المقدمة
المقدمة
الحمد للَّه رب العالمين وصلى الله على رسول الرحمة محمّد وآله الطاهرين.
لا شكّّ أنّ الإسلام العظيم يحمل في طيّات مفاهيمه وأحكامه طريق هداية البشر ليخرجهم من الظلمات إلى النور، هذه الأحكام التي جاءت لتلائم الإنسان بصفاته وتوجّهاته وخصوصيّاته، ولتعطي كلّ مكلّف طريق هدايته المناسب له.
من هنا كان للمرأة بعنوانها الخاص العديد من المسائل والأحكام والمفاهيم المتعلّقة بها، والتي لا تستغني المرأة المسلمة عن معرفتها والالتزام بها لتكون نوراً يعينها على دنياها بما تضمن به دنياً كريمة وآخرة سعيدة بجوار الأنبياء والصالحين.
هذا الكتاب يعرض الكثير من المسائل المهمّة التي تتعرّض لها المرأة في حياتها اليوميّة نسأل الله تعالى أن يفيد به المؤمنات والحمد لله أولاً وآخراً.
مركز نون للتأليف والترجمة
5
1
الدرس الأول :مكانة المرأة
نظرة المجتمعات إلى المرأة
هناك الكثير من الأفكار والنظريّات التي قد تشاع بين الناس، والتي تجعل المرأة دون مستوى الرجل، وربما تنسب مثل هذه الأفكار إلى الشرع المقدس، فلا يتجرّأ المسلم على مواجهتها لتوهّمه أنّه بذلك يُخالف الشرع، والحقيقة غير ذلك، ومن هذه النظريّات:
1- هل المرأة مخلوق ثانويّ؟
اشتهر عند بعض المسلمين أنّ حواء خُلقت من أحد أضلع آدم عليه السلام وذكروا بعض الروايات التي يمكن أن تساعد على ذلك، وهذه الطريقة في الخلق قد تجعل الإنسان يتصوّر أنّ حواء - وبالتالي النساء - مخلوق ثانويّّ خُلق من ضلع الرجل، وذكر بعضهم أنّه الضلع القصير والأيسر، وهذه الفكرة غير سليمة، ونحن في غنى عن مناقشة معنى خلقها من ضلع آدم عليه السلام، فإنّ الوارد عندنا أنّها خُلقت من الطينة التي خلق منها آدم وليس من الضلع، ففي الرواية عن ابن أبي المقدام، عن أبيه قال:
"سألت أبا جعفر عليه السلام: من أيّ شيء خلق الله حواء؟ فقال: أيَّ شيء يقول هذا الخلق؟ قلت: يقولون: إنّ الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم، فقال عليه السلام: كذبوا، أكان يُعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت: جعلت فداك يا بن رسول الله من أيّ شيء خلقها؟ فقال عليه السلام: أخبرني أبي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه - وكلتا يديه يمين - فخلق منها آدم، وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء"1.
1- بحار الأنوار، ج22، ص116.
8
3
الدرس الأول :مكانة المرأة
وتعبير "فضلة من الطين" ليس للاستهانة بهذه الطينة، فالله حكيم لا يزيد عن عمله تعالى فضلات، وإنّما يشير هذا التعبير إلى أمرين:
أوّلاً: الترتيب الزمنيّ حيث خلق آدم أوّلاً من جزء من الطينة وخلقت حواء من الباقي منها.
ثانياً: أنّها خُلقت من نفس طينة آدم عليه السلام لإغلاق باب وجود طينة أخرى للنساء تختلف عن طينة الرجال، وعلى هذا النسق قوله تعالى في القرآن الكريم:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً..﴾2.
2- أوّل خطأ ومعصية:
من المشهور عند الأديان الأخرى وربما سرى ذلك إلى بعض المسلمين أيضاً،أنّ المرأة تتحمّل مسؤوليّة أوّل خطأ قام به الإنسان وأنّها كانت السبب في وقوع آدم عليه السلام في الخطأ أيضاً،فهي التي
زيّنت له الأكل من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عنها.
روى ابن عباس أنّه:
"لمّا أكل آدم من الشّجرة التي نُهي عنها قال الله عزّ وجلّ ما حملك أن عصيتني؟ قال: ربّ زيّنت لي حواء. قال: فإنّي أعقبتها أن لا تحمل إلّا كرهاً ولا تضع إلّا كرهاً ودميتها في الشهر مرّتين. فلمّا سمعت حواء ذلك رنّت، فقال لها: عليك الرنّة وعلى بناتك"3.
وهذه الروايات لم تصح عندنا وهي تخالف ظاهر القرآن الكريم.
يقول تعالى:
﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا
2- الروم: 21.
3- المستدرك، الحاكم النيسابوري، ج2، ص381.
9
4
الدرس الأول :مكانة المرأة
عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ
وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾4.
فهذه الآيات لم تميّز بين آدم وحواء عليهما السلام في هذا الموضوع، فالله تعالى خاطبهما معاً ووسوسة إبليس اللعين كانت لهما معاً.
نظرة الإسلام للمرأة:
المرأة هي أحد صنفي الإنسان، وحتّى نتعرّف على نظرة الإسلام إلى المرأة فلا بدّ من ملاحظتها ضمن النوع الذي تنتمي إليه في البداية وهو الإنسان، ثمّ ملاحظتها بخصوصيّتها كامرأة.
1- كرامة المرأة كإنسان:
يقول الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾5.
وهذه الكرامة تنطبق على المرأة كما تنطبق على الرجل وبنفس المستوى، فليست المرأة مخلوقاً آخر على صورة البشر، بل هي بشر وإنسان حقيقة، متساوية من هذه الجهة مع الرجل.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ...﴾6.
فكما إنّ الشـعوب والقبائـل متسـاوية لجهة كونها إنسـاناً فكذلك الذكر والأنثى.
4- الأعراف، الآيات: 19 ـ 23.
5- الإسراء: 70.
6- الحجرات: 13.
10
5
الدرس الأول :مكانة المرأة
نقاط ضعف مشتركة:
هذه الكرامة التي أشارت إليها الآيات الكريمة لا تعني عدم وجود نقاط ضعف في شخصيّة الإنسان بصنفيه، بل هناك الكثير من نقاط الضعف التي أشارت إليها الآيات القرآنيّة لا لتقدح بالإنسان وتحطّ من مقامه، بل لتنبّه هذا الإنسان إلى الثغرات التي ينبغي عليه أن يكون واعياً تجاهها ليسدّها ولا يكون فريسة سهلة أمامها.
فالقرآن الكريم هدفه الهداية:
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين﴾7.
وهكذا كلّ نصٍّ شرعي يتحدّث عن نقطة ضعف هو في الحقيقة نوع من أنواع الهداية للوصول إلى الكمال وليس سيفاً مسلطاً لتضعيف الإنسان أو الرجل أو المرأة والعياذ بالله، فالإنسان ضعيف،يقول
تعالى: ﴿.. وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾8.
والإنسان عجول: ﴿... وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً﴾9.
والإنسان يجزع عند الشرّ ويمنع عند الخير: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾10.
فهذه كلّها لا تُريد أن تحطّ من مقام الإنسان بل تريد أن تأخذ بيده وتحفظه عن الوقوع بمثل هذه الأمور، والأمر نفسه بالنسبة للمرأة وأيّ نصٍّ شرعيٍّ يمكن أن يتحدّث عنها أو يذكر بعض الثغرات التي يكثر وقوعها فيها يكون هدفه الهداية.
2- عدم التفاوت ضمن الجنس البشري:
إنّ كون المرأة إنساناً يجعلها ذات الكرامة الكبرى بالنسبة إلى سائر المخلوقات كما
7- البقرة: 2.
8- النساء: 28.
9- الإسراء: 11.
10- المعارج:19-21.
11
6
الدرس الأول :مكانة المرأة
عبّر القرآن الكريم، ولكن يبقى الكلام داخل النوع الإنسانيّ نفسه، فهل المرأة درجة متدنّية من الإنسان ويبقى الرجل الدرجة الأعلى؟
يجيب القرآن الكريم على ذلك قائلاً:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾11.
حيث لم يجعل الله تعالى ميزان الكرامة لكون الإنسان رجلاً أو امرأة بل الميزان الوحيد هو ميزان التقوى، لا يختلف في ذلك الرجل والمرأة، فالفرد الأتقى هو الأكرم عند الله تعالى سواء كان رجلاً
أو امرأة.
في الرواية عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام:
"المرأة الصالحة خيرٌ من ألف رجلٍ غير صالح"12.
ولكن يبقى السؤال عن قوله تعالى: ﴿... وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ...﴾13.
فما معنى هذه الآية الكريمة؟ وما المقصود من الدرجة التي هي للرجال على النساء؟
هذا المقطع من الآية جاء ضمن الآيات الكريمة التالية:
﴿وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ الله سَمِيعٌ علِيمٌ * وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ الله فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ
إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَالله عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾14.
فهذه الآية الكريمة تتحدّث عن العلاقة الزوجيّة وعمّا للرجل وللمرأة من حقوق وواجبات في هذه العلاقة، فلا تشير إلى المقام المعنويّ أو إلى تفاضلٍ بين صنف
11- الحجرات: 13.
12- وسائل الشيعة، ج14، ص123.
13- البقرة: 228.
14- البقرة: 227-228.
12
7
الدرس الأول :مكانة المرأة
المرأة وصنف الرجل؛ وإنّما تشير إلى مسألةٍ عمليّةٍ متعلّقةٍ بحقوق وواجبات كلٍّ من الزوج والزوجة، ولا شكّ أنّ هناك فروقاً في الكثير من التفاصيل العمليّة بين الرجل والمرأة على المستوى
الشرعيّ، وواحدة منها موضوع الطلاق الذي تشير إليه هذه الآية الكريمة، وسنتحدّث عن هذه الفروق المتعلّقة بالجانب العمليّ وخلفيّة هذه الفروق في دروس لاحقة إن شاء الله تعالى.
نظرة القرآن الكريم للمرأة (نظرة متوازنة):
يتميّز القرآن الكريم بنظرته المتوازنة للمرأة، فلم يقدّمها كإله كما فعلت بعض المجتمعات ولم يضعها لتصبح موؤودة كما فعلت مجتمعات أخرى، وإنّما قدّمها كإنسان يمرّ في الدنيا بامتحانات وابتلاءات
قد يهتدي وقد يضلّ، شأنها في ذلك شأن الرجل، هكذا قدّم القرآن الكريم المرأة ، فذكر بعض النساء اللاتي سقطن في امتحان الدنيا، فضرب الله تعالى مثلاً بنساءٍ كافرات، يقول تعالى:
﴿ضَرَبَ الله مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾15.
وفي المقابل يقدّم نموذجاً آخر لامرأة كانت تمتلك المال والسلطة وعندما وقفت أمام الحقيقة آمنت بالله تعالى واستسلمت لإرادته، يقول تعالى في سورة النمل:
﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ الله خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ * قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ
15- التحريم: 10.
13
8
الدرس الأول :مكانة المرأة
مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ * قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾16.
التركيز على النموذج المشرق:
من الملاحظ أنّ القرآن الكريم كثيراً ما ذكر النموذج المشرق من النساء وأضاء على المرأة الصالحة بشكلٍ كبيرٍ في العديد من آياته الشريفة، وركّز على الكثير من النقاط المشرقة من تاريخها ضمن
المسيرة الإنسانيّة، وقدّم العديد منهنّ كقدوة ليس للنساء فحسب بل للبشريّة كلّها بما فيها من رجال ونساء، فذكر منهنّ:
1- امرأة فرعون:
حيث يقول تعالى في كتابه العزيز:
﴿وَضَرَبَ الله مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾17.
فمن الملاحظ أنّ امرأة فرعون قدّمها القرآن الكريم كقدوة ليس للنساء فقط بل: ﴿... لِّلَّذِينَ آمَنُوا ...﴾.
هذه القدوة المشرقة التي كانت الدنيا مقبلة عليها بكلّ زخارفها فأعرضت عنها متوجّهة إلى الله تعالى: ﴿... رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ...﴾18.
16- النمل:32-44.
17- التحريم: 11
18- التحريم: 11.
14
9
الدرس الأول :مكانة المرأة
2- مريـم ابنة عمران:
هذه المرأة العظيمة التي قدّمتها العديد من الآيات القرآنية وتكرّرت قصّتها في أكثر من سورة من سور القرآن الكريم، لتواكبها في العديد من مراحل حياتها الشريفة والمباركة،ومن هذه الآيات:
﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله إنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾19.
﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾20.
خلاصة الدرس
هناك الكثير من الأفكار والنظريّات، تصوّر المرأة دون مستوى الرجل.
إنّ نظريّة خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام لا تتناسب مع الكثير من الروايات التي تتحدّث أنّها خُلقت من نفس طينته التي خُلق منها.
جعل الله تعالى المرأة في مستوى الرجل من حيث الإنسانيّة وجعل لكلّ منهما تكاليف خاصّة به تتناسب وشأنه.
لم يميّز الله تعالى المرأة عن الرجل في الخطاب القرآنيّ بل جعلهما على حدّ سواء من حيث الكرامة.
19- آل عمران: 37.
20- آل عمران، الآيتان: 42 ـ 43.
15
10
الدرس الأول :مكانة المرأة
إنّ القرآن الكريم كثيراً ما ذكر النموذج المشرق من النساء وأضاء على المرأة الصالحة بشكل كبير في العديد من آياته الشريفة، وركّز على الكثير من النقاط المشرقة من تاريخها ضمن المسيرة الإنسانيّة، وقدّم العديد منهنّ كقدوة ليس للنساء فحسب بل للبشرية كلّها بما فيها من رجال ونساء.
أسئلة حول الدرس
1- هل المرأة مخلوق ثانويّ؟
2- كيف نظر القرآن إلى المرأة؟
3- كيف تردّين على القائل بأنّ المرأة - أي حواء - صاحبة الخطيئة الأولى؟
4- ضرب الله مثلاً للذين آمنوا في القرآن بامرأتين، من هما؟
5- هل يعني قوله تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة﴾ تفضيل الرجل على المرأة؟
16
11
الدرس الأول :مكانة المرأة
للمطالعة
فاطمة بنت أسد
إنّها فاطمة بنت أسد زوجة شيخ البطحاء أبي طالب، وأمّ أمير المؤمنين عليه السلام وطالب وعقيل وجعفر، وهي التي احتضنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة جدّه عبد المطلب، مقدّمة
إياه على أولادها الأربعة في قمّة الحنان والأمومة والعاطفة الحانية النبّيلة.
وما أحسن كلام النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حين يصفها قائلاً:
"إنّها كانت من أحسن خلق الله صنيعاً بي، بعد أبي طالب، كانت أمّي بعد أمّي التي ولدتني، إنّ أبا طالب كان يصنع الصنيع، وتكون له المأدبة وكان يجمعنا على طعامه، فكانت هذه المرأة تفضل منه
كله نصيباً فأعود فيه"21.
وليس أدلّ على ذلك ما ذكره المؤرخون وأهل السير من صنعه صلى الله عليه وآله وسلم عند وفاتها فقد ذكر التاريخ أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد:
"كفّنها بقميصه الشريف، واضطجع في قبرها وكبّر في الصلاة عليها سبعين تكبيرة ولم يفعل ذلك مع غيرها"22.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك:
"إنّ الملائكة قد ملأت الأفق، وفُتح لها باب من الجنّة، ومهّد لها مهاد من مهاد الجنّة، وبعث إليها بريحان من رياحين الجنّة، فهي في روح وريحان وجنّة نعيم وقبرها روضة من رياض الجنّة"23.
واستغرب بعض الصحابة ذلك، فسأل عن السبب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
21- بحار الأنوار، ج35، ص179.
22- م.ن، البحار، ج35، ص179.
23- م.ن، البحار، ج35، ص70.
17
12
الدرس الأول :مكانة المرأة
"لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها"24.
ومن النقاط التي سجّلها التاريخ لهذه المرأة الأمثولة:
أنّها: أوّل من أسلم من النساء بعد خديجة رضوان الله عليها.
أوّل من هاجر من النساء إلى المدينة ماشية حافية.
أوّل من بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النساء يوم البيعة.
قال ابن عباس: وفيها نزلت الآية الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بالله شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾25.
هي والدة أمير المؤمنين عليه السلام، وقد ولدته في بطن الكعبة الشريفة، وهذه المنقبة التي ما كانت لغيرها كرامة من الله لها، إذ شقّ لها جدار الكعبة آذناً لها أن تضع فيها مولودها المبارك.
24- مقاتل الطالبيين، الأصفهاني، ص5.
25- الممتحنة: 12.
18
13
الدرس الثاني: حقوق المرأة
التفاوت بين الرجل والمرأة
عندما تحدّثنا عن مكانة المرأة في الإسلام ذكرنا أنّ نوع الإنسان هو صاحب الخلافة الإلهيّة وأنّه يطوي مراحل الكمال، لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.
ولكنّ هذا لا يعني عدم وجود فارق بين الرجل والمرأة، بل هناك تفاوت بينهما في الاستعدادات الجسميّة والنفسيّة، من دون أن يكون لهذا التفاوت ارتباط بالنقص أو الكمال، بل هو تعادل وتناسب، فقد استهدف قانون التكوين بهذا التفاوت جعل تناسب أكبر بين الرجل والمرأة اللذين خُلقا لحياة مشتركة، وما حياة العزوبة إلّا انحراف عن قانون التكوين، وسوف يتّضح هذا المفهوم بشكل أكبر فيما يأتي من معالجة أشكال التفاوت.
أشكال التفاوت:
إنّ البحث عن وجود تفاوت بين الرجل والمرأة ليس جديداً، بل نجده في عمق التاريخ بما لا يقلّ عن 2400 سنة، ففي حين يرفض أفلاطون وجود تفاوت كيفيّ بين الرجل والمرأة، يؤكّد تلميذه أرسطو
وجود هذا التفاوت حيث يقول: تختلف نوعيّة استعدادات المرأة عن الرجل كما تتفاوت الوظائف والمسؤوليّات التي وضعها قانون التكوين على عاتق كلٍّ منهما، وتختلف الحقوق التي يستدعيها لكلّ
منهما في موارد عدّة.
وقد رجّح العلماء والفلاسفة الذين جاؤوا بعد أرسطو نظريّاته على نظريّات أفلاطون1.
1- راجع نظام حقوق المرأة في الإسلام للشهيد مرتضى مطهري صفحة 159 وما بعدها.
22
15
الدرس الثاني: حقوق المرأة
وأمّا اليوم، وفي ظلّ التقدّم العلميّ أصبح التفاوت بين المرأة والرجل محدّداً وواضحاً، وذلك اعتماداً على الملاحظة، والتجربة، والإحصاء، والدراسة الميدانيّة.
ونذكر مجموع الاختلافات القائمة التي وقعت بأيدينا ممّا ذكره المحقّقون:
من الزاوية الجسميّة:
1 - الرجل بشكل عام ضخم البنية، والمرأة ليست كذلك.
2 - الرجل أخشن والمرأة ألطف، صوت الرجل أضخم وأكثر خشونة، وصوت المرأة ألطف وأكثر نعومة.
3 - المرأة أسرع نموّاً من الرجل. إلّا أنّ النموّ العضليّ للرجل أكبر من نموّ المرأة العضليّ والبدني.
4 - المرأة أسرع إلى البلوغ الجنسيّ من الرجل، كما أنّها أسرع منه في العجز عن الإنجاب.
5 - البنت أسرع من الصبيّ إلى النطق.
6 - متوسّط دماغ الرجل أكبر من متوسّط دماغ المرأة، مع أخذ نسبة الدماغ إلى مجموع البدن بعين الاعتبار.
7 - رئة الرجل تستوعب حجماً أكبر من الهواء.
8 - ضربات قلب المرأة أسرع من ضربات قلب الرجل.
من الزاوية النفسيّة:
1 - يميل الرجل أكثر من المرأة إلى الألعاب الرياضيّة والصيد والأعمال الحركيّة.
2 - إحساسات الرجل معارضة وحربيّة وإحساسات المرأة سلميّة، تُحجم المرأة عن استخدام العنف ضدّ الآخرين ومع نفسها، ولذا تنخفض نسبة الانتحار بين النساء. والانتحار عند الرجال أبشع حيث يتوسّل هؤلاء بإطلاق النار والقذف بأنفسهم من شاهق، بينما تتوسّل النساء بالأقراص المنوّمة والمواد المخدّرة.
23
16
الدرس الثاني: حقوق المرأة
3 - المرأة أكثر انفعالاً من الرجل؛ أي أنّها تخضع تحت تأثير أحاسيسها بشكل أكبر من الرجل.
4 - تميل المرأة بشدّة إلى الجمال والزينة والأزياء المختلفة على عكس الرجل.
5 - المرأة أكثر حيطة من الرجل وألسَن، وأكثر خوفاً.
6 - عواطف المرأة أموميّة، ويظهر هذا الإحساس منذ مرحلة الطفولة، و للمرأة علاقة أكبر بالأسرة وهي تلتفت بشكل غير شعوريّ لأهميّة محيط الأسرة قبل الرجل.
7 - لا تصل المرأة بشكل عام حدّ الرجل في العلوم البرهانيّة والمسائل العقليّة الجافّة، إلّا أنّها لا تقلّ عنه في مجال الأدب والفن وسائر المسائل المرتبطة بالذوق والعاطفة.
8 - الرجل أكبر قدرة على كتمان السّر، وكتمان الأخبار المزعجة في داخله ولذا هو أسرع للابتلاء بالمرض الناشئ جرّاء كتمان السرّ.
من زاوية العواطف المتبادلة:
1- يبتغي الرجل مصاحبة المرأة وأن يجعلها تحت تصرّفه، والمرأة تريد امتلاك قلب الرجل، والسيطرة عليه عن طريق قلبه، فهو يريد التسلّط عليها من فوق وهي تريد النفوذ إلى داخل قلبه.
2- تريد المرأة من الرجل الشجاعة والرجولة، وهو يريد منها الجمال والعاطفة.
كيف ندرس الحقوق؟
هناك أمران يجب ملاحظتهما عند دراسة حقوق المرأة هما:
1- التناسب لا التساوي:
على ضوء ما تقدّم من الفرق بين الرجل والمرأة، يتضح أنّ ما يناسب المرأة قد لا يكون مناسباً للرجل والعكس صحيح، وبناءً عليه فليس المطلوب أن نُسري واقع المرأة
24
17
الدرس الثاني: حقوق المرأة
إلى الرجل أو واقع الرجل إلى المرأة، بل المطلوب أن نعطي كلّاً منهما ما يناسبه ويناسب صفاته الجسميّة والنفسيّة، فالمطلوب هو التناسب لا التساوي بينهما.
2- النظرة الشموليّة للأحكام:
النظرة المجتزءة قد تكون سبباً أساسيّاً في عدم فهم التشريع الإسلاميّ، فالإسلام صاحب التشريع الشامل، فإذا أردنا أن ننظر إلى مسألة ما فعلينا أن ننظر إليها ضمن منظومة الشريعة كلّها، لا أن ننظر إليها بقطع النظر عن كلّ ما يتعلق بها، لذلك عندما نقرأ هذه الحقوق التي هي محلّ استفهام علينا أن نضعها ضمن ما يحفّ بها من مسائل مرتبطة.
على ضوء هذين الأمريّن نُلقي الضوء على بعض المفردات المثارة حول حقوق المرأة:
تعدّد الزوجات:
لا شكّ أنّ تعدّد الزوجات أمر مشروع وجائز في الإسلام، فبالإضافة إلى قوله تعالى:
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ﴾2.
هناك سيرة وتاريخ طويل للمسلمين الذين مارسوا الزواج المتعدّد دون أن يعترض عليهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمّة عليهم السلام في ذلك، بل حتّى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام كانوا يكتفون في بعض المراحل بزوجة واحدة وكانوا يتزوّجون أكثر من واحدة في مراحل وظروف أخرى. لذلك فإنّ التشكيك برأي الإسلام بتعدّد الزوجات مجرّد مكابرة لا يستقيم عليها دليل.
والسؤال في هذا الموضوع ليس عن رأي الإسلام فهو واضح كما أسلفنا، ولكنّ السؤال عن حكمة تعدّد الزوجات، فلماذا شرّع الإسلام مثل هذا الأمر؟
2- النساء: 3.
25
18
الدرس الثاني: حقوق المرأة
إنّ بقاء تعدّد الزوجات ضمن الأمور الجائزة هو أمر ضروريّ لتحقيق العدل بين النساء من جهة، ولحلّ المعضلات الاجتماعيّة التي قد تتفاقم من جهة أخرى، فهناك مشكلة تتشكل من عنصرين:
1 - زيادة نسبة النساء على الرجال، باعتبار أنّ الموت يصيب الرجال أكثر ممّا يصيب النساء بكثير خصوصاً في سنّ الشباب نتيجة الحروب التي يواجهها الرجال عادة، ونتيجة الخروج إلى العمل وغيرها من الأخطار التي يتعرّض لها الرجل أكثر مما تتعرّض لها المرأة.
2 - حقّ كلّ امرأة في تشكيل أسرة على أساس شرعيّ قانونيّ.
فللمرأة حقّ في تشكيل أسرة خاصّة بها، ولو كان عدد الرجال كعدد النساء لأمكن أن يقال إنّ حقّ المرأة هذا محفوظ حتّى مع عدم إمكانيّة تعدّد الزوجات، ولكنّنا نعلم من خلال الإحصاءات العلميّة
خلاف ذلك، فعدد النساء أضعاف عدد الرجال، وإغلاق باب تعدّد الزوجات سيعني بالضرورة سدّ الباب على كثير من النساء ومنعهنّ من حقهنّ في تشكيل الأسرة، لذلك فإنّ المطالبة بمنع تعدد
الزوجات هو نوع من الأنانيّة الفرديّة التي تقع بها المرأة المتزوّجة على حساب أخريات لن يكون الزواج ممكناً لهنّ.
والشرع بنظرته المتوازنة التي تريد أن تحقّق العدالة على مستوى إتاحة الفرصة على الأقلّ، ترك هذا الباب مفتوحاً.
قوّاميّة الرجل على المرأة:
يقول تعالى في كتابه المجيد: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ...﴾3.
ولا بدّ لتوضيح هذه العبارة من الالتفات إلى أنّ العائلة وحدة اجتماعيّة صغيرة، وهي كالاجتماع الكبير لا بدّ لها من قائد وقائم بأمورها، وترتكز قوّاميّة الرجل على ركيزتين:
3- النساء: 34.
26
19
الدرس الثاني: حقوق المرأة
- ﴿... بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...﴾ وهذا التفضيل ليس تفضيلاً بالقيمة المعنويّة وإنّما المقصود أنّ هناك ميزة عمليّة يمتاز بها الرجل تجعله مؤهّلاً لموضوع القوّاميّة، وهذا له علاقة بالصفات الموجودة عادة عند الرجل والأخرى الموجودة عند المرأة، فالمرأة تكون عادة كثيرة الانفعال نتيجة العاطفة الجيّاشة الموجودة عندها بخلاف الرجل.
2- ﴿... وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ...﴾. فنفقة البيت واجبة على الرجل لا على المرأة، ومن الطبيعيّ أنّ من يتحمّل وجوب الإنفاق على أيّ مشروع يكون الأحقّ بالإشراف عليه.
الإرث:
يقول تعالى في كتابه العزيز:
﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾4.
لقد شرّع الإسلام الإرث للمرأة كما شرّعه للرجل، وجعل لكلٍّ منهما نصيباً، ولكن هناك ميزة في إرث الأولاد، هي أنّهم لا يرثون بالتساوي، فالذكر يأخذ ضعف ما تأخذه الأنثى، يقول تعالى:
﴿يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ...﴾5.
فلماذا هذا التفاوت بينهما؟
السبب في هذا التفاوت يظهر من خلال ملاحظة أمرين:
1- الرجل مكلّف بالصرف على العائلة وتأمين حاجيّاتها الماديّة، والمرأة ليست مكلّفة بذلك، بل تأمين حاجيّاتها الشخصيّة على عاتق الرجل أيضاً سواء كان أباً أو زوجاً.
4- النساء: 7.
5- النساء: 11
27
20
الدرس الثاني: حقوق المرأة
ويقول تعالى:﴿لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ...﴾6.
فما دام الرجل مكلّفاً بالصرف على العائلة فمن الطبيعيّ أن يلاحظ ذلك في تقسيم الموارد، حتّى يكون التقسيم متلائماً مع المسؤوليّات الملقاة على عاتق كلّ منهما، فليس غريباً أن يرث الرجل ضعف ما ترثه المرأة.
2- الرجل هو الذي يدفع المهر في عقد الزواج لمصلحة المرأة، وهذا أيضاً يؤيّد في مقابله وجود مميّزات في الموارد ليتحقّق الانسجام بين الموارد والمصاريف.
فإنّ ما ورثه سيعود الكثير منه للمرأة كإبنة، أو زوجة واجبة النفقة، فيما يبقى المال الذي ورثته المرأة خالصاً لها من دون أن يشاركها فيه أحد.
فعندما نقرأ مسألة الإرث كمورد من الموارد الماليّة، علينا أن نقرأه ضمن منظومة الموارد والمصاريف في النظام الإسلاميّ ليتحقّق نوع من التكافؤ بينهما.
خلاصة الدرس
هنالك فوارق في الاستعدادات الجسميّة والنفسيّة بين الرجل والمرأة، من دون أن يكون لهذا التفاوت ارتباط بالنقص أو الكمال، بل هو تعادل وتناسب، فقد استهدف قانون التكوين بهذا التفاوت جعل
تناسب أكبر بين الرجل والمرأة اللذين خُلقا لحياة مشتركة.
إنّ البحث عن وجود تفاوت بين الرجل والمرأة ليس جديداً، بل نجده في عمق التاريخ بما لا يقلّ عن 2400 سنة.
6- البقرة: 286.
28
21
الدرس الثاني: حقوق المرأة
النظرة المجتزءة قد تكون سبباً أساسيّاً في عدم فهم التشريع الإسلاميّ، فالإسلام صاحب التشريع الشامل، وعلينا أن ننظر إلى مسألة المرأة والرجل، ضمن منظومة الشريعة كلّها لا أن ننظر إليها بقطع
النظر عن كلّ ما يتعلق بها.
التفضيل للرجل على المرأة في قوله تعالى: ﴿... بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ..﴾7، ليس تفضيلاً بالقيمة المعنويّة وإنّما المقصود أنّ هناك ميزة عمليّة يمتاز بها الإنسان تجعله مؤهّلاً لموضوع القوّاميّة، وهذا له علاقة بالصفات الموجودة عادة عند الرجل، والأخرى الخاصّة بالمرأة.
هناك ميّزة في إرث الأولاد، هي أنّهم لا يرثون بالتساوي، فالذكر يأخذ ضعف ما تأخذه الأنثى، وهذا التفاوت له أسباب منها: أنّ الرجل مكلّف بالصرف على العائلة وتأمين حاجيّاتها الماديّة، والمرأة
ليست مكلّفة بذلك وأنّ ما ورثه سيعود الكثير منه للمرأة كابنة أو زوجة واجبة النفقة، فيما يبقى المال الذي ورثته المرأة خالصاً لها من دون أن يشاركها فيه أحد.
أسئلة حول الدرس
1- أذكري بعض الفروق الجسميّة بين الرجل والمرأة.
2- أذكري بعض الفروق النفسيّة بين الرجل والمرأة.
3- ما هي الحكمة من تشريع جواز تعدّد الزوجات؟
4- لماذا يرث الولد الذكر مثل حظ الأنثيين؟
5- ما المقصود بالآية الشريفة ﴿...بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...﴾؟
7- النساء: 34.
29
22
الدرس الثاني: حقوق المرأة
اللمطالعة
أم كلثوم:
هي أم كلثوم ابنة عليّ ابن أبي طالب عليه السلام وابنة السيّدة الزهراءعليها السلام.
امرأة مجاهدة بالقول والعمل، هي التالية للعقيلة زينب عليها السلام سنّاً وفضلاً، كما أنّها شريكتها في تحمّل العبء الذي نهضت به بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.
دخلت السيّدة أم كلثوم الكوفة في عهد أبيها أمير المؤمنين عليه السلام، بعد أن جعلها عاصمة لدولته، فعاشت في بيته المتواضع وتعلّمت منه معالي الأخلاق، إلّا أنّها لمّا دخلت الكوفة للمرة الثانية دخلتها
أسيرة مع سبايا كربلاء، وقد حُمل معها رأس أخيها الحسينعليه السلام ورؤوس الشهداء، والناس تتفرج عليهم فهالها الوجد ممّا رأت، من شفقة الناس عليهم وإعطائهم الخبز والتمر للأطفال فأخذت تأخذ من فم الأطفال وأيدهم الصدقات وهي تقول للناس:
"يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام".
ثمّ خطبت فيهم خطبة نذكر منها:
"يا أهل الكوفة سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه فتبّاً لكم وسحقاً، ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم...".
فكانت خطبها في طريق السبي خطباً فاضحة للسياسات الخبيثة التي تآمرت على الإسلام ورموزه. وقد بثّت بين الناس أشعاراً تهيّج فيها العواطف لكي تقوم الأمّة من رقدتها لتجابه ظلم الأمويّين
ومن تلك الأشعار:
فنحن الضائعات بلا كفيل ونحن النائحات على أخينا
30
23
الدرس الثاني: حقوق المرأة
ونحن السائرات على المطايا نشال على جِمال المبغـضين
ونحن بنات ياسين وطه ونحن الباكيات على أبينا
ألا يا جدّنا قتلوا حسينا ولم يرعوا جناب الله فـينا
ألا يا جدنا بلغت عدانا مناها واشتفى الأعداء فينا
فهذه أم كلثوم المرأة التي تعلّم النساء كيف يكون الجهاد بالكلمة والموقف.
31
24
الدرس الثالث: تعليم المرأة
أهميّة العلم
قد لا نجد بين الأديان والمذاهب والمعتقدات تقديساً للعلم وحثّاً عليه كما هو موجود في الإسلام، حتّى كانت أوّل آية خوطب بها النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عند نزول الوحي - كما هو
مشهور عند المفسّرين -:
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾1.
فقرن القراءة بذكره تعالى للإشارة إلى علاقة العلم بالإيمان بالله عزّ وجلّ.
ثمّ جعل العلم أحد موازين التفاضل بين الناس، فقال تعالى:
﴿... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ...﴾2.
ثمّ مدح أهل العلم ورفعهم إلى مراتب خاصّة:
﴿... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ...﴾3.
حتّى صار فقدهم ثلمة لا يسدّها شيء، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "المؤمن العالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله، وإذا مات ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء إلى يوم القيامة"4.
1- العلق، الآيات: 1 -5.
2- الزمر: 9.
3- المجادلة: 11.
4- بحار الأنوار، ج2، ص17.
34
26
الدرس الثالث: تعليم المرأة
فلماذا هذه الأهميّة التي أعطاها الله تعالى للعلم؟ ولماذا كلّ هذا البعد المعنويّ والدرجات والفضل التي أعطاها للعالم؟
ضرورته للإنسان:
لم يأتِ الاهتمام بالعلم بهذا الشكل من فراغ، بل لهذا الاهتمام مدلولاته الخاصّة التي أشارت إليها الروايات، فللعلم ارتباط وثيق بالدين الإلهيّ الصحيح الذي نزل من عند الله تعالى، هذا الارتباط الذي يشير إليه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "العلم حياة الإسلام وعماد الدين"5.
فالله تعالى هو الحقّ، وكلّما ازداد الإنسان علماً وبصيرة ازداد قرباً من الحق،
يقول تعالى:
﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾6.
ويقول تعالى:
﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾7.
والعلم لا يختص بأمر دون آخر أو بمرحلة دون أخرى بل هو خير أينما حلّ، وفي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "العلم أصل كلّ خير، والجهل أصل كلّ شر"8.
ولنشر هنا إلى شيء من أدوار العلم:
1- اكتساب المعرفة: إنّ المعرفة أمر مطلوب بنفسه، ولا تحتاج لأمر آخر حتّى يبرّرها، خصوصاً المعارف الأساسيّة التي تتعلّق بالمبدأ والمعاد، من هنا
5- ميزان الحكمة، ج1، ص463.
6- سبأ: 6.
7- الحج: 54.
8- الحكمة، ج3، ص2064.
35
27
الدرس الثالث: تعليم المرأة
يعلّمنا القرآن الكريم أن لا نشبع من المعرفة بل نستزيد على الدوام، يقول تعالى: ﴿... وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾9.
2- مقدّمة العمل: إنّ كلّ عمل مهما كان صغيراً أو عظيماً يحتاج إلى مقدّمات علميّة كلّما عرفها الإنسان وعمل على هداها كلّما كان عمله محكماً ومتقناً.
وفي الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "... ولكنّ الله يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه"10.
3- رشد المجتمع: إذا كان الجهل هو سمة المجتمعات، فلا شكّ أنّ الحاكم عليها لن يكون سوى شريعة الغاب، فالجهول بطبيعته لا يرتدع بالعقل وإنّما يرتدع إذا أحسّ بقوّة أكبر من قوته.
من هنا نجد الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا يردع الجهول إلّا حدّ الحسام"11.
4- حلّ لكل المشاكل: حيثما دخل الجهل كان الفساد معه، لذلك قد نجد الكثير من المشاكل الاجتماعية ترجع في منشئها إلى الجهل وعدم العلم.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "الجهل فساد كلّ أمر"12.
العلم غير مختص بالرجل:
بعد أن عرفنا ارتباط العلم بالدين ومعرفة الله تعالى، وارتباطه بإتقان الأعمال ورشد المجتمع وأنّ الجهل أساس الفساد... هل يمكن بعد ذلك كلّه تخصيص العلم بالرجل وسلبه عن المرأة؟
إنّ اختصاصه بالرجل يعني أنّ الدين ومعرفة الله وإتقان الأعمال والرشد... كلّ ذلك مختص بالرجل! وهذا ما لم يقله أحد.
9- طه: 114.
10- أمالي الشيخ الطوسي، ص428.
11- ميزان الحكمة، ج1، ص462.
12- ميزان الحكمة، ج1، ص462.
36
28
الدرس الثالث: تعليم المرأة
من هنا نجد الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، ألا إنّ الله يحبّ بُغاة العلم"13.
فالعلم غير مختصّ بالرجل لأنّ مبرّراته غير مختصّة به. فتعليم المرأة ليس أمراً غير ممنوع فحسب، بل هو أمر مطلوب وراجح.
وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له مِنعة من النار"14.
أجواء التعلّم:
إنّ أجواء المدارس والمعاهد والجامعات وساحات العلم... يجب أن تكون سليمة ومساعدة على تحقيق أهداف التعلّم، فيجب أن يبقى العلم رافعاً للإنسان ومؤكّداً للقيم الإنسانيّة، وبعبارة أخرى يجب أن يكون عماد الدين وداعية إلى معرفة الخالق والتزام الأخلاق الإنسانيّة الرفيعة، وهذا يتحقّق من خلال أمرين:
1- عدم الغفلة عن الهدف من التعلّم؛ وهو تكامل الإنسان فرداً ومجتمعاً وإلّا فالغفلة أساس الضياع.
2- التمسّك بالعفاف والتزام الأحكام الشرعيّة، والسير على المنهج الذي رسمه لنا الإسلام العزيز بشخص السيّدة الزهراء عليها السلام قدوة النساء العالمات، التي كان من ألقابها "العالمة"، فعلى
كلّ عالمة أو متعلّمة أن تضع دائماً نصب أعينها السيّدة الزهراء عليها السلام لتحاول أن تقتدي بها في كلّ حركة تقوم بها أو سكون تلتزمه.
أولويّات التعلّم:
ما هي أولويّات التعلّم بالنسبة للمرأة؟
هناك العديد من الأمور الأساسيّة والضروريّة التي نشير إلى بعضها:
13- الكافي، ج1، ص30.
14- ميزان الحكمة، ج1، ص65.
37
29
الدرس الثالث: تعليم المرأة
1- المعارف الأساسيّة كالعقائد والفقه والأخلاق:
ورد في رواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنّة قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل"15.
فإنّ هذه العلوم ضروريّة جدّاً لكلّ امرأة في أيّ موقع كانت، فهي قبل كلّ شيء مأمورة بإصلاح نفسها على المستوى المعرفيّ العقائديّ، والقلبيّ الأخلاقيّ، والمسلكيّ الفقهيّ. وهذا ما لا تستغني
عنه امرأة في أيّ موقع كانت.
2- أساليب التصرّف العائليّ:
إنّ أوّل دور تواجهه المرأة هو دورها داخل أسرتها كبنت أو أخت أو زوجة أو أم، وهذه الأدوار كلّها لها أهميّتها الخاصّة وتأثيرها الحاسم على العائلة خصوصاً الأمّ التي تخرج إلى المجتمع أبناءً صالحين من علماء ومجاهدين وشهداء وأتقياء، من هنا فعلى الأمّ أن تتعلّم وسائل التربية، وتتعرّف على خصائص الأطفال ومتغيّراتهم بحسب العمر والطبيعة، فإنّ ذلك كلّه سيفيدها كثيراً في مهمتها كأم، وكذلك الزوجة في حياتها مع زوجها، فإنّ الكثير من المشكلات والثغرات تنشأ من الجهل وعدم المعرفة، ومن الطبيعي أنّ التعرّف على هذه الأدوار ووسائلها وطرقها يحسّن أداء المرأة ويفعّل
دورها.
3- الخدمات التي تساعد على تحقيق الأجواء الإسلاميّة الصحيحة:
فإنّ المرأة تشكل نصف المجتمع - بأقلّ تقدير - وهي بحاجة لخدمات اجتماعيّة ونفسيّة وطبيّة... وإذا لم يكن في المجتمع امرأة متخصّصة في هذا الجانب قادرة على رفع حاجات المرأة ستضطر المرأة لمراجعة الرجال، وهذه حالة غير صحيّة مع عدم الاضطرار، من هنا فعلى المرأة أن تتوجه للتخصّص في المجالات التي تحتاجها النساء.
15- الكافي، ج1، ص32.
38
30
الدرس الثالث: تعليم المرأة
4- حاجات المجتمع:
إنّ للمجتمع بشكل عام حاجات خاصّة تختلف من مكان لآخر بحسب الظروف والمتطلّبات، و الاهتمام بهذه الحاجات والتوجّه للتخصّص لرفعها هو أمر مطلوب وراجح.
خلاصة الدرس
قد لا نجد بين الأديان والمذاهب والمعتقدات تقديساً للعلم وحثّاً عليه كما هو موجود في الإسلام، وللعلم ارتباط وثيق بالدين الإلهيّ الصحيح الذي نزل من عند الله تعالى.
من أدوار العلم:
1- اكتساب المعرفة.
2- مقدمة العمل.
3- رشد المجتمع.
4- حلّ لكلّ المشاكل.
إنّ اختصاص فريضة العلم بالرجل يعني أنّ الدين ومعرفة الله وإتقان الأعمال والرشد... كلّ ذلك مختص بالرجل، وهذا ما لم يقله أحد.
إنّ أجواء المدارس والمعاهد والجامعات وساحات العلم... يجب أن تكون سليمة ومساعدة على تحقيق أهداف التعلّم، فيجب أن يبقى العلم رافعاً للإنسان ومؤكّداً للقيم الإنسانيّة، ويتحقّق ذلك بأمرين:
39
31
الدرس الثالث: تعليم المرأة
1- عدم الغفلة عن الهدف من التعلّم.
2- التمسّك بالعفاف والتزام الأحكام الشرعيّة، والسير على المنهج الذي رسمه الإسلام.
هناك العديد من الأمور الأساسيّة التي ينبغي للمرأة معرفتها:
1- المعارف الأساسيّة كالعقائد والفقه والأخلاق.
2- أساليب التصرّف العائليّ.
3- الخدمات التي تساعد على تحقيق الأجواء الإسلاميّة الصحيحة.
4- حاجات المجتمع.
أسئلة حول الدرس
1- ما هو الدور المؤثّر الذي أراده الإسلام أن يتحقّق من خلال العلم؟
2- ما هو رأي الإسلام في قضيّة تعلّم المرأة؟
3- ما هي الأمور التي تساعد على تحقيق الهدف من التعلّم؟
4- ما هي أهمّ المسائل التي ينبغي على المرأة أن تتعلّمها؟
5- ما المقصود بأنّ على المرأة أن تتعلّم حاجات المجتمع الخاصّة؟
40
32
الدرس الثالث: تعليم المرأة
للمطالعة
الشهيدة آمنة الصدر (بنت الهدى)
ولدت في مدينة الكاظميّة عام 1973ميلاديّة / 1357هجريّة.
هي ابنة السيّد حيدر الصدر أحد كبار العلماء والمحققين وأخت الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر (رضوان الله تعالى عليه).
في منزلها- منزل العلم- تلقّت الشهيدة علوم النحو والمنطق والفقه والأصول إلى جانب العلوم التقليديّة التي تدرّس في المدارس الحكوميّة، حتّى شهد لها الكثير من أصحاب العلم بالنبوغ.
فاتّجهت نحو التدريس وأصبحت مسؤولة عن مدارس الزهراء عليها السلام في عام 1967م. وكان لها حضور كبير في الساحة النسائيّة العامّة وفي الساحة الأدبيّة، تميّزت مؤلفاتها برونق خاص، فبالرغم من أنّ معظم مؤلّفاتها كانت قصصيّة إلّا أنّها حملت في طيّات مؤلّفاتها رسالة موجّهة إلى الشباب، ومن أشعارها مخاطبة المرأة المسلمة:
رجعيّة إن قِيلَ عَنْك! فَلا تُبالـي واصْمديِ
قُولي: أنـا بنتُ الرسالـةِ، مِنْ هُداها أهتديِ
لَمْ يُثْنني خَجَلي عَـنْ العَليـا، وَلَمْ يُغلل يديِ
كلّا، ولا هـذا الحجابُ يُعيقني عَـنْ مَقْصَديِ
فَغَداً لَنا، أختاه، فامضي في طَرِيقكِ واصعديِ
والحقُّ يـا أخْتاه يَعْـلو فـوقَ كيـدِ المُعتديِ
41
33
الدرس الثالث: تعليم المرأة
من مؤلّفاتها:
(الفضيلة تنتصر - كلمة ودعوة - المرأة مع النبيّ - امرأتان ورجل - ذكريات على تلال مكّة - الباحثة عن الحقيقة - صراع - الخالة الضائعة - بطولات المرأة المسلمة...).
لم تكتفِ الشهيدة بالعمل التربويّ الاجتماعيّّ، بل امتدّ عطاؤها نحو الجهاد السياسيّ. فلعبت دوراً مؤثّراً وقويّاً في إيصال أفكار الشهيد السيّد الصدر للنساء، وشرح الموقف السياسيّ المطلوب آنذاك
لجميع من يعمل معها، وعملت على تعبئة النساء على مقاومة أفكار ومخططات النظام الطاغية، وساهمت في تكوين الروح الجهاديّة ضد أعداء الإسلام.
وفي عام 1977 ميلادية تعرّض السيّد الشهيد للاعتقال، فخرجت الشهيدة تستمدّ خطاها من خطى زينب سلام الله عليها دون خوف وبشجاعة زينبيّة إلى حرم جدها أمير المؤمنين عليه السلام تستصرخ الناس وتحثّهم على الثورة ونادت بأعلى صوتها: "الظليمة الظليمة.. يا جدّاه يا أمير المؤمنين إنّي أشكو إلى الله وإليك ما يجري علينا من ظلم واضطهاد". ثمّ توجّهت إلى الناس وهتفت: "أيّها الشرفاء هل تسكتون وقد أعتقل مرجعكم، هل تسكتون وإمامكم يسجن ويعذّب، ماذا تقولون إذاً لجديّ أمير المؤمنين إن سألكم عن تخاذلكم!! اخرجوا تظاهروا واحتجّوا....".
عرف الطاغية صدّام أنّ الشهيدة وأخاها خطرٌ على نظامه الطاغي، فأمر باعتقالهما وعذّبهما تعذيباً شديداً انتهى باستشهاد السيّد الشهيد الصدر وأخته الطاهرة بنت الهدى رضوان الله عليهما.
42
34
الدرس الثالث: تعليم المرأة
من أشعارها:
قَسَماً وإنْ مُلئ الطَريقُ بِما يُعيقُ السيرَ قُدماً
قَسَماً وإنْ جَهَدَ الزَمانُ لكي يُثَبِّطَ فيَّ عَزْماً
أوْ حاولَ الدَهْرُ الخَؤونُ بأن يَرُشَّ إليّ سهماً
وتَفَاعَلَتْ شَتّى الظُروف تُكيلُ آلاماً وَهَمّاً
فَتَراكَمَتْ سُحبُ الهُمومِ بأفقِ فِكْري فادّلهمّا
لَنْ أنْثني عمّا أرومُ وإنْ غَدَتْ قَدَماي تُدّمى
كلّا ولَنْ أدَعَ الجِهادَ فَغايتي أعلى وأسْمى
* * *
أنا كُنْتُ أعْلمُ أنَّ دَرْبَ الحقِّ بالأشْواكِ حافِل
فَلَطالَما كانَ المجاهدُ مُفْرداً بَينْ الجَحافل
وَلَطالَما نَصَرَ الإلهُ جُنودَهُ وهمُ القَلائل
فالحقُّ يخلُدُ في الوجُودِ وَكُلّ ما يَعْدوه زائِل
سأظلّ أشدو باسْم إسلامي وأنْكرُ كلَّ باطِل
43
35
الدرس الرابع : الحجاب
المقدّمة
الحجاب هو مسألة من أهمّ المسائل التي أثارت الجدل في المجتمعات على المستوى الاجتماعيّ العامّ، لما له من أثر كبير في تحديد هويّة المجتمع، ودور أساسيّ وحاسم في توجّه ومسلكيّة المجتمع بنسائه ورجاله.
لذلك كان الحجاب يتعرّض دائماً لحملات التشويه والتضعيف بالجدل وطرح الشبهات تارة، وبالمحاربة العمليّة من خلال قوانين تحديده ومنعه تارة أخرى، ومن خلال محاولة عزل المحجبات عن التأثير بالمجتمع بإطلاق تهم التخلّف والرجعيّة والتحجّر... مرّة ثالثة.
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أهميّة الحجاب ودوره المصيريّ والحاسم في صراع الحقّ والباطل، فهو الحصن الشامخ الذي يصون بوجوده كلّ معسكر الحقّ، والذي إن سقط لا سمح الله فإنّ سقوطه سيعني انهيار الكثير من المفاهيم والمسلكيّات دفعة واحدة، فترك الحجاب ليس بمثابة رفع ثمرة من ثمار الإسلام، بل هو أشبه بنفض مائدة الحقّ في الجانب المسلكيّ ليسقط جلّ ما عليها من ثمار، ووضع الزقوم والضريع وموائد الباطل بدلاً عنها!
الحجاب في المسيرة الإنسانيّة:
إنّ الحجاب لم يقتصر في وجوده على مرحلة معيّنة من مراحل المسيرة الإنسانيّة، وكذلك ترك الحجاب، فعندما نراجع التاريخ نجد الحجاب وعدمه قديمين في تاريخ الإنسان قدم الحقّ والباطل، وعندما جاء الإسلام العزيز ونزل القرآن الكريم أخذا بيد البشريّة ليتقدّما بها أشواطاً على المستوى الحضاريّ باعتراف العدوّ قبل الصديق،
46
37
الدرس الرابع : الحجاب
طُلب من المرأة الحجاب في مجتمع كان يمارس فيه بعض الناس الطواف العاري حول الكعبة المشرّفة! وكان فيه بيوت الرايات الحمر المنشورة في المجتمع الجاهليّ! وهكذا عندما نقرأ سيرة لأنبياء عليهم السلام سنجد دائماً هذين الخطّين... ولكن عندما نتحدّث عن المستقبل وما سترسو عليه البشريّة في نهاية مسيرتها في هذه الدنيا، نجد أنّ الحجاب هو المستقبل الذي ستلتزم به البشريّة.
فقد أثبتت التجربة الإنسانيّة أنّ السفور هو سبب تخلّف المجتمعات من الجهة الاجتماعيّة، ووقوعها في المشاكل الخطيرة التي يئنّ منها عالم الغرب اليوم، ويكفي مقارنة صغيرة بين أمن المرأة في المجتمعات الغربية التي تبتعد عن الحجاب، وأمنها في المجتمعات الإسلاميّة التي التزمت بهذا الحجاب - رغم التقصير الموجود على مستوى الالتزام-.
فالحجاب هو الكمال والتقدّم والطمأنينة التي يمثّلها الحق، والسفور هو النقص والتخلّف والاضطراب وفقدان الأمن التي يمثّلها الباطل.
ثمّ إنّ الحجاب فُرض من الله تبارك وتعالى، لذلك فهو بالتأكيد كمال وتقدّم لمن آمن بالله وبصفاته الكماليّة، وليس نقصاً أو تخلّفاً، وسيأتي اليوم الموعود الذي لا تبقى فيه راية إلّا راية الحق، عند ظهور
الحجّة عجل الله فرجه الشريف:
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾1.
معنى الحجاب:
يذكرون في كتب اللغة في مادة حجب: "كلّ شيء منع شيئاً من شيء فقد حجبه حجباً... والحجاب اسم ما حجبت به شيئاً عن شيء"2.
وكلامنا في حجاب المرأة، المقصود منه منع الأجنبيّ من النظر إلى بدن المرأة، فالحجاب هو ما يكون حائلاً ومانعاً وساتراً عن النظر بغضّ النظر عن طبيعة هذا المانع.
1- الأنبياء: 105.
2- كتاب العين، ج3، ص86.
47
38
الدرس الرابع : الحجاب
ما هو المطلوب في المنع؟
هناك أمران من ظاهر البدن هما: البشرة بلونها وخيالها، والحجم بأبعاده الثلاثة (الشكل). فهل المطلوب ستر أحدهم دون الآخر؟ أم المطلوب سترهما معاً؟
بالنسبة إلى البشرة فيجب سترها بلا ريب سواء في ذلك اللون أو الخيال.
وأمّا الحجم فلا يجب ستره بالكامل بل يجب ستر التفاصيل التي تبعث على الفتنة.
أدلّة الحجاب:
هناك ثلاثة أمور يجب أن نتعرّف إليها في الحجاب:
1- عمّن يجب أن تتحجّب المرأة؟
يقول تعالى:
﴿... وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾3.
فالمرأة المؤمنة لا ينبغي لها أن تبدي زينتها أمام الأجنبيّ وهو الشخص الذي لم يستثنه الله تعالى في الآية المباركة.
2- مقدار الستر الواجب.
يجب على المرأة أن تمنع نظر الأجنبيّ إلى كلّ ما عدا الوجه والكفين من بدنها. وهناك أدلّة من الآيات الشريفة وأحاديث المعصومين عليهم السلام تدلّ على ذلك:
3- النور: 31.
48
39
الدرس الرابع : الحجاب
أ- قوله تعالى:
﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ 30 وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...﴾4.
وهذه الآية الكريمة تتعرّض لعدّة أمور:
1- على المؤمنين والمؤمنات أن يغضّوا من أبصارهم، ومعنى الغضّ في اللغة: الخفض والنقصان من الطرف، وغضّ البصر يعني عدم التحديق والإمعان في الشيء.
2- يجب على الرجال والنساء حفظ الفروج، فالمطلوب الاجتهاد في حفظ العفاف والطهر.
3- يجب ستر الزينة، وهناك نوعان من الزينة، خفيّة وظاهرة، والخفيّة هي ما تكون مخفيّة تحت الثياب مستورة عن نظر الناظرين، كالعقد والقراط (الحلق) ولون الشعر والثياب المستورة التي فيها زينة. والظاهرة هي الوجه والكفان، حيث سُئل الإمام الصادق عليه السلام عمّا تُظهرْ المرأة من زينتها؟ فقال عليه السلام: "الوجه والكفّين"5.
وهذا يعني وجوب ستر البدن كلّه باستثناء الوجه والكفّين.
ثم يعقّب تعالى بعد ذلك بقوله: ﴿... وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ...﴾.
والخُمر: جمع خمار، وهو ثوب تُغطّي به المرأة رأسها ورقبتها، والجيوب جمع جيب وهو من القميص موضع الشق الذي ينفتح على المنحر والصدر، ويقال: إنّ النساء في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كنّ يلبسن ثياباً مفتوحة الجيب، وكنّ يلقين الخُمر ويسدلنها خلف رؤوسهنّ فتظهر آذانهنّ وأقراطهنّ ورقابهنّ وشيء من نحورهنّ للناظرين، فأمرت الآية بضرب خمرهنّ على جيوبهنّ، أي يلقين بما زاد من غطاء الرأس على صدورهنّ حتى يسترن بذلك آذانهنّ وأقراطهنّ وصدورهنّ.
4- النور، الآيتان: 30 ـ 31.
5- وسائل الشيعة، ج14، ص146.
49
40
الدرس الرابع : الحجاب
ب – ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾6.
وفي هذه الآية أمر واضح بضرورة إسدال الجلابيب، فما معنى الجلابيب وكيف يكون الإسدال؟
الجلباب: هو ثوب تشتمل به المرأة فيغطّي جميع بدنها، ويطلق أيضاً على الخمار، والظاهر أنّه استعمل هنا بمعنى الخمار، فإسدالها: ستر الجيوب بها، فهي تشير إلى ما هو مذكور في الآية السابقة. وأضيف إليها هنا: ﴿... ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ...﴾.
والمقصود: أقرب إلى أن يعرفن أنهنّ أهلُ الستر والصلاح فلا يؤذيهنّ أهل الفسوق بالتعرّض لهنّ7.
مفهومان لحجاب المرأة:
هناك مفهومان للحجاب يؤثّران بشكل كبير على دور المرأة ونشاطها وحضورها في المجتمع:
المفهوم الأول: النظرة إلى الحجاب بشكل سلبيّ وتطبيقه بشكل يعزل المرأة عن المجتمع بشكل كامل، بحيث لا يبقى لها فعاليّة ممكنة مع هذا الحجاب وتصبح حياتها كلّها مختصرة ببيتها دون ارتباط بالمجتمع... هذه الطريقة من الحجاب لا تتماشى مع الكثير من الآيات القرآنية كقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...﴾8.
كما وأنّه يتنافى مع السيرة والتاريخ الإسلاميّ، فالسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام كانت ركنا أساسيّاً من أركان المجتمع الإسلاميّ، وكذلك السيّدة زينب عليها السلام ودورها
6- الأحزاب: 59.
7- راجع الميزان في تفسير القرآن.
8- التوبة: 71.
50
41
الدرس الرابع : الحجاب
المعروف خصوصاً بعد كربلاء، وحملها لهذه الرسالة الخالدة، بل حتّى قبل كربلاء كان لها دورها الأساسيّ خصوصاً في المجتمع النسائيّ.
المفهوم الثاني: وهو الحجاب الإيجابيّ الذي يحفظ المرأة في المجتمع، ويضمن لها الجوّ المناسب الذي يساعدها على العمل والفعّاليّة، فهو في الحقيقة دفعة نحو العمل والفعّاليّة والتأثير كما كانت سيّدة النساء عليها السلام وكما كانت قبلها أمّها خديجة رضوان الله تعالى عليها وكما كانت بعدها السيّدة زينب سلام الله عليها وبنات الرسالة بشكل عام؛ يقول الإمام الخميني قدس سره: يؤهّل الإسلام المرأة لأن يكون لها - كالرجل - دور في جميع الأمور، فكما يؤدّي الرجل دوراً في جميع الأمور فالمرأة أيضاً تمتلك مثل هذا الدور.
51
42
الدرس الرابع : الحجاب
خلاصة الدرس
إنّ الحجاب لم يقتصر في وجوده على مرحلة معيّنة من مراحل المسيرة الإنسانيّة، وكذلك ترك الحجاب، فإنّنا نجد الحجاب وعدمه قديمين في تاريخ الإنسان قِدَم الحقّ والباطل.
أثبتت التجربة الإنسانيّة أنّ السفور هو سبب تخلّف المجتمعات من الجهة الاجتماعيّة ووقوعها في المشاكل الخطيرة التي يئنّ منها عالم الغرب اليوم.
الحجاب هو الكمال والتقدّم والطمأنينة التي يمثّلها الحقّ، والسفور هو النقص والتخلّف والاضطراب وفقدان الأمن التي يمثلها الباطل.
الحجاب هو منع الأجنبيّ من النظر إلى بدن المرأة.
هناك أمران من ظاهر البدن هما: البشرة بلونها وخيالها، والحجم بأبعاده الثلاثة (الشكل).
بالنسبة إلى البشرة فيجب سترها بلا ريب سواء في ذلك اللون أو الخيال.
وأمّا الحجم فلا يجب ستره بالكامل بل يجب ستر التفاصيل التي تبعث على الفتنة.
يجب أن تتحفّظ المرأة عن نظر الأجنبيّ إلى كلّ ما عدا الوجه والكفّين من بدنها، عدا ما استثناه الله تعالى في كتابه.
هناك مفهومان للحجاب:
1- النظرة إلى الحجاب بشكل سلبيّ وتطبيقه بشكل يعزل المرأة عن المجتمع بشكل كامل، بحيث لا يبقى لها فعّاليّة ممكنة، هذه الطريقة لا تتماشى مع الكثير من
52
43
الدرس الرابع : الحجاب
الآيات القرآنية كقوله تعالى:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...﴾9.
2- الحجاب الإيجابيّ الذي يحفظ المرأة في المجتمع ويضمن لها الجو المناسب الذي يساعدها على العمل والفعاليّة.
أسئلة حول الدرس
1- هل أهميّة الحجاب مسألة جاء بها الإسلام فقط؟
2- هل للحجاب تأثير على أفراد المجتمع؟ وما هو هذا التأثير؟
3- هنالك نظرتان ومفهومان للحجاب ما هما؟
4- ما المقصود بالحجاب السلبيّ؟
5- ما المقصود بالحجاب الإيجابيّ؟
9- التوبة: 71.
53
44
الدرس الرابع : الحجاب
للمطالعة
الإمام الخمينيّ قدس سره والحجاب:
هناك العديد من القصص المتعلّقة بالحجاب والاختلاط تنقلها عائلة الإمام الخمينيّ قدس سره في حياته اليوميّة لتكون درساً وعبرة لنا، وننقل من هذه القصص والكلمات:
1 - السيّدة فاطمة الطباطبائي: "كان الإمام يتأذّى بشدّةٍ إذا رأى من أحدٍ ما يخالف الشرع ويتغيّر حاله بوضوح، وكان ينّبهنا مثلاً إلى الالتزام الكامل بالحجاب إذا ظهر من أيدي إحدانا أكثر من
الحدّ الشرعيّ المجاز ، ونحن نجلس على مائدة الطعام"10.
2 - تقول السيّدة عاطفة الإشراقي: "من القضايا التي كان يهتمّ الإمام بها كثيراً اجتناب الاختلاط بين غير المحارم، وأتذكّر أنّ عمري لم يكن قد تجاوز عشر سنين عندما ناداني مرةً؛ وكنت ألعب مع إخوتي وابن خالتي لعبة الاختفاء وكنتُ محجّبة أيضاً لكنّه رغم ذلك قال لي: "لا يوجد فرقٌ بينكِ وبين أختك الكبيرة فكيف تلعبين مع الأولاد وهي لا تلعب معهم؟!"11.
3 - تقول السيّدة فاطمة الطباطبائي: "لم يكن الإمام يرى من ضرورةٍ للتحدّث مع غير المحارم من النساء، لذلك كنّا لا نجلس مع أيّ من أحفاده إذا بلغ سنّ التكليف الشرعيّ في غرفةٍ واحدة في بيت الإمام، والطريف أنّه إذا دخل أحدُ هؤلاء غرفة الإمام ونحن عنده لم يكن يأمرنا بالخروج بل كان يطلب من حفيده أن يخرج، أو إذا كنتُ عنده وأراد حفيدٌ له بلغ سنّ التكليف أن يدخل عليه
10- ملحق صحيفة إطلاعات، 14/3/1369هـ.ش.
11- مجلة "زن روز"، العدد 1267.
54
45
الدرس الرابع : الحجاب
وهذا الحفيدُ هو بمثلِ سنّ ولدي نهاه عن الدخول بسبب حضوري عنده"12.
4 - تقول السيّدة زهراء المصطفوي: "يتشدّد الإمام فيما يرتبط بالاختلاط بين غير المحارم، فمثلاً إنّ أعمار أبنائي وأبناء أخي السيّد أحمد متقاربة وهي ما بين (15/16) عاماً، فإذا دُعينا يوماً لتناول طعام الظهيرة في بيت الإمام لا نصطحبهم معنا، وإذا اصطحبناهم ذهبوا إلى بيت السيّد أحمد حيث يتناول الرجال طعامهم هناك، فيما تتناول البنات الطعام معنا في غرفة والدتنا في بيت الإمام لكي لا يجلس الأبناء من غير المحارم وإن كانوا أرحاماً على مائدةٍ واحدة، بل وكان يؤكد على أنّه لا حاجة لأن يسلِّم بعضهم على بعض فهذا ليس بواجب"13.
5 - السيّدة زهراء المصطفوي: "كان عمري (15) عاماً عندما تزوّج المرحوم الشيخ الإشراقي أختي، وقد دعانا يوماً إلى مأدبةٍ في منزله، وعندما دخلتُ مع والدي إلى منزله، خرج الشيخ الإشراقي إلى حديقة المنزل لاستقبالنا، فقلت لوالدي: هل أسلّمُ عليه؟ أجاب: ليس السلام واجباً، فاضطررت إلى المرور عبر الحديقة لكي أتجنّب السلام عليه".
12- ملحق صحيفة إطلاعات، 14/3/1369هـ.ش.
13- مجلة "شاهد بانوان"، العدد 149.
55
46
الدرس الخامس: الإختلاط
المقدّمة
إنّ الاختلاط بشكل عامّ هو أرض خصبة للوقوع في الكثير من الانحرافات السلوكيّة والنفسيّة، التي قد تستدرج الإنسان على هذين المستويَين ليجد نفسه في لحظة ما قد فَقَدَ كلّ الدفاعات النفسيّة التي تقف في وجه وسوسات الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، وأصبح صريعاً تحت سلطة إبليس اللعين بعيداً عن الرحمة الإلهيّة، فمثل هذه الساحات المختلطة هي في الحقيقة من الأهداف السهلة التي يصوّب إليها إبليس وجنوده كلّ ما بحوزتهم من أسلحة وفتن وزخارف وأوهام لعلّهم ينالون من الإنسان ويتحقّق هدف إبليس اللعين:
﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾1.
من هنا كان للاختلاط خطورته الخاصّة التي تحتّم معرفة الحدود الشرعيّة التي تمنع الإنسان من الوقوع في شرك إبليس وجنوده، وتؤمّن له الحماية والحصانة الكافية ليبقى عزيزاً في هذه الدنيا فائزاً في الآخرة.
ما معنى الاختلاط؟
المقصود من الاختلاط هو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، سواء في بيت أو سوق أو طريق... فكلّ لقاء لأحد الجنسين مع الآخر هو نوع من أنواع الاختلاط.
1- الحجر، الآيتان: 39 ـ 40.
58
48
الدرس الخامس: الإختلاط
والاختلاط - إذا فسّرناه بهذا المعنى الواسع - إذا أمكن اجتنابه لشخص أو شخصين فهو بالتأكيد متعسّر بالنسبة للمجتمع عموماً، لأنّ الإنسان يعيش عادة في مجتمع مختلط ولأفراده حاجات متبادلة يعسُر معها فرض عُزلة الرجال عن النساء بشكل كامل، بل نجد الاختلاط موجوداً حتّى في بعض الأمور الشرعيّة الأساسيّة كالحجّ، وكذلك الجهاد كما يُستفاد من سيرة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان للنساء دورٌ أساس في المعركة من مداواة الجرحى وسقي الماء ونحو ذلك...
تقليل الاختلاط:
إنّ كون الاختلاط ضرورة في بعض جوانبه لا يكفي للاستسلام له وقبوله على كلّ حال، لأنّ الضرورات تُقدّر بمقدارها، لذلك ينبغي تقليل الاختلاط إلى أقلّ حدّ ممكن كما أرشدنا القرآن الكريم إلى ذلك في قصّة كليم الله موسى عليه السلام وابنتَي نبيّه شعيب عليه السلام، يقول تعالى:
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير﴾2.
الخلوة المحرّمة:
حرّمت الشريعة المقدّسة نوعاً من الاختلاط، وهو الاختلاط الذي يصل إلى حدّ الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيّين، ضمن شروطٍ يذكرها الإمام الخميني قدس سره بقوله: "إذا اجتمع الرجل والمرأة في محلّة خلوة، بحيث لم يوجد أحدٌ هناك، ولا يتمكّن الغير من الدخول، فإن كانا يخافان الوقوع في الحرام فيجب أن يتركا المكان"3.
ويكفي أن يكون الحرام بمقدار النظرة المحرّمة، فمثل هذه الخلوة محرّمة بنفسها، وفي الرواية عن علي عليه السلام: "لا يخلو بامرأة رجل، فما من رجل خلا بامرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما"4.
2- القصص: 23.
3- توضيح المسائل للإمام الخميني (قده) المسألة رقم 2445.
4- مستدرك الوسائل، ج14، ص265.
59
49
الدرس الخامس: الإختلاط
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على النساء أن لا ينِحنَ، ولا يخمشنَ ولا يقعدنَ مع الرجال في الخلاء"5.
ضوابط الاختلاط الحلال:
إذا لم تحصل الخلوة فالاختلاط ليس محرّماً بنفسه، ولكنّ هذا لا يعني عدم وجود حواجز شرعيّة...
وهناك العديد من الحدود التي يجب أو ينبغي الالتفات إليها واجتنابها عند اختلاط الرجل بالمرأة نشير إلى بعضها:
1- التبرّج والزينة: إنّ التبرج والزينة من الأمور التي يحرم على المرأة إظهارها للرجل الأجنبيّ، وفي حديث المناهي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ونهى أن تتزيّن لغير زوجها فإن فعلت كان حقّاً على الله أن يحرقها بالنار"6.
2- الرائحة والطيب: إنّ الطيب والرائحة شبيهة بالتبرّج أيضاً ولكنّ التبرّج تدركه حاسّة البصر، وأمّا الطيب فتدركه حاسّة الشم، لذلك فمع وجود المفسدة يحرم الخروجُ بالطيب والاختلاط فيه، وعن جابر بن يزيد قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما لاسلام يقول: "ولا يجوز لها أن تتطيّب إذا خرجت من بيتها"7.
والخروج هنا مثال لما يحقّق الاختلاط، لذا فالحرمة لا تختصّ بالخروج بل تشمل مطلق الاختلاط حتّى لو حصل في البيت.
3- اللمس والمصافحة: إنّ اللمس والمصافحة من المفاسد المتعلّقة بحاسّة اللمس، فيحرم لمس بشرة الأجنبيّ، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من صافح امرأة حراماً جاء يوم القيامة مغلولا ثمّ يؤمر به إلى النار"8.
5- مستدرك الوسائل، ج2، ص 449.
6- أمالي الصدوق، ص509.
7- وسائل الشيعة، ج20، ص770.
8- توثيق وسائل الشيعة، ج20، ص197.
60
50
الدرس الخامس: الإختلاط
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "ولا يجوز للمرأة أن تصافح غيرَ ذي محرم إلّا من وراء ثوبها"9.
فالحرمة من الطرفين، يحرم على الرجل أن يصافح المرأة وكذا يحرم على المرأة أن تصافح الرجل.
4- الخضوع في القول: بمعنى الميوعة في طريقة الكلام، وقد نهى الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى:
﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾10.
فهذه الآية الكريمة تلفت إلى خطورة دور نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأنهنّ أولى من غيرهنّ بالالتزام بهذه التكاليف الإسلاميّة، التي هي عامّة لكلّ النساء، ومن هذه التكاليف عدم الخضوع في القول، فعلى المرأة المسلمة أن تتحدّث بأسلوب مُتّزن بعيداً عن الأساليب التي تتسبّب بفتنة المُستمع من الرجال، خصوصا الذين في قلوبهم مرض.
5- الإمعان في النظر: يقول تعالى:
﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...﴾11.
فعلى المؤمنين والمؤمنات أن يغضّوا من أبصارهم، ومعنى الغضّ في اللغة: الخفض والنقصان من الطرف، وغضّ البصر يعني عدم التحديق والإمعان في الشيء.
وعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "اشتدّ غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من
9- وسائل الشيعة، ج20، ص770.
10- الأحزاب: 32.
11- النور، الآيتان: 30 ـ 31.
61
51
الدرس الخامس: الإختلاط
غير زوجها أو غير ذي محرَم منها، فإنّها إن فعلت أحبط الله (عزّ وجلّ) كلّ عمل عملته..."12.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة"13.
وعنه عليه السلام: "النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها فتنة"14.
وأمّا إن كانت النظرة بشهوة فتحرم حتّى النظرة الأولى.
6- المزاح وكثرة الضحك: ينبغي أن تحافظ المرأة على رصانتها عند الاختلاط ولا تطلق العنان لنفسها لتظهر وكأنّها ذات شخصيّة خفيفة تميل مع الأهواء بسهولة، فكثرة المزاح والضحك هو
من أكثر الأمور التي تُظهر خفّة المرأة وعدم رصانتها في المجتمع المختلط، وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من فاكه امرأة لا يملكها حبسه الله بكلّ كلمة في الدنيا ألف عام"15.
فالمزاح يرفع الحواجز النفسيّة ويمهّد الطريق أمام أيّ انزلاق محتمل.
قال أبو بصير: كنت أُقرئ امرأة كنت أعلّمها القرآن فمازحتها بشيء فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فقال لي: أيّ شيء قلت للمرأة؟ فغطّيت وجهي، فقال عليه السلام: "لا تعودنّ إليها"16.
هذه هي الحدود الأساسيّة التي ينبغي مراعاتها عند الاختلاط.
12- ميزان الحكمة، ج2، ص116
13- الكافي، ج5، ص559.
14- وسائل الشيعة، ج20، ص192.
15- وسائل الشيعة، ج20، ص198.
16- وسائل الشيعة، ج14، ص144.
62
52
الدرس الخامس: الإختلاط
خلاصة الدرس
الاختلاط بشكل عام هو أرض خصبة للوقوع في الكثير من الانحرافات السلوكيّة والنفسيّة.
ولمّا كان الاختلاط بهذه الخطورة، كان من المحتم معرفة الحدود الشرعيّة التي تمنع الإنسان من الوقوع في شرك إبليس وجنوده، وتؤمّن له الحماية والحصانة الكافية.
المقصود من الاختلاط هو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، سواء في بيت أو سوق أو طريق... فكلّ لقاء لأحد الجنسين مع الآخر هو نوع من أنواع الاختلاط.
حرّمت الشريعة المقدّسة الاختلاط الذي يصل إلى حدّ الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيّين، وهناك أمران أساسيّان في تحقّق الحرمة:
1- أن يكونا في مكان لوحدهما يأمنان من دخول أحد عليهما فيه.
2- عدم الأمن من الفساد، ولو كان الفساد بمقدار النظرة المحرّمة.
هناك العديد من الحدود التي يجب أو ينبغي الالتفات إليها واجتنابها عند اختلاط الرجل بالمرأة نشير إلى بعضها:
1- التبرّج والزينة.
2- الرائحة والطيب.
3- اللمس والمصافحة.
4- الخضوع في القول: بمعنى الميوعة في طريقة الكلام.
5- الإمعان في النظر.
6- المُزاح وكثرة الضحك.
63
53
الدرس الخامس: الإختلاط
أسئلة حول الدرس
1- ما هي الآثار الاجتماعيّة للاختلاط؟
2- ما المقصود بالاختلاط؟
3- ما الفرق بين الاختلاط والخلوة المحرّمة؟
4- ما هما الشرطان اللذان يحقّقان الخلوة المحرّمة؟
5- ما الذي ينبغي للمرأة أن تتحرّز عنه في المجالس المختلطة؟
للمطالعة
عطاءُ خديجة عليها السلام لحفظ الرسالة:
في الوقت الذي كان فيه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يعاني الأذى، ويكابد المصاعب، كان هناك من يطيّب خاطره، ويخفّف عنه آلامه، وينسيه همومه وأحزانه، إنّها المرأة العظيمة خديجة بنت خويلد عليها السلام.
كان وجود خديجة عليها السلام عاملا مهمّاً في حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وفي حياة الإسلام حينما كان في بدء نموه، ولو لم يكن لوجودها هذه الأهميّة الكبيرة لمّا عزّ على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فراقها ولمّا هدّ موتها ركنه، وسمّى العامّ الذي انتقلت فيه إلى بارئها عام الأحزان، وظلّ يذكرها ويذكر فضلها طيلة حياته.
فإنّ خديجة عليها السلام لمّا تزوجت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تألُ جهداً في وضع كلّ إمكاناتها الماديّة والمعنويّة في سبيل نصرته، وهي التي قالت لابن عمها ورقة ابن نوفل: أعلن بأنّ جميع ما تحت يدي من مال وعبيد فقد وهبته لمحمد، يتصرّف فيه كيف شاء، فوقف ابن عمها ورقة بن نوفل بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته: يا معاشر العرب إنّ
64
54
الدرس الخامس: الإختلاط
خديجة تشهدكم أنّها وهبت نفسها ومالها وعبيدها وجميع ما تملكه يمينها لمحمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، إجلالاً له وإعظاماً لمقامه....
ثمّ بعد ذلك كان الحصار الذي أحكمته قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى كلّ عائلته وأقربائه وبني هاشم عامّة أكبر خطرٍ واجهه صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا كانت أموال
خديجة عليها السلام هي مفتاح الحصار والمتنفّس للمحاصَرين، فكانت تشتري المواد الاستهلاكية بأضعاف أثمانها كي يأكل المحاصرون حتّى مرّت سنوات الحصار الثلاث بأمان على من في الشعب،
وأحبطت بذلك ما دبّرته وحاكته لهم قريش.
وتنقل الروايات أن ما أنفقته خديجة عليها السلام بلغ أربعين ألفاً وأربعين ألفاً من الدنانير.
65
55
الدرس السادس: الحياة والعفة
الحياء
لقد قدّم القرآن الكريم نماذج من النساء الصالحات، وبيّن سلوكهنّ وصفاتهنّ، ومن بين هذه الصفات الحياء، يقول تعالى:﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي ِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾1.
تقصّ هذه الآيات قصّة لقاء موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب عليه السلام، وتُظهر صفة هاتين الصالحتين وحياءهما بشكل واضح في مسألتين، الأولى: ﴿... قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء ...﴾.
حيث امتنعتا عن الدخول بين الرجال وفضّلتا الانتظار حتّى يخلو المكان لهما، وهذا له ارتباط واضح بالحياء ورفض الاختلاط. والثانية: ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء...﴾.
فهنا يوجد تصريح بالحياء الذي كانت تتحلّى به هذه المرأة الصالحة.
فلماذا الحياء؟
1- القصص: 23 ـ 25.
68
57
الدرس السادس: الحياة والعفة
أهميّة الحياء:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء والإيمان في قرن واحد فإذا سُلب أحدهما أتبعه الآخر"2.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا إيمان لمن لا حياء له"3.
يظهر من هذه الروايات أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الإيمان والحياء، حتّى صار الإيمان غير ممكن التحقّق من دون الحياء!.
وهذا يعني أنّ عدم وجود الحياء سينعكس على سلوكيّات الإنسان في هذه الدنيا بحيث يجعله بعيداً كلّ البعد عن سلوك الإنسان المؤمن الملتزم، وحيث إنّ أعمال الإنسان وسلوكيّاته ستنعكس في الآخرة، فإنّ صورة عدم الحياء ستكون في الآخرة خسراناً مبيناً!.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم يكن له حياءٌ في الدنيا لم يدخل الجنّة"4.
إنّ الحياء مطلوب من الإنسان بشكل عامّ، ولكنّه مطلوب من النساء بشكل أكيد، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله قسّم الحياء عشرة أجزاء فجعل في النساء تسعة وفي الرجال
واحداً"5.
الحياء ممّن؟
أ- من الله تعالى:
قيل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "استحي من الله كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك"6.
2- وسائل الشيعة، ج8، ص517.
3- الكافي، ج2، ص106.
4- كنز العمال، ج3، ص125.
5- كنز العمال، ج3، ص127.
6- بحار الأنوار، ج68، ص336.
69
58
الدرس السادس: الحياة والعفة
ب- من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام:
فعن الباقر عليه السلام: "إنّ أعمال العباد تعرض على نبيّكم كلّ عشية خميس، فليستحي أحدكم أن يُعرَض على نبيّه العمل القبيح"7.
وعن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿... اعْمَلُواْ فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون...﴾8، قال عليه السلام: "هم الأئمّة عليهم السلام"9.
ج- الحياء من الملائكة:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليستحِ أحدكم من ملكيه اللذين معه كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه وهما معه بالليل والنهار"10.
د- الحياء من الناس:
عن عليّ عليه السلام: "من لم يستحِ من الناس لم يستحِ من الله سبحانه"11.
هـ- الحياء من النفس:
عن علي عليه السلام: "أحسن الحياء استحياؤك من نفسك"12.
الحياء ممّا؟
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء هو الدين كلّه"13.
وعن عليّ عليه السلام: "الحياء يصدّ عن فعل القبيح"14.
وعنه عليه السلام: "الحياء مفتاح كلّ خير"15.
7- بحار الأنوار، ج23، ص344.
8- التوبة: 105.
9- مستدرك سفينة البحار، ج7، ص165.
10- كنز العمال، ج3، ص118.
11- ميزان الحكمة، ج1، ص718.
12- ميزان الحكمة، ج1، ص719.
13- ميزان الحكمة، ج1، ص717.
14- عيون الحكم والمواعظ، ص28.
15- عيون الحكم والمواعظ، ص33.
70
59
الدرس السادس: الحياة والعفة
إنّ هذه الروايات بمجملها تشير إلى أنّ على الإنسان أن يستحي من ارتكاب المعاصي، وعليه أن يستحي من ترك الواجبات وفعل المحرّمات!؛ لأنّ الذي يستحي من الله تعالى لا يمكن أن يعصيه وهو ينظر إليه، وكذلك الذي يستحي من النبيصلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يقع في المعصية وهو يعلم أنّ معصيته هذه ستُعرض على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم... نعم إنّ الحياء هو الدين كله! ومتعلّقه هو الدين كلّه. فكلّما ازداد الحياء ازداد الدين، وعن عليّ عليه السلام: "على قدر الحياء تكون العفة"16.
ولكن على رغم ذلك هناك بعض الأمور التي نشير إليها كمفردات للحياء:
أ- الحياء في الستر:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أيّها الناس إنّ الله يحبّ من عباده الحياء والستر فأيّكم اغتسل فليتوارَ من الناس فإنّ الحياء زينة الإسلام"17.
ب- الحياء في النظر:
يقول تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ...﴾18.
ج- الحياء في القول:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله حرّم الجنّة على كلّ فاحش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال وما قيل فيه"19.
16- عيون الحكم والمواعظ، ص327.
17- مستدرك الوسائل، ج1، ص488.
18- النور: 31.
19- بحار الأنوار، ج76، ص112.
71
60
الدرس السادس: الحياة والعفة
العفّة
معنى العفّة:
العفّة هي صفة نفسانيّة في الإنسان. يمكن التعرّف إليها من خلال آثارها التي تظهر على الإنسان، هذه الآثار ذكرَتها بعض الروايات، فعن عليّ عليه السلام: "الصبر عن الشهوة عفّة"20.
وعنه عليه السلام: "العفاف زهادة"21.
وهي صون النفس وتنزيهها عن كلّ أمرٍ دنيّ، عنه عليه السلام: "العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا"22.
هذه كلّها من آثار العفّة التي تشير إليها.
العفّة عن أي شيء؟
متعلّقات العفّة كثيرة نشير هنا إلى بعضها:
أ- العفّة عن إظهار الحاجة الماديّة:
يقول تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ...﴾23.
وعن عليّ عليه السلام: "العفاف زينة الفقر"24.
20- مستدرك الوسائل، ج11، ص263.
21- ميزان الحكمة، ج3، ص2006.
22- عيون الحكم والمواعظ، ص21.
23- البقرة: 273.
24- نهج البلاغة، ج4، ص15، الحكمة 68.
72
61
الدرس السادس: الحياة والعفة
ب- العفّة في تشديد الحجاب:
يقول تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾25.
ج- العفّة عن الشهوة:
يقول تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ..﴾26.
وهذه العفّة يجب أن تزداد كلّما ازدادت المرأة جمالاً، وعن عليّ عليه السلام: "زكاة الجمال العفاف"27.
د- العفّة عن أكل الحرام:
عن علي عليه السلام: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعفّ بطنه وفرجه"28.
وهذا ينعكس على طلب الإنسان للدنيا، فعن علي عليه السلام: "على قدر العفّة تكون القناعة"29.
ثمرات العفّة:
لقد أشارت الروايات إلى العديد من الثمرات والبركات التي تترتّب على العفّة نذكر منها:
1- حسن المظهر:
فعن عليّ عليه السلام: "من عفّت أطرافه حسنت أوصافه"30.
وعن أبي جعفر عليه السلام: "أمّا لباس التقوى فالعفاف، إنّ العفيف لا تبدو له عورة
25- النور: 60.
26- النور: 33.
27- مستدرك الوسائل، ج7، ص46.
28- ميزان الحكمة، ج1، ص842.
29- عيون الحكم والمواعظ، ص327.
30- عيون الحكم والمواعظ، ص464.
73
62
الدرس السادس: الحياة والعفة
وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة وإن كان كاسياً من الثياب، يقول الله ﴿... وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ...﴾31"32.
2 ـ الوقاية:
فعن عليّ عليه السلام: "لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة"33.
فهذه الرواية تشير إلى أنّ العفّة سبب في ترك المعاصي والقرب من الله تعالى، بحيث يصبح سلوكه كلّه طاعة لله تعالى وكأنّ العفيف ملك من الملائكة، وكلمة أمير المؤمنين عليه السلام: "ثمرة
العفّة الصيانة"34. تشير إلى ذلك أيضاً.
3 ـ الثواب العظيم:
فعن عليّ عليه السلام: "طوبى لمن تحلّى بالعفاف"35.
وعنه عليه السلام: "ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدر فعفّ"36.
من منافيات الحياء والعفّة:
1 ـ التشبّه بالرجال:
ذكرنا فيما سبق أن هناك أموراً تناسب الرجل وأخرى تناسب المرأة، وقد أكّد الإسلام على ضرورة أن يلتزم كلّ منهما بما يناسبه، فلا يقتحم الرجل ما يناسب المرأة ولا تقترف المرأة ما يناسب الرجل ولا يتناسب مع حيائها وعفّتها، لأنّ ما يصلح لأحدهما قد يكون مفسداً للآخر، وقد شدد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك حتى لعن المرأة التي تتخلّى عما يناسبها لتتشبّه بالرجال فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لعن الله المتشبّهات بالرجال من النساء ولعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء"37.
31- الأعراف: 26.
32- بحار الأنوار، ج68، ص272.
33- نهج البلاغة، الحكمة 466.
34- عيون الحكم والمواعظ، ص208.
35- موسوعة أحاديث أهل البيت، الشيخ فادي النجفي، ج7، ص 215.
36- نهج البلاغة، الحكمة 466.
37- الكافي، الشيخ الكليني، ج5، ص552.
74
63
الدرس السادس: الحياة والعفة
وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا يجوز للمرأة أن تتشبّه بالرجال، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن المتشبّهين من الرجال بالنساء ولعن المتشبّهات من النساء، بالرجال"38.
والتشبّه له الكثير من النماذج، وهو يشمل كلّ ما خالف طبيعة المرأة ووافق طبيعة الرجل، ومن أوضح هذه النماذج التشبّه باللباس بحيث تلبس المرأة لباس الرجل أو يلبس الرجل لباس المرأة!.
2- تقليد الغرب:
إنّ الضياع وفقدان الهويّة هو من أخطر الأمراض التي يمكن أن يتعرّض لها الإنسان، لأنه المرض الذي يهدم الكيان والشخصيّة والخصوصيّة، بل هو في الحقيقة انهيار لكلّ القيم السائدة في المجتمع، وتضييع للأساس الذي يبني عليه الإنسان مجتمعه، ومجتمع بلا موازين ثابتة وأساسيّات واضحة هو مجتمع متخلّف إلى أبعد الحدود، طفيليّ يعيش على فتات المجتمعات الأخرى...
ومن غير الطبيعيّ أن يضيّع الإنسان هويّته، فكيف إذا كانت هذه الهويّة هي الإسلام، وإذا كانت تلك القيم هي القيم الإلهيّة والعروة الوثقى التي لا هداية بعدها ولا خير في سواها! فكيف يتخلّى الإنسان عن هداه - يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين﴾39 - ليتمسّك بتقاليد مجتمعات وعادات أثبتت فشلها وانحطاطها وجرّت المجتمعات نحو الويلات على المستوى الأمنيّ والأخلاقيّ.
ولشدّة خطورة فقدان الهويّة رفض الإسلام تقليد الآخرين حتّى في أصغر الأمور، وحتّى على مستوى الشكل فضلا عن المضمون. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "غيّروا الشيب ولا تشبّهوا باليهود والنصارى"40.
38- بحار الأنوار، ج14، ص163.
39- البقرة: 2.
40- وسائل الشيعة "الإسلاميّة"، الحر العاملي، ج1، ص401.
75
64
الدرس السادس: الحياة والعفة
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "وقلّموا الأظفار ولا تشبّهوا باليهود"41.
وفي رواية ثالثة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "اكنسوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود"42.
فلاحظ كيف أنّه صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد على ضرورة تربية المجتمع على عدم تقليد الغير والتشبّه بهم. والخطورة في هذا التشبّه هو تضييع الهويّة كما يظهر من الرواية عن أمير المؤمنين
عليه السلام، وحيث سُئل عن قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "غيّروا الشيب ولا تشبّهوا باليهود".
فقال عليه السلام: "إنّما قال صلى الله عليه وآله وسلم ذلك والدين قلّ، فأمّا الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار"43.
يعني المشكلة ليست في تغيير الشيب وعدمه، وإنّما المشكلة في التشبّه باليهود، فإذا كان التشبّه حاصلاً فابتعدوا عنه حتّى لو كان في الأمور التي لا مانع منها في نفسها.
يقول الإمام الخامنئي قدس سره: "الهجوم الثقافيّ الأكبر هو أنّهم طوال السنوات المتمادية لقّنوا الذهن... وعقائده أنّنا عاجزون وعلينا أن نتّبع الغرب وأوروبا، وهذا هو الهجوم الثقافيّ، إنّهم
لا يدعوننا نثق بقدراتنا".
هذا في الأمور غير المحرّمة، فكيف بالتقليد الذي يتعلّق بالأمور المحرّمة شرعاً والتي تخالف الإسلام وشرعه، بل وتعتبر من الكبائر التي تفقد الإنسان التزامه وتجعله خاسراً لآخرته ومصداقاً لقوله
تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
وفي هذا الإطار يجب أن نميّز بين الاستفادة من العلم والتقليد، فالعلم طريدة المؤمن أينما كان، وكما عن علي عليه السلام: "العلم ضالّة المؤمن"44.
ولكنّ اكتساب العلم لا يعني التقليد كما يؤكّد الإمام الخامنئي قدس سره حيث يقول:
41- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج1، ص414.
42- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص127.
43- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج4، ص5.
44- بحار الأنوار، ج1، ص168.
76
65
الدرس السادس: الحياة والعفة
"الأوروبيّون لديهم إلى ما شاء الله أعمال خاطئة وسلوك قبيح ؛ لماذا علينا أن نتعلّم منهم هذه الأعمال؟... نحن مسلمون وعلينا أن نبقى مسلمين، هم لديهم علم أكثر منّا، جيّد، نذهب ونتعلّم علمهم ولكن لماذا علينا أن نتعلّم العادات والثقافة والسلوك وآداب المعاشرة منهم؟ ما هذا المنطق الخطأ؟... لماذا نقلّدهم في ثيابهم وسلوكهم وآداب معاشرتهم وكلامهم وحتّى لهجتهم؟ هذا ضِعفُ نفسٍ وشعور بالحقارة، لماذا عليّ أن اشعر بالحقارة؟.. أنا أفتخر بلغتي، أنا أفتخر بثقافتي، أنا أفتخر بوطني وبلدي وتاريخي، لماذا عليّ أن أقلّدهم؟".
خلاصة الدرس
إنّ الحياء مطلوب من الإنسان بشكل عام، ولكنّه مطلوب من النساء بشكل أكيد. لا بدّ للإنسان الملتزم أن يستحي:
1- من الله تعالى.
2- من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام.
3- من الملائكة الذين يكتبون الحسنات والسيئات.
4- من الناس.
5- من النفس.
تشير الروايات إلى ضرورة أن يستحي الإنسان من ارتكاب المعاصي، لأنّ الذي يستحي من الله تعالى لا يمكن أن يعصيه وهو ينظر إليه، وكذلك الذي يستحي من
77
66
الدرس السادس: الحياة والعفة
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن يقع في المعصية، وهو يعلم أنّ معصيته هذه ستعرض على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
إنّ العفّة سبب في ترك المعاصي والقرب من الله تعالى وتجعل سلوك الإنسان منصبّاً نحو طاعة الله تعالى.
من آثار العفّة:
1- الصبر على الشهوة.
2- الزهد في الدنيا ومتاعها.
متعلّقات العفّة:
العفّة عن إظهار الحاجة الماديّة، العفّة في تشديد الحجاب، العفّة عن الشهوة, العفّة عن أكل الحرام.
من منافيات العفّة:
1- التشبّه بالرجال.
2- تقليد الغرب.
أسئلة حول الدرس
1- ممّا ينبغي أن يستحي الإنسان؟
2- إلى أي مدى يؤثّر الحياء في المجتمعات؟
3- ما هي العفّة؟ وما هي متعلّقاتها؟
4- ما هي آثار العفّة؟
5- ما هي منافيات العفّة؟
78
67
الدرس السادس: الحياة والعفة
للمطالعة
من مواقف السيّدة زينب عليها السلام:
إنّ الإرث البلاغيّ الذي خلّفته السيّدة زينب عليها السلام وكذلك المواقف التي وقفتها والتي قد خلّدها التاريخ، لحقيق بها أن تحفر في قلوب كلّ من أراد أن يقف في موقف الحقّ والفضيلة. وسنذكر بعضاً من كلامها الذي خطبته في أهل الكوفة والذي ترك الأثر الكبير في قلوب الناس، حيث يروي بشير بن خزيم الأسدي: ونظرت إلى زينب بنت علي عليهما السلام يومئذ ولم أرَ خفرة والله أنطق منها كأنّها تفرع من لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتَدّت الأنفاس وسكنت الأجراس ثمّ قالت:
"الحمد لله والصلاة على أبي محمّد وآله الطيبين الأخيار أمّا بعد، يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنّة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً تتخذون أيْمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلّا الصلف النطف والصدر الشنف وملق الإماء وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخِط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيّد شباب أهل الجنّة وملاذ حيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار محجّتكم ومدرة سنتكم، ألا ساء ما تزرون وبُعداً لكم وسحقاً. فلقد خاب السعي وتبّت الأيدي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة. ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم، وأيّ كريمة له أبرزتم وأيّ دم له سفكتم، وأيّ حرمة له انتهكتم، لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو كملء السماء أفعجبتم إن تمطر السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون فلا يستخفنّكم المهل فإنّه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثأر وإنّ ربكم لبالمرصاد"45.
45- الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص 79.
79
68
الدرس السابع: الزواج-1-
أهميّة بناء الأسرة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله تعالى من التزويج"1.
هناك العديد من الروايات التي تحثّ على الزواج، وتتحدّث عن ذلك البيت الجميل الذي تعيش في كنفه العائلة في إطار اجتماعيّ شرعيّ يكفل الرعاية والأمن والتكامل. العائلة هي ذلك المجتمع
الصغير الذي أكّد الإسلام على أهميّته وحثّ على بنائه ووجّه العلاقة بين أفراده على مستوى الأجواء والمسلكيّات قبل أن يتحدّث عن الحقوق والواجبات.
- ما هي أهداف هذا البناء؟
- ما هي الأجواء التي تظلّل هذا البناء؟
- وما هي الحقوق والواجبات؟
من أهداف الأسرة:
هناك العديد من النصوص الشرعيّة التي تتحدّث عن أهداف البناء العائلي نوردها ضمن النقاط التالية:
1ـ العفّة والطهارة:
إنّ الزواج هو التلبية الطبيعيّة لغريزة جعلها الله تعالى في الإنسان، وهي التي يحصل التكاثر والحفاظ على النسل من خلالها، فمن خلال الزواج تشبع هذه الغريزة وتسكت،
1- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص383.
82
70
الدرس السابع: الزواج-1-
ويضمن الإنسان عدم الإنزلاق خلف هذه الغريزة بشكل غير سليم، فالزواج هو الحافظ للعفّة والطهارة، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"من أحبّ أن يَلقى الله طاهراً مطهّراً فليلقه بزوجة"2.
وتوجيه هذه الدعوة يبدأ من عمر الشباب، لأنّ الإنسان ربّما يضعف أمام طلب الغريزة وإلحاحها إن لم يلبّها بشكل صحيح وسليم وشرعيّ.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من شاب تزوّج في حداثة سنّه إلّا عجّ شيطانه؛ يا ويلاه يا ويلاه عَصَم منّي ثلثي دينه، فليتقِ الله العبدُ في الثلث الباقي"3.
2- تمتين الأخلاق:
إنّ ترك الزواج يتسبّب بالكثير من النزاعات النفسيّة داخل الإنسان، ممّا يفرز في نهاية الأمر الكثير من العقد والمشاكل النفسيّة التي تظهر على شكل سوء خُلق، لذلك كان الزواج حاسماً لمثل هذه الاضطرابات وسبباً في حسن الخلق وقد ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:
"زوّجوا أياماكم فإنّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم ويُوسع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم"4.
وهذا يتسبّب بالسكن المعنويّ الذي تحدّث عنه القرآن الكريم، يقول تعالى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾5.
2- ميزان الحكمة، ج2، ص1178.
3- بحار الأنوار، ج100، ص221.
4- ميزان الحكمة، ج2، ص1179.
5- الروم: 21.
83
71
الدرس السابع: الزواج-1-
3- التكامل بين الزوجين ورفع الحاجات:
إنّ في شخصيّة كلّ من الرجل والمرأة ثغرات يحتاج كلّ منهما للآخر لسدّها وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ...﴾6.
4- ملء الأوقات بالطاعة:
إنّ الزواج مسؤوليّة مباشرة لتأمين حاجات الأسرة بعد بنائها والمحافظة عليها، وهذا ما يترتّب عليه مهام وأعمال يوميّة.
وهذا يُعطي الإنسان أهدافاً وبرامج يوميّة، بشكل يحول دون حصول المفاسد الاجتماعيّة الناشئة من الفراغ وعدم وجود هدف ومسؤوليّة.
5- تكثير النسل المؤمن واستمرار الحياة:
عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً لعلّ الله يرزقه نسمة تُثقل الأرض بلا إله إلّا الله"7.
على ضوء هذه الأهداف نجد النصوص الشرعيّة توجّه الزوجين وتُضفي على العائلة أجواء معيّنة تساهم بشكل أساس في تحقيق هذه الأهداف، فما هي الأجواء التي يُفترض توفّرها في العائلـة التي
تكفـل تحقيـق هـذه الأهـداف الإلهيّة؟
أجواء حاكمة على العلاقة العائليّة:
على المرأة أنّ تعلم أنّ علاقتها مع زوجها لها أولويّة شرعيّة وهي مقدَّمة ما دامت ضمن الضوابط الشرعيّة، حتّى صارت هذه العلاقة مُنطلقاً لجهاد المرأة، ففي الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "جهاد المرأة حُسْنُ التبعّل"8، أي حُسن العلاقة مع الزوج، وهناك العديد من التفاصيل التي ذكرها الشرع في هذه العلاقة منها:
6- البقرة: 187.
7- وسائل الشيعة، ج20، ص14.
8- بحار الأنوار، ج100، ص245.
84
72
الدرس السابع: الزواج-1-
1- المودّة:
يقول تعالى: ﴿... وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً...﴾9، والمودّة هي المحبّة، والمحبّة هي الميل النفسيّ الذي يشكّل قاعدة أساسيّة للتفاهم والانسجام.
2- الرحمة:
وهي الأمر الآخر الذي أشارت إليه الآية السابقة، فبعد المودّة جاء دور الرحمة التي هي نوع من الرّقّة والتعطّف، فلم يكتفِ تعالى بعلاقة المودّة والمحبّة بين الزوجين بل عطف عليها الرّقّة والتعطّف، التي تظهر في الأعمال على شكل عطاء لا ينتظر مقابلاً.
وقد ورد في الحديث: "ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلّا كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها"10.
3- المعاشرة بالمعروف:
إذا استحكمت المودّة والرحمة في قلب الزوجين فلا بدّ أن تظهر آثارها في المعاشرة والحياة اليوميّة، على شكل: ﴿... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ...﴾11.
فالذي يودّ ويرحم لا يمكن أن تقع منه الأذيّة: ﴿... وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ...﴾12.
هذه المعاشرة بالمعروف تظهر في العديد من التصرّفات التي تشير إليها الروايات: فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "... خير نسائكم... الهيّنة الليّنة المؤاتية التي إذا غضب زوجها لم تكتحل (عينها) بغمض حتّى يرضى وإذا غاب (عنها) زوجها حفظته في غيبته، فتلك عاملة من عمّال الله، وعامل الله لا يخيب"13.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقّتني وإذا خرجت شيّعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟ إن كنت تهتمّ
9- الروم: 21.
10- وسائل الشيعة، ج20، ص177.
11- النساء: 19.
12- الطلاق: 6.
13- الكافي، ج5، ص325.
85
73
الدرس السابع: الزواج-1-
لرزقك فقد تكفّل به غيرك وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بشّرها بالجّنة وقل لها: إنّك عاملة من عمّال الله ولك في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً"14.
4- التعاون وسدّ الفراغ:
يقول تعالى: ﴿... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ...﴾15.
وتشير الآية إلى معانٍ ثلاثة:
أوّلاً: كلاهما زينة للآخر فاللباس زينة لمن يلبسه.
ثانياً: كلاهما يحصّن الآخر، فاللباس يحصّن الإنسان من البرد في الشتاء ويردّ عنه حدّة الشمس في الصيف.
ثالثاً: كلاهما سترٌ للآخر، فاللباس يستر البدن ويواري سوءته. فتكليف المرأة إذا رأت عيباً أو مشكلة في زوجها أن تستر عليه أوّلاً، وأن تساعده على سدّ هذه الثغرة ثانياً، وأن تزيّنه أمام الناس ثالثاً.
5- الصبر والحلم:
إنّ قلّة الصبر وضيق الصدر يستطيع أن يهدم بنيان العائلة من أساسه، لأنّ الاحتكاك بين الزوجين يوميّ، وقلّة الصبر ستكون آثاره متسارعة إلى درجة لا يمكن السيطرة عليه ويصعب معه الإصلاح، من هنا كانت وصيّة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر: "من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها ( الله عزّ وجلّ) مثل ثواب آسيا بنت مزاحم"16.
وكذلك عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ كتب على الرجال الجهاد وعلى النساء الجهاد، فجهاد الرجل أن يبذل ماله ودمه حتّى يُقتل في سبيل الله. وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته"17.
14- مكارم الأخلاق، للطبرسي، ص200.
15- البقرة: 187.
16- مكارم الأخلاق، ص214.
17- الكافي، ج5، ص9.
86
74
الدرس السابع: الزواج-1-
6- مراعاة إمكانات الزوج:
فلنتعلّم من فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين عليها السلام حيث تقول لزوجها عليه السلام: "يا أبا الحسن إنّي لأستحيي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه"18.
هذه هي الأجواء السليمة التي أرشدنا إليها هذا الشرع المقدس وهي مطلوبة كأسلوب وطريقة عامة ومنهجيّة حاكمة على تصرّفات الزوجة.
ولم يكتفِ الإسلام بوضع هذه المنهجيّة السلوكيّة، بل قسّم أعمال الأسرة أيضاً وجعل لكلٍّ من الزوج والزوجة دوراً خاصّاً يتناسب مع طبيعة كلٍّ منهما، هذا الدور الذي يشكل النظام الحاكم على الأسرة.
نظام العائلة:
قسّم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم العمل بين عليّ والزهراء عليهما السلام فجعل العمل داخل البيت على عهدة فاطمة عليها السلام وخارجه على عهدة عليّ عليه السلام. فقالت عليها
السلام: "فلا يعلم ما داخلني من السرور إلّا الله بإكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحمّل رقاب الرجال".
يقول العلامة المجلسي في شرح ذلك: "تحمّل رقاب الرجال أي تحمّل أمور تحملها رقابهم من حمل القرب والحطب، ويحتمل أن يكون كناية عن التبرّز من بين الرجال..."19.
وعلى أيّ حال فقد تحمّلت السيدة الزهراء عليها السلام أعباء البيت حتّى قالت عليها السلام: "يا رسول الله لقد مجلت يداي من الرحاء أطحن مرّة وأعجن مرّة"20.
وبيت عليّ والزهراء عليهما السلام يشكل قدوة في نظامه للمؤمنين عموماً، لذلك نجد الروايات التي تتحدّث عن عمل المرأة داخل بيتها فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلّا نظر الله إليها ومن نظر الله إليه لم يعذّبه"21.
18- بحار الأنوار، ج37، ص103.
19- بحار الأنوار، ج43، ص81.
20- ذخائر العقبى، ص50.
21- وسائل الشيعة، ج21، ص451.
87
75
الدرس السابع: الزواج-1-
والأسرة كما ذكرنا هي مجتمع صغير قائم على المودّة والرحمة وتلفّه أجواء السكن والطمأنينة، ولكنّ هذا لا يعني عدم الحاجة لوجود قيّم يعتبر الرأس لهذا المجتمع الصغير، والرجل هو القيّم الذي اختاره الله تعالى لرئاسة هذا المجتمع الصغير يقول تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾22.
وهذا ما أكّدته الروايات أيضاً، فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"23.
وعن الباقر عليه السلام: "لا شفيع للمرأة أنجح عند ربها من رضا زوجها"24.
وهكذا كان البيت القدوة الذي يتولّاه المعصومان عليّ والزهراء عليها السلام، حيث نُقل من كلماتها عليها السلام: "البيت بيتك والحرة زوجتك افعل ما تشاء"25.
خلاصة الدرس
العائلة هي ذلك المجتمع الصغير الذي أكّد الإسلام على أهميّته وحثّ على بنائه، ووجّه العلاقة بين أفراده على مستوى الأجواء والمسلكيّات قبل أن يتحدّث عن الحقوق والواجبات.
22- سورة النساء، الآية 34.
23- الكافي، ج5، ص327.
24- وسائل الشيعة، ج20، ص222.
25- بحار الأنوار، ج28، ص303.
88
76
الدرس السابع: الزواج-1-
من أهداف البناء العائليّ:
1- العفّة والطهارة.
2- تمتين الأخلاق.
3- التكامل بين الزوجين ورفع الحاجات.
4- ملء الأوقات بالطاعة.
5- تكثير النسل المؤمن واستمرار الحياة.
على المرأة أن تعلم أنّ علاقتها مع زوجها لها أولويّة شرعيّة وهي مقدّمة ما دامت ضمن الضوابط الشرعيّة، عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "جهاد المرأة حسن التبعّل".
ومن الأمور التي ذكرها الشرع في هذه العلاقة:
1- المودّة.
2- الرحمة.
3- المعاشرة بالمعروف.
4- التعاون وسدّ الفراغ.
5- الصبر والحلم.
6- مراعاة إمكانات الزوج.
وبيت عليّ والزهراء عليهما السلام يشكّل قدوة في نظامه للمؤمنين عموماً.
الأسرة هي مجتمع صغير قائم على المودّة والرحمة، ولكن هذا لا يعني عدم الحاجة لوجود قيّم يعتبر الرأس لهذا المجتمع الصغير، والرجل هو القيّم الذي اختاره الله تعالى لرئاسة هذا المجتمع الصغير يقول تعالى:﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾.
89
77
الدرس السابع: الزواج-1-
أسئلة حول الدرس
1- إلى أيّ مدى اهتم الإسلام بالزواج؟
2- ما هو الهدف من الزواج وبناء الأسرة؟
3- هل تلبية حاجات المجتمع أولى من تلبية حاجات الزوج؟
4- أذكري بعض الأمور التي ينبغي على الزوجة مراعاتها في منزل زوجها؟
5- كيف قسّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العمل بين الإمام علي والسيدة الزهراء عليهما السلام؟
للمطالعة
فاطمة الزهراء عليها السلام الزوجة:
إن حياة الزهراء عليها السلام في بيت زوجها أمير المؤمنين عليه السلام من أروع الأمور التي يمكن أن تكون مثالا أعلى تقتدي به كلّ امرأة، وقد تحدثت الروايات الكثيرة عن حياة الزهراء عليها السلام في بيت زوجها أمير المؤمنين عليه السلام، فمن الأمور التي يذكرها التاريخ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها يوماً وهي تطحن بالرحى، وعليها كساء من وبر الإبل، فبكى وقال لها: "تجرّعي يا فاطمة مرارة الدنيا لنعيم الآخرة"26.
وفي حسن أخلاقها يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "... ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فيكشف عني الهموم والأحزان"27.
فكانت الزهراء عليها السلام نعم الزوجة القانعة بما قسّم الله لها حيث لم تكن لتتطلب
26- الدر المنثور، ج6، ص361.
27- بحار الأنوار، ج43، ص130.
90
78
الدرس السابع: الزواج-1-
من أمير المؤمنين عليه السلام وينقل لنا التاريخ أنّ عليّاً عليه السلام أصبح ذات يوم فقال: "يا فاطمة هل عندك شيء تغدينيه؟
فقالت: لا والذي أكرم أبي بالنبوّة ما عندي شيء أغدّيكه به ولا كان لنا بعدك شيء منذ يومين من طعمة إلّا شيء أوثرك به على بطني وعلى ابنيّ هذين. قال عليه السلام: يا فاطمة ألا أعلمتني حتّى أبغيكم شيئاً، قالت عليها السلام: إنّي أستحي من الله أن أكلّفك ما لا تقدر عليه"28.
وعندما كانت فضّة تخدمها لم تكن تسترخي لتعطي الأوامر للخادمة بل كانت تخدم هي يوماً والخادمة يوماً، حيث تقول الرواية أنّ سلمان المحمديّ رأى فاطمة عليها السلام جالسة تطحن الشعير وعلى عمود الرحى دم سائل والحسين عليه السلام في ناحية من الدار يتضّور من الجوع فقال لها: يا بنت رسول الله، دبرت كفاك، هذه فضّة (خادمتها). فقالت عليها السلام: "أوصاني رسول الله أن تكون الخدمة لها يوما فكان أمس يوم خدمتها"29.
هذه هي الزهراء عليها السلام في بيت زوجها المتواضع، تسامت حتّى جعلها الله تعالى قدوة لنساء العالمين وسيّدة عليهم!.
28- إحقاق الحق، التستري، ج25، ص352.
29- بحار الأنوار، ج43، ص78.
91
79
الدرس الثامن: الزواج-2-
استمراريّة العائلة
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله (عزّ وجلّ) يحبّ البيت الذي فيه العرس ويبغض البيت الذي فيه الطلاق وما من شيء أبغض من الطلاق"1.
الطلاق هـو هـدم لبـناء أحبّه الله تعالـى وحثّ الناس عليه ألا وهــو الـزواج، فالزواج رغم كونه أمراً محبوباً عند الله تعالى وسبباً من أسباب كمال الدين وحصناً يقف في وجه المعاصي، إلّا أنّ الله تعالى لم يُرد إجبار الناس على التزام هذا البيت ولا التحصّن بهذا السور، فإنّ الإلزام قد يكون له الكثير من الآثار السلبيّة التي تجعل الإنسان يتردد كثيراً قبل الدخول إلى قفص الزواج الذي لن يستطيع الخروج منه بعد ذلك، بالإضافة إلى كون الإلزام يُجافي الواقع ويتعالى عن المشاكل الحقيقيّة التي يمكن أن يقع بها بعض الأزواج بشكل لا يُبقي أمامهم حلّاً إلّا الانفصال، ولعلّ هذه الأمور وغيرها من الأمور التي يعلمها الله تعالـى جعلت الطلاق غير محرّم شرعاً، وتركت الباب مشرعاً أمام هذا الخيار، ولكن في الوقت نفسه وجّه تعالى الإنسان نحو الابتعاد عن الطلاق وعدم الأخذ بهذا الخيار ما أمكن.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة مبيّنة"2.
وقد أكّد تعالى على كراهيّة هذا الأمر حتّى جعله أبغض الأشياء كما في الرواية السابقة عن الإمام الصادق عليه السلام، بل نجد بعض الروايات لا تتوقّف
1- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص440.
2- الكافي، ج6، ص54.
94
81
الدرس الثامن: الزواج-2-
عند مبغوضيّة الطلاق بل تتعدّى ذلك إلى مبغوضيّة من يقوم به ويختاره.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق وإنّ الله يُبغض المطلاق الذوّاق"3.
فخيار الطلاق رغم عدم تحريمه شرعاً إلّا أنّه ينبغي الوقوف عنده كثيراً والابتعاد عنه ما أمكن، بل عدم أخطاره في الذهن حتّى لا يُصبح الحلّ الأسهل للتهرّب من أيّ مشكلة يمكن أن يقع بها الزوجان.
من أسباب الطلاق:
1- عدم الالتزام بالشرع المقدس:
لقد وضع الله تعالى القوانين لتنظيم العلاقة الزوجيّة وجعلها على أفضل وجه بشكل يؤمّن الحياة الزوجيّة السعيدة والموفّقة، وعندما يتخلّى الإنسان عن هذه الحدود الشرعيّة ويتجاوزها فإنّه سيهدّد الحياة الزوجية برمّتها.
من هنا كان لا بدّ من التعرّف على الحقوق الزوجيّة وآداب العلاقة مع الزوج حتّى تحصل الحصانة التي تحمي بنيان الأسرة من التصدع، وهذا ما سنفصّله في موضوع اجتناب أسباب الطلاق الآتي.
2- الأخطاء:
إنّ سوء التقدير الناشئ عن الجهل بالطرف المقابل وخصوصيّاته وما يحبّ ويكره، أو عدم القدرة على الانسجام رغم المعرفة بالميول والخصوصيّات، قد يتسبّب أيضاً بالتشنّج والوقوع بالأخطاء، فيشكّل خطراً على الحياة الزوجيّة، لذلك فإنّ معرفة الطرف الآخر قد تساعد على تفهّم التصرّفات والمسلكيّة، ما يؤدّي إلى الانسجام.
3- ميزان الحكمة، ج2، ص1184.
95
82
الدرس الثامن: الزواج-2-
ما هو علاجها؟
1- مراعاة الحقوق والآداب:
هناك حقوق وآداب يحسن ملاحظتها ومراعاتها، وترك هذه الحقوق وعدم ملاحظة الآداب سيجعل الباب مشرعاً أمام سوء التفاهم، وسيجعل بناء العائلة في مواجهة الخطر، فما هي هذه الحقوق
والآداب؟
حقوق وآداب في العلاقة مع الزوج:
عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها..."4.
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تؤدّي المرأة حقّ الله عزّ وجلّ حتّى تؤدّي حقّ زوجها"5.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "جهاد المرأة حُسن التبعّل"6.
وتتلخّص الحقوق بما يلي:
أوّلاً: الاستجابة لحاجات الزوج:
أن تُجيب المرأة زوجها إلى حاجته التي هي عبارة عن طاعته في أمر العلاقة الخاصّة بينهما، فإذا أبت سَخِط الله عليها حتّى تُرضي زوجها.
فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد سألته امرأة عن حقّ الزوج على المرأة فقال: "أن تجيبه إلى حاجته وإن كانت على قتب..."7.
ثانياً: التجمّل والتودّد له:
والمقصود من التجمّل الابتعاد عمّا ينفّره، وإظهار الهيئة الحسنة، وفي تحرير
4- مستدرك الوسائل، ج14، ص257.
5- الكافي، ج5، ص9.
6- الكافي، ج5، ص508.
7- تحرير الوسيلة، ج2، ص305.
96
83
الدرس الثامن: الزواج-2-
الوسيلة عندما يتحدّث الإمام الخميني قدس سره عن نشوز المرأة يذكر من النشوز "عدم إزالة المنفّرات المضادّة للتمتعّ والالتذاذ بها، بل وترك التنظيف والتزيين مع اقتضاء الزوج لها"8.
وورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "... لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنّ: صيانة نفسها عن كلّ دنس حتّى يطمئنّ قلبه بها في حال المحبوب
والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه"9.
ثالثاً: المحافظة على ماله:
فيجب أن تشعر بالمسؤوليّة تجاه أموال الزوج فعليها أن لا تُسرف من جهة وأن لا تتصرّف بأمواله دون إذنه من جهة أخرى، وهناك العديد من الروايات التي تشير إلى ذلك، فعن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: "... ولا تُعطي شيئاً إلّا بإذنه، فإن فعلت فعليها الوزر وله الأجر..."10.
رابعاً: عدم إغضابه وإيذائه:
فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ويل لامرأة أغضبت زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها"11.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها، ولا حسنة من عملها حتّى تُعينه وتُرضيه وإن صامت الدهر"12.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحسن نساء أمّتي امرأة سلّمت أمرها لمطالب زوجها حين رأته غضباناً وقالت له: إن لم ترض عني لن يغمضَ لي جفن"13.
8- بحار الأنوار، ج75، ص237.
9- م.ن، بحار الأنوار.
10- وسائل الشيعة، ج20، ص312.
11- بحار الأنوار، ج73، ص363.
12- بحار الأنوار، 103.
13- الكافي، ج5، ص514.
97
84
الدرس الثامن: الزواج-2-
خامساً: عدم الخروج من بيته إلّا بإذنه:
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتّى ترجع"14.
وممّا يعّده الإمام الخميني قدس سره من نشوز الزوجة "خروجها من بيته من دون إذنه"15.
2- الحلّ بعد الوقوع في المشكلة:
إذا وقعت المشكلة بين الزوجين فعليهما أن يبحثا في البداية عن حلّها داخل البيت دون نقل هذه المشكلة إلى خارج البيت بشكل قد يتسبب بتفاعلها وتعقيدها بشكل أكبر، يقول تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾15.
وإذا لم يستطع الزوجان حلّها للوصول إلى التفاهم واستمرار الحياة الزوجيّة بالشكل الصحيح، يأتي هنا دور العوامل الخارجيّة الصالحة المساعدة لحلّ المشاكل العالقة.
يقول تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾16.
ولم تحدّد الآية شخصيّة خاصّة كالأب أو العمّ أو غيرهما... ولعلّ ذلك لبقاء الباب مفتوحاً أمام اختيار الأحكم والأصلح القادر على معرفة طبيعة المشكلة ووضع حلّ لها مع قدرته على التأثير على صاحب العلاقة، الزوج إن كان من أهله والزوجة إن كان من أهلها.
فالعائلة يريدها الله تعالى عاملاً إيجابيّاً يساعد على إصلاح الحياة الزوجيّة، لا عاملاً سلبيّاً يزيد في تعقيد المشكلة. يقول الإمام الخميني قدس سره: "لو وقع النشوز
14- تحرير الوسيلة، ج2، ص305.
15- النساء: 128.
16- النساء: 35.
98
85
الدرس الثامن: الزواج-2-
من الزوجين بحيث خِيف الشقاق والفراق بينهما وانجرّ أمرهما إلى الحاكم بعث حكمين؛ حكماً من جانبه وحكماً من جانبها للاصطلاح ورفع الشقاق بما رأياه من الصلاح من الجمع أو الفراق، ويجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفيما هو السبب والعلّة لحصول ذلك بينهما ثم يسعيان في أمرهما، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضا به بشرط كونه سائغاً، كما لو شرطا على الزوج أن يسكن الزوجة في البلد الفلاني أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها أو لا يسكن معها أمّه أو أخته ولو في بيت منفرد، أو لا يسكن معها ضُرّتها في دار واحدة ونحو ذلك، أو شرطا عليها أن تؤجّله بالمهر الحال إلى أجل، أو تردّ عليه ما قبضته قرضاً ونحو ذلك، بخلاف ما إذا كان غير سائغ كما إذا شرط عليه ترك بعض حقوق الضرّة من قسم أو نفقة أو رخصة
المرأة في خروجها عن بيته حيث شاءت وأين شاءت ونحو ذلك"17.
الطلاق بيد الزوج:
إنّ كون الطلاق بيد الزوج لا يعني تسلّطه واستخدامه بشكل سيّئ، بل هذا الحقّ أمانة في عنقه سيسأله تعالى عنه يوم القيامة.
وفي الرواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام:"بلغ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ أبا أيّوب يريد أن يطلّق امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ طلاق أمّ أيّوب لحَوْب"18 (أي إثم).
إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان:
على الزوج أن يختار الحفاظ على الحياة الزوجيّة، ولكن ضمن أجواء سليمة وصحيحة فيُمسك زوجته بالمعروف ويعاملها بالحسنى، وأمّا إن وصلت الأمور إلى طريق مسدود وقرّر الطلاق فليكن ذلك بالمعروف أيضاً يقول تعالى: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
17- تحرير الوسيلة، ج2، ص306.
18- الكافي، ج6، ص55.
99
86
الدرس الثامن: الزواج-2-
تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾19.
ولا يجوز له إمساكها للإضرار بها، والتعامل معها بقسوة لتتنازل عن مهرها له أو ليكون نوعاً من أنواع التشفّي...
يقول تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ...﴾20.
خلاصة الدرس
الطلاق هو هدم لبناء أحبّه الله تعالى وحثّ الناس عليه ألا وهو الزواج عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ البيت الذي فيه العرس ويبغض البيت الذي فيه الطلاق وما من
شيء أبغض من الطلاق".
إنّ خيار الطلاق غير محرّم، إلّا أنّه ينبغي الابتعاد عنه ما أمكن، بل عدم إخطاره في الذهن حتّى لا يصبح الحلّ الأسهل للتهرّب من أيّ مشكلة تقع بين الزوجين.
19- البقرة: 229.
20- البقرة: 231.
100
87
الدرس الثامن: الزواج-2-
من أسباب الطلاق:
1- عدم الالتزام بالشرع المقدس.
2- الأخطاء، وعدم القدرة على الانسجام.
3- حقوق وآداب في العلاقة مع الزوج:
4- أن تجيب المرأة زوجها إلى حاجته التي هي عبارة عن طاعته في أمر العلاقة الخاصّة.
5- التجمّل والتودد له: والمقصود من التجمل الابتعاد عما ينفره وإظهار الهيئة الحسنة.
6- المحافظة على ماله، فيجب أن تشعر بالمسؤولية تجاه أموال الزوج.
7- عدم إغضابه وإيذائه.
8- عدم الخروج من بيته إلّا بإذنه.
كيف تحلّ المشاكل؟
إذا وقعت المشكلة بين الزوجين فعليهما أن يبحثا في البداية عن حلّها داخل البيت دون نقل هذه المشكلة إلى خارج البيت.
إذا لم يستطع الزوجان حلّ المشكلة في داخل المنزل بالشكل الصحيح، يأتي هنا دور العوامل الخارجيّة الصالحة المساعدة لحلّ المشاكل العالقة.
إنّ كون الطلاق بيد الزوج لا يعني تسلّطه واستخدامه بشكل سيّئ، بل هذا الحقّ أمانة في عنقه سيسأله تعالى عنه يوم القيامة.
على الزوج أن يختار الحفاظ على الحياة الزوجيّة، ولكن ضمن أجواء سليمة وصحيحة، فيمسك زوجته بالمعروف ويعاملها بالحسنى، وإذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود وقرّر الطلاق فليكن ذلك بالمعروف أيضاً.
101
88
الدرس الثامن: الزواج-2-
أسئلة حول الدرس
1- أوضحي لنا نظرة الإسلام إلى الطلاق.
2- ما هي أسباب الطلاق؟
3- ما هي حقوق الزوج على زوجته؟
4- ما هي السبل التي ينبّغي سلوكها لإصلاح المشكلات الزوجيّة؟
5- هل أنّ خيار الطلاق بيد الرجل يعني أن يكون سيفاً مسلطاً على المرأة؟
للمطالعة
آسية بنت مزاحم:
السيّدة آسية بنت مزاحم زوجة فرعون الذي عاش في عصر النبيّ موسى عليه السلام.
هذه المرأة التي تهيّأت لها الظروف لتعيش الحياة الماديّة بكلّ معانيها وتتلذّذ بكلّ ما حلا لها وطاب من خدم وحشم وحليٍّ وزينة وثياب من أجود الأصناف في حياة مرفّهة لكونها زوجة فرعون، حاكم مصر الأول، الذي كان يعشقها ويحبّها حبّاً جمّاً وكان مستعداً لتنفيذ أيّ رغبة من رغباتها ليكرمها...
إلّا أنّها وفي كلّ تلك الظروف المهيّأة للضلال والفساد والخروج عن الجادة الحقّة، تركت كلّ شيء وسعت نحو الحقّ حين سمعت نداءه على لسان النبيّ موسى عليه السلام الذي تربّى في حجرها وقصرها، فآمنت به وصدّقت دعوته فكانت آسية عليها السلام من أوائل من آمن بدين موسى عليه السلام.
أثار إيمان آسية عليها السلام سخط فرعون الذي يدّعي الألوهيّة لنفسه، إذ أنّ الذي آمن
102
89
الدرس الثامن: الزواج-2-
بموسى ليس شخصاً بعيداً عنه، أو شخصاً عاديّاً، إنّها زوجته التي تعيش معه في قصره فحاول بكلّ الوسائل أن
يخفي إيمانها على الناس حتّى لا يهتز عرشه إلّا أن كلّ مساعيه لم تفلح بذلك، فقد تمسّكت بما آمنت به متخلية عن كلّ شيء سوى عقيدتها الراسخة كالجبال الرواسي، عندئذ قرّر فرعون الانتقام منها ومن دينها، فأمر بصلبها لتكون عبرة للناس، فما كان منها إلّا أن صبرت على الصلب بإيمانها الصلب، وكانت شهيدة العقيدة وشهيدة الحقّ ولأجل هذا مدحها الله تعالى في كتابه العزيز حيث يقول: ﴿وَضَرَبَ الله مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
فكانت نموذجاً للذين آمنوا - رجالاً ونساءً - يتعلّم منها المؤمنون الصبر والثبات على العقيدة حتّى الرمق الأخير.
103
90
الدرس التاسع: دورها كأم
ما هي الأمّ؟
"الأمّ" كلمة استثنائيّة تختزن الكثير في نفس الإنسان، تجيّش العاطفة وتثير الرقة والدفء والحنان... فما واقعيّة ما تختزنه هذه الكلمة في نفس الإنسان؟
عندما نراجع الشرع المقدّس نجد الكثير من النصوص الشرعيّة تشير إلى الأمّهات وتفعّل هذه العاطفة تجاه الأمّ وتوجّه الإنسان نحوها، هذه العاطفة التي تربط الولد بوالدته بشكل يساعدها على تأدية مهمّتها من جهة، ولتكون نوعاً من أنواع عرفان الجميل لها من جهة أخرى، ومن هذه الروايات:
1- الجنّة تحت أقدامها:
ففي الحديث المشهور عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الجنّة تحت أقدام الأمّهات"1.
فتعبير "تحت الأقدام" يشير إلى الخدمة والتواضع، فخدمة الأمّ والتواضع لها هو باب مفتوح إلى جنّة الخلد.
2- التوصية ببرها:
ففي الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لما سئل عن حق الوالدة قال: "هيهات هيهات لو أنّه عدد رمل عالج وقطر المطر أيّام الدنيا قام بين يديها ما عمل ذلك يوم حملته في بطنها..."2.
هذه الرواية وغيرها من الروايات التي تؤكّد على حقّ الأمّ بهذا الشكل العظيم،
1- مجمع البيان، ج8، ص11.
2- مستدرك الوسائل، ج15، ص182.
106
92
الدرس التاسع: دورها كأم
تشير في الوقت نفسه إلى أنّ خدمتها ليست منّة من الولد عليها، بل هذه الخدمة هي استحقاق.
فلماذا هذا المقام؟ وكيف استحقّت الأمّ ذلك كلّه؟
ما سبب مقام الأمّ؟
تشير الآية الكريمة إلى هذا المقام الذي وضع الله عزّ وجلّ الأمّ فيه وسبب استحقاقها لهذا المقام، يقول تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾3.
يولد الطفل ضعيفاً يحتاج لمن يعطف عليه ويعطيه بدون مقابل، فهو يريد أن يأكل وأن يلبس ويحتاج الى من يقيه البرد والحرّ ويأخذ بيده ليعلّمه مصالحه ويرشده إلى كيفيّة تحصيلها... كلّ هذا دون أن يستطيع الطفل أن يعطي أيّ مقابل سوى ابتسامة صغيرة تدغدغ وجدان الأمّ، وأمل يملأ قلبها بمستقبل ابنها الزاهر.
ويشرح الإمام زين العابدين عليه السلام ذلك في رسالة الحقوق حيث يقول:"حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحي وتظلّك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحرّ والبرد، لتكون لها... ".
فما قدّمته الأمّ لولدها لا يمكن أن يقدّمه أيّ شخص آخر، فكان بيته حشاها وطعامه دمها... وهذا ما لا يمكن أن يقدّمه أيّ شخص آخر.
يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: "... فإنّك لا تطيق شكرها إلّا بعون الله وتوفيقه".
فمهما قدّم الولد ستبقى الوالدة هي الأكثر عطاءً...
3- الإسراء: 24.
107
93
الدرس التاسع: دورها كأم
كيف تتحمّل هذه المسؤوليّة؟
إنّ تحمّل الأمّ للمسؤوليّة يمرّ بمراحل عديدة كما أشارت إليها كلمات الإمام زين العابدين عليه السلام السابقة، مرحلة مرحلة:
1 ـ الحمل:
يقول الله تعالى:﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾4.
إنّ تحمّل الأمّ للولد في فترة الحمل رغم كلّ الضعف الذي يعتريها: ﴿... وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ...﴾، وهي فرحة مستبشرة، هو نوع من الجهاد ولو قضت الأمّ بسبب ذلك كانت شهيدة وحشرت في مقام الشهداء! كما يستفاد من بعض الروايات، فعن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام - في حديث قدسيّ طويل في قصّة آدم وحوّاء - قال: "... يا حوّاء أيّما امرأة ماتت في ولادتها حشرتها مع الشهداء، يا حوّاء أيّما امرأة أخذها الطلق إلّا كتبت لها أجر شهيد، فإن سلمت وولدت غفرت لها ذنوبها، ولو كانت مثل زبد البحر ورمل البر وورق الشجر، وإن ماتت صارت شهيدة، وحضرتها الملائكة عند قبض روحها وبشّروها بالجنّة..."5.
فهذه أوّل مسؤوليّة تتحملها الأمّ.
2 ـ الإرضاع:
يقول تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ...﴾6.
إنّ الإرضاع هو حقّ من حقوق الولد التي لا ينبغي التفريط بها، ولها أثرها على
4- لقمان: 14.
5- مستدرك الوسائل، ج15، ص214.
6- سورة البقرة: 233.
108
94
الدرس التاسع: دورها كأم
التكوين الذهنيّ والبدنيّ للإنسان، وقد أشارت الآية الكريمة إلى مدّة الرضاعة وهي حولين كاملين، والحول هو السنة القمريّة.
وفي رواية تبيّن ثواب الرضاعة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا حملت المرأة كانت بمنزلة الصائم القائم المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، فإذا وضعت كان لها من الأجر ما لا يدري أحد ما هو؛ لعظمه، فإذا أرضعت كان لها بكلّ مصّة كعدل عتق محرّر من ولد إسماعيل، فإذا فرغت من رضاعه ضرب ملك كريم على جنبها وقال: استأنفي العمل فقد غفر لك"7.
3 ـ التوجيه والإرشاد:
إنّ الأمّ هي الأكثر التصاقاً بالولد والأكثر تفرّغاً لشؤونه، وهي بالتالي الأكثر تأثيراً والأقدر على توجيهه وإرشاده.
كلّ هذه الأمور تشير إليها الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما شكا إليه رجل سوء خلق أمّه فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّها لم تكن سيّئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر وحين أرضعتك حولين وحين سهرت لك ليلها وأظمأت نهارها.."8.
من هنا كانـت الأمّ هي المربي الحقيقي وأول مدرسة يدخلها الولد، فكيف تكون التربية؟
أهداف التربية:
التربية هي لفتح أبواب المستقبل أمام هذا الطفل، ويكون ذلك بالدرجة الأولى من خلال توجيهه إلى إصلاح مصيره النهائي في الآخرة، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ...﴾9.
وهذا يكون من خلال أمرين:
7- وسائل الشيعة، ج15، ص175.
8- شرح رسالة الحقوق، ص 548.
9- التحريم: 6.
109
95
الدرس التاسع: دورها كأم
أوّلاً ـ العلم: ففي الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ المعلّم إذا قال للصبيّ "بسم الله" كتب الله له وللصبيّ ولوالديه براءة من النار"10.
ثانياً ـ التقوى: هذه التقوى التي ذكرها القرآن الكريم كسبب للعبادة ومبرّر لها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾11.
وقد أولى الإسلام التقوى أهميّة خاصّة لأنّها الحاجز النفسيّ الذي يساعد الإنسان على مواجهة امتحانات الدنيا وبلاءاتها، والرادع والدرع الذي يسقط على أعتابه كلّ زينة لإبليس واستدراج لدنيا وتسويل للنفس الأمّارة بالسوء.
طرق التربية:
هناك طرق في التربية تختلف بحسب قابليّات الولد وعمره، وتختلف من موضوع لآخر، ويمكن الإشارة هنا إلى ثلاث طرق أساس:
1 ـ التوجيه غير المباشر:
وربما تكون أوّل طريقة تُتّبع مع الطفل لأنّه غير قادر على تلقّي رسائل الإرشاد والالتزام بها، وبالتالي فعلى الأمّ أن تدفعه نحو الصلاح، وتبعده عن الفساد من خلال وضع بدائل صالحة تشغله حتى لا يُستدرج لغير الصالح، وتشجعه على التزام الصالح، وتصنع حاجزاً نفسيّاً بينه وبين الفساد، وتصنع له قدوة يقتدي بها في هذا الإطار، ومن الضروريّ أن تعرف أنّها قدوة ولدها الأولى فعليها أن ترشده قبل كلّ شيء من خلال أعمالها، وهذا الأسلوب هو الأسلوب الأساس الذي يجب أن تتبعه الأم، وهو مطلوب على الدوام ومفيد في جميع الأعمار، وإن كان هو الطريق الوحيد خلال السنين الأولى من عمر الإنسان، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين"12.
10- مستدرك الوسائل، ج15، ص166.
11- البقرة: 21.
12- الكافي، ج6، ص46.
110
96
الدرس التاسع: دورها كأم
أوّلاً ـ العلم: ففي الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ المعلّم إذا قال للصبيّ "بسم الله" كتب الله له وللصبيّ ولوالديه براءة من النار"10.
ثانياً ـ التقوى: هذه التقوى التي ذكرها القرآن الكريم كسبب للعبادة ومبرّر لها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾11.
وقد أولى الإسلام التقوى أهميّة خاصّة لأنّها الحاجز النفسيّ الذي يساعد الإنسان على مواجهة امتحانات الدنيا وبلاءاتها، والرادع والدرع الذي يسقط على أعتابه كلّ زينة لإبليس واستدراج لدنيا وتسويل للنفس الأمّارة بالسوء.
طرق التربية:
هناك طرق في التربية تختلف بحسب قابليّات الولد وعمره، وتختلف من موضوع لآخر، ويمكن الإشارة هنا إلى ثلاث طرق أساس:
1 ـ التوجيه غير المباشر:
وربما تكون أوّل طريقة تُتّبع مع الطفل لأنّه غير قادر على تلقّي رسائل الإرشاد والالتزام بها، وبالتالي فعلى الأمّ أن تدفعه نحو الصلاح، وتبعده عن الفساد من خلال وضع بدائل صالحة تشغله حتى لا يُستدرج لغير الصالح، وتشجعه على التزام الصالح، وتصنع حاجزاً نفسيّاً بينه وبين الفساد، وتصنع له قدوة يقتدي بها في هذا الإطار، ومن الضروريّ أن تعرف أنّها قدوة ولدها الأولى فعليها أن ترشده قبل كلّ شيء من خلال أعمالها، وهذا الأسلوب هو الأسلوب الأساس الذي يجب أن تتبعه الأم، وهو مطلوب على الدوام ومفيد في جميع الأعمار، وإن كان هو الطريق الوحيد خلال السنين الأولى من عمر الإنسان، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين"12.
10- مستدرك الوسائل، ج15، ص166.
11- البقرة: 21.
12- الكافي، ج6، ص46.
110
97
الدرس التاسع: دورها كأم
فتركه في حالة اللعب في السنين السبع الأولى لا يعني إهماله مطلقاً بل هو يتناسب مع التوجيه غير المباشر، ولو من خلال اللعب.
2 ـ التوجيه المباشر:
وهو في الحقيقة دخول في مرحلة التمييز العلميّ، حيث يتعلّم الإنسان - بحسب عمره وقابليّته - التمييز بين الخير والشرّ وبين الصلاح والفساد، وهذا الأمر- في مرحلة معيّنة لا بدّ منه أيضاً، حتّى لا يعتاد على أسلوب اتباع التوجيه العمليّ فقط دون معايير علميّة؛ لأنّه من دون هذه المعايير قد يسقط بسرعة أمام أي امتحان أو أجواء جديدة تطرأ عليه.
3- ثمّ التوجيه إلى الأسباب والنتائج:
حيث ينبغي تعريف الطفل آثار الأعمال وأسباب حسنها أو قبحها، ويجب ربطه بالآخرة وملاحظة آثار الأعمال وظهورها فيها بأوثق شكل ممكن.
هذه الأساليب على الأمّ أن تتقنها حتّى تؤدّيها بشكلها الصحيح لتخرج إلى المجتمع ولداً صالحاً، وللتوجه دائماً إلى الله تعالى: ﴿... قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾13.
صفات لا بدّ منها:
لكي تنجح الأمّ في رسالة التربية التي تريد أن تؤدّيها، هناك صفات أساسية يجب أن تلازمها تتلخّص بالأمور التالية:
1- إظهار الحبّ والعطف:
إنّ الحبّ والعطف على الولد هو من طبيعة الأمّ، وليس تكلّفاً أو أمراً مصطنعاً، فتعلّق الأمّ بالولد أمر واضح بالوجدان ولا نقاش فيه، ويظهر جليّاً في قصّة أمّ موسى عليه السلام، حيث يقول تعالى مخبراً عنها ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ
13- آل عمران: 38.
111
98
الدرس التاسع: دورها كأم
وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾14.
هذه المحبّة الموجودة في قلب كلّ أمّ يجب أن تفعّلها وتظهرها للولد.
فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:"أكثروا من قبلة أولادكم فإنّ لكم بكلّ قبلة درجة في الجنّة مابين كلّ درجة خمسمائة عام"15.
2 ـ الحلم والصبر:
على الأمّ أن تكون ذات حلم وصبر واسع، حتّى تستطيع أن تؤدّي دورها الإيجابيّ بشكل صحيح في تربية الولد، فإنّ قلّة الصبر ستتسبّب بالكثير من التعقيدات على المستوى النفسيّ والتربويّ، ويجب أن تعرف خصوصيّة الطفل وأنّ ما يصدر منه - ممّا قد يزعجها - كالبكاء مثلاً هو أمر طبيعيّ جداً يعبّر عن الصّحة، وربما عدمه يعبّر عن المرض.
من هنا فعليها أن توطّن نفسها على استيعاب هذه الأمور حتّى لا ترتدّ على أعصابها بشكل سلّبي، وقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإنّ بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلّا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبيّ وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه"16.
14- القصص: 7 - 13.
15- بحار الأنوار، ج101، ص92.
16- بحار الأنوار، ج57، ص381.
112
99
الدرس التاسع: دورها كأم
3 ـ المواساة:
يجب أن تكون الأمّ على مسافة واحدة من الأولاد، فلا تميّز بينهم بالشكل الذي يمكن أن ينعكس سلباً بينهم، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان له أنثى فلم يُبدِها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنّة"17.
وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "فهلّا واسيت بينهما"18.
خلاصة الدرس
عندما نراجع الشرع المقدّس نجد الكثير من النصوص الشرعيّة تشير إلى الأمّهات وتفعّل هذه العاطفة تجاه الأمّ وتوجّه الإنسان نحوها.
إنّ ما تقدّمه الأمّ لولدها لا يمكن أن يقدّمه أيّ شخص آخر، فكان بيته حشاها وطعامه دمها... وهذا ما لا يمكن أن يقدّمه أيّ شخص آخر.
يقول الإمام زين العابدين عليه السلام:"... فإنّك لا تطيق شكرها إلّا بعون الله وتوفيقه".
إنّ تحمّل الأمّ للمسؤولية يمرّ بمراحل عديدة:
1- الحمل.
2- الإرضاع.
3- التوجيه والإرشاد
ينبغي أن ترتكز التربية على أمرين: أولهما العلم والثاني هو التقوى.
17- مستدرك الوسائل، ج15، ص118.
18- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص483.
113
100
الدرس التاسع: دورها كأم
طرق التربية:
1- التوجيه غير المباشر.
2- التوجيه المباشر.
3- التوجيه إلى الأسباب والنتائج.
من صفات الأمّ المربّية، إظهار الحب والعطف، الحلم والصبر، المساواة بين الأطفال من حيث المعاملة وإظهار المودّة.
أسئلة حول الدرس
1- تحدّثي عن نظرة الإسلام إلى الأمّ.
2- لماذا اهتمّ الإسلام بموضوع الأمومة؟
3- ما هي المسؤوليّات التي ألقيت على عاتق المرأة؟
4- على ماذا ينبغي أن ترتكز تربية الأبناء؟
5- اذكري بعض طرق التربية السّليمة.
114
101
الدرس التاسع: دورها كأم
للمطالعة
فاطمة بنت النّاصر:
هي المنتسبة بنسبها المبارك إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ووالدة السيّدين الجليلين، والعالمين العظيمين والشريفين، محمّد الرضيّ "جامع نهج البلاغة"، وعليّ المرتضى "من العلماء القدامى المعروفين".
لقد عاشت هذه العلويّة الكريمة حياة مرفّهة حيث لم تكن فقيرة إلّا أنّ ذلك لم يمنعها من أن تكون من أتقى نساء زمانها، كيف لا وهي بنت الناصر المسمّى بعبد الحقّ، والذي كان سيّد الطالبيّين في زمانه، وينقل ابن أبي الحديد هذه القصّة المعبّرة حيث يقول: حدّثني فخار بن معد العلويّ الموسويّ رحمه الله قال: رأى المفيد أبو عبد الله محمّد بن النعمان الفقيه الإمام كأنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين صغيرين فسلّمتهما إليه وقالت له: علّمهما الفقه. فانتبه متعجّباً من ذلك، فلمّا تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا، دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها محمّد الرضيّ وعليّ المرتضى صغيرين، فقام إليها وسلّم عليها، فقالت له: أيّها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما لتعلّمهما الفقه، فبكى أبو عبد الله، وقصّ عليها المنام، وتولّى تعليمهما الفقه، وأنعم الله عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا، هو باقٍ ما بقي الدهر.
ودّعت هذه الأمّ الحنون رضوان الله تعالى عليها دار الحياة الفانية بعد أن اطمأنت على ولديها، وقرّت عيناها بهما، وذلك في شهر ذي الحجّة الحرام من السنة الخامسة والثمانين بعد الثلاثمائة، حيث كان عمر الشريف المرتضى آنذاك ثلاثين عاماً، وعمر أخيه الشريف الرضي ستّاً وعشرين عاماً، وقد رثاها الشريف الرضيّ بقصيدة همزيّة تبلغ (86) بيتاً، مطلعها:
115
102
الدرس التاسع: دورها كأم
أبكيك لو نقع الغليل بكائي
وأقول لو ذهب المقال بدائي
وأعوذ بالصبر الجميل تعزّياً
لو كان بالصبر الجميل عزائي
116
103
الدرس العاشر: العمل والجهاد
عمل المرأة:
إنّ أعمال الإنسان يمكن تقسيمها بشكل عام إلى ثلاثة أقسام:
الأوّل: أعمال شخصيّة، لها علاقة بخصوصيّات الإنسان الفرد، كالعبادة التي يقوم بها لكماله الفردي، والاهتمام ببعض جوانبه الماديّة أيضاً من هيئة وممتلكات...
الثاني: أعمال لها بعد عائلي، وتنقسم إلى قسمين، فبعضها يهتم بتأمين الاحتياجات الماديّة للعائلة من مأكل ومشرب وملبس... وبعضها يهتم بتأمين الاحتياجات المعنويّة من تربية وتوجيه...
الثالث: أعمال لها بُعد اجتماعيّ عامّ، ينطلق فيها الإنسان ليؤدي دوره الإيجابي في إصلاح المجتمع وتحسين شرائطه وملاءمة ظروفه...
فما المقصود من عمل المرأة الذي نبحثه هنا بين هذه الأقسام الثلاثة؟
بالنسبة للقسم الأول: وهو الاهتمام بخصوصياتها الفرديّة، فلا شكّ بأنّ لها الحقّ بالقيام بمثل هذه الأعمال بشكل عام، بل هو أمر مرغوب فيه أيضاً. فالاهتمام بمظهرها بل وتزيينه وتحسينه أمام
زوجها هو أمر مطلوب، وكذلك الاهتمام بممتلكاتها الخاصّة بشكل تبتعد عن الإسراف والتبذير أو الإتلاف والضياع... بالإضافة إلى العبادة التي تعتبر هدف وجود الإنسان ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾1. وهذه الأمور كلّها لا كلام فيها إجمالاً.
1- الذاريات: 56.
120
105
الدرس العاشر: العمل والجهاد
وبالنسبة للقسم الثالث: فلا شكّ أن للمرأة دورها الاجتماعيّ العامّ الذي ينبغي أن تقوم به يقول تعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾2، هذا الدور الذي قد يتّسع ليصبح بحجم الأمّة كلّها، أو يضيق ليكون ضمن إطار مُعيّن بحسب قابليّات المرأة والأولويّات الحاكمة على حياتها إضافة إلى ظروف المجتمع، فمن غير المناسب أن تقوم المرأة في
دورها الاجتماعيّ العامّ في الوقت الذي تخسر فيه.
ويبقى القسم الثاني من الأقسام الثلاثة: ولا شكّّ أن للمرأة دورها الأساسي في تأمين الاحتياجات المعنويّة من تربية وتوجيه لأبنائها... وأمّا الاحتياجات الماديّة من خلال العمل خارج البيت لتأمين لقمة العيش، فهذا النوع من الأعمال هو الذي يدور حوله الكلام عادة عند الحديث عن عمل المرأة، فما هو الموقف منه؟
عمل المرأة الأصلي:
إنّ الإسلام لم يحمّل المرأة مسؤوليّة تأمين لقمة العيش بالنسبة للعائلة، بل أوجب ذلك على الرجل، وقد رأينا كيف أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عندما قسّم أعمال الأسرة بين ابنته فاطمة عليها السلام وصهره عليّ عليه السلام، وكيف جعل لها الأعمال داخل البيت وله الأعمال خارجه. وهذا الأسلوب يشكّل الوضع السليم للعائلة السعيدة التي يتولى كلّ فرد فيها مسؤوليّة خاصّة تتناسب مع شخصيّته وطبيعته ليتكامل مع الفرد الآخر في سدّ الفراغات، وتأمين الاحتياجات بجميع جوانبها الماديّة والمعنويّة، داخل البيت وخارجه.
ولكن رغم ذلك لم يحرّم الإسلام عمل المرأة خارج البيت، إذا كان ضمن الضوابط الشرعيّة الصحيحة، بل ربما يصبح هذا العمل راجحاً في بعض الحالات، نذكر منها:
1- وجود حاجة ماديّة: إنّ طلب الحلال عبادة كما ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة سبعون جزءً أفضلها طلب الحلال"3. فلو كانت المرأة محتاجة ماديّاً هي أو من تعيلهم ـ لو فرض وجود من تعيله ـفلا شكّ أن عملها حينئذٍ
2- التوبة: 71.
3- وسائل الشيعة، ج12، ص11.
121
106
الدرس العاشر: العمل والجهاد
سيكون مطلوباً وراجحاً، وهو خير من أن تصاب بالفقر وتبذل ماء وجهها لطلب المعونة من الناس.
2- وجود فراغ: لقد رفض الإسلام الفراغ والكسل، وورد في الرواية عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ يبغض العبد النوّام الفارغ"4، فلو فرض أنّ امرأة كان لديها الكثير من أوقات الفراغ بحيث أنّها لو لم تنشغل بالعمل ستكون مصداقاً للعبد النوّام الفارغ، في مثل هذه الحالة يصبح العمل راجحاً لها.
3- أهميّة خاصّة للعمل: قد يكون العمل الذي تتولّاه المرأة له طابع مهم جدّاً على المستوى الشرعيّ، كمؤسسات الترويج للدين وإصلاح المجتمع والعمل الاجتماعيّ، أو كمسألة التخصّص في الطبّ النسائيّ... فقد تنشغل المرأة بمثل هذه الأعمال المهمّة لخدمة الدين والمجتمع وتأخذ أموالاً ــ كالراتب ــ مقابل هذا العمل لتعيش عزيزة كريمة، فمثل هذه الأعمال وإن كانت تؤمّن لقمة العيش ولكن هدفها الأساسيّ هو الخدمة للدين والمجتمع، وتبقى راجحة بنفسها.
الالتزام بالضوابط الشرعيّة:
إنّ عمل المرأة يجب أن يكون ضمن أجواء سليمة تراعي الضوابط على المستوى الشرعيّ، ومن هذه الضوابط أمران:
1 - الابتعاد عن الاختلاط ما أمكن، والالتزام بالحجاب الشرعيّ ومراعاة الشؤون الشرعيّة في السلوك، يقول الإمام الخميني قدس سره: "فلتعمل المرأة ولكن بالحجاب، لا مانع من عملها في الدوائر الحكوميّة ولكن مع مراعاة الحجاب الشرعي والحفاظ على الشؤون الشرعيّة"5.
2 - إجازة الزوج إذا كانت متزوجة، وكان عملها يستلزم الخروج من البيت، فإنّ خروجها من البيت يجب أن يكون بإجازة الزوج كما يُفتي الإمام الخميني قدس سره.
4- وسائل الشيعة، ج12، ص36.
5- من حديث في جمع من علماء الدين وطلبة العلوم الدينية في قم بتاريخ 6/3/1979.
122
107
الدرس العاشر: العمل والجهاد
الجهاد العسكريّ
دور المرأة في الجهاد:
هل للمرأة أن تشارك بالأعمال العسكريّة؟ أم أنّ هذا النوع من الأعمال خاصّ بالرجال؟ وإن كان لها ذلك فهل يختصّ ذلك بأعمال دون أخرى وبأنواع من الجهاد دون أخرى؟ حتّى تكون الصورة واضحة ودقيقة سنتحدّث عن هذه الأمور كلّاً على حدة.
ما المقصود من العمل العسكريّ؟
إنّ العمل العسكريّ يحتاج إلى مجهود كبير يغطّيه العاملون في سلك الجهاد لا يختصره المجاهد الذي يحمل البندقية ويوجه الرصاص إلى العدوّ بشكل مباشر - وإن كان مظهره ونتيجته ولحظته الفاصلة - بل هو يشمل كلّ العاملين الذين يؤمّنون وصول السلاح من جهة، ويمدّون المجاهدين بالطعام والثياب من جهة أخرى وفريق الإسعاف الذي يداوي جراح المجاهدين ليعودوا إلى ساحات المواجهة من جهة ثالثة وغيرها من المهام الكثيرة التي تتكاتف كلّها ليستطيع أن يقف المجاهد بنتيجة هذا المجهود حاملاً سلاحه موجّهاً الضربات القاسية للأعداء...
ولا شكّّ أنّ المرأة تستطيع أن تشارك في الكثير من هذه المهام، بل مطلوب منها أن تغطّي مثل هذه المهام التي تدعم الجبهة وتؤمّن احتياجات المجاهدين وتعتبر شرطاً أساساً في استمرار الجهاد.
فيمكن للمرأة أن تعمل في تأمين الطعام واللباس ويمكنها أن تكون ممرّضة وطبيبة تداوي الجراح ويمكنها أن تساعد في كلّ الأعمال اللوجستيّة، ومن المعروف في السيرة النبويّة دور النساء في الحروب من جهة تأمين الطعام ومداواة الجراح... يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ النساء في صدر الإسلام كنّ يخرجنَ إلى الحرب وكان معظمهنّ يعمل طوال الوقت في إسعاف المصابين ومداواة الجرحى"6.
6- من حديث حول التوبة، بتاريخ 8/11/1980.
123
108
الدرس العاشر: العمل والجهاد
وإنّما الكلام في خصوص مهمّة حمل السلاح ومواجهة العدو بشكل مباشر، فهل يمكن للمرأة أن تقوم بمثل هذه المهمّة كالرجال تماماً؟ وهل يجب عليها ذلك؟
الجهاد الابتدائيّ والدفاعيّ:
هناك نوعان من الجهاد: ابتدائيّ ودفاعيّ
والابتدائيّ: هو الذي تكون المعارك فيه على أرض الغير نتيجة غزو المسلمين لها، وهذا النوع من الجهاد ليس محلّ ابتلاء في هذا الزمن.
والدفاعيّ: هو الذي تكون المعارك فيه نتيجة هجوم الأعداء على المسلمين وتهديدهم لهم...
دورها في الدفاعيّ:
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللهِ وَالله عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾7.
إنّ الدفاع عن الإسلام والمسلمين وبلادهم من الواجبات التي تتوجّه إلى جميع المكلّفين سواء كانوا رجالاً أم نساءً، ويجب عليهم جميعاً الدفاع بكلّ الوسائل الممكنة، فإذا كانت الحرب حرباً دفاعيّة - كما هو في هذا الزمان - لا يتوقّف دور المرأة على الأمور اللوجستيّة وما شابهها، بل يجب عليها حمل السلاح والمواجهة إذا تطلّب الدفاع ذلك، وهنا يأتي دور تشخيص القيادة وتقسيمها للأدوار حسب ما تراه مناسباً من مصلحة جهاديّة واجتماعيّة، ينقل الإمام الخميني قدس سره قائلاً: "إنّ بعض النسوة جئن إلى هنا وطلبن منّي أن أسمح لهنّ بالذهاب إلى كردستان... يذهبن للقتال هناك، فقلت لهنّ: ليس من الصلاح ذلك، الشعب والجيش يؤدّيان دورهما هناك"8، ولكن إذا شخّصت القيادة ضرورة مشاركة المرأة في حمل السلاح والقتال وجب عليها القيام بذلك.
7- آل عمران: 195.
8- من حديث في أعضاء الحكومة، بتاريخ 2/10/1979.
124
109
الدرس العاشر: العمل والجهاد
التدريب العسكريّ:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ﴾9 حينما يكون الجهاد واجباً في الدفاع عن الإسلام وبلاد المسلمين، حتّى على المرأة، يلزم عليها أن تكون جاهزة لتأدية دورها هذا، وإن كان دورها الشرعيّ يتحقّق بالقتال كما في حالة الدفاع التي لا يُغني فيها قتال الرجال، فعليها حينئذٍ التدرّب العسكريّ الذي يؤمّن الأسباب الظاهريّة للنصر التي أمرنا الله تعالى بتأمينها كما في الآية الكريمة.
يقول الإمام الخميني قدس سره حول هذا الموضوع: "إذا ما كان الدفاع واجباً على الجميع، ينبغي أن تُهيّأ مقدّمات الدفاع أيضاً، من جملة ذلك موضوع التدريب العسكريّ وتعليم فنون القتال لمن لا يجيدها فالأمر ليس بهذه الصورة بأن يجب علينا الدفاع ولكن لا ندري كيف ندافع، بل يجب أن نتعلّم كيف ندافع، ومن الطبيعيّ أنّ المحيط الذي تتدربون فيه على الفنون العسكريّة يجب أن يكون محيطاً سالماً، محيطاً إسلاميّاً، وأن تُراعى فيه جوانب العفاف وجميع الشؤون الإسلاميّة"10.
9- الأنفال: 60.
10- من حديث في جمع من النساء، بمناسبة يوم المرأة، بتاريخ 10/2/1986.
125
110
الدرس العاشر: العمل والجهاد
خلاصة الدرس
إنّ الإسلام لم يحّمل المرأة مسؤوليّة تأمين لقمة العيش بالنسبة للعائلة، ولكن رغم ذلك لم يحرّم الإسلام عمل المرأة خارج البيت إذا كان ضمن الضوابط الشرعيّة الصحيحة.
قد يكون عمل المرأة خارج البيت راجحاً في بعض الحالات، نذكر منها:
1- وجود حاجة ماديّة.
2- وجود فراغ.
3- أهميّة خاصّة للعمل كمؤسسات الترويج للدين وغيرها.
إنّ عمل المرأة يجب أن تُراعى فيه الضوابط على المستوى الشرعي، ومن هذه الضوابط أمران:
1- الابتعاد عن الاختلاط ما أمكن.
2- إجازة الزوج إذا كانت متزوجة.
إنّ المرأة تستطيع أن تشارك في الكثير من المهام العسكريّة، فيمكن لها أن تعمل في تأمين الطعام واللّباس ويمكنها أن تكون ممرّضة وطبيبة تداوي الجراح ويمكنها أن تساعد في كلّ الأعمال اللوجستية.إنّ الدفاع عن الإسلام والمسلمين وبلادهم من الواجبات التي تتوجّه إلى جميع المكلّفين سواءً كانوا رجالاً أم نساءً، ويلزم عليها أن تكون جاهزة لتأدية دورها، فعليها حينئذٍ التدرّب العسكريّ الذي يؤمّن الأسباب الظاهريّة للنصر التي أمرنا الله تعالى بتأمينها.
126
111
الدرس العاشر: العمل والجهاد
أسئلة حول الدرس
1- متى يكون عمل المرأة خارج البيت راجحاً؟
2- ما هي الأمور التي ينبغي على المرأة مراعاتها حال عملها خارج البيت؟
3- هل يجوز للمرأة أن تشارك في العمل العسكريّ؟
4- متى يتعيّن الجهاد على المرأة؟
5- ما الذي ينبغي أن تراعيه المرأة في الدورات العسكريّة التدريبيّة؟
127
112
الدرس العاشر: العمل والجهاد
للمطالعة
أمّ سلمة الموالية المجاهدة
هي أمّ سلمة زوجة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، الصورة الصادقة للإيمان الراسخ، والعقيدة الثابتة التي عجنت بحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والولاء لأهل بيته عليهم السلام.
لقد فضّل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السيّدة أمّ سلمة على سائر نسائه - غير خديجة عليها السلام - فكانت لها الصدارة، والمقام الرفيع ما ليس لواحدة منهنّ.
لقد تميّزت حياة هذه السيدة الجليلة، بولائها لأهل البيت عليهم السلام، رغم كلّ التيارات السياسيّة التي عادتهم وأقصتهم عن المكان الذي نصّبهم الله فيه، فتميّزت بالثبات على ولايتهم والدعوة إليها حيث بقيت، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لآخر عمرها تدعو الناس وتعرّفهم بحقّهم ممّا سمعته من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمفي حقّهم وشأنهم عليهم السلام.
وكان أهل البيت عليهم السلام يكّنون لها الاحترام الكبير وكانت عندهم في منتهى الرفعة والجلال.
وأمّ سلمة هذه المرأة التي كانت تحمل إيمانا قديما من أوّل الدعوة كانت تطمح دائما لرضا الله تعالى فقد قالت يوماً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أنّه لمّا لا نجاهد ونستشهد كالرجال؟ فأنزل الله تعالى ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ الله بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾11.
وقد دافعت رضي الله عنها عن السيّدة الزهراء عليها السلام ولأجل دفاعها قطع عنها عطاؤها في نفس العام.
وقد دافعت عن أمير المؤمنين - وعن موقفه الحقّ في حرب الجمل، فجمعت نساء المهاجرين والأنصار وأعلمتهم عن غضبها ممّن خرج لحرب أمير المؤمنين عليه السلام.
هذا وتاريخها حافل بالكثير من المواقف التي تشهد لها بأنّها من النساء المجاهدات لرفع لواء الإسلام بكل ما أوتيت من قوة.
11-النساء: 37.
128
113
الفهرس
الفهرس
الدرس الأول :مكانة المرأة |
7 |
نظرة لمجتمعات إلى المرأة |
9 |
1-هل المرأة مخلوق ثانويّّ؟ |
9 |
2 -أوّل خطأ ومعصية |
10 |
نظرة الإسلام للمرأة |
11 |
1 -كرامة المرأة كإنسان |
11 |
2 -عدم التفاوت ضمن الجنس البشري |
12 |
نظرة القرآن الكريم للمرأة نظرة متوازنة |
14 |
التركيز على النموذج المشرق |
15 |
1 -امرأة فرعون |
15 |
2 -مريـم ابنة عمران |
16 |
الدرس الثاني: حقوق المرأة |
21 |
التفاوت بين الرجل والمرأة |
23 |
أشكال التفاوت |
23 |
من الزاوية النفسيّة |
24 |
من زاوية العواطف المتبادلة |
25 |
كيف ندرس الحقوق؟ |
25 |
1-التناسب لا التساوي |
25 |
2 -النظرة الشموليّة للأحكام |
26 |
114
الفهرس
تعدّد الزوجات |
26 |
قوّاميّة الرجل على المرأة |
27 |
الإرث |
28 |
الدرس الثالث: تعليم المرأة |
33 |
أهميّة العلم |
35 |
ضرورته للإنسان |
36 |
العلم غير مختص بالرجل |
37 |
أجواء التعلّم |
38 |
أولويّات التعلّم |
38 |
1-المعارف الأساسيّة كالعقائد والفقه والأخلاق |
39 |
2 -أساليب التصرّف العائليّ |
39 |
3 -الخدمات التي تساعد على تحقيق الأجواء الإسلاميّة الصحيحة |
39 |
4-حاجات المجتمع |
40 |
الدرس الرابع: الحجاب |
45 |
المقدّمة |
47 |
الحجاب في المسيرة الإنسانيّة |
47 |
معنى الحجاب |
48 |
ما هو المطلوب في المنع؟ |
49 |
أدلّة الحجاب |
49 |
1-عمّن يجب أن تتحجّب المرأة؟ |
49 |
2 -مقدار الستر الواجب. |
49 |
مفهومان لحجاب المرأة |
51 |
الدرس الخامس: الاختلاط |
57 |
المقدّمة |
59 |
ما معنى الاختلاط؟ |
59 |
تقليل الاختلاط |
60 |
الخلوة المحرّمة |
60 |
ضوابط الاختلاط الحلال |
61 |
131
115
الفهرس
الدرس السادس: الحياء والعفّة |
67 |
الحياء |
69 |
أهميّة الحياء |
70 |
الحياء ممّن؟ |
70 |
الحياء ممّا؟ |
71 |
معنى العفّة |
73 |
العفّة عن أي شيء؟ |
73 |
ثمرات العفّة |
74 |
1 -حسن المظهر |
74 |
2 -الوقاية |
75 |
3 -الثواب العظيم |
75 |
من منافيات الحياء والعفّة |
75 |
1 -التشبّه بالرجال |
75 |
2 -تقليد الغرب |
76 |
الدرس السابع: الزواج-1 |
81 |
أهميّة بناء الأسرة |
83 |
من أهداف الأسرة |
83 |
1-العفّة والطهارة |
83 |
2 -تمتيـن الأخلاق |
84 |
3 -التكامل بيـن الزوجيـن ورفع الحاجات |
85 |
4 -ملء الأوقات بالطاعة |
85 |
5 -تكثير النسل المؤمن واستمرار الحياة |
85 |
أجواء حاكمة على العلاقة العائليّة |
85 |
1 -المودّة |
86 |
2-الرحمة |
86 |
3-المعاشرة بالمعروف |
86 |
4-التعاون وسدّ الفراغ |
87 |
5-الصبر والحلم |
87 |
6-مراعاة إمكانات الزوج |
88 |
نظام العائلة |
88 |
132
116
الفهرس
الدرس الثامن: الزواج-2 |
93 |
استمراريّة العائلة |
95 |
من أسباب الطلاق |
96 |
1عدم الالتزام بالشرع المقدس |
96 |
2-الأخطاء |
96 |
ما هو علاجها؟ |
97 |
1-مراعاة الحقوق والآداب |
97 |
حقوق وآداب في العلاقة مع الزوج |
97 |
2-الحلّ بعد الوقوع في المشكلة |
99 |
الطلاق بيد الزوج |
100 |
إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان |
100 |
الدرس التاسع: دورها كأمّ |
105 |
ما هي الأمّ؟ |
107 |
1-الجنّة تحت أقدامها |
107 |
2-التوصية ببرها |
107 |
فلماذا هذا المقام؟ وكيف استحقت الأمّ ذلك كلّه؟ |
108 |
ما سبب مقام الأمّ؟ |
108 |
كيف تتحمّل هذه المسؤوليّة؟ |
109 |
1-الحمل |
109 |
2-الإرضاع |
109 |
3-التوجيه والإرشاد |
110 |
أهداف التربية |
110 |
طرق التربية |
111 |
1-لتوجيه غير المباشر |
111 |
2-التوجيه المباشر |
112 |
3-ثمّ التوجيه إلى الأسباب والنتائج |
112 |
صفات لا بدّ منها |
112 |
1-إظهار الحبّ والعطف |
112 |
2الحلم والصبر |
113 |
3-المواساة |
114 |