قراءات في فكر الإمام الخميني قدس سره


الناشر: مراكز الإمام الخميني الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-02

النسخة: 0


الكاتب

جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية

مراكز ثقافية تعنى بحفظ نهج الإمام الخميني قدس سره ونشره من خلال إنشاء مراكز متخصصة بإقامة الندوات الفكرية واللقاءات الحوارية للنخب الثقافية والجامعية، وإنشاء المكتبات العامة للمطالعة، وتكريم شخصيات ثقافية، وإقامة دورات فكرية، وتوقيع كتب أدبية وفكرية، وإصدار سلاسل فكرية متنوعة لكبار العلماء والمفكرين.


الفهرس

 الفهرس

عنوان المحاضرة

المحاضر

صفحة

المقدمة

 

7

العرفان في فكر الامام الخميني قدس سره

الشيخ علي سائلي

9

الشعر العرفاني عند الامام الخميني قدس سره

الدكتور طراد حمادة

13

على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

الشيخ شفيق جرادي

21

المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين

الشيخ حسن حمادي

31

الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس

الشيخ محمد قبيسي

39

المنهج القويم في اصلاح الانسان

الشيخ أكرم بركات

55

المنهج في ولاية أهل البيت على ضوء كتاب الأربعون حديثاً

السيد علي حجازي

63

المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره

الأستاذة وفاء حطيط

75

أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره

الشيخ شفيق جرادي

81

رسالة الإمام الخميني في سبيل المستضعفين  

المطران خليل أبي نادر

89

الإمام الخميني وفلسطين.. رؤى ثاقبة

الأستاذ أمين مصطفى

93

الثورة الاسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية

الداعية الدكتور فتحي يكن

101

البعد الحضاري في ثورة الامام الخميني  قدس سره

الأستاذ رشاد علامة

107

 

 

 

 

 

 

 

 

5


1

المقدمة

 المقدمة 

 
بسم الله الرحمن الرحيم

تشكل الكتابة عن الإمام الخميني قدس سره وفكره ونهجه مقدمة ضرورية للدخول إلى عالم واسع من الواقع الذي يغلب عليه طابع الضرورة والجدية والاهتمام ومكانة الدور، فالإمام قدس سره ليس شخصية كباقي الشخصيات التي عبرت التاريخ وانقضى ذكرها، بل على عكس ذلك، الإمام قدس سره من الشخصيات التي تركت بصماتها وآثارها وبركاتها على جوانب كبيرة ومؤثرة من حياة العالم الإسلامي.

لقد جاءت حركة الإمام قدس سره الفكرية والجهادية في جو غلب عليه الابتعاد عن الذات والقيم والهوية الأساسية فحمل لواء الإسلام والحق ليعيد الأمور إلى نصابها وليبين المواقف الصحيحة مما جعله مناراً تهتدي به العقول والقلوب قبل الأجساد.
ومن هنا شكلت السيرة الذاتية للإمام قدس سره دروساً بالغة الأهمية، وبرز دوره المتنوع وفي جميع المجالات، أما أفكاره وعقائده فهي نماذج حية للفكر الإسلامي الصحيح. والأكثر من هذا يغدو التعرف على فكر هذا الإمام الكبير حاجة ملحة وضرورية يكتسبها من أهمية التعرف إلى فكر هذا القائد الذي استطاع إحداث تحولات فكرية وسياسية في مسار الحياة العامة للمسلمين في مواقع انتشارهم الجغرافي وفي المجتمعات الدولية الأخرى.

أما التعرف على وجهة فكر الإمام فمتوقفة على ما امتازت به من خصائص وميزات انفرد الإمام قدس سره بها:

1- بداية كان الإمام قدس سره يملك معرفة دقيقة وواضحة بالإسلام ومعتقداته وأهدافه.

2- لقد وضع الإمام قدس سره نصب عينيه مهمة إعادة المفاهيم والقيم الدينية في الحياة العملية إلى أصالتها ووجهتها الرئيسية.

3- امتلك نهج الإمام من الصدقية والخصال الحميدة ما جعله مؤثراً في الكثير من الحالات، 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

2

المقدمة

 فما وقع كلامه في شيء إلا استوقفه ودفعه لإعادة النظر في مجمل المنظومة الفكرية المحيطة به.


4- وامتاز خط الإمام قدس سره بتبنيه للقضايا العامة وقضايا المستضعفين، تلك التي تمتاز بجانب الحقانية...

5- وغلب على فكر الإمام قدس سره التأسيس لمشروع تربوي وفكري يقدم المباني الأساسية للفكر الأصيل وللحياة العملية السليمة.

6- بالإضافة إلى ذلك امتاز نهج الإمام باحترام الآخر واعطاء أهمية خاصة للفرد والمجتمع، وبشكل عام كان الإنسان عند الإمام يمتلك مفهوماً لعلنا لم نألفه في الأنظمة الوضعية، نابعاً من القيمة العالية والسامية للإنسان.

وإذا ما أردنا التدقيق أكثر لوجدنا الكثير والكثير من المميزات التي غلبت على فكر الإمام قدس سره وشخصيته، ونحن في هذه المقالات التي بين أيدينا والتي أقيمت في مركز الإمام الخميني الثقافي (بيروت) في فترات متفاوتة ومن قبل شخصيات متعددة، ويجمعها أولاً أهميتها وثانياً تقديمها نماذج واضحة جلية من فكر الإمام وجهاده والآثار التي تركها على مستوى العالم الإسلامي وغيره، على أمل أن تكون هذه الخطوة مقدمة للتعرف على فكر ونهج وخط هذا الإمام العظيم.

مركز الإمام الخميني الثقافي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

3

المحاضرة الأولى:العرفان في فكر الامام الخميني قدس سره

 المحاضرة الأولى:العرفان في فكر الامام الخميني قدس سره 

 

الشيخ علي سائلي

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد الله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عليه نتوكل وعنده مفاتح القلوب والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ومولانا أبى القاسم محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين المكرّمين المظلومين الشخصيات العظيمة والمرموقة والكبيرة لا يُعرفون في عصرهم وفي زمانهم، هؤلاء الجبال لا يُمكن رؤيتها عن قُرب نحن بحاجة إلى أن نبتعد من الجبال كثيراً حتى نضع الجبال في كامل العين إن الشخصيات المرموقة هكذا لا يُمكن أن نعرفهم في عصرهم بل يجب أن يمر عليهم تاريخ طويل طبعاً تتذكرون كلام الشهيد مطهري حين قال: 
إن السيد الطباطبائي يُعرف بعد مرور مئة سنة وبعد مضي مئة سنة يُعرف كتاب "تفسير الميزان" إذا كان السيد الطباطبائي يُعرف بعد مئة سنة فكم نحتاج إلى أن يمر على شخصية الإمام الخميني من الزمان ومن التاريخ حتى نعرف ماذا انجز الإمام الخميني؟

الإبتكارات العرفانية

لهذه الشخصية إبداعات وابتكارات ووجهات نظر ورؤى في علم الفقه واصول الفقه والفلسفة وتفسير القرآن الكريم وحتى العرفان والآن لا يسمح الوقت في الدخول بكل هذه التفاصيل ولكن أتحدث باختصار، فاقول: للإمام الخميني إبداعات وابتكارات حتى في العرفان بحيث لا مثيل لتلك الابتكارات والإبداعات على ما اعرف وعلى ما وصلت إلى من معلومات وأنا لا أبالغ في هذا الموضوع، حتى في مجال إبداعات الإمام في العرفان فأنا لا أستطيع أن ادخل إلى العرفان ككل ولكن أود أن اختار جزءاً بسيطاً فقط على أن ندخل اكثر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

4

المحاضرة الأولى:العرفان في فكر الامام الخميني قدس سره

 في مناسبة أخرى قبل أن أشير إلى إنجازات الإمام في ساحة العرفان احتاج إلى استحضار مقدمتين صغيرتين أما الأولى: نحن نعتقد من خلال القرآن الكريم أن للامة بما هي أمة وان للمجتمع بما انه مجتمع شخصية كما أن لكل إنسان كانسان شخصية ونفسية وروحية يتحدث القرآن عن هذا الموضوع في عدة آيات مثلاً يقول القرآن ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ الله سبحانه وتعالى في بعض الآيات يتحدث عن الشخص واحياناً يتحدث عن الأمة ﴿كذلك زيّنا لكل أمة عملهم يعني للامة بما أنها أمة عمل خاص وفي آية أخرى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ كأنه يتحدث عن أن لكل إنسان اجل وفي سورة الحج يقول الله: ﴿كُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا وفي سورة غافر يقول الله: ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ وفي سورة الجاثية يقول الله: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا إذن موضوع كل هذه الآيات هو المجتمع والامة بما هو مجتمع.


أما المقدمة الثانية فان الجزء الرئيسي في العرفان هو العرفان العملي يعني السير والسلوك يعني حركة الإنسان في منازل السير والسلوك فمثلاً المنزل الأول اليقظة يدخل السالك إلى منزل اليقظة ثم ينتقل إلى منزل التوبة ثم إلى منزل التطهير ثم إلى الذكر هكذا يجب على كل سالك أن يسافر سفراً روحانياً في أربعة أسفار: السفر الأول من الخلق إلى الحق والسفر الثاني من الحق إلى الحق بالحق والسفر الثالث من الحق إلى الخلق بالحق أما السفر الرابع من الخلق إلى الخلق بالحق فالعرف لا بد أن يسافر بها وإلا لا يكون عارفاً طبعاً دخول السالك في كل منزل يختلف عن دخول الإنسان إلى غرفته يُمكن أن يدخل الإنسان إلى غرفته ثم يخرج من دون أي تغيير أما السالك عندما يدخل إلى منزل من منازل السلوك يتغير ويتحول بحيث يصبح من سنخ المنزل السالك الذي يدخل إلى منزل التوبة فان كينونته تتحول وتتغير وتكون مصداقاً كاملاً للتوبة، وهكذا بالنسبة إلى التطهير والذكر ومنزل العشق... بعد دخول السالك إلى هذه المنازل تظهر تدريجياً تغيرات في كيانه يتغير ويتحول إلى وجود آخر طبعاً هذا يحتاج إلى تفاصيل اترك هذه التفاصيل أشير إلى بعض الحالات الخاصة. 

يقول جناب ابن سينا في كتاب "الإشارات والتنبيهات" فيذكر أمرين: العارف شجاعٌ فكيف لا وهو بمعزل عن تقية الموت وهو جوادٌ (سخي) فكيف لا وهو بمعزل عن محبة الباطل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

5

المحاضرة الأولى:العرفان في فكر الامام الخميني قدس سره

 الوصف الأول للعارف انه شخص شجاع ثم يقول ابن سينا وكيف لا انظروا كيف يطرح ابن سينا هذا السؤال؟ لا يقول كيف يكون العارف شجاعاً بل كيف لا يكون العارف شجاعاً لأن شجاعة العارف أمر طبيعي يجب أن يكون العارف شجاعاً وإذا وجدتم أو رأيتم عارفاً ليس شجاعاً في هذا المجال يُطرح السؤال لماذا لا يكون شجاعاً؟ ولذلك يقول وكيف لا؟.

 
الإمام قدس سره والأسفار
 
إن أول شخص استطاع أن يعطي هذا السفر وهذا العرفان وبنقله من ساحة الشخص إلى ساحة المجتمع بحيث يسافر الشعب والمجتمع بحسب المقدمة الأولى هو الإمام قدس سره، الإمام اخذ من القرآن أن للمجتمع روح وشخصية وفي ظل هذه المعرفة استطاع وادرك الإمام انه يجب أن يعطي الشعب هذا السير والسلوك وينقله من الحالة الشخصية إلى المجتمع والى الساحة. فبدأ بالسفر سافر من الخلق إلى الحق هل تعرفون أحدا من العرفاء تمكن من نفخ روح العرفان العملي في الشعب وبدل أن يسافر شخصياً سفراً روحياً جعل الشعب يسافر من الخلق إلى الحق ومن الحق إلى آخر الأسفار الأربعة ولذلك بعد فترة ظهرت تلك الحالات العرفانية التي تحدثنا عنها واشرنا إليها في مجال العرفان الشخصي حيث ذكرت أمرين الشجاعة والجود والسخاء. فظهرت هذه الحالات في الشعب الإيراني فأنا لا اتحدث عن شخص بل عن أمة تجسدت فيها روح العرفان فقامت في وجه الولايات المتحدة الأمريكية منذ 27 سنة وهذا ليس مزاحاً بل قدم هذا الشعب كثير من التضحيات وظهرت حالات أخرى مثل حالة الجود والسخاء بالرغم من حاجته إلى أمواله في الداخل ومع ذلك لم ينسى الشعب الفلسطيني طول هذه الفترة الطويلة حتى بعد نجاح حركة حماس في فلسطين قال الشعب الإيراني انه مستعد فلا تحللوا هذه الأمور كأمور استثنائية وبطريق الصدفة ولكن هذا الشعب كبُر ونضج واصبح شاباً وقوياً والمهم انه شعبٌ مؤمن وعارفٌ المهم أن الشعب والامة بل شخصية الأمة أصبحت عارفة هذا هو المهم وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
 
 
 

*محاضرة ألقيت في ندوة العرفان في فكر الإمام الخميني في معرض المعارف الأول للكتاب العربي والدولي 2006

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

6

المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

  المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

 

الوزير الدكتور طراد حماده


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد صلى الله عليه ووعلى آله الطيبين الطاهرين سأحاول على قدر الوسع الإنساني مقاربة عرفان الإمام الخميني في بعض شعره المترجم إلى اللغة العربية ويقتضي المقام أن يتقدم فقير مثلي من السيد الإمام المقدس قُدست روحه الشريفة للاعتذار لان محاولة فهم هذا الشعر تقتضي أن يكون القارئ أو الناظم أو الباحث أو المتلقي أو المتذوق قد سلك في حياته مسلكا يجعله قريباً من الإمام فاهما له ويجعله قادرا على فهم مقامه السامي وهذا ما لا يستطيع واحد مثلي أن يحققه إلا بعد عمر طويل وجهد كثير ولكن كما قلت إننا نتقرب أو نقترب من شعر الإمام ونقاربه على قدر طاقتنا وعلى قدر فهمنا له.

طرائق التفكير

في البداية لا بد من التطرق والنظر في المذاهب إلى طرائق في التفكير وطرائق في التبصر والتأمل والحياة حتى نستطيع أن نفهم معنى العرفان وكيف كان هذه المرحلة العرفانية في تجربة وشعر الإمام الخميني ماذا تعني هذه المصطلحات الثلاث العرفان والتصوف والفلسفة في البدء يجب القول إن الفلسفة هي بكل بساطة شكل من أشكال التفكير الإنساني يتميز بأنه يقدم تبريراً عقلياً أي إن كل ما يسعى العقل إلى تبريره يمكن اعتباره من التفكير الفلسفي الميزة الأساسية التي جعلت هذا النظر من التفكير فلسفةً هي قيامها على التبرير العقلي وعن دليل عقلي وبالتالي دعا مؤرخي الفكر إلى اعتبار أن الفلسفة إنما تحققت في معجزة التفكير اليوناني فيما اعُتبرت النظريات وطرائق التفكير في مناطق 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

7

المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

 وأمصار أخرى كمصر وبابل وبلاد ما بين النهرين من الحكمة وليست من الفلسفة والفارق بين الاثنين كما هو شائع أن الأول -التفكير الفلسفي- يستلزم التبرير العقلي فيما الحكمة تستلزم فقط أن نعرفها ونطيعها وننفذها ولا نقول على سبيل المثال هل عندما أريد أن اشرح معنى الحركة أو اشرح مفهوم بقاء النفس أو خلود النفس فأنا ملزم أن اقدم للمتلقي تبريراً عقلياً فاقول إن النفس روحانية وان النفس خالدة أو أن النفس تختلف عن الجسد فهذا من الفلسفة إما حينما أقول أطع أمك أو أطع أباك أو احبهما فلست بحاجة إلى تقديم تبرير عقلي فالمرء يكفيه أن لا تكذب أو قل الحقيقة أو اصدق القول الخ... فأنا لست ملزماً بتقديم تبرير عقلي فالإنسان يحب أمه ويحب أبيه وبالتالي لست بحاجة إلى أن اقدّم له الدليل على ضرورة هذه المحبة فتلك هي حالة المفهوم اليوناني، طبعاً تطور الفكر اليوناني اخذ ابعاداً عديدة وانقسم وتشعّب إلى مدارس عديدة ومن رحم هذه المدارس نشأ التصوف.


التصوف

والتصوف هو طريقة من طرائق التفكير والعيش عيش الفكر عيشاً ذاتياً يقوم على هذا العيش التالي وعلى إدراك باطن الحقائق إلى جانب ظاهر الحقائق وعيشها بطريقة روحانية وبطريقة تخاطب هذا الباطن ذلك هو المتصوف.كنت أقول لطلابي إن ما يمكن أن نقول مثلا عن فران صانع الخبز انه متصوف في عمله مثلا إذا كان يُمسك الرغيف العجين ثم يطويه بحنانٍ ومحبةٍ وعشقٍ ويرمي به بهدوءٍ إلى النار كأنما هذا الرغيف يحترق بنار قلبه وليس بنار الفرن ثم يأخذه منه وكأنما يخلصه من هذا اللهب المشتعل في ذاته ثم يعطيه إلى الزبون ويقول له صحتين وعافية ويأخذ منه النصف ليرة أو الخمسمائة ليرة وهو ينظر إليها ويضعها في الدرج دون أن يتحسسها أو ينظر إليها أو يحسبها أو يعدها فهذا عنده مشرب صوفي يعيش حياته بطريقة صوفية فيما الآخر يمكن أن يُمسك الرغيف فيطويه بقوة ويدفعه إلى النار كأنما يريد أن يحرق ما تبقى من العجين دفعة واحدة ثم عندما تعطيه الخمسمائة ليرة ثمن الرغيف يأخذها وينظر إليها ويعدها جيدا ويفتح الجارور ويتأمل ماله ويضعه ويدفع بالرغيف إليه هذا لا يعيش صنعته صناعة صوفية فالصوفي هو هذا النمط، طبعا في الفلسفة نشأ هذا الفكر باعتبار انه لا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

8

المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

 يكفي الدليل العقلي إنما لا بد له من عيش قلبه وانه لا يكفي أن ندرك الحقيقة ولكن أن نعيش هذه الحقيقة فالمتصوف هو من يعيش الوحي كأنما اُنزل عليه كما تنزّل على قلب الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم لانه يشعر تماماً كأن هذه هي اللحظة التي تنزلت فيه عليه.


بين التصوف والعرفان

طبعا التصوف اخذ مدارس وتشعب إلى مفاهيم متعددة، ونشأ من قلب هذه المفاهيم العرفان والعرفان هو شكل من أشكال هذا التصوف لكنه نحا جانب التأكيد على المسائل الروحية وعلى مبارزة عبادة الله سبحانه وتعالى أيضا وعلى الإدراك القلبي وعيش الحال عيشاً حقيقياً دون أن يدخل في متفرعات التصوف سواء كان تصوف الطرق أو تصوف الانكفاء أو الزهد بمعانيه المختلفة أو النسك أو غير ذلك فالعرفان هو تطور أساسي اجتمعت فيه الفلسفة مع التصوف في تطورات هذه الفلسفة عند المسلمين الشيعة وعند غيرهم وبشكل خاص في مراحل الفلسفة الإسلامية التي اعقبت ما يسمى مرحلة ابن رشد تطورت الفلسفة حتى وصلت إلى ابن رشد وعند ابن رشد تمت المحاولة الكبرى في صياغة اتفاق أو تواطؤ بين الفلسفة وبين الدين وكانت محاولة ابن رشد في الجمع بين الحكمة وبين الشريعة محاولة اختلف الباحثون في النظر إلى مستوى نجاحها بين قائل أنها فاسدة وقائل أنها ليست كذلك ثم بعد هذه المرحلة وكما يعتقد مؤرخوا الفكر الفلسفي من أن الفلسفة قد تلقت ضربة قاسية في المشرق في العالم العربي والإسلامي وان أي محاولة للجمع بين الدين والفلسفة هي محاولة فاشلة لانه لا يمكن على الإطلاق مصالحة فرعون مع موسى. وبالتالي لا يمكن الخروج من هذه المحاولات اليائسة التي انتهت إلى الفشل على يد ابن رشد.

في الواقع إن محاولات ابن رشد إنما قامت على التوفيق بين الفلسفة بالمعنى الارسطي (بين فلسفة ارسطو وليس أية فلسفة) وبين الدين، المفهوم الرشدي أو المعنى الرشدي للفلسفة يربط محاولة التوفيق بين الفلسفة وبين الدين في طبيعة الفلسفة أو مفهوم الفلسفة أو ماهية الفلسفة أو التعريف الرشدي للفلسفة وبالتالي يمكن هنا التوفيق،هذه الفلسفة نفسها انتقلت بعد ابن رشد لتصبح في تراثنا الفلسفي فلسفة إلهية والفلسفة الإلهية تطورت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

9

المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

 بشكل أساسي من مدرسة اصفهان الفلسفية ثم تطور علم الكلام على يد كبار من أمثال نصير الدين الطوسي وغيره والميرداماد والشيخ البهائي وهم أساتذة الملاصدرا وبعد ذلك تجمعت هذه المدرسة في مدرسة الملا صدرا في اصفهان، وقد كانت نتاجاً لثلاثة اتجاهات: 


الاتجاه الأول: كانت تمثله الفلسفة الارسطية السينوية وصولاً إلى مؤثرات علم الكلام وفي التصوف والفلسفة. 

الاتجاه الثاني: يمثله شهاب الدين السهروردي الذي استفاد من السينوية لكنها نحت منحى الإشراق والتي كانت غايتها استعادة أو إحياء حكمة فارس القديمة. 

الاتجاه الثالث: تمثله مدرسة الملاصدرا وكانت مدرسة ابن عربي انتقلت بشكل أساسي من المغرب ومرت بمجموعة من المدارس الفلسفية وصولاً إلى تأثيرها على مدرسة اصفهان الفلسفية. ومن مدرسة ابن عربي بالذات نشأت مجموعة من عباقرة الشعر الفارسي الذين تأثروا بشكل أساسي بمدرسة ابن عربي وكانوا متأثرين بالاتجاهات الصوفية التي كانت غائبة قبل المرحلة الصفوية، حيث ازدهرت في إيران هذه الحركات إلى جانب ازدهار كبير للشعر الصوفي الذي كان موجود عند حافظ الشيرازي والعراقي وابن خير وابن النسائي وعند كثير من الشعراء منهم السيد حيدر الآملي فبرز هذا الامر في الشعر الفارسي بالأخص عند جلال الدين الرومي وفريد الدين العطار وفي هذه المرحلة بالذات كان الشعب الفارسي فعلاً غني جداً لنشوء مدارس هي نتاج مجموعة من هذه الحركات يدرسها الإنسان في تطورات كيفية التحاق مدرسة ابن عربي في الفكر الفلسفي المعرفي.

عرفان الإمام الخميني قدس سره 

نشا من مدرسة اصفهان ومدرسة صدر المتالهين المتأثرة بالفكر الاشراقي للسهروردي وفلسفة ابن سينا وعرفان ابن عربي، ما يسمى بالعرفان الشيعي لان العرفان في حركته الشعرية التي جاءت بعد الصدرائية كانت نقلة على المستوى العرفاني اولاً وعلى المستوى الشعري ثانياً فلنفصل بين المدرسة التي كان فيها تأثيرات ابن عربي والسهروردي قوية والتي هي قبل مرحلة الملا صدرا وتأثيرات هذه المدرسة بعد الملا صدرا. أين يقف الإمام 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

10

المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

 الخميني في هذه التركيبة الفلسفية التي اوجزتُ الحديث عنها أن الإمام الخميني هو استمرار لمدرسة الملا صدرا الشيرازي ولكن في جذورها المتصلة اتصالاً وثيقا بابن عربي أي انه نفس مدرسة الملا صدرا التي استمرت بالصدرائية الجديدة من خلال تطورها، فوصلت إلى عند الإمام ولكن هذه المدرسة بحد ذاتها عند الإمام هي مدرسة صدرائية تقوم على الفهم الفلسفي باعتبارها فلسفة قرآنية ترتكز إلى القرآن والى أحاديث الأئمة ثم هي فلسفة متأثرة بمدرسة التجليات لامتلاكها التصوف المعاملاتي والتصوف التجلياتي وهما مدرستين، واحدة للغزالي وأخرى لابن عربي وهي تندرج ضمن مدرسة ابن عربي وعلى المستوى الشعري تندرج في المرحلة الثانية التي تأثرت بمراحل الشعر الفارسي الذي تكلمنا عنه. 


ماذا نستفيد من هذا الموضوع، استفيد ما يلي: إن مكانة الإمام الخميني هي استمرار لفلسفته ولمدرسة العرفان الشيعي التي ازدهرت بعد الملا صدرا الشيرازي والتي لها صلات وثيقة بمحي الدين ابن عربي والتي كان واحداً من تجلياتها لمدرسة التجليات والتي ترتكز على الفلسفة وعلى القرآن الكريم وأحاديث الائمة وبالتالي انفصلت عن الطرق الصوفية وعن حركات الطرق التي كانت موجودة في مرحلة ما قبل الصفويين نتيجة العلاقة بين التشيع والتصوف، في المرحلة الثانية التي تلت الصوفية والثالثة التي عبرت عن نفسها بالشعر إذ كانت هذه المدرسة تكتب، وكان للعارف فيها كتابات شعرية ونثرية وفلسفية وهناك شروح وتعليقات وما شابه واستطاع أن ينفذ إلى العبادات ودرس الآداب المعنوية للصلاة (باعتبارها الروحي الذي شرحته بالبداية على صورة الفران) وكيف يمكن أن يؤدي صلاته فيها بطريقة ملفتة بالتعلق بالله. 
الإمام الخميني عبر عن نفسه في كتاباته بمجموعة أشكال من كتابة متون فلسفية ومتون عرفانية وكتب تعليقات وشروح ولعله آخر الشارحين لابن عربي وشرح الأسفار وقام بشروح على كتب عديدة وعلى الأدعية ودعاء السحر وهناك الآداب المعنوية للعبادات وشرح لمتون الأحاديث ثم كتب النص الشعري باعتباره شكل من أشكال التعبير العرفاني وشكل من أشكال الإفصاح العشقي لان التجربة الوجدية أو تجربة العشق التي يعيشها العارف ويفصح عنها
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

11

المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

 فتتجلى في ثلاث طرق: ميتافيزيقياً بواسطة نظرية فلسفية وشعرياً وبحركات أو ممارسات متعالية تعتمد بشكل أساسي على اللغة وهي أنماط من الافصاحات ومعارف تبدأ بالزهد أو بالسفر أو بالرحلات أو بأشياء كثيرة فمثلاً ابن الرومي كان يفصح عنها بأشكال الرقص والحلقات التي كانت تحدث وهى مشهورة في تاريخ التصوف. 


أريد أن أقول شيئاً حول أهمية الإفصاح الشعري العرفاني فإذا رجعنا إلى النص الصوفي نجده نصا ادبياً، لماذا؟ لانه هو إفصاح مباشر عن حالة الوجد يعني عندما يفصح العارف يصدر عنه الإفصاح تلقائياً فهو يحكي حاله ويُنشد هذه الحال ويفصح عنها في شعره هذا الإفصاح كان في الأساس أول الافصاحات المباشرة واهم الافصاحات عن حالة العشق أو الوجد وإذا ما قارنا كل الافصاحات الأخرى لبداية التصوف أو العرفان كانت افصاحات مباشرة عُبّر عنها بشعر اوشطحات أو واردات أو مشاعر أو اشراقات فهناك الكثير من الكتابات الصغيرة يروي فيها إخبار الأخيار وحياتهم في افصاحات معينة ثم جاءووا فيما بعد وبدأوا يقرؤونها ويشرحونها ويعلقوا عليها ويقولوا هذه نظرية فلان وهكذا.

أما الفيلسوف نفسه أو العارف في بعض الأحيان والى جانب هذه الكتابات أو اللمعات أو الاشراقات أو الواردات الخ.. كان يكتب بحثاً فلسفياً مثل ابن سينا أو غيره.. والإمام الخميني كتب الاثنين معاً، وكان كثير من العرفاء يعتبران صلب التجربة الوجدية عندهم موجود في الافصاح الأدبي والحي والمباشر الذي يُفصح مباشرةً عن هذه التجربة اكثر منه في النظرية الميتافيزيقية ولذلك حتى ابن عربي وشارحوه ومريدوه لم يرغبوا في بناء نظرية ميتافيزيقية ولكن كل ما في الامر يُفصح عن وجده ويحلل هذا الوجد ثم نأتي نحن ونفسره أو نعلله.

قلت أن الإمام الخميني قد افصح، لماذا؟ في قراءتي لشعره تبين عنده أشكال هائلة، نحن تكلمنا أن شخص ما تكون عنده تجربة وعنده عقائد إذا أردتم أن تسمّوها عقائد عرفانية أو معتقدات أو نظريات أو آراء ميتافيزيقية تدخل بها عمق الافصاح الوجدي وفي الافصاح الوجدي تجد فيه تطابق هائل اكثر من أي شعر أخر بين حاله وإفصاحه الوجدي وإفصاحه الميتافيزيقي يعني لدرجة تشعر أن الشاعر على سبيل المثال إذا هناك من يكتب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

12

المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

 الشعر منكم لا يضع الشاعر نظرية ويكتب الشعر وفقها ولكن تكون القصيدة تلقائية والتعبير يكون بحالة اللاوعي وبحالة من الإلهام والخلق والوحي والولادة للقصيدة ويشعر بمخاطر القصيدة بحيث يكتبها هنا والآن وفي لحظة ميتافيزيقية وهولا يكون قد وضع مسبقاً موضوع العمال مثلاً وانما حالة الوجد عندما تكون صادقة تكون متطابقة لحالة الوجد عنده لشعره وهذا لا يحصل إلا عند الصادقين وبمرآتهم الداخلية الصافية والقادرة على أن تعكس ابستمولوجياً التجليات على المستوى الانتولوجي الوجودي وعلى مستوى الابستومولوجيا. 

   
إذا أردنا ذكر مثال على هذا القول يمكن الحديث عن الترجيعات والترجيعات في اللغة هو ترداد القول، وهى عند الإمام سبعة: التقبل من القابلية والقبلة وهي عند المريد الذي يريد أن يتبع سلوكاً في طريقة العيش، قد يكون قابليته أو تقبله أو قبلته، ثم السر أو الشاهد أو المشهد، لاحظوا إن كل مرتبة في الترجيعات وان كل تقبل في اللغة هي الهمس والترنيمة والقول والصراخ، وعندما يصل إلى الصراخ يصل إلى التعالي عن اللغة مثلاً في عاشوراء نبدأ بالتأثر ثم البكاء ثم الصراخ...لاحظوا الترجيعة وكيف يتصاعد الشهيق والزفير من همس وترنيمة وقول... ثم صراخ فيبدا بحركة متصاعدة مع تصاعد حالة الوجد أذن كلما تصاعد الوجد وكلما قدر العاشق في باب من أبواب العشق كلما صار إفصاحه أعلى وينتقل من الهمس إلى الترنيمة إلى القول إلى القول عالياً إلى الصراخ فان تُضبط شعرياً حركة العاشق في شعره وفي ترجيعه كما تُضبط في تطوره الميتافيزيقي مسألة هائلة بحيث يكتب شعر بحالة الوجد المطلق فهو لا يضبط هذه الحالة إلا إذا كان عنده مرآة داخلية صافية تتلقى الأنوار والالهامات وهي فاصل بينه وبين المعشوق فتصبح المرآة تعكس المعشوق وفي ذاته صورة المعشوق صورة صافية وواضحة فيعبر عن إفصاحه بهذا لا التناغم الذي لا نجده فعلاً عند أي شاعر آخر في القدر الذي نجده عند الإمام الخميني.

لغة العارف

وهناك مسألة عن اللغة عند الإمام واللغة تستخدم الرموز، في الشعر الصوفي استخدموا رمز الطبيعة والخمرة والمرأة أما في الشعر الصوفي الفارسي تحدثوا عن الرمز المعبر عنه بالدروشة مثلاً السكران فهذا لفظ ودليل على أن هذا الرجل شارب للخمر وإذا جاء ليخطب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

13

المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

 المحور الثاني: الشعر العرفاني عند الإمام الخميني ابنتي فاقول له اذهب وفتش في مكان آخر لانه لا قيم لديه وإذا ذهب إلى الشيخ فيرمي عليه الحد والشرطي يوقفه عن قيادة السيارة إذن هذا صفة التحقيق بالنسبة إلى السكران فإذا جاء شخص وقال انه سكران بحب ابنتي مثلاً فيأخذ السكر قيمة العاشق وإذا دخل مرحلة أخرى وقال انه جزء من مجمع سُكارى فلم يعد متعلقاً بالسكر من عشق ليلى بل صار جزء من العشق والهيمان " هل رأى الحب سُكارى.." وهنا الغرام العام وهو شيء من الصوفية أما المرحلة الرابعة هي أعلى من ذلك، فأنا عندما أقول أني احب فاطمةعليها السلام فهل ارتوي طبعاً ليس منا من يرتوي من كأس حب فاطمة لانه كلما شرب ازداد ظمأ باعتبار انه عاشقٌ لا يرتوي وفي النهاية يصبح عندي عدم ارتواء من حب فاطمةعليها السلام وبالتالي سيؤدي بي إلى السكر باعتبار الاستمرار في الشرب الذي سيؤدي إلى السكر فأنا سكران بحب فاطمة لعدم ارتوائي وبالتالي هذا المعنى الذي يلي الصحوة بعد السكر يصبح هناك معاني وقيم أخرى تختفي معها أية علاقة مع المفهوم الأول من هنا اصبح لفظ الدروشة لفظ تحسين وليس لفظ تحقير بحيث اخذ معاني وقيم جديدة.


هنا اخذوا هذا المعنى الرمزي في الرمز الصوفي وفي لغة الدروشة حيث استخدمه الإمام بشكل رائع وباستخدامه له لعب عليه كل أبعاده، فتشعر أن الإمام يأخذ اللفظ بتطوره ونعود إلى الشرب لانه شيء لطيف فيقولون لابن عربي إن الري غير ممكن عند العاشق وعندما قالوا له ما هو نصيبنا نحن من ذلك فقال هذا نصيب مقسوم وحظنا منه نصيب مقسوم الري معدوم وحظنا منه نصيب مقسوم وعندها لن اصل إلى مرحلة السكر. 

إن الإمام يستخدم هذه المسألة بشكل رائع حول لفظ الدروشة و يستخدم الإمام الأنا الأولى والثانية فهناك اناه والانا الثانية من خلال الأنا الأولى الطبيعية ومقابلها أنا العاشق والانا الأولى الظاهر ومقابلها الأنا الظاهر والانا الأولى الصفات ومقابلها الأنا الظاهر فالإمام عندما يخاطب الشاه أو الإنسان العادي يقول أنا الآمر وأنا.. فيحكي باناه أي الصفة العظيمة بينما عندما تصبح الأنا فقيرة أمام الله فأمام الله فهو الخاسر و... بينما في الأنا الأولى يصبح السكران المرشد والملك..إذن تنقل الأنا بين مخاطبة المعشوق الأزلي وبين الأنا التي يمكن أن تراها في حياته لذلك الإمام هنا يمكن لنا أن نعرف الإمام الذي يبكي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

14

المحاضرة الثانية: الشعر العرفاني عند الامام الخميني

 ويصلي الليل وان يعشق عشقاً كبيراً وعنده مقامات عالية لكل الموجودات فهذه الأنا الرائعة والعاشقة والعارفة هي ألانا الشجاعة والمقدامة التي اشتغلت بالسياسة وقاومت فهزت عروش الطغاة لأنها أمام الله وفيها كل هذا المعنى اما في مواجهة الطغاة والذين يظلمون عيال الله وعشاق الله تصبح هذه ألانا قوية وقادرة والإمام استخدم أيضا الرمز الشعري مقابل رمز الدرويش ورمز المجنون عند ليلى.. واخذ كل هذه المفاهيم من عشق ومصباح.. واخذ كل رموز الشعر الفارسي والعربي وكل الاساطير الدينية للشعر الفارسي واعطى رموز دينية جديدة واخذ من قصص الانبياء بشكل كبير وجمع كل هذه الرموز في معاني عالية وسامية لا يمكن أن ندركها إلا إذا قرأنا شعره بإمعان وكنا على مقامه. 

 
 

*محاضرة ألقيت في ندوة العرفان في فكر الإمام الخميني في معرض المعارف الأول للكتاب العربي والدولي 2006

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

15

المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 
الشيخ شفيق جرادي


اعتدنا البحث في فكر الإمام قدس سره عبر مراجعة نصوصه أو تجربته بطريقة تتناول الموضوع، وكأن البحث يتعلق بعالم من المثاليات التي نرغبها وتستهوينا فننزع إليها بشعور من الرضا عن ذاك النزوع، وبذرائعية نلجأ إليها لنبرر انكفاءنا عن السير على الخطى التفصيلية لأفكار وإرشادات الإمام الخميني قدس سره.

وهي ذرائعية تقول أن سمو مثاليات الإمام قدس سره أكبر وأطهر من أن نقدر عليها.. علماً أن مفاد هذه النظرة، الحكم على تلك الرؤية بالسلبية والفراغ.. لأن نظام القيم السامي ما لم يتموضع في نظام قيمي تداولي يخضع للمعايشة والتجربة فلن يكون إلا نظاماً فاقداً للمعنى والحيوية..

وبالتالي، فعدم مقاربة المنهج التربوي عند الإمام الخميني قدس سره من خلال كونه أطروحة تنفذ تفصيل الواقع بكل مجرياته المحاطة بظروف الزمان والمكان والعينة والضرورات وإلى ما هنالك.. هو بواقع الأمر اقصاء لذلك المنهج، أو إن شئت فقل النهج.. وكلما تباعد الزمن بيننا وبين الفترة الزمنية لقيادة الإمام الخميني قدس سره المباشرة، فإن خشيتنا ستزداد من أن ندمن الإمام الراحل كمثال تتفتق عنده الإريحيات السائحة في عوالم تبتعد عن الواقع..

أقول هذا وكلي يقين أن الحائل عن الوقوع بمثل هذه المباعدة كان ولا يزال ثلة صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. وعلى رأسهم قائد الأمة وإمامها الخامنئي (حفظه المولى).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

16

المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 المكونات التربوية


هذا ومن قلب هذا الافتراض.. أود الإشارة إلى أن أي منهج تربوي، إنما يُبنى على جملة من القيم التي تنقسم إلى مكونات النمو والتطور في الشخصية، وهذه المجالات هي:

أ- المكوِّن المعرفي: الذي يمثل حركة العقل فيما يختار من أفكار وقناعات وتصورات ومفاهيم ورؤى.
ب- المكوِّن السلوكي: ويتعلق بتطوير الخبرات والأداء والالتزامات العملية لحركته وتواصله مع الحياة وأبناء الحياة.

ج- المكوِّن المعنوي: وهو ما يرتبط بالمثل الذي يختاره الإنسان، وهذا المثال إن كان سامياً، فإنه يعطي المكوِّن المعرفي قيماً سامية، وإن كان متدنياً، فإنه بلا شك سينحط في قيمة معارفنا.. بل إنه وبحسب هذا المثال المحدد من المكوِّن المعنوي، ستختلف صيغ ومضامين برامجنا وحركتنا السلوكية إن لجهة تشخيص المشكلات، أو لجهة كيفية المعالجة التي نلتزمها في حلولنا ومقترحاتنا..

ثم، وبتأثير من هذه المكوِّنات القيمية الثلاث، سواءً أكانت متحققة بأبعادها الثلاث، أو ببعدين منها.. فإن الاتجاه الذي تتشكل الشخصية وفقه، ستتكون أنماط فعل أو فاعلية العملية التربوية بين التوازن أو اللاتوازن، وبين الاستقامة أو اللااستقامة.. وبين الاستقرار أو القلق..

لأن الاتجاه إنما يشير إلى الطريقة التي نعبِّر فيها عن مشاعرنا تجاه ما يحيط بنا من أفكار وأشخاص وأشياء وقيم.. ويؤثر في طبيعة ردات فعلنا تجاه الأحداث والقضايا.

ثم من المفيد الإشارة إلى أن القيم تمثّل في العملية التربوية غايات نقصدها، بينما تمثّل الاتجاهات الطرق والوسائل التي نعتمدها للوصول إلى تحقيق تلك الغايات.

وعلى ضوء ذلك، فإن الخطوات المنهجية لحركة الاتجاه، تبدأ من الاختيار، ثم التفضيل، فالمشاركة، فالدعوة العملية والتضحية في سبيل ما اخترناه..

ومضمون كل واحد من هذه الخطوات قابلٌ للمراقبة والتطوير والتعديل، مع مراعاة أن المؤثّرات في تلك المضامين تأتينا من الأسرة، والمدرسة، والأقران، والمؤسسات، والوسائل الإعلامية، والانطباعات التي يمليها علينا المحيط أو الدولة، أو القيادة، أو غير ذلك..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

17

المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 ـ ملامح النهج التربوي في إرشادات الإمام الخميني قدس سره


لا بدَّ لي هنا من أن أشير إلى جملة افتراضات:

أولاً: لقد مارس الإمام الخميني قدس سره دوره كمرشد ديني في توجيهاته التربوية.. وحينما نقول "الديني" هنا؛ فإنما نقصد الإسلام كهادٍ للحياة الدنيا بأفقها المفتوح على الآخرة.. وكموجِّه للجماعة كخط موصول بالأمة..

ثانياً: التفريق بين التوجيهات التي تحمل طابع رسم وتأكيد القيم العليا، والاتجاهات المطلوبة، وبين الخطوات التفصيلية لتحقيق تلك القيم والاتجاهات. ذلك أن تلك الأخيرة تقع على عاتق المعنيين المباشرين والمتخصصين العلميين، وليست وظيفة المرشد والموجه.. مع التأكيد على أن التفاصيل هي عبارة عن أمور يجري تحديدها وفاقاً للقيم العليا.. وهي تخضع للمراقبة والنقد على ضوء معايير تلك القيم.. وأي تحييد لمعيارية القيم إنما يعدّ خروجاً عن نهج القيم..

ثالثاً: لقد حملت توجيهات الإمام قدس سره أبعاداً ناظرة للواقع من أفق المعنويات القرآنية والعرفانية، وتجربة التأسي بآل العصمة، والغائيات المستخرجة من روح الشريعة.

وبالتالي فالحكم على صوابية الخطوات التفصيلية لا يعود إلى مرجعيات غير إسلامية.. أو سرعة في إخماد أجيج استعار المشكلة، بل هو عائد لمستوى توافقها مع تلك الآفاق. فبغير النظر إلى المعنويات كأصل حاضر في التموضعات التفصيلية، فإننا سنكون أمام إقصاء ولو غير متعمَّد لتلك التوجيهات والقيم.

وهذا يعني أن علينا الشروع بتحديد معايير الحكم على برامجنا، واجراء مراجعات نقدية لها..

وهنا نفترض أن هذه المراجعة، قد تفضي أحياناً إلى مراجعة لنفس تطور تلك القيم والمعايير، أو تأويلها بما يوجد نحواً من الانسجام بين مثالياتها وراهنية الواقع. إذ قد يصح السؤال عن مدى خصوصية تلك القيم لإيجاد برامج في ظل قيام مجتمع ناشئ على قاعدة الثورة ومواجهة الحرب.. وهي هي باقية حتى في ظل ظروف الاستقرار الأمني والمجتمعي، وفي ظروف ومقتضيات عمليات التنمية..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

18

المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 بل قد يصح القول والاستفسار عن مدى علاقة القيم والبرامج التربوية بخصوصيات مجتمعية لناظم سياسي كذاك الناظم الموجود في إيران، وبين ناظم سياسي قائم على حكم غير إسلامي لمجتمع متعدد المذاهب والطوائف والأيديولوجيات والمشارب، كالمجتمع اللبناني؟

 
وهنا أسمح لنفسي الخروج من دائرة الافتراضات والأسئلة.. للقول: إن المنتج للغايات والقيم العليا ينقسم إلى قسمين:
 
أولهما: ينبع من النص أو التجربة المقدَّسة والمعصومة.
 
ثانيهما: مستخرج من الاجتهاد في النص والتجربة المعصومة وحركية ضرورات الواقع.
 
والأول منهما، هو الأصل الثابت. أما الثاني فهو المنبع لللتداولية المنهجية القابلة للتبدل كفرع متصل وموصول مع الأصل.. وبالتالي، فعلى كل معنيٍّ بالهم الإسلامي، أن يعمل على اجتهادات تكشف عن اجتهاد في تداوليات الخصوصية، مع ثوابت النهج الذي قدَّمه الإمام الراحلقدس سره.
 
 
موقف الإمام الخميني قدس سره
 
بعد هذا، فلننتقل إلى كلام الإمام الخميني قدس سره في أبعاد القيم ومجالات الاتجاهات التربوية.
 
ويبرز أمامنا في الموقف الأولي للإمام قدس سره من النتاج الدولي المعاصر.. إذ يقول: "إن مظاهر التمدن في المناطق الأخرى والدول المتقدمة، والتي تتم الاستفادة منها بشكل صحيح، عندما جاءت إلى بلادنا أو البلدان المشابهة لبلادنا، فإنه لم يتم الاستفادة منها بشكل صحيح، بل استفادة فاسدة"1.
 
فهنا حكم على نموذج محدد من التجارب بالصحة والفساد، فما مرجع هذا الحكم بالصحة تارة والفساد أخرى.
 
يقول الإمام قدس سره في تشخيص الأمر في البلاد الإسلامية: "جميع البرامج التي وضعوها
 
 

1- الإمام الخميني، منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات وآراء، طبعة أولى، طهران، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، 1996م، ص176.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

19

المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 سواء الثقافية أو الفنية وغير ذلك كانت استعمارية، وأرادوا جعل شبابنا كوسائل بأيديهم لتحقيق منافعهم الخاصة، وليس من أجل منفعة البلاد"1.

 
فالمشكلة ليست في أصل الثقافة والفن، بل في مضامين البرامج والتوظيفات الموضوعة لهما. والتي شكلت اتجاهاً في بناء الشخصيات، يقوم على أساس التبعية والالتحاق بالأجنبي والعمل على غير منفعة المجتمع والبلاد الإسلامية.
 
وذلك كان حسب الإمام "بتدمير جميع القوى التي من المحتمل أن تقف بوجه الأجانب والأسياد، والأفكار التي من المحتمل أن تقف بوجه أفكارهم. إن أكبر ضربة أصابت بلادنا هي تدمير القوة الإنسانية، فمنعوها من النمو والتكامل"2.
 
لقد تم حقن الواقع ببرامج وقيم تدميرية للقوى الإنسانية والفكرية، ولإرادات النمو والتكامل، وذلك عبر الخوف وعدم الثقة بالذات، عبر قيم ثقافية استعمارية إذ "الثقافة هي أساس الشعب، وأساس قومية الشعب، وأساس استقلال الشعب. لهذا حاولوا أن يجعلوا من ثقافتنا استعمارية، حاولوا أن لا يوجد الإنسان. وخططوا للتعليم بشكل لا يحدث أي نمو علمي وإنساني. لقد خوّفونا من خلال دعاياتهم، فأصبحنا نخاف من أنفسنا، ولا نعتمد على أنفسنا"3.
 
فالمعركة المصيرية تمحورت حسب الإمام بأصلين:
القيم الإنسانية، والبرامج التعليمية.
 
أما بخصوص القيم الإنسانية، فإنها هدف النهج والشرعة الدينية "إن ما نادى به الأنبياء هو الإنسان ولا شيء غيره. يجب أن يكون كل شيء على شكل إنسان. إنهم يريدون بناء الإنسان وسوف يصلح كل شيء يتم إصلاح الإنسان"4.
 
لكن عن أي إنسان يتحدث الإمام قدس سره؟
 
أن محور الحركة الغربية تقوم على مركزية الإنسان. وهو عندهم البديل عن الله بعد
 
 
 

1- م.ن. 
2- م.ن، ص 178.
3- م.ن، ص 182.
4- م.س، ص 182.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

20

المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 أن أعلنوا موت الإله. وأقاموا سيادة النزعة الإنسانية للسيطرة على كل القيم. مع ملاحظة انقطاعه عن كل سلطة فوقه. إلا أنه والحق يقال أن هذه النزعة أودت لصنع الإنسان القادر والفارض للسطوة والجبروت، والذي عمل على السيطرة على الطبيعة.

 
فما كان منه إلا أن صار قدراً يسير بجبرية قضاء عالم الأشياء، حتى باتت معاييره القيمية تستمد قوتها من الأشياء عينها في المهارات التعليمية والسياسية والنفسية وغيرها.
 
فأي إنسان هو هذا الذي ينادي به الأنبياء حسب الإمام قدس سره هنا يضع الإمام الغايات والمثل الأعلى لتوضيح الفارق بين إنسان الدين والأنبياء وإنسان المادة والدنيا.
فغاية الأنموذج النبوي "يعمل الإنسان فيها لله، ويحيا لله، ويموت لله أيضاً"1.
 
"فإنسان الأنبياء لا تحكمه الأشياء بل هو الذي يحاكمها على أساس من نظام الشريعة والأخلاق الدينية. ولو وجد إنسان واحد، فقد يهدي شعباً بأكمله"2.
 
فهدف مثل هذا النموذج ليس تعليبه ضمن برامجنا، وليس وضعه تحت سيطرة رقابتنا، بل دفعه للحياة بكل صراعاتها وهواجسها. إذ هدف هكذا نموذج، إنسان قيادي قادرٌ على هداية شعب بأكمله فضلاً عن قدرته على الثبات بصراع شعبٍ بأكمله.
 
ولتكوين مثل هذه الشخصية، فلا بدَّ من رعاية جملة من المكونات القيمية. والتي تعتمد عند الإمام على أبعاد وقيم معنوية حاكمة على المكونات التعليمية والكفاءات المهارتية.
وأول تلك القيم، هي التوكل على الله ولو أودى الأمر للاستشهاد، إذ يقول قدس سره: "إن انتصارنا وانتصار شعبنا في نهضته كان بسبب التوكل على الله. فقد حصل تغيير في شعبنا لم يسبق له مثيل، وهذا التغيير هو أنهم اعتبروا الشهادة فوزاً كبيراً"3.
 
فمثل هذا التوكل حوَّل الثقة بالنفس أنها لا تعرف الهزيمة، إذ حتى القتل في سبيل القضية هو نصرٌ عنوانه الشهادة. وهذا تغيير في أصل القيم الثقافية في مسار حركة الشعوب.
ومقتضى هكذا فهم لقيم النصر والتوكل، الزهد القلبي بالناتج الدنيوي وهو زهدٌ فردي لا زهدٌ على مستوى طموح الأمة.
 
 
 

1- م.س، ص 183.
2- م.س، ص 183.
3- م.س، ص 189.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

21

المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 "فما عليكم إلا أن تعوِّدوا أنفسكم على الحياة البسيطة، وتجنبوا من ارتباط قلوبكم بالمال والجاه والمقام"1.

 
عليه فلا يصح اعتماد برامج توجه السلوك نحو اختيار حلول للمشكلات قائمة على أساس أن الترفه والتملك والمكانة السياسية والتنظيمية والإدارية هي الأصل.. إذ فارق بين كونها أصل الحل للمشكلات، وبين اعتبارها مقتضيات تعوز الحل العملي.
 
ولقد تنبه الإمام قدس سره إلى أن البعض قد يضعف أمام مثل هذه التوجيهات. فدفع بطرح قيمة معرفية عليا لرفع ذاك الضعف، وهذه القيمة هي اليقين، إذ يقول قدس سره: "اليقين بالقوة سيجعلكم أقوياء، فالأصل هو هذا اليقين الذي سلبوه منا. فلو تحررت أفكاركم ووجد عندكم اليقين بأنكم قادرين على الصناعة والتصنيع لأصبحتم كذلك، لو كانت أفكاركم ويقينكم بأنكم قادرين على الاستقلال وعدم الارتباط بالغير لأمكنكم ذلك"2.
 
فالنمو والكفاءة المهنية والحرفية يمكن معالجتها باليقين المولِّد للإرادة والعزم على تحقيق الإنجازات الكبرى.
 
لأن "يقين الإنسان هو أساس جميع الأمور"3، عند الإمام الخميني قدس سره.
 
واليقين بإنسانية الإنسان يحتاج في جانب النهج التربوي إلى مكوِّنات أدائية ومهارتية، وهي التي أطلق الإسلام عليها اسم الجهاد.
 
و"الجهاد من أجل البناء (بناء الإنسان لنفسه) مقدَّم على جميع أنواع الجهاد. وهذا الجهاد هو الذي عبَّر عنه الرسول بالجهاد الأكبر"4. فينبغي أن نرسي قاعدة تربوية لقيمة في الأداء اسمها الجهاد.
 
فدور المعلم جهاد، ودور الأب والأم جهاد، ودور السياسي جهاد، ودور التقني جهاد، ودور العالم والمفكَّر والفنان جهاد. هذا ومن باب أولى أن عمل المقاوم والمحازب المسلم والإداري هو جهاد.
 
 
 

1- م.س، ص195.
2- م.س، ص199 200.
3- م.س، ص202.
4- م.س، ص236.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

22

المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 شرط أن يقوم للهو وأن يستهدف بناء الإنسان والأمة والحياة، على أساس برامج وخطط موصولة، أو نابعة من معايير القيم الإسلامية العليا.


بل يمكننا الذهاب مع الإمام الخميني قدس سره إلى ما هو أبلغ من ذلك، إنه وصل لاعتبار كل عمل عبادي وسيلة جهادية لبناء هدف إلهي، المستهدف هو الإنسان.

"إن جميع العبادات وسيلة، وجميع الأدعية وسيلة، فكلها وسيلة لظهور لباب الإنسان. وأن يصل ما هو بالقوة ولب الإنسان إلى الفعل، فيصبح إنساناً. يصبح الإنسان بالقوة إنساناً بالفعل. ويصبح الإنسان الطبيعي إنساناً إلهياً بحيث يكون كل شيء فيه إلهياً، كل ما يشاهده هو الله، وجاء الأنبياء لهذا الغرض".

فحركة الجهاد إنما تهدف لبناء الحياة القائمة عند الإنسان بمحضر من الثقة بالله سبحانه ورقابته.

وبالتالي فإن تركيز البرامج التربوية والخطط العملية على نحو من القيم التعليمية الصرفة أو المهارتية الصرفة ستصرفنا عن الهدف.

وإن الركون لمتطلبات الحياة بإيجاد ترشيد في البرامج قائم على أساس الأرقام والحلول المباشرة، سيوقع المستهدف بالعملية التربوية بانفصام بين ما نعظه به، من واقع القيومية الدينية. ومواقع المقتضيات الحياتية. وكأن الله خارج إطار الحياة. (والعياذ بالله). بل إن الشعور بالإحباط أمام المشكلات المتولدة من بيئتنا والتي يمكن أن تقع على الناشئة أو الجيل الذي نعمل عليه.

واللجوء إلى اجراءات ذات خصوصية بالغة الرقابة منا، ومبالغة في تضخيم الحيثيات وترك العنان لحلول اجرائية بحتة قد يبني لدينا جيلاً من الضعفاء غير القادرين على مواجهة الابتلاءات؛ لأن كثيراً من تلك المواقف قد تشكل مراسيل تربوية، تنفذ إلى عمق النفوس التابعة وغير القادرة على الثقة المباشرة بالله وبالذات، وبالتالي، فقد نخسر بناء قادة المستقبل الذي عناهم الأنبياء وتحدث عنهم الإمام الراحل قدس سره.

إذ اعتبر التربية من أهم وأخطر الوظائف والأدوار التي بحسبها سيكون الجيل الذي سيمسك بمقدَّرات المجتمع والبلاد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

23

المحاضرة الثالثة: على خطى النهج التربوي للامام الخميني قدس سره

 وعليه فكل عمل أو مؤسسة تبنى إذا فقدت بعدها التربوي، فإنها ستفقد مضمونها وسبب قيامها.

 
"فالإسلام يؤكد على التخصص والعلم، ولكن بشرط أن يكون ذلك التخصص والعلم في خدمة الشعب وفي خدمة مصالح المسلمين"1.
 
فالمدارس والجامعات والأحزاب والحكومات والأسرة والجمعيات الأهلية والمدنية والمراكز والمعاهد، كلها ينبغي أن تكون اجتهادية وأن تستند في اجتهادها إلى حصن حصين، والحصن عند الإمام قدس سره هو القرآن الكريم باعتباره المبدأ لكل اتجاه يحمل قيماً سامية إسلامية إنسانية.
 
فيقول قدس سره:
 
"إنني أوصي جميع الناس، وجميع المسلمين، وجميع العرب، أنه لو أرادوا التغلب على مشاكلهم، فإنه يجب عليهم أن يتربوا تربية إسلامية. يجب التحرك وفق المنهج الإسلامي، وأن يكون القرآن موجههم، وهادياً لهم وإماماً لهم، ولو حصل هذا لأمكنهم التغلب على جميع المشاكل. وبخلاف ذلك لو أرادوا العمل بموجب الموازين العادية والموازين السياسية وأمثال ذلك فإن الغلبة ستكون للحكومات دوماً"2.
 
فإلى كل الذين يرسمون البرامج والخطط، ويضعون المناهج والتصورات، ويراعون الدقة في ضبطها وتبويبها، وهو أمرٌ محمود يشكرون عليه، عليهم أن ينظروا إلى أفق تلك البرامج والخطط والمناهج المعنوية والقيمية، وإلى دورها ومراسيلها التي تشكل اتجاهات في شخصية المتلقين، ولو بنفس المستوى من العناية في ضبط الشكليات والجدوى المباشرة.
 
 
 

1- م.س، ص237.
2- م.س، ص192.
*محاضرة ألقيت بتاريخ 9/6/2005 في مركز الامام الخميني الثقافي-بيروت.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

24

المحاضرة الرابعة: المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين عند الامام الخميني قدس سره

 المحاضرة الرابعة: المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين عند الامام الخميني قدس سره

 
الشيخ حسن فؤاد حمادة

مدخل

أود في البداية أن أذكر بنقطتين حول شخصية الإمام الخميني قدس سره بشكل عام يفيد تذكرهما أمام بحثنا حول الوحدة بين المسلمين.

الأولى: يجب على أي باحث حول فكر الإمام الخميني قدس سره - كما هومقتضى البحث الموضوعي بشكل عام - أن لا يضع المرء مرتكزاته الفكرية كمحدد لفهم الموضوع مورد البحث بل البحث المجرد للوصول إلى معرفة دقيقة حول ماذا يريد الإمام هنا وكيف ينظر إلى المسألة الفلانية أوالكذائية. 

الثانية: أن الإمام كان سباقاً إلى العمل في كل مسألة دعا الناس إليها وحيث نجد نصوصاً وكلاماً كثيراً للإمام حول قضية معينة كموضوعنا فعلينا أن نكون متأكدين مسبقاً أن الإمام قد بذل جهداً عملياً مضنياً في هذا السبيل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

25

المحاضرة الرابعة: المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين عند الامام الخميني قدس سره

 مقدمة


بسبب التركيز الكثيف على ضرورة وأهمية الوحدة بين المسلمين عند الإمام الخميني قدس سره وحثه الدؤوب على ذلك والذي لم ينقطع مطلقاً طيلة مسيرة الإمام منذ بدايات القيام والثورة مروراً بتأسيس الدولة والمجتمع وصولاً إلى هذا اليوم ومن خلال تبني الإمام الخامنئي دام ظله السير الكامل على خط الإمام في كافة تفاصيل الخط ومن ضمنها العمل على وحدة المسلمين فإنه وبسبب ذلك قد تنشأ لدى البعض شبهة مفادها بأن الأصل هوالاختلاف والفرقة بين مذاهب المسلمين وطوائفهم وأن تلك الطوائف أوبعضها ليست في الواقع جزأً من الإسلام لذلك احتاج الإمام إلى كل هذا الجهد والعمل ليوحدها ويجعل منها شيئاً واحداً بعد أن كانت كيانات متغايرة وهذه شبهة يجب أن لا يقع البعض ضحيتها، فالإمام إنما بذل كل سعيه ليعيد لجماعة المسلمين أُخوتهم ووحدتهم الضرورية بعد أن استفل منها على مدى العصور عوامل عديدة منها وجود الحكام المنحرفين وأيدي الاستعمار والجهل المتفشي بين المسلمين بسبب هذين العاملين.
فضرورة الوحدة عند الإمام هي من أجل حفظ وحدة المسلمين أوتقويتها، وليس بمعنى أن الضرورة تلجئ إليها. حتى إذا زالت تلك الضرورة زالت الحاجة إلى الوحدة وعاد المسلمون إلى التفرق أيدي سبأ

والنصوص المأثورة عن الإمام حول أصالة الوحدة بين المسلمين كثبرة جداً ويمكن عرض ملخص وجيز عنها:

- إن جميع المسلمين اخوة متساوون ولا ينفصل أحد عن غيره وعليهم الإنضواء جميعاً تحت لواء الإسلام وراية التوحيد.

- إن الإسلام أساسه على المساواة والأخوة والوحدة.

- إن القرآن الكريم يحكم بأن جميع المؤمنين في العالم اخوة، والأخوة متكافئون، إن الأخوة الإسلامية منشأ لكل الخيرات.

- لقد ذكرت مراراً أن لا أهمية للعنصر واللغة والقومية والإقليم في الإسلام فجميع المسلمين سنة وشيعة هم اخوة متكافئون متساوون في المزايا والحقوق الإسلامية وانه ليس في الإسلام سني وشيعي فالكل اخوة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

26

المحاضرة الرابعة: المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين عند الامام الخميني قدس سره

 المرتكزات الأساسية


وهي عديدة اخترت منها أربعة مرتكزات يمكن أن يندرج تحت بعضها العديد من المرتكزات الأخرى والأساسية أيضا:

1- المرتكز الديني: 

فالإسلام هوالدين الجامع ويتحقق ذلك الجمع بالإنضواء تحت شعار (لا اله إلا الله، محمد رسول الله) والقرآن الكريم هوالكتاب الواحد لجميع المسلمين وهومبرأ من الزيادة والنقيصة والتحريف. وعقائد هذا الكتاب الإلهي وأحكامه وتعاليمه هي نفسها لجميع المسلمين. والقرآن الكريم حكم بالأخوة بين المؤمنين وساوى بين عربيهم وعجميهم وأبيضهم وأسودهم وفقيرهم وغنيهم ولم يفاضل بينهم إلا بالتقوى وأمرهم جميعاً بالإعتصام بحبل الله وعدم التفرق "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"1 صدق الله العلي العظيم 
وقد انعكست هذه التعاليم الوحدوية في كلام الإمام حين يقول:

- لا يوجد في الإسلام تمييز بين الأغنياء وغير الأغنياء ولا بين البيض والسود ولا يوجد امتياز أبداً بين السنة والشيعة... لقد جعل القرآن الكريم العدالة والتقوى ميزاناً، فالإمتياز لمن يملك التقوى.

وإشارة إلى توحد المسلمين في صدر الإسلام في بوتقة الدين الإسلامي يقول قدس سره :

"ماذا دهاكم يا مسلمي العالم أنتم الذين استطعتم أن تحطموا القوى العظمى في صدر الإسلام مع قلة عددكم وأوجدتم الأمة الإسلامية الكبيرة واليوم ما يقارب من مليار نسمة وامتلاككم للثروات الكبيرة التي هي أكبر حربة في وجه الأعداء أصبحتم هكذا أذلاء".

ويقول أيضاً: "لقد نزل الإسلام ليوحد جميع شعوب العالم من عرب وعجم وترك وفرس وليقيم في هذا العالم أمة عظيمة هي الأمة الإسلامية".

فإذا كان الله تعالى قد احتاط وتحسب لكل شيء من مصنوعاته فجعل من الماء كل شيء حي وجعل فيه خاصية أن ينقي نفسه بنفسه من الأعراض المضرة الداخلة فيه بسبب طغيان البشرية، أفلا يكون في هذا الدين الآليات الذاتية والمرونة والقدرة على استيعاب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

27

المحاضرة الرابعة: المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين عند الامام الخميني قدس سره

  الخلافات والانحرافات وتصحيح المسارات رغم كل الانحرافات والأخطاء بقصد الحفاظ على وحدة اتباع هذا الدين وصولاً إلى غاياته وعلى رأسها إقامة الأمة العظيمة والواحدة.


ويمكن أن يندرج تحت هذا المرتكز الأساسي مرتكز آخر نسميه المرتكز العقائدي وخلاصته القول بقبول المسلم الآخر رغم الاختلافات في بعض العقائد، حيث أن العقائد الأساسية والضرورية متفق عليها وعدم المسارعة إلى ثقافة التكفير وإخراج الآخر من الإسلام لمجرد وجود عقائد تغاير عقائدها التفصيلية وفي أكثر الأحيان لا يوجد حتى مثل هذا التغاير بل التطابق وتكون المشكلة في التعبير هنا أوالفهم هناك ويمكن أن يعد الإمام من أوائل المحاربين لفكرة المسارعة إلى تكفير الآخر.

2- المرتكز السياسي والجهادي أوالدفاعي:

يقوم هذا المرتكز الأساسي على فلسفة مفادها أن الإسلام لا يمكنه أن يشق طريقه نحوأهدافه السامية بجناح الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بعيداً عن جناح الردع المتكئ إلى القوة وذلك لمواجهة أعداء الإسلام والإنسانية المتربصين بالإسلام شراً والذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم وأيديهم وهنا عند الحديث عن تحصيل القدرة والقوة في مواجهة أولئك الجبابرة فإن الإمام يعتبر أن أول وأعظم قدرة يمتلكها المسلمون في مواجهة أعداء الحق هي الإيمان ووحدة الكلمة وبالمقابل فإن أشد الأخطار فتكاً بالمسلمين هوالفرقة والتناحر.

قال الإمام الخميني أمام وفد ديني يمثل علماء المسلمين في المملكة العربية السعودية بعيد انتصار الثورة.

"إذا كانت هناك وحدة إسلامية فلا يعود من معنى لوجود ما يقارب المليار مسلم تحت ضغط القوى الاستعمارية، إن الخلافات في المنطقة هي التي جعلت إسرائيل بقلة عدد أفرادها تقف أمام العرب مع كثرة عددهم وعدتهم... إن سر انتصار الإسلام في البداية أيضاً كان وحدة الكلمة وقوة الإيمان وهذين العاملين أديا إلى انتصار ثلاثين مسلم بقيادة خالد بن الوليد على ستين ألفاً من طلائع جنود الروم، هذا النصر كان من الإسلام ويجب أن نمضي لهذا السبيل".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

28

المحاضرة الرابعة: المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين عند الامام الخميني قدس سره

 3- المرتكز الفقهي: 


ويمكن ضمن هذا المرتكز الأساسي أن نلمح النقاط التالية:

أ - عدم اعتبار التعدد في المذاهب الفقهية حائلاً أوعائقاً أمام وحدة الكلمة بل هوتعدد طبيعي يمكن أن يدرج في خانة الإختلاف في الإجتهاد لذا لم يأخذ الإمام التوحيد بين المذاهب كشرط مسبق للوحدة كما انه لم يدعوا إلى ذلك بإعتباره هدفاً للوحدة وللتقارب بين المذاهب فلكل مذهب الحرية في الإنفراد في الكثير من تفاصيل الشريعة أوحتى تفاصيل العقيدة من دون أن يعيق ذلك التنوع والإختلاف الوحدة بين المسلمين مطلقاً.

ب- عند ملاحظة فتاوى الإمام الفقهية لا سيما في رسالته العملية وخاصة في الأمور الأساسية نجد أن الإمام لا يتحدث بلغة مذهبية بل يتناول الإسلام بشكل عام وكذلك الشعوب والدول الإسلامية بعامة فمثلاً في كتاب تحرير الوسيلة – فصل الدفاع - يتحدث عن وجوب تصدي المسلمين جميعاً مقابل أي اعتداء يصيب أي شعب أودولة مسلمة من غير أن يحصر ذلك بشعب أودولة خاصة بطائفة أومذهب.
مسألة 1. لوغشي بلاد المسلمين أوثغورها عدويخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمعهم يجب عليهم الدفاع عنها بأية وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس.
ولا أدل على هذه السياسة الفقهية الجامعة من التعامل العملي لحكومات الجمهورية الإسلامية مع جميع الطوائف الإسلامية وبدون أدنى تمييز سياسي أوإنمائي مع حفظ حق كل مذهب في ممارسة كامل شعائره وخصوصياته المذهبية بشكل كامل.

ج- نلحظ انه ومع وجود فتاوى عدة للإمام تتحدث عن شروط فقهية مذهبية في بعض المسائل ذات الطابع العبادي الخاص في الغالب غير أن تلك الشروط إنما تحتفظ بقيمتها طالما كانت تلك المسائل تطبق في إطار أبناء المذهب الواحد غير أنها تسقط جميعها عندما تخرج تلك العبادات الى فضاء الإطار الإسلامي الشامل ويحصل الإحتكاك بباقي المسلمين من المذاهب الأخرى وهذا كله ليس من باب التقية عند الإمام الذي 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

29

المحاضرة الرابعة: المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين عند الامام الخميني قدس سره

 قال لا تقية بعد اليوم بل من باب ضرورات ومتطلبات الوحدة الإسلامية الحاكمة على جميع الضرورات والأولويات الأخرى بحسب تعبير وريث الإمام الأمين السيد الإمام الخامنئي دام ظله.

ويلحظ المتتبع وجود عشرات الموارد في هذا السياق منها:

- مسألة السجود على ما لا يصح السجود عليه.

- إمامة غير الشيعي للشيعي.

- عدم جواز إقامة الصلاة جماعة في البيوت في مكة.

- عدم جواز مغادرة الحرم عند وقت صلاة الجمعة والجماعة.

- مسائل الحج الكثيرة في الطواف وأمكنة الذبح والحلاقة.... الخ.

وجميع هذه العبادات يعمل بها من باب التقارب والتوحد مع باقي المسلمين وليست من باب التقية كما أسلفت لذا لا يجب إعادتها لاحقاً بل قد لا يجوز في بعض الأحيان ذلك كما إذا كان من باب نية الوجوب والفرض.

4- المرتكز الثقافي:
 بمعنى العمل على إيجاد ثقافة الوحدة والأخوة بين المسلمين جميعاً وتوعية الرأي العام على هذا الأمر المهم والإستفادة من شتى الوسائل في سبيل تحقيق هذه الثقافة سواء كانت هذه الوسائل موجودة في أصل الشريعة الإسلامية والسنة النبوية وسيرة أهل البيت الكرام والصحابة المنتجبين كموسم الحج ومراسم عاشوراء أم لم تكن موجودة وينبغي ابتكارها فمقدمة الواجب واجب كل ذلك كي تصبح الوحدة ثقافة مقبولة وبديهية لدى المسلمين علماؤهم وعوامهم للحيلولة دون ضخ سموم الفرقة من قبل الأعداء.

مواسم الحج: لقد استفاض الإمام بالحديث حول الإستفادة من موسم الحج لدعوة الشعوب الإسلامية إلى وحدة الكلمة ونبذ الخلافات معتبراً عبر العديد من بياناته للحجاج وكلماته في المناسبة أن الحج موسم الهي عظيم لتحقيق الكثير من الأهداف الإجتماعية والسياسية والدينية للإسلام ومن أهمها جمع كلمة المسلمين ومما قاله: "ومن جملة واجبات المسلمين في هذا الإجتماع العظيم، دعوة الشعوب والمجتمعات الإسلامية إلى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

30

المحاضرة الرابعة: المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين عند الامام الخميني قدس سره

 وحدة الكلمة ونبذ الخلافات بين طبقات المسلمين ويجب على الخطباء والكتاب السعي والجد في هذا الأمر الحيوي وفي إيجاد جبهة المستضعفين ويتخلصوا تحت شعار (لا اله إلا الله) ومع وحدة الكلمة من اسر القوى الشيطانية للأجانب والإستغلالين".

ويقول "من الواضح للجميع انه ليس بمقدور أي إنسان وأي دولة عقد مثل هذا المؤتمر الكبير وانه لأمر الله تعالى الذي صنع هذا الإجتماع العظيم إلا انه مع الأسف لم يستطع المسلمون على مرّ التاريخ أن يستفيدوا من هذه القوة السماوية وهذا المؤتمر الإسلامي من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين كما يلزم".

عاشوراء ومراسمها

يعتبر الإمام رضوان الله تعالى عليه أن ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي التي أنقذت الإسلام وحفظت هوية المسلمين وبالتالي هي أساس ومرتكز وحدتهم لأن الوحدة تدور مدار الهوية والإنتماء، وفي العديد من كلماته يؤكد رضي الله عنه أن مراسم عاشوراء هي مدعاة للوحدة بين جميع المسلمين عكس ما هومظنون ونقتصر على كلمات من وصيته الخالدة:

"ومن جملة ذلك أن لا يغفلوا أبداً عن مراسم عزاء الأئمة الأطهار وخصوصاً سيد المظلومين ورائد الشهداء أبا عبد الله الحسين عليه السلام وليعلموا أن كل أوامر الأئمة عليهم السلام في مجال إحياء ملحمة الإسلام التاريخية هذه وأن كل اللعن لظالمي أهل البيت والتنديد بهم ليس الا صرخة الشعوب في وجه الحكام الظالمين عبر التاريخ إلى الأبد"

ويجب أن نعلم جميعاً أن ما يوجب الوحدة بين المسلمين هوهذه المراسم السياسية التي تحفظ هوية المسلمين وخصوصاً شيعة الأئمة الأثني عشر عليهم صلوات الله.

وإضافة إلى يوم القدس العالمي وأسبوع الوحدة الإسلامية فإن من وسائل تعزيز ثقافة الوحدة هوالمؤتمرات واللقاءات المتواصلة بين المسلمين والخطب والتركيز الإعلامي الدائم ووضع البرامج والأهم السعي العملي.

يقول الإمام (فضلاً عن عمله وهوالأهم عبر عقود من الزمن) "إن الخطب المدروسة البناءة إذا ألقيت في أجواء هادئة وغير متوترة، دعت إلى الوحدة والتفاهم ونبذ الإختلاف والتشنج، كانت خطباً مفيدة واستوجبت رضا الله تعالى"
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

31

المحاضرة الرابعة: المرتكزات الأساسية للوحدة بين المسلمين عند الامام الخميني قدس سره

 "اني أمد يدي - وبمنتهى التواضع – نحوجميع التجمعات العاملة لخدمة الإسلام طالباً إليهم السعي لتحقيق الوحدة فيما بينهم في جميع المجالات.

 
"لا تكثروا من الدعوة إلى الوحدة قولاً ثم تتركوا السعي في تحقيقها عملاً، اتحدوا عملياً فأنتم اخوة" 
 
فلنسعى في الختام وعلى خط الإمام إلى تحصين فهمنا للوحدة الإسلامية مقدمة للعمل الدؤوب لهذه الوحدة لا سيما في هذه الأيام الأخيرة التي يشن أعداء الإسلام لا سيما أميركا وإسرائيل حرباً بلا هوادة على الإسلام والمسلمين جميعاً متسلحين بالدرجة الأولى بسلاح التفرقة وإيجاد التناحر والفتن بين المسلمين فإلى الوحدة الوحدة الوحدة.
 
   
 

*محاضرة القيت بتاريخ 9/6/2005 في مركز الامام الخميني الثقافي - بيروت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

32

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 
الشيخ محمد قبيسي


ما زال إنتصار الثورة وقيام الدولة الإسلامية في إيران يحظيان بإهتمام رفيع من قبل المفكرين والمحللين، ويعتبر موضوع الإسلام وقدرته على تحريك الشعب والجماهير، وكذلك موضوع الدولة الإسلامية وإعطاءها دور حقيقي للشعب من النقاط الأبرز في تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران، وفي فكر الإمام وقد كان الجميع يراقب هذه التجربة ويسأل ترى ماذا ستحقق أوحققت هذه الدولة للشعب من أمور قيمة غير تلك التي حققتها الحكومات الديمقراطية في الغرب لشعوبها، وأين التمايز.

والموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم سيتمحور حول عناوين ثلاثة هي:

الأول: موقع الإنسان والناس في مفهوم الدين.

الثاني: الحكومة وأهدافها الإجتماعية.

الثالث: واجبات الشعب تجاه الدولة.

ومن الناحية المنهجية يبدولي أنه لا بد من الإلتزام بمحددات ثلاث هي:

- المباشرة في قراءة نصوص الإمام

- الدمج بين النظرية والتجربة.

- التأسيس على النظرة العرفانية والإنسانية عند الإمام.

وبتقديري أن ذلك سيسمح بمقاربة أفضل للموضوع والواقع الموضوعي الذي عاشت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

33

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 فيه تلك التوجهات التي نادى بها الإمام دون التطرق إلى ما يجري في إيران اليوم، مع أنه جدير بالكلام، ولكنه يصبح نسبياً خارج موضوعنا، فما نود طرحه الآن يدخل في التأسيس للموضوع من خلال نظرة الإمام. ومع أن موضوع المحاضرة أكبر من فرصة الحديث، إلا أنه لا بدّ من المحاولة، آملين التوفيق منه سبحانه.


أما من ناحية المنهج فهناك كما يبدوضرورة لاعتماد المباشرة بنصوص الإمام، والدمج بين النظرية والتجربة، والإلتزام بالنظرة العرفانية للموضوع، فهذه هي الوجوه الثلاثة التي تسمح بتجلية أفضل للموضوع والواقع الموضوعي الذي تعيش فيه تلك التوجهات التي نادى بها الإمام، وهذا ما سنحاول اعتماده.

الإنسان والناس في مفهوم الدين

ينطلق الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه في مفهومه للدين من نظرته كعارف يربط كل شيء بالسير والسلوك كطريق، وبمعرفة الله كغاية للخلق والكمال، أما الناس فيعتبرهم في الطريق للوصول.
ومن هنا..

يدرك الإنسان في جوهره من بداية تكوينه حاجتين أساسيتين هما الفكر والمعرفة، وتذوق الجمال، وهما متحَدان، تستمدان وجودهما من الفطرة، ومن العالم الخارجي "عالمي الغيب والشهادة"، فالإنسان ظامئ لهذا الرواء الفكري والشعوري الخلاق، يتردد في أعماق روحه افتقارٌ واحتياجٌ لا يتبدلان ولا يتوقفان.

يقول الإمام:"أيها التائهون في وادي الحيرة والضائعون في صحاري الضلالات، بل أيتها الفراشات الهائمة حول شمعة الجميل المطلق.. عودوا قليلاً إلى الفطرة وتصفحوا كتاب ذاتكم لتروا، أن قلم القدرة الإلهية قد كتب فيه: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض.."وهي فطرة المحبوب المطلق فطرة المعرفة".

".. تيقظ من نوم الغفلة وأستبشر بأن لك محبوباً لا يزول، وأن لك مقصوداً نور طلعته نور السموات والأرض.. وأن محبوبك ذوإحاطة.. فإلى متى تتوجه هذه الفطرة التي لا تتبدل إلى الخيالات الباطلة، ونحوهذا وذاك من المخلوقات".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

34

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 ".. يا ليتنا نحترق كالفراش حول شمع جماله دون أن نتكلم".


ومع كل أسف فما زال الإنسان يطوي أوراق عمره بالمعرفة وهوغارق في حجاب رؤية النفس وعبادتها، الذي هوعند الإمام "أضخم الحجب وأظلمها، ومع أن خرق هذا الحجاب - كما يقول - أصعب من جميع الحجب فهوإن حصل سيكون مفتاح مفاتيح الغيب والشهادة، وباب أبواب العروج"، "وما دام الإنسان قاصراً على النظر إلى نفسه فهومحجوب.."، "والخروج من هذا المنزل هوأول شرط للسلوك إلى الجمال المطلق والكمال الصرف. فكل سالك يسلك بخطوة الأنانية ورؤية النفس ويطوي منازل السلوك في حجاب الأنانية وحب النفس" فهولم يعرف بعد نفسه على حقيقتها.

إن جميع السواقي والجداول التي كانت تطرب بأغنية أنا الساقية أنا الجدول، وجميع الأودية التي تسيل بقدرها عندما تصل إلى البحر تنتهي من ذاتياتها وتصمت، ويصبح البحر ينادي أنا البحر أنا البحر، فيردد الجميع نحن من البحر وإليه راجعون.

فمن يخرج من بيت نفسه مهاجراً إلى الله، وإلى رسوله، عليه أن يذوب في بحر البشر، في بحر الناس. وهذا هوالطريق "خدمة الحق في صورة خدمة الخلق" فالحج إلى الله لا يكون إلا مع الخلق وفي خدمتهم، وشرطه أن يترك الشرف والجاه لنفسه، ويلبس لباس الخدمة، ويبحث عن شرف الناس، وحاجات الناس، وهكذا كان الإمام واحداً من أعظم رواد هذا المنهج فتحقق على يديه تحول قوي لمجرى التاريخ، فتحول الفرد في بحر البشر إلى قوة الأمة لما سطره في ملاحم الإيثار والتفاني والشهادة من معاني عالية وسامية. وكان الإمام يعتبر أن الفقه والفقاهة والثورة والجهاد والسياسة والحكومة كلها من أجل الناس وتحقيق آمال المستضعفين بالحرية والعدالة والمساواة، وتحقيق الكرامة.

وكثيراً ما كان يردد مثل عبارة أريد أن أقضي مدة وظيفتي في خدمة الناس، وكان يوصي ولده الجليل السيد أحمد فيقول له: "..أحرص على إعانة عباد الله خصوصاً المحرومين والمساكين والمظلومين فذلك خير زاد" ويقول في غير مناسبة: "يا أبنائي الثوار أيها الذين لستم مستعدين أن تتخلوا لحظة عن زهوكم المقدس أنتم تعلمون أن عمري سيمضي لحظة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

35

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 بلحظة في طريق العشق في خدمتكم"1.

 
لقد غير الإمام النظرة إلى الدين والعرفان ووقف بقوة في وجه أصحاب منهج الإعتزال الذين أخرجوا الإسلام من ساحة الحياة والناس والمجتمع قائلاً:"تصور بعض الناس أن من كان من أهل السير والسلوك، فعليه ألا يهتم بما يجري لباقي الناس وكل ما يحصل في المدينة فهوغير معني به، ولسان حال أحدهم يقول: إنما أنني من أهل السلوك فلأجلس في زاوية ما وأكتفي بأوراد معينة.. ولوكان صائباً أن ينعزل أهل السلوك جانباً لكان من الواجب على الأنبياء أن يفعلوا ذلك، لكنهم لم يفعلوه.. لقد كان موسى بن عمران عليه السلام من أهل السير والسلوك ومع ذلك فإنه توجه صوب فرعون وقام بما قام في مواجهته، وهكذا الحال بالنسبة لإبراهيم عليه السلام والنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وكلنا نعلم أن رسول الله الذي خاض في أجواء السير والسلوك سنين طوال لكنه ما أن وجد فرصة حتى أقام حكومة سياسية من أجل إجراء العدالة. فإن من تبعات العدالة أن تسنح الفرصة كي يعرض كل شخص ما لديه. وهوهادئ البال. ففي أجواء القلق والإضطراب لا يمكن أن يحصل ذلك، ولا يتسنى لأهل العرفان أن يعرضوا عرفانهم، ولأهل الفلسفة أن يعرضوا فلسفتهم، ولأهل الفقه أن يعرضوا فقههم، فحينما تصبح الحكومة حكومة العدل الإلهي وتطبق العدالة ولم تسمح للإنتهازيين بتحقيق مآربهم، فقد تهيأ جوهادئ يستطيع الجميع أن يستفيدوا منه ويعرضوا فيه ما لديهم. وبناء على ذلك فإن ما ورد في قول المعصوم: وما نودي بشيء مثلما نودي بالولاية، مغزاه قيام الحكومة. فلم يحصل على أمر مثلما حصل الحث على هذا الأمر السياسي، وقد تم بالفعل هذا الأمر السياسي في عهد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وفي زمن أمير المؤمنين عليه السلام، وبعد ذلك لوحصلت الفرصة لباقي الأئمة لبادروا إلى هذا الأمر".
 
 

1- حديث الشمس.. ص 58. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

36

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 الحكومة الإسلامية وأهدافها


نوع الدولة الإسلامية

الدولة الإسلامية من أي أنواع الدول هي اليوم؟ هذا سؤال مطروح:هل هي ديمقراطية أم إشتراكية أم ثيوقراطية..؟ أذكر أني إلتقيت في أواسط السبعينات من القرن الماضي بأحد كوادر الحزب الشيوعي في لبنان وقد دار بيني وبينه حوار عن الإشتراكية فتناول بعض كلمات من نهج البلاغة تتعلق بتوزيع الثروة، واسباب الفقر ليفهمني أن علي عليه السلام كان أباً للإشتراكية.. فهل يصح في حال عمت الأفكار الإشتراكية في بلادنا أن نصف نحن المسلمين الدولة الإسلامية بأنها دولة اشتراكية إسلامية؟

ومثل ذلك يصدق بحق الرأسمالية فقد كتب كثيرون وروجوا بأن الإسلام يؤبد الرأسمالية والملكية الخاصة فهل لأجل هذا يمكن أن نسمي الدولة الإسلامية بالدولة الرأسمالية، أوكما يطرح العلمانيون بأن الإسلام يلتقي مع العصر والعصر يتطلب إعتماد الإسلام العلماني؟! أم هل نستطيع أن نأخذ شيئاً من الثيوقراطية وشيئاً من الديمقراطية فنشكل نظاماً "ثيوديمقراطي" ونعتبره إسلامياً كما حاول أبوالأعلى المودودي أن يصنفها؟ طبعاً الأمر ليس مقبولاً ولا صحيحاً، حتى من حيث التسمية، وأما تسمية الإمام للدولة بالجمهورية الإسلامية فإن المقصود منها كما قال "حكومة القانون الإلهي على الناس" و"الناس يتلقون القوانين الإسلامية بالقبول والطاعة".
إن محور المشكلة هوفي نوع المسؤولية والقيم التي تنبع منها، فلقد كانت الحكومة في القرون الوسطى مسؤولة أمام رجال الكنيسة دون أن يكون هناك نصوص وقوانين إلهية حاكمة فهي عملياً كانت فوق القانون ومن هنا فقد فقدت المسؤولية قيمتها. وهناك مشكلة مماثلة واجهتها الدمقراطية، فهي تنشئ قانوناً يأخذ قيمته من الشعب، فالقانون إذاً أقل قيمة من الإنسان، وما من قدسية ترفعه إلى ما فوق الإنسان، فعملياً الإنسان ما زال فوق القانون، والفرق هوبالنوع فقط بين رجال الكنيسة، ورجال المال الذين كان الشعب يرفعهم إلى درجة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

37

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 الإستبداد باسم القانون. بينما كانت الكنيسة ترفع نفسها إلى درجة الإستبداد باسم الله.

 
أما في الإسلام فجميع أفراد الشعب ورجال الحكم مسؤولون أمام الله المطلق، والشريعة والقوانين، فهما يمثلان السلطة المطلقة والعدل المطلق، من هنا رفض الإمام الديمقراطية كمضمون كما هي في الغرب واعتبرها فاسدة.. وقال "الديمقراطية الصحيحة هي الديمقراطية الإسلامية. وإذا وفقنا فسوف نثبت للشرق والغرب بعدئذِ أن ديمقراطيتنا هي الديمقراطية، لا الديمقراطية التي عندهم، والتي تدافع عن الرأسماليين الكبار، ولا التي عند أولئك المدافعين عن القوى الكبرى.."1، إذاً خيار الإسلام هوخيار ثالث يختلف كلياً عن الأنظمة الأخرى وله هوية خاصة، تستند إلى قوانين وقيم إلهية. 
 
الحكومة خادمة الشعب 
 
الحكومة في ظل الإسلام خادمة الشعب، وبحسب قول الإمام: "يجب عليها أن تكون في خدمة الشعب"2، "نريد مثل تلك الحكومة التي يعتبر فيها الحاكم أن قيمة الرئاسة أقل من قيمة نعله المرقع.."، وحتى يضمن الإمام ما أراد فقد طلب من الشعب "أن يمنح أصواته لأولئك النواب المتعبدين بالإسلام والأوفياء للشعب ممن يشعر بالمسؤولية لخدمة الجماهير، وممن ذاقوا طعم الفقر المر، والمدافعين عن إسلام الحفاة في الأرض"، وطلب من الناس أن يرفضوا إسلام المرفهين الذين ليس لديهم شعور، إسلام الباحثين عن الراحة.. وبكلمة واحدة الإسلام الأمريكي"، "فعندما لا يحس الإنسان بمعنى الفقر ومعنى الجوع فإنه لا يستطيع أن يفكر بالجياع، والبؤساء" 3.
 
فيما يتعلق بحرية رأي الشعب في شكل الحكم وحيث لا تنافي مع أحكام الإسلام فإن الإمام يؤكد بأنه "لا يحق لنا أن نفرض على شعبنا شيئاً فنحن نطيع الرأي الذي يبديه أبناء شعبنا" فـ "من الحقوق الأولية لأي شعب أن يمتلك حق تقرير المصير وتعيين شكل ونوع الحكومة التي يريدها"، وإن "حرية الشعب في اختيار الحكومة ونظام الحكم وانتخاب المجلس
 
 
 

1- من خطابه بمناسبة إعلان قيام نظام الجمهورية الإسلامية / مؤتمر الجهاد والثورة: 0771 
2- نفسه: ص 0461 
3- الاستقامة والثبات.. ص173/.361 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

38

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 والممثلين للأمة فذلك حق مصان".


إن رأي الشعب حق في كل ما يعود للناس، أما ما يعود لله فأمره يعود إلى الله والرسول وإلى من منحهم الله حق الولاية وكانوا من أولي الأمر. فقد قرأت رأياً فقهياً يجدر إيراده هنا وهولآية الله الشيخ الجوادي الآملي وهومن بعض أبحاثه المنفصلة، ففي هذا الرأي يفرق بين أمر الله وأمر الرسول، وبين أمر الناس، إذ اعتبر أنه يصح التشاور بين الناس في أمورهم فقط وقد استشهد في ذلك بما ورد بالآيات والروايات التالية: 

"وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"، "وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله".

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قوله لإبن عباس:" لك أن تشير علي وأرى فإن عصيتك فأطعني".

أما في أمور الناس فقد استند إلى قوله تعالى:" وأمرهم شورى بينهم"، فهنا الأمر لهم بما يعود إليهم مما لا يخالف أمر الله. ثم يشير إلى روايات عديدة تدعوإلى المشاورة وعدم الإستبداد أدخلها في معرض استدلاله.

وهنا يساعدنا الشيخ الآملي في بيان أن الدولة تعتني بأمرين الأول أمر الله والولي والثاني أمر الناس، وإن الحكومة تستند إلى الأمرين معاً، ومن هنا يتبين لنا مفهوم "الجمهورية الإسلامية" وقلت يساعدنا لأن الشيخ الآملي لم يكن في معرض بيان هذه النقطة بالذات. فقد كان كلامه في سياق البحث في مشروعية ولاية الفقيه وحكومة الشورى.

ومن يدخل إلى صلب تجربة الثورة والدولة في إيران، يستطيع أن يطلع على تلك الثوابت والمباني التي كما يقول الإمام القائد:" علمنا إياها الإسلام وأوضحها لنا الإمام العظيم والفذ، والتي منها: 

إن أي نظام لم يكن مبنياً على أساس إرادة الناس وتأييدهم لا يمكن أن يكتب له البقاء والإستمرار".
ومن هنا، كما يذكر الإمام القائد:" كان الإمام يركز على الحضور السياسي للناس في ساحات النشاط السياسي"، وقد كان يؤكد لهم أن الدولة ملكاً لهم وإن مصيرها بأيديهم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

39

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 ولذلك كان يطلب دائماً من الأجهزة الأمنية ومن إدارات الدولة، ومن النواب ان يخدموا الشعب، ويكونوا ملجأً للناس فيشعروا تجاههم بالمحبة والإطمئنان، ويكمل الإمام القائد قوله: كان الإمام - الذي كان يمثل رأس الحكومة - ينظر إلى الناس كما كان ينظر الأنبياء إلى الناس، يقول الإمام القائد وما زال الكلام له: لقد فقد الجميع أباً عطوفاً، وكان يقول:" إن الشعب خير منا وأفضل". لقد مثلت العلاقة بين الحكومة والشعب علاقة بين الراعي والمالك وكان الشعب يشعر فعلاً بأنه مالك وأن الحكومة أمانة في عقله وقلبه، وقد دفعه ذلك ليرصد للدولة والحكومة كل شعوره وماله ووقته وأفراد أسرته وحتى دمه. إنها حقاً ملحمة فريدة من ملاحم التعاضد والعشق، وشكلت الجمهورية الإسلامية النموذج الأصدق للحكومة الشعبية من بين كل حكومات العالم.


أهداف الحكومة الإسلامية

"بنفس ضرورة تنفيذ الأحكام التي استلزمت تشكيل الحكومة من قبل الرسول الأكرم في المدينة المنورة (والتي كانت حاجة الناس) يستدل الإمام الخميني على وجوب قيام الحكومة، معتبراً أن أحكام الشرع تعضد هذا الهدف لما تحويه من قوانين ومقررات لتشكيل نظام اجتماعي كامل، وأنه ما من أحد - بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - قد شكك بهذه الضرورة. وإن هدف هذه الحكومة، بحسب الإمام: تطبيق أصول الفقه المحكمة على الأفراد والمجتمع من أجل إيجاد الحلول للمعضلات.

ثم يعود الإمام إلى الآيات والروايات - كما في كتاب الحكومة - ليؤكد بأن نسبة الآيات العبادية للآيات الإجتماعية لا تتجاوز الواحد على مئة، وأن نسبة أبواب الروايات المتعلقة بالعبادات والأخلاق مقابل الإجتماعيات لا تتجاوز الأربعة إلى خمسين. فواجبات الحكومة - كما سيتبين لنا - هي واجبات من أجل الناس.

الأول: واجب قيام نظام يكفل وحدة الأمة كانصهار شعوري، ووحدة كلمة الشعب كموقف ديني وسياسي، فيؤمن العلاقة المتينة بين أفراده وفئاته، ويدفع نحوالتكافل باعتباره واجباً كفائياً على أفراد الأمة. وأن يمكن للأمة حضورها في الساحة كعضد للإسلام وحامي للحكومة فإن وحدة الشعب عند الإمام هي الأصل في الثورة والأصل في قيام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

40

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 ودوام الدولة لذلك كان الإمام دائم التأكيد:"إذا بقي الشعب في الساحة فالإسلام بألف خير".


الثاني: واجب بناء دولة العدالة الإقتصادية والمعنوية، والمساواة وتكافؤ الفرص بحسب الأحكام الإسلامية، والأمن والإستقرار الإجتماعي. وقد مر بثنايا النصوص عن نوع الحكومة ونوع المسؤولين ما يؤكد هذا الهدف وتحقيقه. 

الثالث: واجب بناء دولة الحريات الشخصية والفكرية والسياسية، والحريات الدينية للأقليات، ومساوات الجميع أمام القانون دون تمييز بين المواطنين، وهذا الواجب ايضاً قد مر ما يدل عليه والحرية هي أصل في الإسلام والإيمان فلا يجوز بل لا يمكن في الإيمان الإكراه. فالعقيدة يجب أن تكون بوعي ودليل وحرية، والإنسان حر في سلوكه الشخصي إلا ما خلف الدستور والقوانين أما حرية التعبير والعمل السياسي فهي مصانة ضمن استقلال البلاد واستقرارها وعدم إفسادها.

الرابع: واجب عمارة الأرض، واستثمار ثرواتها وبناء الحضارة والمدنية الإسلامية.

ويقول الإمام محدداً مفهوماً أوسع للحضارة:"ليس بإمكان الناس أن يعوا أبعاد التحضر الإسلامي.. أولئك لا يفهمون من حضارة الإسلام سوى الرسوم المزخرفة والفن المعماري الإسلامي. والأبنية العجيبة والاقمشة المطرزة وغيرها، فليست هذه ولا مئات منها تحسب على التحضر الإسلامي والديني".

"ففي اليوم الذي توجد فيه زخرفات الدنيا ويجد الشيطان له طريقاً فيما بيننا ويصبح هومرشدنا فإن الإستكبار سوف يستطيع أن يؤثر فينا حينئذٍ ويجر وطننا نحوالفناء".

ثم يتساءل الإمام في مكان آخر: "هل حضارة أوروبا التي تمناها ثلة من المنحرفين هي جزء من الأمم المتحضرة، أوروبا التي قامت على سفك الدماء.. وإذلال الشعوب لأجل شهواتها وغرائزها" "فإلى أين بلغت أوروبا حتى نثني عليها ونمدحها.. إن حياة أوروبا اليوم هي أقذر وأسخف حياة تمر بها القارة الأوروبية التي لا تنسجم مع أي دين وعقيدة".

"ولودخل الإسلام أوروبا لقضى على جميع فتنهم وإرهابهم التي يقرفها حتى الوحوش"

ولكن الإمام يعود ليوضح موقفه من الحضارة اليوم قائلاً:"إن ادعاء محمد رضا بهلوي 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

41

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 المخلوع القائل أن علماء الدين هؤلاء يريدون أن يسافروا في هذا العصر على ظهور الحمير، لا يعدوأن يكون تهمة بلهاء. إذ لوأن المراد من مظاهر التمدن والتجدد هوالإختراعات والإبتكارات والصنائع المتطورة مما له مساس في رقي الحضارة البشرية فإن الإسلام وسائر المذاهب التوحيدية لم تعارض ذلك ولن تعارضه. بل إن العلم والصناعة مما أكد عليه الإسلام والقرآن المجيد. وآمل أن يعمل الكتاب وعلماء الإجتماع والتاريخ على تصحيح هذا المفهوم في أذهان المسلمين. وما يقال بأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يهتمون بالمعنويات وأن الحكومة وإدارة الأمور الدنيوية شيء مرفوض.. مثل هذه الأقوال خطأ مؤسف، تؤدي نتائجه إلى الفساد والإستعمار"، ويعتبر الإمام أن الدنيا المرفوضة هي التي تجعل الإنسان غافلاً عن الباري، ويقول "إن حكومة الحق المقامة لصالح المستضعفين ولمنع الظلم والجور ولإحلال العدالة الإجتماعية فهي التي سعى إليها أمثال سليمان بن داوود ونبي الإسلام الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأوصيائه الكرام، وهي من أعظم الواجبات وإقماتها من اسمى العبادات".


الخامس: واجب تحقيق الهدف الأسمى من الحكومة، وهوكمال الإنسان.

حيث أن الحكومة هي الظرف المناسب لتنفيذ الأحكام وتربية الإنسان وتكامله. وفي هذا يقول الإمام:"إن الهدف الذي ضحيتم من أجله هواسمى وأثمن هدف طرح منذ بدء الخليقة في الأزل وحتى نهاية العالم إلى الأبد إنه المدرسة الإلهية بمعناها الواسع وعقيدة التوحيد بأبعادها التي هي أساس الخلق وغايته في كل آفاق الوجود وفي مراتب الغيب والشهود.. وبدونه لا يتيسر السبيل إلى الكمال المطلق ولا إلى الجمال والجلال اللامتناهي.

أنتم تسلكون طريقاً هوالطريق الوحيد للسعادة المطلقة، وانطلاقاً من هذا المفهوم استعذب أولياء الشهادة.. ووجدوا الموت الأحمر أحلى لهم من العسل". فالحكومة بحسب نظر الإمام هي الميدان الأفضل لتكامل الإنسان وإصلاح المجتمع.

السادس: من واجبات الحكومة منع تربع الطغاة المترفين من المستأثرين بالمال والسلطة على أكتاف الشعب، ومنع تداول المال بين حفنة من الأغنياء، فدولة الإسلام دولة يهتم فيها الأغنياء بالفقراء بشكل طوعي، والعمل على دفع أفضل الأفراد وأليقهم وأكثرهم التزاماً بالإسلام وعناية بالمستضعفين إلى مواقع المسؤولية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

42

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 واجبات الشعب تجاه الدولة


كيف أخذ الشعب دوره؟
حدث عظيم ذلك الذي وقع في إيران، فقد كانت له دلالات وترددات اجتماعية وثقافية ولا تزال، بما قام به الشعب من ثورة وتغييرات، وما انطوى عليه من قيم وواجهه من تحديات.

وبنفس القدر من الإكبار نتساءل عن السر الذي تخطى به ذلك الشعب من عقبات وموانع قبل أن يتحول من شعب هامشي مرذول عشية الثورة إلى شعب جسور ومقدام قادر على أن يصبح رقماً صعباً وعصياً على كل المعادلات والمؤامرات الدولية.

فما الذي حصل حتى تبدلت طباع هذا الشعب، لم يكن الأمر سهلاً، فقد كان شعباً ضعيفاً مستضعفاً قليل الثقة بنفسه، يخاف حتى أن يلهج باسم الإمبراطور بأية إهانة، لا يعرف سبيلاً للخروج. كان محتاجاً إلى من يوقظ حسه بالكرامة، ويرفع له مشعل الحرية، ويلهم روحه بكل تلك الفضائل التي تفتحت إبان الثورة، في تلك الأيام الشديدة والعصيبة.

يقول الإمام القائد: "ترى أين كانت ستتوجه قافلة الثورة لولا تلك القيادة الربانية؟ إلام كانت ستصغي لوسكتت تلك القوة الناطقة الإلهية؟".. "لقد حقرت القوى الكبرى شعوبنا.. وأماتت حسها إلى أن جاء الإمام، لقد حول الإمام أصابعنا من أصابع أصابها الخدر إلى أصابع شديدة الحساسية بما حولها".

هذا الرجل الذي كان يرى نفسه خادماً للناس ويقول "إني أشعر بالضآلة أمام الشعب".

حقاً لقد سطرت علاقة الشعب بالإمام والإمام بالشعب أروع ملاحم العشق ورسمت لوحة رائعة الجمال وأي جمال. وهنا يكمن السر في الثورة، لقد أحدث الإمام تحولاً في النفوس، كما يقول هو:"فعندما استيقظ شعبنا ببركة الإسلام وأحدث هذا التغيير في نفسه، والذي كان يخاف من مجرد حارس أصبح لا يخاف من أمريكا".

فقد شخص الإمام دوره وهدفه بدقة من خلال دور الأنبياء ثم انطلق، قائلاً: ا"جاء الأنبياء لتعبئة الفقراء ليذهبوا ويقفوا بوجه الناهبين والمترفين عند حدهم ويوجدوا العدالة الإجتماعية".

لقد أشعر الإمام الأمة بالمسؤولية وجعلها الشريك الأول في الثورة والدولة بل المالك لها، مذكراً لهم بتلك المسؤوليات الإلهية قائلاً:"كلكم مسؤول في محضر الله تبارك وتعالى".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

43

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 "إن جميع أبناء الشعب مسؤولون، المراجع والعلماء والتجار والجامعيون وطلاب العلوم الدينية، والعمال. وإن المسؤولية اليوم تقع على عاتق جميع أبناء الشعب".


وهكذا دفع الإمام الشعب إلى أخذ دوره الفريد والذي تبلور في تلك التجربة الرائدة في إيران اليوم، لقد استطاع الإمام وبفضل فهمه العميق للإسلام وتجربة الأنبياء، وبفضل روحه ونبرته القيادية النبوية أن يكسر النير من فوق رقبة الشعب فحرر فيه كل ينابيع القوة والفتوة والكبرياء والكرامة والوعي والإرادة والرشد، فكان بمستوى المسؤولية. ولولا هذا الإمام فأين نحن كنا سنكون حينها.

واجبات الشعب: 

ينظر الإسلام إلى واجبات الدولة الإسلامية على أنها واجبات للحكومة والشعب معاً، ومن هنا نحاول أن نرى إذا نجحت التجربة الإيرانية في تحقيق ذلك أم لا؟

الواجب الأول والثاني: واجب الإقتراع والإنتخاب، وواجب الإشراف والرقابة.

1- المشاركة في الإنتخابات: بحسب نظر الإمام هي حق وهي واجب أيضاً، حيث يقول:"حكومتنا تتكئ على إرادة الشعب. يجب علينا جميعاً أن نذهب إلى صناديق الإقتراع وننتخب الأشخاص الملتزمين"، "فليس مهماً من يكون ومن أين يكون وإلى أي مجموعة أوحزب ينتمي فالإنتماء إلى الحزب لا يعني الصلاح ماءة بالماءة، ولا يعني أن غير الإنسان الحزبي إنسان فاسد".."إن انتخاب الأصلح يعني الملتزم بالإسلام الفاهم للسياسة المطلع على ما يصلح البلاد، وقد لا يكون هذا الشخص من مجموعتكم والمتربصين بكم فإن عملكم هذا إسلامي، وإنه عبارة عن محك بالنسبة لكم".
لقد أعطى الشعب رأياً صريحاً إلى جانب الإسلام بدءاً من الإستفتاء الاول والثاني على نظام الجمهورية وعلى الدستور، وفيما بعد في انتخابات رئاسة الجمهورية، ومجلس الخبراء، ومجلس الشورى، وهذا يدل بقوة على الدور الفاعل الذي أوكله النظام الإسلامي إلى الشعب في الحكم، وبصورة لم تتح لأي شعب في أي مكان من العالم.

2- أما مسؤولية الإشراف على أمور البلاد، وعلى أداء أولياء الأمور: فقد حمَّل الإمام هذه المسؤولية بجزء كبير منها إلى الشعب قائلاً:"جميع أبناء الشعب مكلفون بالإشراف على
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

44

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 الأمور، يجب على الشعب أن يوجهني، ويقول لي إنك فعلت كذا فاحفظ نفسك"، "فلوتبين ارتكاب أحد في مواقع المسؤولية مخالفة لمقررات الإسلام لوجب على الفلاح أن يعترض والكاسب والمعمم. وإذا ارتكب معمم مخالفة لوجب على الجميع أن يقفوا بوجهه" "كلكم راع".

لقد عبر الشعب دوماً، وفي كل المراحل والمحطات عن كبير وعيه، وقدرته على تحمل مسؤوليات الإشراف والمتابعة، فالإمام رحمه الله، واليوم الإمام القائد، قاما بتوجيه نظر الناس لعدة سنوات لأن يلتفتوا إلى أمور البلاد، وقد أثبت الشعب دائماً حضوره وعدم تخليه عن مسؤولياته في هذا الميدان.

الواجب الثالث: واجب التصدي للمسؤوليات في مواقع المسؤوليات.

منذ البداية كان الإمام يتوجه إلى كوادر الشعب من مراجع وعلماء ومثقفين وإلى المرأة وإلى الجامعيين بتحمل المسؤوليات الكبرى تجاه الدولة وتجاه المجتمع. فكان يرشدهم إلى أدوارهم، ويحذرهم من مغبة السقوط، وقد انخرط الجميع رجالاً ونساءً في جبهة متراصة واحدة للتصدي للمسؤوليات الجسام، وملء المواقع الشاغرة التي كان يشغلها المدراء الفاسدون في مؤسسات الدولة أيام النظام البائد. 

فقد قامت هذه المؤسسات وإداراتها على أكتاف هؤلاء وأمثالهم، وكان التحدي الإداري من أعظم التحديات في الدولة ولم يكن لرجال الثورة أي تجربة سابقة في هذا المجال. ولقد توجه الشعب إلى ملء تلك المواقع بدافع المسؤولية الإلهية لا بدافع الوظيفة وقد تحقق للإمام ما أراد.

الواجب الرابع: واجب الحضور في ساحة الدفاع عن الإسلام والدولة.

كان الإمام يعتقد اعتقاداً راسخاً بقدرة الشعب وضرورة الإعتماد عليه "العلماء والمثقفون والجامعيون والنساء والعمال.." ويثق ثقة تامة باستعداده للمواجهة، ومع أن الكثير من العلماء كانوا يعارضون الإمام، فقد ظل الإمام يرى أن أي عمل دون حضور العلماء والشعب حتى النهاية سيقلب نجاحه إلى فشل. ففي تجربة المشروطة "كان العلماء في طليعة انتفاضة الدستور ومع أنهم تمكنوا من المسك بدستور البلاد، ولكن - والكلام للإمام - بعد أن وصلوا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

45

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 إلى سدة الحكم وإلى وقت العمل الجاد تركوا كل شيء لصالح أعداء النظام، كان الشعب محايداً، وترك علماء الدين الساحة وانصرف كل منهم إلى أموره الخاصة، فيما كان عملاء بريطانيا يرسمون الخطط لإبعاد العلماء عن الساحة السياسية والإجتماعية، بشتى الطرق".

من هنا فقد أدرك الإمام أكثر من ذي قبل مدى أهمية الحضور المستمر للشعب في الساحة في حماية الدولة والإسلام ونقاوة التجربة، ولم يكن باستطاعة الدولة وحدها أبداً أن تحقق كل تلك الإنجازات وتواجه هذا الكم الهائل من المؤامرات لولا وقوف الشعب. لقد حمَّل الإمام الشعب مسؤولية حماية الدولة الإسلامية كأعظم الواجبات، ولم يبخل الشعب بدمه في ساحات الجهاد والحرب أيام تآمر الشرق والغرب على هذه الدولة. فقد أعطى الشعب من فلذات أكباده حوالي ماءة ألف شهيد بكل رضا وإقبال وقد دعم المعركة بكل شيء يملكه بكل شيء يملكه فعلاً ونذر حياته ثمانية أعوام الحرب. وتحمل ودافع في كل الساحات لدفع الأخطار فكان الذراع الأمينة الحقيقية للبلاد، وكان يشارك في المظاهرات المليونية بكل اندفاع وحب للدولة وللقائد وللإسلام. وما زال كلما ناداه الواجب لموقف. وقف بكل اندفاع وثبات، وكان ذلك كله التزاماً بتوجيهات الإمام قبل وفاته، والتزاماً بوصاياه بعد مماته، فقد ذكر في وصيته:"وصيتي إلى الشعب الإيراني العزيز أن تقدروا النعمة التي كسبتموها بجهادكم العظيم وبدماء شبابكم الرشيدين، قدروها حق قدرها كأعز الأمور لديكم وحافظوا عليها واحرسوها، وابذلوا الجهد في سبيلها فهي نعمة إلهية عظيمة وأمانة ربانية كبيرة.. شاركوا حكومة الجمهورية الإسلامية بكل مشاعركم في مشاكلها واسعوا إلى حلها، واعتبروا الحكومة والمجلس جزءاً منكم وحافظوا عليها محافظتكم على محبوب عزيز. وأوصي المجلس والحكومة والمسؤولين أن يقدروا هذا الشعب حق قدره، فهؤلاء ضياء أعيينا وأولياء نعمتنا حقاً، والجمهورية الإسلامية عطيتهم وتحققها كان بفضل تضحياتهم وبقاؤها رهين خدماتهم. واعتبروا أنفسكم من الجماهير والجماهير منكم".

ومن الأمور التي حمَّلها الإمام للشعب هي مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي هي من مسؤوليات الحكومة أيضاً، ولم يتهاون الشعب في هذا المجال فالشعب الإيراني شعب غيور على الإسلام ولا يتهاون بتخطي حدوده الشريفة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

46

المحاضرة الخامسة: الأدوار المتبادلة بين الحكومة الاسلامية والناس عند الامام

 الواجب الخامس: واجب التكافل الإجتماعي.

 
تشكلت منذ اليوم الأول اللجان الشعبية في الأحياء لتنظيمها سيما أيام الحصار الإقتصادي وبذلك سدت حاجات الناس لسنوات عديدة إلى أن تحسنت الأمور الإقتصادية.
 
وقام الشعب بدور منقطع النظير في سد الثغرات والحاجات الإجتماعية المختلفة فكانت البلاد كلها ورشة عمل ضخمة شارك فيها الجميع رجالاً ونساءاً فقامت مؤسسات الجهاد الزراعي الكبرى، ومؤسسات دعم المستضعفين العديدة، ومؤسسات القرض والإستثمار، والمؤسسات الثقافية والنسائية، ومؤسسات محوالأمية، ومؤسسات رعاية الشهداء والجرحى.
 
لا أحد يستطيع أن يعرف بسهولة حجم حضور وتضحيات الناس وحجم مشاركتهم في هذا الميدان إنها من أعظم أدوار الشعب وأقلها ظهوراً في الإعلام.
 
أخيراً: من الجدير ذكره لوأن الإمام اكتفى بتحصيل رضا الجماهير وتأييدهم، وقصر دور الشعب في الدولة على حق الاقترع فقط، دون تحميله المسؤوليات الأخرى فليس من المظنون، بل من المستبعد أن يكتب لهذه الدولة النجاح والإستمرار. ولكن الذي حصل أن ما قام به الشعب الإيراني العظيم من أدوار وأعمال وإنجازات وما زال، أكبر من أن تحيط بها محاضرة أومقالة، وباعتبار أنني حضرت وعشت المراحل الأولى من بناء الدولة، فقد وصلت إلى هذه النتيجة أنه لا مثيل لهذا الشعب، ولا للأدوار التي قام بها، فقد مثل أروع نموذج للعلاقة بين الشعب والحكومة، فالشعب في إيران لم يقم بانتخاب ممثليه ورحل للإهتمام بأموره الشخصية، فشيء من هذا لم يحصل إطلاقاً، وإذا كان هذا هودور الشعب تجاه الحكومة والمجتمع فإن الشعب الإيراني بذلك يكون قد سطر أروع ملحمة من ملاحم عشقه للإسلام، فقد قدم كل ما قدم في سبيل الله تبارك وتعالى، وما من شعب آخر يتمتع بهذه المميزات، حتى قال الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، بحقه ذلك القول المشهور: "أنا أزعم بجرأة أن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في العصر الراهن أفضل من أهل الحجاز في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأفضل من أهل الكوفة في العراق على عهد أمير المؤمنين والحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما..".
 
 
 

* محاضرة ألقيت بتاريخ 9/6/2005 في مركز الإمام الخميني الثقافي - بيروت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

47

المحاضرة السادسة: المنهج القويم في اصلاح الانسان*

 المحاضرة السادسة: المنهج القويم في اصلاح الانسان*

 
 
الشيخ أكرم بركات
 
 
يحدد القرآن الكريم غاية خلق الإنسان بقوله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ1 والعبادة في جذرها المعنوي تطلق على الفعل الذي يكون طيّعاً ليّناً مذلّلاً بحيث لا يكون فيه عصيان ولا مقاومة ولا اعتداء، من هنا سميت الطريق التي كثر المرور عليها أوسوّيت بحيث لم تعد أحجارها أوأشواكها مؤذية، بل صارت ليّنة غير شكسة ولا عاصية بالطريق المعبّد أوالمسلوك المذلّل2.
 
ومن اللافت أن الكتاب العزيز لم يعرض عبادة الله تعالى كهدف أقصى لخلق الإنسان، بل تحدث عن هدف لهذه العبادة بقوله﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ3
 
والتقوى في مفهومها تلتقي مع الوقاية وهي المشتركة معها في جذرها المادي لتصب في خانة معنى المنعة والحصانة والحماية، ولعله لهذا الأمر عبّر تعالى بـلباس التقوى، فإن من وظيفة اللباس حماية الإنسان جسداً، فأراد الله تعالى أن يكون للإنسان قلباً وروحاً حماية أخرى تتحقق من خلال لباس معنوي هوالتقوى ﴿لِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ4.
 
 
 

1- سورة الذاريات، الآية 56.
2- انظر: ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 4041 هـ، ج4، ص: 502-602.
3- سورة البقرة، الآية 12.
4- سورة الأعراف، الآية 62.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

48

المحاضرة السادسة: المنهج القويم في اصلاح الانسان*

 ووصول الإنسان إلى مرحلة التقوى يصعده إلى المرتبة القرآنية الأعلى وهوالفلاح الذي يعني الفوز والظفر، قال تعالى ﴿.. فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ1.

كلٍّ، فمما تقدم نعرف أهمية وقيمة تزكية النفس ودورها في تحقيق غاية خلق الإنسان. 
 
وفي بيان قرآني آخر للوصول إلى مرحلة الفوز النهائي المعبّر عنه بالفلاح قال تعالى ﴿قد أفلح من تزكى2. والتزكية من زكا التي تأتي بمعنى طهر وأيضاً بمعنى زاد ونما 3 كما في إطلاق أمير المؤمنين عليه السلام فيما ورد عنه "العلم يزكو بالإنفاق"4 أي ينموويتكامل، فتزكية النفس المحققة للفلاح تعني إنماءها والعمل على تكاملها ورقيها. 
 
من هنا فالتعبير بـ (تزكية) لعله أفضل من التعبير الوارد في عنوان الندوة (إصلاح) الذي قد ينصرف الذهن منه إلى فساد قد سبق. 
وكذلك نعرف أهمية السؤال عن المنهج القويم في تزكية نفس الإنسان. 
 
 
مسارات في التزكية 
 
في استعراض وجيز لمدارس ومناهج تزكية النفس في المجتمع الإسلامي نلاحظ مسارات عديدة يتصف بعضها بالغرابة ويولّد استهجان المطّلع عليها. 
 
أ– فبعضهم انتهج في سيره السلوكي لتزكية نفسه العمل على إرهاق الجسد لتطويعه وفي هذا الإطار يروى عن بعض الشيوخ أنه ألزم نفسه بالقيام على رأسه طوال الليل، لتسمح نفسه بالقيام عن طوع 5 وكذا الحال بالنسبة لأولئك الذين كانوا ينامون على مسامير ونحو ذلك. 
 
ب– وبعضهم انتهج في سيره السلوكي لتزكية نفسه العمل على إذلال النفس وإهانتها لتذليلها، كما هي حالة السالك الذي حكى قصته الغزالي بأنه سرق ثياباً في حمام عام 
 
 
 

1- سورة المائدة، الآية 001.
2- سورة الأعلى، الآية 41. 
3- انظر: الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق الحسيني، ط2، بيروت مؤسسة الوفاء 3891، ص: 302-502.
4- الشهيد الثاني، زين الدين بن مكي، منية المريد، تحقيق الحسيني، بيروت،دار المرتضى، 7991، ص 82.
5- الحائري، كاظم، تزكية النفس، ط 1، قم، مؤسسة الفقه، 1421هـ، ص 341. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

49

المحاضرة السادسة: المنهج القويم في اصلاح الانسان*

 وهرب ليلحقه الناس ويقولون عنه: سارق الحمّام، وهكذا حصل، فاعتقد أنه وصل إلى النتيجة المتوخاة فسكنت نفسه. 

 
ج– وبعضهم انتهج في سيره السلوكي لتزكية نفسه العمل على تنقية الذهن من الخواطر العارضة له، فدعا هؤلاء إلى تركيز الانتباه إلى أحد المحسوسات مثل حجر أوجسم آخر، فينظر إليه بالعين الظاهر مدة، ولا يطبق عينه مهما أمكن، وينتبه بجميع القوى الظاهرية والباطنية إليه، ويستمر على هذه الحال مدة، قالوا بأن الأفضل أن تكون أربعين يوماً أوأكثر1، وتجرأ بعضهم في بيان هذا الاتجاه بتمثيل آخر وهوأن يركّز السالك نظره على شحمة أذن فاتنة جميلة، أومحيّا شيخ مرشد بحجة أن اللبّ حينما يحصر تعلقه بشيء واحد يستطيع أن يقطع علاقاته مع الآخرين، ثم في مرحلة ثانية يقطع هذا الارتباط الوحيد ليركّز قلبه على الله تعالى ليصل إلى المبتغى المنشود. 
 
التصوف والعرفان 
 
وقد عُرف أصحاب بعض الاتجاهات السابقة بالمتصوفة الذين سمّوا بذلك: 
 
أ– إمّا لأنهم كانوا يلبسون الصوف في الصيف الحار. 
 
ب– وإمّا من الصفة أي صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كان يجتمع فيها الجائعون فسمّوا بذلك لأنهم يقتدون بأهل تلك الصفة.
 
ج– وإمّا من الصفواء جمع الصفاة، وتعني الصخر الأملس الذي لا ينموعليه النبات ومنه قوله تعالى "كمثل صفوان عليه تراب"2.
 
د– وإمّا من صوفانة التي تعني النبات الصغير الذي لا قيمة له 3
 
ولعل هذه المحاولات لتفسير التصوف من ناحية الاشتقاق اللغوي ترجع إلى الخلفية التي ينطلق منها محدِّد المصطلح من ناحية نظرته إلى التصوف، من هنا نرى أن بعض من ينحو

 
 

1- انظر: الرسالة المنسوبة إلى بحر العلوم بعنوان رسالة السير والسلوك، شرح وتحقيق حسن مصطفوي، تعريب لجنة الهدى، ط1، بيروت، دار الروضة، 1414هـ، ص 331. 
2- سورة البقرة، الآية 462.
3- انظر: سجادي، ضياء الدين، مقدمة في أصول التصوف والعرفان،ترجمة توفيق محمد ضمن كتاب بعنوان مقدمات تأسيسية في التصوف والعرفان والحقيقة المحمدية، ط1، بيروت، دار الهادي، 1423 هـ، ص 4 -6.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

50

المحاضرة السادسة: المنهج القويم في اصلاح الانسان*

 بالتصوف إلى الناحية المعرفية يرد المصطلح إلى أصل يوناني هو (Sophi أوSophia) اليونانية التي تعني الحكمة1 وهذا ما يقرّب التصوف إلى العرفان في حين يصرّ البعض على التفرقة بين التصوف والعرفان في أن الأول يقع في دائرة السلوك والعمل في حين أن الثاني ينطلق من منهج علمي ومن خلاله يطل على السير والسلوك.

 
من هنا قسّموا العرفان إلى نظري وعملي 2، يبحث في النظري منه عن معرفة الله والعالم والإنسان، في حين يبحث في العملي منه عن العلاقات والواجبات المفروضة على الإنسان مع نفسه ومع العالم ومع الله، فالأول شبيه بالفلسفة والثاني بالأخلاق3
 
العرفاء والفقهاء 
 
وقبل الحديث عن نهج الإمام الخميني رحمه الله ورأيه في المسارات السابقة ينبغي التمييز بين مدرستي الفقهاء والعرفاء في نظرتهم إلى الغاية لتزكية النفس التي على الإنسان أن يسعى نحوها، ففي حين يرى الفقهاء أن الهدف الأقصى هووصوله إلى السعادة، يعمّق العرفاء أطروحتهم بأن غاية تزكية النفس هي الوصول إلى الله تعالى. 
 
فالفقهاء يرون أن تعاليم الإسلام يمكن اختصارها في ثلاثة أنواع: 
 
الأول: العقيدة التي من خلالها يتحقق الإيمان.
 
الثاني: الأخلاق وهي التي ينبغي أن يتعامل معها سلوكياً كترك الرذائل والتحلّي بالفضائل. 
 
الثالث: الأحكام وهي التي ترتبط بأعمال الإنسان الخارجية. 
 
أما العرفاء فإنهم يتحدثون عن ثلاث مراتب: 
 
الأول: الشريعة. 
 
الثاني: الطريقة. 
 
 
 

1- المرجع السابق، ص 7.
2- لمعرفة الفارق بين العرفان والتصوف انظر: ألمطهري، مرتضى، العرفان، ترجمة نور الدين، ط1، بيروت، دار المحجة البيضاء، 1413هـ، ص 11 – 21 (وقد ذكر الشهيد ألمطهري فيه أن العرفاء يطلق عليهم متصوفة إذا كان المراد الإشارة إلى الناحية الاجتماعية لهم). 
3- المرجع السابق ص 31 و71. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

51

المحاضرة السادسة: المنهج القويم في اصلاح الانسان*

 الثالث: الحقيقة. 

 
وقد ذكر العرفاء أن هذه المصطلحات الثلاثة مأخوذة من حديث نبوي شريف هو"الشريعة أقوالي، والطريقة أفعالي، والحقيقة أحوالي" 1.
وقد ذكروا بيانات عديدة للتمييز بين هذه المراتب المتدرّجة. 
 
فقالوا: الشريعة أن تعبده، والطريقة أن تحضره، والحقيقة أن تشهده. 
وقالوا: الشريعة أن تقيم بأمره، والطريقة أن تقوم بأمره، والحقيقة أن تقوم به 2
وقد طبَّق العارف السيد حيدر الآملي رحمه الله هذه المراتب في العقيدة والأحكام: 
 
ففي العقيدة ذكر أن توحيد أهل الشريعة عبارة عن نفي آلهة كثيرة، وإثبات إله واحد، ونفي آلهة مقيدة وإثبات إله مطلق 3، والتوحيد عند أهل الطريقة يتحقق حينما يقطعون نظرهم عن الأسباب، ويتوكلون عليه حق التوكل، ويسلّمون أمرهم إليه كلياً، ويفرحون بما يجري عليهم منه لأنه ليس في الوجود غيره، ولا فاعل سواه 4
 
أما توحيد أهل الحقيقة فيتحقق من خلال أنهم لا يشاهدون في الوجود غير الله، ولا يعرفون في الحقيقة غيره، لأن وجوده حقيقي ذاتي، ووجود غيره عارضي مجازي في معرض الفناء والهلاك آناً فآناً 5
 
وحول هذه الحقيقة يستشهدون ببيتي شعر جميلين هما: 

البحر بحر على ما كان في قدمٍ إن الحوادث أمواج وأنهار 
لا تحجبنّك أشكال تشاكلها عمّن تشكل فيها فهي أستار
 
فالبحر هوالحقيقة، وأما الأمواج فهي فانية، هي هالكة باستمرار، بل بالدقة هي لا شيء، فالحقيقة هي فقط البحر. 
 
وفي الأحكام الفقهية ذكر السيد الآملي أن وضوء أهل الشريعة يتحقق بالغسلتين
 
 
 

1- الآملي، حيدر، أسرار الشريعة وأطوار الطريقة وأنوار الحقيقة، ط1، بيروت، دار الهادي 3002 ص76. 
2- المرجع السابق ص 94. 
3- المرجع السابق ص 021.
4- المرجع السابق ص 221.
5- المرجع السابق ص 521.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

52

المحاضرة السادسة: المنهج القويم في اصلاح الانسان*

 والمسحتين، أما وضوء أهل الطريق فيتحقق بطهارة النفس عن رذائل الأخلاق وخسائسها، وطهارة العقل من دنس الأفكار والشبه المؤدية إلى الضلال والاضلال، وطهارة السر من النظر إلى الأغيار، وطهارة الأعضاء من الأفعال غير المرضية عقلاً وشرعاً 1.

 
أما وضوء أهل الحقيقة فهو"عبارة عن طهارة السّر عن مشاهدة الغير مطلقاً،والنية فيه هي أن ينوي السالك في سرّه أنه لا يشاهد في الوجود غيره ولا يتوجه إلا إليه لأن كل من توجّه في الباطن إلى غيره فهومشرك بالشرك الخفي" 2
 
سؤال مفصلي: 
 
بعد الاتضاح الإجمالي للمراتب العرفانية الثلاث طرح سؤال أساسي يتعلق بدور هذه المراتب في الوصول إلى غاية تزكية النفس، فهل الشريعة هي مجرد وسيلة للوصول إلى الطريقة وبالتالي للحقيقة، وعليه فإنها قد يستغنى عنها ؟ أم أنه لا بد منها على كل حال ولا يمكن الوصول إلى الحقيقة بدونها ؟. 
 
منهج الإمام الخميني رحمه الله السلوكي
 
يجيب الإمام الخميني رحمه الله رائد مدرسة العرفان في عصره عن هذا السؤال بشكل حاسم مبيّناً منهجه بقوله: "واعلم... أن طي أي طريق في المعارف الإلهية لا يمكن إلاّ بالبدء بظاهر الشريعة، وما لم يتأدب الإنسان بآداب الشريعة الحقة لا يحصل له شيء من حقيقة الأخلاق الحسنة، كما لا يمكن أن يتجلى في قلبه نور المعرفة، وتتكشف العلوم الباطنية، وأسرار الشريعة، وبعد انكشاف الحقيقة، وظهور أنوار المعارف في قلبه، سيستمر أيضاً تأدبه بالآداب الشرعية الظاهرية".ويتابع الإمام الخميني رحمه الله ما رسمه من ميزان فيقول:ومن هنا نعرف بطلان دعوى من يقول: (إن الوصول إلى العلم الباطن يكون بترك العلم الظاهر) أو(إنه وبعد الوصول إلى العلم الباطن ينتفي الاحتياج إلى الآداب الظاهرية). وهذه الدعوى ترجع إلى جهل من يقول بها، وجهله بمقامات العبادة ودرجات الإنسانية"3.
 
 
 

1- المرجع السابق ص 881.
2- المرجع السابق ص 091.
3- الإمام الخميني قدس سره، روح الله، الأربعون حديثاً، ترجمة الغروي، قم المقدسة، دار الكتاب الإسلامي ص52.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

53

المحاضرة السادسة: المنهج القويم في اصلاح الانسان*

 ويطبق الإمام الخميني رحمه الله منهجه هذا على العبادات فيتحدث عن عبادة الحج التي يهدف من خلالها الوصول إلى الحقيقة بقوله "هي رأسمال من أفق التوحيد والتنزيه، وسوف لن نحصل على النتيجة ما لم ننفذ أحكام وقوانين الحج العبادية بشكل صحيح ولائق شعرة بشعرة" 1

 
وعلى ضوء هذا المنهج يحاكم الإمام الخميني رحمه الله بعض الاتجاهات السلوكية التي عرضتها سابقاً فيقول: "ومن التصرفات الخبيثة للشيطان لإضلال القلب وإزاغته عن الصراط المستقيم وتوجيهه نحوفاتنة أوشيخ مرشد. ومن إبداع الشيطان الموسوس في صدور الناس، الفريد من نوعه، هوأنه مع بيان عذب ومليح، وأعمال مغرية، قد يعلق بعض المشائخ بشحمة أذن فاتنة جميلة ويبرر هذه المعصية الكبيرة بل هذا الشرك لدى العرفاء، بأن القلب إذا كان متعلقاً بشيء واحد، استطاع أن يقطع علاقاته مع الآخرين بصورة أسرع، فيركز كل توجهه أولاً على الفتاة الجميلة بحجة أن القلب ينصرف عن غيرها وأنه منتبه إلى شيء واحد ثم يقطع هذا الارتباط الوحيد ويركز قلبه على الحق المتعالي، وقد يدفع الشيطان بإنسان أبله نحوإنسان أبله، نحومحيّا مرشد مكّار وحش، بل شيطان قاطع للطريق ويلتجئ في تبرير هذا الشرك الجليّ إلى أن هذا المرشد هوالإنسان الكامل، وأنه لا سبيل للإنسان في الوصول إلى مقام الغيب المطلق إلا بواسطة الإنسان الكامل المتجسد في المرآة الأحدية للمرشد، ويلتحق كلٌّ منهما بعالم الجن والشياطين. ذاك – المرشد – بالتفكير في جمال معشوقه ومفاتنه إلى نهاية عمره، وهذا – ا
لإنسان البسيط – بالانتباه الدائم إلى محيا مرشده المنكوس حتى آخر حياته، فلا تنسلخ العلقة الحيوانية عن المرشد، ولا يبلغ الإنسان الأبله الأعمى إلى منشوده ومبتغاه".
 
إن خلاصة منهج الإمام رحمه الله أن الوصول بتزكية النفس إلى غايتها المنشودة له معبر وحيد لا تتحقق بدونه ألا وهي الشريعة التي يعتبرها ميزان معرفة الحق من الباطل في مسارات السلوك. 
 
 
 

1- الإمام الخميني قدس سره، روح الله، أبعاد الحج، ط1، بيروت، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية 1422هـ، ص 20. 
* محاضرة ألقيت بتاريخ 11/8/2004 في مركز الإمام الخميني الثقافي – بيروت

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

54

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام *

 
السيد علي حجازي 


بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "أمرنا صعبٌ مستصعب لا يتحمله إلا ملكٌ مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان" البحث عن الإمامة قد يكون من أصعب البحوث الكلامية، خاصةً إذا نظرنا إلى الإمامة من زاويتها التكوينية والوجودية والإيمانية، وبحث الإمامة عبر التاريخ أخذ نوعاً من التدرج والتطور، سواء من حيث البيان أو من حيث الإدراك، ولهذا نجد العلماء الذين تطرقوا إلى بحث الإمامة، اختلفوا في طرح حقيقة الإمامة، ولهذا وجد هناك مقامات أربعة للإمام في كلماتهم:

مقامات الإمام

المقام الأول هو المقام التشريعي: وهو أن الإمام يمتلك زمام التشريع بعد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. 

والمقام الثاني مقام الحاكمية والمقام السياسي: ويعني السلطة الحاكمية السياسية للإمام في الدولة الإسلامية.

المقام الثالث المقام الإرشادي: وهو الذي يعنى بشؤون الحياة: 

أما المقام الرابع فهو المقام الوجودي للإمام: وهو مقام التجلي الذي يشكل الواسطة بين الله وعالم الإمكان، وفي هذا المقام الرابع، تنطوي عدة أمور: 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

55

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 منها الهداية التكوينية نحو الكمال ونحو الهدف الإلهي الذي جعله الله سبحانه وتعالى هدفاً لكل الكائنات، فالإمام بناءً على هذا المقام هو الذي يقود النفوس نحو لقاء الله سبحانه وتعالى بل إن هذا المقام لا ينحصر في عالم الدنيا بل هو مقام قبل الدنيا وبعدها، وبالنسبة لهذه المقامات الأربعة، نلاحظ أن الأبحاث الكلامية، ما ركزت على المقامين الأولين، ولهذا عُرِّفت الإمامة عند مشهور المتكلمين بأنها رياسة في الدين والدنيا، عند المحقق الطوسي وعند العلامة الحلي مثلاً: 

 
وحتى المتأخرين ممن كتبوا في علم الكلام ساقوا الأدلة نحو إثبات هذين المقامين، ونجد أن أكثر الأدلة التي أقيمت حول إثبات الإمامة هي أدلة لإثبات المقام التشريعي. 
 
أما المقام الثالث وهو ما يعبر عنه في كثير من الكلمات بعلم الإمام في الموضوعات فهذا المقام اختُلِفَ فيه، فلم يكن هذا المقام مقام متسالم عليه بين جميع العلماء، حتى كثير من الفقهاء لا يجزمون بأن للإمام مقام العلم بالموضوعات.
 
أما المقام الرابع فلا يكاد يوجد في كلماتهم إلا عند قلة من العلماء ومنهم صاحب هذه الندوة عنيت به الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، و باعتبار أن البحث هو بحث في كتاب "الأربعون حديثاً" فلا بد أن نستفيد من قراءة هذا الكتاب حول موضوع ولاية أهل البيت عليه السلام لما يخص هذا الكتاب فقد دخل رضوان الله تعالى عليه على مقامات الأئمة عليه السلام في هذا الكتاب من بابها الوجودي، ليعطي للإمامة معنى تستغني به عن كل ما ذكر حول ماهيتها، سواء في المقام التشريعي، أو مقام الحاكمية أو حتى المقام الإرشادي، هذا المقام الرابع يمكن أن يحوي كل المقامات التي تقدمت عليه، هذا بالنسبة لمقامات الأئمة عليه السلام ومقامات الإمام في كلمات العلماء. أما الآلية التي استخدمها العلماء في البحث والوصول إلى هذه المقامات فهي على أنحاء ثلاثة: 
 
مناهج البحث في المقامات
 
المنهج الأول أو الآلية الأولى هي المنهج العقلي: وهو الذي اتبعه متكلموا الشيعة وفلاسفتهم الأقدمون تقريباً، حيث تركز المنهج عندهم في الأدلة العقلية لإثبات الإمامة.
 
المنهج الثاني، هو المنهج النقلي الذي تمسك به بعض متكلمين الشيعة والإخباريون من 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

56

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 الشيعة، هذا اعتمدوا على روايات أهل البيت عليه السلام في إثبات الإمامة ومقامات الإمامة.


المنهج الثالث هو المنهج العرفاني الذي اعتمده عرفاء الشيعة وبعض فلاسفتهم المتأخرين منهم، طبعاً الإمام الخميني في كتاب "الأربعون حديثاً" يمزج بين هذه المناهج الثلاثة، إنه لا يركز على منهج واحد في بيان حقيقة الإمامة وحقيقة مقام أهل البيت عليه السلام حيث نجده في هذا الكتاب يدخل في البحث حول ولاية أهل البيت عليه السلام، من خلال الروايات ولكن يدخل في الحديث كعارفٍ متسلحٍ بالعقل فهو لم يعتمد المنهج العرفاني الخالص ولم يترك العقل جانباً إنما تمسك بالعقل لإقامة الدليل والبرهان على الحقيقة التي عاشها وانكشفت إليه وأدركها ولكن من دون أن ينفصل أو ينسلخ عن ولاية أهل البيت عليه السلام وليس هذا من باب الإسقاطات العلمية على الروايات لأنه في كثير من الأحيان يحصل أن يسقط البعض المعاني في ذهنه على النص ولكن الإمام لا يعتمد فقط في بيان الحقيقة على المكاشفات كما هو المعتمد عند العرفاء بل هذه المكاشفة كان يحاول أن يصبغها بصبغة البرهان والدليل إما بأدلة عقلية وإما بأدلة نقلية، ولهذا نحن ألقينا نظرة على هذا الكتاب كما كنا نراه يختلف عن غيره من المؤلفات، لأنه في كثير من الأحيان نجد أن البحث يأخذ منهجاً واحداً فالعارف مثلاً يأخذ منهج 

العارف فقط، الفيلسوف مثلاً كمنهج عقلي يعتمد المنهج العقلي فقط بشكل تجريدي، والباحث النقلي مثلاً الذي يعتمد على الروايات نجده مثلاً يكثر النظر فقط على الأحاديث الشريفة ولكن الإمام في هذا الكتاب يمزج بين هذه المناهج الثلاثة، فمثلاً يقول عندما يتعرض للروايات التي تتحدث عن مقام الطاعة لله سبحانه وتعالى، باعتبار أن العرفاء عندما يدخلون إلى هذا المقام، فتشكل طاعة الله سبحانه وتعالى مقاماً وجودياً للإنسان وهدفاً مسلكياً يسير من خلالها الإنسان نحو لقاء الله سبحانه وتعالى، فطاعة الله إذاً في نظر العرفاء هي أسلوب للوصول إلى الكمال، فهنا يذكر الإمام الخميني مجموعة من الروايات التي تتحدث عن طاعة الله سبحانه وتعالى بنحوين: 

النحو الأول: في بيان طاعة الأئمة عليهم السلام ومقام الأئمة في مقام الطاعة، ينقل جملة من الأحاديث وجملة من الوقائع التي كان يعيشها الأئمة عليهم السلام مع الله سبحانه وتعالى، في مقابل ذلك، نظرة الإنسان المتشيع لأهل البيت عليهم السلام التي تحاول أن تجرد الإمام عن
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

57

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 الطاعة، حيث كان يرتكز في أذهان بعض الناس أن مقام الإمام فوق مقام الطاعة، فهنا يركز الإمام الخميني على هذا المقام للأئمة عليهم السلام فيعطي للإمام الطاعة كهدف ذاتي للإمام وكهدف تشريعي، هدف ذاتي باعتبار أن الإمام بذاته يسعى أن يكون من الطائعين، وهدف تشريعي باعتبار أن الإمام كقيم على هذه الأمة فيهدف تشريعاً إلى إيصال فكرة الطاعة إلى الله سبحانه وتعالى من خلال الحثّ على طاعة الله من خلال الأوامر التشريعية التي يصدرها إلى شيعته. 


هنا يوجد عندنا مجموعة من الأحاديث التي يرى الإمام بأنها تحمل التنافي فيما بينها كأحاديث الغلو، فنجد بأن الأئمة عليهم السلام لم يتعرضوا لمقامهم بشكل بدوي، إنما الناس هم الذين تقولوا عليه، وكان موقف الإمام مقابل هذه الأقاويل هو الرد، فبعض الناس كان يرى بأن للإمام مقاماً فوق مقام الطاعة، فكان الأئمة يردون عن ذلك بالعكس تماماً، بأن الإمام حقيقته كإمام، هو أن يكون في مقام الطاعة، طبعاً في هذه الروايات نرى بأن الإمام أولاً يبرز مقام الأئمة كمقام وجودي بحيث أن مقام الطاعة للإمام هو حالة وجودية لهذا الإمام وليس هي حالة وجودية لشخصه كإنسان كامل فقط، بل هذه الحالة الوجودية تشكل صلة الوصل ما بين طاعة العبد وبين طاعة الله سبحانه وتعالى على أساس أن مقام الإمامة يشكل الواسطة في كل المجالات في مقام الطاعة، وفي مقام التشريع، وفي مقام السير نحو الله، في مقام بلوغ الكمال، فالإمامة بشخص الإمام هي الواسطة حيث أن الإمام، يقود الناس وافعالهم وأفكارهم، إلى الهدف طبعاً فهنا كما يعبر القرآن الكريم ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا هذا مقام الهداية التكويني، وليس هداية تشريعية، فوجود الإمام بين ظاهري الناس هو الذي يخولهم أن يصلوا إلى كمالهم.
هنا عندما يطرح الإمام هذه الفكرة يحاول أن يستدل عليها فانه باستدلاله كما قلنا لا يدخل في هذه الروايات دخول العارف فقط، بل يدخل إليها كعالم كأصولي كفقيه وكمتكلم وكفيلسوف، يعتقد الإمام إنه إذا أمكن تأويل هذه الأخبار، بصورة لا تتضارب مع الأحاديث الصريحة القطعية، التي تعتبر من ضروريات الدين، إذا أخذنا بالتأويل يعني أن نفسر هذه الأحاديث التي على خلاف ما نعتقد به من مقام الإمام وأن الإمام هو في مقام الطاعة الله
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

58

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 سبحانه وتعالى فما يأتي من أحاديث على خلاف ذلك فإذا استطعنا أن نأوِّل هذه الأحاديث نأخذ بهذا التأويل بحيث ينسجم مع ما نعتقد به، أو إذا أمكن الجمع بين هاتين الطائفتين على أساس الجمع العرفي أي أن نجمع هذه الرواية إلى الرواية الأخرى،وان هذه رواية مفسرة لتلك. وهذه رواية تتحدث عن مقام غير هذا المقام، فعند ذلك إن أمكن الجمع بين الروايات بحيث ينتفي التنافي والتعارض بينها عند ذلك نأخذ بهذا الجمع، وإن لم يمكن التأويل ولا الجمع العرفي، نكون أرجعنا علمها إلى قائلها. 


الإمام قدس سره وقراءة النص

إذاً هناك أمور ثلاثة يعتمدها الإمام في قراءة النص، إما التأويل، وإما الجمع وإما رد علمها إلى أهلها، طبعاً هذا النص فيه عدة أمور، منه ما هو عقلي ومنه ما هو نقلي، فعندما يقول الأحاديث الصريحة القطعية يمكن أن يكون هذا القطع لأن ما نقطع به من خلال عقل قد يشكل حداً لأي نص شرعي آخر، ولهذا تعتبر الأحكام العقلية البديهية حدود للنص الشرعي، فلا يمكن للنص الشرعي أن يتجاوز الأحكام العقلية البديهية، فالقطعي قد يكون عقلياً. 

إذاً فهنا الإمام يعتمد على المنهج العقلي في تقييم الأحاديث وفي بيان مقامات أهل البيت عليه السلام، وهناك أمرٌ آخر أمر شرعي وهو الإرجاع إلى قائلها وهذا طبعاً أخذه الإمام من الروايات التي تقول إذا لم يستطع الإنسان أن يصل إلى مفهوم الروايات، فيردها إلى أهلها، والإمام إذاً اعتمد على النقل في هذا المنهج في الأخذ بالأحاديث عندما تكون هذه الأحاديث تتكلم عن مقامات يعتبرها العارف هي مقامات عرفانية للإنسان، ثم يقول رضوان الله تعالى عليه بعد عرض عدة روايات حول مقامات الأئمة عليهم السلام : وطاعته من كون طاعة الله هدفاً ذاتياً وتشريعياً. هذه بعض الأحاديث الشريفة الصريحة، فإن هذه الرغبات الكاذبة وهي الرغبات الموجودة عند الإنسان التي قد تكون عند بعض الناس حيث للإمام مقام فوق مقام الطاعة، أو أن مثلاً الأئمة في مقامات قد يشتبه التعبير عنها في كثير من الأحيان، مع العبارات التي تتناسب مع الباري سبحانه وتعالى فالإمام يعبر عن هذه الكلمات بأنها رغبات كاذبة موجودة عند الإنسان موجودة فينا نحن أهل الدنيا وأهل 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

59

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 المعصية اتجاه هذه الحياة، أي أنها خاصة الغلاة، الغلاة كان يختلج في صدورهم وفي أنفسهم بعض الأمور والقضايا حيث حاولوا إسقاط هذه القضايا على الأئمة عليه السلام. طبعاً لكي يستفيدون منها في حياتهم الدنيا. 


يقول: فهذه الرغبات الكاذبة هي فاسدة وباطلة، وتعبر من الأهواء الشيطانية ومخالفة للعقل والنقل.كذلك هنا يحكِّم الإمام الخميني العقل والنقل في تقييم أي فكرة أو أي قضية يؤمن بها اتجاه أهل البيت عليه السلام فإذا كانت مخالفة للعقل ستكون فاسدة وباطلة، وإذا كانت مخالفة للنقل الذي يمكن أن يعتمد عليه فتكون فاسدة وباطلة كذلك، إذاً من خلال ذلك، نستفيد أن في هذه الكلمات وهذه النصوص من كتابه عندما يبين مقامات أهل البيت عليهم السلام، لا يبين هذه المقامات كعارف فقط، بل كعارف يتسلح بالعقل عندما يخوض غمار الأحاديث الشريفة.

ويقول: إذا لم يكن الجمع مقبولاً في مكان آخر ولا يمكن التأويل فلا نستطيع فلا تستطيع هذه الروايات من مقاومة تلك الأحاديث الصحيحة المتواترة المؤيدة بظاهر القرآن ونصوص الفرقان والعقل السليم والضرورة البديهية للمسلمين على أن الأساس هو العمل الصالح والورع. طبعاً هذا نص واضح الاعتماد على العقل والنقل، ولكن يتجلى المنهج العرفاني الخالص في كتاب الأربعين عندما يتحدث عن حقيقة الإيمان الروحانية والوجودية، يقول: "اعلم أنه لا يمكن معرفة روحانية ومقام خاتم الأنبياء خاصةً والأنبياء العظام والأولياء المعصومين عامةً مع التفكر والتدبر وسير الأفاق والأنفس" يعني لا يمكن الوصول إلى مقام النبي الأعظم ومقام الأئمة عليهم السلام من خلال التفكر والتدبر، العقلية لأن هؤلاء الأجلاء من الأنوار الغيبية الإلهية والمظاهر التامة للجلال والجمال وآياتهما الباهرة، وقد بلغوا في سيرهم المعنوي وسفرهم إلى الله الغاية القصوى والفناء في الذات ومنتهى العروج قاب قوسين أو أدنى رغم أن صاحب المقام بالأصالة هو النبي الخاتم وأن الأنبياء الآخرين السالكين لتاريخ العروج يتبعون الذات المقدسة للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.

من الواضح في هذا النص أن الإمام هنا قد خرج عن النقل والعقل وتحدث عن مقام الأنبياء والمعصومين كعارفٍ، عندما يصل هذا العارف يتحدث عن مقام الولاية فإن هذا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

60

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 مقام الولاية الذي هو تجلي من تجليات الله سبحانه وتعالى كما يعتقد العرفاء فيعتبر الإمام بأن هذا التجلي بصورته الواضحة هو عند النبي وباعتبار أن النبي والأئمة في صف واحد فعندما يكون باقي الأنبياء يتبعون النبي الخاتم في عروجهم وسلوكهم فهم كذلك يتبعون في عروجهم وسلوكهم الأئمة عليه السلام، ينقل هذا الحديث، طبعاً هذا نوع من البحث العرفاني المجرد، عن العقل والنقل ولكن ليست لغة الكتاب هي اللغة العرفانية الخالصة، أما باقي النصوص التي تتحدث عن أهل البيت وعن مقام الأولياء المعصومين فهي دائماً في هذا الكتاب ممزوجة بالعقل والنقل، إلا هذا النص. وهكذا الأخبار المنقولة في فضائلهم أخبار كثيرة، تبعث على تحير العقول ولم يقف أحد على حقائقهم وأسرارهم إلا أنفسهم، طبعاً هذا النص واضح أنه يعتمد على النقل بشكل واضح جداً. فان الذي يمكنه إدراك هذا المقام هم أهله يعني أهل البيت عليهم السلام، طبعاً هذا المقام الذي لا يدرك ولا تكشف حقيقته إلا عند أهل البيت، لم يبقَ هذا المقام غائباً غياباً كلياً عنا يعني عن البشر، حيث انكشف بشكل إجمالي ولهذا الإمام عندما يتعرض لهذه المقامات، يتكلم عن مقامات الأئمة عليه السلام بشكل كأنه فوق مستوى الإدراك البشري ولكنه بالنهاية يتكلم عن مقام يمكن أن يوصف ويدرك بهذا النحو ولكن لا يدرك بشكل تفصيلي بكل أجزائه وبكل تفصيلاته وهذا نوعٌ من أنواع الإدراك يعني ليس الإدراك دائماً هو إدراك بكل التفاصيل والجزئيات حتى الإدراك بشكل إجمالي هو نوعٌ من الإدراك. الإمام هنا كأنه يفصل بين مقامين في عملية إدراك مقام أهل البيت عليه السلام ولهذا يقول إن للأنبياء والأوصياء مقاماً شامخاً من الروحانية يدعى بروح القدس ومن خلاله يتمتعون بالإحاطة العلمية القيومية لجميع الكائنات حتى ذراتها الصغيرة جداً.


واضح أن هذا المقام الشامخ المحيط ليس فقط إحاطة علمية في كلماتهم بل هو إحاطة قيومية حيث القيمومة على هذا العالم بكل جزئياته حتى ذراتها الصغيرة. طبعاً هذا المقام الروحاني كما هو للأئمة عليهم السلام أو للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المقام لا يمكن للإنسان أن يدركه بكل تفصيلاته فقط بهذا الشكل الإجمالي طبعاً الإمام هنا في مقام بيان هذا المقام يذكر في كتابه أن روح القدس هو مقام وجودي جعله الله سبحانه 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

61

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 وتعالى فقط عند أهل البيت عند الأئمة عليهم السلام، وهذا المقام الوجودي واسطة ما بين الله وبين الخلق الموجود بالأئمة عليهم السلام، هو أعظم بكثير من كل الملائكة كميكائيل وجبرائيل وإسرافيل الذين يعتبرون في النص الشرعي من أهم الكائنات الوجودية بين الله وبين خلقه هذا روح القدس أعظم منهم جميعاً،هذا روح القدس موجود عند أهل البيت عليهم السلام يعني هو قوة دعم لأهل البيت عليهم السلام في قيموميتهم على هذا العالم.

ثم يقول أن مقام هؤلاء الأولياء أسمى وأرفع من أن تنال أمال أهل المعرفة أطراف كبرياء جلالهم وجمالهم، طبعاً يعني أهل المعرفة الذين هم في الدرجة العليا من المعرفة، حتى آمال هؤلاء لا يمكن أن تنال أطراف كبرياء جلال مقام الأولياء، يعني زاوية منه لا يمكن أن تنال من قبل آمال أهل المعرفة فضلاً عن معرفته، وأن تبلغ خطوات معرفة أهل القلوب ذروة كمالهم كذلك لا يمكن لمن سلكوا المسالك القلبية والعرفانية بأنفسهم وقلوبهم أن يصلوا إلى ذروة كمال هؤلاء أنه دائماً هم في درجة أدنى منهم، ثم يتابع وفي الحديث النبوي الشريف يعني هذا كتطبيق أقوى مصداق لما يذكره وفي الحديث النبوي الشريف عليٌ الإمام علي عليه السلام : عليٌ مبثوث في ذات الله تعالى يعني هكذا يذكر الإمام طبعاً هذا المعنى اللامُدرَك للأئمة عليه السلام مستفاد من الروايات الشريفة حيث ذكر رضوان الله تعالى عليه بعض الروايات استفاد هذا المعنى والمقام للأولياء الذي هو فوق مقام الأولياء عند العرفاء، لأن العرفاء عندما يثبتون مقاماً للأولياء يثبتون مقاماً بمستوى معين يعني حتى بعض العرفاء يدّعي لنفسه أنه قد وصل إلى هذا المقام يعني ابن العربي مثلاً يدّعي لنفسه أنه وصل إلى مقام الولاية. 

الإمام الخميني هنا في هذا الكتاب يقول إن مقام أهل البيت عليهم السلام هو فوق الآمال وفوق ما يمكن أن يحلم به الإنسان، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على العرفانية عند الإمام غير معهودة إلا عند من عاش بروحه مع كلمات أهل البيت وهذا ما يمتاز به عرفان الإمام الخميني عن غيره بأنه عرفان اعتمد على الشريعة المقدسة وعلى كلمات أهل البيت عليهم السلام فجاء بعرفانية ليست كعرفانية العرفاء الباقين ولهذا لم يدعي لنفسه مقاماً كما ادعى غيره من العرفاء بل كان دائماً يجعل نفسه أمام مقام الأئمة عليهم السلام أمام مقام الولاية كالتلميذ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

62

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 الأكثر من ذلك يرى لنفسه أنه لا مقام له ولا وجود له أمام مقام الإمام عليه السلام. طبعاً وفي هذا نقطة مهمة عندما يجعل الإمام مقام الأولياء فوق مستوى الإدراك هناك نقطة أن عدم إدراك مقام المتبوع بشكل مفصل بل بشكل إجمالي تجعل التابع يشد السير أكثر للوصول إلى المتبوع وكشف مكنونه فالواضح أن كل محجوب مرغوب، فإذا بقي هذا المقام في عالم الغيب ليس بشكل مطلق إنما في جهة إدراك وفي جهة الغيب هنا النفس الإنسانية تنشد أكثر إلى هذا المقام ولهذا يتكامل الإنسان بشكل أسرع وأكثر، أما إذا أصبح المقام مقاماً معروفاً ومدركاً فقد تضعف قوة الإنسان عن السير نحو هذا الهدف. طبعاً هذا بشرط أن لا يكون مجهولا مطلقاً، طبعاً هنا من يقرأ كتاب الإمام الخميني هذا يجد بأنه يعتمد على أحاديث ضعاف هنا قد يقول قائل أن مسلك الإمام في هذا الكتاب يخالف مسلكه في الأصول لأنه يرى في الأصول بأن الحجية ليست للخبر الضعيف بل لخبر الثقة، إذاً كيف نوفّق بين مسلكه كأصولي وبين مسلكه كعارف، خاصة نحن وأن الإمام عندما يدخل في ميدان البحث في الأحاديث لا يميز بين عارفٍ وفيلسوف ومتكلم وأصولي أو كفقيه يتسلح بكل هذه العلوم لكي يخوض غمار الأحاديث الشريفة، في الجواب الإمام الخميني أشار في كلماته، أن الإمام العارف لم يخالف الإمام الأصولي والفقيه لأن ذكره لهذه الروايات الضعاف ليس من باب أنها حجة بنفسها بل من باب أنها واحدة من مجموعة روايات تصل إلى حد التواتر ويركز الإمام كثيراً في كلماته أن الروايات التي تتحدث عن مقامات أهل البيت تبلغ حد التواتر إذا فيكون كالأخذ بالحجة القطعية وليس بالرواية الضعيفة. 


وثانياً: أن الإمام كعارف يدرك الحقيقة بشكل بين فلهذا يكون الحديث مصداقاً لهذه الحقيقة بحيث يؤمن بالحديث عن طريق غير الطريق التعبدي وإنما عن طريق وجداني ويقطع بهذا الحديث أنه صادر عن أهل البيت عليه السلام فإذا كان حتى لو كان هذا الحديث حديثاً غير متواتر كان واحداً لكن حصل الاطمئنان بصدوره هذا يكفي في إثبات الحجية له حتى لو كان واحداً وحتى لو كان ضعيفاً من ناحية رجال سنده.

وثالثاً: هناك كبرى تبحث عادة في علم الأصول أنه هل يكفي الظن في الاعتقاديات؟ أم أنه لا بد من القطع هناك بحث مفصل اختلف فيه علماء الأصول فهل يكفي الظن سواء
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

63

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

  كان هذا الظن معتبراً أم غير معتبر، والظن الذي يشمل الأحاديث غير المتواترة يعني رواية أو روايتين أو ثلاث روايات، أو غير ذلك حتى لو كان الحديث صحيحاً فإذا قلنا في باب الاعتقاديات لا يعتمد على الظن حتى لو كان الحديث صحيحاً لا يمكن الاعتماد عليه، والبعض يرى أن في فروع الاعتقاديات يمكن الاعتماد على الأخبار إذا كانت صحيحة على كل حال هذا خلاف أصولي موجود عند علماء الأصول حول الأخذ بالأحاديث في الاعتقاديات إذا كانت الأحاديث لم تبلغ حد التواتر، طبعاً من خلال ذكر هذه المقامات وأن الإمام هو مقام الواسطة بين الله وبين عالم الإمكان وكما يعبر عنه الإمام بأنه هو الفيض الأقدس وبين ما يعبر عنه الإمام بأنه المقام الشامخ، الذي لا يمكن أن يدرك نستفيد أن الإمام يفرق بين مقامين مقام التصور ومقام التصديق أو مقام الثبوت ومقام الإثبات فيمكن أن تصدق بمقامهم من خلال الرواية من خلال الدليل سواء كان الدليل عقلياً أو كان الدليل عرفانياً مثل المكاشفة أو حقيقة وصل إليها الإنسان وعاشها، إذا فيمكن أن تصدق بهذا المقام بما تعرفه وتعلمه ومن خلال الدليل وبين ويمكن أن تتصور ذلك حيث أنه في كثير من الأحيان هناك كثير من القضايا، تصدق بها ولكن لا يمكن أن تتصورها ومنها هذا، هذا المقام للأئمة عليه السلام كما يطرحه الإمام، فالإمام يصدق به ولكن لا يمكن تصوره لانه فوق تصور الإدراك البشري ولكن ومع ذلك فقد حاول الإمام في هذا الكتاب أن يبرز دور العارف الذي تنكشف له الحقيقة وأن يمزج هذه الحقيقة مع الدليل حتى النقلي منه يعني هو على مستوى الكشف كشف الحقيقة يعيش هذا المقام وهذا الواقع ولكنه لا يستطيع أن يتصور هذا المقام بشكل دليل أو بشكل برهان 


إذاً هو يعيش هذا المقام باعتبار أن هناك علم إجمالي لهذا المقام ولكنه لا يجد علم تفصيلي لكل جزيئاته إذاً فهو كعارف يمكن أن يدرك هذا المقام بصورته الإجمالية، ولكن لا يمكن أن يدرك هذا المقام أو يتصوره كفيلسوف أو كمتكلم أو كفقيه وهنا يبرز دوره كعارف رضوان الله تعالى عليه أنه استطاع أن يتصور ما صدّق به كعارف ومع عدم تصوره لهذا المقام بشكل عقلي حاول أن يستدل عليه ولكن لا من خلال العقل لأن هذا المقام باب مسدود الوصول إليه فالتجئ إلى الأحاديث وإلى الروايات، طبعاً بعد عرض مجموعة من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

64

المحاضرة السابعة: المنهج في ولاية أهل البيت عليهم السلام

 هذه الكلمات لمقام أهل البيت عليه السلام يصل الإمام إلى أن ولاية أهل البيت هي شرط في قبول الأعمال وليس شرط في صحتها كما يقول لأن هناك خلاف بين العلماء هل ولاية أهل البيت شرط في صحة الأعمال أم هي شرط في قبولها؟ إذا كانت شرطاً في صحة الأعمال فكل أعمل غير الشيعي باطلة أما إذا كانت شرطاً في قبولها فتكون الأعمال صحيحة بحيث لا يجب عليه القضاء مثلاً لو تشيع أو استبصر ولكن لا تكون مقبولة، هنا مقام الإمام لأنه هو الواسطة ما بين الله وبين العبد في مقام السلوك والسير نحو الكمال فلا يمكن للإنسان أن يسير بشكل صحيح إلا من خلال هذا الطريق فلكي ترفع أعماله لتصل به إلى هذا المقام، لا بد أن تسلك طريق أهل البيت عليه السلام من خلال معرفتهم ومن خلال الإقتداء بهم ومن خلال إتباع منهجهم وكلماتهم، ولهذا كانت شرطاً في قبول الأعمال وليست شرطاً في صحتها لأن صحة العمل قد تكون هي فقط في مقام أن يكون هذا العمل وفق المذهب أو وفق الدليل الشرعي الخاص ولكن هذا لا يعني أن هذا العمل قد يصل إلى الهدف. 

 
فالإمام يريد أن يركز على أن مقام أهل البيت عليهم السلام وولاية أهل البيت هي شرط في أن ترفع هذه الأعمال إلى ساحة رب العزة سبحانه وتعالى ولهذا كان شرطاً في قبولها عند ذلك أنه يتكلم هنا كعارف وليس كفقيه فلا يهمه كثيراً أن تكون الأعمال صحيحة أو ليست بصحيحة ولهذا الذي تكون كل أعماله صحيحة ولكن لا يستفيد من هذه الأعمال، في السير والوصول إلى الكمال للقاء الله سبحانه وتعالى (هذا في نظر العرفاء) فان صفقته خاسرة. إذاً من يسلك ويصل عبر عمله عن طريق أهل البيت عليهم السلام هو الذي يصل يعني هذا الذي يكون عند العرفاء سيره وسلوكه صحيحاً. طبعاً هناك نص أخير يصور فيه الإمام مقام الأئمة عليهم السلام ويربط هذا المقام بالحب الذاتي للإمام فلأنهم عاشوا الحب لله سبحانه وتعالى كان لهم هذا المقام وهو نص طويل قليلاً ويحاول الإمام أن يربط هذا المقام لكي يستدل على هذا المقام ويستفيده من الروايات. من أراد المطالعة فليراجع الكتاب صفحة 660.
 
  
 

* محاضرة ألقيت بتاريخ 11/8/2004 في مركز الإمام الخميني الثقافي - بيروت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

65

المحاضرة الثامنة: المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره بين الاستقلال والاستغلال الإعلامي

 المحاضرة الثامنة: المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره بين الاستقلال والاستغلال الإعلامي *

 
الأستاذة وفاء حطيط


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا ونبيِّنا محمد وعلى آهل بيته الطيبين الطاهرين. السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

في خضم التقدم العلمي والتكنولوجي الذي انعكس تطوراً بطبيعة الحال على شبكات الاتصال ووسائله يعكف علماء الاجتماع على دراسة مدى قوة وقدرة الرسالة الإعلامية على خلق قيم جديدة أو ترسيخ المنظومة الاجتماعية القائمة بما هو الإعلام وسيلة بقنواته كافة لتشكيل رأيٍ عام ما أو قناعة محددة، ومع تنوع وسائل الإعلام من الإذاعة والتلفزيون إلى البث الفضائي والأقمار الصناعية وغير ذلك تدفقت المواد الإعلامية في كل الاتجاهات والمستويات، وتبيِّن الدكتورة نهاوند القادري الباحثة عن موقع الأسرة في منظومة الاتصال أن الرسالة الإعلامية توجهت إلى الفرد وتوجهت نحو صعود نجومية هذا الفرد على حساب المجموعة، وأن الرسالة الإعلامية غالباً ما كانت تشكل إطاراً للإعلانات المرتبطة بالاستهلاك الآني، وبالتالي بات الإنتاج الإعلامي "المرئي والمسموع والمقروء" مجرد أدوات تسويق في معظم الأحيان.

لم يقتصر البحث على دراسة قدرة الرسالة الإعلامية وتأثيراتها بشكل كلي، بل كان اعتماد التفصيل متبعاً، كأن يقال مثلاً أثر التلفزيون على الطفل، إلى جانب الدراسات الناشطة عن صورة المرأة في الإعلام، وهي موضوع ندوتنا هذه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

66

المحاضرة الثامنة: المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره بين الاستقلال والاستغلال الإعلامي

 المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره 


بداية تجدر الإشارة إلى أن الدراسات المتعلقة بصورة المرأة في الإعلام والرسالة التي تتلقاها تأخذ السياق التاريخي المرافق للمرأة لجهة الغبن اللاحق بها منطلقات أساسية للبحث في حجم اهتمام المنابر الإعلامية بعنوان: الدفاع عن قضايا المرأة، والذي يسقط أمام حقيقة تبرزها الدراسات ومفادها أن الوسائل الإعلامية في تعاطيها مع المرأة لم تخرج عن سياق تكريس التعامل معها من زاوية الأنثى وتحويلها إلى مجرد منحوتة جميلة، جميلة الملامح أو واجهة لعرض أزياء، أو ترويج سلعة ما، وهو أبعد ما يكون عن الصورة التي أرادها الإمام الخميني قدس سره وأرادها لها الإسلام، وقد عبَّر عنها الإمام الخميني قدس سره في قوله: "المرأة كالقرآن فكلاهما أوكل إليه مهمة صنع الرجال، ويريد لهن أن تكنَّ وفي مختلف الأعمار متواجدات زرافات ووحداناً في الساحات الثقافية والاقتصادية وحتى العسكرية يبذلن الجهد جنباً إلى جنب مع الرجال أو متقدمات عليهم في طريق إعلاء الإسلام وأهداف القرآن الكريم". أكثر من ذلك، يذهب الإمام الخميني قدس سره إلى تعليق مصير الأمم ورهنه بالمرأة، فهو مؤمن بأن "تجريد الأمم من النساء الشجعان والمربيات للإنسان سوف يهزم الأمم ويؤول بها إلى الانحطاط". ليس عبثاً استخدام الإمام لعبارة النساء الشجعان إلى جانب المربيات لأنه بهذه العبارة يخاطب المرأة والرجل في آنٍ واحدٍ بلغة أن دور المرأة لا ينحصر في دائرة الأمومة، وإلا فما مغزى وجود المرأة غير المتزوجة مثلاً أو ما يسميها المجتمع العانس، والإمام الخميني قدس سره أراد كسر معادلة التعاطي مع المرأة الأنثى واستبدالها بمعادلة المرأة الإنسانة، من دون أن يعني ذلك أن الأنوثة والإنسانية في حالة تناقض، بل في حالة تكامل، فالمرأة الأم تجسد إنسانيتها في أمومتها، والعازبة في الاندماج وتأدية دور فاعل في مؤسسات المجتمع أو أداء نشاط اجتماعي أو ثقافي أو تربوي، بمعنى أن دور كل امرأة في المجتمع يتوقف على المرأة نفسها وعلى قدراتها وظروفها وحتى على ميولها بما يتوافق مع الإسلام.

ولأن المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره مظهر تحقق آمال البشر، فقد دعاها إلى تبوأ مكانتها عبر تحديد وتقرير مصيرها كما هو الحال بالنسبة إلى الرجل، ودعاها إلى المشاركة في التدريب العسكري والعقائدي وفي إكمال الدورات التعليمية والتمارين الميدانية
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

67

المحاضرة الثامنة: المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره بين الاستقلال والاستغلال الإعلامي

 العسكرية والقتالية بنجاح وكفاءة تماماً كما هو مطلوب من الرجل.


وفي سعيه إلى استنهاض المرأة لم يغفل الإمام الخميني قدس سره مجالاً إلا ودعاها إلى المشاركة فيه، والحضور الفاعل من منطلق أن ما يميز المرأة والرجل هو التقوى، وذلك مصداق الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. ولعل أروع ما في الإمام الخميني قدس سره الإنسان والعالم أنه تعاطى مع المرأة من خارج الموروث الاجتماعي المعقد، والذي حاول البعض التخفيف من وطأته باستبدال تسميتها من الآفة إلى الظاهرة أو الحقيقة الاجتماعية المتمثل في السلطة الذكورية التي هيمنت على تعاطي المجتمعات البشرية مع المرأة، لتشتَّد في مجتمع وتضعف في مجتمع آخر، فالإمام الخميني قدس سره تعاطى مع المرأة الإنسانة وليس المرأة الأنثى انطلاقاً من السلطة الذكورية.

ولأن الإسلام لا يريد المرأة سلعةً أو ألعوبة بل إنسانةً حرة كسائر الأحرار، فنادراً ما نجد خطاباً أو بياناً للإمام الخميني يخلو من فخرٍ أو عزٍ بالمرأة الإيرانية وبالدور الذي لعبته في انتصار الثورة الإسلامية في إيران في كل المواقع التي شغلتها، مطالباً الرجل والمرأة العمل معاً على إعادة بناء البلد أي إيران.

صورة المرأة في الإعلام

وباختصار المرأة في فكر الإمام الخميني تجسد مظهر تحقق آمال البشر فكيف يبدو على الضفة الأخرى، حيث شعارات استقلال المرأة وتحررها ومساواتها بالرجل.

يشير باحثون إلى أنه ما من مجلةٍ نسائيةٍ واحدة تدعو صراحةً وعن اقتناع إلى مساواة المرأة بالرجل، حتى معالجتها للمواضيع المتصلة بحركة تحرير المرأة ومساواتها بالرجل لم تكن مشجعة ولا حتى على مستوى التغطية الإعلامية لها.

واستناداً إلى عددٍ من الدراسات فإن جُلَّ ما يتم التركيز عليه (في المجلات النسائية) هو:

أولاً: ارتباط المرأة برجل يحميها، يمنحها هويته، وإلا باتت في دائرة اللاإنتماء مما يشوه ويحط من قدر المرأة عموماً ومن دور المرأة غير المتزوجة خصوصاً إذ أن العازب أكثر تضرراً جراء هذه النظرة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

68

المحاضرة الثامنة: المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره بين الاستقلال والاستغلال الإعلامي

 ثانياً: ربط خروج المرأة إلى ميدان العمل بفشل زواج أو بفشل علاقة حب أو ضائقة اقتصادية وقعت فيها العائلة، عندها تتحسن صورة المرأة في المجلات النسائية وتصبح قادرةً على مواجهة الحياة، شرط عدم التذمر من المعاناة الجسدية والنفسية الناجمة عن السعي الدؤوب لدى المرأة إلى التوفيق بين العمل المنزلي والعمل في الخارج. وهذا بالطبع يتناقض كلياً مع شعارات رفعتها الحضارة الغربية خصوصاً بعد الثورة الصناعية في أوروبا، والتي ربطت تحرر المرأة بالخروج إلى العمل وتحقيق الاستقلال المادي والشخصي، ليس حباً بالمرأة ومصالحها بل سعياً إلى استغلالها اقتصادياً وذلك من زاوية الأجر الذي تتقاضاه المرأة ويقل عن أجر الرجل، فخرجت المرأة إلى ميدان العمل خارج المنزل لتغيب معها شعارات القضاء على مقولة توزيع الأدوار الموروثة تقليدياً "المرأة في المنزل والرجل في الخارج منوط به كل الأدوار الاقتصادية والثقافية وحتى السياسية".


ثالثاً: أن الصورة المرسومة للمرأة في الإعلانات تركز على جمال المرأة ومظهرها الشاب، وباتت عبارة أجمل امرأة في العالم علامة دامغة على أغلفة المجلات النسائية والصحف اليومية وحتى في شاشات التلفزة، ولأن الصورة التقليدية للمرأة الأنثى هي التي كانت طاغية في وسائل الإعلام، فقد انطلقت الدعوات إلى إعلامٍ نسائيٍ يتوجه إلى المرأة دون الرجل ويعنى بشؤونها فكانت المجلات والبرامج المتخصصة بشؤون المرأة واحتياجاتها، لكن ما هي طبيعة الدور والرسالة الإعلامية التي اطلع بها هذا الإعلام؟ الوظيفة الأساسية التي أدتها المجلات المتخصصة والبرامج الموجهة إلى المرأة انحصرت في جانبين رئيسيين هما:

أولاً: تقديم المعلومات المتعلقة بعالم المرأة الخاص من أزياء ومستحضرات تجميل وتدبير منزلي ولياقة بدنية وأساليب استمالة الرجل.

أما الشق الثاني: الترفيه، ويتمثل في أخبار نجوم السينما والفن.

حديث الجمال والأناقة والمظهر الشاب وتصوير الزواج على أنه الطريقة الفضلى في حياة المرأة لا يقتصر على الإعلام العربي فحسب، بل ينسحب على الغرب أيضاً، هذا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

69

المحاضرة الثامنة: المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره بين الاستقلال والاستغلال الإعلامي

 الغرب رافع لواء الدفاع عن حقوق المرأة وعن تحررها وهذا ما تظهره الدراسات الأميركية الحديثة خلال دراستها لمحتوى المجلات النسائية والتي تبيَّن أنها تضع المرأة في دائرة تشجيع الإنفاق الاستهلاكي، وإرضاء الرجل الهدف الأهم في حياة المرأة، لكن مع صلاحية واسعة بالتصرف في ميزانية الأسرة من شراء أدوات المنزل والتنظيف إلى أدوات التجميل. ويعزز هذه الرؤية توزع الإعلانات التجارية في المجلات النسائية تحديداً ويمكن إيراد نموذج على ذلك:


54 % أدوات تجميل ومستحضرات ومساحيق.

16% إعلانات لأدوات منزلية ومفروشات.

20% إعلانات عن أزياء ومجوهرات.

8 % إعلانات عن خدمات صحية وجمالية.

أما صورة المرأة في الأفلام السينمائية فتشير إليها دراسة مصرية ضمَّت 410 أفلام وما يقارب حوالي 460 شخصية نسائية، بدت فيها المرأة مجرد مخلوق وجد من أجل الرجل، فلا تشغلها قضايا المجتمع ولا تتأثر بمشاكله مهما كان نوعها سياسية أو اقتصادية أو حتى ثقافية، بل يشغلها فقط أمور الحب والزواج والإنجاب، واللافت هو إدراج قضايا المخدرات والدعارة والعلاقات غير الشرعية مع التركيز على تصوير المرأة دوماً أنها ضحية حبٍ أو زواج فاشل أو خيانة زوجية أو جريمة شرف.

استغلال المرأة يدور في كل هذه القضايا بذريعة الدفاع عن حقوقها أمام القانون، ومن خلال هذه المسلسلات والأفلام التي يفترض أنها تدافع عن المرأة، يجري تمرير قيم التفلت من سلطة الأهل أو الترويج لسلوكيات لا تتلاءم مع منظومتنا القيمية، كأن يلجأ الممثل مثلاً عند وقوعه في أي مشكلة إلى ملهى ليلي فيشرب الخمر ويدخن بلا وعي بدلا من أن يلتجأ إلى كنف العائلة أو أقاربه أو الله سبحانه وتعالى.

حتى الكاريكاتور يصور المرأة على أنها عنصر معطل للاقتصاد، ودافع إلى رفع نسبة البطالة بين الرجال، وبالتالي فإنها صورةً سلبية لمكانة المرأة ودورها. بعد كل ما تقدم يبقى أن معظم الدراسات تشير إلى أن دعوة للتغيير على مستوى المرأة ودورها لم تبرز
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

70

المحاضرة الثامنة: المرأة في فكر الإمام الخميني قدس سره بين الاستقلال والاستغلال الإعلامي

 في سياق تحليل مضمون الإعلام الموجه إلى المرأة، وإن كانت هناك إشارات تضمنتها الدراسات تبرر غياب الحديث عن التغيير بطغيان صورة المرأة الأنثى. نتيجة كون المجتمع العربي لصيق بالسلطة الذكورية والتي تضع الرجل في سدة القيادة حتى في وسائل الإعلام، فيما المجلات النسائية التي أنشئت خصيصاً للدفاع عن المرأة لم تتخلف هي بدورها عن منطق وسائل الإعلام الأخرى ذات القيادة الذكورية من منطلق الأرباح والحصول على أكبر نسبة من الإعلانات التجارية، وهذا لا يمكن أن يتماشى فيما لو أرادت المجلات الخروج على الموروث التقليدي وذلك حفاظاً على الجمهور.

 
لكن الأخطر من ذلك كله أنه وبدلاً من ترسيخ نهج دمج المرأة في المجتمع، نجد العمل جارياً على فصلها عنه، من خلال فرز مجلات متخصصة لها، وفي مراجعة سريعة يتبيَّنُ أن الأمور لا تقف عند هذا الحد، فقد بتنا نسمع ونشاهد ونقرأ عن أزياء للمرأة، وأخرى للرجل، وعن أجمل طفلٍ، وأجمل امرأة، ملك جمال الكون وملكة جمال الكون، حتى يخال إلينا أن المراد هو تفكيك أوصال الوحدة الإنسانية الصغيرة التي تشكل نواة المجتمع الأساسية ونعني بها العائلة وهنا مكمن الخطورة، فلتكن ولادة السيدة الزهراء عليها السلام دعوة مفتوحة من أجل نقاشٍ جدي فاعل تشترك فيه المرأة والرجل للعمل على تحصين ساحتنا ونفوسنا في مواجهة ذاك الدفق من الرسائل الإعلامية المستوردة والمقولبة في آن ٍ واحد بكامل تفاصيلها، وإذا كان ثمة قصور تقني فهل قدرنا أن لا نمحص ونمارس اختياراتنا على ما نتلقى؟ ونضع حداً لاستغلال الإنسان، امرأةً ورجلاً وطفلاً، وبالتالي يجري التفكير بنهوض مجتمعي متكامل أساسه ومنطلقه شعار "الإنسان". بهذا السؤال أختم الورقة التي أعددتها في سياق الحديث عن صورة المرأة في الإعلام بين الاستقلال والاستغلال، وأجد شخصياً بأن الإنسان بكل مفرداته هو المقصود وهو المستغل على أكثر من مستوى، وأخيراً أشكر مركز الإمام الخميني على هذه الفرصة التي أتاحها لي شخصياً من أجل التعبير عن هذا الرأي وشكراً.
 
  

* محاضرة ألقيت بتاريخ 26/8/2002 في مركز الإمام الخميني الثقافي - بيروت

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

71

المحاضرة التاسعة: أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره

 المحاضرة التاسعة: أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره *

 
الشيخ شفيق جرادي


بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على أشرف من بعث للعالمين رحمة سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد ابن عبد الله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، لا سيما بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله سيدة نساء العالمين السيدة الزهراء عليها السلام. أيها الأخوة أيتها الأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

مصادر التصورات

بداية من المفيد لمجرى الموضوع الذي سوف أتناوله أن أشير أنه ليس في صدد الإجابة على التساؤلات التي طرحت، وإن كان الأمر مستحقاً بالواقع، هذه المجموعة من الأفكار التي تقدمت بها الأخت وفاء تستأهل كل اهتمام لن أدخل كثيراً في موضوع الأخلاقية، أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب، في ذهني هو الكلام عن تصور الإمام الخميني اتجاه موضوع المرأة، وهذا ما سوف أسعى لمعالجته ضمن هذه المداخلة، لندخل إلى موضوع التصور، تصور الإمام الخميني للمرأة، من المفيد أن نحدد أولاً ما المقصود من التصور، فتصور المرء تجاه أي أمر من الأمور هو عبارة عن الفكرة أو المفهوم الذي يحكم ذهنه، ويحدد له حركة موقفه النظري اتجاه أمرٍ ما أو اتجاه سلوك ما، إذن التصور هو مورد راسخ في الذهن تلقاه من جوٍ معين ثَبُتَ لديه، وهذا الأمر بالتأكيد سوف يدلف بنا للكلام عن مصدر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

72

المحاضرة التاسعة: أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره

 أو مصادر نشوء أي تصور عند الواحد منا، من أين تأتي هذه التصورات لدينا ؟ ما يمكن لي أن أتحدث فيه حول مناشئ التصورات:


المنشأ الأول: هو المعتقد معتقد الإنسان يشكل له منشأً أو منبعاً لتصوراته التي تحكم مجراه النظري وسلوكه العملي. 

المنشأ الثاني: هي البيئة التي يمكن أن تحيط بهذا الإنسان والذي هو يعيش في كنفها. 
المنشأ الثالث: هي الثقافة بمعناها الواسع أو المدقق الذي يعني بقاء ما يبقى في الذهن بعد أن تنسى ما اكتسبته من الآخر بعد أن تنسى بالوعي لديك ما اكتسبته من الآخر.

المنشأ الرابع : هي الغايات أو المقصد الذي تحدده لأي أمرٍ من الأمور يشكل مورداً أو منبعاً من منابع وموارد التصورات الثابتة عند أي واحدٍ منا.

أمام هذه المنابع الأربعة أتحدث فيما يخص البيئة بدايةً ومع كل نقطة منها سوف أسعى لأخذ جملة أو مقطع من كلام للإمام الخميني قدس سره نعالجه ولو بشكل مشترك أحياناً، فيما يخص موضوع البيئة، البيئة التي يمكن أن تشكل في تصور الإمام الخميني هنا منبعاً تجاه المرأة هي هذا العالم الإسلامي الذي يعتبر الإمام واحد منه وكل واحدٍ منا ينتمي إليه، هذا العالم الإسلامي كان ينظر إلى المرأة بشكل عملي من موقع الدونية الاجتماعية عن الرجل، هذه حقيقة نحن لسنا بصدد الإنشائيات، فلنتناول الأمور بمقدار ممكن من تلمس المورد الواقعي منها، بأن هذا المجتمع في العالم الإسلامي ينظر إلىالمرأة نظرة كونها أقل رتبة من حيث الموقع الاجتماعي عن الرجل بل الإنساني أحياناً كثيرة، وإن كانت في نفس الوقت تمثل المرأة عند المجتمع الإسلامي محفزاً أو مبرراً للحمية عند الناس، كما وتمثل صورة العاطفة على مستوى الأسرة والتربية، وبالتأكيد هاتان الميزتان ليستا من المسائل القليلة في المجتمع الإسلامي "موضوع الحمية، العرض، الشرف" وموضوع العاطفة في مجتمعاتنا الإسلامية تحديداً الشرقية منها، ليست من الأمور التي يمكن أن نغفل عنها، ولا نلتفت إليها، بل هي من النقاط الحساسة جداً في مكونات هذه البيئة وهذا المجتمع. 

على مستوى الثقافة، أقدِّر أن هناك تنازعاً في عالمنا الإسلامي بين بعدين حضاريين،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

73

المحاضرة التاسعة: أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره

 وأظن أن هذين البعدين الحضاريين يحضران بقوة حينما نتكلم عن موضوع المرأة، البعد الحضاري الأول هو القائم على مجموعة من التراثيات، ولا أقصد بالتراث هنا الدين، وإن كان للدين دخالة كبرى في كثير من الأحيان بتحريك مجموعة من عناصر التراث، ولكن كلمة التراث في حياتنا وفي حياة أي شعب أعم أحياناً من دخالة خصوصية دينية في موقف ديني معين، هذه الثقافة القائمة على تراثيات تحضر بقوة في وجداننا لا تفرِّق بين كرة القيومية عند الإسلام "قيومية الرجل على المرأة" وبين سطوة القوة ، سطوة القوة كحاكم في خلجات أي حركة اجتماعية، وسطوة القوة هنا هي ما اصطلح عليه بذكورية المجتمع، حاكمية الذكورية في هذا المجتمع الذي بتقديري ترجع إلى موضوع سطوة القوة، هذا بالجهة المتعلقة بالتراث. 


أما بما يتعلق بالبعد الآخر في ثقافة هذا المجتمع والتي تنتمي إلى السؤال ولا أريد أن أقول السؤال الثقافي أو بالأحرى السؤال المفهومي، بل السؤال الوجودي عند مجتمعنا الثقافي هو موضوع الالتحاق وحجم الالتحاق وضرورات الالتحاق بالغرب، والتي تتمثل في هذا المورد على المستوى الثقافي لكل عناصر الجذب المادي، الذي حول كل المعاني إلى أشياء، مثلاً ذاك اليوم لفت نظري وإن كان الكلام له علاقة قليلاً بالإعلام، أنه يوجد صورة لفيلم كرتون على " Disney" لرجلٍ مصنوع من الخردة ضخم وعملاق وكل الفيلم يدور حوله، والذي يلتفت إلى المعاني الموجودة فيه سيلحظ بأنه مربوط بصورة "Super Man" التي تعرض وعرضت وشكلت بالذاكرة أهمية كبيرة بتقديري توازي أهمية المسيح عند الغرب، المسيح الذي أتى من السماء، "Super Man" أتى من كوكب آخر وصاحب القوة الخارقة بالقدرة على الطيران، وذاك يطير والقدرة على تحويل الأشياء إلى مصادر قوة وعظمة، ولكن يوجد "Super Man" إلهي بتعبيرهم ويوجد "Super Man" له طبيعة من الثقافة العلمانية، وفجأة هذا المعنى يتحول إلى حديد وخردة ليستطيع أن يطير مثل "Super Man" ويقوم بحركات مماثلة، ولديه نفس أمنياته تتحول فيه كل المعاني إلى أشياء ولديها جاذبيتها الخاصة، بالتالي يصبح هذا الكلام عن كونها تعبِّر عن السلعة الاستهلاكية، وكذلك مشهد المرأة هو من باب تحويل المعنى إلى شيء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

74

المحاضرة التاسعة: أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره

 الأمر الآخر ولّد في ثقافتنا فيما يخص موضوع المرأة أن الصراع حتمي بين شرائح المجتمع، وأن من يريد أن يستمر وأن يبقى هو الأقوى والأصلح والأقدر بالتالي على الاستمرار، لذلك على المرأة أن تبحث عن حياتها الإقتصادية المستقلة، ولذلك على المرأة أن تقوم بعملية مناداة بمساواة مع الرجل، وأن تخرق كل إمكانات الفصل إذن يوجد هذان النموذجان، نموذج السطو القهري على المرأة، ونموذج محاولة المرأة للتفلُّت الثقافي، للتفلُّت من هذه القيم باتجاه الانجذاب المادي نحو الغرب، والصراع مع الطرف الآخر، الاحتراب مع الطرف الآخر الذي يولد كل تفكك المجتمع في العلاقة فيما بين بعضهم البعض. 


المرأة في فكر الإمام قدس سره 

في المستوى الثالث الذي هو الغايات والمقاصد، ضمن هذه الوقائع حركة الإمام تنمو على مستوى الغايات والمقاصد، من الواضح أن الإمام الخميني أراد من مشروعه الإسلامي أن يكون مشروعاً إحيائياً للقيم الإسلامية، على مستوى الوجدان، وعلى مستوى القيم الأخلاقية وعلى مستوى الأبعاد المعنوية في العلاقة مع الباري سبحانه وتعالى و على مستوى النظم الحياتية الاجتماعية الحاكمة عند الناس، وإحداث ثورة في مواجهة كل ما لا ينتمي إلى حكم الله سبحانه وتعالى. فإذن على مستوى الغايات والمقاصد تصبح كل الطاقات والإمكانات المتوفرة في الشأن الاجتماعي ينبغي أن تكون مسخرة لخدمة هذه الغاية والمقصد فمخاطبة المرأة عند الإمام في كثير من الأحيان تدخل ضمن إطار هذا الأمر المحدد، الذي هو الغايات والمقاصد التي كان يبتغيها الإمام الخميني، تغيير الصورة الوجدانية للمرأة والمعنوية وأن تكون عنصراً فاعلاً بالضرورة في إحداث عملية الثورة والانقلاب الذي أراده الإمام. وقبل أن أدخل إلى الجزء المتعلق بالعقيدة، والذي يحتاج إلى توقف، دعوني أرى فقط معكم ما يقوله الإمام الخميني على مستوى التعبير الذي عبرته بالبيئة، يعتبر الإمام أن الإسلام يريد للمرأة والرجل أن يسموا في مدارج الكمال "لقد أنقذ الإسلام المرأة مما كانت عليه في الجاهلية" في الحقيقة وأنا أقرأ في النص كنت أقول عن ماذا يتكلم الإمام، أنه حسناً أنقذ الإسلام المرأة مما كانت عليه في الجاهلية وعصر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

75

المحاضرة التاسعة: أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره

 الجاهلية ولى وانتهينا، يعني لم يعد الآن هناك امرأة جالسة في البادية ومحكومة ضمن مجموعة من الضغوطات الخاصة، فلماذا الكلام هنا عن مفهوم الجاهلية؟ إن الخدمة التي قدمها الإسلام للمرأة لا يعلمها إلا الله، ولم يخدم الإسلام بمثل ما خدم المرأة، إنكن لا تعلمن ماذا كانت عليه المرأة في الجاهلية وما آلت إليه في الإسلام، ببساطة يجب أن يتولد بالأذهان سؤال كان يطرحه جماعة من الأخوان المسلمين في فترة من الفترات، لكنه سؤال مشروع، أنه هل المجتمع الذي نعيشه هو مجتمع إسلامي في قيمه؟ أو في البيئة التي ينتمي إليها؟ في كثير من حركة هذه البيئة هو مجتمع جاهلي، بالتالي هل هذا الإنقاذ الإسلامي ما زال أمراً مطروحاً وممكناً؟ بل هو أمر ضروري أيضاً ليحقق مثل هذه الأهداف. 


في الشأن الثاني المتعلق بالثقافة يُسأل الإمام، ينظر إلى التشيع في البلدان الغربية كعنصر محافظ في مسيرة التطور، كما أننا سمعنا أن التوجهات الشيعية ترى عزل النساء عن ميدان الحياة الاجتماعية، وتطالب بالعودة إلى القوانين التي تدعو إلى اعتبار التقاليد الدينية أساس القوانين الحكومية، كما أننا سمعنا بأن التشيع يرفض نمط الحياة الغربية لأنه لا ينسجم مع التقاليد الدينية، فهل بالإمكان توضيح وجهة نظركم بشأن هذه المسائل استناداً إلى مذهب التشيع؟ في الجواب يقول الإمام بأن التشيع مذهب ثوري واستمرار لإسلام الرسول الأكرم الأصيل صلى الله عليه وآله وسلم كان دائماً هدفاً لهجوم المستبدين والمستعمرين الدنيء شأنه شأن الشيعة أنفسهم، إن التشيع ليس فقط لا يعزل النساء عن ميدان الحياة الاجتماعية،بل يؤهلهن لاحتلال مكانتهم الإنسانية سامية في المجتمع إننا نرحب بالإنجازات التي حققها العالم الغربي، والتي بتقديري من أهمها ما يتعلق بالجانب التقنيني في التنظيم الاجتماعي الذي يحفظ الكثير من المراعاة الاجتماعية لخصوصيات تتعلق بالمرأة أو بغير المرأة، موضوع الشيخوخة والأطفال وإلى ما هنالك، لا الفساد الذي يَأِّنُ منه الغربيون أنفسهم. 

فيما يتعلق بموضوع العقيدة في إنشاء التصور فان عموم المسلمين ينظرون في البناء العقائدي لشخصية النبي، وركزوا كثيراً على القرآن كنص، وهناك أمر آخر حمله الشيعة تحديداً أنه ينبغي مع النص دائماً مواكبة الأسوة والشخصية القدوة لذلك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

76

المحاضرة التاسعة: أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره

 نتحدث عن النبي وعن الإمام وعن ميراث الأنبياء بما يمثلون من أسوة وقدوة عقائدية تحضر الإسلام إلى مواقع الحياة والواقع. صراعنا الجدي نحن الآن كمسلمين وكمشروع إسلامي ليس حول وجود الله فهذه قضيةٌ أصبح مفروغاً عنها بل إنه حول أي مشروع يستطيع أن يقود حياة الناس ومجتمعات الناس؟ هل هذا الإسلام مؤهل لخوض تجربة القيادة للحياة الاجتماعية والبشرية عموماً؟ أو ليس مؤهلاً للعب مثل هذا الدور؟ وأظن أن هذه الغاية مشتركة عند الجميع، وتارةً ما تطلبه يكون مبنياً على تصورات تتعلق "برغيف الخبز" وأقصد الأمور الضرورية ومرة يتعلق بالكماليات الحياتية والاجتماعية، نحن في تجاربنا الفكرية الأخيرة للأسف وقعنا في مطب من اثنين، مرة كنا نتكلم فيما يخص موضوع المرأة أو غير موضوع المرأة بأسئلة يفرضها الأمر الواقع والذي هو حكم السلطان المركزي في الغرب، ومثلما يطرح عليك السؤال، عليك أنت أن تطرحه، ويجب أن تكون ماهراً ليس بالجواب، بل بترداد السؤال، ممنوع أن تكيِّف السؤال على طريقتك، ومرة أنه نحن كنا نشتغل بطريقة وما زلنا في كثير من الأحيان نشتغل بنفس الطريقة من أنه لدينا عدة جملات حفظناها منذ ستين سنة وحذار لأحد أن يغير فيها شيئاً، يعني مثلاً عندما تريد أن تناقش بموضوع المرأة يجب أن تقول الستر يساوي العفة، فإذاً غير المحجبة ماذا نقول عنها؟ من هي التي تقبل أن تقول عنها أنها ليست عندها عفة؟ هل هناك موضوعات وهل هناك في اللغة التي تقدم أسئلة وأسلوب يمكن أن نطرحه فيما يتعلق بهذا الأمر؟


أنا أظن أن الإسلام ليس ضعيفاً عن طرح قوة حضوره في مثل هذه المناخات، شرط أن لا ننسى أن لنا بنيتنا ونسقنا الخاص، ماذا يعني نسقنا الخاص؟ يعني مناخك أنت، حضورك ووضعك، تكوينك له مجموعة من الاعتبارات، هناك تكوين خاص، في هذا التكوين الخاص ماذا تمثل القيم المعنوية؟ إن الإمام عندما تحدث عن الم بالنسبة لسيدة نساء العالمين الزهراء عليها السلام مَثَلَ الأسرة التي استطاعت أن تنظم كل وشائج العلاقة فيها، لتكون الأسرة التي قادت نور هذا العالم الذي ننتمي إليه، وهي كسوة الباري عز وجل في أهل الكساء لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. 

إذاً هناك رتبة إنسانية عالية في أصل المعتقد الإسلامي أعطيت كلها كحقٍ للمرأة على مستوى التوازن الاجتماعي، مبدأ التوازن الحاكم، وليس مبدأ الاختلال في العلاقة، ولا مبدأ المساواة في العلاقة، إذ الإمام صراحةً يقول أن مبدأ المساواة يساوي ضرب الكثير من المفاهيم الأولية في الإسلام، وهو أمر مرفوض. الأمر الثالث الذي أريد أن أشير إليه لأقول صار من اللازم علينا بعد هذه الفترة الطويلة من العمر أن ننتقل من مرحلة الكلام عن العموميات وأن نثق بهذه العموميات التي فيها تقديس، لا أحد يستطيع أن يمس قدسية المرأة أو أي مفهوم من مفاهيم الإسلام، للبدء بالكلام عن التفاصيل، المشكلة يا إخوان ويا أخوات في التفاصيل وأظن أن جديَّة أي ندوة أو أي بحث أو أي لقاء أو أي محاولة تحريك مناخ فكري يحمل الإسلام كمشروع تكمن في جرأة إثارة التفاصيل في الأسئلة، وضرورارأة وعبَّر عنها بعض التعبيرات فهذا يرسم لنا مقدار مكانة المرأة عند الإمام ضمن هذا المناخ فلنحدد قيمة المعتقد الذي يتمثل بالأسوة القدوة، تبدأ في المرحلة الأولى بالبعد المعنوي، ومنه تأخذ كل أشكال البعد الحياتي العام لذا أنقل النص وأنهي كلامي بنقله.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

77

المحاضرة التاسعة: أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره

 الزهراء عليها السلام القدوة


يقول الإمام "إن مختلف الأبعاد التي يمكن تصورها للمرأة وللإنسان تجسَّدت في شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام، لم تكن الزهراء امرأة عادية، كانت امرأة روحانية، امرأة ملكوتية، كانت إنساناً بتمام معنى الكلمة، نسخةً إنسانية متكاملة، امرأة حقيقيةً كاملة" إلى ما هنالك يعود ويقول إن المرأة تتسم بأبعاد مختلفة كما هو الرجل وإن هذا المظهر الصوري الطبيعي يمثل أدنى مراتب الإنسان، أدنى مراتب المرأة، وأدنى مراتب الرجل، بيد أن الإنسان يسمو في مدارج الكمال انطلاقاً من هذه المرتبة المتدنية، اعتبرها بأنها هي المزرعة التي منها أنت تتجه باتجاه الأصل، فهو في حركة دؤوبة من مرتبة الطبيعة إلى مرتبة الغيب إلى الفناء في الألوهية، وإن هذا المعنى متحقق في الصديقة الزهراء التي انطلقت في حركتها من مرتبة الطبيعة وطوت مسيرتها التكاملية بالقدرة الإلهية وبالمدد الغيبي وبتربية رسول الله صلى الله عليه وآله ,وسلم لتصل إلى مرتبة دونها الجميع. سوف لن أقرأ النص فقط سأشير للفكرة يقول: من أراد أن يكتشف عظمة هذه المرأة فليبحث في الأمر التالي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

78

المحاضرة التاسعة: أخلاقية المرأة بين الإسلام والغرب في فكر الإمام الخميني قدس سره

 البحث بجدية موثقة بالدين وبالله عن الأجوبة المناسبة المنطلقة من فهم هذا الواقع والذي لا تدير الظهر فيه للواقع، فالواقع اليوم يفرض نفسه، كما أن قبل الواقع وبعده الله سبحانه وتعالى ودين الله هو الأمر الذي لا يمكن لأي إنسانٍ أن يتفلَّت منه، وجعلنا الله وإياكم من المؤيدين بشفاعة الطاهرة الصديقة الزهراء إن ربي سميع الدعوات.

 
  

* محاضرة ألقيت بتاريخ 26/8/2002 في مركز الإمام الخميني الثقافي - بيروت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

79

المحاضرة العاشرة: رسالة الإمام الخميني قدس سره في سبيل المستضعفين

 المحاضرة العاشرة: رسالة الإمام الخميني قدس سره في سبيل المستضعفين *

 
المطران خليل أبي نادر

سنة 1989 كنت في طهران بدعوة خاصة من الحكومة الإيرانية. لن أنسى في غضون تلك الزيارة محبّة وتأييد كلّ الشعب للإمام الخميني. يوم ذاك صلّينا معاً على جلال وحرمة ضريحه، وكنّا آلافاً آلافاً.

في تاريخ كلّ أمّة، رجالات لا يمكن أن تنساهم الأجيال لعملهم الوطنيّ على كلّ الصُّعُد السياسية والأمنيّة، الثقافية والإنسانية والدينية. ومنهم من تخطّى حدود بلده عملاً وسُمْعةً وشُهرةً ونفوذاً. إنّهم رجالات التاريخ. لنا مثلاً، على مستوى الوطن لبنان، الإمام الأوزاعي ومار يوحنا مارون، فخر الدين الثاني ويوسف بك كرم والبطريرك إلياس الحويّك، وأخيراً مار شربل والإمام موسى الصدر. على الصعيد العربي، لنا صلاح الدين الأيّوبي وجمال عبد الناصر. في الدور الطليعي في العالم، شارل ديغول وتشرشل وأيزنهور. نوردُ أسماءهم على سبيل المثال، لا حصراً.

الإمام الخميني، إلى أي فئة ينتمي؟ هل كان لوطنه إيران فقط، أو كان ذا رسالة عدالة وانماء عالمية؟ ـ جوابنا ما هو إلاّ أمرٌ واقع يُدخلنا في جوهر الموضوع: كان الخميني، معاً، لثورة في سبيل أمّته، في سبيل وطنه إيران ومثالاً للعالم أجمع دفاعاً عن المستضعفين والمحرومين والمساكين والفقراء وكلّ من قسا عليه الزمن ومن حُطَّ من شأنه وقدره ظلماً وقهراً، وذلك بروح القرآن الكريم، وأنا أُضيف: أيضاً بروح الانجيل. كان، معاً، رجل دين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

80

المحاضرة العاشرة: رسالة الإمام الخميني قدس سره في سبيل المستضعفين

 وسياسة، شريف الأصل، نبيل المحتد، متفوّقاً خلاّقاً في كلّ فكر وكلّ عمل، حتى في صمته وتأمّله وعُزلته في فرنسا. وكانت له عُزلته كصحراء السيّد المسيح وصومه أربعين يوماً قبل نشر رسالته. كان رجل أعمالٍ إنسانيةً تتوخّى الحقّ والعدل والمحبة، مكافحاً متمرّداً حتى الثورة والحرب الأهلية. يطارد الفساد بخصومةٍ شريفة، حتى الجهاد بكلّ معناه. فكانت له أخيراً المآثر المحيية بنصرٍ وغلبة على عهدٍ مالكٍ عمرُه القرون. بإيمانه، بمحبته لكلّ ضعيف، كانت الأعجوبة التي غيّرت كلّ شيء في إيران. أجل، "الإيمان ينقل الجبال". والدهشةُ في العالم تابعت عمله الذي بدّل فوراً كلّ شيء في امبراطوريةٍ عمرُها التاريخ في إيران. وكلّ الشعب كان له الرفيق المؤمن المناضل، لأنه أدرك فوراً أن هذه الثورة، الإنسانية الاجتماعية، ما هي إلاّ لمصلحته، هو الضعيف المظلوم، وجاء من ينقذه ويحافظ على كرامته بلُقمة العيش الحرّة الشريفة، وبديمقراطية السياسة التي ما هي إلاّ ابنة الشعب في سبيل الشعب.


ترك الحياة منذ سنوات، وبقيت لنا مواقفه الجريئة وبصماته نموذجاً دائماً لكل إصلاح في سبيل المستضعفين أينما كانوا. وستظلّ ذكراه مؤبَّدة، ستظلّ رسالةً مشعة وأمثولة نابضة للصدّيقين الأبرار، في الدين والدنيا. هو لنا وللأجيال المثال بورعه وعمله البطولي وحكمه الجمهوري الديمقراطي ومعتقده الراسخ. رسالة سياسته خاصة به، حقاً، وقد تحنّن على الضعفاء والمساكين وأنقذ المظلومين في وطنه. وكم نتمنّى أن تتابع الرسالة في إيران، وتحتذى في بلدان العالم. وسيبقى آية الله الخميني رجل التاريخ الأمثل لكلّ حاكم صالح، لا نظير له ولا سابق له، إذ كان يرى هو في حكمه، في تطلعاته، مصلحة الشعب نابذاً بإباءٍ وكبر منفعته الخاصة. وكان أن فهمه الشعب الكبير فسار على دربه خطوة خطوة لأنه أمله المرتجى. على الحاكمين، أيضاً، أن يقتفوا أثره ويعانقوا فكره وينتهجوا سياسته. تسلم الحكم، بثورةٍ، وكأنّه يخاطب الشعب، حتى اليوم، بكلام السيد المسيح: "تعالوا إليّ يا جميع التعبين وحاملي الأثقال وأنا أريحكم". في الكنيسة لنا القدّيسون. وفي الإسلام لنا الصدّيقون والأئمة المبشرون عملاً وروحاً ورسالةً وفداءً. ليس الخميني واحدهم فحسب، هو قدوتهم، هو رمزهم، وهو لنا المثال. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

81

المحاضرة العاشرة: رسالة الإمام الخميني قدس سره في سبيل المستضعفين

 نسمع كثيراً، اليوم، من الكلام والأخبار في بلدان العالم أجمع عن الفقراء والمساكين والمتسوّلين. من هو شفيعهم ومن هو حبيبهم؟ هو الإمام الخميني في جنّته. وكانت لهم، أيضاً، شفيعة كبيرة قدّيسة في التضحية، في المحبّة، هي الأم تريزا دي كالكوتا في الهند، الرسولة العجائبية. نذكرها، لدى ذكرنا الخميني. عاش رسالته للعطاء، للتضحية، بروح القرآن الكريم. وهكذا عاشت الأم تريزا رسالة العطاء والمحبة بروح الانجيل المقدّس. وتركت لنا رهبانية تؤدي رسالتها، وعدد راهباتها خمسة آلاف، في العالم، ولهنّ في لبنان مركزان لعمل الخير. كانت للأم تريزا، مؤخراً، جائزة نوبل العالمية تقديراً لخدماتها الفذة النادرة في سبيل كل مريض، في سبيل كل طفل وكلّ فقير، في كالكوتا في الهند والقارات ولبنان. واسم تريزا الآن على لائحة من ستطوّبهم الكنيسة قدّيسين.


رحمها الله، ورحم لنا طيّب الذكر الخميني، وأعطى مواهبهما النافعة لكل سياسي مسؤول، ولكل رجل دين، حتى يغدقوا المنن والإحسان، بروح العدالة والمحبة على كل مواطن مظلوم وعلى كل جائع. كم من المساكين في العالم يموتون جوعاً، كلَّ يوم. وهناك أيضاً الجوع إلى الحريات. صوت الخميني يزيد: لو تنفق الدول مال أسلحتها على المحتاجين لما كان فقير ومحروم في العالم. وصوته لنا في لبنان، مسلمين ومسيحيين: لا تخف ممن يخاف الله. وكلنا نخاف الله. وصوتك يا أم تريزا:"حاول جاهداً أن تسير دائماً على خطٍّ مستقيم بحضور الله تعالى، وأن ترى العليَّ في كل من تلتقيهم". هي وصيّتهما لنا في لبنان الحوار والتعدّدية الحضاريّة المغنية.

ويا إمامنا العظيم، في وطنك إيران حيث كنت قائد ثورة المستضعفين، وفي العالم أجمع حيث ستبقى رمزاً، بنقاوتك وشجاعتك النادرة وقداستك المتوقدة، لكل مجاهد في سبيل مبادئ الحق السياسية والإنسانية لكل امرء في العالم. أمَ خلقنا الله أخوة بالتساوي والقدر في حرياتنا كافة وفي كل عمل روحي ومدني وإنساني؟ إذاً، لا ظالمٌ، ولا مظلوم. لا ملكٌ ولا عبد. بل عدالة وحقوق وإنصاف وعيش هنيئ رغد في كل توزيع، بل محبّة مجرّدة متفوِّقة. "أحبب قريبك كنفسك"، في الحكم، في القوانين، وفي المجتمع. هي وصيّتك، يا أعظم إمام، بعد الأولين، في تاريخ الإسلام المجيد. وطوبى لمن ينهج نهجك ويسير على نور
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

82

المحاضرة العاشرة: رسالة الإمام الخميني قدس سره في سبيل المستضعفين

 مشعلك. بركتك، في هذا الموقف الجلل، نستمدّها للرئيس محمد خاتمي من يسلك طريقك القويم، وللمقاومة الباسلة في لبنان من لها، اليوم وغداً، اكليل الظفر. بركتك للبنان الوطن في رسالته الخاصة بروح انجيلٍ وقرآن، وما هي لنا إلاّ وصيّة السيد المسيح بن مريم: "إني أريد رحمةً لا ذبيحة".

 
وختاماً، أحيّيكم وأبارك فيكم روح الأخوة، روح المحبة. كم نريد روح الوحدة الوطنية في لبنان الجميل، لبنانكم، وثورة حكم، كثورة الخميني: تستأصل الخصومات، تعيد كل مهجّر، تحرِّر تراب الجنوب والبقاع الغربي، تمنع التوطين، معاً، لمصلحة أبناء الشقيقة فلسطين ولبنان. فيكون لنا ولأجيالنا لبنان الأزل من الناقورة وجبل عامل حتى أرزة الربّ. وإلاّ لا لبنان كما يحلم به ويصبو إليه شباب المستقبل.
 
ودامت لنا ذكراك، يا كبيرنا، من المئوية الأولى نحييها هنا الآن، إلى مئويات خلود. طيب الله ثراك، وأبقاك لنا ولكل أمة مثالاً حياً.
 
  

* ألقيت هذه الكلمة في مركز الإمام الخميني الثقافي بيروت ـ 5 ـ 10 ـ .1991.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

83

المحاضرة الحادية عشر: الإمام الخميني وفلسطين.. رؤى ثاقبة تستشرف المستقبل

 المحاضرة الحادية عشر: الإمام الخميني وفلسطين.. رؤى ثاقبة تستشرف المستقبل *

 
الأستاذ أمين مصطفى

الحديث عن الإمام الخميني وفلسطين في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها أمتنا وقضيتها المركزية له أبعاد: سياسية، أمنية، ثقافية، اقتصادية، عقيدية، وإنسانية، وغيرها... إنه يحمل الكثير من الدروس والعبر لما يتضمنه من رؤى عميقة الجذور وفهمٍ للتاريخ والواقع واستشرافٍ للمستقبل.

الحديث عن الإمام الخميني وفلسطيني في زمن الهرولة السياسية باتجاه تل أبيب وواشنطن للقبول بتسوية مذلّة على حساب فلسطين وشعبها وعلى حساب الأمة العربية والإسلامية له دلالاتٌ مهمة، فبين القائد والقضية صلةٌ روحانية، وفكرية وسياسية ووجدانية أعطاها كلَّ وقته ودفع من أجلها أيماناً باهظة وأرسى لبقائها حية في الأذهان أسُساً يصعب هدمها أو المساس بها.

الحديث عن الإمام وفلسطين هو حدث الأمس واليوم والغد هو بوصلة المنطقة ومعها العالم بأسره، وعلى ضوئه سوف تُزال عروش وتُرفع عروش وتُشكَّل معالم وتتبدَّل أخرى.

إن توقيت هذا الحديث الحدث يعطي الموضوع حيوية وحرارة وعلامات مميزة ففي وقت بدا فيه للبعض أن الهروب باتجاه سراب الوهم قد ينقذ أرضاً أو وطناً يأتي صوت الحق الذي أطلقه الإمام منذ زمن طويل ليوقظ العيون من سباتها ليضيء الطريق أمام العابرين نحو الحلم الأبهى.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

84

المحاضرة الحادية عشر: الإمام الخميني وفلسطين.. رؤى ثاقبة تستشرف المستقبل

 القضية المقدسة


وفي وقت بدا فيه للبعض أن الخيار الوحيد الآن هو الدخول إلى بيت الطاعة الأمريكي الإسرائيلي وإلى التنازل عن المقدسات وعن أجزاء واسعةٍ من الأرض وعن الكرامة يأتي صوت الإمام ليحيي الضمائر والأرواح المتجمّدة ويعلن عبر المقاومة التي تسقط أسوار الاحتلال وأسوار اليأس أن الباب ما زال مفتوحاً لضوء الشمس ما زال مفتوحاً للعزّة وللشرف.. والتاريخ.

توقيت الحديث الحدث دعوة للصحوة دعوة للتأمل دعوة لوقف الانهيار دعوة لحمل السلاح والمقاومة دعوة لرفض الهزيمة.
فالإمام قرأ الصهيونية جيداً، منذ أن تفتحت عيناه على الحياة عرف أسرارها، لغتها، مضمون خطابها السياسي والفكري والاستعماري فتصدى لها بكل ما أوتي من قوة غير مكترثٍ بخطوط حمراء أو صفراء يقيناً منه بأن هذا العمل جزء من تكليف رسالي لا مناص منه.

كان الإمام يتألم كثيراً لما جرى لشعب فلسطين على أيدي الصهاينة ويعتبر أن مسؤولية إزالة هذا الظلم تقع على كاهل كل مسلم وعربي كما كان يتألم لما يجري داخل إيران نفسها من تطوّر في العلاقات السرية الصهيونية الشاهنشاهية فقد زوّدت إيران الكيان الصهيوني بالنفط منذ العام 1957، وازداد الضخ بعد انشاء خط أنابيب ايلات حيفا عام 1960 ووصل في العام 67 إلى 5،5 مليون طن في العام، وحققت إسرائيل عام 66، من تصدير منتجات النفط مبلغ 16،5 مليون دولار في العام الواحد، هذا من الناحية الاقتصادية، أما من الناحية السياسية والنفسية، فكان لتزويد إسرائيل بالنفط من قبل الشاه، دور مهم جداً، منحها الاستقرار والأمان والقوة.

وعلى الصعيد التجاري، تطورت العلاقة بين طهران وتل أبيب بشكل لافت، ففي العام 65، بلغت قيمة صادرات إسرائيل إلى إيران، أكثر من 430 مليون ريال إيراني، أو ما يعادل 6 ملايين و150 ألف دولار، وفي عام 66، شهد تحوّلٌ في هذا المجال، فخلال الشهور الستة الأولى بلغ مجموع واردات إسرائيل من إيران ما قيمته 674 ألف دولار مقابل صادرات إسرائيل إلى إيران بـ4 ملايين و95 ألف دولار وارتفع الرقم خلال الأشهر الأخيرة من نفس العام إلى 7 ملايين و630 ألف دولار
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

85

المحاضرة الحادية عشر: الإمام الخميني وفلسطين.. رؤى ثاقبة تستشرف المستقبل

 وفي عام 67 بلغت الصادرات الصهيونية إلى طهران ما يعادل 10 ملايين و543 ألف دولار وهكذا تطورت العلاقات التجارية شيئاً فشيئاً وقد رُسمت الخطط لتوسيع قاعدة هذا التعاون إلى الحد الأقصى لكنَّ هبوب رياح الثورة اقتلع كل هذه الأفكار والاقتراحات من جذورها.


وكما كان حال التعاون التجاري شهد التعاون الزراعي والعمراني والسياحي حدوداً قياسية بين الطرفين وقد حلَّ الصهاينة عبر هذه القنوات مشكلة البطالة لديهم مع توفير أسواق مناسبة لهم.

وفي المجال الثقافي والاعلامي سيطر الصهاينة تماماً على هذه الوسائل لخلق أجيال متعاطفة ونقل معلومات مغلوطة وتشويه التاريخ حتى الأمر كما أكدته صحيفة"كول هاعام" في 24 9 67 إن معظم الصحف الإيرانية تُجمع على حق إسرائيل في الوجود وكان ثابت باسال، صاحب تلفزيون طهران وعبادان اتفق مع الصهاينة على الاهتمام بكل أخبار وأنشطة الكيان الصهيوني وتسييسها بأسلوب يساعد على تقوية الروابط الثنائية وكانت تنظِّم وتُشرف على صياغة الأخبار لجنة خاصة لها علاقة وثيقة بالصهاينة ينحصرُ دورها على تزوير الحقائق وقلب المفاهيم والآراء وتجييرها لصالح الصهاينة.

وقد أنشأ الشاه أجهزته الأمنية والعسكرية على أساس التعاون والتنسيق مع الصهاينة والأمريكيين فوضع الصهاينة كل امكاناتهم لخدمة النظام وقمع الشعب فأُنشيء جهاز"السافاك" في 20 آذار 1957، وتولى خبراء صهاينة ومن"السي آي إي" تدريب عناصره، وبلغت موازنته 255 مليون دولار عام 73، ارتفعت إلى 310 ملايين دولار عام 74، وقد أعلنت مجلة النيوزويك الأمريكية عام 74، بأن عدد العاملين في السافاك تراوح بين 30 إلى 60 ألفاً وإن نحو 3 ملايين إيراني عملوا بطريقة أو بأخرى كمخبرين وكان هذا الجهاز بمثابة عصا الشاه يضرب المعارضة ونتيجةً لذلك، قدَّر الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان أنَّ عدد السجناء السياسيين في إيران وصل عام 77 إلى حوالي 100 ألف شخص وإن وسائل التعذيب التي استخُدمت كانت تفوق الوصف.

وعلى الصعيد العسكري، درب الصهاينة وزودوا جيش الشاه بالسلاح وذلك بهدف الحفاظ على عرشه، والحيلولة دون أي انقلاب عسكري أو ثورة ضدَّه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

86

المحاضرة الحادية عشر: الإمام الخميني وفلسطين.. رؤى ثاقبة تستشرف المستقبل

 وفي الاطار السياسي، أعلن الشاه في 24 تموز 1960، إن إيران اعترفت بإسرائيل منذ 11 عاماً وسحب ممثل إيران من إسرائيل عام 51 لم يعني تغييراً في العلاقات ولكن خوف الشاه من ردود الفعل الشعبية على تطور العلاقة مع إسرائيل دفعت حاكم طهران آنذاك، إلى الاستعانة بالسرّية لمواصلة الاتصالات فكانت الصفقات والاتفاقات تعقد تحت جنح الظلام إما في صالات المطار أو في أي مكان آخر من العالم وقد لعب اليهود الإيرانيون دوراً مهماً في تنمية وتطوير العلاقات الثنائية وكان هؤلاء اليهود يتلقون المساعدات من مؤسسة "جانيت الصهيونية" وكانت منظمات شبابية يهودية تعيش في طهران تحت اسم"قورش الكبير" وهي كانت مرتبطة مباشرة بدائرة"الشباب الطلائعي في الوكالة اليهودية" في الكيان الصهيوني قامت بأعمال مشبوهة كثيرة، ومن أدوارها السيطرة على وسائل الاعلام الإيرانية.


وأبرز المنظمات الصهيونية في إيران كانت منظمة تتخذ من عبادان مركزاً لها للتجسس على منطقة الخليج والعراق وفي عام 64، تخرّج 100 يهودي إيراني من معهد خاص بالتجسس في الولايات المتحدة وأُرسلوا بعد عودتهم للعمل في بعض البلدان العربية كتجار.

الإمام قدس سره ومهمة المواجهة
كل هذه الوقائع وغيرها كانت تثير قلق الإمام من الدور الصهيوني في إيران فحمل بكل قوة لمحاربة هذه الأوكار وطلب من رجال الدين منذ العام 1962 التركيز في خطبهم على فضح الممارسات الصهيونية وشرح مخاطرها والدعوة لكشف العلاقة الشاهنشاهية الصهيونية والنيل منها"ينبغي على السادة الأفاضل أن يعرفوا إلى أن المناصب الحساسة في الحكومة تدار من قبل عملاء إسرائيل وأن خطر إسرائيل على الإسلام وإيران كبير جداً"، هذا الكلام الذي أطلقه الإمام عام 63 اتبعه بسلسلة دعوات لاقت تجاوباً وأصداء شعبية واسعة وخاطب العالم:"يا شعوب العالم، اعلموا أن شعبنا ضدَّ مشروع التحالف مع إسرائيل إن ديننا يدعونا إلى عدم التوافق مع أعداء الإسلام" وأضاف في مجال آخر:"إن النظام الحاكم المتجبّر، يتعاضدُ بكل قواه مع إسرائيل وعملائها حيث سلَّمها الوسائل الاعلامية والدعائية في القُطر وترك لها مطلق الحرية في التصرف بها وفسح المجال لها للنفوذ إلى الجيش وسائر الوزارات، وقال: إن الركون إلى الصمت يعتبر تأييداً للنظام المتجبر وحذّر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

87

المحاضرة الحادية عشر: الإمام الخميني وفلسطين.. رؤى ثاقبة تستشرف المستقبل

 بأنه لن يسكت عما يجري في الخفاء والعلن"أيها الشاه، أقسم بالله أن إسرايل لن تنفعك القرآن فقط هو الذي ينفع".


وأضاف: إن السافاك طلب عدم الخوض بثلاثة أمور: عدم التحدث عن الشاه وعن إسرائيل والقول بأن الدين في خطر فإذا لم نتحدث عن هذه الأمور الثلاثة فلا يبقى لنا ما نقوله إن جميع المشاكل التي تعاني منها ترتبط بهذه القضايا الثلاث واعتبر أن شراء الأسلحة منها أو تصدير النفط إليها حرام ومخالف للشريعة تماماً كما أن إقامة العلاقات مع إسرائيل يعتبر حراماً ومخالفاً للشريعة الإسلامية ودعا الحكومة الإيرانية إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية وأكد:"أن إسرائيل هي وليدة التفكير والتبني المشترك للدول الاستعمارية، الشرقية والغربية وهي الآن تُدعم وتُسند من قبل جميع المستعمرين في العالم ولذلك دعا إلى ثورة عارفة تشمل كل الأقطار العربية والإسلامية ودعا حركات التحرر في العالم إلى الوقوف في وجه مدّ الصهيونية ومن يؤازرُها لدرء الأذى الذي يمكن أن يصيب الجميع دون استثناء وطلب من المسلمين تحويل مناسبة الحج كل عام إلى مؤتمر عام يُدرس فيه هذا الواقع المؤلم والعمل والتعاون لتغييره عبر تنوير وتسييس الشعب.

وطبقاً لهذه القناعة، كانت علاقة الإمام بالمقاومة الفلسطينية آنذاك متينة ومتطورة فدعم العمل الفدائي وكان يرى في هذه الطلائع في الستينات والسبعينات أملاً في التحرير فأصدر الفتاوى بدعمها مادياً ومعنوياً وسياسياً ودعم الانتفاضة بعد ذلك في فلسطين، وقدّم كل الدعم المادي والسياسي وتمنى في حديث له في 10 2 87، أن يواصل الشعب الفلسطيني جهاده غير مكترثٍ بكل ما يجري في كواليس السياسة وقال:"إن فلسطين اليوم تتصدى لليهود وآمل أن تستطيع سحقهم إذا تمسكت فلسطين بالمعنى الإسلامي ولم تستمع إلى كلام أولئك الذين يتخيلون أنهم يريدون الخير لها وحيا أطفال فلسطين الذين يواجهون المحتل، بالحجر والسكين والأدوات البسيطة الأخرى، معتبراً أن قلوب هؤلاء أقوى من كل الدبابات وهي التي ستنتصر في النهاية.

وهاجم بلا هوادة الذين يلهثون خلف التسوية ووصفهم بأنهم:"عملاء فاقدون للكرامة".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
99

88

المحاضرة الحادية عشر: الإمام الخميني وفلسطين.. رؤى ثاقبة تستشرف المستقبل

 ولا ننسى أن الإمام، وقف وساند الشعب اللبناني في محنته، لم يفرّق بين فئة وأخرى ولا بين طائفة وطائفة وأكد أن أسباب الأزمات كلها هي إسرائيل، ودان الاعتداءات اليومية وأعلن دعمه للمقاومة بكل أشكالها واحتضن شهداءها وجرحاها ورعى الأيتام وأعاد الجسور القوية بين لبنان وإيران تماماً كما كانت عبر العصور القديمة فنشأت بين الطرفين، عرى من المحبة والوئام والتعاون مما أثار حفيظة الغرب عموماً والكيان الصهيوني على وجه الخصوص لأنه كان يعني الابعاد العقيدية والسياسية والعسكرية التي ستنشأ، والتي ستقلب كل المعايير رأساً على عقب وها نحن اليوم نلمس هذه الايجابيات في الجنوب والبقاع الغربي حيث استطاعت المقاومة الإسلامية أن تهزم الجيش الذي لا يقهر وأن تسقط كل أوراق الخرافة الصهيونية وأن تدحر معنويات الجنود والعملاء وتفرض الانسحاب غير المشروط وتؤكد أن هذا التحالف الثنائي متناغماً مع سوريا قادر على فعل المعجزات لقد برهنت هذه المقاومة التي كانت وليدة الإرادة الإيمانية والإرادة الشعبية أن الأمة لديها مخزون هائل قادر على صياغة الواقع كما تريد وأن بندقية الحق أقوى من كل التكنولوجيا، والتحالفات المشبوهة.


برهنت هذه المقاومة أن املاءات الصهاينة وخلفها قوى الشرّ كلها لا يمكن أن تُمرّر، ففرسان هذا الزمن، وقيادتهم غيرهم في أزمان أخرى ولذلك ليس أمام العدو إلا الانسحاب، والندم والتراجع عن كل أوهامه وأحلامه.

وإذا كان الإمام قد اتخذ كل هذه المواقف قبل الثورة فإنه بعد انتصاره سارع إلى ترجمة أقواله أفعالاً فأغلق أبواب السفارة الإسرائيلية وحوّلها إلى سفارةٍ لفلسطين وقطع كل صلة تجارية واعلامية وثقافية بالعدو كما قطع النفط وطهّر الجيش وكل المؤسسات الأخرى من أعوان الصهاينة وفتح أبواب طهران لكل المجاهدين العرب والمسلمين معلناً ثورة مفتوحة ضد الصهيونية حتى يتم القضاء عليها وعمل على تكريس يوم للقدس أطلق عليه اسم"يوم القدس العالمي" في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك لتظلَّ القدس حية في الوجدان وقد أراد الإمام من هذا اليوم من كل عام، يوم حساب لتحديد الموقف من المتخاذلين والعملاء وليتذكر العالم مجازر الصهيونية البشعة كما أراده صرخة من أجل الحق والعدل والسلام والحرية في العالم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

89

المحاضرة الحادية عشر: الإمام الخميني وفلسطين.. رؤى ثاقبة تستشرف المستقبل

 اتخذ الإمام هذا القرار وهو يدرك ما ستلاقيه القدس من تآمر، ومحاولات تهويد فجعل من المدينة المقدسة مرتكز الحل ومرتكز القرار ومرتكز النضال مما يعني فتح باب الجهاد حتى التحرير الكامل وبذلك أسقط غشاوة التسوية ودعاتها وأكد أن بركان المنطقة لا يمكن أن يهدأ حتى تُرسى دعائم الحق والحقيقة وأن انفجاره آتٍ لا محالة لتصحيح المسار وتصويب التاريخ.

 

 

 

 

 

 

 

101


90

المحاضرة الثانية عشر: الثورة الاسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية

 المحاضرة الثانية عشر: الثورة الاسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية *

 
الداعية الدكتور فتحي يكن

مقدمة:

تعتبر التحديات الفكرية والثقافية من أخطر التحديات وأشدها فتكاً وتدميراً لبنية الأمة، وتفتيتاً لصفوفها، وإجهاضاً لمشاريعها، وإضعافاً لقوّتها.

وكما واجه الإسلام في عهد النبوة هذا النوع من التحديات، إلى جانب التحديات الأخرى الأمنية والعسكرية والاقتصادية، فإن الثورة الإسلامية في إيران، واجهت ولا تزال تواجه أعتى المؤامرات وأضراها.

والأمة الإسلامية التي تجابه اليوم كلَّ أنواع المؤامرات العسكرية والأمنية والاقتصادية الأميركية والصهيونية وغيرها، تدرك أن التطبيع الذي يمثل استراتيجية الاختراق الصهيوني لتراث الأمة وثقافتها، هو الأشدُ خطراً وفتكاً من قاذفات القنابل، والطائرات العملاقة، والصواريخ العابرة للقارات، بل وحتى الأسلحة النوويّة. ذلك أن هذا السلاح يعمل على تدمير المجتمعات من داخلها، وبدون ضوضاء، ومن غير أدنى مقاومة. يقول الإمام الخميني:"من جملة المؤامرات التي تركت أثراً كبيراً في مختلف البلاد وبلدنا العزيز، وما تزال آثارها قائمة إلى حدّ كبير، جعل الدول المنكوبة بالاستعمار تعيش الغربة عن هويّتها لتصبح منبهرة بالغرب والشرق بحيث أنها تقيم وزناً لنفسها وثقافتها وقوتها وتعتبر قطبي الشرق والغرب العنصر المتفوّق والارتباط بأحدهما من الفرائض". ويقول:"الإذاعة والتلفزيون والمطبوعات ودور السينما والمسرح من الوسائل المؤثّرة في تدمير الشعوب وتخديرها خصوصاً جيل الشباب، أية خطط كبيرة نفّذتها هذه الوسائل سواء في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

91

المحاضرة الثانية عشر: الثورة الاسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية

 الدعاية المضادة للإسلام والمضادة للروحانية المخلصة، والدعاية للمستعمرين الغربيين والشرقيين. وطبيعي أن لا ندع هذه الأجهزة الخبريّة والمطبوعات والمجلات تنحرف عن الإسلام ومصالح البلد ويجب أن نعلم أن العقل والإسلام يدين الحرية بشكلها الغربي التي هي سبب لدمار الشباب والشابات".


عبر هذه البوابة، أود أن أتناول، وفي الذكرى السنوية العشرين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وفي إطار الندوة الفكرية التي ينظّمها مركز الإمام الخميني الثقافي في بيروت، المحور الثاني للندوة بموضوع (الثورة الإسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية).

أنواع التحديات الفكرية

هناك أنواع شتى من التحديات الثقافية والفكرية التي واجهت الثورة الإسلامية في إيران، وددت أن أصنّفها إلى ثلاثة عناوين كبرى، على سبيل المثال لا الحصر:

الأول: تحدياتٌ فكرية عبر البوابة الإسلامية.

الثاني: تحدياتٌ فكرية عبر البوابة الليبرالية الغربية.

الثالث: تحدياتٌ فكرية عبر البوابة الراديكالية الشرقية.
 
الأول: تحديات فكرية عبر البوابة الإسلامية:

هذا النوع من التحديات يعتبر الأخطر لأنه يأتي على البنيان من داخله وبدون سابق إنذار...

والعهد النبوي لم يخلُ من مثل هذا التحدي، الذي تندرج تحت عنوانه حركة النفاق، وأصحاب مسجد الضرار الذي نزل القرآن الكريم بهدمه. فقال تعالى: "والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون " لا تقم فيه أبداً لمسجد أسّس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبّون أن يتطهروا والله يحب المطهرين"(التوبة: 107-108).

ولقد أشار الإمام الخميني إلى أنواع من هذا التحدي:
ففي نوع منها يقول:"انظروا الهيئات الدينية فستجدون آثار ونتائج تلك الدعايات
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

92

المحاضرة الثانية عشر: الثورة الاسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية

 واضحة، فهنالك الباطلون من عديمي الهمم، وهناك الكسالى الذين يكتفون بالدعاء والثناء والتحدث في بعض المسائل الشرعية وكأنهم لم يخلقوا لغير ذلك". ويقول:"الأفكار البلهاء التي يثبتها الأعداء مما ذكرنا بعضها، يوجد فينا من يؤمن بها، وفي هذا إدامة للاستعمار والنفوذ الأجنبي. هؤلاء يمنعوننا من الاصلاح والتقدم والنهوض"، ويقول:"هؤلاء ليسوا بفقهاء، وقسم منهم قد ألبستهم دوائر الأمن والاستخبارات العمائم. هؤلاء يجب فضحهم لأنهم أعداء الإسلام".


وفي نوع آخر يقول:"إن كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية فهو ينكر ضرورة تنفيذ أحكام الإسلام، ويدعو إلى تعطيلها وتجميدها، وهو ينكر بالتالي شمول وخلود الدين الإسلامي الحنيف". (أنموذج: علي عبد الرازق وعموم المستشرقين).

وفي نوع آخر يقول:"إن الفقهاء يجب أن يقودوا الشعب ويحصّنوا المسلمين من اندراس معالم الإسلام وتعطّل أحكامه. إنهم اليوم حجة على الشعب، كما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلمحجة على الأمّة، وكانت الأمور كلها موكولة إليه، فكل راد عليه محجوج".

ويقول:"إن عليكم أن تهذبوا أنفسكم إلى الحد الذي يترك سلوككم وأخلاقكم وإعراضكم عن الدنيا أثره في إصلاح الناس، فيقتدون بكم. لا أريدكم أن تتركوا التفقّه، بل عليكم الدراسة المتواصلة بكل جدّية، وما لم تتفقّهوا فإنكم لن تستطيعوا أن تخدموا إسلامكم".

ويقول:"نحن مسؤولون عن تهيئة الجو المناسب لتربية وتنشئة جيل مؤمن فاضل يحطّم عروش الطّغاة".

" وفي نوع آخر يقول:"يجب أن نحذف من قاموسنا منطق الهزيمة القائل بأننا لا نستطيع الالتحام مع القوى الكبرى. إنكم إذا شئتم حققتم ما تريدون بإذن الله".

ويقول:"على المسلمين أن ينهضوا فهم منتصرون في نهاية المطاف. وإن أميركا لن تستطيع أن تقف قبال الإسلام".

ويقول:"إن ما حدث في إيران من ثورة يرجع لعاملين، الأول وهو الأهم من غيره، هو أن الشعب التحم مع الإسلام في مسيرته، بمعنى أن إيران من أقصاها كانت تطالب بالإسلام، والأمر الثاني أن جميع الأصناف والقطاعات اتحدت وتلاحمت فيما بينها".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

93

المحاضرة الثانية عشر: الثورة الاسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية

 ويقول:"أنت أيها الشعب إذا أصررت على الطريق المستقيم، وقمت بالأمر فإنك ستمسك أزمة الأمة بيدك. وستصدر منك الأمور وإليك تعود، وإذا تحققت الحكومة التي أرادها الإسلام، فإن الحكومات الفعلية في العالم لن تستطيع الوقوف أمامها".

ويقول:"إن الإسلام كاد أن يُنسى، وكادوا يقضون عليه، وكادوا يسحقون القرآن، إلا أن ثورتكم يا شباب، ونهضتكم يا أبناء الشعب هي نهضة إلهية أحيت القرآن وأحيت الإسلام وأعطت الإسلام حياة جديدة"، ويقول:"إنني لأخجل حقاً حينما أشاهد هذا الجيل الشاب الذي يطالبني ـ وهو في عنفوان شبابه ـ أن أدعو له كي يرزق الشهادة".

ويقول:"إنني أنصحكم أيها السادة وأنتم على رأس بعض الأقطار الإسلامية أن تسعوا لتحكموا القلوب لا أن تحكموا الأبدان، والقلوب عنكم بعيدة".

ويقول:"إن أحد العوامل التي حققت لكم النصر، هذا التصاعد في الظلم والإرهاب، ذلك أن الرعب والارهاب عندما يطغيان فإن الانفجار سيتبعه، ويتجمع الحقد الشعبي لتطلقه صرخة شجاعة".

ويقول:"وأنت إذا كنت لا تمس السياسة الاستعمارية، وكنت في دراستك للأحكام لا تتجاوز النطاق العلمي، فلا شأن لهم معك".

" وفي معرض كلامه عن أهمية الدور الذي تقوم به المعاهد والجامعات في إطار البناء والهدم يقول الإمام الخميني:"يجب أن يعلم الشعب الذي واجه الغارة عليه أن القسم الأكبر من سبب الضربة المهلكة التي وجهت إلى إيران والإسلام في نصف القرن الأخير يعود إلى الجامعات، لو أن الجامعات ومراكز التربية والتعليم كانت تسير وفق برامج إسلامية ووطنية تهدف إلى تحقيق مصالح البلد في تعليم الشباب لما أمكن أبداً أن تبتلع وطننا بريطانيا وبعدها أميركا وروسيا".

الثاني: تحديات فكرية عبر البوابة الليبرالية الغربية:

لقد نشط الغرب في مواجهة الثورة الإسلامية نشاطاً استثنائياً على كل صعيد، وفي مقدمة ذلك الصعيد الفكري والثقافي.

ـ فهو اتّهم الثورة بالرجعية والتخلّف، وعدم مواكبة العصر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
106

94

المحاضرة الثانية عشر: الثورة الاسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية

  

ـ واتهمها بالتعصب والعنف والارهاب.

ـ وحرك المبهورين به من (المستشرقين) و(المستغربين) لتشويه صورتها.

ـ وحرّض العلمانيين على الإيقاع بها والنيل منها.
ـ ثم إنه عمد إلى تجنيد أقلام الساقطين والمنحرفين، للطعن في الإسلام والقرآن والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. وفي إشارة ملفتة من الإمام الخميني إلى أخطار هذا الفريق من الناس يقول: "إن الكتاب والخطباء الجهلة المنبهرين بالغرب والشرق يسخرون من ثقافتنا وأدبنا وصناعتنا واختراعنا ويقللون من شأن فكرنا وإمكاناتنا المحليّة ويزرعون فيها البأس ويروّجون بأعمالهم وأقوالهم وكتاباتهم العادات والتقاليد الأمنية مهما كانت مبتذلة ومنحطّة... وإذا كان في كتاب ما أو في مقالة أو خطابة عدة مفردات أجنبية فإنهم يقبلونه بإعجاب دون التحقيق في محتواه ويعتبرون الكاتب أو الخطيب عالماً ومثقفاً".

ـ وليس المرتد (سلمان رشدي) و(مصطفى جحا) و(منصور فهمي) و(نجيب محفوظ) إلا نماذج لهذه الشريحة التي باعت نفسها لإبليس والشيطان الأكبر.

ـ لم يتورّع (سلمان رشدي) من تسمية كتابه (آيات شيطانية)، ولم يخجل من اتهام إبراهيم عليه السلام بأنه ولد غير شرعي، وأن عائشة (رضي الله عنها) داعرة، وأن القرآن الكريم قد أباح الشذوذ الجنسي وشجّع عليه، وأن القرآن نفسه من تأليف النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ـ بل إن زوجة هذا المرتد (ماريان فيغنز)، لم تُخف صهيونيتها من خلال (القصة) التي أعلنت فيها الحرب على المسيحية والإسلام، منفذة نصوص بروتوكولات حكماء صهيون بدقّة، ومنها البروتوكول القائل:"لن يكون هنالك سوى دين واحد هو ديننا الذي يرتبط به مصيرنا. ومن أجل ذلك لا بد من القضاء على كل العقائد".

من هنا.. كان الحكم بإعدام (رشدي) إجراءً وقائياً لوقف هذه العربدة الخسيسة، ولتحصين العالم الإسلامي والمقدّسات الدينية من المروق والفسوق والتخريب.

" هذا من جانب ومن جانب آخر يبيّن الإمام الخميني رأيه في الرأسمالية وموقف الإسلام منها، حيث يقول:"إن الإسلام لا يوافق الرأسمالية المطلقة الظالمة التي تتولى حرمان الجماهير المضطهدة والمظلومة بل إنه يدينها بشكل جدّي ويعتبرها مخالفة للعدالة الاجتماعية".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

95

المحاضرة الثانية عشر: الثورة الاسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية

 الثالث: تحديات فكرية عبر البوابة الراديكالية الشرقية

 
ومن التحدّيات الشرسة التي واجهتها الثورة الإسلامية، تحدّيات الفكر الراديكالي الشيوعي، الذي يعتبر المرتع الخصب لكل أطروحات الزندقة والإلحاد المبنية على مقولة (ماركس):"لا إله والحياة مادة".
ولقد واجه الإمام الخميني هذا التحدي باطمئنان المؤمن وثقة الموقن بانتصار الحق وأهله، وانهزام الباطل وجنده "ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين" إنهم لهم المنصورون" وإن جندنا لهم الغالبون"(الصافات:171-173).
 
وابتداءً أرسل الإمام الخميني رسالة إلى (غورباتشوف) يدعوه فيها إلى إعادة النظر بالماركسية ودراسة الإسلام.
 
وانتهاءً أدرك الإمام الخميني أن الفلسفة الماركسية إلى زوال، وأن الاتحاد السوفياتي إلى أُفول، وكان ما كان ".. فأما الزّبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال"( الرعد: 17)
. يقول الإمام الخميني:"إلى اليساريين كالشيوعيين وفدائيي الشعب وسائر التجمعات المتمايلة إلى اليسار هي إنكم بأي دافع أرضيتم أنفسكم وأقبلتم على عقيدة هي اليوم في الدنيا فاشلة. أنتم لاحظوا منذ بداية وجود الشيوعية كيف أن المدّعين لها هم أكثر حكومات الدنيا ديكتاتورية وحب سيطرة وأنانية. كم هي الشعوب التي سحقت تحت مقال الشيوعية...".
 
وبين إفلاس الحضارة الغربية، وسقوط الفكر الماركسي، وانهيار معاقل الباطل، يتردد قول الشاعر:
لا رأسمال الغرب يسعدنا            ولا فكر شيوعي دخيل ملحد
الله أكرمنا بنور محمد                فعن البصائر يا ظلام تبدّد
يا أمّة الإسلام لا تترددي            هبّي فمثلك أمّة لا تقعد
يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي        أنا بغير محمد لا نقتدي
 
 

* محاضرة ألقيت بتاريخ: 16 2 1999 في مركز الإمام الخميني الثقافي بيروت.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108
 

96

المحاضرة الثالثة عشر: البعد الحضاري في ثورة الامام الخميني

 المحاضرة الثالثة عشر: البعد الحضاري في ثورة الامام الخميني*

 
المحامي رشاد سلامة


في طبع لبنان، الانفتاح على حضارات العالم، والتفاعل مع ما تصنفه الأزمان في خانة الفتوحات... تلك التي يعلي صروحها رجالات عظام، رفعهم استحقاقهم إلى منزلة القادة، ففاءت إلى فكرهم، ودعوتهم، ومدارسهم، أمم وشعوب.

وفي صدر خصائص هذا الوطن، سعة ساحاته، اعترافاً بالمكانات التي يحتلها في عقيدة إنسانه، فكر القادة الأئمة، حيث يصبح التعبير عن العقيدة التزاماً وممارسة... أرقى ما تكون الممارسة، وأعمق ما يكون الالتزام.

أنا هنا في هذه الندوة، لأشهد أكثر مني لأشرح. أتيت ندوة الإخوة الأصدقاء، لأوجه تحية الاكبار للإمام الخميني، ولكي أشهد للثورة الإسلامية التي رفع الإمام راياتها، وقاد جموعاً، ما زالت منذ عقدين من الزمن، وفيّة لأعلامها، غفيرة، تسير في مواكب النصر، ويحف بها البشر من كل صوب.

أفواج المدرسة الخمينية هم حملة فكر الإمام المؤسس، ولكنهم بالتأكيد حملة وصية أمير المؤمنين، الإمام علي عليه السلام إلى الحسن والحسين، ولديه الإمامين العظيمين، حيث قال:

"كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً".

كأنه قال عليه السلام كونوا حرباً على الظلم، وانصروا حرب المظلومين.

فهل كانت الثورة الإسلامية في إيران، إلا ثورة المقهورين على القهر، وثورة المظلومين على الظلم، وثورة الأخيار والأطهار على الفساد والمفسدين؟
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

97

المحاضرة الثالثة عشر: البعد الحضاري في ثورة الامام الخميني

 لقد بات من الراهن في عرف العالم، أن ثورة الإمام الخميني، هي غضبة الناس من أجل كراماتها، ومن أجل حرياتها، وثورة المساجين ضد سجّانهم، وسيف الحق بيد المستضعفين.


وأما النصر الذي أيّده الله، فقد كان نصر الشعب على الحاكم الذي اختصر النظام بعرشه، فأطاح الشعب عرشاً لم يكن محصّناً إلا بأجهزة القمع، وبإرادة الأجنبي.

 شعب إيران، عرف قائده الحقيقي، فانتظم في مسيرة القائد، ليقيم نظاماً معبّراً عن إرادته، منسجماً مع إيمانه، ممثلاً لأهدافه ورسالته.

ذلك بهاء للثورة الإسلامية، وانجاز من منجزاتها بالمعنى الديمراطي.

ولكن ثمة بهاء لهذه الثورة في مدارها الإنساني، وهو كونها أم ثورات هذا العصر، يقودها الإيمان، لتهزم إلحاد الملحدين.

قبلها، كان التسلط والظلم والفساد، عناوين امبراطورية أسيرة للمقتضى المادي... بعدها، صار الإيمان يرسم حدود المادة، ويوظفها في خدمة العمران والشأن الإنساني.

قبل ثورة الإمام الخميني، كانت صورة إيران في ذهن العالم صورة الدولة المستمرة بفعل الدعم الخارجي، دعم قوى الاستعمار والاستكبار العالمي... وبعدها باتت إيران دولة قائمة بقوة شعبها، ومؤسساتها، تسير بهدي المخلصين.

قرأت للإمام الخميني وصاياه إلى ولده، فإذا بها صيغت بفكر القائد الذي يعتبر الرعية كلها، مجموعة من أبنائه الأقربين، وبفكر المؤسس الذي يقيم مداميك مدرسته، على دعائم إيمانه، وفي ضوء رؤيته البعيدة، لمسلك الحاكم القائد.

أوصى باعانة عباد الله، خصوصاً المحرومين منهم، والمساكين المظلومين، وبالسعي في خدمة هؤلاء جميعاً، وحمايتهم من المستكبرين والظالمين.

وحذّر من غواية السلطة، ومن العبث بحقوق الناس، ومن مغبة التورّط مع المعتدين على حقوق الآخرين.

قال في إحدى وصاياه:
"إحرص على أن لا تغادر هذا العالم بحقوق الناس. فما أصعب ذلك، وما أقساه. واعلم أن
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

98

المحاضرة الثالثة عشر: البعد الحضاري في ثورة الامام الخميني

 التعامل مع أرحم الراحمين، أسهل بكثير من التعامل مع الناس. نعوذ بالله تعالى أنا وأنت وجميع المؤمنين، ومن التوّرط في الاعتداء على حقوق الآخرين، أو التعامل مع الناس المتورطين".

بهذا الفكر، حملت الثورة الإسلامية، راية العدالة، فكانت جامعة للقيم الإنسانية التي تدّعيها شعوب الأرض قاطبة، وحملت بذلك بذارها الخيّر، الذي ينبت في كل أرض صلاح، فيورق، ويثمر، وتحصد الإنسانية من خيرات هذا العطاء.

قاد الإمام الخميني ثورة الحق. وحدّد دور الإنسان في خدمة الشأن العام، فقال ما معناه: إن النهوض بالمسؤوليات الإنسانية هو نهوض بخدمة الحق في صورة خدمة الخلق وقال أيضاً:
"إن الميزان في الأعمال هو دوافعها".

قلت إني هنا لأشهد، لا لأشرح. ولكن، فليؤذن لي أن أسجّل معكم، أن الحق ليس أنصبة ولا حصصاً مادية تدخل في حساب الأفراد، بل مجموعة من القيم الحضارية، والقيم الوطنية، والقيم الإنسانية في صدارتها حق الشعوب بالحرية، وحق الأوطان بالتحرر، وواجب المواطنين في حمل مسؤولية التحرير، وحق الأحرار بقيادة المقاومة في سبيل التحرير.

الثورة الإسلامية، حضنت هذه الحقوق جميعاً، وحضنت الحق العربي، وأخلصت في كل مضمار، وتحالفت مع القادة المناضلين. مع سوريا الأسد، مع حافظ الكرامة وأسد التحرير.

وكانت هذه الثورة ملهمة المقاومة في لبنان، نصيراً للأبطال رافعي أعلام العزة والكرامة، في سبيل تحرير أرضنا الغالية، في الجنوب والبقاع الغربي.

هذه المقاومة، التي هزمت غطرسة العدوّ الإسرائيلي، وضعت المرحلة الراهنة من تاريخ وطننا تحت عنوانها البهيّ، وأعني لبنان المقاوم، لبنان الممانع، ولبنان القويّ بقوة جيشه، وبمواكب الشهداء من أبنائه الأكرمين.
بوركت ثورة عمادها الإيمان، ونهجها تحرير الأوطان، وغايتها نصرة القيم الغالية، وخدمة الإنسان.
حقق الله للثورة وأبنائها، وحلفائها، النصر، والمجد لنضال المناضلين الشرفاء. ومنّ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
111

99

المحاضرة الثالثة عشر: البعد الحضاري في ثورة الامام الخميني

 على لبنان في عهد الرئيس العماد، بنعمة الحرية، وقرّب مهرجان الشعب، احتفالاً بالنصر في أجمل أعيادنا، عيد التحرير، بإذن الله.

 
 
 

* محاضرة ألقيت بتاريخ: 16 ـ 2 ـ 1999 في مركز الإمام الخميني الثقافي ـ بيروت.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

100
قراءات في فكر الإمام الخميني قدس سره