النزعة فإننا لا بد أن نلاحظ أنه خلف القوى العسكرية ثمة جيش من الخبراء في الديمقراطية وإصلاح الأنظمة التربوية، ولا سيما في موضوع المناهج. وينشر هذا الجيش جنوده في دول عديدة في المنطقة، حاملاً مسوغات جديرة بالملاحظة أيضاً: المناهج في الدول العربية مقفلة، تفضي إلى التعصب، يجب تعديلها عن طريق تغذيتها بالتربية المدنية ولا سيما حول الديمقراطية، والمساواة، وحقوق الإنسان وحل النزاعات والانفتاح والتسامح. وهي أمور يصعب إلا أن يكون المرء معها بذاتها، ويصعب في الوقت نفسه إلا أن يفهمها على عكس المراد منها في ظروف القهر المعروفة. ومن سوء تدبير القائمين على أمر المجتمعات العربية من طبقات سياسية حاكمة، أنها لم تشأ أن تدمج هذه القيم الإنسانية في ثقافتها السياسية بملء إرادتها، وهي ممسكة بزمامها، لتجد نفسها الآن مجبرة على اعتمادها عنوة في سياق توازن يميل بشدة نحو أعدائها.

4- بناء القدرات

إن الضحية الكبرى للضغوط الناجمة عن الصراعات الآنفة الذكر كانت بناء القدرات خلال نصف قرن من الزمن. لقد تمت هذه التضحية تحت شعارات الدفاع عن الحقوق المهدورة، وفي بعض الدول تحولت مضامين المناهج إلى دعوات ايديولوجية مستمرة أشبه بالضرب على الطبل. فلا كانت قادرة على الحرب ولا كانت قادرة على المنافسة في السلم، وكانت سريعة الارتماء في أحضان الأقوى.

ولعل الكثير من هذه الدول فوجئ بأن إنجاز التحرير الوحيد حصل في لبنان حيث قامت المقاومة في بلد لم تعن مناهجه بهذه الايديولوجيات، ولا كانت المقاومة احدى مصطلحاته كما سنرى.

لذلك ليس من الحكمة بتاتاً أن ندعو إلى جعل المناهج قضية للدعوات السياسية
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

104

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 على غرار ما حصل في تلك الدول. فهذا يـفرغ المناهـج من قيمتهـا في بنـاء القـدرات ولا يحقق الأهداف الموعودة من الدعوة، لأن دور المدرسة يكمن تحديداً في بناء القدرات.


لقد بينت الدراسات عبر العالم:
1- أن دور المدرسة في المسائل الوطنية والسياسية هو دور تعزيزي أو ترسيخي، حيثما يكون ما ينقل فيها متسقاً مع ما هو سائد في المحيط، وإلا كان المحيط أقوى من المدرسة، أتعلق ذلك بالمناهج والكتب أو بالدعوات التي ينقلها المعلمون للتلاميذ.
2- أن الدور الخاص بالمدرسة يتمثل بتزويد المتعلمين بالمعارف وأدوات التفكير وبتنمية القدرات العقلية العليا. ولذلك فإن إخضاع المدرسة للدعوة السياسية، يحولها إلى وكالة (بروباغندا)، الأمر الذي يقضي على فرص تكوين هذه المعارف وأدوات التفكير. ولما كان الدور المعرفي للمدرسة لا تقوم به أي مؤسسة أخرى، فإن خسارة هذا الدور لا تعوّض.
استناداً إلى ذلك يمكن المراهنة على دور للمدرسة، وعلى أهمية معينة للمناهج في بناء المناعة الفكرية. والمناعة الفكرية لا تتعلق فقط بالأضاليل العالمية، إنما تشمل الأضاليل الإقليمية والمحلية. وهي لا تختص بالسياسة فقط بل تشتمل السياسة والاقتصاد والاجتماع والصحة والبيئة والتكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي وغيرها. وضمن هذا الإطار نعالج خمس مسائل في تقييم المناهج: الإدماج، مخاطبة عقل التلميذ، المشاركة، والتواصل اللغوي، والتفكير الاجتماعي.

أولاً: الإدماج

جرت العادة أن تنقسم المناهج إلى مواد. لكن المواد التعليمية في بلادنا ذات مرجعيات متنوعة، تصل إلى حد التناقض أحيانا، ما يجعلها مفككة.

ثمة مادة اللغة العربية، مقابل مادة اللغة الأجنبية، يسيران بالوزن نفسه جنباً إلى جنب طوال السلم الدراسي. عادة يضع مناهج الأولى فريق غير الفريق الذي يضع مناهج المادة الثانية. وهذا أمر طبيعي. لكن القواعد مختلفة، والخلفيات الثقافية
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
111

105

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 مختلفة. لذلك إذا أمعنا النظر في القيم المنقولة هنا وهناك نجدها مفترقة إلى حد كبير. لكأن المناهج تكون مواطناً بوجهين: اللغة العربية موثوقة إلى الماضي والريف والبالغين والمعيارية والتقليد، واللغة الأجنبية متصلة بالحاضر والمدنية وبالناشئة وبالحداثة وهي أقل معيارية وأكثر وصفية من اللغة العربية. وفي بلدان مجاورة يزيد الشرخ، مع إدماج اللغة العربية بالدين الإسلامي. وفي جميع الأحوال يكون الغرض الضمني من تعليم اللغة ليس إكساب الأداء اللغوي العربي، لأن هذا الأداء يتراجع بقوة إلى الوراء، بقدر ما يكون الغرض إبلاغ القيم للصغار. 


إلى جانب هاتين المادتين، ثمة علوم ورياضيات. هذه المواد تنفصل بدورها بلغتها وقيمها، عن اللغة العربية، وعن اللغات عموماً. وتعتمد للدلالة على التفوق المدرسي ومن هناك كوسيلة للترقي الاجتماعي. يرافق ذلك خطاب شائع في مجتمعاتنا حول أولوية العلم والتكنولوجيا في التنمية. وهذا من جملة أوهام صانعي المناهج وصناع الرأي العام. ويسبب هذا الفصل المنهجي بين المعرفة العلمية واللغة العربية شرخاً بين لغة العلوم والرياضيات النفعية ولغة اللغة العربية القيمية، ولا يتأمن الإدماج بين المادتين إلا عبر تعليم العلوم أحياناً على طريقة تعليم القراءة.

أما المواد الاجتماعية فتقع في الهوة القائمة بين المجموعتين السابقتين. وهي تقدم عادة كجردة بالمعلومات العتيقة. وتتميز عادة بأنها تتجنب طرح القضايا الحقيقية في المجتمع. وبحيث تبدو الأمور وكأن المسائل الاجتماعية لا تخضع لقواعد التفكير العلمي، أكان تفكيراً تاريخياً أو جغرافياً أو سوسيولوجياً أو غيرها من أنواع التفكير.

نحن إزاء مشكلة ثقافية عميقة، تتسم بالتفكك العام، وتنعكس على مستوى المناهج، وهي مشكلة لا تعاني منها المجتمعات الصناعية مثلاً، التي يترافق فيها تطور التفكير العلمي مع تطور التفكير الاجتماعي مع تطور اللغة الوطنية نفسها وتعليمها، وحيث لا تعتبر اللغة الأجنبية موازية للغة الوطنية.

لذلك فإن أي مشروع لبناء القدرات الفكرية عن طريق المناهج، يجب أن يسلك مسلك إدماج هذه المواد في كل متماسك متداخل، يفضي تعلم المادة الواحدة إلى الاستزادة في المادة الأخرى.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

106

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 إن الوحدة الوطنية، وبالأصح الإندماج الاجتماعي، لا يتمان عن طريق تحفيظ الجمل والشعارات وتكرارها حول الوحدة الوطنية وحول عروبة لبنان، لسببين أصبحا واضحين: أن التعليم عن طريق الدعوة لا يجدي فتيلاً، اللهم إلا الطرب من جهة، والاستنكار من جهة ثانية تبعاً لمتطلبات المحيط، وأن الاندماج الاجتماعي يتأسس على اندماج الثقافة المدرسية.


ثانياً: مخاطبة عقل التلميذ

ثمة أربعة أمور تحتاج إلى تأمل تحت هذا العنوان.

1- التبسيط

إن أي واقعة توضع موضع الدراسة، أكانت واقعة اجتماعية أو جغرافية، أو تاريخية، أو طبيعية، تحتمل عدة زوايا نظر. فنحن نعرف أن حادث سيارة بسيط يمكن أن يروى من خلال عشرة روايات مختلفة، وذلك تبعاً لموقع الراوي من الحادثة، أكان بعيداً عنها أو قريباً، في قلب السيارة أو خارجها، رأى الحادثة مباشرة أو رويت له، وتبعاً لمصلحته واستعداداته ودقة ملاحظته.

فكيف الحال في الوقائع الاجتماعية المعقدة؟

لذلك فإن تبسيط الوقائع المدروسة، والنظر إليها بعين واحدة، والتعسف في اختيار زاوية النظر، هي أمور تفضي إلى منع المتعلمين من التفكير في الواقعة، أي من تحليلهم للمعطيات، ومقارنتها، ومن مقارنة الروايات نفسها.

التبسيط هو نزعة سائدة في مدارسنا ونتائجه المعروفة هي سذاجة التفكير في أمور المحيط، وتصديق الروايات على علاتها، بما في ذلك الأكاذيب المحلية والإقليمية والعالمية، وقصور المتعلم عن ممارسة التفكير والتفحص في ما يدور حوله وما تبثه وسائل الإعلام، من إعلانات وأخبار وأفلام. ألا نلاحظ أن المناهج لا تنص في أهداف اللغة مثلاً على الفهم الاستيعابي للمسموع والمقروء، ولا تميز بينه وبين الفهم النقدي للمسموع والمقروء؟
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
113

107

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 2- المعيارية


المعيارية صنو التبسيط. ذلك ان عزل العلوم والرياضيات، وتشبيع الاجتماعيات واللغة العربية بالمعايير والمثل والحكم والنصوص والصور العصماء، يكوِّن طبعاً معيارياً في التفكير، على حساب الوصف والمقارنة والتحليل. ويكون الهاجس الأول من معالجة أي موضوع الحكم على الأشياء والأشخاص والوقائع، بالخير أو بالشر، بالصالح أو الطالح. ويكون القالب الفكري الأساسي هو قالب تصنيفي للأفعال والشخصيات والأحداث بين لونين فقط لا ثالث لهما. هكذا يصبح الناس صنفين فقط، من هم معنا ومن هم ضدنا، من هم أخيار ومن هم أشرار، ويصبح السلوك الفكري في موضوعات الشأن العام سلسلة من الأحكام والمطالب والدعوات. فإذا فتحت جريدة لا تقرأ الخبر بقدر ما تقرأ أحكاماً على الأطراف المشاركة فيه. وإذا قرأت مقالاً فلا تتقدم بالتفكير ولكن تدور حول الكلمات المكررة. وذلك كله يتأسس في المدارس على يد المناهج والكتب المدرسية والمعلمين.

ومن هذه الزاوية نتذكر كيف أن الكثير من المواد تقوم على تقديم صور مثالية فقط، للأم مثلاً والأب، وللمعلم والتلميذ المجتهد ولرجل الشرطة، الخ، وكأنهم كائنات منزلة من السماء، غير حقيقية، لا يعيش أي منها حياة حقيقية، فيها الحلو والمر، وفيها المشكلات والحلول، وفيها الطريف المضحك وفيها الجدي.

هذه القاعدة هي نفسها التي تفسّر تمجيد الزعيم المعصوم، والذي تظهر صورته على كل حال في بعض الدول العربية في مطلع كل كتاب مدرسي. ومن أركان هذا البنيان الفكري المعياري شخصنة التاريخ، أي جعل أحداثه مرهونة بالأشخاص. والأشخاص تتغلب صفاتهم الخيّرة أو الشريرة، الجسدية والمعنوية، على الظروف المحيطة بهم، وعلى الشروط الاقتصادية والاجتماعية التي تفسر ما قاموا به.

3- الإملاء

خطت المناهج التعليمية الجديدة في لبنان خطوة إلى الأمام من خلال تقديم المواد التعليمية استناداً إلى أهداف، ومن خلال تقييمها استناداً إلى كفايات. والكفايات تشمل القيم، ولكنها تشمل بصورة أساسية مهارات مثل التلخيص والمقارنة والتحليل والاستنتاج
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
114

108

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 والتوليف. لكن التفحص الدقيق لمجريات الأمور، في المناهج نفسها يبين أن ذلك اقتصر على العناوين العامة. وأن الأفعال الغالبة هي أفعال "التعرف".


ثم إن تدريب المعلمين على الطرائق الناشطة تم عن طريق المحاضرة. وتأليف الكتب جاء تركيباً مفتعلاً لنص ومستندات بحيث تحول الكتاب المدرسي إلى نصوص للحفظ مرة أخرى. وإلى عملية إملاء. وتحول الامتحان المدرسي غالباً إلى عملية تسميع لأجوبة جاهزة يجب أن تقدم هي نفسها وليس غيرها.

4- التجنب

من "قواعد" عدم تكوين القدرات الفكرية تجنب ما يثير تعدد الآراء. وإذا ما وُجد تعدد الآراء يكون مصطنعاً. والتجنب يطال عادة إثارة ما هو شائع في المحيط. يتكلم كل الناس عن الطوائف والطائفية ليل نهار، بينما تتحدث الكتب المدرسية عن العائلات الروحية. هكذا يتدرب التلاميذ مبكراً على النفاق، حتى يتقنوا ذلك على المستويين الثانوي والجامعي. فيتكلمون فيما بينهم شيئاً ويكتبون في الامتحان شيئاً آخر. ويعبرون في ما بينهم عن قناعاتهم بينما يكتبوا للمعلمين ما يرضي كلاً منهم، ولو كانت آراء هؤلاء متضاربة.

والمعلمون من جهتهم إذ لا يجدوا في الكتب المدرسية والمناهج ما يرضيهم وما يقنعهم يعلمون تلاميذهم منهجاً موازياً يصنعه حديث الكواليس والدعوات السياسية. ومؤلفو الكتب المدرسية الملتزمون بالتوجهات العامة للمنهج يبثون في المعطيات التفصيلية وعبر سلسلة من التعابير منهجاًَ ثالثاً خفياً.

إن التجنب، أو المنهج المهمل، يفضي إلى سلسلة من الابتكارات التعليمية التي تجسد دينامية قوى المجتمع، وتجعل المنهج، والمواد التعليمية عموماً، تبدو وكأنها مستهترة بعقول المعلمين والتلاميذ، ومدعاة لقيام حفلة مستمرة من قلة الاحترام المتبادلة، بين واضعي المنهج ومستخدميه. هكذا يصبح الطبع السياسي الذي يتكون بواسطة المدرسة، متجانساً مع الاتجاهات السياسية للحكام. وليس من الحكمة بشيء أن نلوم بعدها الحكام فقط.

نحن بحاجة إلى ممارسة النقد البناء لممارساتنا التربوية، بما فيها تصميم المناهج وتطبيقها، من هذه الزاوية تحديداً زاوية بناء القدرات الفكرية لأبنائنا.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
115

109

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 ثالثاً: المشاركة


أريد أن أدافع هنا عن أطروحة أن الناس، العامة، ذكوراً وإناثاً، في الريف والمدينة، ولأي دين أو مذهب انتموا، لديهم طاقات وقدرات يجب الاعتراف بها، والبناء عليها، وإعطاؤها الفرص الكافية لكي تساهم في عملية التعليم المعقدة.

لقد درج أهل التربية عموماً، والمحترفون منهم خصوصاً من معلمين ومديرين وخبراء ومصممين، على تجهيز الأجوبة ووضعها في لوائح وضخها، وبرمجة المتعلمين على أساسها.

ثمة في الثقافة الشائعة في بلادنا نمط مسيطر يقوم على افتراض أن التربية هي تقريباً من فوق إلى تحت، وأن الذين هم تحت في العملية التربوية أكانت إعداداً أو تدريباً أو تعليماً، إما يتقنون أو يخطئون، ويصنفون على هذا الأساس إلى صنفين: منهم من يُصطفى ومنهم من يستبعد ومنهم من ينتظر.

ماذا لو اعتبرنا أن المعلمين بصفتهم بشر يفكرون، يمكن أن يبادروا، أن يبتكروا مواد تربوية وأساليب تعليمية جديدة. ماذا لو اعتبرنا أن التلاميذ لديهم خبرات متنوعة وليست متراتبة، وأن ما يظهرونه من أداء يجسد هذا التنوع، ولا يجسد الجودة والتقصير فقط.

ماذا لو اعتبرنا أن التعلُّم هو الموضوع ولو كان التعليم والإعداد والتدريب هو وسيلتنا لإحياء هذا الموضوع بدلاً من إقفاله. ماذا لو نظرنا إلى التربية باعتبارها منظومة للإدماج وليست منظومة للفرز؟.

تقول "الأسباب الموجبة" للمناهج التعليمية الجديدة أن صناعة المناهج الجديدة تمت استنادا إلى مبدأ المشاركة. وهذا ما تجسد، حسب الأسباب الموجبة، في تشكيل عشرات اللجان، وفي التشاور مع المؤسسات التربوية الكبرى والوزارات والنقابات، وفي مشاركة لأكثر من أربعماية شخص من الباحثين والأساتذة الجامعيين والمربين، من القطاعين العام والخاص، في جو راق من الحوار والتعاون والتضامن الوطني.

وهذا كله صحيح. كما شكلت هيئة للتخطيط العام والمتابعة وهيئة استشارية ولجان للمواد والحلقات. وهذا صحيح أيضاً، وجيد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
116

110

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 ولكن ما مدى مشاركة مديري المدارس في ذلك، وفي أي مرحلة من مراحل تصميم المناهج؟ وما كانت مشاركة المعلمين وهيئاتهم؟


أليست مشاركة هؤلاء وأولئك أمراً مطلبياً، أو تقنياً؟.

إذا كنت تريد أن تحدث تغييراً فيجب أن يكون القائمون على هذا التغيير، أي المديرون والمعلمون، قد تشربوا أو تقبلوا على الأقل هذا التغيير.

المشكلة أن رسالة التغيير وصلتهم غامضة أو مختصرة، أو لم تخاطب عقولهم، وتحول الأمر أحيانا إلى وصفات سريعة غير مؤسسة على فكرة قابضة، إما لفقر في فلسفة التغيير أو لأسباب تنظيمية وإدارية، أو للتسرّع في تحضيرهم للتغيير.

رابعاً: التواصل اللغوي

تجسد اللغة التي نستعملها أفكارنا وقيمنا وطريقة معالجتنا للأمور. وسوف أتوقف عند ظواهر تؤدي عملياً إلى تبديد الطاقات الفكرية لأبنائنا الذين يتخرجون من المدارس.

1- الاستهتار

وقـع بـين يـدي قـاموس موجـه للأطفـال يجسـد ظاهـرة الاستهتار بعقـل التلميـذ، ويعبر بوضوح عن ترسيمة ذهنية شائعة في الثقافة العامية، اسمها "لا يهم" أو "لا يؤثر":

- ثمة صورة في القاموس تمثل طفلين يحمل كل منهما كرة مضرب، كتب تحتها: "اتفاق الفريقين".

- و صورة تمثل صورة تذكارية في مدرسة، وكتب تحتها: "اكتمل عدد التلاميذ".

- وصورة تمثل شخصاً يركب حصاناً، كتب تحتها: "أجبر الحصان على الركض".

- وصورة تمثل أعمدة في قلعة، كتب تحتها: "صخور محدودبة".
- وصورة تمثل مومياء في ناموس، كتب تحتها: "يختبىء خلف الحائط".

- وصورة تمثل شجرة وبحراً وسماء، كتب تحتها: "جمال الأرض".

- وصورة تمثل هياكل عليا في قلعة، كتب تحتها: "أساس متين".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

111

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 - وصورة تمثل جمهوراً في المدينة الرياضية من دون أعلام كتب تحتها "يحتفلون بعيد الاستقلال".


ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن أكثر من 50% من الصور كتب تحتها كلمات لا تعبر عن الصور بدقة بأي شكل من الأشكال. وعندما سألت صاحب القاموس عن هذا الأمر، قال: "لا يهم" فهذا قاموس موجّه للأطفال!

إن ترسيمة "لا يهم" شائعة في الثقافة العامية. يترك الميكانيكي أموراً على غير ما كانت عليه قبل إصلاح السيارة ويقول لك "لا يهم". ويصلح النجار الباب بصورة جزئية ويقول لك "لا يهم". والبناء يبني حائطاً أعوجاً ويقول "لا يهم". الثقافة العامية غير الدقيقة تتجه اليوم إلى غزو ثقافة اللغة الفصحى التي تتسم بالدقة بسبب قواعدها.

2- النفاق

بعض الاستهتار أساسه الإهمال (لا يهم) لكن بعضه أساسه النفاق، وهذا مصدره أصلاً في السياسة والاجتماع والمهن.

أقصد بالنفاق الصورة التي نعرفها لزعيم يرفع راية النصر وهو منهزم، أو لزعيم آخر يتحدث عن النصر في معركة نعرف جميعاً أنه كان فيها خاسراً.

النفاق يعطل العقل. فمع تكرار القوالب الجاهزة يصبح الكلام من طبيعة خشبية، وتنخفض الحساسية العامة تجاه الكلام المختلف، ويكف الكلام عن القيام بوظيفته التعبيرية عن الاتجاهات والأفكار والرأي العام. وتصبح الصحيفة كأنها هي نفسها، ولو تغير الزمن فيزيائياً. ومع رسوخه يصبح النفاق قالباً عقلياً ينتشر ويتوالد في الإدارة والإعلام والحياة العامة، وتصبح تربية الناشئة في المدارس طافحة بالنماذج القدسية والجامدة وصور أهل السلطة، وقائمة على الإملاء والتفريغ اللفظي بعيداً عن الذكاء العقلي أو الوجداني.

وفي مثل هذه الوضعية العامة يصبح التفكير نفسه كاذباً لأن التفكير يتم بالكلام الصامت، وهذا الكلام يتكون من الخطاب الواحد الذي يجب أن يقال تبعاً لما تتوقعه العيون والآذان المبثوثة. ومع الزمن تنسد مسام التفكير السليم وتتوقف خلايا التفكير المبدع عن العمل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
118

112

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 وإذا بالغنا في وجود هذه النزعة في مجتمع ما، يمكن التخيل أن المثقفين يصبحون أقرب إلى مكبرات الصوت، والعامة ذات قابلية عالية للتلاعب بعقولها وإلى جرّها في كل مرة إلى شعار كاذب جديد. إن تردّي الأخلاق السياسية في العمل العام ليس ثمنه خسائر الماضي فحسب، بل ثمنه خسائر المستقبل، لأنه المولد للتخلف والحاضن له.


3- المفاهيم الملتبسة

المقاومة والتحرر

يبين تحليل كتب التاريخ التي ما زالت مستخدمة منذ السبعينيات حتى اليوم في مدارسنا أن وتيرة ورود مفهوم المقاومة متدنية: 13 مرة في كتب المدارس الرسمية، و8 مرات في كتب المدارس المسيحية ومرة واحدة فقط في كتب المدارس الإسلامية، علماً بأن تاريخ لبنان منذ القدم أي طوال 4000 سنة هو تاريخ احتلالات متتالية. والطريف في الأمر أن معظم هذه المقاومات باء بالفشل، وأكثر ما ذكر من نجاحات ورد في كتب المدارس المسيحية (3 من 8).

عملياً لا تفهم هذه الندرة إلا من خلال شيوع حالات استقبال المحتل على الرحب والسعة، كما حصل على سبيل المثال مع الأمير بشير تجاه إبراهيم باشا، ومع الأمير فخر الدين تجاه السلطان سليم العثماني، مثلما نجد في الكتب المسيحية استقبالاً للصليبيين، من قبل أهل بعض المدن. وهذا استقبال لا يفسر، من جهة أخرى، إلا بأن جماعة من اللبنانيين كانت تستقوي بجهة خارجية وتنتصر بها على أعدائها الداخليين، بمن فيهم فخر الدين والأمير بشير والذين تعاونوا مع الصليبيين.

هذه هي الأحداث التي سجلها التاريخ الذي يدرسه التلاميذ على كل حال.

وبالمثل فإن مصطلحات حرية وأحرار كانت نادرة الذكر وخاصة في كتب المدارس الإسلامية.

لقد تغيرت المعطيات اليوم في الخطاب السياسي اللبناني. ومن المرجح أن تحتل هذه المصطلحات حيزاً أوسع وأكثر احتراماً في الكتب المدرسية المقبلة. لكن الفروق بين الدعوات السياسية يكشف المشكلة المعلقة في التنشئة السياسية. ذلك أن كلمة "حرية" (وهو أمر داخلي يتعلق بالنظام السياسي) ليست مشتركة بين التيارات السياسية، ولا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
119

113

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 كلمة "مقاومة" و"تحرير" (وهو أمر خارجي يتعلق بالاحتلال). الأولى تخص التيارات ذات القاعدة الاجتماعية المسيحية والثانية تخص التيارات ذات القاعدة الاجتماعية الإسلامية.


العدو

يبيّن تحليل كتب التاريخ السابقة أيضاً أن هذه الكتب لا تتضمن تمييزاً واضحاً بين العدو والصديق. تبين أن الأسباب الرائجة في الكتب للصراع بين الدول والتي تجعل الواحدة عدوة الأخرى تتمحور حول: مصالح متضاربة، قمع واستغلال، احتلال، مساعدة المحتل، لكنها تنطبق أيضا على جهات من دين آخر، ومن رأي آخر.

هكذا نجد أن المؤرخين، ومن بعدهم مؤلفي كتب التاريخ. قد أدخلوا صغار اللبنانيين في التباسات جدية حول مفهوم العدو، ما يكون طبعاً سياسياً يجعل الناشئة قابلة للتجييش نحو العداوة في كل الاتجاهات، بما في ذلك اللبناني من دين آخر.

خامساً: التفكير الاجتماعي

أدعي أن أكثر مناطق التفكير فقراً في العقل السائد هي منطقة العلوم الإنسانية، بما فيها من فلسفة وعلوم اجتماعية وسياسية وتربوية. لأنه في هذا المجال تحديداً لا تنفع الحلول الجاهزة. نستطيع أن نستورد سيارة وحاسوب ودواء، لكننا لا نستطيع أن نستورد أساليب الإدارة والتعليم والهندسة الاجتماعية إجمالاً، ولا حتى معالجة المشكلات البيئية، والصحية ومسائل الشباب والعلاقة بين الريف والمدينة وتوزيع العمل، والفقر، وغيرها. ولا ينفع معها أيضاً مجرد العودة إلى المسلمات الدينية. المرجعان يجب أن يخضعا للتفكير.

يجب أن تساعد المناهج على تزويد المتعلمين بأساليب التفكير التاريخي في مادة التاريخ، والتفكير الجغرافي في مادة الجغرافيا، والرياضي في الرياضيات... وغيرها والتربية المدنية مرجعها الدستور والقوانين والمحلية والعالمية. يجب أن نتمسك بالمعايير المدنية العالمية لأنها تفضح الالتباسات المحلية والتشويهات العالمية للمفاهيم.

من سخرية القدر أن المقاربة الأميركية في تغيير مناهج بعض الدول العربية اليوم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
120

114

المناهج وبناء المناعة الفكرية

 تستهدف هذه المنطقة الفكرية تحديداً، ولكن بأجوبة جاهزة مرة أخرى، على طريقة الأنظمة الاشتراكية سابقاً، والأنظمة الاستعمارية ما قبلها. أي باللعب على المفاهيم واصطفاء ما يناسبها: ثمة حقوق للأفراد ولكن ليس هناك حقوق للشعوب، هناك قانون للسلطة ولكن ليس هناك قانون دولي، هناك ارهاب ولكن ليس هناك مقاومة احتلال. ونحن كنا نلعب اللعبة نفسها عندما بنينا مناهجنا على: التبسيط، المعيارية، الإملاء، التجنب، الاستهتار، النفاق، التباس المفاهيم، والإفقار الفكري.


هلا أعدنا النظر في مناهجنا من زاوية بناء القدرات الفكرية للناشئة؟
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
121

115

مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل

 مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل

 
فضيلة الشيخ مصطفى قصير(*)
 
دور المدرسة الإسلامية في تأصيل الثقافة وتحصين الأمة:
 
من أهم الأهداف التي من أجلها كانت المدرسة الإسلامية هو العمل على تحصين الساحة التربوية والثقافية في مقابل محاولات التغريب والتشويه الثقافي، والعمل على بناء أجيال تحمل الإسلام المحمدي الأصيل بوعي وإدراك إلى جانب العلم والمعرفة.
 
والأصالة هنا مقابل الهجانة والتشويه، فعندما نتحدث عن إسلام أصيل نعني به الإسلام المأخوذ من النبع الصافي غير الملوَّث، لأنه دين إلهي، والدين الإلهي يعتمد على الوحي وعلى النبوة، وهو بلا شك لا يقتضي السلفية والجمود كما قد يتوهم البعض.
 
كما أن من المهم الإشارة في البداية إلى أن المدرسة الإسلامية الحديثة دخلت الساحة التربوية في لبنان منذ فترة زمنية غير بعيدة قياسياً، فلم يمـض أكـثر من عقدين على تشكّل أول مدرسة إسلامية بالمعنى الدقيق للكلمة، وبالتالي فإن التجربة لا زالت حديثة العهد ولم تكتمل بعد، خاصة أنها ولدت في ظروف من التحديات والصعوبات وبالقليل القليل من الإمكانيات، إلا أن مجالات التطوير والنمو والارتقاء لا زالت قائمة.
 
وهذه التجربة على تواضعها لها أهمية كبرى ستتضح عند الحديث عن الإنجازات.
 
لكن من الجدير بالذكر، أن الإنسان قد لا يلتفت إلى أهمية أو حساسية بعض الخطوات أو البرامج إلا من خلال ردة الفعل الكبيرة تجاهها من قبل الأعداء والمتضررين منها، فنحن اليوم عندما نرى إصرار الإدارة الأمريكية على إدراج تغيير المناهج التربوية ضمن خطوات مشروعها للهيمنة على العالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وإعلامياً، نعرف مدى أهمية هذه المناهج ودورها الفاعل في تشكيل حالة الممانعة والإعاقة لتلك الهيمنة، وبالتالي فهي قادرة على إيجاد الحصانة الثقافية والفكرية والأخلاقية التي تحول دون الاستجابة لإرادة الغازي ودون القبول به، بل تقاوم
 
 
 

(*) مدير عام المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

116

مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل

 استيراد الأفكار والثقافات التي صيغت بدقة لتخدم طموحات وأغراض وسياسات الأعداء، ولتمهد النفوس للقبول بمشاريعهم والتبعية التامة لهم.


هذا يعني أننا لا نستغني في مواجهتنا لمخططات الهيمنة الأميركية على عالمنا بل على العالم أجمع، لا نستغني عن الجبهة التربوية والثقافية لأنها هي القاعدة وهي الأساس والمنطلق لكل أشكال التصدي والمقاومة. 

وهذا يستدعي منا العمل على محورين:

المحور الأول

التعامل بحذر شديد مع كل المناهج التي تورَّد إلينا مباشرة من أمريكا أو تتسلل تسللاً بطرق متعددة إلى ساحتنا التربوية، فقد ثبت أنهم يسعون لإلباس مناهجهم ثوباً محلياً من ناحية الظاهر، وعلى مستوى الشكل والإخراج، لتسهيل عملية التسلل وعبر شركات محلية كما يحصل بالفعل، على طريقة الأنشطة الاستخباراتية والأمنية تماماً، لكن في عالم الثقافة والتربية بدلاً من السياسة والأمن. مما يتطلب الدقة والحذر واليقظة التامة، وعدم الانخداع بالمظاهر الخارجية التي تخفي وراءها كل الأغراض البعيدة.

وهنا يجدر الالتفات إلى أن بعض هذه المناهج قد يغري التربويين بحداثة الأسلوب والتقنيات والمنهجية، وقد لا يظهر ما يريدون بشكل واضح في الكتاب، لأن بعض مراحل التغيير التي تسلك أحياناً تبدأ بفك الارتباط مع مناهجنا نحن والارتباط بمناهجهم، ثم تأتي المراحل اللاحقة لتحمل معها ما يريدون زرعه، وقد يكون المطلوب قد وضع بشكل خفي أو ترك للمساعِدات والمتمِّمات التي يعتمدها المعلم أو غير ذلك من الأساليب.

المحور الثاني

إيجاد البدائل المناسبة من خلال العمل الجاد على تطوير المناهج المحلية والقائمة على ثقافة أصيلة، على صعيد المحتوى والمنهجية والتقنيات والأدوات، مع المحافظة على الأصالة والدقة في إدخال القيم والمواقف والأهداف التربوية ضمن الكفايات الأساسية المقصودة، وتدريب الأجهزة التعليمية بما يمكِّنهم من العمل على تحقيقها في ساحة الدرس.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
123

117

مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل

 وبعبارة أخرى فإن أهم وسائل المواجهة هنا تتمثل في ملء الفراغ بما يحقِّق الحاجة وبما يفوِّت الفرصة على العدو لاستغلال الفراغ.


إنجازات المدرسة الإسلامية في لبنان خلال العقدين الأخيرين

رغم حداثة التجربة يمكن القول أن المدرسة الإسلامية حقَّقَت عدة إنجازات في مجال تأصيل الثقافة والتربية وأهم ما أنجزته ما يلي:

1- فتحت الباب واسعاً أمام المزاوجة بين الدين والعلم وأبرزت حالة التكامل بينهما، على خلاف ما كان يُعمل على زرعه في أذهان الأجيال في الماضي من دعوى التعارض والتنافي بين الدين والعلم، مما دفع الكثير من الناس آنذاك للتخلي عن الدين ووصفه بالرجعية والتخلف، بينما ألجأ آخرين إلى التخوف من العلم.

ولكن الحقيقة أثبتت أن الدين الأصيل يدعو للعلم، والعلم يدعّم الإيمان، ولا يستغني عنه، إذ أن الدين يقوم بعملية الوصل بين نتائج العلوم المادية والعوالم المجردة أو ما وراء الطبيعة، ويربط الأشياء بأصولها ومبادئها، والأنظمة الكونية والسنن الطبيعية بمُجْريها وواضِعِها، حيث يعجز العلم بنفسه القيام بذلك.

كما أن العلم كلما تقدّم وتطوّر وأنتج للإنسان قدراتٍ جديدةً كلما زادت الحاجة للثروة الكبيرة من قيم الدين ومناهجه السلوكية التي هي وحدها القادرة على أن تحول دون استخدام نتائج التطور العلمي في الإفساد بدلاً من الإصلاح وفي التدمير بدلاً من الإعمار وفي القضاء على الإنسانية بدلاً من تعزيزها.

فالمدرسة الإسلامية من شأنها أن تؤسس لمنهجٍ متوازنٍ يضع التطور العلمي في الطريق الصحيح والسليم.

2- أتاحت المدرسة الإسلامية الفرصة للتعرف على الأديان السماوية ومبادئها وثقافاتها دون تشويه ودون اجتزاء، فحقّقَت فرصة متوازنة للطالب الذي كان في السابق يسمح له برؤية جانب من الحقيقة في أحسن الأحوال، ويسمع عن الدين من الطرف الآخر فيرى الأشياء من نافذة ضيقة، فتبهره أمور واقعها لا يبهر، وتنفره أمور أخرى واقعها لا ينفّر، لولا ذلك الاجتزاء أو التشويه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
124

118

مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل

  

3- قدَّمت المدرسة الإسلامية للطالب بيئة تربوية وإجتماعية سليمة نوعاً ما، تساعده على النمو بعيداً عن عوامل الفساد والانحراف الأخلاقي وتعينه على الالتزام بالقيم والأخلاق الإنسانية والإسلامية، ولا شك أن التربية من خلال المثال الصالح والقدوة الحسنة أكثر نجاحاً، كما أن البيئة الاجتماعية والأسرية لها كبير الأثر على إنجاح العملية التربوية، فالمدرسة الإسلامية تتولى تشكيل ذلك عندما تعمل على اختيار أساتذتها ومعلميها وتضع أنظمتها وأنشطتها بما يتناسب مع هذا الهدف.

لكن لا نخفي الصعوبات التي كانت ولا زالت تواجه المدرسة على هذا الصعيد مع غياب الجامعات ودور المعلمين التي من شأنها تخريج الأجهزة البشرية القادرة على أداء هذه المهمة الخطيرة والتي تحمل معها رؤية واضحة وقدرة فنية عالية، فتركت المدرسة الإسلامية تقوم بنفسها بإعادة تأهيل أجهزتها البشرية وفق حاجاتها وبحدود إمكانياتها المتواضعة، فنجحت تارة وأخفقت أخرى.

4- على مستوى المناهج (فيما عدا منهج التربية الدينية) قدّمت المدرسة الإسلامية حتى الآن مساهماتٍ متواضعةً في التأليف وفق الرؤية المتقدمة، لكنها مارست دوراً ترميمياً لجوانب الخلل والقصور وأكملت ما أتيح لها إكماله من جوانب النقص، وحذفت ما ينبغي حذفه ليأتي المنهج متناسباً في الحد الأدنى مع المبدأ الذي انطلقت منه.

المساهمات المنتظرة والمتوقعة في المستقبل

هنا، لا بد من الحديث عما يمكن للمدرسة الإسلامية القيام به ولو مستقبلاً بعد أن تذلّل العقبات وتوفّر الإمكانات اللازمة، تصبح هذه المساهمات أكثر إلحاحاً في ظل المخططات الأميريكية الرامية إلى إحداث تغييرات في المناهج التربوية في دول العالم الثالث تخدم أهدافاً توسعية تقوم على أساس التغيير الثقافي:

1- بإمكان المدارس الإسلامية أن تتعاون على تشكيل إطار تجمُّع لها يقع على رأس اهتماماته تكوين رؤية موحدة تسوّق في دوائر التخطيط والقرار التربوي الرسمي في لبنان للتأثير على مسار الأنظمة والقرارات التربوية الرسمية بما يوجد سداً في مواجهة الهيمنة الأميركية على المناهج التربوية في لبنان.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
125

119

مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل

 وهذا أمر ممكن لأن المدارس الإسلامية التابعة لمؤسسات أو التابعة لأفراد باتت بمجموعها تمثّل كتلة لا يستهان بها، خاصة إذا استفادت من الثقل السياسي لحزب الله، وإذا تمكَّنَت من توسيع دائرة التأييد في أوساط المدارس التابعة لطوائف أخرى.


ولا بد من الإشارة إلى أن واقع المناهج التربوية في لبنان، في ظل غياب الرؤية الثقافية الأصيلة عند السياسيين، جاءت في كثير من الأحيان استنساخاً للمناهج التربوية الغربية، وليس هناك أدلّ على هذا الواقع من سياسة التعامل مع اللغات الأجنبية التي تعتبر لبنان بلداً ثنائي اللغة بل ثلاثيّها، وهذا الأمر انعكس سلباً على اللغة العربية.

هذه ليست دعوة للتخلي عن اللغة الأجنبية، وإنما هي إلفات إلى ضرورة التعامل معها وفق رؤية وسياسة تقوم على فهم دقيق للهدف والمراحل والقدرات.

2- الدخول إلى عالم تأليف ونشر الكتاب المدرسي الذي يراعي الشروط والمواصفات الحديثة ويجسّد الثقافة والمرتكزات الفكرية والأخلاقية والقيمية الأصيلة ويعتمد منهجية تربوية متقدمة.

ليست المشكلة اليوم في توفّر الخبرة أو الأجهزة البشرية، بل في كيفية الاستفادة من هذه الخبرات وآلية استثمارها، فنحن قادرون على منافسة ما يطرح، وبالتالي توفير الكتاب المدرسي الملائم من حيث المضمون والأسلوب والإخراج والوسائل المساعدة والمكمِّلَة، وما إلى ذلك، شرط توفير الإمكانات المادية واللوجستية، وهذا الموضوع له أولوية كبرى في الوقت الحاضر.

3- بإمكان المدرسة الإسلامية إذا اعتمدت التوزيع على أساس الكفايات أن تدخل في الكفايات الخاصة بكل صف وبكل مادة القيم الإسلامية والإنسانية المتناسبة، والتي يتم اختيارها بدقة فائقة لتلائم المرحلة العمرية والمادة الدراسية، ويوضع لها طريقة تربوية مؤثرة ونشاطات متناسبة من شأنها أن تنتقل باهتمامات المدرسة من المجال المعرفي إلى المجال السلوكي التربوي، وهذه الخطوة يمكن تطبيقها في عرض الكتب والمناهج الحالية كمشروع ترميمي وتكميلي. إذا حصل هذا فمن شأنه أن يحدث تغييراً جذرياً في النظرة إلى دور المعلم واهتماماته التربوية، ولكنه يفترض وجود مهارات خاصة عند المعلّم ينبغي اكتسابها وتأهيله عليها ليصبح قادراً على أداء الدور بنجاح.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
126

120

مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل

 4- على مستوى التربية الدينية التي كانت البداية في إطلاق المناهج التربوية الإسلامية، حتى الآن اقتصرت غالباً على المجال المعرفي التلقيني، ولذا، عجزت عن تأدية دورها المطلوب بالشكل الكامل، فمن الواجب توسيع دائرة اهتمام المنهج ليدخل فيه كفايات تتجاوز المجال المعرفي إلى المجال الوجداني والسلوكي العملي وتحديث الطرائق المعتمدة ليدخل فيها من النشاطات ما يجعل الطالب يكتشف ويحلّل ويتخذ موقفاً ويتعاطف ويبني سلوكاً والتزاماً تجاه كل ما يمر به في المنهج.


إن تحديث التربية الدينية في المنهج والطريقة والوسائل بات أمراً ضرورياً جداً، خاصة مع المقارنة بالمناهج الحديثة التي تمتلك قدرة على الجذب وإثارة الاهتمام وتفعيل دور المتعلم على حساب التلقين.

أضف إلى ان المرحلة الثانوية التي تمثّل مرحلة التشكُّل الفكري للطالب تكتسب حساسية فائقة، مما يعني ضرورة تلبية المنهج لاحتياجات المرحلة مع مراعاة الدقة في صياغة المجال الفكري والعقائدي بحيث يعالج كل القضايا التي تثير اهتمام الشاب، وتجيب على تساؤلاته.

في الختام.. أجد أن عقد مثل هذا اللقاء - بحد ذاته - يمثِّل خطوة بالاتجاه الصحيح، لأنه يعبِّر عن مستوى الإحساس بالخطر ويضعنا جميعاً أمام المواجهة الصعبة، ولكي لا يكون المؤتمر مجرد صرخة ينبغي أن يتبع بلقاءات عملية تأخذ النتائج والتوصيات إلى ميادين العمل والخطط والبرامج.

والله من وراء القصد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

121

المداخلات والتعقيبات

 المداخلات والتعقيبات

 
مداخلة د. محمد الزبيدي1
 
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
 
مهمة صعبة وشاقة أسندت إليّ، ذلك أن سماحة الشيخ مصطفى قصير غوّاص ماهر، يحسن في غوصه التقاط الأفكار وسبكها وعرضها، فأنّى لي من اللحاق به، وأنا ما زلت أتدرب على مهارات متواضعة في العوم بين الأفكار، وفي كثير من الأحيان لا أحسن التقاطها والترويج لها، فالغوَّاص ينزل إلى الأعماق حيث الدرر البهية واللألىء السنية، وفي محاولة اللحاق به من غير تمرس في هذا المجال مغامرة خطرة لكنها قد تكون ممتعة.
 
لذا ستكون مداخلتي هذه ذات منحىً إجرائي عملاني، أما الجانب النظري فلن أتعرض إليه إلاَّ باختصار وحذر شديدين.
 
أولاً: عندما تكلم سماحة الشيخ عن التربية الدينية، وأنا أفضل تسميتها بالتربية الإسلامية - تحدث عن مناهج لها، ولا أدري ما دلالة مفهوم المنهاج لديه، حيث ما زالت المؤسسات التربوية الإسلامية في هذا البلد تتعامل مع التربية الإسلامية المدرسية وفق نظريات تربوية جامدة، أكل الدهر على معظمها وشرب، وكأن التربية برمتها قد تجمدت ضمن حدود هذه النظريات، مما يعطي المناخات التربوية السائدة في المواد التعليمية الأخرى تمايزات ملحوظة وبارزة.
 
وخير شاهد على ذلك، النقلة النوعية التي قام بها العاملون التربويون في مركز البحوث والإنماء - بغض النظر عن هويتهم الأيديولوجية - من أجل تحسين وتطوير المنهاج المنظم لهذه المواد، والمحدد لآليات العمل بها، أما مادة التربية الإسلامية فقد بقيت للأسف على حالها دون اجراءات تجديدية أو تحسينية، سواء في مدخلاتها أو عملياتها أو مخرجاتها، وإذا ألقينا نظرة تربوية فاحصة متدبرة على المقررات الدراسية لهذه المادة حتى في المدرسة الإسلامية التي قصدها سماحة الشيخ، نجد كماً هائلاً من
 
 
 

1- أستاذ جامعي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
129

122

المداخلات والتعقيبات

 السلاسل والمقررات لهذه المادة، لكن حلّ هذه السلاسل والمقررات قد ألفت خبط عشواء دون مراعاة للمبادىء التربوية في صناعة المنهاج المدرسي، حيث أُلفت جميع هذه السلاسل بمعزل عن منهاج ناظم لها.

 
ولا يخفى على صاحب البصيرة التربوية، أن تأليف المقررات الدراسية لأي مادة كانت، لا يتم خبط عشواء أو باستنساخ لمقررات ألفت في دول أخرى، وإنما لا بد أن يسبق هذه الخطوة ويتبعها سلسلة من الخطوات التربوية التراتبية وتشكل بمجموعها منهاج المادة. أما المنهاج التربوي الإسلامي الذي تكلم عنه سماحة الشيخ فلا أجد له أثراً في مدارسنا الإسلامية.
 
ثانياً: استند سماحة الشيخ في عرضه لموضوعه إلى مجموعة من المفاهيم الإسلامية والتربوية، تحتاج إلى سَبْر وتوضيح، ذلك أنها تستخدم دائماً في المحافل العلمية من مواقع فكرية مختلفة، وفي كثير من الأحيان تثير حفيظة المتحافلين، ومن هذه المفاهيم: الإسلام المحمدي، السلفية، المدرسة الإسلامية، المنهاج التربوي، الكفاية، المهارة، الأهداف التربوية ومناقشة كل هذه المفاهيم في هذا الوقت الضيق أمر ليس بالإمكان، لكنني سأناقش الثلاثة الأولى منها فقط:
 
الإسلام المحمدي
 
دأب كثير من الغربيين في دراساتهم الاستشراقية مثل: جولد تسيهر، وهاملتون جب، ومونتجمري واط، وغيرهم على استخدام هذا المصطلح للنيل من الإسلام وللتعبير عن مناهضتهم له، وأن الإسلام ليس إلاّ من ابتداع محمد، ولا علاقة له بالوحي الإلهي، فعلينا أن نكون حذرين من استخدام مثل هذه المصطلحات المتسللة عبر الدراسات الاستشراقية إلى عقولنا وأفهامنا.
 
السلفية
 
مصطلح قديم وحديث في آن واحد، وقد استخدمه سماحة الشيخ للتعريض به والنيل منه، مع أن هذا المصطلح قد استخدم في مطوّلات وموجزات ومناظرات علم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
130

123

المداخلات والتعقيبات

 الكلام السني، وتنازعت الفرق الكلامية السنية الادعاء بمن يمثل السلفية وأهل السلف الصالح، تأكيداً على أصالتها وعدم ابتداعها وخروجها عن منهج هذا السلف.


أما في العصر الحديث، فقد تشكلت فرقة إسلامية بهذا الاسم تأكيداً على أنها ليست مبتدعة وأن جذورها ضاربة في أعماق التاريخ الإسلامي، لتصل إلى السلف الصالح وتقتدي به، لذا كان حرياً بسماحة الشيخ أن يتلمس الحذر في استخدام مثل هذا المصطلح وأنا بصراحة مع السلفية بمفهومها الحركي التنظيمي.

المدرسة الإسلامية

يقول سماحة الشيخ إن المدرسة الإسلامية بالمعنى الدقيق لها قد تشكلت في لبنان منذ عقدين تقريباً، ولكنه لم يوضح لنا هذه المعايير الدقيقة، حتى توافقه على ما ذهب إليه أو نعترض، علماً بأن هناك العديد من المدارس الإسلامية قد تأسست قبل الثمانينات، ويمكن أن تكون ضمن المعايير التي قصدها سماحة الشيح.

أمّا مناقشة المفاهيم التربوية الأخرى فهذا موضعه في متسع من الوقت إن شاء اللَّه، لأننا نتكلم عن تربية مستهدفة، وثقافة غازية، فلا بد من أن تكون المقاصد المفاهيمية في هذا الإطار دقيقة وواضحة وغير ملتبسة.

ومن الأمور التي لا بد من إثارتها هو تقرير سماحة الشيخ أن وضوح وأهمية بعض ما هو موجود في مناهجنا قد تبين من خلال ردات الفعل الحادة من معسكر الأعداء عليها، وهذا أمر قد يبدو صحيحاً، لكنني كنت أتمنى لو أن سماحة الشيخ لم يغفل أهمية وضرورة نقد الذات التربوية الإسلامية، فقبل أن تبادر أمريكا إلى الطلب من الدول الإسلامية بتغيير مناهجها، كنا نشكو كثيراً، ونطالب، ونصرخ عالياً، لإعادة النظر في هذه المناهج من أجل تطويرها وتحسينها، ولكن ذهبت المطالبات والشكاوى والصرخات أدراج الرياح، فالآن وللأسف نعمل في ظل الهجمة الغازية والقاسية علينا جميعاً.

إن بعض هذه المناهج، وأقصد المناهج التربوية الإسلامية لم تنتج لنا إلاّ حالات مستعصية من التطرف والتشدد والعنت والمغالاة، والمهارات العالية في التكفير والطرد من دار الإسلام إلى دار الكفر والزندقة والتجديف والبوار والخسران المبين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
131

124

المداخلات والتعقيبات

 إن الهجمة الأميركية على المناهج الإسلامية، يجب أن لا تقف حجر عثرة في طريق استبصار الذات التربوية الإسلامية ومناهجها التربوية، وتطويرها بما يتناسب وحجم التحديات التي تواجهنا جميعاً بالاستثناء، والمتغيرات المتسارعة التي تعيشها مجتمعاتنا، بحيث يؤدي هذا الاستبصار إلى ما يلي:


- نقد الذات التربوية الإسلامية، بحيث يؤدي ذلك إلى فرز الغث من السمين في خطابنا التربوي.

- الوعي العميق بالتحديات التي تواجه المجتمع الإسلامي بكل مذاهبه وإدراك عمق هذه التحديات وحجمها وإتساعها.

- تشكيل لجنة من النخبة التربوية الملتزمة بدينها في هذا البلد، ومن النخبة المتخصصة في العلوم الشرعية، لدراسة المناهج الغربية الوافدة إلينا، شئنا أم أبينا، والإفادة منها في تحسين مناهجنا الإسلامية، وفق شروط ومعايير إسلامية محددة.

- تشكيل لجنة مشتركة من مختلف المذاهب الإسلامية، تقوم بإعداد المناهج التربوية الكفيلة بتمكين الناشئة المسلمة من مواجهة التحديات على مختلف الصعد وفي مختلف المجالات.

- إيجاد اللجان والمؤسسات القادرة على الرصد والمتابعة والمراقبة، والتدخل السريع لتعديل المناهج وفق الظروف والمتغيرات الطارئة.

- إيجاد هيئة حوارية مشتركة تضم كافة المذاهب الإسلامية، وتكون بمثابة الرقيب على بناء المناهج وتنفيذها في محتويات دراسية، لأن الجميع بات مستهدفاً وفي موضع الخطر.

- العمل على تشكيل لجنة مشتركة لتحديد المعايير والمبادىء والسمات التي لا بد أن تتشكل في ضوئها المدرسة الإسلامية.

- مطالبة كل من دار الفتوى السنية والمجلس الشيعي الأعلى بإعادة عمل اللجنة السنية الشيعية لتأليف منهاج التربية الإسلامية الموحد حيث إن عمل هذه اللجنة قد توقف منذ سنة تقريباً لأسباب إدارية غير مقنعة.

وقبل أن أنهي هذه المداخلة، أود أن أسأل سماحة الشيخ والحاضرين على حد سواء،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

125

المداخلات والتعقيبات

 كيف يتسنى للمدارس الإسلامية أن تصيغ منهجاً أصيلاً، وهي متفرقة متشرذمة وفق رؤى القيمين عليها، إنني سأقولها بصراحة، كثير منَّا سنياً كان أم شيعياً يحمل في يده مظلتين، الأولى يحملها في المجالس الحوارية مع الآخر وينتقد المذهبية أو الطائفية التي فرقتنا، لكنه سرعان ما يستبدلها بمظلة أخرى مذهبية ويستظل بها في بيته وفي مجالسه الخاصة، وصدقوني إن المظلات الطائفية أو المذهبية لن تحمينا من قيظ الأعداء وحر المؤامرات التي تحاك لنا جميعاً، فلنرجع جميعاً إلى المظلة الأم، مظلة الوحدة والإسلام، خاصة نحن وإياكم انتظاريون، ننتظر المهدي الذي سيقيم في الأرض عدلاً بعد أن امتلأت ظلماً وجوراً إن التحديات التي تواجه أمة الإسلام تتقزم في مواجهتها كل الخلافات خاصة أن كل منا يحمل في معتقده المفتاح المعتقدي الرئيس للإسلام وهو الشهادتان، فإذا وعينا أهمية المرحلة التي تمر بها أمة الإسلام، حينئذ سنجمد خلافاتنا في ثلاجة التاريخ، ومن ثم تسهل مهمتنا في وضع المنهاج الأصيل لجميع مدارسنا الإسلامية.


وأخيراً أتقدم بالشكر والتقدير للوحدة الثقافية المركزية في حزب اللَّه، التي وعت أهمية هذا المؤتمر، فنظمته وعقدته والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
133

126

المداخلات والتعقيبات

 مداخلة فضيلة الشيخ يوسف سبيتي1

 
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة على النبي آله السلام عليكم جميعاً ورحمة الله.
 
يعني في كلمة سماحة السيد عبد الكريم حفظه الله تعالى كنا نأمل أن يكون المعنون مطابقاً للعنوان المطروح في الإعداد لأن العنوان كان كبيراً يعني حسب ما لاحظنا وهو دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب.
 
وقد لاحظنا أنه في بحثه كان يشتمل على تفسير بعض المفردات وتفسير بعض المصطلحات وأنهى البحث في بعض التمنيات لا أريد أن أقول بأنها كانت غريبة جداً عن هذا العنوان المطروح "دور الحوزات العلمية" لكن جزاه الله ألف خير فعلاً كانت خطوة مهمة جداً لأن يكتب الآخرون عما يمكن أن يكون مكملاً ومتمماً لهذا البحث على كل الحالات أريد أن أقف عند تفسير البراءة بمعنى الحرية على كل الحالات.
 
أنا لا أعارض الحديث عن الحرية ككلمة مفردة لغوية موجودة ومن ثم تشير إلى معنى خاص لكن أعارض بقوة أن يكون الحديث عن الحرية مذهباً وعقيدة جديدة يسوقها الغرب بكافة الطرق وبكافة الوسائل حتى صرنا نتبناها كمذهب وعقيدة هذه المفردة كما بتنا ندافع عن المسوقين للإرهاب وأننا نحن ضد الإرهاب ومن ثم الاستكبار العالمي يريد من وراء هكذا مصطلحات أشياء خطيرة جداً ومعاني خطيرة جداً وأفكار خطيرة جداً.
 
ما أريد أن أعلق عليه، ففي الإسلام لا يوجد عندنا حرية بهذا المعنى الذي نسمع به ونسوق له اليوم لا يوجد لدينا، لدينا معنى العزة ولدينا معنى الكرامة ولدينا اصطلاح الحقوق ولدينا بالحد الأدنى لو قاربنا لا بأس دعوه هذا رأيي وسجلوه وعارضوه يوجد لدينا لو تنزلنا مفهوم الاختيار، مفهوم الاختيار أما معنى الحرية بهذا المعنى المنبسط والموسع والشامل والذي أصبح مذهب من المذاهب ومدرسة من المدارس لا أعتقد أنه هذا...
 
 
 

1- مدير عام معهد الإمام الجواد عليه السلام.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

127

المداخلات والتعقيبات

 وإلا أنت أيها الإنسان أنت عبدٌ من بداية الأمر عندما تعبد الله إلى نهاية الأمر عندما تكون مقيداً ومنوطاً بعدة شروط ومواصفات.


لا يجوز لك التجاوز عنها في مقام العلاقات مع الآخرين مع الناس مع البيت مع الأسرة مع الأصدقاء مع كل المجتمع أنت لا يجوز لك أن تفعل كـذا ولا يجـوز لك أن تفعل كذا لست حراً في مطلق تصرفاتك في مطلق كلماتك وقد تحاسب على كثير من الكلمات ويتصدى الكثير من الآخرين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندمـا تقول كلاماً ربما يؤدي إلى الهتك أو ربما يؤدي إلى الأذية إلى الآخرين أو إلى العقيدة أو إلى ما أشبه ذلك هذه الحرية بهذا المعنى التي نحن الآن كثيراً ما نتكلم عنها غير موجـودة عندنـا بهذا الشـكل وإلا إذا أردنـا أن نســاق إلـى رغبـة الاستكبار العالمي لتسويق بعض المصطلحات وإن كانت صحيحة في بعضها إلا أن المراد منها باطل وسيئ وفاسد.

إذا أردنا أن ننساق إلى ما يريده الغرب فإننا نقع في الفساد ونقع في الدمار الاجتماعي ومن ثم نكون نحقق رغبة الإمبراطورية الديكتاتورية الأمريكية الحديثـة اليوم التي لو خُلّيت وطبعها لقضت على كثير أو على كل ما من شأنه أن يكون ويسمى قيماً وأخلاقاً ومبادئ خصوصـاً أن الاسـتكبار العالمي اليـوم يركـز على بعـض الأمـور التي هي موجودة عند عالمنا الإسلامي ومجمعاتنا الإسلامية ويوجد لها النقيض والخلاف.

مثلاً الكعبة سوداء يعمل بيت أبيض الكلب عندنا أمر أجلّكم الله كذا يعمل الكلب هو المرافق والمصاحب الصديق والملازم شرب الخمر حرام عندنا ونشدد على عدم شرب الخمر وعدم أكل ـلحم الخنزير نرى أنه يروج كثيراً لشرب الخمر وللحم الخنزير وينسى حتى الضآن وحتى الجمل.

وهكذا الحال أمريكا بكل ما أوتيت من طاقات وقدرات وإمكانيات هائلة وعلماء وخبراء نفسانيين يدرسون وضع محاربتنا بكل ما أوتوا من وسائل وطاقات وقدرات فنحن لا نريد أن ننساق فقط هذه الملاحظة التي كنت أود أن أتحدث بها بما أن الوقت أيضاً ضيق وشكراً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

128

المداخلات والتعقيبات

 العناية بمعلم التربية الدينية ومناهج التربية الدينية أتحدث عن تجربة التعليم الديني الإسلامي أقول أنه في هذه الجمعية المباركة يوجد معلم متخصص ونسعى لإيجاد معلم متخصص.


وأيضاً من ناحية وجود دليل معلم لكتب التربية الدينية يعمل الآن على إعداد المناهج التربوية للتربية الدينية مناهج التعليم ودليل معلم أيضاً من ناحية الرواتب الحمد لله رب العالمين توجد رواتب لا بأس بها تكفي إعداد معلم تربية دينية.

هناك دورات للإعداد هناك المحاضرات الشهرية هناك البرامج التثقيفية السنوية وهناك دورات خاصة بحسب حاجات المعلمين وأيضاً كل سنة تقام ورش تربوية لذلك أما.... أكثر من 150$ يوجد مؤسسات تعطي أقل من المبلغ الذي ذكره الدكتور حسن البنّا (تعقيب للدكتور البنّا).

أنا مشرف على الإعداد التربوي لمعلمين التربية الإسلامية في لبنان للأسف الشديد هذا الكلام فعلاً وارد في أوساط.......

يتابع (الشيخ سبيتي) أما مسألة تحضير الدروس فهناك نموذج معتمد في التربية الدينية وينسجم مع المناهج التربوية الحديثة وطرق التدريس والناشطة أيضاً المناهج التي يُعمل على إعدادها حالياً يجب أن تكون جاذبة لاهتمام التلاميذ أما بالنسبة لما ذكره الأخ الكريم (الحاج حسن سلهب).

فمن ناحية الثقافة المفروضة أو الثقافة غير المفروضة الموضوع الذي تناولته من جهة كيف يمكن أن تتسلل هذه الثقافات إلى مجتمعاتنا؟ فيما لو كانت تمارس في عملية الضغط والإرهاب لكانت هناك تصدٍ لها ولكن يتم إرسالها بشكل بسيط من خلال المناهج من خلال الإعلام بشكل بسيط ويتم تقبلها من الآخرين.

أما مسألة الضربة القاضية للمسائل أن إسلامنا فيه من المنعة والقوة كما يواجه أي فكر وأي ثقافة موجودة ولكن الأمثلة التي ذكرتها كيف تواجه الفكرة؟ تواجه ببعض القراءات وبعض الأمور التي تثير الاهتمام عند الناشئة من دون أن تؤسس لفكرٍ أصيل والأمير عليه السلام فيما يروى عنه أنه: "ما حاججت عاقلاً إلا وغلبته".

ولكن إذا حاجج جاهلاً كان يغلبه لأنه ليس لديه منطق المنطق الذي يتعامل معنا من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

129

المداخلات والتعقيبات

 خلال إثارة الغرائز وتقديم الإغراءات للناشئة نعم تأهيل المعلمين وإعدادهم وإعداد المناهج هذه السياسة لا بد أن تستمر من ناحية تزويدهم بالخبرات الجديدة والحمد لله رب العالمين.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

130

المداخلات والتعقيبات

 مداخلة الأخت سامية عبد الله1

 
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته الهجمة المخاطر العولمة والتغريب المرتكزات التاريخية للغزو الثقافي الدور السياسي مفردات تعكس البعد السياسي والآمال والدوافع لمساهمات أتت على التوالي من المحاضرين الأفاضل وستأتي وفي مقابل دور التربية الإسلامية دور الحوزات الدينية مساهمات المدارس الإسلامية المناهج اللبنانية الدور السياسي للمحاضرين الأفاضل التالين وكان من الممكن الاختزال في جلستين فالمحاور الأولى تعكس التحدي السياسي القاصر على المتغيرات الخارجية أما المحاور الأخرى فالتأكيد فيها على الدور غير الفاعل وأقصد بالفاعل حماية النظام التعليمي لهذا الدور الذي يكاد يكون معدوماً في العالم الإسلامي خارج الأنظمة بينما الفجوة التي نعاني منها والتي تتعلق بتشخيص القضايا الفنية والتناقضات التي تحتويها مناهجنا في أركانها العملية ومنها إعداد معلمٍ تربويٍ متخصصٍ محترف كتاب مبرمج وممنهج على أحدث أساليب التأليف الوسائل والطرائق والأساليب القاصرة في مؤسساتنا عدا عن انعدام الدافعية عند طلابنا اتجاه العلم وأخيراً غياب مراكز الدراسات في حقولها المتخصصة المختلفة أي أن المشكلة الرئيسة التي كان على المؤتمر أن يأخذها بعين الاعتبار هي الجانب الثقافي والفني والمهني لكي نعمل على إعادة البناء من الداخل في المقام الأول والذي يعصمنا مما استهدفه المؤتمر من الهجمات الخارجية وأكثر ما يلفتني هو قول تاجر السلاح الأميركي اليهودي غارنر عند وصوله إلى العراق بعد الغزو الأميركي وهو إنما أتينا لرفع هيمنة اللغة العربية بتعدد اللغات الأخرى ودعونا نترك قول غارنر ونحاسب أنفسنا على مستوى حقلٍ واحد وهو حقل اللغة العربية من خلال اختصاصي كمعلمة لهذه اللغة فإذا سلّمنا جدلاً بتفوق الدول الغربية بالعلوم الفيزيائية والرياضية والتكنولوجية إلى آخره فهل يكفينا على صعيد اللغة العربية أن نعتمد شرح ابن عقيل وقطر الندى والمغني اللبيب ككتب تقعيدية تهتم
 
 
 

1- معلمة اللغة العربية في مدرسة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
138

131

المداخلات والتعقيبات

 بالقوالب الشكلية لإعراب عما في بطوننا مع أن القضية تتعلق بإعادة النظر لهذه المناهج على أساس النحو الوظيفي والنفسي والمعنوي أو فقه اللغة في ربطه بنظرية كاملة تعيد بناء الكلمة إضافةً إلى الأطر الشكلية التي يتكفل بها الصرف والبلاغة العربية مع أن العالم قدّم من الغريب من تراثنا نحن الحقول المعجمية والدلالية والنصوص التواصلية الإبلاغية والجمالية والإبداعية والأنماط والحقول وإلى آخره مما أطلقوا عليه المناهج الجديدة في التعليم اللبناني وقد لفتني أيضاً أن معلمة للغة العربية للمرحلة الثانوية في ثانوية تابعة لإحدى مؤسساتنا الإسلامية تستعين بمرجع في اللغة الفرنسية من المناهج التعليمية الفرنسية لتترجم بعض المصطلحات القديمة الجديدة في لغتنا الأم وذلك في تحليل النص في اللغة العربية هذا مما يفسر أكثر أن التدخل في المناهج التعليمية والتربوية ليس فقط من قبل أميركا بل أيضاً الدول الأوروبية ومن هنا أشير أيضاً إلى مشاركة خبراء فرنسيين في إعداد المناهج التربوية اللبنانية فأين خصوصية البيئة والتاريخ والأدب واللغة والدين وغير ذلك عندنا وأين نحن من حماية لغة القرآن الكريم أعانكم الله وأعاننا على الفوز والانتصار في التحدي والمقاومة الثقافية كما أعاننا سابقاً على الفوز ونرجو عونه دائماً في انتصار المقاومة الإسلامية العسكرية فالانتصار الثقافي ليس أسهل من الانتصار العسكري وشكراً.

 

 

 

 

 

 

139


132

المداخلات والتعقيبات

 مداخلة السيد موسى فحص4

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
حول كلمة الأخ الدكتور عدنان الأمين بعد الثناء على الروح الجدية والخبرة والعرض المنطقي في تناوله المناهج المدرسية اللبنانية لا داعي لتسمية حديث المناهج عن العائلات الروحية بأنه نفاق بل يجب تشجيع مثل هذه الخطوة لكي نصل إلى مناهج تؤسس للتكامل الاجتماعي وقبول الآخر والتعايش الإنساني المتكافئ نحن بحاجةٍ إلى كل كلمةٍ طيبة وكل موقف جريء باتجاه بناء دولة الإنسان في لبنان أما الأوضاع الطائفية وأدوات الفراق فليست متفشية بين عامة الناس في لبنان بل هي متفشية كثيراً بين المسؤولين والمتنفذين في مختلف الطوائف والمناطق وما تُسَوِقُهُ وسائل الإعلام ليس إلا مظاهر محدودة جرى عليها التضخيم وتسليط الضوء.
 
المجتمع اللبناني يتجه نحو فرز النمط الأفضل على الرغم مما نراه ونسمعه هنا وهناك ففي لبنان شخصيات واتجاهات راقية وعاقلة لا بد أن تقول كلمتها وللأخ فضيلة الشيخ يوسف سبيتي نقول عندما أملك حريتي أختار العبودية لله أمريكا ليست خائفة على الحرية بل هي تخاف من الحرية هي تريد حرية على قياسها حرية خاصة وهي تجزّر بنا بعنوان الحرية والسلام عليكم.
 
 


1- مشرف الرياضيات في مدارس الإمداد.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

 


133

المداخلات والتعقيبات

 مداخلة د. محمد منير سعد الدين1

 
- نحن نعيش غزو مصطلحات لذلك علينا أن ننتبه لما يطرح على الساحة وأن نحدد هذا المصطلح بشكل دقيق:
 
فالثقافة تتضمن عقيدة، وقيم، واتجاهات ... الخ، وهي خصوصية لشعب وأمة.
 
التسامح يعني شخص قوي يمنح الآخر شيئاً ما، ويسامحه من منطلق القوي للضعيف.
 
- عندما تتحدث عن المدارس الدينية (الشرعية، تحفيظ القرآن الكريم، الحوزات العلمية) نرى:
 
1- هل الطالب مخرج للمدرسة أو الجامعة وحدهما، أم هناك عوامل أخرى تلعب دورها، ثم هل مدارسنا تفرخ الإرهاب والتطرف ومدارس غيرنا نقية، والأمثلة كثيرة في مدارس الولايات المتحدة ....
 
2- الكيل بمكاييل متعددة من قبل:
 
أ- الولايات المتحدة والتي تنتشر فيها المدارس الدينية بشكل واسع كما هي دلالات الاحصاءات.
 
ب- الكيان الصهيوني في فلسطين.
 
يلاحظ أن 31% من تلاميذ المدارس الابتدائية يدرسون في المدارس الدينية.
 
والكتب المدرسية في الكيان الصهيوني ترسم صور نمطية ذهنية سلبية للمسلم والعربي فهم يطالبوننا بالتطوير ولا يطالبون أنفسهم.
 
 
 

1- أستاذ جامعي.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
141

134

المداخلات والتعقيبات

 تعقيب الأستاذ حسن سلهب على كلمة الشيخ مصطفى قصير


بعد الثناء على مضمون كلمة سماحة الشيخ مصطفى قصير وخصوصاً فيما يتعلق بفكرة التعاطي مع المناهج وموضوع البدائل المناسبة.

لكن أود التوقف قليلاً عند موضوع انجازات المدرسة الإسلامية وملاحظة واحدة حول المساهمات المنتظرة مع تقديم اقتراح آمل أن ينال موافقة الحضور وبالتالي إدخاله في البيان الختامي.

في موضوع انجازات المدرسة الإسلامية يذكر الشيخ أن المدرسة الإسلامية "فتحت باباً واسعاً أمام المزاوجة بين الدين والعلم وأبرزت حالة التكامل بينهما..." السؤال هل يعود غياب هذه الاشكالية إلى جهود المدرسة الإسلامية فعلاً أم أن هذه الاشكالية لم تعد كونها من إفرازات ظروف فكرية خلال السبعينات ذهبت مع ذهابها وتغيُّر الأوضاع ثم ما هي البرامج التي قدمتها المدرسة الإسلامية في هذا الشأن.

ثانياً: يذكر الشيخ من إنجازات المدرسة الإسلامية أنها "أتاحت المدرسة الإسلامية الفرصة للتعرف على الأديان السماوية ومبادئها وثقافاتها دون تشويه ودون اجتزاء...".

إننا نؤكد على أهمية هذا الموضوع لكن السؤال هل تحقق ذلك فعلاً وكيف نحن بحاجة ماسة إلى هذا الواقع في مجتمعنا اللبناني بشكل خاص وقد توجهنا إلى الإخوة في جمعية التعليم الديني باقتراح ادخال هذه الأهداف في الكتاب المدرسي الديني المنوي إعادة تأليفه في الفترة المقبلة.

ملاحظة ثالثة في العنوان نفسه حيث يذكر سماحة الشيخ بأن المدرسة الإسلامية "مارست دوراً ترفيهياً لجوانب الخلل والقصور...، ربما كانت عبارة "انتقائياً" أكثر تعبيراً عن دورنا في هذا المجال لأننا لم نتمكن لغاية الآن من إحداث إضافات جوهرية وعضوية في المناهج القائمة.

الملاحظة الأخيرة تحت عنوان المساهمات المنتظرة في النقطة الثالثة "بامكان المدرسة إذا اعتمدت التوزيع على أساس الكفايات أن تدخل في الكفايات الخاصة بكل صف وبكل مادة القيم الإسلامية..." نسأل هنا كيف يتم تحقيق ذلك ألا يعني ذلك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

135

المداخلات والتعقيبات

 الدخول في عالم تأليف ونشر الكتاب المدرسي كما هو مذكور في النقطة الثانية وتحت العنوان نفسه أخيراً نقترح وانطلاقاً من كلمة سماحة الشيخ عقد مؤتمر خاص بتجربة المدرسة الإسلامية وبالتالي ادخال ذلك ضمن البيان الختامي لهذا المؤتمر بعد موافقة الحضور.

 

 

 

 

 

 

 

 

143


136

المداخلات والتعقيبات

 مداخلة الأستاذ علي يوسف1

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحقيقة عندما تستعرض المفارقات والإشكالات في مناهجنا التربوية يمكن أن نبدأ ولا ننتهي قد عرضت بعض المظاهر الخاصة من قبل الأستاذ الدكتور عدنان الأمين لكن نطرح سؤالاً لماذا لا نذهب أبعد قليلاً لنرى الأسس التي انطلقت منها هذه المفارقة طبعاً أصبحنا نعيش في عالمٍ لا نستطيع أن نقول فيه للغرب لك دينك ولنا ديننا العولمة انطلاق الرأسمالية محاولتها صناعة عالم على صورتها ومثالها إلى آخره لم تعد تسمح لنا بأن نقول للغرب لك دينك ولنا ديننا نحن نعيش في عالم واحد وعالم بات صغيراً وبات تبادل التأثر والتأثير مسألة لا نستطيع الانفلات منها.
 
إنطلاقاً من ذلك إنني أرى أن المفارقة في بناء مناهجنا والإشكالات في بناء مناهجنا التربوية هي جزء من المفارقة العامة في حياتنا أنه نحن نستهلك ما لا نصنع حتى أننا نستهلك أفكاراً لا نبدعها لنكن واضحين ليس انبهاراً بالغرب وليس دعايةً له الغرب كانت له تجربة خاصة استطاع من خلالها أن ينشىء حضارة انطلقت من العلم والعلم بمعنى علم فهم ظواهر هذا العالم يعني عالم الشهادة وليس عالم الغيب وربما كان هذا التطور في صراع مع الميتافيزيقا والدين بما هما متناولين لعالم الغيب وما يمتد إليهما لكن عبر تطور العلم وما ارتبط به من فلسفات للعلم فلسفات يعني تحاول أن تفهم الظاهرة وتؤسس لمناهج فكرية في التعاطي مع الظاهرة خلال هذا السياق وخلال الصعوبات العلمية نفسها والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية وإلخ..أنشأ الغرب في سياق هذا التطور المنطلق من أساس العلم أنشأ نوعاً من منظومة القيم، منظومة قيم يحاول الغرب أن يسوقها عندنا ولكن معزولة عن الإطار الذي نشأت فيه هو يحاول أن يسوق القيم التي نشأت عن العلم وفلسفة العلم وفلسفة السياسة وفلسفة القانون إلخ..دون أن يسمح لنا بامتلاك العلم أو السياسة أو كذا إذن حريتنا السياسية إلخ.. هذه المنظومة من القيم قد ننظر للكثير منها بعين الاحترام مثلاً العقل النقلي نسبية ما
 

1- مدير قسم الإرشاد والتوجيه في المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
144

137

المداخلات والتعقيبات

 نستطيع أن نكتشفه من الحقيقة في حقيقة الظواهر الفيزيائية يعني الانطلاق من الإشكالية التي تطرحها المعرفة علينا وإعادة النظر في المناهج والأساليب التي تتبناها يعني دائماً الانطلاقة أن أحكامنا قد تطابق الواقع وقد لا تطابقه وفي الكثير من الأحيان لا تطابقه ومن هنا يكون تقدم العلم حسناً من هنا الحاجة إلى العقل النقدي التفكير النقدي الحاجة إلى الحرية في التفكير الحاجة إلى عدم الإحساس بنوع من سلطة الوصاية لأحد على الفكر والعقل صحيح كل هذه قيم جيدة ونؤمن بها الديمقراطية إلخ.. نحن بالمقابل لدينا منهج بالتفكير لدينا عقيدة يعني لدينا نظرة للحياة والكون والإنسان نسميها الإسلام هذه النظرة لسببٍ أو لآخر في الحياة العملية انتهت المضامين الأساسية لها في الحياة العملية بقيت في الفكر إلخ.. نتساءل في هذا العالم الذي لا نستطيع أن نقول له دينه ولنا ديننا لماذا لا نعود إلى هذه القيم التي نشأت في سياق الحضارة الغربية والتي ننظر إليها بعين إيجابية ونرى ضرورتها بما في محاولة تقدم العلم والتكنولوجيا.


لماذا لا نحاول أن نعيد قراءة إسلامنا على ضوء هذه التحديات ونرى كيف يمكن استنباط أو تأصيل هذه القيم ولا أجد صعوبة أبداً في هذا التأصيل وأظن أننا إذا عملنا وعند ذلك يمكن أن نتحدث عن مناهج تربوية تتكامل فيها قيمنا الإسلامية مع أجزاء من الحضارة الغربية يعني بالمعنى لا أريد أن أسميه الانتقائي إعادة تركيب رؤيتنا ومفاهيمنا وهذا المنهج الذي أنا أستوحي ما قاله السيد محمد باقر الصدر كما قال ننظر إلى العالم نرى خلافه نرى كيف الحل كيف تصرف ونعود فنسأل القرآن نسأل القرآن هل يبيح لنا وهذا مدخل فعلاً بالتأصيل بتأصيل المسائل وبالتالي الانطلاق بعد ذلك إلى صياغة مناهج تربوية طبعاً هذه تحتاج إلى قرار سياسي ولكن الحدود الممكنة التي يمكن التصرف بها يمكن أن نناقشها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأرجو أن لا أكون قد أطلت عليكم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
145

138

المداخلات والتعقيبات

 مداخلة د. هاشم عواضة1

 
المناهج: كانت سابقاً تعني محتويات المواد المعرفية النصوص والأفكار.
 
واليوم اختلف المفهوم وتطوّر ليشمل الأهداف والطرائق والوسائل والتقييم والتقويم: خطّة شاملة كلية ونظامية للعملية التربوية.
 
في الأهداف: معارف، قدرات عقلية، مهارات حسيّة حركية، قيم ومواقف واتجاهات.
 
لا اشكال في الاطلاع على المعارف.
 
ولا اشكال في اكتساب القدرات العقلية دور الطرائق في ذلك من الأبسط إلى المعقد ولا ضرر في اكتساب المهارات الحركية.
 
أما في القيم والمواقف والاتجاهات فهناك شقان:
- قيم عالمية إنسانية يتفق عليها.
- قيم خاصة بكل ثقافة ومجتمع.
 
أما الأولى فلا بأس من استبطانها - عبر التعليم - التعلّم أما الثانية فالمطلوب استبطان القيم الخاصة بالثقافة المحلية. المشكلة تكمن في فرض القيم الأخيرة الخاصة على غير المجتمعات المعنية بها مما يولد القهر واستلاب الفكرة وآحادية القيم العالمية من خلال فرض القيم المسيطرة للدولة الأعظم وهنا تكمن الخطورة والمطلوب اختيار القيم المناسبة لكل مجتمع.
 
وتحليل النصوص المعتمدة في التعليم - التعلّم واختيار المناسب منها والمنسجم مع القيم الخاصّة بكل مجتمع.
 
إن تنوّع القيم الخاصة بكل مجموعة ثقافية أمر ضروري ومفيد في إغناء القيم والثقافة العالمية.
 
التحصين والمناعة - يحتاج إلى تظافر جهود كل المؤسسات.
 
 


1- مدير التخطيط والإشراف في المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

139

المداخلات والتعقيبات

 تعقيب فضيلة الشيخ مصطفى قصير


بسم الله الرحمن الرحيم ابتداءً نعتقد بأن الموضوع الذي قدمته يرتبط بصلب أهداف هذا المؤتمر ولعله هذا ما جعل الموضوع يأخذ حجماً من النقاش ويستحق ذلك بالنسبة للدكتور الزبيدي أولاً على مستوى التربية الدينية وما تفضل به من أن المنهجية قديمة والتعابير التي تفضّل بها أنا وافقته على ذلك أصلاً في المداخلة يعني مداخلتي لم تزعم في أي مكان أن المناهج المعتمدة هي مناهج سليمة أو أنها حديثة بل أنا دعوت لتجديدها وبالتالي انتقدتها لكن بعبارة ملطفة هي تختلف عن عبارة الدكتور قطعاً ونحن في الوقت الحاضر هناك تعاون بين المؤسسات الإسلامية على إعادة النظر بكتاب التربية الدينية وبالنسبة للمنهج التربوي الإسلامي وما تفضل به من أنه لا يوجد له أي أثر في المدرسة الإسلامية أنا لا أوافق على ذلك ولا أعتقد بأن من له إطلاع على واقع المدرسة الإسلامية اليوم يتفق معه على ذلك نعم نحن ننتقد ونقول بأن المنهج الذي نطمح إليه غير موجود المنهج الذي نحتاج إليه يحتاج إلى مجموعة من العناصر ومجموعة من الأمور التي هي غير متوفرة وخارجة عن قدراتنا نحن لأننا ابتدأنا في ظروف من التحديات نعم الآن أهم عنصر هو العنصر البشري والكتاب المدرسي المتناسب مع أهدافنا لا يوجد أثر للكتاب المدرسي خارج موضوع التربية الدينية وأيضاً على مستوى العنصر البشري نحن لا زلنا نعاني وقد أشرت إلى هذا أيضاً في مداخلتي يعني هو لم يأتِ بجديد على هذا... نعم لا أوافق على من قال من أنه لا أثر على الإطلاق هذا غير صحيح المنهاج لا يرتبط بالكتاب فقط المنهاج...

المسألة الثانية بالنسبة للاصطلاح المحمدي الأصيل الذي استعملته نحن نستعمله تبعاً لإمامنا الراحل الإمام الخميني قدس سره الذي استعمل هذا الاصطلاح كثيراً ويريد به طبعاً غير ما يريد به المستشرقون، المستشرقون أرادوا نسبة الإسلام إلى محمد كشخص ونحن تبعاً للإمام الخميني الراحل نقصد بالإسلام المحمدي الأصيل يعني الإسلام المتجرد عن الإضافات التي جاءت من قبل الأشخاص وأما بالنسبة للسلفية فنقصد السلفية بالمصطلح المعروف وليس لدي نقاش في هذا المدرسة المعايير الدقيقة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
147

140

المداخلات والتعقيبات

 للمدرسة الإسلامية هذا بحث يطول ولن نختلف على عدد السنوات التي مضت على تأسيس المدرسة الإسلامية وأقصد المدرسة الإسلامية هنا أوضح فقط المدرسة الحديثة وأنا كنت قد وضعت في مداخلتي مصطلح المدرسة الإسلامية الحديثة يعني التي تدرس العلوم الأكاديمية المعاصرة لكن تزاوج بين تدريس هذه الدروس المعاصرة مع - طبعاً - الرؤية الإسلامية هذا ما دعوت له في مداخلتي وأكدت عليه بالنسبة لما تفضل به الأستاذ حسن سلهب مسألة فتح الباب أن إنجاز خاص بالمدرسة الإسلامية أو لا نعم من الناحية العملية هو إنجاز بالمدرسة الإسلامية لأنه أهم ما يساعد على فتح هذا الباب هو تحقيقه عملياً على الأرض وهذا ما حققته المدرسة أيضاً بالنسبة للدور الترميمي نعم أنا أقصد هذا الكلام بالدقة الدور كان ترميمياً وليس انتقائياً وعندي أمثلة كثيرة وبإمكان من يريد أن يطلع على ما قمنا به نحن في مدارسنا من دور ترميمي وبيّنت ما أقصد بالدور الترميمي من الحذف والإتمام والتغيير وما شابه على مستوى المساهمات المنتظرة ذكرت موضوع إدخال القيم في الكفايات وأعتقد بأن تعليق الدكتور هاشم عواضة وضح بعض الشيء هذا الموضوع أنا أقصد في غياب الكتاب المدرسي المؤلّف على وفق المرتكزات والرؤى الإسلامية بإمكاننا اليوم أن نقوم بعملية منفردة وهي أن نأتي لنحدد الكفايات المطلوبة في كل المنهج ولا نعتمد الكتاب أساساً وإنما الكفاية هي الأساس والكتاب عندئذٍ يشكل بعض الوسائل التي يستخدمها المربي لتحقيق تلك الكفايات عندئذٍ ينفتح الباب لإدخال ما نريد من القيم قبل الشروع في مشروع التأليف الذي هو لا شك أنه طويل جداً وشكراً.

 

 

 

 

 

 

 

148


141

المداخلات والتعقيبات

 تعقيب د. عدنان الأمين


بالحقيقة أريد أن أعلق على نقطة واحدة وهذا توجه لست بصدد إقناعي بأن صورة العرب والمسلمين لدى الأمريكيين أو الفرنسيين عنصرية أو صورة سلبية يعني يظهر لنا بصورة سلبية جداً يعني الذين حللوا كتب مدرسية في أميركا يعرفون والنتائج منشورة حتى وفي فرنسا أيضاً صورة العرب والمسلمين صورة سيئة جداً بالمدارس وعند الإسرائيليين أيضاً أنت تختار في المناهج مواجهة الفلسطينيين تختار النصوص العربية التي تظهر العرب بهذا الشكل ولمعلوماتكم الآن هناك لجنة صرّح عنها أبو مازن في لقاء شرم الشيخ عندما كان مع شارون قال سوف نعيد العمل في لجنة كذا هذه اللجنة هي لجنة حالياً تعمل في إسرائيل لتقيم الكتب المدرسية الفلسطينية من زاوية نظر أميركية إسرائيلية وهناك توصيات حول موضوع الهوية ونظر الفلسطينيين لإسرائيل من زواية نظر المقاربة الإسرائيلية هذا موضوع يعني موضوع الهوية موضوع السياسة مفروغ منه ولست أنا بصدد هذه النقطة أنا بصدد نقطة ثانية أنه نحن في بلادنا وفي البلاد القومية بصورة خاصة جرى التركيز خلال عقود من الزمن على الهوية العربية، الهوية العربية بصورة طربية لدرجة أنه فقدنا الجانب الثاني المفقود في كل هذا الموضوع هو تنمية القدرات الفكرية لدى المتعلمين وفي هذا الصدد أنا أخالف الرأي وأختلف مع سماحة الشيخ فيما قاله العلوم الإنسانية أنا أعتبر هذه وجهة نظري هنا أعتبر نقطة الفقر الكبرى هي العلوم الإنسانية والعلوم الإنسانية ليست غربية العلوم الإنسانية هي علوم إسلامية ونحن نعلم في الجامعة علم نفس واقتصاد واجتماع وإلخ...وهذه ملك البشرية وكل يوم يضاف مفهوم المناهج الكفايات إلخ..أنا بالنسبة إليّ أميركا هي عدو سياسي أما مفهوم الكفايات أو مفهوم المناهج أو مفهوم أي مفهوم فأنا أتداول فيه طبقاً لوقائعي وأحلل وأطور مفهوم الإصلاح التربوي المناهج أي من هذه المفاهيم هي باختصار ملكية بشرية شيء جاءنا من الإسلام شيء جاءنا من فرنسا شيء جاءنا من ألمانيا شيء جاءنا من أميركا شيء جاءنا إلخ.. فهذه العلوم الإنسانية حالياً نحن نستخدمها في تحليلنا لوقائعنا المحيطة بنا ونحاول أن نطور وقائعنا على ضوء فهمنا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
149

142

المداخلات والتعقيبات

 لهذا الواقع نحن بحاجة إلى تطوير قوانا الفكرية المتعلقة بالوقائع التي حولنا وهذا غير الدين وهذا غير السياسة هذا موضوع وهذه وجهة نظري وأنا حاولت أن أشرحها وهناك قاموس لعلم الاجتماع وهذا القاموس علم الاجتماع هو غير قاموس علم الاقتصاد وغير قاموس علم النفس أرجو أن تفتحوا القواميس وترو أن هذه القواميس هي مفردات وهذه المفردات نستعملها قد أستعملها أنا قد تستعملها أنت، هذه المفردات ملكية بشرية عندما تدخل في القواميس البعض منها مصطلحات والبعض منها مفاهيم (الشيخ شمس الدين) الآن فيما يتعلق بعلم النفس وعلم الاجتماع والتربية وإلخ.. عندما أريد أن أخذ كتاب في أي حقل من هذه الحقول أجد في آخره مثلاً مصطلحات لا أجد مثلاً لغوي وبالتالي هذه المصطلحات التي وضعها دوركهايم أو وضعها ماركس أو وضعها فرويد أو وضعها فلان هذه المصطلحات إنما وضعت وفق رؤية حضارية تختص بهؤلاء الأشخاص أو وفق رؤية تختص بنا نحن؟

 

 

 

 

 

 

 

150


143

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 
د. طلال عتريسي(*)
 
الحديث عن الغزو الثقافي ليس جديداً. فمنذ بدايات القرن الماضي احتلت هذه القضية موقعاً مهماًُ وحساساً في أذهان مفكري المسلمين وعلمائهم. وكلما كانت معادلة القوة تتجه في غير مصلحتهم كانت الأصوات ترتفع والمخاوف تزداد من الغزو الثقافي الخارجي الذي يرى فيه المسلمون تهديداً لنظام المناعة الأخلاقي والاجتماعي الذي يستندون إليه.
 
منذ بداية احتكاك المسلمين بأوروبا طرحت في أوساطهم الأسئلة حول النظرة الى الغرب والى العلاقة به والتعامل معه. فمنهم من ذهب الى القول بالانغلاق وإقفال الأبواب والنوافذ في وجهه. ومنهم من دعا إلى تقليده كنموذج غالب ومتقدم في كل شيء، في الإدارة وفي الجيش وفي التعليم وفي التنمية والتصنيع.. ومن العلماء والمفكرين من قال بأن علينا أن نأخذ من الغرب إيجابياته العلمية أو التكنولوجية ونترك له سلبياته الفكرية والاخلاقية والسلوكية..
 
أي أن نتبع سياسة الانتقاء... فلا نغلق الأبواب تماماً، ولا نشرعها من دون قيد أو شرط.
 
نشهد اليوم في الموقف من الغرب (العولمة) تقسيماً مشابهاً لاتجاهات القرن التاسع عشر التي أشرنا إليها.
 
وثمة مبررات يقدمها اصحاب كل وجهة. ففي الوقت الذي يقول فيه اصحاب دعوة الانغلاق ان الغرب دار كفر ودار شر لا ينبغي الاقتراب منها..
 
يرى آخرون أن ما نشهده الىوم في عالم الاتصال وثورة المعلومات يجعل التقسيم التقليدي بين الغرب وغير الغرب لا معنى له. كما يجعل الحديث عن الهوية ضرباً من
 
 
 

(*) مدير معهد العلوم الاجتماعية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
151

144

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 الوهم والتقوقع. وبالتالى فلا معنى للحديث عن غزو ثقافي عندما يصبح الغرب جزءاً من حياتنا ولا يمكن الاستغناء عنه ونحن نستخدم منتجاته.. لأن الثقافة هي شأن انساني يتجاوز الحدود والهويات...


هكذا لا زالت منذ قرن إلى إلىوم تتكرر الاتجاهات نفسها من الغرب ومن ثقافته. علماً بأن ما تغير هو اتجاه الحوار والتبادل ورفض الصدام والتصادم مع الغرب الذي أصبح أكثر اتساعاً في أوساط المسلمين.

المهم أن هذا التفاوت في الاتجاهات من الغرب، تأثر بدوره بسياسات هذا الأخير، الذي لم يهمل في مراحل تعاقب هيمنته الاستعمارية من أوروبا الى الولايات المتحدة، الشأن الثقافي وهو يسعى الى السيطرة السياسية والاقتصادية.

وعندما كانت تضطر الدول الاستعمارية الى التراجع والانسحاب كانت تترك في البلد المستعمر ركائز تعليمية ولغوية تتيح استمرار هيمنتها والنزوع نحو ثقافتها مثل ما حصل في تجارب الاستعمار الفرنسي في الجزائر وفي بقية بلدان المغرب العربي، أو مثل ما حصل في افريقيا وفي لبنان.

كان الاستعمار عندما يحتل بلداً من بلدان المسلمين أو من بلدان غيرهم يهتم اهتماماً خاصاً بالتعليم وبالمؤسسات التعليمية. وكان يلجأ في ذلك إلى الوسائل التالية:

- إما أن يؤسس مدارسه الخاصة التي تجذب إليها اوساطاً اجتماعية أو دينية محددة.

- او أن يقوم بتدمير المدارس المحلية أو تهميشها.

- أو يعمل على اختراق المدارس المحلية. عبر تغيير مناهجها، أو عبر فرض أساتذة عليها...

كما كان لكل استعمار خصوصيته وخبرته في هذا المجال. فقد عمل الفرنسيون في لبنان على سبيل المثال وبالتعاون مع البعثات الىسوعية على تاسيس نظام تعليمي متكامل من المراحل الابتدائية الى الجامعة. وأسسوا إلى جانب هذا البناء المتكامل مدارس مهنية ومياتم ومشاغل للفتيات بحيث يبقى الطالب في دائرة اهتمامهم ورعايتهم مهما كان خياره التعليمي أو المهني ومهما كان وضعه الاجتماعي.

أما الانكليز وكنموذج آخر في هذا المجال فقد عملوا على تهميش التعليم المحلي في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
152

145

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 مصر إبان الاحتلال. فقتروا في الانفاق على التعليم، وأوقفوا الكثير من المدارس وألغوا المجانية في المدارس كافة. وعومل الأساتذة الوطنيون معاملة سيئة من النواحي المادية والأدبية. ولم يعدل الانكليز مناهج التعليم الشعبي فتركوه على حاله وعلى ضعفه في مرحلة أولى، ثم وضعوا له مناهج جديدة بعد الحرب العالمية الأولى. 

 
أما التعليم العام فقد غيّر الانكليز مناهجه من أجل نشر الثقافة الانجليزية وإضعاف اللغة العربية، وإعداد الموظفين الذين سيديرون البلاد ويتعاملون مع الاحتلال. وتراجعت حصص اللغة العربية لمصلحة اللغة الانكليزية التي أصبحت لغة أولى...
 
ولا يخفي الفرنسيون في رسائل قناصلهم وسفرائهم التي كتبوها من لبنان إلى وزارة الخارجية في باريس في القرن التاسع عشر "انهم وضعوا هدفين للمنح التي يقدمونها إلى الطلاب. الأول أن يجعلوا اتباعاً لهم من بين العائلات التي تم اختيار أبنائها لهذه المنح. والثاني تحفيز الطلاب ومسؤولي المؤسسات على دراسة اللغة الفرنسية". وأن تعليم الأطفال الذي ترعاه فرنسا هو من بين السبل التي يمكن بواسطتها نشر النفوذ الفرنسي... وإن المنح المقدمة تسعى إلى إعداد قادة انسانيين ومستنيرين في لبنان". لذا يقترح قنصل فرنسا في بيروت Poujade عام 1844 زيادة هذه المنح لتشمل سكان لبنان كافة. 
 
أما الغاية الأولى من تأسيس كلية للطب في بيروت فيقول أحد القناصل في رسالته إلى وزير الشؤون الخارجية عام 1898 "فهي أن تكون مؤسسة دعائية وفكرة سياسية"... يأتـي إليها شبان هذا البلد ليتعلموا فيها العلوم الطبية، ويتمكنوا من دراسة لغتنا، كي ينتشروا في المشرق في ما بعد، على غرار الكثير من أصدقاء نفوذنا وحضارتنا.
 
كان تأسيس المدارس وإعداد المعلمين هو الوسيلة المتاحة في القرن التاسع عشر للدول الاستعمارية من أجل التغلغل ونشر النفوذ وبهذا المعنى كان لهذا الاختراق الثقافي سمتين أساسيتين في التجربة التاريخية الغربية:
 
الاولى: انه كان يقتصر على النخبة من أبناء الشعب الذين يتوجهون إلى مدارس المستعمر أو إلى مدارس الإرسإلىات التبشيرية التي كانت تتلقى الدعم المادي والحماية المعنوية من قوة الاحتلال المباشر أو من حصانته الديبلوماسية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
153

146

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 الثانية: إن هذا الاختراق كان بطيئاً. بسبب طبيعة العملية التعليمية نفسها والتي تحتاج إلى اعوام طويلة لتؤتي أكلها.


ولعل هذا الباب الذي دلف منه المستعمرون إلى المجتمع وإلى اعداد النخب التي سيتعاملون معها في الإدارة وسيحتاجون إليها في المواقع السياسية والعلمية والجامعية، هو الذي دفع شكيب ارسلان إلى الاستنتاج في كتابه "لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟" بأن التعليم هو مفتاح التقدم أو التخلف.

وكلما طال أمر الاستعمار كانت آثاره الثقافية أشد تمكناً.

ففي التجربة الجزائرية على سبيل المثال، التي ظلت تحت الاحتلال نحو مائة عام، تم ضرب البنية اللغوية - الثقافية في هذا البلد لأن أكثر من جيل نشأ وتربى في مدارس اثناء الاحتلال. بحيث دخلت الفرنسية في الكثير من مفرداتها إلى لغة الجزائريين العربية.. وبحيث اصبحت الفرنسية اللغة الأولى للنخب الجزائرية. ما اضطر الجزائر بعد الاستقلال إلى الاستعانة بمدرسين عرب للمدارس والجامعات للتعليم باللغة العربية...

ما الذي تغير بين الأمس واليوم؟

هل توقف الاختراق واستهداف هذه المجتمعات؟ أم أنه لا يزال على حاله في الأهداف والوسائل؟

ثمة ما بقي ثابتاً في هذا الاختراق. وثمة توسع في الاستهداف وفي السبل والطرائق التي باتت أكثر فاعلية وتأثيراً.

الذي تغير أولاً هو قوى الاختراق. كانت فرنسا وبريطانيا. وهي اليوم الولايات المتحدة الأميركية. من دون أن يختفي تماماً دور الدولتين السابقتين. بل انكفأ هذا الدور بانكفاء نفوذهما السياسي في العالم.

الذي تغير أيضاً هو الثورة في وسائل الاتصال وفي الحصول على مصادر المعلومات التي بات من غير الممكن قراءة تحولات أي مجتمع من دون البحث في الأثار التي تركتها على اتجاهات الرأي وتعديل السلوك، وتغيير الأفكار والقيم والمواقف.

وما تغير هو الاستقلال الذي حصلت عليه دول العالم العربي والاسلامي منذ اكثر من نصف قرن وزوال الاحتلال المباشر (باستثناء فلسطين والعودة إليه في العراق).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
154

147

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 وما تغير هو صدور قرارات من الأمم المتحدة تؤكد على أن المحافظة على اللغة وعلى الدين وعلى الثقافة هي حق من حقوق الانسان. وما تغير أيضاً هو انتصار الثورة الاسلامية في إيران وتداعياتها القوية على تعزيز اتجاهات التمسك بالدين وبالهوية وبالاستقلال. وكذلك ما أعقب تفكك الاتحاد السوفياتي من نمو النزعات القومية واللغوية. ثم ظهور الهوية الاوروبية الموحدة..


وإلى هذه المتغيرات الأخيرة يعود السبب في ظاهرة العودة البارزة إلى الدين وإلى الهوية وإلى الاستقلال. هذه الظاهرة التي أصبحت شغل العالم الشاغل منذ الربع الأخير للقرن الماضي إلى اليوم.

ما تغير بالمقابل هو تراجع سيادة الدولة لمصلحة لاعبين أو فاعلين جدد. هم الأمم المتحدة (وحق التدخل الانساني)، والهيئات الدولية المانحة (والشركات الكبرى) والمجتمع المدني. هذا الثلاثي الذي يعمل من خارج سيادة الدولة وتدخلها المباشر له دور كبير في حالات وتجارب كثيرة في الاختراق الثقافي والسياسي الذي تشهده المجتمعات العربية والاسلامية.

- انعكست هذه التغيرات المعرفية والسياسية والاستراتيجية على اهداف الاختراق ووسائله وجمهوره. كان الأمر في السابق محصوراً ببعثات تعليمية تأتي إلى هذا البلد أو ذاك من بلدان العالم الإسلامي. وتحتمي بالسلطة الاستعمارية أو بالسفارات الاجنبية فتقوم بجذب الطلاب إلى مدارسها وتعليمهم لغتها واعداد النخب التي ستحمل افكارها وثقافتها. اي أن وتيرة الاختراق كانت بطيئة، وتحتاج الى سنوات لتحقق اهدافها لكنها كانت شديدة التركيز. وما تغير هنا هو اتساع جمهور المستهدفين من دون التخلي عن اختراق النخبة أو "النواة". فبسبب تطور تقنيات الاتصال، لم تعد "الثقافة" المرسلة حكراً على مجموعة معينة منتقاة من المجتمع بل أصبحت موجهة إلى الجميع، إلى النساء والرجال، إلى الصغار والكبار، وعلى امتداد ساعات اليوم كلها. (يمكن التاْمل في محتوى هذه الثقافة، والتساؤل عن حدود عدائها المباشر أوغير المباشر للاسلام، أو للدين عموماً. أو عن ترويجها للاستهلاك وعدم الانتماء..)

- لم يعد الاختراق، أو الغزو، حكراً على بلدان العالم الاسلامي أو خاصاً بها. فما
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
155

148

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 تبثه وسائل الإعلام، وقنواتها الفضائية وما تصنعه السينما، يشاهده العالم كله (وليس المسلمين فقط) في وقت واحد. وشكوى الغزو وصلت إلى فرنسا التي رفعت الصوت ضد ما سمته "الغزو الثقافي الأميركي". على الرغم من التفاوت في حجم التهديد الثقافي وطبيعة ما يراه المسلم وما يراه الفرنسي في الفيلم نفسه أو في الإعلان نفسه.


يذكر سرج لاتوش أحد أبرز الكتاب الفرنسيين المناهضين للعولمة في كتاب له صدر عام 1989 بعنوان "تغريب العالم"، كيف أكد له صديق جزائري كان يتجول معه عام 1985 في الجزائر قائلاً "انظر الشوارع خالية، أنه وقت عرض دالاس"...

يقول لاتوش، عندما رويت هذه الحكاية لطلبة أفارقة أكدوا لي بكل هدوء، الأمر سيان هنا.

- إن مقولة صدام الحضارات (أو الثقافات) كما شاءها البعض أيقظت الاهتمام مجدداً بهذه القضية لدى النخب فقط. وانحصر النقاش والردود على الاطروحة، والدعوات إلى التعايش والحوار في أوساط هذه النخب دون سواها.

لكن ما بعد الحادي عشر من أيلول، والمواقف الأميركية من الإسلام والمسلمين والدعوات الأميركية إلى تغيير البرامج التعليمية في العراق، ووجود مستشارة تربوية للتحالف في العراق، وكذلك الضغوط لتغيير مناهج التعليم الديني في أكثر من بلد من البلدان الاسلامية، أو إعادة تأهيل ائمة المساجد (لمنع الارهاب من النمو).. نقل ذلك كله القلق الثقافي من دوائر النخب الضيقة إلى جمهور المسلمين الأوسع.

ما أريد أن أشدد عليه في ختام هذه الملاحظات حول التغيرات التي حصلت بين الأمس واليوم في أهداف الاختراق الثقافي ووسائله. هو الدور الذي يقوم به ما سميناه "اللاعبون الجدد" على حساب سيادة الدولة. أي الأمم المتحدة والهيئات الدولية المانحة (بعضها جزء من الأمم المتحدة) والمجتمع المدني. هذه الهيئات تعمل كثلاثي متكافل ومتضامن. 

وعندما نقول المجتمع المدني فهو تلك الهيئات والجمعيات التي نبتت كالفطر منذ سنوات في اكثر من بلد من بلدان العالم العربي والاسلامي وفي أوروبا الشرقية السابقة مثل جمعيات الدفاع عن المرأة وحقوق الإنسان، والمواطنة، ومناهضة العنف،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
156

149

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 ومراقبة الانتخابات ونشر الديموقراطية، والتربية على التسامح ونبذ العنف.. وغيرها الكثير.. معظم هذه الجمعيات، ولن نقول كلها، يتلقى تمويلاً من الخارج.


ممن؟

من هيئات دولية حكومية وغير حكومية بعضها تابع للأمم المتحدة، وبعضها للإتحاد الأوروبي، وبعضها جمعيات أميركية للتنمية أو للمحافظة على البيئة.. وحتى من البنك الدولي..

ماذا تفعل تلك الجمعيات بالدعم الذي تتلقاه، والتي لا تستطيع أن تعمل من دونه؟ تنفق قسماً كبيراً من هذا الدعم على عقد الندوات والمؤتمرات حول قضايا محددة.

من يحدد هذه القضايا وأولويتها وأهميتها؟

الذي يحدد هذه القضايا هي الجهة المانحة. أي أن الجهة المانحة تنفق المال لعقد ندوات تجذب إليها الباحثين والمثقفين أو تكلف هؤلاء بأبحاث وفقاً لتصوراتها هي عن مشاكل مجتمعاتنا وعن كيفية تغييرها نحو الأفضل من منظورها. فعندما يهتم أحد الباحثين أو احد مراكز الابحاث بموضوع الأقليات في العالم الاسلامي، فلأن الجهة المانحة او الممولة، تريد تسليط الضوء على هذه القضية ربما اكثر من قضية الاحتلال أو الفقر على سبيل المثال وعندما تريد الجهة الدولية المانحة ان تجعل من العنف عموماً أو من العنف ضد المرأة خصوصاً مشكلة أساسية لأنها تراها كذلك في بلادنا، وترى ضرورة مواجهتها أو تغييرها فإن هيئات المجتمع المدني ستسارع إلى تبني هذه القضية وإلى الدفاع عنها. وسنشهد عشرات الأبحاث الممولة التي ستكشف فجأة أن العنف هو خاصية شرقية أو اسلامية أو هو نتيجة للتخلف أو للاستبداد او للسلطة الابوية...

ان عنصر الجذب والتمايز في هذه العملية التي سبقت الاشارة إليها هو المعادلة التالية: التمويل - والعمل مع جهة دولية أو أوروبية - والموضوع الذي يدافع عنه. وهو موضوع "جريء" ويتجاوز قضايا التخلف التي "لا يجرؤ أحد على التعرض إليهاً. (مثل العنف ضد المرأة، أو حل النزاعات بطرق بناءة...)

الاختراق على هذا المستوى لا ينحصر بتبني الموضوعات التي تريد الجهة المانحة توجيه الاهتمام إليها، وإهمال موضوعات اخرى قد تكون أكثر إلحاحاً وأهمية من وجهة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
157

150

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 نظر مجتمعاتنا. بل تكمن الخطورة أيضاً في النتائج التي يفترض أن تتوصل إليها تلك الندوات والمؤتمرات، والتي لا ينبغي لها أن تتعارض مع توجهات الجهة المانحة ورؤيتها السياسية أو الاجتماعية او الثقافية لقضية المرأة، أو لقضية العائلة، أو للعنف، أو للنظرة إلى الآخر، أو للتسامح وللدين.. وغير ذلك.


هكذا تحولت كثير من الجمعيات والهيئات إلى واجهات تعرض ما يطلبه "السوق". أي البضائع التي تحقق الربح المباشر.

يشير كتاب "أياد مرئية" الذي صدر عن الاسكوا عام 2002 إلى تمويل المنظمات غير الحكومية قائلاً: "إن علة التمويل فرضت على هذه المنظمات إنجاز برامج اجتماعية بغية الحصول على أرصدة مالية..

وينتقد الكتاب "تبعية هذه المنظمات للمانحين الاجانب وميلها إلى تنفيذ سياساتهم". ويأخذ عليها "التنافس في ما بينها وفي داخلها بحثاً عن الربح والتمويل تحت ستار القضايا الانسانية والتنموية.. أو بحثاً عن وسيلة تتيح بلوغ منصب اعلى..".

وتنتقد سيلفي برونيل التي أمضت سبعة عشر عاماً في العمل الانساني وكانت مسؤولة عن الابحاث في منظمة "أطباء بلا حدود" هذه المنظمات التي "تحولت إلى مؤسسات تجارية تعمل على خدمة مصالحها... والتي تطالب الجميع بالشفافية وتقضي وقتها في إعطاء الدروس للآخرين، وهي بعيدة تماماً عن تطبيق ما تعلمته".

وتضيف برونيل: "هذه البنى أنتجت أصحاب امتيازات لا يتميزون بأي بعد إنساني..." وأن لديها انطباعاً قوياً بأن معايير إطلاق المهمات ليس فائدتها بالنسبة إلى الشعوب، بل استمرار مقدمي الأموال في تحويلها إلى هذه المنظمات.." (النهار 8/5/2002).

هذا التسويق الذي تقوم به تلك المنظمات وصل الى المناهج والبرامج التعليمية الثانوية والجامعية، لتكييفها مع ما يريده السوق. أي مع ما تطلبه "الدول المانحة"، وما تتوقع أن تراه معروضاً. والأمر هنا لا يتعلق بعزم الادارة الاميركية على تغيير النظام التعليمي في العراق، أو بممارسة الضغوط لاحداث مثل هذا التغيير في المملكة السعودية أو في باكستان أو في بلدان اسلامية أخرى.. بل في قدرة بعض شبكات
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
158

151

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

  

المصالح من داخل تلك البلدان من مثقفين وباحثين وما لهم من علاقات مع الهيئات الدولية على تمويل بعض برامج ومناهج التعليم بما ينسجم مع رؤية تلك الهيئات وحاجاتها. (من الذي أدخل على سبيل المثال مفهوم "المجتمع المدني" والمشاركة فيه إلى كتب التنشئة المدنية والتربية الوطنية في المدرسة الرسمية في لبنان؟ بغض النظر عن الموقف من المفهوم نفسه).

أو من كتب عن التقدم والتخلف، وربط التخلف بالدين والتقدم بغيره في كتب علم الاجتماع في المرحلة الثانوية في مدارس لبنان.

ان ما يجري على هذا الصعيد هو تدخل مباشر للهيئات الدولية التي تقدم الدعم المادي من خلال مجموعات من شبكة المصالح، وهيئات المجتمع المدني، لتغيير مناهج التعليم وبرامجه، وللترويج لقيم وأفكار محددة، تنسجم مع رؤية تلك الهيئات.. ومع توجهاتها الثقافية والاجتماعية والاخلاقية. أي لإعداد جيل من الناشئة على قيم جديدة مصدرها مجتمع آخر غير المجتمع الذي تنتمي إليه.

وما جرى في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في الاردن في نهاية شهر حزيران عام 2003 يؤكد ما ذهبنا إليه حول تلك التوجهات الثقافية والاجتماعية. فقد تناولت المحادثات الى جانب الوضعين الاقتصادي والتجاري هموم الشباب والتربية. وتوقف المجتمعون كثيراً عند ضرورة وضع خطة لتحويل المجتمع الشرق أوسطي من مجتمع حرب الى مجتمع سلام.

وانعقدت ندوات حول كيفية خلق ثقافة سلام بدءاً بالمدارس مروراً بالمناهج التربوية والتعلمية وصولاً الى مشاريع التبادل والاندماج على مستوى الشباب والتلاميذ "(النهار 26/6/2003 ص12).

ومن المؤكد ان تحويل المجتمع الشرق أوسطي الى مجتمع سلام وايجاد الثقافة المناسبة لذلك السلام. والتحضير للتبادل والاندماج، سوف يوكل أمره الى هيئات المجتمع المدني. التي ستكون جاهزة لما يطلب منها. في مقابل ما سيدفع لها...

المهم، ان الحديث يطول عن هذا النمط من الاختراق الثقافي من خلال جمعيات وهيئات ونوادٍ مدنية، ومن خلال بعض مراكز الدراسات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
159

152

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

 إن ما تغير في قضية الغزو - أو الاختراق هو في مقدرته على التوسع - وفي تعدد مستوياته. وما سبق وأشرنا إليه هو نموذج او نمط جديد من أنماط الاختراق غير المباشر التي ازدهرت قبل أكثر من عقد في بلداننا العربية والاسلامية.


أما النماذج الأخرى مثل وسائل الإعلام و السينما ومدارس التبشير وإرساليات التعليم، فقد كتب الكثير عما تقوم به وهي من "ثوابت" الاختراق، ولا حاجة بنا للتفصيل فيها.

- بسبب وعكة صحية ألمت به اعتذر سماحة العلامة السيد محمد حسن الأمين عن الحضور وإلقاء كلمته.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
160
 

153

الدور السياسي في التحصين التربوي

 الدور السياسي في التحصين التربوي

 
النائب الحاج محمد رعد(*)
 
قبل الدخول في البحث لا بد من الإشارة إلى أن التحصين التربوي الذي نرمي إليه هو ما يستلزمه الحفاظ على شخصية أمتنا الحضارية بدءاً من هويتها الثقافية ونمط سلوكها وآليات وحدود تفاعلها مع الآخرين ومع العالم المحيط بكل مجالاته ومفرداته وصولاً إلى أهدافها في الحياة والأدوار التي تقوم بها في كل مرحلة من مراحل تطورها ونموها.
 
كما لا بد من الإشارة إلى عمق التداخل والتأثير المتبادل بين الدور السياسي للمجتمع أو الأمة وبين نوعية التربية السائدة فيهما وبين أفرادهما، إذ أن الدور والموقع السياسي لأي مجتمع يستند فيما يستند إليه إلى رزمة من المفاهيم والمشاعر وأنماط السلوك التي تشكل بيئة تربوية وتصوغ مناخاً حضارياً تنطلق منه السياسات والمواقف إزاء التطورات والأحداث وترسم في ضوئه العلاقات مع الآخرين.
 
كذلك فإن التربية تزهو وتزداد رسوخاً في المجتمع وبنية الدولة وتأثيراً إيجابياً في محيطهما كلما بدا الحضور السياسي للمجتمع والدولة حضوراً مسؤولاً وعادلاً وحراً ومتناسقاً وقوياً.
 
ومما لا شك فيه أن الثقافة والمنهجية اللتين يتربى عليهما المجتمع تسهمان في تحديد نوعية الأهداف السياسية وسلم أولوياتها وطريقة الوصول إليها.
 
فالثقافة العنصرية المقفلة لا تدفع المجتمع إلا إلى الارتكاس في العزلة والعدائية وعقدة التفوق الموهوم.
 
فيما التربية المرتكزة إلى ثقافة منهجية ومنفتحة استدلالية وإنسانية في أن تدفع بالمجتمع إلى مدارج الرقي والتقدم وتسهم في تحقيق التماسك بين أبنائه والاعتراف المتبادل ببعضهم والتفاعل الإيجابي فيما بينهم والمشاركة مع المجتمعات الأخرى في إغناء التجارب لما فيه خير البشرية ومصلحتها.
 
 
 

(*) رئيس كتلة الوفاء للمقاومة.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
161

154

الدور السياسي في التحصين التربوي

 في حين أن التربية المستندة إلى منهجية انتقائية تسوق المجتمع وفق سياسات يصنعها أصحاب المنافع والمكاسب الخاصة وذوو النفوذ في أوساط الرأي العام وعامة الجمهور.


والملاحظ أن الاتجاهات الثقافية في أي مجتمع، كلما نحت باتجاه العزلة والانغلاق كلما زادت المشاكل والأزمات وتفاقمت إلى حد يصبح العدوان على الآخرين هو السبيل لتمويه المأزق وليس لإيجاد حل له.

في حين أن الثقافة البراجماتية النفعية تؤدي إلى سلب إرادة المجتمع رغم كل مظاهر وآليات الديمقراطية المعتمدة، والتي تفرّغ من مضمونها حين يوظف المال والإعلام والنفوذ لتحقيق أرجحية في أي منافسة انتخابية تمثيلية.

بينما نجد أن انفتاح أي مجتمع بمنهجية واعية على الثقافات المختلفة يؤدي إلى حسن الاستفادة من جهة وتوسعة الآفاق من جهة أخرى والدفع باتجاه حوار متواصل هادف إلى تلافي الوقوع في الأسن والركود والتحجر الفكري إلى تنمية الخبرات وتعميمها من جهة ثالثة.

وحتى لا يطيح الانفتاح بمعالم الشخصية الثقافية المميزة للفرد أو المجتمع، فيصبحا بلا لون ولا شكل ولا رائحة، من البديهي أن تكون هناك أصول وقواعد وضوابط منهجية تتيح القدرة على التفاعل دون أن تتفلت من المرتكزات.

وفي قناعتنا أن الإسلام بما هو دين إلهي لهداية البشر، يتميز في قدرته الفائقة على صناعة الفرد والمجتمع صناعة نموذجية تؤهلهما لقيادة العالم من أجل اعمار الكون واستثمار النعم الإلهية المودعة فيه، وتحقيق مستوى عال من العدالة وحفظ كرامة الإنسان ورعاية حقوقه وتطوير قدراته ودفع الظلم والقهر عنه وتحصينه من الداخل حتى تبقى النزعة الإنسانية المتوازنة تشكل خلفية إبداعه وحركته باتجاه الكون والإنسان والحياة.

لم يكٌ أمراً مستهجناً أن يكتشف الأمريكيون مدى قدرة الإسلام على تحريك المسلمين لمواجهة قوى البغي والعدوان، فقبل المقاومة الإسلامية في لبنان والروح الجهادية التي أنعشتها ضد الاحتلال الصهيوني وتمكنت بفعلها من الانتصار واستطاعت بفضلها دحر الغزاة رغم ضخامة إمكاناتهم وحجم الدعم الأميركي لهم،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
162

155

الدور السياسي في التحصين التربوي

 فقد أدهشت الثورة الإسلامية المباركة في إيران دوائر الاستخبارات ومراكز التحقيقات العسكرية الأمريكية لما سطرته من ملاحم الصمود والتضحية والبطولة إبان انتصارها وأثناء تصديها فيما بعد للحرب العدوانية العراقية المفروضة عليها، رغم الدعم الدولي الواسع وغير المحدود للنظام الاستبدادي في بغداد، كما عمل الأمريكيون طوال فترة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان على توفير كل الدعم من مال وسلاح لا بل حتى البرامج التعبوية الإسلامية لتوظيف مفهوم الجهاد ضد خصومهم في الحرب الباردة، ومما يذكر في هذا المجال أن الأمريكيين جمعوا خيرة الناطقين بلغات الباشتو والفارسية والأوردية ليكتبوا آنذاك مناهج الجهاد الإسلامي في أروقة جامعات أمريكية كي تتم طباعتها في المدن الباكستانية وتوزع على العديد من المدارس الدينية هناك، وفي تلك الكتب كانت تعلم مبادىء الحساب للطلبة عبر تعداد جثث روسية ميتة وقطع رشاشات الكلاشينكوف من الغنائم، ولفترة تزيد على عشر سنوات كانت جامعة نبراسكا في ولاية أوكلاهوما مصدراً للكتب التي تحض على الجهاد.


وبحسب وثائق الخارجية الأميركية دفع مكتب إسلام أباد التابع لصندوق الإنماء الاقتصادي الأمريكي (USAID) إلى جامعة نبراسكا مبلغاً قدره واحد وخمسون مليون دولاراً من أجل إعداد وتصميم تلك الكتب.

وفي سياق المخطط الأميركي لمحاصرة السوفيات من أجل منع تغلغلهم في الشرق الأوسط أطلق زبيغينو بريزنسكي أيام الرئيس جيمي كارتر مبدأ توظيف الشعور الديني لمناكفة السوفيات والتحريض على قتال الملحدين.

وبعد انسحاب السوفيات مهزومين من أفغانستان أصبح ذلك الشعور الديني المتنامي بفعل التحريض بعيداً عن الوعي عصيّاً على الضبط ومبعث خطر يتهدد الأميركيين أنفسهم الذين أفرطوا في إساءة استخدام الدين والتوجيه الانتقائي لمفاهيمه وساهموا بذلك في خلق صورة مشوهة وفظة ومتحجرة انطبعت في أذهان الرأي العام عن الدين والمتدينين ساعد في ذلك النزعة السلفية القاصرة عن فهم الإسلام وأبعاد مفاهيمه وأحكامه وقدرته على مواكبة تطورات العصر الحديث باجتهادات تعالج المتغيرات والمستجدات استناداً إلى قراءة متجددة أو فهم مبدع للنص الإسلامي الثابت والأصيل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
163

156

الدور السياسي في التحصين التربوي

 إن أحد أكثر الأهداف إلحاحاً لدى الأمريكيين في المنطقة العربية اليوم بعد السيطرة على منابع الثروة النفطية هو إقصاء أي مضمون أو روح أو مفردة إسلامية عن مناهج التربية والتعليم في بلدان هذه المنطقة واستبدالها بمناهج كاملة التغريب لا يتسلل إليها أي فهم حقيقي للإسلام، وأي مضمون يشتم منه رائحة التباين مع المنهج المفروض خصيصاً لتوجيه التربية والتعليم في العالم العربي بما يخدم التبعية والمنهجية والسلوكية للرؤية الأميركية ومصالحها.


وما نشهده اليوم من موجة تطوير تربوي كما يقال في العديد من البلدان العربية ليس إلا الاستجابة بإذعان لاملاءات الإدارة الأميركية.

وإزاء ذلك يبدو أن مواجهة هذه الهجمة المسعورة والمكشوفة تستدعي من الإسلاميين تحصيناً تربوياً متيناً يقوم على أمور أهمها:

الأول: حفظ النص الإسلامي الأصيل والثابت، والتأكيد على وجوب تمكين كل المسلمين من تداوله وبكثافة واستمرار.

الثاني: تعزيز موقع الحوزات الدينية وإيلاء مناهج التدريس فيها العناية الفائقة.

الثالث: تظهير نماذج إسلامية رائدة في فهمها الشرعي وثقافتها الواسعة، وتتمتع بمنهجية استدلال وأسلوب حوار يمكنها من فرض احترام وجهة نظر الإسلاميين من قبل الآخرين.

الرابع: تكثيف الاهتمام بالمساجد واستعادة دورها العبادي والتبليغي والتعبوي والاجتماعي.

الخامس: تطوير المدارس الإسلامية وخلق الحوافز لتكريس تفوقها وتميز خريجيها.

وعلى الصعيد السياسي، فإن مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية تبدو أكثر ضرورة من أي وقت مضى.

فالمشاركة حالة ينبغي الاستفادة منها لتقدير الأوضاع السياسية وظروف الفرقاء عن كثب، وتشخيص وتحديد المصالح والعوائق ونسج العلاقات والتحالفات وفق ما يخدم الأهداف والأولويات، والمضي تحت مظلة المشاركة لتحقيق البرنامج التربوي المعتمد من الإسلاميين سواء في عملية بناء الشخصية أو في بناء المؤسسات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
164

157

الدور السياسي في التحصين التربوي

 كما يبدو أن الإسلاميين معنيون أكثر من أي وقت مضى بتأكيد ثقتهم بثقافتهم الدينية وإظهار قدرتها على الاعتراف بالآخر والتعايش معه على قاعدة التمسك بالحق في محاورته.


والسياسيون مسؤولون أيضاً عن تطوير خطابهم السياسي والثقافي بحيث يستطيعون اقتحام كل المنابر والمنتديات والكشف عن مخاطر السياسات الأميركية والسعي بكل الوسائل لتلافي انعكاساتها السلبية.

وختاماً.. إن مساحة الحرية في كل بلد ينبغي أن نصونها ونعمل بكل جد وتعاون مع أصحاب المصلحة لتوسعتها. وإن مواصلة بناء القوة وتعزيز قدرات الممانعة والمقاومة من أولى الواجبات لا سيما في لبنان أو في فلسطين.

كما أن الاستفادة من وسائل الإعلام وخصوصاً المرئي والمسموع وتحسين أدائهما وبرامجهما هو أمر في غاية الأهمية.

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
165

158

النقاشات والتعقيبات

 النقاشات والتعقيبات

 
مداخلة النائب د. إبراهيم بيان1
 
الحديث عن التحصين التربوي وعن الدور السياسي في التحصين التربوي يطرح العديد من الأسئلة:
 
1- أي وطن نريد؟
2- أي مواطن نريد؟
3- أي دور نريد لنا في المنطقة والعالم؟
4- هل نحن متفقون مثلاً على هوية المواطن الذي نريد وعلى الدور الذي نتوق إليه؟
 
- "لبنان عربي الهوية والانتماء" كما جاء في الدستور بعد اتفاق الطائف - الغاء مرسوم اللغة العربية، هل هناك قناعة راسخة وعامة وشاملة بهذا المبدأ.
 
- "لبنان وطن نهائي لكل أبنائه" كما جاء في الدسترو أيضاً.
 
وما موقف القوميين والسوريين والإسلاميين من هذا المبدأ إذا تمكنا من معرفة هوية الوطن الذي نريد والدور الذي نرسمه له أمكننا بسهولة أن نرسم:
 
1- أي تربية نريد؟
2- أي طالب نريد؟
3- أي مؤسسات تربوية نريد؟
4- أي مناهج تربوية نريد؟
 
نطرح هذه الأسئلة لأنه لحد اليوم لم ننته من كتابة كتاب "التاريخ" فقط لم نجب على الأسئلة التي طرحت ولم نضع صيغة نهائية لكتاب التربية الوطنية.
 
وإلى أن نجد جواباً على هذه الأسئلة أقول: للسياسة التربوية دور موجه وفعَّال، سياسة الفاعل، المحرك، الموجه، المراقب، المختبر، المعدل حسب الظروف، المطور دائماً.
 
الذي يؤمن بأن التريبة هي إحدى العلوم الإنسانية المتطورة دائماً، والمرتبطة.
 
- بالتطورات الكونية العلمية والفنية والأدبية والثقافية والاجتماعية وغيرهما.
 
 
 

1- عضو كتلة الوفاء للمقاومة.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
167

159

النقاشات والتعقيبات

 من هنا اقترحنا استحداث: مجلس أعلى للتربية في لبنان ينظم ويشرف ويبرمج السياسة التربوية في لبنان: التغيرات الحاصلة: تربية وطنية وفنون جميلة - تربية وطنية وتعليم عالي تربية وطنية ثقافية - تربية الشباب والرياضة.


السياسة التربوية يجب أن تكون هادفة: تعنى بالإنسان في لبنان.

من الطفولة مروراً بكل مراحل التعليم الأساسي: الثانوي الجامعي، المهني والتقني:

تربية تعنى بالشباب.

تربية تعنى بالثقافة.

تربية تعنى بفرص العمل - بأوقات فراغ الشباب تربية تعنى علاقة المدرسة بسوق العمل المحلي والاقليمي والدولي أيضاً.

وكل ذلك بحاجة لقرار وتوجيه سياسي:

- العدالة بالحصول على تربية متساوية من على مقاعد الدولة.
- بحاجة لقرار سياسي.
- العدالة بالحصول على مدير لائق.
- العدالة.
- تكافؤ الفرص - المساواة - في.
- المستوى العلمي والتربوي.

كي نحصن التربية وبالتالي نحصن التعلم:

1- من على مقاعد الدولة نبدأ:

- مفاهيم واحدة.
- أهداف واحدة.
- مدرسة لائقة وفي كافة المناطق ولكافة اللبنانيين.
- ربط الجامعات والمعاهد والهيئات بفرص العمل.
- توجيه مهني ناجح وواضح.

2- التحصين الأخلاقي ضد:

- وسائل الإعلام الماجنة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
168

160

النقاشات والتعقيبات

 - موجة الانقضاض على تقاليدنا وعاداتنا وأخلاقنا - وديننا بل من أدبياتنا.

- التحصين ضد الترويج: شذوذ - والعنف والزنا - والقتل - الخ.

3- التحصين الروحي من خلال أمرين:

لا يجوز أن نربي في مدارسنا ومعاهدنا على أسس أننا مختلفون - متناقضون.
- الأمور الخلافية بين الأديان.
- الأمور الخلافية بين المذاهب.
يجب أن تبقى خارج المدرسة وبعيدة عن التربية والتعليم.

لبنان كان وما زال مجموعة متدصعة وأحياناً متداخلة من كانتونات فكرية وثقافية وتربوية واجتماعية. وصدمة بسيطة تهز هذا الكيان ولا يمكن أن نعيد للبنان صلابته إلا بالتربية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
169

161

النقاشات والتعقيبات

 مداخلة د. حسن البنّا عبد المنعم


السلام عليكم جميعاً

أرجو من الأخوة الحضور مراجعة البرنامج لأن البرنامج القائم يمكن اختزاله في محورين اثنين فقط لا غير وكان من المفترض نكون قد انتهينا منه.

لكن غاب عن المؤتمر نقطة خطرة ومن رأيي أنها نقطة اختصاصية وفنية وهي الأزمة الموجودة التي نعاني منها الآن على مستوى العالم الإسلامي سواء كنّا علماء أو أساتذة أو مفكرين أو نخب هي الأزمة أزمة فنية في المقام الأول وبالرغم من وجود أساتذة من كليات التربية وعلم الاجتماع وعلم النفس يتواجدون بيننا الآن إلا أننا لم نلامس إلى الآن بعد نهاية الجلسة الثالثة لم نلامس عنوان المؤتمر عنوان المؤتمر يتعلق بمؤتمر المناهج التربوية في العالم الإسلامي المناهج هنا خلط من الصباح إلى الآن هناك خلط بين المنهج والمنهجية بالمعنى الفني والاصطلاحي والتقاني بعمليات التربية وهناك خلط آخر أكثر منه خلطاً وهو الخلط بين المواد الدراسية والمعني به الكتب والكورات والملزمات والمقررات والخلط الآخر المناهج العلمية فالمناهج العلمية لها أنواع عديدة ولها بناء خاص بناء المناهج على المستوى الخاص لم ننجزه بعد في العالم الإسلامي لا على المستوى الفلسفي ولا على المستوى المعتقدي ولا على المستوى الأخلاقي ولا على المستوى العلمي ولا على المستوى النظمي بدليل أن الأنظمة في عالمنا العربي والعالم الإسلامي لا علاقة لها بمعتقدات المسلمين ولا حتى بالمعتقدات الدينية في المنطقة لأنها أصلاً أنظمة علمانية في المقام الأول فنحن حينما نتكلم عن المناهج في العالم الإسلامي لا بد أن نحدد أن المناهج في العالم تنقسم إلى قسمين مناهج غربية ومناهج نقول عنها إسلامية يعني تجاوزاً أو اعتبارياً نقول عنها إسلامية ولكن المناهج الإسلامية ما هي إلا مناهج انتقائية في الأغلب الأعم والدكاترة الموجودين هنا في كلية التربية يعلمون ذلك مناهج انتقائية أي أن السلطة الموجودة في الحوزة أو في المدرسة تقوم بانتقاء كتاب من قرونٍ سابقة ويتم تدريسه كما هو كمادة الخام كيف أن المنهج له بناء خاص وله أنواع عديدة المنهج هناك المنهج الحلزوني والمنهج العلمي والمنهج النظري والمنهج التحليلي والمنهج التركيبي والمنهج التاريخي والمنهج المعلوماتي والمنهج

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
170

162

النقاشات والتعقيبات

 الإستبطاني الذاتي والمنهج الاستبدالي العقلي ومنهج البحث في العلوم الإنسانية ومنهج الإستقراء التجريبي.


وأخيراً المناهج البلوتيكنوكية كل منهج من هذه المناهج له طرق خاصة فمثلاً التعليم التقليدي الذي يقوم في الحوزات والمؤسسات الدينية والأزهرية يقوم على المحاضرة طريقة المحاضرة ومناهج أخرى منها طريقة المناقشة وطريقة المشكلات وطريقة التعيينات وطريقة الوحدات وطريقة الرحلات فللأسف الشديد المؤتمر كان ينقصه مجموعة من التقنيين المتخصصين في مناقشة المناهج وإبراز جدوائية هذه المناهج لعالمنا الإسلامي من عدم جدوى هذه النقطة الأولى.

النقطة الثانية بالنسبة لموضوع محاضرة الدكتور طلال عتريسي المحاضرة تقول مرتكزات الغزو الثقافي طبعاً مصطلح الغزو الثقافي والتغريب الغزو الثقافي لا يرافق إلا الحملات العسكرية أما عملية التغريب من الممكن أن تكون عبر الإعلام وعبر وسائط الاتصال الموجودة لكن ما لفت انتباهي العنوان "مرتكزات الغزو الثقافي بين الثوابت والمتغيرات" الدكتور تعرض للمتغيرات إلا أنه لم يتعرض للثوابت مع أن لبنان لا تزال خارجة من ثابت خطير جداً وقع تحت تأثيره إلى الآن رغم الاستقلال لأن الاستقلال في عالمنا العربي هو نشيد وعَلَم لكن بالنسبة للثابت الفرنكوفونية أساساً خمسة عشر خبيراً فرنسياً قاموا برسم المناهج اللبنانية برسم التسجيل وأعرف منهم بعض الخبراء بالنسبة لموضوع المتغيرات التي دخلت على المنطقة ثلاث متغيرات كل متغير كان يحتاج إلى فصل كامل.

فمثلاً الثقافة الأنجلوساكسونية في بريطانيا قامت بالتركيز على الأنظمة على المؤسسات الحاكمة.

أما بالنسبة لفرنسا فركزت على الأطر الثقافية والفكرية للأمة فرنست اللغة وفرنست الثقافة الموجودة لدرجة أن إنكلترا (كان نيكلسون) يدرس في جامعة القاهرة كتاب الحلاف وكتاب التصوف للغزالي في عهد كنا نحتاج فيه للثورة لكن الأزمة أين؟ التي غابت عن المؤتمر الأزمة هي وجود تيارين في عالمنا العربي والإسلامي تيار ديني وتيار علماني التيار الديني انصرف عن مناقشة الواقع عن مناقشة المناهج الموجودة عن
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
171

163

النقاشات والتعقيبات

 مناقشة الأنظمة وذهب به الإنغماس في البعد التاريخي لماضي الأنا وعندما نأتي ونسأله لماذا ذهبت للماضي يقول لأن الواقع غير إسلامي والتيار الآخر الأشد منه تكلفاً هو التيارات العلمانية ذهبت إلى واقعٍ آخر وحينما نسألها لماذا ذهبت إلى واقع الآخر؟ يقولون لأن الإسلام غير واقعي هذا يقول الواقع غير إسلامي والثاني يقول الإسلام غير واقعي وضاع الواقع بين التيارين.

 

 

 

 

 

 

 

172


164

النقاشات والتعقيبات

 مداخلة الأستاذ محمد علي مهتدي1

 
أشكر بدوري الباحثين الكريمين على ورقتيهما القيمتين ثم لديّ بعض الملاحظات على ورقة الأخ الدكتور طلال عتريسي 
 
الملاحظة الأولى: بالنسبة لمصطلح المجتمع المدني حتى لا ننزلق إلى الفكرة التعميمية لا أعتقد أن استخدام كلمة المجتمع المدني بما يقصده الدكتور طلال هنا يعني المكان لأن المجتمع المدني مسألة قديمة وطويلة وعريضة وبكل المجتمعات سواء كانت إسلاميةً أو غير إسلامية نحن بحاجة إلى مؤسسات مجتمع مدني للدفاع عن حقوق المواطن... حق المواطن أمام تعسف السلطة المفترض أو الديكتاتورية المفترضة لأي سلطة فهنا يدخل الأحزاب الصحافة الإعلام الجمعيات الخيرية النقابات الرابطات والإتحادات كلها داخل المجتمع المدني لا أعتقد أن بهذا المعنى استخدام المجتمع المدني يستوفي غرض الباحث عما يريد أن يقوله بالنسبة للغزو الثقافي أو المرتكزات التي تستخدمها الاستعمار داخل المجتمعات، ثم حتى بالنسبة للهيئات الدولية يعني نحن حتى مثلاً الرئيس خاتمي نادى بمجتمع مدني دولي لمنع ديكتاتورية قوة مسلطة على الصعيد الدولي على الدول الأخرى طبعاً هنا يأتي دور المؤسسات الدولية غير الحكومية ولا يمكن أن نحكم على كل هذه المؤسسات كما حكم الدكتور طلال بالتالي أنا أعطيكم مثالاً واحداً فقط مؤتمر دوربان والدور المهم الذي لَعِبَتْهُ بمؤتمر دوربان بالنسبة لعنصرية وإثبات عنصرية إسرائيل الدور الذي لعبته هذه المؤسسات غير الحكومية بالمئات أو بالآلاف فكيف يمكن أن نتصور أن هذه الهيئات الدولية هي تحت تأثير أميركا ونحن نرى كيف هذه المؤسسات تعمل وتشتغل ضد المفاهيم التي تريد أميركا تعميمها وبإثبات موضوع عنصرية إسرائيل فربما الملاحظة ملاحظة موضوع المصطلحات يعني ربما كان يمكن أن نستخدم مصطلحات أخرى غير هذه المصطلحات أو نضيق مجال مفهوم المصطلح وشكراً.
 
 
 

1-  باحث إيراني.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
173

165

النقاشات والتعقيبات

 مداخلة الحاج عبد الرحيم فخر الدين


شهادة حية حدثت سنة 1990 في بيروت حيث قدمت إحدى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة مساعدات مادية سخية على إحدى المؤسسات الرعائية وطلبت من إدارتها السماح بالعمل بين صفوف الفتية والفتيات من أعمار 7 إلى 12 سنة على برنامج عالمي بعنوان (التدريب على السلام) وقد استطاعت جمع 7000 فتى وفتاة بمخيم مشترك نظم في إحدى المؤسسات المحسوبة على المدارس الإسلامية وفي منطقة متخلفة مدنياً من مناطق البقاع وانتقت من بين هذا العدد من يمثلهم لمؤتمر أو مخيم عالمي جرى في قبرص بين فتيان المنطقة بما فيهم اليهود الإسرائيليين وقد صرف على هذا العمل في لبنان نصف مليون دولار لتمرير مفهوم التدريب على السلام لقبول الدولة الإسرائيلية في قلب العالم العربي.

وهذا دليل على التدخل من خلال الهيئات الدولية لتمرير مشاريع ثقافية تربوية تحرف أبناء الأمة عن دينهم وتاريخهم والقبول السهل بوجود الغدة السرطانية إسرائيل ومشروعها للمنطقة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
174

166

النقاشات والتعقيبات

 مداخلة الحاج محمد سلامي


بسم الله الرحمن الرحيم

الملاحظة التي أريد التحدث بها تتعلق حقيقةً بالجلسة السابقة فيما يتعلق بالمناهج ومساهمات بالمدارس الإسلامية فيما يتعلق بمساهمات المدارس الإسلامية أعتقد أن هناك إجحافاً فيما سبق عرضه حول هذا الموضوع يعني سوف أسرد حادثة صغيرة حضر إلى جمعية التعليم الدين منذ فترة طويلة وفد من الجمهورية الإسلامية المباركة في إيران وفد تربوي عندما عرضنا عليهم المؤلفات التي أنتجتها الجمعية في الحقول المختلفة من التاريخ واللغات والروضات والعلوم كان تعليقهم أن هذا العمل هو عمل وزارة التربية أعتقد أن تعبير ترميم أو تعبير انتقاء لا يفي الجهود التي بذلت حقها في هذا المضمار هذه الملاحظة الأولى بالنسبة للمؤلفات فهناك عشرات المؤلفات التي قًدِّمت على صعيد صياغة مؤلفات إسلامية.

الملاحظة الثانية فيما يتعلق بكتاب التربية الدينية، كتاب التربية الدينية إذا أردنا أن نقيِّم أي كتاب لا بد أن نقيمه في ظل ظروفه وفي ظل مناخاته والمفاهيم السائدة في ذلك الحين كما أشار الدكتور عواضة عند إنتاج هذا الكتاب كان المفهوم عن المنهج أن المنهج مجموعة عناوين ومجموعة موضوعات وكل الكتب التي أُلِّفَت في تلك الفترة كانت على هذا المنوال وكتب التربية الدينية أيضاً كانت على هذا المنوال أما من حيث المستوى فالكتاب كان كتاباً أدى غرضاً جليلاً وكانت التقييمات له تقييمات عالية جداً فالخبراء في التربية حول هذا الموضوع بعضهم موجود بيننا الآن يعني من أفضل السلاسل التي أنتجت في مجال التربية الدينية أما بالنسبة للوقت الحاضر فكتاب التربية الدينية يجري تعديله ليس فقط تعديله يجري إعادة نظر شاملة له وفقاً لما سماه الدكتور الزبيدي منهاج ناظم يعني وضعنا له الأهداف العامة والأهداف الخاصة والكفايات وطرق التقويم قبل البدء بتأليف هذا الكتاب أحببت أن أوضح هذه الأمور وشكراً لكم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
175

167

النقاشات والتعقيبات

مداخلة فضيلة الشيخ محمد جمعة1
 
كان من الحري بنا لكي نطابق أو نحاكي عنوان المؤتمر "المناهج التربوية في العالم الإسلامي معالم الخطة الأمريكية وآليات المواجهة" أن نستفيد من التجربة الرائدة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تمكنت من خلال التنسيق والتعاون والتكامل بين الحوزة باسمها الكبير وأصحاب الاختصاص بالحقل التربوي والثقافي من تغيير مناهجها التعليمية والتربوية والثقافية (الأمريكية) بالكامل ومن خلال المواءمة بين الدين وما أنتجه الفكر الإنساني هذه التجربة التي تمكنت من المحافظة على (دولة) وتحصين المجتمع من الغزو الثقافي والتربوي.
 
هذه التجربة التي تأخذ بالشعب والدولة لتطل بهما على العالم لتطرح نفسها نموذجاً ومثلاً أعلى من هذا العالم المظلم فيا حبذا لو نتعرف على هذه التجربة عن قرب لنأخذ منها ما يناسب مجتمعنا وواقعنا عندها يمكننا تطور مناهجنا الدينية (معاهد وحوزات) وتربوية (مدارس وجامعات).
 
 
 

1- مسؤول القسم الثقافي في منطقة الجنوب.

 

 

 

 

 

 

176


168

النقاشات والتعقيبات

 تعقيب الدكتور طلال عتريسي


أنا بالحقيقة أريد أن أرد على نقطتين النقطة التي ذكرها د. حسن البنّا بموضوع ما هي ثوابت الغزو يعني أنت تفضلت ذكرت بأني لم أتحدث عن ثوابت الغزو بالحقيقة بالنص موجود حديث عن ثوابت الغزو والعنوان المقترح كان لهذه الورقة هي المرتكزات التاريخية للغزو الثقافي أنا عندما بدأت أعمل على هذا الموضوع لم أرغب في أن أبقى فقط في التاريخ لأني شعرت أنه يوجد متغيرات طرأت على موضوع الغزو بعدها أنا ميّزت بين فكرتين فكرة الغزو التي ممكن أن تكون شاملة عامة ولها طابع محتمل عسكري ويوجد خلاف حول المصطلح ومصطلح الاختراق ركزت على مصطلح الاختراق أكثر من مصطلح الغزو لأن الاختراق يحصل بنوع من التسلل أيضاً بالمصطلح العسكري إذا أردنا القول بينما الغزو واسع وعلى جبهة واسعة وممتدة أنتقل إلى ملاحظة السيد مهتدي وللأسف تركنا أنا لم أتحدث عن مفهوم المجتمع المدني وعن أنه أنا مع المجتمع المدني أو ضد المجتمع المدني لم يكن هذا هو المقصود، المقصود أن الاختراق الذي يحصل الآن بما هو متغيِّر جديد الآن يتم عبر هيئات اسمها هيئات المجتمع المدني يعني كما ذكر الحاج عبد الرحيم فخر الدين يوجد عشرات الأمثلة هناك هيئات من المجتمع المدني تمسى نفسها هيئات مجتمع مدني بعض هذه الهيئات يتلقى تمويل لكي يعمل برامج تتناسب مع هذا التمويل يعني اليوم لم يكن متسع من الوقت الامتحانات اليوم بفرع الاجتماع والاقتصاد الامتحانات الآن التي حصلت من كم يوم سؤال من الأسئلة التي أتت يقول السؤال من ضمن مجموعة أسئلة التقييم في النظام المدرسي التقليدي ليس سوى الوجه الآخر لنظام الطاعة الأبوية ماذا بمجتمعنا مقبول أو غير مقبول؟ من يضع هذا السؤال؟ بكتب علم الاجتماع التي وضعتها هيئات لها علاقة سميتها أنا شبكة مصالح نحن نعرفها بالجامعة اليوم يوجد مشكلة من هذا النوع كتب علم الاجتماع بالمرحلة الثانوية فيها ثلاثة كتب فيهم فكرتين أساسيتين فكرة تقول كل ما هو متقدم وحديث هو إيجابي وكل ما هو ديني هو متخلف وهو غير إيجابي هذه فكرة موجودة مع صور، صور امرأة محجبة تحت مجتمع تقليدي متخلف هذا الذي قصدته بمعنى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
177

169

البيان الختامي للمؤتمر

 البيان الختامي للمؤتمر


تلاه رئيس الجلسة سماحة الشيخ أكرم بركات

بتاريخ 2 جمادى الأولى 1424 هـ، تموز 2003 م، عقد مؤتمر تخصصي تحت عنوان "المناهج التربوية في العالم الإسلامي معالم الخطة الأمريكية وآليات المواجهة"، والذي دعت إليه الوحدة الثقافية المركزية في حزب اللَّه، والذي حضره جمع من العلماء والمتخصصين في مجالي التربية والتعليم واستمر ليومٍ كامل في مركز الإمام الخميني قجس سره في بيروت وقد صدر عن المؤتمر التوصيات التالية:

1- العمل على تحصين الوضع التربوي بالعودة إلى منابع الدين عبر عقد اللقاءات والمؤتمرات بين علماء المسلمين والمثقفين المهتمين بالاستفادة من التجارب التربوية الناجحة لتعميمها وللابتعاد عن الانغلاق والتفرد.

2- دعوة المؤسسات الإسلامية إلى إنشاء مجلس موحد بهدف التنسيق وتحسين الأداء ووضع البرامج والمناهج الأصيلة.

3- العمل على إنشاء مركز متخصص بالأبحاث التربوية.

4- العمل على تطوير المؤسسات التربوية عبر مشروع تربوي، من خلال مؤسسة جامعية رائدة، واستقطابية للعقول، وقادرة على رعاية الطاقات، وإطلاقها للحقول العلمية المختلفة.

5- مواجهة الاختراق الثقافي الناشىء من استغلال حاجة مجتمعاتنا وأفرادها للهيئات التعليمية وغيرها عبر منح دراسية خارج بلاد المسلمين بما يؤثر على استغلالهم فكرياً وثقافياً ودينياً.

6- العمل على إعداد نص الكتاب المدرسي الإسلامي الذي يراعي الشروط والمواصفات الحديثة ويجسد الثقافات والمرتكزات الفكرية والأخلاقية والقيمية الأصيلة.

7- التعامل بحذر شديد مع كل المناهج التي ترد إلينا من أميركا أو تتسلل بطرق متعددة إلى ساحتنا التربوية.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
179

170

البيان الختامي للمؤتمر

 8- الاستفادة من الوسائل والتقنيات الموجودة في العالم لتطوير المناهج ضمن الضوابط الإسلامية.


9- العمل على توثيق عرى التعاون بين الأسرة والمدرسة والإعلام والدولة. من أجل تربية جيل واثق في دينه وعقيدته بحيث لا يسقط فريسة الغزوات الثقافية.

10- الدعوة إلى أنشطة ولقاءات تعيد قراءة الكتب التاريخية المدرسية والدعوة إلى إزالة الفقرات التي تمجد الغرب بصورة مطلقة وتثير الالتباس حول تاريخنا والتي تعرفه بحيادية مغرضة بحيث تغيب مفاهيم المقاومة والتحرر.

11- نقد المنهج الغربي ونشر إحصاءات حول الأوضاع المتردية في الغرب.

12- دعوة وسائل الإعلام والمنتديات ومراكز الأبحاث والدراسات إلى الإضاءة على الأسباب الحقيقية لمشكلات المنطقة التنموية والتربوية.

13- دعوة المؤسسات التربوية الإسلامية في لبنان لإقامة مؤتمر لتقويم تجربة المدارس التربوية الإسلامية.

14- ترك المسائل المذهبية التي تثير الحساسيات اتجاه المذهب الآخر والتركيز على المسائل الوحدوية بما يخدم المشروع الإسلامي في مواجهة الأعداء.

15- تعزيز موقع الحوزات الدينية والمعاهد الشرعية من خلال إيلاء العلماء الأعلام مناهج التدريس فيها العناية الفائقة.

16- تكثيف الاهتمام بالمساجد واستعادة دورها العبادي والتبليغي والتعبوي والاجتماعي.

17- وأخيراً تشكيل لجنة خاصة لمُتابعة النتائج والتوصيات الصادرة من المؤتمر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
180

171

البيان الختامي للمؤتمر

 بسم الله الرحمن الرحيم


هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ
صدق الله العلي العظيم
 

في ظلّ الهجمة الأمريكية على ثقافتنا وتراثنا الإسلامي
ومناهجنا التربوية

تتشرف
الوحدة الثقافية المركزية في حزب الله

بدعوتكم 
لحضور المؤتمر الذي تقيمه تحت عنوان:
المناهج التربوي في العالم الإسلامي
معالم الخطة الأميركية وآليات المواجهة


الزمان: الأربعاء 2 جمادى الأولى 1424 هـ. الموافق 2 تموز 2003م.
       من الساعة التاسعة صباحاً حتى السادسة والنصف مساءً.

المكان: مركز الإمام الخميني الثقافي – حارة حريك – بناية دار الربيع – ط3.


الدعوة خاصة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
181

172

الفهرس

 الفهرس

الهوية العامة للمؤتمر

5

برنامج المؤتمر

6

الجلسة الافتتاحية

8

كلمة الترحيب

8

كلمة الإفتتاح

8

الجلسة الأولى: الهجمة على مناهج التعليم في العالم العربي والإسلامي في ميزان النقدن

15

مخاطر الخطاب الأميركي على مناهج التعليم

47

دور التربية الإسلامية في مواجهة الثقافة المفروضة

55

التعقيبات والنقاشات

68

مداخلة د. نجيب نور الدين

68

مداخلة الأستاذ حسن سلهب

72

مداخلة السيد موسى فحص

78

مداخلة السيد خضر الموسوي

81

مداخلة الدكتور حسن البنا عبد المنعم

85

مداخلة الأستاذ علي يوسف

88

مداخلة فضيلة الشيخ شفيق جرادي

89

مداخلة الدكتور بلال نعيم

91

مداخلة الأستاذ حسن نعيم

93

مداخلة الحاج محمد سلامي

94

 

 

 

 

 

 

 

 

194


173

الفهرس

 

مداخلة الأخت سكنة حجازي

95

مداخلة فضيلة الشيخ يوسف سبيتي

96

مداخلة الحاج عبد الرحيم فخر الدين

98

مداخلة الأستاذ علي علوية

99

الجلسة الثانية: دور الحوزات العلمية في مواجهة التغريب 

101

المناهج وبناء المناعة الفكرية

108

مقدمة 

122

مساهمات المدارس الإسلامية في صياغة منهج أصيل

122

التعقيبات والنقاشات

127

مداخلة الدكتو محمد الزبيدي

127

مداخلة فضيلة الشيخ يوسف سبيتي

134

مداخلة الأخت سامية عبد الله

138

مداخلة السيد موسى فحص

140

مداخلة الدكتور محمد منير سعد الدين

141

تعقيب الأستاذ حسن سلهب على كلمة الشيخ مصطفى قصير

142

مداخلة الأستاذ علي يوسف

144

مداخلة الدكتور هاشم عواضة

146

تعقيب فضيلة الشيخ مصطفى قصير

147

تعقيب الدكتور عدنان الأمين

149

الجلسة الثالثة: مرتكزات الغزو الثقافي بين ثوابت الماضي ومتغيرات الحاضر

151

الدور السياسي في التحصين التربوي  

161

النقاشات والتعقيبات

167

مداخلة الدكتور إبراهيم بيان

167

مداخلة الدكتور حسن البنا عبد المنعم

170

 

 

 

 

 

 

 

 

195


174

الفهرس

 

مداخلة الأستاذ محمد علي مهتدي

172

مداخلة الحاج عبد الرحيم فخر الدين

174

مداخلة الحاج محمد سلامي

175

مداخلة فضيلة الشيخ محمد جمعة

176

مداخلة الدكتور طلال عتريسي

177

البيان الختامي

179

ملحق رقم -1-

181

ملحق رقم -2-

182

ملحق رقم -3-

189

الفهرس

194

 

 

 

 

 

 

 

 

 

196


175
المناهج التربوية في العالم الإسلامي معالم الخطة الأميركية واليات المواجهة