بغير حساب


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-02

النسخة: 2015


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

 عن أبي عبد الله  عليه السلام قال:

 
"ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله"1



1 العلامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة الثانية، 1403 هـ، ج26، ص261.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

الفهرس

 الفهرس

9

المقدمة

11

الدرس الأول: من هم المسلمون

12

تسمية المسلمين

13

الإسلام لغةً واصطلاحاً

13

معنى الإسلام في القرآن الكريم

14

استخدامات الإسلام في القرآن

14

مراتب الإسلام في القرآن

15

الإسلام ومعنى الانقياد

16

الآثار المترتّبة على الإسلام

19

الدرس الثاني: من هم المؤمنون

20

الإيمان كفيل السعادة

20

ما هو الإيمان

21

الإيمان في الفقه

22

حقيقة الإيمان

22

1- التصديق القلبي

22

2- التصديق القلبي مع الإقرار باللسان

23

3- التصديق القلبي والإقرار باللسان والعمل بالجوارح

23

كيف فسّرت الروايات معنى الإيمان؟

24

الفرق بين الإيمان والإسلام

27

الدرس الثالث: توأمان لا يفترقان

28

الإيمان والعمل

28

الإيمان والعمل في كلام الإمام علي عليه السلام

30

العمل مكمّل الإيمان

31

الإيمان والعمل في الآيات القرآنية

32

هل يجتمع الإيمان والمعصية؟

35

الدرس الرابع: أفضل الناس

36

ما هي العبادة؟

37

اعبدوا ربّكم

37

العبادة في الروايات الشريفة

38

العبادة لا تنحصر بالطقوس

39

العبادة غاية الخلق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

6


2

الفهرس

 

40

ثمرة العبادة

43

الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

44

أنواع العبادات في الإسلام

44

للعبادة ظاهر وباطن

46

نبذة عن عبادة المعصومين عليهم السلام

51

الدرس السادس: معراج الروح

52

معنى حضور القلب

52

بقدر حضور القلب تُقبل العبادة

53

آثار عدم حضور القلب في العبادة

54

عوائق حضور القلب

54

1- الخيال

55

2- حبّ الدنيا

55

اجعل طائر الخيال في قبضتك

56

عالج قلبك

59

الدرس السابع: عمود الدين

60

معنى الصلاة

60

حقيقة الصلاة

62

علّة تشريع الصلاة

62

الصلاة الواجبة والمستحبّة

63

ثمرة النوافل

65

الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

66

منزلة الصلاة وأهميتها

66

1- المكان الذي فرضت فيه

66

2- رأس مال المسلم وعروة الإسلام

67

3- أحبّ الأعمال إلى الله تعالى

67

4- أفضل وسيلة لذكر الله تعالى

67

5- أفضل وسيلة لمواجهة الشدائد

68

6- خير الأعمال وأفضلها

68

الآثار الروحية والتربوية للصلاة

68

1- قوة الصلة بالله تعالى

69

2- أثر الصلاة في طهارة النفس وتزكيتها

70

3- درع المسلم السابغة

70

4- إزالة الغفلة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

7


3

الفهرس

 

70

5- قمع التكبر وتمزيق حجب الغرور

71

6- مفتاح لكلّ خير

71

7- مغفرة ورحمة

72

عاقبة ترك الصلاة

73

الدرس التاسع: كتاب السلوك إلى الله

74

دور القرآن في تحقيق العبودية

75

الآداب المعنوية لقراءة القرآن الكريم

76

1- رؤية النفس مستغنية

77

2- العقائد الباطلة

77

3- الذنوب والمعاصي

77

4- حجاب حبّ الدّنيا

81

الدرس العاشر: مخّ العبادة

82

معنى الدعاء

82

موقعيّة الدعاء من العبادة

83

الدُّعاء بوّابة مفتوحة

84

الآداب المعنوية للدعاء

89

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله

90

الشَّفاعة لغةً واصطلاحاً

90

العناصر المكوّنة لمفهوم الشَّفاعة

91

أنواع الشَّفاعة

92

الشفعاء

93

معنى التوسّل

95

طلب الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء

97

الدرس الثاني عشر: من شعائر الله

98

معنى الزِّيارة

98

الأدلّة على مشروعيّة الزِّيارة

98

الدليل القرآني

99

الدليل الروائي

101

أنواع الزِّيارة

102

فوائد الزِّيارة وآثارها

 

 

 

 

 

 

 

 

 

8


4

المقدمة

 المقدمة

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الطاهرين.
 
تواجه الروح الإنسانية في حركتها التكاملية للوصول إلى الكمال عدة مستويات يمكن أن نلخّصها بثلاثة هي:
الأوّل: النشاط والحيوية الروحية.
الثاني: الخمول والكسل الروحي.
الثالث: الشلل والتعطيل الروحي الكامل.
 
وما نودّ الحديث عنه في هذه المقدّمة هو المستوى الثاني، وهي حالة الفتور والركود الروحي التي قد تصيب الإنسان لأسباب إما طبيعية أو غير طبيعية هي الأكثر، لأنّ تعب النفوس من فترة إلى أخرى أمر طبيعي وسليم. وهي في الحقيقة فترة راحة تحتاج إليها النفس لكي تعاود نشاطها المعنوي والروحي من جديد، لأنّ الإنسان لا يمكنه أن يسير بوتيرة معنوية واحدة وعلى منوال واحد في كلّ محطّات سيره. بل سينال منه التعب من وقت لآخر، وسوف يضطر للجلوس لكي يرتاح قليلاً. روي عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "رَوِّحُوا أَنْفُسَكُمْ بِبَدِيعِ الْحِكْمَةِ فَإِنَّهَا تَكِلُّ كَمَا تَكِلُّ الْأَبْدَانُ"1. وفي رواية أخرى يقول عليه السلام: "رَوِّحُوا قُلُوبَكُمْ فَإِنَّهَا إِذَا أُكْرِهَتْ عَمِيَتْ"2.



1 الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية - طهران، الطبعة الرابعة، 1407 هـ، ج1، ص48.
2 ابن أبي جمهور، محمد بن زين الدين، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق وتصحيح: مجتبى العراقي، الناشر: دار سيد الشهداء للنشر - قم، الطبعة الأولى، 1405 هـ، ج3، ص296.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

المقدمة

 إذن التعب الذي يمكن أن ينال من النفس أثناء أداء الإنسان لواجباته الدينية خصوصاً العبادية منها أمر طبيعي ولا ينبغي أن يعتبر علامة على حدوث انتكاسة روحيّة أو معنوية أو بداية الخمول وربّما الشلل الروحي. بل النظرة الصحيحة لكيفيّة التعاطي مع العبادات التي تقرِّبنا نجوى إلى الله، ينبغي أن تحكمها الأطر الصحيحة التي سنّها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وينبغي أن تكون هي الحاكمة منذ البداية. فعندما يوصي الرسولُ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الإمامَ علي عليه السلام بالقول: "يَا عَلِيُّ إِنَّ هَذَا الدِّينَ‏ مَتِينٌ‏ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ (يَعْنِي الْمُفْرِطَ) لَا ظَهْراً أَبْقَى وَلَا أَرْضاً قَطَعَ فَاعْمَلْ عَمَلَ مَنْ يَرْجُو أَنْ يَمُوتَ هَرِماً وَاحْذَرْ حَذَرَ مَنْ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَمُوتَ غَد"1.

 
هذه الروايات وغيرها تكشف عن أصل حاكم مهمّ جدّاً ينبغي أن يكون حاضراً في عبادتنا منذ اللحظات الأولى، وينبغي أن تكون الرؤية الإسلامية الصحيحة حول العبادة ولكيفيّة التعامل معها منطلقة منه حتى لا نقع في الشبهات التي قد تبعدنا عن الحق من حيث لا نحتسب. فإنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً كما قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "‏إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَإِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَتَنَفَّلُوا وَإِذَا أَدْبَرَتْ‏ فَعَلَيْكُمْ بِالْفَرِيضَةِ"2. وعلى الربّان الحاذق والفطن أن يحسن قيادة دفّته المعنويّة حتى لا يبتلى بعد فترة بأيّ انتكاسة روحيّة تحرمه من هذا المعين الذي ترنو إليه النفوس التائقة نحو السعادة الخالدة. وهذا الكتاب ـ بغير حساب ـ هو محاولة تهدف إلى تحقيق أمرين:
الأوّل: إعادة التذكير بالعبادة، أهمّيتها، أنواعها، ودورها لكي تبقى حاضرة في النفس وتشكّل حافزاً ودافعاً للانطلاق والاستمرار في العبادة بزخم ونشاط.
 
الثاني: البقاء في محضر العبادة أثناء فترة الراحة والاستراحة أثناء عملية التحضير للانطلاقة المعنوية الجديدة على قاعدة ﴿وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾3.
 
 
 
والحمد لله رب العالمين
مركز نون للتأليف والترجمة



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص87.
2 م.ن، ج3، ص454.
3 سورة هود، الآية 120.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

6

الدرس الأول: من هم المسلمون

 الدرس الأول: من هم المسلمون

 
 
النصّ القرآني:
قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾1.
 
النقاط المحورية:
- الإسلام لغةً واصطلاحاً.
- الإسلام في القرآن.
- الإسلام ومعنى الانقياد.
- الآثار المترّتبة على الإسلام.



1 سورة الحج، الآية 78.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

7

الدرس الأول: من هم المسلمون

 تسمية المسلمين

قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾1.
 
الآية الكريمة تتحدّث عن سببين لتسمية المسلمين:
أولاً: ليكون الرسول شهيداً عليهم.
وثانياً: لكي يكونوا شهداء على الناس.
 
وبطبيعة الحال الشاهد وظيفته وواجبه الأساس هو أن يشهد الحقّ في حالة حدوث خلاف. إذاً السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي القضية التي فيها اختلاف؟
 
القضية موضع الخلاف مذكورة في أوّل الآية الكريمة، حين يقول الله سبحانه: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ فهذا يعني بالضرورة أنّ هناك جهاد حقٍّ وجهاد باطل، وأنّ القضية هي الخلاف بين الجهاد الحقّ والجهاد الباطل.
 
والجهاد الحقّ هو إفْعال السلام لأن الإسْلام إفعال السلام. والمجرم الذي يُفسد في الأرض بـعمله وقوله والذي لا ينشر السلام بين الناس هو عكس المُسلم المُفعِل للسلام: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾2. وعليه لا يُمكن الإفساد في الأرض وسفك الدماء وإدعاء أنّ ذلك جهاد في سبيل الله. والتسمية كمُسلِمين التي تحدّثت عنها الآية والتي تعني مُفعِلين للسلام، وهذا المعنى يدحض أيّ تبرير للفساد في الأرض وسفك الدماء بحجّة الجهاد في سبيل الله. والفهم الصحيح لمعنى اسم المسلمين يجعلهم أيضاً شهداء على كلّ من يُفسد في الأرض ويسفك الدماء بحجّة الجهاد في سبيل الله.
 
ولكن منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا كثير من الدماء تُستحلّ وتُسفك والجرائم تُرتكب والحروب تشتعل بحجّة الجهاد في سبيل الله. كلّ هذا يتنافى مع الهدف الأساس الذي جعلنا الله من أجله خلفاء في الأرض.
 
فما هو معنى الإسلام؟ وما هي مراتبه والآثار المترتّبة على هذه المراتب؟



1 سورة الحج، الآية 78.
2 سورة القلم، الآية 35.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

8

الدرس الأول: من هم المسلمون

 الإسلام لغةً واصطلاحاً

للإسلام في اللغة عدّة استعمالات:
منها: اعتناق الدين الإسلامي والدخول فيه، كما في قوله تعالى: ﴿وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾1.
ومنها: الانقياد والطاعة.
ومنها: الصلح والسلام.
ومنها: الخذلان وترك النصرة.
ومنها: بيع السلف والسلَم.
 
وإذا راجعنا المعاجم اللغوية2 نجد أنّ أكثر معنى ذُكر للإسلام هو الاستسلام والانقياد.
 
نستنتج أنّ أحد معاني الإسلام هو الاستسلام والخضوع أو أنّ من لوازمه هو الاستسلام والانقياد والخضوع.
 
معنى الإسلام في القرآن الكريم
وردت كلمة "الإسلام" بلفظها في القرآن الكريم أحياناً وبألفاظ أخر من مادّتها واحد وثمانون مرّة تقريباً. وهي في كلّ هذه المرّات تدور حول ثلاثة أوجه:
الأول: الإسلام بمعنى الإخلاص. ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾3.
 
الثاني: الاعتراف باللسان. ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾4. يعني اعترفنا باللسان فقط.
 
الثالث: التسليم الكامل والمطلق لله ربّ العالمين. وذلك يجمع الاعتراف باللسان، والتصديق بالقلب، والوفاء بالفعل، والاستسلام لله تعالى في جميع ما قضى وقدّر، ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾5.





1 سورة التوبة، الآية 74.
2 يقول ابن فارس في مادّة: "سلم": السين واللام والميـم، معظم بابه من الصحّة والعافية، فالسلامة أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى... ثم يقول: ومن الباب أيضاً: الإسلام وهو: الانقياد، لأنّه يسلم من الإباء والامتناع. أمّا الراغب الأصفهاني فقد فسّر الإسلام بالدخول في السلم يقول: "والإِسْلَامُ: الدّخول في السّلم، وهو أن يسلم كلّ واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه".
3 سورة البقرة، الآية 131.
4 سورة الحجرات، الآية 14.
5 سورة البقرة، الآية 112.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

9

الدرس الأول: من هم المسلمون

 استخدامات الإسلام في القرآن

تُطلق كلمة الإسلام في القرآن على عدّة معاني منها:
1- الشرائع السابقة ولا تختصّ بالدين الإسلامي. فقد أُطلقت على شريعة الأنبياء السابقين للنبي منهم نبي الله نوح، إبراهيم، موسى، سليمان، عيسى1.
 
2- النبي الأعظم وأتباعه. يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾2.
 
3- الدعوة للمؤمنين للدخول في السلم قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾3.
 
4-  التسليم لحكم رسول الله، قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾4. بيّن سبحانه أنّ الإيمان به إنّما هو بالتزام حكم رسوله والرضا به5. إلى غيرها من الاطلاقات6.
 
مراتب الإسلام في القرآن
التقسيم الأول:
قسّم العلامة المصطفوي مراتب الإسلام إلى ثلاثة مراتب على الشكل التالي:
الأولى: الإسلام في الأعمال الظاهريّة والأعضاء الجسمانيّة.
الثانية: موافقة الظاهر للباطن بحيث لا تختلف أعماله عمّا في قلبه ونيّته.
الثالثة: الاستغراق في بحر الوجود الحقّ بحيث لا يبقى إنيّة ولا تشخّص نفسيّ، ولا رؤية نفس، وتتجلَّى في هذه المرتبة حقيقة مفهوم التسليم والموافقة الحقّة المطلقة ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾7.8



1 ينظر: سورة يونس، الآيتان71و72. سورة البقرة، الآيات 130-132. سورة الذاريات، الآيات 31-36. سورة البقرة، الآية 28. سورة النمل، الآيات 28-31. سورة الأعراف، الآيات 117-126. سورة النمل، الآيات 28-31 و42-44. سورة آل عمران، الآيتان 52و53.
2 سورة آل عمران، الآية 85.
3 سورة البقرة، الآية 208.
4 سورة النساء، الآية 65.
5 ينظر: الكاشاني، الملا فتح الله، زبدة التفاسير، تحقيق مؤسسة المعارف، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية - قم - إيران، مطبعة عترت، الطبعة الأولى، 1423 هـ، ج2، ص 95.
6 ينظر حول معاني الإسلام في القرآن كتاب: التكفير ضوابط الإسلام وتطبيقات المسلمين، الشيخ أكرم بركات، ص 26-31.
7 سورة آل عمران، الآية 19.
8 ينظر: المصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - طهران، الطبعة الأولى، 1410 هـ، ج5، مادة سلم، ص 191.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

 


10

الدرس الأول: من هم المسلمون

 التقسيم الثاني:

للعلامة الطباطبائي تقسيم أشمل للمراتب حيث اعتبر أنّ مراتب الإسلام أربعة حسب ما جاء في القرآن1.
 
- المرتبة الأولى: القبول لظواهر الأوامر والنواهي بتلقّي الشهادتين لساناً، سواء وافقه القلب، أو خالفه، قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾2.
 
- المرتبة الثانية: الاعتقاد التفصيلي بالحقائق الدينية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾3.
 
- المرتبة الثالثة: انقياد جميع القوى البهيمية والسبعية لقوى العقل بحيث يُصبح الإنسان يعبد الله كأنّه يراه فإنْ لم يكن يراه فإنّ الله يراه, والأخلاق الفاضلة من الرضاء والتسليم، والحسبة والصبر في الله، وتمام الزهد والورع، والحب والبغض في الله من لوازم هذه المرتبة. قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾4.
 
- المرتبة الرابعة: التسليم الصرف لما يُريده المولى أو يُحبّه ويرتضيه، وهذه المرتبة إفاضة إلهية لا تأثير لإرادة الانسان فيه، وهذا ما طلبه ابراهيم عليه السلام في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾5 فإبراهيم كان مسلماً باختياره، لكنّ سؤاله في أواخر عمره مع ابنه إسماعيل الإسلام وإراءة المناسك سؤال لأمر ليس زمامه بيده، أو سؤال لثبات على أمر ليس بيده6.
 
الإسلام ومعنى الانقياد
من خلال العرض القرآني السابق نُلاحظ أنّ جميع الآيات القرآنية تتلاءم مع معنى الانقياد بلحاظين:
1- بلحاظ الجهة المنقاد إليها: وهي الله تعالى، بغضّ النظر عن اختلاف الشرائع السماوية.
 
2- بلحاظ مراتب الانقياد: ويُمكن تقسيم المراتب إلى أربعة أقسام:



1 ينظر: أسوار الأمان، الدرس 12 الأعراب والصادقون، إعداد مركز نون للتأليف والنشر، ص 242- 247.
2 سورة الحجرات، الآية 14.
3 سورة الزخرف، الآية 69.
4 سورة البقرة، الآية131.
5 سورة البقرة، الآية 128.
6 ينظر: العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، قم، ج1، معنى الاسلام - مراتب الاسلام والايمان (بحث قرآني)، ص 301-303.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

 


11

الدرس الأول: من هم المسلمون

 الأول: مرتبة الإسلام الظاهري وهي التي تحصل فيها حالة من الانقياد الظاهري دون التوافق الباطني. كما في الآية 14 من سورة الحجرات.

 
الثاني: مرتبة الإسلام الواقعي وهي ما يحصل فيها انقياد قلبي وباطني ويُمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع من الانقياد حسب كلام العلامة الطباطبائي:
النوع الأول: التسليم والانقياد القلبي لجلّ الاعتقادات الحقّة التفصيلية وما يتبعها من الأعمال الصالحة.
 
النوع الثاني: الانقياد القلبي الذي تخضع له سائر القوى الباطنية عند الإنسان فلا يجد في نفسه شيئاً إلا وينقاد لله تعالى.
 
النوع الثالث: الانقياد والتسليم الصرف لما يريده المولى أو يُحبّه ويرتضيه وهذا معنى وهبي، وإفاضة إلهية لا تأثير لإرادة الإنسان فيه.
 
الآثار المترتّبة على الإسلام
المقصود من الإسلام هنا هو الإسلام الظاهري دون الواقعي، حيث لا شكّ في الحكم بإسلام من أظهر الشهادتين سواء علمنا باعتقاده الباطني بالإسلام أو لم نعلم1، نظراً إلى ظاهر القول فبمجرّد إظهاره للأمور التي يتحقّق بها الإسلام يُحكم بإسلامه ويوجب صيرورته كسائر المسلمين حيث تجرى عليه أحكام الإسلام، من طهارة البدن، وحلّ المناكحة، وحقن الدم، واحترام ماله وعرضه. لكنّ هذا الإسلام الذي لم يتجاوز عن إطار الإقرار لا ينفع في الآخرة شيئاً ولا يوجب أجراً ولا ثواباً ولا يعتبر زاداً للعبد ليوم معاده وحاجزاً له عن عذاب الله تعالى، وللآخرة حساب آخر.
 
أمّا لو علمنا نفاقه وعدم مطابقة تظاهره بالإسلام للواقع، فقد ذهب الفقهاء أيضاً إلى الحكم بإسلامه بمجرّد الإقرار بالشهادتين. وذلك للأخبار المدّعى تواترها، الدالّة على كفاية الإقرار بالشهادتين، وأنّ بالإسلام تُحقن الدماء وتجري المواريث، هذا بالإضافة إلى السيرة القطعيّة على 



1 تراجع الكتب التالية: الوحيد البهبهاني، محمد باقر، مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع، تحقيق ونشر مؤسّسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني رحمه الله، قم، الطبعة الأولى، 1424هـ، ج4، ص525.
الجواهري، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق وتعليق القوجاني، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية، 1365هـ، ج6، ص 59.
اليزدي، محمد كاظم، العروة الوثقى، مع تعليقات عدة من الفقهاء العظام، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، ط1، 1417هـ، ج1، ص284، م 2.
الأردبيلي، أحمد، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، تحقيق مجتبى العراقي وعلي بناه الاشتهاري وحسين اليزدي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، 1416هـ، ج13، ص340.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

12

الدرس الأول: من هم المسلمون

 قبول إسلام المُظهِر لهما ولو مع العلم بنفاقه، فقد تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أمثال أبي سفيان مع علمه بنفاقه وعدم دخول الإسلام في قلبه.

 
وقد أخبر القرآن بنفاق بعض المسلمين وعدم دخول الإيمان في قلوبهم، بقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾1، وقوله تعالى أيضاً: ﴿وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾2.
 
وفي مقابل ذلك ذهب السيد اليزدي إلى عدم كفاية الإسلام الصوري الظاهري،لأنّ ألفاظ الشهادتين ليست إلّاطريقاً للكشف عن عقد القلب، فلا تكون حجّة مع العلم بمخالفتها له، ولأنّ المنافقين كما ورد في حديث محمّد بن الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام: "... لَيْسُوا مِنَ الْكَافِرِينَ ولَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ولَيْسُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الإِيمَانَ ويَصِيرُونَ إِلَى الْكُفْرِ والتَّكْذِيبِ لَعَنَهُمُ الله"3.
 
قد يُقال بأنّ هذا النوع من الأدلّة غير كافٍ لإثبات كفر المنافق، خصوصاً مع ورود الروايات المتقدّمة المؤكّدة على إسلامه، ودلالة نفس الحديث على أنّهم ليسوا من الكافرين. نعم، فيه دلالة على نفي مرتبة من مراتب الإسلام.
 
والحمد لله رب العالمين



1 سورة المنافقون، الآية1.
2 سورة الحجرات، الآية 14.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 395.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

13

الدرس الثاني: من هم المؤمنون

 الدرس الثاني: من هم المؤمنون

 
 
النصّ القرآني: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾1
 
النقاط المحورية:
- ما هو الإيمان؟
- الإيمان في الفقه.
- حقيقة الإيمان.
- الفرق بين الإيمان والإسلام.



1 سورة الحجرات، الآية 14.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

14

الدرس الثاني: من هم المؤمنون

 الإيمان كفيل السعادة

إنّ الإيمان الحقيقي هو الذي يُحقّق للإنسان سعادته في الدنيا والآخرة، إنّه ذلك الإيمان الذي يستقرّ في النفس الإنسانية فيُغيّر أحوالها وينهض بها إلى أعلى المراتب ويجعلها تستشعر عظمة الله ووحدانيّته وأنّه هو المتصرّف الوحيد في هذا الكون وهو المسيّر له ولا يتحرّك ساكن إلا بأمره، ويُسمّى الإيمان القلبي ومقرّه القلب.
 
وإذا دقّقننا أكثر سنجد: "أنّ الإيمان والكفر إنّما يتبعان صفات موجودة في القلب، فلا يُمكن تحقّق الإيمان إلَّا بعد التزكية، كما أنّ الكفر والنفاق من آثار رذائل الصفات، ولا يُمكن إزالة النفاق والكفر إلَّا بعد إزالة مبدئهما من حبّ الدنيا والنفس"1.
 
والإيمان إنّما يتكوّن في القلب وتظهر آثاره في اللسان والجوارح والأركان، وبظهور هذه الآثار تتمّ حقيقة الإيمان. وكما يقول بعض المفسّرين فإنّ: "حقيقة الإيمان هو ما أوجب الأمان فمن بقي في مخاوف المرتابين لم يبلغ إلى حقيقة الإيمان"2.
 
ما هو الإيمان
الإيمان لغةً مصدر آمن يؤمن إيماناً فهو مؤمن، فهو مأخوذ من مادة (أ م ن) التي تدلّ على عدّة معان:
الأول: الأمانة ضدّ الخيانة: ومعناها سكون القلب.
الثاني: الأمن والأمان ضدّ الخوف.
الثالث: التصديق ضدّه التكذيب.
الرابع: الإيمان ضدّ الكفر: وقد أُخذ هذا المعنى من التصديق.
الخامس: السكينة والطمأنينة: الأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، تُطلق على الحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن من طمأنينة النفس، وزوال الخوف.



1 الشيخ حسن المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج11، ص79.
2 السلمي، تفسير السلمي، تحقيق سيد عمران، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1421هـ. - 2001م، ج2، ص353.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

15

الدرس الثاني: من هم المؤمنون

 وقد خلص الشهيد الثاني إلى أنّ لمفردة الإيمان عند علماء اللغة جذرين:

الأول: التصديق والاعتقاد والاعتراف.
والثاني: الأمن والأمان بمعنى سكون النفس واطمئنانه"1.
 
والمعنى الإصطلاحي للإيمان موافق للمعنى اللغوي، فقد عرّف المتكلّمون الإيمان بالتصديق، فحقيقة الإيمان هي التصديق بالقلب، لأنّ الخطاب الذي توجّه فيه القرآن بلفظ آمنوا إنّما هو بلسان العرب ولم يكن العرب يعرفون الإيمان غير التصديق2.
 
الإيمان في الفقه
وللإيمان في الفقه اصطلاحان:
الأول: وهو الاعتقاد الخاصّ بالله تعالى وبرسله وبما جاؤوا به، وهو بهذا المعنى يختلف عن الإسلام الذي هو إقرار 3بالشهادتين باللسان. وقد أُشير إليهما في قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾.
 
الثاني: الاعتقاد بالله وبالرسل وما جاؤوا به وبإمامة أهل البيت  عليهم السلام4، ويُعبّر عنه بالإيمان بالمعنى الأخصّ المقابل للإيمان بالمعنى الأعم لخلوّه عن هذا الاعتقاد، فهو داخل في اصطلاح الإمامية.
 
إذا لاحظنا مصطلح الإيمان مع الإسلام فيُطلق الإيمان - تبعاً لآراء الفقهاء - على أربعة معانٍ منها:
المعنى الأول: يُساوي الإسلام،5 كما في قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾6، وقوله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾7.



1 ينظر: الشهيد الثاني، زين الدين بن علي بن أحمد العاملي، حقائق الإيمان، تحقيق السيد مهدي الرجائي، إشراف السيد محمود المرعشي، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة - قم المقدسة، مطبعة سيد الشهداء  عليه السلام، الطبعة الأولى، 1409هـ، ص 50.
2 الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي)، تحقيق الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1422 - 2002م، ج1، ص145.
3 هذا المعنى قال به السيد المرتضى، الشيخ الطوسي، ابن إدريس الحلّي، المحقق الحلّي، وغيرهم من الأعلام.
4 وصرّح بهذا المعنى الشهيد الأول، الشهيد الثاني، المحقّق الأردبيلي، وغيرهم من الأعلام.
5 الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، انتشارات ناصر خسرو، دار المعرفة، طهران، ط1، 1406هـ – 1986م، ج1، ص391.
- الشهيد الأول، الروضة، ج3، ص21.
- المحقق الخوانساري، مشارق الشموس، نشر مؤسسة آل البيت  عليهم السلام لإحياء التراث، ج2، ص430.
- الهندي، محمد بن الحسن، كشف اللثام عن قواعد الأحكام، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، 1424هـ، ج7، ص83.
6 سورة النساء، الآية 92.
7 سورة النساء، الآية 141.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

16

الدرس الثاني: من هم المؤمنون

 المعنى الثاني: مغاير للإسلام كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾1 وقوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾2.

 
وتحت عنوان المغايرة قد يُساوي الإيمان الإسلام، وقد يُراد بالإيمان التصديق القلبي، أو يُراد منه التصديق المقرون بعمل الجوارح، وقد يكون خاصّاً بالاعتقاد الاثني عشري.
 
وبذلك يكون مجموع الآراء الفقهية وفق هذه المعاني الأربعة.
 
حقيقة الإيمان
ذكرنا سابقاً أنَّ المعنى اللغوي والقرآني للإيمان هو التصديق لكن وقع البحث في أنّ الإيمان من مقولة التصديق القلبي فقط ولا دخالة للإقرار اللساني فيه أو أنّ حقيقته التصديق القلبي مع الإقرار اللساني، أو يُضاف إليهما عمل الجوارح أيضاً3.
 
والأقوال في حقيقة الإيمان عند علماء الإمامية على الشكل التالي:
1- التصديق القلبي:
وهو قول أكثر علماء الإمامية, والإيمان بهذا المعنى قوامه وحقيقته هو التصديق القلبي دون أن يكون للعمل أو الإقرار اللساني دخالة فيه.
 
2- التصديق القلبي مع الإقرار باللسان:
صرّح به الشيخ الصدوق في الهداية والمحقّق نصير الدِّين الشيخ الطوسي والمحقّق الكركي، ونسبه الشهيد الثاني إلى جماعة من المتأخّرين.
 
يقول المحقّق الشيخ الطوسي: الإيمان التصديق بالقلب واللسان. واختاره العلّامة الحلّي في شرحه لكلام المحقّق الشيخ الطوسي4. وهذا ما يراه جمهرة الفقهاء والمتكلّمين



1 سورة الأحزاب، الآية 35.
2 سورة الحجرات، الآية 14.
3 يقول العلامة ابن ميثم البحراني: "الإيمان إمّا أن يكون الإيمان والكفر من أعمال القلوب أو من أعمال الجوارح أو من أعمالهما. والأوّل هو التصديق القلبي. وأمّا الثاني: فإمّا أن يكون عبارة عن التلفُّظ بالشهادتين، وهو منقول عن الكرامية، أو من جميع أفعال الجوارح من الطاعات، وهو قول قدماء المعتزلة والقاضي عبد الجبّار، أو عن جميع الطاعات من الأفعال والتروك، وهو قول أبي علي وأبي هاشم. وأمّا الثالث فهو قول أكثر السلف، فإنّهم قالوا الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان. والمختار أنّ الإيمان عبارة عن التصديق القلبي بالله تعالى وبما جاء به رسوله من قول أو فعل، والقول اللساني سبب ظهوره، وسائر الطاعات ثمرات مؤكّدة له". (البحراني، ابن ميثم، قواعد المرام في علم الكلام، تحقيق السيد أحمد الحسيني، بإهتمام السيد محمود المرعشي، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، مطبعة الصدر، الطبعة الثانية، 1406هـ، الإيمان والكفر، ص 170).
4 ينظر: الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تعليق حسن حسن زاده آملي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط5، 1415هـ، المسألة الخامسة عشرة: في الأسماء والأحكام، ص 577.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

17

الدرس الثاني: من هم المؤمنون

 من السنة والشيعة: وهو أنّهم جعلوا الإيمان نفس التصديق مع الإقرار باللسان، وجعلوا العمل كمال الإيمان1.

 
3- التصديق القلبي والإقرار باللسان والعمل بالجوارح:
وهو اعتبار العمل في الإيمان إضافةً إلى الأوّلين بحيث يكون المرتكب للكبيرة خارجاً عن الإيمان، ولا تشمله الأحكام الخاصة بالمؤمنين، فنسبه الشهيد الثاني إلى المحدّثين، بل في مرآة العقول انعقاد اصطلاح المحدّثين عليه، ونسبه المحدّث البحراني إلى جملة من متقدّمي أصحابنا كالصدوق والمفيد.
 
كيف فسّرت الروايات معنى الإيمان؟
وبالتأمّل في الروايات يتّضح أنّها ليست بصدد تفسير الإيمان الذي هو موضوع للأحكام الظاهرية وهو الذي يُعبّر عنه بـ "الإسلام" في غالب الروايات، بل هي ناظرة إلى إحدى الجهات التالية:
1- أنّ ترتُّب آثار الإيمان في الظاهر يتوقّف على الإقرار اللساني أو ما في حكمه، كما أنّ ترتُّب آثار الإيمان في الواقع يتوقّف على العمل بمقتضاه.
 
2- عُدّ العمل بالأركان من أجزاء الإيمان، باعتبار أنّ الإيمان بمنزلة الشجرة والأعمال ثمرتها، فالإيمان بلا عمل كالشجر بلا ثمر، وبهذا الاعتبار يصحّ أن يُقال: الإيمان يتقوّم بالعمل.
 
3- المعصية وإن كانت غير منافية للإيمان الظاهري، لكنّها مناقضة للإيمان الباطني الذي هو الإذعان القلبي بأحكام اللّه تعالى، ومن هنا روي عنه صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم أنّه قال: "لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ‏ السَّارِقُ‏ وَ هُوَ مُؤْمِن"2.
 
4- قد ظهرت في النصف الثاني من القرن الأوّل الهجري عقيدة باطلة باسم "الإرجاء" وكانت تهدف إلى أنّ المعصية لا تضرّ بالإيمان، ويكفي لنجاة الإنسان أن يكون مؤمناً باللّه ورسوله فحسب، وإن لم يعمل بالفرائض أو ارتكب المعاصي، وصارت خير وسيلة للظلمة الطغاة الأمويين لتبرير أعمالهم الإجرامية، وخصوصاً ما كانوا يفعلونه بالرجال الأحرار من العلويين وغيرهم. وعلى هذا، فقسم من الروايات المؤكّدة على أنّ العمل من أجزاء الإيمان ناظرة إلى بطلان عقيدة المرجئة3.





1 جعفر السبحاني، الإيمان والكفر في الكتاب والسنة، ص 15.
وللمزيد من الإطلاع: راجع: الشهيد الثاني، حقائق الإيمان، تعريف الإيمان الشرعي، ص 53-58.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 285.
3 نصير الدِّين الشيخ الطوسي، شرح قواعد العقائد، ص 142-148.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

18

الدرس الثاني: من هم المؤمنون

 الفرق بين الإيمان والإسلام

إنّ المُراجِع لكلام الإمام علي في نهج البلاغة وفي غيره من الكتب الروائية والذي يُستفاد أيضاً من الروايات الواردة عن الأئمّة الأطهار يكتشف وجود نوع من الاختلاف المفهومي والمصداقي بين الإيمان والإسلام.
 
فالإيمان هو: التصديق القلبي الذي ينعقد في قرارة النفس، وهو أعلى رتبة من الإسلام، في حين أنّ الإسلام هو: التشهّد بالشهادتين لساناً والعمل بالشرع ظاهراً.
 
وبالتّالي ستختلف الشروط والصفات لكلّ واحد منهما، فصفات المسلم مختلفة إلى حدٍّ ما عن صفات المؤمن.
 
وإنّ العلاقة بينهما قد تلحظ باعتبار الصدق أي الانطباق على المصداق، فالإسلام أعمّ مطلقاً من الإيمان وهو أخصّ مطلقاً من الإسلام، فكلّ مؤمن هو مسلم وليس كلّ مسلم هو مؤمن وقد تلحظ بلحاظات أخرى18.
 
ويدلّ عليه صريحاً قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾، كما استدلّ بها أبو عبد الله  عليه السلام لجميل بن درّاج على افتراق الإسلام عن الإيمان، وفي رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام ذيل الآية: "فمن زعم أنّهم آمنوا فقد كذب، ومن زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب"1.
 
رواية فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: "الإيمان يُشَارِكُ الإسلام والإسلام لَا يُشَارِكُ الإيمان"2.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 25.
2 م.ن، ص25.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

19

الدرس الثاني: من هم المؤمنون

 وعن فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله يَقُولُ: "إِنَّ الإيمان يُشَارِكُ الإسلام ولَا يُشَارِكُه الإسلام، إِنَّ الإيمان مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ، والإسلام مَا عَلَيْه الْمَنَاكِحُ والْمَوَارِيثُ وحَقْنُ الدِّمَاءِ والإيمان يَشْرَكُ الإسلام والإسلام لَا يَشْرَكُ الإيمان"1.

 
ولعلّ المراد من: "المشاركة وعدمها في الرواية وفق عدّة اعتبارات: إمّا باعتبار المفهوم فإنّ مفهوم الإسلام داخل في مفهوم الإيمان دون العكس، أو باعتبار الصدق فإنّ كلّ مؤمن مسلم دون العكس، أو باعتبار الدخول فإنّ الداخل في مفهوم الإيمان داخل في الإسلام دون العكس أو باعتبار الأحكام فإنّ أحكام الإسلام مثل حقن الدماء وأداءِ الأمانة واستحلال الفرج ثابتة للإيمان دون العكس، فإنّ الحكم المترتّب على الإيمان مثل الثواب والنذر للمؤمن وإعتاقه لا تكون للإسلام"2، وكلّ هذه المعاني تُدلّل على الفرق بينهما..
 
النتيجة: من خلال ما ذُكر سابقاً، إنّ الفوارق بين الإسلام والإيمان تكون على الشكل التّالي:
1- الإسلام أسبق من حيث التحقُّق من الإيمان، فلا يتحقّق الإيمان قبل تحقُّق الإسلام، نعم قد يتحقّق الإسلام ولا يتحقّق الإيمان.
 
2- الإسلام يتحقّق بمجرّد الإقرار باللسان، وإن لم يقترن بالعمل. لكن الإيمان (الكامل) هو إقرار باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.
 
3- بعض الأعمال تتوقّف صحّتها من حيث إسقاط التكليف لا الثواب الأخروي على الإسلام، وبعضها الآخر على الإيمان.
 
4- للإيمان معنيان: عام وخاص، فالعام هو الاعتقاد بالإسلام بمعناه المتقدّم آنفاً، والخاص هو الاعتقاد بما تعتقده الإمامية، وهو مجموع ما جاء به النبي بما فيه الإمامة.
 
 
والحمد لله رب العالمين



1 م.ن، ص25.
2 المازندراني، محمد صالح بن أحمد، شرح الكافي - الأصول والروضة، المكتبة الإسلامية، طهران، الطبعة الأولى، 1424هـ، ج8، ص 79.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

20

الدرس الثالث: توأمان لا يفترقان

 الدرس الثالث: توأمان لا يفترقان

 
النصّ الروائي:
روي عن أمير المؤمنين  عليه السلام: "الإيمان مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ"1.
 
النقاط المحورية:
- الإيمان والعمل.
- العمل مكمِّل الإيمان.
- هل يجتمع الإيمان والمعصية؟
- الإيمان والعمل في القرآن.



1 السيد الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة خطب الإمام علي  عليه السلام، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، دار الهجرة، قم، الطبعة الأولى، 1414هـ، رقم 227، ص 508.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

21

الدرس الثالث: توأمان لا يفترقان

 الإيمان والعمل

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الْإِيمَانُ‏ قَوْلٌ‏ مَقُولٌ‏ وَ عَمَلٌ مَعْمُولٌ وَ عِرْفَانُ الْعُقُول‏"1.
 
وعن أمير المؤمنين  عليه السلام: "الْإِيمَانُ وَ الْعَمَلُ أَخَوَانِ‏ تَوْأَمَانِ‏ وَ رَفِيقَانِ لَا يَفْتَرِقَان‏"2.
 
من خلال هاتين الروايتين وغيرهما يتّضح أنّ التربية الإيمانية لها جناحان لا تكتمل إلا بهما، وهما: أعمال القلوب وأعمال الجوارح، أو بعبارة أخرى: الإيمان والعمل الصالح. فلو انصبّ اهتمامنا على أعمال القلوب، ولم نهتم بالعمل الصالح سيكون الإيمان محدودًا، ولن نستفيد بوجوده الاستفادة الحقيقية: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾3.
 
وقبل الدخول في الدرس لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ الروايات المبيّنة للحقائق الدينية على قسمين:
روايات كاشفة بنحو عام وإجمالي دون الدخول في التفاصيل كاعتبار أنَّ الإيمان هو التصديق القلبي, وأخرى تُبيّن الحقائق الدينية بكامل تفاصيلها, وقد تجتمع هذه التفاصيل ضمن رواية واحدة أو تتفرّق ضمن عدّة روايات. وفي بحثنا عن الحقيقة لا بدّ من ملاحظة جميع الروايات في هذا المجال, والنظر إليها كباقة واحدة.
 
الإيمان والعمل في كلام الإمام علي عليه السلام
سُئِلَ أمير المؤمنين عليه السلام عَنِ الإيمان فَقَالَ: "الإيمان مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ"4.



1 الشيخ المفيد، محمد بن محمد، الأمالي، تحقيق وتصحيح حسين أستاد ولي وعلي أكبر غفاري، نشر مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الطبعة الأولى، 1413هـ، ص 275.
2 الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق وتصحيح حسين الحسني البيرجندي‏، نشر دار الحديث، قم، الطبعة الأولى، 1418هـ، ص 22.
3 سورة الأنعام، الآية 158.
4 نهج البلاغة، ص 508.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

22

الدرس الثالث: توأمان لا يفترقان

 يُبيّن الإمام  عليه السلام في هذه الرواية أنّ الإيمان كلّ مركّب من ثلاثة أجزاء وهي:

مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ: الاعتقاد الجازم المطابق للواقع سواء أكان عن علم أم عن تقليد.
 
وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ: إظهار الإيمان بالقول حتى يعرف المؤمن ويعامل بما له من الحقّ.
 
وعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ: تجسّد الإيمان بالعمل كالجهاد والصوم والصلاة والحج والزكاة وغيرها من العبادات والفرائض الشرعية.
 
وبناءً على كلام علماء الإمامية وغيرهم أنّ الإيمان حقيقته التصديق القلبي فالمقصود من الإيمان في هذه الرواية الشريفة وأمثالها هو الإيمان الكامل1.
 
العديد من الروايات تدلّ على أنّ الإيمان هو التصديق، وأنّ العمل ليس جزءاً من الإيمان بل هو كاشف ومصدق للإيمان, وبالعمل يكمل ويتمّ ويُرتقى الإيمان إلى الدرجة العليا ومرتبة الكمال كما يُشير إليه قول أمير المؤمنين: "وبِالإيمان يُعْمَرُ الْعِلْمُ".
 
وقوله عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عِشْرُونَ خَصْلَةً فِي الْمُؤْمِنِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيه لَمْ يَكْمُلْ إِيمَانُه، إِنَّ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ يَا عَلِيُّ: الْحَاضِرُونَ الصَّلَاةَ، والْمُسَارِعُونَ إِلَى الزَّكَاةِ، والْمُطْعِمُونَ الْمِسْكِينَ، الْمَاسِحُونَ رَأْسَ الْيَتِيمِ، الْمُطَهِّرُونَ أَطْمَارَهُمْ، الْمُتَّزِرُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمُ، الَّذِينَ إِنْ حَدَّثُوا لَمْ يَكْذِبُوا، وإِذَا وَعَدُوا لَمْ يُخْلِفُوا، وإِذَا ائْتُمِنُوا لَمْ يَخُونُوا، وإِذَا تَكَلَّمُوا صَدَقُوا، رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ أُسُدٌ بِالنَّهَارِ، صَائِمُونَ النَّهَارَ قَائِمُونَ اللَّيْلَ، لَا يُؤْذُونَ جَاراً ولَا يَتَأَذَّى بِهِمْ جَارٌ، الَّذِينَ مَشْيُهُمْ عَلَى الأَرْضِ هَوْنٌ، وخُطَاهُمْ إِلَى بُيُوتِ الأَرَامِلِ وعَلَى أَثَرِ الْجَنَائِزِ، جَعَلَنَا الله وإِيَّاكُمْ مِنَ الْمُتَّقِينَ"2.
 
وحتى نستطيع فهم كلام الإمام عليّ، وفهم الروايات الواردة عن الأئمة في هذا المجال لا بد من ملاحظة الأمور التالية:
1- يُفرِّق الأئمة بين الإيمان والإسلام، فقد روي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا عليهما السلام، قَالَ: "الإيمان إِقْرَارٌ وعَمَلٌ والإسلام إِقْرَارٌ بِلَا عَمَلٍ"3.



1 ومثله ما روي عن الإمام الرض عليه السلام، عن أبي الصلت الهروي قال: سألت الرضا عن الإيمان؟ فقال: "الْإِيمَانُ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ وَ لَفْظٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ‏ الْإِيمَانُ‏ إِلَّا هَكَذ". الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرض عليه السلام، تعليق حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1404هـ-1984م، ج1، ص 205.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 232.
3 م.ن، ج2، ص 24.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

23

الدرس الثالث: توأمان لا يفترقان

 2- إنّ الأئمّة بالرغم من قبولهم بإسلام مرتكب الكبيرة إلاّ أنّهم:

- لم يكونوا مستعدّين لإطلاق لفظ المؤمن عليه، لأنّ الإيمان هو الاعتقاد القلبي المرتكز في قرارة النفس.
 
- لم يقبلوا النتيجة التي توصّل إليها المرجئة من أنّ الإيمان أو الإسلام لا يقبل الزيادة والنقصان وإنّه أمرٌ ثابتٌ، بل إنّ الإيمان في الحقيقة من المفاهيم التي تقبل الزيادة والنقصان, وهذا ما دلّت عليه الروايات التي تحدّثت عن مراتب ودرجات الإيمان. 
 
- لم ينفوا الدور المؤثّر للعمل في الإيمان بل أكّدوا عليه، حتّى إنّ الإمام الصادق تصدّى للمواقف الإفراطية للمرجئة حيث قال: "مَلْعُونٌ‏ مَلْعُونٌ‏ مَنْ‏ قَالَ‏ الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَل‏"1.
 
1- إنّ اصطلاح الإيمان قد استُعمل في معنيين خاصٌّ وعامٌّ، فمرّة استُعمل في خصوص التصديق القلبي حيث يُراد به المعنى الخاص هنا، واستُعمل في موارد أخرى بمعناه العامّ حيث يُراد به معنى "الدِّين" و"الإسلام". وفي نهج البلاغة قد استخدم الإمام في بعض الأحيان لفظ الإسلام وأراد الإيمان2.
 
2- إنّ بعض الروايات عن أئمة أهل البيت تُعرب عن كون العمل جزءاً من الإيمان، وقد وردت لغاية ردّ المرجئة التي تكتفي في الحياة الدِّينية بالقول والمعرفة، وتؤخّر العمل وترجو رحمته وغفرانه مع عدم القيام بالوظائف3.
 
العمل مكمّل الإيمان
أصبح واضحاً من خلال ما تقدّم أنّ العمل ليس جزءاً من ماهية الإيمان أي ليس من مقوّماته الذاتية. ولكنّه في نفس الوقت هو العامل الأهم في إثراء الإيمان وتكامله، فالإيمان والعمل يسيران جنباً إلى جنب والعلاقة بينهما علاقة تبادلية، فالعمل من دون إيمان حقيقي لا قيمة له، والإيمان من دون عمل لا يتكامل ولا يزداد أصلاً. ولذا فإنّ الإمام علي عليه السلام في تعريفه للإيمان ضمّنه العمل بالأركان، وذلك لبيان الفرد الأكمل من مصاديق الإيمان.
 
ورد عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: "قِيلَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ مُؤْمِناً؟ قَالَ: فَأَيْنَ فَرَائِضُ الله؟



1 الشيخ الحر العاملي، محمد بن حسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، مؤسسة آل البيت  عليهم السلام، قم، الطبعة الأولى، 1409هـ.،ج16، ص 280.
2 راجع: مجلة تراثنا، العدد 81 – 82، مقالة: الإيمان والإسلام في كلام أهل البيت  عليهم السلام ومتكلّمي الشيعة، رسول جعفريان.
3 ينظر: الشيخ جعفر السبحاني، الإيمان والكفر في الكتاب والسنة، ص 22-33 (بتصرّف وتلخيص).


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

24

الدرس الثالث: توأمان لا يفترقان

 قَالَ (الراوي): وسَمِعْتُه يَقُولُ: "كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: لَوْ كَانَ الإيمان كَلَاماً لَمْ يَنْزِلْ فِيه صَوْمٌ ولَا صَلَاةٌ ولَا حَلَالٌ ولَا حَرَامٌ.

 
قَالَ (الراوي): وقُلْتُ: لأَبِي جَعْفَرٍ: "إِنَّ عِنْدَنَا قَوْماً يَقُولُونَ إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فَهُوَ مُؤْمِنٌ، قَالَ: فَلِمَ يُضْرَبُونَ الْحُدُودَ؟ ولِمَ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ ومَا خَلَقَ الله عزّ وجلّ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَى الله عزّ وجلّ مِنَ الْمُؤْمِنِ لأَنَّ الْمَلَائِكَةَ خُدَّامُ الْمُؤْمِنِينَ وأَنَّ جِوَارَ الله لِلْمُؤْمِنِينَ وأَنَّ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وأَنَّ الْحُورَ الْعِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ؟ ثُمَّ قَالَ: فَمَا بَالُ مَنْ جَحَدَ الْفَرَائِضَ كَانَ كَافِر"1.
 
"أي لو كان الإيمان كلاماً لسانياً وهو الإقرار بالشهادتين أو قلبياً أيضاً وهو التصديق لم ينزل هذه الأحكام التي وقع فيها الوعيد والتغليظ أو الكرامة والإثابة"2.
 
والنتيجة التي نصل إليها أنّ المراد من الإيمان في هذه الروايات هو الإيمان الكامل والتصديق بالله وبرسوله وجميع ما جاء به وهذه النتيجة موافقة للآيات القرآنية.
 
الإيمان والعمل في الآيات القرآنية
لقد تضافرت الآيات القرآنية التي بيّنت حقيقة الإيمان بمعزل عن العمل وفق ثلاث مجموعات:
- المجموعة الأولى: التي يستنتج من خلالها أنّ إسناد الإيمان إلى القلوب يدلّ على أنّه أمر قلبي:
1- قال تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾3.
 
2- قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾4.
 
3- قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾5.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص33.
2 المولى محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، ج8، ص 97.
3 سورة النحل، الآية 106.
4 سورة المجادلة، الآية 22.
5 سورة الحجرات، الآية 14.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

25

الدرس الثالث: توأمان لا يفترقان

 - المجوعة الثانية: تُرشدنا إلى أنَّ اقتران الإيمان بالمعاصي في هذه الآيات يدلّ على أنّ العمل غير معتبر في حقيقته المقوّمة له:

1- قال تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾1.
 
2- قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾2.
 
3-  قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾3.
 
- المجموعة الثالثة: نستنتج من خلالها أنَّ الأمر بالإطاعة بعد ثبوت الإيمان يدلّ على أنّ العمل غير معتبر في حقيقة الإيمان:
1- قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾4.
 
2- وآيات أخرى مشابهة من قبيل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾5، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾6.
 
هل يجتمع الإيمان والمعصية؟
إنّ النتيجة التي توصّلنا إليها بناءً على فهم الآيات القرآنية والروايات الشريفة، هي أنّ للعمل الصالح دوراً أساسياً في نموّ وازدهار وإثراء وتكامل الإيمان، وعليه كيف يُمكن أن نتصوّر العلاقة بين المعصية والإيمان؟ خصوصاً أنّنا إذا رجعنا إلى الروايات الشريفة وإلى خطب الإمام في نهج البلاغة نجدها ركّزت على أنّ المؤمن لا يعصي الله أبداً، وأنّ المؤمنين وأهل الولاء والشيعة لهم الصفات التي تمنعهم وتحجبهم من ارتكاب المعصية.
 
والسؤال الأساس هو: هل يُمكن الجمع بين ارتكاب المعصية وحقيقة الإيمان؟ وبعبارة أخرى



1 سورة الحجرات، الآية 9.
2 سورة البقرة، الآية 178.
3 سورة الأنعام، الآية 82.
4 سورة النساء، الآية 59.
5 سورة الأنفال، الآية 20.
6 سورة محمد، الآية 33.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

26

الدرس الثالث: توأمان لا يفترقان

 هل يستطيع المؤمن أن يُحافظ على إيمانه مع ارتكاربه المعصية، أو أنّ مخالفة المولى تعالى من دواعي زوال الإيمان؟

 
وفي مقام الإجابة لا بد أن ننظر كيف عالجت الروايات هذا الموضوع أي الجمع بين الإيمان والمعصية.
 
الروايات الدالّة على أنّ العاصي يخرج من الإيمان حين المعصية كثيرة جدّاً وتعابيرها مختلفة منها: خرج من الإيمان1، سلب الإيمان2، كافر3، فارق روح الإيمان أو بتعبير بعض الروايات الأخرى يُسلب منه روح الإيمان4،... والمهم في هذه الروايات هو فقهها وإدراك معناها، فلم يتفق العلماء على معنى واحد لهذه الروايات بل تعدّد فهمهم لها ومن آرائهم ما يلي:
1- حمل هذه الروايات على ظاهرها وأنّ من ارتكب هذه المعاصي خرج من الإيمان فعلاً.
2- حملها على نفي الكمال أي أنّ مرتكبها مؤمن حقيقة ولكنّه ناقص الإيمان.
3- حملها على المستحلّ للمعصية.
4- حملها على أنّه ليس آمناً من عقوبة الله.
5- حملها على نفي اسم المدح أي لا يُقال له مؤمن بل يُقال له زان وشارب الخمر وتارك للصوم وسارق.
 
6- حملها على زوال النور الناشيء من الإيمان وهو منقول عن ابن عباس، وأيّده بقول رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه فإن شاء ردّه إليه"5.
 
7- حملها على نفي الحياء أي لا يزني الزاني وهو مستحي من الله، والحياء خصلة من الإيمان6.
 
والحمد لله رب العالمين



1 عَنْ نُعْمَانَ الرَّازِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ  عليه السلام يَقُولُ‏ "مَنْ‏ زَنَى‏ خَرَجَ‏ مِنَ‏ الْإِيمَانِ‏ وَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّداً خَرَجَ مِنَ الْإِيمَان‏"، الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 278.
2 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ  عليه السلام لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ قَالَ "لَا إِذَا كَانَ عَلَى بَطْنِهَا سُلِبَ الْإِيمَانُ مِنْهُ فَإِذَا قَامَ رُدَّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَادَ سُلِبَ" قُلْتُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ فَقَالَ "مَا أَكْثَرَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ فَلَا يَعُودُ إِلَيْهِ أَبَد"، الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 278.
3 عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله  عليه السلام عن الكبائر، فقال:"هنَّ في كتاب عليّ  عليه السلام سبع"...إلى أن قال: قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال: "أيُّ شيء أوَّل ما قلت لك"؟ قال: قلت: الكفر؟ قال: "فإنَّ تارك الصلاة كافرٌ يعني من غير علّة"، الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 278.
- تاركها من غير علة مستخفاً بها كافر جاحد، وغير مستخف بها كافر مخالف لأعظم الأوامر، وإطلاق الكفر على مخالفة الأوامر والنواهي شايع كما تقدّم في معاني الكفر.
4 عن ابن بكير قال: قلت لأبي جعفر  عليه السلام في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا زنى الرَّجل فارقه روح الإيمان؟ قال: هو قوله تعالى: (وأيّدهم بروح منه) ذلك الّذي يفارقه، الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 280.
- وروح الإيمان إذ بها حياة الإيمان وحياة قلب المؤمن أبداً، وقد يطلق روح الإيمان على ملك موكل بقلب المؤمن يعينه ويهديه في مقابل شيطان يضله ويغويه وعلى نصرة ذلك الملك أيضاً وحينئذ لا ريب في أنه إذا زنى المؤمن فارق عنه حقيقة الإيمان وكماله ونوره كما دل عليه بعض الروايات وروحه.
5 المازندراني، شرح الكافي، ج9، ص248.
6 راجع: محمد صالح المازندراني، شرح الكافي، ج9، باب الذنوب، ص 262 (بتصرف وزيادة). وفي آخر تعليقه على حديث الإمام الصادق عليه السلام: "من زنى خرج من الإيمان ومن شرب الخمر خرج من الإيمان..."، وبعد عرض الأقوال التي نقلناها قال: "وإن 
كان الخبر كاد أن يكون من المتشابهات فترك تأويله إلى العالم بها أولى".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

27

الدرس الرابع: أفضل الناس

 الدرس الرابع: أفضل الناس

 
النص الروائي:
عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يُبالي على ما أصبح من الدنيا على عسرٍ أم على يسرٍ"1.
 
النقاط المحورية:
- ما هي العبادة؟
- العبادة في الروايات.
- العبادة لا تنحصر بالطقوس.
- العبادة غاية الخلق.
- ثمرة العبادة.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

28

الدرس الرابع: أفضل الناس

 ما هي العبادة؟

1- العبادة لغةً:
معنى العبادةِ في اللغة الطاعةُ مع الخُضُوعِ، ومنه طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كان مذلّلًا بكثرة الوطءِ1. فالعبادة لغةً بمعنى التمهيد والتذليل. ويُقال عبّدت فلاناً أي ذلَّلته وإذا اتّخذته عبداً قال تعالى: ﴿عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾2. وقال الزمخشري: العبادة: "أقصى غاية الخضوع والتذلّل، ولذلك لم تُستعمل إلاّ في الخضوع لله تعالى لأنّه مولى أعظم النعم فكان حقيقاً بأقصى غاية الخضوع"3.
 
2- العبادة اصطلاحاً:
العبادة بحسب الاصطلاح هي المواظبة على فعل المأمور به، والفاعل عابد، والجمع عباد وعبدة مثل كافر وكفار وكفرة، ثم استعمل العابد فيمن اتخذ إلهاً غير الله، فقيل عابد الوثن وعابد الشمس4.
 
3- العبادة شرعاً:
لقد أخذت العبادة معنى أضيق في الفقه الإسلامي، وهي تعني في مفهوم الفقه أي بالمصطلح الخاص مجموعة شعائر يقوم بها العبد، مثل الصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس... 
 
وغيرها من الأحكام والتكاليف الشرعية. فالعبادة من الناحية الشرعية تعني امتثال أمر الله كما أمر، والانتهاء عمّا نهى عنه شرعاً.



1 ابن منظور، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، 1405هـ، فصل العين المهملة، ج3، ص273.
2 العلوي، السيد عادل، القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد، شرح وتعليق على كتاب (العروة الوثقى) و (منهاج المؤمنين) و (الغاية القصوى لمن رام التمسك بالعروة الوثقى) لسيدنا الأستاذ آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي قدس سره، نشر مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي قدس سره - قم المقدسة، مطبعة ستاره، الطبعة الأولى، 1422 - 1380 ش - 2001 م، ج1، ص47. سورة الشعراء، الآية 22.
3 الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، نشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1966م، ج 1، ص 10.
4 الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، نشر مرتضوي، مطبعة چـاپـخانه طراوت، الطبعة الثانية، 1362هـ.ش، ج3، ص95.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

29

الدرس الرابع: أفضل الناس

 اعبدوا ربّكم

دعا القرآن الكريم في كثير من آياته إلى العبادة السليمة، ونهى عن العبادة المنحرفة، وذكر أنّ غاية الخلق هي العبادة، وذكر بعض آثار العبادة على الإنسان، وهنا نورد بعض هذه الآيات: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾1. ففي هذه الآية الكريمة نجد دعوة للناس إلى عبادة الله تعالى الذي خلق جميع الناس.
 
وفي آية أخرى نجد نهياً عن عبادة الشيطان: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ  * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾2.
 
وكذلك نجد أمراً بالإخلاص في العبادة في الآية الكريمة: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾3.
 
ونرى في آيةٍ أخرى دعوةً للمؤمنين لإعلان الثبات على عبادة الله وترك عبادة ما سواه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾4.
 
العبادة في الروايات الشريفة
حدّدت النصوص الشريفة مفهوم العبادة تحديداً شاملاً، وذكرت الغاية من العبادة، وأنواع العابدين، ومن هو العابد حقّاً، ولم تحصرها في إطار العبادات المتعارفة بين النّاس. وإليكم النماذج التالية:
عن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يُبالي على ما أصبح من الدنيا على عسرٍ أم على يسرٍ"5.
 
وسُئل الإمام الرضا  عليه السلام عن علّة العبادة فقال: "... لئلّا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذا كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تُركوا بغير تعبُّدٍ لطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم"6.



1 سورة البقرة، الآية 21.
2 سورة يس، الآيات 60-62.
3 سورة الزمر، الآية 11.
4 سورة الكافرون، الآيتان 1و2.
5 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
6 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص 63.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

30

الدرس الرابع: أفضل الناس

 وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس العبادة هي السجود ولا الركوع، إنّما هي طاعة الرجال، من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده"1.

 
وعنه عليه السلام قال: "في التوراة مكتوب: يا ابن آدم، تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنى"2.
 
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة سبعة أجزاء أفضلها طلب الحلال"3.
 
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "أفضل العبادة عفّة البطن والفرج"4.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "أفضل العبادة العلم بالله، والتواضع له"5.
 
وعن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: "ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله"6.
 
العبادة لا تنحصر بالطقوس
العبادة في الحقيقة اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يُحبّه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهي تتضمّن غاية الذلّ لله تعالى مع المحبّة له. وهذا المدلول الشامل للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرسل  عليهم السلام جميعاً، وهو ثابتٌ من ثوابت رسالاتهم عبر التاريخ، فما من نبيٍّ إلا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾7.
 
وعبادة الله تعالى لا تنحصر في الطقوس والممارسات التي تتعلّق بحياة الإنسان كفردٍ مستقلٍّ بذاته، بل هي تشمل الحياة الفردية والحياة الاجتماعية، وتنتظم في إطار علاقة الفرد مع الله تعالى والعلاقة مع النفس، والعلاقة مع الآخرين، والعلاقة مع الكون. وكلّ عملٍ حسنٍ يُقصد به وجه الله تعالى فهو عبادة لله تعالى سواء كان فردياً أم اجتماعياً، فالصلاة، والصدقة، والجهاد، والتفكّر في خلق الله، ومساعدة الضعيف، وإصلاح الفاسد، وأداء الأمانة، والعدل بين الناس، ورفض الظلم، وعدم شرب الخمر، ومقاطعة الربا والاحتكار كلّ تلك الأعمال هي عبادة ما دام الداعي إلى فعلها، أو تركها، هو الاستجابة لأمر الله تعالى.



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 68، ص 116.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
3 ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص37، تحقيق وتصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1404هـ، ط 2، باب في قصارى كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
4 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص79.
5 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص247.
6 م.ن، ص 335.
7 سورة الأنبياء، الآية 25.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

31

الدرس الرابع: أفضل الناس

 العبادة غاية الخلق

تكمن أهمّية العبادة في كونها طريق الوصول إلى الله سبحانه، فهي غاية خلق الإنسان وجعله خليفة في الأرض: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾1.
 
فالعبادة في الإسلام منهج متكامل المراحل والفصول، وطريق واضح المعالم. وغرضه تحقيق الكمال البشري: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾2، وتنقية الوجود الإنساني من الشوائب والانحرافات، تمهيداً للفوز بقرب الله وتأسيساً لتحقيق رضوانه.
 
فعبادات الإسلام جاءت جميعها تزكيةً للنفس والبدن، وتطهيراً للذّات، وتنمية للروح والإرادة، وتصحيحاً لنشاط الجسد والغريزة. فهي بمثابة معراجٌ تتدرّج به النفس البشرية، مرحلةً بعد مرحلة، حتى يتمّ لها الصفاء والنقاء، فتستطيع الإطلال على عالم الآخرة، واستشفاف حقيقة الوجود، والتعالي على مكاسب الحياة الفانية، لسموّ مقام الآخرة وعلوّ غاياتها، وارتباطها بعالم الخلود والنعيم الأبدي.
 
فقد جعل الإسلام الصلاة تنزيهاً للإنسان من الكبرياء والتعالي، وغرساً لفضيلة التواضع والحبّ للآخرين... ولقاءً مع الله للاستغفار والاستقالة من الذنوب والآثام، وشحذاً لهمّة النفس وقيادتها في طريق التسامي والصعود. والصوم ترويضاً للجسد، وتقوية للإرادة من أجل رفض الخضوع للشهوات، والسقوط تحت وطأة الاندفاعات الحسّية.
 
والدعاء تنمية لقوّة الإحساس الروحي، وتوثيقٌ للصلة الدائمة بالله والارتباط به والاعتماد عليه، ليحصل الاستغناء الذّاتي بالله عمّن سواه، فيلجأ إليه المؤمن في محنه وشدائده... وعند إساءته ومعصيته... وهو واثق أنّه يُقبِل على ربٍّ رؤوفٍ رحيم، يمدّه بالعون ويقبل منه التوبة، فتطمئن نفسه، وتزداد ثقته بقدرته على مواصلة حياة الصلاح، وتجاوز المحن والشدائد.
 
وممّا يُعزّز أهمّية العبادة في الإسلام أنّها ذات منهاج فطري له طبيعة اجتماعية حركية، لا يؤمن بالفصل بين الدنيا والآخرة، فهو لا يدعو إلى محاربة المطالب الجسدية، من الطعام، والشراب، والزواج، والراحة، والاستمتاع بالطيّبات ولا يرى فيها عائقاً يُعرقل تنامي الأخلاق وتكامل الروح، بل يؤمن بأنّ هدف الجسد والروح من حيث التكوين الفطري هدف واحد، ومنهاج تنظيمها وتكاملها منهاج واحد.



1 سورة الذاريات، الآية 56.
2 سورة الحجر، الآية 99.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

32

الدرس الرابع: أفضل الناس

 ثمرة العبادة

لأنّ دين الإسلام هو دين شامل يُراعي جميع أبعاد الوجود البشري فإنّ للعبادة في الإسلام آثارها وفوائدها على الصعيدين الفردي والاجتماعي.
 
تؤثّر العبادة على بناء الشخصية الإنسانية، والارتقاء بها إلى المستوى التكاملي، وتخليصها من كلّ المعوّقات التي تمنع رقيّها، وتكاملها من الأنانية والحقد والرياء والنفاق والجشع و... إلخ. فالعبادة تعمل على تطهير الذّات الإنسانية من مختلف الأمراض النفسية والأخلاقية. وتُسهم في أن يكون المحتوى الداخلي للفرد مطابقاً للمظهر والسلوك الخارجي، وفي تحقيق انسجامٍ كاملٍ بين الشخصية وبين القيم والمبادىء السامية. كما تعمل على غرس حبّ الكمال والتسامي الذي يدفع الإنسان إلى التعالي، وتوجيه نظره إلى المثل الأعلى المتحقّق في الكمالات الإلهية. لأنّ العبادة ممارسة إنسانية جادّة لإلغاء الأنانية إلغاءً تامّاً من وجود الإنسان من أجل التحرّر من قيودها والخروج من سجنها الضيّق الذي يشدّ الإنسان إليه ويستعبده. وكذلك فالعبادة تقوّي إرادة النفس، فمثلاً إنّ التنازل عن النوم اللذيذ في ليل الشتاء البارد والانصراف إلى عبادة الحقّ المتعالي وكذلك الصوم في اليوم الحارّ الطويل، يزيدان من قوّة الروح فتتغلّب على قوى الجسم وتُسيطر على الشهوات وتُصبح هذه القوى تحت إمرة الروح وتوجيهها.
 
وقد بشّرت الروايات والنصوص الشرعية بما يجنيه العابد من ثمار:
يُغني قلبه: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "في التّوراة مكتوب يا ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنًى ولا أكلك إلى طلبك، وعليّ أن أسدّ فاقتك وأملأ قلبك خوفاً منّي وإن لا تَفَرَّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدنيا ثم لا أسدّ فاقتك وأكلك إلى طلبك"1.
 
يتنعّم في الآخرة: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال الله تبارك وتعالى يا عبادي الصِّدِّيقين تنعّموا بعبادتي في الدُّنيا فإنّكم تتنعَّمُون بها في الآخرة"2.
 
يُباهي الله به الملائكة: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ الله تعالى يُباهي بالشابّ العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي"3.
 
ينصره الله على الشيطان: عن الإمام الصادق عن آبائه  عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ألا أُخبركم بشيء إنْ أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق 



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
2 م. ن.
3 الهندي، علي المتقي، كنز العمال، ضبط وتفسير بكري حياني، تصحيح صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409ه-1989م، ج15، ص776.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

33

الدرس الرابع: أفضل الناس

 من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه ولكلّ شي‏ء زكاة وزكاة الأبدان الصّيام"1.

 
يدخل الجنة: عن أبي عبد الله  عليه السلام قال: "ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله"2.
 
كما أنّ للعبادة أثراً تكامليّاً على الذّات, فللمجتمع حظّه من تلك الآثار التكاملية. فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾3. والصوم يُشعر الإنسان بالوحدة والمساواة ومشاركة ذوي الحاجة والفقر بإحساسهم عند معاناة ألم العطش والجوع.. والحج مؤتمرٌ للوحدة والتفاهم والتعارف والإصلاح... إلخ. والكفّارات والنذور والصدقات والزكاة والخمس عبادات لإشباع الحاجات المادّية عند الفقراء، وتحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع..
 
وللعبادة آثار اجتماعية وأخلاقية مهمّة تنعكس على العلاقات الإنسانية المختلفة. فالعبادة والشعور بالعبودية لله وحده يُنقذ الإنسان من الخضوع لإرادة الطغاة والمستبدّين، والشعور بها يُحرّر الإنسان كذلك من الشهوات ومن سيطرة حبّ المال وجمعه وتكديسه، وتسخير الآخرين وظلمهم واستغلالهم من أجل هذا المعبود الزائل. والشعور بالعبودية لله يُحرّر الناس، من الصراعات والمآسي التي يعيشونها من أجل الاستعلاء والتحكّم والمكاسب المختلفة. والشعور بالعبودية لله يُشعر الإنسان بالمساواة والعدل بين الناس.. لأنّهم جميعاً متساوون في صفة العبودية لله الواحد الأحد. لذا فإنّ المجتمع الذي تسود فيه العبادة والعبودية لله لا يجد الناس فيه غاية في الحياة غير الله، ولا يملأ آفاق نفوسهم شيء غير العبودية لله. فيُحطّم الناس حينذاك أصنام العبوديات المختلفة، صنم المال، والشهوة، والجاه، والسلطة، والكبرياء، إلخ. ليكونوا أحراراً كما خُلقوا.. وكما أراد لهم خالقهم العظيم.
 
والحمد لله رب العالمين



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 66، ص 380.
2 م.ن، ج 26، ص 261.
3 سورة العنكبوت، الآية 45.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

34

الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

 الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

 
 
النص الروائي
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: "طوبى لِمن أخلص لله‏ العبادة والدعاء، فلم يشغل قلبَه بما ترى عيناه، ولم ينسَ ذكرَ الله‏ بما تسمعُ أُذناه، ولم يُحزن صدره بما أُعطي غيره"1.
 
النقاط المحورية: 
- أنواع العبادة في الإسلام.
- للعبادة ظاهر وباطن.
- نبذة عن عبادة المعصومين عليهم السلام.
- عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 16.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

35

الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

 أنواع العبادات في الإسلام

تنقسم العبادات في الإسلام إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يختصّ بالأبدان كالصّلاة والصّوم.
القسم الثّاني: يختصّ بالأموال كالزّكاة والحقوق الواجبة المتعلّقة بالأموال.
القسم الثّالث: يختصّ بالأبدان والأموال كالحجّ والجهاد.

تقسيم آخر:
الأوّل: يتكرّر في كلّ يوم كالصّلوات الخمس.
الثاني: يتكرّر في كلّ سنة كالصّوم والزّكاة.
الثّالث: يلزم في العمر مرّة، وهو الحجّ لا غير.فأمّا الجهاد فيجب بحسب الحاجة إليه وحسب ما يدعو إليه المعصوم عليه السلام أو نائبه وهو الوليّ الفقيه في عصرنا الحاضر. والعبادات في الإسلام كثيرة ومتنوّعة، لذا سنقتصر في هذا الكتاب على نماذج منها.

للعبادة ظاهر وباطن
إنّ للعبادات أحكاماً وآداباً ينبغي مراعاتها لكي تتحقّق الثمرة من فرضها وجعلها هدفاً سامياً للخلقة الإنسانية. فأحكامها الشرعية هي الأحكام الفقهية والقواعد المذكورة في الكتب الفقهية 
من قبيل: كيفية الوضوء والتيمم، وبيان واجبات الصلاة وأركانها. ويجب على كلّ مكلّف تعلّم هذه الأحكام وأداء عباداته الشرعية وفقها، فهي المعيار في الحكم على صحّتها من عدمها.

وأمّا آداب العبادة فتقسم إلى نوعين، ظاهرية وباطنية:
وآداب العبادة الظاهرية ذكرتها الكتب الفقهية بعنوان المستحبّات، كما ذُكر بعضها في كتب الأخلاق. وهي من قبيل: الأذكار المستحبّة عند الوضوء، أو استحباب التختّم بالعقيق أو إحناء الرأس أثناء القيام والقراءة في الصلاة.

وأمّا الآداب الباطنية للعبادة وتُسمّى أيضاً الآداب المعنوية للعبادة، ويُطلق عليها أحياناً أسرار العبادة وهي أمور روحية باطنية مرتبطة بروح الإنسان. وإنّ مراعاة الآداب الظاهرية والآداب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

36

الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

 المعنوية للعبادة هي شرطٌ لقبول العبادة وكمالها وليست شرطاً لصحّتها.

 
وللتوضيح نقول: إنّ الدعاء مثلاً له أحكامٌ وآدابٌ ظاهرية وآداب باطنية أي معنوية، فمن أحكام الدعاء استحبابه ما لم يكن في طلب المحرّم، أو قصد الضرر للآخرين.. وأمّا آداب الدعاء الظاهرية فهي الهدوء والسكينة وعدم رفع الصوت إلى الحدّ المكروه، لأنّ الصوت العالي خلاف الأدب. وأمّا آداب الدعاء المعنوية فهي روح الدعاء، حيث يشعر الداعي بأنّه في محضر الله عزّ وجلّ، وأنّ المدعوّ سبحانه مطّلعٌ عليه وهو خير الشاهدين.
 
والجدير بالذكر أنّ العبادة التي يأتي بها إنسانٌ عارفاً بأسرارها سوف تختلف حتماً على مستوى النية الباطنية عن تلك التي يأتي بها إنسانٌ آخر وهو غير ملتفتٍ إلى وجود حقيقةٍ وأسرارٍ للعبادة، حتى وإن كانت عبادتاهما لا تختلفان في أيّ شيء على مستوى الظاهر.
 
ومرجع هذا الاختلاف إنّما ينبع من أنّ تصنيف العبادات بين أحكام ظاهرية وآداب باطنية فكما أنّ معرفة المكلّف بالأحكام الظاهرية للعبادة هو الأساس في أدائه لها بصورة صحيحة، كذلك فإنّ معرفته بأحكامها الباطنية هو الأساس في توجيه نيّته نحو أدائها بحقيقتها الباطنية المطلوبة.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "للصلاة ولجميع العبادات باطناً ولُبّاً وحقيقةً غير هذه الصورة والظاهر والمجاز، وهذا ثابت عن طريق العقل، وهناك شواهد نقليَّة كثيرة عليه لا يَسع المجال في هذه الأوراق ذكرَها جميعاً، وهنا نتبرّك بذكر بعضها: فمنها الحديث المشهور: "الصلاةُ معراج المؤمن"1. وتتفتّح - من التفكّر والتدبُّر في هذا الحديث الشريف - أبواب لأهله نحن محجوبون محرومون مِن أكثرها. وجميع البيانات المتقدمة تُستفاد مِن هذا الحديث الشريف. ومنها الحديث الشريف المروي في الكافي بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: "العبادة ثلاث: قومٌ عبدوا الله‏ عزَّ وجلَّ ـ خوفاً، فتلك عبادةُ العبيد، وقومٌ عبدوا الله‏ تبارك وتعالى ـ طلباً للثواب، فتلك عبادة الأجراء، وقومٌ عبدوا الله‏ حبّاً له، فتلك عبادةُ الأحرار، وهي أفضل العبادة"2...
 
ووردت في نهج البلاغة (نصوص) قريبة من هذه المضامين. ومنها قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أُعبد الله‏ كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك"3، وهنا إشارة إلى مقامين لحضور القلب في 



1 راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 79، ص 303.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 84.
3 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص74.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

37

الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

 المعبود كما سيأتي لاحقاً. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أنَّه قال "إنَّ الرَّجلين من أُمَّتي يقومان في الصلاة، وركوعهما وسجودهما واحد، وإنَّ ما بين صلاتيهما مثل ما بين السماء والأرض"1.

 
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: "طوبى لِمن أخلص للّه‏ العبادة والدعاء، فلم يشغل قلبَه بما ترى عيناه، ولم ينسَ ذكرَ الله‏ بما تسمعُ أُذناه، ولم يُحزن صدره بما أُعطي  غيره"2...
 
إذن، فمن خلال التَّدبُّر في هذه الأحاديث الشريفة والتأمُّل في حال أئمة الهدى عليهم السلام الذين كان يتغيَّر لون أحدهم حينما يحلُّ وقتُ أداء هذه الأمانة الإلهيَّة الكبرى، وترتعد فرائصهم ويُغشى عليهم ويُذهلون عن كلِّ ما سوى الله‏ بصورة كاملة، حتّى عن مُلك أبدانهم ومملكة وجودهم، من هنا يتضح أنَّ هذه الصورة الدنيوية والهيئة الظاهرية الملكية ليست هي حقيقة هذه العبادة الإلهية"3.
 
نبذة عن عبادة المعصومين عليهم السلام
يحتاج الإنسان في حياته دائماً إلى القدوة والمثل الأعلى فيجعله أمام عينيه، ليقتدي ويتأسّى به كي يتمكّن بذلك من الوصول إلى أهدافه وغاياته في هذه الحياة، والمصداق الحقيقي والواقعي والأمثل لهذه العبودية هو رسول الله محمّد وآل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾4. ونقرأ في زيارتهم  عليه السلام: "اللّهمّ إنّي لو وجدت وسيلةً أقرب إليك من محمّد وأهل بيته الأخيار الأئمّة الأبرار عليه السلام لجعلتهم شفعائي إليك"5. وفيما يلي نستعرض نماذج من عبادات الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم وبعض أهل بيته  عليهم السلام:
1- عبادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:
أعظم الرجال الذين عرفتهم البشرية في تجسيد العبودية لله تعالى هو النبي محمّد  صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنّ المسلم يشهد في صلاته يومياً: "أشهد أنّ محمداً عبده ورسوله" مقدّماً مقام العبودية على مقام الرسالة. ولكثرة عبادة الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم لله تعالى واجتهاده وتعبه فيها، أنزل تعالى: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾6.‏



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، ص249.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 16.
3 الإمام الخميني قدس سره، سر الصلاة، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ص49.
4 سورة الأحزاب، الآية 21.
5 النورى، حسين بن محمد تقي، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الطبعة الأولى، 1408هـ، ج 10، ص 425.
6 سورة طه، الآية 2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

38

الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

 وعن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "ولقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين على أطراف أصابعه حتّى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع، حتّى عوتب في ذلك فقال الله عزّ وجلّ: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ بل لتسعد"1.

 
وقد عبّر صلى الله عليه وآله وسلم عن عشقه للصلاة والعبادة بالقول: "يا أبا ذرّ جعل الله جلّ ثَنَاؤه قرّة عيني في الصّلاة وحَبّب إليّ الصّلاة كما حَبّب إلى الجائع الطّعام وإلى الظّمآن الماء، وإنّ الجائع إذا أكل شبع وإنّ الظّمآن إذا شرب رَوِيَ، وأنا لا أشبع من الصّلاة"2.
 
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُكثر من قراءة القرآن الكريم في كلّ أحواله، وكان يُركّز على تلاوته ليلاً لأمر الله تعالى له بذلك في سورة المزّمّل: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾3.
 
وكان صلى الله عليه وآله وسلم دائم الدعاء والذكر لله تعالى، فنجد له أدعيةً في جميع الأحوال عند الصباح والمساء، وبعد كلّ صلاة، وعند السفر وفي الحرب... وأمّا الذّكر فقد كان ذاكراً على الدوام وقد ورد في ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم يحمد الله في كلّ يوم ثلاثمائة وستين مرّة ويقول: الحمد لله ربّ العالمين كثيراً على كلّ حال"4.
 
أمّا صومه صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام فيه: "صام رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم الدهر كلّه ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام صيام أخيه داود عليه السلام يوماً لله ويوماً له ما شاء الله ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله، ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيّام من كلّ شهر، فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله إليه"5.
 
2- عبادة أمير المؤمنين علي عليه السلام:
كانت عبادة أمير المؤمنين عليه السلام لله تعالى كعبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته وخشوعه، حتى قيل إنه لم يقدر أحدٌ أن يُصلّي صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا علي  عليه السلام، ولا صلاة علي عليه السلام إلا علي بن الحسين  عليه السلام.
 
رُوي عن إمامنا جعفر الصادق عليه السلام في حديث له عن جدّه علي عليه السلام أنّه قال: "والله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراماً قطّ حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله 



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 17، ص 287.
2 م. ن، ج 74، ص 77.
3 سورة المزمل، الآيتان 1و2.
4 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 503.
5 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج10، ص437.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

39

الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

 رضاً، إلا أخذ بأشدّهما عليه في دينه، (إلى أن قال) وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين  عليه السلام، ولقد دخل ابنه أبو جعفر عليه السلام عليه، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، قال أبو جعفر عليه السلام: فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء، فبكيت رحمةً له، وإذا هو يفكر، فالتفت إلي ّ بعد هنيهة من دخولي وقال: يا بُنيّ أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب  عليه السلام، فأعطيته فقرأ منها شيئاً يسيراً ثم تركها من يده متضجّراً وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام؟"1.

 
ويُروى أنه: "كان عليه السلام يفرش له بين الصفّين والسهام تتساقط حوله وهو لا يلتفت عن ربّه ولا يغير عادته ولا يفتر عن عبادته وكان إذا توجّه إلى الله تعالى توجّه بكلّيته وانقطع نظره عن الدنيا وما فيها حتى أنّه يبقى لا يُدرك الألم لأنّهم كانوا إذا أرادوا إخراج الحديد والنشاب من جسده الشريف تركوه حتى يُصلّي فإذا اشتغل بالصلاة وأقبل إلى الله تعالى أخرجوا الحديد من جسده ولم يحس فإذا فرغ من صلاته يرى ذلك فيقول لولده الحسن عليه السلام إنّ هي إلا فعلتك يا حسن ولم يترك صلاة الليل قط حتى في ليلة الهرير"2.
 
وعن عروة بن الزبير، قال: "كُنّا نتذاكر في مسجد رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أعمال أهل بدر وبيعة أهل الرضوان، فقال أبو الدرداء: ألا أُخبركم بأقل القوم مالاً وأكثرهم ورعاً واجتهاداً في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: علي بن أبي طالب  عليه السلام، رأيته في حائط بني النجار يدعو، ثم انغمر في الدعاء، فلم أسمع له حسّاً وحركة، فقُلتُ: غلب عليه النوم لطول السهر، فذهبت لكي أوقظه لصلاة الفجر فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فلم يتحرّك، فقُلتُ: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب عليه السلام. فأتيت منزله بادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام، يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه وقصّته، فأخبرتها الخبر. فقالت عليها السلام: هي والله يا أبا الدرداء الغشوة التي تأخذه من خشية الله. ثم أتوه بماء فنضحوا على وجهه فأفاق، ونظر إليّ وأنا أبكي. فقال عليه السلام: ما بكاؤك يا أبا الدرداء؟ فقُلتُ: بما أراه تُنزله بنفسك. فقال عليه السلام: "كيف بك إذا رأيتني أُدعى إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكةٌ غلاظ 



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 46، ص 75.
2 الديلمي، الحسن بن محمد، إرشاد القلوب، انتشارات الشريف الرضي، قم، الطبعة الأولى، 1412هـ، ج2، ص 217.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

40

الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

 شداد وزبانيةٌ فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار وأسلمتني الأحباب، ورفضني أهل الدنيا لكُنتَ أشدّ رحمة بي بين يدي من لا تخفى عليه خافية"1

 
ولشدّة ارتباطه بالصلاة فقد ختم حياته عليه السلام وهو ساجدٌ في صلاة الفجر في محراب مسجد الكوفة.
 
3- عبادة السيدة الزهراء عليها السلام:
ورد عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم في رواية ذكر فيها مقام ومنزلة وعبادة السيدة الزهراء عليها السلام متى قامت في محرابها بين يديّ ربّها: "... وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين وهي بضعة منّي وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبيّ وهي الحوراء الإنسيّة متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زَهَرَ نورها لملائكة السّماء كما يَزهَر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزَ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيّدة إمائي قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أُشهدكم أنّي قد آمنت شيعتها من النّار"2. ويُروى أنّها عليها السلام كانت تنهج في الصلاة من خيفة الله تعالى (والنهج هو تواتر النفس من شدّة الحركة)3 ، وكانت تقوم حتى تتورّم قدماها4.
 
4- عبادة الإمام الحسن عليه السلام:
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "إنّ الحسن بن علي عليهما السلام... كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنّة وتعوّذ بالله من النار"5.
 
5- عبادة الإمام الحسين عليه السلام:
وأمّا إمامنا الحسين عليه السلام ففي ليلة العاشر من محرّم طلب من الجيش الأموي أن يُمهله تلك العشيّة قائلاً: إنّا نُريد أن نُصلّي لربّنا الليلة ونستغفره، فهو يعلم أنّي أُحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار. وقد رُوي أنّه عليه السلام كان إذا توضّأ تغيّر لون وجهه وارتعدت
 



1 راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج41، ص11.
2 م. ن، ج 28، ص 37.
3 م. ن، ج 81، ص 258.
4 م. ن، ج 43، ص 76.
5  م. ن، ص 331.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

41

الدرس الخامس: العبادة الإلهيّة

 مفاصله، فسُئل عن ذلك، فقال: "حقٌّ لمن وقف بين يديّ الملك الجبّار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله"1.

 
كانت هذه نبذة يسيرة من عبادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيت العصمة عليه السلام بقدر ما تتّسع لها هذه الأوراق، والمصادر التاريخية زاخرةٌ بشواهد على عباداتهم الزاكية والراقية لله تعالى...
 
 
والحمد لله رب العالمين



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار،، ج 77، ص 346.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

42

الدرس السادس: معراج الروح

 الدرس السادس: معراج الروح

 
 
النصّ الروائي
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا استقبلت القبلة، فآيس من الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك من كلّ شاغل يُشغلك عن الله تعالى وعاين بسرّك عظمة الله عزّ وجلّ واذكر وقوفك بين يديه، قال تعالى: هنالك تبلوا كلّ نفس ما أسلفت وردّوا إلى الله مولاهم الحق... وقِفْ على قدم الخوف والرجاء"1.
 
النقاط المحوريّة:
- معنى حضور القلب.
- آثار عدم حضور القلب في العبادة.
- عوائق حضور القلب.
- عالج قلبك.



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 84، ص 230.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

43

الدرس السادس: معراج الروح

 معنى حضور القلب

قال الإمام الصادق عليه السلام: "إذا استقبلت القبلة، فآيس من الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك من كلّ شاغل يُشغلك عن الله تعالى وعاين بسرّك عظمة الله عزّ وجلّ واذكر وقوفك بين يديه، قال تعالى: هنالك تبلوا كلّ نفس ما أسلفت وردّوا إلى الله مولاهم الحق... وقف على قدم الخوف والرجاء"1. فحضور القلب إذاً هو إفراغه من أيّ شيءٍ يُشغله عن الله تعالى وعظمته.
 
وقد ورد في جامع السعادات: "حضور القلب: وهو أنْ يُفرغ القلب عن غير ما هو ملابسٌ له ومتكلّمٌ به، حتى يكون العلم مقروناً بما يفعله وما يقوله، من غير جريان الفكر في غيرهما.  فمهما انصرف الفكر عن غير ما هو فيه، وكان في قلبه ذكرٌ لما هو فيه من غير غفلةٍ عنه، فقد حصل حضور القلب. ثم حضور القلب قد يُعبّر عنه بالإقبال على الصلاة والتوجّه، وقد يُعبّر عنه بالخشوع بالقلب.."2.
 
والمراد من حضور القلب في الصلاة هو أن يكون مشغولاً وملتفتاً إلى حال الصلاة ومتوجّهاً إلى الله في أفعاله وأقواله وغيرها ومفرّغاً فكره عمّا سوى الحقّ3.
 
بقدر حضور القلب تُقبل العبادة
إنّ القلب هو المحور في العبادات، وهو الذي تبتغي العبادة تغييره والتأثير فيه وتشكيله على صورة العبودية وتحويله إلى عابدٍ حقيقي. فما هو السرّ في ذلك؟
 
إنّ رعاية حضور القلب في العبادات هو أحد أهمّ الآداب القلبية، إذ ليس للعبادة من دونه روحٌ أو معنىً, وهو مفتاح الكمالات والسعادة.



1 منسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، الباب التاسع والثلاثون، في افتتاح الصلاة، ص87.
2 النراقي، محمد مهدي بن أبي ذر، جامع السعادات، نشر الأعلمي‏، بيروت‏، الطبعة الرابعة، ج3، ص 323.
3 راجع السيد عبد الحسين دستغيب، صلاة الخاشعين، دار التعارف، ص 35.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

44

الدرس السادس: معراج الروح

 وقد ورد عن رسول الله محمّدٍ  صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُحَدِّثْ فِيهِمَا نَفْسَهُ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَه‏"1.

 
وعنه  صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ مِنَ الصَّلَاةِ لَمَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبُعُهَا وَخُمُسُهَا إِلَى الْعُشْرِ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا وَإِنَّمَا لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ بِقَلْبِك‏"2.
 
وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ عَبْدٍ لَا يَحْضُرُ قَلْبُهُ مَعَ بَدَنِه‏"3.
 
وعن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام أنّهما قالا: "إِنَّمَا لَكَ‏ مِنْ‏ صَلَاتِكَ‏ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ أَوْهَمَهَا كُلَّهَا أَوْ غَفَلَ عَنْ أَدَائِهَا لُفَّتْ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا"4.
 
وعن الإمام الصادق  عليه السلام: "إِذَا أَحْرَمْتَ‏ فِي‏ الصَّلَاةِ فَأَقْبِلْ عَلَيْهَا فَإِنَّكَ إِذَا أَقْبَلْتَ أَقْبَلَ اللهُ عَلَيْكَ وَ إِذَا أَعْرَضْتَ أَعْرَضَ اللهُ عَنْكَ فَرُبَّمَا لَمْ يُرْفَعْ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا الثُّلُثُ أَوِ الرُّبُعُ أَوِ السُّدُسُ عَلَى قَدْرِ إِقْبَالِ الْمُصَلِّي عَلَى صَلَاتِهِ وَ لَا يُعْطِي اللهُ الْغَافِلَ شَيْئاً"5.
 
آثار عدم حضور القلب في العبادة
من أسرار العبادات وفوائدها أن تتقوّى إرادة النفس وتتغلّب على القوى الطبيعية فتُصبح مسخّرةً لها, وتُصبح ملكوتية حاكمة ومتصرّفة بالبدن بحيث تكون القوى الظاهرية بالنسبة إلى النفس كملائكة الله بالنسبة إلى الحقّ تعالى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾6.
 
ويعقب ذلك نتيجةٌ مهمّةٌ أخرى وهي أن تغدو مملكة البدن بجميعها، ظاهرها وباطنها، مسخّرةً تحت إرادة الله، وتكون القوى الملكوتية والملكية للنفس من جنود الله، وتكون كلّها كملائكة الله, وبهذا تُصبح النفس مرتاضةً بعبادة الله بالتدريج، وتنهزم جنود إبليس بشكل نهائي وتنقرض، ويكون القلب مع قواه مسلّمين للحق. وجميع النتائج المذكورة لن تتمّ ما دام القلب غير حاضرٍ في محضر العبادة حضوراً كاملاً وقائماً فيه، وما دام يتقلّب غافلاً بعيداً عنه.
 
فإذا كان القلب في وقت العبادة غافلاً وساهياً لا تكون عبادته حقيقيةً بل تُشبه اللهو واللعب، ولا 



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، ص249.
2 م. ن، ص260.
3 م. ن، ص 242.
4 الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص363.
5 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، ص 266.
6 سورة التحريم، الآية 6.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

45

الدرس السادس: معراج الروح

 يحصل لمثل هذه العبادة أثرٌ في النفس البتّة، ولا تتجاوز العبادة من الصورة والظاهر إلى الباطن والملكوت. فتكون عبادتنا قشراً بلا لبٍّ وصورةً بلا باطن، فتزول مع زوال قشور هذه الدنيا الفانية ولا يتبقّى منها أي أثرٍ يصحب الإنسان لدى انتقاله من دار الفناء إلى دار البقاء حيث لا يبقى إلا ما كان حقيقياً1.

 
عوائق حضور القلب
نقصد بموانع حضور القلب في العبادات كلّ ما يستدعي غفلة القلب عن محضر العبادة ويذهله عن معاني حركات وأذكار وطقوس العبادات ويسرح به بعيداً عن الحضور في موعد لقاء المعبود عزّ وجلّ.
 
وتنشأ الموانع إمّا من أمورٍ خارجيةٍ عن طريق الحواسّ الظاهرية، وإمّا من أمورٍ باطنيةٍ عمدتها عقبتان رئيستان، هما الخيال وحبّ الدنيا.
 
ونعني بالموانع الناشئة من أمورٍ خارجيةٍ كلّ ما يرد إلى ذهن الإنسان عن طريق الحواسّ الظاهرية كأن يسمع أو يرى في حال العبادة شيئاً فيتعلّق ذهنه به، فينشغل به خياله ويتشتّت خاطره فيذهل كلّياً عن عبادته، فإنْ كان قائماً في الصلاة مثلاً، فلا يلتفت إلّا وقد ختمها مسلّماً دون أن يعي ممّا قاله فيها حرفاً واحداً!
 
أمّا بالنسبة للموانع الناشئة من عوامل باطنيةٍ فهما قوّة الخيال لدى الإنسان وحبّ الدنيا المتمكّن من قلبه:
1- الخيال:
قوّة الخيال أو المتخيّلة، وهي قوّة موجودةٌ لدى كلّ إنسان بشكلٍ طبيعيٍّ ولها فوائدها العظمى بالنسبة إليه، فمن دونها مثلاً لا يتمكّن الإنسان من الذهاب إلى مكانٍ ما لأنّه لا يمتلك القدرة على تخيّل وتصوّر الطريق إليه. ولكن المشكلة تقع عندما يعمل الخيال في غير مكانه ووقته المناسبين وهو ما يحدث تلقائياً وبشكلٍ دائمٍ، لأنّه وكما يُقال إن طائر الخيال بطبيعته فرّار.
 
وكون الخيال مولّداً دائماً للخيالات والصور هو أمرٌ لا يُبتلى به أهل الدنيا فقط، بل حتى أولئك الذين تعلّقت قلوبهم بالآخرة، فهم لا ينجون من هذه المصيبة الناشئة من طبيعة وخصائص 
قوّة الخيال.



1 راجع: الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، المقالة الأولى، الفصل الثامن في بيان حضور القلب.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

46

الدرس السادس: معراج الروح

 والذي ينجو من هذه المصيبة هو ذلك الذي يروّض هذه القوّة إذ أنها قوّةٌ قابلةٌ للترويض ويُمكن لصاحبها السيطرة عليها بمجاهدةٍ خاصّةٍ.

 
2- حبّ الدنيا:
المانع الثاني هو تعلّق القلب بالحيثيّات الدنيوية وحبّه للدنيا الذي هو رأس الخطايا والأمراض الباطنية، وهو شوك طريق أهل السلوك ومنبع المصيبات. وما دام القلب متعلّقاً، ومنغمساً في حبّ الدنيا فالطريق لإصلاح القلوب مسدود والسبب في ذلك أنّ القلب يتوجّه إلى محبوبه بمقدار تمكّن حبّه منه:
فإنْ كانت الدنيا هي محبوبته وقد استحوذت عليه فإنّها تأخذ بشغافه وعنايته في كافّة حالاته وهنيهاته، وتُشغله بفتنتها في كلّ أوانٍ، فينصرف عن كلّ ما سواها بما في ذلك العبادة والحضور في الصلاة موعد الثناء على ربّ العزّة المتعال. وهذا الإنسان ليس له من العبادة والعبودية نصيب.
 
وإن كان حبّ الدنيا قد خالط قلبه ولكنّه لم يستحوذ عليه بالكلّية فإنّه قد ينشغل عن محبوبته بأمورٍ أخرى ولكن ما أن يزول الانشغال فإنّه يطير إليها على عجلٍ، وفي أغلب الأحيان يكون وقت الصلاة بالنسبة لهذا الإنسان موعداً ليلتقي محبوبته الدنيا حيث يترك سائر انشغالاته وينصرف إليها، فلا يجني من صلاته غير الخسران لأن: "إِنَّمَا لَكَ‏ مِنْ‏ صَلَاتِكَ‏ مَا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ أَوْهَمَهَا كُلَّهَا أَوْ غَفَلَ عَنْ أَدَائِهَا لُفَّتْ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا"1.
 
أمّا أولئك الذين تذوّقت قلوبهم لذّة حبّ المحبوب المطلق، والذين يرون جمال محبوبهم عزّ وجلّ في كلّ شيء فإنّهم ينتظرون موعد لقائهم به ويأتون بالصلاة بآدابها وتحضر قلوبهم فيها بلا كلفةٍ لأنّها لا تروم سواه.
 
اجعل طائر الخيال في قبضتك
لا يُمكن لنا إزالة قوّة الخيال لأنّها قوّةٌ طبيعيةٌ ولازمةٌ للإنسان، ولكنّها كسائر القوى الإنسانية قابلةٌ للتربية والترويض والتهذيب لذا يُمكن للإنسان السيطرة على خياله حتى لا يُشكِّل عائقاً ومانعاً من حضور القلب.
 
ولتهذيب قوّة الخيال ينبغي اتباع مبدأ العمل بالخلاف. وتطبيق هذا المبدأ في الصلاة يقتضي:
أولاً: أن يهدف المصلّي إلى حفظ خياله أثناء الصلاة والسيطرة عليه.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص363.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

47

الدرس السادس: معراج الروح

 ثانياً: أن يبقى ملتفتاً إلى حال خياله في جميع حركات الصلاة وسكناتها وأذكارها وأعمالها، ويترصّده وبمجرّد أن يلحظ تحرّكاً لخياله خارج أذكار الصلاة ومعانيها يردّه إلى الصلاة.

 
ثالثاً: أن يُدرك أنّ السيطرة على الخيال لن تتمّ بتدريبٍ واحدٍ بل يلزم المواظبة, كما عليه أن لا يتوقّع أن يتمكّن في بداية الأمر من حفظ خياله تماماً في كامل الصلاة وأنّه سيُحقّق هذا الهدف بالتدريج، فيُمكن أنْ يحفظه أولاً في عُشر الصلاة مثلاً ثم تزداد هذه النسبة شيئاً فشيئاً حتى يحفظه فيها كاملةً آخر المطاف.
 
رابعاً: ينبغي للإنسان أن لا ييأس في كلّ أحواله، فإنّ اليأس هو منبع كلّ ضعفٍ ووهنٍ ومكمن للشيطان والوهم. بل عليه أن يجعل كلّ اعتماده على الله عزّ وجلّ، وأن يرفع يده تماماً أثناء مجاهدته وسلوكه عن الاعتماد على نفسه، ويتوجّه إلى مسبّب الأسباب، ويتضرّع إليه في خلواته، ويطلب إصلاح حاله منه تعالى، فإنّه لا ملجأ دون ذاته المقدّسة.
 
وتبقى الإشارة إلى أنّ المنشأ الأساسي والمغذّي الأساسي لقوّة الخيال هو حبّ الدنيا والانشغال بزينتها وسفاسفها، لذا ينبغي قطع هذه الشجرة الملعونة وتجفيف هذا النبع الملوّث، السامّة مياهه.
 
عالج قلبك
عندما يكون قلب الإنسان مختلطاً بحبّ الدنيا، وليس له مقصدٌ ولا مقصودٌ غير تعميرها، فلا محالة أن يكون هذا الحب مانعاً من فراغ القلب وحضوره في ذلك المحضر القدسيّ، وعلاج هذا المرض المهلك والفساد المبيد هو العلم والعمل النافعان:
1- العلم النافع: التفكّر في ثمرات هذا المرض الذي هو مصدر الأمراض والمفاسد الأخلاقية، وفي نتائجه والمقارنة بينها وبين مضارّه ومهالكه الحاصلة منه. فكم هي محدودةٌ ومحكومةٌ بالفناء والزوال الفوائد الدنيوية التي قد يجنيها الإنسان المحب للدنيا؟ في مقابل ما يُسبّبه حبّها من ضررٍ له!! ويكفي لتبيان فداحة هذا الضرر ما ورد في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام: "رَأْسُ‏ كُلِ‏ خَطِيئَةٍ حُبُ‏ الدُّنْيَا"1.
 
بقليلٍ من التأمّل يُدرك الإنسان أنّ جميع المفاسد الخُلقية كالطمع والحرص والاستعباد والتملّق.., والمفاسد العملية كالقتل والنهب والظلم..وسائر الأخلاق الفاسدة وليدة أمّ الأمراض هذه.



1  الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص315.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

48

الدرس السادس: معراج الروح

 وحبّ الدنيا مانعٌ من الفضائل المعنوية، فالشجاعة والعفّة والسخاء والعدالة وطمأنينة النفس وسكون الخاطر وسلامة القلب والكرامة والحرية وعزّة النفس، وكذلك المعارف الإلهية والتوحيد في الأسماء والصفات والأفعال والذات وطلب الحق ورؤية الحق، جميعها متضادّةٌ مع حبّ الدنيا.

 
فعن الإمام الصادق  عليه السلام: "الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ صُورَةٍ رَأْسُهَا الْكِبْرُ وَ عَيْنُهَا الْحِرْصُ وَ أُذُنُهَا الطَّمَعُ وَ لِسَانُهَا الرِّئَاءُ وَ يَدُهَا الشَّهْوَةُ وَرِجْلُهَا الْعُجْبُ وَ قَلْبُهَا الْغَفْلَةُ وَكَوْنُهَا الْفَنَاءُ وَ حَاصِلُهَا الزَّوَالُ فَمَنْ أَحَبَّهَا أَوْرَثَتْهُ الْكِبْرُ وَمَنِ اسْتَحْسَنَهَا أَوْرَثَتْهُ الْحِرْصُ وَمَنْ طَلَبَهَا أَوْرَدَتْهُ إِلَى الطَّمَعِ وَمَنْ مَدَحَهَا أَكَبَّتْهُ الرِّئَاءُ وَمَنْ أَرَادَهَا مَكَّنَتْهُ مِنَ الْعُجْبِ وَمَنِ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا رَكِبَتْهُ الْغَفْلَةُ وَمَنْ أَعْجَبَهُ مَتَاعُهَا فَتَنَتْهُ فِيمَا يَبْقَى وَ مَنْ جَمَعَهَا وَبَخِلَ بِهَا رَدَّتْهُ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا وَ هِيَ النَّار"1.
 
2- العمل النافع: إنّ طريق علاج حبّ الدنيا هو مبدأ العمل بالضدّ. فكلّ محبٍّ للدنيا لديه نمطٌ من التعلّق بها، فالبعض يُحبّ المال والثروة وتكديس الخيرات وادّخار النفائس، وعلاج هذا الشخص يكون بأداء الحقوق المالية الشرعية الواجبة وبالصدقة المستحبّة، فيُعطي ممّا يُحبّ ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾2. فإنّ من أسرار الصدقات تقليل التعلّق بالدنيا. وإنْ كان هذا الأمر ثقيلاً على نفسه بادئ الأمر فليعلم أنّ السبب هو استحكام حبّ المال في قلبه، وليستمرّ في إنفاقه حتى يقضي على هذا الحبّ شيئاً فشيئاً.. وقد يُصبح العطاء لديه لذّة كما كانت لذّة التملّك وجمع الأموال3.
 
 
 
والحمد لله رب العالمين



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص105.
2 سورة آل عمران، الآية 92.
3 راجع: الإمام الخميني قدس سره الآداب المعنوية للصلاة، المقالة الأولى، الفصل الثامن في بيان حضور القلب.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

49

الدرس السابع: عمود الدين

 الدرس السابع: عمود الدين

 
 
النصّ الروائي:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَ‏ عَمُودَ الدِّينِ‏ الصَّلَاةُ وَ هِيَ أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ فَإِنْ صَحَّتْ نُظِرَ فِي عَمَلِهِ وَ إِنْ لَمْ تَصِحَّ لَمْ يُنْظَرْ فِي بَقِيَّةِ عَمَلِه‏"1.
 
النقاط المحورية:
- معنى الصلاة وحقيقتها.
- علّة تشريع الصلاة.
- الصلاة الواجبة والمستحبة.
- ثمرة النوافل.



1 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص 35.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

50

الدرس السابع: عمود الدين

 معنى الصلاة

المعروف والشائع أنّ الصلاة لغة الدعاء: ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾1، أي: ادع لهم، وقد صرّح فقهاء اللغة بأنّ لفظها من الألفاظ المشتركة، فقال ابن منظور: الصَّلاةُ الرُّكوعُ والسُّجودُ.. والصلاةُ الدُّعاءُ والاستغفارُ،.. ومنه قوله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾2، فالصَّلاةُ من الملائكة دُعاءٌ واسْتِغْفارٌ ومن الله رحمةٌ، وبه سُمِّيَت الصلاةُ لِما فيها من الدُّعاءِ والاسْتِغْفارِ...، وقال ابن الأَثير: تكرّر في الحديث ذكرُ الصلاةِ، وهي العبادةُ المخصوصةُ، وأَصلُها الدعاءُ في اللغة، فسُمِّيت ببعض أَجزائِها، وقيل أَصلُها في اللغة التعظيم، وسُمِّيت الصلاةُ المخصوصة صلاةً لما فيها من تعظيم الرَّبِّ تعالى وتقدّس.
 
المشهور على ألسنة العلماء: أنّ المعنى الشّرعي يختلف عن المعنى اللغوي وقد اختلف الفقهاء في التعريف الاصطلاحي للصلاة ومن أجود التعاريف ما عرفَّه الشهيد الأول في كتابه الذكرى بأنّها أفعال مفتتحة بالتكبير مشترطة بالقبلة مختتمة بالتّسليم للقربة.
 
والصلاة من أعظم العبادات البدنية، وأشرفها، قد جمع الله فيها لبني آدم أعمال الملائكة كلّهم من قيام وركوع وقنوت وسجود، وذكر وقراءة واستغفار ودعاء، وصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.., وينبغي لنا ألا نقف فقط عند المعنى اللغوي والفقهي للصلاة بل نسعى لاكتشاف ماهية وحقيقة هذه الصلاة.
 
حقيقة الصلاة
عن الإمام الصادق عليه السلام: "أَوَّلُ‏ مَا يُحَاسَبُ‏ بِهِ‏ الْعَبْدُ عَلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا قُبِلَتْ قُبِلَ مِنْهُ سَائِرُ عَمَلِهِ وَ إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ رُدَّ عَلَيْهِ سَائِرُ عَمَلِه‏"3، "فَإِذَا صَلَّيْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي صَلَاتِهِ وَ دُعَائِهِ إِلَّا أَقْبَلَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِ 



1 سورة التوبة، الآية 103.
2 سورة الأحزاب، الآية 56.
3 الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، تحقيق وتصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط 2، لا ت، باب الرغبة والرهبة في الصلاة،ج1، ص 208، ح 626.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

51

الدرس السابع: عمود الدين

 بِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ مَعَ مَوَدَّتِهِمْ إِيَّاهُ بِالْجَنَّة"1.

 
وروي عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَ‏ عَمُودَ الدِّينِ‏ الصَّلَاةُ وَ هِيَ أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ فَإِنْ صَحَّتْ نُظِرَ فِي عَمَلِهِ وَ إِنْ لَمْ تَصِحَّ لَمْ يُنْظَرْ فِي بَقِيَّةِ عَمَلِه‏"2.
 
الصلاة عمود الدين بمعنى أنّها قوامه، وركنه الفاصل بين الكفر والإيمان وموضعها من الدين كموضع الرأس من الجسد. وهي أعظم عبادة شرّعها ربّ الأرباب وملك الملوك جلَّ في علاه وتقدّس، هي أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله سبحانه، وأفضل ما توسّل به المتوسّلون للتقرّب إليه، وهي معراج المؤمنين والعارفين وسفر العاشقين. والصلاة أوّل ما افترض الله سبحانه على عباده ليتشرّفوا بعبادته، ويتمتّعوا بطاعته، ويظفروا بمناجاته، ويسعدوا برحمته وهي من المرتكزات الأساسية لصلة الإنسان بالله وإحياء معاني الإيمان في قلبه كما أنّها أهمّ الوسائل في تزكية النفس، وأول ما يجب تعلّمه من الفرائض، وأوّل ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم، وأوّل ما يُحاسب به، وآخر وصايا أنبياء الله تعالى ورسله  عليهم السلام إلى أوصيائهم، وأهليهم وأممهم، وإنّ شفاعة أنبياء الله تعالى وأوصيائهم  عليهم السلام لا تنال مستخفّاً بالصلاة، فمن حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، كما أنّها مَفْزَعٌ وملجأ وطمأنينة لكلّ من أحزنه أمر، أو حلّ به كرب، أو أراد أن يرتاح من هموم الدنيا ونكدها, حيث يجد فيها فائدة للأبدان، وراحة للأفئدة والألباب. وللصلاة آثارها المعنوية العظيمة على الإنسان، فهي تطرد الشيطان، وتمنع من البطر والطغيان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتُزيل الكبر وأنواع الرذائل القلبية، وتذهب السيّئات وتُطهّر النفس. وهي مفتاح كلّ خير، ينوّر بها الوجه والقلب، وتطمئنّ بها النفس، وتستنزل بها الرحمة، وتبدّل بها السيّئات بالحسنات، ويُستعان بها على الجهاد الأكبر والأصغر.
 
وللصلاة صورتها الملكوتية فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَأَقَامَ حُدُودَهَا رَفَعَهَا الْمَلَكُ‏ إِلَى‏ السَّمَاءِ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً وَ هِيَ تَهْتِفُ بِهِ حَفِظَكَ اللهُ كَمَا حَفِظْتَنِي وَاسْتَوْدَعَكَ اللهُ كَمَا اسْتَوْدَعْتَنِي مَلَكاً كَرِيماً وَ مَنْ صَلَّاهَا بَعْدَ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَلَمْ يُقِمْ حُدُودَهَا رَفَعَهَا الْمَلَكُ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً وَ هِيَ تَهْتِفُ بِهِ ضَيَّعْتَنِي ضَيَّعَكَ اللهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي وَلَا رَعَاكَ اللهُ كَمَا لَمْ تَرْعَنِي‏"3. من هنا يتبيّن أنّ للصلاة حقيقة وصورة ترتسم في العالم الآخر، تدعو للمصلّي إذا أتى بها في أوّل وقتها ولاحظ آدابها، وترتفع سوداء وتدعو عليه إنْ لم يراعِ أوقاتها وحدودها.



1  م.ن، ص 209.
2 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص 35.
3 الشيخ الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، نشر كتابچى‏، طهران‏، الطبعة السادسة، 1418 هـ، ص 256.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

52

الدرس السابع: عمود الدين

 علّة تشريع الصلاة

ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنَّه قال: "أَنَ‏ عِلَّةَ الصَّلَاةِ أَنَّهَا إِقْرَارٌ بِالرُّبُوبِيَّةِ لِلَّهِ‏ عَزَّ وَ جَلَّ وَ خَلْعُ الْأَنْدَادِ وَ قِيَامٌ بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ جَلَّ جَلَالُهُ بِالذُّلِّ وَ الْمَسْكَنَةِ وَ الْخُضُوعِ وَ الِاعْتِرَافِ وَ الطَّلَبُ لِلْإِقَالَةِ مِنْ سَالِفِ الذُّنُوبِ وَ وَضْعُ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ إِعْظَاماً لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنْ يَكُونَ ذَاكِراً غَيْرَ نَاسٍ وَ لَا بَطَرٍ وَ يَكُونَ خَاشِعاً مُتَذَلِّلًا رَاغِباً طَالِباً لِلزِّيَادَةِ فِي الدِّينِ وَ الدُّنْيَا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الِانْزِجَارِ وَ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ لِئَلَّا يَنْسَى الْعَبْدُ سَيِّدَهُ وَ مُدَبِّرَهُ وَ خَالِقَهُ فَيَبْطَرَ وَ يَطْغَى وَ يَكُونَ فِي ذِكْرِهِ لِرَبِّهِ وَ قِيَامِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ زَاجِراً لَهُ عَنِ الْمَعَاصِي وَ مَانِعاً مِنْ أَنْوَاعِ الْفَسَاد"1.
 
نستخلص من كلام الإمام  عليه السلام أنّ الصلاة شُرّعت لعلل وأهداف محدّدة أوّلها إقرار المصلّي بأنّه عبد مربوب له ربٌّ واحد أحد فرد صمد هو الذي خلقه وبرأه..، وبإقراره بعبوديّة الله والكفر بكلّ الأنداد الذي اتخذها البشر أرباباً من دون الله تعالى يتحرّر من عبوديّة العبيد, وبهذه الطريق يجعل نفسه في سلك الموحّدين الأحرار، وثاني هذه الأهداف هو إقامة ذكر الله تعالى لأنّ الأذكار تُربّي في المسلم معاني العبودية لله، وتُحرّره وتنزع من قلبه كلّ معاني الطغيان، والتعلّق بغير الله، وثالث هذه الأهداف مستمدّ ممّا سبق، وهو حصول الرادع والوازع الزاجر الذي ينتج عن إقامة ذكر الله تعالى، فيكون مانعاً للعبد عن أنواع الفساد التي تتضمّن الفحشاء والمنكر، و.... وكل الأمراض والأوبئة الأخلاقية.
 
الصلاة الواجبة والمستحبّة
تبيّن لنا أنّ الصلاة هي أفضل وسيلة للسير والسلوك والتقرّب إلى الله سبحانه، والصلوات تُقسم إلى قسمين: واجبة، ومستحبّة، فالصلوات الواجبة أو الفرائض هي من قبيل: الصلوات اليومية، وصلاة الآيات، وصلاة الميت، وصلاة الطواف الواجب, وصلاة النذر وصلاة القضاء...وبعض أنواع الصلاة واجبة كفائيّاً2 كالصلاة على الميت.
 
وأمَّا الصلوات المستحبّة أو النوافل فكثيرة، وأهمّها وأفضلها: الرواتب اليومية، وهي أربع وثلاثون ركعة على الشكل التّالي: نافلة الظهر ثماني ركعات قبل فريضة الظهر، نافلة العصر ثماني ركعات قبل فريضة العصر، نافلة المغرب أربع ركعات بعد فريضة المغرب، نافلة العشاء ركعتان من 



1 الشيخ الصدوق، محمد بن علي‏، ابن بابويه، علل الشرائع‏، نشر مكتبة داوري‏، قم، الطبعة الأولى‏، 1427 هـ، ج‏2، ص 317.
2 الواجب الكفائي هو العمل الذي يجب على الجميع ابتداء ويسقط عن الآخرين بفعل الغير له سواء كان واحداً أو جماعة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

53

الدرس السابع: عمود الدين

 جلوس تُعدّان ركعة واحدة وتُسمّى الوتيرة، ونافلة الصبح ركعتان قبل فريضة الصبح، ونافلة الليل إحدى عشر ركعة.

 
وقد ورد في السنّة الشريفة الحثّ على نوافل معيّنة ترتبط بالمناسبات الزمانية والمكانية، كصلوات ليالي شهر رمضان المبارك، والصلاة عند زيارة قبور النبي وأهل بيته  عليهم السلام، وكذلك صلاة تحيّة المسجد وغير ذلك من الصلوات المستحبّة.
 
ولأنّ الصلاة قربان كلّ تقي، وهي أفضل القربات إلى الله تعالى، فإنّها تُستحب ابتداءً، أي أن يتقرّب العبد كلّما شاء إلى الله بأداء ركعات من الصلاة، تبعث في قلبه الطمأنينة، وتُقرّبه إلى الله تعالى زلفى.
 
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ ضرورة تقديم الفرائض على النوافل في معراج الكمال والسير نحو الله تعالى أمرٌ لا نقاش فيه، بل ورد في الرواية رفض النوافل إذا أضرّت بالفرائض كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام: "إِذَا أَضَرَّتِ‏ النَّوَافِلُ‏ بِالْفَرَائِضِ‏ فَارْفُضُوهَا"1. ولكن هذا لا يعني مطلقاً ترك النوافل وحرمان النفس من بركاتها وفوائدها الجمّة. وعلى المرء أن يترصّد قلبه دائماً ولا يُضيّع فرصة إقباله، ففي الرواية عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفّلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة"2.



1 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص 286.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص454.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

54

الدرس السابع: عمود الدين

 ثمرة النوافل

أمّا فوائد النوافل وآثارها فكثيرة نذكر منها ما يلي:
1- قربان يتقرّب به المؤمن إلى الله تعالى: فالله لم يفرضها ولكن المؤمن يؤديّها عن محبّةٍ وشوق وفي ذلك تعبير عن رغبته الصادقة بعبادة الله والتقرّب إليه: عن أبي الحسن عليه السلام قال: "صَلَاةُ النَّوَافِلِ‏ قُرْبَانُ‏ كُلِ‏ مُؤْمِن‏"1.
 
2. تجبر الفرائض: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِنَ‏ الْعَبْدَ لَتُرْفَعُ‏ لَهُ‏ مِنْ‏ صَلَاتِهِ‏ نِصْفُهَا أَوْ ثُلُثُهَا أَوْ رُبُعُهَا أَوْ خُمُسُهَا وَ مَا يُرْفَعُ لَهُ إِلَّا مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَلْبِهِ وَ إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالنَّوَافِلِ لِيُتِمَّ لَهُمْ بِهَا مَا نَقَصُوا مِنَ الْفَرِيضَة"2.
 
3. سبب محبّة الله للعبد: قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ أَرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي وَ مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدٌ بِشَيْ‏ءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ لِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ وَ إِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ"3.
 
فالنافلة وسيلة اتصال دائم بالله تعالى يعيش معها العبد المؤمن أجمل لحظات القرب من الله فيفيض عليه تعالى من فضله وكرمه ما يعجز المرء عن وصفه.
 
4- محو السيّئات: عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾4 قال: "صَلَاةُ الْمُؤْمِنِ‏ بِاللَّيْلِ‏ تَذْهَبُ‏ بِمَا عَمِلَ‏ مِنْ‏ ذَنْبٍ‏ بِالنَّهَار"5.
 
 
 
 
والحمد لله رب العالمين



1  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص73.
2 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، 238.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص352.
4 سورة هود، الآية 114.
5 م.ن، ج3، ص266.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

55

الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 
النصّ المحوري:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "أَحَبُ‏ الْأَعْمَالِ‏ إِلَى‏ اللهِ‏ عَزَّ وَ جَلَ‏ الصَّلَاةُ وَ هِيَ آخِرُ وَصَايَا الْأَنْبِيَاءِ ع فَمَا أَحْسَنَ الرَّجُلَ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ1 يَتَنَحَّى حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَنِيسٌ فَيُشْرِفُ عَلَيْهِ وَ هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ نَادَى إِبْلِيسُ يَا وَيْلَاهْ أَطَاعَ وَ عَصَيْتُ وَ سَجَدَ وَ أَبَيْت".
 
النقاط المحورية:
- منزلة الصلاة وأهمّيتها.
- الآثار الروحّية والتربوية للصلاة.
- عاقبة ترك الصلاة.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص264.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

56

الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 منزلة الصلاة وأهمّيتها

حظيت الصلاة في هذا الدين بمكانة عظيمة ومنزلة رفيعة لا تعدلها أية عبادة أخرى, فهي دعامته وركنه وشعيرته ومظهره الخالد وآيته الباقية، والصلاة عماد الدين، وأوّل ما يسألنا عنه ربّ العالمين، فهي مفتاح الحساب، والواقية من العذاب، في الدنيا وتحت التراب، ويوم القيامة حين يقوم الحساب ويقوم الجزاء والعقاب، وهي بعد راحة للبدن وراحة للبال, وهذا ما نستشفّه من خلال الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم الصلاة والسلام:
1- المكان الذي فُرضت فيه:
هي تلك العبادة التي عندما أراد الله فرضها لم يُرسل ذلك مع جبريل عليه السلام ككّل الفرائض الأخرى، ولكنّه أسرى بنبيّه الأكرم ورسوله الأعظم  صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات العلى وخاطبه سبحانه، في ذاك المقام الشريف، وفوق تلك السموات فُرضت هذه الشعيرةُ العظيمة التي اختصّها الله من بين سائر شرائع الإسلام بذلك حيث إنّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم تلقّى الأمر بها من الله تعالى مباشرة، فأيّ مكانة ومنزلة تلك؟! وأيّ شأن ذاك لهذه الصلاة؟! ولا غرابة حينئذ أن يقول عنها خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَ‏ اللهَ‏ جَعَلَ‏ قُرَّةَ عَيْنِي‏ فِي‏ الصَّلَاة"1.
 
2- رأس مال المسلم وعروة الإسلام:
الصلاة دعامة لجميع الشرائع السماوية، فهي أقدم عبادة، ولأنّها من مستلزمات الإيمان لم تخل منها شريعة من الشرائع، ولم تنسخ فيما نُسِخ منها، إذ لا خير في دين لا صلاة فيه، ولأهمّية الصلاة وكبير مكانتها في الإسلام جعلها الله حدّاً فاصلاً بين الكفر والإسلام، فقال جلّ شأنه: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾2.



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 79، ص 233.
2 سورة التوبة، الآية 11.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

57

الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 3- أحبّ الأعمال إلى الله تعالى:

قال مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال أمير المؤمنين  عليه السلام: "ليس عمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من الصلاة، فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا، فإنّ الله عزّ وجلّ ذمّ أقواماً، فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾1 يعني أنّهم غافلون استهانوا بأوقاتها"2.
 
يُشير حديث الإمام عليه السلام إلى موقعيّة الصلاة, وأنّها أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ, فمن أراد رضا الحبيب حافظ على صلاته ولم ينشغل عن لقاء الله عزّ وجلّ بالأمور المادّية والدنيوية.
 
4- أفضل وسيلة لذكر الله تعالى:
يُشير الله سبحانه في الآية الكريمة: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾3 إلى واحدة من أهمّ أسرار الصلاة، وهي أنّ الإنسان يحتاج في حياته في هذا العالم، إلى عمل يُذكِّره بالله والقيامة ودعوة الأنبياء وهدف الخلق في فترات زمنية مختلفة، كي يحفظه من الغرق في دوّامة الغفلة والجهل، وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمّة.
 
فمع توزّع الصلوات الواجبة على أوقات اليوم المختلفة فإنّ العبد يغسل بها غبار الغفلة الذي استقرّ على قلبه. ومن هنا يقول الله سبحانه لنبيّه موسى عليه السلام في أوّل الأوامر في بداية الوحي: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾4، وفي آيات أخرى نقرأ: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾5 و ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾6.
 
فإذا جعلنا هذه الآيات الثلاث جنباً إلى جنب فسنفهم جيّداً أنّ الصلاة تُذكِّر الإنسان بالله، وذكر الله يجعل نفسه مطمئنّة، ونفسه المطمئنّة ستوصله إلى مقام العباد المخلصين والجنّة الخالدة.
 
5- أفضل وسيلة لمواجهة الشدائد:
كان الأنبياء عليهم السلام يفزعون إلى الصلاة عند الشدائد والمكائد، وقد أمر الله نبيّه الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر والمحافظة على الصلاة: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾7.



1 سورة الماعون، الآية 5.
2 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 10، ص 100.
3  سورة طه، الآية 14.
4 سورة طه، الآية 14.
5 سورة الرعد، الآية 28.
6  سورة الفجر، الآيات 27-30.
7 سورة الحجر، الآيتان 97 - 98.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

58

الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾1، ويقول عزّ من قائل: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾2, الأمر الإلهي بالاستعانة بالصبر والصلاة خير دليل على أهمّية وموقعيّة الصلاة في مواجهة الشدائد والتغلّب عليها.

 
6- خير الأعمال وأفضلها:
تُعتبر الصلاة أفضل الفرائض, وخير الأعمال التي تُثقل الميزان يوم القيامة فقد روى مولانا الإمام جعفر بن محمد الصادق عن آبائه الكرام، عن علي عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نَجُّوا أَنْفُسَكُمْ‏ اعْمَلُوا وَ خَيْرُ أَعْمَالِكُمُ‏ الصَّلَاة"3, وروى جدّه الإمام الصادق عن آبائه الكرام، عن عليّ  عليهم السلام قال: "قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: الصَّلَاةُ مِيزَانُ‏ أُمَّتِي‏ مَنْ‏ وَفَّى‏ اسْتَوْفَى‏"4.
 
الآثار الروحية والتربوية للصلاة
إنّ الصلاة هي أهمّ الأوامر الإلهية وما يتخلّلها من دعاء وأذكار، وتلاوة للقرآن، ستترك بلا شك أثراً بالغاً في الأبعاد الدينيّة والروحية عند الفرد المسلم لأنّ الصلاة ليست مجرّد تحريك للبدن واللسان، فهذه الحركات والكلمات لها امتدادها في وجدان المؤمن وقلبه ونفسه.
 
1- قوّة الصلة بالله تعالى:
أوّل أثر من آثار الصلاة على المصلّي قوّة الصلة بينه وبين ربّه، وذلك لأنّ الصلاة عبادة تُحقّق دوام ذكر الله، ودوام الاتصال به، وتُمثّل تمام الطاعة والاستسلام لله، والتجرّد له وحده بلا شريك،، بها تتوثّق أسباب الاتصال بالله، ويتزوّد العبد من خلالها بطاقة روحية تُعينه على مشقّة التكليف. فيها يقف الإنسان بين يدي ربّه في خشوع وخضوع، مستشعراً بقلبه عظمة المعبود، مع الحبّ والخوف من جمال وجلال المعبود، طامعاً فيما عنده من الخير، وراغباً في كشف الضر، وجلاً من عقابه الشديد.
 
وقد روى إمامنا الكاظم موسى بن جعفر عليهما السلام عن أبيه، عن آبائه الكرام  عليهم السلام: في حادثة مفصَّلة، عن أمير المؤمنين عليهما السلام في فضل رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّه كان إذا قام إلى الصلاة سُمع



1 سورة البقرة، الآية 153.
2 سورة البقرة، الآيتان 45و46.
3 النورى، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج‏3، ص44.
4  م.ن، ص 31.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

59

الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 لصدره وجوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي1 من شدّة البكاء، وقد أمنه الله عزّ وجلّ من عقابه، فأراد أن يتخشّع لربّه ببكائه، ويكون إماماً لمن اقتدى به، ولقد قام عليه وآله السلام عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورّمت قدماه واصفرّ وجهه، يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك، فقال الله عزّ وجلّ: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾2. بل لتسعد به، ولقد كان يبكي حتى يُغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله أليس الله عزّ وجلّ قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: بلى أفلا أكون عبداً شكوراً"3.

 
2- أثر الصلاة في طهارة النفس وتزكيتها:
الصلاة تُربّي النفس وتُهذّب الروح وتُنير القلب بما تغرس فيه من جلال الله وعظمته، خصوصاً أثناء السجود الذي تكمن آدابه القلبية في معرفة حقيقة النفس وأصل وجود الإنسان وأدب وضع الرأس على التراب إسقاط أعلى مقامات نفسه عن عينه، ورؤيتها أقل من التراب، كما أنّ تحلّي المرء وتجمّله بمكارم الأخلاق خصوصاً إذا منح الله تعالى العبد توفيق الأُنس به حال الصلاة، وذاق حلاوة مناجاة ربّه، فسيُقلع عن اقتراف الذنوب بكلّ سهولة، ولن تعود للخطيئة جاذبيّة في نظره، لذلك يقول العارف بالله الشيخ بهجت رحمه الله: "لو علم ملوك العالم في الصلاة من لذّة لتركوا لذّات سلطانهم، وهرعوا نحو الصلاة"4.
 
ومن رحمة الله تعالى وتفضّله على الخلق جعل الصلاة وسيلة لغسل الذنوب وتطهير النفوس فقد جاء في حديث إمامنا أبي جعفر محمد الباقر  عليه السلام الذي يرويه عن جدّه النبي الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه سأل أصحابه: "لَو كانَ عَلى بابِ دارِ أحَدِكُم نَهرٌ، فَاغتَسَلَ في كُلِّ يَوم مِنهُ خَمسَ مَرّات. أكانَ يَبقى في جَسَدِهِ مِنَ الدَّرَنِ شَيءٌ؟ قالوا. لا. قالَ: فَإِنَّ مَثَلَ الصَّلاةِ كَمَثَلِ النَّهرِ الجاري كُلَّما صُلّيَ صَلاةٌ كَفَّرَت ما بَينَهُما مِنَ الذُّنوبِ"5. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "الصَّلاةُ صابونُ الخَطايا"6.



1  الأثافي جمع الأثفية: الحجر توضع عليه القدر.
2 سورة طه، الآيتان 1 - 2.
3 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 17، ص 287.
4 نقل عنه هذا القول آية الله الشيخ مصباح اليزدي في محاضرة ألقاها في مكتب السيد القائد (حفظهما الله) بتاريخ 21 / آب / 2011م.
5 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج‏4، ص 12.
6 ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي‏، قم‏، الطبعة الأولى‏، 1404هـ‏، ج 20، ص 313.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

 


60

الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 3- درع المسلم السابغة1:

تُعدّ الصلاة درعاً سابغة منيعة أمام الذنوب المستقبلية: لأنّها تُقوّي روح الإيمان في الإنسان، وتُنمّي التقوى في القلب، ومن المعلوم أنّ الإيمان والتقوى هما أقوى الدروع التي تواجه الذنوب، وأشار القرآن إلى هذا المعنى بعنوان النهي عن الفحشاء والمنكر، وورد في روايات عديدة أنّ المصلّي إذا كان مبتلى ببعض العادات السيّئة، واستمرّ في أداء صلاته، فإنّ الآثار الروحية والتربوية للصلاة كفيلة بأن تجعل منه فرداً صالحاً في المستقبل كما حصل عندما جاء أحد الصحابة، فقال: يا رسول الله إنّ فلاناً يُصلّي الليل كلّه، فإذا أصبح سرق، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "سينهاه ما تقول"2، أي: صلاته التي يُصلّيها.
 
ويشير إلى المعنى نفسه قول الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾3، أي: أنّها تنهى عن أضدّادها..
 
4- إزالة الغفلة:
إنّ في تكرار الصلوات على امتداد اليوم والليلة الأثر الأكبر لإزالة الغفلة من حياة الفرد والمجتمع المسلم لأنّ الصلاة, ومن خلال ذكر الله تعالى الوارد فيها, تُنبّه من رقدة الغافلين، وتُذكّر بهدف الخلقة والإبداع, كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾4. ويتّضح ذلك أيضاً في دعاء مولانا الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام وطلبه من الله عزّ وجلّ ألّا يحول بينه وبين المساجد وأماكن الذكر والعبادة وألّا يجعله من الغافلين: "اللهم.. لا تحل بيني وبين المساجد التي يُذكر فيها اسمك، ولا تجعلني من الغافلين عن ذكرك وشكرك"5.
 
5. قمع التكبّر وتمزيق حجب الغرور:
الصلاة تُحبط التكبّر لأنّ فيها الركوع، وهو خضوع للربّ العظيم، والسجود وهو غاية الخضوع للربّ الأعلى، والإنسان عندما يخرّ لله ساجداً يضع أشرف عضو من أعضاء جسده - وهو الوجه - على التراب، ويُنكّس جوارحه خاضعاً متذلِّلاً لله تعالى، وينحني لله في سبع عشرة ركعة خلال 



1 أصلها سَبَغَ: قوله تعالى: ﴿اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ (سورة سبأ، الآية 11), أي دروعاً واسعة ضافية... وإسباغ النعمة: توسعتها... والسبوغ: الشمول"، راجع مجمع البحرين للطريحي، (ج5، ص11 ) مادّة "سَبَغَ"،.
2 محمد بن حبان التميمي، صحيح ابن حبان، مؤسسة الرسالة، ط 2، ج 6 ، ص 300.
3 سورة العنكبوت، الآية 45.
4 سورة الأعراف، الآية 205.
5 ابن طاووس، علي بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة، تحقيق وتصحيح جواد قيومي الأصفهاني، نشر مكتب الإعلام الإسلامي‏، قم‏، الطبعة الأولى‏، 1418 هـ.‏، ج 2، ص 224.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

61

الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 اليوم والليلة وفي كلّ ركعة مرّتين، عندها يُدرك الإنسان العاقل عظمة الله وكبريائه وجبروته، وفي نفس الوقت يُدرك ذلّته وفقره وحاجته ومسكنته أمام عزّة الله وغناه، فيضع حجب الغرور جانباً ويقمع التكبّر، لهذا السبب قالت سيّدة نساء العالمين الطهر البتول أمّ أبيها فاطمة الزهراء عليها السلام في خطبتها التي أوضحت فيها فلسفة العبادات الإسلامية، وبيّنت أنّ أولى العبادات بعد الإيمان هي الصلاة، فقالت عليها السلام: "... ففرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر"1.

 
6- مفتاح لكلّ خير:
إنّ الصلاة مفتاح لكلّ خير، فهي التي تُعطي القلب أنساً وسعادة، وتُعطي الروح بشراً وطمأنينة، وتُعطي الجسد نشاطاً وحيوية، والإنسان بطبيعته لا يستمر على حال واحدة، فتجده مسروراً أو حزيناً أو خائفاً أو مريضاً.... لذا فإنَّ تعدُّد أنواع الصلاة2، يُلائم الإنسان في جميع أحواله ويقضي حوائجه. فبها مثلاً تدفع الشدائد والنكبات لتكون بمثابة صيانة مستمرّة للعبد المسلم..
 
ولتبيان كثرة هذه الآثار الحميدة نقول روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كذب من زعم أنّه يُصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إنّ صلاة الليل تضمن رزق النهار"3. وروى مولانا الإمام الصادق، عن آبائه  عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين  عليه السلام: "لَوْ يَعْلَمُ‏ الْمُصَلِّي‏ مَا يَغْشَاهُ‏ مِنْ‏ جَلَالِ‏ اللهِ‏ مَا سَرَّهُ‏ أَنْ‏ يَرْفَعَ‏ رَأْسَهُ‏ مِنَ‏ السُّجُود"4.
 
7- مغفرة ورحمة:
أطلق القرآن الكريم لفظ الصلاة على مغفرة الله جلّ شأنه لعبيده، وذلك من خلال قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾5، وكذلك على الرحمة في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾6.
 
وفي هذا إشارة هامّة إلى أثرين من آثار الصلاة على العباد، وكأنَّ المغفرة والرحمة لازمتان من لوازم الصلاة المقبولة لا ينفكّان عنها. ولذلك قرأ أمير المؤمنين عليه السلام قول الله تعالى: ﴿إِنَّ 



1 الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 568.
2 تتعدّد الصلاة بنوعيها الواجب والمستحب فللحضر صلاة، وللسفر صلاة وللمرض صلاة، وللخوف صلاة وللجمعة صلاة، وللعيدين صلاة، وللجنازة صلاة، وللاستسقاء صلاة، وللقيام صلاة...
3 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 8، ص 158.
4 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 79، ص 207.
5 سورة الأحزاب، الآية 43.
6 سورة البقرة، الآية 157.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

62

الدرس الثامن: قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾1، وأعقبها بقوله: "يقول صلاة الخمس تُكفّر الذنوب، ما اجتنب العبد الكبائر"2.

 
عاقبة ترك الصلاة
روى السيد علي ابن طاووس الحسني بثلاثة أسانيد3 حديثاً جامعاً أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدّد في جوابه على سؤال مولاتنا الطُّهر البتول فاطمة عليها السلام عن عاقبة تارك الصلاة، والآثار الناجمة عن ذلك فقال: "من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة، ستٌّ منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث يوم القيامة إذا خرج من قبره.
 
فأمّا اللواتي تُصيبه في دار الدنيا: فالأولى يرفع الله البركة من عمره ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله عزّ وجلّ سيماء الصالحين من وجهه، وكلّ عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظٌّ في دعاء الصالحين. 
 
وأمّا اللّواتي تُصيبه عند موته: فأوّلهنّ أن يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه.
 
وأمّا اللّواتي تُصيبه في قبره: فأوّلهنّ يُوكِل الله به ملكاً يُزعجه في قبره، والثانية يُضيّق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره، وأمّا اللّواتي تُصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره: فأوّلهنّ أن يُوكِل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية يُحاسبه حساباً شديداً، والثالثة لا ينظر الله إليه، ولا يُزكّيه وله عذاب أليم"4.
 
والحمد لله رب العالمين



1 سورة هود، الآية 114.
2 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 79، ص 274.
3 وقد حذف السيد ابن طاووس أسانيدها في فلاح السائل لأنّ له منهجاً معيناً في الرواية ذكره في مقدّمة كتابه.
4 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 80، ص 21.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

63

الدرس التاسع: كتاب السلوك إلى الله

 دور القرآن في تحقيق العبودية

قال الله تعالى في الذكر الحكيم: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾1. وعن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي بَعْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الدُّعَاء"2. وعنه  صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين المشهور قال: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ"3.
 
نلحظ في هذه النصوص المباركة موقعاً متقدّماً للقرآن الكريم بين العبادات والتكاليف التي أمرنا الله تعالى ورسوله بها، حيث اعتُبِرت قراءة القرآن الكريم أفضل العبادات، وأُمِرنا باتّباعه، وجُعِل التمسّك به إلى جانب التمسّك بأهل البيت  عليهم السلام تكليفاً أساسياً لا غنى عنه لمن يريد الهداية والابتعاد عن الضلالة.
 
فالقرآن الكريم هو خطاب الربّ إلى العبد وكلام الخالق مع المخلوق، وقد أودع فيه سبحانه وتعالى شريعته وحقائق دينه وأنزله للناس هادياً وسراجاً منيراً، وأمر نبيّه والأوصياء من بعده أن يُفسّروا آياته ويبيّنوا تعاليمه. فهو كلمة الله التامّة وإرادته الكاملة للبشرية في كلّ زمانٍ ومكانٍ.
 
وهو كتاب الهداية الأوحد الذي يهدي إلى صراط الله المستقيم: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾4.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "وهذا الكتاب الشريف هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله، والكتاب الأحدي في تهذيب النفوس وفي الآداب والسنن الإلهية، وهو أعظم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق"5.
 
وهو الحبل الممدود بين الله وعباده، فمن أراد تحقُّق العبودية في وجوده فإنّ القرآن هو الوسيلة وهو الغاية في آنٍ معاً:



1 سورة الأنعام، الآية 155.
2 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص300.
3 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج27، ص 34.
4 سورة النحل، الآية 89.
5 الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، الباب الرابع: في ذكر نبذة من آداب القرءة وقطعة من أسرارها، الفصل الثالث ، في بيان طريق الاستفادة من القرآن الكريم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

64

الدرس التاسع: كتاب السلوك إلى الله

 هو الوسيلة لأنّه دلّنا إلى سبيل العبودية لله تعالى وهو مظهر هداية الله التّامة، فإنْ كانت العبودية تعني التعلُّق بالمولى وإرادته ففي القرآن الكريم كلّ ما يتعلّق بمراد المولى من عبده في هذه الحياة: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾1.

 
ومن جهةٍ أخرى هو غاية لأنّه حوى جميع مراتب الكمال والغنى الذي لا حدّ له، فعن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الْقُرْآنُ غِنًى لَا غِنَى دُونَهُ وَ لَا فَقْرَ بَعْدَه‏"2.
 
وكلّ آيةٍ فيه تُمثّل درجةً من درجات الجنّة التي حوت كلّ كمال. فعن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا جاء يوم الحساب قيل لقارئ القرآن: اقرأ وارقَ. فلا يكون في الجنّة من الدرجات إلا بعدد آيات القرآن الكريم"3.
 
الآداب المعنوية لقراءة القرآن الكريم
عن أمير المؤمنين  عليه السلام قال: "البيت الذي يُقرأ فيه القرآن ويُذكَر الله عزّ وجلّ فيه تَكثُر بركته وتَحضُره الملائكة وتهجره الشّياطين ويُضي‏ء لأَهل السّماء كما تُضي‏ء الكواكب لأهل الأرض، وإنّ البيت الّذي لا يُقرأ فيه القرآن ولا يُذكر الله عزّ وجلّ فيه تَقلّ بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشّياطين"4.
 
وليس المقصود من قراءة القرآن الكريم تحريك اللسان به, ومراعاة مخارج الحروف فحسب, بل إنَّ المقصد الأساسي يكمن في مراعاة الآداب والأحكام القلبية للوصول إلى المعاني الباطنية للآيات الشريفة. وفيما يلي نذكر نبذة عن أهمّ الآداب المعنوية لقراءة القرآن الكريم.
 
أوّلاً: التعظيم:
التعظيم أدبٌ ينشأ من خلال إدراك عظمة شيءٍ أو شخص، ويظهر في أقوال وأفعال الإنسان. وهو أمرٌ وجداني فطري مغروز في طبيعة البشر. وإنّ عظمة كلّ شيء في الحقيقة ترجع إلى كماله، وإلى مرتبته الوجودية. ولأنّ القرآن هو الكمال الذي لا حدّ له ومظهر أسماء الله وصفاته، فإنّنا عاجزون عن الإحاطة به وإدراكنا لهذه المسألة هو أكبر تعظيم قلبي لكتاب الله عزّ وجلّ.



1 سورة النحل، الآية 89.
2 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص168.
3 م.ن، ص224. راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 8، ص 186.
4 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص610.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

65

الدرس التاسع: كتاب السلوك إلى الله

 إنّ الله تبارك وتعالى لسعة رحمته بعباده أنزل هذا الكتاب الشريف لتخليص المؤمنين من سجن الدنيا المظلم، وإيصالهم إلى أوج الكمال والقوّة والإنسانية.

 

 
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لَقَدْ تَجَلَّى‏ اللهُ‏ لِخَلْقِهِ‏ فِي‏ كَلَامِهِ‏ وَ لَكِنَّهُمْ‏ لَا يُبْصِرُون‏"1, فقد حوى هذا الكتاب الحكيم جميع مراتب العظمة الممكنة في أيّ كتاب، فالكاتب أو المنزل هو الله سبحانه، الذي عجزت العقول عن إدراك كنه عظمته وحامله هو جبرائيل أمين الوحي وملك الملائكة وهو عند ذي العرش مكين. أمّا شارحه ومبيّنه فهو الرسول الأعظم صاحب المقام الأكرم أعظم خلق الله وأفضل أنبيائه ورسله، وخلفائه. أمّا وقت تنزيله فهو ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر.
 
لذا لا يُمكن الانتقال من ظاهر القرآن إلى باطنه إلّا مع استحضار عظمة المتكلّم والحضور عنده.
 
ثانياً: رفع الموانع وإزالة الحجب:
﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾2.
 
فالله تعالى يقول ﴿مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ﴾ وهو شرطٌ لتلك الهداية العظيمة التي ستنتهي إلى الله: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾. ونحن لم نُراعِ شروطه التي تتطلّب منّا الطهارة المعنوية فكلّ دنسٍ أو رجسٍ في الباطن سيُشكّل مانعاً من عبور نور القرآن إلى الباطن.
 
وأهمّ الحجب التي تلوّث باطن الإنسان، وتمنعه من تحصيل الاستفادة هي:
1- رؤية النفس مستغنية:
هذا الحجاب ينشأ من تسويلات إبليس ومكائده الكبرى، حيث يُزيّن للإنسان دائماً الكمالات الموهومة، ويُقنعه بها حتى يسقط القرآن الكريم من اهتماماته وأولوياته وبالتّالي يسقط من عينه الكمال الحقيقي وسبل تحصيله. فمثلاً، يقنع أهل التجويد بعلمهم إلى حدّ أنّه تسقط من أعينهم جميع الأبعاد الأخرى للقرآن...



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج89، ص107.
2 سورة المائدة، الآيتان 15-16.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

66

الدرس التاسع: كتاب السلوك إلى الله

 2- العقائد الباطلة:

منذ صدر الإسلام وإلى يومنا هذا، والتحريفات المتعمّدة تنصبّ على كتاب الله. فالحكّام الظلمة من جهةٍ والتيّارات والمذاهب المختلفة من جهةٍ أخرى قاموا بإلقاء مجموعةٍ من الآراء الفاسدة والأفكار الباطلة حول القرآن الكريم، جعلت الاستفادة المطلوبة منه بعيدة المنال، وبهذا أضحى القرآن غريباً مهجوراً. ومن جملة ما ألقوه في هذا المجال أنّ معرفة الله تعالى غير متيسّرة لأحد، وأنّ هذه المعرفة من المستحيلات..
 
3- الذنوب والمعاصي:
إنّ لكلّ عملٍ من الأعمال - صالحها أو سيّئها - صورة في عالم الملكوت تتناسب معه، وله صورة وانتقاش في النفس أيضاً, وعندما تصدر المعصية من الإنسان، ويتمادى في الذنوب، يتدنّس قلبه ويُظلم، ويقع بالتدريج تحت سلطة وتصرّف الشيطان. عندها سوف ينسدّ سمع الإنسان عن المعارف والمواعظ الإلهية، ولن ترى العين الآيات الباهرة بل تعمى عن الحقّ وآثاره. مثلما قال تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾1. فالقلب محلّ انعكاس أنوار القرآن وإنْ كان المحل متكدّراً بظلمة الذنوب ومحجوباً بحجاب المعاصي لن يرى من القرآن سوى الألفاظ والحروف، بل قد يؤدّي ذلك إلى عدم رؤية القرآن كلّياً.
 
4- حجاب حبّ الدنيا:
حبّ الدنيا يصرف القلب عن القرآن ويجعل فيها تمام همّته ، فيغفل عن ذكر الله. وكلّما ازداد التعلّق بالدنيا وشؤونها ازداد حجاب القلب ضخامةً، فلا يرى صاحبه الكمال إلاّ في الأمور الدنيوية الماديَّة. ولأنّ القرآن دعوة إلى الآخرة والكمالات المعنوية فسوف يراه مخالفاً لمصالحه وسدّاً أمام شهواته فيعرض عنه. وهذه عاقبة الإقبال على الدنيا وزينتها.
 
والمهم بعد التعرّف الإجمالي على هذه الحجب الشائعة أن نكتشفها في أنفسنا ونسعى لإزالتها، لأنّها ستبقى المانع الأكبر أمام سطوع أنوار القرآن في قلوبنا.



1 سورة الأعراف، الآية 179.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

67

الدرس التاسع: كتاب السلوك إلى الله

 ثالثاً: فهم مقاصد القرآن:

هذا الأدب عبارة عن التوجّه والتعرّف إلى المقاصد الأساسية للقرآن الكريم، ليكون هذا الأدب مقدّمة للتدبّر والهداية إلى الكمال الحقيقي, ويوجد سبعة مقاصد أساسية في القرآن المجيد، هي:
1- الدعوة إلى معرفة الله: كما في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾1، ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾2.
 
2- الدعوة إلى تهذيب النفوس: كما في قوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا *  وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾3.
 
3- قصص الأنبياء والأولياء وكيفية تربيتهم: كما في قوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾4.
 
4- ذكر أحوال الكفّار والجاحدين وعاقبتهم كما في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾5.
 
5- بيان قوانين ظاهر الشريعة والآداب والسنن: كما في قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾6.
 
6- ذكر أحوال المعاد واليوم الآخر: كما في قوله تعالى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ﴾7.
 
7- الاحتجاجات الربّانية على الناس: كما في قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾8.
 
رابعاً: التفكّر:



1 سورة النور، الآية 35.
2 سورة الحديد، الآية 3.
3 سورة الشمس، الآيات 7-10.
4 سورة يوسف، الآية 3.
5 سورة البقرة، الآية 86.
6 سورة البقرة، الآية 43.
7 سورة آل عمران، الآية 198.
8 سورة الأنبياء، الآية 22.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

68

الدرس التاسع: كتاب السلوك إلى الله

 والمقصود منه أن يبحث ويتقصّى عن المقصد من كلّ آيةٍ يقرؤها. قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾1. في هذه الآية مدحٌ عظيمٌ للتفكّر، لأنّ غاية إنزال الكتاب السماوي العظيم قد جعلت في احتمال التفكّر. وهذا من شدّة الاعتناء به، حيث إنّ مجرّد احتماله صار موجباً لهذه الكرامة العظيمة.

وحيث إنّ مقصد القرآن الوصول إلى سبل السلام، والخروج من جميع مراتب الظلمات إلى عالم النور، والهداية إلى صراط مستقيم، كما قال سبحانه: ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾2، فلا بدّ أن يصل الإنسان بالتفكّر في الآيات الشريفة إلى مرتبة وحقيقة القلب السليم.
 
والتفكّر هو تجسّس بصيرة القلب للوصول إلى المقصد، وهو السعادة المطلقة التي تحصل بالكمال العملي والعلمي، فإذا وجد القارئ المقصد، وتبصّر في تحصيله، انفتح له طريق الاستفادة من القرآن الكريم، وفتحت له أبواب الرحمة الإلهية.
 
خامساً: التطبيق (العمل بالقرآن):
في الحديث المروي عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ عَمِلَ بِمَا يَعْلَمُ وَرَّثَهُ اللهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ"3.
 
إنَّ تحقُّق الهداية القرآنية موقوفٌ على العمل. وهو تطبيق مضمون الآيات القرآنية بعد تعلّمها والتعرّف إليها. وكيفية التطبيق تتمّ باستخراج مفادها العملي وتطبيقه على نفسه. مثلاً، إذا قرأ قصة آدم  عليه السلام وما جرى عليه، وفكّر في سبب مطرودية الشيطان من جناب القدس، مع تلك العبادات الطويلة والسجدات الكثيرة، وسأل نفسه لماذا أخرج الله تعالى إبليس من جوار قدسه، بعد أن كان في مجمع الملائكة. سيعلم أنّ كثرة العبادة لا تشفع للإنسان، وإنّ الصفات الإبليسية التي هي التكّبر والاستعلاء تكون سبباً للطرد والبعد. فهذا العجب صار سبباً لحبّ النفس والاستكبار، وصار سبباً لعصيان الأوامر الإلهية والتمرّد على الحقّ تعالى.
 
عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ‏ قَرَأَ الْقُرْآنَ‏ وَلَمْ‏ يَعْمَلْ‏ بِهِ‏ حَشَرَهُ‏ اللهُ‏ يَوْمَ‏ الْقِيَامَةِ أَعْمَى‏ فَيَقُولُ يَا ﴿رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾4 فيؤمر به إلى النار"5.
 
 
 
والحمد لله رب العالمين



1 سورة النحل، الآية 44.
2 سورة المائدة، الآيتان 15-16.
3 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار،ج 40، ص 128.
4 سورة طه، الآيتان 125-126.
5 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص184.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

69

الدرس العاشر: مخّ العبادة

 الدرس العاشر: مخّ العبادة

 
 
النصّ القرآني:
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾1.
 
النقاط المحورية:
- معنى الدعاء.
- موقعيّة الدعاء في العبادة.
- الدعاء بوابة مفتوحة.
- الآداب المعنوية للدعاء.



1 سورة غافر، الآية 60.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

70

الدرس العاشر: مخّ العبادة

 معنى الدعاء
الدعاء في اللغة أن تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك، ويُقال دعوت فلاناً أي ناديته وطلبت إقباله. ودعاء العبد ربّه جلَّ جلاله هو طلب العناية منه، واستمداده المعونة منه1.
 
والدعاء بعبارة بسيطة هو التحدّث إلى الله تعالى، ويعني أن يُنادي الإنسان ربّه ويُناجيه ويُكلّمه، فهو وسيلةٌ لارتباط الإنسان بالله عزّ وجلّ. إنّ الإحساس بالقرب من الله وبثّ هموم القلب بحضرته، وتمجيده وتحميده، والتودّد إليه، وطلب الحاجات منه، كلّها من مصاديق الدعاء.
 
موقعيّة الدعاء من العبادة
قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "الدُّعَاءُ مُخُ‏ الْعِبَادَةِ وَ لَا يُهْلَكُ‏ مَعَ‏ الدُّعَاءِ أَحَد"2.
 
يكشف لنا هذا الحديث المبارك عن جوهر العبادة وحقيقتها التي تتجلّى في إقبال العبد المحتاج على المعبود الغني3.
 
وهذا الإقبال يجسّد الصلة بين الخالق والمخلوق، وشعوره بحاجته الدائمة إلى ربّه تعالى في جميع أموره، واعترافه بالعبوديّة له تعالى, والدعاء أوسع أبواب ذلك الارتباط، فهو مخّ العبادة وحقيقتها وأجلى صورها.
 
وقد عدّ الله تعالى الإعراض عن الدعاء استكباراً عن العبادة: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾4. وفي تفسير الآية الشريفة قال الإمام الصادق عليه السلام: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ الَّتِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾5‏"6.



1 علي موسى الكعبي، الدعاء حقيقته وآدابه وآثاره، ص9.
2 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص300.
3 ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ سورة فاطر، الآية 15.
4 سورة غافر، الآية 60.
5 سورة غافر، الآية 60.
6 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص467.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

71

الدرس العاشر: مخّ العبادة

 وعن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الدُّعَاءُ وَ إِذَا أَذِنَ‏ اللهُ‏ لِعَبْدٍ فِي‏ الدُّعَاءِ فَتَّحَ‏ لَهُ‏ أَبْوَابَ‏ الرَّحْمَةِ إِنَّهُ‏ لَنْ‏ يَهْلِكَ‏ مَعَ‏ الدُّعَاءِ أَحَد"1.

 
إذاً، الدعاء في نفسه عبادة، فهما يشتركان في حقيقة واحدة هي إظهار الخشوع والافتقار إلى اللّه تعالى, وهو غاية الخلق وعلّته، قال تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾2.
 
وطالما أنّ هدف العبادة هو تحقيق الرابطة الحقيقية التي ينبغي أن تكون بين العبد وربّه، على أساس اعتراف العبد باحتياجه المطلق إلى الغني المطلق وإقراره بفقره وفاقته وعجزه ولا شيئيته أمام المالك الذي لا ينفد ملكه وسلطانه، فإنّ الدعاء هو من أبرز العبادات التي تُحقّق هذا الهدف لأنّ الدعاء مَظْهَرُ فقر الإنسان إلى الله تعالى واحتياجه إليه، عن الإمام الصادق عليه السلام: "عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّكُمْ لَا تَتَقَرَّبُونَ بِمِثْلِه‏"3.
 
الدُّعاء بوّابة مفتوحة
إنَّ علاقةَ الإنسانِ بالله سبحانه وتعالى تتضمّن معاني الحاجة والفقر المطلق لله تعالى، ورحمته وعونه. ولا يُمكن أن يُتصوّر - ولو للحظة - كون الإنسان مستقلّاً عن الله سبحانه في تدبير شؤونه وتيسير أموره، ودفع الشّرور عنه، وجلب المصالح إليه، شاء الإنسان ذلك أم أبى. وقد فتح الله سبحانه بالدّعاء باباً لعباده لقضاء الحوائج، صغيرها وكبيرها، وفي كلّ مكان وزمان.
 
يُروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نهج البلاغة أنَّه قال: "فَمَتَى‏ شِئْتَ‏ اسْتَفْتَحْتَ‏ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ‏ نِعْمَتِهِ‏ وَاسْتَمْطَرْتَ‏ شَآبِيبَ‏ رَحْمَتِه‏"4. فالدّعاء مطلوب في كلّ حال، ومتى ما شاء الإنسان، وفي هذا من الرّحمة له ما يعجز دونه العقل.
 
هذه القواعد الإلهيّة في رسم علاقةٍ مفتوحةٍ بين البشر وخالقهم دون حدودِ الزّمان والمكان، أمرٌ أكّدت عليه آياتُ الكتاب ونصوصٌ إسلاميّة كثيرة، فقد جاء في القرآن الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾5، فالأمر بالدعاء في الآية الكريمة جاء مطلقاً دون قيود. وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الحثّ على الطلب من الله تعالى واللجأ إليه ودعائه: " فَاسْتَفْتِحُوهُ‏ وَاسْتَنْجِحُوهُ وَاطْلُبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَمْنِحُوهُ‏ فَمَا قَطَعَكُمْ‏ عَنْهُ‏ حِجَابٌ‏ وَلَا أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ




1 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص31.
2 سورة الذاريات، الآية 56.
3 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص32.
4 نهج البلاغة، ص 319.
5 سورة غافر، الآية 60.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

72

الدرس العاشر: مخّ العبادة

 بَابٌ وَإِنَّهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ وَفِي كُلِّ حِينٍ وَأَوَانٍ وَمَعَ كُلِّ إِنْسٍ وَجَانٍّ لَا يَثْلِمُهُ‏ الْعَطَاءُ وَلَا يَنْقُصُهُ الْحِبَاءُ وَلَا يَسْتَنْفِدُهُ سَائِلٌ وَلَا يَسْتَقْصِيهِ نَائِلٌ وَلَا يَلْوِيهِ‏ شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ وَلَا يُلْهِيهِ صَوْتٌ عَنْ صَوْتٍ وَلَا تَحْجُزُهُ هِبَةٌ عَنْ سَلْب‏"1.

 
الآداب المعنوية للدعاء
للدعاء آداب معنويةٌ لطيفة لا بدّ للداعي أن يُحسن الالتزام بها وتقديمها التماساً لاستجابة الباري تعالى لدعائه، ومن هذه الآداب:
الأول: حسن الظنّ بالله تعالى
إنّ حُسن الظنّ بالله متفرّعٌ عن معرفته سبحانه، فعلى الدَّاعي أن يُحسن الظّن باستجابة دعائه ويتذكّر دوماً قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾2، وقوله: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾3. ويتيقّن بأنّ الله تعالى لا يُخلف الميعاد وسيستجيب دعوته, قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "ادْعُوا اللهَ‏ وَأَنْتُمْ‏ مُوقِنُونَ‏ بِالْإِجَابَة"4، وقال الإمام الصادق عليه السلام: "إِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ وَظُنَّ حَاجَتَكَ بِالْبَاب‏"5.
 
الثاني: الوفاء بعهد الله
على الدَّاعي أن يفي بعهد الله ويُطيع أوامره، وهما من أهمّ الشّروط في استجابة الدُّعاء. عن الإمام الصادق  عليه السلام أنَّه قال له رجل: "جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ اللهَ يَقُولُ ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾6، وَإِنَّا نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ‏ لَنَا، قَالَ لِأَنَّكُمْ لَا تَفُونَ اللهَ بِعَهْدِهِ وَإِنَّ اللهَ يَقُولُ ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾7 وَاللهِ لَوْ وَفَيْتُمْ لِلهِ لَوَفَى اللهُ لَكُم‏"8.



1 نهج البلاغة، ص 309.
2 سورة غافر، الآية 60.
3 سورة النمل، الآية 62.
4 الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص53.
5 م.ن، ص52.
6 سورة غافر، الآية 60.
7 سورة البقرة، الآية 40.
8 القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تحقيق وتصحيح الموسوي الجزائري‏، دار الكتاب، قم، الطبعة الثالثة، 1404هـ، ج 1، ص 46.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

73

الدرس العاشر: مخّ العبادة

 الثالث: الإقرار بالذنوب

على الدَّاعي أن يعترف بذنوبه مقرّاً، مذعناً، تائباً عمَّا اقترفه من خطايا، وما ارتكبه من ذنوب, من دعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  عليه السلام المروي عن كميل بن زياد: "وَقَدْ أَتَيْتُكَ يَا إِلَهِي‏ بَعْدَ تَقْصِيرِي‏ وَإِسْرَافِي‏ عَلَى‏ نَفْسِي‏ مُعْتَذِراً نَادِماً مُنْكَسِراً مُسْتَقِيلًا مُسْتَغْفِراً مُنِيباً مُقِرّاً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً لَا أَجِدُ مَفَرّاً مِمَّا كَانَ مِنِّي وَلَا مَفْزَعاً أَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ فِي أَمْرِي غَيْرَ قَبُولِكَ عُذْرِي وَإِدْخَالِكَ إِيَّايَ فِي سَعَةٍ مِنْ رَحْمَتِكَ إِلَهِي فَاقْبَلْ عُذْرِي وَارْحَمْ شِدَّةَ ضُرِّي وَفُكَّنِي مِنْ شَدِّ وَثَاقِي‏!"1. فالإمام  عليه السلام قدّم الإقرار بالذنب على الطلب والمسألة.
 
الرابع: الإقبال على الله تعالى
من أهمّ آداب الدُّعاء هو أن يُقبل الدَّاعي على الله سبحانه بقلبه، وعواطفه، ووجوده، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدّنيا، فهناك اختلافٌ كبيرٌ بين مجرّد قراءة الدُّعاء، وبين الدُّعاء الحقيقي الذي ينسجم فيه اللسان انسجاماً تامّاً مع القلب، فَتَهتَزُّ له الرّوح، لكي تحصل فيه الحاجة.
 
قال الإمام الصادق عليه السلام: "إِنَ‏ اللهَ‏ عَزَّ وَ جَلَ‏ لَا يَسْتَجِيبُ‏ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلْبٍ‏ سَاهٍ‏ فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ ثُمَّ اسْتَيْقِنْ بِالْإِجَابَة"2.
 
الخامس: ترقيق القلب والخشوع
يُستحب الدُّعاء عند استشعار رقّة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت والبرزخ ومنازل الآخرة وأهوال يوم المحشر، وذلك لأنّ رقَّة القلب سببٌ في الإخلاص المؤدّي إلى القرب من رحمة الله وفضله. روي عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اغْتَنِمُوا الدُّعَاءَ عِنْدَ الرِّقَّةِ فَإِنَّهَا رَحْمَة"3. فكلّما رقَّ قلب الدَّاعي كلّما كان مهيّئاً لاستقبال ذخائر الرحمة الإلهية، وتحقّق قصده في الاستجابة، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُكَ‏ وَدَمَعَتْ عَيْنَاكَ وَوَجِلَ قَلْبُكَ فَدُونَكَ دُونَكَ فَقَدْ قُصِدَ قَصْدُك‏"4.



1 الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن‏، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، نشر مؤسسة فقه الشيعة، بيروت‏، الطبعة الأولى‏، 1411 هـ، ج2، ص846.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص473.
3 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 90، ص 313.
4 الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص73.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

74

الدرس العاشر: مخّ العبادة

 وقد أجاز الشّرع توسّل بعض الوسائل من أجل تحصيل رقّة القلب، فقد قيل للإمام الصّادق عليه السلام: "أَكُونُ‏ أَدْعُو فَأَشْتَهِي‏ الْبُكَاءَ وَلَا يَجِيئُنِي‏ وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ بَعْضَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي فَأَرِقُّ وَأَبْكِي فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فَقَالَ نَعَمْ فَتَذَكَّرْهُمْ فَإِذَا رَقَقْتَ فَابْكِ وَادْعُ رَبَّكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏"1.

 
وممّا يرتبط بترقيق القلب، هو تحصيل أدب الخشوع ولو أردنا أن نتعرّف على حقيقة الخشوع، لأرشدنا إليها الإمام الخميني قدس سره: "عبارة عن حالة قلبية تحصل للقلب من إدراك الجلال والجمال".
 
فإذا حصل الدَّاعي على مرتبة الخشوع، كشف ذلك عن انقطاعه لله سبحانه وتعالى، وتوجّهه التامّ إليه، وافتقاره الكامل له، وصار دعاؤه مستجاباً بإذن الله تعالى. والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾2.
 
وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: "يَا مُوسَى كُنْ‏ إِذَا دَعَوْتَنِي‏ خَائِفاً مُشْفِقاً وَجِلًا عَفِّرْ وَجْهَكَ لِي فِي التُّرَابِ وَاسْجُدْ لِي بِمَكَارِمِ بَدَنِكَ وَاقْنُتْ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْقِيَامِ وَنَاجِنِي حِينَ تُنَاجِينِي بِخَشْيَةٍ مِنْ قَلْبٍ وَجِل‏"3.
 
السّادس: عدم القنوط
على الدَّاعي أن لا يقنط من رحمة الله، ولا يستبطئ الإجابة فيترك الدُّعاء، لأنّ ذلك من الآفات التي تمنع ترتّب أثر الدُّعاء، وهو بذلك أشبه بالزّارع الذي بذر بذراً فأخذ يتعاهده ويرعاه، فلمّا استبطأ كماله وإدراكه أهمله. فعن أبي بصير، عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ بِخَيْرٍ وَرَجَاءٍ رَحْمَةً مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَمْ‏ يَسْتَعْجِلْ‏ فَيَقْنَطَ وَيَتْرُكَ‏ الدُّعَاءَ قُلْتُ لَهُ كَيْفَ يَسْتَعْجِلُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَمَا أَرَى الْإِجَابَة"4.
 
السابع: الإلحاح بالدعاء
في حال تأخّر الإجابة يجب معاودة الدُّعاء والإلحاح في المسألة, فلعلّ تأخير الإجابة لمنزلة الداعي عند الله سبحانه، فهو يُحبّ سماع صوته والإكثار من دعائه، فعليه أن لا يترك ما يُحبّه الله سبحانه، فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنَّه قال: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص483.
2 سورة الأعراف، الآية 55.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص44.
4 م. ن، ج2، ص490.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

75

الدرس العاشر: مخّ العبادة

 فَيُؤَخِّرُ عَنْهُ تَعْجِيلَ إِجَابَتِهِ حُبّاً لِصَوْتِهِ وَاسْتِمَاعِ نَحِيبِه‏"1. وعليه، فيجب الإلحاح بالدّعاء في جميع الأحوال، ولما في ذلك من الرحمة، والمغفرة، واستجابة الدعوات، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رَحِمَ‏ اللهُ‏ عَبْداً طَلَبَ‏ مِنَ‏ اللهِ‏ عَزَّ وَجَلَ‏ حَاجَةً فَأَلَحَ‏ فِي‏ الدُّعَاءِ اسْتُجِيبَ‏ لَهُ‏ أَوْ لَمْ‏ يُسْتَجَبْ‏ لَه‏"2.

 
الثامن: الدعاء في الرخاء
من آداب الدُّعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدّة، لما في ذلك من الثّقة بالله، والانقطاع إليه، ولفضله في دفع البلاء، واستجابة الدُّعاء عند الشدّة، وقد روي الإمام الصادق  عليه السلام: "مَنْ‏ سَرَّهُ‏ أَنْ‏ يُسْتَجَابَ‏ لَهُ‏ فِي‏ الشِّدَّةِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي‏ الرَّخَاءِ"3.
 
التاسع: أن يكون عالي الهمّة فيما يطلب
أن يدعو الله سبحانه وتعالى بمعالي الأمور التي لا يُمكن تحصيلها إلا ببذل الهمم. فقد ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام أنَّه قال: "بَكَى أَبُو ذَرٍّ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى‏ اشْتَكَى‏ بَصَرَهُ‏ فَقِيلَ لَهُ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ دَعَوْتَ اللهَ أَنْ يَشْفِيَ بَصَرَكَ فَقَالَ إِنِّي عَنْهُ لَمَشْغُولٌ وَمَا هُوَ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي قَالُوا وَمَا يَشْغَلُكَ عَنْهُ قَالَ الْعَظِيمَتَانِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ"4.
 
ومن القصص الجميلة ما روي عن ربيعة بن كعب أنَّه قال: "قال لي ذات يوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا ربيعة، خدمتني سبع سنين أفلا تسألني حاجة؟ فقلت: يا رسول الله، أمهلني حتى أُفكّر، فلمّا أصبحت ودخلت عليه، قال لي: يا ربيعة، هاتِ حاجتك، فقُلتُ: تسأل الله أن يدخلني معك الجنّة، فقال لي: من علّمك هذا؟ فقُلتُ: يا رسول الله، ما علّمني أحد، لكنّي فكّرت في نفسي، وقُلتُ: إن سألته مالاً كان إلى نفاد، وإن سألته عمراً طويلاً وأولاداً كان عاقبتهم الموت، قال ربيعة: فنكّس رأسه ساعةً، ثمّ قال: أفعل ذلك، فأعنّي بكثرة السجود"5.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص488.
2 م. ن. ص475.
3 م. ن. ص472.
4 الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، ‏الخصال‏، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، نشر جماعة المدرسين‏، قم‏، إيران، الطبعة الأولى، 1403هـ، ج1، ص40.
5 قطب الدين الراوندي، سعيد بن هبة الله،‏ الدعوات (سلوة الحزين)‏، نشر منشورات مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، قم‏، الطبعة الأولى، 1407 هـ، ص39.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

76

الدرس العاشر: مخّ العبادة

 العاشر: الاضطرار إلى الله تعالى
روي أنّ الله تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام: "ادْعُنِي‏ دُعَاءَ الْحَزِينِ‏ الْغَرِيقِ‏ الَّذِي‏ لَيْسَ‏ لَهُ‏ مُغِيثٌ‏ يَا عِيسَى سَلْنِي وَلَا تَسْأَلْ غَيْرِي فَيَحْسُنَ مِنْكَ الدُّعَاءُ وَمِنِّي الْإِجَابَةُ"1.
 
ويقول الله تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾2. والاضطرار أن يقطع الإنسان أمله من كلّ سببٍ سوى الله سبحانه، وأن يجعل قلبه وروحه بين يدي رحمة الله، وأن يرى كلّ شي‏ء منه وله. فيربط الأسباب بمسبّبها الأوّل والحقيقي الذي لا يخرج شيء في هذا الوجود من تحت دائرة سلطانه, عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله عزّ وجلّ: "مَا مِنْ‏ مَخْلُوقٍ‏ يَعْتَصِمُ‏ بِي‏ دُونَ‏ خَلْقِي‏ إِلَّا ضَمَّنْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ رِزْقَهُ، فَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَإِنِ اسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ"3.
 
 
والحمد لله رب العالمين



1 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص143.
2 سورة النمل، الآية 62.
3 الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن‏، الأمالي (للطوسي)، نشر دار الثقافة، قم‏، الطبعة الأولى،‏ 1414 هـ، ص585.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

77

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله

 الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله

 
 
النصّ القرآني:
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾1.
 
النقاط المحورية:
- الشفاعة لغةً واصطلاحاً.
- العناصر المكوِّنة لمفهوم الشفاعة.
- أنواع الشفاعة.
- الشفعاء.
- معنى التوسّل.
- الشفاعة والتوسّل بالدعاء.



1 سورة المائدة، الآية 35.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

78

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله

 الشَّفاعة لغةً واصطلاحاً

الشَّفاعة في اللغة معناها: "الشيءُ صيّرَه شفعاً، أي زوجاً" و"ضمُّ الشيء إلى مثله"1، يُقال: كان وتراً فشفّعهُ بآخر، "أي قرنهُ به".
 
وأمّا التعريف الاصطلاحي، فإنّه لم يخرج عن الدّلالة اللغوية كثيراً، إذ الشَّفاعة هي: "طلبه (الشفيع) من المشفوع إليه أمراً للمشفوع له، فشفاعة النبي  صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره عبارة عن دعائه الله تعالى لأجل الغير وطلبه منه غفران الذَّنب وقضاء الحوائج، الشفيع هنا هو الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم, والمشفوع إليه هو الله عز وجل, والمشفوع له هو صاحب طلب الشفاعة من الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم، فالشَّفاعة نوع من الدُّعاء والرجاء"2.
 
العناصر المكوّنة لمفهوم الشَّفاعة
يتمحور مفهوم الشَّفاعة حول طلب الوسيلة من الشَّفيع من أجل جلب منفعةٍ أو دفع مضرّة، ولكن لا بدَّ من أن نقفَ عندَ عددٍ من العناصر التي يتألَّف منها هذا المفهوم.
 
1- مورد الشَّفاعة:
تنفع الشَّفاعة في الموارد التي يريد فيها الإنسان أن يحصل على كمالٍ وخيرٍ مادّيّين أو معنويّين، أو يدفع عنه ضرراً مادّياً أو معنوياً، ولكنّه لا يملك المؤهّلات والأسباب التي تسمح له بالحصول على الخير أو الأمن من الضَّرر، فتأتي الشَّفاعة وتحقِّقَ له ذلك. ولكن بشرط أن يتمتّع باللياقة المناسبة والشُّروط الذّاتية التي تؤهِّله للحصول عليها.
 
ويترتّب على توفّر هذه اللياقات تعزيز مفهوم الارتباط بين الإنسان وربِّه. فالشَّفاعة، بهذا المعنى تمارس دوراً توحيدياً كاملاً في ربط المشفوع له بالله سبحانه وتعالى3، وتجلية اعتقاده من 



1 الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص457.
2 ينظر: الأمين، السيد محسن: كشف الارتياب، ص196، حسن الأمين (تحقيق)، قم، مكتبة الحرمين، 1952م، ط2.
3 راجع البحث المفصل حول علاقة الشَّفاعة بالتوحيد والشبهات المثارة حول ذلك: الشيرازي الشيخ ناصر مكارم، تفسير الأمثل، ج1، ص212.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

 


79

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله

 كلّ مؤثّر ومسبّب سواه، وإنْ كان للشّفعاء من دورٍ في هذا الأمر فإنَّما هو دور الوساطة التي لا تنفع إلا بإذن الله تعالى.

 
2- الشَّفاعة تتمِّم الناقص:
الشَّفاعة لا تكون من أجل إيجاد الخير والكمال من العدم، إنَّما تأتي لتتمِّم النَّاقص من الكمالات وأنواع الخير، أو لتكمّل ما نقصَ من أسباب دفع الشر.
 
3- الشَّفاعة أحد تطبيقات قانون السَّببية:
فهي سبب من الأسباب وليست خرقاً للعادة، لأنَّها عبارةٌ عن إدخال سببٍ جديدٍ بين السَّبب الأصلي والمسبَّب الخاصّ به. ومن هنا يظهر أنَّ الشَّفاعة متى ما وقعت كان لها القدرة على التَّغيير في مجريات الأمور.
 
4- الشَّفاعة لا تغيِّر في إرادة الله تعالى:
الشفاعة عنده تعالى ليست ناشئة من التغيّر في الإرادة والعلم، بل هو تغيُّرٌ في المراد والمعلوم. فهو سبحانه يعلم أنّ الإنسان الفلاني ستعرض عليه حالات مختلفة، فيكون في وقت معيّن على حال كذا، لأسباب وشرائط خاصّة فيريد الله فيه بإرادة، ثمّ يكون في وقت آخر على حال آخر جديد مختلف عن حاله الأوّل لأسباب وشرائط أُخر، فيريد فيه بإرادة أخرى، وكلّ يوم هو في شأن... وقد قال تعالى: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾1"2.
 
أنواع الشَّفاعة
تنقسم الشَّفاعة باعتبار موضوعها قسمين:
1- الشَّفاعة التّكوينية:
"وهي توسُّط الأسباب في التكوين"3. والذي يظهر من خلال القرآن الكريم وجود العديد من الأسباب والوسائط التي تمارس أفعالاً وتدبيراتٍ تكوينيةً، كإرسالِ الرياح، وبعث المطر، وتسيير الكواكب، والتدبير في الرزق، وقبض الأرواح، وغيرها، بل إنّ كلّ تأثير في العالم المادّي أَوْكَلَه الله 



1 سورة الرعد، الآية 39.
2 الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص164-165.
3 م.ن، ج2، ص333.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

80

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله

 تعالى إلى غيره، وبالخصوص الملائكة1، هو من مصاديق الشفاعة التكوينية، وهم وسائط بينه تعالى وبين الأشياء. وكلّ ذلك بإذن الله تعالى، وإلّا فهم فقراء إلى الله تعالى، والله هو الغني.

 
والشَّفاعة التكوينية تعدُّ من خصوصيّات أهل الشَّفاعة الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم في أكثر من موضع، كما في قوله جلّ وعلا: ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾2، وهم النَّبي محمد  صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار عليهم السلام. فمن الطبيعي أن يتوجّه إليهم الإنسان المؤمن بالشَّفاعة من أجل الطلب من الله تعالى تقديم سببٍ تكوينيٍ على سببٍ آخر، كتبديل حال ضرّه إلى منفعته، ونقصه إلى كماله. وهذا المورد هو من موارد تفسير الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾3 الوسيلة أهل البيت عليهم السلام4.
 
2- الشَّفاعة التَّشريعيَّة:
وهي توسُّط الأسباب في الأمور التشريعية المتعلِّقة بالجزاء والثواب، بأن يطلب العبد المذنب دعاء الشفيع وتوسّطه لتُغفر ذنوبه وتُمحى سيئاته فينتقل العبد المذنب - بعد نيله للشَّفاعة - من حالة يكون فيها مستحقّاً للعقاب، إلى حُكمٍ جديدٍ قوامه العفو. والمقصود من ذلك أنَّه بعد وقوع العبد في الخطأ والمعصية يبقى هناك مجال لرفع تبعات هذه المعصية, فيُرفع العقاب ويُحرز الثواب ببركة وجود الشَّفاعة التشريعية ووصول الرحمة والمغفرة الإلهية عن طريق أولياء الله تعالى وصفوة عباده الذين جعل دعاءهم في الحياة الدنيا سبباً لذلك، حيث يقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾5.
 
الشفعاء
إنَّ مقام الشفاعة مقامٌ خاصّ بالله وحقٌ محضٌ له سبحانه، كما قال: ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾6. لكنّ الله عزّ وجلّ بفيضه وكرمه منح بعض خلقه مقام الشفاعة يوم القيامة. وصَّرحت الآيات القرآنية عن أصل وجود الشفاعة يوم القيامة، وأنَّها تقع بإذن الله تعالى, يقول تعالى: ﴿وَلَا 



1 الحيدري، السيد كمال، الشَّفاعة، النجف الأشرف، مؤسسة الإمام الجواد عليه السلام للفكر والثقافة، 2011م، ط1، ص45.
2 سورة الزخرف، الآية 86.
3 سورة المائدة، الآية 35.
4 الحيدري، الشَّفاعة، ص47.
5 سورة النساء, الآية 64.
6 سورة الزمر, الآية 44.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

 


81

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله

 يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾1، فمن هم الشفعاء؟ ومن هم الذين ارتضى الله تعالى أن ينالوا مقام الشفاعة يوم القيامة؟

 
يُستفاد من الآيات والروايات أنَّ من الشفعاء يوم القيامة:
1- الملائكة: قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾2, وقد بيَّنا سابقاً دور الملائكة في الشفاعة التكوينية.
 
2- الأنبياء والرسل عليهم السلام: قال تعالى: ﴿قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾3، حيث يحثُّ القرآن الكريم الذين ظلموا أنفسهم (العصاة), أن يذهبوا إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ويطلبوا منه أن يستغفر لهم, إلى جانب استغفارهم هم بأنفسهم, كذلك طلب أبناء يعقوب من أبيهم أن يستغفر لهم، ووعده لهم بذلك ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾4.
 
3- الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم: ذهب المف سّرون في تفسير قوله تعالى: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾5 إلى أنَّ المقصود من "المقام المحمود" هو مقام الشفاعة الثابت للنبيّ الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم, وفيما روي عنه  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أُعْطيت خمساً... وأُعطيتُ الشفاعة, فادَّخرتها لأمَّتي، فهي لمن لا يُشرك بالله"6.
 
4- الشهداء في سبيل الله والعلماء: في الخصال: عن علي عليه السلام قال: "قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ، فيُشفّعون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء"7.
 
معنى التوسّل
قامت الحياة البشرية على الاستفادة من الوسائل والأسباب الطبيعية



1 سورة الأنبياء, الآية 28.
2 سورة النجم, الآية 26.
3 سورة النساء، الآية 64.
4 سورة يوسف, الآيتان 97 - 98.
5 سورة الإسراء, الآية 79.
6 المتقي الهندي، كنز العمال, ج11, ص437.
7 الشيخ الصدوق، الخصال، ص156.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

82

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله

 لرفع حاجاتها, فنرفع العطش بواسطة شرب الماء, ونرفع الجوع بواسطة الطعام... والتوسّل بالأسباب والوسائل الطبيعيّة ليس محطّاً للمناقشة والبحث، وإنّما الكلام هو في الأسباب غير الطبيعيّة التي لا يعرفها البشر، ولا سبيل لهم إليها إلّا عن طريق الوحي.

 

 
فإذا وُصف شيءٌ في الكتاب والسّنة بالوسيلة، كان حكم التوسّل به نظير حكم التوسّل بالأمور الطبيعيّة. وعلى هذا الأساس، فإنّه يجوز لنا التوسّل بالأسباب غير الطبيعيّة عند ملاحظة مطلبين:
1- أن تكون الوسيلة مشرَّعة ومرَّخصة من الكتاب والسنّة الشريفة.
2- عدم الاعتقاد بأيّة أصالة أو استقلال للوسائل والأسباب، بل اعتبار تأثيرها منوطاً بالإذن الإلهي والمشيئة الإلهيّة, فالمؤثّر الحقيقي ومسبِّب الأسباب هو الله عزّ وجلّ.
 
والقرآن الكريم يدعونا إلى الاستفادة من الوسائل المادّية والمعنوية، إذ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾1، فالوسيلة في الآية مطلقة وغير مقيَّدة، لذا تشمل الوسائل المادّية وغير المادّية.
 
هذا، ويجب الانتباه إلى أنّ "الوسيلة" لا تعني (التقرُّب)، بل تعني الشيء الذي يُوجِب التقرّب إلى الله، وأحد هذه الطرق هو الجهاد في سبيل الله الذي ذُكر في الآية الحاضرة، كما يمكن أن تكون أشياء أُخرى وسيلة للتقرّب أيضاً2.
 
فالتوسُّل من اتِّـخاذ الوسيلة، والتي هي عبارةٌ عن "ما يُتقرَّبُ به إلى الغير"3، وبالتالي يكون التوسُّل إلى جهةٍ معينة عبارةً عن اتِّخاذها وسيلةً للتقرُّب بها إلى جهةٍ أخرى أعلى، من أجل قضاء الحوائج على اختلاف أنواعها، ولذلك نجد أنَّ طلب الشفاعة من الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم والأولياء الصالحين هو وسيلة للتقرّب, وأحد مصاديق التوسّل بهدف نيل القرب الإلهي.
 
فإنْ كان طلب الشفاعة يتحقّق باتّخاذ أهل البيت عليهم السلامومن ارتضى الله لهم مقام الشفاعة، وسيلة للتقرّب إلى الله عزّ وجلّ كونهم الشفعاء إلى الله, والوجهاء عنده, في هذه الحالة ينبغي للعبد المداومة على التوسّل بهم وطلب الشفاعة منهم. علماً بأنّ الشفاعة قد تُنال أحيانا بغير طلب، بل بكرمهم وتفضّلهم، وبتوسّط بعض الأعمال الصالحة التي قد يأتي بها الإنسان، كزيارة المعصومين عليهم السلام، فقد ورد عنه  صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ‏ زَارَنِي‏ بَعْدَ وَفَاتِي‏ كَانَ‏ كَمَنْ‏ زَارَنِي‏ فِي‏ حَيَاتِي‏ وَكُنْتُ‏ لَهُ‏ شَهِيداً وَشَافِعاً يَوْمَ‏ الْقِيَامَةِ"4.



1 سورة المائدة، الآية 35.
2 قال الراغب الأصفهاني في مفرداته (في مادة وسل): الوسيلة التوصّل إلى الشيء برغبة، وحقيقةُ الوسيلة إلى الله سبيله بالعلم والعبادة وتحرّي مكارم الشريعة.
3 الجواهري، الصحاح، ج5، ص1841.
4 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 97، ص 143.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

83

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله

 طلب الشَّفاعة والتوسُّل في الدُّعاء

يكثر في الأدعية المرويّة عن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام عليهم السلام ذكر الشَّفاعة والتوسُّل، بل وفي الرِّوايات المرويَّة عنهم كذلك، ومن ذلك:
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ادعُ للحجِّ في ليالي شهر رمضان بعد المغرب: اللهمّ، بك أتوسَّل ومنك أطلب حاجتي1.
 
اللَّهُمَ‏ بِذِمَّةِ الإِسْلامِ‏ أَتَوَسَّلُ‏ إِلَيْكَ‏، وَبِحُرْمَةِ الْقُرْآنِ أَعْتَمِدُ عَلَيْكَ، وَبِحُبِّي لِلنَّبِيِّ الأُمِّيِّ الْقُرَشِيِّ الْهاشِمِيِّ الْعَرَبِيِّ التَّهامِيِّ الْمَكِّيِّ الْمَدَنِيِّ، صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَرْجُو الزُّلْفَةَ لَدَيْكَ، فَلا تُوحِشُ اسْتِيناسَ إِيمانِي، وَ لا تَجْعَلْ ثَوابِي ثَوابَ مَنْ عَبَدَ سِواكَ"2.
 
ومن الأدعية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام في أدعية يوم عرفة: "فبك أمتنع وأنتصر، وإليك ألجأ وبك أستتر، وبطاعة نبيّك والأئمّة عليهم السلام أفتخر، وإلى زيارة وليّك وأخي نبيِّك أبتدر، اللهمّ، فبهِ وبأخيه وذريته أتوسَّل، وأسأل وأطلب في هذه العشيّة فكاكَ رقبتي من النار، والمقرَّ معهم في دار القرار، فإنَّ لك في هذه العشيّة رقاباً تعتقها من النَّار".
 
وفي زيارة الأربعين المروية عن صفوان بن مهران، قال: "قال لي مولاي الصّادق عليه السلام في زيارة الأربعين: أَنَا يا مَوْلايَ‏ عَبْدُ اللهِ‏ وَ زائِرُكَ‏ جِئْتُكَ مُشْتاقاً، فَكُنْ لِي شَفِيعاً الَى اللهِ، يا سَيِّدِي، اسْتَشْفِعُ الَى اللهِ بِجَدِّكَ سَيِّدِ النَّبِيِّينَ، وَ بِأَبِيكَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ، وَ بِأُمِّكَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَيِّدِ الأَوْصِياءِ"3.
 
وفي الدُّعاء ليلة النّصف من شعبان بعد أداء الركعتين: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى‏ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ شَجَرَةِ النُّبُوَّةِ وَ مَوْضِعِ الرِّسالَةِ وَ مُخْتَلَفِ الْمَلائِكَةِ وَ مَعْدِنِ الْعِلْمِ وَاهْلِ بَيْتِ الْوَحْيِ، وَاعْطِنِي فِي هذِهِ‏ اللَّيْلَةِ امْنِيَّتِي‏ وَ تَقَبَّلْ‏ وَسِيلَتِي‏، فَانِّي بِمُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ أَوْصِيائِهِما الَيْكَ أَتَوَسَّلُ وَ عَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ وَ لَكَ اسْأَل‏"4.
 
 
والحمد لله رب العالمين



1 السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص 78.
2 م. ن، ج1، ص 166.
3 م. ن، ج3، ص 102.
4 م. ن، ص 350.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

84

الدرس الثاني عشر: من شعائر الله

 الدرس الثاني عشر: من شعائر الله

 
النصّ القرآني
روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ‏ زَارَنِي‏ بَعْدَ وَفَاتِي‏ كَانَ‏ كَمَنْ‏ زَارَنِي‏ فِي‏ حَيَاتِي‏ وَكُنْتُ‏ لَهُ‏ شَهِيداً وَشَافِعاً يَوْمَ‏ الْقِيَامَةِ"1.
 
النقاط المحوريّة:
- معنى الزيارة.
- الأدلة على مشروعيّة الزيارة.
- أنواع الزيارة.
- فوائد الزيارة وآثارها.



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 97، ص 143.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
99

 


85

الدرس الثاني عشر: من شعائر الله

 معنى الزِّيارة

الزِّيارة في اللغة: "من الزَّور، والزَّورُ: أعلى الصدر. وزرت فلاناً: تلقّيته بِزَوري، أي بصدري. أو قصدتُ زَوره، أي صدره... وزار فلانٌ فلاناً: مال إليه"1.
 
وأمّا المعنى الاصطلاحي للزيارة، فإنّه "لا يكاد يخرج عن المعنى العرفي"2، وإنْ كان المتبادر هو "زيارة القبور غالباً"3، لأنّ الزِّيارة، عبارةٌ عن قيام شخصٍ بالتوجُّه نحو المَزور الميِّت، إمّا بقطع المسافة إلى قبره فتُسمّى "بالزّيارة عن قرب"، وإمَّا بالتّوجُّه إلى شخص المزور من دون قطع المسافة، وتُسمّى "بالزيارة عن بعد".
 
الأدلّة على مشروعيّة الزِّيارة
إنَّ استحبابَ زيارة القُبور من الأمور التي أجمعت الأمّة الإسلامية عليها، بلا فرق بين طوائفها المختلفة إلا من شذَّ وندر، وقد ثبتت هذه المسألة من خلال الدليلين الروائي والقرآني:
الدليل القرآني:
1- من الأدلّة القرآنية التي يُستدلّ بها على مشروعيّة زيارة القبور قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ﴾4. فالمراد بالصَّلاة هنا هو خصوص الصَّلاة على الميت، وموضع الاستدلال لدينا على المطلوب هو قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ﴾ إذ ذهب كثيرٌ من المفسّرين5 إلى أنّ المراد يتجاوز الوقوف عنده وقت الدفن، إلى عموم الأوقات. ويُستفاد من الآية المذكورة جواز الوقوف على قبور المؤمنين والدعاء لهم والترحّم عليهم، لأنّ النَّهي الوارد



1 الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن الكريم، ص386.
2 عبد المنعم، محمود عبد الرحمن: معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، القاهرة، دار الفضيلة، ط1، ج2، ص220.
3 عبد الحميد، صائب: الزِّيارة والتوسل، ص15، قم، مركز الرسالة، 1421هـ، ط1.
4 سورة التوبة، الآية 84.
5 المحقق الأردبيلي، أحمد بن محمد: زبدة البيان في أحكام القرآن ، تحقيق محمد الباقر البهبودي، نشر المكتبة المرتضوية، ط1، ص118.
و: الشيخ الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن: تفسير جوامع الجوامع، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي تحقيق، قم، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة، 1418هـ، ط1، ج2، ص85.وغيرهما كذلك.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

86

الدرس الثاني عشر: من شعائر الله

 في الآية مختصٌّ بالمنافقين، وعلى هذا فإنَّ الآية تعني بمفهومها جوازَ زيارة قبور المؤمنين، أي الوقوف على قبورهم والدعاء لهم. فالآية تدلُّ على: "مشروعيّة الوقوف على قبور الموتى من المؤمنين والترحّم عليهم وزيارة قبورهم والتردّد إليها"1.

 
2. قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾2. وقد قال الإمام السبكي: "دلّت الآية على الحثّ على المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم، وذلك وإنْ كان ورد في حال الحياة، فهي رتبة له لا تنقطع بموته، تعظيماً له"3. وقد روي من طرق الخاصّة، كما في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام في آداب دخول المدينة المنوّرة وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهمّ فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك (...) على محمد عبدك ورسولك ونبيّك (...) اللهمّ إنّك قُلتَ: ﴿أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ وإنّي أتيتُ نبيّك مستغفراً تائباً من ذنوبي، وإنّي أتوجّه بك إلى الله ربّي وربّك ليغفر لي ذنوبي"4، فالآية تدلّ على جواز المجيء إلى قبر الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم من أجل الاستغفار، وطلب التّوبة عند جنابه الشَّريف5.
 
الدليل الروائي:
1- الإجازةُ النَّبوية في زيارة القبور: لا خلاف بين الأمّة أنّ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم لمّا فرغ من حجّة الوداع لاذ بقبرٍ قد درس فقعد عنده طويلاً ثم استعبر فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَا الْقَبْرُ فَقَالَ: "هَذَا قَبْرُ أُمِّي آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ سَأَلْتُ اللهَ فِي زِيَارَتِهَا فَأَذِنَ لِي وَقَالَ  صلى الله عليه وآله وسلم: قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ‏ عَنْ‏ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا وَكُنْتُ نَهَيْتُكُم‏ عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِي أَلَا فَادَّخِرُوهَا"6.
 
2- الأمر بزيارة الوالدين الميّتين: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "زُورُوا مَوْتَاكُمْ‏ فَإِنَّهُمْ يَفْرَحُونَ بِزِيَارَتِكُمْ وَ لْيَطْلُبْ أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ عِنْدَ قَبْرِ أَبِيهِ وَ عِنْدَ قَبْرِ أُمِّهِ بِمَا يَدْعُو لَهُمَا"7.



1 المقداد السيوري، جمال الدين المقداد بن عبد الله: كنز العرفان في فقه القرآن، تعليق الشيخ محمد باقر شريف زاده، تصحيح محمد باقر البهبودي، طهران، المكتبة المرتضوية، 1384هـ، ط1، ج1، ص181. وكذلك: الشيرازي الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج6، ص155.
2 سورة النساء، الآية 64.
3 الإمام السبكي، علي بن عبد الكافي: شفاء السقام، تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي (تحقيق)، 1419هـ، ط4، ص181.
4 الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص551.
5 راجع: الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج3، ص700. وكذلك: السبحاني، الشيخ جعفر: في ظلال التوحيد، معاونية شؤون التعليم والبحوث الإسلامية في الحج، 1412هـ، ط1، ص264.
6 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج10، ص441.
7 الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص230.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
101

87

الدرس الثاني عشر: من شعائر الله

 3- استحباب زيارة قبور المؤمنين: عن الإمام الرِّض عليه السلام: "ما من عبدٍ زارَ قبرَ مؤمنٍ فقرأَ عندَه ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ سبع مرّات إلا غفر الله له ولصاحب القبر"1.

 
4- الدُّعاء والاستغفار للميت عند قبره: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّ الميّت ليفرح بالترحّم عليه والاستغفار له كما يفرح الحيّ بالهديّة تُهدى إليه"2.
 
5- زيارة الميت من حقوق الأخوّة: وعن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "من حقّ المؤمن على المؤمن المودّة له في صدره" إلى أن قال: "وإذا مات فالزيارة له إلى قبره"3.
 
6- علم الميت بزوّاره: عن أبي الحسن عليه السلام قال: "قُلتُ له: المؤمن يعلم من يزور قبره؟ قال: نعم، لا يزال مستأنساً به ما زال عند قبره، فإذا قام وانصرف من قبره، دخله من انصرافه عن قبره وحشة"4. وعن محمد بن مسلم قال: قُلتُ لأبي عبد الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "الموتى تزورهم؟ قال: نعم، قُلتُ: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ فقال: إي والله، إنّهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم، ويستأنسون إليكم"5. تثبت الرواية أنّ هناك باباً مفتوحاً بين الأحياء والأموات، وقد أرشدت الشّريعةُ النّاس إلى طَرْقِه، لغاياتٍ وأهدافٍ نبيلةٍ وشريفةٍ.
 
7- قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من زارني بعد وفاتي، كان كمن زارني في حياتي، وكُنتُ له شهيداً وشافعاً يوم القيامة"6.
 
فالتوجُّه بالزِّيارة لقبور أولياء الله تعالى، كقبر الرَّسول الأعظم  صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الطاهرين عليهم السلام، إنَّما هو توجُّهٌ لوجودهم المبارك في التوسُّلِ بهم والاستشفاع بهم إلى الله تعالى، فالنَّبي  صلى الله عليه وآله وسلم هو حيٌّ في عالم الآخرة ويسمع الدُّعاء والسَّلام، ويُحيط بأعمال أمّته، والتوجّه إليه بالزيارة للسلام عليه والتبرّك به والتشفّع لديه وطلب الاستغفار، أمر محبوب حثّ عليه القرآن بقوله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾7, ونجد في الزيارة سبباً لتقوية العلاقة بالله تعالى، من باب التَّوبة أولاً، ومن باب محبَّة النبي  صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو واسطة الشَّفاعة ثانياً، وبذلك يتعزّز مفهوم الارتباط بالله من حيث أمر وهذا عين التوحيد



1 الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج3، ص227.
2 م.ن، ج2، ص444.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص171.
4 الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج3، ص 223.
5 م.ن، ص 222.
6 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 97، ص 143.
7 سورة النساء، الآية 64.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

88

الدرس الثاني عشر: من شعائر الله

 في العبودية, ويثبت بذلك أنَّ الزِّيارة ليست من الشّعائر الربّانية فحسب بل إنّها تُقوّي أصلَ الاعتقاد بوحدانيَّة الله تعالى وترفَعُ من مقامِ النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمَّة  عليهم السلام.

 
أنواع الزِّيارة
الزيارة نوعان: زيارة عن قرب وأخرى عن بعد, وزيارة قبور الأولياء  عليهم السلام عن قرب من المستحبّات الأكيدة، وقد جاءت الروايات الكثيرة في فضل الزِّيارة عن قرب، وفي الآداب الواجب اتّباعها قبل الدخول إلى المراقد المشرّفة وأثناء ذلك وحين الخروج منها. ولكن، حثّت الروايات على المداومة على زيارة الأولياء عليهم السلام، ولو كان عن بعد، في حال عدم القدرة على السفر أو وجودها، إذ إنّ التواني عن الزِّيارة بقسميها من علامات الجفاء.
 
فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "مَن زارَ قَبري بَعدَ مَوتي، كانَ كَمَن هاجَرَ إلَيَّ في حَياتي، فَإِن لَم تَستَطيعوا، فَابعَثوا إلَيَّ بِالسَّلامِ فَإِنَّهُ يَبلُغُني"1.
 
وقد قال الكفعمي رحمه الله: "يُستحبّ زيارة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في كلّ مكان وزمان، والدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله عليه (...) ويُستحبّ زيارة النبي  صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام كلّ جمعة، ولو من البعد"2.
 
وروي كذلك عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "مَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ ع يَوْمَ عَاشُورَاءَ حَتَّى يَظَلَ‏ عِنْدَهُ‏ بَاكِياً لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِثَوَابِ أَلْفَيْ أَلْفِ حَجَّةٍ وَأَلْفَيْ أَلْفِ عُمْرَةٍ وَأَلْفَيْ أَلْفِ غَزْوَةٍ وَثَوَابُ كُلِّ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَغَزْوَةٍ كَثَوَابِ مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ وَغَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ  صلى الله عليه وآله وسلم وَمَعَ الْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا لِمَنْ كَانَ فِي بُعْدِ الْبِلَادِ وَأَقَاصِيهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ بَرَزَ إِلَى الصَّحْرَاءِ أَوْ صَعِدَ سَطْحاً مُرْتَفِعاً فِي دَارِهِ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ السَّلَامَ وَاجْتَهَدَ عَلَى قَاتِلِهِ بِالدُّعَاءِ وَصَلَّى بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ لْيَنْدُبِ الْحُسَيْنَ  عليه السلام وَيَبْكِيهِ وَيَأْمُرُ مَنْ فِي دَارِهِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ وَ يُقِيمُ فِي دَارِهِ مُصِيبَتَهُ بِإِظْهَارِ الْجَزَعِ عَلَيْهِ وَيَتَلَاقَوْنَ بِالْبُكَاءِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِمُصَابِ الْحُسَيْنِ عليه السلام‏"3.



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 97، ص 144.
2 الشيخ الكفعمي، البلد الأمين والدرع الحصين، علي أكبر الغفاري (تحقيق)، طهران، مكتبة الصدوق، 1387هـ، ط1، ص309.
3 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 97، ص 290.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

89

الدرس الثاني عشر: من شعائر الله

 فوائد الزِّيارة وآثارها

إنّ كلّ الأهداف المتعلّقة بالزيارة هي مستفادة بشكل مباشر من السنّة المطهّرة، ومن ذلك يُمكن أن نجمل هذه الأهداف بما يأتي:
1- الخشوع وتذكّر الموت والآخرة: فقد روي عن أبي ذر (رضي الله عنه): قال لي رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذر، أوصيك فاحفظ، لعلّ الله ينفعك به: جاور القبور تذكر بها الآخرة، وزرها أحياناً بالنّهار، ولا تزرها بالليل"1.
 
2- الدُّعاء للميت: وهو سلوك أخلاقي رفيع، يحفظ كرامة المسلم في مجتمعه حتى بعد موته، ويُربّي في المسلمين روح الإخاء والحبّ والمودّة وأداء حقوق الآخرين حتى بعد موتهم، وهذا ما تميّز بها نظام الأخلاق في الإسلام. يُنقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنَّه إذا دخل المقبرة قال: "السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة، والمحالّ المقفرة، من المؤمنين والمؤمنات... اللّهمّ اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنّا وعنهم..."2.
 
3- أداء حقوق الموتى: وهذا ما نلحظه بوضوح في فحوى الخطاب في الحديث النبوي الشريف: "زُورُوا قُبُورَ مَوْتَاكُمْ وَسَلِّمُوا عَلَيْهِم"3، ففيه إشارة في غاية الوضوح إلى أنّ لإخواننا الموتى حقوقاً علينا، ينبغي علينا أداؤها بزيارتهم والتسليم عليهم.
 
4- اكتساب الأجر ورضا أهل البيت عليهم السلام: فعن داود الصيرمي قال: "قُلتُ له (يعني أبا الحسن العسكري عليه السلام): إنّي زرتُ أباك، وجعلتُ ذلك لكم، فقال: "لك من الله أجر وثواب عظيم، ومنّا المحمدة"4.
 
5- الحفاظ على الأضرحة وعمارتها: وهو من الأمور المهمّة في أداء واجب المحبّة والولاية لله تعالى وللرسول وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين، ومن ذلك ما رواه عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز، قال: أتيتُ أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فقُلتُ له: يا ابن رسول الله، ما لمن زار قبر أمير المؤمنين وعمَّر تربته؟ قال: "يا أبا عامر، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي عليه السلام: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: والله، لتقتلنّ بأرض العراق وتدفن بها، فقُلتُ: يا رسول



1 الراوندي، الدعوات، ص 277.
2 ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ، ج 20، ص 256.
3 الراوندي، الدعوات، ص259.
4 الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط4، 1365هـ.ش، ج6، ص111.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

90

الدرس الثاني عشر: من شعائر الله

 الله، ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن، إنّ الله جعل قبرك وقبر وُلدِك بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وانّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ إليكم، وتحتمل المذلّة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله، مودّةً منهم لرسوله، أولئك ـ يا علي ـ المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم زوّاري غداً في الجنّة"1.

 

 
6- غفران الذّنوب: فعن الإمام الرض عليه السلام: "ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ عنده ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ سبع مرّات إلا غفر الله له ولصاحب القبر"2. وروي كذلك عن الإمام الباقرعليه السلام: "من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة، ووضع يده على القبر، فقرأ ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ سبع مرات أمن من الفزع الأكبر"3.
 
7- نيل الشَّفاعة: يوم القيامة، إذ روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من زارني حيّاً وميّتاً، كنتُ له شفيعاً يوم القيامة"4.
 
8- تخفيف العذاب على الموتى: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "مَنْ‏ دَخَلَ‏ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللهُ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ كَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَات‏"5.
 
9- إسعاد الموتى: روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه سُئِل: "يا رسول الله، إنّا نتصدّق عن موتانا، ونحجّ عنهم، وندعو لهم، فهل يصل ذلك إليهم؟ فقال: "نعم، لَيَصِل ذلك إليهم، ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أُهدي إليه"6.
 
والحمد لله رب العالمين



1 الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، ج6، ص22.
2 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج3، ص227.
3 م.ن، ج3، ص227.
4 الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي: ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، تقديم السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، قم، منشورات الشريف الرضي، 1368هـ.ش، ط2، ص83.
5 ابن فهد الحلي، أحمد بن محمد، عدة الداعي ونجاح الساعي‏، تحقيق وتصحيح أحمد موحدي القمي، نشر دار الكتب الإسلامي‏، الطبعة الأولى‏، 1407 هـ، ص 146.
6 نقله: الأميني، عبد الحسين أحمد النجفي: الغدير في الكتاب والسنة والأدب، بيروت، دار الكتاب العربي، 1977م، ط4، ج5، ص177.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

91
بغير حساب