دروس في الأديان


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2014-12

النسخة: 2014


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين وبعد.

 

في زمن تعدّدت فيه الملل والأديان وتنوّعت مشاربها. وفي لحظة حسّاسة وربما مصيرية بعد عقود من الحروب والصراعات المريرة والقتل الذي لم يعرف الحدود بين أبناء الجلدة الواحدة، وبعد تجربة الحروب الكونية والعالمية المدمّرة وغطرسة الأهواء الاستعمارية الفتاكة. وفي عصر أصبح العالم برمّته أشبه بقرية كونية تتلاقى فيه الشعوب بيسر وسهولة ودون عناء ومشقة رغم اختلافها وتباينها الشديد فيما بينها على مستوى التشريع والفكر والمعتقد.

 

وفي زمن لم يعد فيه حدود للعلم وتلاشت الحواجز أمام المعرفة، بتنا نحن البشر أحوج ما نكون فيه إلى معرفة الآخر وفهمه كما هو، هذا الآخر الذي هو شريكنا في الإنسانية من دون أحكام مسبقة وتحليلات عشوائية مغلّفة بإطار الجهل والعصبية، لما لهذا الفهم الصحيح والمعرفة الواقعية من آثار طيبة في تلاقي العقول والنفوس وما يمكن أن ينتج عن هذا التلاقي من فوائد جمة وآثار طيبة.

 

فنحن أبناء آدم لدينا الكثير من القواسم المشتركة فيما بيننا على مستوى الفكر والمعتقد، كما نتشارك في الإنسانية والعبودية لإله واحد وإن اختلفت طرق ومشارب

13


1

المقدمة

 هذه العبودية، إلا أنها في نهاية المطاف جميعها تهدف إلى تحقيق أمر واحد وهو السعادة والراحة للنوع الإنساني.

 

من هنا برزت الحاجة الماسة لعلم الأديان لما لهذا العلم من مدخل مهم للمعرفة بالآخر وفهم أبعاد شخصيته العقائدية والفكرية، التي قد يختلف فيها مع غيره بأمور كثيرة ولكن لو دقّقنا النظر وتفحّصنا الواقع جيداً لوجدنا أنه يشترك معه في أمور أكثر...

 

وهذا الكتاب "دروس في الأديان" بمضمونه الجديد وإسلوبه الذي تميّز بلغته العلمية السهلة, التي تعتمد على المصادر الرئيسة عند الأديان بالغالب، هو محاولة في هذا الطريق، لكي لا يكون الدين عائقاً أمام رقي الشعوب وتلاقيها فيما بينها من أجل بناء حياة إنسانية أفضل، حياة ملؤها السلام والمودة التي دعا إليها الإسلام بشدة. ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[1]. على أمل أن يكون نقطة مضيئة في درب التلاقي والمعرفة الصحيحة بعضنا بالبعض من أجل مستقبل إنساني أرقى وأفضل.




[1] سورة آل عمران، الآية: 64.

14


2

الدرس الأول: علم الأديان

 الدرس الأول: علم الأديان

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يشرح معنى الدين بصيغه المتعدّدة.

2- يبيّن رأي علماء الاجتماع بالدين.

3- يذكر أهمية وفائدة البحث في تاريخ الأديان.

15


3

الدرس الأول: علم الأديان

 معنى الدين

بالرجوع إلى المعاجم اللغوية كالقاموس المحيط، ولسان العرب أو غيرهما قد لا يستطيع الباحث أن يرسو على برٍّ حول معنى كلمة الدين، وقد يخيل إليك أن هذه الكلمة الواحدة يصح أن تستعمل فيما شئت من المعاني المتباعدة، وحتى المتناقضة "فالدين هو الملك، وهو الخدمة، هو العزَّ، وهو الذّل، هو الإكراه، وهو الإحسان. هو العادة وهو العبادة. هو القهر والسلطان وهو التذلل والخضوع. هو الطاعة، وهو المعصية. هو الإسلام والتوحيد، وهو اسم لكل ما يعتقد أو لكل ما يتعبد الله بــه...."[1].

 

والواقع أننا إذا نظرنا في اشتقاق هذه الكلمة ووجوه تصريفها نرى من وراء هذا الاختلاف الظاهر تقارباً شديداً، بل صلة تامة في جوهر المعنى، إذ نجد أنّ هذه المعاني الكثيرة تعود في نهاية الأمر إلى ثلاثة معان تكاد تكون متلازمة، بل نجد أن التفاوت اليسير بين هذه المعاني الثلاثة مردّه في الحقيقة إلى أن الكلمة التي يراد شرحها ليست كلمة واحدة، بل ثلاث كلمات، أو بعبارة أدق أنها تتضمّن ثلاثة أفعال بالتناوب. وبيان ذلك:




[1] راجع لسان العرب، معجم العين، القاموس المحيط مادة: دين.

 17


4

الدرس الأول: علم الأديان

 الصيغ المتعدّدة للدين

إنّ كلمة "الدين" قد تؤخذ بعدة صيغ:

1- تارةً من فعل متعدٍّ بنفسه: دانه، يدينه.

2- وتارةً أخرى من فعل متعدٍّ باللام: دان له.

3- وثالثة من فعل متعدٍّ بالباء: دان به.

 

وباختلاف الاشتقاق تختلف الصورة المعنوية التي تعطيها الصيغة[1].

 

الصيغة الأولى: وهي "دانه ديناً", تعني ملكه وحكمه، وساسه، وقهره، ودبّره، وقضى في شأنه، وجازاه، وكافأه. فالدين في هذا الاستعمال يدور على معنى الملك والتصرّف بما هو من شأن الملوك من السياسة والتدبير، والحكم والقهر، والمحاسبة والمجازاة ومن ذلك "ملك يوم الدين" أي يوم المحاسبة والجزاء، ومنه قول العرب: الله الديّان: أي الحاكم القاضي... ومنه أنّ عليّاً ديّان هذه الأمة: أي حاكمها ومنه أيضاً: الكيّس من دان نفسه: أي من حاسبها.

 

وجاء في الموسوعة الفلسفية العربية في مادة "دين" لفظة "دين" العربية تضم معانيَ مختلفة، ولكنها وثيقة الارتباط فيما بينها، فاللفظة مشتقة من فعل "دان" وأصله "دين" ومعناه أذلّ، استعبد، وحاسب، وتدل هذه الأفعال الثلاثة على عمل تنشأ عنه علاقة بين طرفين يتفاوتان في المنزلة، يسمو أحدهما على الآخر في علاقة فعلية، حيث يملي الأعلى إرادته على الأدنى، ويحاسبه على أفعاله. فتنشأ عند من "أُذِلَّ" عاطفة "طاعة" للطرف السامي و"تعبّد" له، وسعي إلى خدمته مسلماً. ثم يتحول الموقف الخضوعي إلى "عادة" و"شأن" سواء في استلهام إرادة الأمر أم في إتمام ما يأمر به. وقد يرافق هذه "العادة" إما شعور "بالورع" تجاه "السلطان" وإما




[1] أنظر عبد الله دراز، الدين ص 28 وما بعدها، ود. سعود المولى بحوث في علم الاجتماع الديني – معهد العلوم الاجتماعية – الجامعة اللبنانية.

18


5

الدرس الأول: علم الأديان

 شعور "بالقهر" مع ميل قوي إلى المعصية. ويرتبط هذان الموقفان المحتملان مع فكرة ملازمة غالباً "للمدين" عن يوم "الدين" وهو يوم "الجزاء" أو "المكافــأة"[1].

 

الصيغة الثانية: وهي "دان له", أي أطاعه، وخضع له. فالدين هنا الخضوع والطاعة، ومنه قولهم: "دنت لفلان أي أطعته".

 

الصيغة الثالثة: وهي "دان بالشيء", أي اتخذه ديناً ومذهباً بمعنى اعتقده أو اعتاده أو تخلّق به ومنه قولهم: "هذا ديني وديدني" أو هذا "ديني ودين آبائي" أي عادتي.

 

الدين يساوق الاعتقاد والخضوع

بالعودة إلى الصيغة الأولى والثانية لمعنى الدين من الواضح أن ما تفيده الصيغة الثانية من معنى الخضوع مساوق لما تفيده الصيغة الأولى "دانه فدان له" أي قهره على الطاعة فخضع وأطاع. إلا أن جهة الاختيار أبرز في الصيغة الثانية دون الأولى.

 

أما بالنسبة للصيغة الثالثة، فهي ظاهرة في أن الدين هو المذهب والطريقة التي يسير عليها نظرياً أو عملياً، فالمذهب العملي لكل امرؤ هو عادته وسيرته، والمذهب النظري عنده هو عقيدته ورأيه الذي يعتنقه.

 

ولا يخفى أن هذه الصيغة الاستعمالية لكلمة "دين" تابعة للسابقتين، لأن العادة أو العقيدة التي يدان بها، لها من السلطان على صاحبها ما يجعله ينقاد لها، ويلتزم اتّباعها. وزبدة الكلام أن هذه المعاني اللغوية لكلمة "الدين" في العربية تشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر ويخضع له.




[1] راجع الموسوعة الفلسفية العربية ج 1، ص 440 معهد الإنماء العربي.

 19


6

الدرس الأول: علم الأديان

 - فإذا وصف بها الطرف الأول كانت خضوعاً وانقياداً.

 

- وإذا وصف بها الطرف الثاني كانت أمراً وسلطاناً، وحكماً وإلزاماً.

- وإذا نظر بها إلى الرباط الجامع بين الطرفين كانت هي الدستور المنظم لتلك العلاقة أو المظهر الذي يعبر عنها.

 

بمعنى آخر يمكننا أن نقول إن المادة "دين" تدور كلها على معنى الانقياد والاعتقاد:

- ففي الاستعمال الأول: تستبطن كلمة "دين" معنى الإلزام والانقياد.

- وفي الاستعمال الثاني تستبطن كلمة "دين" معنى الالتزام والانقياد.

- وفي الاستعمال الثالث تستبطن كلمة "دين" معنى المبدأ الذي نلتزم الانقياد له.

 

وواضح أن معنى اللزوم يشكل قطب الرحى ومحورها في الدلالة اللغوية التي تدور عليها كلمة "دين" فإذا كانت بالفتح تضمّنت إلزاماً مالياً، وإذا كانت بالكسر اقتضت إلزاماً أدبياً[1].

 

وأما كلمة "دين" المستعملة في تاريخ الأديان فلها معنيان لا غير:

المعنى الأول: وهو تلك الحالة النفسية التي نطلق عليها اسم "التديّن".

المعنى الثاني: وهو تلك الحقيقة الخارجية التي تمثّل جملة المبادئ التي تدين بها أمة من الأمم اعتقاداً أو عملاً، وهذا المعنى أكثر وأغلب.




[1] هكذا يتضح أن كلمة "دين" أصيلة في اللغة العربية وليس كما يذهب إليه بعض المستشرقين من أنها دخيلة، وأنها معربة عن اللغة العبرية أو الفارسية في كل استعمالاتها.

20


7

الدرس الأول: علم الأديان

 الدين عند علماء الاجتماع

تناول العديد من علماء الاجتماع مسألة الدين بالبحث. وقد زعم بعضهم أنّ الدين هو التطوّر الطبيعيّ للسحر وما صاحبه من طقوس، وزعموا أنّ الدين محاولة من الإنسان البدائيّ لتطويع الطبيعة وتسخيرها لخدمته، وتفسيرها تفسيراً وهميّاً. وكان الهدف الأوّل للإنسان هو إغراء الطبيعة بمساعدته في مشاكله التي يعجز عن مواجهتها. ويزعمون أنّ السحر بدأ مع الإنسان في العصور الحجريّة القديمة بشكل غير واع، ثمّ تطوّر إلى الشكل الواعي، على أساس خلق رموز ونماذج للطبيعة، بحيث تتحوّل الطقوس إلى أشياء تحدث في العالم الواقعيّ، وكانت أولى الخطوات نحو ظهور (الطوطم)، وهو الرمز الذي يمنح الإنسان القوّة، وتدريجيّاً صار لكلّ عشيرة أو قبيلة (طوطمها) الخاص، والذي تحوّل تدريجيّاً إلى إله تعبده هذه القبيلة أو العشيرة...، وأقيمت له الطقوس وقواعد العبادة التي هي في الحقيقة (بحسب زعمهم) صورة أخرى للسحر البدائيّ، ولم يعر أيّ أهميّة للجانب السماويّ، لا من خلال المعجزات ولا من خلال الحجج والبراهين... بل زعموا أنّ فكرة الإله وجدت في المجتمعات الأولى بشكل عقائد انبثقت إمّا من الأفراد أو الجماعة، وفي الحالتين يكون من جعل الإنسان.

 

ويرى بعض علماء الاجتماع أن الدين في مراحله الأولى يشبه السحر الابتدائي إلى حدّ كبير، لأن الساحر والمؤمن يسعيان بأساليبهما لتسخير الوجود، وتوفير الراحة والدعة. فالساحر والمؤمن يبغيان الاستجابة لما يمليه القلب وما يحقّق أمانيهما، فيرفعان أيديهما بالدعاء ويستمدّان العون من القوى المنشودة، مع فارق أنّ الأول يبحث عن القوة التي يستمدّ منها العون في الطبيعة، والثاني يؤمن أنّها في ما وراء الطبيعة.

 

ويتّفق علماء الاجتماع مع أتباع الديانات على أن الدين كسائر الظواهر الأخرى

21


8

الدرس الأول: علم الأديان

 يتكامل، غير أن أصحاب الديانات يعتقدون أن مراحل الدين تتكامل كتكامل المراحل الدراسية، في حين يرى العلماء أن الدين بدأ من السحر وعبادة الطبيعة والشرك، وختم بالتوحيد، وقد لفتَ انتباههم إلى ذلك وجود أنواع من الأديان البدائية في نقاط بعيدة نائية من العالم.

 

فائدة علم الأديان

إنّ الدافع الأساسي وراء دراسة أيّ موضوع وتحليله هو الاستجابة لغريزة التحرّي والبحث عن الحقيقة، فأنت ترى العلماء يتعمّقون في دراسة الظواهر، دون أن يكون هدفهم جنْي الأرباح الاقتصادية أو المنافع المادية. نعم إن أسفرت عن نتائج مطلوبة، حينها تُستثمر منافعها الاقتصادية. وبهذا الدافع يُفسَّر تعاون الدول وتشجيعها لعلمائها الذين يخوضون غمار التحقيق باندفاع وشوق دون أن يعلموا إن كانت أبحاثهم ستثمر عن نتائج أم لا.

 

يمكن إبراز فوائد البحث في علم الأديان ضمن النقاط التالية:

أولًا: إنّ الباحث في تاريخ الأديان يستفيد من بحثه في سائر العلوم الانسانية، نظراً للصلات الوثيقة التي تربط بينها، وتتأكد هذه الصلة في العلوم المتشابهة. والدين كظاهرة عاشت مع الانسان منذ أن ظهر على وجه البسيطةـ وقد احتلّ أهمية خاصة عند أهل التحقيق بعد اتضاح تأثيره البالغ في حياة البشر، ودوره الهام والواضح في نموّ ونضوج العلم والفن.

 

ثانيًا: الفائدة الأخرى المترتبة على البحث في تاريخ الأديان، هي تعزيز العلاقات بين المجتمعات المختلفة. من هنا تعمد الدول الكبرى - كالولايات المتحدة في هذا العصر- بغية إحكام سيطرتها على الدول الصغيرة إلى الاتصال بالمتخصصين في شؤون تلك الدول، للاستفادة من خبرتهم بعقائد الشعوب ونظمهم الروحية.

22


9

الدرس الأول: علم الأديان

 ثالثًا: إنّ البحث في تاريخ الأديان يوفّر منفعة معنوية لأصحاب الديانات أنفسهم، ويضفي عمقاً لاعتقاداتهم الدينية، حيث يتيح لهم الفحص والتنقيب عن الثغرات والانحرافات التي تعتري الأديان الأخرى، بغية إثبات صحة ما اعتقدوه من دين.

 

رابعًا: إن الخوض في تاريخ الأديان يفسح المجال للوقوف على العقائد الدينية للشعوب، الأمر الذي يُيسّر سبل هدايتها إلى الصراط السويّ، وإطلاعها على ما يلمّ بعقائدها من نقائص.

 

التديّن في العصر الحاضر

كان يراود ثلة من المفكّرين منذ عقود قريبة حلم اضمحلال الأديان. ولكنّ هذا الحلم لم يتحقّق على أرض الواقع قط، بل على العكس فقد ظهر موج من الإقبال المتزايد للشعوب نحو المعنويات والتدين في العالم المعاصر، وقد تجلى هذا الموج في أنحاء مختلفة في شرق العالم وغربه، ففي الغرب ظهرت ميول نحو المعنويات بشكل بارز وملفت، وفي الشرق تبلورت اتجاهات نحو إحياء الأديان المحلية كما برزت بوادر التعصب الذي يلعب دوراً هاماً في الحفاظ على هوية الأديان والشعوب. من هنا نلمس درجات من التعدّدية الدينية في أنحاء العالم حيث تتنافس الأديان فيما بينها لإظهار دعمها للتعايش السلمي.

23


10

الدرس الأول: علم الأديان

 المفاهيم الرئيسة

- بالرجوع إلى المعاجم اللغوية قد يخيل أن كلمة الدين تستعمل في معانٍ متباعدة، وحتى متناقضة.

 

- في الواقع إننا إذا نظرنا في اشتقاق كلمة الدين ووجوه تصريفها نرى من وراء هذا الاختلاف الظاهر تقارباً شديداً، إذ نجد أن هذه المعاني الكثيرة تعود في نهاية الأمر إلى معان تكاد تكون متلازمة، وهي الانقياد والخضوع والاعتقاد.

 

- الدين عند علماء الاجتماع عبارة عن مرحلة متكاملة من السحر، التجأ إليه الانسان من أجل تأمين الحاجات المعيشية، لأن النظرة العلمية تتلخّص في أن كل ما ينزل من السماء يمكن تفسيره وتوضيحه.

 

- يعتقد أصحاب الديانات أن مراحل الدين تتكامل كتكامل المراحل الدراسية، في حين يرى الباحثون أن الدين بدأ من السحر، وختم بالتوحيد.

 

- للبحث في تاريخ الأديان فوائد جمّة، منها: الاستجابة لحبّ البحث عن الحقيقة، والانتفاع به في سائر العلوم، وتعزيز العلاقات بين المجتمعات، وإضفاء عمق للاعتقادات.

 

 - يمكن تصنيف الأديان من زوايا مختلفة إلى أديان محلية وأخرى غير محلية.

 

- من الملاحظ والملفت جداً في هذا العصر الإقبال الزائد على الدين والمعنويات، حتى وصلت عند البعض إلى حد التعصّب.

 24


 


11

الدرس الأول: علم الأديان

 أسئلة

1- عرّف الدين، وتحدّث عن صيغه المتعدِّدة.

2- اذكر مراحل الدين عند علماء الاجتماع.

3- ما هي فوائد البحث في تاريخ الأديان؟

25


12

الدرس الأول: علم الأديان

 مطالعة

 

الأرواحية

يرى الباحثون في العلوم الإنسانية، أنّ الدين ظهر منذ عصر مبكّر في النزوع إلى عبادة الطبيعة، وقد شوهدت اليوم نماذج من هذا النزوع عند جماعات بدائية تقطن في بقاع بعيدة ونائية من العالم، وتجلّى في تعظيم القوى الطبيعية واستمداد عطائها وإحسانها. وتؤدّي الجماعات البدائية في عصرنا الحاضر طقوساً دينية خاصة، يرتدون خلالها ملابس عجيبة وغريبة، ويضعون أقنعة على الوجوه، وينتظمون في رقصات معيّنة، ملتمسين في ذلك العون من القوى الطبيعية، فتراهم مثلاً يخاطبون السحابَ بإنزال المطر، والأنهارَ والجداول بإرواء الأراضي المجدبة بعيداً عن طغيان الفيضانات، والأرض بالخصوبة، والمزارعَ بالبركة في المحاصيل، وأمثال ذلك.

 

الأرواحية (Animism) دين قديم للعديد من الأقوام الغابرة، ومفاده أن لجميع مظاهر الطبيعة روحاً يجب عبادتها والسجود لها. وقد سادت بين الأقوام القديمة عبادة الأرض، والسماء والأجرام السماوية، والنار، والرعد، والبرق، والسحاب، والبحار، والأنهار، والعواصف، والغابات، والنباتات، والحيوانات لا سيما البقر، وثعبان الكوبرا، وكذلك عبادة طوطم القبيلة وأرواح الأجداد والسلف، والأرواح الخبيثة كالشيطان والجنّ. وقد ذمّ القرآن الكريم النزوع إلى عبادة الجنّ واللجوء إليه[1].

 

وتعتقد الأرواحية أن للطبيعة كما للإنسان شعوراً، وما الأصنام إلاّ رموز لقوى الطبيعة، فينبغي عبادتها وتقديم القرابين لها، اعتقاداً منها بأن الطبيعة سترضخ لها. وما زالت آثار هذا الدين لائحة في بعض الأديان الموجودة اليوم كالهندوسية.




[1] سورة الأنعام، الآية: 100، سورة سبأ، الآية:41، سورة الجن، الآية: 6.

26


13

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 الدرس الثاني: الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يتعرّف إلى نشأة الديانة الهندوسية.

2- يبيّن أصول الديانة الهندوسية.

3- يذكر آلهة الهندوس.

27


14

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 نشأة الديانة الهندوسية

زحف الآريون (الجنس الأبيض) قبل نحو 3500 سنة من آسيا الوسطى الى أطراف نهر السند (جنوب باكستان الحالية)، واتجهوا شرقاً حتى وصلوا الى بلادٍ، اُطلق عليها فيما بعد اسم "الهند".

 

وتزامن هذا الزحف مع زحف أفواج أخرى من الآريين صوب إيران وأوروبّا.

 

وعلى الرغم من أننا نجهل بالمرّة اللغة الأصلية للأقوام الآرية، إلاّ أنّ لغاتهم بعد الهجرة هي لغات الهند وأوروبّا التي بينها قرابة أسرية.

 

إن لغة الأقوام الآرية التي انحدرت الى الهند، هي السنسكريتية (San - Skrita) التي تربطها قرابة مع اللغة الفارسية القديمة والبهلوية والأوروبية. وهذه القرابة قدّمت خدمات جليلة لعلم الألسنة، فالحرف (هـ) مثلاً في اللغة الفارسية يقابل الحرف (س) في السنسكريتية، وعليه فإن كلمة الهند مثلاً تقابل كلمة السند (Sindhu).

 

وكانت ديانة الآريين في الهند هي البرهمية (Brahmanism) نسبة إلى برهما (Brahma) إله الهندوس أو إلى برهمن (Brahman) الإله نفسه أو كاهن الهندوس.

29


15

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 لم يُعرف للديانة البرهمية مؤسس يمكن الرجوع إليه. وهي تتضمّن مجموعة من التقاليد والعادات الاجتماعية والثقافية مقرونة بتهذيب النفس وترويضها. وقد تركت بصمات واضحة على حضارة الهند، وعلى حياة سكّانها الفردية والاجتماعية. وما قيل من أنهم سُمّوا براهمة لانتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام، هو زعم خاطئ، فإنهم المخصوصون بنفي النبوات أصلاً فكيف يقولون بنبوة إبراهيم عليه السلام؟ وقيل سُمّوا بذلك لانتسابهم إلى رجل يقال له براهم هو الذي مهّد لهم مبدأ نفي النبوّات[1].

 

إن الديانة الهندوسية (Hinduism) التي انطلقت في القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد، هي شكل مبدّل للديانة البرهمية.

 

سكّان الهند قبل زحف الآريين

امتاز سكان الهند وإيران الأصليون، قبل هجرة الآريين إلى هذه البلاد، بقصر القامة واسمرار البشرة، وكان لهم دين وثقافة وطقوس خاصة على مستوى حضارة ما بين النهرين. وقد اندثروا في إيران بشكل كامل إلاّ أنّ جماعات منهم بقيت في الهند، واتّجهت صوب جنوبها، وتُعرف اليوم باسم الدرافيدية (Dravidians)، ويشكّل المنبوذون (Untouchables) طائفة كبيرة منهم. وسوف يأتي الحديث عنهم.

 

وقد كشفت عمليات الحفر والتنقيب التي أجريت في مدينة موهنجودارو (Daro-Mohenjo) الواقعة على نهر السند (بالباكستان) عن وجود آثار عظيمة لحضارتهم، كما كشفت التنقيبات عن وجود عدد كبير من آلهة الهندوس قبل زحف الآريين الى الهند.



[1] الملل والنحل، الشهرستاني، ج2، ص251، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

30


16

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 الكتب المقدّسة

جُمعت أدعية ومعتقدات الهندوس في مجموعة أطلق عليها اسم الفيدا (vedas) التي تعني العلم في اللغة السنسكريتية، وعرفت بـ (شروتي) (Sruti) التي تعني الوحي والإلهام أو العلوم المقدّسة الموروثة.

 

ويعتقد المؤرِّخون أنّ تصنيف مجموعة الفيدا يعود إلى ما بين 1400 ـ 1000 ق. م. وعلى هذا الأساس أطلق العصر الفيدي على الفترة الممتدّة ما بين 1500 ـ 800 ق. م.

 

الثقافة والتربية الفيدائية

بلغت سطوة رجال الدين الهندوس (البراهمة ـ Brahmand) أوجها في حدود القرن السادس قبل الميلاد. حيث ساد نظام طبقي صارم، ألقى بظلاله على بلاد واسعة كالهند منذ أكثر من 2500 سنة، وما تزال آثاره باقية الى اليوم.

 

وقد أطلق الباحثون على الطبقات الاجتماعية اسم كاست (Caste)، وهو اصطلاح برتغالي، معناه الأصل. ويصنف المجتمع الهندوسي إلى أربع طبقات:

- البراهمة (Brahmanas)، وهم طبقة الكهنة ورجال الدين.

- الكشتريا (Kshartrias)، وهم طبقة الملوك، والأمراء، والمقاتلين.

- فيشيا (Vaisyas)، وهم طبقة التجار والزرّاع.

- الشودرا (Sadras) وهم أصحاب المهن السافلة والخَدَم.

 

ويمنع شرعاً وعرفاً معاشرة أفراد كل طبقة من الطبقات المذكورة للطبقات الأخرى، لا سيما الطبقة الأخيرة، حيث يُحظر الاتصال بها، بل النظر إليها من قبل أفراد الطبقات العليا، ويُعدّ تجاوز ذلك من الذنوب الكبيرة التي لا تُغتفر.

 

وثمّة طبقة أدنى من الطبقات الأربع المذكورة، وهي طبقة المنبوذين

31


17

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 (Untouchables)، وأفراد هذه الطبقة هم سكان الهند الأصليون من غير الآريين. ويحظر على هؤلاء مخالطة أفراد سائر الطبقات أو التردد إلى أماكن سكناهم، إلاّ إذا اقتضت الضرورة ذلك كالقيام بجمع القُمامة مثلاً، وإذا أرادوا ذلك، فعليهم أن يرفعوا أصواتهم معلنين عن طبقتهم، كي لا تقع أنظار الطبقات العليا عليهم، وفي غير هذه الصورة يجب على من نظر إليهم التطهّر بالغسل، كما يتم البيع والشراء معهم من بُعد كأن يضع النقود في مكان خاص وينادي بالمتاع الذي يبغيه، ويتوارى عن الأنظار.

 

 

كما يحظر عليهم الاستماع الى تلاوة الكتاب المقدس، ومن استمع لها منهم، يجازى بصبّ الرصاص المذاب في أذنيه.

 

وممّا يثير العجب أن المنبوذين ألِفوا هذه الاُمور، إيماناً منهم بأنها حق، وأن التعاسة التي نزلت بهم ليست إلاّ نتاج الأعمال القبيحة التي ارتُكبت في الماضي، وحلّت بهم عن طريق التناسخ.

 

ويحظى نهر الكنج (Ganga) المعطاء، والذي يعني السريع ويغطي مساحات شاسعة من الهند، بمرتبة عالية من القداسة عند الهندوس، ويعتبر الغسل فيه وخصوصاً في مدينة بنارس (Benares) عبادة مهمة.

 

وراجت في أوساطهم القرابين كعبادة، لا سيما قرابين الخيول (Asva-Medha)، ومن ثمّ أقيمت هذه المراسم من أجل تلبية الحاجات.

 

ويعد أهيمسا (ahimsa) - الذي يعني الاحتراز عن أذى الحيوانات - أصلًا مهماً، اكتسب أهميّة بعد تأثّره بتعاليم مهاويرا. هذه التعاليم تمنع تناول لحوم الحيوانات، وتعتبره عملاً غير أخلاقي، وقد تركت هذه المسألة أثراً عجيباً على أسلوب معيشة الهندوس.

 

والهندوس يحرقون أجساد أمواتهم، وينثرون رمادها في نهر الكنج، وتزامن هذا العمل في الماضي مع نوم الزوجة في وسط ركام من الحطب، وحرقها مع زوجها

32


18

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 الميت، ولأجل بعث الرغبة والشوق عند الزوجة للإقدام على هذا الأمر، أُطلق عليها لقب ستي (Sati) ـ أُطلق هذا المصطلح السانسكريتي في اللغة العربية على المرأة التي تحظى بمقام اجتماعي رفيع ـ وإذا لم تستطع الزوجة تحمل هذه التضحية، فإنها تحلق شعر رأسها، وتبارح الوطن. ولما احتلّ الإنجليز بلاد الهند عام 1829 م، منعوا حرق الزوجة حيّة، فلم يتخلّف عن هذا المنع إلاّ قليل.

 

أصول الديانة الهندوسية

أصول الديانة الهندوسية عبارة عن الاعتقاد بالكتب القديمة والطقوس الدينية للبراهمة واحترامها، وعبادة الآلهة التي ظهرت في الأدوار القديمة، والاعتقاد بالتناسخ، و رعاية مقررات الطبقات الاجتماعية في أسلوب المعيشة والزواج، واحترام الموجودات الحيّة أيضاً لا سيما البقرة التي هي من أصول دينهم.

 

وتحتل البقرة عند الهندوس مكانة رفيعة تصل إلى حد التأليه والتقديس حيث تقام لها التماثيل في الدور والمعابد والساحات العامة، وتتجول في الشوارع بكامل حريتها وتأكل الفواكه والخضر المتوفرة في الحوانيت دون أن يعترضها أحد، ويُحظر أكل لحمها والانتفاع بجلودها، وإذا نفقت تقام لها مراسم دفن خاصة بها. وقد عمت تلك المقررات سائر الدواب بدءاً من الحشرات وانتهاءً بالفيل، وبالطبع فإن تلك المقررات لا تجري في المناطق التي لا يسكنها الهندوس وأما النواحي التي تقطنها أقلية هندوسية فإن السلطات المحلية تتخذ تدابير من أجل ذبح الأبقار وعرض لحمها بعيداً عن الأنظار. وهناك قليل من الهندوس يتناولون لحم الشاة، وقد يفرض الحظر على تناول البيض في بعض المدن.

 

يُذكر أن تناول بول وسرجين- أي روث - البقرة للتبرك والتطهّر أمر متداول في الهند حتى أصبح تناول خمسة أشياء منها ( pamca – gavya) وهي الحليب واللبن الرائب والدهن والبول والسرجين واجباً لتطهير النفساء أو المسافر من الهند، وفي

33


19

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

بعض الأحيان تُجلب البقرة إلى المكان الذي يراد تطهيره ولا تفارقه حتى تضع فيه بولها وروثها.

 

آلهة الفيدا

آمن الهندوس بعدد ضخم من الآلهة السماوية والأرضية، وذكروا لها أسماء وصفات عجيبة وغريبة، وأقاموا لكل منها هياكل عظيمة. وترتبط هذه الآلهة فيما بينها بروابط نسبية وسببية.

 

وقد نقلت كتبهم المقدسة الكثير من التفاصيل عن الصفات الجسمية والنفسية لهذا العدد من الآلهة. ويعتبر الاعتقاد بتجلّي الآلهة على هيئة انسان أو حيوان في أدوار مختلفة من المعتقدات التي حازت على اهتمام واسع.

 

وقد صنّفت الآلهة وفق الطبقات الاجتماعية السائدة، ومن أشهرها:

- أغني (Agni) إله النار.

- فارونا (Varuna) إله السماء.

- إيشفارا (Isvara) إله القوة والقدرة.

- رودرا (Rudra) إله الخوف والفزع.

- راما (Rama) إله العواطف.

- كريشنا (Krishna) إله الماء الصافي.

- ياما (Yama) إله الموتى وحاكمهم، وهو يماثل (جم) عند الزرادشتيين.

- اشفين (Asvin) وتعني الفارس. وتطلق على ملكين اثنين من ملائكة الهندوس الذين يعتقدون أنهما يمنحان الصحة والسعادة والغنى.

 

ويعتقد الهندوس أيضاً بأُلوهية كالي (Kali) التي تعني أسود، وهي قبيحة المنظر، ويقدّمون إليها هدايا من عمليات السلب والنهب.

34


20

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

جدير بالذكر أنّ الأصنام تنحت بشكل جذّاب، حتّى عُدّ الصنم في الشعر كناية عن المحبوب الجميل.

 

الآلهة الثلاثة

آمن الآريون الهنود ـ كسائر المشركين ـ بإله العالم الحقيقي، وأطلقوا عليه اسم برهما (Brahman) ومعناه القائم بالذات والأزلي والأبدي، ولم تكن لديهم في البداية أوثان ولا معابد لها، بل كانوا يقيمون طقوسهم في الهواء الطلق، ويعبدون الآلهة التي كانت رمزاً للكواكب والنجوم في السماء، ثم أقبلوا في الأدوار اللاحقة على عبادة عدد لا حصر له من الأصنام والأوثان، وأقاموا لها هياكل عظيمة ومختلفة، وأضافوا إلى آلهتم آلهةً أُخرى مثل إلهة الأرض، وإلهة ثعبان الكوبرا، وإلهة الأم.

 

إنّ الآلهة الثلاثة للهندوس (Hindu Trimutrti) عبارة عن:

- برهما (Brahman)، ربّ الخلق.

- شيفا (Siva)، ربّ الفناء والدمار، وقد انتشرت تماثيله ذات الأيدي الأربع في حالة الرقص، ويدل رقص شيفا على دوره الهام في الدمار والفناء.

- فشنو (Vishnu)، ربّ الحفظ، والتجليات العشر لهذا الإله على طول التاريخ عبارة عن: السمك، السلحفاة، الخنزير الوحشي، موجود على هيئة نصف إنسان ونصف أسد، القزم، راما (Rama) وبيده طبر، راما، كريشنا (Krishna)، بوذا (Buddha)، وكلكي[1] (Kalki).

 

وقد تشعبّت الهندوسية إلى فرق لا حصر لها، وهي تعيش مع بعضها بعضاً في صلح وصفاء، ويؤكد أتباع تلك الفرق على زوايا خاصة من الدين، وأقبلت كل فرقة على عبادة إله من الآلهة الثلاثة. ويشكّل أتباع شيفا وفشنو نسبة عالية منهم. تجدر




[1] وهو الموعود به في آخر الزمان لإصلاح العالم، يظهر على فرس أبيض شاهراً سيفه.

35


21

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 الإشارة إلى أن عبدة شيفا يعبدون عورته أيضاً ويطلقون عليها اسم لينغا (Linga)، وتنتشر تماثيل لينغا ومعابده بصورة كبيرة أيضاً.

 

نظرية التناسخ وتصوّر كارما

طبقاً لقانون كارما (Karman) ـ الذي يعني العمل ـ فإنّ الإنسان سيرى نتيجة عمله في أدوار الرجوع إلى الدنيا مجدداً، فمن يعمل خيراً، فإنه يحظى بعد رجوعه إلى الدنيا بحياة طيبة سعيدة، ومن يعمل شراً، فإنه يحيا بعد رجوعه في تعاسة وشقاء، وقد يتجلّى بهيئة حيوان. وحسب نظرية التناسخ، فإنّ رجوع الإنسان يمكن أن يتزامن مع إحدى الصور الأربع، التي سنذكرها تباعاً:

- الرسخ، ويعني حلول روح المتوفّى في الجمادات.

- الفسخ، ويعني حلول روح المتوفّى في النباتات.

- المسخ، ويعني حلول روح المتوفّى في الحيوانات.

- النسخ، ويعني حلول روح المتوفّى في الإنسان (التناسخ).

 

وتتجلّى سمسارا (Samsara) وتعني التناسخ في الأديان والمذاهب (حتى عند بعض الفرق الإسلامية المنحرفة) بصور وعناوين مختلفة، ولكن هذه العقيدة اكتسبت أهمية خاصة في دين الهندوس. ويعتقد الهندوس أن الإنسان في معرض دوامة التناسخ، ومكابدة نتائج الولادات المكررة في هذا العالم المليء بالمشقة والمحن.

 

والمنقذ الوحيد للانسان من دوامة التناسخ والولادات المكررة في هذا العالم، هو اللحوق بنيرفانا (Nirvana) وتعني هذه الكلمة لغة الخمود والهدوء، واصطلاحاً الفناء في الله. وقد حازت النيرفانا على اهتمام واسع من قبل البوذيين.

36


22

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 فلسفة وحدة الوجود

يعتقد حكماء وعلماء الهندوس أن هذه الأعداد الهائلة من الآلهة، إنما هي مظاهر لإله واحد عظيم، وأن الموجودات قاطبة تشكل أجزاء هذا الإله العظيم. وهذا العالم بجميع ما فيه، ليس في الواقع إلاّ خيالاً، ويطلق على هذا الخيال اسم مايا (Maya) أي الوهم والخداع. وحسب تصوراتهم فإن جميع هذه الصور الوهمية سوف تفنى ويبقى برهما حقيقة ثابتة لا تزول.

 

إنّ قوانين الأخلاق والتصوف للدين الهندوسي كانت ـ ومنذ قرون غابرة ـ موضعاً للاهتمام. وقد سحر العرفان الهندوسي الغرب في القرون الأخيرة، كما سحر العرفان الاسلامي الغرب وأثار إلى الاسلام انتباهم[1].

 

فلسفة اليوغا

يعتقد الهندوس أن الوصول إلى الحقيقة أو الاتحاد بالإله القادر يتم عبر طريقة اليوغا (Yoga)، وتعني وضع القيود، وهي رياضة صعبة وصارمة، يجلس فيها المرتاض جلسة القرفصاء، ويستغرق في السكون والتأمل طويلاً. وثمّة أساليب أخرى متداولة مثل الوقوف منكوساً، الانحناء وتعليق اليدين، الجلوس على سرير مملوء بالمسامير. هذه الأعمال قد تستمر لعقود كثيرة، ترافقها أُمور صعبة للغاية، منها وضع الماء أمامه، والبقاء في حالة الظمأ[2].

 

وعلى الرغم من أن الهدف من هذه الرياضة هو الوصول إلى الحقيقة، إلاّ أنه تظهر أحياناً للقائم بها كرامات، ويعتقد اليوغي (Yogin) أنّ هذه الاُمور تحول دون وصوله للكمال.




[1] Mircca Eliade (ed) The Encylopedia of  Religion v ol.15. pp 460 – 1.

[2] جاءت آداب وشرائط اليوغا في كتاب بتانجالي ( patanjali)، ونقله إلى العربية العالم الإسلامي أبو ريحان البيروني.

37


23

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 المفاهيم الرئيسة

- تزامن زحف الآريين (الجنس الأبيض) قبل نحو 3500 سنة من آسيا الوسطى الى أطراف نهر السند (جنوب باكستان الحالية) مع زحف أفواج أخرى صوب إيران وأوروبا.

 

- الهندوسية هي دين متطور ومجموعة من التقاليد والأوضاع الاجتماعية والثقافية مقرونة بتهذيب النفس وترويضها. وكان يطلق على دين الهندوس قديماً اسم البرهمية نسبة إلى براهما إله الهندوس.

 

- وتتلخّص أصولها في الاعتقاد بالكتب والطقوس الدينية للبراهمة، وعبادة الآلهة، والاعتقاد بالتناسخ ورعاية مقررات الطبقات الاجتماعية في المعيشة والزواج واحترام الموجودات الحية.

 

- إنّ الديانة البرهمية لم يُعرف لها مؤسس يمكن الرجوع إليه، وهي تتضمّن مجموعة من التقاليد والعادات الاجتماعية والثقافية.

 

- جُمعت أدعية ومعتقدات الهندوس في مجموعة أطلق عليها اسم الفيدا (vedas)

 

- المنبوذون هم سكان الهند الأصليون من غير الآريين. ويحظر على هؤلاء مخالطة أفراد سائر الطبقات أو التردد إلى أماكن سكناهم

 

- يحرق الهندوس أجساد أمواتهم، وينثرون رمادها في نهر الكنج

 

- آمن الآريون الهنود بإله العالم الحقيقي، وأطلقوا عليه اسم برهما (Brahman) ومعناه القائم بالذات والأزلي والأبدي. أما الآلهة الثلاثة الأساسية للهندوس (Hindu Trimutrti) فهم: برهما - شيفا - فشنو.

 

- يعتقد الهندوس أن الإنسان في معرض دوامة التناسخ، ومكابدة نتائج

38


24

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 الولادات المكررة في هذا العالم المليء بالمشقة والمحن.

 

- يعتقد حكماء وعلماء الهندوس أن هذه الأعداد الهائلة من الآلهة، إنما هي مظاهر لإله واحد عظيم، وأن الموجودات قاطبة تشكل أجزاء هذا الإله العظيم.

 

- يعتقد الهندوس أن الوصول إلى الحقيقة أو الاتحاد بالإله القادر يتم عبر طريقة اليوغا (Yoga)، وتعني وضع القيود.

 

 

أسئلة

1- كيف كان سكان الهند قبل زحف الآريين؟

2- تكلّم عن طبقة المنبوذين.

3- ما هي أصول الديانة الهندوسيّة؟

39


25

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

 مطالعة

 

العقيدة الهندوسية

تتلخّص أصول الإيمان الهندوسي في أربعة أشياء:

 1- ألوهية الروح.

 2- وحدة الموجودات.

3- وحدة الألوهية.

4- وحدة المذاهب والأديان.

 

إنّ الدين الهندوسي دين منفتح على بقية الأديان، لذا فإنه يتيسّر للهندوس أن يعتنقوا أدياناً أخرى إضافة إلى دينهم. وعلى الرغم من ذلك فإن التعصب المقيت نجده شائعاً عند الهندوس. ويكفي أن نذكر أن غاندي وبسبب اعتقاده بضرورة مساواة الهندوس مع المسلمين، قد أضمر له جماعة من الهندوس العداء، الأمر الذي حدا بأحد أعضاء هذه الجماعة إلى أن يطلق النار عليه ويرديه قتيلاً.

 

إنّ التعصب القومي الهندوسي وصل إلى ذروته في العقود الأخيرة، وأحد مظاهر هذا التعصب الأعمى المقيت، هو تخريب مسجد بابري الذي راحت ضحيّته العشرات من المسلمين والهندوس. وكانت ذريعتهم في هذا العمل التخريبي هي أن مكان مسجد بابري كان مهد الإله راما، فهم يدّعون أنّ فشنو (أحد الآلهة الثلاثة) قد تجلّى بصورة صنم راما، وأنه تمّ بناء معبد له في ذلك المكان الذي تحول فيما بعد الى مسجد. وبهذه الذريعة راحوا ينصبون الأصنام على أطلال هذا المسجد ويعبدونها ريثما تحين الفرصة المناسبة لبناء معبدهم.

40


26

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 الدرس الثالث: الديانات الهندية - 2 - (البوذية والسيخ)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يتعرّف إلى سيرة بوذا.

2- يبيّن مبادئ البوذية.

3- يذكر نشأة ديانة السيخ وأهم مبادئها.

41


27

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 الديانة البوذية

تعتبر الديانة البوذية إحدى فروع الديانة الهندوسية، إلّا أنها تجاوزت حدود الهند، وزحفت نحو الشرق الأقصى، واستطاعت أن تجذب أتباعاً كثيرين بما تضمّنته من أفكار معنوية وروحية، وأخيراً اتسع نطاقها لتشمل أمريكا وأوروبّا.

 

سيرة بوذا

بوذا (Buddha) ويعني الملهم، المشرَق عليه، هو لقب غوتاما ساكياموني (Gautama Sakya - muni) مؤسس الديانة البوذية الاصلاحية. وحسب معتقدات البوذية، فإنّ بوذا هو ابن ملك مدينة كبيلا فاستو (Kapila-Vastu) الواقعة في شمال الهند. ولد عام 563 ق.م. وأطلق عليه في البداية اسم سيذارتا (Siddhartha)، ويعني "الّذي حقّق غايته"، وقد تنبّأ المنجّمون بأنه حين يشاهد آلام المرضى وهرم الشيخوخة وصور الموت والفناء، ويلتقي بأحد المرتاضين، فإنه سيعزف عن الدنيا ويُقبل على الرياضة، ولهذا السبب حاول أبوه إبعاده عنها من خلال توفير حياة رغيدة ونعمة مقيمة له، وسارع أبوه فزوّجه، وهو في مطلع شبابه ببنت عمه ياسودهرا (Yas odhara)، ولم يطل الوقت حتى رزق ابناً سمي راهولا (Rahula)، وفي سن 29

43


28

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 من عمره وبعد أن شاهد الأمور السالفة الذكر، تسلل ليلاً من القصر والنعمة التي كان فيها، وانخرط في سلك الرهبان، بارشاد من آلارا (Alara)، وبعد ست سنوات من الرياضة الشاقّة والصارمة في الغابة، خاب أمله في الوصول إلى الحقيقة عن طريقها، فتخلّى عنها، وأخذ بالتأمل والتفكر والمراقبة الروحية، واستغرق هذا ست سنوات أُخرى، ومن ثمّ أمضى ما يقرب من سبعة أسابيع في صراع عنيف مع مارا (Mara) ـ أي الشيطان ـ تحت شجرة عرفت فيما بعد بشجرة اليقظة، وفي النهاية رصد الحقيقة، وتنورت بصيرته، وصار بوذا عصره.

 

وحسب معتقدات البوذيين، فقد ظهر على مسرح التاريخ في العصور الغابرة عدّة بوذاوات، أطلق على كل واحدٍ منهم قبل ظهوره بوذي ستف (B odhi-Sattva) وتعني من تيسّرت له المعرفة الكاملة، أو بوذا بالقوة.

 

وجاب بوذا البلاد لمدة 40 سنة في سبيل نشر دعوته، والتفت حوله مجموعة من الشباب علّمهم مبادئه ولقّنهم دعوته، وكان من أبرزهم ابن عمه آننده (Ananda). وأخيرا التحق بالنيرفانا عام 483 ق.م. وهو في سنّ الثمانين.

 

إنَّ قصة حياة بوذا العجيبة امتازت بالجاذبية منذ أزمان سحيقة، ولهذا فإنها ترجمت إلى مختلف لغات العالم، وقد ترجمت إلى اللغة العربية مع إضافات من الثقافة السريانية، واشتهرت بين المسلمين باسم قصة بلوهر ويوذاسف[1].

 

مبادئ البوذية

إنَّ الافكار الإصلاحية التي نادى بها بوذا، والتي تناهض تطرف البراهمة وتلغي الاختلاف الطبقي ـ تعدّ أساس المبادىء الأخلاقية التي تضمّنتها مجموعة تعرف




[1] أنظر: إكمال الدين للشيخ الصدوق:ج 2، ص577 ـ 638, بحار الأنوار للعلامة المجلسي:ج 75، ص383 ـ 444، ووردت ترجمة القصة باللغة الفارسية في رسالة مستقلة، ضمن كتاب "عين الحياة" للمجلسي، كما ترجمت إلى اللغة العربية مع تغيير أبطالها من الآراوبوذي ستف إلى بلوهر ويوذاسف.

44


29

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 باسم تري بيتكا (Tri-oitaka) وتعني السِّلال الثلاث. وتعتمد هذه المبادىء إلى حدّ بعيد على أصول الديانة الهندوسية من الإعراض عن الدنيا، وتهذيب النفس، والتأمّل، والمراقبة، والحثّ على التخلّص من دوامة هذه الحياة الدنيا الشاقة، والالتحاق بالنيرفانا، إلاّ أنها توسّعت في مفاهيمها.

 

إنّ ديانة بوذا سادت في معظم أرجاء الهند في القرون اللاحقة، ثمّ أخذت بالانتشار في الدول المجاورة. وظهر في القرن الثامن والتاسع عالمان هندوسيان قاما بإصلاح الديانة الهندوسية، الأمر الذي أدّى إلى اختفاء الديانة البوذية من الهند شيئاً فشيئاً، وحلّت محلّها الديانة الهندوسية، إلاّ أنّ البوذية أخذت بالانتشار في الشرق الأقصى وبأشكال مختلفة.

 

فلسفة بوذا

لمّا وصل بوذا إلى الحقيقة كما يُدْعى، انطلق إلى مدينة بنارس للعثور على الرهبان الخمسة الذين أعرضوا عنه، وكان يعتقد أنهم يبحثون مثله عن الحقيقة، الأمر الذي يتيح له تلقينهم مبادئه، وما أن وطئت قدماه أرض بنارس حتى التقى بهم، ودارت بينهم محاورة بيّن فيها بوذا فلسفته ورؤيته العقائدية والأخلاقية، نذكر منها:

- الخير يجلب الخير والشر يجلب الشر، هذا هو القانون الأول للحياة.

 

- التضرّع والدعاء والقربان للربّ لا تجدي نفعاً. فالماء ينحدر نحو الأسفل دائماً، والنار حارة أبداً، والثلج بارد دائماً، فلو تضرّعتم بين يدي آلهة الهندوس جميعها، لما أثّر ذلك في تغير مجرى الماء نحو الأعلى، وفي جعل النار باردة والثلج حاراً. فقوانين هذه الظواهر لا تبطل، والتضرّع والدعاء أمام الآلهة لا يجديان في إبطالها.

 

- لا يعتقد بالمرة أن برهما خلق شيئاً كي يكون العالم من صنعه. بل العالم أزلي مستمر، ليس له مبدأ ولا نهاية.

45


30

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 - هناك حدان متناقضان، يجب أن يبتعد عنهما الذين تخلّوا عن الحياة الدنيا، الأول: الانسياق في الملذات، وهذا أمر سافل وعقيم، والثاني: هو طريق التقشف وإماتة الجسد، وهذا أمر مؤلم وعقيم أيضاً.

 

 

ويختصر بوذا فلسفته العقائدية والأخلاقية الموصلة إلى طريق الصواب بالقول: وجدت بعد تفكير طويل طريقاً وسطاً يفتح العيون ويحفّز العقول، ويقود إلى الراحة والمعرفة والإشراق والنيرفانا. إنه طريق طويل ذو ثمانية مسالك، وهي:

1- الاعتقاد الصحيح، ويعني الاعتقاد بأن الصدق يقود الانسان نحو الفلاح.

2- العزم الصحيح، ويعني التحلّي بطبيعة هادئة، تمنعه من إلحاق الأذى بالحشرات والحيوانات.

3- القول الصحيح، بالابتعاد عن الكذب والتفوه بالكلام البذيء.

4- العمل الصحيح، بالاحتراز عن السرقة وتلطيخ الأيدي بدماء الآخرين.

5- العيش الصحيح، بتجنّب ارتكاب الأفعال القبيحة، كأكل الربا، والاكتساب بمال السرقة.

6- الجهد الصحيح، بالسعي إلى الخير، والهرب من الشر.

7- الفكر الصحيح، ويعني غلبة الهدوء، وعدم إفساح المجال للفرح والحزن بأن يأخذا طريقهما إلى الفكر.

8- التأمّل الصحيح، وهو ثمرة الخضوع للمسالك السبعة، وعندها سينال الهدوء الواقعي.

 وهناك قيود تسعة، تحدّث عنها بوذا، وهي:

1- الاجتناب عن أذى الدوابّ.

2- الاجتناب عن السرقة.

3- الاجتناب عن الخيانة.

46


31

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 4- الاجتناب عن الكذب.

 

5- الاجتناب عن المسكرات.

6- الاجتناب عن الغرور.

7- الاجتناب عن التفوّه بالكلام البذيء.

8- الاجتناب عن الجهل.

9- الاجتناب عن العداء.

 

الفرق البوذية

انقسمت الديانة البوذية إلى ثلاث فرق:

1- المهايانا (Mahà-Yàna) وتعني العجلة الكبيرة. وتنتشر هذه الفرقة في الصين، حيث اصطبغت الديانة البوذية بسنن ومعتقدات كونفوشيوس وتاوسيم في الصين، والشنتو في اليابان. ومن طقوسها التي حازت على شهرة عالمية (الدهيانة) وتعني بالسانسكريتية التأمل، وتسمّى في الصين جانغ (Chang)، وفي اليابان زين (Zen).

 

2- الهينايانا (Hina-Yana) وتعني العجلة الصغيرة، وتنتشر هذه الفرقة في سريلانكا (سيلان سابقاً) ودول جنوب شرق آسيا. ويطلق أتباع العجلة الصغيرة على ديانتهم اسم ثيرفاده (Theravada)، وتعني ديانة السلف والعظماء، وقد دوّنت كتبهم باللغة الباليّة، وهي لغة هندية قديمة.

 

3- الفيجريانا (Vajra-Yana) وتعني عجلة الألماس، وتنتشر هذه الفرقة في التبت، حيث اختلطت الديانة البوذية هناك بالسحر والكهانة والطوطم، وأوجدت لها مؤسّسات دينية مقتدرة. ويطلق على الديانة المذكورة أيضاً اسم اللامائية (Lamaism)، ويعرف زعيمها الديني بـ "الدالاي لاما" (Dalai Lama).

47


32

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 يذكر أنّه حينما يتوفى زعيم هذه الفرقة، يعكف الرهبان على البحث والتفتيش عن طفل يكون قد ولد متزامناً مع وفاة الدلاي لاما ليحل محله، ثم يربى هذا الطفل تربية خاصة، وبعد أن يطوي مراحل تعليمية مختلفة، يرتقي منصَّة الزعامة الدينية.

 

وقد اضطُرّ الدلاي لاما في هذا العصر إلى مغادرة التبت بعد زحف الشيوعيين إليها من الصين، والاستقرار في الهند، والمواظبة فيها على العبادة والإرشاد. وعيّن أخيرا ـ وخلافاً للسنة الرائجة ـ طفلاً يخلفه في منصبه، مما أثار حفيظة العديد من الرهبان والكهنة.

 

الكتب البوذية المقدّسة

ويعدّ ثري بيتكا ـ وتعني السلال الثلاث ـ من أقدم الكتب المقدّسة عند البوذيين، ويشتمل على ثلاثة أقسام:

1- قواعد الرهبنة.

2- منهج الفلاح والصلاح.

3- المفاهيم الفلسفية والنفسية.

 

وثمَّة كتب مقدّسة تختص بفرق بوذية مختلفة.

 

ديانة السيخ

تشعّبت الديانة البرهمية إلى فروع أخرى، أشهرها ديانة السيخ (Sikh) وتعني التلميذ.

 

لقد أدّى التقاء الإسلام بالهندوسية في الهند عبر عصور مختلفة إلى إيجاد مذاهب مزدوجة. وفي هذا الاطار قام أحد عرفاء المسلمين الكبار، ويدعى "كبير" (1440 - 1518 م) بإضفاء صبغة التوحيد الإسلامي على بعض العقائد الهندوسية، والتف حوله جمع غفير من الموالين والتلاميذ وأسّس أحد هؤلاء التلامذة ويدعى

48

 


33

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 نانك (Nanak) ديانة السيخ، وهو أوّل غورو (guru) - وتعني المعلم - تولّى زعامة الطائفة السيخية، ثم أعقبه خلفاء تسعة. وازداد نفوذ هذه الطائفة شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت كياناً سياسياً وديناً مقتدراً[1].

 

سيرة نانك (مؤسِّس الديانة السيخية)

هو الغورو نانك ولد عام 1469 م لأسرة تنتمي إلى طبقة الاكشتريا، وتقطن إحدى قرى لاهور. تتلمذ على عرفاء مسلمين وهندوس، وزار الدول الاسلامية، وقصد مكة للحج. وانتهى به المطاف إلى تأسيس الديانة السيخية، وبنى تعاليمه على أساس أقوال وتعاليم الأولياء والصوفيين من المسلمين والهندوس. توفي عام 1539م. وقام بعد الغورو نانك تسعة أشخاص تعاقبوا على تولي زعامة الطائفة بين سنة 1469م وسنة 1708م، وأطلق على كل واحد منهم لقب الغورو.

 

التعاليم

أطلق نانك اسم (الحقّ) على الله تعالى، وكان يقول: إنَّ الله مهما أطلق عليه من اسم فهو الحق القادر المتعال فقط، وإنّ السعادة والوصول إلى النيرفانا تكمنان في الاستغراق في ذكر الحق، وآمن بالمايا أو الوجود الوهمي للعالم، الذي ورد ذكره في الديانة الهندوسية، كما آمن بدوامة التناسخ والكارما (قانون جزاء الأعمال)، وأباح لأتباعه أكل اللحوم، وحظر الوثنية والرياضات الشاقة وشرب الخمر والتدخين وألغى الفوارق الطبقية وتعدد الزوجات.

 

ويرتبط السيخ فيما بينهم بعلاقات وثيقة، ويناضلون من أجل الانفصال عن الهند، وتأسيس دولة مستقلة، ولهم تبليغات مذهبية، وكُتب في هذا المضمار ترجمت إلى مختلف اللغات.




[1] تأثّر الامبراطور أكبر، وهو أعظم أباطرة المغول في الهند بهذه الديانة عام 1000 هـ، وابتكر ديناً جديداً سمّاه الدين الأكبري، سعى فيه إلى تحقيق الصلح والوئام بين الطوائف والأديان.

49


34

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 الآثار المذهبية

شيّد الغورو أرجان (خامس زعماء الطائفة) معبداً وهيكلاً ضخماً مطلياً بالذهب في مدينة أمريتسار (Amritsar) بالهند، وألّف كتاب "غرانت صاحب" - Granth Sahib الذي يعدّ من أهمّ الكتب المقدسة عند السيخ.

 

التاريخ السياسي للسِّيخ

راجت بين السيخ على عهد الغورو غوبند سنغ (عاشر زعماء الطائفة) مسألة البيعة في القضايا السياسية. وأخذت هذه الطائفة تسلك طريق العنف، بعد أن كانت سلمية في البداية، ومنذ ذلك الوقت أطلقت على نفسها اسم الخالصة (Khagsa)، أي العارية عن التكلف، ورفعت شعارات خمسة، تبدأ كلها بحرف الكاف باللغة البنجابية:

1- الكيسا: (Kais) إرسال شعر الرأس واللّحى.

2- الكانكا: (Kangha) حيازة المشط.

3- الكاشا: (Kachha) ارتداء سروال قصير لا يتجاوز الركبة.

4- كارا: (Kara) لبس سوار من الفولاذ.

5- كيَرْبان: (Kirpan) حمل سيف أو خنجر من الفولاذ.

 

وامتهن السيخ حرفة التجارة، وانتشروا في كافة أرجاء العالم مزاولين حرفتهم.

50


35

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 المفاهيم الرئيسة

- تعتبر الديانة البوذية أحد فروع الديانة الهندوسية، إلّا أنها تجاوزت حدود الهند، وزحفت نحو الشرق الأقصى، واستطاعت أن تجذب أتباعاً كثيرين بما تضمّنته من أفكار عرفانية سامية، وأخيراً اتسع نطاقها لتشمل أمريكا وأوروبّا.

- مؤسِّس الديانة البوذية هو بوذا. ولد عام 563 ق.م وتوفي عام 483 ق.م.

- إنّ المبادىء التي نادى بها بوذا تعتمد إلى حد كبير على أصول الديانة الهندوسية من الإعراض عن الدنيا وتهذيب النفس والتأمل والمراقبة والحث على التخلص من دوامة هذه الحياة الدنيا الشاقة والالتحاق بالنيرفانا.

- يُعدّ (ثري بيتكا) من أقدم الكتب المقدسة عند البوذيين ويشتمل على قواعد الرهبنة ـ منهج الصلاح ـ المفاهيم النفسية والفلسفية.

- السيخية: مؤسس الديانة السيخية هو نانك (1469 ـ 1539 م) ولقب بـ "الغورو نانك" وأعقبه تسع خلفاء تولوا زعامة الطائفة.

- أطلق نانك على الله تعالى اسم الحق، ورأى أن السعادة والوصول إلى النيرفانا تكمنان في الاستغراق في ذكر الحق، وآمن بالمايا والتناسخ والكارما.

- لقد أدّى التقاء الإسلام بالهندوسية في الهند عبر عصور مختلفة إلى ايجاد مذاهب مزدوجة.

51


36

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 أسئلة

1- ما هي أصول الديانة البوذية؟

2- اذكر أهم الكتب المقدّسة عند البوذيين.

3- ما هي الديانة السيخية؟ ومن هو مؤسسها؟

52


37

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 مطالعة

 

الديانة الجينية

تبدو الهندوسية كشجرة قديمة نشرت أغصانها على أرض واسعة. بعض هذه الأغصان خالف البراهمة الذين كانوا في أوج نفوذهم، وأبدى اعتراضاً على القيود الصعبة المفروضة من قبلهم. ومن جملة تلك الأغصان الهندية، الطائفة الجينية (Jaina) ـ وتعني المنتصر ـ التي شُيّدت أركانها في القرن الخامس قبل الميلاد.

 

يعتقد الجينيون أنّ مهاويرا (Maha-Vira) ـ ويعني البطل العظيم ـ هو مؤسس الديانة الجينية، وهو الزعيم الرابع والعشرون، وقد سبقه 23 زعيماً ظهروا قبل آلاف السنين.

 

إنّ من أغرب سنن الجينيين حرمة ارتداء الملابس، حيث يعتقدون أنّ مهاويرا كان في حالة مزاولة الرياضة الشاقة ونبذ المتع الدنيوية.

 

ولما رأى أنّ الحياء يشعره بالإثم، خلع جميع ثيابه، وبقي عارياً طيلة عمره. وقد نشب خلاف بين أتباع هذه الديانة في حدود سنة 79 ق. م حول حدود هذا العراء، وانقسموا إلى طائفتين:

 

الأولى تسمّى ديجامبرا (Digambra) وتعني أصحاب الزيّ السماوي، أي الذين اتخذوا السماء كساءً لهم (والمقصود بهم العراة).

 

والثانية تسمّى سفيتامبرا (Svetambara) أي أصحاب الزيّ الأبيض، وهم الذين تأثر بهم غاندي زعيم الهند الذي خلع ثيابه في شبابه، واكتفى بالزيّ الأبيض.

وقد تكهن ويل ديورانت بانتحار غاندي نتيجة تأثّره بالأفكار الجينية (وذلك عند التطرق إلى الديانة الجينية في المجلد الأوّل من كتابه قصة الحضارة)، وكان غاندي على قيد الحياة، إلاّ أنه خرّ صريعاً برصاص هندوسي

53


38

الدرس الثالث: الديانات الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

 متطرّف، ولم تتح الفرصة لإثبات صحة أو سقم تنبّؤ هذا المؤرّخ الكبير.

 

وتعتبر الذلة والهوان من الفضائل في الديانة الجينية. وتعتقد طائفة الديجامبرا أنه لا سبيل أمام النساء إلى الكمال، بل يجب عليهنّ الانتظار، والتحول إلى رجال في أدوار التناسخ اللاحقة.

54


39

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 الدرس الرابع: الصين واليابان (الديانة الكونفوشيوسية والشنتو)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يتحدّث عن سيرة كونفوشيوس ونشأة الديانة الكونفوشيوسية.

2- يبيّن التعاليم والأصول الأخلاقية لدى كونفوشيوس والشنتو.

3- يتحدّث عن المرحلة التي تلت وفاة كونفوشيوس ودور طلابه في نشر أفكاره.

55


40

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 أولاً: الكونفوشيوسية

كونفوشيوس (Confucius): حكيم صيني، سياسي أسّس مذهب الكونفوشيوسية الذي راج في بلاد الصين، ثمّ أفل نجمه بعد مدّة وجيزة. وحلّت محله الديانة البوذية.

 

سيرة كونفوشيوس

في حدود عام 551 ق. م. وفي ولاية لو (Lu) الصينية، ولد لأُسرة كونغ (kung) الحاكمة في تشو (Tsow) طفل سُمّي كيو (Chiu)، وفي الثالثة من عمره مات أبوه وترك زوجته ضحية لفقر مدقع، ومع ذلك استطاعت هذه الأرملة أن توفّر لابنها الوحيد تعليماً طيباً، أثار إعجاب معلّميه الذين أثنوا على اهتمامه بالدراسة وفهمه للأشياء، وتكهّنوا له بمستقبل باهر.

 

ولما بلغ التاسعة عشرة منحه الوزير الأعظم لتلك الولاية وظيفة أمين مخازن الحبوب، وكان إلى جانب وظيفته تلك يكرّس جهوده لدراسة الشعر والموسيقى، فذاع صيته، وتوافد عليه العلماء طلباً للعلم والكمال وأطلق عليه الناس اسم كونغ - فو - تشي أي كونغ الفيلسوف، ومن هنا غلب عليه اسم كونفوشيوس.

57


41

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 كانت حياة كونفوشيوس مليئة بالأحداث، حيث تقلّب في عدّة مناصب حكومية إلى جانب تربية التلاميذ، وتسلّم الوزارة وهو في الخمسين من عمره ثمّ ترقى وصار وزيراً أعظم، ما أثار حسد مناوئيه، الأمر الذي دعاه إلى اعتزال الحياة السياسية، والتنحّي عن كافّة المناصب الحكومية، والاقتصار على التدريس.

 

وأخيراً توفي عام 479 ق.م. وكان مجهولاً إلى حدّ كبير، لكنّه اشتهر بعد قيام تلامذته وأتباعه بنشر أفكاره.

 

الآثار

وضع كونفوشيوس في أواخر عمره عدّة كتب، أصبحت جزءاً من التراث الأدبي للصين، وهذه الكتب هي:

1- شو تشنغ (كتاب التاريخ).

2- شي تشنغ (كتاب الشعر).

3- لي جي (كتاب الشعائر).

4- إي تشنغ (كتاب التغيّرات).

5- جون جيو (تدوين مذكّرات الربيع والخريف).

 

والكتب الأربعة الأولى، هي مختارات من أقوال الحكماء الماضين، والكتاب الخامس اختصّ بنقل أقواله.

 

التعاليم

إنّ تعاليم كونفوشيوس مؤلَّفة من الأصول الأخلاقية والسياسية، مشفوعة ببعض التعاليم الدينية. وكان يعتقد أنّ السلف نهجوا قاعدة لي (Li) في مسيرة حياتهم، فأسبغت عليهم الخيرات والبركات. التي حرم منها أبناء عصره على أثر مجانبة هذه القاعدة والعزوف عنها.

58


42

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 إنّ (لي) حسب معتقدات كونفوشيوس لها معان مختلفة، نظير الطهارة، الأدب، التشريفات، والعبادة. وكان يعتقد أن الخير سيعمّ المجتمع الذي ينتهج هذه القاعدة، ويرتقي به إلى مجتمع مبدئي فاضل.

 

الأصول الأخلاقية

وقد طرح أصولاً خمسة، متى ما استقامت استقام ما سواها، وهي:

1- مبادلة الحبّ والحنان بين الأب والابن.

2- عطف الأخ الأكبر على الأخ الأصغر، وتواضع الأصغر للأخ الأكبر.

3- إنصاف الزوج في معاملة زوجته، وإطاعة الزوجة لزوجها.

4- حبّ الأقوياء للضعفاء، وإطاعة الضعفاء للأقوياء.

5- تفقّد الحكّام للرعيّة، ووفاء الرعيّة للحكام.

 

ومن تعاليم كونفوشيوس عن المدينة الفاضلة وعلاقة الحاكم بالشعب أنّ الحاكم إذا أطاع القوانين المقرّرة ونفّذها بحذافيرها، فإنّ جميع الناس على اختلاف درجاتهم ومناصبهم سوف يقتدون به ويمتثلون القوانين أيضاً. كما تحدّث عن الإنسان الكامل وصفاته الخمسة التي استعرضها على النحو التالي: عزة النفس، علوّ الهمّة، إخلاص النيّة، الشوق إلى العمل، السلوك الحسن.

 

المناسك

على الرغم من أنّ كونفوشيوس كان معلم أخلاق فحسب ولم يدّع غير ذلك، إلاّ أنّ الناس وجدوا في تعاليمه الروح المعنوية، وفي شخصه المثل الأعلى للالتزام الديني. إنّ الدين الذي نادى به كان في غاية البساطة وبعيداً عن مسائل ما وراء الطبيعة. وقد انصبّت جهوده على ترويض نفسه وفق العبادات والمناسك الرائجة في عصره. وكان يردّد أن السلف كانوا سعداء، لأنهم خلّفوا أبناءً وأحفاداً واظبوا على إقامة مراسم القرابين والعبادة وعلى تخليد ذكراهم حتى بعد وفاتهم.

59


43

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 الأتباع والخصوم

جاب تلاميذ كونفوشيوس - الذين بلغ عددهم كما يقال سبعين تلميذاً - معظم أرجاء الصين، واتصلوا بالحكّام وأصحاب النفوذ الأمر الذي أدّى إلى انتشار تعاليم هذا الحكيم، واستمرار بقائها في أوساط جيل واحد أو جيلين. ثم واجهت مشاكل حادّة إثر ضعف النظام الإقطاعي الملكي، وظهور مذاهب فلسفية مناهضة أخذت تشن حملاتها ضدّ أفكاره وتعاليمه. وفي هذا الخضم كان النصر حليفَ تعاليم كونفوشيوس أحياناً، وحليفَ خصومه أحياناً أخرى، إلى أن زحفت الديانة البوذية إلى الصين، فطوت بساط هذا النقاش لحسابها، وأصبحت أفكار كونفوشيوس هامشية، إلّا أنّ شهرة وعظمة صاحبها لم تتضاءلا قطّ.

 

الدين الرسمي

مجّد أباطرة الصين وفي عصور مختلفة ذكر كونفوشيوس، واعتبروه من أعاظم الحكماء، وراج نحر القرابين عند ضريحه منذ عهد تلاميذه ومريديه، إلاّ أن أول إمبراطور زار ضريحه ونحر قرباناً وقدّم هدايا هو كاو تسو عام 195 ق. م. ثم أصبحت هذه المراسم سنّة التزم بها سائر الأباطرة الذين تعاقبوا على الحكم بعده.

 

ومنذ عام 1911 م أخذ أداء الاحترام الرسمي لروح كونفوشيوس يقلّ بالتدريج، حتى اضطرّت حكومة الصين ـ ولأجل إحياء أفكاره ـ إلى اعتباره مفكّراً على غرار نيوتن وباستور إلى أن قامت الثورة الشيوعية في الصين عام 1949 م، فأخذت تشنّ حملة شعواء على أفكاره، حيث عدّه الشيوعيون من أقطاب المدافعين عن الطبقة الأرستقراطية أمام الطبقة الكادحة من عامة الناس.

 

ثانيًا: ديانة الشنتو (اليابانية)

الشنتو (Shinto): وتعني طريق الآلهة , وهي ديانة اليابان الأثرية، التي تعتقد بأن

60


44

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 إلهة الشمس التي تعرف باسم أماتيراسو (Amaterasu) حارسة لأرض الأجداد، وتجلّى نسلها في الأسرة الحاكمة.

 

الخلفيات الاجتماعية

زحفت ديانة المهايانا البوذية إلى اليابان عام 552 م، وتسرّب العديد من مظاهرها إلى ديانة الشنتو عقب احتكاكها بها. وتعتبر عبادة الآلهة والإمبراطور، ونحر القرابين، وحبّ الوطن من آداب هذه الديانة، كما أنّ البوشيدو (Bushido) وتعني طريق الفرسان والمحاربين قد تمّ استلهامها من ديانة (زِن)، وهي تؤكّد على الولاء والفتوة والشرف والتضحية بالذات. وعلى هذا الأساس فإنّ المحاربين يحملون معهم خناجر مخصوصة، ويعمدون في حالة اندحارهم في الحرب إلى طعن أنفسهم بها وبقر بطونهم، تضحيةً من أجل الوطن، واستشهاداً في سبيله. وقد أُجريت تعديلات عديدة على هذه الديانة، وأُلغيت عبادة الإمبراطور بأمر منه عام 1946 م. ولا زالت هذه الديانة باقية في اليابان إلى اليوم، وتُمارس طقوسها إلى جانب الديانة البوذية.

 

كتب الشنتو

ثمّة كتب تخصّ ديانة الشنتو، تضمّ آداب وسنن الغابرين، وقد أُعدّت في مراحل زمنية مختلفة، حيث دُوّن بعضها عام 806 م، واشتملت على أساطير قديمة تهدف إلى الدفاع عن رهبان الشنتو، ودُوّن بعضها الآخر في القرن العاشر، وضمّت فهرساً لعبادات ومناسك ورسوم الشنتو، لا سيما آداب عبادة الإمبراطور.

 

ريجوبو (Rijibu)

حظيت الديانة البوذية منذ القرن الثامن الميلادي بانتشار واسع في اليابان، واكتسبت عطف الطبقات الحاكمة، فبدا أنّ الحاجة ملحة الى التوفيق بين ديانة

61


45

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 شنتو القومية القديمة من جهة، وديانة بوذا الدخيلة الطّارئة من جهة أخرى. في هذه الأثناء أعلن الرهبان البوذيون أنهم اطّلعوا من خلال مكاشفاتهم على أنّ كل إلهة من آلهة اليابان القديمة، هي في الواقع بوذي ستف، كان قد تجلّى هناك، وأن أماتيراسو (وتعني إلهة الشمس) هي ظهور ساطع لبوذا في اليابان. وكانت نتيجة هذا التوفيق، ظهور مذهب ريجوبو (ويعني الشنتو المركّب) الذي تصدّوا للتبليغ له. وبهذه المحاولات تمّ إحياء ديانة الشنتو.

 

الدين الرسمي

قام كبار رهبان الشنتو منذ القرن السابع عشر الميلادي بإحياء ديانة الشنتو القديمة، ورفض التأثير البوذي. وكان عام 1868 م حافلاً بطروء تحولات جديدة على الحياة الاجتماعية في اليابان التي فتحت أبوابها أمام حركة السياحة لا سيما من أمريكا، ما زاد في نشاط حركات التبشير المسيحية. ولم يدم ذلك طويلاً حتى أعلن إمبراطور اليابان عن اعتبار ديانة الشنتو هي الديانة الرسمية للبلاد، وأمر بإزالة كافّة مظاهر الديانة البوذية عن الشنتو، ونُفّذ الأمر في البداية بضغط السلطات الحاكمة بسبب إقبال الناس المتزايد على الديانة البوذية. ثمّ جاء دستور عام 1889 م ليمنح المواطنين الحريات الدينية المطلقة، إلاّ أن الدولة كانت تنحاز إلى جانب ديانة الشنتو.

 

واستمرّ الدين الرسمي للدولة (الشنتو) حتى عام 1945 م، وهو العام الذي رزحت فيه اليابان تحت نير الاحتلال، بعد تعرّضها لقصف نووي أمريكي، وهزيمتها في الحرب. وبقيت تعاليم الشنتو تنمّي الروح القومية للشباب بغية التصدي لمظاهر النفوذ الغربي. وبعد عام 1945 م أصبح إجراء طقوس الشنتو أمراً اختيارياً.

62


46

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 المفاهيم الرئيسة 

- تنسب الكونفوشيوسية إلى مؤسّسها كونفوشيوس وهو حكيم صيني، ولد عام 551 ق.م في ولاية لو وتوفّي عام 479 ق.م، وكان مغمور الذِكر إلاّ أنه اشتهر بعد قيام أتباعه بنشر أفكاره.

- وضع كونفوشيوس في أواخر عمره عدّة كتب، أصبحت جزءاً من التراث الأدبي للصين.

- من أهمّ آثار كونفوشيوس شو تشنغ ـ شي تشنغ ـ لي جي ـ اي تشنغ ـ جون جيو. وتتألف تعاليمه من الأصول الأخلاقية والسياسية مشفوعة ببعض التعاليم الدينية.

- إنّ الدين الذي نادى به كان في غاية البساطة وبعيداً عن مسائل ما وراء الطبيعة، وقد انصبّت جهوده على ترويض نفسه وفق العبادات والمناسك الرائجة في عصره.

- من تعاليم كونفوشيوس أن الحاكم إذا أطاع القوانين المقرّرة ونفّذها بحذافيرها، فإنّ جميع الناس على اختلاف درجاتهم ومناصبهم سوف يقتدون به ويمتثلون القوانين أيضاً.

- تحدّث كونفوشيوس عن الإنسان الكامل وصفاته الخمسة التي استعرضها على النحو التالي: عزة النفس، علوّ الهمّة، إخلاص النيّة، الشوق إلى العمل، السلوك الحسن.

- جاب تلاميذ كونفوشيوس - الذين بلغ عددهم كما يقال سبعين تلميذاً - معظم أرجاء الصين، واتصلوا بالحكّام وأصحاب النفوذ الأمر الذي أدّى إلى انتشار تعاليم هذا الحكيم.

63


47

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 - استمرّت أفكار كونفوشيوس جيلًا واحدًا أو جيلين، ثم واجهت مشاكل حادّة إثر ضعف النظام الإقطاعي الملكي، وظهور مذاهب فلسفية مناهضة أخذت تشن حملاتها ضدّ أفكاره وتعاليمه. إلى أن زحفت الديانة البوذية إلى الصين، فطوت بساط هذا النقاش لحسابها، وأصبحت أفكار كونفوشيوس هامشية، إلاّ أنّ شهرة وعظمة صاحبها لم تتضاءلا قطّ.

 

- الشنتو (Shinto): وتعني طريق الآلهة, وهي ديانة اليابان الأثرية، التي تعتقد بأن إلهة الشمس التي تعرف باسم أماتيراسو (Amaterasu) حارسة لأرض الأجداد، وتجلّى نسلها في الأسرة الحاكمة.

- قام كبار رهبان الشنتو منذ القرن السابع عشر الميلادي بإحياء ديانة الشنتو القديمة، ورفض التأثير البوذي. ولم يدم ذلك طويلاً حتى أعلن إمبراطور اليابان عن اعتبار ديانة الشنتو هي الديانة الرسمية للبلاد.

 

 

أسئلة

1- ما هي الديانة الكونفوشيوسية؟ ومن هو مؤسّسها؟

2- اذكر أُصول الديانة الكونفوشيوسية.

3- ما هو حال الكونفوشيوسية في العصر الحالي في الصين؟

64


48

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

 مطالعة

 

الطاوية

ينسب مذهب الطاوية (Taoism) إلى الحكيم الصيني لاو تسي (Lao - tse) (المتوفّى 517 ق. م.). وقد دار جدال و نقاش حول حقيقة هذه الشخصية، وهل كانت واقعاً قائماً أم مجرّد أسطورة.

 

وعلى أي حال، فيظهر من القصص القديمة أنّه ولد عام 604 ق. م، وتولّى منصب خازن في بلاط الامبراطور، إلاّ أنّه سرعان ما اعتزل كل شيء، وتخلّى عن جميع اهتماماته الاجتماعية والعلمية، وانزوى في داره، منصرفاً إلى الصمت والتأمل وإلى تصفية روحه.

 

وقد انتاب الناس شوق إلى معرفته، فاختلفوا إليه للاطلاع على أفكاره. وقيل إنّ كونفوشيوس كان ممّن زاره، وأخيراً قرّر مبارحة موطنه، لما أصابه من كلل وملل من الزيارات المتتابعة، فصادف عند بوابة المدينة أحد الحرّاس، فطلب منه أن يعلّمه شيئاً، فدوّن له لاو تسي رسالة، أطلق عليها تاو تي تشنغ، أي رسالة الطاوية، وهي لا تزال موجودة، وتتميّز باشتمالها على كلمات قصار، يحمل بعضها معنىً مبهماً، ثم سلّمها إليه، وتابع السير في رحلته، ومنذ ذلك الحين انقطعت أخباره. وقيل إنّه توفي عام 517 ق. م.

65


49

الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يتعرّف إلى سيرة زرادشت.

2- يذكر تعاليم زرادشت.

3- يتعرّف إلى ظروف هجرة الزرادشتيين من إيران.

67


50

الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 مقدّمة

أخذ الآريون - بعد عدّة قرون من استقرارهم في إيران - بالاستيطان تدريجياً في المدن، الأمر الذي ترك تأثيره على رؤيتهم الكونية.

 

وفي تلك العصور، نهض مصلح اسمه زرادشت، دعى الآريين الذين سئموا الخرافات، إلى دين جديد، ونبذ دين مغان. وزعم أنه مبعوث من قبل إله الخير والنور، وأنه استمد رسالته من آهورا مازدا (Ahura Mazda) مباشرة لينقذ العالم من الظلام والشر، ويسوقه إلى الخير والنور.

 

ويطلق على الزرادشتيين أسماء أخرى مثل غبر، مجوس، پارس. وتعني كلمة "غبر" في اللغة السريانية الكافر، وهذه التسمية أطلقها عليهم الآخرون. كما أنّ اصطلاح (المجوس) في اللغة العربية اسم جنس جمعي، ومفرده مجوسي.

 

وقد جاءت كلمة المجوس في القرآن الكريم[1] إلى جانب أتباع بقية الديانات. ويعتقد أغلب علماء الإسلام أنّ الزرادشتيين هم أهل كتاب، ووردت في هذا الصدد أخبار أيضاً.

 

سُئل أبو عبد الله عليه السلام عن المجوس أكان لهم نبي؟ فقال: "نعم أما بلغك كتاب




[1] سورة الحج، الآية:17.

69


51

الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل مكة أن أسلموا وإلا نابذتكم بحرب فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن خذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان، فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب فكتبوا إليه ـ يريدون بذلك تكذيبه: زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر، فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه وكتاب أحرقوه، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور"[1].

 

وقد طرأت تحوّلات وتغييرات على ديانة زرادشت نحو قرن واحد قبل الميلاد، وسُمّيت بعد التعديل ديانة مزديسنا، وتعني في اللغة مدح مزدا.

 

سيرة زرادشت

ساورت العلماء شكوك حول الوجود التأريخي لنبي إيران القديمة، وإن اتفق أغلبهم على استبعاد نفي وجوده. إنّ كلمات من قبيل: "زردشت"، "زرتشت"، "زردهشت"، قد اشتق معظمها من مصطلح "زر ثوشتر" (Zarathushtra) الذي ورد ذكره في "الغاثا" (وهو جزء من الكتاب السماوي لزرادشت)، والذي يساوي طبقاً لأصح النظريات "زرد اشتر"، وتعني صاحب الناقة الصفراء.

 

أما اسم والده، فهو بوروشَسب (أي صاحب الجواد الهرم)، واسم والدته دغدوية، ويعني (حالبة البقرة)، من قبيلة سبتياما، ويعني (العِرق الأبيض).

 

والمشهور أنه من أذربيجان في إيران، وأنه بُعث عند جبل بالقرب من بحيرة أورومية[2].

 

واختلفت وجهات النظر حول زمان زرادشت، حتى قيل إنه ظهر سنة 6000 ق.م، ولكن وفقاً للنظرية المشهورة، فإنه ولد سنة 660 ق.م، وبُعث سنة 630 ق.م وهو في سنّ الثلاثين.




[1] الكافي: ج3، ص567، الحديث 4.

[2] ذهبت الكتب الدينية للزرادشتيين إلى قدسية مياه هذه البحيرة.

70


52

الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 وقيل إنه قُتل سنة 583 ق.م وهو في سنّ 77 في بيت النار في مدينة بلخ بأفغانستان، إثر مداهمة المدينة من قبل الغزاة.

 

وعلى الرغم من أنّ بعثة زرادشت ورد ذكرها في شاهنامة الفردوسي، إلاّ أنها أُدرجت في قسم الأساطير من الكتاب المذكور، نظراً إلى تضارب الآراء حول شخصية "غُشْتاسب" (الملك الذي دعاه زرادشت إلى دينه الجديد)، حيث يعتقد البعض أنه هو فيشتاسب والد داريوش الأخميني، في حين ثبت تاريخياً أنه كان والياً، ولم يكن ملكاً.

 

كتاب الزرادشتيين

يُسمّى الكتاب السماوي للزرادشتيين "أفستا"، ويعني الأساس واللبنة والمتن، وقد كتب باللغة الأفستائية التي كانت سائدة في إيران القديمة، والتي تتّحد في أصولها مع الّلغة الفهلوية والسانسكريتية. ويعتقد العديد من المحققين أنّ الخطّ الأفستائي قد ظهر في العهد الساساني (226 - 641 م). وكان أفستا في بداية الأمر محفوظاً في الصدور، ثم كُتب بالخطّ المذكور. وقيل إنه أُنجز بعد ظهور الإسلام.

 

ومهما يكن من أمر، فإنّ أغلب الباحثين متفقون على أن أصل أفستا كان ضخماً للغاية، حتى قيل إنه نسخ على 12000 جلد من جلود البقر، أما الأفستا الموجود اليوم، فهو يضم 83000 كلمة، ويحتمل أن أصله كان يضمّ 345700 كلمة (أي أربعة أضعاف).

 

تعاليم زرادشت

ثمّة أصول ثلاثة نادت بها ديانة زرادشت، هي: القول الحسن، والعمل الحسن، والفكر الحسن، ونحن نجد نظائر هذه الأصول في الأديان المختلفة كالإسلام، حيث ورد فيه "الإيمان قول باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان"[1].




[1] بحار الأنوار، ج66، ص68.

71


53

الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 ومن أبرز مظاهر ديانة زرادشت، احترام النار باعتبارها مظهراً من مظاهر إله النور، والإبقاء على شعلة النار مضطرمة، وإقامة مراسم خاصة حولها في معابد تُعرف ببيوت النار. وحثّت الزرادشتية أيضاً على العمران والزراعة والرعي واستيطان المدن، واحترام الحيوانات لا سيما الكلب والبقرة. كما يتمتع حسن المعاملة مع الناس بمكانة مرموقة في هذه الديانة. وقد ارتبطت بعض العادات والرسوم الرائجة في إيران بتعاليم زرادشت، وظهرت عند بعض الزنادقة في القرون الأولى للإسلام نزعات زرادشتية.

 

الآلهة

يُعلم من خلال مطالعة ديانة زرادشت، أنّه قام بإصلاح ديني في أوساط الإيرانيين، بغية نبذ الخرافات التي ألمّت بالديانة القديمة للآريين. وكان في طليعة ذلك التبليغ لـ "آهورا مازدا"، وتزييف آلهة قومه التي كانت تُسمّى ديفا (ويعني الشيطان)، وإطلاق اسم آلهة "دروغ دوستان" عليها.

 

يبلغ عمر الدورة الحالية للعالم - وفقاً لما ورد في ديانة زرادشت - 12000 سنة، حكم فيها إله الخير طيلة 3000 سنة، ظلّ خلالها إله الشر متوارياً في الظلام، وعقب انتهاء الفترة المذكورة خرج إله الشر من الظلام، واصطدم بإله الخير الذي استمهله 9000 سنة، وهو على يقين بأن النصر سيكون حليفه في نهاية المطاف. وإبّان هذه الفترة أخذ أحدهما يتحدّى الآخر من خلال خلق الخير والشر، وبعد 3000 سنة خُلق زرادشت، ومن ذلك الوقت بدأ ميزان القوى يميل لصالح إله الخير وجنوده، واستمرّ في سيره الصعودي.

 

آخر الزمان

ورد في الألفيات الزرادشتية (Zoroastrean Millennialism) أنّه يُنتظر ظهور ثلاثة منقذين من نسل زرادشت يملؤون الدنيا خيراً وعدلاً، وهم:

72


54

الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 1- هوشيدر، 1000 سنة بعد زرادشت.

 

2- هوشيدر ماه، 2000 سنة بعد زرادشت.

3- سوشيانس (أو سوشيانت)، 3000 سنة بعد زرادشت، وبظهوره يصل العالم إلى نهايته.

 

خلود الروح

يعتقد الزرادشتيون بخلود الروح، وبقائها ـ عند مفارقتها الجسم ـ وبعالم الآخرة، والجنة والعذاب. إن جنة ديانة زرادشت تشبه الجنة التي جاء وصفها في الإسلام، ولكنّ اعتقادهم بقدسية النار دفعهم إلى القول بأن مأوى العاصين مكان بارد جدّاً وقذر ومليء بأنواع الدوابّ التي تنزل نقمتها بهم وتؤذيهم.

 

مغادرة الزردشتيون إيران

لمّا أقبل الإيرانيون على اعتناق الإسلام وأسدوا خدمات كبرى لهذا الدين[1] أدّت فيما بعد إلى انتشار الإسلام وقوّته في إيران. واستناداً إلى حكاية "سنجان" التي وضعها "بهرام بن كيقباد" سنة 1600م، فإن زرادشتيي إيران - كما ذكر بعض المؤرّخين - قد تعرّضوا لمضايقات طيلة 100 سنة ما دعاهم إلى الهجرة إلى بومباي بالهند عبر البحر بناءً على توصيات المنجمّين. إلا أن هذا الرأي لم يجد أذناً صاغية لدى المؤرِّخين الذين اعتقدوا بأن هذه الهجرة شرعت قبل الإسلام ودامت بعده بقليل.

 

ومهما يكن من أمر فقد غادر الزرادشتيون قبل ألف عام بلاد إيران، وتوجّهوا إلى بومباي. ويبلغ عددهم فيها اليوم 150 ألف نسمة، ويُعرفون بالفارسيين، كما يقطن نحو 50 ألف من الزرادشتيين في يزد وكرمان وطهران، وعُرفوا بالثقافة وبحسن تعاملهم مع الآخرين.



[1] يراجع مطهري: الإسلام وإيران.

73


55

الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 المفاهيم الرئيسة

- أخذ الآريون بعد عدّة قرون من استقرارهم في إيران بالاستيطان تدريجياً في المدن، الأمر الذي ترك تأثيره على رؤيتهم الكونية.

 

 - زرادشت مصلح، دعى الآريين الذين سئموا الخرافات، إلى دين جديد، ونبذ دين مغان. وزعم أنه مبعوث من قبل إله الخير والنور لينقذ العالم من الظلام.

 

 - ولد زرادشت سنة 660 ق.م وهو من أذربيجان في ايران وقتل سنة 583 ق.م في معبد النار في بلخ.

 

- يطلق على الزرادشتيين أسماء أخرى مثل غبر، مجوس، پارس. وتعني كلمة غبر في اللغة السريانية الكافر، وهذه التسمية أطلقها عليهم الآخرون. كما أنّ اصطلاح (المجوس) في اللغة العربية اسم جنس جمعي، ومفرده مجوسي.

 

- ثمّة أصول ثلاثة نادت بها الزرادشتية هي: القول الحسن، والعمل الحسن، والفكر الحسن، ومن أبرز مظاهرها احترام النار والإبقاء على شعلة النار مضطرمة وإقامة مراسم خاصة حولها في معابد تُعرف بمعابد النار.

 

- غادر الزرادشتيون قبل ألف عام بلاد إيران، وتوجّهوا إلى بومباي، ويبلغ عددهم فيها اليوم 150 ألف نسمة.

 

 74


56

الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 أسئلة

1- ما هي أُصول الديانة الزرادشتية؟

2- تكلّم عن عقيدة الزرادشتية في خلود الروح.

3- متى ولماذا هاجر الزرادشتيون من إيران؟

75


57

الدرس الخامس: إيران القديمة (الديانة الزرادشتية)

 مطالعة

 

مغان والمانوية

إنّ أقدم ديانة لسكان إيران الأصليين غير الآريين هي ديانة مغان الّتي ظهرت قبل زرادشت وقبل حكم الماد، وتعني كلمة مغ (مغوش) في لغة إيران القديمة الخادم. ويبدو أن المغان هم أول من قطن إيران، ثمّ تعايشوا مع الآريين بعد زحفهم إليها، نظير ما حدث للدرافيديين في الهند. إن اصطلاح المجوس الذي يُطلق في العربية على الزرادشتيين مشتقّ من الكلمة المذكورة (مغوش).

 

ويعتقد بعض الباحثين أنّ الثنوية التي طرأت على ديانة زرادشت (أي الإيمان بإله الخير وإله الشر) قد تسرّبت إليها من ديانة مغان القديمة، لأن كتاب الغاثا، وهو أقدم أجزاء الأفستا والذي اتسم بطابع إيراني، لم يُعثر فيه على أي أثر للثنوية المذكورة، ولكن يظهر من الكتب التاريخية أنّ ديانة مغان القديمة اتسمت بالثنوية، وآمنت بالبعث أيضاً.

 

وظهرت الديانة المانوية في إيران في الفترة الممتدة بين ظهور المسيحية والإسلام، واستطاعت في مدة وجيزة أن تنتشر وأن تكتسب أنصاراً مخلصين ومتحمّسين، وهي في الواقع مزيج من معتقدات الصابئة والبوذية والزرادشتية والمسيحية، وازدادت رقعة انتشارها ـ بسبب أصولها العرفانية والإنسانية ـ لتبلغ سواحل الصين شرقاً، وتخوم أوروبا غرباً.

 

وقد ناصب حكّام إيران والروم العداء للمانويين، ومارسوا بحقّهم عمليات قتل جماعية، حتى أنّ محكمة التفتيش في أوروبا قامت في القرن الثالث عشر الميلادي بحملات نشطة من أجل القضاء على ما تبقّى منهم.

 

76


58

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 الدرس السادس: اليهودية - 1 - (نسب اليهود ورسلهم)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يبيّن نسب اليهود.

2- يتعرّف إلى شخصية إبراهيم وموسى من خلال التوراة.

3- يتعرّف إلى الألواح والوصايا العشر.

77


59

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 نسب اليهود

ينحدر اليهود من العِرق السامِي الذي ينتسب إليه الآشوريون والعرب. وإن لغة وآداب وثقافة وعادات ورسوم هذه الأقوام متقاربة بنحو دفع بالباحثين إلى الاعتقاد بأنّهم ينحدرون إلى أصل واحد، ولذا فإنّ البحث عن ثقافة كل قوم يستدعي البحث عن ثقافة سائر الأقوام السامية.

 

ولا تتوفّر بين أيدينا معلومات دقيقة عن الجذور التاريخية للعبرانيين. ويرى بعض الباحثين أنّ كلمة "عبراني" أطلقها الكنعانيون على النبيّ إبراهيم عليه السلام بعد دخوله أرض كنعان[1]، ثم أصبحت من ألقابه، وسرى ذلك في أعقابه, لأن العبراني من مادة (ع - ب - ر) وتعني عبور النهر، باعتبار أن النبيّ إبراهيم عليه السلام عبر نهر الفرات في طريقه إلى أرض كنعان. ويرى بعض آخر من الباحثين أنّ عبراني منسوب إلى عابر[2]، وهو اسم جدّ من أجداده الأقدمين. ويقول آخرون إنّ إبراهيم ينحدر من عرق آري، انطلاقاً من كون اسم أبيه أو عمّه "آزر"، إلاّ أنّ الباحثين يستبعدون هذه النظرية، لعدم توفّر معلومات عن المعنى اللغوي لكلمة "آزر" في القرآن الكريم




[1] التكوين: 13 ـ 14.

[2] ورد اسم عابر في سفر التكوين: 10/24 و 11/16.

79


60

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 والمصادر الإسلامية. جدير بالذكر أنّ اسم والد النبيّ إبراهيم عليه السلام في التوراة هو "تارَح".

 

أما كلمة اليهودية فنسبة إلى الإله (yhwa- الرب)، وهو اسم الإله القومي لإسرائيل، إله الآباء الأوائل إبراهيم وبنيه، الذي عقد معه إبراهيم أولًا وبنوه من بعده الميثاق، ثم عرف بهذا الاسم أحد الأسباط الاثني عشر، التي تكوٍّن شعب إسرائيل، وهم أبناء يعقوب من زوجته (ليئة) والذين سكنوا المنطقة المحيطة بأورشليم (القدس) وسميت فيما بعد مملكة يهوذا باسمه.

 

إبراهيم عليه السلام

بلغ إبراهيم الخليل عليه السلام مكانة سامية حتى لدى المشركين، الذين دأبوا على زيارة وتقديس كل ما يمتّ بصلة إلى النبيّ إبراهيم في مكّة المكرّمة. وقد ذكرت التوراة نسب إبراهيم عليه السلام، وأنهته إلى آدم عليه السلام.

 

وحسب وجهة نظر أهل الكتاب، فإن إبراهيم ولد في مدينة أُور[1] عام 2000 ق.م. (أي قبل أكثر من 4000 عام)، وقد أطلق عليه في البداية، ووفقاً لما جاء في التوراة، اسم أبرام (ويعني الأب السامي) ثم بدّله الله سبحانه إلى اسم إبراهيم (ويعني أبا الأقوام) وهو في التاسعة والتسعين من عمره.

 

وطبقاً للتوراة، فقد عزم والد النبيّ إبراهيم وهو "تارح" على السفر إلى أرض كنعان (في غرب فلسطين)، واصطحب معه ولده النبيّ إبراهيم عليه السلام، وسارة زوجة إبراهيم، وحفيده لوطاً عليه السلام، وفي أثناء الطريق عدل عن رأيه، وحطّ الرحال في مدينة حرّان الواقعة في جنوب تركيا الحالية، والمتاخمة للحدود السورية.




[1] مدينة أور, إحدى المدن الأثرية القديمة الواقعة على ضفاف نهر الفرات عثر عليها عقب عمليات الحفر والتنقيب التي أجريت في العراق قبل زهاء قرن.

80


61

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 وقد ورد في التوراة أنّ النبيّ إبراهيم عليه السلام غادر حرّان بأمر الله تعالى، وله من العمر (75) سنة، قاصداً أرض كنعان، وبمعيّته زوجته سارة وابن أخيه لوط عليه السلام ورهط من أهل حرّان، فلما وصلها نصب خيامه على سفح جبل يقع في شرق بيت ايل، ثم نزل مدينة حَبْرون (الخليل).

 

ومكث فيها إلى آخر عمره ولا زالت مقبرة أسرته موجودة إلى الآن في تلك المدينة. أما لوط عليه السلام، فقد رحل إلى مدينة سَدوم، وقام بالدعوة فيها وفي المدن المجاورة لها، فكذّبه الناس وعصوْه، فأنذرهم عذاب الله فلم يكترثوا، فهلكوا عن بكرة أبيهم، وقد جاء ذكر هذه الحادثة في القرآن الكريم أيضاً[1].

 

وورد في التوراة أيضًا أنّ الله سبحانه كان قد وعد إبراهيم عليه السلام بالبركة في نسله مراراً، وقد رُزق من جاريته هاجر ولداً اسمه إسماعيل (ويعني يسمع الله)، وبعد مضي 14 عاماً رُزق من زوجته سارة ولداً اسمه إسحاق (ويعني يضحك).

 

وقد أوجزت التوراة الكلام في هذه الواقعة، واكتفت بالإشارة إلى أن إسماعيل عليه السلام سكن فاران، وأن أمه اختارت له زوجة من مصر، وأعرضت عن الخوض في تفاصيل حياته، حتى أنها لم تنبس ببنت شفة عن بناء الكعبة.

 

وطبقاً لما جاء في الروايات الإسلامية فإن العثور على الماء لأجل إسماعيل، إنّما كان في مكة المكرمة، وتُعرف البئر اليوم ببئر زمزم، في حين تقول التوراة إن ذلك كان في مكان يُدعى بئر شِبَع.

 

كذلك ذكرت في التوراة قصة ذبح ولده، وفيها أن النبيّ إبراهيم عليه السلام أمر بأن يذبح إسحاق عليه السلام دون أن يبوح له بذلك، بل قال له: أُمرت بذبح شاة كقربان يرسله لي ربّي.




[1] أنظر: سورة الحجر، الآيات: 57 - 75، والشعراء، الآيات: 160-174، والقمر، الآيات: 160-174.

 81


62

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 يعقوب عليه السلام (إسرائيل)

وجاء في التوراة أيضاً أنّ إسحاق عليه السلام ورث إبراهيم عليه السلام وأنه رُزق توأمين، سمّى أحدهما عيسو (ويعني لغةً كثيف الشعر)، وسمّى الآخر يعقوب (ويعني يتعقب) لأن ولادته أعقبت ولادة شقيقه التوأم.

 

كان ليعقوب عليه السلام اثنا عشر ولداً، ولُقّب بإسرائيل. هذا الاسم المركّب فسّره أهل الكتاب بمن نال الظفر على الله، وأصل المعنى في العبرية هو من انتصر على خصمه الشجاع. وقد ورد في التوراة أن يعقوب صارع الله سبحانه فغلبه، فأُطلق عليه إسرائيل[1]، ولكنّ أهل الكتاب ذكروا منذ القدم، أن المقصود من الله في القصة المذكورة، هو أحد ملائكته[2].

 

موسى عليه السلام

نطالع في الإصحاح الثاني من سفر الخروج من التوراة: "ومضى رجل من آل لاوي[3]، فتزوّج بابنة لاوي، فحملت المرأة وولدت ابناً، ولما رأت أنه جميل، أخفته ثلاثة أشهر، ولما لم تستطع أن تخفيه بعد، أخذت له سلّة من البردي وطَلَتْها بالحُصَر والزّفت، وجعلت الولد فيها ووضعتها بين القصب على حافة النهر، ووقفَت أخته من بعيد لتعلم ما يحدث له، فنزلت ابنة فرعون إلى النيل لتغتسل، وكانت وصائفها يتمشّين على شاطىء النيل، فرأت السلة بين القصب، فأرسلت خادمتها فأخذتها وفتحتها، ورأت الولد فإذا هو صبي يبكي، فأشفقت عليه، وقالت: هذا من أولاد العبرانيين، فقالت أخته لابنة فرعون: هل أذهب وأدعو لك مرضعاً من العبرانيات ترضع لك الولد؟ فقالت لها




[1] راجع: سفر التكوين: 32/24 ـ 32.

[2] راجع سِفْر هوشع: 12/3 ـ 4.

[3] اسمه في الأخبار الإسلامية عمران، وفي التوراة عمرام بن قهات بن لاوي بن يعقوب (سِفر الخروج: 6 / 14 ـ 20).

82


63

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 ابنة فرعون: اذهبي، فذهبت الفتاة ودعت أم الولد، فقالت لها ابنة فرعون: اذهبي بهذا الولد فأرضعيه لي، وأنا أُعطيك أُجرتك، فأخذت المرأة الولد وأرضعته، ولما كبر الولد، جاءت به ابنة فرعون فأصبح لها ابناً، وسمّته موسى، وقالت: لأني انتشلته من الماء".

 

هذه الحادثة تشبه إلى حدّ كبير ما جاء في سورة القصص من القرآن الكريم، وطبقاً للحسابات التاريخية، فإنها وقعت في حدود عام1250- 1300 ق.م.

 

بعثة موسى

نطالع في الإصحاح الثالث من سِفْر الخروج أنه تراءى لموسى على جبل حوريب في صحراء سيناء ملاك الرب في لهيب نار من وسط عُلّيقة وتكلّم معه. وورد في القرآن الكريم أن أول كلام لله سبحانه مع موسى عليه السلام، كان من شجرة في وادي طوى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[1].

 

وطبقاً لما جاء في التوراة، فإنّ الله تعالى وعد موسى أن يفكّ أسر بني إسرائيل من أيدي المصريين، وأن يهبهم أرض كنعان المباركة، وانطلاقاً من ذلك فقد تلقّى أمراً بالذهاب إلى فرعون، ويطلب منه أن يترك بني إسرائيل وشأنهم، وتقرّر أن يؤازره هارون في هذه المهمة.




[1] سورة القصص، الآيتان: 29 و30.

83


64

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 معجزات موسى

ورد في التوراة أن الله سبحانه زوّد موسى عليه السلام بمعجزة تبديل عصاه إلى ثعبان، وظهور نور ساطع من يده، فجمع فرعون السحرة لأجل منازلة موسى عليه السلام، فابتلع الثعبان جميع أدوات سحرهم، فأدرك السحرة آنذاك أن ما جاء به موسى عليه السلام ليس من السحر في شيء.

 

وورد في القرآن المجيد أنّهم آمنوا بموسى عليه السلام غير هيّابين ولا وجلين من فرعون. ثم أنزل الله عقب هذه المعجزات صوراً من العذاب على المصريين. وقد أشارت التوراة إلى عشرة أنواع من العذاب:

1- تبديل مياه المصريين إلى دم.

2- ازدياد عدد الضفادع.

3- ازدياد البراغيث.

4- ازدياد الذباب.

5- موت دواب المصريين إثر تفشي الوباء.

6- إصابة المصريين ودوابّهم بالدُّمّل.

7- إصابتهم بالبَرَد، وتلف المزارع والحيوانات.

8- ازدياد الجراد.

9- حلول الظلام في مساكنهم لمدّة ثلاثة أيام.

10- هلاك المواليد الأبكار لأهل مصر قاطبة ودوابهم.

 

وسرد القرآن الكريم تسع معجزات للنبيّ موسى[1] والظاهر أنّ المقصود منها هي المعجزات التي جاء بها لفرعون، وإلا فصريح القرآن الكريم والتوراة أن معجزاته فاقت هذا العدد.




[1] سورة الإسراء، الآية: 101.

84


65

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 العبور من البحر

بناءً على ما ورد في التوراة، فإنّ فرعون قد رضخ في النهاية للأمر الواقع، فأرسل إلى موسى وهارون ليلاً، وأذن لهم بالخروج ببني إسرائيل. فخرج بنو إسرائيل إلى جهة البحر الأحمر شرقي مصر ونصبوا هناك خيامهم، إلاّ أنّ فرعون سرعان ما نَدِم، فأتبعهم بجنوده، فلحق بهم وقد بلغوا شاطىء البحر، فلما رأى قوم موسى فرعون وجنوده من بعيد، رفع موسى يده إلى البحر، فانفلق، فتجاوزه بنو إسرائيل إلى الشاطئ الثاني، فلما تبعهم جنود فرعون في البحر، أشار موسى عليه السلام بيده بأمر من الله سبحانه، فَغرقوا جميعاً. أما غرق فرعون نفسه، فلم تُفصح عنه التوراة.

 

الألواح والوصايا العشر

لمّا مرّت ثلاثة أشهر على خروج بني إسرائيل من مصر، عُهد إلى موسى عليه السلام أن يتكلم مع الله سبحانه في وادي طور سيناء. وهناك تلقّى لَوْحين نُقشت فيهما وصايا الله سبحانه. وقد عبّر عنها القرآن بصيغة الجمع، الألواح[1]. وتبرز من بينها عشر وصايا مهمة للغاية واشتهرت باسم الوصايا العشر، وهي:

1- الربّ إلهك، فلا يكن لك آلهة أخرى أمامي.

2- لا تسجد للأوثان.

3- لا تنطق باسم الربّ باطلاً.

4- أذكر يوم السبت لِتُقدِّسه.

5- أكرم أباك وأمّك.

6- لا تقتل.

7- لا تزنِ.




[1] طور بالسريانية تعني "الجبل".

85


66

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 8- لا تسرق.

 

9- لا تشهد على قريبك شهادة زور.

10- لا تشتهِ أموال قريبك وعرضه.

 

وقد وردت تفصيلات هذه الأحكام في الاصحاح (21) من سفر الخروج.

 

عبادة العِجل

تقول التوراة إنه لما أبطأ موسى في عودته من طور سيناء، قصد بنو إسرائيل هارون، وطلبوا منه أن يقيم لهم إلها يعبدونه، وأتوْا إليه بما يملكونه من ذهب، فصنع منه عجلاً مسبوكاً، ورغّبهم إلى عبادته.

 

أطلَعَ الله سبحانه موسى على هذا الأمر، وأراد إهلاكهم، إلاّ أنه صرف عنهم العذاب إثر شفاعة موسى عليه السلام.

 

أخذ موسى اللّوحيْن ورجع إلى بني إسرائيل، فلمّا رأى أعمالهم القبيحة، ضرب باللّوْحين الأرض، وقبّح فعل أخيه، وأحرق العجل وألقى برماده في الماء، وشرّبه بني إسرائيل، ثمّ أمرهم بأن يسلّوا سيوفهم وأن يقتل بعضهم بعضاً لمّدة نصف يوم.

 

القرآن الكريم أورد هذه القصّة وفي مواضع مختلفة منه، (وفق الصورة المذكورة)، إلاّ أنه نزّه الساحة المقدسة لهارون عليه السلام عن ارتكاب هذا العمل القبيح[1]، وعزا صنع العجل إلى شخص يُعرف بالسامريّ (وهو شخص من بني إسرائيل يدعى شمرون بن يشاكر بن يعقوب، و يُطلق على عشيرته لقب الشمروني[2]، وتُلفظ الشمروني في اللغة العربية بالسامري.



[1] سورة طه، الآية: 90.

[2] التكوين: 13, الأعداد: 24.

86


67

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 وصرّحت التوراة بأن الله سبحانه أمر موسى عليه السلام أن ينحتَ لوحين آخرين، لكي يكتب فيهما وصاياه، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك أيضاً[1].

 

وفاة موسى عليه السلام

وعلى أية حال، فقد نظم موسى أمور قومه، وأعدّهم لقتال الكافرين، وعلّمهم أحكام الله، وبارك فيهم، ثم توفّي في مكان يُعرف بـ "موآب" بالقرب من البحر الميّت، بعد أن بلغ مائة وعشرين عاماً، وأقام بنو إسرائيل الحداد عليه لمدّة ثلاثين يوماً. هذه الوقائع نقلت في آخر سفر التثنية، وبها خُتمت التوراة:

 

"... فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب بأمر الرب ودفنه[2] في الوادي في أرض موآب تجاه بيت فعور ولم يعرف أحد قبره إلى يومنا هذا وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات ولم يكلّ بصره ولم تذهب نضرته فبكى بنو إسرائيل على موسى في برِّيَّة موآب ثلاثين يوماً إلى أن انقضت أيام الحزن على موسى أما يشوع بن نون فمليء روح حكمة، لأن موسى وضع عليه يديه فأطاعه بنو إسرائيل وعملوا كما أمر الربّ موسى ولم يقم من بعد في إسرائيل نبي كموسى الذي عرفه الربّ وجهاً لوجه في جميع الآيات والخوارق التي أرسله الربّ ليصنعها في أرض مصر بفرعون وجميع رجاله وكل أرضه وفي كل يد قوية وكل مخافة عظيمة صنعها موسى على عيون إسرائيل كله"[3].

 




[1] سورة الأعراف، الآية: 154.

[2] لم يُعلم اسم الدافن وقيل هو الرب.

[3] التثنية: 34/5 ـ 12.

87


68

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 المفاهيم الرئيسة

- ينحدر اليهود من العِرق السامِي الذي ينتسب إليه الآشوريون والعرب.

 

- لا تتوفّر بين أيدينا معلومات دقيقة عن الجذور التاريخية للعبرانيين.

 

- كلمة اليهودية نسبة إلى الإله (yhwa - الرب)، وهو اسم الإله القومي لإسرائيل، إله الآباء الأوائل إبراهيم وبنيه.

 

- طبقاً للتوراة، فقد عزم والد إبراهيم وهو تارح على السفر إلى أرض كنعان (في غرب فلسطين)، واصطحب معه ولده إبراهيم عليه السلام، وسارة زوجة إبراهيم، وحفيده لوطاً عليه السلام، وفي أثناء الطريق عدل عن رأيه، وحطّ الرحال في مدينة حرّان الواقعة في جنوب تركيا الحالية، والمتاخمة للحدود السورية.

 

- جاء في التوراة أيضاً أنّ إسحاق عليه السلام ورث إبراهيم عليه السلام وأنه رُزق توأمين، سمّى أحدهما عيسو (ويعني لغةً كثيف الشعر)، وسمّى الآخر يعقوب.

 

- ورد في التوراة أن الله سبحانه زوّد موسى عليه السلام بمعجزة تبديل عصاه إلى ثعبان، وظهور نور ساطع من يده، وأرسله إلى بني إسرائيل ليفك أسرهم من أيدي فرعون.

 

 - بناءً على ما ورد في التوراة: لمّا مرّت ثلاثة أشهر على خروج بني إسرائيل من مصر، عُهد إلى موسى عليه السلام أن يتكلم مع الله سبحانه في وادي طور سيناء. وهناك تلقّى لَوْحين نُقشت فيهما وصايا الله سبحانه.

 

- رضخ فرعون في النهاية للأمر الواقع، فأرسل إلى موسى وهارون ليلاً، وأذن لهم بالخروج ببني إسرائيل. إلاّ أنّه سرعان ما نَدِم، فأتبعهم بجنوده حتى

88


69

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 بلغوا شاطىء البحر، فانفلق، فتجاوزه بنو إسرائيل إلى الشاطئ الثاني، فلما تبعهم جنود فرعون في البحر، أشار موسى عليه السلام بيده بأمر من الله سبحانه، فَغرقوا جميعاً.

 

- بعد حادثة فرعون نظم موسى أمور قومه، وأعدّهم لقتال الكافرين، وعلّمهم أحكام الله، وبارك فيهم، ثم توفّي في مكان يُعرف بـ "موآب" بالقرب من البحر الميّت، بعد أن بلغ مائة وعشرين عاماً.

 

أسئلة

1- تحدّث عن نسب اليهود.

2- تكلّم عن شخصية موسى كما وردت في التوراة.

3- ما هي الألواح والوصايا العشر؟

89


70

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

 مطالعة

 

نقد التوراة

التوراة لفظ عبري، يعني القانون، إذ احتوت على أحكام و قوانين كثيرة. والشريعة هي الاسم الآخر للتوراة.

 

لقد ميّز الباحثون أربعة مصادر أو أساليب تدوين رئيسة للتوراة هي:

1- مصدر الوهيمي (E) ويتضمّن مقاطع من التوراة ورد فيها اسم الوهيم (أي الاله).

2- مصدر يهْوَهي (J) ويتضمّن مقاطع من التوراة ورد فيها اسم يهوه.

3- مصدر كاهني (p) ويتضمّن مقاطع من التوراة تبحث في الكهنوت اليهودي.

4- مصدر سفر التثنية (D) وهو رسالة مستقلة أضيفت كسفر خامس إلى التوراة.

 

إنّ أحد أقدم وأشهر الانتقادات الّتي كُتبت حول التوراة والكتاب المقدس، هي للعالم والفيلسوف الهولندي باروخ (بنديكت) سبينوزا (Baruch "Benedict" Spinoza) حيث وردت في كتابه المسمّى "رسالة في اللاهوت والسياسة" (باللغة اللاتينية).

 

تعرّض سبينوزا في كتابه إلى ضرورة البحث عن مدى اعتبار الكتاب المقدس من خلال التطرق إلى شواهده التاريخية والنقدية المطروحة، ودعم موقفه بأدلة كثيرة، وتأسف لكون القدماء تركوا الخوض في هذا الباب، وإذا كتبوا فيه شيئاً، فإنه بقي بعيداً عن الأضواء، وأضاف: إننا نعيش في ظروف راجت فيها مسائل، تعصّب لها الناس، وأطلقوا عليها اسم الدين دون أن يحكّموا العقل فيها. من هنا فإني عقدت العزم على المضيّ في هذا السبيل بشعور غامر باليأس، وأشرع ـ كخطوة أولى ـ في البحث عن مصنِّفِي الكتاب المقدس، لا سيما الأسفار الخمسة للتوراة.

90


71

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 الدرس السابع: اليهودية - 2 - (تاريخ اليهود وفرقهم)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يبيّن تاريخ بني إسرائيل وأهم المفاصل فيه.

2- يتحدّث عن نشأة الصهيونية وتأسيس الدولة الإسرائيلية.

3- يذكر نبذة عن أهم الفرق اليهودية.

91


72

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 تاريخ بني إسرائيل

خَلَف يوشع بن نون عليه السلام موسى عليه السلام في قيادة قومه بأمر الله سبحانه، وقام بفتح بلاد كنعان بعد عبور نهر الأردن الممتد من شمال فلسطين إلى جنوبها، حيث تعرّض السكّان الأصليون لتلك البلاد- وفقاً لادّعاء العهد القديم إلى قَتلِ عام، واختصّت أراضيهم ببني إسرائيل. وقد نقل السفر السادس للعهد القديم (المعروف بسفر يوشع) تفاصيل هذه الحروب. ثم ظهر بعد يوشع عليه السلام رجال كبار عرفوا بالقضاة، حكموا بني إسرائيل دون أن يكون لهم عنوان النبوة أو الملك، وجاءت أخبارهم في سفر القضاة.

 

عصر الملوك 

وكان آخرهم صموئيل الذي أعقب ولديْن، لم تتوفر فيهما مؤهّلات الحكم. لهذا طلب بنو إسرائيل من صموئيل أن يختار لهم ملكاً، لدفع حملات من جاورهم.

 

وبعد إصرار شديد، عيّن لهم ملكاً شاباً بأمر الله تعالى وكان قد مسحه بالزيت في حدود عام 1030 ق.م، هذا المسح جعل منه مسيحاً (ماشيحاً) وحاكماً إلهياً مفروض الطاعة، يدعى في العهد القديم شاؤول[1]، وفي القرآن الكريم طالوت[2].




[1] سِفْر صموئيل الأول: الإصحاح 9.

[2] سورة البقرة، الآية: 247.

93


73

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 وعقب هذا الانتخاب، اندلعت معارك طاحنة بين بني إسرائيل والفلسطينيين، أسفرت عن انتصار بني إسرائيل، ومقتل جُلْيات أحد أبطال خصومهم (المسمّى جالوت في القرآن الكريم) على يد داود عليه السلام، وهزيمة جيشه.

 

ثمّ خَلَف داودُ طالوتَ (في حدود سنة 1015 ق. م)، وكان من أهل الدعاء والمناجاة ورجل حرب في آن واحد، وكان يحظى باحترام خاص لدى اليهود ومن أهم إنجازاته فتح مدينة أورشليم[1] وجعلها عاصمة ملكه وأسماها مدينة داود. يُذكر أن أورشليم كانت قبلة اليهود.

 

وأعقبه سليمان الذي اعتلى منصّة أبيه داود، وبلغت مملكته أوج مجدها، وشيّد معبداً كبيراً في مدينة أورشليم، اشتهر باسم هيكل سليمان (وتعني الهيكل في اللغة العبرية البناء العالي) - وقد وقع هذا المعبد بيد المسيحيين تدريجاً ومن ثم بيد المسلمين، وقد شيّدوا مسجداً ضخماً أطلق عليه مسجد عمر، وبنوا عليه قبة تدعى قبة الصخرة وتمّ تذهيبها فيما بعد، كما تمّ بناء مسجد آخر صغير إلى جانبه مع قبة زرقاء والذي كان معروفًا سابقًا بالمسجد الأقصى - هذا المعبد هدمه نبوخذ نصّر عام 587 ق.م، وأُعيد بناؤه، ثمّ دمّره تيطس الروماني (Titus)، عام 70 م.

 

وقد اعتقد أهل الكتاب، استناداً إلى نصوص مجعولة للعهد القديم، أنّ سليمان عليه السلام أقبل في أواخر عمره على عبادة الأوثان، واقتراف المعاصي إثر وسوسة زوجاته المشركات.




[1] الإسم الأصلي لهذه المدينة (Jerusalem)، وتعني مدينة السلام، ويطلق المسلمون عليها اسم القدس أو بيت المقدس (وهي تعادل "بيت هميقداش" العبرية وتعني دار المعبد)، والاسم الآخر لها هو "إيليا كابيتوليا" وقد بدلها المسلمون إلى إيلياء.

94


74

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 تجزئة البلاد

لمّا توفّي سليمان عليه السلام، تسلّم مقاليد الحكم بعده ابنه رِحُبعام، الذي أفشى الظلم، ما حدا بطوائف من بني إسرائيل إلى التمرد على أوامره، وبقي تحت نفوذه سبطان، هما يهوذا وبنيامين في مملكة يهوذا (اسم أحد أبناء يعقوب) التي تشكل مساحة صغيرة نسبياً، ومنها اشتق اسم اليهودي. أمّا سائر الأسباط العشرة، فقد أسّسوا في شمال فلسطين مملكة إسرائيل المستقلة بقيادة يَرُبعام بن ناباط (وكان من ولاة سليمان عليه السلام).

 

وقد أدّت تجزئة البلاد إلى ضعف وانحطاط بني إسرائيل، وعكف ملوك يهوذا وإسرائيل على ارتكاب المعاصي والذنوب، وترويج عبادة الأوثان.

 

الأسر البابلي

ومهما يكن من أمر فقد تعرّضت مملكة إسرائيل لهجوم الآشوريين الذين حكموا شمال العراق وسوريا وكانت عاصمة ملكهم مدينة نينوى، وأسفر الهجوم عن وقوع أعداد كبيرة منهم في الأسر. وبعد مضي عقد من الزمن، قاد نبوخذ نصّر ملك بابِل الذي جاء ذكره في العهد القديم، قاد هذا الملك هجوماً كاسحاً على أورشليم، أسفر عن مقتل سكان مملكة يهوذا، وأسر جموع غفيرة منهم، وسوقهم إلى بابل، التي مكثوا فيها زمناً طويلاً.

 

إنّ وقوع سكان إسرائيل ويهوذا في الأسر، أدّى إلى تشتّتهم في الشرق الأوسط وفي بلدان أخرى. وكان لهذا الأسر أهمية خاصة، ذلك أن بعض سكّان إسرائيل الذين نجوا من أسر الآشوريين، وقعوا في أسر البابليين، وتمّ إجلاؤهم مع سكّان يهوذا إلى بابل وعُرفت هذه الحادثة في التاريخ بالأسر البابلي. وقد تطبع اليهود خلال مدّة الأسر بآداب وأخلاق المشركين، وقلّ مَن عانى منهم من هموم البُعد عن الوطن وذلّة الأسر وصعوبة أداء الشعائر الدينية.

95


75

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 إعادة بناء المعبد

حينما احتل قورش الكبير أحد ملوك السلالة الأخمينية مدينة بابل أمر بتحرير اليهود وأذن لهم بالعودة إلى وطنهم، إلا أن عدداً كبيراً منهم فضّل البقاء في بابل، وقد حظي الأمر الذي أصدره قورش في حدود عام (538 ق.م) بتقدير اليهود، وأكسبه محبوبية في أوساطهم.

 

وعلى أية حال، فقد عادت مجموعة منهم إلى فلسطين، وبدأت بإعادة بناء مدينة القدس، الأمر الذي أثار مخاوف جيرانهم الذين حالوا دون تشكيل دولة مركزية لليهود على أرض فلسطين، ما أدّى إلى تشكيل دويلات ضعيفة فيها. وبعد مضيّ قرون من الاضطراب وعدم الاستقرار تعرضت مدينة القدس للتدمير مرة أخرى على أيدي الرومانيين، الأمر الذي أسفر عن تشتت اليهود وتشرّدهم في العالم. ومنذ ذلك الحين أمضى اليهود حياة مليئة بالمصاعب والذلّة والهوان في البلدان التي استوطنوها.

 

وفي هذا الخضم تعزّزت فكرة المنجي بين أوساط بين إسرائيل، حتى تمكن بنو إسرائيل بواسطتها من التغلب على اليأس والإحباط الذي انتابهم وقد كتب لهم انتظار المسيحا[1] الدوام والبقاء.

 

وقد أحجم اليهود المنتظرون منذ ما يربو عن 2000 عام عن إحياء حكومتهم الدينية التي ذهبت أدراج الرياح، اعتقاداً منهم أنها خلاف سنة الانتصار، نعم هناك من ادعى أنه المسيحا المنتظر إلا أنّ النجاح لم يحالفه في نهاية المطاف.

 

وسَرَت في المجتمع الديني روح جديدة بعد عودة اليهود من بابل، وانتشرت المعابد التي سُمّيت فيما بعد بالكنائس "synagogue". هذه المعابد شُيّدت - كسائر المعابد - وفق هندسة معمارية خاصة، حيث احتوت على أماكن للقرابين، وأماكن خاصة أخرى.




[1] لما كان مصطلح المسيح "Christ" يختص بعيسى ابن مريم عليه السلام، لذا أطلق على موعود اليهود "المسيحا" "Messiah".

96


76

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 نضال اليهود

أدّى استقرار اليهود في أورشليم وإعادة بنائها إلى استفحال المشاكل، واندلاع المعارك بين المكابيين وملوك سورية المشركين والتي أسفرت عن غلبة اليهود.

 

وكان بنو إسرائيل آنذاك يرزحون غالباً تحت أمر المشركين. وقد تزامن ذلك العهد مع ظهور وتشكيل مجلس من أحبار اليهود باسم سَنهِدرين[1]، حيث يجتمعون فيه للبحث والتداول في الشؤون الدينية، وإصدار الأحكام والقوانين.

 

تدمير أورشليم وتشريد اليهود

قام تيطس نجل امبراطور الرومان بحصار أورشليم، ودمّرها عام (70م)، وقتل جمعاً غفيرًا من أهلها، ولم يسلم من المدينة إلا جدارها الغربي الذي ظلّ قائماً ولم ينقضّ، وأُطلق عليه حائط المبكى "The Wailing Wall" بسبب إقامة اليهود العزاء إلى جانبه حداداً على ما جرى، وأطلق عليه المسلمون حائط البُراق.

 

وقد تشتّت اليهود عقب هذه الحادثة في البلاد المجاورة في أوروبّا وأفريقيا الشمالية، واختارت مجموعة منهم المدينة المنورة (التي كان يطلق عليها آنذاك اسم يثرب)، فارتحلوا إليها واستوطنوها. وتعزو بعض المصادر الإسلامية سبب هذا الاختيار إلى أنّهم كانوا بصدد انتظار نبيِّ يُبعث هناك.

 

ثمّ تسلّم المسلمون في عهد الخليفة الثاني مفاتيح مدينة القدس من أيدي المسيحيين بعد مفاوضات جرت بينهم. قال الطبري في حوادث سنة 15 هـ: إن المسلمين لما فتحوا مدينة القدس، صالحوا النصارى على أن لا يسكنوا اليهود في هذه المدينة[2].




[1] اشتقت كلمة سنهدرين من الاصطلاح اليوناني (سندريون) الذي يعني المجمع.

[2] انظر: تاريخ الطبري:ج3، ص105، مؤسسة الأعلمي للمطبوعان، بيروت - لبنان.

97


77

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 اليهود وسائر الأقوام

إنّ العنصرية وسيادة روح الاستعلاء، هما خصلتان لم تنفكا عن اليهود، الأمر الذي دفع ببقية الشعوب إلى معاداتهم وتحقيرهم، ولعله للسبب ذاته دمّرت مدينة القدس. يُذكر أن وقوع بني إسرائيل في الأسر البابلي كان في حدود القرن السادس قبل الميلاد. ولما حاصر جنود نبوخذ نصر مدينة أورشليم، أخذ النبي إرميا يدعو الناس إلى الاستسلام لأنه أفضل من خراب المدينة، إلاّ أنّ اليهود لم يصغوا إليه، إذ رأوا في موقفه تثبيطاً لعزائم المقاتلين، فألقوا عليه القبض وأودعوه السجن ثم أطلقوا سراحه بعد سقوط أورشليم وخرابها[1].

 

كان اليهود في البلاد الإسلامية ينعمون بحياة رغيدة، حتى أن عدداً منهم تقلّد مناصب رفيعة، في حين أُرغم اليهود المقيمون في أوروبّا على العيش بذلة في أحياء منعزلة تسمّى الغيتو (ghetto). واتفق كثيراً أن أجبر هؤلاء على اعتناق المسيحية بالقوة، فكانوا نصارى في الظاهر ويهوداً في الباطن، وقد عُرفوا باسم اليهود المتنصّرين (Marranos). كما نعم يهود الأندلس بالرخاء والاستقرار في ظلّ الحكم الإسلامي. ولمّا سقطت الأندلس بيد الإفرنج عام 1492 م، طُرِد اليهود منها أيضاً، فهاجروا إلى البلاد الإسلامية الواقعة في شمال إفريقيا، إلاّ أنّ القليل منهم استطاع النجاة من مخالب قراصنة البحر وأطماع ربابنة السفن، والوصول إلى ساحل الأمان والنجاة.

 

ظهور الصهيونية

إنّ الضغوط المتواصلة التي تعرّض لها يهود أوروبّا من قبل المسيحيين وأقوام أخرى والنفي المستمر لهم، جعلتهم يفكّرون مليّاً في إنشاء وطنٍ قوميّ لهم. ولم تكن هذه الفكرة وليدة الصدفة بل لها سابقة في التاريخ.




[1] سِفْر إرميا: 39/14.

98


78

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 ففي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، أُخرجت جماعة كبيرة من يهود روسيا، فاستوطن بعضها غرب أوروبّا، وبعضها الآخر فلسطين في مكان بالقرب من ساحل البحر الأبيض المتوسط، أطلقوا عليه اسم صهيون. وكانت فلسطين آنذاك تابعة للخلافة العثمانية، وكان اسم صهيون يطلق قديماً على هضبة بالقرب من القدس، حيث كانت في زمن اقتدار دولة بني إسرائيل (عصر داود وسليمان) مركزاً عسكرياً.

 

وفي تلك الحقبة نهض يهود أوروبّا وروسيا متجاهلين سنّة الانتظار من أجل نيل العزة والاستقلال، وقام صحفي نمساوي يدعى "ثيودور هرتزل" بتأسيس الصهيونية، وبذل جهوداً جمة في هذا السبيل، إلا أنه اصطدم بطائفتين من اليهود: طائفة اعتقدت أن الصهيونية تخالف عقيدة المسيحا، وأخرى لم ترتض الفصل العنصري واعتبرت التعايش السلمي مع سائر الأقوام هو الحل الأمثل. ولكن الصهاينة تمكنوا من إقناع بني جلدتهم بضرورة إنشاء وطن قومي لهم. وتبع ذلك هجرة اليهود إلى فلسطين. وقد حذر المفكرون المسلمون من مغبة هذه الهجرة، واعتبروها مؤامرة خطيرة تستهدف الإسلام وحذروا المسلمين من التعاون مع المهاجرين[1]. وحينما وقف المسلمون على عمق الفاجعة كانت السبل قد أوصدت أمامهم، ولات حين مناص.

 

تأسيس إسرائيل

لقد تناسى الصهاينة ضيافة المسلمين الفلسطينيين لهم، فاغتصبوا أراضيهم بأساليب بشعة، عام 1948م. وأنشأوا عليها دولة إسرائيل العنصرية، ولم يمضِ سوى عقد من الزمن حتى قام الكيان الصهيوني في حرب الأيام الستة عام 1967م باحتلال أراضي البلدان المجاورة وضمّها إلى كيانه الغاصب، بما فيها الشطر




[1] وردت نماذج من هذه التحذيرات في تفسير المنار، ذيل الآية 45 من سورة النساء.

99


79

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 الشرقي من بيت المقدس الذي يضم المسجد الأقصى[1]. ويطلق على الهجرة إلى إسرائيل بالعبرية "عليا" أي علو. واليوم فإن عدد يهود العالم يبلغ 14 مليون نسمة يقطن 20 بالمائة منهم في إسرائيل و80 بالمائة منهم في دول أخرى.

 

وقد حشّدَ الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا وانجلترا قواه لدعم الصهاينة على كافة الأصعدة، الأمر الذي أدّى إلى استغلال الصهاينة لهذا الدعم ـ إلى جانب ضعف قادة الدول الإسلامية ـ في تعزيز وجودهم، وفرض أوضاع مزرية على المسلمين، ما نزال نشهد مضاعفاتها الخطيرة.

 

وقد ناهضت جماعة من اليهود كجماعة "نيطوري كارتا" فكرة إنشاء إسرائيل واعتبرتها مخالفة لتعاليم اليهود، ولم تكتف بذلك بل قامت بطبع عملاتها الورقية للحيلولة دون التعامل الورقي لإسرائيل الغاصبة والمجرمة، كما خرجت في مظاهرات حاشدة في أمريكا منددة بإسرائيل، واصفه إياها بوصمة عار على جبين اليهودية.

 

الفرق اليهودية

ظهرت الفرق اليهودية المعروفة بعد الرجوع من بابل. وأما الفرق اليهودية الأكثر قدماً، فلا تتوفر معلومات كافية عنها. من هذه الفرق:

1- الفريّسيون:

ظهرت فرقة الفريسيين أي المنعزلين والمنشقين نحو قرنين قبل ميلاد المسيح عليه السلام. ويدل هذا اللقب على انفرادهم وتميّزهم. وهم يشكّلون الآن غالبية اليهود. ويرجع أصل هذه الفرقة إلى فرقة حسيديم (أي الزاهدين).




[1] حذّرت التوراة اليهود من الطمع بأموال القريب (الخروج: 20/17/ والتثنية: 5/21)، وورد فيها أيضاً: "ملعون من ينقل حدود قريبه" التثنية: 27/17-.

100


80

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 وقد برز الفريسيون من أوساط حسيديم، وكانت اتجاهاتهم الفكرية تختلف كل الاختلاف عن فرقة الصدوقيين، حيث نزهت الله سبحانه عن الجسم والصفات الجسمانية، واختارت حلاًّ وسطاً في الإرادة الإنسانية، واعتقدت بالبعث والعدل الإلهي وأولت أهمية للصلاة وسائر العبادات، وكان لها نفوذ واسع في المجتمع اليهودي.

 

2- الصدوقيون:

وهم أتباع صادوق بن اخيطوب الذي عُيّن كاهناً من قبل داود عليه السلام[1]، واستمرّ في منصبه على عهد سليمان عليه السلام[2]. وقد أثنى سفر حزقيال على كهنة بني صادوق ومجدهم ومدح أمانتهم[3].

 

يذكر أنّ الصدوقيين اهتموا بالقربان بدل الصلاة. وإن العديد من كهنة هيكل سليمان وحاخامات سَنْهِدْرين برزوا من هذه الفرقة، وكانوا على صلة طيبة بحكّام الروم. كما أنهم حافظوا على السنن القديمة، وخالفوا الفريسيين في إعادة النظر فيها وتفسيرها بالرأي وفي عاداتهم وطقوسهم أيضاً.

 

ومال الصدوقيون إلى الاعتقاد بجسمانية الله سبحانه، وقالوا إنّ الهدايا والقرابين التي تهدى إلى الله سبحانه، هي أشبه بالهدايا التي تقدّم للحكام أو الملك، كما أنهم أنكروا البعث والحياة الآخرة والحساب والجنة والنار، ورأوا أنّ الإنسان يجازى على أعماله في الدنيا، فالعمل الصالح يُنتج الخير والبركة لصاحبه، والعمل السيئ يسبِّب لصاحبه المتاعب والأزمات، وآمنوا في مجال الإرادة الإنسانية بحرية الاختيار المطلقة.




[1] سفر صموئيل الثاني: 8/17 و15/24.

[2] سفر الملوك الأول: 2/34.

[3] حزقيال: 44/15.

 

101


81

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

وهذه الفرقة لم تقل عن فرقة الفريسيين في مبلغ عداوتها للمسيح عليه السلام، والكيد له، وقد تكرّر أسمها في الأناجيل الأربعة، ولم يبق لها أثر بعد تدمير أورشليم عام 70 م.

 

3- السّامريّون:

اشتُقّ اسم السامريين من مدينة السامرة التي أضحت عاصمة لمملكة إسرائيل بعد تقسيم أرض فلسطين. وقد ظهرت هذه الفرقة بعد العودة من الأسر البابلي. ويعتقد بعض الباحثين أنها لا تنحدر من اصل إسرائيلي محض، بل ربما تكون مزيجاً من أصل إسرائيلي وآشوري.

 

وهذه الفرقة صغيرة للغاية، آمنت فقط بالأسفار الخمسة من التوراة وأنكرت (34) سفراً من العهد القديم.

 

ولهذه الفرقة اهتمام واسع بالأحكام الدينية، ولهم طقوس خاصة يمارسونها.

 

4- الإسِينيون:

يحتمل أن يكون معنى كلمة إسني الشافي، لأنهم كانوا بصدد شفاء نفوسهم، وقيل في وجه تسميتهم بهذا الاسم احتمالات أخرى.

 

ظهرت هذه الفرقة قبل حدود قرنين من الميلاد، وانقرضت بعد تدمير أورشليم (شأنها في ذلك شأن الصدوقيين وبعض الفرق الأخرى)، ولم يبق منها سوى الاسم. وقد اكتشفت عام 1947م في إحدى مغارات فلسطين على ساحل البحر الميت بعض آثارها المكتوبة مرفقة بنسخ من العهد القديم، الأمر الذي أزاح النقاب عن بعض اعتقاداتهم المبهمة.

 

ومن أهمّ ما تتميّز به هذه الفرقة هي أنها تحرّم الملكية الفردية والزواج، وتوجب التبتل والبعد عن النساء، والاغتسال عدّة مرات في اليوم، ويقال كانت قبلتهم

102


82

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 الشمس، لا هيكل سليمان، وقد أخذوا ذلك فيما يظهر عن ديانة ميترا.

 

يُذكر أنّ عدد أتباع هذه الفرقة كان يبلغ في حدود القرن الأول الميلادي ما يقرب من 4000 شخص، وهو رقم كبير نسبياً بالقياس إلى الشروط الصعبة الموضوعة للانتماء إليها. ويعتقد بعض المؤرخين أنّ أفكار هذه الفرقة شكّلت البناء الرئيسي للمسيحية الحاضرة، ويحتمل أنّ أتباعها قد اعتنقوا المسيحية برمّتهم.

 

5- القرّاؤون:

اشتق اسم القرّائين من كلمة (قرأ) في العربية والعبرية، وهي إشارة إلى قراءة الكتب السماوية. ظهرت هذه الفرقة بعد بزوغ الإسلام، وأنكرت التلمود (التوراة الشفوية)، والتزمت بحرفية التوراة وظاهرها، ما أدّى إلى تفاقم الخلاف بينها وبين فرقة الفريسيين التي جنحت إلى وضع التفاسير بغية فهم نصوص التوراة.

 

وقد أسّس هذه الفرقة عالم يهودي اسمه عَنان بن داود، عاش في عصر المنصور الدوانيقي ببغداد، وصاحبَ أبا حنيفة، وتعلّم منه اصطلاحات الفقه الإسلامي. ثمّ قام بنشر أفكارها في إيران شخص يُدعى بنيامين النهاوندي، وأجرى فيها سلسلة من التغييرات، وبدّل اسمها من العنانيين إلى القرائين (وفي العبرية قَرائيم معناها القرّاؤون).

 

وكان أكثر القرّائين في القرون الماضية يقيمون في ربوع العالم الإسلامي، أما اليوم فيقطن أغلبهم في إسرائيل وروسيا وأوكرانيا، ودول أخرى. يذكر أن اسم شبه جزيرة كريمه (Crimea) (القرم) في أوكرانيا مشتق من اسم هذه الفرقة. وهناك فرق أخرى مثل الأشكناز والسفارديم والغيوريين...

103


83

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 المفاهيم الرئيسة

- خَلَف يوشع بن نون عليه السلام موسى عليه السلام في قيادة قومه بأمر الله سبحانه، ثم ظهر بعد يوشع عليه السلام رجال كبار عرفوا بالقضاة، حكموا بني إسرائيل.

 

- اندلعت معارك طاحنة بين بني إسرائيل والفلسطينيين، أسفرت عن انتصار بني إسرائيل، ومقتل جُلْيات أحد أبطال خصومهم (المسمّى جالوت في القرآن الكريم) على يد داود عليه السلام، وهزيمة جيشه.

 

- تعرّضت مملكة إسرائيل لهجوم الآشوريين الذين حكموا شمال العراق وسوريا وكانت عاصمة ملكهم مدينة نينوى، وأسفر الهجوم عن وقوع أعداد كبيرة منهم في الأسر.

 

- بعد مضيّ قرون من الاضطراب وعدم الاستقرار تعرضت مدينة القدس للتدمير مرة أخرى على أيدي الرومانيين، الأمر الذي أسفر عن تشتت اليهود وتشرّدهم في العالم.

 

- اغتصب اليهود أراضي الفلسطينيين بأساليب بشعة، عام 1948م. وأنشأوا عليها دولة إسرائيل العنصرية.

 

- ظهرت الفرق اليهودية المعروفة بعد الرجوع من بابل، وأما الفرق اليهودية الأكثر قدماً، فلا تتوفر معلومات كافية عنها.

 

- هناك عدد من الفرق اليهودية، منها: الصدوقيون، الفريسيون، القراؤون، السامريون، الاسينيون...

104


84

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 أسئلة

1- أذكر المفاصل الأساسية من تاريخ بني اسرائيل وتحدّث عن ظهور الصهيونية بالتفصيل.

2- تكلّم عن فرقة الفريّسيين.

3- تحدّث عن الصهيونية وتأسيس دولة إسرائيل بشكل مختصر.

105


85

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 مطالعة

 

أعياد اليهود

 لليهود أعياد، هي كالتالي:

1- عيد السبت: تجتمع فيه الأسر في المنازل، وتتناول وجبة خاصة، ويتقدّم كبيرهم بكأس فيه خمر، فيباركها بعد قراءة دعاء، ثم يتعاقب على شربه أفراد الأسرة. وتعدّ عطلة السبت[1] واحدة من الوصايا العشر[2].

 

2- عيد ابتداء الشهر: ويطلق عليه بالعبرية روش حودِش، ويعني ابتداء الشهر.

 

3- السنة السابعة أو سنة الانفكاك: وفقاً لما جاء في التوراة، يجب الإعفاء من الضرائب والديون في كل سبع سنين مرة واحدة، والإقدام على أعمال الخير.

 

4- سنة اليوبيل: يقام هذا العيد مرة واحدة في كل خمسين عاماً، حيث ينجز فيه الكثير من الأعمال الخيرية والأخلاقية[3].

 

5- عيد الفِصح: وتعني في اللغة العفو، لأنّ الله تعالى عفا عن قتل المواليد الأبكار لبني إسرائيل حين عمّ فرعون ورهطه البلاء، وهو أهمّ أعياد اليهود. ويمجّده النصارى أيضاً لتلازمه مع دفن عيسى عليه السلام على حدّ زعمهم.

 

6- عيد الأسابيع: يقام هذا العيد بمناسبة مرور سبعة أسابيع على عيد الفصح، والاستعداد للحصاد. والاسم العبري له هو شاووعوت، وتعني الأسابيع.

 

7- عيد رأس السنة اليهودية: ويسمّى عندهم روش هشَّانا، ويقع في أواخر أيلول (الاعتدال الخريفي). وينفخ في هذا اليوم بالأبواق إيذاناً باستعدادهم للتوبة




[1] يطلق على السبت باللغة العبرية شبات، ومعناها العطلة والاستراحة.

[2] انظر سفر الخروج: 20 / 8 ـ 11.

[3] اللاويين / الاصحاح 25.

106


86

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

 خلال عشرة أيام.

 

8- يوم كيبور: ويعني يوم الغفران. يقع هذا العيد المهم في اليوم العاشر من شهر تِشري، ويطلقون عليه اسم "عاسور" أي عاشوراء، حيث يصوم فيه اليهود من غروب اليوم السابق حتى ليل هذا اليوم تكفيراً للذنوب، فيمتنعون عن تناول الطعام والشراب، وعن الاستحمام والعمل، ويحضرون في الكنائس للصلاة والاستغفار، ويرتدي فيه اليهود الأصوليون لباساً خاصاً، ويجتنبون لبس الأحذية المصنوعة من الجلد.

 

9- عيد الظلل: يبدأ في الثاني والعشرين من شهر تِشْري، ويبني فيه اليهود أكواخاً صغيرة لتذكرهم بالأكواخ التي كان يعيش فيها اليهود في فترة التيه. ويطلق عليه بالعبرية سِكّوت ويعني الظلل.

 

10- عيد النور أو ما يعبّر عنه بالعبرية حنوكة: وهو ذكرى انتصارهم على اليونانيين عام 168 ق.م، وتطهيرهم هيكل سليمان من الرذائل والأعداء. ويقع هذا العيد بعد أسبوع واحد من عيد الظلل.

 

11- عيد القرعة أو ما يعبّر عنه بالعبرية بوريم: يقع في شهر مارس، وهو احتفاء بذكرى إنقاذ اليهود من مؤامرة هامان وزير الملك خشايارشا لإبادتهم. وقد جاء تفصيل هذه الحادثة في سفر أستير من العهد القديم. ووجه تسميته بالقرعة يعود إلى أن هامان تشبث بالقرعة لتعيين يوم إبلاغ خطته للملك.

107


87

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 الدرس الثامن: اليهودية - 3 - (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن: 

1- يبيّن أهم عقائد اليهود.

2- يبيّن بعض أحكام اليهود.

3- يتعرّف إلى أهم كتبهم.

109


88

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 عقائد اليهود

1- الأصول الثلاثة عشر:

أضفى العالم الديني اليهودي الطبيب الفيلسوف موسى بن ميمون (1135 ـ 1204 م). على اليهودية ثوباً جديداً، حين قام بإعداد ثلاثة عشر أصلاً، هي كالتالي:

1- وجود الله.

2- توحيده.

3- تجرّده عن المادة.

4- تجرّده عن الزمان.

5- حكمته.

6- عدالته.

7- التقرّب إليه بالعبادات.

 

و هذه جميعها تتعلق بالله سبحانه، أما سائر الأمور، فهي:

8- الاعتقاد بالنبوة.

111


89

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 9- أفضلية موسى عليه السلام على سائر الأنبياء.

 

10- الإيمان بأنّ التوراة كتاب سماوي.

11- عدم جواز نسخ الأحكام.

12- ظهور المسيحا الموعود.

13- القيامة وخلود النفس الإنسانية.

 

2- التوحيد في الديانة اليهودية:

أُقيمت دعائم اليهودية منذ البداية على التوحيد، ونهض جميع أنبيائهم من موسى عليه السلام حتى آخرهم لمكافحة الشرك.

 

إنّ الاسم الخاص للّه سبحانه في الديانة اليهودية هو (يهوه) ويعني الموجود. وقد حظي هذا الاسم بقدسية بالغة لدى اليهود، وإنّ تلفّظه حتى من خلال قراءة التوراة يُعدّ حراماً. وعلى إثر هذا التحريم فإنّ أحداً لا يعلم على وجه الدقّة التلفّظ الحقيقي لهذه الكلمة، ولهذا فإنها تُكتب في بعض الكتب العلمية للغرب بدون حركات (YHWH) عملاً بالاحتياط العلمي. ويعتقد بعض الباحثين أن التلفّظ الحقيقي لهذه الكلمة هو (يَهْوَهْ).

 

ومن الأسماء الأخرى لله (إهْيهِ أشِرْ إهْيِه) وقد ورد هذا الاسم في سِفْر الخروج: 3/14 إلّا أنّه صُحّف إلى آهِيّاً شَراهِيّاً بسبب قلة اطّلاع بعض النّسّاخ.

 

3- النبوة في اليهودية:

يؤمن اليهود بالنبوة، ولهم فيها أبحاث كلامية واسعة، إلاّ أنهم فسّروها بتفسير خاص، هو التنبّؤ، وزعموا أنّ أنبياء كباراً كإشعيا، إرميا، حزقيال، وهوشع كانوا أنبياء، أي متنبّئين بالمستقبل.

 

وقد ذكر العهد القديم العديد من الأنبياء مثل إشعيا وإرميا وعاموس، وأورد

112


90

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 خطاباتهم التي حذروا فيها بني إسرائيل من مغبّة أعمالهم القبيحة، وتنبّأوا لهم فيها بالذلّة والهوان والأسر. وقد اشتمل (17) سفراً من الأسفار المذكورة في نهاية العهد القديم ـ والتي تُعرف بالأسفار النبوية ـ على هذه التنبّؤات.

 

4- المعاد في اليهودية:

لم يرد المعاد في التوراة بل لم يرد في العهد القديم أصلاً. ولا بدّ من القول إنّ تعبير الآخرة الوارد في سِفْر التثنية 16:8 ومرائي أرميا 18:4 جاء بمعنى العاقبة الدنيوية. ومن وجهة نظر التوراة[1] فإن الكفر والإيمان لهما تأثير مباشر في جلب النعم الدنيوية أو سلبها. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن التلمود مشحون بذكر القيامة. وقد أنكرت فرقة الصدوقيين البائدة القيامة خلافا للفريسيين الذين اعتقدوا بها، وكانوا يعتقدون بوجود الجنة وجهنم.

 

إنّ أحد معتقدات اليهود الرئيسة الذي يرى الباحثون أنه مقتبس من الزرادشتية، هو فكرة البعث أو الرجعة، حيث ذهب الإيرانيون القدماء إلى أنّ "أهورا مازدا" سوف ينتصر في النهاية على "أنغرومئنيو" ويقضي عليه، ومن ثم ينبعث الموتى. واكتست هذه الفكرة طابعاً معنوياً، وأصبحت نتاجاً أصيلاً لإلهامات اليهود، وبذلك ابتعدت عن أصلها الشكلي الجامد الذي كانت عليه في ديانة إيران القديمة.

 

وذكر الباحثون أن الاعتقاد بخلود الروح كان رائجاً عند بني إسرائيل منذ القدم، وأشير إليه في عدّة مواضع من الكتاب المقدّس، ولكن هذا الاعتقاد ارتبط بعد العودة من بابل ارتباطاً وثيقاً بفكرة خلود المسيح الموعود وظهوره التي ترشحت عنها فكرة البعث. وهذه الفكرة تعارض صريح القرآن الكريم الذي تحدث عن بعثة موسى عليه السلام في أوائل سورة طه، والتي نفهم منها بوضوح أن البعث جاء على لسان موسى عليه السلام في أول خطاب له.




[1] اللاويين: الإصحاح 26، والتثية: الإصحاح 28.

113


91

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 5- انتظار ظهور المسيح:

 

إنّ فكرة انتظار "المسيح" فكرة يهودية محضة، فإنّ الأقوام الغابرة لما أصيبوا بخيبة أمل مريرة، ويئسوا من المستقبل، بعد العصر الذهبي الذي مروا به، راحوا يتشدقون بالماضي الذي وجدوا فيه كمال السعادة الاجتماعية والوطنية.

 

واليهود آمنوا بأن العالم قد خُلق على أكمل وجه، وأن الإنسان الأول خُلق مباشرة على يد الله سبحانه، الأمر الذي يستدعي أن يكون كاملاً وسعيداً. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم لا يُمنّون أنفسهم بالسعادة والفضيلة اللتين سادتا العصر الذهبي، بل هم يتطلّعون إلى مستقبل جديد. وقد اشتهرت بين اليهود عبارة الكتاب المقدس: "فتكون حالتك الأولى وضيعة، وتكون حالتك الأخيرة مزدهرة"[1].

 

وكان اليهود بعد التدمير الأول لمدينة القدس ينتظرون قائداً إلهياً فاتحاً، يعيد لهم عظمة وشوكة شعب الله في عهد داود وسليمان، وأطلقوا على المخلص المنتظر اسم "المسيح" ويعني "الممسوح"، وهو لقب ملوك بني إسرائيل، لأنّ الأنبياء طبقاً لأسطورة قديمة، كانوا يمسحون رؤوس الملوك بزيت البركة أمام الملأ، الأمر الذي يُكسبهم نوعاً من القداسة. ثم صار هذا اللقب (المسيح) في العصور اللاحقة للمنقذ المنتظر.

 

ولما كان مصطلح "المسيح"[2] (Christ) يختص بعيسى عليه السلام، فإن ذلك دعا علماء اليهود إلى الإشارة إلى موعود اليهود بمصطلح "المسيحا" وهو مشتق من الكلمة العبرية "ماشيحا"، نظراً إلى أنّ تلفظها باللغة اللاتينية هو (Messiah).

 

لقد أفعمت قلوب بني إسرائيل بحب المسيح الموعود، في حين كان الحكام الظلمة يتربّصون به الدوائر. ونطالع في الاصحاح الثاني من إنجيل مَتَّى أن هيرودس



[1] أيوب: 8/7.

[2] ورد المصطلح اليوناني Christos بمعنى الممسوح بالزيت وهو يعادل "المسيح" مع تغيير طفيف.

 

114


92

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 الكبير ملك فلسطين، همّ بقتل عيسى عليه السلام عقب ولادته، إلاّ أنّ هذا الخطر رُفع عنه، بعد أن حُمل إلى مصر بأمر الله سبحانه.

 

وقد أضفى اليهود مسائل أخرى على عقيدة المسيحا، كإخراج الأرض خيراتها في عهد المسيحا، والتكهّن بوقوع حوادث في ذلك العهد لا أثر لها ولا عين حتى في العصر الذهبي لداود وسليمان، نظير جريان السحاب والرياح والشمس والأرض بما يشتهي بنو إسرائيل. وقد دونت هذه التنبؤات في كتب كثيرة، وظهرت من وراء ذلك أدبيات المكاشفة (Apcaly ptic Literature)، وما كتاب دانيال من العهد القديم الذي صنف عام 165ق.م. إلا نموذج على ذلك. وقد عزا جمع من الباحثين هذه العقيدة إلى الديانة الزرادشتية ثم سرت إلى اليهودية من خلال الاعتقاد بقيام الماشيح.

 

أحكام اليهود

إن لليهود أحكاماً كثيرة ومعقدة للغاية، لا يسع ذكرها في هذا المختصر. هذه الأحكام تتعلّق بأمور النجاسة والطهارة والأكل الحلال والحرام وأمور أخرى.

 

وقد وردت أحكام اللحم الحلال والحرام في سِفْر اللاويين 11 والتثنية 14، ومن جملتها حلية لحم الدواب ذوات الحوافر والمجترة، وعلى هذا فأكل لحم البعير والأرنب حرام لأنها ليست من ذوات الحوافر، ولحم الخنزير حرام لأنه ليس من الحيوانات المجترة، وهكذا الحال في الطيور والحيوانات البحرية فإن لها أحكاماً متنوعة. ويضع اليهود قيوداً كثيرة على حلية لحوم الحيوانات وطريقة ذبحها وكيفية طبخ لحومها وأكلها، والشروط اللازم توفرها في الذابح، ويسمى اللحم الحلال المأكول "كاشر".

 

كما يحرم تناول اللحم مع اللبن. وتقوم مجموعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحياناً بتفقّد المطاعم في إسرائيل لئلّا تقدّم لزبائنها اللحم الحرام أو

115


93

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 اللحم مع اللبن، وتوجب على أتباعها غسل الأيدي وفقاً للديانة اليهودية حين تناول الخبز وأنواع أخرى من الأطعمة.

 

ويعتبر غسل الأيدي إلى المفصل بعد النهوض من النوم وضوءاً للعبادة، كما أن شدّ الذراع والجبهة الوارد في بعض أسفار التوراة واجب حين أداء صلاة الصبح.

 

وهم يقيمون الصلاة ثلاث مرات في اليوم: صلاة الصبح، صلاة العصر، وصلاة المغرب. وتقام الصلاة عند حضور ما لا يقل عن 10 أشخاص في الكنيسة، ويُقدَّم أكبرهم سنّاً وأعرفهم بالعبرية، فيقرأ مقاطع من التوراة أو أدعيةً بالعبرية، وقد يركعون في بعض الموارد.

 

يذكر أن قبلة اليهود هي هيكل سليمان (المسجد الأقصى)، وانفرد السامريون منهم فاتخذوا من جبل جِرزيم (القريب من نابلس) قبلةً لهم.

 

وصوم اليهود موزع على أشهر السنة، وأهم صوم لهم هو صوم يوم كيبور حيث يبتدئ فيه الصوم من غروب اليوم السابق لمدة يوم كامل، ويحترزون فيه عن تناول الأكل والشرب والغسل، ما خلا غسل الأصابع والتجميل واستعمال العطور والجماع ولبس أحذية الجلد، ويبادرون إلى العبادة والاستغفار في الكنيسة، وصوم اليوم التاسع من الشهر العبري (آب) تخليداً لذكرى تدمير أورشليم عام 587 ق.م، حيث يمارسون فيه طقوساً كطقوس يوم كيبور، وصوم يوم الاثنين والخميس حيث يتم بالكف عن الأكل والشرب منذ طلوع الفجر وحتى غروب الشمس.

 

وكان معبد أورشليم قائماً حتى عام 70م، يحج إليه الذكور من اليهود سيراً على الأقدام ثلاث مرات في السنة وهي: عيد الفصح، وعيد الأسابيع، وعيد سوكوت. وبالطبع فإن ثمة زيارات أخرى إلى أورشليم غير ما ذكر. يشار إلى أن الختان في اليهودية فريضة مؤكدة وعهد الله إلى إبراهيم عليه السلام[1].




[1] سِفْر التكوين: 17/9 - 14.

116


94

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 ويطلق اسم اللاويين على من انتمى إلى موسى وهارون عليه السلام، وهم بمنزلة السادات في العالم الإسلامي[1]، والحاخام (الحكيم) هو عالم اليهود والكاهن كذلك، ويجب أن يكون من نسل هارون عليه السلام أو من اللاويين.

 

كتب اليهود

1- العهد القديم (تنَخ tenakh):

يطلق اليهود على كتابهم السماوي اسم "تنَخ" وهو نفس العهد القديم الذي أطلقه النصارى على الكتاب المقدّس لليهود في مقابل عهدهم الجديد. ويؤمن النصارى بالعهدين على حد سواء من خلال تقديم الناسخ على المنسوخ. فإذا ورد في التوراة حرمة لحم الخنزير، وحذرت اليهود من تناوله، فقد ورد في العهد الجديد حلية كافة أنواع اللحوم، وبالطبع فإنّ المسيحيين كاليهود ينكرون النسخ ويعتقدون أن شريعة العهد القديم كانت مقدمة لترك الشريعة في العهد الجديد.

 

وقد كُتب العهد القديم باللغة العبرية وقليل منه باللغة الكلدانية، وهما نظير اللغة العربية من اللغات السامية. ويبتدئ العهد القديم بكتاب التوراة.

 

والتنخ أو العهد القديم ـ حسب الترجمة المسيحية ـ 39 سِفْراً، وتنقسم مواضيعه إلى ثلاثة أقسام رئيسة، هي:

- القسم التاريخي للعهد القديم.

- الحكمة، الأناشيد والشعر.

- تنبّؤات الأنبياء.




[1] السيد في الإسلام هو من ينتمي عن طريق الأب إلى هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا الحال عند اللاويين فهم ينتمون إلى موسى بن عمران بن قهات بن لاوي.

117


95

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 أ- القسم التاريخي لتنخ (العهد القديم):

يشتمل القسم التاريخي للعهد القديم على 17 سِفْراً، ويطلق على الأسفار الخمسة الأولى "التوراة" أو "بنتاتوك" "pentateuch" وتعني الأسفار الخمسة.

 

تبدأ التوراة بسِفْر التكوين الذي يتضمّن خلق العالم، قصة آدم وحواء وأكلهما من شجرة المعرفة وإخراجهما من جنة عدن، أخبار أولاد آدم، وطوفان نوح، وأخبار إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف عليهم السلام. أما الأسفار الأربعة اللاحقة، فإنها تتناول سيرة موسى عليه السلام. وحسب عقيدة اليهود والنصارى فإن مؤلّف الأسفار الخمسة هو موسى عليه السلام، ويعقب الأسفار الخمسة اثنا عشر سفراً تشتمل على تاريخ بني إسرائيل منذ عهد يوشع عليه السلام فما بعده.

 

ب- الحكمة، الأَناشيد والشعر:

يشتمل هذا القسم على خمسة أسفار، وهي:

1- سفر أيوب (تعرّض إلى ابتلاء أيوب عليه السلام، وصبره وسخطه، على حدّ تعبير هذا السفر).

2- سفر المزامير ويعني زبور داود (وهو مجموعة تتألف من 150 مزموراً).

3- سفر أمثال النبي سليمان عليه السلام (وهو مجموعة نصائح).

4- سفر الجامعة (وهو من الشعر، فيه تشاؤم وتشكيك حول الدنيا).

5- سفر نشيد الأناشيد (وهو مجموعة أشعار غزلية).

 

ج- تنبّؤات الأَنبياء:

ويشتمل هذا القسم على تحذيرات وتهديدات تحوم حول عاقبة بني إسرائيل. ولا بدّ للقارئ من أن يحيط علماً بتاريخ تلك العصور لكي يقف على مغزى تنبّؤات الأنبياء، ويضمّ هذا القسم (17) سفراً.

118


96

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 2- التَّلْمود:

 

اشتقّت كلمة التلمود التي تعني التعليم من الفعل الثلاثي العبري "لمَد" (ويعني علّم)، وهي ذات علاقة بلفظ تلميذ ومشتقاته الذي هو رباعي في اللغة العربية. والتلمود كتاب ضخم جمعت فيه أحاديث اليهود وأحكامهم.

 

وقد ظهرت أبان السبي البابلي جماعة أُطلق عليها سوفِريم (وتعني الكُتّاب)، وهم الذين أولوا أهتماماً بكتابة التوراة والأحكام الدينية. ومن أبرزهم الكاتب "عزرا" (عُزَيرْ) الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، ولعله أبرز شخصية ظهرت في أوساط اليهود بعد موسى عليه السلام، حيث عقد العزم على إثراء شريعة موسى عليه السلام من خلال استخراج نصوص من كتاب العهد القديم، تفي بمتطلبات المجتمع اليهودي، وكانت خطوته تلك بداية للسنّة الشفوية.

 

ثمّ راج بعد عزرا أسلوبٌ في تفسير وتأويل النصوص الدينية يُسمّى مدراش (ومعناه البحث والتتبّع)، لأن العلماء تتبّعوا على ضوئه المعاني الكامنة في التوراة، بغية وضع الحلول لكافة المسائل والمستجدات.

 

وانتخب لأسفار التلمود اسم المشنا (Mishnah) بمعنى المثنّى أو المكرّر، أي أنها تكرار وتسجيل للشريعة في مقابل المِقرا، وتعني القراءة أو المقروء. ويُطلق على التلمود المشنا لأنه تكرار للتوراة، وعلى التوراة المِقرا.

 

وقد دُوّنت أسفار المشنا باللغة العبرية العاميّة، وهي لغة التخاطب لدى بني إسرائيل، وهي تختلف اختلافاً غير يسير عن اللغة العبرية التي أُلّفت بها أسفار العهد القديم.

 

وعلى أية حال، فالتلمود ينقسم إلى ستة أقسام، تتضمن 63 رسالة في 523 فصلاً، وهذه الأقسام هي كالتالي:

1- كتاب زراعيم (أي البذور، ويتضمّن القوانين الخاصة بالأرض والزراعة) 11 رسالة.

119


97

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 2- كتاب مُوعَد (أي العيد أو الموسم، ويتضمّن الأحكام الدينية والفرائض الخاصة بالسبت والأعياد والأيام المقدسة) 12 رسالة.

 

3- كتاب ناشيم (أي النساء، ويتضمّن الأحكام والنظم الخاصة بالزواج والطلاق) 7 رسائل.

4- كتاب نزيقين (أي الأبرار، ويتضمّن جزءً كبيراً من الشرائع المدنية والجنائية) 10 رسائل.

5- كتاب قداشيم (أي المقدّسات، ويحتوي على الشرائع الخاصة بالقرابين وخدمة الهيكل) 11 رسالة.

6- كتاب طهاروت (أي الطهارة، ويتضمّن الأحكام الخاصة بما هو طاهر ونجس، وما هو حلال وحرام من المأكولات والمشروبات وغيرها) 12 رسالة.

 

وأطلق على شروح المِشنا اسم "الغِمارا" (Gemara) أي الشرح والتعليق، وزُعم أنها استدراك لأحاديث الربابنة الماضين، وبها يكتمل كتاب المشنا. وتتناول "الغِمارا" كل مقطع من نصوص المِشنا على حدة، وتشبعه شرحاً وتفسيراً وتحليلاً، مع استعراض الشواهد.

 

وثمّة نوعان للغمارا: أحدهما، الغِمارا الفلسطينية التي دوّنها علماء اليهود في فلسطين، والثاني الغِمارا البابلية التي دوّنها علماء اليهود في بابل، وهي أكثر تفصيلاً من الغِمارا الفلسطينية.

 

وقد قسّم التلمود تبعاً للغمارا إلى قسمين أيضاً: التلمود الفلسطيني، والتلمود البابلي. ويتألف التلمود من عنصرين أساسيين: أحدهما هالاغاه (Halakhah) وتعني الطريق والمسلك وهي عبارة عن تعاليم دينية للحياة الصالحة، والآخر الهغادا (Haggadah) أي الحديث، وهو عبارة عن أحاديث الربابنة التاريخية والخُلقية والدينية التي تستهدف بناء شخصية المؤمن عبر الأمثال والعبر والقصص

120


98

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 المستقاة من تاريخ اليهود وسير حكمائهم وعظمائهم، ومن خلال وصف أنواع الثواب والعقاب في هذا العالم والعالم الآخر.

 

وقد تكفّل التلمود باعتباره دائرة معارف غزيرة المحتوى بالحفاظ على الديانة اليهودية، وأضحى مصدراً هامّاً من مصادر التشريع اليهودي. ولكونه يتضمّن الطعن على عيسى عليه السلام فقد رفضه المسيحيون، وأعلن زعماء الكنائس في القرن السادس الميلادي عن مخالفتهم له، بيد أن ذلك لم يخلّف مشكلة كبيرة طيلة قرون متمادية، إضافة إلى أن الأوساط العلمية اليهودية حرصت على عدم إثارة حفيظة النصارى، إلى أن قام يهودي اعتنق المسيحية بتحريض البابا عام 1239م على حرق كتاب التلمود، ومنذ ذلك الوقت أصبح حرقه أمراً رائجاً، حيث تُسيّر العربات المحملة بنُسَخ هائلة من التلمود إلى ميادين المدينة، ويتمّ احراقها أمام الملأ، أو الانتفاع من جلودها في صناعة الأحذية.

 

3- قبالا:

ظهر العرفان أو التصوّف في الأديان كردّ فعل على الشريعة والتعقّل (الفقه والفلسفة)، ولا يتيسّر إثباته أو نفيه، لأنه نابع من الذوق، وله ارتباط وثيق بالفن، وهو كالنار الهادئة يجذب كل شيء نحوه ويتقدم إلى أمام.

 

وترك العرفان اليهودي (الذي يسمّى قبالا أي المقبول) بصمات واضحة على الحياة المعنوية لبني إسرائيل. ومن أشهر الكتب التي أُلفت في هذا المضمار، كتاب زوهَر (أي زاهر)، وقد دار جدل ونقاش طويل حول مؤلف الكتاب المذكور.

 

ويُبحث في علم قبالا عن العرش الإلهي، والاسم الأعظم، وحوادث آخر الزمان، وظهور المسيحا الموعود، والرجعة، والقيامة، ويلعب علم الحروف دوراً كبيراً في هذا الفن.

121


99

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 المفاهيم الرئيسة

- أُقيمت دعائم اليهودية منذ البداية على التوحيد، ونهض جميع أنبيائهم من موسى عليه السلام حتى آخرهم لمكافحة الشرك.

 

- إنّ الاسم الخاص لله سبحانه في الديانة اليهودية هو (يهوه) ويعني الموجود.

 

- يؤمن اليهود بالنبوة، ولهم فيها أبحاث كلامية واسعة، إلاّ أنهم فسّروها بتفسير خاص، هو التنبّؤ، وزعموا أنّ أنبياء كباراً كإشعيا، إرميا، حزقيال، وهوشع كانوا أنبياء، أي متنبّئين بالمستقبل.

 

- لم يرد المعاد في التوراة بل لم يرد في العهد القديم أصلاً.

 

- لليهود أحكاماً كثيرة ومعقدة للغاية، لا يسع ذكرها في هذا المختصر، هذه الأحكام تتعلق بأمور النجاسة والطهارة والأكل الحلال والحرام وأمور أخرى.

 

- إن أحد معتقدات اليهود الرئيسية الذي يرى الباحثون أنه مقتبس من الزرادشتية، هو فكرة البعث أو الرجعة.

 

- يطلق اليهود على كتابهم السماوي اسم "تنَخ" وهو العهد القديم نفسه.

 

- يشتمل القسم التاريخي للعهد القديم على 17 سِفْراً، ويطلق على الأسفار الخمسة الأولى "التوراة" أو "بنتاتوك" وتعني الأسفار الخمسة.

 

- التلمود كتاب ضخم جمعت فيه أحاديث اليهود وأحكامهم.

 

- لكون التلمود يتضمّن الطعن على عيسى عليه السلام فقد رفضه المسيحيون، وأعلن زعماء الكنائس في القرن السادس الميلادي عن مخالفتهم له.

 

- ترك العرفان اليهودي (الذي يسمّى قبالا أي المقبول) بصمات واضحة على الحياة المعنوية لبني إسرائيل. ومن أشهر الكتب التي أُلفت في هذا المضمار، كتاب زوهَر.

122


100

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 أسئلة

1- أذكر العقائد الأساسية الثلاثة لدى اليهود وتكلّم عن واحدة بالتفصيل.

2- أذكر عدداً من أحكام الديانة اليهودية.

3- تكلّم عن العهد القديم والفرق بينه وبين التلمود.

 123


101

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

 مطالعة

 

الحياة العائلية عند اليهود

تبدأ الحياة الزوجية بالخطبة، التي تقام تحت قبة مخصوصة (Hupa). وعلى الخاطب ومخطوبته صيام اليوم السابق لإعلان الخطبة، التي تعقد بمحضر شاهدين اثنين يعينان خصيصاً لهذا الأمر، ومن غير أقارب الزوجين. وعلى الزوج أن يقدم عهداً مدوناً Ketubbah، يتضمن ضمانات تكفل حق الزوجية مستقبلاً. والقصد من الزواج هو التكاثر والتناسل وطلب العفة وبناء عش الزوجية. فقد جاء في (سفر التكوين: 1/ 18): "خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم، وباركهم الله وقال لهم: أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها.."

 

ولا يجوز للزوجين الجِماع خلال فترة الحيض التي تسمى الزوجة فيها "Nidda"، وسبعة أيّام من بعدها، وكذا اثني عشر يوماً من كل شهر تعرف بفترة الانفصال: "Michitzah" أما فترة وجوب الاتصال الجنسي بين الزوج وزوجته فتعرف بـ " onah". وعلى الزوجة الاغتسال في بركة مخصوصة جُمعَ ماؤها من المطر (Mikveh)، ومثل هذا الغسل يلزم المخطوبة قبل الدخول بها.

 

ورغم أن تعدد الزوجات كان عادةً شائعةً ومألوفة بحكم التوراة والتلمود، فقد انعقد رأيُ علماء اليهود في المجمع الديني (Synod) الذي دعا إلى عقده جيرشوم حوالي نهاية الألف الأول من الميلاد على تحريمه، وأن لا يقع طلاق من غير رضى الزوجة وقبولها، ولكنه ظل مألوفاً، عند اليهود الساكنين في الأوساط الإسلامية[1].




[1] في غياب السلطة الدينية المركزية الممثّلة للشرعية والإجماع، بدأت الدعوة إلى عقد المجامع الدينية Synod، مثل المجمع الآنف الذكر الذي دعا إليه جيرشوم (960 - 1041م)، والذي حرم فيه تعدد الزوجات، ووجوب توفر رضى الزوجين لوقوع الطلاق، ثم عقد مجمع في ميتز 1223م، ومجمع يهود إسبانيا 1354م ومجمع القدس 1552م والمجمع الذي دعا إليه نابليون عام 1806م. وفي عام 1903م، عقد مجمع كبير حضره خمسون من كبار ربائي اليهود بمدينة كراكاو، وتحت زعامة رئيس ربائي الاسكندرية إلياهو حزان، وانتهى هذا المجمع إلى نفي تهمة مصِّ دماء المخالفين عن اليهود، ورفض النزعات العدمية التي انتهى إليها بعض اليهود. أنظر: دائرة المعارف اليهودية، مادة: اليهودية، ص 604 – 605.

124


102

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 الدرس التاسع: المسيحية - 1 - (سيرة عيسى عليه السلام)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يتحدّث عن سيرة عيسى عليه السلام ونشأته والعصر الذي عاش فيه.

2- يتحدّث عن نهضة عيسى عليه السلام ونهاية دعوته كما وردت في الأناجيل.

3- يبيّن مواقف عيسى الثورية والسياسية.

125


103

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 عصر ظهور عيسى عليه السلام

ولد المسيح عيسى عليه السلام في إحدى نقاط العالم التي كانت خاضعة لنفوذ الرومان، فلسطين، وهي آخر الأراضي التي وقعت تحت سيطرتهم. وفي هذا العصر رزح اليهود تحت سلطة الرومان الذين مارسوا ضدّهم ضغوطاً كبيرة، أسفرت عن نشوب اضطرابات وحركات تمرّد في صفوف اليهود في فلسطين، تمّ إخمادها وقمعها بكلّ قسوة.

 

سيرة عيسى عليه السلام

ولد عيسى عليه السلام وفقا لإنجيليْ متّى ولوقا في بيت لحم (على بعد 8 كم من أورشليم)، وهي المدينة نفسها التي وُلد فيها داود عليه السلام قبل حدود 1000 عام من الميلاد. وتعتبر سنة ولادة المسيح بداية التاريخ الميلادي. ولكن يصعب تحديد سنة ولادته على وجه الدقة، ويحتمل أن تكون قبل أربع إلى ثمان سنوات من مبدأ التاريخ الميلادي.

 

وقد وردت قصّة ولادته في بداية إنجيليْ متّى ولوقا، إلاّ أنّها لم ترد في إنجيلي مرقس ويوحنّا، كما لم يرد فيها ذكر لبيت لحم، وإنّما أشارا فقط إلى مدينة الناصرة[1].




[1] مرقس: 1/9، يوحنا: 1/45 ـ 46 و7/42.

127


104

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 وأُطلق عليه بعد ولادته اسم يسوع، وأبدله اليونانيون والرومانيون إلى يسوس (Iesus, Iesous)، وعُرف في العربية باسم عيسى. ولم ترد في الأناجيل أيّة إشارة إلى حياة الطفولة وأوان الشباب لعيسى. ولمّا بلغ من العمر حدود ثلاثين سنة، قصد يوحنّا المعمدان (يحيى بن زكريا عليهما السلام) للتعميد، ما يؤيد احتمال معرفته بفرقة الإسينيين من قبل.

 

وقد ورد في الأناجيل ذكرُ إخوةٍ لعيسى عليه السلام وأخوات. ووفقاً لعقيدة المسيحيين الكاثوليك والأرثذوكس فإنّ مريم عليها السلام ظلّت عذراء إلى آخر عمرها، فمن المستحيل أن يكون لعيسى عليه السلام إخوة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، ولهذا عمدوا إلى تأويل كلام الإنجيل في هذا الصدد. أمّا المسيحيون البروتستانت، فيميلون إلى المعنى الظاهر لهذه الكلمات من خلال القول إنّ عيسى عليه السلام ولد من مريم العذراء، ولكن مريم عليها السلام وزوجها يوسف النجار مارسا حياتهما الزوجية بصورة طبيعية عقب ولادته عليه السلام، وأنجبا أطفالاً.

 

يوحنا المعمدان

ظهر قبل بعثة عيسى عليه السلام بقليل، نبي شاب هو يحيى بن زكريا عليهما السلام، وقد ذاع أمره في بني إسرائيل، وكان يعظ الناس بقوله: "توبوا، قد اقترب ملكوت السموات"[1].

 

ويُراد بملكوت السموات لدى بني إسرائيل: مملكة السماء، وهي هدفهم النبيل. ولهذا السبب - وطبقاً لتصريح الأناجيل في موارد مختلفة - فإنّ دعوة يوحنا المعمدان قد أحرزت نجاحاً باهراً، وتركت أثراً عميقاً في نفوس الناس، حتى أن جماعات كثيرة من مختلف شرائح المجتمع كانت تقصده، وتتوب على يديه، وكان هو يعمّدهم (أي يغسّلهم في نهر الأردن لتطهيرهم من الخطايا والذنوب). وكان يحيى




[1] متّى: 3/2، مرقس: 1/4، لوقا: 3/3.

128


105

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 عليه السلام جريئاً في الحق، يقول ما يعتقد دون خوف أو وجل من سطوة حاكم وطغيان ملك. وقد ندّد بخطايا هيرودس ملك اليهود الظالم وحاكم ولاية الجليل، الأمر الذي لم يُطقه ذلك الملك، فأمر بقطع رأسه في السجن[1].

 

التآمر على عيسى عليه السلام

ورد في الأناجيل أن عيسى عليه السلام قد شرع في التبشير وهو في الثلاثين من عمره[2]، وقام تعليمه الأساسي على أمرين:

1 ـ توبوا، أي توبوا عن الخطيئة وتوبوا إلى الله.

2 ـ اقبلوا ولاية الله على حياتكم (أي ملكوت الله).

 

ولما سمع عيسى المسيح عليه السلام بنبأ اعتقال يحيى عليه السلام بارح مدينته الناصرة، وتوجّه إلى مدينة كفرناحوم الواقعة على ساحل بحيرة الجليل.

 

"وكان (عيسى) يسير في الجليل كله، يعلّم في مجامعهم ويعلن بشارة الملكوت، ويشفي الشعب من كل مرض وعلة، فشاع ذكره في سورية كلها، فأتوه بجميع المرضى المصابين بمختلف العلل والأوجاع من الممسوسين والذين يصرعون في رأس الهلال والمقعدين فشفاهم، فتبعته جموع كثيرة من الجليل والمدن العشر وأورشليم واليهودية وعبر الأردن"[3].

 

إنّ عيسى عليه السلام كنظيره يحيى عليه السلام بشّر بقرب ملكوت السماء دون أن يخلق له ذلك متاعب مع الناس. وواصل عيسى عليه السلام مهمّة يحيى عليه السلام وبدأ دعوته مبشّراً بقرب ملكوت السماء، وتصدّى للإرشاد والوعظ في الكنائس اليهودية، وتبنّى زعامة الأتباع والمؤمنين. وقد أثنى عيسى عليه السلام على يحيى عليه السلام غير مرّة، واقتدى




[1] متّى: 14/1 ـ 12، مرقس: 6/14 ـ 29، لوقا: 9/7 ـ 9.

[2] لوقا: 3/23.

[3] متّى: 4/23 ـ 25، مرقس: 1/14 ـ 15، لوقا: 4/14 ـ 15.

129


106

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 بسيرته الحسنة في نقاشاته وسجالاته مع خصومه[1].

 

شعر زعماء اليهود حينها أنّ تعليمات يسوع تهددهم، بعد أن أدركوا أنه لا يلبّي طموحاتهم في ظهور المسيح الفاتح، وأنه ماضٍ في إدانة خطيئاتهم وسوء أخلاقهم، فعمدوا إلى التآمر عليه.

 

نهاية مسيرة عيسى عليه السلام

أشارت الأناجيل إلى سيرة المسيح عليه السلام، وأوردت مقتطفات من كلامه، إلاّ أنّ اهتمامها انصبّ بالدرجة الأساسية على تبشيره عليه السلام. وقد جاءت أخبار قتله صلباً في نهاية الأناجيل الأربعة، وخلاصة ما جاء فيها أنه كان زاهداً، ماضي العزم في إصلاح مجتمعه المُمزّق البالي، وقد سعى كل السعي في تنفيذ برامجه الإصلاحية على نطاق واسع، إلاّ أنّ النجاح لم يحالفه كثيراً. ولمّا مضى عليه السلام، وتأسسّت الكنيسة والمجتمع المسيحي المتمثّل في عدد من تلاميذه وحواريّيه، أخذ هذا الدين ينهض شيئاً فشيئاً. ويعتقد المؤرخون أنّ خطة بولس الذي اعتنق المسيحية بعد المسيح عليه السلام في التبشير كان لها أكبر الأثر في هذا الشأن، إلاّ أنّ الجماعة المسيحية تنسب هذا الدور إلى روح القدس.

 

وشعر أحبار اليهود بأنّ تعاليم عيسى تهدّدهم، فتآمروا عليه ليقتلوه، وخانه يهوذا الإسخريوطي أحد الرسل، فأُسلم إلى السلطات الرومانية بتهمة التآمر عليها لإطاحة حكمها الاستعماري. وفي آخر ليلة من حياته تناول العشاء مع رسله، وبعد العشاء الأخير ألقت السلطة الرومانية القبض على عيسى عليه السلام، وحكم عليه بالإعدام. وتعلِّمنا الأناجيل أنّ عيسى صُلب ومات على الصليب وقُبر.

 

وطبقاً لما ورد في الأناجيل فإنّ عيسى عليه السلام قد قُتل على صليب ودُفن ثم بُعث من الأموات بعد أيام ثلاثة، وظهر أربعين ليلة لتلامذته ثم عرج به إلى السماء. وكل




[1] متّى: 21/23 ـ 27، مرقس: 11/27 ـ 33، لوقا: 20/1 ـ 8.

130


107

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 هذه الحوادث حسب السيرة المسيحية قد اتفقت عام 33 م.

 

غاب عيسى عليه السلام عن الناس، ولكن جماعة من أتباعه ظلّت ملتزمة بعودته زعماً منها أنه مات ودفن في التراب ولكنه بُعث من قبره في اليوم الثالث وعُرج به إلى السماء وسيعود إلى الأرض ليحكمها.

 

وقالوا أيضاً: إن عيسى عليه السلام قتل فداءً للذنوب التي يرتكبها الناس وادعوا أن أنبياء العهد القديم قد تنبؤوا بمحنه ومصائبه وقتله على الصليب. يشار إلى أن مفردة المسيح قد أُفرغت من محتواها الحقيقي بسبب غياب أي مسح للمُلك ما دعا الرسل إلى القول إنه ممسوح من قبل الله تعالى (أعمال الرسل 4:27). ولا يعتبر المسيحيون عيسى المسيح عليه السلام شهيداً، بل أنه وقع ضحية لذنوب البشر ويصرون على ذلك أثناء التبشير، حتى اعتبر التاريخ هذه الفكرة دعامة للمسيحية.

 

عيسى عليه السلام ثائراً

كان عيسى عليه السلام كما يُستشفّ من مطالعة الأناجيل من الشخصيات الثورية التي سعت جاهدة إلى إنقاذ المستضعفين من مخالب الظالمين. إلاّ أنّه ينبغي التذكير بأن المسيحيين كانوا وما زالوا يردّدونَ أنّ مهمّة المسيح عليه السلام اقتصرت على الهداية إلى ملكوت السماء، وأنّ صلبه جاء تكفيراً عن خطايا البشر. وهذه النظرة لا تنسجم مع الأناجيل، بيْد أنها تتفق وكلمات بولس.

 

ونستعرض الآن نماذج من مواقفه الثورية والسياسية:

1- اختراق تنظيمات العدو:

أوصى عيسى عليه السلام أتباعه وتلاميذه مراراً بالإفصاح عن هويتهم أمام الناس، إلاّ أنه أذن لأحد تلامذته بالمشاركة في جلسات المجمع اليهودي (سنهدرين) مستخفياً، فكان يرفع التقارير لعيسى عليه السلام ليطلعه على مؤامرات المجمع وخيانة

131


108

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 يهوذا الإسخريوطي. وقد ظل الدور الذي لعبه التلميذ المذكور - والذي تطلّب منه الإنكار الصوري لعيسى عليه السلام- طيّ الكتمان.

 

2- التعميد في الدم:

استعمل المسيح عليه السلام مصطلح التعميد المقدس لبيان مبلغ شوقه للشهادة في سبيل الله (التعميد في الدم). وقد جاء التعميد بمعنى الشهادة أيضاً في إنجيل مرقس: 10 / 38- 39، كما ورد في الأناجيل التعميد في الماء، والتعميد في النار وروح القدس[1].

 

3- صليب الشهادة:

يقدّس المسيحيون الصليب كرمز لصلب المسيح الذي جاء تكفيراً عن خطايا البشر. وقد ورد عن المسيح قوله: "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني". وهذا الكلام يدل بوضوح على أنّ تقديس الصليب يرجع إلى عهد حياة المسيح عليه السلام لا أنه رمز لصلبه. ومعنى حمل الصليب هو الاستهانة بالحياة وإنكار الذات والاستعداد للتضحية في سبيل الله.

 

4- السيف بدل السلام:

كان المترفون من اليهود يحملون تصوّراً خاطئاً عن المسيح الموعود، الأمر الذي جعل المسيح يعلن عن أهداف رسالته بغية تصحيح مسار أفكارهم وتصوراتهم: "لا تظنّوا أنّي جئت لأحمل السلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلاماً بل سيفاً (35) جئت لأُفرّق بين المرء وأبيه، والبنت وأمّها، والكَنّة وحماتها (36) فيكون أعداء الإنسان أهل بيته"[2].




[1] متّى: 2/11، مرقس: 1/8، لوقا: 3/16.

[2] متّى: 10/34 ـ 36.

132


109

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 أما ما ورد عن عيسى عليه السلام من أنّه قال: "من لطمك على خدّك الأيمن فاعرض له الأخر"[1]، وفهم منه البعض أنه دعوة إلى التسليم والخضوع أمام الظلم، فهو لا يبدو تصوّراً صحيحاً، لا سيما إذا نظرنا إليه باعتباره موعظة أخلاقية تؤكّد على ضرورة العفو والتسامح في الأمور الشخصية. وهذا القول نظير ما ورد في العديد من الكتب والتشريعات السماوية ولا سيما القرآن الكريم والأحاديث الإسلامية، من التأكيد على الصبر والعفو عن المذنبين والسلام عليهم وكظم الغيظ عن الأفعال القبيحة[2].

 

5- الدعوة إلى الكفاح المسلّح:

حينما علم المسيح عليه السلام أنّ إلقاء القبض عليه بات أمراً وشيكاً، وعلم أيضاً أنه سيعامل معاملة مجرم، سعى إلى الدعوة للكفاح المسلح، إلاّ أنّ دعوته هذه لم تجد آذاناً صاغية، ولم يكترث أصحابه لخطورة ما يدعو إليه من حمل السلاح، فقال لهم: "... من لم يكن عنده سيف فليبع رداءه ويشتره (37) فإنّي أقول لكم: يجب أن تتم فيّ هذه الآية وأُحصى مع المجرمين، فإن أمري ينتهي، فقالوا: يا ربّ، ههنا سيفان، فقال لهم: كفى"[3].

 

من هنا، وبسبب التصوّر الخاطئ الذي كان يحمله أصحاب عيسى عليه السلام عن المسيح الموعود، فإنّهم لم يدركوا عمق الخطر الذي يتهدّده، ولم يُبالوا كثيراً بأمره الأكيد بشراء السيوف، ثمّ ما لبثوا أن وقفوا على أهمّية السلاح بعد أن باغت المسيح عليه السلام جمعٌ غفير وهم يحملون السيوف والعصيّ، بيد أنّ عدم أخذهم الأُهبة اللازمة للدفاع، حال دون الاستفادة من السلاح في تلك الظروف الحرجة،




[1] متى:5/39.

[2] راجع على سبيل المثال: سورة النحل، الآيتان: 126-128. سورة المؤمنون،الآية: 96. سورة الفرقان، الآيات: 63-72. سورة فصّلت، الآيتان: 34-36.

[3] لوقا: 22/36 ـ 38.

133


110

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 ما حدا بالمسيح عليه السلام إلى مناشدة أصحابه بعدم مواجهة العدو[1]: "وإذا واحد من الذين مع يسوع قد مدّ يده إلى سيفه، فاستله وضرب خادم عظيم الكهنة، فقطع أذنه (52) فقال له يسوع: إغمد سيفك، فكل من يأخذ بالسيف، بالسيف يهلك"[2].

 

6- تحقير الملك:

وصف عيسى المسيح عليه السلام هيرودس ملك ولاية الجليل بالثعلب، دون أي خوف أو وجل من ظلمه وقسوته وهو الذي قتل يحيى عليه السلام. وبهذا النحو تعامل المسيح عليه السلام مع ملك ولاية الجليل. أما بولس الذي جاء بعده فقد أوصى بإطاعة الملوك والحكام: "ليخضع كل امرىء للسلطات التي بأيديها الأمر، فلا سلطة إلاّ من عند الله"[3].

 

7- مخاصمة تجّار الدين:

عنّف عيسى عليه السلام زعماء اليهود الدينيين المرائين المتكالبين على الدنيا، ما أثار سخطهم، فراحوا يتآمرون للقضاء عليه.

 

وأخيراً، دخل عيسى عليه السلام في أواخر أيامه مدينة القدس، ممتطيا حماراً مستقبلاً بحفاوة من قبل منتظري ملكوت السموات الذين راحوا يهتفون: "تبارك الآتي، الملك باسم الرب".

 

ثم دخل الهيكل بكل أبّهة وإجلال وطرد الصيارفة. وامتطى حماراً كان أخذه عارية، وبعد دخوله الهيكل "قلب طاولات الصيارفة ومقاعد باعة الحمام"[4].




[1] وهو نظير ما حصل لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم خلال محنة المسلمين في مكّة المكرمة، حيث منع أصحابه من أي عمل مسلح بسبب عدم توفر مقوّمات الدفاع.

[2] متّى: 26/51 ـ 52، مرقس: 14/47، لوقا: 22/50 ـ 51، يوحنا: 18/10 ـ 11.

[3] رسالة بولس إلى أهل روما:13/1.

[4] متّى: 21، مرقس: 11، لوقا: 19، ويوحنا: 12.

134


111

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 وأراد المسيح بعد هذا أن يبلوَ المجتمع الإسرائيلي، فلمّا رأى مخالفة الفرّيسيين العلنية لمواقفه الإصلاحية، أيقن أنّ الشرائط لم تتوفّر بعد لإجراء تغييرات جذرية، الأمر الذي دعاه إلى مخاطبة مدينة القدس بعد عتاب شديد لها بقوله: "أورشليم، أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرّة أردت أن أجمع أبناءك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، فلم تريدوا (38) هوذا بيتكم يترك لكم قفراً (39) فإنّي أقول لكم لا ترونني بعد اليوم حتى تقولوا: تبارك الآتي باسم الربّ"[1].



[1] متّى: 23/37 ـ 39، لوقا: 13/34 ـ 35.

135


112

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 المفاهيم الرئيسة

- ولد عيسى عليه السلام ـ وفقا لإنجيليْ متّى ولوقا ـ في بيت لحم (على بعد 8 كم من أورشليم)، وهي التي وُلد فيها داود عليه السلام قبل حدود 1000 عام من الميلاد.

 

- وأُطلق عليه بعد ولادته اسم يسوع، وأبدله اليونانيون والرومانيون إلى يسوس (Iesus, Iesous)، وعُرف في العربية باسم عيسى. ولم ترد في الأناجيل أيّة إشارة إلى حياة الطفولة وأوان الشباب لعيسى.

 

- وتدعي الأناجيل أن عيسى عليه السلام قد شرع في التبشير وهو في الثلاثين من عمره، وقام تعليمه الأساسي على أمرين:

1- توبوا، أي توبوا عن الخطيئة وتوبوا إلى الله.

2- اقبلوا ولاية الله على حياتكم (أي ملكوت الله).

 

- أشارت الأناجيل بالدرجة الأساسية إلى تبشير المسيح عليه السلام. وقد جاءت أخبار قتله صلباً في نهاية الأناجيل الأربعة.

 

 - نماذج من مواقفه الثورية والسياسية:

1- اختراق تنظيمات العدو.

2- التعميد في الدم.

3- صليب الشهادة.

4- السيف بدل السلام.

5- الدعوة إلى الكفاح المسلّح.

6- تحقير الملك.

7- مخاصمة تجّار الدين.

136


113

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 أسئلة

1- تحدّث عن سيرة عيسى عليه السلام وفقًا لما ورد في الأناجيل.

2- كيف صورت الأناجيل نهاية حياة عيسى عليه السلام.

3- تحدّث عن موقفين من مواقف عيسى عليه السلام الثورية والسياسية.

 

137


114

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

 مطالعة

 

من انجيل متى

أما ميلاد يسوع المسيح، فهكذا كان. لمّا كانت مريم أمُّه مخطوبة ليوسف، وجدت قبل أن يتساكنا حاملاً من روح القدس (19) وكان يوسف زوجها بارّا، فلم يرد أن يشهر أمرها، فعزم على أن يطلّقها سرّا (20) وما نوى ذلك حتى تراءى له ملاك الرّبّ في الحلم وقال له: "يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأتي بامرأتك مريم إلى بيتك، فإنّ الذي كوِّن فيها هو من روح القدس (21) وستلد ابناً فسمِّه يسوع، لأنّه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم (22) وكان هذا كله ليتمّ ما قال الرّبّ على لسان النبيّ: (23) "ها إنّ العذراء تحمل فتلد ابنا يسمّونه عمّانوئيل" أي "الله معنا" (24) فلمّا قام يوسف من النوم، فعل كما أمره ملاك الرّبّ فأتى بامرأته إلى بيته (25) على أنّه لم يعرفها حتى ولدت ابناً فسمّاه يسوع[1].




[1] متّى: 1 / 18- 25.

138


115

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 الدرس العاشر: المسيحية - 2 - (الرّسل والأناجيل)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يتحدّث عن رسل عيسى والحواريين الاثني عشر.

2- يتعرّف إلى العهد القديم والجديد ويبيّن الفرق بينهما.

3- يعدّد الأناجيل المعتمدة لدى المسيحيين.

139


116

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 الرسل الإثنا عشر

اختار عيسى المسيح عليه السلام في بداية الدعوة أتباعاً يستعين بهم على نشرها. وقد عُرف هؤلاء الأتباع بتلاميذ عيسى عليه السلام، واختار منهم 12 تلميذاً سمّاهم الرسل[1]، وأطلق عليهم القرآن الكريم اسم الحواريين. أما أسماء رسل عيسى عليه السلام الاثني عشر الذين ورد ذكرهم في الأناجيل[2] فهي كالتالي:

1- شمعون بن يونا (بطرس).

2- اندراوس (شقيق بطرس).

3- يعقوب بن زبدي.

4- يوحنّا (شقيق يعقوب).

5- فيليبس.

6- برتلماوس.

7- توماس.




[1] لوقا: 6/13.

[2] متّى: 10/2 ـ 4، مرقس: 3/16 ـ 19، لوقا: 6/14 ـ 16، أعمال الرسل: 1/13.

141


117

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 8- متّى العشار.

 

9- يعقوب بن حلفي.

10- تدّاوس (يهوذا، شقيق يعقوب).

11- شمعون الغيور.

12- يهوذا الإسخريوطي.

 

شمعون: يُعدُّ شمعون من كبار الرسل، وقد أطلق عليه عيسى عليه السلام اسم بطرس (أي الصخرة)، لأنه يشكّل الحجر الأساس للكنيسة أو المجتمع المسيحي. قصد بطرس - بعد غياب عيسى عليه السلام - مدينة روما عاصمة إيطاليا، ومكث فيها حتى قُتل على يد نيرون، وقد حاز ضريحه الواقع على تلّ الفاتيكان في روما اهتماماً ملحوظاً، وأصبح منذ القدم قاعدة للكاثوليك. وتُعدّ كنيسة القديس بطرس وملحقاتها من قصور وحدائق من أروع الآثار الفنيّة في العالم.

 

يوحنا: أصبح يوحنّا رسولاً في سنّ الطفولة[1]، وأكمل إنجيله وفق عقيدة المسيحيين في نهاية القرن الأول وهو في سنّ الشيخوخة.

 

متى: قد كتب متّى الرسول أحد الأناجيل، كما نسب بعض رسائل العهد الجديد إلى بطرس ويوحنّا وبقيّة الرسل.

 

وقد أفادت الأناجيل بأنّ جميع الرسل انفضّوا من حول عيسى عليه السلام، حينما أُلقي القبض عليه، وكان يهوذا الإسخريوطي قد خان المسيح من قبل، وأرشد إليه الفرّيسيين والرومان، وسهّل لهم صلبه، وتقاضى منهم على ذلك أجراً.

 

ولمّا مضى عيسى عليه السلام، وبغية إكمال عدد الرسل الاثني عشر، تمّ انتخاب (متياس) بدلاً عن يهوذا الإسخريوطي[2].



[1] متّى: 16/18 ـ 19، يوحنا: 21/ 15 ـ 19.

[2] أعمال الرسل: 1/15 ـ 26.

142


118

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 بولس: على الرغم من أنّ عيسى عليه السلام عيّن بطرس خلفاً له، إلاّ أنّ رسولاً آخر هو بولس حاز على مكانة أفضل حتى عُدّ المؤسس الحقيقي للمسيحية.

 

وكان بولس الروماني الجنسية من اليهود المتطرّفين الذين اضطهدوا المسيحيين بقسوة، ثمّ ادّعى أنه بينما كان يسير في طريقه من مدينة القدس إلى دمشق لإلقاء القبض على بعض المسيحيين، آنس في الطريق نور عيسى عليه السلام، فاعتنق المسيحية بأمره عليه السلام[1].

 

ثم أخذ بعد هذا التحوّل المفاجىء، في التبشير بالمسيحية، فتحمّل في هذا السبيل ألواناً من المحن، وطاف مدناً عديدة، ونشر المسيحية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، ووجّه رسائل إلى حديثي العهد بالمسيحية، نُقل بعضها في العهد الجديد.

 

وقد أثارت الأفكار الجديدة التي طرحها بولس صراعاً عنيفاً بينه وبين بطرس وسائر الرسل، وانعكس جانب من هذا الصراع في سِفر أعمال الرسل، وفي رسائله. كما أشار بولس عند تعداد فضائله وتذليله للعقبات التي واجهته في التبشير، أشار إلى الإخوة الكذّابين، ويريد بهذا الاصطلاح الرسل الذين خالفوا أفكاره.

 

وقد جاء شرح سيرة بولس وأفكاره في سفر أعمال الرسل وفي رسائله، وتعرّض لانتقاد شديد في أول إنجيل برنابا[2] وآخره، في حين نسب بعض الأحاديث الإسلامية[3] ضلال المسيحيين إلى بولس (المتوفّى حدود 64 أو 67 م). وقد سردت أسفار الرسل وكتبه الموجودة سيرته الذاتية وأفكاره، ووجّه إنجيل برنابا سهام النقد والطعن صوبه، كما يعزو بعض الأحاديث الإسلامية إضلال النصارى إليه. توفي بولس كما يقال في روما في حدود الأعوام 64 ـ 67، ويذهب المسيحيون إلى أنّ




[1] أعمال الرسل: 9/1 ـ 31.

[2] ينكر المسيحيون إنجيل برنابا.

[3] راجع بحار الأنوار، ج8،ص311.

143


119

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 عدداً من الرسل مثل بطرس وبولس قد استشهدا. هذا ولم تتعرّض الكتب التاريخية المستقلة لرسل عيسى عليه السلام بشيء.

 

الكتاب المقدّس: العهد القديم والجديد

يتألّف الكتاب المقدّس من قسمين: العهد القديم، والعهد الجديد. ويرجع سبب هذه التسمية –حسب التصور المسيحي- إلى أن الله أخذ من الإنسان ميثاقين:

 

الأول: الميثاق القديم: ويعود إلى الأنبياء قبل عيسى المسيح عليه السلام، وقد بيّن فيه سبل النجاة من خلال الوعد والوعيد والقانون والشريعة. ويعتبر العهد القديم في الحقيقة الكتاب السماوي لليهود، ويحظى باحترام المسيحيين، الذين جعلوه في بداية كتابهم المقدّس. ويعتبر لديهم عهد الله الذي أخذه من البشر عن طريق الوحي اللفظي.

 

الثاني: الميثاق الجديد: الذي بدأ بظهور المسيح عليه السلام، وبيّن فيه أنّ النجاة تكمن في المحبّة. ويعتبر لدى المسيحيين عهد الله الذي أخذه من البشر عن طريق المسيح لا عن طريق الوحي كما في العهد القديم. وهنا يقول المسيحيون: حينما تم إبلاغ هذا العهد قبل عشرين قرناً تجلى الله بصورة البشر وحل في إنسان هو عيسى عليه السلام. وعلى هذا الأساس فالتعبير الرائج بين النصارى هو أن الكلمة صارت جسماً. وقد اشتُقّ تعبير الكلمة في اللاهوت المسيحي من هذا المصطلح الفلسفي القديم.

 

وحسب عقيدة المسيحيين فإنّ الهدف من تجسّم الله للبشر لم يكن الحديث عن الشريعة والبحث في الحلال والحرام بل الهدف هو أن الله بعد التجسم يكون قرباناً لذنوب البشر. وقد أصبحت هذه المسألة محور المسيحية كما دلّ على ذلك التاريخ.

 

وقد دُوّن العهد الجديد باللغة اليونانية، وتصدّرته أربعة أناجيل، وتعني كلمة

144


120

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 "الإنجيل" اليونانية: البشرى، أي البشرى بقرب ملكوت السموات أو بالميثاق الجديد. ويُعدّ العهد الجديد الذي يخلو من أسفار أبوكريفا موضع اتفاق جميع المسيحيين، ثم أخذت هذه الأسفار تحظى بالقبول تدريجياً خلال القرون الثلاثة الأولى.

 

 

والفرق بين العهد القديم والجديد هو أنّ العهد القديم يتضمّن أحكاماً وشرايع وأمراً ونهياً، أي يقول افعل ولا تفعل، وهذا جائز وذاك غير جائز، هذا اللحم حلال وذاك حرام وأمثال ذلك، وأما العهد الجديد فلم تطرح فيه هذه المسائل بل طرحت مسألة الاعتقاد بأنّ الله ظهر للبشر بلباس إنسان محبة بهم، وبعد تحمّله لصنوف من العذاب والمصائب قتل صلباً من أجل غفران ذنوب البشر.

 

ويصرُّ المسيحيون على عدم استعمال تعبير "الشهيد" و "الشهادة" ويقولون إن المسيح أصبح قرباناً وفدى نفسه لذنوب البشر. وقد اقتصر هذا التعبير على العديد من الحواريين مثل بطرس وبولس دون أن يشمل عيسى المسيح عليه السلام.

 

أقسام الكتاب المقدّس

لقد تُرجم الكتاب المقدّس إلى لغات كثيرة من قبل منظّمات عديدة أنشئت لهذا الغرض في جميع أنحاء العالم، منها جمعية الكتب المقدّسة التي أُسّست في لندن عام 1804 م، وأنشأت لها فروعاً في أكثر الدول. ويبلغ مجموع أسفار العهد القديم والعهد الجديد 66 سِفراً، منها 39 سِفرا تعود للعهد القديم (سبق الحديث عنها في اليهودية)، و27 سفراً تخصّ العهد الجديد، الذي يمكن تقسيمه موضوعياً إلى أربعة أقسام:

1- الأناجيل.

2- أعمال الرسل.

3- رسائل الرسل.

4- الرؤيا والمكاشفة

145


121

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 1- الأَناجيل:

 

أقدمت نخبة كبيرة من تلاميذ وحواريّي عيسى عليه السلام على تدوين سيرته ودعوته، وأُطلق على مدوّناتهم فيما بعد اسم الأناجيل. وقد نالت أربعة منها اعترافاً رسمياً، وهُجرت بقية الأناجيل[1]. والأناجيل المعتمدة، هي:

1- انجيل متى.

2- إنجيل مرقس.

3- انجيل لوقا.

4- انجيل يوحنا.

 

يُذكر أن مصنّفي الإنجيليْن الأول والرابع كانا من حواريّي عيسى عليه السلام، ومصنّفي الإنجيليْن الثاني والثالث كانا من حواريّي حواريّيه عليه السلام، وهم أشبه بالتابعين عند المسلمين. ويغلب على الأناجيل الثلاثة الأولى طابع الانسجام فيما بينها وتسمّى بالاناجيل الإزائية.

 

2- أعمال الرسل:

دوّنت في القرن الأول كتب كثيرة عن سيرة رسل المسيح عليه السلام، إلاّ أنه لم يُقَرّ إلاّ واحد منها، عُرف بسفر أعمال الرسل الذي دوّنه لوقا مؤلِّف ثالث الأناجيل حول سيرة الرسل ولا سيما بولس.



[1] لم يعترف المسيحيون بإنجيل برنابا، الذي حاز على اهتمام المسلمين، و فيه بشارات عديدة بظهور الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم ـ واعتبروه إنجيلاً مجعولاً. قد ورد اسم إنجيل برنابا في الفهرست الذي نشره البابا جلاسيوس الأول قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن المسيحيين يزعمون أنّ الإنجيل المذكور قد فُقد ولا صلة له بإنجيل برنابا الحالي. ويوجد لدى المسيحيين أيضاً شيء مكتوب حظي باحترامهم، يُعرف برسالة برنابا. ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ الرسالة المذكورة هي غير إنجيل برنابا.

146


122

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 3- رسائل الرسل:

 

اكتسبت الرسائل التي وجّهها بعض رسل المسيح إلى المجتمعات والأفراد أهمية بالغة، ثمّ أخذت شيئاً فشيئاً طريقها إلى العهد الجديد الذي ضمّ 21 رسالة، منها 13 رسالة لبولس وفيها الإشارة إلى مواعظه ونقاشاته وسجالاته، ورسالة واحدة لمجهول، ورسالة أخرى ليعقوب الذي كان كثير الانتقاد لبولس، ونُسبت بقية الرسائل إلى بطرس ويوحنا ويهوذا.

 

4- الرؤيا والمكاشفة:

راجت قبل ظهور المسيح عليه السلام كتب مكاشفات عديدة في أوساط اليهود، وأبرز نموذج لها هو سفر دانيال في العهد القديم. وقد دوّن المسيحيون أسفاراً في شكل رؤيا أو كشف إلى جانب صياغة سفر الرؤيا في العهد القديم بنحو ينسجم مع أهدافهم.

 

واستأثرت رؤيا يوحنّا التي جاءت في آخر العهد الجديد باهتمام واسع، وجرى التقليد المسيحي على الاعتقاد بأنّ يوحنّا الذي هو أصغر حواريي عيسى عليه السلام سنّاً، قد فصّل وشرح رؤياه وختمها بانتصار المسيحية على قوى الشرّ. ويشتمل هذا القسم على سفر واحد، هو رؤيا يوحنّا اللاهوتي.

147


123

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 المفاهيم الرئيسة

- اختار عيسى المسيح عليه السلام في بداية الدعوة أتباعاً يستعين بهم على نشرها، وقد عُرف هؤلاء الأتباع بتلاميذ عيسى عليه السلام، واختار منهم 12 تلميذاً سمّاهم الرسل[1]، وأطلق عليهم القرآن الكريم اسم الحواريين.

 

- يعد شمعون من كبار الرسل، وقد أطلق عليه عيسى عليه السلام اسم بطرس (أي الصخرة)، لأنه يشكّل الحجر الأساس للكنيسة أو المجتمع المسيحي.

 

- أفادت الأناجيل بأنّ جميع الرسل انفضّوا من حول عيسى عليه السلام، حينما أُلقي القبض عليه، وكان يهوذا الإسخريوطي قد خانه من قبل، وأرشد إليه الفرّيسيين والرومان، وسهّل لهم صلبه، وتقاضى منهم على ذلك أجراً.

 

- كان بولس الروماني الجنسية من اليهود المتطرّفين الذين اضطهدوا المسيحيين بقسوة، ثمّ ادّعى أنه آنس في طريقه إلى دمشق نور عيسى عليه السلام، فاعتنق المسيحية بأمره عليه السلام[2].

 

- يتألّف الكتاب المقدّس من قسمين: العهد القديم، والعهد الجديد.

 

- القديم، ويعود إلى الأنبياء قبل عيسى المسيح عليه السلام، وقد بيّن فيه سبل النجاة من خلال الوعد والوعيد والقانون والشريعة، العهد الجديد، الذي بدأ بظهور المسيح عليه السلام، وبيّن فيه أن النجاة تكمن في المحبّة.

 

- يمكن تقسيم العهد الجديد موضوعياً إلى أربعة أقسام:

1- الأناجيل.

2- أعمال الرسل.

3- رسائل الرسل.

4- الرؤيا والمكاشفة.




[1] لوقا: 6/13.

[2] أعمال الرسل: 9/1 ـ 31.

148


124

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 أسئلة

1- تكلّم عن بولس الرسول.

2- ينقسم الكتاب المقدّس لدى المسيحيين إلى قسمين، ما هما؟ تحدّث عنهما.

3- ما هي الأناجيل الأربعة المعتمدة لدى المسيحيين؟ أذكرها وتحدّث عنها.

 149


125

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 مطالعة

 

الله وقيصر

قيل إنه جاء في الأناجيل "أوكلوا عمل قيصر لقيصر وعمل الله لله". ولكن ينبغي أن يُعلم (أولاً) أن العبارة المذكورة في الأناجيل هي على النحو التالي "أدّوا لقيصر ما لقيصر، ولله ما لله"، (ثانياً) أن الكلام المذكور فاقد الدلالة، لأن المسيح قاله في حال التقية: "(20) فترصّدوه وأرسلوا جواسيس يظهرون أنهم من أهل الورع، ليأخذوه بكلمة فيسلموه إلى قضاء الحاكم وسلطته (21) فسألوه: يا معلّم نحن نعلم أنك على صواب في كلامك وتعليمك لا تُحابي أحداً، بل تعلِّم سبيل الله بالحق (22) أيحلّ لنا أن ندفع الجزية إلى قيصر أم لا؟ (23) ففطن لمكرهم فقال لهم (24) أروني ديناراً! لمن الصورة التي عليه والكتابة؟ فقالوا: لقيصر (25) فقال لهم: أدّوا إذاً لقيصر ما لقيصر، ولله ما لله"[1].

 

وبيّن عيسى عليه السلام الخطوط العريضة لرسالته لما وعظ من على سفح جبل، وقال كما في إنجيل متى: "(17) لا تظنوا أنّي جئت لأبطل الشريعة أو الأنبياء، ما جئتُ لأبطل بل لأُكمل (18) الحق أقول لكم: لن يزول حرف أو نقطة من الشريعة حتى يتم كل شيء أو تزول السماء والأرض (19) فمن خالف وصيّة من أصغر تلك الوصايا وعلّم الناس أن يفعلوا مثله عُدّ الصغير في ملكوت السموات وأما الذي يعمل بها ويعلِّمها فذاك يُعدّ كبيراً في ملكوت السموات.... (38) سمعتم أنه قيل العين بالعين والسنّ بالسنّ (39) أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشرّير، بل من لَطَمك




[1] لوقا: 20/20-21.

150


126

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

 على خدّك الأيمن فاعرض له الاخر"[1].

 

وقد تصوّر بعضهم أنّ معنى العبارة الآنفة الذكر هو التسليم والخضوع أمام الظلم، ولكن هذا التصوّر ـ كما يبدو ـ بعيد عن الصحة، ولا سيما إذا نظرنا إليها باعتبارها موعظة أخلاقية تؤكّد على ضرورة العفو والتسامح في الأمور الشخصية، وهي نظير ما جاء في القرآن الكريم والأحاديث الإسلامية وسيرة الأنبياء والأولياء من التأكيد على الصبر والعفو عن المذنبين والسلام عليهم وكظم الغيظ عن أفعالهم القبيحة.




[1] متّى: 5/17-39.

151


127

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 - (تأسيس الكنيسة والفرق)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يبيّن كيفية تأسيس الكنيسة.

2- يذكر كيفية انتشار المسيحية.

3- يتحدّث عن الكنائس المسيحية الأساسية.

153


128

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 تأسيس الكنيسة

عرفت الجماعة الأولى التي ورد ذكرها في أسفار العهد الجديد بــ "الكنيسة الرسولية"، أي كنيسة الرسل وأجيال المسيحيين الأوائل. وتمتدّ هذه الحقبة على وجه التقدير بين سنة 30 وسنة 100. وقد وصف سفر أعمال الرسل حياة الجماعة المسيحية الأولى على الوجه التالي: "كانوا يواظبون على تعليم الرسل والمشاركة وكسر الخبز (43) واستولى الخوف على جميع النفوس لما كان يجري عن أيدي الرسل من الأعاجيب والآيات (44) وكان جميع الذين آمنوا جماعة واحدة، يجعلون كل شيء مشتركاً بينهم (45) يبيعون أملاكهم وأموالهم، ويتقاسمون الثمن على قدر احتياج كل منهم (46) يلازمون الهيكل كل يوم بقلب واحد، ويكسرون الخبز في البيوت، ويتناولون الطعام بابتهاج وسلامة قلب (47) يسبحون الله وينالون حظوة عند الشعب كله"[1].

 

ولكن هذه (الحظوة) تحوّلت مع الأيام إلى عداوة من جهة اليهود أولاً ثم من قبل الامبراطورية الرومانية.




[1] أعمال الرسل:2/42-47.

155


129

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 ثم بعد بعد هذه المرحلة انطلقت في أورشليم وبقيادة يعقوب الرسول (أحد الحواريين الاثني عشر) جماعة مسيحية من أصل يهودي، فكثر عددها في المدينة ثمّ في نواحي فلسطين، كما انطلق مرسلون من أمثال بولس وبرنابا، فحملوا البشارة إلى غير اليهود. ولقد قامت في أعقاب ذلك أولى الأزمات التي واجهت الكنيسة، إذ طرح هذا السؤال: هل ينبغي للوثنيين المهتدين أن يصبحوا أولاً يهوداً، ويخضعوا للشريعة اليهودية قبل أن يسمح لهم باعتناق المسيحية؟

 

كان موقف بولس - وقد تبنّاه أيضاً بطرس ويعقوب -, أن الله أقام عيسى من الأموات، فأفسح المجال أمام زمن جديد للخلاص، وعليه فلم يَعُد المسيحيون مضطرّين إلى اتباع الشريعة اليهودية.

 

ثمّ أخذ المهتدون من الوثنية يزدادون عدداً بفضل تبشير الرسل في سائر أنحاء الامبراطورية الرومانية، فغلب في الكنيسة المسيحية العنصر الآتي من غير اليهودية، وتكوّنت جماعات صغيرة من المؤمنين، توزّعت في مدن الإمبراطورية من سورية الى مصر، فالأناضول، فاليونان، فإيطاليا. ويشير التقليد إلى أنّ بطرس اعتبر رئيساً لجماعة الرسل في أورشاليم أولاً ثم في أنطاكية، وأخيراً في روما حيث أعدم في أيام نيرون.

 

أسباب انتشار المسيحية

ثمّة عاملان رئيسيان يؤثّران في نمو وانتشار أي دين: أحدهما: تحمّل الضغوط والمصاعب في سبيله، والثاني: التبليغ، فالدين إذا أهمل يموت.

 

وقد تعرّض المسيحيون طيلة 300 سنة من ظهور المسيحية إلى ألوان من المحن والاضطهاد، وقدّموا ضحايا كثيرة في هذا السبيل، إلا إنّ ازدياد عددهم في الإمبراطورية الرومانية أدّى إلى الاعتراف بهذا الدين رسمياً في النصف الاول من القرن الرابع، وعلى إثر العامل الثاني، أي التبليغ والتبشير، أخذ ينتشر في أرجاء واسعة من العالم.

156


130

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 إنّ بعض الأديان مثل اليهودية تفتقر إلى التبليغ، إيماناً منها بأنّ كثرة الأتباع لا يعزّز كيانها، بينما أولت أديان أخرى كالإسلام والمسيحية اهتماماً كبيراً بالتبليغ، فالوفود والهيئات التبشيرية المسيحية بعثت قديماً إلى معظم أرجاء العالم لنشر الدين المسيحي. وفي القرون الأخيرة وعلى إثر ازدهار الحضارة الغربية وظهور الاستعمار والغزو الثقافي أخذت المسيحية تنتشر في الشرق أيضاً.

 

ظهور الجدل الكلامي

انتشرت المسيحية في أرجاء الامبراطورية الرومانية، وأخذ المفكّرون يستعملون المصطلحات الفلسفية والمفاهيم السائدة في أيّامهم للتعبير عن العلاقة القائمة بين الله وعيسى، وبهذه الطريقة تبلور علم اللاهوت المسيحي.

 

بعض المسيحيين الأوائل تأثّروا بالأفكار الغنوصية، فأنكروا إنسانية عيسى عليه السلام. وكان الغنوصيون يعدون عسيى عليه السلام ملاكاً حمل معه معرفة سرية للّه. وإلى جانب هؤلاء، قام الظاهريون فقالوا إنّ عيسى ظهر فقط بمظهر البشر، ولم يكن له جسم بشري، ولم يمت على الصليب. أما الكنائس المسيحية، فقد شجبت في القرن الثاني تعاليم الغنوصيين والظاهريين، وأكدت على حقيقة الإنسانية في عيسى عليه السلام.

 

المسيحية في روما

لما استقامت الكنائس، نهض الأساقفة بأعباء كل كنيسة من الكنائس المحلّية، يعاونهم في ذلك القسّيسون، واهتم الشمامسة بشؤون العجزة والبائسين، وقدّموا ألواناً من أعمال البرّ والإحسان. وظهر في المجتمع المسيحي بالإضافة إلى هؤلاء أفراد ذوو مواهب خاصة من مبشرين ودعاة ومعلمين، قاموا بخدمة الكنيسة وترسيخها أيضاً، وكان البعض منهم يدعي أنه يتحدّث بإلهام من روح الله...

 

أما موقف السلطات الرومانية من الكنيسة، فكان متسامحاً في بعض الأحيان،

157


131

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 ولكن غالباً ما لجأ الولاة إلى اضطهاد الأتباع وقتل الكثيرين منهم، بما فيهم بطرس وبولس. ومع مرور الزمن بدأت بعض المراكز كروما وأورشليم والإسكندرية وأنطاكية تكتسب أهمية خاصة وقدرة متميّزة. وكان لهذه المدن الأربع بطاركة يرعون شؤونها. كما أنشئت في مناطقهم مقاطعات عرفت باسم "الأبرشيات" يتولى أمورها الأساقفة.

 

ولما بنى قسطنطين عاصمته الجديدة القسطنطينية (إسطنبول) في القرن الرابع، أصبحت هذه المدينة من المراكز الهامّة التي يرعى كنيستها أحد البطاركة.

 

وقد تحوّل المسيحيون في أيام قسطنطين (المتوفّى 337 م) من مجموعة تضطهدها سلطات الامبراطورية الرومانية إلى كيان ذي شأن عبر الاعتراف الرسمي بالكنيسة، الأمر الذي أسفر عن تحوّلات كبيرة في حياتها، ففي ظل الامبراطوريتين البيزنطية والرومانية أصبح أغلب الناس باستثناء اليهود مسيحيين. ولما تمّ الانشقاق بين الكنائس الشرقية والغربية، فإن كلاً من الجانبين اتخذ أسلوباً مستقلاً في المراسم العبادية والفلسفية واللاهوتية.

 

ولمّا ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن السابع الميلادي وراح الولاة المسلمون يديرون شؤون المناطق التي سبق أن كانت مسيحية في مصر وبلاد الشام وما بين النهرين وشمال إفريقيا، اضطرّ المسيحيون إلى أن يأخذوا بعين الاعتبار الإسلام ديناً والمسلمين رفاقاً في الإيمان والمواطنة لا بل حكّاماً في بعض الأحيان.

 

وفي القرن الحادي عشر وحتى الثالث عشر شنّت الدول الأوروبيّة الحروب الصليبية، فكان من آثارها العداء والتوجّس الذي استمرّ إلى اليوم لا بين المسلمين والمسيحيين فحسب، بل بين مسيحيي غرب أوروبّا ومسيحيي الديار البيزنطية أيضاً.

 

وكان لأعمال التدمير والتنكيل والتقتيل التي مارسها الصليبيون في هجومهم

158


132

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 على القدس 1099م والقسطنطينية 1024م أسوأ الأثر سواء عند المسلمين أو المسيحيين الشرقيين.

 

البابوات

ما إن اعتنق قسطنطين قيصر الروم المسيحية في مطلع القرن الرابع الميلادي، حتى أخذ نفوذ الكنيسة يتصاعد بالتدريج، وبدأ تدخّلها في السياسة يأخذ منحىً صعودياً. وفي عام 800 م، توّج البابا زعيم المسيحيين شارلمان ملك فرنسا، فكانت هذه الخطوة بداية لتأسيس الامبراطورية الرومانية المقدّسة. ومنذ ذلك الحين أصبح تدخّل رجال الدين المسيحي في السياسة أمراً علنياً. أعقبه اندلاع الحروب الصليبية وإنشاء محاكم التفتيش، واستمر ذلك التدخّل إلى عام 1806 م، حيث أعلن فيه رسمياً عن إنهاء تدخّل الكنيسة في الشؤون السياسية.

 

وقد لقّب زعماء الدين بلقب الأب خلافاً لوصية المسيح عليه السلام، كما راج بينهم مناصب وألقاب أخرى، نظير الأسقف، والقديس، وكان يطلق على أسقف مدينة روما باباس، والتي تعني "الأب" باليونانية، والبابا "pape" بالفرنسية.

 

وقد تولّى أكثر من 260 بابا زعامة المسيحية الكاثوليكية. المنصب البابوي لا يتحدّد بزمن معيّن، فإذا توفي البابا يقوم كبار الأساقفة (الكردينالات) بعقد جلسات في الفاتيكان لانتخاب باب جديد، ويتبادلون النظر فيما بينهم، فإن اكتمل النصاب لانتخاب البابا يحرقون أوراق التصويت مع التبن في مداخن خاصة حتى يتصاعد دخان أبيض إيذاناً بانتخاب بابا جديد، ثم يعقب ذلك ظهور أحد الكردينالات أمام الملأ في شرفة، ويقرأ هذه الجملة باللغة اللاتينية "Habemus papam" وتعني لدينا بابا، ثم يقوم بتعريف البابا الجديد، عندئذ يخرج البابا المنتخب إلى الملأ ويقوم بتحيتهم، وإن لم يكتمل النصاب اللازم فإنّهم يحرقون أوراق التصويت مع العلف في مدخنة خاصة ليتصاعد دخان رصاصي كتعبير عن عدم التوافق على

159


133

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 بابا معين حتى الآن. وكان البابوات منذ ألف عام يغيّرون أسماءهم عندما يتصدّون لمنصب البابا، فقد أُطلق اسم يوحنا على 23 من البابوات وبولس على 6 منهم على سبيل المثال.

 

سائر الأنظمة المسيحية

انقسمت الأمبراطورية الرومانية منذ عام 395م إلى غربية وعاصمتها روما، وشرقية وعاصمتها القسطنطينية، التي سقطت أمام ضربات الخليفة العثماني محمد الفاتح عام 1453م. وكانت الأمبراطورية الشرقية خصماً عنيداً للامبراطورية الغربية التي يتزعمها البابا. هذه المخاصمة انتهت بظهور الكنيسة الأرثوذكسية عام 1054م. ويدور محور النزاع مع الكنيسة الكاثوليكية حول مسألة الزعامة إذ لم ينصع الأرثوذكس لزعامة أسقف روما كزعامة موحدة للمسيحيين، بل اعتقدوا بتعدد الزعامات.

 

وأما الكنيسة الانجليزية فإنها انشقت عن الكنيسة الكاثوليكية عام 1535م برغبة من الملك هنري الثامن وبعض الـأساقفة، وأصبح الملك يتمتع بأعلى سلطة دينية ودنيوية. وكان هنري الثامن مؤسس الكنيسة الانكليكانية ملكاً وأسقفاً أعظمَ، ولكن خلفاءه فوضوا أمر الزعامة الدينية إلى أسقف آخر انطلاقاً من سلطة الأساقفة الدينية العليا.

 

الفرق المسيحية

ظهرت في المسيحية كسائر الأديان فرق ومذاهب متعدِّدة، كان بعضها قديماً وبعضها الآخر متأخِّراً نسبياً. وكثر أتباع بعض منها وقلّ أتباع بعض آخر.

 

ويطلق المسيحيون على الفرقة اسم الكنيسة، وثمّة ثلاث فرق أو كنائس كبرى في المسيحية إلى جانب فرق صغيرة، والاختلاف بين بعضها كالكاثوليك والارثوذكس

160


134

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 بابا معين حتى الآن. وكان البابوات منذ ألف عام يغيّرون أسماءهم عندما يتصدّون لمنصب البابا، فقد أُطلق اسم يوحنا على 23 من البابوات وبولس على 6 منهم على سبيل المثال.

 

سائر الأنظمة المسيحية

انقسمت الأمبراطورية الرومانية منذ عام 395م إلى غربية وعاصمتها روما، وشرقية وعاصمتها القسطنطينية، التي سقطت أمام ضربات الخليفة العثماني محمد الفاتح عام 1453م. وكانت الأمبراطورية الشرقية خصماً عنيداً للامبراطورية الغربية التي يتزعمها البابا. هذه المخاصمة انتهت بظهور الكنيسة الأرثوذكسية عام 1054م. ويدور محور النزاع مع الكنيسة الكاثوليكية حول مسألة الزعامة إذ لم ينصع الأرثوذكس لزعامة أسقف روما كزعامة موحدة للمسيحيين، بل اعتقدوا بتعدد الزعامات.

 

وأما الكنيسة الانجليزية فإنها انشقت عن الكنيسة الكاثوليكية عام 1535م برغبة من الملك هنري الثامن وبعض الـأساقفة، وأصبح الملك يتمتع بأعلى سلطة دينية ودنيوية. وكان هنري الثامن مؤسس الكنيسة الانكليكانية ملكاً وأسقفاً أعظمَ، ولكن خلفاءه فوضوا أمر الزعامة الدينية إلى أسقف آخر انطلاقاً من سلطة الأساقفة الدينية العليا.

 

الفرق المسيحية

ظهرت في المسيحية كسائر الأديان فرق ومذاهب متعدِّدة، كان بعضها قديماً وبعضها الآخر متأخِّراً نسبياً. وكثر أتباع بعض منها وقلّ أتباع بعض آخر.

 

ويطلق المسيحيون على الفرقة اسم الكنيسة، وثمّة ثلاث فرق أو كنائس كبرى في المسيحية إلى جانب فرق صغيرة، والاختلاف بين بعضها كالكاثوليك والارثوذكس

161


135

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 في قبرص واليونان، والجمهوريتين التشيكية والسلوفاكية، وبولونيا وألبانيا.

 

وينضوي المسيحيون الأرمن في عداد الأرثوذكس في العقائد. وكانت أرمينيا أول دولة في التاريخ تعتنق المسيحية ديناً رسمياً لها، وذلك لما تنصّر ملكها "تريدات الثاني" سنة 301 م, على يد القدّيس غريغوريوس المنوّر. ولم تُقبل الكنيسة الأرمنية بمجمع خلقيدونية، لذا فهي ليست متحدة بالكنائس الكاثوليكية أو الأرثوذكسية. والزعيم الروحي لتلك الكنيسة هو كاثوليكوس (جاثليق) إتْشمِيدَزين.

 

ويختلف الأرثوذكس عن الكاثوليك في بعض المسائل الكلامية، فهم يعتقدون مثلاً أنّ روح القدس صادر عن الأب فقط، في حين يعتقد الكاثوليك والبروتستانت أنه صادر عن الأب والابن معاً. وينكر الأرثوذكس وجود المَطْهَر، وهو مكان تطهر الأنفس فيه بعد الموت. ويشار إلى أن معنى أرثوذكس (orthodox) في اللغة اليونانية: المستقيم الرأي.

 

3- الكنيسة البروتستانتية:

منذ حوالي 500 سنة وحتّى اليوم، برزت في المسيحية فرق بروتستانتية لا حصر لها. والكنيسة البروتستانتية لا تعترف بزعامة روحية ومركزية، ولا تقيم وزناً للرهبنة، وترفض عقائد الفرق الأخرى. وتؤمن بمسيحية معرّاة منها، كما أنها حافظت على عقائد غير عقلانية كالتثليث والفداء. يشار إلى أن البروتستانت ( protestant) اصطلاح فرنسي مشتقّ من اللاتينية، معناه: المحتج.

162


136

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

  المفاهيم الرئيسة

 

-  ثمّة عاملان رئيسيان يؤثّران في نمو وانتشار أي دين: أحدهما: تحمّل الضغوط والمصاعب في سبيله، والثاني: التبليغ، فالدين إذا أهمل يموت.

 

- تعرّض المسيحيون طيلة 300 سنة من ظهور المسيحية إلى ألوان من المحن والاضطهاد، وقدّموا ضحايا كثيرة في هذا السبيل، إلّا إنّ ازدياد عددهم في الإمبراطورية الرومانية أدّى إلى الاعتراف بهذا الدين رسمياً.

 

- انتشرت المسيحية في أرجاء الامبراطورية الرومانية، وأخذ المفكّرون يستعملون المصطلحات الفلسفية والمفاهيم السائدة في أيّامهم للتعبير عن العلاقة القائمة بين الله وعيسى عليه السلام.

 

- كان موقف السلطات الرومانية من الكنيسة، متسامحاً في بعض الأحيان، ولكن غالباً ما لجأ الولاة إلى اضطهاد الأتباع وقتل الكثيرين منهم، بما فيهم بطرس وبولس.

 

- انقسمت الأمبراطورية الرومانية منذ عام 395م إلى غربية وعاصمتها روما، وشرقية وعاصمتها القسطنطينية

 

- الكنائس الثلاث الكبرى في المسيحية هي: الكاثوليكية، الأرثوذكسية، البروتستانتية.

 

- الكنيسة الكاثوليكية: هي قديمة للغاية، يعود تاريخها الى عصر الحواريين (اي نحو 2000 سنة).

 

- الكنيسة الأرثوذكسية: ظهرت هذه الفرقة قبل ألف سنة، وهي لا تختلف في عقائدها عن فرقة الكاثوليك، غير أنها لا تعترف بسلطة روحية واحدة.

163


137

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 - الكنيسة البروتستانتية: لا تعترف بزعامة روحية ومركزية، ولا تقيم وزناً للرهبنة، وترفض عقائد الفرق الأخرى.

 

 

 

أسئلة

1- ما هي أسباب انتشار المسيحية؟

2-  تحدّث عن وضع المسيحية في روما.

3- هناك ثلاث كنائس لدى المسيحيين، عددّها وتحدّث عن واحدة منها.

164


138

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 مطالعة

 

النزاع على منصب البابا والحد من صلاحياته

في عام 1309 م، انتقل الكرسي البابوي من روما بإيطاليا إلى مدينة افينيون بفرنسا إثر الضغوط التي مارسها الامبراطور فيليب الرابع. واستمرّ هذاالوضع حتى عام 1377م، أي ما يقرب من سبعين عاماً. وأطلق على هذه الحقبة الجلاء البابلي للباباوات، تشبيهاً لها بجلاء اليهود الى بابل في القرن السادس قبل الميلاد.

 

ولما أعيد الكرسي البابوي إلى روما، عارض ذلك باباوات أفينيون وأصرّوا على إبقائه في مدينتهم، فكان هذا الأمر بداية للانشقاق الكبير الذي برز عام 1377م، ودام أربعين سنة، أي حتى عام 1417م.

 

وفي مطلع القرن الخامس عشر اشتد النزاع على الكرسي البابوي بين ثلاثة من الباباوات، وهم: غريغوريس الثاني عشر بابا روما، ومعارضه بنديكتس الثالث بابا أفينيون، وجان الثالث والعشرون مرشّح الامبراطور. وبهذا واجهت الكنيسة وفي وقت واحد نزاعاً بين الباباوات المذكورين الذين ادّعى كل واحد منهم أنّ الحقّ إلى جانبه. ولأجل بحث هذه المسألة ومسائل أخرى تمّ تشكيل مجمع كونستانس (1414 ـ 1418 م) الذي تقرّر فيه عزل الباباوات الثلاثة، وتعيين البابا مرتينس الخامس، وبهذا الإجراء وُضِعَ حدّ للانشقاق المذكور.

 

وفي القرن السادس عشر الميلادي بحث نيكولا ماكيا فيلي (1469 ـ 1500م) في كتابه "الأمير" المعايير اللازم توفّرها في الحاكم المقتدر، وأوصى أصحاب النفوذ بضرورة طمس القيم الأخلاقية في سبيل الوصول إلى الحكم، تطبيقاً لمبدأ: "الغاية تبرّر الوسيلة".

 

165


139

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

 وفي القرن السابع عشر، كتب توماس هابز يقول: لا يجب الحد من صلاحية الحاكم وقدرته، لأنها نشأت من عقد اجتماعي، وبناءً على ذلك فإنّ من واجبات الحكومة توفير الأمن الاجتماعي والاستجابة لمطالب الشعب. وأكّد جون لاك على هذا الموضوع بقوله: إذا تنصلت حكومة ما من الوعود التي قطعتها على نفسها قبال الشعب فلا بد من تنحيتها عن الحكم.

 

وفي أواخر القرن الثامن عشر، وبعد سنوات من الهدوء، آل النفوذ السياسي للبابا إلى الضعف، حيث عمد ملوك فرنسا وايطاليا وبموافقة الرأي العام إلى الاستيلاء بالقوة على قصور وأملاك البابا ومصادرتها، وبذلك قوّضوا النفوذ السياسي للكرسي البابوي، وأطاحوا به.

 

إنّ اخضاع الباباوات لهذا الوضع لم يكن بالأمر الهيّن، ولهذا أعادت إيطاليا طبقاً لقانون الضمانات الصادر في 18 أكتوبر عدداً من قصور البابا، ومنحته قدرة سياسية محدودة، إلاّ أن البابا لم يوافق على القانون المذكور، الأمر الذي أدّى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الفاتيكان وإيطاليا، واستمرت القطيعة 60 عاماً. وأخيراً وبعد محادثات طويلة استغرقت 3 سنوات، تمّ عقد معاهدة لاتران (11 شباط 1929 م)، الّتي حلّت فيها مسألة روما، وفي عام 1984 م، تمّ التوقيع على معاهدة جديدة بين الطرفين كبديلة عن معاهدة لاتران.

166


140

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 الدّرس الثاني عشر: المسيحية - 4 - (العقائد)

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مه نهاية هذا الدرس أن:

1- يبيّن معنى اللاهوت المسيحي.

2- يتحدّث عن الأسرار السبعة.

3- يشرح معنى التعميد والدرجات المقدّسة لدى المسيحيين.

167


141

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 اللاهوت

يقصد المسيحيون بعلم اللاهوت (أو اللاهوت اختصاراً)، سائر مظاهر اجتهاداتهم الفكرية لفهم إيمانهم. ويؤكّد اللاهوتيون الأرثوذكس على أنهم لا يعرفون عن الله عزّ وجلّ إلاّ ما أوحاه لهم هو نفسه. وعليه فعلم اللاهوت على وجه الدقة هو علم الوحي. وهو يشمل لدى المسيحيين مجالاً من الدراسات الدينية أوسع من مجال الكلام في الاتجاه الإسلامي.

 

إنّ المسيحية تحاول أن تنأى بنفسها عن وصمة الشرك، وإذا ما وجدت عبارات لا تليق بالذات الإلهية المقدّسة في مصادرهم الدينية القديمة كالتوراة والإنجيل، فإنّهم يحاولون تبريرها أو صرف الألفاظ عن معانيها الظاهرة.

 

ومن جملة الأمور التي تدخل في حدود البحث عن الإِلهيات الموضوعات التالية:

- الدراسات المرتبطة بتعليم الكتاب المقدّس.

- الاجتهادات لفهم مجموع الحقائق في ضوء التعاليم المسيحية.

- التطوّرات التاريخية في صيغ التعبير عن الإيمان المسيحي على مر العصور.

- صيانة ما نعرفه عن الله بواسطة العقل وحدّ العقل.

169


142

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 - تبيان معنى القداسة المسيحية وطرق الوصول اليها.

 

- مبادىء الأخلاقيات، وتطبيق التعاليم المسيحية عملياً في حياة المسيحيين.

والمسيحية تحاول أن تنأى بنفسها عن وصمة الشرك، وإذا ما وجدت عبارات لا تليق بالذات الإلهية المقدّسة في مصادرهم الدينية القديمة كالتوراة والإنجيل، فإنّهم يحاولون تبريرها أو صرف الألفاظ عن معانيها الظاهرة.

 

خلفيات العقائد المسيحية

لاحظ المفكّرون الغربيون في القرون الأخيرة أنّ ثمّة تشابهاً عجيباً بين المسيحية والأديان الهندية، ورأوا أنّ كثيراً من عقائد المسيحية كالتثليت والفداء وقصة الصلب هي بعينها موجودة في الأديان الوثنية دون أن يكون لها جذور تاريخية في عقائد بني إسرائيل.

 

وممّا زاد في حيرتهم ودهشتهم أنهم عثروا على جمل في الإنجيل تشبه الى حد كبير جملاً في كتب الهندوس والبوذيين، كما أنّ بعض الألقاب التي أطلقت على المسيح مثل حمل الله، وابن الله، والفادي وغيرها كانت تطلق على غيره في تلك الأديان.

 

وعلى ضوء ذلك أكّدوا هذه الحقيقة، وهي أنّ العقائد والاصطلاحات المسيحية في هذا الباب قد اقتبست من أديان أخرى، باعتبار أنّ جذورها التاريخية أقدم من المسيحية بمراحل.

 

وقد راجت العقيدة المسيحية في أوساط الوثنيين حينما نادت بعيسى عليه السلام كإله منقذ. وهذه العقيدة توائم تماماً ما سبقها من أديان خرافية لا سيما ديانة ميترا، فكما يحتفل في 25 كانون الأول (الانقلاب الشتوي) بذكرى مولد ميترا، فإن المسيحيين يحتفلون فيه بذكرى مولد المسيح عليه السلام، وحتى يوم السبت الذي هو سابع الأيام لدى اليهود والذي حظي في شريعة موسى (التوراة) بتقديس الله

170


143

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 سبحانه، قد تمّ استبداله بيوم الأحد نتيجة التأثّر بالأفكار الميترائية التي تذهب إلى اعتبار اليوم الأول (الأحد) يوم الشمس الفاتح. وفي زمن انتشار المسيحية لم يبق صقع في حوض البحر المتوسط إلاّ وراج فيه التفكير بالأم العذراء وابنها الذي قتل تكفيراً عن خطايا البشر، واقتبس بأسلوب ماهر من أسطورة إلهة الأرض العذراء ونجلها فاكهة الأرض الذي يخرج إلى الدنيا لكي يموت ثم يتحول في التراب إلى بذر للفاكهة القادمة، وتبدأ عندها دورة جديدة.

 

وفي المسيحية طقوس غلب عليها الطابع المسيحي على الرغم من اقتباسها من أديان قديمة، كالعشاء الربّاني المقتبس من ديانة ميترا ثمّ دمج بالعشاء المسيحي الفلسطيني.

 

وإنّ ثمّة عاملاً رئيساً رجّح كفة الاعتقاد بالمسيح الفادي عند المسيحية على سائر الأديان التي تؤمن بالفداء، وهو بولس، ذلك القديس اليهودي الذي ظهرت براعته في تقريب بعض هذه الأفكار إلى المسيحية. وهو أول من احتضن فكرة توثيق الصلة بين اسرائيل ومعبد أثينا، ومعبد أورشليم بمذبح ميترا، ويهوه إله الإسينيين بالإله المجهول لتل أورباغوس[1].

 

تجدر الإشارة إلى أنّه في عام 1947 اكتشفت طوامير في صحاري فلسطين وفي مغارات ساحل البحر الميّت، أدّت إلى نشوء حركة فكرية حول المسيحية، فقد اشتملت تلك الطوامير على مقاطع من الكتاب المقدّس والتفاسير والأدعية يعود تاريخها إلى ما قبل 2000 سنة، أي إلى عصر المسيح عليه السلام تقريباً. وقد ذهب العلماء بعد مطالعة تلك الطوامير إلى أنّها تتعلّق بفرقة الأسينيين، التي مرّت الإشارة إليها في مبحث اليهودية، والذين غلبت عليهم حياة التصحّر، وراجت بينهم أفكار عرفانية، واستبدّ بهم الشوق لرؤية مسيح بني إسرائيل، وقد أودعوا كتبهم في جرار،




[1] Davies, A. pweII, The Meaning of the Dead Sea: New y ork, New  American Library, 1956, p. 89-91. Scorlls

171


144

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 وأخفوها في مغارات بالقرب من البحر الميّت ثم جُهل مصيرها وانقطعت أخبارها.

 

إنّ كشف هذه الطوامير انعكس بشكل عجيب على المحافل العلمية في العالم ولا سيما بعد أن أثبتت التجارب أنها صحيحة ومعتبرة وليست مزيفة كما تصوّر ذلك بعضهم في بداية الأمر.

 

حتى قال بعض العلماء: إنّ الطوامير المكتشفة ستغيّر رؤيتنا العلمية تجاه المسيح عليه السلام وبداية المسيحية[1].

 

ألوهية المسيح في الأناجيل

أطلق (ابن الله) في الإنجيل، ونطالع في هذا الصدد ما جاء في حق سليمان عليه السلام: "لأني إياه اخترت لي إبناً وأنا أكون له أباً"[2]. وتكرّر استعمال هذا الاصطلاح في الأناجيل الأربعة، وسائر أسفار العهد الجديد، كالنص التالي المنقول عن عيسى عليه السلام: "أما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وصلّوا من أجل مضطهديكم (45) لتصيروا بني أبيكم الذي في السماوات، لأنه يطلع شمسه على الأشرار والأخيار، وينزل المطر على الأبرار والفجّار"[3].

 

ويقول يوحنّا، مصنّف الإنجيل الرابع عن حواريي عيسى عليه السلام: "أما الذين قبلوه، وهم الذين يؤمنون باسمه، فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله"[4].

 

ووفقاً لعقيدة المسيحيين فإنّ الأناجيل (الإزائية) التي يسودها طابع الانسجام دونّت قبل إنجيل يوحنّا بعدة عقود، ودُوّن إنجيل يوحنا حدود عام 100م، أي بعد 30 سنة من وفاة بولس.




[1] Davies, A.pweII, The Meaning of the Dead Sea: New york, New American Library, 1956, pp. 89-91. Scorlls

[2] سِفْر الأخبار الأول: 28/6.

[3] متّى: 5/44 ـ 45.

[4] يوحنّا: 1/12.

172


145

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 ويتضح من خلال مقايسة إجمالية بين محتوى الأناجيل الثلاثة الأولى وإنجيل يوحنّا، أنّ الأناجيل المذكورة لم تغالِ كثيراً في عيسى عليه السلام خلافاً لإنجيل يوحنّا الذي شحن بالغلو، كالقول بألوهيته عليه السلام، فقد جاء فيه: "إنّ سبب مخالفة اليهود لعيسى عليه السلام يعود إلى أنّه عليه السلام جعل من نفسه إلهاً"[1].

 

يشار إلى أن الكلام المثبت للسيد المسيح عليه السلام في الأناجيل الأربعة، يتضمّن ولمرات عديدة تعبير(إلهي) عند ذكره عليه السلام لله عز وجل، مثال ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا: "إني صاعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم"[2]. وهذا مشهود في صلاته وعبادته وتضرّعه إلى الله أيضاً. ونطالع في إنجيل متى[3] ومرقس[4] أن آخر صرخة لعيسى كانت: "إلهي لماذا تركتني".

 

الثالوث

لم ترد كلمة "ثالوث" في الكتاب المقدّس قطّ، وأول استعمال معروف لها في تاريخ المسيحية كان على لسان ثاوفيلس الأنطاكي عام 180. بيد أن أسس مفهوم الثالوث تلمس في العهد الجديد، وقد أفصحت عنها عبارة إعطاء حق التعميد الوارد في إنجيل متى: "عمّدوهم باسم الأب، والابن، الروح القدس". أو بما ورد من أن عيسى كان يعلّم تلاميذه أن يصلّوا قائلين: "أبانا الذي في السماوات"[5]. وبكل الأحوال ليس ثمة نص صريح وواضح على التثليث في كتاب العهد الجديد، وعبارات مثل "الأب والابن وروح القدس" لا تعطي هذا المدلول.




[1] أنظر يوحنّا: 10/31 ـ 38.

[2] يوحنّا: 20/17.

[3] متى: 27/26.

[4] مرقس:15/34.

[5] متى:6/9.

173


146

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 وقد ركن بعض المؤلّفين والمفسّرين المسيحيين - العرب منهم بالخصوص - ولأجل وصف حقيقة التثليث والعلاقة القائمة بين الله وعيسى، إلى مفهومي الحلول والاتحاد المذكورين في كتابات الصوفيين، وأنّه بسبب هذه العلاقة الخاصة دُعي عيسى عليه السلام ابن الله، وأنّه ليس المقصود من ذلك بتاتاً أنه ولد ولادة جسدية لأن فهماً من هذا القبيل ترفضه المسيحية أيضاً. وغالباً ما يطلق العهد الجديد اسم روح القدس على الله وليس على الملك جبرائيل، وأنه – الروح القدس - يحيا في قلوب البشر والعالم ويعمل فيها، وأن عيسى عليه السلام حملت به أمه بقوة روح القدس، وكما تظهر الأناجيل روح القدس حالاً في عيسى عليه السلام في صورة حمامة ساعة تعميده في نهر الأردن.

 

بكل الأحوال يدّعي المسيحيون أنّ طبيعة الثالوثية هي سرّ من الأسرار لا يمكن تبيينه بعبارات بشرية، مع أن الكتّاب والمتصوفين والمتكلمين المسيحيين حاولوا الاستعانة بمعطيات العهد الجديد لإدراك بعض ما يمتّ إلى طبيعة العلاقة بين الله تعالى وعيسى عليه السلام، إلا أنّهم اعترفوا أنّ جهودهم مهما عظمت ستبقى قاصرة عن فهم حقيقة هذه العلاقة.

 

تثبيت التثليث في مجمع نيقيا

إنّ فقدان النص الدال على التثليث، وإجمال العبارات المتعلِّقة بألوهية عيسى عليه السلام، دعا المسيحيين إلى توسيع لقب "ابن الله"، ونقله من معناه الرمزي إلى معناه الحقيقي. وظلّت مسألة ألوهية عيسى عليه السلام خلال القرون الثلاثة الاولى من ظهور المسيحية، ظلّت موضع اختلاف وجدل إلى أن نهض في أوائل القرن الرابع الأسقف آريوس، فوقف بوجه الاعتقاد بألوهية عيسى عليه السلام، ثمّ ازدادت المواجهة حدة، ما دعا قسطنطين (وهو أول امبراطور مسيحي) إلى عقد اجتماع في مدينة نيقية بآسيا الصغرى عام 325 م، حضره 300 أُسقفٍ، ناقشوا خلاله رسائل تمتّ إلى الايمان والسلوك، وتمّت فيه المصادقة على ألوهية عيسى عليه السلام

174


147

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 بأغلبية ساحقة، والإعلان عن شجب رأي آريوس، وإصدار القانون النيقاوي المعروف.

 

الفداء

يعتقد المسيحيون أنّ عواقب الخطيئة لا تبقى خارج طبيعة الإنسان، كما ورد في زبور داود النبي أدعية متكرِّرة إلى الله تقول: "إغسلني من إثمي"[1]. وفي أغلبية الديانات يرمز غسل الجسد إلى الاعتراف بوصمة الخطيئة وعدواها، والحاجة إلى قوة الله المطهرة ونعمته.

 

وكما أن جميع الناس يشاركون في الخلل الموضوعي الناتج عن الخطيئة، فممثل واحد للبشرية يمكنه أن يكفّر عن هذا الخطأ. والمسيحيون يؤمنون بأن يسوع حقق التكفير عن ذلك الخلل مرة واحدة لجميع الأزمات، وأنه باستسلامه الكامل وطاعته التامة هدم الحاجز الذي رفعته الخطيئة بين الله اللامتناهي في الصلاح والإنسان المتمرّد. وعمل الهدم والتكفير هذا لا أحد يستطيع القيام به سوى واحد هو نفسه بلا خطيئة ومتحد كامل الاتحاد بالحكمة الإلهية.

 

يقول المسيحيون في بعض الأحيان إنّ موت يسوع هو ذبيحة، ويرون في موت يسوع إقامة للعهد الجديد بين الله والبشرية جمعاء، لا بينه تعالى وبين الشعب اليهودي وحده. ففي أثناء العشاء الأخير، قال يسوع: "خذوا واشربوا، هذا هو دمي، دم العهد الجديد، الذي يهراق عنكم وعن الجميع لمغفرة الخطايا". والحياة الجديدة الناتجة عن ذلك هي حياة لم يعد فيها مجال لتكون الخطيئة الموضوعية عائقاً، فالجنس البشري بأجمعه تصالح بواسطة ممثله، مع الله عز وجل.




[1] المزامير: 51/2.

175


148

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 الأسرار السبعة

يؤمن المسيحيون بأنّ المسيح القائم من الأموات يحيا في مجتمعه ومعه، وأنه ما زال ينجز الأعمال التي كان ينجزها مدّة حياته في بلاد فلسطين من تعليم، وصلاة، وخدمات، وشفاء المرضى، وإطعام الجياع، ومسامحة الخطاة، وتكبّد الآلام والموت. وأن تلك الأعمال غير المنظورة التي قام بها المسيح تصبح منظورة في الحياة التي تحياها الكنيسة بالأسرار، أو بعبارة أخرى, عندما يشترك المسيحي في أحد الأسرار فإنّه يؤمن إذ ذاك بأنه يلتقي المسيح الذي قام من الموت ومنحه نعمة الله المخلّص.

 

هذا، ويتفق جميع المسيحيين تقريباً على أن السرّيْن الأساسيين هما التعميد والعشاء الربّاني، وثمّة خمسة أسرار أخرى يعتقد بها المسيحيون الأرثوذكس والكاثوليك، فيكون مجموع الأسرار سبعة.

 

والأسرار السبعة هي: التعميد - التثبيت - الزواج المسيحي - الدرجات المقدّسة - المصالحة - مسحة المرضى - العشاء الربّاني.

 

أما البروتستانت فإنّهم يختلفون في عدد الأسرار التي يعتقدون بها باختلاف طوائفهم، على الرغم من أن السواد الأعظم منهم يقبل السّريْن الأساسيين التعميد والعشاء الرباني. وثمة كنائس بروتستانتية قليلة لا أسرار عندها مثل "الكويكرز" و"جيش الخلاص".

 

وفيما يلي سوف نتكلّم عن ثلاثة من هذه الأسرار السبعة، وهي: التعميد، الدرجات المقدّسة والعشاء الربّاني:

 

1- التعميد:

أول الأسرار وأساسها الذي لا بدّ منه، هو سرّ التعميد. انه الدخول في الجماعة المسيحية، وبه يأخذ الفرد على عاتقه رسالة الكنيسة عبر الأجيال، ألا وهي الشهادة

176


149

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 لأعمال الله الخلاصية في عيسى. ويؤمن المسيحي بأنّ التعميد هو الوسيلة التي بها يمنحه الله سائر المفاعيل الناتجة عن حياة عيسى وموته. والمسيحي. وهو لا يعمّد إلاّ مرّة واحدة، وذلك حينما يدخل في الجماعة المسيحية.

 

أما كيفية التعميد، فهي ترتبط دائماً بنوع من الغطس في الماء، ففي بعض الكنائس يتم سكب الماء على رأس من يطلب التعميد، وفي بعضها يغطّس المتعمد في حوض من الماء ثم يخرج منه. ويتم التعميد في عدد من الكنائس باللجوء إلى المياه في وسط الطبيعة، أي إلى الأنهار أو البحيرات، ويقرأ القسيس عند التعميد هذه العبارة المقتبسة من إنجيل متّى: "إني أعمدك باسم الأب والابن وروح القدس". وتعمّد بعض الكنائس البروتستانتية باسم يسوع فقط.

 

2- الدرجات المقدّسة:

بهذا السر يكرّس المرء حياته لخدمة الجماعة المسيحية، ومن خلالها جميع بني البشر، وهناك ثلاث درجات أساسية:

 

الأولى: المطران، يمثّل المسيح في منطقة معينة تدعى الابرشيّة، فينوب عنه معلماً، وإماماً لمراسم العبادة، وخادماً.

 

الثانية: الكاهن أو القسيس، يعاون المطران في مهامّه الثلاث المذكورة على صعيد جماعة واحدة.

 

الثالثة: الشمّاس، يبشّر بكلمة الله، ويساعد الفقراء والمسنين والمرضى والمحتضرين.

 

أما سائر الالقاب الكنيسية، مثل البابا، والبطريرك، ورئيس الأساقفة[1]، والكردينال، والأرشمندريت، والمونسنيور، وسواها، فهي تشير إلى وظائف معينة في الجماعة، ولا مدلول لها على صعيد الأسرار.




[1] جمع أسقف، وهي كلمة يونانية الأصل، معناها الناظر.

177


150

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 3- العشاء الربّاني (الإفخارستيّا):

 

وهو عشاء المسيح الأخير مع تلاميذه في الليلة التي سبقت موته. في أثناء ذلك العشاء أعطى المسيح تلاميذه الخبز والخمر[1] على أنهما جسده ودمه. ويؤمن المسيحيون أنهم حين يشتركون في هذا العشاء، يكون المسيح موجوداً معهم وجوداً جسدياً، ويؤمنون أيضاً أنه كما أبرم العهد بين الله والشعب اليهودي بدم الذبائح على جبل سيناء، فكذلك يبرم العهد الجديد بين الله والبشر بدم عيسى المسيح.

 

وفي أثناء مباركة الخبز والخمر يتلو المترئس كلمات المسيح في العشاء الأخير. وفي الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية لا يترأس الاحتفال إلاّ الأسقف أو من ينوب عنه، أي الكاهن، بالإضافة إلى بعض القراءات وتراتيل وصلوات للتوسل والشكران، وعظة قوامها شرح مقاطع من الكتاب المقدّس، وتطبيقها على حياة المسيحيين اليومية، وتبادل السلام.

 

يشعر الكثير من البروتستانت بأنّ العشاء الربّاني بالغ الخطورة، بحيث ينبغي التهيّؤ له على أتم وجه، فلا يحتفل به إلاّ في بعض المناسبات. وبناءً على ذلك يقيم الكثيرون منهم عشاء الرب أربع مرّات في السنة أو مرّة واحدة في الشهر، أما الأرثوذكس فيحتفلون به في أيّام الأحد والأعياد، أما الكاثوليك فيحتفلون به كل يوم.



[1] من وجهة نظر المسيحية.

178


151

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 المفاهيم الرئيسة

- لاحظ المفكِّرون الغربيون في القرون الأخيرة أنّ ثمّة تشابهاً عجيباً بين المسيحية والأديان الهندية، ورأوا أنّ كثيراً من عقائد المسيحية كالتثليت والفداء وقصة الصلب هي بعينها موجودة في الأديان الوثنية.

 

- وفقاً لعقيدة المسيحيين فإن الأناجيل (الإزائية) التي يسودها طابع الانسجام دوّنت قبل إنجيل يوحنّا بعدة عقود، ودوّن إنجيل يوحنا حدود عام 100م أي بعد 30 سنة من وفاة بولس.

 

- لم ترد كلمة "ثالوث" في الكتاب المقدّس قطّ، وأول استعمال معروف لها في تاريخ المسيحية كان على لسان ثاوفيلس الأنطاكي عام 180م.

 

    يعتقد المسيحيون أنّ عواقب الخطيئة لا تبقى خارج طبيعة الإنسان، وكما أن جميع الناس يشاركون في الخلل الموضوعي الناتج عن الخطيئة، فممثل واحد للبشرية يمكنه أن يكفّر عن هذا الخطأ.

 

- يرى المسيحيون في موت يسوع، إقامة للعهد الجديد بين الله والبشرية جمعاء، لا بينه تعالى وبين الشعب اليهودي وحده.

 

- يؤمن المسيحيون بأنّ المسيح القائم من الأموات يحيا في مجتمعه ومعه، وأنه ما زال ينجز الأعمال التي كان ينجزها مدّة حياته.

 

- هناك ثلاث درجات أساسية لخدمة البشر:

الأولى: المطران.

الثانية: الكاهن أو القسيس.

الثالثة: الشمّاس.

179


152

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 - يتفق جميع المسيحيين تقريباً على أن السرّيْن الأساسيين للدخول في الجماعة هما: التعميد والعشاء الربّاني، وثمّة خمسة أسرار أخرى يعتقد بها المسيحيون الأرثوذكس والكاثوليك، فيكون مجموع الأسرار سبعة.

 

 

 

أسئلة

1- ما معنى اللاهوت؟ وما هي أهم موضوعاته؟

2- ما هي الأسرار السبعة؟ وتحدّث عن واحده منها.

3- ما هو الفداء؟ وما هو موقعه في العقيدة المسيحية؟

180


153

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

 مطالعة

 

مارتن لوثر

في وقت كان الكثيرون في الكنيسة يدعون إلى الإصلاح تفجّرت قضيّة (صكوك الغفران) وراحت تدقّ إسفين الانقسام في كنيسة أوروبّا الغربية. ذلك أنّ عدداً من الوعّاظ المتحمّسين أخذوا يجوبون الأقطار الأوروبيّة مدّعين أنّ كل مؤمن يستطيع النجاة من عقاب الخطيئة فيحال تبرّعه للكنيسة بقدر من المال. فهبّ مارتن لوثر (المتوفّى 1546م) ونشر عام 1517 م، لائحة أدرج فيها 95 فقرة، خالف فيها الكاثوليكية. وإليك نص بعض هذه الفقرات:

- الخلاص يتمّ بالإيمان وحده.

- الكتاب المقدّس هو المرجع الوحيد للإيمان المسيحي.

- لا يجب الاعتقاد بأنّ العشاء الربّاني قربان.

- بطلان الرهبانية والنذر لأجلها.

- إيلاء العلمانيين دوراً أهم في طقوس العبادة وشؤون الرعاية.

- استقلال الكنيسة المحلّية عن روما.

- رفض بعض ممارسات الكاثوليك كالحج والصوم والاعتراف بالخطايا.

- معارضة التجاوزات كبيع صكوك الغفران، والسيمونية.

 

وكان لوثر يبتغي إصلاح الكنيسة بحسب تعاليم الكتاب المقدس الأصلية (لذا سمّيت حركته بالإصلاح الإنجيلي)، وكذلك العودة إلى إيمان الجماعة المسيحية الأولى. وقد حثّ لوثر الأمراء الألمان على نبذ سلطة البابا وفرض إصلاحه الإنجيلي. وفي العصر الحاضر تنتشر الكنائس الإنجيلية الإصلاحية في بلاد أوروبّا الشمالية (ألمانيا، النرويج، السويد، الدانمارك، وفنلاندا).

 

 181


154

الفهرس

 الفهرس

13

المقدمة

15

الدرس الأول: علم الأديان

17

معنى الدين

18

الصيغ المتعدّدة للدين

19

الدين يساوق الاعتقاد والخضوع

21

الدين عند علماء الاجتماع

22

فائدة علم الأديان

23

التديّن في العصر الحاضر

27

الدرس الثاني : الديانات الهندية - 1 - (الديانة الهندوسية)

29

نشأة الديانة الهندوسية

30

سكّان الهند قبل زحف الآريين

31

الكتب المقدّسة

31

الثقافة والتربية الفيدائية

33

أصول الديانة الهندوسية

34

آلهة الفيدا

35

الآلهة الثلاثة


 5


155

الفهرس

  

36

نظرية التناسخ وتصوّر كارما

37

فلسفة وحدة الوجود

37

فلسفة اليوغا

41

الدرس الثالث: الديانات  الهندية – 2 – (البوذية والسيخ)

43

الديانة البوذية

43

سيرة بوذا

44

مبادئ البوذية

45

فلسفة بوذا

47

الفرق البوذية

48

الكتب البوذية المقدّسة

48

ديانة السيخ

49

سيرة نانك - مؤسِّس الديانة السيخية

49

التعاليم

50

الآثار المذهبية

50

التاريخ السياسي للسِّيخ

55

الدرس الرابع: الصين واليابان - الديانة الكونفوشيوسية والشنتو

57

أولاً : الكونفوشيوسية

57

سيرة كونفوشيوس

58

الآثار

58

التعاليم

59

الأصول الأخلاقية

6


156

الفهرس

  

59

المناسك

60

الأتباع والخصوم

60

الدين الرسمي

60

ثانيًا: ديانة الشنتو(اليابانية)

61

الخلفيات الاجتماعية

61

كتب الشنتو

61

ريجوبو (Rijibu)

62

الدين الرسمي

67

الدرس الخامس: إيران القديمة  (الديانة الزرادشتية)

69

مقدّمة

70

سيرة زرادشت

71

كتاب الزرادشتيين

71

تعاليم زرادشت

72

الآلهة

72

آخر الزمان

73

خلود الروح

73

مغادرة الزردشتيون إيران

77

الدرس السادس: اليهودية - 1 – (نسب اليهود ورسلهم )

79

نسب اليهود

80

إبراهيم عليه السلام

82

يعقوب عليه السلام (إسرائيل)

7


157

الفهرس

  

82

موسى عليه السلام

83

بعثة موسى

84

معجزات موسى

85

العبور من البحر

85

الألواح والوصايا العشر

86

عبادة العِجل

87

وفاة موسى عليه السلام

91

الدرس السابع: اليهودية - 2 – (تاريخ اليهود وفرقهم)

93

تاريخ بني إسرائيل

93

عصر الملوك

95

تجزئة البلاد

95

الأسر البابلي

96

إعادة بناء المعبد

97

نضال اليهود

97

تدمير أورشليم وتشريد اليهود

98

اليهود وسائر الأقوام

98

ظهور الصهيونية

99

تأسيس إسرائيل

100

الفرق اليهودية

100

1- الفريّسيون

101

2- الصدوقيون

102

3- السّامريّون


 8


158

الفهرس

  

102

4- الإسِينيون

103

5- القرّاؤون

109

الدرس الثامن: اليهودية - 3 – (عقائد اليهود، أحكامهم وكتبهم)

111

عقائد اليهود

111

الأصول الثلاثة عشر

112

التوحيد في الديانة اليهودية

112

النبوة في اليهودية

113

المعاد في اليهودية

114

انتظار ظهور المسيح

115

أحكام اليهود

117

كتب اليهود

117

العهد القديم (تنَخ tenakh)

119

التَّلْمود

121

قبالا

125

الدرس التاسع: المسيحية - 1 – (سيرة عيسى عليه السلام(

127

عصر ظهور عيسى عليه السلام

127

سيرة عيسى عليه السلام

128

يوحنا المعمدان

129

التآمر على عيسى عليه السلام

130

نهاية مسيرة عيسى عليه السلام

131

عيسى عليه السلام ثائراً

9


159

الفهرس

  

131

1- اختراق تنظيمات العدو

132

2- التعميد في الدم

132

3- صليب الشهادة

132

4- السيف بدل السلام

133

5- الدعوة إلى الكفاح المسلّح

134

 6- تحقير الملك

134

7- مخاصمة تجّار الدين

139

الدرس العاشر: المسيحية) - 2 – الرّسل والأناجيل(

141

الرسل الإثنا عشر

144

الكتاب المقدّس: العهد القديم والجديد

145

أقسام الكتاب المقدّس

146

الأَناجيل

146

أعمال الرسل

147

رسائل الرسل

147

الرؤيا والمكاشفة

153

الدّرس الحادي عشر: المسيحية - 3 – (تأسيس الكنيسة والفرق)

155

تأسيس الكنيسة

156

أسباب انتشار المسيحية

157

ظهور الجدل الكلامي

157

المسيحية في روما

159

البابوات

160

سائر الأنظمة المسيحية


 10


160

الفهرس

  

160

الفرق المسيحية

161

الكنيسة الكاثوليكية

161

الكنيسة الأرثوذكسية

162

الكنيسة البروتستانتية

167

الدّرس الثاني عشر: المسيحية) - 4 – العقائد(

167

اللاهوت

169

خلفيات العقائد المسيحية

170

ألوهية المسيح في الأناجيل

172

الثالوث

173

تثبيت التثليث في مجمع نيقيا

174

الفداء

175

الأسرار السبعة

176

التعميد

177

الدرجات المقدّسة

178

العشاء الربّاني )الإفخارستيّا(

 

 11


161
دروس في الأديان