أحيوا أمرنا


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-03

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

يعتبر إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام في أيّام أحزانهم وأفراحهم، العلامة التي تظهر مكنون محبّتهم، والشاخص الذي يدلّ على عظيم مودّتهم، وذلك التزاماً بما ورد عنهم عليهم السلام في وصف شيعتهم ومحبّيهم أنّهم: "يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا".

وتعدّ مجالس العزاء من أهمّ أشكال ذلك الإحياء، حيث اتّخذت عبر التاريخ - ولا تزال- أهميّة خاصّة، لا سيّما مجالس الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام في شهري محرّم وصفر.. فإنّ أحداً لا يسعه الإنكار أو التشكيك في المكانة التي تحتلّها هذه المجالس في الفكر والوجدان الشيعيّ العامّ، والآثار والبركات التي خلّفتها على مستوى الفرد والمجتمع الشيعيّ خاصّة والإسلاميّ عامّة.

ومن هنا نجد الإمام الراحل قدس سره كثيراً ما كان يؤكّد على هذه البركات والآثار العظيمة ويردّد القول: "إنّ كلّ ما عندنا هو من بركات عاشوراء، وهذه المجالس في شهري محرّم وصفر"، كما لا زال الإمام الخامنئيّ دام ظله يشدّد على أهميّة هذه 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 المجالس وضرورة إحيائها والاعتناء بشأنها وتعظيم أمرها.


وقد تلمّس هذان القائدان العَلَمان ومن خلال موقعهما المتميّز في إدارة شؤون الأمّة، ومعرفتهما العميقة بنهج أهل البيت عليهم السلام وخطّهم، تلمّسا الكثير من الفوائد والنتائج والدروس والعبر، التي قلّما يلتفت إليها غيرهما، ممّا انعكس بشكل واضح على خطاباتهما ومواقفهما وكلماتهما النورانيّة، المستقاة من فكر ونهج وكلمات أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم أجمعين.

ولهذا كان من الضروريّ لكلّ مشاركٍ ومساهمٍ في إحياء أمرهم عليهم السلام أن يرجع إلى روايات الأئمّة عليهم السلام، ليرى إرشاداتهم وتوجيهاتهم أوّلاً، وما أرادوه من شيعتهم ومحبّيهم في هذا المجال، سواء المدّاح أو الراثي، والمستمع أو الباكي، والداعي أو الساعي، وأيّ شخصٍ له دور على هذا الصعيد.

ثمّ إنّه من الضروريّ ثانياً، أن يعود إلى كلمات وتوجيهات وإرشادات الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله، والتي أدليا بها في مناسبات مختلفة، ومجالس متعدّدة، واحتوت على فوائد عظيمة تصلح أن تكون برنامجاً عمليّاً لكلّ من أراد أن يصل، بهذه المناسبات والإحياءات، إلى مرحلة تصبح نهجاً ومدرسة يتخرّج منها الأجيال التي تمهّد الأرض ليومها الموعود بظهور حجّة آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

هذا الكتاب:
وفي هذا السياق، فقد قام الإخوة في المكتب الثقافيّ لفخر الأئمّة عليهم السلام (دفتر فرهنگي فخر الأئمّة عليهم السلام) في مدينة قمّ المقدّسة، وتحت إشراف سماحة الشيخ أحمد پناهيان حفظه الله، بجمع كتاب يحتوي على نبذة من الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين عليهم السلام، كما يحتوي على مقتطفات مهمّة من 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

المقدمة

 كلمات وخطابات وتوجيهات وإرشادات الإمام الراحل قدس سره ووليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ دام ظله، وهي تتعلّق بمكانة العزاء ومجالس ذكر وإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام، وموقع المنبر ودوره في عمليّة التبليغ الدينيّ، وكذلك مكانة القرّاء وخدّام أهل البيت عليهم السلام رثاءً ومدحاً وشعراً ونثراً، وما يرتبط بهذه العناوين من فروع، وما يتصل بها من أمور..


وحيث وجدنا في معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ أهميّة ما يحتويه هذا الكتاب من فائدة على مستوى الخطابة والتبليغ، والمنبر الحسينيّ وإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام، وبعد أن أجازنا سماحة الشيخ بناهيان مشكوراً بتعريبه- حيث كان الأصل باللغة الفارسيّة- قمنا بهذه المهمّة، فعمدنا إلى تعريبه وتقديمه للإخوة الخطباء والقرّاء الأعزّاء، ليتسنّى لهم الإطّلاع على محتواه، والغوص في رحابه ومداه، وقد أسميناه: "أحيوا أمرنا، من كلمات المعصومين عليهم السلام وتوجيهات الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله".

عملنا في الكتاب:
وقد جاءت حصيلة عملنا في هذا الكتاب على الشكل الآتي:
1- حافظنا في التعريب -قدر المستطاع- على المضمون الأصليّ نفسه، بدون أيّ تغيير يُذكر إلّا ما تقتضيه قواعد اللغة وفنون الأدب.
2- تمّ تخريج كلّ المصادر والمراجع المذكورة للروايات الشريفة، وكذلك المناسبات والتواريخ التي وردت فيها كلمات وخطابات الإمام الخميني قدس سره والإمام الخامنئي دام ظله.
3- احتوى الكتاب على ثلاثة أقسام رئيسيّة وفصول عديدة ضمن كلّ قسم.
4- خرّجنا في الهامش تعريفاً مقتضباً لأسماء بعض الشخصيّات الواردة في 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

المقدمة

 المتن، والتي قد تكون غريبة بعض الشيء عن المجتمع العربيّ.


5- أجرينا بعض التعديلات على الترقيم الذي كان متّبعاً، في الأصل، وذلك لضرورات فنيّة.

6- أضفنا بعد كلّ فصل مشجّراً صغيراً، ثمّ أضفنا بعد كلّ قسم مشجّراً كبيراً يتضمّن عناوين ما ورد في الفصول، بما يصلح أن يكون برنامجاً عمليّاً لكلّ من يعمل في سبيل إحياء أمرهم عليهم السلام.

وفي الختام:
نسأله تعالى أن يجعل عملنا هذا مفيداً للإخوة القرّاء والخطباء وخدّام أهل البيت عليهم السلام وموجّهاً لهم في سبيل إحياء أمر النبيّ وأهل بيته عليهم السلام، وأن يثيب العاملين فيه من كريم فضله وعظيم منّه، وأن يوفّقنا جميعاً لمرضاته ويحشرنا مع النبيّ وآله، إنّه نعم المولى ونعم النصير.


معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

القسم الأول: موقع ومكانة عزاء أهل البيت عليهم السلام ومجالس الذكر والتوسل

 الإمام الخمينيّ قدس سره: "ليعرف شعبنا العزيز قدر هذه المجالس التي تبقي الشعوب حيّة، والتي تزداد وتنتشر في أيّام عاشوراء وفي غيرها من الأيّام المباركة مثل الأسابيع ومناسبات الثورة.

 
ولو أنّ الناس عرفوا الأبعاد السياسيّة لهذه المجالس، فإنّ الجميع سينهض للمشاركة فيها، حتّى أولئك المتأثّرون بالغرب ومقلّدوه، إذا ما كانوا حقّاً يريدون الخير لشعبهم ولوطنهم.
 
وإنّي لآمل أن تُقام هذه المجالس بنحوٍ أفضل وأوسع من قبل المشاركين في إحيائها، سواءٌ الخطباء الكبار الذين يجلسون على المنابر، أو منشدو المراثي الذين يقفون عند المنابر وينشدون بعض الأشعار، فإنّ كلّاً من هذين الفريقين له تأثيره الطبيعيّ في هذه القضيّة، وإن كان بعض الأشخاص لا يدركون ذلك، إلّا أنّهم يؤثّرون من حيث لا يشعرون"1
 
الروايات:
عن مسمع، قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "يا مسمع إنّ الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمةً لنا، وما بكى لنا من الملائكة أكثر، وما رقأت دموع 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/1361 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

5

القسم الأول: موقع ومكانة عزاء أهل البيت عليهم السلام ومجالس الذكر والتوسل

 الملائكة منذ قتلنا، وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدِّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ، وإنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا، عند موته، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض"1.

 
عن أبي عبد الله عليه السلام: "رحم الله شيعتنا، شيعتنا والله هم المؤمنون، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة"2.
 
وعن أبي عبد الله عليه السلام: "...وما عين أحبّ إلى الله ولا عَبْرَة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باكٍ يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأدّى حقّنا، وما من عبد يُحشر إلّا وعيناه باكية إلّا الباكين على جدّي الحسين عليه السلام، فإنّه يُحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور بيِّن على وجهه، والخَلْق في الفزع وهم آمنون، والخَلْق يُعرَضون وهم حُدّاث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظلّ العرش، لا يخافون سوء يوم الحساب، يقال لهم: ادخلوا الجنّة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه، وإنّ الحور لترسل إليهم: إنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين، فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسه عليه السلام من السرور والكرامة"3.
 
 
 

1- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 289.
2- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 43، ص 222.
3- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 314.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

6

الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

 الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام



الإمام الخمينيّ: "ينبغي لنا جميعاً أن نعرف أنّ القضيّة ليست هي في طلب الثواب فحسب، ويجب أيضاً أن نوضح للناس، ونذكّرهم بأنّ مجالس العزاء ليست فقط ليقول أحدهم شيئاً، ويبكي الآخر"1.
 
الإمام القائد: "إنّ ذكر مصائب ومراثي أبي عبد الله عليه السلام، يعني تقديم الأسوة للناس، في كيفيّة إمداد المسيرة بالعطاء في سبيل الأهداف الكبيرة"2.
 
الأمر الأوّل - حفظ الإسلام وإحياؤه
الإمام الخمينيّ: "..يجب أن تُقام مجالس العزاء، وعلى الخطباء وأرباب المنابر أن يسعوا جاهدين للإبقاء على ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام حيّة، وعلى الأمّة أن تسعى وبكلّ قوّة واقتدار لإبقاء الشعائر الإسلاميّة، ولا سيّما هذه المجالس نابضة بالحياة، فإنّ الإسلام يحيا بإحياء ذكرى شهادة الحسين عليه السلام،
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 8، ص 71، بتاريخ 17/4/58 هـ. ش.
2- من كلام له خلال لقائه العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

7

الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

  فما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه قال: "..أنا من حسين"1 معناه أنّ الحسين منّي وأنا أبقى حيّاً به، لأنّه يشكّل امتداداً لي".

 
"فلشهادة الحسين بركات جمّة لا يمكن إحصاؤها، مع أنّ أعداء الإسلام حاولوا، منذ القِدَم، محو آثارها من الوجود، وكانوا في صدد اجتثاث بني هاشم من الأساس: "لعبت هاشم..."2، فقد كانوا يخطّطون للقضاء على أساس الإسلام وتحويل الدولة الإسلاميّة، إلى مملكة عربيّة، ممّا جعل جميع المسلمين، عربهم وعجمهم، يتنبّهون إلى أنّ القضيّة ليست قضيّة عربيّة أو عجميّة أو فارسيّة، وإنّما القضيّة هي الله والإسلام".
 
"فعليكم أن تحفظوا هذه المجالس، فإنّ هذه المجالس والإجتماعات الدينيّة والإسلاميّة هي التي تحفظ الإسلام حيّاً في قلوبنا، فحافظوا على الجماعات وعلى الجُمعات، وحافظوا على الأعياد الإسلاميّة، وما فيها من شعائر، حافظوا على مجالس العزاء بنفس هذا الزخم العظيم الذي كنتم تؤدّونه، بل اجعلوها أعظم من ذلك"3.
 
الإمام الخمينيّ: "إنّ واجبنا جميعاً أن نحيي شهري محرّم وصفر بذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام، فإنّ هذين الشهرين يحملان الكثير من الخيرات والبركات الدينيّة؛ لأنّ ذكر مصائب الأئمّة عليهم السلام بتلك الطريقة المتعارفة والتقليديّة، وقراءة المراثي هي التي حافظت على مذهب التشيّع وأبقته حيّاً إلى يومنا هذا، ولا تدعوا
 
 
 

1- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 43، ص 261.
2- كان يزيد (لعنة الله عليه) يضرب بقضيبه ثنايا أبي عبد الله عليه السلام ويقول:
خـــــبر جـــــاء ولا وحــــــــيٌ نــــــــزلْ لــعبــــت هــــاشــــــم بالمــلــــك فـــــلا
مـــــن بنــــي أحمــــد ما كــــان فعــــــــل لســــتُ من خنـــــــدفٍ إن لم أنتــــــــقم
(الطبرسيّ، الإحتجاج، ج 2، ص 307).
3- صحيفة نور، ج 13، ص 158، بتاريخ 14/ 8/ 59 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

8

الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

 وساوس الشياطين تؤثّر عليكم حيث يقولون: نحن قمنا بالثورة فينبغي الآن أن نشتغل بقضايا هذه الثورة فقط دون ما كان قبلها، فإنّه قد أصبح من الماضي، إنّ شهر محرّم وشهر صفر هما اللذان حفظا دين الإسلام، ولذا ينبغي لنا الحفاظ على هذه التقاليد الإسلاميّة، وهذه المواكب الدينيّة المباركة التي نؤكّد عليها دائماً، ولا سيّما في يوم عاشوراء وفي محرّم وصفر وفي كلّ المناسبات المهمّة"1.

 
الإمام الخمينيّ: "إنّ العزاء لسيّد الشهداء هو لأجل حفظ نهج سيّد الشهداء، وأمّا الذين يقولون لا تقرأوا العزاء على سيّد الشهداء، فهؤلاء لا يدركون ما هو خطّ ونهج سيّد الشهداء، هؤلاء لا يدركون أنّ هذه المنابر والمجالس وذكر هذه المصائب مع لطم الصدور، منذ أربعة عشر قرناً، هي التي حفظت وجودنا وإسلامنا حتّى الآن، إنّ الذي أعاد الحياة للإسلام هو شيء واحد لا غير.. إنّ الإسلام يشبه تلك الوردة التي تُسقى بالماء دائماً لتحافظ على بقائها، وإنّ ذلك الماء الذي حفظ الإسلام، وحفظ نهج سيّد الشهداء هو هذه الدموع التي تُذرف في مجالس ذكر مصائب الإمام الحسين عليه السلام"2.
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 15، ص 302، بتاريخ 4/ 8/ 60 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

9

الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

 الأمر الثاني - إحياء النهضة الحسينيّة

الإمام الخمينيّ: "إنّ البكاء على الشهيد هو إحياء للنهضة ومتابعة للمسيرة، وقد ورد في الروايات: "أنّ من بكى على الحسين أو أبكى أو تباكى فله الجنّة"1، وذلك باعتبار أنّ من يبكي أو يحاول البكاء على الحسين عليه السلام فقد حافظ على تلك النهضة، نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وقد حفظت مجالس البكاء هذه أمّتنا وشعبنا"2.
 
الإمام الخمينيّ: "لقد جاءنا اليوم من يقول: كفّوا عن هذه المجالس ولا تقرأوا العزاء! إنّهم لا يفهمون ماذا تعني هذه المجالس، ولا يعرفون ماهيّة هذا العزاء، ولا يعرفون أنّ نهضة الحسين عليه السلام هي التي مهّدت لنهضتنا هذه. إنّ نهضتنا هذه شعــــــاع من نهضــة عاشوراء. إنّهم لا يدركون أنّ البكاء في عـــزاء الإمـــام الحســــــين عليه السلام يُبقي مفهوم وقوف الفئة القليلة في مواجهة الإمبراطوريّة الكبيرة والعظيمة حيّاً. إنّه النهج العمليّ للإمام الحسين عليه السلام، وهو نهج للجميع: (كلّ يوم عاشوراء، وكلّ أرض كربلاء) ومعنى ذلك أن نحافظ على هذه النهضة في كلّ زمان ومكان، وبنفس الطريقة"3.
 
الإمام الخمينيّ: "هناك أمر يجب أن يكون واضحاً لدينا جميعاً، ثمّ نقوم بإيضاحه وإفهامه للناس، وهو أنّ القضيّة ليس في تحصيل الثواب فقط، إنّما القضيّة في أن نسير إلى الإمام ونتقدّم، فسيّد الشهداء عليه السلام لم يقدم على الشهادة طلباً للثواب، لأنّ الثواب لم يكن مهمّاً جدّاً لديه، فقد ذهب لينقذ الدّين
 
 
 

1- روي عن الأئمّة الصادقين عليهم السلام، قالوا: "من بكى أو أبكى غيره ولو واحداً ضمنّا له على الله الجنّة، ومن لم يتأتّ له البكاء فتباكى فله الجنّة".
2- صحيفة نور، ج 10، بتاريخ 30/7/58 هـ. ش.
3- المصدر نفسه.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

10

الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

  ويدفع بالإسلام إلى الأمام ويحييه، وأنتم إذ تنوحون الآن وتتكلّمون وتخطبون وتنعون وتُبْكون الناس فيبكون، كلّ ذلك ابتغاء هذه الغاية، وهي أنّنا نريد أن نحفظ الإسلام بهذه الحيويّة والإستنهاض والبكاء والإنشاد والبيان مثلما حُفظ حتّى الآن، ويجب أن تتوضّح هذه المسألة للناس ويذكّروا بها، وهي أنّ مجالس العزاء ليست ليقول أحد شيئاً، ويبكي الآخر، فالقضيّة هي حفظ الإسلام بالبكاء وقد حُفظ، بل حتّى التباكي أيضاً عليه ثواب، ولكن لماذا؟ لأنّ التباكي يساعد هذا النهج الحسينيّ، فأولئك يُخطئون حينما يرون بعداً واحداً من القضيّة ولا يرون بعداً آخر، ومع الأسف فإنّ الإسلام يُبتلى دائماً برؤية بعد واحد منه"1.

 
الأمر الثالث - مواجهة ظلم الظالمين
الإمام الخمينيّ: "لقد قدّم سيّد الشهداء أولاده وأصحابه وأمواله وآماله وكلّ ما يملك قرباناً في سبيل الله، ومن أجل نصرة الإسلام ومقارعة الظالمين، وقد نهض بفئة قليلة في وجه إمبراطوريّة ذلك الزمان التي كانت أشدّ، وانتصر عليها وسحقها بدمائه الزكيّة وشهادته المباركة. ونحن أتباعه ومنذ ذلك الوقت، وطبقاً لما أمر به الصادق عليه السلام وأوصى به أئمّة الهدى عليهم السلام نسير على هديهم في إقامة مجالس العزاء، وننادي بهذا الأمر مقابل الظلم والظالمين، لقد أحيينا وأحيا خطباؤنا قضيّة كربلاء، وهي قضيّة مواجهة فئة قليلة- لكنّها تحمل إيماناً كبيراً- لنظام طاغوتيّ جبّار"2.
 
الإمام الخمينيّ: "إنّ رضا خان، وعناصر السافاك3 حظروا إقامة مجالس العزاء كلّها لهدفٍ وغايةٍ وهو لم يكن لديه مشكلة أصلاً، 
 
 
 


1- صحيفة نور، ج 8، ص 71، بتاريخ 17/4/58 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 10، بتاريخ 30/7/58 هـ. ش.
3- وهو جهاز المخابرات الإيرانيّة أيّام حكم الشاه البائد.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

11

الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

 ولكنّه كان مكلّفاً ومأموراً فعل ذلك من قبل من لديهم اطّلاع وخبرة، وهم الأعداء الذين قرأوا عنّا وطالعوا أحوال الشعوب وحال أمّة التشيّع، فتنبّهوا لهذه القضيّة ووجدوا أنّ هذه المجالس طالما هي قائمة، وهذا الرثاء لهذا المظلوم مستمرّ، وطالما أنّ ذلك التشهير بالظلم والظالمين باقٍ، فلن يستطيعوا أن يبلغوا مقاصدهم وأهدافهم. ففي عهد رضا خان تمّ حظر إقامة مجالس العزاء بحيث منع من إقامتها في جميع أنحاء إيران، وقد تمّ لهم ما يريدون، وكفّت أيدي أهل المنبر والعلماء ومنعوا من ممارسة دورهم التبليغيّ، وقام النظام بحملةٍ دعائيّةٍ وتبليغيّةٍ مضادّة، أدّت إلى تخلّفنا ونهب كافّة ثرواتنا"1

 
الإمام الخمينيّ: "لقد ضحّى الإمام الحسين عليه السلام مع تلك الفئة القليلة التي كانت معه، بكلّ شيء فداءً للإسلام، ووقف في مواجهة أعتى الإمبراطوريّات وأعظمها، وقال: "لا"، ونحن علينا في كلّ زمان وفي كلّ مكان أن نحفظ كلمة الـ: "لا" هذه، وإنّ إحياء هذه المجالس هو من أجل تحقيق هذا الأمر، وهو حفظ هذه الـ: "لا""2.
 
الإمام الخمينيّ: "لا ينبغي أن يتخيّل جيل الشباب والناشئة أنّ القضيّة هي مجرّد بكاء أمّة،كما يحاول الآخرون (الأعداء) أن يصوّروه لكم، ويقولوا: أنتم أمّة البكاء، إنّهم في الحقيقة يخشون من هذا البكاء، لأنّه بكاء على المظلوم وصرخة في وجه الظالم، وتلك السواعد التي تخرج وترتفع إنّما قامت في مقابل الظالم، وعليكم أن تحافظوا عليها، إنّها شعائرنا الدينيّة، وهي شعائر سياسيّة يجب حفظها، فلا يخدعنّكم أولئك الأشخاص الذين يريدون-وتحت أسماء وعناوين 
 
 
 


1- صحيفة نور، ج 10، بتاريخ 30/7/58 هـ. ش..
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

12

الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

 مختلفة لأهدافهم ومراميهم المنحرفة- أن ينتزعوا كلّ شيء من أيديكم، فهم يرون ويشاهدون أنّ هذه المجالس الحسينيّة التي تذكر مصائب المظلوم وجنايات الظالم، تقام في كلّ عصر لمقارعة الظالمين، إنّ هؤلاء غافلون عمّا قدّمته هذه المجالس من خدمات لهذا البلد ولدين الإسلام"1

 

 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 10، بتاريخ 30/7/58 هـ. ش..


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

13

الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

 

 

 

 

20


14

الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

 الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ



الأمر الأوّل - جبرائيل يذكر المصيبة لآدم عليه السلام
روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: "﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾1 أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة عليهم السلام فلقّنه جبرئيل قل: يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان، فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرئيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرئيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي، وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه وا قلّة ناصراه، حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدّخان، فلم يجبه أحد إلّا بالسيوف، وشرب الحتوف، فيذبح ذبح الشاة من قفاه، وينهب رحله أعداؤه وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان، ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنّان، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى"2.
 
 
 
 

1- سورة البقرة الآية 37.
2- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 223.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

15

الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

 الأمر الثاني - عزاء إبراهيم عليه السلام في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام

عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: "لمّا أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه، تمنّى إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده، وأنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه، ليرجع إلى قلبه ما يرجع قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده بيده، فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: يا إبراهيم من أحبّ خلقي إليك؟ فقــــال: يا ربّ، ما خلقــــــــت خلقاً هـــــو أحبّ إليّ من حبيبــــك محـــــمّدصلى الله عليه وآله وسلم فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: يا إبراهيم أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟ قال: بل هو أحبّ إليَّ من نفسي، قال: فولده أحبّ إليك أو ولدك؟ قال: بل ولده، قال: فذبح ولده ظلماً على أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي؟ قال: يا ربّ، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي، قال: يا إبراهيم، فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ستقتل الحسين عليه السلام ابنه من بعده ظلماً، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: يا إبراهيم، قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل، لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه السلام وقتله وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب، فذلك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾"1
 
الأمر الثالث - ذكر عظمة مصاب الإمام الحسين عليهم السلام في الحوار بين الله تعالى وموسى الكليم عليه السلام
في حديث مناجاة موسى عليهم السلام وقد قال: "يا ربّ،لم فضّلت أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأمم؟ فقال الله تعالى: فضّلتهم لعشر خصال، قال موسى: وما تلك الخصال التي يعملونها حتّى آمر بني إسرائيل يعملونها؟ قال الله تعالى: الصلاة،
 
 
 
 

1- الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 209، المجلسي، بحار الأنوار، ج 12، ص 125.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

16

الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

  والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد، والجمعة، والجماعة، والقرآن، والعلم، والعاشوراء، قال موسى عليه السلام: يا ربّ، وما العاشوراء؟ قال: البكاء والتباكي على سبـــــط محـــــمّد صلى الله عليه وآله وسلم، والمرثيّة والعزاء على مصيبة ولد المصطفى، يا موسى ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان، بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفىصلى الله عليه وآله وسلم: إلّا وكانت له الجنّة ثابتاً فيها، وما من عبد أنفق من ماله في الدرهم بسبعين درهماً، وكان معافى في الجنّة، وغفرت له ذنوبه، وعزّتي وجلالي، ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره، قطرة واحدة إلّا وكتب له أجر مائة شهيد"1.

 
الأمر الرابع - الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذكر المصيبة
عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال: "نظر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحسين بن عليّ عليهماالسلام وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً، ثمّ قال عليه السلام: بأبي قتيل كلّ عبرة، قيل: وما قتيل كلّ عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلّا بكى"2.
 
عن ابن عبّاس قال: قال عليّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً؟ قال: إي والله، إنّي لأحبّه حبّين، حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإنّ ولده لمقتول في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون، ثمّ بكى رسول الله حتّى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي"3.

 
 
 

1- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 319.
2- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 318.
3- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 288، نقلاً عن أمالي الصدوق.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

17

الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

 الأمر الخامس - تنبؤ وبكاء أمير المؤمنين عليه السلام في كربلاء

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام قال: "مرّ عليّ بكربلا في اثنين من أصحابه، قال: فلمّا مرّ بها ترقرقت عيناه للبكاء، ثمّ قال: هذا مناخ ركابهم، وهذا ملقى رحالهم، وههنا تُهراقُ دماؤهم، طوبى لكِ من تربة عليكِ تُهراقُ دماء الأحبّة"1.
 
الأمر السادس - بكاء السيّدة الزهراء عليها السلام على الإمام الحسين عليه السلام
رُوي أنّه لمّا أخبر النبي ّصلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: "يا أبت، متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خال منّي ومنك ومن عليّ، فاشتدّ بكاؤها وقالت: يا أبت فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبيّ: يا فاطمة، إنّ نساء أمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل، في كلّ سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة، يا فاطمة! كلّ عين باكية يوم القيامة، إلّا عين بكت على مصاب الحسين فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة"2.
 
الأمر السابع- ذكر السيّدة زينب الكبرى عليها السلام للمصيبة في كربلاء
الإمام القائد: "هذا (ذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام) هو النبع المتدفّق منذ زوال يوم عاشوراء، عندما صعدت زينب الكبرى- كما ينقل- التلّ الزينبيّ 
 
 
 

1- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 258.
2- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 37.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

18

الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

 وخاطبت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "يا محمّداه صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمّل بالدّماء، مقطّع الأعضاء، مسلوب العمامة والرداء..."9 ، وأخذت تقرأ مصيبة أبي عبد الله وتذكر بصوتٍ عالٍ تلك الواقعة التي أرادوا إخفاءها، لقد قامت أخت الإمام العظيمة عليها السلام سواء في كربلاء أو الكوفة أو الشام أو المدينة، ببيان حادثة عاشوراء بصوتٍ عالٍ، ومنذ ذلك اليوم أخذت تغلي وتتدفّق ولا زالت إلى يومنا هذا على ذلك التدفّق والغليان، هذه هي واقعة عاشوراء"2.

 
الأمر الثامن - الإمام السجّاد عليه السلام وذكر المصيبة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "بكى عليّ بن الحسين على أبيه الحسين بن عليّ عليهماالسلام عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعاماً إلّا بكى على الحسين، حتّى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة لذلك"3.
 
وأشرف مولى لعليّ بن الحسين عليهما السلام وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا عليّ بن الحسين، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه إليه فقال: "ويلك (أو ثكلتك أمّك)، والله لقد شكى يعقوب إلى ربّه في أقلّ ممّا رأيت حين قال: "يا أسفي على يوسف" وإنّه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي"12.
 
الأمر التاسع- وصيّة الإمام الباقر عليه السلام إقامة العزاء
 
 
 
 

1- ابن طاووس: اللهوف على قتلى الطفوف ص 133.
2- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
3- ابن قولويه، كامل الزيارات، ص 107.
4- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 46، ص 110.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

19

الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

 الإمام الخمينيّ: "إنّ الإمام الباقر عليه السلام قد أوصى عند وفاته أن يوقف له من ماله كذا وكذا لنوادب يندبنه عشر سنين في منى، فأيّ نوع من المواجهة هذا؟ وهل إنّ الإمام الباقر عليه السلام كان بحاجة إلى البكاء؟ وماذا أراد عليه السلام من البكاء وإقامة العزاء ومراسم الرثاء في أيّام الحجّ وفي منى؟ هذه نقطة أساسيّة، سياسيّة، نفسيّة، إنسانيّة، إنّ البكاء في ذلك المكان عشر سنين، يعني أن يأتي الناس ليسألوا: ما الخبر، ما القضيّة؟ فيأتي الجواب: القضيّة كذا وكذا، فهذا يلفت انتباه الناس إلى هذا الخطّ وهذا النهج، وهذا من شأنه أن يحطّم الظالم وينصر المظلوم. نحن قدّمنا الشباب، كربلاء قدّمت الشباب، وعلينا حفظ مسيرتهم، فليست المسألة بهذه البساطة، فهل تتخيّلون أنّها مسألة بكاء؟ لا، ليست بكاءً، إنّما هي مسألة سياسيّة، نفسيّة، إجتماعيّة"1.

 
الأمر العاشر - أمر الإمام الصادق عليه السلام بإقامة العزاء
الإمام الخمينيّ: "نحن نقيم مجالس العزاء منذ ذلك الوقت الذي أمر إمامنا الصادق عليه السلام بذلك وأوصى أئمّتنا عليهم السلام به"2.
 
الإمام الخمينيّ: "لقد صدرت هذه الروايات في ذلك اليوم الذي كانت فيه الفرقة الناجية مبتلاة بالحكم الأمويّ، وفي أغلب الحكم العبّاسيّ، وكانت هناك أقليّة قليلة للغاية في مواجهة القوى الكبرى آنذاك، ومن أجل تنظيم النشاط السياسيّ فقد قامت هذه الأقليّة بإيجاد طريق- هو بحدّ ذاته عمل تنظيميّ- منقول عن مصادر الوحي من أهل البيت عليهم السلام، بأنّ هذه المجالس وهذه الدموع لها كلّ هذه العظمة والفضيلة والثواب، فكان الشيعة يجتمعون على قلّتهم آنذاك، ولعلّ الكثير منهم لم يكونوا يعلمون ما هي القضيّة، ولكن القضيّة كانت هي تنظيم

 
 

1- صحيفة نور، ج 10، ص 217، بتاريخ 29/8/58 هـ. ش.
2- المصدر نفسه، بتاريخ 30/7/58 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

20

الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

  مجموعة من هذه الفئة القليلة أمام تلك الفئات الكثيرة"1.

 
عن ابن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كنّا عنده فذكرنا الحسين بن عليّ عليهماالسلام، وعلى قاتله لعنة الله، فبكى أبو عبد الله عليه السلام وبكينا، قال: ثمّ رفع رأسه، فقال: قال الحسين بن عليّ عليهما السلام: أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلّا بكى"2.
 
الأمر الحادي عشر- العزاء في العصر الحاضر
الإمام الخمينيّ: "وهكذا كانت هذه المجالس، طيلة التاريخ، تنظيماً عامّاً في البلاد- البلاد الإسلاميّة- وفي إيران التي هي مهد التشيّع والإسلام والشيعة، كانت مجالس العزاء هذه، وهذه المواكب تقف في وجه أنظمة الحكم التي توالت، وكان هدفها القضاء على الإسلام، والقضاء على أساس علماء الدّين، فالشيء الوحيد الذي كان يقف لهم بالمرصاد ويخيفهم هو هذه المجالس وهذه المواكب الحسينيّة"3.
 
الإمام القائد: "إنّ العزاء اليوم أفضل وأكثر حماساً من العزاء أيّام شبابي، وهذا يعني إنتشار هذه الأجواء أكثر فأكثر في أيّامنا هذه، إلّا أنّه يجب الحفاظ على وجود تلك البركات"4



1- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.
2- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 312.
3- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.
4- كلام القائد في لقاء مسؤولي هيئات العزاء في أنحاء إيران، 19/2/80 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

21

الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

 

 

 

 

 

 

 

 

28


22

الفصل الثالث: أهميّة التوسّل والارتباط بأهل البيت عليهم السلام

 الفصل الثالث: أهميّة التوسّل والارتباط بأهل البيت عليهم السلام

 
الإمام القائد: "إنّ هذا التوسّل ذو قيمة عالية، إنّ جوهر محبّة أهل البيت عليهم السلام وبالأخصّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام، المميّزة بين أفراد هذه العائلة العظيمة، ذو قيمة عالية جدّاً"1.
 
الإمام القائد: "ينبغي أن نعرف قيمة هذا الارتباط والاتصال القلبيّ والمعنويّ، إنّ خلفيتنا الإيمانيّة عبارة عن جوهر قيِّم يشكّل هويّتنا الإنسانيّة والإسلاميّة، لنعمل على زيادة المحبّة يوماً بعد يوم بيننا وبين العترة الطاهرة والمعصومة لأهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبالأخصّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام. ولنقترب منهم من خلال طاعة الله"2.
 
الأمر الأوّل - العلاقة العاطفيّة بأحزان الأئمّة عليهم السلام وأفراحهم
الإمام القائد: "إنّ عاطفة شعبنا وتعلّقهم بالأئمّة عليهم السلام شيء مهمّ جدّاً إذ إنّهم
 
 
 

1- من كلام له في لقاء المنشدين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 17/5/83 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء المنشدين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام، 28/5/82 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

23

الفصل الثالث: أهميّة التوسّل والارتباط بأهل البيت عليهم السلام

  في أفراحهم حقيقةً يفرحون، وفي عزائهم حقيقة يحزنون ويغتمّون1، وهذا أمر مهمّ جدّاً"2.

 
الأمر الثاني - أهميّة إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام
الإمام الخمينيّ: "إنّ الذي يحضر إلى المسجد، ويستمع إلى المطالب التي تُلقى من على المنبر، وعندما يصل إلى العزاء، يترك ويرحل، فهذا لأنّه غير ملتفت إلى حقيقة الأمر، إن ّهذا العزاء هو الذي حفظ هذا المحراب وهذا المنبر، ليكن قصدكم عندما تخطبون وتنوحون وتدفعون الناس للبكاء، فيبكون، هو حفظ الإسلام كما وصل إلينا، فبهذا البكاء والنياحة وبهذا الشعر والنثر نريد حفظ هذا النهج، كما تمّ حفظه حتّى الآن"3.
 
الأمر الثالث - أهميّة البكاء على أبي عبد الله عليه السلام
عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد اللهعليه السلامقال: سمعته يقول: "إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السلام، فإنّه فيه مأجور"4.
 
وعن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: "من دمعت عينه فينا دمعة لدم سُفك لنا، أو حقٍّ لنا نُقِصناه، أو عِرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا بوَّأه الله تعالى بها في الجنّة حقبا"5.
 
 
 

1- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منّا وإلينا". (المجلسي، بحار الأنوار ج 44 ص 287). وعن الرضاعليه السلام: "إن سرَّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا". (البروجردي، جامع أحاديث الشيعة ج 12 ص 549).
2- من كلام له في لقاء المنشدين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
3- صحيفة نور، ج 13، ص 71.
4- ابن قولويه، كامل الزيارات.
5- المفيد، الأمالي، ص 175.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

24

الفصل الثالث: أهميّة التوسّل والارتباط بأهل البيت عليهم السلام

 رُوي عن الأئمّة الصادقين عليهم السلام قالوا: "من بكى أو أبكى غيره ولو واحداً ضمنّا له على الله الجنّة، ومن لم يتأتّ له البكاء فتباكى فله الجنّة"1.

 
عن الرضاعليه السلام أنّه قال: "يا دعبل، من بكى أو أبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله، يا دعبل، من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا، يا دعبل، من بكى على مصاب جدّي الحسين عليه السلام غفر الله له ذنوبه"2.
 
عن الصادق عليه السلام: "يا فضيل، من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثلُ جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر"3.
 
الإمام الخامنئي: "إنّ الكلام حول حادثة عاشوراء ليس مجرّد حديثٍ عن ذكرى من الذكريات، بل هو توضيح لحادثة ذات أبعاد غير محدودة. لذلك فإنّ إعادة التذكير بهذه الذكرى هي، في الحقيقة، من باب المقولة التي يمكن أن تنتهي إلى بركات كثيرة ولا متناهية، ومن هنا فإنّكم تلاحظون الاهتمام العظيم بالبكاء والإبكاء على الإمام الحسين عليه السلام في زمن الأئمّة عليهم السلام"4.
 
 
 
 

1- الحلّي ابن نما، مثير الأحزان، ص 14.
2- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 386.
3- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 282.
4- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

25

الفصل الثالث: أهميّة التوسّل والارتباط بأهل البيت عليهم السلام

 الإمام القائد: "إنّ دور العاطفة، عظيم جدّاً، لذلك أُمرنا بالبكاء والإبكاء وتوضيح الواقعة وشرحها، كانت زينب الكبرى عليهاالسلام تتحدّث بشكل منطقيّ في الكوفة والشام، لكنّها كانت ترثي أيضا"1، وكان الإمام السجّاد عليه السلام من على منبر الشام يوجّه الضربات بعزّة وصلابة على رأس الحكم الأمويّ، إلّا أنّه كان يرثي أيضاً، وهكذا استمرّت المراثي حتّى اليوم، ويجب أن تبقى إلى الأبد، لتتنبّه العواطف وتتيقّظ، إنّ فهم الكثير من الحقائق محال إلّا في أجواء العاطفة والعشق والمحبّة"2.

 
 
 

1- ومن مرثيّة زينب بنت فاطمة أخت الحسين عليه السلام حين أُدخِلوا دمشق:
 أما شجاك يا سكن قتل الحسين والحسن    ظمآن من طول الحزن وكلّ وغد ناهل
 يقــول يـــا قــوم أبــي عـليّ البــرّ والوصيّ        وفــاطــم أمّــي التــي لــها الــتقى والــنائل
 منّوا على ابن المصطفى بشربة يحيا بها        أطفــالنا مــن الظمــأ حيــث الفرات سائل
 قالــوا لــه لا مــاء لا إلّا الــــسيوف والــقنا      فانــزل بــحكم الأدعيــا فقــال بل أنــاضل
حتّــــى أتــــاه مشقــص رمــاه وغد أبــرص        من ســقر لا يــخلص رجــس دعــي واغل 
 فهــــلّلوا بــــختله واعــــصوصبــــوا لــــقتله          ومــــوته فــــي نضــــله قد أقــــحم المنــاضل
 وعفّــــــروا جبينــــــه وخــــضّبوا عــــثنونه            بالــــدم يا مــــعينة مــــا أنــــت عــــنه غــافل
 وهتــــكوا حــــريمه وذبــــــحوا فــــــطيمه            وآثــــــروا كلثومــــــه وســــــقيت الحــــلائل
 يسقــــــن بالتنــــــايف بضجّــــــة الهــواتف          وأدمــــــع ذوارف عقــــــــولهــــا زوائــــــل
 يقلــــن يا مــــــحمّد يا جــــــدّنا يا أحــــــمد        قــــد أســــــرتنا الأعبــــــد وكلّنــــــا ثــــــواكل
 تهــــدى سبايا كربلاء إلى الشئام والبلاء       قــــد انتعــــلن بالــــدماء لــــيس لهــــن نــاعل
 إلــى يــزيد الطــــاغية مــــعدن كلّ داهــية        مــن نحو بــــاب الجــــابية بــجاحد وخــالل
 حــتّى دنا بدر الدجى رأس الإمام المرتجى     بيــن يــــدي شرّ الورى ذلك اللــــعين القــاتل
 يظــلّ فــــي بنــــانه قضــــيب خيزرانه            ينــــــكت في أســــنانه قــــطعت الأنــــامل
 أنــــامل بجــــاحد وحــــاقد مــــراصــــد             مــــكابد مــــعانــــد فــــي صــــدره غــــوائل
طــــــوائل بــــــدريّة غــــــوائــــل كفــــــــريّة              شــــــوهاء جــــــاهليّة ذلـّــــت لــــها الأفاضل 
فيــا عــيوني اسكــبي علــى بني بنت النبيّ        بفيــض دمــع ناضب كذاك يبــكي العــاقل
(المجلسيّ، بحار الأنوار ج 45 ص 288، البحرانيّ، العوالم ج 17، ص 584).
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 5/11/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

26

الفصل الثالث: أهميّة التوسّل والارتباط بأهل البيت عليهم السلام

 

 

 

 

 

 

 

 

 

33


27

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

 الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ



الأمر الأوّل - برنامج مجلس العزاء
عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر حديثاً طويلاً في ثواب زيارة الحسين عليه السلام إلى أن قال: "بلغني أنّ قوماً يأتونه من نواحي الكوفة، وناساً غيرهم ونساء يندبنه وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ وقاصٍّ يقصّ، ونادبٍ يندب، وقائلٍ يقول المراثي، فقلت له: نعم، قد شهدت بعض ما تصفه، فقال: الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهدّدونهم ويقبّحون ما يصنعون"1.
 
1- تبيين روايات ومعارف أهل البيت عليهم السلام
عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال للفضيل: "تجلسون وتتحدّثون؟ فقال: نعم، فقال: إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا"2.
 
 
 
 

1- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 599.
2- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 501.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

28

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

 عن عبد السلام بن صالح الهرويّ، قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: "رحم الله عبداً أحيا أمرنا، فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا"1.

 
2- قراءة المراثي (إنشاد الشعر)
حكى دعبل الخزاعيّ قال: دخلت على سيّدي ومولاي عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، في مثل هذه الأيّام (أيّام محرّم) فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله، فلمّا رآني مقبلاً قال: "مرحباً بك يا دعبل، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه، ثمّ إنّه وسَّع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه، ثمّ قال لي: يا دعبل، أحبّ أن تنشدني شعراً، فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيّام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني أميّة. يا دعبل من بكى أو أبكى على مصابنا، ولو واحداً، كان أجره على الله، يا دعبل، من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا، حشره الله معنا في زمرتنا. يا دعبل، من بكى على مصاب جدّي الحسين عليه السلامغفر الله له ذنوبه البتة؛ ثمّ إنّهعليه السلامنهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السلام، ثمّ التفت وقال: يا دعبل، إرثِ الحسين عليه السلام، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً، فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت، قال دعبل: فاستعبرت وسالت عبرتي، وأنشأت أقول...:
 
أَفَاطِم لو خِلتِ الحسين مجدّلاً  وقد مات عطشاناً بشطِّ فراتِ
إذاً للطمتِ الخدّ فاطمَ عنده    وأجريتِ دمع العين في الوجناتِ2
 
 
 

1- الصدوق، معاني الأخبار، ج 180.
2- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 386، المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 45، ص 285.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

29

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

 وعن زيد الشحّام- في حديث- أنّ أبا عبد الله عليه السلام قال لجعفر بن عفان الطائيّ: "بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتجيد؟ قال: نعم. فأنشده فبكى ومن حوله حتّى سالت الدموع على وجهه ولحيته، ثمّ قال: يا جعفر، والله لقد شهدك ملائكة الله المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر، ولقد أوجب الله لك، يا جعفر، في ساعتك الجنّة بأسرها وغفر لك، فقال: ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيّدي، قال: ما من أحد قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى به إلّا أوجب الله له الجنّة وغفر له"1.

وعن أبي عبد اللهعليه السلامأنّه قال: "من قال فينا بيت شعر بنى الله تعالى له بيتاً في الجنّة"2.
 
وعن الحسن بن الجهم قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: "ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به إلّا بنى الله له مدينة في الجنّة أوسع من الدنيا سبع مرّات يزوره فيها كلّ ملك مقرّب وكلّ نبيّ مرسل"3.
 
عن أبي طالب- يعني عبد الله بن الصلت- قال: كتبت إلى أبي جعفر ابن الرضا عليه السلام، فأذن لي أن أرثي أبا  الحسين عليه السلام أعني أباه قال: "وكتب إليّ: اندبني واندب أبي"4.
 
3- البكاء
عن مسمع بن عبد الملك قال: قال لي أبو عبد اللهعليه السلام- في حديث-: "أما تذكر ما صُنع به يعني بالحسين عليه السلام؟ قلت: بلى، قال: أتجزع؟ قلت: إي والله، وأستعبر بذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فامتنع من الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي، فقال: رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يُعدّون من أهل الجزع
 
 
 
 

1- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 510.
2- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 597.
3- المصدر نفسه، ص 598.
4- المصدر نفسه، ص 597.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

30

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

  لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك، ووصيّتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة أفضل، ولملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها (إلى أن قال): ما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سال دموعه على خدّه، فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ، وذكر حديثاً طويلاً يتضمّن ثواباً جزيلاً، يقول فيه: وما من عين بكت لنا إلّا نعمت بالنظر إلى الكوثر، وسُقيت منه مع من أحبّنا"1.

 
وعن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام- في حديث طويل يذكر فيه حال الحسين عليه السلام- قال: "وإنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي لو علمت ما أعدَّ الله لك لفرحت أكثر ممّا حزنت، وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنب وخطيئة"2.
 
4- إطعام المعزّين
عن عمرو بن عليّ بن الحسين قال: "لمّا قتل الحسين بن عليّ عليه السلام، لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرٍّ ولا برد، وكان عليّ بن الحسين عليه السلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم"3.
 
عن العبّاس بن موسى بن جعفر، عن أبيه عليه السلام- في حديث- إنّه سأله عن المأتم فقال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ابعثوا إلى أهل جعفر طعاماً فجرت السنّة"4.
 
وفي حديث مناجاة موسى: "يا موسى ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان، بكى أو تباكى وتعزَّى على ولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: إلّا وكانت له الجنّة ثابتاً فيها، وما 
 
 
 
 

1- الحرّ العامليّ، ص 508.
2- المصدر نفسه، ص 597.
3- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 13، ص 238.
4- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

31

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

 من عبد أنفق من ماله في الدرهم بسبعين درهماً، وكان معافى في الجنّة، وغفرت له ذنوبه، وعزّتي وجلالي، ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره، قطرة واحدة إلّا وكتب له أجر مائة شهيد"1.


الأمر الثاني - السلوكيّات الفرديّة

1- ارتداء اللباس الأسود
ورُوي أنّ يزيد (لعنه الله) استدعى بحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهن: أيّما أحبّ إليكنّ، المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة، ولكم الجائزة السنيّة؟ قالوا: نحبّ أولاً أن ننوح على الحسين عليه السلام قال: افعلوا ما بدا لكم، ثمّ أُخليت لهن الحجر والبيوت في دمشق، فلم تبق هاشميّة ولا قرشيّة، إلّا ولبست السواد على الحسين عليه السلام، وندبوه، على ما نُقل، سبعة أيّام2.

2- التلاقي والتعزية
عن أبي جعفر عليه السلام-في حديث- قال: "..يا علقمة، واندبوا الحسين عليه السلاموابكوه، وليأمر أحدكم مَنْ في داره بالبكاء عليه، وليقم عليه في داره المصيبة بإظهار الجزع والبكاء، وتلاقوا يومئذٍ بالبكاء بعضكم إلى بعض في البيوت وحيث تلاقيتم، وليعزّ بعضكم بعضاً بمصاب الحسين عليه السلام، قلت: أصلحك الله كيف يعزّي بعضنا بعضاً؟ قال: تقولون: أحسن الله أجورنا بمصابنا بأبي عبد الله الحسين عليه السلام، وجعلنا من الطالبين بثأره مع الإمام المهديّ إلى الحقّ من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين"3.
 
 
 

1- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 319.
2- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 3، ص 327.
3- المصدر نفسه، ج 10، ص 316.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

32

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

 3- اجتناب الضحك، وإظهار الحزن أيّام العزاء

عن إبراهيم بن أبي محمود عن الرضاعليه السلام(في حديث): "فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحــــــطّ الذنـــــوب العــــظام؛ ثمّ قال عليه السلام: كان أبـيعليه السلامإذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى تمضي عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين عليه السلام"1.
 
عن عبد الله بن سنان قال: دخلت على سيّدي أبـــــي عبــــد الله جعفـــر بن محمّد عليهماالسلام في يوم عاشوراء، فألفيته كاسف اللون، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر عن عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: يا بن رسول الله، ممّ بكاؤك، لا أبكى الله عينيك؟ فقال لي: أَوَ في غفلة؟ أما علمت أنّ الحسين بن عليّ عليهماالسلام أصيب في مثل هذا اليوم؟"2.
 
عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهم االسلام أنّه قال: "نَفَسُ المهموم لظلمنا تسبيح، وهمّه لنا عبادة، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله؛ ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام: يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب"3.
 
4- السلام على الحسين عليه السلام ولعن قاتليه عند شرب الماء
عن داود الرقّي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذا استسقى الماء، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثمّ قال لي: "يا داود، لعن الله قاتل الحسين عليه السلام، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله إلّا كتب الله له مائة ألف حسنة، وحطّ عنه مائة ألف سيّئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكأنّما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد"4.
 
 
 
 
 

1- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 504، الصدوق، الأمالي، ص 128.
2- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 317.
3- المفيد، الأمالي، ص 338.
4- ابن قولويه، كامل الزيارات، ص 107.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

33

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

 5- ترك التكسّب والعمل في أيّام العزاء

عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث- أنّه قال: "..يا علقمة، واندبوا الحسين عليه السلام وابكوه..وإن استطاع أحدكم أن لا يمضي يومه في حاجة فافعلوا، فإنّه يوم نحس لا تُقضى فيه حاجة مؤمن، وإن قُضيت لم يبارَك فيها ولم يُرشد، ولا يدّخرنَّ أحدكم لمنزله في ذلك اليوم شيئاً، فإنّه من فعل ذلك لم يبارَك فيه؛ قال الباقر عليه السلام: أنا ضامن لمن فعل ذلك، له عند الله عزَّ وجلَّ ما تقدّم به الذكر من عظيم الثواب، وحشره الله في جملة المستشهدين مع الحسين صلوات الله عليه"1.
 
عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال: "من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان يومُ عاشوراء يومَ مصيبته وحزنه وبكائه يجعل الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة يومَ فرحه وسروره وقرّت بنا في الجنان عينه"2.
 
6- اتخاذ هيئة أصحاب المصاب
عن أبي عبد الله عليه السلام: "يا عبد الله بن سنان، إنّ أفضل ما تأتي به في هذا اليوم أن تعمد إلى ثياب طاهرة فتلبسها وتتسلّب، قال: وما التسلّب؟ قال: تحلّل أزرارك وتكشف عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصايب"3.
 
الأمر الثالث - النشاطات الجماعيّة في إقامة عزاء أهل البيت عليهم السلام
1- مجموعات العزاء
الإمام القائد: "بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام وعودة قافلة كربلاء، عمّت مجالس العزاء والنواح مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الليل والنهار، جرت الدموع على
 
 
 

1- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 316.
2- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 504.
3- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 98، ص 303.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

 


34

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

  ترابها الطاهر، وتردّدت مجموعات العزاء للنسوة بين منزل زينب الكبرى وحرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن حرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى منزل أمّ البنين عليهاالسلام. وبعد عودة الحوراء، عقيلة بني هاشم زينب الكبرى عليهاالسلام من الشام إلى المدينة، وبعد الاستقبال وإقامة مجالس العزاء، حضر الجميع من الأطراف والأكناف لتعزيتها والتشرّف بمحضرها؛ وعندما قيل لزينب عليها السلام إنّ أمّ البنين تعزم الحضور إلى منزلك، أرسلت لها: لا تحضري، بل من الأفضل أن أقوم أنا وأخواتي لزيارتك وتعزيتك بأولادك. كانت زينب الكبرى تحمل احتراماً خاصّاً لوالدة العبّاس عليهاالسلام حيث كانت تزورها في المناسبات الدينيّة وغير الدينيّة. في اليوم الثاني لدخول زينب المدينة جمعت نساء بني هاشم وبنات عليّ عليه السلام وعقيل وجعفر وآل عبد المطلب، وأمرتهم بالابتعاد عن الزينة، وارتداء لباس أهل العزاء واللباس الأسود. ثمّ اتّجه الجميع وبنظم خاصّ- مع الــ "آه" والبكاء والنحيب على شهداء كربلاء- وهم يلطمون على الصدور، نحو مسجد وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. في ذلك اليوم كان الجميع ينادي بصوت حزين "وا سيّداه! وا حسيناه"، بحيث بكى كلّ من شاهد هذا المنظر من الخلق".

 


"كان الباكون والنادبون يتحرّكون نحو منزل أمّ البنين التي كانت تنتظر أمام دارها السيّدة زينب وأخواتها والمعزّين بالإمام الحسين عليه السلام، وبمجرّد ملاقاة أمّ البنين للسيّدة زينب الكبرى عليها السلام، علت الآهات منهما ومن النساء المعزّيات، وبكى الصغير والكبير، ومع ذلك فلم تذكر أمّ قمر بني هاشم اسم ولد من أولادها، عزّتها زينب عليهاالسلام وصاحت: "وا أخاه! وا عبّاساه"، لكنّ أمّ البنين أجابتها: "وا إماماه! وا حسيناه! ماذا حلَّ بابني الحسين؟!".

دخلن المنزل على تلك الحالة، واشتدّ البكاء والنواح، أخذت السيّدة زينب تحدّثها عن وقائع عاشوراء، ومن كان حاضراً كان يبكي، حتّى أُغمي عليها. ثمّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

35

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

 تحدّثت أم ّكلثوم بأمور أخرى. وهكذا استمرّ العزاء في المنازل حتّى أبعدت السيّدة زينب عليها السلام إلى الشام، واستمرّ العزاء أيضاً بعد خروجها من المدينة"1.

 
2- إقامة مجلس العزاء في الدار
عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث زيارة الحسين عليه السلام يوم عاشوراء من قرب وبعد- قال: "ثمّ ليندب الحسين عليه السلامويبكيه، ويأمر من في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، وَلْيُعَزِّ بعضُهم بعضاً بمصابهم بالحسين عليه السلام، وأنا ضامن لهم، إذا فعلوا ذلك، على الله عزَّ وجلَّ جميع ذلك- يعني ثواب ألفي حجّة، وألفي عمرة، وألفي غزوة- قلت: أنت الضامن لهم ذلك والزعيم؟ قال: أنا الضامن والزعيم لمن فعل ذلك، قلت: وكيف يعزّي بعضنا بعضاً؟ قال: تقول: عظّم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه والإمام المهديّ من آل محمّد، وإن استطعت أن لا تنشر يومك في حاجة فافعل، فإنّه يوم نحس لا تُقضى فيه حاجة مؤمن، وإن قضيت لم يبارك له فيها، ولا يرى فيها رشداً، ولا يدّخرن أحدكم لمنزله فيه شيئاً، فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارَك له فيما ادّخر، ولم يبارَك له في أهله، فإذا فعلوا ذلك كتب الله لهم ثواب ألف حجّة وألف عمرة وألف غزوة مع رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم، وكان له كثواب كل نبيّ ورسول وصدّيق وشهيد مات أو قُتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة"2.
 
وعن أبي جعفرعليه السلام- في حديث- قال: "..يا علقمة، واندبوا الحسين عليه السلام وابكوه، وليأمر أحدكم من في داره بالبكاء عليه، وَلْيُقِم عليه في داره المصيبةَ بإظهار الجزع والبكاء، وتلاقَوْا يومئذ بالبكاء بعضكم إلى بعض في البيوت وحيث تلاقيتم، وليعزّ بعضكم بعضاً بمصاب الحسين عليه السلام، قلت: أصلحك الله، كيف
 
 
 
 

1- البحرانيّ السيّد محمّد صادق، منابع النوراء في وقائع عاشوراء، ص 183.
2- الحرّ العامليّ، وسائل الشعة، ج 14، ص 510.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

36

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

  يعزّي بعضنا بعضاً؟ قال: تقولون: أحسن الله أجورنا بمصابنا بأبي عبد الله الحسين"1.

 
- وضع ساتر بين النساء والرجال
حكى دعبل الخزاعيّ قال: دخلت على سيّدي ومولاي عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام، في مثل هذه الأيّام فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله... ثمّ إنّهعليه السلامنهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين عليه السلام، ثمّ التفت وقال: "..يا دعبل، إرثِ الحسين عليه السلام.."2.
عن عبد الله بن غالب قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأنشدته مرثيّة الحسين بن عليّ عليهماالسلام فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع:
 
 لبـليّة تسـقـو حـسينا     بمسقاة الثـرى غيـر التراب
 
صاحت باكية من وراء الستر: يا أبتاه"3.
 
3- العزاء في المراكز العامّة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال لي أبي: يا جعفر، أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيّام منى"4.
 
 
 

1- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 316.
2- المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 386.
3- المجلسيّ، بحار الأنوار ج 44 ص 286.
4- الكلينيّ، الكافي، ج 5، ص 117.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

37

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسينيّ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

45


38

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

الإمام الخمينيّ: "إنّ الأئمّة كانوا يصرّون ويؤكّدون على التجمّع والإجتماع، سواءٌكان للبكاء أو لغيره، لأنّه يحفظ كيان مذهبنا، ولا تتخيّلوا أنّنا نريد تحويل هذه المواكب التي تنطلق يوم عاشوراء إلى مجرّد مسيرات، نعم إنّها مسيرات، لكنّها مسيرات تحمل بُعداً سياسيّاً، لذلك يجب الاهتمام بها كما في السابق بل أكثر، إنّ عنوان ورمز انتصارنا إنّما هو هذا اللطم وهذا الرثاء، يجب أن تقام مجالس العزاء في جميع أنحاء البلاد، وعلى الجميع أن يقرأوا العزاء، وعلى الجميع أن يبكوا"1.
 
الإمام الخمينيّ: "هذا البكاء هو الذي حفظ سيّد الشهداء، وهذه المصائب واللوعات والآهات والندبيّات والمواكب واللطم هي التي حفظت مدرسته، ولو كان الحال أن يجلس كلّ عالم وكلّ متديّن داخل حجرة بيته ليقرأ زيارة عاشوراء وحده وهو يحرّك سبحته لما بقي لنا شيء من مدرسة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فالأمر يحتاج إلى حِراك، وكلّ مدرسة تحتاج إلى حِراك، فإنّ اللطم على الصدور 
 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 10، ص 217، بتاريخ 29/8/58 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

39

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 هو الذي يستطيع أن يؤسّس لها والمدرسة التي لا يؤسِّس لها البكاء واللطم على الرؤوس والصدور لا يمكن أن تبقى وتستمرّ، والذين لا يلتفتون إلى هذا الأمر هم مشتبهون ولا زالوا صغاراً"1.

 
الإمام القائد: "الآن ينبغي إقامة العزاء كما كان متعارفاً طوال القرون والعصور، وكما كان يشارك المتديّنون والعلماء، أي تشكيل مجالس العزاء وإيجاد مسيرات ومواكب العزاء التي يغلب عليها الحزن والشوق ومحبّة أهل البيت عليهم السلام، اسعوا ليكون النوح، والأشعار والمراثي ذات محتوى ومليئة بالمضامين الصحيحة، ومعتمدة على الآثار الواردة والمعتبرة عن الأئمّة عليهم السلام أو العلماء الكبار"2.
 
الإمام القائد: "نحن المعمّمين... والمبلّغين وجميع قرّاء العزاء، ينبغي أن نهتمّ بمسألة عاشوراء ومصائب الحسين بن عليّ عليه السلام بشكل جِدّيْ وأساسيّ، وبعيداً عن المظاهر والشكليّات والمجاملات. ولكنْ لو أردنا أن نهتمّ بهذه المسألة بشكل جِدّي، فما هو الطريق إلى ذلك؟ الشرط الأوّل: أن نقوم بتعرية الحادثة عن الشكليّات والتصويرات الضارّة. وهناك أمور أخرى تُعَدُّ في زمرة الشكليّات والتصويرات، إلّا أنّها ليست ضارّة ولا حتّى كاذبة، فجميع الأشخاص الذين يرغبون بتصوير مسألة بشكل فنّي، لا يذكرون مضمون ومتن الحادثة فقط. عندما تستمعون إلى شخص في ظروف خاصّة يُخرج من لسانه كلاماً معيّناً، يمكنكم أن تحدسوا بأحاسيسه ومشاعره، وهذا أمر قهريّ. فلو تحدّث إنسان بكلام ما في الصحراء وأمام جيش جرّار، مهما كان نوع هذه الكلمات- سواءٌ للدعوة أو الطلب أو التهديد أو غير ذلك- فالقاعدة تقتضي أن تكون الحالات الموجودة لدى هذا المتكلم في روحه وذهنه قابلة للحدس من قبل السامع العاقل، وقابلة للتوضيح والبيان من قبل المتحدّث الفنّان أيضاً، إنّ الحديث بمثل هذا لا إشكال فيه.
 
 
 

1- كلام الإمام في جمع من وعّاظ وعلماء طهران 17/8/58 هـ. ش.
2- جواب عن رسالة إمام جمعة أردبيل حجّة الإسلام والمسلمين مروّج 27/3/73 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

40

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 عندما نريد توضيح أحوال الإمام وأصحابه عليهم السلام في ليلة عاشوراء ويومها- وبذاك المقدار الذي قرأناه ووجدناه في الكتب المعتبرة- فستظهر من دون شكّ مجموعة من الخصوصيّات والملابسات، وعلى سبيل المثال: يمكننا توضيح كلام الإمام عليه السلام الذي توجّه به إلى أصحابه ليلة عاشوراء على النحو الآتي: في ظلام الليل أو في ظلام ذلك الليل المؤلم والحزين، وما شابه ذلك، هذه الأمور الشكليّة والتصويريّة ليست ضارّة وليست كاذبة، نعم هناك بعض الأمور الشكليّة والتصويريّة التي يمكن اعتبارها ضمن الأمور الكاذبة، وبعض ما ينقل يكون خلاف الواقع حتّى إنّ بعض ما دوّنته بعض الكتب ليس مناسباً ولا يليق بمفهوم ومعنى النهضة الحسينيّة. يجب التعرّف على هذه الأمور وعزلها. بناءً على ما تقدّم، فالمسألة الأولى أن نعمد إلى تصفية الحادثة، ثمّ نعمد إلى تلك الحادثة المصفّاة والتي أصبحت دقيقة ومتقنة، فنقدّمها بوساطة أنواع البيانات الأدبيّة، من الشعر والنثر وأساليب المراثي الخاصّة، فهذا عمل لا إشكال فيه، لا بل هو عمل مهمّ. يجب علينا أن نقوم بهذا العمل، وأولئك الذين لديهم خبرة وتسلّط في هذا المجال يجب أن يقوموا بهذا العمل، فلو تحدّثنا عن حادثة عاشوراء على طريقة أنّها كانت بنحو "ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة"- وهي عبارة أضحت اليوم واضحة المعنى والمفهوم- ولكن وجدنا ذلك المعنى والمفهوم ينتقض وأنّ عملاً ما يخالفه ويغايره، فإنّنا بذلك لا نقدّم خدمة للأهداف الحسينيّة ولحادثة عاشوراء، إذاً ينبغي أن نصفّي هذه الواقعة، ثمّ نقوم بتشريح أبعادها المختلفة للناس.


أنا لا أرغب بعرض بعض المطالب المتعلّقة بهذا الموضوع في جمع العلماء والمبلّغين والخطباء والقرّاء المحترمين، ونحن جميعاً من أصحاب المنبر والمراثي وذكر مصائب وفضائل سيّد الشهداء عليه السلام، ولكن أقول، وبشكل عامّ، إنّ هذه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

41

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

  الواقعة- باعتبارها أساس نهضتنا وثورتنا- ينبغي أن تكون مصدر عزّة وشرف وحركة، وأن تبقى قادرة صلبة، إذا تعاطينا مع العزاء اليوم كما كنّا نتعاطى معه في مرحلة ما قبل 50 سنة- أي نرى شيئاً ثمّ نعمد إلى الإحتمال الذهنيّ الذي يرجّحه، ثمّ ننقل ذلك للناس بهدف إبكاء المؤمنين وحصول القارىء، من جهة والمستمعين من جهة أخرى على الثواب- فقد نلحق الضرر بهذه الحادثة"1.
 
الأمر الأوّل - إقامة العزاء بالأسلوب التقليديّ
الإمام الخمينيّ: "إنّ شهري محرّم وصفر هما اللذان حفظا الإسلام، وإنّ تضحيات سيّد الشهداء عليه السلام هي التي حفظت لنا الإسلام حيّاً إلى يومنا هذا. فيجب أن يكون إحياء عاشوراء بوساطة العلماء والخطباء، وبذلك الوضع التقليديّ والنسق القديم، حيث كانت الشرائح المختلفة من الناس تتحرّك في مواكب العزاء الكبيرة المنظمة. عليكم أن تعلموا بأنّكم إذا أردتم حفظ ثورتكم هذه فيجب أن تحافظوا على هذه التقاليد"2.
 
الإمام الخمينيّ: "في نهاية خطابهم يجب أن يقرأوا العزاء الحسينيّ كثيراً، كما كان الأمر في الأزمنة الماضية، ويذكروا المراثي ويقرأوا الشعر والنثر، في فضائل أهل البيت وفي ذكر مصائبهم، حتّى يتهيّأ الناس ويكونوا موجودين في الساحة، ويعلموا أنّ أئمّتنا قد صرفوا حياتهم كلّها لنشر الإسلام، فلو أنّهم كانوا يقبلون بالمصالحة لكانت أسباب الرخاء المادّي متوفّرة لديهم، لكنّهم ضحّوا بأنفسهم لأجل الإسلام ولم يهادنوا الظالمين. يجب أن تعرّفوا الناس على واجباتهم ويُرجى من الناس أن لا تكون المسيرات وكأنّها مظاهرة، بل يجب أن تكون كمواكب، على غرار المواكب التقليديّة مع مراعاة الجوانب الشرعيّة الإسلاميّة. عليكم أن تُحيوا 
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجماعة والجمعة ووعّاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 15، ص 204، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

42

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 عاشوراء فبإحياء عاشوراء لن يصيب بلادكم أيّ ضرر"1.

 
الإمام القائد: "إنّني، في الحقيقة، أخشى أن لا نتمكّن- لا سمح الله- من أداء تكليفنا في هذا العصر، الذي هو عصر ظهور الإسلام، وبروز الإسلام وتجلّي الإسلام وتجلّي فكر أهل البيت عليهم السلام، هناك بعض الأعمال التي يؤدّي الإلتزام بها إلى قرب الناس من الله والدين، ومن جملة هذه الأعمال، مجالس العزاء التقليديّة، عندما يطلب الإمام (الخمينيّ) أن نقيم العزاء بالأسلوب التقليديّ، فهو من أجل هذا الهدف. إنّ الحضور في مجالس العزاء، وقراءة المراثي، والبكاء، واللطم على الرأس والصدر والمشاركة في مواكب العزاء، كلّ ذلك من الأمور التي تثير العواطف اتجاه أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي أمور مهمّة جدّاً"2.
 
- مواكب العزاء
الإمام الخمينيّ: "... ويُرجى من الناس ألّا تكون المسيرات وكأنّها مظاهرة، بل يجب أن تكون كمواكب، على غرار المواكب التقليديّة مع مراعاة الجوانب الشرعيّة الإسلاميّة، عليكم أن تُحيوا عاشوراء، فبإحياء عاشوراء لن يصيب بلادكم أيّ ضرر"3.
 
الأمر الثاني - تبيين وتوضيح المعارف الدينيّة الأصيلة وربطها بالحاضر
الإمام القائد: "ينبغي أن تَملأ المراثي والنواحُ واللطمُ الأجواءَ بالمسائل الحسينيّة الحيّة- المعرفة والإدراك-، لعلّ البعض منكم يتذكّر، والبعض الآخر قد لا يتذكّر آخر محرّم في زمن حكومة الطاغوت، والذي قبله أيضاً- قبيل انتصار الثورة- حيث كانت المراسم على هذه الشاكلة، أي أنّ النواح الذي يقدّمونه، وبعض
 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 15، ص 205، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.
2- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
3- صحيفة نور، ج 15، ص 205، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

43

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 الأوقات من خلال التسجيلات التي ينقلونها إلى المدن المختلفة، كانت موجّهة ضدّ نظام الطاغوت، كنت في تلك المرحلة أعيش مبعداً وكانوا يأتون إليّ بهذه التسجيلات من شيراز ورفسنجان، استمعوا إلى ذلك العزاء، حيث يجب أن يكون اليوم على تلك الشاكلة.

 
تلك المجالس كانت موجّهة ضدّ نظام الطاغوت الذي كان يتولّى الأمور، أمّا اليوم وبحمد الله فقد زال ذلك النظام، إلّا أنّ هناك كلاماً آخر يجب أن يُقال، وهناك ألوية أخرى يجب أن تُرفع، إنّ جميع المفاهيم الأساسيّة التي يلتزمها نظام الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم- كالعدالة، والوقوف في وجه الإستكبار العالميّ ومواجهة الفساد، ومعارضة العنصريّة والاهتمام بأصحاب الكفاءات- هي مفاهيم أساسيّة في ديننا وجميعها مفاهيم حسينيّة، ويجب أن تحضر في اللطميّات، فهل تتلاءم هذه الأمور مع المراثي والبكاء والنواح؟ طبعاً! لأنّ جميع هذه العناصر موجودة في تلك الحادثة. إنّ تلك الحادثة عبارة عن مركَّب عجيب ذو عناصر متعدّدة، أمّا الأذهان الوقّادة، فتتمكّن من تجزئة هذه العناصر بشكل صحيح وتنتقيها من صفحة يوم عاشوراء، وليلة عاشوراء، وأيّام محرّم، ومن كلمات أولئك العظماء، ثمّ تقوم بعرضها"1.
 
الإمام القائد: "يجب التعرّف على واقعة الإمام الحسين عليه السلام، ولكن أين يمكن ذلك؟ هل في التاريخ؟ نعم، هذا جزء من ذلك، إلّا أنّ مسألة الإمام الحسين عليه السلام لم تكن مسألة ذلك التاريخ فقط، فلو كان لها ارتباط بذلك المقطع التاريخيّ ومتعلّقة بذلك الزمان فقط ولا غير، لما كان لها كلّ هذه الآثار والتردّدات. وقد أشار الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وقبلها، إلى أنّ عمله هذا هو نموذج ومثل أعلى، باعتبار أنّ كلّ ما يحصل عبر التاريخ ويشبه الظروف المحيطة بذلك
 
 
 

1- من كلام الإمام القائد في لقاء مسؤولي هيئات جند الإسلام في أنحاء البلاد 19/2/80 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

44

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 الزمان، ينبغي التعامل معه كما فعل الإمام الحسين عليه السلام، ولذلك نجد من ناحية، أنّ الأئمّة عليهم السلام قد أحيَوْا من بعده هذه الحادثة وأكّدوا عليها، ومن ناحية أخرى فقد ظهرت من قِبَل الناس ردّات الفعل المباشرة لعمل الإمام الحسين عليه السلام ضدّ الحكومات الظالمة المستبدّة. طبعاً ليس في حادثة عاشوراء، بل في المئة سنة أو المئة وخمسين سنة أو الثلاثمائة سنة التي تلت حادثة عاشوراء، وهذا يدلّ على أنّ هذه الحادثة سيّالة موّاجة خالدة.

 
فإذاً، إنّ فهم حديث عاشوراء ليس في إطار التاريخ فقط، بل يجب التدقيق في كلّ زمان، لاكتشاف الموقع الذي يوجد فيه العناصر المؤلَّفة لـ "الهويّة اليزيديّة"، ثمّ استحضار العناصر المشكِّلة لـ "الهويّة الحسينيّة" في مقابلها، وهذا يحتاج إلى معرفة ووعي، إنّ هذه المسألة تُعتبر من أهمّ الأمور التي ينبغي أن تضطلع بها الهيئات والجلسات ومجالس العزاء"1.
 
الإمام القائد: "... إنّ من جملة الوظائف المهمّة الأخرى لهذه (الهيئات والجلسات ومجالس العزاء)، توضيحَ القرآن والدّين والمعارف التي ضحّى الإمام الحسين عليه السلام وسائر الأئمّة عليهم السلام بأنفسهم لأجلها، فيجب أن تُشير هذه المجالس إليها، وتدلّ عليها"2.
 
الأمر الثالث - البعد السياسيّ لمجالس العزاء
الإمام الخمينيّ: "أمّا الموضوع المرتبط بالسادة الخطباء، فهو أنّ عمق هذه المهمّة التي تضطلعون بها، وعمق قيمة مجالس العزاء لم يتَّضحا إلّا قليلاً، ولعلّهما لم يتَّضحا أبداً لدى البعض، وإنّ القيمة الكبيرة التي توليها رواياتنا لقطرة واحدة من الدموع لمظلوم كربلاء، بل وحتّى للتباكي والتظاهر بالبكاء، ليست من باب أن
 
 
 
 

1- من كلام الإمام القائد في لقاء مسؤولي هيئات جند الإسلام في أنحاء البلاد 19/2/80 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

45

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 سيّد المظلومين بحاجة إلى ذلك، وليس من أجل أن تحصلوا أنتم ومستمعوكم على الثواب، وإن كان الثواب الكبير على ذلك ثابتاً، ولكن لماذا خصّص هذا الثواب وبهذا الحجم الكبير لهذه المجالس؟ ولماذا جعل الله تبارك وتعالى كلّ ذلك الثواب للدمع، بل وحتّى لقطرة واحدة منه، بل وللتباكي أيضاً؟ إنّ هذه القضيّة تتّضح شيئاً ما عندما ننظر إليها من ناحيتها السياسيّة، وسوف تتّضح أكثر من ذلك في ما بعد إن شاء الله، إنّ كلّ هذا الثواب للمرثيّات ومجالس العزاء والنواح والبكاء إنّما هو من أجل بُعدها السياسيّ المهمّ، بالإضافة إلى قيمتها العباديّة والمعنويّة"1.

 
1- استفادة أهل البيت من العزاء باعتباره أداة للمواجهة السياسيّة
الإمام الخمينيّ: "فإنّ الأبعاد السياسيّة لهذه الشعائر والمجالس تفوق في أهميّتها سائر الأبعاد والأمور الأخرى، ولهذا فليس من العبث ما كان يوصينا به بعض أئمّتنا من إقامة مجالس العزاء عليهم، وأمرهم لنا بالبكاء والإبكاء والتباكي، وأنّ من يفعل ذلك فإنّ له كذا وكذا من الأجر، فالمسألة في جوهرها ليست مجرّد مسألة البكاء والتباكي، وإنّما هي مسألة سياسيّة، كان الأئمّة يهدفون من ورائها، ومن خلال نظرتهم الإلهيّة للأمور، إلى تعبئة هذه الشعوب، وزيادة أواصر التلاحم في ما بينها، وذلك لئلّا تكون عرضة للأخطار في المستقبل.
 
إنّ أحكام الإسلام، هي أحكام سياسيّة، يغلب فيها الطابع السياسيّ على غيره من الأمور، فهذه الإجتماعات الحاشدة، التي دعا الإسلام إليها وأوجب بعضها وفرضه، واستحبّ الآخر وأكّد استحبابه جميعها، ذات طابع سياسيّ، فمسألة الحجّ ووجوب اجتماع الناس من كافّة أنحاء العالم الإسلاميّ سنويّاً في مكّة، مع التوحّد في اللباس والمظهر والأعمال التي يتمّ أداؤها، كلّ هذه المسائل ذات أبعاد سياسيّة، فالله سبحانه وتعالى غنيٌّ وغير محتاج لعبادتي وعبادتك، ولكنّه يريد 
 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

46

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 لأتباع الإسلام أن يجتمعوا ويطرحوا قضاياهم وقضايا الإسلام في ما بينهم ويتباحثوا حولها ويفكّروا بحلول لها، ولهذا أوجب عليهم الإجتماع هناك"1.

 
الإمام الخمينيّ: "إنّ ما أوصى به الإمام الباقر عليه السلام عند وفاته أن يوقف له من ماله كذا وكذا لنوادب يندبنه عشر سنين في منى2، ليس سببه أنّ الإمام الباقر عليه السلام بحاجة إلى ذلك، وليس لأنّه يعود بفائدة شخصيّة عليه، ولكن انظروا إلى طابعه السياسيّ، ففي منى وعندما يتوافد الناس من جميع أقطار العالم إلى هناك، ويجلس شخص أو أشخاص ليرثوا الإمام الباقر عليه السلام، ويذكر جريمة الأشخاص الذين عارضوه، وتسبّبوا مثلاً في شهادته، فإنّ هذه القضيّة ستنتشر في العالم انتشار النّار في الهشيم، ومع ذلك فإنّ البعض يستهتر بهذه المجالس الحسينيّة!"3.
 
2- الأهميّة السياسيّة للعزاء في الظروف الحاليّة
الإمام الخمينيّ: "لقد علّمنا سيّد الشهداء بعمله الذي قام به كيف نجاهد في ميدان الحرب وكيف نمارس تكليفنا خارج ذلك الميدان، وعلّمنا كيف يمارس المجاهدون جهادهم المسلّح، وكيف يكون التبليغ من وراء الجبهة وساحة الحرب، وعلّمنا كيف تواجه الفئة القليلة الفئة الكثيرة، وكيف تتحرّك الثورة بهذا العدد المحدود ضدّ الحكومة المتسلّطة على كلّ شيء. وقد علّم سيّد الشهداء عليه السلام وأهل بيته الكرام وولده العظيم كيف نتصرّف عند نزول المصائب ووقوع البلايا، هل نستسلم؟ أو نتراجع؟ أو نقف ونصمد كما وقفت زينب عليهاالسلام بعد تلك المصيبة العظمى التي (تصغر عندها المصائب) وتحدّثت في مقابل الكفر والزندقة، وسجّلت مواقف مهمّة في كلّ موقع مناسب، وكذلك إمامنا عليّ بن الحسين عليه السلام
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 13، ص 154، بتاريخ 14/8/59 هـ. ش.
2- الكلينيّ، الكافي، ج 5، ص 117.
3- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

47

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

  بعمله التبليغيّ على أتمّ وجه، بالرغم من وضعه الصحّيِّ الخاصّ؟ 

 
نحن نواجه اليوم حجماً هائلاً من الإعلام العالميّ المعادي، نواجه كلّ هذا الإعلام المقروء وما تبثّه الإذاعات وما يردّده الخطباء والمتحدّثون وما تقوم به المنظّمات والمحافل الدوليّة... إنّنا نقف في مواجهة كلّ ذلك لأنّنا قضينا على مصالحهم وقطعنا أياديهم عن بلدنا، ولا بدّ من مواصلة نهجنا هذا للسير بالثورة قدماً، لقد منّ الله تعالى علينا بنعمه، ولا بدّ لنا من المحافظة على هذه النعمة... لقد عُدنا بالإسلام الذي كاد أن يُقضى عليه في عهد النظام البهلويّ المنحوس، إلى واقع الحياة، وتخلّصنا من أعدائه، وعلينا اليوم المحافظة على هذه النعمة... إنّ واجب الجميع يتمثّل في شكر هذه النعمة التي أنعم الله تعالى بها علينا، وذلك ببذل كلّ الجهود لحفظها وحمايتها التي منّ الله تبارك وتعالى بها علينا وصوناً لها"1
 
الإمام الخمينيّ: "إنّ الجانب السياسيّ من هذه الأدعية وتوجّه جميع الناس إلى نقطة واحدة وإلى الله تعالى هو الذي يعبّئ الأمّة لتحقيق الهدف الإسلاميّ"2.


الإمام الخمينيّ: "أقول: لو شارك هذا الشعب (بتعداده البالغ خمسةً وثلاثين مليون نسمة) في شهر محرّم، وفي هذه الأيّام العشرة منه، وقام الخطباء بمعالجة وطرح مسائل وقضايا اليوم عليهم، وقرأوا لهم مجالس عزاء، وأبكوهم على سيّد الشهداء، لتحولّت هذه المجالس إلى واحدة من الشعائر والنداءات والهتافات الإلهيّة".
 
"إنّ من العبارات الخطيرة القول: لقد قمنا بالثورة وانتهى الأمر، ولا حاجة بعدُ للمجالس العاشورائيّة، وهذا يوازي تماماً القول: لقد قمنا بالثورة وانتصرنا، ولم يعد هناك حاجة لأن نصلّي. نحن نهضنا بالثورة لكي نحيي شعائر الإسلام، لا 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج17، بتاريخ 25/7/61 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

48

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 لنقضي عليها ونميتها، فالحفاظ على عاشوراء حيّة، يعدّ من القضايا السياسيّة- العباديّة المهمّة، وإقامة العزاء على الشهيد الذي ضحّى بكلّ ما يملك في سبيل الإسلام وإعلاء كلمته، هي مسألة سياسيّة كان لها بالغ الأثر في تقدّم ثورتنا وانتصارها، إنّنا نستفيد من هذه المجالس والإجتماعات كما كنّا نستفيد من نداءات "الله أكبر". ولذا علينا أن نحفظ هذه النداءات والشعارات"1.

 
الإمام الخمينيّ: "علينا أن نرفع علماً لكلّ شهيد نفقده وننوح عليه ونبكيه ونصرخ لأجله، وهذا ما يفعله الآخرون أيضاً، فتراهم حين يُقتل أحدُهم من أيّ حزب كان، فإنّهم يجتمعون ويهتفون ويصرخون. إنّ هذه اللقاءات والهتافات هي لإحياء مدرسة سيّد الشهداء، إلّا أنّ البعض غير متنبّه لذلك، وليس لديهم التفات إلى هذه الأمور.
هذه المناخات هي التي حفظت هذه المدرسة إلى الآن، ومجالس العزاء هذه هي التي حفظتنا أحياءً، ودفعت بهذه الثورة إلى الأمام"2.
 
الإمام الخمينيّ: "ينبغي الحرص على تضمين النَّوْح والرثاء والمدائح المنظومة في أئمّة الحقّ عليهم السلام استعراضَ جرائم الظالمين في كلّ عصر ومصر وبأسلوب صارخ فيه نبرة التحدّي. ولمّا كان هذا العصر هو عصر مظلوميّة العالم الإسلاميّ على يد أمريكا والإتحاد السوفيتي وعملائهم... فيلزم الإشارة إلى ذلك بقوّة وصبّ اللعنات على أولئك الظلمة والتنديد بهم بشدّة"3.
 
3- محاربة الأعداء لمجالس العزاء بسبب بعدها السياسيّ
الإمام الخمينيّ: "عليكم أن تدركوا أنّ هذه الشعائر والظواهر والأمور التي أوصانا بها الإسلام، ليست مجرّد قضايا سطحيّة يُراد منها أن نجتمع ونبكي
 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 13، ص 156، بتاريخ 14/8/59 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج15، ص 205، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.
3- صحيفة نور، ج 21، ص 173.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

49

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

  وانتهى الأمر، كلّا، ليس الأمر كذلك، إنّما نحن أمّة البكاء السياسيّ، نحن أمّة تصنع من دمع مآتمها سيلاً عرمرماً يحطّم كلّ السدود التي تقف في وجه الإسلام، ولو كان البكاء أمراً معيباً، فلماذا أقام هؤلاء زمن رضا خان مجالس احتشدوا فيها يبكون هزيمة إيران على يد الإسلام؟ إن كان في البكاء ما يعيب، فكيف بكى هؤلاء؟ إنّهم كانوا يريدون بأعمالهم هذه أن يحيوا المجوسيّة وقوميّتهم التي يفتخرون بها، ولهذا كانت تقام هذه المجالس ويدار فيها الحديث، ويجري فيها الدموع، بسبب هزيمة المجوس على يد الإسلام؟ وإنّ هذه الأفكار الفاسدة لا تزال إلى الآن في أذهان البعض. إنّهم لا يريدون لكم أن تبكوا على شهيد الإسلام، ولكنكم لو بكيتم على هزيمة إيران على يد الإسلام عندها سيقولون: كلّا، البكاء شيء جيّد، فهؤلاء لا يريدون لكم أن تبكوا ذلك الشخص الذي ضحّى بكلّ ما يملك في سبيل نصرة الإسلام، إنّ هؤلاء لا يريدون لكم أن تُبقوا على حياة تلك الواقعة التي استطاعت تحطيم عروش الظلم والإستكبار، لأنّها ستلهمكم وتولِّد فيكم الكراهيّة للظلم والإستكبار، وهذا ما لا يرضون وقوعه. ومن المؤسف أنّ عمل هؤلاء المنحرفين المأمورين، هو نشر هذه الدعايات الباطلة والترويج لها، وقد نجحوا في خداع الكثير من شبابنا، بحيث إنّ بعضهم صدّق هذه الدعايات. فعلى شبابنا أن يدركوا أنّ أيّ دعاية فيها استهداف لواحدة من مظاهر الإسلام أو شعائره، إنّما هي من صنع أولئك الكبار الطامعين والذين ينفّذونها على أيدي عملائهم في الداخل وذلك لضرب الإسلام وإضعافه. على شبابنا المؤمن والفعّال والنشط أن يفكّر بالأسباب الكامنة وراء مخالفة ومعاداة هؤلاء لكلّ واحدة من تلك الشعائر الإسلاميّة، فما الذي تختزنه العمامة حتّى يحاربوها ويُعادوها بهذا الشكل؟ وما الذي يمكن أن تصنعه هذه المجالس الحسينيّة حتّى يعملوا جاهدين للقضاء عليها؟ إنّ ما يمكن أن تصنعه هذه المجالس، هو إيجاد اللحمة والوحدة

 

 

 

 

 

 

 

58


50

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 بين جميع أفراد الأمّة للخروج إلى الشوارع للهتاف واللطم؟ لو أنّهم فكّروا بهذه المسائل في وقت من الأوقات، ولو أنّ العلماء والخطباء المنتشرين بينهم، تواعدوا ونسّقوا معهم في تلك الأيّام على الخروج والتحرّك ضدّ قوّة ما، فما الذي يمكن أن يحدث عندها؟

 
إنّ كلّ خوفهم هو من هذا، فهم لا مشكلة لديهم مع البكاء، وأن تجلسوا لتبكوا وتلطموا، ولكن على أن تعطوهم نفطكم وثرواتكم! أقيموا من المجالس ما تشاؤون، لا مشكلة لديهم، ولكن لا تسخّروها ضدّهم! فهؤلاء يخافون هذه المجالس، بسبب أبعادها السياسيّة"1.
 
الإمام الخمينيّ: "فقد أتوا به (رضا خان) لمحاربة الإسلام، وما محاربة المجالس الحسينيّة إلّا أحد مظاهر محاربة الإسلام.
ولا يحسبنّ شبابنا أنّ عدم إقامة مجالس العزاء والإمتناع عن البكاء على الحسين عليه السلام هما خدمة للوطن، كلّا علينا أن نبيّن هذه المظالم في كلّ مكان ليدرك الناس حقيقة الأمر، وعلينا أن نشير إلى هذا الأمر بشكل منتظم وفي كلّ يوم، لما لهذه القضيّة من أبعاد سياسيّة واجتماعيّة"2.
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 10، بتاريخ 14/8/59 هـ. ش. 
2- المصدر نفسه، ج 10، بتاريخ 30/7/58 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

51

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

 

 

 

 

 

 

60


52

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 الإمام الخمينيّ: "إنّ إحياء مراسم العزاء يجب أن يبقى بنفس القوّة والنشاط الذي كان عليه في الماضي، وإن كان يلزم تصفية بعض المسائل السيّئة التي كانت موجودة، وأُدخلت بوساطة أُناس لا معرفة لهم بالإسلام"1.
 
الأمر الأوّل - الانحرافات الفكريّة
 
1- الفصل بين مسائل الإسلام العقائديّة وبين الأمور العاطفيّة
الإمام القائد: "نحن نمتلك أمراً استثنائيّاً لا يملكه أحد، فمن ناحية لم يتمكّن أيّ مذهب من تحقيق هذا الإبداع، ومن ناحية أخرى لا يملكون وسيلة للإبقاء عليه حيّاً، فقد عجزوا عن الجمع بين الإيمان والعاطفة معاً، وعجزوا أيضاً عن تحريك هذا المزيج عبر التاريخ، كالسيل الجارف الذي يزداد قوّة يوماً بعد يوم"2
 
الإمام القائد: "لا ينبغي أن يتصوّر أحد أنّ الفكر والمنطق والإستدلال يتنافى مع أجواء البكاء والمفاهيم التقليديّة القديمة! كلّا! لأنّ هذا التصوّر باطل، فالعاطفة 
 
 


1- صحيفة نور، ج 15، ص 204، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء مسؤولي لجان جند الإسلام في أنحاء البلاد، 19/2/80 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

53

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 لها مكانها الخاصّ، وللمنطق والإستدلال أيضاً مكانهما الخاصّ، ولكلّ من هذين الجانبين دور في بناء شخصيّة الإنسان، هناك الكثير من الأمور التي يمكن حلّها من خلال العاطفة والمحبّة بحيث لا يمكن ذلك عن طريق المنطق والإستدلال، إذا دقّقتم في حركات الأنبياء، ستلاحظون أنّ الأشخاص الأوائل الذين اجتمعوا حولهم بداية البعثة، كان بسبب عامل العاطفة وليس المنطق. وإذا راجعتم تاريخ نبيّ الإسلام المدوّن والواضح، فأين تجدون أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يخاطب كفّار قريش أصحاب الإستعداد، بالدليل العقليّ، وأين كان يتحدّث معهم عن الدليل العقليّ على وجود الله؟ والدليل العقليّ على وحدانيّته؟ وأين تجدون أنّه أبطل عبادتهم للأصنام بالدليل العقليّ؟ نعم، يُستخدم المنطق والدليل عندما تتقدّم وتتطوّر الثورة وتتكامل، في البداية يتحرّك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حركةً عاطفيّةً. ويتوجّه إليهم منذ اللحظات الأولى فيخاطبهم: انظروا إلى هذه الأصنام وكم هي عاجزة! يقول لهم: "قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا"1، ما هو الدليل الذي ذكره والذي جعل من "لا إله إلّا الله" يؤدّي إلى الفلاح؟ ما هو الدليل العقليّ والفلسفيّ الذي استخدمه هنا؟ طبعاً في كلّ إحساس صادق وعاطفة صادقة، برهان فلسفيّ، ولكن الكلام هو أنّ النبيّ عندما يتوجّه لنشر دعوته، لا يلجأ إلى الإستدلال الفلسفيّ، بل يقدّم الإحساس والعاطفة الصادقين، طبعاً ذلك الإحساس الصادق، ليس إحساساً باطلاً أو من دون منطق، بل هو إحساس يشتمل في داخله على الإستدلال، في البداية يوجّه الأنظار نحو الظلم الموجود في المجتمع، والإختلاف الطبقيّ والضغط الذي يوجده "أنداد الله" الذين هم من جنس البشر وشياطين الإنس، وهذه هي الأحاسيس والعواطف، ثمّ عندما تأخذ الحركة والنهضة مجراها الطبيعيّ، نصل إلى مرحلة الإستدلال المنطقيّ، فبعض الأشخاص الذين يملكون قدرات ذهنيّةٍ 

 
 
 

1- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 9، ص 143.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

54

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 وفكريّةٍ يستطيعون السير للوصول إلى مراتب الإستدلال العالي، نعم هناك بعض الأشخاص الذين يبقون في المراتب والدرجات الأولى، وفي الوقت عينه ليس كلّ الأفراد الذين وصلوا إلى مراتب عالية على مستوى الإستدلال، سيتمكّنون من الوصول إلى تلك الدرجات والمراتب العالية على مستوى المعنويّات. وقد يكون الأمر على العكس من ذلك، فقد يصل من هو صاحب مرتبة متدنيّة في الإستدلال، إلى الدرجات العالية في المعنويّات، لما يحمله من عواطف جيّاشة وارتباط روحيّ بمبدأ الغيب، هذا هو واقع الأمر"1.

 
الإمام القائد: "إنّ للعاطفة دورها ومكانتها الخاصّة في الحركات المعنويّة، فلا العاطفة يمكنها أن تحلّ مكان الإستدلال، ولا الإستدلال يحلّ مكان المشاعر والعواطف. وواقعة عاشوراء في ذاتها وطبيعتها، بحر زاخر بالعواطف والأحاسيس الصادقة"2.
 
الإمام القائد: "في ذلك الوقت الذي بدأت فيه المسائل الإسلاميّة تُطرح برؤية جديدة، وكانت تمتلك جاذبيّة قويّة، وأصبحت أمراً مباركاً للأشخاص الذين لا يمتلكون ارتباطاً قويّاً بالدّين والإسلام، وأصبحت الميول الجديدة في الفكر الإسلاميّ أمراً حسناً- بل أصبح كالذخيرة للعالم الإسلاميّ وبالأخصّ الشباب- ظهر في العالم الإسلاميّ ميل وحركة شبه متنوّرة أخذت تدعو للفصل بين مسائل الإسلام الإيمانيّة والعقائديّة، وبين المسائل العاطفيّة، ومن جملة ذلك الأمور المتعلّقة بواقعة عاشوراء ومجالس العزاء والبكاء.
 
لعلّ هذه الأمور كانت في تلك الأيّام مطلوبة ومقبولة عند الكثيرين من الذين كانوا يدركون وجود بعض التحريفات في واقعة عاشوراء، بسبب رواية هذه الأمور، إلّا أنّ هذه القضايا لم تجد طريقاً لنفسها إلى الواقع، حيث إنّ إمامنا الخمينيّ
 
 
 

1- من كلام له في لقاء علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
2- المصدر نفسه. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

55

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

  العظيم كان يرفض طرحها بشكل علنيّ وواضح في أجواء عاشوراء ومفاهيمها"1.
 
الإمام القائد: "لقد قضى الإمام (رضوان الله تعالى عليه) بأسلوبه الظريف على ذلك التصوّر الخاطئ الذي راج في برهة من الزمان، قبل انتصار الثورة، لقد تمكّن من الربط بين البعد السياسيّ الراقي للثورة، والبعد العاطفيّ في قضيّة عاشوراء، وعمل على إحياء العزاء وذكر المصيبة، وأعلن أنّ هذا الأمر ليس أمراً بالياً ومنسوخاً أو هامشيّاً في مجتمعنا، بل هو أمر لازم ويجب أن يكون ذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام وتوضيح فضائل ذلك العظيم- سواء كان ذلك على شكل العزاء أو بأيّ شكل من أشكال التعزية- رائجاً بين الناس بشكله الرائج والمتداول والعاطفيّ والمشجي، لا بل ينبغي أن يكون أقوى ممّا هو عليه الآن، وقد أكّد على هذا الأمر مراراً وتدخّل بنفسه عمليّاً لأجله"2.
 
2- النجاة من العقاب الإلهيّ بمجرّد حبّ أهل البيت عليهم السلام
الإمام القائد: "الأبيات الشعريّة التي قرأها الأخ، لا تحمل مضموناً صحيحاً، فليس من الصحيح أن تقول بما أنّنا شيعة ومحبّون، فإنّ الله لن يعاقبنا إذا عصينا، لا، ليست المسألة على هذا النحو: "من أطاع الله فهو لنا وليّ"3، والوليّ يجب أن يطيع الله، لأنّ هؤلاء العظماء وصلوا إلى هذا المقام بطاعة الله. وقد جرى اختبارهم قبل الوجود وقبل مجيئهم إلى هذه الدنيا: "يا ممتحَنة امتحنكِ الله الذي خلقكِ قبل أن يخلقكِ فوجدكِ لما امتحَنكِ صابرة"4، إنّ التدبير الإلهيّ يجري ضمن نظام وقانون، ففي رواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي وصل إلى أعلى المقامات وأعظمها، يخاطب ابنته فاطمة الزهراء عليهاالسلام ومع ذلك يقول وهو في
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة في طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
3- المجلسيّ، الكافي، ج 2، ص 74.
4- الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج6، ص 10.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

56

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 هذا المقام: "يا فاطمة، إنّني لن أغني عنك من الله شيئاً"1، وهذا يعني أن الإنتساب إليّ لا ينفعك عند الله. ألم نشاهد أن بعض أبناء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام لم يكن لديهم أيّة رابطة أو علاقة مع الله ولم يتمكّنوا من الاستفادة من ذلك الجوهر النوريّ والقيمة المعنويّة؟ إنّ الذي رفع أولياء الدّين إلى قمّة الشرف البشريّ، بدءاً من شخص النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وباقي أهل بيته الطاهرين- الذين هم الأسوة المنقطعة النظير في عالم الوجود- وانتهاءً إلى أدنى المراتب عند الآخرين، هو الطاعة والعبوديّة لله تعالى. لذلك عندما تذكرون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتعظيم في تشهّد الصلاة تقولون: "وأشهد أنّ محمّداً عبده"، بداية تذكرون عبوديّته ثمّ تذكرون "ورسوله"، فالعبوديّة أعلى من الرسالة، والعبوديّة هي أساس وجوهر القضيّة، ونحن أيضاً يجب أن نتحرّك على الطريق نفسه، فهذه القمم، وإن كانت عالية جدّاً، فإنّ علينا السعي والتحرّك، فلا طريق غيره، ولو تمكّنت أبصارنا من إدراك تلك القمم، فعلينا أن نشكر الله كثيراً، فكيف إذا قُدّر لنا الوصول؟ ينبغي أن نقطع هذه المسافات بمقدار قدرتنا، فإذا فعلنا ذلك فسنستفيد بمقدار طاقتنا"2.

 
3- تحريف الصورة الحقيقيّة للإمام الحسين عليه السلام
الإمام القائد: "أعزّائي، يا شيعة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، إنّ الحسين بن عليّ عليه السلام يستطيع اليوم أن ينقذ العالم! شريطة أن لا يطال التحريف قضيّته، لا تدعوا المفاهيم والأعمال المضلّلة المنحرفة تكون سبباً في انصراف الأنظار والقلوب عن الصورة المباركة والمشرقة لسيّد الشهداء، يجب أن نتصدّى للتضليل والتحريف"3.
 
 
 

1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 18، ص 143، الكراجكيّ، التعجّب، ص 94.
2- من كلام له في لقاء مدّاحي أهل البيت بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/5/82 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

57

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 4- الإفراط والتفريط في طرح المسائل السياسيّة في مجالس العزاء

الإمام القائد: "ينبغي لنا اجتناب طرفين متقابلين: فمن جهة، لا ينبغي حذف المسائل السياسيّة بالكامل من دائرة الكلام والحوار والجهاد الإعلاميّ، وذلك كما كان يأمل الأعداء أن نصاب به منذ عشرات السنين، حيث جاءت الثورة الإسلاميّة وأضرمت النيران في مخطَّطاتهم، وأدخلت الحوار والفكر السياسيّ إلى نصوص النشاطات الدينيّة، ومن جهة ثانية لا ينبغي أن نتصوّر أنّ المنبر وجميع جوانب التبليغ والخطابة بين الناس والمؤمنين، يجب أن تكون حول أمريكا وإسرائيل والمسائل السياسيّة. كلّا، لأنّه يوجد لدينا تكليف إن لم يكن هو الأهمّ والأكثر ضرورة، فإنّه مهمّ وضروريّ وهو قلب مخاطبكم، حيث يجب علينا إعمار وإرواء قلبه وروحه وفكره"1.
 
الإمام الخمينيّ: "وأمّا الخطباء وأرباب المنابر- أيّدهم الله تعالى- فعليهم أن يسعوا لهداية الناس نحو المسائل الإسلاميّة، سواء منها المسائل السياسيّة أو المسائل الإجتماعيّة، وأن لا يتخلّوا عن إقامة مجالس العزاء، فنحن أحياء بهذه المجالس"2.
 
الإمام الخمينيّ: "إنّ الأبعاد السياسيّة لهذه الشعائر والمجالس تفوق في أهميّتها سائر الأبعاد والأمور الأخرى، ولهذا فليس من العبث ما كان يوصينا به بعض أئمّتنا، من إقامة مجالس العزاء عليهم، وأمرهم لنا بالبكاء والإبكاء والتباكي، وأنّ من يفعل ذلك فإنّ له كذا وكذا من الأجر، فالمسألة في جوهرها ليست مجرّد مسألة البكاء والتباكي، وإنّما هي مسألة سياسيّة، كان الأئمّة يهدفون من ورائها، ومن خلال نظرتهم الإلهيّة إلى الأمور، إلى تعبئة هذه الشعوب، وزيادة أواصر التلاحم في ما بينها، وذلك لئلّا تكون عرضة للأخطار في المستقبل. إنّ أغلب 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 5/11/84 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 13، ص 158، بتاريخ 14/8/59 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

58

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 أحكام الإسلام، هي أحكام سياسيّة"1.

 
الإمام الخمينيّ: "يتصوّر بعض الشباب- من دون أن يكون لديهم سوء نيّة- أنّ علينا، في هذا الزمان، أن نتحدّث حول الأمور المعاصرة الجديدة. إلّا أنّ كلام الإمام الحسين عليه السلام هو كلام متجدّد ومبتكر، وهو في الحقيقة متجدّد دائماً ولا يبلى؛ فإنّ سيّد الشهداء عليه السلام هو الذي تحدّث بقضايا التجديد والإصلاح، وقدّمها لنا، وفي المقابل فإنّ مجالس البكاء هذه هي التي حفظت دماء سيّد الشهداء عليه السلام ونهجه"2.


الأمر الثاني - الانحراف العمليّ
الإمام الخمينيّ: "هنا يجب أن نتحدّث بعض الشيء في خصوص العزاء، والمجالس التي تُقام باسم الحسين بن عليّ عليه السلام. نحن وجميع المتديّنين لا نقول، بأنّ كلّ عمل يقوم به أيّ شخص بذريعة هذا الإسم، هو جيّد، فهناك الكثير من العلماء الكبار الذين اعتبروا بعض هذه الأعمال غير مقبولة ومنعوها بأنفسهم"3.
 
الإمام القائد: "أقول وللأسف، إنّه في هذه السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، يُلاحَظ وجود بعض الأعمال ذات علاقة بمراسم العزاء في شهر محرّم، وهي ممارسات خاطئة يجري الترويج لها في مجتمعنا، يؤسّسون لبعض الأعمال ويروّجونها بحيث يحصل التساؤل عند كلّ ناظر إليها"4.
 
1- وضع الأقفال في الأبدان أيّام العزاء
الإمام القائد: "في الزمن الغابر راج بين عوامّ الناس عادة وضع الأقفال في أبدانهم أيّام العزاء! وبعد مدّة منع العلماء العظام ذلك فاندثرت هذه العادة
 
 
 
 

1- صحيفة نور ج 13، ص 158، بتاريخ 14/8/59 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 15، ص 205، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.
3- صحيفة نور، ج 15، ص 205، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.
4- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

59

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

  السيّئة، ولكن بدأ الترويج لها من جديد، وسمعت أنّ بعض الأفراد، في هذا البلد، يضعون الأقفال في أبدانهم! فأيّ عملٍ فاسدٍ هذا الذي يقوم به بعض الناس؟!!"1.

 
2- التطبير
الإمام القائد: "إنّ كلامي إلى الناس المتديّنين من عشّاق آل بيت النبوّة والولاية عليهم السلام، هذا الكلام المنطلق من الإشفاق عليهم، أنا أشاهد كيف أنّ إخلاص ومحبّة الناس لسيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام يتعرّضان للجفاء في المحافل الدوليّة، وكيف أنّ إدراكهم واعتقادهم العميق بمقام أهل البيت السامي، يحملان، بسبب أعمال بعض الجهلة، على أمور بعيدة عن الدائرة الشيعيّة والأئمّة العظام عليهم السلام. وأنا أرى كيف يتعرّض العزاء على الزهراء الطاهرة عليهاالسلام للحملات التي يقودها الأعداء المتعصّبون ووسائل إعلام الشيطان المستعمر. أنا أشاهد كيف يتمسّك الأعداء المغرضون ببعض الأعمال التي لا أساس لها في الدّين، فيقدّمون الإسلام والتشيّع- والعياذ بالله- على أنّهما دين خرافيّ، ثمّ يظهرون في إعلامهم بغضهم لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة المقدّس. هل يرضى الشيعيّ المحبّ والمخلص الذي يقوم بالتطبير يوم العاشر ويضرب رأس طفله حتّى تسيل منه الدماء، أن يجعل الأعداء الذين يملكون الآلاف من العيون المتربّصة بعيوبنا، والآلاف من الألسن المسلّطة علينا، يجعلهم يستفيدون من عمله هذا كمستمسكٍ لتشويه صورة الإسلام والتشيّع؟ وهل يرضى أن يساهم بعمله هذا في هدر دماء عشرات الآلاف من الشباب التعبويّين الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل الإسلام والتشيّع ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة؟
 
إنّ ما نقل عن مراجع السلف هو عدم جواز هذا العمل، إذا كان يحمل ضرراً معتدّاً به. أليس الإستخفاف بالشيعة في الفكر الدوليّ، ضرراً معتدّاً به؟ ألا يعدّ
 
 
 
 

1- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش..

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

60

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

  تشويه صورة محبّة وعشق الشيعة لآل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المظلومين، وبالأخصّ العشق الذي لا حدّ ولا حصر له لسيّد الشهداء عليه السلام، ضرراً معتدّاً به؟ هل هناك من ضرر أكبر من هذا؟ إذا كان التطبير على شكل عمل فرديّ يجري وراء الأبواب المغلقة، فإنّ الضرر الجسميّ هو ملاك الحرمة، ولكن عندما يجري هذا العمل على رؤوس الأشهاد وأمام كاميرات وأعين الأعداء والأجانب، لا بل أمام أعين شبابنا، عند ذلك يصبح الضرر الذي هو معيار الحرمة، ليس مجرّد الضرر الجسميّ والفرديّ، بل هو الضرر الإعلاميّ الكبير الذي يتعرّض لحيثيّة الإسلام والشيعة، لقد أصبح اليوم هذا الضرر كبيراً ومعتدّاً به، لذلك فإنّ التطبير بشكل علنيّ والمرافق للتظاهر، حرام وممنوع. طبعاً الذين قاموا بهذه الأعمال في السنوات الماضية انطلاقاً من العشق والإخلاص هم مأجورون إن شاء الله ويستحقّون الثواب الإلهيّ بسبب نواياهم"1

 
الإمام القائد: "إنّ التطبير عمل غير مشروع، وأنا أعلم أنّ البعض سيقول لكم: لقد كان من المناسب أن لا يتحدّث فلان عن التطبير، فلا علاقة له بالأمر، وقد كان حريّاً به أن يدعهم يضربون الرؤوس بالقامات، إلّا أنّه لا يمكن السكوت على هذا، ولو كانت مسألة (التطبير) التي بدأوا يروّجون لها في السنوات المتأخّرة سائدة في حياة إمامنا الراحل (رضوان الله عليه) لوقف قطعاً بوجهها معترضاً. إنّ قيام البعض بضرب رؤوسهم بالقامات ليلطّخوا بدمائهم، هو عمل خاطئ، وإلّا فما هو معناه؟ وما هي الغاية منه؟ وهل يعدّ ذلك عزاءً؟ نعم اللطم على الرؤوس هو العزاء، فمن نزلت به مصيبة يلطم عفويّاً على رأسه وصدره، وهذا هو العزاء، المتعارف والمقبول. أمّا أن يأتي أحدهم ويضرب رأسه بالسيف لفقده عزيزاً من أعزّته؟ فهل سمعتم بهذا من قبل؟ وهل يعتبر ذلك عزاءً؟ إنّ التطبير يُعتبر من
 
 
 
 

1- جواب على رسالة إمام جمعة أردبيل حجّة الإسلام والمسلمين مروّج 27/3/73 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

61

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 البدع، ولا يمتّ ذلك إلى الدّين بصلة، وما من شكّ بأنّ الله لا يرضى به. ربما كان السلف من علمائنا لا يستطيعون التصريح بذلك، وأمّا اليوم فنحن نعيش حاكميّة الإسلام وظهوره، فينبغي أن لا نقوم بعمل يجعل من المجتمع الإسلاميّ المحبّ لأهل البيت عليهم السلام والذي يفتخر باسم وليّ العصر (أرواحنا فداه) وباسم الحسين بن عليّ عليه السلام وباسم أمير المؤمنين عليه السلام لا ينبغي أن نجعله في نظر باقي مسلمي العالم وغير المسلمين، يبدو وكأنّه مجتمع متخلّف وغير منطقيّ.

 
ولقد كنت كلّما فكّرت بهذا العمل الذي هو بالتأكيد عمل غير مشروع وبدعة، كنت أرى نفسي ملزماً بالحديث عنه أمام الناس، فليكفّوا عن هذا العمل، فإنّني غير راضٍ عنه، إنّني غير راضٍ، من كلّ قلبي، عن كلّ شخص يريد التظاهر بالتطبير. أحياناً كان يجتمع عدد من الأشخاص في ركن ناءٍ ويقومون بهذا العمل بعيداً عن أعين الناس وعن التظاهر بذلك أمامهم، ولم يكن أحد يتدخّل في شؤونهم سواءٌ كان عملهم هذا مشروعاً أم غير مشروع، فقد كان يتمّ ضمن نطاق محدود، وأمّا أن يخرج اليوم عدّة آلاف من الناس فجأة، في أحد شوارع طهران أو قمّ أو مدن آذربيجان أو خراسان، ويضربوا رؤوسهم بالسيوف، فإنّنا لن نقبل بذلك، وهذا أمر غير مشروع لن يرضي الإمام الحسين عليه السلام، أنا لا أدري من أين تأتي هذه البدع الغريبة والمنكرة لتنتشر في مجتمعاتنا الإسلاميّة ومجتمعنا الثوريّ؟!"1.
 
الإمام القائد: "لقد تحدّثت، منذ سنتين أو ثلاث، حول أمور تتعلّق بالتطبير، وقد تفهّم شعبنا العزيز تلك الأمور وعملوا بها.


في الآونة الأخيرة، نقل لي شخص أمراً لافتاً وعجيباً، وأنا بدوري أنقله لكم: يقول أحد الأشخاص العارفين بمسائل الإتحاد السوفياتيّ السابق، والقسم الذي 
 
 
 
 

1- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

62

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 يسكن الشيعة فيه- جمهوريّة آذربيجان-: عندما كان الشيوعيّون يحكمون منطقة آذربيجان السوفياتيّة سابقاً، عملوا على إزالة جميع الآثار الإسلاميّة. فحوّلوا المساجد مثلاً إلى مخازن، وبدّلوا الحسينيّات والمراكز الدينيّة إلى أشياء أخرى، ولم يبقوا على شيء يدلّ على الإسلام والدّين والتشيّع.

 
وأجازوا شيئاً واحداً وهو التطبير! كان قادة الشيوعيّين يأمرون أتباعهم أن لا يسمحوا للمسلمين بالصلاة، ولا بأداء صلاة الجمعة، ولا يحقّ لهم قراءة القرآن ولا إقامة العزاء، ولا ممارسة أيّ عمل دينيّ، إلّا أنّه يحقّ لهم التطبير.
 
لماذا؟ لأنّ التطبير بالنسبة إليهم عبارة عن وسيلة للتبليغ ضدّ الدّين وضدّ التشيّع. إنّ العدوّ قد يستفيد من هذه الأمور، لمحاربة الدّين، وعندما تدخل الخرافات تسوء سمعة الدّين الأصيل"1.
 
الإمام القائد: "لا ينبغي عندما تعرض مسألة محقّة في مركز ما، ثمّ يقوم المسؤول والمبلغ الواعي والمطلع ببيانها، أن يحصل على أثر ذلك حِراكٌ بسبب توهّم أنّ أصل العزاء للإمام الحسين عليه السلام فيه إشكال، كما شاهدنا الأمر في مسألة التطبير، التطبير من وجهة نظرنا أمر مخالف للشرع القطعيّ، كان على هذا النحو وسيبقى. فقد أعلنّا هذا الأمر وأيّدنا فيه العظماء. وبعد ذلك شاهدنا بعض الأعزّاء يعملون عكس ذلك، هنا وهناك! ولكن لنفرض أنّ التطبير لا إشكال فيه وليس حراماً، إلّا أنّه ليس واجباً، فلماذا يوجد دافع في بعض الأماكن لهذه الأمور التي يعدّ بعضها تخلّفاً؟ وحتّى الأمور التي لا تحمل بعض جوانب التخلّف، فإنّها تؤدّي، في عالم اليوم، وفي الإعلام المعاصر وفي الثقافة العالميّة الرائجة وفي الأفكار الفلسفيّة التي دخلت منازلنا وانتشرت يبن شبابنا وبناتنا، تؤدّي إلى وجود ردّات فعل غير مناسبة. هذه الأمور ليست من ضروريّات الشرع وبديهيّاته لنقول بوجوب التصريح بها سواء قبلها العالم أو لم يقبلها، على الأقلّ هي أمور مشكوك 
 
 
 

1- من كلام له في الاجتماع الكبير للناس في صحن الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه) في مشهد المقدّس 1/1/76 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

63

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 فيها، فكّروا في هذا الموضوع وقوموا بما ينبغي.."1

 
الإمام القائد: "الإسلام هو دين منطقيّ وأكثر المفاهيم منطقيّة في الإسلام هي مفاهيم الشيعة، إنّها مفاهيم راسخة، لقد سطع المتكلّمون الشيعة كالشمس كلٌّ في عصره وزمانه، لم يكن أحد يجرؤ على القول بأنّ منطقهم ضعيف... انظروا إلى مصنّفات المرحوم شرف الدّين في زماننا الحاضر، وكتاب الغدير للمرحوم العلّامة الأمينيّ المعاصر أيضاً، أينما وجّهت وجهك فيها فثمّة استدلالات محكمة، هذا هو التشيّع، لماذا يروّجون لأعمال ليس فقط تفتقر إلى الاستدلال، بل إنّها أشبه شيء بالخرافة، هذا هو الخطر الذي يهدّد عالم الدّين ومعارفه، وينبغي على حُماة الدّين والعقيدة الإلتفات إليه.
 
كما ذكرت، هناك عدد من الناس سيسمعون هذا الكلام، ويقولون في أنفسهم، لا عن سوء نيّةٍ: كان يجدر بفلان أن لا يتحدّث في هذا الأمر. كلّا، فأنا من يجب أن يتحدّث به، فمسؤوليّتي أكبر من مسؤوليّة الآخرين، وأيضاً يجب على السادة العلماء قطعاً أن يتحدّثوا بهذا الأمر.
 
لقد كان لإمامنا الراحل مواقف حازمة وصارمة، كان أينما رأى مسألة فيها انحراف يتحدّث بشأنها بصرامة، ولا يخشى لومة لائم، ولو كانت هذه الأمور سائدة في زمانه أو كانت رائجة، كما هي اليوم، فإنّه كان سيتحدّث بشأنها يقيناً.
 
ثمّة أشخاص متعلّقون بهذه الأمور سيستاؤون من الطريقة التي تحدّثت بها عن تلك الأمور المحبّبة لديهم، إنّهم في غالبيّتهم أفراد مؤمنون وصادقون ولا يرمون لشيء، ولكنّهم مخطئون"2.
 
3- القيام بحركات تؤدّي إلى توهين الزيارة
الإمام القائد: "لقد ظهرت مؤخّراً بدعة غريبة غير محبّذة، في باب الزيارة،
 
 
 

1- من كلام له أثناء لقاء مجلس خبراء القيادة 27/12/83 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

 


64

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

  حيث يقوم البعض بالإنبطاح أرضاً عند مدخل مقام الأئمّة المقدّس، ثمّ يزحفون على صدورهم ليصلوا إلى المرقد الشريف، كلّنا يعلم أنّ أئمّة الهدى عليهم السلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كما أنّ إمامنا الصادق عليه السلام والإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وباقي الأئمّة عليه السلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للإمام الحسين عليه السلام، وكذلك المراقد الطاهرة لأهل البيت عليه السلام في العراق وإيران، أصبحت مزارات يؤمّها العلماء والفقهاء والفضلاء، هل سمعتم أنّ إماماً أو عالماً كان ينبطح أرضاً عند دخوله حرم أحد المراقد ويزحف نحو الضريح؟ لو كان هذا الأمر مستحسناً ومحبّذاً ومقبولاً لأقدم عليه أئمّتنا وعلماؤنا. وقد نُقل أيضاً عن المرحوم آية الله العظمى البروجرديّ (رضوان الله تعالى عليه) العالم الكبير والمجتهد المفكّر الفذّ، أنّه كان يمنع تقبيل عتبات المراقد، رغم أنّ ذلك قد يكون مستحبّاً، ويحتمل أن تكون الروايات قد نقلت مسألة تقبيل العتبات، في كتب الأدعية والمصادر الروائيّة، حسبما يتبادر إلى ذهني. فبالرغم من أنّ ذلك قد يكون مستحبّاً، إلّا أنّ المرحوم البروجرديّ كان يمنع الناس عنه لكي لا يظنّ البعض أنّهم يسجدون لها ولا يشنّع الأعداء على الشيعة.

 
واليوم يقوم البعض، في المرقد الطاهر للإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام بالإنبطاح أرضاً عند دخولهم، والزحف نحو مائتي متر حتّى يصلوا إلى الضريح المطهّر، فهل يعدّ هذا العمل صحيحاً؟ كلّا إنّه عمل خاطئ، إنّه توهين بالدّين والزيارة. من الذي ينشر هذه البدع بين الناس؟ ربما كان ذلك أيضاً من صنع الأعداء، اشرحوا هذه الأمور للناس، وأنيروا أذهانهم"1.
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

65

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

 

 

 

 

 

 

 

 

74


66

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

الإمام القائد: "المقولة الأخرى التي يمكن الحديث عنها، بمناسبة محرّم، هي أنّ مراسم عزاء الإمام الحسين عليه السلام وفضل إحياء ذكرى عاشوراء، من أهمّ ما يميّز الشيعة من سائر إخوانهم المسلمين، فمنذ أن أصبحت ذكرى مصيبة الإمام الحسين عليه السلام سُنَّةً يُعمل بها، تفجّرت الفيوضات والمعنويّات في قلوب وأذهان محبّي أهل البيت عليهم السلام، وما زالت تتفجّر إلى يومنا هذا، وستبقى كذلك بفعل ذكرى عاشوراء"1
 
الأمر الأوّل - تربية الإنسان كما يريده الإسلام
الإمام الخمينيّ: "إنّهم لا يدركون أنّ هذه المجالس وهذا البكاء يهذّب ويصنع الإنسان الصالح! إنّ مجالس العزاء هذه لسيّد الشهداء عليه السلام إنّما هي إعلام ضدّ الظلم والطاغوت"2.
 
الإمام القائد: "ينبغي أن تشير هذه المجالس إلى هذه الأمور (القرآن والدّين 
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء مسؤولي هيئات جند الإسلام في أنحاء البلاد 17/2/73 هـ. ش.
2 صحيفة نور، ج 9، ص 201.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

67

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 والمعارف التي ضحّى الإمام الحسين من أجلها)، قارنوا هذه المسألة بذلك المجلس الذي يجلس فيه المستمع لمدّة ساعتين يستمع لما يقال من البداية إلى النهاية ولكنّه لا يحصل على شيء. إنّ بعض المجالس على هذا النحو، لذلك لا يكفي شكل ومظهر المجلس، بل ينبغي أن تكون روح المجلس تحمل هذا المعنى أيضاً، كيف يتحقّق هذا الأمر؟

 
... ينبغي أن تكون خطاباتكم ومنابركم بنّاءة، فإذا حضر شخص إلى مجلسكم مدّة ثلاث سنوات، مثلاً، فلا ينبغي أن يخرج في نهايتها كالعوام. ينبغي أن يخرج وهو يمتلك فهماً ووعياً وإدراكاً. ينبغي أن يكون المنبر وسيلة لبناء الإنسان وبناء الفكر... ينبغي أن يتحرّك الخطيب، من بداية اليوم الأوّل حتّى يوم العاشر، أو في الجلسات الأسبوعيّة التي يشارك فيها، على أساس خطّ ونهج واضح، وكأنّه في صفّ تدريسيّ..."1.
 
الأمر الثاني - إيجاد روحيّة الجهاد والشهادة
الإمام الخمينيّ: "إنّ مجالس العزاء والرثاء هذه لسيّد المظلومين، الذي ضحّى بروحه وأولاده وأصحابه، في سبيل الله ولرضاه، والحديث عن الظلم الذي تعرّض له، هي التي خرّجت هؤلاء الشباب الذين يتوجّهون إلى الجبهات ويطلبون الشهادة ويفتخرون بها، ويحزنون لحرمانهم منها، وهي التي تصنع تلك الأمّهات اللّاتي يفقدنَ أبناءهنَّ ثمّ يُظهرن الإستعداد لتقديم أبنائهنَّ الآخرين. إنّ مجالس سيّد الشهداء ومجالس الدعاء مثل دعاء كميل وغيره من الأدعية، هي التي تصنع هذا الشعب على هذه الشاكلة. وقد شيّد الإسلام، منذ البداية، هذا الأساس بحيث يمضي إلى الأمام بهذه العقيدة وبهذا البرنامج، وإذا ما فهموا حقّاً ما 
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء مسؤولي هيئات جند الإسلام في أنحاء البلاد 19/2/80 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

68

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 هي القضيّة، وما هو الهدف من مراسم العزاء، ولماذا اكتسب هذا البكاء كلّ هذه القيمة والأجر عند الله، فحينئذٍ سوف لا ينعتوننا بأنّنا أمّة البكاء بل يعتبروننا شعب الملاحم"1

 
الإمام الخمينيّ: "إنّ شعبنا ضحّى في سبيل الله بدءاً من الطفل ذي الستّة الأشهر وانتهاءً بالشيخ العجوز ابن الثمانين، وهو بذلك يقتدي برجل التاريخ العظيم سيّد الشهداء عليه السلام.


لقد علّمنا سيّد الشهداء ما ينبغي فعله في مواجهة الظلم والجور والحكومات الجائرة. فمنذ البداية كان-سلام الله عليه- يعلم طبيعة الطريق الذي اختاره، وأنّه ينبغي له التضحية بجميع أهل بيته وأصحابه من أجل الإسلام. ولكنّه كان يعلم ثمرة هذه التضحيات ونتائجها الطيّبة. ولو لم تكن هذه النهضة، نهضة الإمام الحسين عليه السلام، لتسنّى ليزيد وأتباعه خداع الناس وتعريفهم بالإسلام بشكل مقلوب، إذ إنّهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية، وكانوا يضمرون الحقد على أئمّة المسلمين ويحسدونهم.
 
إنّ تضحيات سيّد الشهداء وأهل بيته وأصحابه، هزمت الحكم الأمويّ، إذ لم يمض وقت طويل حتّى تنبّه الناس إلى عظمة الفاجعة والمصيبة التي ارتكبت بحقّ آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أدّى ذلك إلى قلب الأوضاع ضدّ بني أميّة، إضافة إلى ذلك فإنّ واقعة كربلاء قد علّمت الإنسانيّة على مرّ التاريخ بأنّ طريق العزّ والكرامة هو هذا ولا شيء سواه، وعلّمتهم أن لا يخافوا من قلّة العدد، لأنّ الأرقام لا طائل منها، بل المهمّ هو نوع الأرقام، فإنّ الكمّ قد يكون كبيراً، ولكن من ناحية الكيف ناقص، أو هو لا شيء، وبالعكس قد يكون العدد قليلاً ولكن الكيفيّة عالية وعظيمة"2.
 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 17، بتاريخ 25/7/61 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

69

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 الإمام الخمينيّ: "لقد أوضح لنا سيّد الشهداء واجبنا: أن لا نخشى قلّة العدد في ميدان الحرب، وأن لا نهاب الشهادة، فكلّما سما عقل الإنسان وهدفه، زادت معاناته بالمقدار نفسه... إنّنا لا نستطيع أن نستوعب حجم هذا الإنتصار، غير أنّ العالم سيدرك في ما بعد حجم الإنتصار الذي حقّقته أمّتنا، يجب أن نتوقّع حجم المصائب والمعاناة التي ستواجهها الثورة بمقدار عظمة ذلك الإنتصار الذي حصل، وبمقدار هذا الجهاد الذي نقوم به، علينا أن لا نتوقّع أن تكفّ القوى الكبرى- التي فقدت مصالحها في هذا البلد، وإن شاء الله ستفقدها في المنطقة- عن إيذائنا، وخلق المتاعب لنا. علينا أن لا نتوقع- بعد هذا الإنتصار العظيم- أن نكون في مأمن من مؤامرات الأعداء، ونحن أيضاً، كما كنّا في السابق، ينبغي أن نكون اليوم"1.

 
الإمام الخمينيّ: "لقد أعلن شعبنا للعالم، ومنذ انطلاقة ثورته، بأنّه يتطلّع لإقامة الجمهوريّة الإسلاميّة، ويسعى إلى تحقيق استقلاله الكامل في ضوء مبدأ "اللاشرقيّة واللاغربيّة"، لقد أعلنّا للعالم أجمع بأنّنا لسنا تحت وصاية أمريكا ولا روسيا ولا أيّة قوّة أخرى، أنّنا نعتمد على أنفسنا ونستظلّ بظلال إرادة الله تبارك وتعالى ولواء التوحيد، الذي هو لواء الإمام الحسين عليه السلام.
 
عندما أعلنتم هذا للعالم وعملتم على تنفيذه وتحقيقه بكلّ صدق وإخلاص، اضطرب العالم وأخذ يعاديكم، فلا بدّ من الإلتفات إلى هذا المعنى منذ البداية، وهو أنّنا على أهبة الإستعداد للشهادة، مثلما نهض سيّد الشهداء في مواجهة كلّ تلك الحشود والعدّة والعدد حتّى استشهاده، وأنتم ترون الآن وفي الوقت نفسه، الذي حرمونا فيه من ثلّة من كبار أئمّة الجمعة في مختلف أنحاء البلاد، يعلنون بكلّ صدق بأنّهم سيواصلون مهامَّهم حتّى الشهادة"2.
 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 17، بتاريخ 25/7/61 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

70

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 الإمام الخمينيّ: "طبعاً لا بدّ من تصفية بعض المسائل السيّئة التي كانت موجودة، وأُدخلت بوساطة أناسٍ غير مطّلعين على الإسلام، ولكن الإحتفال بمراسم العزاء يجب أن يبقى بنفس الحالة، وعلى الخطباء، بعد الحديث عن الأوضاع الجارية، أن يقرأوا المراثي كما كانوا يقرأونها سابقاً حتّى يهيّئوا الناس للتضحية.

 
إنّ دم سيّد الشهداء هو الذي حرّك دماء الشعوب الإسلاميّة، وإنّ مواكب عاشوراء هذه هي التي تثير الناس وتعبّئهم لأجل الإسلام وحفظ الأهداف الإسلاميّة، يجب ألّا يحصل الكسل في تلك الأمور"1.
 
الأمر الثالث - تعبئة الناس في وجه الظالمين
الإمام الخمينيّ: "كانت مجالس العزاء تكتسب، في الدول الإسلاميّة وطوال التاريخ، تنظيماً خاصّاً، وفي إيران التي هي مهد التشيّع والإسلام والشيعة، كانت مجالس العزاء تواجه الحكومات التي توالت على إزالة أساس الإسلام والعلماء، وإنّ الشيء الوحيد الذي كان يخيف أولئك، هو هذه المجالس والمواكب الحسينيّة"2.
 
الإمام الخمينيّ: "في المرّة الأولى التي اعتقلوني فيها في قم، كان بعض رجال الأمن يقول لي في السيارة، لقد جئنا لاعتقالك ونحن نخشى من هذه الخيم المنصوبة، هنا في قمّ، خوفاً من وصول الخبر إلى مسامع الناس، فلا نستطيع القيام بمهمتنا. وبغضّ النظر عن هؤلاء، فإنّ القوى الكبرى تخشى هي أيضاً هذه الخيم، إنّ القوى الكبرى تخشى هذا التنظيم بدون أن تكون هناك يد واحدة تجمع كلّ هؤلاء الناس، بل إنّ أبناء الشعب يتلاحمون من تلقاء أنفسهم في أرجاء البلاد، 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 15، ص 204، بتاريخ 4/8/60 هـ. ش.
2-- صحيفة نور، ج 6، ص 217.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

71

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 في هذا البلد الواسع في أيّام عاشوراء وفي شهري محرّم وصفر وفي الشهر المبارك. فهذه المجالس هي التي تجمع أبناء الشعب مع بعضهم، فإذا أراد شخص أن يقدّم خدمة للإسلام، وأراد أن يصرّح بموضوع فإنّه ينتشر في جميع أرجاء البلاد بوساطة هؤلاء الخطباء وأئمّة الجمعة والجماعة، فيؤدّي اجتماع الناس تحت هذا البيرق الإلهيّ والحسينيّ، إلى تحقيق هذا الإنتظام الواسع، في حين أنّ القوى الكبرى، إذا أرادت أن تقيم تجمّعاً في مناطقها، فإنّ هذا الإجتماع لا يتمّ إلّا بعد جهود كبيرة قد تستغرق عدّة أيّام أو عدّة أسابيع، فيجتمع عدد نفترض أنّه مائة ألف شخص، أو خمسون ألفاً بعد نفقات كثيرة وجهود كبيرة، ليستمعوا إلى حديث ذلك الشخص الذي يريد أن يتكلّم، ولكنّكم ترون أنّه بمجرّد أن تحدث قضيّة في مدينة بل في جميع أرجاء البلاد، فإنّ جميع شرائح الشعب والمشاركين في عزاء سيّد الشهداء ستجتمع بدون أن تكون هناك حاجة إلى كلّ هذه الجهود والإعلام، وذلك بفضل مجالس العزاء هذه التي جعلت أبناء الشعب يتلاحمون، فبكلمة واحدة تخرج من فم سيّد الشهداء سلام الله عليه نرى الجميع يجتمعون"1.

 
الإمام الخمينيّ: "لعلّ المتأثّرين بالغرب يقولون لنا إنّنا "شعب البكاء"، ولعلّ إخواننا أيضاً لا يستطيعون أن يتحمّلوا الثواب العظيم الذي تحمله قطرة واحدة من الدمع، والثواب الكبير الذي يتمخّض عنه مجلس عزاء واحد، لعلّهم لا يستطيعون هضم تلك الأمور التي ذكرت للأدعية والثواب الذي ذكر لسطرين من الدعاء. إنّهم لا يستطيعون إدراك ذلك وهضمه. إنّ الجانب السياسيّ من هذه الأدعية وهذا التوجّه إلى الله وتوجّه جميع الناس إلى نقطة واحدة، كلّ ذلك هو ما يعبّئ الشعب للهدف الإسلاميّ. إنّ مجلس العزاء ليس هدفه البكاء لسيّد الشهداء والحصول على الثواب- علماً أنّ هذا الهدف مقصودٌ أيضاً ويستتبع
 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

72

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 الأجر الأخرويّ - بل إنّ المهمّ هو الجانب السياسيّ الذي خطّط له أئمّتنا، في صدر الإسلام، كي يبقى حتّى النهاية، وهو أن يكون الإجتماع تحت لواء واحد، وتحت فكرة واحدة، وليس بإمكان أيّ شيء أن يترك تأثيراً في هذا المجال بمقدار ما يتركه العزاء لسيّد الشهداء فيه"1
 
الإمام الخمينيّ: "لو أدركوا ما فعلته الأدعية التي وصلت إلينا عن الإمام السجّاد عليه السلام، الذي فقد كلّ ما يملك في كربلاء، وكان يعيش في ظلّ حكومة تهيمن على كلّ شيء، وكيف أنّ من شأن تلك الأدعية تعبئتنا، لَمَا استهانوا بها أبداً، ولو أنّ المثقّفين من أمّتنا أدركوا ما هي الجوانب الإجتماعيّة والسياسيّة لهذه المجالس وهذه الأدعية وهذه الأذكار، لما تساءلوا: لماذا نقوم بهذا العمل؟ لو اجتمع كافّة المثقّفين وكلّ المتأثّرين بالغرب وجميع أصحاب السلطة، لما كان بإمكانهم إيجاد حادثة أخرى مثل 15 خرداد، إنّ من يمتلك هذه القوّة هو من احتشدنا الآن جميعاً تحت لوائه"2.
 
الإمام الخمينيّ: "هل تعرفون شيئاً في العالم يستطيع أن يوجد الإتحاد والإنسجام في الأمّة أكثر من هذه المجالس؟ وهل تعرفون شعباً يمتلك مثل هذا العامل الموجد للإتحاد؟ ومن الذي أوجد هذا الإتحاد والإنسجام؟ إنّه سيّد الشهداء عليه السلام سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، إنّ المواكب والمآتم الحسينيّة، تخرج يوم تاسوعاء ويوم عاشوراء في مسيرات عظيمة في جميع الدول الإسلاميّة، كالهند وباكستان وأندونيسيا والعراق وأفغانستان وغيرها، فمن يستطيع أن ينسّق لإقامة هذه التجمّعات في كلّ تلك البلاد؟ علماً بأنّه يجب أن تحافظ هذه المواكب على وجهتها الشرعية، والمهمّ أن تحافظوا على هذا التلاحم وهذا الإتحاد"3.
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
3- صحيفة نور، ج 10، ص 217، بتاريخ 29/8/58 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

73

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 الأمر الرابع - التمهيد لانطلاقة الثورات الإسلاميّة

الإمام الخمينيّ: "لا يعتقدنّ أحد أنّه لو لم تكن هذه المجالس الحسينيّة ومواكب اللطم على الصدور والنواح والنحيب، كان يمكن وجود حادثة (15 خرداد)، ولا يوجد في العالم قوّة إلّا قوّة دماء سيّد الشهداء عليه السلام تقوم بإيجاد مثل تلك الحادثة"1.
 
الإمام القائد: "لقد كانت انطلاقة الثورة في الخامس عشر من خرداد أيضاً من بركات ثورة عاشوراء، فبعد مضي اثنين وثلاثين عاماً على واقعة الخامس عشر من خرداد، عاد شهر خرداد ليتزامن مع شهر محرّم الحرام، لقد استطاع الإمام العظيم في الخامس عشر من خرداد والمصادف للثاني عشر من محرّم الحرام عام 1383 هـ. ق، من خلال الاستفادة من واقعة عاشوراء ومحرّم بأحسن صورة، أن يطلق من أعماقه نداء الحقّ ليصل إلى أسماع الناس ويوجد تحوّلاً فيهم.
 
في ذلك اليوم كان شهداؤنا الأوائل في طهران وورّامين وبعض المناطق الأخرى هم هؤلاء الحسينيّين أنفسَهم، فهؤلاء كانوا أوّل من استشهد في واقعة الخامس عشر من خرداد2 حيث تعرّضوا لهجوم أعداء عاشوراء، ولقد شاهدتم في عام 1979 كيف استخلص الإمام العظيم مفهوم "انتصار الدم على السيف" من بين مفاهيم محرّم، وكيف لخّصه وغذّى به أذهان الشعب؟ وهكذا حصل، فإنّ الشعب الإيرانيّ أخذ الدرس من عاشوراء، وسار على نهج الحسين بن عليّ عليه السلام وكانت الغلبة في النهاية للدم على السيف، وهذا الأمر يعدّ من الكرامات العظيمة لنهضة
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.
2- الخامس عشر من خرداد (5 حزيران 1963): في 3 حزيران 1963 ألقى الإمام الخمينيّ قدس سره خطابه في المدرسة الفيضيّة واستعرض فيه المصائب التي ألحقتها العائلة البهلويّة بالبلاد، وفضح العلاقات السرّيّة بين الشاه والكيان الصهيونيّ، قائلاً: "ما هي العلاقة بين الشاه وإسرائيل حتّى تطالب مديريّة الأمن بعدم التعرّض لإسرائيل...فهل أنّ الشاه إسرائيليّ؟!"، وقع هذا الكلام كالمطرقة على رأس الشاه وبادرت قوّات أمنه باعتقال جمع من أنصار الإمام في الرابع من حزيران، وفي فجر يوم الخامس من حزيران داهم رجال الكومندوس منزل الإمام الخمينيّ لاعتقاله ووضعوه في سجن القصر. ثارت الجماهير وانطلقت نحو منزل قائدهم ففتحت قوّات النظام أسلحتها النّاريّة عليها وجرى حمّام من الدم في المدينة. وفي صباح اليوم الخامس من حزيران كان خبر اعتقال الإمام قد وصل إلى طهران ومشهد وشيراز وسائر المدن ممّا فجّر أوضاعاً مشابهة في تلك المدن. وكان هذا اليوم يوم انطلاقة الشعب في الثورة الإيرانيّة الإسلاميّة. وقد وجّهت هذا الإنتفاضة ضربة للإستقرار والضمانات التي أعطاها الشاه لأمريكا.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

74

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 الإمام الحسين عليه السلام"1.

 
الإمام الخمينيّ: "لقد بلغنا درجة عالية بحيث إنّ شعبنا قام بثورته دفعةً واحدةً، وأحدث انفجاراً عظيماً لا نجد له نظيراً في أيّ مكانٍ آخر. لقد حدث هذا التحوّل الكبير في شعب كان كلّ شيء فيه مرتبطاً (بالأجنبيّ)، وكان هذا النظام السابق قد فقد كلّ شيء، وفقد الكرامة الإنسانيّة لهذا البلد، فجعل جميع أمورنا ترزح تحت قيود التبعيّة، وإذا بانفجار يحدث دفعةً واحدةً ببركة هذه المجالس التي كانت تجمع كلّ البلد، وكلّ أبناء الشعب مع بعضهم البعض، فكان الجميع ينظرون إلى نقطة واحدة؛ يجب على السادة الخطباء وأئمّة الجمعة والجماعة أن يشرحوا للشعب أهميّة هذه المجالس أكثر من هذا المقدار الذي أعرفه، كي لا يحسبنّ أحد أنّنا شعب البكاء، بل نحن شعب استطاع بهذا البكاء أن يقضي على امبراطوريّة عمرها 2500 سنة"2.
 
الإمام القائد: "يجب أن نقول في ما يتعلّق بقضيّة محرّم وعاشوراء أنّ روح ثورتنا ووجهتها الكليّة والداعم الأساس لانتصارها، كان هو هذا التوجّه إلى أبي عبد الله عليه السلام والمسائل المتعلّقة بعاشوراء.
 
قد يصعب، بالنسبة إلى البعض، إدراك هذه المسألة، إلّا أنّها الحقيقة، لا يمكن لأيّ فكر- حتّى لو كان مترافقاً بإيمان عميق- أن يحرّك هذه التجمّعات المليونيّة العظيمة بحيث يجعلهم يضحّون بكلّ شيء من دون أيّ تردّد، في سبيل ما يشعرون أنّه تكليفهم"3.
 
الإمام القائد: "لقد ربط الإمام (رضوان الله تعالى عليه) في مرحلتين، مسألة الثورة بمسألة عاشوراء: المرحلة الأولى في بداية الثورة- أي أيّام محرّم عام 42- 
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء جمع من العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة والوعّاظ في طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

75

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 حيث كان منبر توضيح مسائل الثورة، الحسينيّات ومجالس العزاء وهيئات اللطم وعزاء القارئين وذكر المصيبة، والمرحلة الثانية في أواخر الثورة- أي محرّم عام 57- حيث أعلن الإمام (رضوان الله تعالى عليه) عن ضرورة إحياء شهر محرّم وطلب من الناس إقامة المجالس، وأطلق على هذا الشهر، شهر انتصار الدم على السيف، فأوجد هذا الطوفان العظيم العامّ والشعبيّ من جديد، أي أنّ أحداث الثورة التي اكتست روحاً وتوجّهاً حسينيّاً، قد ارتبطت بأحداث ذكر المصيبة الحسينيّة وذكر الإمام الحسين عليه السلام"1.

 
الإمام القائد: "لقد انتصرت ثورتنا ببركة الإمام الحسين عليه السلام، فهل الأمر غير هذا؟ لو لم تكن مجالس محرّم، ولو لم تكن جلسات العزاء، ولو لم تكن جلسات الخطابة، طوال هذه الأعوام الطويلة، لما وصلت هذه الثورة إلى النصر أبداً"2.
 
الأمر الخامس - إيجاد القدرة على المقاومة مقابل الأعداء
الإمام الخمينيّ: "إنّ مجالس العزاء الحسينيّة هي الوسيلة الوحيدة، في العالم، التي تستطيع إبطال كلّ هذه المؤامرات التي تحيكها جميع القوى الكبرى، من جميع الجوانب، على هذا الشعب"3.
 
الإمام القائد: "إنّ نعمة بهذه العظمة من شأنها أن تفعم القلوب بالإيمان الإسلاميّ، وبفضل هذه النعمة بات الظلمة الذين شهدهم التاريخ يخشون عاشوراء ويخشون ذكرى الإمام الحسين عليه السلام، وهذا الخوف الذي بدأ منذ عهد خلفاء بني أميّة ما زال مستمرّاً إلى يومنا هذا، وقد شاهدتم نموذجاً من ذلك إبّان ثورتنا، فعندما كان يحلّ محرّم كانت أجهزة النظام البهلويّ الرجعيّ الكافر
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة والوعّاظ في طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
2- لقاء الإمام القائد مع مجموعة القارئين 11/12/64 هـ. ش.
3- صحيفة نور، ج 16، بتاريخ 30/3/61 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

76

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

  الفاسد تشعر بالعجز، وأدركت أنّ عجزها ناجم عن محرّم. وقد أشارت بعض التقارير التي خلّفها النظام البائد، إلى تخبّط أجهزته وارتباكها مع حلول شهر محرّم، وقد عرف إمامنا العظيم رضوان الله عليه، ذلك الرجل الحكيم الفذّ المؤمن، عرف كيف يستفيد من تلك الواقعة تحقيقاً لأهداف الإمام الحسين عليه السلام، وهذا ما فعله.

 
إنّ شهر محرّم شهر ينتصر فيه الدم على السيف، وانطلاقاً من هذا المنطق جعل إمامنا الدم ينتصر على السيف بفضل شهر محرّم الحرام. إنّه نموذج عشتموه بأنفسكم، ويجب على الجميع أن يستفيد من هذه النعمة، سواءٌ كانوا من عموم الناس، أو كانوا من العلماء وطلبة العلوم الدينيّة"1.
 
الإمام الخمينيّ: "عليكم الاهتمام بالتبليغ أيّها السادة! إنّه شهر محرّم، احرصوا على بقاء محرّم حيّاً... إنّ كلّ ما لدينا هو من محرّم ومن هذه المآتم. مجالس تبليغنا هي أيضاً من بركات محرّم، ومن بركات دماء سيّد الشهداء عليه السلام وشهادته. علينا أن نصل إلى أعماق هذه الشهادة وتأثيرها، ونبرهن للعالم بأنّ تأثيرها لا زال فاعلاً حتّى يومنا هذا. فلولم تكن مجالس الوعظ والخطابة والعزاء والمآتم وهذه التجمّعات، لما انتصرت بلادنا. لقد انتفض الجميع تحت لواء الإمام الحسين عليه السلام واليوم أيضاً تشاهدون أنّ الجميع يبثّون الحماس في جبهات القتال بوحي من حبّ الحسين عليه السلام"232
 
الأمر السادس - إيجاد حاكميّة الإسلام وحفظ النظام الإسلاميّ
الإمام القائد: "إنّ الذي يظهر من روايات سيرة الأئمّة عليهم السلام وما تشير إليه الشواهد المتعدّدة، أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا عازمين، بشكل جدّيّ، على إيجاد النظام
 
 
 

1- في كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 17، بتاريخ 25/7/61 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

77

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

  الإسلاميّ، وهذا العمل لا يتنافى مع علم الإمام- كما يُتصوّر- ومعرفته. فهم أرادوا حقيقة إقامة النظام الإلهيّ، فإذا أقيم فذاك تقدير إلهيّ، ويختلف التقدير الإلهيّ في العلم الإلهيّ بوساطة اختلاف الشروط، ونحن لسنا في صدد البحث حول هذا الموضوع الآن. بشكل عامّ، لا شكّ في أنّ حركتهم عليهم السلام كانت لأجل هذا المقصد، واليوم وجد هذا النظام في مجتمعنا ببركة تلك الثورة. لو لم تنتشر في مجتمعنا مسألة عشق الإمام الحسين عليه السلام وذكره وذكر مصائبه وحوادث عاشوراء، فمن غير المعلوم أن تنتصر الثورة في هذه المدّة الزمانيّة القصيرة وبهذه الكيفيّة. لقد كان هذا الأمر عاملاً مؤثّراً بشكل كبير في انتصار الثورة، وقد استخدم إمامنا هذا العامل لتحقيق هذا الهدف الذي قام من أجله الحسين بن عليّ عليه السلام"1.

 
الإمام القائد: "إنّ الذي وجّه ثورتنا وينبغي أن يوجّهها اليوم، هو ذلك الشيء الذي لأجله قام الحسين بن عليّ عليه السلام. نحن اليوم، نقيم العزاء لشهدائنا الذين استشهدوا في جبهات متعدّدة في سبيل هذا النظام والحفاظ عليه، إنّ ذلك الشهيد الشاب الذي قضى في الحرب المفروضة، أو في مواجهة الأعداء والمنافقين والكفّار، بمختلف أشكالهم، فلا شبهة لدى أحد من الناس بكونه شهيداً، فهو شهيد طريق هذا النظام، وقد استشهد لأجل الحفاظ على هذا النظام وهذه الثورة ولأجل تثبيتهما، مع أنّ وضع وحال شهداء اليوم يختلف عن وضع وحال شهداء كربلاء الذين نهضوا وكانوا في غربة ووحدة كاملة، ولم يلقوا على ذلك تشجيعاً من أحد، بل كان الجميع وحتّى كبار الوجهاء في الإسلام، يمنعونهم من ذلك. ومع كلّ هذا كان وجودهم يفيض بالإيمان والعشق الذي دفعهم نحو الشهادة بشكل مفجع ومأساويّ جدّاً، إنّ حال شهداء كربلاء يختلف عن الشهداء الذين كانت كافّة الأجهزة الإعلاميّة والإجتماعيّة تشجّعهم على الذهاب والتضحية، 
 
 
 
 

1- من كلام له في جمع من العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة والوعّاظ في طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

78

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 طبعاً هذا الشهيد هو أيضاً صاحب مقام عالٍ، ولكنّه يختلف عن أولئك الشهداء.

 
لقد أدركنا اليوم، ونحن نعيش في ظلّ نظام الإسلام ونشاهد بركاته عن قرب، عظمة النهضة الحسينيّة ومغزاها أكثر من أسلافنا، ويجب أن نكون كذلك؛ فذلك الإمام العظيم قد تحرّك من أجل هكذا أمر، إنّ سيّد الشهداء عليه السلام قام ونهض للقضاء على النظام الفاسد والمهلك للإنسان والدّين والخير والصلاح في المجتمع، ولكي يستقرّ النظام الإسلاميّ والإلهيّ والإنسانيّ والقائم على الخير والصلاح في المجتمع. فلو تحقّق ذلك النظام في زمانه، أو في زمان الأئمّة عليهم السلام من بعده- وهم المعصومون المتّصلون بالوحي- وجلس هؤلاء على رأس ذلك النظام، فمن الطبيعيّ أن يكون هناك فارق بين حالهم وحالنا، ومع ذلك فإنّ جوهر القضيّة وروحها واحد، فقد كانوا يتحرّكون لأجل تحقيق نظام نحن نعيشه"1.
 
الإمام القائد: "نحن في أجواء محرّم الثورة ومحرّم الإمام الحسين عليه السلام الذي كان من ثماره نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. إنّ محرّم، في مرحلة الثورة، يختلف عن أشهر محرّم التي عشناها قبل الثورة، أو تلك التي شاهدناها في جميع مراحل عمرنا وما قبلها أيضاً. إنّ محرّم هذا هو محرّم فيه روح ومعنى، وتوجيه واضح ومحسوس، نحن نرى آثار ونتائج محرّم في حياتنا، ومنها هذه الحكومة والحاكميّة وإعلاء كلمة الإسلام، وإيجاد نوع من الأمل في قلوب مستضعفي العالم ببركة الإسلام"2.
 
الأمر السابع - تحقّق وحدة الكلمة
الإمام الخمينيّ: "يجب على كافّة الوعّاظ وخطباء المنبر الحسينيّ الإلتفات إلى هذه القضيّة، وهي أنّه لو لم تكن ثورة سيّد الشهداء عليه السلام، لما كان باستطاعتنا
 
 
 

1- من كلام له في جمع من العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة والوعّاظ في طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

79

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 اليوم تحقيق هذا النصر. إنّ وحدة الكلمة التي تعتبر سرّ انتصارنا، هي وليدة مجالس العزاء والمآتم ومجالس تبليغ الإسلام ونشره... وإنّ سيّد المظلومين هيّأ لأبناء الشعب وسيلة تُحقّق لهم وحدة الصفّ وتكاتفهم من دون أدنى أيّ مشقّةٍ أو عسر"1.

 
الإمام الخمينيّ: "ينبغي الحرص على تضمينِ النياحة والمراثي والمدائحِ المنظومة في أئمّة الحقّ عليهم السلام استعراضَ جرائم الظالمين في كلّ عصر ومصر... إنّ علينا جميعاً أن ندرك أنّ الذي يضمن وحدة المسلمين هو هذه الشعائر السياسيّة في المجالس الحسينيّة، وهي التي تحفظ هويّة المسلمين، وخصوصاً شيعة الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام"2.
 
 
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 17، ص 60، بتاريخ 25/7/61 هـ. ش.
2- صحيفة نور،ج 21، ص 173.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

80

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

 

 

 

 

 

 

 

89


81

الفصل الثامن: مسؤوليّة الهيئات والمجالس الدينيّة اتجاه الثورة الإسلاميّة

 الفصل الثامن: مسؤوليّة الهيئات والمجالس الدينيّة اتجاه الثورة الإسلاميّة


الإمام القائد: "نحن اليوم أمّة تمكّنت في هذا البلد من أن تثور ببركة دماء ونهضة الإمام الحسين عليه السلام وببركة الروح الحسينيّة، وأن تُركع النظام المستبدّ الفاسد والخبيث الأصل والسلوك، وأن تأتي مكانه بنظام شعبيّ ذي صبغة وروحيّة ومسلكية إسلاميّة، إلى حدٍّ ما- روحيّتنا روحيّة إسلاميّة، وإن كنّا لا ندّعي بأنّ عملنا إسلاميّ بالكامل، وإن شاء الله يصبح كذلك أكثر فأكثر يوماً بعد آخر- فهذا النظام بعينه هو مشكلة جميع القوى العالميّة، ووجود نظام الجمهوريّة الإسلاميّة شوكة في عين أمريكا، فحتّى لولم تهتفوا بعبارة "الموت لأمريكا" فهذا النظام بنفسه ضربة كبيرة لجميع القوى المعادية لكرامات وفضائل واستقلال وشرف الشعوب، إنّنا اليوم جميعاً مكلّفون برفع الضعف والنقص عن هذا النظام، وملزمون أيضاً بتقوية عناصر القوّة المعنويّة والماديّة فيه، وتوفيرها له بشكل أكبر، فإذا كنّا نحتاج إلى الوحدة، والعلم والتعاون والعطاء الإقتصاديّ والسياسيّ، وإذا كنّا نحتاج أيضاً إلى روح الشهادة والإيثار وإلى الكثير من الأمور الأخرى، فمن 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

82

الفصل الثامن: مسؤوليّة الهيئات والمجالس الدينيّة اتجاه الثورة الإسلاميّة

 واجب كلّ شخص أن يرفد المجتمع بها بمقدار استطاعته"1.

 
الإمام الخمينيّ: "لقد قدّم الأنبياء عليهم السلام تضحياتٍ جساماً من أجل الإسلام، لا سيّما النبيّ الأكرم وأهل بيته الكرام وأصحابه المنتجبين، وتحمّلوا الصعاب من أجله، إنّ الإسلام الذي أنزله الله تعالى إلينا يجب أن نحافظ عليه، وإنّ هذا النصر الذي تحقّق لكم إثر هذه الثورة لو فقدناه- لا سمح الله- نتيجة للضعف والوهن في إعلامكم الذي قد يطال حضور أبناء شعبنا في الساحة، فاعلموا أنّ الإسلام لن يستطيع النهوض بعد ذلك على مدى قرونٍ عديدة.
 
المسؤوليّة جسيمة وعلينا جميعاً تحمل أعباء هذه المسؤوليّة، وإنّ غاية ما ينتظرنا هي الشهادة ولقاء الله والإلتحاق بسيّد الشهداء وأمثاله، وهي غاية آمال عشّاق الحقّ تعالى"2.
 
الإمام الخمينيّ: "وجميع علماء الدّين في أنحاء البلاد، مكلّفون بالحفاظ على هذه النعمة الإلهيّة- الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة- وأداء الشكر لها، وإنّ شكرها يتمثّل في التبليغ... بالعمل على توعية الناس بأهداف سيّد الشهداء ودوافعه للنهوض والطريق الذي سلكه والنصر الذي تحقّق له وللإسلام بعد استشهاده، وليعلم أبناء شعبنا بأنّ تحرّك الإمام الحسين عليه السلام كان جهاداً في طريق الإسلام، فقد كان يعلم بأنّه لا يمكن، طبقاً للحسابات الماديّة، مواجهة هذا الطاغوت الذي كان يمتلك كلّ شيء، بهذا العدد القليل الذي لا يتجاوز مائة شخص، ولكنّه كان يعلم جيّداً أيضاً أنّ الإستشهاد في سبيل الله هو الذي يحقّق النصر للإسلام ويجدّد حياته.
 
إنّ شهادة شيوخ المحراب العظام، بدءاً بالشهيد مدني رحمه الله وانتهاءً 
 
 
 


1- من كلام له في لقاء المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 17/5/83 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 17، بتاريخ 25/7/61 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

83

الفصل الثامن: مسؤوليّة الهيئات والمجالس الدينيّة اتجاه الثورة الإسلاميّة

 بشهيدنا الأخير1، هي الضمان لانتصار الإسلام، إنّ شهادة هؤلاء العظام هي التي فضحت أعداءكم أمام شعوب العالم مهما كان تأييد العالم لهم"2.

 
الإمام الخمينيّ: "ولكن ينبغي للوعّاظ والمبلّغين الأعزّاء والعلماء الأعلام والخطباء المحترمين، انتهاز فرصة هذه التجمّعات التي تتشكّل في محرّم وصفر وفي كلّ الأوقات، للخوض في قضايا الساحة السياسيّة والإجتماعيّة وتوعية الناس بواجباتهم ومسؤوليّاتهم في مثل هذه المرحلة التي يصطفّ فيها كلّ الأعداء للنيل منّا... فلا بدّ من توعية الناس بأنّنا لا زلنا في وسط الطريق، وعلينا المضيّ قدماً حتّى النهاية إن شاء الله تعالى. فإذا ما واصلنا المسيرة على هذا النحو وبمشاركة أبناء الشعب، فإنّنا سنحقّق النصر الكامل والشامل، ولكن علينا ألّا نهن ولا نضعف"3.
 
الإمام القائد: "بالإمكان تصدير هذه الثورة إلى الدنيا بأكملها ببركة الإمام الحسين، والسيّدة الزهراء، والأئمّة عليهم السلام وببركة هذا المدح وهذا الحديث حول الحقائق التي تبيّن حياة هؤلاء العظماء، ونحن يمكننا القيام بهذا العمل فأنتم (مدّاحي أهل البيت عليهم السلام) تمتلكون أفضل المواقع والأدوات"4.
 
 
 

1- الشهيد هو آية الله أشرفي أصفهاني (رحمة الله عليه).
2- صحيفة نور، ج 17، بتاريخ 25/7/61 هـ. ش.
3- المصدر نفسه.
4- لقاء الإمام القائد مع المدّاحين 11/12/64 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

84

الفصل الثامن: مسؤوليّة الهيئات والمجالس الدينيّة اتجاه الثورة الإسلاميّة

 

94

 


85

الفصل التاسع: الوظائف العامّة في مجالس العزاء

 الفصل التاسع: الوظائف العامّة في مجالس العزاء

 
الإمام القائد: "إذا أردت الحكم على مجالس العزاء في أنحاء البلد، فإنّ هذا الحكم لن يكون مثبتاً مائة بالمائة. لا كلام حول إخلاص وإرادة ووفاء وإيمان الناس، وهناك بعض الخطابات والمحاضرات الجذّابة والممتازة، وبعض مجالس العزاء جيّدة، ولكنّ هذا ليس هو كلّ ما عندنا، فاليوم يجب أن نبذل جهداً لنعرض درس الحسين بن عليّ عليه السلام الذي له ولزينب الكبرى وعليّ الأكبر وأبي الفضل والآخرين الذين يعتبرون المعلّمين للبشريّة جمعاء، لهم حضور كبير- والحمد لله- في حياتنا وفي الأفكار العامّة لمجتمعنا بقوّة ونشاط ببركة هذه المجالس، وهذا عمل يقع على عاتقي، كما يقع على عاتق أصحاب المراثي والخطباء وعلى عاتق من يقوم باللطم"1.
 
الأمر الأوّل - المسؤوليّة العامّة
الإمام الخمينيّ: "(إذا) أردنا لبلدنا أن يكون بلداً مستقلاًّ، حرّاً، فينبغي حفظ هذا السرّ، هذه المجالس التي أُقيمت طوال التاريخ، بأمر من الأئمّة عليهم السلام، ولا
 
 
 

1- من كلام له في لقاء مسؤولي هيئات جند الإسلام في أنحاء البلاد، 19/2/80 هـ. ش


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

86

الفصل التاسع: الوظائف العامّة في مجالس العزاء

 ا يظنّنَّ بعض الشباب أنّ هذه المجالس التي كانت في السابق مجالس بكاء قد فرغنا منها، ولا حاجة لنا بعدُ بالبكاء، فهذا اشتباه كبير يقعون فيه"1.

 
الإمام الخمينيّ: "إنّ أكثر ما نحتاج إليه اليوم هو هذه المجالس، لا تصغوا لمن يلقي في آذانكم: "اتركوا هذه المجالس ومجالس العزاء، لا تصرفوا ما كنتم تقدّمونه لأجلها، بل أنفقوه لأجل المناطق المتضرّرة في الحرب..." فهذه مسؤوليّة إنسانيّة، ومسؤوليّة إلهيّة، وهذا لا يعني طبعاً أن نترك أعمالنا الأخرى، ونلتصق بهذا العمل، بل يجب أن نقوم بكلّ الأعمال، نحن اليوم أكثر حاجة إلى مجالس العزاء من السابق، لقد أصبح لهذه التجمّعات الواسعة والمواكب العامّة، في البلد، طابع سياسيّ، وهذا هو الحقّ"2.
 
الإمام القائد: "ينبغي على عامّة الناس، بمن فيهم رجال الدّين، الاستفادة من هذه النعمة، واستفادة الناس تكمن في عشقهم، وإحيائهم لهذه المجالس واستلهامهم منها قدر استطاعتهم، وبمشاركتهم بإخلاص في مثل هذه المجالس ابتغاء الاستفادة وليس لتمضية الوقت أو لمجرّد كسب الثواب الأخرويّ الذي لا يدركون أيضاً ما هو سببه. طبعاً هناك ثواب أخرويّ، ولكن من أين يأتي وكيف؟ حتماً هناك هدف، وإنْ فُقد الهدف فُقد الثواب، فليشارك الناس في مجالس العزاء وليعرفوا قيمة ذلك وليستفيدوا خير استفادة منها ويجعلوها الوسيلة التي تربطهم قلباً وروحاً بالحسين بن عليّ عليه السلام وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وروح الإسلام والقرآن، هذا ما يتعلّق بالناس"3.
 
الأمر الثاني - وظيفة المسؤولين اتجاه العزاء
الإمام القائد: "أنتم (أعضاء مجلس خبراء القيادة) يمكنكم إصدار بيان حول
 
 
 

1- صحيفة نور، ج 10، ص 217، بتاريخ 29/8/58 هـ. ش.
2- صحيفة نور، ج 13، ص 155، بتاريخ 14/8/59 هـ. ش.
3- في كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

87

الفصل التاسع: الوظائف العامّة في مجالس العزاء

 مسألة العزاء، وطلب ذلك من القائد ومن المسؤولين، إنّ مسألة العزاء من المسائل التي تتناسب معكم بالكامل، وقّعوا أسفل هذه المسألة وأثبتوا أنّكم مهتمّون بها وترغبون في حصولها"1.

 
الأمر الثالث - مسؤوليّة العلماء
الإمام القائد: "إنّ من مقوّمات مجالس العزاء أن يجتمع عدد من الناس، بمشاركة أحد علماء الدّين في ذلك المجلس، لإقامة العزاء بغية إفادة الناس"2.
 
الإمام القائد: "متى كان يتمكّن علماء الدّين من الإشراف والنظارة، كما هو حالنا اليوم على هذا العمل (مجالس العزاء)؟ طبعاً هناك من لا يسرّ بهذا الأمر- ليكن ذلك- لأنّ ما يجب أن نلتفت إليه ونهتمّ به هو ما يرضي الله تعالى، والذي يقع في إطار حاجة الناس، وما تتوقّعه منّا الأجيال القادمة"3.
 
الإمام الخمينيّ: "إنّ سيّد الشهداء حاضر في كلّ مكان، فكلّ أرض كربلاء، وكلّ منبر هو محضر سيّد الشهداء، وكلّ محراب فهو منه، ولولا سيّد الشهداء، لكان الإسلام نسياً منسيّاً على يدي يزيد وأبيه وسلالة بني أميّة. ولو تحقّق لهم ذلك لجعلوا الإسلام مقلوباً على شاكلة نظام طاغوتيّ استبداديّ، كما كان يزيد وأبوه يتحدّثان عن الإسلام. لقد كانوا يريدون الرجوع بالإسلام وأهله إلى الجاهليّة الأولى، ولولا سيّد الشهداء عليه السلام لكان المسلمون- ونحن منهم- مسلمين طاغوتيّين بدل أن نكون مسلمين حسينيّين، فالحسين عليه السلام هو الذي أنقذ الإسلام، فهل ندع ذكر إنسانٍ قد اختار الشهادة واستشهد إنقاذاً للإسلام؟ علينا أن نبكيه كلّ يوم، ونرتقي المنبر كلّ يوم حفاظاً على هذه المدرسة واستدامةً لهذه الثورات المرهونة بذكر الإمام الحسين عليه السلام"4.
 
 
 
 

1- من كلام القائ في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة 27/12/83 هـ. ش.
2- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
4- صحيفة نور، ج8، ص 70، بتاريخ 17 / 4 / 58 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

88

القسم الثاني: مكانة المنبر وتوضيح المعارف الدينيّة في مجالس عزاء أهل البيت عليهم السلام

 الإمام القائد: "ما هو التبليغ؟ التبليغ يعني الإيصال، ينبغي أن تقوموا بالإيصال ولكن إلى أين؟ هل إلى الأذن؟ لا، بل إلى القلب. إنّ ما نقوم به من التبليغ في بعض الأحيان قد لا يصل حتّى الى الأذن! بل إنّ الأذن لا تتحمّله ولا تنقله! فالأذن عندما تتلقّى فإنّها تنقل إلى الذهن، ولكن لا ينبغي أن تنتهي القضيّة هنا، بل ينبغي أن ينفذ ويترسّخ في القلب ويتبدّل ليصبح جزءاً من هويّتنا. التبليغ هو من أجل ذلك. نحن لا نقوم بالتبليغ لأنّنا نريد أن نتحدّث ببعض الأمور، بل نحن نقوم بذلك لندخل موضوع تبليغنا، إلى قلب المخاطب فينفذ فيه، ولكن ما هو ذلك الموضوع؟ إنّه عبارة عن كلّ الأمور الواردة في الإسلام تحت عنوان القيم، والتي دافع وضحّى لأجلها أبو عبد الله عليه السلام بالروح والعرض والشرف، وهكذا فعل جميع الأنبياء والأولياء وفي مقدّمتهم سيّدهم محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان الحسين بن عليّ عليه السلام هو مظهر ذلك. نحن نريد تبليغ منطق الدّين، والقيم والأخلاق الدينيّة، وجميع الأمور المؤثّرة في بناء شخصيّة الإنسان على أساس الدّين، ليتحوّل مخاطبنا إلى تلك الشخصيّة الدينيّة"1

 
الروايات:
عن علي ّعليه السلام قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فقال: يا عليّ، لا تقاتل
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 5/11/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

89

القسم الثاني: مكانة المنبر وتوضيح المعارف الدينيّة في مجالس عزاء أهل البيت عليهم السلام

  أحداً حتّى تدعوه إلى الله، لئن يهدي الله على يديك رجلاً خير ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت"1.

 
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "خيار أمّتي من دعا إلى الله تعالى وحبَّب عباده إليه"2.
 
عن الإمام الرضا عليه السلام: "من تذكَّر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يُحيَى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"3.
 
 


1- الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص 197.
2- نهج الفصاحة، مجموعة الكلمات القصار للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ص 464.
3- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 502.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
101

90

الفصل الأوّل: مكانة الوعظ والمنبر

 الفصل الأوّل: مكانة الوعظ والمنبر

 
الإمام القائد: "لا ينبغي الاستهانة بهذا الفن، إنّ اعتلاء المنبر والحديث في أمر الدّين يعتبر من أشرف الأعمال، ولا بدّ ومن المفترض أن يقوم بهذه المهمّة أشرف الناس وأكثرهم علماً ومعرفة بالمسائل الإسلاميّة، وأكثرهم عملاً بالأحكام الشرعيّة، وعليهم أن يفتخروا بهذا الأمر، كما كان الحال في الماضي. وأمثال هذه الشخصيّات كثيرة في الماضي كالشيخ جعفر الشوشتريّ- عالم الأخلاق الكبير- الذي كان من أصحاب المنبر، أو المرحوم الحاج الآغا رضا الهمدانيّ- صاحب كتاب "هديّة النملة"- وهو واعظ وخطيب دينيّ، أو ابنه المرحوم الآغا ميرزا محمّد الهمدانيّ الذي كان من العلماء، وأمثالهم، في الماضي كان هناك العديد من الشخصيّات العلميّة والوجوه المعروفة بالتقوى والتديّن والمتّصفة بهذه الصفات والتي كانت تفتخر بهذا الفن، واليوم أيضاً نشاهد- بحمد الله- العديد من الشخصيّات المشهورة والبارزة في مجال التبليغ والمنبر"1.
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

91

الفصل الأوّل: مكانة الوعظ والمنبر

 الأمر الأوّل - تأثير المنبر في المجتمع

الإمام القائد: "لم تتمّ حتّى الآن دراسة تأثير المنبر في مجتمعنا. انظروا إلى هذا المجتمع، وابحثوا عن مكان لا وجود فيه لمنبر باسم أبي عبد الله عليه السلام. انظروا إلى جميع أقطار بلدنا، إلى المدن الكبيرة والصغيرة والبعيدة وإلى القرى الصغيرة منها، وانظروا إلى الجامعات وبين العلماء والمؤسّسات والمثقّفين أصحاب العلوم المعاصرة، وإلى عموم الناس من غير المثقّفين، هل تجدون مكاناً لا منبر فيه لأبي عبد الله عليه السلام ولا خطيب يعتلي المنبر؟ إذاً فإنّ كلّ مجتمعنا يمثّل مجموعة تحمل الفكر والعقيدة الشيعيّة وهي تعيش تحت مظلّة الإمام الحسين عليه السلام، طبعاً هذا ليس مختصّاً بالشيعة، بل هناك في أنحاء العالم من يستفيد من هذا الأمر وهم من غير الشيعة بل من غير المسلمين أيضاً"1.
 
الإمام القائد: "إنّ هذا الموقع (المنبر)، موقع مؤثّر في نسيجنا الإجتماعيّ والدينيّ والفكريّ، ولقد كان مؤثّراً في الماضي، إلّا أنّه كان يفتقد للقانون والضابطة والقاعدة، بالإضافة إلى أنّ الفكر الدينيّ، لم يكن ساحة للعرض والطرح. وأمّا على صعيد وسائل الإعلام التصويريّة والصوتيّة، فلم يكن يشار إلّا إلى شيء قليل من أشكال اللطم وذلك في أيّام عاشوراء وبمقدار قليل جدّاً، وعندما يصغي الإنسان إلى ما يُقدّم يجد أنّ أغلبه انحرافيّ!"2.
 
الأمر الثاني - الدرجة العلميّة المطلوبة لأهل المنبر
الإمام القائد: "كان هناك تصوّر خاطئ، في الماضي، يسيطر على أذهان البعض منّا، ثمّ زال بحمد الله، كنّا نظنّ أنّ الشخص صاحب العلم والاجتهاد، لا يمكنه أن يكون من أهل المنبر أو العزاء، فكنّا نشاهد هذين الأمرين في مجالين مختلفين،
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

92

الفصل الأوّل: مكانة الوعظ والمنبر

 وأمّا الذي يرغب في القيام بهذه الوظائف الثلاث (الموعظة، وتوضيح المعارف وتقديم النموذج والأسوة)، فمن الأفضل أن يكون على مستوى عالٍ في المعارف الدينيّة، في فقه الإسلام، وفي العلوم والفنون المتعارفة في الحوزات العلميّة- التي هي ملاك فهم الأحكام- ينبغي أن ننظر إلى المنبر بهذا النحو"1.

 
الأمر الثالث - المنبر، فرصة لصناعة الإنسان
الإمام القائد: "نحن نريد التبليغ لمنطق الدّين، والقيم الدينيّة، والأخلاق الدينيّة وكلّ الأمور المؤثّرة في بناء شخصيّة الإنسان على أساس مبادئ الدّين، ليتحوّل مخاطبنا إلى تلك الشخصيّة الدينيّة.
 
من جملة هذه الأعمال، بناء الحكومة الإسلاميّة، أقول هذا لأبيّن أنّ تأسيس الحكومة الإسلاميّة، من أكثر الأعمال التي يغلب عليها طابع الإعجاز، لكن هذه المسألة لا يجب أن تجعلنا غافلين عن تأسيس الهويّة الإنسانيّة للأفراد - الذين نتعاطى معهم في عملنا التبليغيّ - وهذا أمر مهمّ جدّاً. لقـــــد عمــــل النبيّ الأكــــرمصلى الله عليه وآله وسلم بدايةً، على صناعة أفراد من المجتمع. لقد أسّس بداية هذه القواعد من الأفراد، ليتمكّن من وضع هذا البناء على عاتقهم. لم ينس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بناء الهويّة الإنسانيّة لمخاطبيه طيلة السنوات العشر- التي تبلغ أكثر من مئة سنة من حيث العمل المتراكم- فقام بهذا في جميع الأماكن والأحوال في بحبوحة الحرب، وأثناء العبادة ومخاطبة الناس، كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقوم بعمليّة صناعة الإنسان وهو في وسط الحروب الخطيرة كالأحزاب، وبدر وأُحُد، لاحظوا آيات القرآن الكريم ستجدون أنّ هدف التبليغ، "صناعة الإنسان" وهذا من أعظم الأعمال"2.
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب محرّم 5/11/84 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

93

الفصل الأوّل: مكانة الوعظ والمنبر

 

 

 

 

 

105


94

الفصل الثاني: أهداف الوعظ والمنبر

 الفصل الثاني: أهداف الوعظ والمنبر



الإمام القائد: "إذا صحّت هذه القضيّة القائلة إنّ شرف كلّ فنّ، يوزن بشرف الهدف والغاية منه، فيجب أن نقول إنّ فنّ تبليغ الدّين ونشر المعارف الدينيّة والإسلاميّة واحد من أشرفها، وهذا ما يُعرف بيننا بالوعظ والمنبر؛ لأنّ الهدف من عمل التبليغ والخطابة الدينيّة هو الموعظة،1 التي تهدف إلى تزكية الناس، وتوضيح المعارف الدينيّة لأجل رفع مستوى المعرفة الدينيّة بين الناس، وبيان مصائب ومراثي أبي عبد الله عليهم السلام، أي تقديم الأسوة والنموذج للناس، ما يساعد على دفع المسيرة نحو الأهداف الكبيرة. وجميع هذه الأمور، أي التزكية، ورفع المستوى الفكريّ والمعرفيّ عند الناس، وتقديم الأسوة في الجهاد، والسعي في سبيل الله تُعدّ، من أشرف الأهداف"2.
 
الأمر الأوّل - الموعظة لأجل تزكية الناس
الإمام القائد: "إنّ الإمام السجّاد عليهم السلام يخاطب الله تبارك وتعالى في دعاء
 



1- يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : "المواعظ حياة القلوب"، (غرر الحكم، ص 224).
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
106

95

الفصل الثاني: أهداف الوعظ والمنبر

 له ويقول: "تفعل ذلك- يا إلهي- بمن خوفُه منك أكثرُ من رجائه للخلاص، لا أن يكون خوفُه قنوطاً"1، إنّ هذا الدعاء عبارة عن إعلان رسميّ ودستور للعمل. ازرعوا الخوف المرافق للرجاء في القلوب، وليكن الخوف أكثر.2 ليس من الصحيح أن نبلغ بقراءة آيات رحمة الله والبشارة بثواب الله تعالى- وبعضها مخصوص بمجموعة خاصّة من المؤمنين حيث لا علاقة لنا بها- ثمّ نغفل عن آيات التخويف والإنذار فتكون النتيجة اعتقاد المخاطبين- توهمّاً- أنّهم غارقون في المراتب المعنويّة العالية، ولكنّهم، في الواقع، غافلون بل مقصّرون عمليّاً حتّى في واجباتهم وضروريّات دينهم. البشارة في القرآن الكريم مختصّة بالمؤمنين، وأمّا الإنذار فهو مطلوب للجميع، للمؤمن والكافر. يُروى أنّ أحدهم رأى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يبكي بكاءً شديداً، فيقول له: لِمَ تبك، يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ "3 فيجيبه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: "ألا أكون عبداً شكوراً"4 أي أنّني إذا لم أشكر تلك المغفرة فيُخشى زوالُها. في كلّ الأحوال ينبغي أن يسيطر الإنذار والخشية على قلوبنا وقلوب مستمعينا، إنّ الطريق صعب وشاقّ، وعلى الناس أن يتزوّدوا لعبوره والوصول إلى المقصد والغاية"5.

 
الأمر الثاني - توضيح المعارف الدينيّة
الإمام القائد: "نحن اليوم، أمام تكليف عظيم، وهو طرح الإسلام بشكل يتمكّن من إشباع وإرواء عقول وقلوب الناس، وتقديم الإجابات الصحيحة على استفساراتهم، ويتمكّن أيضاً من الحفاظ على إيمانهم وحضورهم في هذه الساحة 
 
 
 

1- الصحيفة السجّاديّة، الدعاء 39.
2- عن أبي عبد الله عليه السلام قال:"قال أمير المؤمنين عليه السلام: ألا أخبركم بالفقيه حقّ الفقيه، من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من عذاب الله ولم يرخّص لهم في معاصي الله". (الكليني، الكافي، ج 1، ص 36).
3- سورة الفتح الآية 2.
4- الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 95.
5- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 5/11/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

96

الفصل الثاني: أهداف الوعظ والمنبر

 بشكل خالص ومخلص، ليكون عملنا مشمولاً بعناية وليّ العصر (أرواحنا فداه) ويشملنا دعاء ذلك العظيم وبركاته"1.

 

 
الإمام القائد: "بيّنوا للناس في شهر محرّم، المعارف الحسينيّة والمعارف العلويّة والتي هي المعارف القرآنيّة والإسلاميّة الأصيلة والصحيحة"2.
 
الإمام القائد: "ينبغي الاستفادة من هذه الفرصة، وكما أحيا الإمام الحسين- حقيقةً- الإسلام ببركة جهاده وثورته ودمائه، كذلك عليكم اليوم، الاستفادة من هذه المناسبة، ومن منبر ذلك العظيم لتوضيح الحقائق الإسلاميّة، ولتوضيح القرآن والحديث. اقرأوا نهج البلاغة للناس، وبيّنوا للناس الحقائق ومن جملتها هذه الحقائق المباركة التي تجسّدت اليوم في حكومة الحقّ- أي النظام العلويّ والنبويّ والولائيّ للجمهوريّة الإسلاميّة-، وهذا يعدّ من أرفع المعارف الإسلاميّة الراقية"3.
 
- تلبية الحاجات الواقعيّة للبشر بوساطة التعريف بالحقائق الإسلاميّة والمعارف العاشورائيّة
الإمام القائد: "العالم اليوم متلهّف لمعرفة الحقيقة، وهذا ليس كلام عالم دين إسلاميّ متطرّف، وإنّما هو كلام من كان على صلة وثيقة بالثقافة الغربيّة لسنوات، بل وحتّى من كان يستحسن تلك الثقافة والقائمين عليها. هؤلاء يقولون إنّ العالم الغربيّ في مستوياته وطبقاته الحسّاسة متعطّش للإسلام، فماذا يعني (الطبقات الحسّاسة)؟ إنّ الذي يمثّل تلك الطبقات الحسّاسة هو العلماء والمفكّرون وأصحاب الضمائر الحيّة والشباب. وأمّا تلك الجماعات العاميّة والغافلة، أو تلك الفئات التي لا يهمّها في المجتمع الغربيّ من الثقافة الغربيّة إلّا 
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
2- من كلام له في جمع من الطلّاب والعلماء على أعتاب شهر محرّم 26/3/72 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108

97

الفصل الثاني: أهداف الوعظ والمنبر

 منافعها ومصالحها الشخصيّة مثل الحكّام والرأسماليّين والنفعيّين فهؤلاء ليسوا جزءاً من تلك الطبقات الحسّاسة. هذه الفئات الحسّاسة تتطلّع اليوم، إلى دين ينجيهم من آلام المصاعب والمشاكل التي يعانون منها في حياتهم، إنّ الكثير من مشاكل الحياة التي تعترض المرء هي في الواقع ليست مشاكل حقيقيّة، المشكلة الحقيقيّة تتمثّل بانعدام الأمن الروحيّ، وتفتّت أواصر الإلفة، والحزن والخوف والقلق وعدم الشعور بالطمأنينة والسكينة الروحيّة.


هذه مشاكل حقيقيّة بالنسبة إلى الإنسان وقد تدفع به، وهو في ذروة غناه وشهرته، إلى الإنتحار. ذلك الشاب المترف الذي يتنعّم بوافر الإمكانات الحياتيّة، لماذا ينتحر؟ ما الذي يؤلمه؟ وما هو ذلك الألم الذي هو أصعب من الإفتقار للمال والقدرات الجسميّة واللذائذ الجنسيّة؟ إنّ ذلك الألم الذي ألمّ بجميع المجتمعات الماديّة، هو عدم الإطمئنان وفقدان الراحة والإفتقار إلى نقطة ترتكز عليها الروح، واضمحلال العلاقة بين الإنسان وبني جنسه، وعدم أنسه بهم والشعور بالغربة والإحساس بالهزيمة. كلّ هذه آلامٌ ابتُلِيَت بها الحضارة الغربيّة، وفي هذه الأوضاع تتوقّع الفئات الحسّاسة في هذه المجتمعات التي تشعر بالألم أكثر من غيرها أن تسعفها يد النجاة وتنشلها من بين الآلام؛ وإنّ الأنظار لتتوجّه نحو الإسلام في الأماكن التي تتمتّع بمستوى عالٍ من الوعي. ما من شكّ أنّ بعضهم يملك الوعي ولا يعرف الإسلام، لكنّ الأرضيّة ممهّدة للإقبال على الإسلام، إنّ كلّ من يتعرّف على الإسلام سوف يعتمد عليه ويثق به. أحد العلماء الإيرانيّين الذين وافتهم المنيّة قبل فترة، قال في أواخر حياته: الغرب اليوم يبحث عن وجوه مثل الشيخ الأنصاريّ والملّا صدرا، فالحياة المعنويّة والمملوءة بالمثل لهذه الشخصيّات تستقطب الشخصيّات والمفكّرين الغربيّين. إنّ الينبوع الفيّاض لهذه القيم والمعارف الإسلاميّة موجود هنا، وإنّ الثقافة العاشورائيّة تقف في مقدّمة هذه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

98

الفصل الثاني: أهداف الوعظ والمنبر

  المعارف، لذا يجب التوجّه لأهميّة هذه الأمور، فنحن نروم عرض هذه المعارف على العالمين"1.

 
الأمر الثالث- تقديم الأسوة عند ذكر مصائب ومراثي أهل البيت عليهم السلام
الإمام القائد: "إنّ بيان مصائب ومراثي أبي عبد الله عليه السلام، يعني تقديم الأسوة والنموذج للناس في كيفيّة السير نحو الأهداف الكبيرة"2.
 
الإمام القائد: "اليوم نحن جميعاً وارثو هذه الحقيقة التاريخيّة (عاشوراء) والمؤتمنون عليها. المقصود هو أنّ من يرغب اليوم بالإستماع لمجريات واقعة عاشوراء واتّخاذها درساً، فعليه الإصغاء لما يقوله العلماء والمبلّغون والمبلّغات، فماذا سنفعل في هذا الخصوص؟ هنا نصل إلى قضيّة التبليغ المهمّة جدّاً"3.
 
الإمام القائد: "إنّ ما أعرضه حول عاشوراء- وهو طبعاً سطر من كتاب كبير- أنّ عاشوراء ليست حادثة تاريخيّة صرفة، عاشوراء عبارة عن ثقافة، عن حركة عن خطّ دائم وقدوة ساطعة للأمّة الإسلاميّة. لقد رسم أبو عبد الله عليه السلام بحركته هذه- التي كانت واضحة من حيث التوجيه العقليّ والمنطقيّ في زمانه- خطّاً للأمّة الإسلاميّة ومضى، وهذا الأمر ليس عبارة عن الشهادة فقط، بل هو أمر عميق جدّاً ومركّب من عناصر متعدّدة"4.
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.
4- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 5/11/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

99

الفصل الثاني: أهداف الوعظ والمنبر

 

111


100

الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

 الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

الإمام القائد: "إنّ هذه الأصول الثلاثة- أي الموعظة، وتوضيح المعارف، وتقديم النموذج والقدوة- تتعلّق بالمنبر، ولكلّ واحدة منها لوازم في نفس الشخص المنبريّ والخطيب، وتفرض عليه بعض الأمور، لذلك لا يصحّ الاستهتار في هذا المجال"1.
 
الأمر الأوّل - تهذيب النفس
الإمام القائد: "إنّ الأمر الذي ينبغي أن يكون معلوماً عند أصحاب المنبر- سواء كان هذا هو عملهم أو كانوا يتعاطون عمل المنبر إلى جانب أعمالهم- أنّه لو أردنا وعظ الناس، فمن شروط ذلك أن نتّعظ نحن أوّلاً. فتهذيب النفس أمر إلزاميّ للشخص الذي يريد أن يتحدّث باسم الدّين، ليخرج الكلام من قلبه فيترك أثراً، فإنّ الكلام إذا خرج من القلب فإنّه يصل إلى القلب فيكون عمله شاهداً على قوله وسنداً له"2.
 
الأمر الثاني - الإطلاع الواسع على المعارف الدينيّة
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

101

الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

 الإمام القائد: "إنّ من لوازم المبلّغ أن يمتلك معرفةً ووعياً دينيّاً واسعاً ومتنوّعاً، ما دام أنّ عمله هو رفع المستوى الفكريّ للناس في المسائل الإسلاميّة، ولا بدّ أيضاً أن يأنس بالقرآن، وأن يغور في الأحاديث، وأن يكون على معرفة بالأفكار الجديدة المتعلّقة بالمذهب والدّين، وأن يكون محقّقاً في المسائل والأفكار الدينيّة، ولا يكفي مجرّد التعرّف على الدّين، بل هناك إلى جانب ذلك بعض الأفكار الفلسفيّة والرؤى الإجتماعيّة غير الدينيّة، ينبغي أن يطَّلع عليها ويدركها"1.

 
الأمر الثالث - الدقّة في معرفة أهل البيت عليهم السلام والتعريف بهم
الإمام القائد: "وبما أنّه [المبلّغ] يعمل على تعريف الناس بالأسوة في الجهاد والثورة، فينبغي أن يمتلك الدقّة والاهتمام اللازمين، لأنّ حياة الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام وحوادث الأيّام القليلة للإمام عليه السلام في كربلاء، تشكّل فصلاً عظيماً من تاريخنا. صحيح أنّ حجمها قليل إلّا أنّ مفهومها واسع وعميق"2.
 
1- توجيه المضمون في إقامة العزاء من قبل علماء المجلس
الإمام القائد: "كيف تقيمون مجالس العزاء؟ سؤال أوجّهه إلى كلّ الذين يشعرون بالمسؤوليّة تجاه هذه المسألة. ثلاثة أمور يجب أن تقوم عليها المجالس حسب اعتقادي:
الأوّل: أن تسهم هذه المجالس في زيادة حبّ أهل البيت عليهم السلام في قلوب الناس... 
الأمر الثاني: أن تتوضّح مبادئ قيام عاشوراء للناس...
الأمر الثالث: هو العمل على زيادة المعرفة الدينيّة والإيمانيّة عند الناس"3.
 
الإمام القائد: "ثلاثة أمور يجب أن تراعى في مجالس العزاء، الأوّل: إثارة
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
3- من كلام له في جمع علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
113

 


102

الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

  عواطف الناس تجاه الحسين بن عليّ عليه السلام وأهل بيت النبوّة عليهم السلام أكثر فأكثر، وتوطيد العلاقة والروابط العاطفيّة معهم. والثاني: توضيح واقعة عاشوراء ومبادئها. والثالث: إيجاد المعرفة والإيمان ولو بشكل يسير في نفوسهم"1.

 
الإمام القائد: "نحن المبلّغين نقوم بالتبليغ باسم الحسين بن عليّ عليه السلام. وإنّ ذكرى ذلك العظيم هي التي منحت مبلّغي الدّين فرصة عظيمة من أجل تبليغ الدّين، في مجالات متعدّدة، ينبغي أن يكون لكلّ واحد من تلك العناصر الثلاثة دوره في التبليغ، لأنّ مجرّد الاعتماد على العاطفة وتناسي جوانب المنطق والعقل الموجودة في حادثة الحسين بن عليّ عليه السلام، يؤدّيان إلى التقليل من حقيقة تلك الحادثة، كما أنّ تناسي جوانب الشجاعة والعزّة والتضحية، يؤدّي إلى جعل تلك الحادثة العظيمة ناقصة، ويقلّل من شأن ذلك الجوهر الثمين. لذلك ينبغي على الجميع سواءٌ كانوا قرّاء عزاء أو خطباء أو مدّاحين، الالتفات إلى هذه المسألة"2.
 
أ- زيادة المحبّة لأهل البيت عليهم السلام عند المستمعين
الإمام القائد: "الأوّل أن تسهم هذه المجالس في زيادة حبّ آل البيت عليهم السلام في قلوب الناس؛ لأنّ الرابطة العاطفيّة رابطة ذات قيمة عظيمة، عليكم أن تعملوا ما من شأنه أن يزيد من حبّ الناس للحسين بن عليّ عليه السلام وآل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومصادر الوحي الإلهيّ، وإذا ما قمتم في هذه المجالس، لا قدَّر الله، بما من شأنه عدم تقريب المستمع الحاضر، عاطفيّاً من أهل البيت عليهم السلام، أو قمتم بما من شأنه إبعاده عنهم أو، لا سمح الله، نفوره ممّا يسمع، يعني نقلتم الواقعة بشكل يبعد المستمع عاطفيّاً عن أهل البيت عليهم السلام. عندها ستفقد مجالس العزاء واحدة من أعظم فوائدها، بل ستصبح مضرّة، لذا فعلى المؤسّسين لهذه المجالس والخطباء فيها أن يجدوا وسيلةً تزيد دائماً على أثر تلك المجالس في محبّة الناس للإمام
 
 
 
 

1- من كلام له في جمع علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
2- من كلام له في جمع العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 5/11/84 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
114

103

الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

  الحسين عليه السلام وأهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين)"1.

 
ب - زيادة المعرفة بحادثة عاشوراء
الإمام القائد: "الأمر الثاني: توضيح مبادئ قيام عاشوراء للناس، يجب أن لا نأتي إلى مجالس الحسين بن عليّ عليه السلام ونرتقي المنابر ونخطب في الناس ثمّ يخرج المستمع- وهو من أهل الفكر والتأمّل، وما أكثرهم اليوم في مجتمعنا بفضل ثورتنا المباركة سواءٌ كانوا من الشباب أو من الشيوخ نساءً أو رجالاً-، يخرج المستمع من هؤلاء وهو يتساءل: لِمَ جئت إلى هنا؟ وعلام ذرفت الدموع؟ ما القضيّة؟ لماذا يجب البكاء على الحسين عليه السلام؟ لماذا قدم الحسين إلى كربلاء وحصلت واقعة عاشوراء؟ يجب أن تتناولوا المفاهيم التي تجيب عن هذه الأسئلة قبل أن تتبادر لأحد، يجب أن تتوضّح مبادئ واقعة كربلاء، فإذا تجاهلتم في مجالسكم وخطاباتكم وبياناتكم الإشارة- ولو بالحدّ الأدنى- إلى هذا المعنى فإنّ ركناً من الأركان التي أشرت إليها سيكون ناقصاً، وقد يخسر المجلس الفائدة التي انعقد من أجلها، وقد يؤدّي أحياناً، لا سمح الله، إلى الضرر"2
 
ج - زيادة الإيمان والمعرفة الدينيّة عند الناس
الإمام القائد: "الأمر الثالث الذي يجب أن تقوم عليه المجالس هو: العمل على زيادة المعرفة الدينيّة والإيمانيّة، عليكم أن تذكروا شيئاً ما عن الدّين في مجالسكم، يزيد من معرفة الناس وإيمانهم، كأن تأتوا ضمن بياناتكم بموعظة حسنة أو حديث مسند، أو أن تتحدّثوا عن برهة تاريخيّة صحيحة، أو تفسّروا آية من القرآن، أو تنقلوا أخباراً عن أحد العلماء والمفكّرين الإسلاميّين. يجب أن تخطوا إحدى هذه الخطوات، ينبغي أن لا نرتقي المنابر لمجرّد مطلب واحد أو أحياناً ذكر مطالب سخيفة، لا تسهم في دعم إيمان الناس، بل تضعف الإيمان
 
 
 
 

1- من لقاء له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
115

104

الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

  لديهم، وإذا ما حصل ذلك نكون قد تعثّرنا في بلوغ فوائد وأهداف مثل هذه المجالس"1.

 
الإمام القائد: "نسمع أحياناً، أنّ خطيباً ما استند في مجلسه إلى حديث ضعيف من حيث الاستدلال والأساس والمدرك العقليّ أو النقليّ، وكذلك من حيث التأثير في ذهن مستمع بصير من أهل المنطق والاستدلال. مثلاً هناك أمور تنقلها بعض الكتب ليس هناك دلائل تشير إلى كذبها، فقد تكون صحيحة وقد تكون كاذبة، ولكن عندما تستندون إليها حتّى وإن لم يثبت خلافها، فإنّ مستمعيكم من الشباب أو الحوزويّين أو الجامعيّين أو المجاهدين أو الثوريّين الذين- بحمد الله- تفتّحت أذهانهم بفضل الثورة، عندما يسمعون منكم مثل هذه الأمور قد تتبادر إلى أذهانهم أسئلة كثيرة حول الدّين، وقد تُثار لديهم عُقد ومشاكل كثيرة. لذا يجب أن تتجنّبوا ذلك حتّى وإن كان الحديث مسنداً، لكنّه يؤدّي إلى ضلالة وانحراف، فكيف لو كانت تلك المطالب المندرجة في بعض الكتب في غالبيّتها فاقدة للسند الصحيح أيضاً؟ فقد يحصل أنّ أحدهم يسمع شيئاً ما، فينقل ذلك خلال سفر كان يقوم به، إلى مستمع آخر ويصدّقه، فيذكر هذا الأخير ذلك المطلب الذي سمعه في كتاب يصنّفه، ثمّ يصل هذا الكتاب إلى الناس!! لماذا يجب أن ننقل ما لا يمكن تفسيره وتوضيحه لأصحاب الأذهان الناقدة والواعية؟ وهل من المفروض نقل كلّ ما كُتب وأينما كُتب؟! بعضهم يرتقي المنبر متجاهلاً هذه المسؤوليّة المهمّة، وبدلاً من ردّ تلك الشبهات نراه يتحدّث بما يزيد من شكوك وعقد المستمع! إذا ما حصل ذلك وأُصيب أكثر من عشرة شباب أو خمسة أو شاب واحد بشكوك حول مسألة من مسائل الدّين، وخرج من المجلس ونحن لا نعرفه، فكيف سنتلافى ذلك؟ وهل هو أصلاً يقبل التلافي؟ وهل سيسامحنا الله؟ إذاً فالقضيّة مشكلة"2.
 
2- الأسلوب الصحيح لقراءة العزاء على المنابر
 
 
 
 

1- من لقاء له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
116

105

الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

 الإمام القائد: "ينبغي الاستمرار باستعراض واقعة عاشوراء وما حدث للحسين بن عليّ عليه السلام في ليلة وصبيحة عاشوراء، من على المنبر وبالأسلوب التقليديّ المعهود نفسه في كلّ عام ولكن ليس لمجرّد التقليد بل لنقل الواقعة بما فيها. إنّ الوقائع- حتّى الكبير منها- تختفي غالباً مع مرور الزمن، لكنّ واقعة عاشوراء بكلّ تفاصيلها ظلّت باقية ببركة مجالس العزاء الحسينيّ التي تتحدّث عن جزئيّات تلك الواقعة العظيمة، كيف تقدّم فلان، وكيف ودّع الإمام الحسين عليه السلام وكيف نزل إلى الميدان وكيف استشهد في النهاية"1.

 
أ- الإتقان في ذكر الواقعة
الإمام القائد: "ينبغي تبيين وقائع عاشوراء بدقّة وبالمقدار الذي جاء في كتب ابن طاووس والمفيد بهذا الشأن"2.
 
الإمام القائد: "إذا نقلتم حديثاً صحيحاً من كتاب معتبر وشرحتم معناه، فهذا يكفي من دون أن ندخل في التفصيلات والتفريعات، كما يفعل بعض الخطباء، لأنّ الأحاديث تفقد معناها الأساس أحياناً، نتيجة تلك الشروحات المعقّدة. وأمّا لو اقتصرنا على بيان متن الأحاديث فهذا سيفيد مستمعيكم وقد يحقّق الجزء الأكبر ممّا نصبو إليه، أو تناولتم آية قرآنيّة واستندتم إلى تفسير صحيح لها، ثمّ نقلتموها بعد مطالعة وتحليل، فستبلغون المراد. ولذكر المصيبة افتحوا كتاب "نَفَس المهموم" للمرحوم المحدّث القمّي واقرأوا ما فيه لمستمعيكم، فإنّه يثير عواطفهم إلى حدّ البكاء، فلا داعي لأن نقوم بما من شأنه أن يحرف مجلس العزاء عن غايته الحقيقيّة"3.
 
ب- توضيح أحداث وأهداف نهضة الإمام الحسين عليه السلام
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
3- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

106

الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

 الإمام القائد: "ينبغي أثناء قراءة المراثي والمدائح والمحاضرات وأشعار المصيبة، توضيح أحداث وأهداف الإمام الحسين عليه السلام، أي الأهداف التي ذكرها الإمام نفسه في كلماته: "إنّي لم أخرج أشِراً ولا بطِراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي"1.

 
ج- استخراج المضامين والخلاصات من الثورة الحسينيّة
الإمام القائد: "ينبغي أثناء المحاضرة ذكر بعض العبارات المهمّة من قبيل: "أيّها الناس! إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في حياته: "من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله"2، و"من كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا"3 وكلّ واحدة منها درس وفصل خاص"4.
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.
2- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 381.
3- ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف، ص 61.
4- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
118

107

الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

 .

 

 

 

 

119


108

الفصل الرابع: فوائد المنبر

 الفصل الرابع: فوائد المنبر


الأمر الأوّل - نشر رسالة المعارف الإسلاميّة في المجتمع
الإمام القائد: "اهدوا الناس، وأنيروا أذهانهم، وشجّعوهم على تعلّم الدّين، وعلّموهم الدّين الصحيح، وعرِّفوهم بالفضائل والأخلاق الإسلاميّة، وأوجدوا فيهم الفضائل الأخلاقيّة بوساطة القول والعمل، وعِظوهم وحذّروهم من عذاب الله تعالى وقهره ومن نار جهنّم، فإنّ الإنذار له دوره المهمّ، ولا تنسوا أن تبشّروهم بالرحمة الإلهيّة، بشروا المؤمنين والصالحين والمخلصين والعاملين، أطلعوهم على مسائل العالم الإسلاميّ الحسّاسة، ومسائل البلد الأساسيّة. وبهذا يتحقّق ذلك المشعل المضيء الذي تضيء له القلوب كلّما أضاءه أحدكم، وسيؤدّي إلى إدراك الحقيقة والطريق إليها، وإلى وجود الإيمان العميق. وهذا أكثر الأمور تأثيراً في دفع الغزو الثقافيّ الذي يمارسه الأعداء، إنّهم خائفون جدّاً من قيام العلماء، المؤمنين الشجعان، الواعين بمسؤوليّاتهم ووظائفهم في مختلف الميادين، كالجامعة والسوق والقرية والمدينة والمصنع، فإنّ الجهة المعاكسة لعمل هؤلاء هي هذا العمل والجهاد في سبيل الله، الذي تقومون به والذي ينبغي أن يحصل بإتقان ودقّة، والأهمّ من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
120

109

الفصل الرابع: فوائد المنبر

  كلّ ذلك بإخلاص: "لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام 1"2.

 
الإمام القائد: "... هكذا انتصرت الثورة. أغلبكم أيّها الشباب، ممّن لم يدرك تلك الأيّام، في تلك الأيّام تنقّل المبلّغون المخلصون المجهولون في أطراف العالم الإسلاميّ، وأنحاء البلاد، ودخلوا القرى والمدن والمساجد والمحلّات والبيوت ووضّحوا الأمور للناس، وقد أضاءوا في كلّ مكان شعلة من ذلك المشعل المضيء- أي إمامنا الكبير- الذي كان شعلة مضيئة من شمس أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فأصبح كلّ مكان مضيئاً به، لقد أنار القلوب، وأيقظ الأرواح، فتحرّكت الأجسام والألسن وعملت الإرادات. والحال اليوم على ذلك النحو وهكذا سيكون غداً"3.
 
الإمام القائد: "التبليغ هو لأجل إحياء الأحكام الإلهيّة والإسلاميّة"4
 
الإمام القائد: "إنّ هذه الوسيلة (المنبر) تحمل اليوم رسالة تفسير القرآن والمعارف الإسلاميّة والمسائل الفلسفيّة والعرفانيّة ومعارف آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. فمن جهة هي أداة جديدة بيد مبلّغي الدّين، ومن جهة أخرى أصبحنا نحن المعمّمين نمتلك القدرة للقيام بوظيفة توضيح المعارف الإسلاميّة في جميع أبعادها وبشكل حرّ. أمّا في السابق فلم يكن الوضع على هذا النحو، فإنّ بعض الأمور كان يمكن التصريح بها وبعضها الآخر لا يمكن ذلك ولا يسمحون به، ولكن اليوم ليس على ذلك النحو"5.
 
الأمر الثاني - حفظ الدّين بوساطة توضيح حركة عاشوراء
الإمام القائد: "لقد ارتبط أساس الدّين بعاشوراء وبقي ببركة عاشوراء، لو لم
 
 
 

1- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 24، ص 110.
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 23/1/78 هـ. ش.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.
5- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
121

110

الفصل الرابع: فوائد المنبر

  يقم الإمام الحسين عليه السلام بهذه التضحيات العظيمة التي أيقظت وجدان التاريخ بشكل كامل، لقُضي على الإسلام منذ القرن الأوّل أو أواسط القرن الثاني الهجريّ، وهذا أمر لا شكّ فيه أبداً. ولو أنّ شخصاً رجع إلى التاريخ وتفحّص الحقيقة في صفحاته فإنّه سيصدّق هذا الأمر... ونحن بوساطة هذه الواقعة حفظنا الدّين، ووضّحنا للناس أحكامه ووجّهنا عواطفهم لخدمة الدّين والإيمان، والمقصود من كلمة (نحن) هو طبقة العلماء والمبلّغين خلال عدّة قرون خلت"1.

 
الإمام القائد: "لاحظوا عوامل البقاء والاستمرار في الإسلام! إنّ عاشوراء هي واحدة منها"2.
 
الأمر الثالث - تأثير العلاقة المباشرة أكثر من الوسائل الأخرى
الإمام القائد: "إنّ الكلام الذي تخاطِبون به الناس في الجلسات من على المنابر، يختلف عن الكلام الذي يُقال لهم عبر الإذاعة، ولو كان المتحدّث عبرها هو أنتم. وقد أكّدت مراراً أنّ في الجلوس وجهاً لوجه وسماع الأنفاس والأصوات وتلمّس دفء الحضور بين المستمع والخطيب يترك آثاراً لا نجدها في الرسائل التي تُرسل من أماكن بعيدة، لنعرف نحن العلماء أهميّة هذا الأمر، وقد كرّرت هذه المسألة مرّات عديدة في جلسات أهل العلم والوعاظ وقلت لهم: إنّ الجلوس مع الناس وجهاً لوجه والتحدّث إليهم مباشرة وتحسّس وجودنا، يُعدّ من الامتيازات الخاصّة بنا. فلنغتنم هذا الأمر ولنجعل له تأثيراً مضاعفاً"3.
 
الإمام القائد: "لا يتصورنّ أحد أنّ وجود الراديو والتلفزيون والفيديو والوسائل الأخرى، يغني عن المنبر والعمل التبليغيّ للدّين، إنّ ذلك التأثير الذي يتركه كلام
 
 
 

1- في لقاء له في جمع من العلماء والطلّاب على أعتاب شهر محرّم 26/3/72 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 26/2/75 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة ووعّاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

111

الفصل الرابع: فوائد المنبر

  الشخص في مجلس- بمواجهة الآخرين واختيار المخاطبين والمطالب المهمّة- يختلف عن تأثير أيّ وسيلة إعلاميّة أخرى في أذهان المخاطَبين؛ لأنّه نوع من التبليغ المترافق مع البركات الإلهيّة، وتظهر فيه آثار التلاقي الإنسانيّ، وهو أمر شديد الأهميّة. 

 
... إنّ تبليغ الدّين بالشكل المتعارف عليه، يعني حضور أحد العلماء بين مختلف طبقات الناس والاستفادة من منبر الدّين والتبليغ، هو واحد من أهمّ الوسائل والنعم التي وضعها الله تعالى في أيدينا. ينبغي الاستفادة منها وبالمستوى الأعلى لأجل الله تعالى وفي سبيله"1.
 
الإمام القائد: "إنّ إيماني وثقتي بالمنبر كبيران جدّاً. اليوم ينتشر الإنترنت، والأقمار الصناعيّة، والتلفزيون والوسائل الإعلاميّة الأخرى، إلّا أنّ أيّاً منها ليس منبراً، المنبر يعني التحدّث وجهاً لوجه ونَفَسَاً بنَفَس، وللمنبر تأثير خاصّ ومميّز لا وجود له في أيّ من الأساليب الأخرى. يجب الحفاظ على المنبر؛ لأنّه شيء ذو قيمة، نعم يجب أن نؤدّيه بشكل ماهر ليكون مؤثّراً"2.
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 5/11/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
123

112

الفصل الرابع: فوائد المنبر

 الأمر الرابع - أداة مواجهة كلّ حركة باطلة

الإمام القائد: "ويا حبّذا لو أنّ هؤلاء الطلبة الشباب، وفضلاء الحوزات العلميّة، والمبلّغين والوعّاظ، وذاكري مناقب أهل البيت عليهم السلام استطاعوا يوماً أن يجعلوا من واقعة عاشوراء حرباً ضدّ الظلمات المهيمنة على حياة البشريّة، ويزيلوا بهذا السيف الإلهيّ هذه الحجب، ويكشفوا النقاب عن شمس الحقيقة المتجسّدة بحكومة الإسلام، وهي الحقيقة التي بانت في هذا الزمان، ووقف الجميع على عظم مكوّناتها الإعجازيّة. هل هناك ما يمنع من الاعتقاد بأنّ بإمكان المبلّغين والخطباء وعلماء الدّين، في كلّ عصر، حمل سيف الحقّ ذي الفقار النبويّ المولويّ ضدّ الباطل؟ حتّى لو كان إعلام الأعداء في ذلك العصر مسموعاً في كلّ مكان. لماذا نستبعد مثل هذا الأمر؟"1.
 
الأمر الخامس - ردّ الإعلام المعادي الحاكم على العالم
الإمام القائد: "صحيح أنّ إعلام الأعداء اليوم، قد سيطر على أذهان البشريّة، وأن أموالاً طائلة تنفق لتشويه صورة الإسلام، وخصوصاً التشيّع، وأنّ كلّ من لديه مصالح ومنافع غير مشروعة في حياة الشعوب والدول، يعمل جاهداً ضدّ الإسلام والحكومة الإسلاميّة، وهذا يعني أنّ الكفر مع كلّ ما به من فرقة وتشتّت، اتفق على أمر واحد وهو معاداة الإسلام بكلّ الوسائل، حتّى الإسلام المنحرف أدخله في حرب مع الإسلام الأصيل. كلّ ذلك صحيح، ولكن هل إنّ جناح الحقّ وجبهة الإسلام الأصيل لا يمكنهما الوقوف في وجه الإسلام المعادي الخبيث، ويكرّر مرّة أخرى تلك المعجزة ببركة روح ونداء عاشوراء ومحرّم؟ لِمَ لا يمكن؟ نعم هناك صعوبات، ولكنْ ليس مستحيلاً، فالأمر يحتاج إلى العزم والتضحية والطريق مفتوح وليس مغلقاً، وهذه هي وظيفتنا جميعاً"2
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
124

113

الفصل الرابع: فوائد المنبر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

125


114

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

الإمام القائد: "هنا تتّضح مسؤوليّة العلماء والمبلّغين والمعمّمين، طبعاً هي مسؤوليّة واضحة والسادة بحمد الله يعرفونها جيّداً، ونحن لا نرغب بتذكيرهم بمسؤوليّاتهم، فهم أصحاب علم وعارفون بذلك، أمّا ما نقوله فهو لأجل "التذكّر"، وليدرك الشباب والذين التحقوا حديثاً بهذا الطريق، أنّه طريق مبارك"1.
 
الإمام القائد: "إنّ طريق الإمام الحسين عليه السلام خلال عدّة قرون خلت لم يُسدّ في بلدنا وبين أبناء شعبنا، على الرغم من وجود المخالفين والمعاندين، الذين لم يتمكّنوا من تحقيق أيّ شيء. ومع ذلك كانت بركات هذا الطريق كثيرة. وفي الحقيقة لو أنّ العلماء والمبلّغين وأصحاب البيان تحرّكوا بما يليق بشهر محرّم، وقدّموا إبداعات مخلصة مترافقة مع أعمال فكريّة وعلميّة في هذا المجال، فإنّ بركات هذا الطريق ستكون أضعاف ما هي عليه اليوم. لذلك فإنّ من وظائفنا السعي متعاضدين متعاونين في هذا الخصوص"2.
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 26/2/73 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
126

115

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 الأمر الأوّل - الوظائف الفرديّة

 
1- امتلاك الفكر الإسلاميّ الأصيل والمحكم
الإمام القائد: "ينبغي أن يكون العالِم مجهّزاً بالفكر، بأفضل مسائل الفكر الإسلاميّ الأصيل وأمتنها وأحكمها1، نحن نمتلك الكثير من هذه الأفكار، فشخص واحد كالشهيد مطهّري (رضوان الله تعالى عليه)، رضخ وأذعن له مجتمع جامعيّ بأكمله. في تلك الكليّة التي كان يدرِّس فيها ذلك العالم الجليل، كان بعضهم يروّج أفكاراً معارضة للدّين وبشكل صريح، أمّا الشهيد مطهري فلم يتوجّه لإيجاد مشكلة مع هؤلاء، بل تكلّم وأعطى فكراً وتحدّث بالحقائق واستفاد من الذهنيّة الصحيحة وأمسك بالأوضاع.
 
هكذا كان الوضع قبل الثورة، كان العلماء الذين تربطهم علاقة بالجامعات وبأجواء الشباب الفكريّة والمتّصلين بالأفكار الغربيّة، لا يمتلكون الامكانيّات التي تمنحهم القوّة، ومع ذلك كانت الأمور بمتناول يدهم. كان العالِم يقف في المسجد ويتحدّث للناس، وكنتم تلاحظون أنّ الدروس تعطّل في الجامعة وينتقل الشخص لسماع كلام ذلك العالِم، ليسمع منه بضع كلمات في التفسير أو شرح نهج البلاغة. هكذا كان الحال قبل الثورة. ونحن ينبغي أن نكون جاهزين بهذا الشكل أيضاً. ينبغي أن تكون المنابر على هذا النحو، طبعاً هذا غير مختصّ بالمنبر فقط، بل ما أقوله ينطبق على جميع مراسم العزاء، ومن جملة ذلك النواح والمراثي"2.
 
2- الإيمان القلبيّ بمضمون الخطاب
الإمام الخمينيّ: "يجب أن أقول شيئاً حول الواجبات العامّة لعلماء الدّين وأهل المحراب والمنبر، فهؤلاء هم المتحدّثون باسم الإسلام، وإذا أرادت الحكومة متحدّثاً إسلاميّاً فهو موجود بين السادة الخطباء المحترمين. إنّ الذي يمتلك صلاحيّة 
 
 
 

1-  (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً )(سورة الإسراء الآية 36).
2- من كلام له في جمع من العلماء والطلّاب على أعتاب شهر محرّم 26/3/72 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

116

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 التحدّث باسم الإسلام- الذي يوجد فيه كلّ شيء- هو من كان مسلماً في حقيقته وروحه، ويحمل قلباً إسلاميّاً طاهراً نقيّاً، فيتحدّث عن الإسلام بقلبه الإسلاميّ الطاهر، أمّا المتحدّثون باسم الدول الأخرى فلا علاقة لهم ولا اهتمام بالصدق من أعماق قلوبهم في ما يقولونه، فالمهمّ أن يكون أحدهم متكلّماً بليغاً، ويبيّن قضايا دولته بشكل جيّد من دون أيّة أخطاءٍ فيها. أمّا الإسلام، فليس كذلك، فهو يعتني بالقلب اعتناءً كبيراً أكثر ممّا يعتني باللسان، لأنّ حقيقة الإنسان في قلبه وعقله، وإذا كانت الكلمات التي تقولونها إسلاميّة لكنّها- لا سمح الله- لا تنبع من القلب، فقائلها لا جدارة له أن يتحدّث بالإسلام، وإن كان خطيباً مخضرماً1. وأمّا لو خرجت تلك الكلمات من قلب إسلاميّ، أي القلب الذي يعتقد بالإسلام وأنّه كلّ شيء وأنّ الأديان الإلهيّة هي وحدها التي تستطيع أن تربّي الإنسان بكلّ أبعاده، وتقيم النظام بكلّ أبعاده وتوصل الناس إلى حيث مقام الإنسانيّة، فعندئذٍ لو خطب الخطيب ووعظ الواعظ، وعمل العالم مع هذا الاعتقاد وهذا الإيمان، وخرج البيان والوعظ والعمل من مثل هذا القلب، فعالِم الدّين هو عالِم بكلّ معنى الكلمة، والخطيب هو خطيب الإسلام، وصاحب المنبر هو متحدّث إسلاميّ"2.

 
الإمام الخمينيّ: "يجب أن تسعوا أنتم الذين تتعاملون مع أرواح الناس لإصلاح أنفسكم وقلوبكم، وتجعلوها إلهيّة ليصبح خطابكم ومنبركم مثل خطاب صاحب المنبر الحقيقي أمير المؤمنين عليهم السلام وهذا وإن كان صعب المنال، ولكن على الأقل أن نكون من شيعته وأتباعه في ذلك، فقد كان عليهم السلام لا يتحدّث إلّا بما يفيض من قلبه الإلهيّ"3.
 
 
 

1- عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قلت قوله:  (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ )، قال: فوضع يده على حلقه قال كالذابح نفسه". (العياشي، تفسير العيّاشي، ج 1، ص 43).
2- صحيفة نور، ج 8، ص 65، بتاريخ 17/4/58 هـ. ش.
3- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
128

117

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 3- اكتساب الحقائق والتجارب من أساتذة التبليغ

الإمام القائد: "عملت هذه المجموعة، ومن اليوم الأوّل، على نشر هذه الثورة، وشبّهوا أصحابهم بالنحل، مستفيدين من الآية القرآنيّة الشريفة، فتجسّمت الآية الشريفة أمام أعين الإنسان بأن ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ﴾ كانوا يتلقّون الحقائق ويقدّمونها إلى المتعطّش لها، حيث إنّ ﴿فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ﴾1، وهكذا ينبغي أن يكون الوضع اليوم، ينبغي على الشباب من الطلّاب والفضلاء والمبلّغين إحكام أمتعتهم بالاستفادة من تجارب الأساتذة والعظماء في هذا المجال، فيتحرّكون لله وفي طريق الله وبقصد القربة، ليبيّنوا هذه الحقائق بلغةٍ مناسبةٍ في جميع أنحاء البلاد، بل في جميع الأقطار"2.
 
4- التحضير قبل ارتقاء المنبر
الإمام القائد: "لقد قلت مراراً: إنّ من عوامل تضييع حقّ عاشوراء اعتلاء المنبر من دون تحضير، فلا ينبغي أن يصعد الخطيب المنبر ثمّ يقول "سأرى ماذا أقول"، ثمّ يتحدّث بما يجري على لسانه، فقد يكون كلاماً ضعيفاً، وقد يكون- لا سمح الله- نقلاً غير صحيح، وقد يكون- لا سمح الله- كلاماً يحمل التوهين للمذهب، وإجحافاً بحقّ عاشوراء"3.
 
5- الدعوة بالعمل قبل الدعوة باللسان
الإمام القائد: "... بعد هذا، نصل إلى بحث كيفيّة عملنا4. عندما ندخل المدينة الفلانيّة أو القرية الفلانيّة لأجل التبليغ، فإنّ سلوكنا، جلوسنا، قيامنا، معاشرتنا، عبادتنا، تعلّقنا أو عدم تعلّقنا بالنعم الدنيويّة والطعام والشراب،
 
 
 

1- سورة النحل الآيتان 68- 69.
2- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء العلماء والطلّاب على أعتاب شهر محرّم 26/3/72 هـ. ش.
4- عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام: "اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً جرّدوا إلينا كلّ مودّة وادفعوا عنّا كلّ قبيح". (المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص 372).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
129

118

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

  كلّ ذلك تارة يكون لصالح التبليغ وتارةً يكون ضدّ التبليغ، إذا كانت هذه الأمور صحيحة فهو التبليغ، وإذا كانت خاطئة فهو ضدّ التبليغ، نحن في بيئتنا الإجتماعيّة والحياتيّة كيف يمكننا أن نجعل قلوب الناس تطمئنّ إلى مصدر أقوالنا؟ وكيف يمكننا الحصول على ثقتهم إذا كنّا نذمّ الشهوات الدنيويّة بينما في الواقع نعيش- لا سمح الله- حالة أخرى!1 نذمّ تعلّق القلب بالمال والسعي في الزيادة الدنيويّة، ويكون عملنا شيئاً آخر! كيف يمكن أن يكون هذا التبليغ مؤثّراً؟! إمّا أنّه لا يؤثّر على الإطلاق، أو أنه يترك أثراً مؤقّتاً، أو أنّه يترك أثراً ثمّ يتحوّل إلى شيء مضادّ للأثر الذي تركه بعد اكتشاف حقيقة عملنا، وعلى هذا الأساس فالسلوك أمر مهمّ جدّاً"2.

 
الأمر الثاني - وظائف أصحاب المنبر اتجاه المخاطبين
الإمام القائد: "ينبغي أن تكون منابركم وخطاباتكم بنّاءةً، أي إذا حضر بعض الناس مجالسكم لمدّة ثلاث سنوات، أن لا يخرج عاميّاً، بل يخرج مدركاً عارفاً مزوّداً بالمعلومات. ينبغي أن يكون المنبر وسيلة لبناء الإنسان والفكر... فعلى الخطيب أن يتحرّك من بداية اليوم الأوّل وحتّى العاشر، أو في الجلسات الأسبوعيّة التي يشارك فيها، على أساس خطٍّ ونهج واضح، وكأنّه في صفٍّ تدريسيّ ولا ينبغي أن يعرب الناس عن عدم إعجابهم..."3.
 
الإمام القائد: "في التبليغ يجب الاهتمام كثيراً بأمرين: الأوّل اختيار المخاطب، والثاني اختيار المضمون... هذان الأمران مرتبطان ومتّصلان ببعضهما"4.
 
 
 

1- عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم" (نهج البلاغة، ص 480).
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 5/11/84 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء مسؤولي هيئات جند الإسلام في أنحاء البلاد 19/2/80 هـ. ش.
4- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
130

119

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 1- معرفة واختيار المخاطب

الإمام القائد: "أودّ أن أقول في ما يتعلّق باختيار المخاطب- ولعلّ هذه المسألة تعدّ اليوم من الضروريّات- إنّ أكثريّة المخاطبين المقصودين في تبليغنا هم من الشباب- جيل الشباب- وذلك لعدّة أسباب:
الأوّل: أنّ الشباب يشكّلون اليوم في بلدنا الأكثريّة، بينما الشباب في بعض الدول أقليّة، أمّا في بلدنا ولأسباب واضحة، فهم الأكثريّة، أي أنّ الشباب يشكّلون أكثر من ثلثي الشعب، أنتم شباب أيضاً، أنتم العدد الأكبر في هذا الجيل، لذلك ينبغي أن يكون المقصود في الخطاب هو هؤلاء أكثر من غيرهم.
 
الثاني: أنّ أعداء هذا البلد، وأعداء هذه الثورة وأعداء الدّين بدأوا انطلاقاً من هذه الحقيقة، ومنذ مدة طويلة، التخطيط من أجل هؤلاء الشباب، قد نكون نحن في غفلة عن هذا، إلّا أنّ عدوّنا لم يغفل! إنّهم يعملون، وبوساطة الإذاعات والكرّاسات والأدوات والوسائل الملائمة لطبيعة الشباب وشهواتهم، على السيطرة على قلوبهم وأفكارهم والنفوذ إليها، وهذا أيضاً سبب آخر يوجب الاهتمام بالشباب بشكل أكبر.
 
الثالث: أنّ الشاب يقبل بسهولة وبسرعة1، لأنّ قلبه نورانيّ. الملوِّثات الموجودة في قلوب الشباب قليلة لا تصل إلى مقدار وجودها في الأشخاص أمثالي، الذين مضى عليهم العمر، إنّهم نورانيّون، ويمكنهم إدراك الحقيقة بسهولة، ومن ثمّ الإستماع إليها وقبولها من دون أيّة مشقّة، وهذا سبب آخر لاختيار هذه الشريحة من المجتمع. بناءً على ما تقدّم فبمجرّد أن بدأتم التفكير في التبليغ واختيار مطالب حول الدّين والأخلاق تتحدّثون بها، اجعلوا الهدف مخاطبة الشباب. وهذا سيؤثّر في نوع المضمون"2.
 
 
 

1- عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته للحسن عليه السلام: "إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك". (المجلسي، بحار الأنوار، ج 1، ص 223).
2- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
131

120

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 أ- الاهتمام بحاجات المخاطَب الفكريّة من خلال حاجات العصر

الإمام القائد: "إنّ دور مبلّغ الدّين، في كلّ زمان، تعريف المخاطَب بما هو بحاجة إليه، لذلك ينبغي التعرّف على الحاجات العصريّة 1"2.
الإمام القائد: "قد يكون المخاطَب فئات عديدة من المجتمع، فعندما يقف المرء ليتحدّث أمام حشد من الناس، فإذا حدّد الفئة التي ينبغي التوجّه إليها بالخطاب فإنّه سيختار في خطابه المضمون الذي يتناسب مع حاجات تلك الفئة المقصودة"3.
 
الإمام القائد: "إذا كنّا نقوم بالتبليغ في الجامعات، وفي القوى المسلّحة، وفي مختلف الطبقات الإجتماعيّة- أينما يوجد مخاطب لنا- فينبغي أن نفهم بدايةً ما هو السؤال والإستفهام الموجود في ذهن الشباب. وهذا هو أساس عملنا التبليغيّ"4.
 
ب- الإجابة عن أسئلة الشباب وشبهاتهم
الإمام القائد: "السادة المحترمون، العلماء والخطباء والأعزّاء والموقّرون! اليوم يمتلك شبابنا أسئلة كثيرة نابعة من ذهنهم السيّال، لا ينبغي حمل هذه الأسئلة على كونها إشكالات، لا ينبغي أن نقول للشابّ، كلّما سأل سؤالاً: "اسكت!" وكأنّه ينطق بالكفر! فهو شابّ، وذهنه سيّال، ثمّ إنّ الأفكار الخاطئة والإستدلالات غير الصحيحة منتشرة في جميع أماكن العالم باعتبار، وجود وسائل التواصل الصوتيّة والبصريّة. هنا في هذه الأجواء يستحضر الشباب مجموعة من الأسئلة، فمن الذي ينبغي عليه إجابتهم عنها؟ أنا وأنت يجب أن نبادر إلى ذلك، إذا لم تتحرّك أنت لتملأ الفراغ الفكريّ عنده، ولم تبادر إلى الإجابة عن ذلك السؤال
 
 
 

1- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "يا مفضّل، العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس". (الكليني، الكافي، ج 1، ص 26).
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 23/1/78 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.
4- المصدر نفسه.
.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

121

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

  والإشكال فسيبادر الآخرون ليقدّموا إجابات خاطئة"1.

 
الإمام القائد: "إنّ أذهان عموم شباب بلدنا- من البنت والصبيّ إلى الرجل والمرأة- اليوم منفتحة، وإذا كان الشباب الطلّاب بالأمس قبل الثورة يمتلكون هذه الخاصيّة، فليست مختصّة بهم اليوم، بل الجميع اليوم يطلبون النظر إلى جميع الأمور بعين البصيرة والإستبصار ويريدون فهمها. إنّ جزءاً كبيراً من المفاهيم الثقافيّة في مجتمعنا المعاصر هو في معرض الشبهات، أي أنّ الأعداء يُلقون الشبهات. ليس الأعداء فقط، بل من ينكر فكري وفكرك يعمل على إلقاء الشبهة أيضاً. فهل نستطيع أن نقول لكلّ من يرفض فكرنا: اسكت ولا تتحدّث، ولا تلقِ الشبهات؟ هل يمكن الحديث بهذه الطريقة؟ إنّهم على أيّ حال يتحدّثون ويلقون بمطالبهم ويعملون على التشكيك ويصنعون الشبهات. المهمّ أنّ الأمر الذي تتحدّثون به، ينبغي أن يرفع الشبهة2 وأن لا يزيد منها"3.
 
الإمام القائد: "يجب على من يريد هداية مخاطبيه، في البداية، أن يعرف الأمور التي يجهلونها، والأمور التي يمكن أن تؤثّر سلباً في أذهانهم. يجب أن تعرفوا تلك الأمواج التي تجتاح ذهن هؤلاء المخاطَبين، ويسعون من خلالها إلى تخريبهم، من أجل أن تتحدّثوا معهم من موقع احتياجاتهم، ولا يكون الحديث متحرّكاً في أمور بعيدة عن استفهاماتهم الموجودة في أذهانهم بالعشرات"4.
 
الإمام القائد: "في بعض الأحيان قد يكون السؤال في ذهنه قليل الأهميّة، وترجّحون اخباره بأمور أكثر أهميّة، طبعاً يجب أن تقوموا بهذا العمل، وأمّا اليوم حيث تُضَخّ الكثير من الأسئلة والإستفهامات في أذهان مختلف الفئات- بالأخصّ الشباب- فعلى مبلّغ الدّين أن يعرف تلك الشبهة وذاك الموج المخرّب والمفسد 
 
 


1- من كلام له في جمع من العلماء والطلّاب على أعتاب شهر محرّم 26/3/72 هـ. ش.
2- عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "ليس كلّ العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكلّ الناس، لأنّ منهم القويّ والضعيف، ولأنّ منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله، إلّا من يسهّل الله له حمله وأعانه عليه من خاصّة أوليائه". (المجلسي، بحار الأنوار، ج 6، ص 142).
3- من كلام له في جمع من علماء محافظة كهگيلويه وبوير أحمد على أعتاب شهر محرّم الحرام 17/ 3/ 73 هـ. ش.
4- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
133

122

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 والمضرّ، ليتعرّف على الداء الذي ينبغي علاجه والخلأ الذي عليه أن يملأه"1.



2- المحتوى الذي يمكن تقديمه


أ- الأبحاث العقائديّة
الإمام القائد: "في وقتنا الحاضر، ما هو المضمون المهمّ؟ ما هو الشيء الذي ينبغي أن نوضّحه للناس من على منبر التبليغ؟ يمكن القول وبكلمة واحدة: الأبحاث التي تساهم في ترسيخ عقائدهم الدينيّة، إلّا أنّ هذه الجملة تحتاج إلى التفسير والتوضيح"2.
 
ب- الأبحاث الأخلاقيّة
الإمام القائد: "من جملة الأمور التي ينبغي التحدّث بها إلى الشباب حيث تساهم في هدايتهم: توجيههم نحو التفكير، التعقّل، الأخلاق الإسلاميّة، الحِلْم، الإبتعاد عن التسرّع والعجلة، والابتعاد عن الخشونة. وأمّا في البيئة الإسلاميّة فإنّ الحقائق يمكنها النفوذ إلى القلوب إذا كان هناك لسان ليّن، وسلوك عاقل وحِلْم. والحِلْم عبارة عن هذه الظرفيّة- التي يصطلح عليها العموم- عدم التسرّع، وعدم الغضب عند وجود الغضب، والقيام بما يقوم به الإنسان العاقل عند الحرب أو مواجهة الأعداء. أمّا الحياة اليوميّة فإنّ بناء العمل في المجتمع الإسلاميّ يقوم على أساس التأمّل، التدبّر، التفكير، ملاحظة كافّة الجوانب، مواجهة القضايا بشكل منصف وعاقل وتأنٍّ في إصدار الأحكام. علموا الشباب هذه الأمور الضروريّة والمهمَّة، عليكم تربية وصناعة شباب الأمّة الإسلاميّة"3.
 
الإمام القائد: "إذا تمكّنا من الوصول إلى أعلى مقام من ناحية الإقتصاد والسياسة، وضاعفنا من مقدار العزّة والقدرة اللتين نملكهما اليوم، بينما لم 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

123

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 تكن أخلاق شعبنا، أخلاقاً إسلاميّة، ولم يكن بيننا عفو، وصبر، وحِلْم، فسيزول أساس العمل؛ لأنّ أساس العمل هو الأخلاق، وجميع هذه الأمور مقدّمة للأخلاق الحسنة - بُعِثْتُ لأُتَمِّم مكارم الأخلاق1 - والحكومة الإسلاميّة هي لأجل تهيئة أجواء تربية البشر، ولتتعالى أخلاقهم وليتقرّبوا أكثر من الله تعالى، وليحقّقوا قصد القربة. والمسائل السياسيّة تحتاج أيضاً إلى قصد القربة. إنّ ذلك الذي يتحدّث في المسائل السياسيّة والذي يكتب والذي يحلّل ويقرّر، ينبغي أن يقصد القربة"2.

 
ج- توضيح أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام
الإمام القائد: "إنّ من مسؤوليّة جميع العلماء، سواء الخطباء الذين يعتلون المنبر، أو أئمّة الجمعة والجماعة، وكلّ من له علاقة بالناس ويتحدّث إلى الناس، إفهامَ الناس ثورة سيّد الشهداء، ما هي أهداف الثورة؟ ومن الذي شارك فيها؟ وما هي نتائج تلك التضحيات التي بُذلت في تلك الثورة التي لا زالت مستمرّة إلى يومنا هذا، ولن تتوقّف أبداً؟"3.
 
الإمام القائد: "رغم كلّ ما قيل عن فلسفة ثورة الإمام الحسين عليه السلام وكلّ ما جاء على ألسنة وأقلام كبار العلماء والمفكّرين حتّى يومنا هذا يبقى المجال مفتوحاً للحديث عن هذه الحقيقة الساطعة عمراً بكامله.
 
وكلّما تمعنّا في مسألة عاشوراء والثورة الحسينيّة نجد أنّها مترامية الأطراف والأبعاد وتستحقّ التفكير والتبيان، وكلّما أمعنّا في التفكير قد نجد ما هو جديد وقد نكتشف حقائق جديدة. إنّ هذه الواقعة، وإن كان يمكن الحديث عنها على مدار أيّام السنة كلّها، بل ينبغي ذلك أيضاً، ولكن لشهر محرّم خصوصيّة الحديث 
 
 
 

1- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 67، ص 372.
2- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.
3- من كلام له في جمع الخطباء وعلماء الدّين في قم وطهران 25/7/61 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

124

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 عن ذلك، كما ينبغي إنْ شاء الله، والوقوف عند هذه الظاهرة العظيمة، في الواقع، هو شروع في الغوص في أعماق واقعة كربلاء، والاستفادة من فيض محرّم الحرام بما ينفع الأمّة الإسلاميّة"1.

 
الإمام القائد: "إنّ كافّة آثار وأقوال ذلك العظيم وكذلك أحاديث المعصومين عليهم السلام التي تتمحور حوله، توضح أنّ الغرض (من قيام عاشوراء)، إقامة الحقّ والعدل ودين الله وتحقيق حاكميّة الشريعة والقضاء على أساس الظلم والجور والطغيان..."2.
 
أوّلاً: العمل بأحكام الدّين
الإمام القائد: "يقول الإمام الحسين عليه السلام: "... ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك"3 فإنّ هذه الأمور تشكّل هدف الإمام. قد يخرج البعض هنا وهناك، من دون أقلّ معرفة بمعارف الإسلام، وكلمات الإمام الحسين عليه السلام ومن دون معرفة باللغة العربيّة، ليكتب حول أهداف الثورة الحسينيّة، ثمّ يقول إنّ الإمام الحسين عليه السلام قد ثار لأجل الهدف الفلانيّ! من أين أتيت بذلك؟! هذا كلام الإمام الحسينعليه السلام: "ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك"، فالإمام الحسين عليه السلام قدّم روحه الزكيّة وأرواح أطهر الناس في زمانه، ليعمل الناس بأحكام الدّين، لماذا؟ لأنّ السعادة تتحقّق في العمل بأحكام الدّين، لأنّ العدالة تتحقّق في العمل بأحكام الدّين، لأنّ حرّيّة وتحرّر الإنسان يتحقّقان في العمل بأحكام الدّين. أين يريدون الحصول على الحرّيّة؟! في ظلّ أحكام الدّين تتحقّق كافّة الحاجات البشريّة"4.
 
ثانياً: إصلاح المجتمع
الإمام القائد: "ينبغي الاستفادة إلى أقصى حدّ من كلمات أبي عبد الله
 
 
 


1- من كلام له في لقاء جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة ووعّاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
3- الحرّاني ابن شعبة، تحف العقول، ص 239.
4- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم الحرام 23/1/78 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

125

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

  الحسين عليه السلام- وكلّ واحدة منها تحتوي على نقطة مهمّة- بهدف تقديم العبارات والكلمات الواضحة للناس... وبناءً عن ما نُقل عن ذلك العظيم، فقد تحدّث قائلاً: "لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام"1 فإذا لم تكن لأجل هذه الأمور، فلماذا كانت؟ ثمّ إنّ الإمام تحدّث ببعض العبارات التي ترسم لنا الخطّ والغاية، وهي أمور تشكّل الجهة الأساسيّة في جميع مراحل التبليغ: "ولكن لنُري المعالم من دينك"2 لنرفع ألوية الدّين للناس ولنصنع الشواخص أمام أعينهم... وقد جعل الإمام الحسين عليه السلام هدفه الأوّل: "ولكن لنُرِيَ المعالم من دينك ونُظهِر الإصلاح في بلادك"3، لنقضي على الفساد في الدول الإسلاميّة ولنقوم بعمليّة الإصلاح، ما معنى الإصلاح؟ أي إزالة الفساد. ما هو الفساد؟ للفساد أنواع وأقسام: السرقة فساد، الخيانة فساد، التبعيّة فساد، الظلم فساد، الإنحراف الأخلاقيّ فساد، الإنحراف الماليّ فساد، العداوة في ما بيننا فساد، الركون إلى أعداء الدّين فساد، التعلّق بما يخالف الدّين فساد. وإنّما يتحقّق كلّ صلاح في ظلّ الدّين"4.

 
ثالثاً: القضاء على أساس الظلم والجور
الإمام القائد: "يقول الإمام الحسين عليه السلام: "ويأمن المظلومون من عبادك"والمقصود هو المظلومون في المجتمع، وليس الظالمين، وليس مشجّعي الظلم، وليس عملاء الظلم! والمظلومون هم الأشخاص الذين لا سبيل لهم إلى شيء ولا طريق لهم إلى مكان. الهدف هو أن يأمن مستضعفو المجتمع والأشخاص الضعفاء- في كلّ المستويات وكلّ الأماكن-: الأمن من ناحية الكرامة، والأمن الماليّ، والأمن 
 
 
 
 

1- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 34، ص 110.
2- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 97، ص 79.
3- المصدر نفسه.
4- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم الحرام 23/1/78 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

126

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 القضائيّ، وهي أمور غير موجودة اليوم في العالم. أمّا الإمام الحسين عليه السلام فقد أراد النقطة المقابلة تماماً، لهذه الأمور التي كانت رائجة في زمن سلطة الطواغيت. عندما تنظرون اليوم إلى الدنيا ستجدون الحال نفسه أيضاً، فقد بدّلوا ألوية الدّين، أصبح عباد الله أكثر مظلوميّة وقد غرز الظالمون أظافرهم أكثر فأكثر في دماء المظلومين.

 
إنّ الاهتمام بالمظلومين والعمل بالفرائض والأحكام والسنن الإلهيّة هما هدف كلّ ثورة، وهدف كلّ نهضة وسلطة إسلاميّة، لا بل هدف حاكميّة دين الله"1.
 
رابعاً: إقامة الحقّ والعدل بوساطة حاكميّة الدّين
الإمام القائد: "كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام لأجل إقامة الحقّ والعدل، "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر..."2 ونقرأ في زيارة الأربعين- وهي من أفضل الزيارات-: "ومَنَحَ النصح وبذَلَ مهجته فيك ليستنقذَ عبادك من الجهالة وحَيْرَة الضلالة"، ثمّ إنّ الإمام عليه السلام يذكر أثناء المسير حديثاً معروفاً يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من رأى سلطاناً جائراً، مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل كان حقيقاً على الله أن يدخله مدخله"3.... الهدف متابعة طريق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأنبياء الآخرين حيث نقرأ: "..يا وارث آدم صفوة الله،..يا وارث نوح نبيّ الله..."4، ومن الواضح لماذا جاء الأنبياء: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾5. إقامة القسط والحقّ وإيجاد الحكومة والنظام الإسلاميّين"6.
 
 
 


1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم الحرام 23/1/78 هـ. ش.
2- المجلسيّ، بحار الأنوار،ج 44، ص 329.
3- بحار الأنوار، ج 44، ص 381.
4- زيارة وارث، من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 604، ومفاتيح الجنان، ص 701.
5- سورة الحديد/ 25.
6- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة ووعّاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
138

127

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 الإمام القائد: "يجب اليوم بالإضافة إلى الحديث حول مسائل الإسلام العقائديّة وترسيخ الإعتقاد بالإسلام في الأذهان، يجب ترسيخ الاعتقاد بحاكميّة الإسلام، وهذا أمر واضح، هذا أمر كان يتوق إليه مسلمو العالم طوال قرون متمادية بالأخصّ المفكّرين الكبار في القرن الأخير- بدءاً من السيّد جمال الدّين الأسد آباديّ1 إلى إقبال اللاهوريّ2، إلى عظماء الفكر والمعرفة، إلى العلماء الكبار داخل بلدنا- حيث أرادوا حاكميّة دين الله، وفي ذلك استمرار لنهج الأنبياء. واليوم تحاول أيدي وألسن وكتابات وإعلام الأعداء إيجاد ما يؤدّي إلى خلل فيه فيطرحون الأسئلة، فينبغي أن يصبح ذلك الأمر محكماً في الأذهان، يجب أن يدركوا بأنّ حاكميّة الإسلام، تعني حاكميّة العدل والعلم والإنصاف على البشر. إنّها حاكميّة يمكنها إعمار جسم الإنسان وقلبه وعواطفه وحياته الحقيقيّة والمعنويّة، وكذلك دنياه وآخرته. هذا هو معنى حاكميّة الدّين.

 
وحاكميّة الدّين، تقابل حاكميّة الطاغوت حيث: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾3، حاكميّة الطاغوت، تعني حاكميّة الفساد وضياع الدّين والدنيا، وقد شاهدنا ذلك في بلادنا، والذين أدركوا تلك المرحلة قد لاحظوا أيضاً ذلك وشعروا به. أمّا حاكميّة الله، فهي ضمانة نجاة وسعادة البشر، حاكميّة دين الله تعني تلبية الحاجات الأساسيّة للبشر. إنّ كلّ ما يحتاجه الإنسان يمكن الحصول عليه في ظلّ حاكميّة دين الله، سواء كانت الحاجات معنويّة أو ماديّة، فرديّة أو إجتماعيّة، دنيويّة أو أخرويّة.
 
يجب توضيح هذه الأمور للناس بالأخصّ الشباب، صحيح أنّ شعبنا بحمد الله، معتقد بشكل عميق بهذه المسألة، وقد قبلها ويدافع عنها بكلّ وجوده، وقد قدّم هذا 
 
 
 
 

1- ولد السيّد جمال الدّين الأسد آبادي الأفغانيّ في العام 1838، وتوفي في 1897. أحد أبرز علماء الدّين الذين لمع نجمهم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان من وجوه النهضة المصريّة وأحد دعاة التجديد الإسلاميّ.
2- محمّد إقبال اللاهوريّ الشاعر والفيلسوف، ولد في بلدة سيالكوت بإقليم البنجاب 1873، يعدّ أوّل من نادى بضرورة انفصال المسلمين في الهند عن الهندوس، وتأسيس دولة خاصّة بهم، دعا إلى تجديد الفكر الدينيّ وفتح باب الإجتهاد، وتقدير الذات الإنسانيّة ومحاربة التصوّف السلبيّ الإتكاليّ، توفي عام 1938.
3- سورة البقرة الآية 205.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
139

128

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 الشعب دماءه طيلة ثماني سنوات الحرب المفروضة لأجل حاكميّة دين الله، وهو اليوم مستعدّ لذلك، إلّا أنّه لا ينبغي الغفلة عن مؤامرات الأعداء، لا ينبغي الغفلة عن مساعي الأعداء، فهم يعملون ليحصلوا على شيء ولو على المدى البعيد"1.

 
د- توضيح الفكر السياسيّ الإسلاميّ
الإمام القائد: "إنّ وصيّتي لكم، أيّها الأعزّاء، أن لا يحسبنّ أحد أنّه بالإمكان الحديث عن الإسلام مع الغفلة عن حاكميّته التي تجسّدت اليوم في بلادنا هذه"2.
 
الإمام القائد: "تشير الروايات المتعلّقة بحياة الأئمّة عليهم السلام والشواهد المتعدّدة حول ذلك أنّ الأئمّة عليهم السلام أرادوا وبشكل جادّ تحقيق النظام الإسلاميّ، وهذا العمل لا يتنافى كما قد يتصوّر البعض مع علم ومعرفة الإمام، فهم أرادوا، واقعاً، تطبيق النظام الإلهيّ"3.
 
الإمام القائد: "... المسألة الأولى، إيجاد هدف سياسيّ يمكنه توجيه جهود ونشاطات الشباب، فبدون الهدف لا يمكن ممارسة الحياة بشكل صحيح، ولا يمكن ضبط جهود الإنسان. فينبغي وجود هدف وخطّ وأفق واضح يوجّه الإنسان"4.
 
الإمام القائد: "لقد أبطل إمامنا العظيم كافّة المحاولات الفكريّة والسياسيّة لأعداء الإسلام، طوال قرن ونصف، من خلال إيجاد المذهب السياسيّ في الإسلام، وقد عمل الأعداء على حذف الإسلام، بالكامل، من حياة المجتمع، وأظهروا، من خلال الترويج لفكرة الفصل بين الدّين والسياسة، أنّ التديّن عبارة عن العبادات والأعمال الشخصيّة، ويؤدّي حذف الإسلام من الساحة السياسيّة الدوليّة إلى تعرّض الدول الإسلاميّة للنهب والوقوع تحت السيطرة السياسيّة والعسكريّة للأعداء. إنّ تقديم وتعليم وتبليغ النهج السياسيّ للإسلام يجعل
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة ووعّاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
4- من كلام له في لقاء طلّاب وأساتذة جامعات محافظة كرمان 19/2/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

129

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

  للشعوب دورها في تدبير شؤون الحياة العامّة والحكومة، كما أنّ للهداية الإلهيّة والأحكام القرآنيّة دورها الخاصّ في ذلك. ذلك النهج هو الذي يعطي للقيم مثل الإيمان والجهاد والإرادة والتدبير، مكانتها، وهو الذي يحدّد الجهة المنطقيّة لكلّ المواجهات الواسعة، ومن جهة أخرى نرى الموقع القياديّ العامّ للإمام قدس سره حيث كان كالشمس الساطعة، ينير بحكمته الفذّة وشجاعته ساحات النضال التي انهال فيها الناس كالسيل العظيم نحو ميادين الثورة الإسلاميّة..."1.

 
الإمام القائد: "إنّ المذهب السياسيّ الذي طرحه الإمام وجاهد في سبيله وأضفى عليه الواقعيّة والتجسّم، هو في الحقيقة كلام جديد وطريق جديد للعالم والبشريّة، يمتلك هذا المذهب كلّ ما تحتاج إليه البشريّة وتتعطّش له، ولذا فإنّه لن يبلى أبداً"2.
 
الإمام القائد: "لقد هبّ نسيم الصحوة الإسلاميّة في جميع أرجاء العالم الإسلاميّ، ومع وجود الإسلام في ساحة العمل، تحوّل إلى مطلب جدّيٌ، واحتلّت نظريّة "الإسلام السياسيّ" موقعاً رفيعاً في أذهان النخبة، ففتحت أمامهم أفقاً واضحاً يمدّهم بالأمل"3.
 
الإمام القائد: "... أنتم تريدون، في مثل هذه الظروف، تعريف العالم بنظريّة الإسلام السياسيّة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة - أي الحكومة الدينيّة الشعبيّة-، المقصود من الجمهوريّة، حكومة الناس، والمقصود من الإسلام، الدّين، يظنّ البعض أنّنا عندما نتحدّث حول الحكومة الدينيّة الشعبيّة، فنحن نتحدّث حول أمور جديدة، لا! فالجمهوريّة الإسلاميّة تعني حكومة الشعب الدينيّة، أمّا حقيقة حكومة الشعب الدينيّة فهي أن يُدار النظام من خلال الهداية الإلهيّة وإرادة
 
 
 

1- في رسالة لشعب إيران بمناسبة الذكرى السنويّة العشرين لانتصار الثورة الإسلاميّة 21/11/77 هـ. ش.
2- من كلام له بمناسبة الذكرى السنويّة الخامسة عشرة لرحيل الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه) 14/3/83 هـ. ش.
3- من رسالة له إلى مؤتمر الحجّ 8/11/82 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
141

130

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 الشعب، وأمّا مشكلة الأنظمة الحاليّة في العالم فهي أنّها إمّا أن لا تمتلك الهداية الإلهيّة- كالديموقراطيّة الغربيّة التي هي عبارة عن إرادة الشعب في الظاهر، وهي لا تمتلك الهداية الإلهيّة- وإمّا أن تمتلك الهداية الإلهيّة أو تدّعيها، لكنّها تفتقد الإرادة الشعبيّة، أو أنّها لا تمتلك أيّاً من الأمرين، وهذا حال الكثير من الدول، فلا الشعب يتدخّل في شؤون البلد- لا بل الشعب يفتقد الإرادة والرأي- ولا الهداية الإلهيّة موجودة. بينما الجمهوريّة الإسلاميّة هي المكان الذي تتّحد فيه الهداية الإلهيّة وإرادة الناس بهدف بناء النظام، ولا يرد أيّ إشكال على هذه النظريّة في الأبحاث الجامعيّة والمحافل العلميّة. أمّا إذا أردتم إثبات حقّانيّة هذه النظريّة للناس، فعليكم إثباتها بالعمل، وهنا ينبغي أن يبرز النشاط الأساسيّ لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة.

 
أعزّائي! اعلموا أنّ الأعداء يسعون بكلّ قواهم كي لا يحصل هذا العمل، أي أن لا يصبح نموذجاً للدول الأخرى، ولا تنتشر نظريّة الإسلام السياسيّة"1.
 
هـ- توضيح العلاقة بين الثورة الحسينيّة وثورة الإمام الخمينيّ قدس سره
الإمام القائد: "وهذا بحدّ ذاته فصل عريض يقبل التعمّق، أي فهم التأثير الذي تركته ثورة عاشوراء وجهاد سيّد الشهداء في ثورتنا، وعندما يتعمّق الإنسان في هذه المسألة، فيُصاب بالدهشة من عظمة تأثير تلك الحادثة، ويبدأ التفكير، كيف يمكن للمحرومين من ذلك ملأ هذا الفراغ؟"2.
 
أوّلاً: جذور الثورة الإسلاميّة في ثورة عاشوراء
الإمام الخمينيّ: "يجب أن يلتفت جميع الخطباء، وجميعنا يجب علينا الالتفات إلى هذا المعنى، وهو أنّه لو لم تكن ثورة سيّد الشهداء عليه السلام، لما كان بإمكاننا اليوم أن ننتصر"3.
 
 
 
 

1- من كلام له في أهالي مدن كاشان وآران وبيدگل 20/8/80 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
3- من كلام له في جمع من خطباء الدّين وعلماء قم وطهران 25/7/61 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

131

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 الإمام القائد: "هذه الحادثة هي الداعم الأساسيّ للثورة اليوم، إذا قيل لنا اليوم إلى أين تعود جذور الثورة التي قمتم بها؟ نقول: تعود جذورها إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام، من هو الإمام الحسين عليه السلام؟ إنّه الشخص الذي أوجد هذه الحادثة ونُقلت عنه في التاريخ. وعليه فهذه الحادثة (عاشوراء) هي الداعم لثورتنا"1.

 
الإمام القائد: "إنّ حادثة الحسين بن عليّ عليه السلام هي في الواقع الدافع لحركة القرون الإسلاميّة في اتجاه الفكر الإسلاميّ الصحيح، إنّ كلّ حرّ وكلّ مجاهد في سبيل الله وكلّ شخص يرغب دخول ساحة التضحية، فإنّه يستلهم من تلك الحادثة ويجعلها الداعم الروحيّ والمعنويّ لحركته، وقد ظهر هذا الأمر في ثورتنا بشكل بيّن وواضح، وليس معلوماً كيف كنا سنخوض هذه المعركة لو لم تكن تلك الحادثة"2.
 
الإمام القائد: "لقد راج طوال قرون وفي هذه القرون الأخيرة في بلدنا، هذا النوع من الفكر والرؤى المتعلّقة بالدّين وبمناسبة ذكر اسم الحسين بن عليّ عليه السلام، ممّا ساهم في حفظ دين الناس، فوجدت هذه القناة الواسعة في الثورة وامتدّ هذا الفكر لينتشر في جميع الأرجاء بوساطة تلك القناة التي اتّصلت بها ثورتنا، أي حادثة عاشوراء، فدخل الناس الساحة، فلو قارنّا بين بلدنا والدول الإسلاميّة الأخرى في هذا الخصوص، فستجدون الفارق عندما لا تجدون اسم الإمام الحسين في بعض الأماكن، فهذه واحدة من الخصائص التي امتاز بها مجتمعنا"3.

الإمام القائد: "هذه الثورة هي آخر البركات العظيمة لحادثة كربلاء؛ فلو لم 
 
 
 

1- من كلام له في جمع من العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة ووعّاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
3- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
143

132

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 تكن حادثة عاشوراء ولم تكن أسوة لنا، لما انتصرت هذه الثورة، وعندما يتحدّث إمامنا العظيم في محرّم العام 1357 عن انتصار الدم على السيف، فقد تلقّى هذا الدرس وهذا الخطّ من محرّم، وهكذا سيكون الوضع إذا نظرتم إلى الحرب"1.

 
الإمام القائد: "هذه آثار عاشورائيّة استمرّت عبر التاريخ كلّه، وأمّا ما حدث في زماننا فكان أعظم من كلّ ذلك، حيث وصل الحقّ إلى كرسيّ الحكم في عصر سيطر فيه الظلم والكفر والإلحاد على العالم، وفي زمان تُعتبر فيه العدالة منافية للقانون، وأصبح الظلم هو القانون الذي تُعطى له الشرعيّة في قرارات الأمم المتّحدة، إنّ ما ترونه من استبداد القوى الكبرى وسعيها لفرض نظام جديد على العالم، هو نفسه تسلّط الظلم على أرجاء المعمورة، وأعني بذلك ما يجري من جور وانتهاك للحقوق في كلّ مكان باسم القانون، كقانون الدفاع عن حقوق الإنسان وعن القيم الإنسانيّة، وإنّه لمن أسوأ أنواع تسلّط الظلم أن يُرتكب الظلم باسم العدل والباطل باسم الحقّ.
 
فجأة وفي مثل هذه الظروف انشقّ ستار الظلمة وبانت شمس الحقيقة، فاعتلى الحقّ كرسيّ الحكم، وطرح الإسلام نفسه في الميدان بعد أن كانت الأيادي تسعى دائماً لفرض العزلة عليه، وشاهد العالم كلُّه الإسلامَ الأصيل على شكل حكومة إسلاميّة"2.
 
الإمام القائد: "استفاد إمامنا العظيم في محرّم عام 42 من هذا الأسلوب فحصلت حادثة 15 خرداد العظيمة، وفي محرّم 57 أيضاً استلهم إمامنا العظيم من هذه الحادثة وقال: "انتصر الدم على السيف" فتحقّقت تلك الحادثة التاريخيّة المنقطعة النظير أي الثورة الإسلاميّة، هذا ما حصل في زماننا، وشاهدناه أمام أعيننا، ولكن هذا اللواء كان على امتداد التاريخ وبالنسبة إلى كلّ الشعوب لواء
 
 
 
 
 

1- في كلام له في جمع العلماء والطلّاب على أعتاب شهر محرّم 26/3/72 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم 3/3/74 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
144

133

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

  فتح وظفر، وهكذا يجب أن يكون في المستقبل وسيكون كذلك"1.

 
ثانياً: معرفة العدوّ والتعرّف على وجود أعداء الثورة
الإمام القائد: "... ينبغي التذكير بهذه المسألة أيضاً في هذه المجالس والمحافل، مع أنّنا اليوم - بحمد الله - في موقف قويّ من الناحية السياسيّة حيث وضعنا العدوّ - أي الإستكبا ر- في موقف انفعاليّ، إلّا أنّ هذا لا يعني انتهاء مكر وكيد الأعداء، ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾2، طبعاً على أساس: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى﴾3، فإنّ جبهة الحقّ لا تستسلم أبداً للعدوّ، ومع ذلك يجب معرفة طبيعة العدوّ، ولا ينبغي أن نغفل عنه لحظةً واحدةً، وهذا ممّا يجب أن نبيّنه للناس.... تابع الإستكبار العالميّ في هذه المدّة تهديداته الصريحة وغير الصريحة والمباشرة وغير المباشرة للثورة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة، إلّا أنّ أمّتنا لم ترضخ لتهديدات الأعداء مطلقاً، ولم تتأثّر بها لأنّها تعتبر نفسها تابعةً لإرادة الله تعالى ومرتبطة به، وأمّا المصداق السياسيّ والإجتماعيّ لذلك في زماننا الحاضر فهو نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وشعب إيران المسلم، وعلى هذا الأساس فنحن لا نخشى تهديدات الأعداء ولا نخاف أيّ عدوّ وأيّ قوّة أخرى في العالم.
 
لقد أثبت أعداؤنا عمليّاً أنّهم عاجزون عن توجيه ضربة حقيقة وجدّيّة لنا؛ لأنّهم طيلة السنوات العشر الماضية عملوا كلّ ما باستطاعتهم، وبقينا نحن أقوى من الماضي وأصلب وأكثر أملاً. المستقبل اليوم واضح لنا أكثر من أيّ وقت مضى، نحن لا نخاف من العدوّ وهو غير قادر على ضربنا، وكلّ ذلك مشروط بالحفاظ على يقظتنا وحضور الشعب في الساحة، لا ينبغي أن يشعر الناس بأنّ الأمور قد
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 5/11/84 هـ. ش.
2- سورة البقرة الآية 120.
3- سورة البقرة الآية 120.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
145

134

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

  انتهت والحمد لله، وليذهب كلّ شخص نحو عمله الخاصّ، كلّا، فلا ينبغي تخلية الساحة"1.

 
ثالثاً: ارتباط ثقافة التعبئة والشهادة بعاشوراء
الإمام القائد: "لا ينبغي أن ينسى السادة المبلّغون، والوعّاظ، والخطباء والقرّاء والمدّاحون، أنّ زماننا يمتلك نموذجاً كاملاً عن حوادث عاشوراء، هو هؤلاء التعبويّون من الشباب والناشئة، بعض منهم قد استشهد، وبعض آخر ما زال ينتظر وهو حيّ يرزق، إلّا أنّ عدم حصول الشهادة لهم لا يعني هروبهم منها، بل هم قد توجّهوا إليها، إلّا أنّها لم تأتِ إليهم. لا ينبغي أن ننسى العلاقة والاتصال القويّ بين حادثة عاشوراء ومحرّم وبين شهدائنا، ومن تبقّى من التعبويّين الموجودين بكثرة- والحمد لله- في مجتمعنا بدءاً من الشيخ الكبير إلى الشابّ الصغير"2.
 
الإمام القائد: "أيّها العلماء المحترمون والمبلّغون الأعزّاء، ينبغي في هذا الشهر العظيم (محرّم) توضيح مختلف أبعاد القضيّة للناس وإفهامهم بأنّ الدنيا والآخرة تتحقّقان في ظلّ الدّين، وأنّ الإرتباط بالإمام الحسين عليه السلام وإدراك معنى ومفهوم الشهادة يساعدان في الأمور الماديّة والمعنويّة للإنسان. فلو أنّ أمّة أدركت معنى الشهادة، وعرفت كيف يمكنها التقدّم والتضحية في سبيل الأهداف، عند ذلك يمكنها العيش حرّةً مستقلّةً وبدون اضطراب، حيث يكون الموت مانعاً أمام ذلك الإنسان. وإذا كان الأمر على غير ذلك النحو، فسيعمل العدوّ على إخضاع تلك الأمّة بتهديدها بالموت، فتصبح كغيرها من الأمم والبلدان التي تظهر جبناً وضعفاً أمام الأعداء"3.
 
الإمام القائد: "إنّ فرصة التبليغ في شهر محرّم الحرام هي مناسبة كبيرة 
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة ووعّاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء والطلّاب على أعتاب شهر محرّم 26/3/72 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 26/2/75 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

135

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 واستثنائيّة ببركة دماء سيّد الشهداء والأحرار الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام وأصحابه النجباء. أمّا آثار تلك الدماء التي أُريقت ظلماً وعدواناً، فهي خالدة في التاريخ؛ لأنّ الشهيد الذي قدّم روحه على طبق الإخلاص فداءً لأهداف الدّين العالية، يتحلّى بالصدق والصفاء، أمّا الإنسان المخادع والمغرور فحتّى لو تمكّن من إظهار وقوفه إلى جانب الحقّ بلسانه وبيانه، إلّا أنّه عندما تصل القضيّة إلى روحه وأرواح أعزّائه، يتراجع ولا يبقى على استعداد للتضحية، وأمّا الذي يخطو ويتقدّم نحو ساحة الفداء ويقدّم وجوده مخلصاً في سبيل الله، حقّ على الله أن يبقيه حيّاً، ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ﴾1، ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا﴾2، فالذين يُقتلون في سبيل الله هم أحياء، وأحد أبعاد حياتهم هو عدم خفوت آثارهم وموقع ثباتهم ولوائهم، قد تصبح هذه العلائم باهتة بعض الأوقات لوجود القهر والعنف وتدخّل القوى الكاذبة والمفترية، إلّا أنّ الله تعالى هو الذي جعل فيهم هذه السنّة وهذا القانون، وسنّة الله تعالى تقتضي بقاء طريق الأطهار والصالحين والمخلصين، إنّ الإخلاص أمر عظيم، ولذلك بقي الدّين في العالم ببركة الحسين بن عليّ عليه السلام ودمائه التي أُريقت بغير الحقّ، وسيبقى الحال هكذا دائماً"3.

 
رابعاً: التذكير بنعمة الثورة
الإمام القائد: "من جملة الأمور التي ينبغي عليكم التحدّث بها مع الناس- وبالأخصّ الشباب- هي النعمة الكبيرة التي أعطاها الله تعالى لنا بوساطة القائد العظيم الشأن والقدر والمنقطع النظير، وبوساطة حركة شعب إيران العظيم، إنّ شبابنا اليوم، لم يطّلعوا على ما كانت عليه الأمور قبل الثورة، ولا يعرفون كيف
 
 
 
 

1- سورة البقرة الآية 154.
2- سورة آل عمران الآية 169.
3- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 23/1/78 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
147

136

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

  كانت الأوضاع في هذه المملكة ولا الذلّ الذي كان يعانيه شعب إيران! فخلال الخمسين السنة الأخيرة كان يحكم إيران شخصان- الأب والإبن- وكلاهما جاء بهما الأجنبيّ إلى السلطة، لقد وجد الإنجليز رضا خان بين أفواج "القزّاق"...أعطوه السلاح وأوصلوه إلى السلطة ثمّ نفّذوا مآربهم بوساطته، فوصلوا من خلاله إلى كلّ ما أرادوا فعله في إيران. وبوساطته وجّهوا الضربات إلى الأماكن التي أرادوها مثل الدّين والعلماء والتقاليد القديمة والقوميّة، لأنّه كان إنساناً جريئاً ملطّخ السمعة، كان مفيداً لهم. لقد كان الإنجليز يفتّشون، خلال مدّة من الزمن (قبل زمان المشروطة) على وسيلةٍ ينفذون منها إلى هذا البلد، ولكن لم يتمكّنوا من ذلك. وكان العلماء في الغالب يمنعون نفوذهم، أدركوا أنّ هذا الشخص لا يتوانى عن التعامل بصلافة مع العلماء، لذلك أوصلوه إلى السلطة، فنفّذوا كلّ ما أرادوا من خلاله، ثمّ عندما وجدوه يميل إلى جهة أخرى من الناحية السياسيّة، خلعوه وجاءوا بابنه مكانه.


لا يوجد عار لشعبٍ - ولا لشعب إيران - أكبر من أن تقوم دولة بريطانيا بوساطة سفارتها بتعيين الحكّام والقادة والسياسيّين والمدراء في البلد. أيّ عار أكبر من هذا للشعوب! اقرأوا المذكّرات التي كتبها موظّفو العهد البهلويّ! بعد أن خلعوا رضا خان عام 1320 كان ابنه محمّد رضا ولعدّة أيّام لا يدرك إن كان سيصبح الملك أم لا! عند ذلك أرسل شخصاً إلى السفارة البريطانيّة، التي أعطت الموافقة على ذلك بشرط أن يتخلّى عن بعض الأمور، وأن ينفّذ بعض الأمور الأخرى، ومع ذلك فقد سُرّ محمّد رضا بتلك السلطنة، هذه هي حقائق هذا البلد.

لقد تولّت السلطة في إيران ولمدّة خمسين عاماً حكومة ديكتاتوريّة سلطويّة، طاغوتيّة، فاسدة، وكلّ ذلك من خلال شخصين أتى بهما الأجنبيّ، ولم يكن للناس أيّ دور في ذلك. وهكذا كانت حكومة القاجار والسلاطين أيضاً قبل تلك الحقبة،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
148

137

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 اقرأوا سيرة هؤلاء السلاطين! لم يكن للناس أيّ دور، لا بل لم يكن للناس ذكر عندهم على الإطلاق. كان عمّال الدولة من الصدر الأعظم إلى أصغر موظّف عميل لهم، كانوا يقولون لهم صراحة: أنتم كذا وكذا بين عملائنا! هكذا حكومات كانت تسيطر على هذا البلد!.

 
هذه هي المرّة الأولى طوال قرون متمادية تأتي حكومات ويكون معيار المسؤولين فيها، العلم والتقوى والعدالة ومحبّة الناس وانتخاب الناس، وهذا ببركة الثورة، هم مع الناس، لأجل الناس ومن الناس. ليسوا من الذين يسيئون استخدام المناصب، ولا من السارقين ولا يرتبطون بالعدوّ، هذه حقائق لم يكن لها سابقة طوال قرونٍ من تاريخ إيران، وهذا ما أعطاه الإسلام والثورة لهذا الشعب، ينبغي توضيح هذه الأمور لجيل الشباب، ليدركوا كيف كانت إيران وكيف أصبحت! وأين كانت وإلى أين وصلت! واليوم ما زالت مخلّفات تلك الأنظمة الفاسدة والتابعة والذليلة، تفكر بأولئك الأرباب الذين كانوا يفرّقون عليهم الأموال في ذلك الزمان! واليوم أيضاً يقدّمون لهم المال والوسيلة الإعلاميّة، ويجرون معهم المقابلات، ويؤسّسون الإذاعات والصحف، ثمّ يعملون بكلّ هذه الوسائل على ذكر مشكلةٍ ما في نقطةٍ من نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الواسعة الأقطار والممتدّة طولاً وعرضاً، ثمّ يعملون على تكبيرها ثمّ يبثّونها من إذاعاتهم! ينبغي أن يعرف شبابنا هذه الأمور! لأنّ هذه الأمور مهمّة، واليوم ينبغي أن يتضمّن تبليغ الدّين وتبيين الحقائق هذه القضايا أيضاً"1.
 
و- التوصية بوحدة الكلمة
الإمام القائد: "... المسألة الأخرى التي ينبغي الاهتمام بها في هذه المجالس، مسألة وحدة كلمة آحاد الشعب... فبعد أن منّ الله تعالى علينا بهذه النعمة، يجب
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
149

138

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 علينا حفظها. أوّلاً، في الجلسات التي تقام ينبغي عدم ذكر الخطباء أي كلام أو إشارة أو حركة تدلّ على الإختلاف، لا يوجد أيّ مسوّغ لذكر شيء في أيّة جلسة يؤدّي إلى إيجاد اختلاف بين مجموعتين من الناس، لا ينبغي أن يصدر أيّ كلام من علماء الدّين يؤدّي إلى وجود شرخ في وحدة الكلمة بين الناس، وبالأخصّ في المسائل السياسيّة والدينيّة، وفي الأمور ذات العلاقة بالدولة والعلماء والمرجعيّة والقيادة، والأمور الأخرى التي تؤدّي إلى وقوع الإختلاف بين الناس، بل على العكس من ذلك، ينبغي أن يسعى المتحدّثون باسم الدّين إلى إيجاد فضاء يتّسم بالمحبّة والتعاون بين المسؤولين وبين الناس، ويوحي بوحدة الكلمة"1

 
الإمام القائد: "من جملة الأمور الهامّةالتي ينبغي توجيه الناس إليها في الجلسات التبليغيّة، مسألة الوحدة والإتفاق واتحاد الشعب. أعزّائي، عندما ننظر اليوم إلى الأمواج الإعلاميّة للأعداء، وما يروّج له بعض الأشخاص الغافلين أو المغرضين الفاسدين، سنجد أنّهم يروّجون لخطّ الإختلاف، خطّ إيجاد التشنّج والإشتباك بين آحاد الناس وتكبير الأمور الصغيرة، احذروا من عرض المسائل الخلافيّة أو تضخيم تلك المسائل من على المنابر التي ينبغي أن تكون مكاناً لتبليغ الدّين والأخلاق. لقد سعى الأعداء- ليس في أيّامنا هذه فقط، بل منذ انطلاقة الثورة- لتعظيم الخلافات الصغيرة، وهكذا كان الأمر قبل الحرب وحتّى في مرحلة الحرب في زمن الإمام الخمينيّ العظيم، كانوا يعمدون بوسائلهم الإعلاميّة والنفسيّة إلى تكبير الأمور الخلافيّة الصغيرة ويتّخذون منها سنداً ودليلاً على وجود شرخ وشقاق في البلاد، ممّا يشعر المستمع بأنّ البلد تسيطر عليه حالة من الغوغاء والإختناق، مع العلم أنّ أموراً كهذه لم تكن موجودة في الواقع، وهي الآن غير موجودة أيضاً"2.
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة ووعاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء على أعتاب شهر محرّم 2/2/77 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
150

139

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

 

 

 

 

 

 

151


140

الفصل السادس: ضرورة وضع ضوابط مناسبة لتنظيم المنبر

 الفصل السادس: ضرورة وضع ضوابط مناسبة لتنظيم المنبر

الإمام القائد: "أعتقد أنّنا اليوم أمام وظيفة جديدة في مسألة المنبر، حيث يلزم وجود نظام وقاعدة وضابطة"1.
 
الإمام القائد: "اليوم هناك ضوابط في العديد من المجالات، ولحسن الحظّ فإنّ الحوزة العلميّة اليوم وعلى رأسها الحوزة العلميّة المباركة في قمّ تتحرّك نحو التنظيم وترتيب المراحل والمراتب، وهذه حركة مباركة، حركة مباركة حتّى لو أنّها بدأت متأخّرة، إلّا أنّها بدأت، ونحن أيضاً، في هذا المجال الذي نحن بصدده، يجب القيام بذلك. طبعاً هو عمل صعب، يحتاج إلى فكر وجهد ومتابعة، إلّا أنّه ينبغي تحقيقه، إنّ ذلك الجيل الذي يرغب بالاستفادة من خطابنا الدينيّ، لن يسامحنا إذا لم نبادر إلى إصلاحه"2.
 
الأمر الأوّل - المسؤولون عن التنظيم
الإمام القائد: "إنّ ترتيب هذه القاعدة والضابطة ينبغي أن يتمّ من خلال
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
152

141

الفصل السادس: ضرورة وضع ضوابط مناسبة لتنظيم المنبر

  مؤسّسي هذا الفنّ، وخبراء هذا المجال، الذين أمضوا سنوات طويلة في هذا الطريق، وأدركوا جوانبه المختلفة، ويضاف إليهم الفضلاء والعارفون بظروف الزمان"1.

 
الأمر الثاني - الأهداف المطلوبة من تنظيم المنبر
الإمام القائد: "في المئة السنة الأخيرة تقريباً، كتب المرحوم الميرزا حسين النوريّ كتاباً بعنوان "اللؤلؤ والمرجان" في شرائط أهل المنبر والعزاء، في تلك المرحلة نهض هذا المحدّث العالم الواعي، وبدأ التفكير بأنّ لكلّ من الدرجة الأولى والثانية في المنبر شروطاً، ولا يمكن الدخول إلى هذا المجال من دون شروط، لعلّه في تلك الأيّام كان قارئ المراثي في الدرجة الأولى، والوعّاظ في الدرجة الثانية.
 
كان ذلك العظيم يكتب في تلك المرحلة في حدود رؤية ذلك الزمان، أمّا اليوم فأنتم تشاهدون مساحات أوسع ويمكنكم العمل: من هو الشخص الذي يعتلي المنبر بشكل عشوائيّ، ثمّ يقبله المجتمع المراقب لهذا العمل؟ ينبغي ضبط موضوع الخطاب، ماذا سيقول؟ وأين ومتى يتحدّث بذلك؟ هذا لا يعني بالطبع كتابة وصفة وإعطاءها لهذا وذاك، طبعاً هذا هو المعمول به في الدول الإسلاميّة الأخرى، حيث يقوم موظّفو الدولة بكتابة شيء وتسليمه لإمام الجمعة مثلاً ثمّ يقولون له اقرأ هذا. لا، فإنّ من الأمور الضروريّة التفكير، والمطالعة، والدراسة والاستفادة من أساتذة الفنّ وأصحاب الماضي العريق، وينبغي أن يحصل هذا الأمر طبق معايير، وطبق التحدّث بما هو مناسب وقراءة الصحيح بهدف إصلاح القراءة والخطابة"2.
 
الإمام القائد: "ينبغي عدم التحدّث بالمضمون الضعيف والموهون، ينبغي أن لا
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
153

142

الفصل السادس: ضرورة وضع ضوابط مناسبة لتنظيم المنبر

  تحتلّ المعارف العديمة الفائدة أو القليلة الفائدة مكان المعارف المفيدة، وينبغي الالتفات إلى مقتضيات الزمان وحاجات الناس من المعارف الدينيّة. وبما أنّ حادثة عاشوراء هي أمّ المعارف في باب الجهاد والنضال في سبيل الله، وهي تشكّل السند الأساس لثورتنا، فينبغي أن تبيَّن بشكل مشذَّب، وأن تظهر فيها الحقائق وبالتالي حذف الإضافات التي تُسمع وتُطلق من بعض الألسن، أو تكتبها بعض الأقلام من هنا وهناك... إنّ قضيّة عاشوراء ليست مسألة عاديّة بسيطة، لذا لا يمكن خلط تلك القضيّة العظيمة، بالخرافات، ثمّ انتظار التأثير المطلوب منها. اليوم، هو الوقت المناسب للقيام بهذه الأعمال"1.

 
- تحديث الأساليب في تقديم المعارف
الإمام القائد: "العالم اليوم يتقدّم ساعة بساعة في أهمّ المسائل والعلوم التي تحتاج إليها البشريّة، وفي الحقيقة فإنّ الكثير من العلوم التي يجري فيها تبادل الآراء، إذا قرأتم اليوم نظريّة ما، فلا يمكنكم بعد شهر من الزمن الاعتماد عليها باعتبارها النظريّة النهائيّة، فالأساليب تتبدّل بشكل دائم، والنظريّات تتجدّد بشكل مستمرّ.
 
نحن كيف نريد اليوم أن نحدّث الناس عن الحقائق بالأسلوب الذي كان معتمداً في مخاطبتهم قبل خمسين أو مئة عام؟ اليوم يختلف حتّى عن مرحلة ما قبل الثورة، المنبر الذي كان مفيداً ومؤثّراً قبل الثورة- في الأعوام 55 و56و57- قد لا يكون مفيداً ومؤثّراً اليوم في جميع الأماكن. طبعاً هناك بعض المعارف التي تمتلك مستمعين في كلّ زمان وفي ظلّ أيّ ظرف، إلّا أنّ هذا الأمر ليس عامّاً، هذه هي المسألة الأساسيّة التي أردت الحديث عنها في قضايا المنبر وأهل المنبر، وخلاصتُها: ضرورة تحديث وتطوير هذا الفنّ من ناحية المضمون والقالب والأساليب والمناهج"2.
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء العلماء والمبلّغين على أعتاب شهر محرّم 20/4/70 هـ. ش.
2 المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
154

143

الفصل السادس: ضرورة وضع ضوابط مناسبة لتنظيم المنبر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

155


144

القسم الثالث: مكانة المديح والإنشاد في مجالس ذكر وعزاء أهل البيت عليهم السلام

 الإمام القائد: "اعلموا أنّ المدح والثناء على الأئمّة عليهم السلام هو في الحقيقة ثناء على الخير والمعنويّات والجهاد، هو ثناء على شمس الإمامة والولاية، شمس الحقيقة التي عملوا على حجبها، إلّا أنّ هذه الألسن الناطقة لم تسمح لهم بذلك. ليس الشعراء والمدّاحون وحدهم الذين لم يسمحوا لهم بذلك، بل كلّ الأشخاص الذين عملوا في سبيل المعرفة الدينيّة وجميع القلوب المليئة بمحبّة أهل البيت عليهم السلام خلال ثلاثة عشر أو أربعة عشر قرناً، هؤلاء لم يسمحوا بحجب هذه الشمس، وكانت الغيوم تزاح كلّ يومٍ من أمام تلك الشمس، حتّى وصلنا إلى يومنا هذا، ينبغي أن يستمرّ هذا العمل لتظهر حقائق أهل البيت عليهم السلام أكثر"1.

 
الروايات:
عن أبي هارون المكفوف قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا هارون، أنشدني في الحسين عليه السلام فأنشدته، فقال: أنشدني كما تنشدون- يعني بالرقّة- قال: فأنشدته:
 أمرر على جـدث الحسين          فـل لأعظـمه الزكيّة


قال: فبكى، ثمّ قال: زدني، فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى، فسمعت
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
158

145

القسم الثالث: مكانة المديح والإنشاد في مجالس ذكر وعزاء أهل البيت عليهم السلام

  بكاءً من خلف الستر، فلمّا فرغت قال: يا أبا هارون، من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنّة، ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدمع مقدار جناح الذباب كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنّة"1.

 
وعن أبي الصلت الهروي قال: دخل دعبل بن عليّ الخزاعيّ على الرضاعليه السلامبمرو، فقال له: يا ابن رسول الله، إنّي قد قلت فيكم قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك، فقال الرضا عليه السلام: "هاتها". فأنشده:
 
 تجاوبن بالأرنان والزفرات  نوائح عجم اللفظ والنطقات
 
لمّا وصل إلى قوله:
 
وقبر ببغداد لنفس زكيّة   تضمّنها الرحمن في الغرفات
 
قال الرضاعليه السلامله: "أفلا أُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ قال: بلى يا ابن رسول الله، فقال عليه السلام:
 
وقبر بطــوس يــا لها من مصيبــة    توقد في الأحشاء بالحرقات 
إلى الحشر حتّى يبعث الله قائماً       يفــــرج عنّـــا الهمّ والكـــربات
 
فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟ فقــــال الرضـــاعليه السلام: "قبري، ولا تنقضي الأيّام والسنون حتّى تصير طوس مختلف شيعتي، فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له"، ونهض الرضا عليه السلام وقال: لا تبرح، وأنفذ إليَّ صرَّة فيها مائة دينار"2.
 
عن الكميت بن زيد الأسديّ قال: دخلت على أبي جعفرعليه السلام فقال: والله يا
 
 
 

1- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 595.
2- الأربلي، كشف الغمّة، ج 2، ص 323.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
159

146

القسم الثالث: مكانة المديح والإنشاد في مجالس ذكر وعزاء أهل البيت عليهم السلام

  كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحسَّان بن ثابت: "لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا"1.

 
قال ابن طاووس: رُوي عن آل الرسول عليهم السلام أنّهم قالوا: "من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنّة، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنّة، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنّة، ومن تباكى فله الجنّة.."2.
 
 
 
 

1- الكلينيّ، الكافي، ج 2، الحديث 19886.
2- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 288.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
160

147

الفصل الأوّل: دور ومكانة المديح والإنشاد وذكر أهل البيت عليهم السلام

 الفصل الأوّل: دور ومكانة المديح والإنشاد وذكر أهل البيت عليهم السلام

 
الإمام القائد: "إنّ المدح والثناء على أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم - وكذلك ذكر مصائبهم - هو عمل مهمّ وعظيم، طبعاً تحدّثنا مراراً في السنوات الماضية بمناسبة تشكيل هكذا جلسات حول هذا الموضوع، وأوضحنا بعبارات متعدّدة مدى إهتمامنا وتقديرنا لفنّ المديح"1.
 
الإمام القائد: "إنّ الساحة التي تعملون فيها، هي ساحة واسعة للعمل والتأثير، اليوم- وبحمد الله- هناك الكثير من المدّاحين الشباب، يضاف إلى أنّ إقبال الشباب كبير جدّاً، وهذا المكان الخصب يحمل الكثير من الإستعدادات، لا بل هو مؤهّل لزرع البذور، فإذا أحسن الزرع، فستكون نتائجه وثماره ذات قيمة عالية، استفيدوا من هذه المناسبة، ولنستفد منها نحن أيضاً، وليستفد نظام الجمهوريّة الإسلاميّة منها- أي الشعر الحسن، اللحن الحسن، المضمون الحسن والأداء الحسن- فهذا أمر مميّز وغير عاديّ"2.
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 19/7/77 هـ. ش.
2- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
162

148

الفصل الأوّل: دور ومكانة المديح والإنشاد وذكر أهل البيت عليهم السلام

 الإمام القائد: "إنّ دور الفنّ، ودور الشعر، ودور الأدب ودور الحضور في الساحات العمليّة، هو دور كبير الأهميّة والفعاليّة والتأثير على مستوى تنمية الروح الإيمانيّة. عليكم أن تنظروا إلى دور المدّاح وذاكر أهل البيت عليهم السلام هنا في هذه الأمور، مثل دوره في إيجاد الإيمان، وتأثيره في نشر الثقافة، وأثره في إحكام العلاقة والرابطة القلبيّة بين الموالين وأهل البيت عليهم السلام، هذا هو دوره، وهو دور مهمّ جدّاً"1.

 
الأمر الأوّل - مكانة المديح ودوره في جبهة التبليغ الدّينيّ
الإمام القائد: "إنّ جبهة التبليغ جبهة واسعة تشمل الفنّ والتعليم والعلم والدّين والجامعة والحوزة ووزارة الإرشاد والإذاعة والتلفزيون، بالإضافة إلى فريق المدّاحين الذين أوكل إليهم جزء من تلك الجبهة، وهذا يشبه تماماً ما كنّا نعيشه في جبهات الحرب المفروضة، ولذا فإنّ هؤلاء الأخوة الذين حضروا مرحلة الحرب والدفاع المقدّس في الجبهة سيدركون كلامي بشكل جيّد، فنحن كأنّنا أمام جبهةٍ عظيمةٍ يديرها جيش عظيم، وقد أوكل إلينا مهمّة جزءٍ منها، فينبغي أن نكون قادرين على إدارته، ليتمكّن الآخرون من القيام بمهامِّهم أيضاً، ويكون النصر عبارة عن ثمرة الجهود مجتمعةً، فعلى الأخوة المدّاحين الإلتفات إلى هذه المسألة، فإذا تمكّنا في النواح وقراءة المصائب والمراثي من إظهار شيء من الهمّة والفنّ، عندها يمكن أن نضمّن عملنا المفاهيم العالية مع العلم أنّه يمكن أن تكون تلك الأعمال خالية من تلك المفاهيم، وخاوية أيضاً، وتتناول الظاهر فقط، هذا الأمر ممكن في العزاء والنواح واللطم والمدح والمصيبة، بحيث نجعل القلب يتفطّر والأعين تدمع من دون أن يكون هناك أدنى فائدة، وهذا بعينه يمكن أن يحصل
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
163

149

الفصل الأوّل: دور ومكانة المديح والإنشاد وذكر أهل البيت عليهم السلام

 أيضاً في مناسبات الولادات وأفراح أهل البيت عليهم السلام"1.

 
الإمام القائد: "تحدّثت في وقت من الأوقات وقلت: لعلّ أبياتاً شعريّة يتلوها مدّاح تكون أكثر تأثيراً من خطابة لساعة، طبعاً هذا الأمر ليس دائماً، بل قد يحصل أحياناً، فإذا أحسنّا اختياره سيكون على هذا النحو"2.
 
الأمر الثاني - الانتساب إلى أهل البيت عليهم السلام
الإمام القائد: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾3، الخطاب موجّه إلى نساء النبيّ، من تأت منهنَّ بفاحشة يضاعفْ لها العذاب، لماذا؟ لأنّ زوجة النبيّ لها نسبة الزوجيّة إليه صلى الله عليه وآله وسلم فإذا أتت بفاحشة، كان عذابها ضعفين، ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾4، ﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ﴾5، وهكذا يكون الجانب الآخر للقضيّة: إذا كنتنَّ عابدات، محسنات، صالحات، سيكون لكنّ من الأجر ضعف ما للناس، أي أنّ صلاة زوجة النبيّ بشكل عادي تعادل ضعف صلاة الآخرين، من حيث الأجر، وأجر عبادتها ضعف عبادة الآخرين، وإذا اغتابت أحداً لا سمح الله، فيكون جزاء غيبتها ضعف غيبة الآخرين، ثمّ تتابع الآيات القرآنيّة الشريفة: ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾6، ثمّ تتابع: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾7. هذا الخطاب موجّه لنساء النبيّ، أمّا نساء النبيّ أنفسهنَّ فلا خصوصيّة لهنّ سوى انتسابهنّ
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 17/5/83 هـ. ش.
2- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.
3- سورة الأحزاب الآية 30.
4- المصدر نفسه.
5- سورة الأحزاب الآية 31.
6- سورة الأحزاب الآية 32. 
7- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
164

150

الفصل الأوّل: دور ومكانة المديح والإنشاد وذكر أهل البيت عليهم السلام

  إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الإنتساب إذا كان موجوداً عندي وعندك أكثر ممّا هو موجود عند زوجات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لما نملكه من مسؤوليّة خطيرة ومميّزة في المجتمع، فسوف تكون هذه الخصوصيّة موجودة فينا أيضاً، لا أقول نمتلك الضعفين - وهذا لا أدّعيه - ولكنّنا نختلف عن الناس، وأنا أكثر منكم، إذا أخطأنا نحن، فإنّ خطأنا ليس كخطأ الناس العاديّين، بل هو أصعب وأثقل، إذا أوصلنا شخصاً إلى وادي الضلال، لا سمح الله، فإنّ هذا العمل يختلف عمّا يفعله الآخرون في ما يشابهه من أعمال، لذا فعلى المدّاحين أن يدركوا ما يقرأون وما يقولون"1.

 
الأمر الثالث - الإقبال العامّ على المدّاحين
الإمام القائد: "اليوم ولحسن الحظّ، ازداد إقبال الناس على هذه الحرفة وهذا الفنّ، والشباب في طهران والقرى يظهرون علاقة واهتماماً بجلسات المديح، وهذا، أيّها السادة المدّاحون، يضاعف من مسؤوليّتكم"2.
 
الإمام القائد: "إنّ ما تمتلكونه من صوت جميل ولحن عذب وموقعيّة مميّزة ومنبر مهمّ وإقبال واسع، كلّ ذلك جعل الشباب الذين أضافوا- بحمد الله- صفاء القلب إلى مجتمعنا وبلدنا، يتوجّهون إليكم، ماذا تريدون أن تقدّموا للناس، إنّ حساسيّة هذا الأمر وأهميّته هما السبب في التأكيد الدائم والمستمرّ على ما تقرأون وكيفيّة قراءته والمتابعة من خلال حضوري جلسات المديح ولقائي بالمدّاحين ومختلف الشخصيّات"3.
 
 
 


1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
3- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
165

151

الفصل الأوّل: دور ومكانة المديح والإنشاد وذكر أهل البيت عليهم السلام

 

 

 

 

 

 

 

 

166


152

الفصل الثاني: تاريخ المديح والثّناء على أهل البيت عليهم السلام

 الفصل الثاني: تاريخ المديح والثّناء على أهل البيت عليهم السلام


الإمام القائد: "عندما يراجع المرء الروايات المتعلّقة بفاطمة الزهراء عليهاالسلام والتي صدرت عن الأئمّة عليهم السلام، سيجد أنّ كلام المعصومين عليهم السلام هو كلام المدح والخضوع والخشوع بالنسبة إلى هذه العظيمة، بحيث يؤدّي إلى تعجّب من لا يدرك المقام العالي للسيّدة الزهراء عليهاالسلام، لقد تحدّث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، مربّي هذه المخدَّرة العظيمة وأبوها، وتحدّث زوجها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وتحدّث أبناؤها الأئمّة عليهم السلام وأشار كلّ واحد منهم إلى السيّدة الزهراء عليها السلام بعبارات المدح والتعظيم، ويشير هذا الأمر إلـــى المقــــام العالــــي الذي لا يوصــف للسيّدة الزهـراء عليها السلام. والواقع أنّ ذهننا القاصر لا يمكنه إدراك علوّ المرتبة المعنويّة والملكوتيّة لأمّ الأئمّة النجباء عليهم السلام وما نقدر على فهمه ليس إلّا رشحة من رشحاتها. يجب أن يلتفت الأخوة المشتغلون بهذا الأمر إلى أنّ مسألة المدح والإنشاد، مسألة مهمّة، وهي- كما أوضحت لكم سابقاً- استمرار لنهج مداحي أهل البيت عليهم السلام في مرحلة الحصار الأمويّ والعبّاسيّ. المسألة ليست مجرّد إنشاد الشعر فقط، بل هي عبارة عن نشر المدائح والفضائل والحقائق في قالب 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
168

153

الفصل الثاني: تاريخ المديح والثّناء على أهل البيت عليهم السلام

 يدركه كافّة المستمعين، ممّا يؤدّي إلى التأثير في أفئدتهم. لاحظوا أطراف الدولة الإسلاميّة في ذلك الزمان- من أقصى خراسان وسيستان إلى اليمن ومصر ودول المغرب الإسلاميّ- لقد كان الشيعة يتحدّثون حول فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليهاالسلام والأئمّة عليهم السلام، ويبيّنون الحقائق لهذا وذاك. ولكن لو دقّقنا في كلمات الأئمّة عليهم السلام وفي سيرة أولئك العظماء، لوجدنا أنّ أقلّ القليل من أولئك الشيعة قد حظوا بمدح واهتمام أهل البيت عليهم السلام، من أمثال "هشام بن الحكم" أو "مؤمن الطاق"، اللذين كانا لا نظير لهم، لقد مدح الأئمّة عليهم السلام "هشام" و"مؤمن الطاق" وأظهروا لهما حبّاً خاصّاً، وأمّا أولئك الذين بيّنوا فضائل أهل البيت عليهم السلام ومقاماتهم بلغة الشعر- حتّى وإن كان كلامهم لا يرتقي إلى مرتبة كلام "هشام بن الحكم"- فقد حظوا باحترام خاصّ من الأئمّة عليهم السلام وتقدير واهتمامٍ كبيرين، ولكن ما هو سبب ذلك؟"1

 
الإمام القائد: "انظروا إلى ما كان يحمله الإمام الباقر أو الإمام السجّاد عليهماالسلام من المحبّة للفرزدق، مع أنّ الفرزدق ليس من شعراء أهل البيت عليهم السلام، بل هو في الأصل شاعر بلاط، له علاقته بالسلطة، وهو إنسان عادي صاحب ديوان شعريّ مليء بتلك الكلمات المبتذلة التي كان يتحدّث بها شعراء ذلك الزمان، ولكن عندما استيقظ وجدانه في مرحلة من المراحل، تحدّث بالحقّ أمام السلطة- وذلك بلغة شعريّة- لاحظوا ما كان يحمله الإمام السجّاد عليه السلام من حبٍّ له، ولاحظوا الحبّ الذي كان يحمله لباقي شعراء أهل البيت- كالكميت ودعبل والسيّد الحميريّ- وللأشخاص الآخرين الذين كانوا يعدّون ضمن شعراء أهل البيت"2.
 
الإمام القائد: "كان إمامنا العزيز- ذلك الإنسان العظيم في زماننا- كثير الاهتمام في ما يتعلّق بمدح الأئمّة عليهم السلام، لقد قرأنا سيرة حياة العظماء في الكتب، 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء من جمع ذاكري ومدّاحي أهل البيت بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
169

154

الفصل الثاني: تاريخ المديح والثّناء على أهل البيت عليهم السلام

 وشاهدنا البعض منهم عن قرب. أمّا هذا الشخص، فهو إنسان آخر يختلف عن جميع العظماء الذين عرفناهم، إذ درجته تصل إلى درجة أولياء الله، هذا الإنسان العظيم ليس كالكبار الموجودين في عالم اليوم أو في الماضي والذين عُرفوا كعظماء، إنّ قائدنا الكبير يختلف عنهم بدرجةٍ عاليةٍ، كان وللانصاف شخصيّة عظيمة، وكان شديد الاهتمام في ما يتعلّق بذكر أهل البيت عليهم السلام والمديح لهم والمحبّة والإرتباط العاطفيّ بهم وتقوية هذه الحالة معهم، وعندما يهتمّ الشخص العظيم بهذه المسألة إلى هذا المستوى، فهذا دليل على عظمتها"1.

 
الإمام القائد: "إنّ لديّ اهتماماً كبيراً بالمسائل المتعلّقة بالمديح وقراءة الشعر، وأتابع هذه القضيّة، واليوم يختلف مجتمع المديح عندنا عمّا كان عليه عام 1358 هـ. ش، لقد تقدّمنا كثيراً... لقد تمكّنتم (المدّاحون) وبحمد الله من التقدّم بهذه القافلة، وينبغي أن تبذلوا جهوداً أكبر في سبيل تقدّمها أكثر"2.
 
 
 

1- من كلام له في لقاء من جمع ذاكري ومدّاحي أهل البيت بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
2- لقاء الإمام القائد بمجموعة من المدّاحين 11/12/64 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
170

155

الفصل الثالث: فوائد المديح

 الفصل الثالث: فوائد المديح

 
الأمر الأوّل - تحقّق العبوديّة لله
الإمام القائد: "إخوتي وأخواتي الأعزّاء! ينبغي أن نسعى أنا وأنتم في سبيل عبوديّة الله، وهذا ما ينبغي أن يكون نتيجة تمجيد فاطمة الزهراء عليهاالسلام، إنّ ألسنتكم أيّها الأخوة المدّاحون وحناجركم لتسطع لمديح بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الهداة بأمواج نورانيّة معطّرة فتستقرّ في قلوب مخاطبيكم، وهذا ذو قيمة عالية"1.
 
الإمام القائد: "أعزّائي! إنّ هذا النّجم الزّاهر لعالم الخلق ليس هو ما نشاهده فقط، بل هو أعظم من هذا بكثير، إنّنا نرى نور شخصيّة الزهراء عليهاالسلام، لكنّها أعظم من هذا بكثير، لكن ماذا نستفيد نحن من ذلك؟ هل يكفي هذا القدر بأن نعرفها فقط أنّها الزهراء عليها السلام؟ لقد طالعت مرّةً الرواية التي تقول: "إنّها تزهر لأهل السماء"، فنحن لا شيء أمام هذا النور، فالكروبيّون (الملائكة المقرّبون) في الملأ الأعلى تنبهر عيونهم من نور الزهراء عليهاالسلام، فيجب علينا
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

156

الفصل الثالث: فوائد المديح

  الإهتداء بها إلى الله وإلى طريق العبوديّة، وإلى الصراط المستقيم، فالزهراء عليهاالسلام قد سلكت هذا الطريق فأصبحت زهراء"1.

 
الأمر الثاني - الحديث عن أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم القدوة
الإمام القائد: "إنّ في مقام تنزّل الوجود، عندما تلتقي عظمة الملكوت بحقائق عالم الأجسام والملك، تصبح هذه القوالب البشريّة حاملة لتلك المعنويّات والأرواح، عند ذلك تصبح كلّ حركة وكلّ إشارة تجري على لسانهم بمثابة القدوة لنا نحن المتأخّرين، لا يكفي أن نعلم في أيّ أوج كانت فاطمة الزهراء عليهاالسلام وأيّ عظمة كان من نصيبها في هذا العالم، وما هي عليه في عالم المعنى والملكوت. طبعاً الإطلاع على ذلك جزء من المعرفة، وإذا حصل الإنسان على معرفة واضحة، تبرز عندها القيمة العالية لها، وهي معرفة لا تحصل إلّا من خلال العمل.
 
المعرفة الخالصة الواضحة تحكي عن تلك المعنويّات، وهي لا تحصل للجميع، أمّا أولياء الله العظام فهم الذين يدركون ويشاهدون جوانب منها. وذاك المقدار الذي ندركه ونفهمه ينبغي أن يكون قدوة لنا في الحركة والعمل، ينبغي أن لا ينسى الشيعة، بل وجميع المسلمين، هذه المسألة، فالكلّ شركاء في ذلك، إلّا أنّ نوعاً كهذا من المعرفة قليل عند غير الشيعة. وهذا لا يعني عدم حصولها بالمطلق، بل إنّ البعض من غير الشيعة، قد تقدّموا كثيراً في مقام معرفة أهل البيت، ولكن وبشكل عامّ فهذا الأمر متعلّق بالشيعة، لذلك يجب أن يكون كلّ حرف وكلمة وإشارة في حياة هؤلاء العظماء، أسوة لنا"2.
 
الإمام القائد: "أولئك يستفيدون من جميع الإمكانيّات لتقديم نماذجهم، بينما الشعوب خالية الوفاض، لا تمتلك القدوة والنموذج اللذين يمكنهما مقابلة 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 3/9/73 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 10/10/69 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
173

157

الفصل الثالث: فوائد المديح

 ومواجهة ذلك، أمّا نحن فعلى العكس، أيدينا مليئة، نحن عندنا نسوة عظيمات، إذا أردنا الدخول إلى عالم المرأة، ففي تاريخ الإسلام نساء عظيمات بلغن الأوج، أمّا قمّة هذه العظمة فقد تجلّت في فاطمة الزهراء، الصديقة الكبرى عليهاالسلام. ثمّ إنّ حياة السيّدة زينب والسيّدة سكينة مليئة بالحوادث المهمّة والمفيدة للمفكّرين وأصحاب العقول والفكر. لقد ورد في حقّ الإمامين الحسن والحسين عليهماالسلام أنّهما: "سيّدا شباب أهل الجنّة"1، مع أنّهما لم يكونا شابّين طوال حياتهما، بل وصلا إلى سنّ الكهولة فكونهما "سيّدي شباب"، هو بمعنى أنّ شبابهما أسوة وقدوة دائمة أمام أعين شباب الدنيا. وهكذا الحال في شباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشباب أمير المؤمنين عليه السلام. أمّا كلامي معكم أنتم الأخوة المنشدين والمدّاحين، فهو أنّ على عاتقكم مسؤوليّة كبيرة في هذا الخصوص"2.

 
الإمام القائد: "تعيش المرأة اليوم حالة فراغٍ، فلا تعلم ماذا يجب أن تفعل، هذا هو الوضع في العالم، إذا تحدّثتم بهذه الأمور، وإذا تحدّث شعراؤنا وخطباؤنا بذلك، فستشاهدون عندها الثقافة التي ستنتشر في خصوص مسائل المرأة. نحن لسنا بحاجة إلى أيّ شيء فنحن نمتلك، لحسن الحظّ، اكتفاءً ذاتيّاً وغنىً في هذه المجالات، هذه الأمور ليست مسائل صناعيّة لنمدّ يدنا للآخرين، نحن نمتلك النماذج ويمكننا تصديرها للآخرين. عندما تجدون أنّ المدّاحين ينهضون بأشعارهم بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليهاالسلام وبمناسبة يوم شهادتها، ويقرأون الأشعار في آلاف الجلسات وبذاك الأسلوب الفنّي الجميل الذي يتضمّن تلك الأبعاد فإنّ هذا سيؤدّي إلى إيجاد تحوّل مهمّ وأساسيّ"3.
 
 
 
 

1- الحرّاني ابن شعبة، تحف العقول، ص 405.
2- من كلام له في لقاء المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 17/5/83 هـ. ش.
3- لقاء الإمام القائد مع مجموعة المدّاحين 11/12/64 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
174

158

الفصل الثالث: فوائد المديح

 الأمر الثالث - توضيح حقائق الدّين للناس

 
الإمام القائد: "نحن اليوم، كما في كافّة مراحل تاريخنا- أتباع الولاية ومحبّي الأئمّة عليهم السلام- نحتاج إلى التوضيح والشرح والبيان ووضع الحقائق أمام بصر وبصيرة الإنسان. لو لم يكن التوضيح مهمّاً، لما وجدنا الإمام الصادق عليه السلام يهتمّ بشاعر كالكميت، ولا الإمام الثامن عليه السلام يهتمّ بدعبل، أو الإمام الرابع عليه السلام بالفرزدق، الشعراء الذين سمعتم أسماءهم- الفرزدق، الكميت وغيرهما- لم يكونوا في زمانهم، أمثال سلمان، فهم كانوا متوسّطي الحال إذا قارنّاهم بأصحاب الأئمّة العظام، لم يمتلكوا معرفة "زرارة" و "محمّد بن مسلم" وأمثالهما، ولم تكن علاقتهم بالأئمّة عليهم السلام قويّةً، ومع ذلك تجدون أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يكنّون لهم الكثير من الاحترام والتقدير بحيث لا تجد ذلك في تعامل الأئمّة عليهم السلام مع الأصحاب الآخرين، لماذا؟ السبب في ذلك هو التبيين، لأنّ هؤلاء تحدّثوا في مكان ما ووضّحوا للناس، فكانت كلماتهم كالشمس التي أشرقت في القلوب فأضاءت الحقيقة للناس"1.
 
الإمام القائد: "اعلموا أنتم المنشدين الأعزّاء الموجودين هنا- بعضَ الحاضرين أو المنشدين أو الذين يمتلكون الشوق للإنشاد وبعضَ الشباب الذين قد يصبحون منشدين جيّدين في المستقبل- أنّ الإنشاد والثناء على الأئمّة عليهم السلام هما في الواقع، مدح وثناء على الخير والحقيقة والتضحية، هما الثناء على شمس الإمامة والولاية، شمس الحقيقة التي عملوا على إخفائها. إلّا أنّ هذه الألسن الناطقة لم تسمح بذلك، بل كل الأشخاص الذين عملوا في سبيل المعرفة الدينيّة وكلّ القلوب المضيئة بمحبّة أهل البيت عليهم السلام لم يسمحوا، خلال القرون الثلاثة عشر أو الأربعة عشر الماضية، ببقاء هذه الشمس محجوبة، فقاموا بإزالة الغيوم يوماً بعد يومٍ
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
175

159

الفصل الثالث: فوائد المديح

  من أمام تلك الشمس حتّى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم. ينبغي أن يستمرّ هذا العمل لتوضيح وإظهار حقائق أهل البيت عليهم السلام"1

 
الأمر الرابع - قابليّة إدراك المفاهيم الدينيّة المتعالية
الإمام القائد: "إنّ مقام فاطمة الزهراء عليها السلام يدعو العقول النيِّرة، لدى العظماء من البشر، إلى التفكير في أكثر فروع تفكّرهم أصالة، وكذلك يدعو أصحاب الألسن الفصيحة والبليغة من الخطباء والشعراء والمنشدين، إلى وضع تلك الأفكار في قالب كلمات تفيض بالذوق والطبع الفيّاض والسيَّال فنّاً وشاعريّة؛ فكانوا يوضحون ذلك في صورة الشعر والكلام المنظوم، ويوضحون ذلك بأفضل أداء ممكن. فإذا حصل الأمر على هذا النحو، فقد تتمكّن أذهان البشر المتوسّطة، سيّما البعيدة عن المعارف الإلهيّة الحقيقيّة، ولا تمتلك الطاقة على إدراك هذه الحقائق المتعالية في الأذهان والقلوب، قد تتمكّن من فهم وإدراك جوانب من فضائل ومدائح ومناقب ومحامد هؤلاء العظماء"2.
 
الإمام القائد: "إنّ لساننا وكلماتنا لا تساعد في توضيح مقامات الصدّيقة الطاهرة عليهاالسلام، ولا يمكن وصفها، لأنّ وصفها أعلى من حدود هذه القوالب البيانيّة العاديّة. إلّا أنّ اللغة الفنيّة يمكنها تقريب الأذهان إليها بحدود ما، ولذا عندما أؤكّد على مسائل المدح والشعر والأناشيد الإسلاميّة، فهو لهذا السبب، إذ يمكن تقريب الأذهان وإلى حدود معيّنة بوساطة الفنّ، إلّا أنّه لا يمكن الوصول إلى حقائقهم في مقام الوصف. أمّا الذين يصفّون قلوبهم وأعمالهم، ويطهّرون أجسامهم وأرواحهم، ويجعلون التقوى والطهارة في رأس اهتماماتهم، ويربُّون أنفسهم ويتخلّصون من الملوّثات الدنيويّة، هؤلاء تشاهد عينُ البصيرة في قلوبهم،
 
 



1- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيتعليهم السلامبمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
176

160

الفصل الثالث: فوائد المديح

  الأنوارَ القدسيّة لأهل البيت والصدّيقة الكبرى عليهاالسلام من مكان قريب، ويمكنهم إدراك مقاماتهم وإن كانوا عاجزين عن وصفها"1.

 
الأمر الخامس - تعميق الإيمان الدينيّ لدى الناس
الإمام القائد: "ما دام الإيمان لم يمتزج بالحبّ والعشق العميق والعاطفة الجيّاشة، فإنّه لن يفعل فعله، إنّه الحبّ الفيّاض وبمستواه الرفيع أيضاً هو الذي يجعل الإيمان يترجمَ في نطاق الواقع الخارجيّ. ونحن لم نكن لنتقدّم في نهضتنا لولا المحبّة والعاطفة، إنّ لدينا في الفكر الإسلاميّ أسمى آيات الحبّ، وهو حبّ أهل البيت، ولقد وصل هذا الحبّ إلى أوجه في قضيّة كربلاء وعاشوراء، وكذا في الحفاظ على أغلى آثار التضحية التي خلّفها الرجال الإلهيّون للتاريخ والفكر الشيعيّ في ذلك اليوم"2
 
الإمام القائد: "إنه إنسان عظيم طاهر منوّر، لا يتطرق إلى شخصيته الملكوتية أيُّ شائبةٍ أو تردّد، نهض لتحقيق هدف أجمع كلّ منصفي العالم على سموّه وصحّته، وهو إنقاذ الأمّة من الجور والظلم والعدوان: "أيّها الناس إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً (وهنا بيت القصيد، فقد كانت فلسفة حركة الإمام الحسين عليه السلام محاربة الظلم) يعمل في عباد الله بالجور والطغيان أو بالإثم والعدوان"...،3 إنّه من أقدس الأهداف التي لا يمكن لذي إنصاف إنكارها. مثلُ ذلك الإنسان العظيم يتحمّل من أجل تحقيق مثل هذا الهدف النبيل أصعب أنواع الجهاد هو الجهاد في الغربة، إذ ليس من الصعب الموت وسط ضجيج وأهازيج الأصدقاء وإشادة عامّة الناس، فعندما يصطفّ فريقان، ويقف الرسول الأكرم أو أمير المؤمنين في مقدّمة جبهة الحقّ ليدعو إلى مبارزة الأعداء، ويخرج
 
 
 

1- من كلام له في لقاء المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 17/5/83 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء العلماء وأئمّة الجمعة والجماعة ووعّاظ طهران على أعتاب شهر محرّم 11/5/68 هـ. ش.
3- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 382.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
177

161

الفصل الثالث: فوائد المديح

  غلام ملبيّاً الدعوة، فيودّعانه بالدعاء، ويمسحان على رأسه، ويرفع المسلمون أيديهم له بالدّعاء، ويتوجّه الغلام بعد ذلك إلى ساحة القتال ليجاهد ويستشهد، فهذا نوع من الجهاد والإستشهاد، ولكن ثمّة نوع آخر من الجهاد، يتجلّى بخروج الإنسان إلى ساحة المعركة، والمجتمع، من حوله، ما بين منكر عليه وغافل عنه ومعاد له، وحتّى تلك الفئة القليلة التي ترتاح له قلوبهم تراها لا تتجرّأ على إبداء ارتياحها له ولمسيرته. ففي عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام لم يتجرّأ أمثال عبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر اللذين ينتميان إلى بني هاشم وإلى تلك الشجرة الطيّبة، لم يتجرّآ على الوقوف في مكّة أو المدينة وإطلاق شعارات موالية للإمام الحسين عليه السلام. لهذا وصف جهاده عليه السلام بالجهاد في الغربة وهو من أصعب أنواع الجهاد، الجميع أعداء له، والجميع معرض بوجهه عنه حتّى المقرَّبون منه. الإمام الحسين عليه السلام يطلب من أحدهم مساعدته، فيردّ عليه: هاك جوادي استفد منه، هل من غربة أكبر من هذه؟ إنّه الجهاد في الغربة، وفي هذا النوع من الجهاد يفقد الإمام أعزّ أحبّته أمام ناظريه، أبناءه وأبناء إخوته وإخوته وأبناء عمومته، زهور بني هاشم تتساقط الواحدة تلو الأخرى أمام ناظريه، حتّى طفله الرضيع لم يسلم من القتل، أضف إلى كلّ ذلك أنّ الإمام كان يعلم أنّه بمجرّد استشهاده ستُسبى عياله البريئة الطاهرة، حيث ستتكالب الذئاب المتعطّشة على الفتيات اليانعات لبث الخوف والهلع في نفوسهنّ، وسلب أموالهنّ وأسرهنّ وإهانتهنّ، حتّى بنت أمير المؤمنين زينب الكبرى بشخصيّتها العظيمة كان يعلم بأنّها ستتعرّض للإهانة والتعذيب.


الإمام الحسين عليه السلام كان يعلم بكلّ ما سيحصل، إذاً تصوّروا ما أصعب هذا الجهاد! ولو أضفنا إلى ما سبق ذكره عطشه وعطش عياله، الصبية عطاشى، الصبايا عطاشى، العجائز عطاشى، الطفل الرضيع عطشان، هل أدركتم الآن 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
178

162

الفصل الثالث: فوائد المديح

 مدى صعوبة هذا النوع من الجهاد؟ مثل هذا الإنسان العظيم الطاهر الذي تتسابق ملائكة السماء لمشاهدة نور وجهه والتبرّك به، ويأمل الأنبياء والأولياء أن يكون لهم مثل مقامه، مثل هذا الإنسان بكلّ تلك المكانة والمنزلة، يُستشهد في هكذا جهاد وهكذا شدّة ومحنة، إنّها واقعة لا يمكن لإنسان أن يتعرّف عليها ويدرك وقائعها ولا تهتزّ مشاعره لها؟"1

 
الإمام القائد: "كلامي الثاني موجّه إليكم أنتم المنشدين الأعزّاء، صحيح أنّ العقلانيّة والفلسفة والإستدلال تشكّل قواعد الدّين، هذا لا شكّ فيه على الإطلاق، إلّا أنّ أيّاً من المباني العقلانيّة والفلسفيّة والحكميّة لا يمكن لها أن تنمو أو أن تبقى في التاريخ بدون أن تروى بالعاطفة والإيمان القلبيّ. هذه خصائص الأديان، هذا ما يميّزها عن المذاهب والإيديولوجيّات والفلسفات الأخرى، فهي تُصنع الإيمان، والإيمان غير العلم، والإيمان غير الاستدلال، والإيمان غير الفلسفة، الإيمان أمر قلبيّ، الإيمان والعاطفة مكانهما واحد، الإيمان أي إيداع القلب، هنا يبرز دور القلب، لقد حفظت العواطف مكانتها طوال تاريخ الأديان على هذا الشكل، لا يمكن لأيّ فلسفة في حرب الفلسفات أن تقاوم أمام فلسفة الأديان وفلسفة التوحيد، بالأخصّ أمام فلسفة كالفلسفة الإسلاميّة المدوّنة. إلّا أنّ المسألة ليست على نحو التعلّم فقط، فإنّ هناك الكثير ممّن يتقن المبادئ والمفاهيم الإسلاميّة ويعلمون بعض الحقائق، إلّا أنّهم لم يودعوا قلوبهم تلك الحقيقة، هل تظنّون أنّ حقّانيّة عليّ بن أبي طالب لا يعلمها أولئك الذين سمعوها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ كانوا يعلمون، ونقرأ في الروايات أنّهم سمعوا ذلك يخرج من شفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا يعلمون، ولكن ما كانوا يفتقدونه، هو الإيمان بذاك المعلوم، الإيمان بما كانوا يعلمونه: أي التسليم القلبيّ"2.
 
 
 
 

1- من كلام له في جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
2- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
179

163

الفصل الثالث: فوائد المديح

 الأمر السادس - تعميق محبّة الناس لأهل البيت عليهم السلام

الإمام القائد: "الناس يمتلكون حبّاً إلّا أنّه ينبغي أن يصبح عميقاً، متجذّراً، جيّاشاً على أثر ما تقرأون وما تقولون. التشيّع هو مذهب المحبّة، وخاصيّة المحبّة ممّا يمتاز بها التشيّع، قلّما تجد ديناً ومذهباً وطريقة ترتبط بالمحبّة كما هو موجود في مذهب التشيّع، ولعلّ سبب بقاء هذا الفكر حتّى اليوم- مع كلّ المؤامرات التي واجهته- هو أنّ له جذوراً عميقة في المحبّة الخالصة، وهو مذهب التولّي والتبرّي والحبّ والعاطفة، حيث اجتمعت كلّ هذه الأمور مع الفكر، هذه أمور مهمّة جدّاً، هو أصل ساحر وعجيب.
 
لو لم تكن المحبّة موجودة في التشيّع لكان يجب زواله من خلال العداء الكبير الذي واجهه، إنّ محبّتكم- أيّها الناس- للحسين بن عليّ عليه السلام، هي التي ضمنت الحياة والبقاء للإسلام، وهذا معنى ما قال الإمام: "لقد حفظت عاشوراء الإسلام"، وهكذا الأمر في ما يتعلّق بالأيّام الفاطميّة وولادة ووفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، ينبغي تعميق هذه المحبّة بين الناس بوساطة فنّ الإنشاد والمديح، أمّا الوسائل اللازمة لهذا العمل، فهو الشعر الجميل والصحيح"1.
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 10/10/69 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
180

164

الفصل الثالث: فوائد المديح

 

 

 

 

 

 

 

 

181


165

الفصل الرابع: أركان المديح

 الفصل الرابع: أركان المديح


الأمر الأوّل - الفنّ
الإمام القائد: "إنّ ما يميّزكم (أنتم المدّاحين) من الذين يلقون النثر، أنّكم تستفيدون من فنّين للتفهيم وإلقاء المطالب: فنّ الشعر وفنّ الإنشاد؛ وهذا أمر مهمّ، والإنشاد في مقام المدح هو فنّ خاصّ قائم بذاته، وليس المقصود منه هو الصوت الحسن فقط، لذلك ينبغي تعلّم هذا الفنّ.

وقد شاهدت، بحمد الله، سواء في جلسة اليوم أو في جلسات الأعوام السابقة والمناسبات الأخرى، أشخاصاً يمتلكون مرتبة المهارة والإبداع والإتقان في هذا العمل، بدءاً من الحركات والكلام والشروع والختم وتحريك الأيدي والنظر، هذا فنّ بحدّ ذاته، يجب إتقان هذا الفنّ وإكماله وتطويره. الناس يميلون إلى لغة الشعر أكثر من سواها، وإن كانوا لا يفهمونه كما يفهمون النثر، لا سيّما إذا كان الشعر من الدرجة الأولى. ينبغي عليكم إفهام الناس، ولا يكون ذلك فقط من خلال الصوت الجميل، هناك الكثير ممّن يقرأ الشعر بصوت جميل، إلّا أنّ المستمع لا يفهم ما قيل! لذلك ينبغي عليكم إفهام الآخرين، والإفهام هو فنّ من فنون الإنشاد، قدّموا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
182

166

الفصل الرابع: أركان المديح

 الشعر من خلال فنّ الإنشاد بهدف التفهيم، افعلوا ذلك حتّى لو لم يرافقه صوت جميل؛ لأنّ كيفيّة القراءة هي التي تعوّض الصوت الجميل، بهذا النحو قد يكون تلقّي المستمع أفضل بكثير ممّا يتلقّاه من صاحب الصوت الجميل والمشهور، ينبغي الاستفادة من هذا الأمر لنشر أفضل المعارف الإسلاميّة، بالأخصّ تلك التي تتعلّق بأهل البيت وغيرهم"1.

 
الإمام القائد: "هناك وسائل فنيّة متعدّدة في عمل المدح: أشعاركم هي فنّ، وكذلك صوتكم، واللحن الذي تختارونه هو فنّ، وهكذا الإشارات والأعمال التي تؤدّونها"2.
 
الإمام القائد: "الإنشاد الرائج بيننا هو عمل ذو بعدين، هو ليس مجرّد قراءة شعر ونغمات، بل هو تركيب فنّي لهاتين المقولتين، طبعاً أنا لا أعلم منذ متى بدأت الاستفادة من هذا الأسلوب، هل بدأت منذ زمن الصفويّين؟ أو قبلهم؟ أو بعدهم؟ المهمّ أنّه أسلوب رائج في زماننا، فالصوت الجميل، واللحن المناسب والشعر هي الأركان الثلاثة لهذا العمل"3.
 
1- الشعر
الإمام القائد: "عندما قيل إنّ: "من قال فينا شعراً وبكى أو أبكى وجب له الجنّة"4 ، فما معنى ذلك؟ هل هذا يعني أنّ للجنّة قيمة زهيدة؟ هل الجنّة التي ينبغي الإتيان بكلّ هذه العبادات للوصول إليها، يمكن أن تحصل بهذه البساطة؟ أو أنّ الأمر على عكس ذلك؟ إنّ ذلك العمل، وتلك الأبيات الشعريّة وإشغال القلوب بوساطتها ونقل المطالب في تلك الأيّام، يصل من الأهميّة إلى مستوى أن جعلت الجنّة في مقابل بيت شعر واحد. في أيّ وقت كان شعركم يترك هذا الأثر، فسيقابله
 



1- من كلام له في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 10/10/69 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 19/7/77 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
4- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 594.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
183

167

الفصل الرابع: أركان المديح

  ذلك الأجر من دون نقاش. وهذا حساب منطقيّ وواضح.

ما هو السبيل في أيّامنا هذه، لتقرأوا شعراً تكسبون به مثل أجر ومنزلة "دعبل" و"الفرزدق"؟ السبيل إلى ذلك هو مَلْءُ ذلك الفراغ الذي ملأه "دعبل" أو "الفرزدق" أو "الكميت"1، وباقي شعراء أهل البيت عليهم السلام في زمانهم، ودائماً كنت أذكّر المنشدين والشعراء الأعزّاء المتديّنين بهذه المسألة"2.

الإمام القائد: "إنّ الذي وضّحه "دعبل الخزاعيّ" في قصيدته "مدارس آيات"3، و"الكميت بن زيد الأسديّ" في قصائد "السبع الهاشميّات"، أو تلك الكلمات التي ذكرها السيّد الحميريّ4 (رضوان الله عليه) في أبياته الشعريّة، ليس أكثر ممّا ذكره غيرهم من الشيعة. أمّا لماذا كان كلامهم ذا قيمة أكبر
 
 
 
 

1- عن الكميت بن زيد قال لمّا أنشدت أبا جعفر عليه السلام مدائحهم قال لي: "يا كميت، طلبت بمدحك إيّانا لثواب دنيا أو لثواب آخرة؟، قال: قلت: لا والله، ما طلبت إلّا ثواب الآخرة، قال: أمّا لو قلت ثواب الدنيا قاسمتك مالي حتّى النعل والنعل...". ( المحدث النوري، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 396).
2- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
3- عن أبي السلط الهرويّ قال: سمعت دعبل بن عليّ الخزاعيّ يقول: أنشدت مولاي عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، قصيدتي التي أوّلها:
 مـدارس آيــــات خــــلت مـــن تـــــلاوة  ومـــنـــزل وحـــــي مــقفر العرصـــات
فلمّا انتهينا إلى قولي:
خــروج إمـــام لا مــــــحالـــة خــــــارج     يقـــوم علـــى اســــم الله والبركــــات 
يميّـــــز فينــــــا كــــــلّ حقّ وبــــاطـــل   ويجــزي علــى النعمـــاء والنقمــات
بكى الإمام الرضا عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي: "يا خزاعيّ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين". (المحدث النوري، مستدرك الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 10، ص 394).
4- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 594.
5- عن الكميت بن زيد قال لمّا أنشدت أبا جعفر عليه السلام مدائحهم قال لي: "يا كميت، طلبت بمدحك إيّانا لثواب دنيا أو لثواب آخرة؟، قال: قلت: لا والله، ما طلبت إلّا ثواب الآخرة، قال: أمّا لو قلت ثواب الدنيا قاسمتك مالي حتّى النعل والنعل...". ( المحدث النوري، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 396).
6- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
7- عن أبي السلط الهرويّ قال: سمعت دعبل بن عليّ الخزاعيّ يقول: أنشدت مولاي عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، قصيدتي التي أوّلها:
 مـدارس آيــــات خــــلت مـــن تـــــلاوة  ومـــنـــزل وحـــــي مــقفر العرصـــات
فلمّا انتهينا إلى قولي:
خــروج إمـــام لا مــــــحالـــة خــــــارج     يقـــوم علـــى اســــم الله والبركــــات 
يميّـــــز فينــــــا كــــــلّ حقّ وبــــاطـــل   ويجــزي علــى النعمـــاء والنقمــات
بكى الإمام الرضا عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي: "يا خزاعيّ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين". (المحدث النوري، مستدرك الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 10، ص 394).
4- لمزيد من الإطلاع حول الحميريّ وقصيدته، لاحظ الرواية الآتية:
سهيل بن ذبيان، قال: دخلت على الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في بعض الأيّام، قبل أن يدخل عليه أحد من الناس، فقال لي: مرحبا يا بن ذبيان، الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا، فقلت: لماذا يا بن رسول الله؟ فقال عليه السلام: لمنام رأيته البارحة وقد أزعجني وأرقني، فقلت: خيراً يكون إن شاء الله تعالى، فقال عليه السلام: يا بن ذبيان، رأيت كأنّي قد نصب لي سلّم فيه مائة مرقاة فصعدت إلى أعلاه، فقلت: يا مولاي أهنئك بطول العمر، وربما تعيش مائة سنة لكلّ سنة مرقاة، فقال لي عليه السلام: ما شاء الله كان ـ ثمّ قال ـ يا بن ذبيان، فلمّا صعدت إلى أعلى السلّم رأيت كأنّي دخلت في قبّة خضراء يرى ظاهرها من باطنها، ورأيت جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً فيها، وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان يشرق النور من وجوههما، ورأيت امرأة بهيّة الخلقة، ورأيت بين يديه شخصاً بهيّ الخلقة جالساً عنده، ورأيت رجلا واقفاً بين يديه، وهو يقرأ هذه القصيدة: لأمّ عمرو باللوى مربع..، فلمّا رآني النبيّ صلى الله عليه وآله، قال لي، مرحباً بك يا ولدي يا عليّ بن موسى الرضا، سلّم على أبيك عليّ عليه السلام، فسلّمت عليه، ثمّ قال لي: وسلّم على أبويك الحسن والحسين عليهما السلام، فسلّمت عليهما، ثمّ قال لي: وسلّم على شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا السيّد إسماعيل الحميريّ، فسلّمت عليه وجلست، فالتفت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى السيّد إسماعيل، وقال له: عد إلى ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة، فأنشد يقول:
 لأم عــــمـــــرو بــــــاللـــــوى مـــــربــــع   طــــامســـــــة أعـــــلامـــــه بــــلقـــــــع
فبكى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا بلغ إلى قوله: ووجهه كالشمس إذ تطلع، بكى النبيّ وفاطمة صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه، ولمّا بلغ إلى قوله:
قــالوا لــــــــــه لو شئــــــــت أعلمتنـــــا   إلـــــى مــــــن الغايـــــــة والـــمفـــــــزع 
رفع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يديه، وقال: إلهي أنت الشاهد عليّ وعليهم، إنّي أعلمتهم أنّ الغاية والمفزع عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأشار بيده إليه، وهو جالس بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم، قال عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: فلمّا فرغ السيّد إسماعيل الحميريّ من إنشاد القصيدة، التفت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إليّ وقال: يا عليّ بن موسى، احفظ هذه القصيدة، ومر شيعتنا بحفظها، وأعلمهم أنّ من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له الجنّة على الله تعالى، قال الرضا عليه السلام: ولم يزل يكررها عليّ حتّى حفظتها منه". (المحدّث النوري، مستدرك الوسائل، ج 10، ص 392). 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
184

168

الفصل الرابع: أركان المديح

  عند الأئمّة عليهم السلام؟ فلأنّه شعر، أيّها السادة، التفتوا إلى هذه النقطة، فما هي خصوصيّة الشعر؟ خصوصيّته أنّه يترك أثراً كبيراً في ذهن المخاطب، فقد يتحدّث الشاعر ببيت شعر واحد يكون أكثر تأثيراً من كلام يتحدّث به خطيب مقتدر لعدّة ساعاتٍ. بيت الشعر الواحد، أو مصراع بيت واحد يبقى في الأذهان فيفهمه الناس ويردّدونه، وبالنتيجة يصبح خالداً.

 
وقد تجدّون أنّ قصيدة شعريّة تبلغ مستوًى عالياً من الأهميّة لجهة حفظ البناء العقائديّ أو العاطفيّ، بما لا يبلغه عدد من الكتب. ومن هنا نفهم أهميّة الترجيعات الإثنتي عشرة المشهورة لـ "محتشم"1 والتي هي من الأشعار القديمة في المراثي والمصائب، مع أنّ المذكور في هذه الأبيات ليس شيئاً أمام الكتب الموجودة، إلّا أنّ أشعاره تركت تأثيراً خاصّاً.
 
يقوم صاحب الأبيات بتصوير حادثة كربلاء للمخاطب بحيث تنفذ بمفاهيمها العقائديّة والعاطفيّة والإنسانيّة والسياسيّة والفكريّة إلى أعماق روح المستمع، انظروا إلى أبياته وشاهدوا كيف يؤدّيها بفنٍّ وذوق وشكل خاصّ، بحيث تأسر القلوب، هنا تبرز أهميّة الشعر"2
 
الإمام القائد: "كان سلوك الأئمّة عليهم السلام يقوم على تقوية أسلوب الدعوة الشعريّة، لم يكن الأئمّة عليهم السلام هم وحدهم الذين يقومون بهذا العمل، بل كان الطرف المقابل يعمد إليه أيضاً، أي أنّ خلفاء بني أميّة وبني العبّاس يحتاجون إلى الشعر لترويج أعمالهم، فكانوا يوزّعون أموالاً طائلةً على الشعراء لينشدوا لهم الشعر، وكان الشعراء يُقبلون على ذلك بسبب رواج الأموال والرشاوي، وقد وصل الأمر ببعض 
 
 
 
 

1- محتشم الكاشانيّ، يعرف بشمس الشعراء، عاش في أوائل العصر الصفويّ، وكرّس أشعاره لمدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام، توفي عام 996 للهجرة. هو من أشهر شعراء الفرس في القرن العاشر، له ديوان يسمّى جامع اللطائف. نقل أنّه نظم قصيدة في مدح الشاه طهماسب الصفويّ وأرسلها إليه، فأرسل إليه الشاه: إنّي لا يعجبني إلّا ما كان في أهل البيت عليهم السلام، فنظم محتشم مراثي وأرسلها إليه، وهي اثنتا عشرة قصيدة كلّ منها في اثني عشر بيتاً، نظمها في رثاء الحسين عليه السلام. وقد لاقت هذه القصائد قبولاً وإقبالاً منقطع النظير منذ يومه وحتّى اليوم فهي في مقدّمة ما يحفظه الخطباء وفي الطليعة ممّا ينشده الوعّاظ في مآتم الحسين عليه السلام.
2- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
185

169

الفصل الرابع: أركان المديح

 الشعراء المعروفين بشعراء أهل البيت إلى إنشاد الشعر للخلفاء طلباً للمال.

 
فقد ورد مثلاً أنّ الإمام الباقر عليه السلام خاطب الشاعر العربيّ المعروف بميوله لأهل البيت عليهم السلام "كثير عزّة"، قائلاً له: "امتدحت عبد الملك"، فقال له: لم أقل له يا إمام الهدى... فتبسّم أبو جعفر عليه السلام ولم يقل شيئاً، ثمّ نهض الكميت وأنشد القصيدة المعروفة:
 مَـنْ لِقَلَـبٍ متيّـمٍ مستهــــامِ   غيرُ مـا صَبوةٍ ولا أحلامِ1


 كان الخلفاء يسعون وراء الشعر، ويغدقون الأموال على الشعراء، ليقولوا الشعر في مدح بني أميّة أو بني العبّاس وأنّهم على الحقّ، واليوم تُدفع الأموال بهدف ترويج الابتذال وذمّ الإسلام وأهل البيت وإهانة الشيعة، وهناك آلاف الأقلام المأجورة وبعضها أقلام ماهرة، تكتب من أجل دولارات النفط التي تغدق عليها، ويوجد بين أيدينا الكثير من الكتب التي تُدوَّن حول الإسلام والتشيّع والإمام (رضوان الله تعالى عليه) والجمهوريّة الإسلاميّة، وهي مجرّد إعلام، إلّا أنّه إعلام بأساليب حسنة ومحتوى سيِّئ، انظروا إلى هذه القضيّة كم هي مهمّة"2.
 
الإمام القائد: "اختاروا أفضل بيان وأكثره جاذبيّة، أي الشعر الجميل، والشاعر المقتدر -وهم كثر والحمد لله- والمفاهيم الجيدة"3.
 
أ- اللفظ
الإمام القائد: "يتألّف الشعر من أمرين: أحدهما اللفظ، والآخر المعنى والمضمون"4.
 
الإمام القائد: "تخيّروا من الشعر ما كان مستواه راقياً من الناحية الفنيّة، لأنّه مؤثّر، فالشعر الجميل والشعر الفنّي، يمتلك خاصيّة الفنّ العامّة، وهي عبارة 
 
 
 
 

1- المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 46، ص 338.
2- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
3- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.
4- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
186

170

الفصل الرابع: أركان المديح

 عن التأثير في المستمع من دون أن يلتفت إلى ذلك بل حتّى مع عدم التفات المتكلّم له أيضاً في كثير من الموارد، فالشعر والرسم وباقي أنواع الفنّ كالصوت الحسن واللحن الجميل كلّها تؤثّر في المستمع من دون أن يشعر بذلك، وهذا أفضل أنواع التأثير"1.

 
الإمام القائد: "من الواضح أنّ الشعر الحسن... ليس هو الشعر الذي يتضمّن فقط المعاني الحسنة، بل ينبغي أن يكون فنيّاً استعملت فيه الألفاظ الحسنة والكلمات المناسبة"2.
 
الإمام القائد: "... أوّلاً ينبغي أن تكون ألفاظ الشعر حسنة، وليس كلّ من أنشد شعراً فهو شاعر، وليس إذا تصوّر الشخص غير المبدع أنّ شعره حسن، فهو شعر حسن؛ فالسؤال هنا عن فائدة الشعر، ما هي؟ فائدته أن يترك أثره الكبير في المخاطب من دون أن يلتفت إلى ذلك، هذا هو الفنّ، الفنّ الراقي يؤثّر في نفس المخاطب حتّى لو لم يدرك أنّه فنّ راقٍ، وهذا ما يميّز هذا الفنّ من الفنّ السطحيّ العامّي والمبتذل، هذه هي فائدته المرجوّة، ولذلك ينبغي أن يكون اللفظ متيناً، حسناً، جميلاً، وينبغي أن تكون مضامينه جذّابة، جديدة، غير مكرّرة وتحتوي- وهذا هو الأهمّ- على المعرفة"3.
 
ب- المضمون
الإمام القائد: "بالإضافة إلى اللفظ ومضمون الألفاظ، هناك مقولة أخرى وهي مقولة المؤدّى، وهذا يعني أنّ ما توضحونه ينبغي أن يكون تعليميّاً، تصوّروا أنّ واعظاً يعتلي المنبر ويتحدّث بأمور لا تفيد الناس شيئاً جديداً من المعرفة والبصيرة، فهذا الشخص يهدر وقته ووقت الآخرين، وهكذا هو حال المنشد،
 
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
3- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
187

 


171

الفصل الرابع: أركان المديح

 الإشكال في أن تقرأوا شعراً حول السيّدة الزهراء عليهاالسلام - حتّى لو كان حسن اللفظ - ثمّ لا يستفيد منه المستمع، ولا يزداد معرفةً بالسيّدة الزهراء عليهاالسلام مقدار ذرّة، ولا يفهم من مقاماتها التوحيديّة شيئاً، ولا من جهادها، وسلوكها وسجاياها التي تعتبر كلّها دروساً للبشر، لأنّها معصومة، والمعصوم هو مَثَل أعلى في كلّ ما يأتي به؛ وهذا يعني- أيّها الأعزاء- أنّ عملكم صعب! وهذا خلاف من يتصوّر أنّ عملكم عبارة عن حفظ بضع كلمات، ثمّ أداؤها بصوت حسن، كلّا، فإنّ عملكم صعب جدّاً، هو عمل فنّي، مؤثّر، هادف وهادٍ"1.

 
الإمام القائد: "إنّ ذلك الأثر المهمّ للشعر هو الذي يدعونا للتأكيد دائماً، في مثل هذه اللقاءات، على القول: اذهبوا واختاروا الأشعار الفارسيّة المتينة الموجودة في الكتب المتنوّعة، والمفيدة في توضيح المفاهيم والعقائد والأخلاق الإسلاميّة أو المناسبة للرؤية السياسيّة، أو كلّ ما يحتاج إليه مجتمعنا الإسلاميّ، وعندئذٍ ستصبحون عبارة عن "الكميت" و"دعبل".
 
وكما ذكرنا فإنّ من جملة الأمور التي ينبغي أن تكون موجودة في هذه الأشعار، هو المفاهيم الإسلاميّة الراقية- كالتوحيد والنبوة- ولعلّ أفضل الأبيات الشعريّة للقدماء حول التوحيد والنبوّة، تلك المدائح التي ذكرها شعراؤنا الكبار في مقدّمة دواوينهم، وهي ذات مضامين عميقة تزيد القارئ معرفةً بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام أو السيّدة الزهراء عليها السلام، لا أدّعي المعرفة الكاملة، لأنّنا لا نتمكّن من معرفة أولئك العظماء معرفة كاملة، إلّا أنّه يجب السعي بقدر المستطاع. فعندما نقرأ شعراً حول الإمام عليّ عليه السلام، ينبغي أن نتعرّف على المقام المعنويّ لعليّ عليه السلام - هذا المقام الذي لا نعرف عنه إلّا القليل وهو خفي عن أذهان وأفكار وقلوب الناس المتوسّطين، ومن هم أقلّ من ذلك - وكذلك يجب أن نتعرّف على عبادته
 
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
188

172

الفصل الرابع: أركان المديح

  ومظلوميّته وحكومته وعدله ومساندته الضعيف وجهاده ومواجهته للظالمين"1.

 
الإمام القائد: "أنا مسرور جدّاً أن أرى- وبحمد الله- أنّكم في هذه المجالات تتقدّمون جيّداً، وتنظّمون أشعاركم وألحانكم وإنشادكم بناءً على حاجات العصر. فينبغي أن تستمرّوا في هذا الأمر، وأوصي الأخوة الأعزّاء الذين يشاركون في هذه الجلسات، سواء كانوا من الأخوة الشعراء الذين يشاركون في الملتقيات الأدبيّة والشعريّة التي يتمّ فيها اقتراح وطرح موضوع للحديث، أو كانوا من الأخوة المنشدين المنتشرين في المجتمع في طهران، أو قمّ، أو مشهد أو في أيّ مكان آخر، وبالأخصّ في أماكن تواجدهم الكبير، أوصيهم جميعاً أن ينشدوا الشعر الذي يحتوي على المضامين والمواضيع المهمّة التي قيل فيها شعر أو ينبغي قوله فيها"2.
 
الإمام القائد: "ابحثوا في المجامع الأدبيّة والمجامع الإنشاديّة عن المواضيع التي ينبغي أن يقال فيها الشعر، ثمّ تصاغ الأشعار حسب تلك المواضيع والمناسبات المختلفة التي يتمّ الإعلان عنها كعشرة الفجر وأمثالها، هناك أبعاد في حياة الإمام السجّاد عليه السلام ينبغي التعرّف عليها وقول الشعر فيها، وإذا كان هناك شعر فيها، فيجب البحث عنه والحصول عليه وقراءته للناس، فهل يمكن اعتبار حياة الإمام السجّاد خالية من الملحمة وهو الذي أمضى ثلاثين عاماً في الجهاد، وقد أورد تلك الخطبة المعروفة في الشام، فأوجد تلك الثورة وذلك التغيّر في العالم الإسلاميّ؟ لنفتّش عن تلك الملاحم، فإنّ شعبنا اليوم وجميع شعوب العالم تحتاج إلى تلك الملاحم"21.
 
الإمام القائد: "إنّ الكثير منهم (الشعراء الذين كانوا محلّ اهتمام أهل البيت عليهم السلام) هم شعراء تربطهم علاقة بأهل البيت عليهم السلام إلّا أنّ أشعارهم لم تكن 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/ 68 هـ. ش.
2- لقاء الإمام القائد مع مجموعة المدّاحين 11/12/64 هـ. ش.
3- المصدر نفسه.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
189

173

الفصل الرابع: أركان المديح

 كلّها حول أهل البيت، انظروا إلى ديوان "دعبل الخزاعيّ"، فهو ليس ديواناً يمتدح فيه أهل البيت عليهم السلام من بدايته إلى نهايته، فهو شاعر، إلّا أنّ شعره، شعر سياسيّ يدور حول أفكار وعقائد ومحبّة أهل البيت، فهو من الموالين لأهل البيت عليهم السلام. والولاية تعني التعلّق والإرتباط فهو من المرتبطين بهم عليهم السلام، انظروا إلى السبب الذي جعل أمثال دعبل والكميت يحوزون على ذلك التقدير والإحترام في عالم التشيّع وفي عصر الأئمّة عليهم السلام ما هو؟"1.

 
أولاً: اختيار الأشعار القويّة
الإمام القائد: "كان بعض الأخوة المنشدين يقول: إنّنا إذا اخترنا شعراً متيناً لشاعر كبير، فإنّ الناس لا يفهمونه، لذلك نحن ملزمون بالاستفادة من هذه الأشعار. والواقع ليس كذلك، فأنا لا أقبل بهذا الأمر؛ عندما تتحدّثون مع الناس بلغة الشعر فإنّ هذا الشعر يترك أثره في قلوب الناس حتّى وإن كان معقّداً، إذا قرأه المنشد بأسلوب فنّي وكلمة بكلمة"2.
 
الإمام القائد: "تتمكّن مجموعة المنشدين من إيفاء الدور المطلوب منها عندما تمتلك لغة لطيفة مثل: الشعر الراقي والمحكم والقويّ والمعبّر، ومضموناً مهمّاً كـ: الشعر الأخلاقيّ، أو التاريخيّ، أو العقائديّ: كـ: التوحيد والنبوّة والولاية، فالشعر موجود في جميع هذه الموارد، وفي اللغة الفارسيّة هناك مقدار كبير من الشعر الحسن والمحتوي على الحكمة، بحيث لو أراد الشخص أن يقرأ منه لمدّة عشر سنوات من دون تكرار، لأمكنه ذلك. هناك الكثير من الشعراء المبدعين منذ القدم وإلى عصرنا الحاضر، فالأمر المهمّ إذاً هو اللغة الحسنة، والشعر الحسن، والمضمون ذو الحكمة الأعمّ من الاعتقاد والأخلاق، أو الذي يحتوي على المصيبة 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
2- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
190

174

الفصل الرابع: أركان المديح

 والمدح، أو القضايا الإجتماعيّة وقضايا الثورة وأمثالها"1.

 
الإمام القائد: "ينبغي أن تكون أشعاركم حسنة، قويّة، محكمة، ذات مضمون جيّد ومقنع، إنّ قصيدة واحدة تقرؤونها قد تترك أثراً بمقدار عدّة محاضرات يلقيها خطيب ماهر، وقد يبلغ بيت واحد من الشعر في محلّه من القيمة ما يبلغه كتاب، إلّا أنّ هذه الأمور لا تحصل بسهولة وبالمجّان، بل على الإنسان أن يتعب ويعمل ويسعى، ليحصل على الشعر الحسن ويقرأه، ولحسن الحظّ فقد راجت في هذه الأيّام عادة القراءة عن الورق، ولا إشكال في ذلك، وإن كان معيباً في الأزمنة الماضية، طبعاً لو تمكّن المنشدون من حفظ القصائد الشعريّة فهذا فنّ إضافيّ، والمهمّ أن يكون الشعر، حسناً، متيناً، قويّاً وذا مضمون جيِّد"2.
 
ثانياً: إيجاد الأجواء المناسبة لنقد الشعر
الإمام القائد: "اليوم وبحمد الله عندنا منشدون ماهرون، ونشكر الله تعالى أنّ أصحاب الفكر والرأيّ السياسيّ كثر وما نسمعه في بعض المناسبات من الأشعار، هو في الواقع أمور جيّدة، إلّا أنّه يجب عليكم أن تلتفتوا إلى ضرورة الاهتمام بمسألة الشعر. طبعاً هذه الجلسة غير مخصّصة لأن أجلس وأتحدّث عن بيت ما من الشعر، وأنّه كيف يمكن أن يكون أفضل، إلّا أنّ هذا العمل ينبغي أن يحصل في المجامع الأدبيّة، وهذا يعني أن تأخذوا هذا الشعر الذي قرأتموه والذي قد يكون جيّداً - لا أصدر حكماً عامّاً - وتطرحوه في أوساط المجامع الأدبيّة، ثمّ تقدّموا الجائزة لمن يتمكّن من نقد هذا الشعر أو إيراد إشكال مهمّ عليه، والهدف من هذا العمل أن يصبح الشعر قويّاً، استعينوا بالأشعار الراقية التي تكتبونها بأنفسكم، واعملوا على رفع مستوى الشعر عندكم"3.
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 10/10/69 هـ. ش. 
2- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 19/7/77 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
191

175

الفصل الرابع: أركان المديح

 ج- الشاعر

 

الإمام القائد: "الصوت واللحن يقدّمهما السادة المنشدون، أمّا اللفظ والمعنى فينبغي أن يقدِّمهما الشاعر. بعض الألفاظ، جميلة إلّا أنّها خالية من النتيجة، لا يحصل المستمع على شيء منها، وبعض المعاني، جيّدة وراقية، إلّا أنّها لم تُقدَّم بألفاظ مناسبة، وكلّ ذلك معيب"1.
 
الإمام القائد: "نحن نمتلك الكثير من الأشعار الغزليّة، فمثلاً انظروا إلى ديوان صائب. ففي وقت من الأوقات اخترت عدّة أبيات من هذه الأشعار وقدّمتها إلى أحد الأخوة المنشدين ليعمل عليها، إنّ ديوان صائب2 يحتوي على غزل جميل ومفيد يؤثّر في القلوب. وغيره أيضاً لديه مثل هذا النوع من الأشعار، فبعض الشعراء يمتلك بياناً جميلاً يتمحور حول عبادة الأئمّة عليهم السلام وخضوعهم وتضرّعهم وإنفاقهم وجهادهم في سبيل الله تعالى"3.
 
الإمام القائد: "هناك الكثير من المواضيع التي كتب الشعر حولها، ولا يعرف أحد عنها شيئاً، اذهبوا وانظروا ديوان إقبال على سبيل المثال، حيث إنّ الأبيات الشعريّة التي كتبها حول الإمام الحسين عليه السلام مشهورة، إلّا أنّ هذا الشاعر الباكستانيّ لم ير إيران على الإطلاق، وقد كتب مقداراً كبيراً من الشعر في المفاهيم الإسلاميّة - بالأخصّ المفاهيم الثوريّة الإسلاميّة - بحيث يعيشه الإنسان حالة راقية بسبب ذلك. أذكر جيّداً- قبل عشرين سنة- عندما كنّا نتحدّث حول هذه المسائل الثوريّة الإسلاميّة في المحاضرات والمجالس، كنّا نسرّ كثيراً عندما
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
2- صائب: ميرزا محمّد علي بن ميرزا عبد الرحيم صائب التبريزيّ المعروف بـ: "صائبنا" (1607- 1670م). وصل إلى منصب ملك الشعراء في بلاط الشاه عبّاس الثاني. كان من الأساتذة المشهود لهم في الغزل وشعره محكم تملأه موازين الفصاحة والبلاغة، وقد تميّز بتضمين أشعاره موضوعات عرفانيّة دقيقة رقيقة، ممّا يكسب غزليّاته عظمة وبهاء وسمات خاصّة.
3- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 11/12/64 هـ. ش.




 
 
 
 
 
 
 
 
 
192

176

الفصل الرابع: أركان المديح

  نجد بعض الأحيان بيتاً أو بيتين من شعر سعدي1 أو ناصر خسرو2 أو غيرهما، فكنّا ندوّنها ثمّ نستفيد منها في خطابنا وحديثنا، وعندما تعرّفت على ديوان إقبال- لعلّ ذلك كان عام 1345 أو 1346 هـ. ش- أعجبت بأشعاره، فكنت أقرأ تلك القصائد فأجدها مليئة بالمفاهيم التي نحتاج إليها، وكنت أتعجّب من وجود هذه المسائل التي كنّا نظنّ بأنّنا أوّل من يتحدّث بها، بينما هي موجودة لدى ذلك الإنسان العظيم بطريقة الشعر، هذا من باب المثال، واليوم شعراؤنا- بحمد الله- يقدّمون أشعاراً راقية، وأنتم تسمعون وتشاهدون نماذج منها"3.

 
2- اللحن
الإمام القائد: "ليس كلّ لحنٍ سيكون مفيداً لكم، بل هناك ألحان خاصّة تنفعكم، بالأخصّ تلك التي تؤدَّى بالأسلوب البيانيّ الخاصّ للإنشاد، ولو لم يكن هذا الأمر مهمّاً لمّا توقّفت عند جزئيّاته إلى هذا الحدّ، وإذا أمكن القيام بهذا العمل بشكل جيّد- ونحن نرى اليوم، بحمد الله، أنّ هناك الكثير من الأخوة يؤدّون هذا العمل منذ سنوات متمادية بشكل جميل جدّاً- فإنّ ذلك سيؤثّر كثيراً في التقدّم الفكريّ والعقائديّ والإسلاميّ لمجتمعنا"4.
 
أ- اختيار أو ابتكار اللحن المناسب
الإمام القائد: "إسعوا لابتكار اللحن بأنفسكم، فأنتم تمتلكون الكثير من الفنّ والكثير من الذوق، ممّا لا شكّ فيه أنّ من بين المخلصين لهذا العمل من يمكنهم
 
 



1- هو محمّد مشرف الدّين مصلح بن عبد الله بن شرف الدّين الشيرازيّ، ثالث الشعراء الثلاثة الكبار في إيران، ولد في مدينة شيراز في حدود عام 606 هـ، كان كثير السفر ويحمل من أسفاره الكثير من القصص والحكايات والتجارب المعنويّة، من أهمّ نتاجاته: المنظومة وهي في الأخلاق والتربية والوعظ. وأهمّ نتاجاته في النثر هو كتاب گلستان أي حديقة الورود الذي يحوي ثمانية أبواب: أحوال الملوك، أخلاق الدراويش، الفضيلة والقناعة، فوائد الصمت، العشق والشباب، الضعف والشيخوخة، تأثير التربية، وآداب الكلام. توفي حدود العام 691 هـ. 
2- ولد عام 1004م، وتوفي عام 1088م، رحّالة وشاعر وفيلسوف فارسيّ، له كتاب الأسفار أو "سفرنامه"، الذي دوّن فيه أخبار أسفاره في أرجاء العالم الإسلاميّ.
3- لقاء الإمام القائد مع مجموعة المدّاحين 11/12/64 هـ. ش.
4- لقاء الإمام القائد مع مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 10/10/69 هـ. ش.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
193

177

الفصل الرابع: أركان المديح

 إيجاد ألحان جيّدة مختصّة بالمنشدين وقرّاء العزاء وألحان الموالد والأفراح"1.

 
الإمام القائد: "ينبغي أن أشير إلى أنّ لحن الفرح يختلف عن لحن الحزن، وقد أصبح رائجاً اليوم إقامة الحفلات في أيّام العيد، فأنا لا أخالف ذلك، وليس سيّئاً أن يقوموا بالتصفيق، إلّا أنّه في بعض الأحيان عندما نسمع ذلك يُبثّ عبر الإذاعة ولا نستطيع سماع الشعر بشكلٍ واضحٍ نشعر وكأنّ ذلك اللحن والتصفيق هما لطم على الصدور، فهل هذا هو الفرح والسرور؟ فلو اختاروا لأيّام الفرح ألحاناً مناسبةً- غير مبتذلة ولا فاسدة وليست محرّمة- وأعدّوا لها أساليب مناسبة، فستكون أفضل وأكثر تأثيراً، وإذا كنّا قد اعتدنا على قراءة العزاء فلا ينبغي أن يكون كلامنا في مناسبات الأفراح والموالد شبيهاً بلحن العزاء ومناسبات المصائب والأحزان، وقد كان بعض المتقدّمين يقول إنّ كلّ ما يقرأه فلان فهو مثنويّ 35! وإنّ كلّ لحن يؤدّيه فهو مثنويّ ينبغي أن لا يكون الأمر على هذا النحو"2.
 
ب- استخدام الألحان الإيرانيّة الأصيلة، أو اتباع الأساليب والألحان الغربيّة؟
الإمام القائد: "في الأزمنة الماضية، كنّا نسمع على لسان الموسيقيّين المشهورين أنّ النواح وشبيهه قد حفظا الموسيقى الإيرانيّة الأصيلة،... واليوم ينبغي أن لا يقوم الشباب، سواء كانوا من منشدي الإذاعة والتلفزيون- والتي للأسف لا تمتلك وضعاً حسناً من هذه الجهة- أو منشدي جلسات المديح، بتقليد الألحان الأوروبيّة فيقرأوا كما يقرأ بعضُ المغنّين الغربيّين أو العرب، وقد كان هذا الأسلوب متّبعاً للأسف قبل الثورة، وقد ضيّعوا الموسيقى الإيرانيّة الأصيلة التي يمكن اعتبارها نوعاً من الموسيقى الحلال- وإن كان بعضها يعدّ حراماً، ولا فرق في ذلك بين الإيرانيّة وغيرها- وقد أصبح الوضع بعد الثورة أفضل، مع العلم أنّه من غير 
 
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.
2- المثنوي: أو "مثنوي معنوي" بالفارسي، هو ديوان شعري باللغة الفارسيّة لجلال الدّين الروميّ. يبلغ عدد أبيات المثنوي 25632 بيتاً، موزّعة بين أجزائه الستّة، وفيه 424 قصّة تشرح معاناة الإنسان للوصول إلى حبّه الأكمل الذي هو الله تعالى.
3- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
194

178

الفصل الرابع: أركان المديح

 إيجاد ألحان جيّدة مختصّة بالمنشدين وقرّاء العزاء وألحان الموالد والأفراح"1.

 
الإمام القائد: "ينبغي أن أشير إلى أنّ لحن الفرح يختلف عن لحن الحزن، وقد أصبح رائجاً اليوم إقامة الحفلات في أيّام العيد، فأنا لا أخالف ذلك، وليس سيّئاً أن يقوموا بالتصفيق، إلّا أنّه في بعض الأحيان عندما نسمع ذلك يُبثّ عبر الإذاعة ولا نستطيع سماع الشعر بشكلٍ واضحٍ نشعر وكأنّ ذلك اللحن والتصفيق هما لطم على الصدور، فهل هذا هو الفرح والسرور؟ فلو اختاروا لأيّام الفرح ألحاناً مناسبةً- غير مبتذلة ولا فاسدة وليست محرّمة- وأعدّوا لها أساليب مناسبة، فستكون أفضل وأكثر تأثيراً، وإذا كنّا قد اعتدنا على قراءة العزاء فلا ينبغي أن يكون كلامنا في مناسبات الأفراح والموالد شبيهاً بلحن العزاء ومناسبات المصائب والأحزان، وقد كان بعض المتقدّمين يقول إنّ كلّ ما يقرأه فلان فهو مثنويّ 2! وإنّ كلّ لحن يؤدّيه فهو مثنويّ ينبغي أن لا يكون الأمر على هذا النحو"3.
 
ب- استخدام الألحان الإيرانيّة الأصيلة، أو اتباع الأساليب والألحان الغربيّة؟
الإمام القائد: "في الأزمنة الماضية، كنّا نسمع على لسان الموسيقيّين المشهورين أنّ النواح وشبيهه قد حفظا الموسيقى الإيرانيّة الأصيلة،... واليوم ينبغي أن لا يقوم الشباب، سواء كانوا من منشدي الإذاعة والتلفزيون- والتي للأسف لا تمتلك وضعاً حسناً من هذه الجهة- أو منشدي جلسات المديح، بتقليد الألحان الأوروبيّة فيقرأوا كما يقرأ بعضُ المغنّين الغربيّين أو العرب، وقد كان هذا الأسلوب متّبعاً للأسف قبل الثورة، وقد ضيّعوا الموسيقى الإيرانيّة الأصيلة التي يمكن اعتبارها نوعاً من الموسيقى الحلال- وإن كان بعضها يعدّ حراماً، ولا فرق في ذلك بين الإيرانيّة وغيرها- وقد أصبح الوضع بعد الثورة أفضل، مع العلم أنّه من غير 
 
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.
2- المثنوي: أو "مثنوي معنوي" بالفارسي، هو ديوان شعري باللغة الفارسيّة لجلال الدّين الروميّ. يبلغ عدد أبيات المثنوي 25632 بيتاً، موزّعة بين أجزائه الستّة، وفيه 424 قصّة تشرح معاناة الإنسان للوصول إلى حبّه الأكمل الذي هو الله تعالى.
3- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
194

179

الفصل الرابع: أركان المديح

 المقبول أن يقوم المنشد بتقليد اللحن الغربّي أو الألحان الرائجة في مجالس اللهو ثمّ يستخدمها في مجالس الإيمان والفضيلة، فهذا خطأ، التجديد أمر مطلوب وجيّد، إلّا أنّه ليس على هذا النحو، كلّ ما ذكرناه فهو يعود إلى اللحن، لأنّ اللحن يعتبر مسألة مستقلّة بحدّ ذاتها، إذ إنّ الصوت الجميل قد يصبح سيّئاً بسبب اللحن السيّئ، كما أنّ الصوت المتوسّط الجمال قد يصبح جميلاً بسبب اللحن الحسن"1.

 
3- الصوت الجميل
الإمام القائد: "انظروا إلى الفائدة، كم ستكون عظيمة لو أمكن تقديم الإنشاد من خلال شعر جميل ذي مضمون ومحتوى جيّد، وصوت جميل، فإذا تهيّأ ذلك فتفضّلوا باسم الله، فهذه هي الساحة وهذا هو الميدان، إلّا أنّ الشرط الأوّل لذلك، أن يكون الشعر جيّداً، إذا كان الشعر سيّئاً، فإنّ أيّاً من هذه الفضائل التي ذكرت لن تكون موجودة، انظروا إلى التأثير الكبير الذي سيتركه الأشخاص الذين يمتلكون الخصائص الآتية، يقرؤون قصيدةً رائعةً في مكان مناسب وبلحنٍ جميلٍ ومضمون جيّد ومن خلال صوت جميل وحنجرة مساعدة وبلحن ومضمون مناسبين، طبعاً تجدر الإشارة إلى أنّ مسألة الحنجرة هي مسألة مستحبّة ونافلة في الشعر، لأنّ الشعر هو الفريضة، أي أنّ الشعر يصبح تأثيره مضاعفاً إذا قُرئ بصوت جميل، إلّا أنّ الصوت الجميل ليس من أركان هذا العمل. طبعاً القصيدة الراقية التي يقرأها الشخص بصوتٍ جميل بهذا النحو، ستكون قيمتها أكبر من محاضرة يلقيها عالم لمدّة ساعة من الزمن"2.
 
الأمر الثاني- الفكر
الإمام القائد: "العنصر الثاني هو الفكر، لأنّ المنطق والاستدلال والكلام 
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
195

180

الفصل الرابع: أركان المديح

 الدقيق والصحيح والجيّد موجودة بكثرة في ثنايا هذه الأشعار، ويمكنها إقناع الأذهان، طبعاً للمنطق أشكال متعدّدة، قد يكون برهانيّاً، أو خطابيّاً، أو شعريّاً، والمقصود أنّ بالإمكان إيصال هذا النداء إلى أعماق ذهن المخاطب وإقناعه من خلال الشعر"1.

 
الأمر الثالث - الرسالة الدينيّة والمعنويّة
الإمام القائد: "الخصوصيّة الثالثة لكم، أنّكم تحملون رسالة دينيّة، أي أنّكم تمتلكون جانباً معنويّاً وروحانيّاً، هناك الكثير من المنشدين في الدنيا والذين قد يقرأون أشعاراً جميلة، إلّا أنّهم لا يقرأون من موقع المديح لأهل البيت عليهم السلام، أمّا أنتم فتقرأون من ذلك الموقع، وتتحدّثون من موقع معنويّ وروحانيّ"2.
 
- مصدر وسند المحتوى المقدّم
الإمام القائد: "ينبغي العمل على أن يكون النواح والأشعار والمراثي ذات مغزى ومضامين صحيحة، وتعتمد على الآثار الصحيحة الواردة عن الأئمّة عليهم السلام أو العلماء الكبار"3
 
الإمام القائد: "كان بعض الأخوة يقول، إذا كان ما نقرأه خطأ فأخبرونا حتّى لا نقرأه، وليس المقصود أن نمنع من قراءة كلّ ما لا نقبله أو نشكّ فيه، لأنّنا إذا فعلنا ذلك، فقد يجد الأخوة القرّاء أنفسهم ضمن دائرة ضيّقة جدّاً! لا ينبغي القول: نحن لا نقرأ إلّا ما ثبت قطعاً في التاريخ، فعندئذٍ لا يمكنكم قراءة أيّ شيء، حتّى ما هو موجود في "اللهوف" لابن طاووس فهو من خبر الواحد، لذا فاقرأوا من كلّ ذلك ما هو معقول، طبعاً هذا لا يعني أن يقوم الإنسان باختراع كلّ ما هو معقول من عنده وقراءته، لا، بل عليكم جعله يعتمد على الواقع المنقول. وممّا لا شكّ فيه
 
 
 

1- من كلام له في لقاء مجموعة من المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 19/7/77 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
3- من جواب له على رسالة إمام جمعة أردبيل حجّة الإسلام والمسلمين مروّج 27/3/73 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
196

181

الفصل الرابع: أركان المديح

  أنّ كلّ حديث عندما يختلط بالفنّ فإنّه يترافق مع بعض الزوائد الخارجيّة، التي لا إشكال فيها، بشرط أن لا تصبح تلك الزوائد هي كلّ شيء، بل يُستخرج الأصل من الواقع، الذي يتمّ إلباسه ظاهراً فنيّاً، قد لا يكون المجال متاحاً الآن للحديث عن هذه الأمور، إلّا أنّ هذه الأمور هي قضايا ينبغي التداول بها والحديث عنها والتذكير بها. في أدعيتنا وزياراتنا يوجد الكثير من التعابير الجميلة والمعنويّة التي تشير إلى الحقائق، لذلك ينبغي أن تكون هي المحور، يمكن أن نجعل ما ذُكر في كتب الشيخ وابن طاووس والمفيد وغيرهم من العظماء هو المحور والأصل، وبعد ذلك يمكن تقديم ذلك في قالب فني جميل ولائق. طبعاً لكلّ شخص سليقته الخاصّة في البيان وهذا لا إشكال فيه، لذلك فإنّ الدور الذي تقومون به، دور مهمّ جدّاً. وأنا مصرّ على تكرار هذه المسألة على مسامع الأخوة المنشدين الأعزّاء، وهي أنّ هذا الدور هو دور مهمّ وحسّاس جدّاً، فلا تستخفّوا به"1.

 
 
 

1- لقاء الإمام القائد مع مجموعة المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 10/10/69 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
197

182

الفصل الرابع: أركان المديح

 

 

 

 

 

198


183

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

 الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

الإمام القائد: "لقد كنت ومنذ سنوات طويلة حيث كانت تقام هذه الجلسات- وقد مضى حتّى الآن أكثر من عشرين سنة- ألتقي فيها كلّ عامّ بالمنشدين المحترمين في هذه الجلسة السنويّة- منذ فترة رئاستي للجمهوريّة، حيث كانت تقام الجلسة سنويّاً- كنت أتحدّث في كلّ عام بكلمة حول الإنشاد والمنشدين والذاكرين، فلا أرغب بتكرار ذلك، ولكنّي أودّ القول إنّ على الأخوة المنشدين إدراك أهميّة هذا العمل، فإذا اّتضحت الأهميّة- وبموازاة الأهميّة تكون المسؤوليّة- يمكنهم عند ذلك إدراك المسؤوليّة في هذا العمل، ما معنى المسؤوليّة؟ أي أنّنا سنُسأل، نقرأ في دعاء مكارم الأخلاق: "واستعملني بما تسألني غداً عنه"1 ومعنى هذه الفقرة من الدعاء، أنّك يا إلهي، ستسألني غداً يوم القيامة، فأعنّي كي أهيّئ الجواب اليوم، لما تسألني عنه غداً، فهناك إذاً مسؤوليّة على عاتقنا، فإذا كنّا سنُسأل، فلنعمل ما يكون جواباً عن ذلك السؤال.
 
إذا اتّضح هذا الأمر، عند ذلك نذهب للبحث حول كيفيّة تحقيق ذلك! إنّ جميع
 
 
 

1- الصحيفة السجّاديّة، الدعاء 20.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
200

184

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

  ما تكلّمنا به- الكلام الذي ذكره الأشخاص المسؤولون، العالمون، الواعون والذي ذكره المنشدون وأقاموا لأجله الجلسات - هو من أجل الجواب عن هذا السؤال: ماذا ينبغي أن نفعل؟ هذا السؤال يحتاج الجواب عنه إلى كتاب"1.

 
الإمام القائد: "لقد تحدّثت معكم مراراً بهذا الموضوع، وهو أنّ رتبة الإنشاد ومنبره هما من أشرف المراتب، تحدّثنا كثيراً حول هذا الموضوع، ولا نرغب بتكرار ذلك، واليوم- بحمد الله- فإنّ إقبال الناس والشباب على إنشاد المدّاحين، إقبال جيّد، أنتم تشاهدون الناس كيف يستقبلون أو يظهرون علاقتهم ويقدّرون هذه المجالس ويحتشدون فيها ويتحدّثون عنها، ويقدّمون المال لأجلها، فهذا يدلّ على مكانة خاصّة وحسّاسة، وإذا أصبح الموقع حسّاساً ومهمّاً تصبح المسؤوليّة أيضاً حسّاسة وخطيرة"2.
 
الأمر الأوّل - الوظائف الشخصيّة للمنشدين
 
1- تهذيب النفس
الإمام القائد: "لمولوي4 تمثيل جميل، يقول فيه: إنّ الماء الذي يستعمله الخلق، يعطي بنفسه الطهارة ويضفي عليهم الطراوة والنظافة، بل هو يعطي الطهارة للوجود بشكل عامّ، إلّا أنّ هذا الماء بنفسه أيضاً يحتاج إلى التطهير، وأمّا الذي يعطي الطهارة للماء، فهو تلك القوّة المودعة في الخلقة الإلهيّة التي اقتضت أخذه إلى الأعلى وتحويله إلى غيوم وأمطار ومياه صافية وطاهرة ونقيّة ومن ثمّ يتمّ إرجاعه إلى الأسفل، هذا الماء هو بعينه الماء السابق، إلّا أنّه أصبح طاهراً، ففيه عمليّة تصفية وتزكية ببركة العروج والعلوّ والتبدّل والاستحالة. ثمّ يضيف مولوي
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.
2- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
201

185

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

  بأنّ أهل المعرفة إذا فقدوا، بعض الأوقات، هذين الاستحالة والعروج، فإنّهم سيفقدون هذه الثروة الثمينة، حتّى ولو كانوا هم أنفسهم وسيلة لطهارة ونزاهة وجمال الآخرين، فينبغي لنا أوّلاً، أن نسعى دائماً لتصفية نفوسنا من الداخل في كلّ حين، وهذا ما يحتاج إليه الجميع ولا فرق بينهم، وأنا أحتاج إلى هذه التصفية الداخليّة أكثر منكم، وأنا الذي أحدّثكم بذلك، ولا يحسبنّ أحد أنّ هذا الكلام هو للمجاملات بل الأمر هكذا حقيقةً. فإذا لم نقم بهذه التصفية فإنّ هذا الماء الذي كنتم تغسلون به أيديكم ووجوهكم، في يوم من الأيّام، سيتحوّل بعد مدةٍ من الزمن إلى ماءٍ غير صالحٍ ولا يرغب الإنسان بالاقتراب منه أو استخدامه، لهذا ينبغي أن نقوم بتصفية أنفسنا من الداخل"1.

 
2- زيادة رأسمال المحبّة لأهل البيت عليهم السلام من خلال الارتباط العمليّ بهم
الإمام القائد: "في حديثنا مسألتان، أمّا الأولى: فينبغي أن لا نكتفي بالمحبّة من بعيد أو الإحساس بالمحبّة، هذا الإحساس الذي نستعمله عادة في الحياة، لو لم توجد المحبّة، لن تكون هذه الرابطة العمليّة موجودة، وفي ظلّ تلك المحبّة يمكن إيجاد هذا الارتباط العمليّ، وإذا فُقد هذا الاتصال العمليّ، أصبح أصل تلك المحبّة محلّ إشكال، ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾2، ويلحق بالمحبّة الطاعة والاتّباع.
 
أمّا المسألة الثانية فتتعلّق بكــم، أنتــــم المنشديــــن وذاكري فضائل أهــــل البيـــــت عليهم السلام، أكثر الناس قدرةً على وصل حلقة العمل بحلقة المحبّة فتساهمون في إيجاد سلسلة واقعيّة. فما دام الشخص بعيداً عن أهل المحبّة، فلا يمكنه دخول هذا الوادي الذي أنتم فيه، وأمّا الذي يتمكّن من وضع قدمه فيه، فلا بدّ أن تكون جذور المحبّة والاستعداد والقابليّة موجودة فيه. إنّ مسؤوليّة كلّ إنسان هي زيادة 
 
 
 

1- المولوي: محمّد بن محمّد بن حسين بن بهاء الدّين البلخيّ، (1207- 1273) المعروف بمولانا جلال الدّين الروميّ. هو أديب وفقيه ومنظِّر وقانوني صوفيّ، عرف بالروميّ لأنّه قضى معظم حياته لدى سلاجقة الروم في تركيا الحاليّة، وهو مؤلّف ديوان المثنوي.
2- لقاء الإمام القائد مع مجموعة مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 10/10/69 هـ. ش.
3- سورة آل عمران الآية 31.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
202

186

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

 رأسماله في هذا المجال، فاعملوا على زيادة رأسمال المحبّة والمعرفة عندكم. وعلى كلّ شخص منّا وفي أيّ مرتبة من المراتب أن يعمل على الرفع من مستواه وإلّا فإنّه سيخسر، أيّها الأخوة! إنّ هذا الرأسمال المعنويّ هو كالرأسمال المادّي حيث قد ينتهي وينفد، فإن لم تضيفوا إليه، فسيؤول إلى النهاية والنفاد... إنّ أصل المسألة هو أنّكم تفجّرون تلك المحبّة من داخلكم وتستفيدون من كلمات الآخرين وأشعار الشعراء والأناشيد الجميلة، والبعض منكم يعدّ وينظم أناشيدكم أيضاً لذا فاعلموا أنّ دوركم كبير وكبير جدّاً"1.

 
3- ضرورة معرفة الدور الخاصّ في المواجهة الثقافيّة
الإمام القائد: "اليوم تقوم كافّة مراكز وأقطاب القوى الفكريّة والإعلاميّة في الدنيا بالتخطيط للقضاء على هذه الجذور المحكمة في هذه الأرض، وعلى هذا الإيمان الإسلاميّ، والالتزام الإسلاميّ والقرآنيّ، وهذه القلوب المؤمنة. أنتم تجلسون هنا، وتتصوّرون أنّ الحياة تسير، لا أيّها السادة! هناك حرب، حرب واقعيّة، يقف في أحد أطرافها هذا النظام وهذا المجتمع، ومفكّروه والفعّالون فيه في مختلف المجالات ومن جملتهم أنتم المنشدين، وفي الطرف المقابل يقف الذين يرغبون باقتلاع جذور هذا الإيمان من هذه الأرض المقدّسة، ومن هذه القلوب الطاهرة؛ لأنّهم قد أدركوا أنّ ذلك النظام وذاك البناء الذي أسّس على تلك الشاكلة، لا يتّفقا مع منافعهم ومصالحهم الظالمة، وأدركوا أيضاً أنّ ذانك النظام والبناء لن يسكتا على التعدّي والسعي إلى السيطرة اللذين تمارسهما القوى الاستكباريّة. لذلك فهم يعملون بمختلف أنواع الحيل والخداع على إفراغ قلوب الناس من الفكر التوحيديّ، والفكر الولائيّ، ومحبّة أهل البيت عليهم السلام، والقرآن، والتمسّك بالمباني الدينيّة والغيرة عليها، والالتزام بمواجهة الظلم وقبح الرضا به.
 
 
 

1- لقاء الإمام القائد مع مجموعة مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 10/10/69 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
203

187

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

 إنّ الهدف والغاية اللذين يعملون لأجلهما هما زعزعة الأسس الفكريّة الثابتة والمتجذّرة في قلوب هؤلاء الناس وعقولهم وأرواحهم، والتي تهديهم إلى الصراط المستقيم.

 
إنّ هذه الأموال التي يقولون إنّهم يصرفونها لأجل هذا العمل، فهم لا يصرفونها لأجل القذائف والرصاص، بل المقدار الأكبر من مصاريفهم يتوجّه إلى هذه الأعمال الإعلاميّة والثقافيّة بأشكال متنوّعة. طبعاً هناك مقاومة واضحة من هذه الجهة، لا بل هناك هجوم أيضاً، وعلى هذا الأساس هناك حرب دائرة. في هذه الحرب توجد مسؤوليّة ثقيلة واقعة على عاتق جماعة من الناس لها علاقة وارتباط بإيمان الناس وقلوبهم ومعارفهم. واسم الأئمّة المبارك وأهل البيت، في هذه الحرب، مسؤوليّة ثقيلة، أيّها الأخوة الأعزّاء، اعرفوا هذه الوظيفة بشكل صحيح واستفيدوا منها بشكل صحيح"1
 
الأمر الثاني - وظائف المنشدين بالنسبة إلى مخاطَبيهم
 
1- زيادة إيمان المخاطب
الإمام القائد: "لنفكّر عندما نقرأ الشعر أنّ إيمان المخاطب يجب أن يزداد، ولذلك فلا نقرأ كلّ شعر، ولا نقرأ كيف ما كان، علينا أن نقرأ بطريقة يكون فيها أثر لمجموع اللفظ والمعنى واللحن، في سبيل أيّ شيء؟ لأجل زيادة إيمان المخاطب، طبعاً هذا أمر يسهل قوله ولكن تنفيذه صعب. نعم أنتم تملكون القدرة على العمل، أنتم تمتلكون أصواتاً جميلة وتتمتّعون بحافظة حسنة وتتحلّون بقوّة ونشاط جيّدين، لذلك يمكنكم القيام بالأمور التي تحدّثت عنها"2.
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
204

188

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

 2- شكر نعمة ولاية أهل البيت عليهم السلام

الإمام القائد: "عندما لا تكون النعمة بيد الشخص، فلا يسأل عنها لعدم وجودها، ويُسأل الشخص عنها إذا وجدت في يده، ومن أكبر النعم، نعمة ذكر الحسين بن عليّ عليه السلام، أي نعمة مجالس العزاء ونعمة محرّم وعاشوراء، في مجتمعنا الشيعيّ. للأسف إنّ بعض المسلمين غير الشيعة لم يستفيدوا من وجود هذه النعمة، إلّا أنّهم يمكنهم ذلك، مع العلم أنّ بعض المسلمين غير الشيعة يقيمون مجالس محرّم وعاشوراء في أماكن متفرّقة، وإن كان ذلك الأمر غير رائج بينهم كما ينبغي ويُرجى، وبما أنّ إحياء محرّم وعاشوراء والإمام الحسين عليه السلام رائج بيننا، فما هي الفائدة التي ينبغي أن نحصل عليها من هذا الذكر وهذه المجالس؟ وكيف يكون شكر هذه النعمة؟"1.
 
الإمام القائد: "نشكر الله تعالى كثيراً على نعمة ولاية السيّدة الزهراء والصدّيقة الكبرى- وقد أشار بعض الأخوة المدّاحين في أشعاره إلى هذا المعنى- ونشكر الله تعالى على معرفتنا بها، وتوسّلنا بذيل عنايتها، ونشكر الله على معرفتنا بنعمة وجودها، وطلبنا المعرفة منها، ومحبّتنا لها. يجب الحفاظ على هذه النعم الإلهيّة الكبرى"2.
 
3- ملء الفراغ العلميّ- الأخلاقيّ والسياسيّ الإجتماعيّ- عند الشباب
الإمام القائد: "فتّشوا بين جيل الشباب- سواء الفتيات أو الفتية- وانظروا ما هو الفراغ المعرفيّ الذي يعاني منه مجتمعكم، وما هي العناصر الأخلاقيّة البنّاءة التي يتألّم بسبب فقدانها. فتّشوا عن ذلك العنصر الأخلاقيّ في الوجود الطاهر لفاطمة الزهراء عليهاالسلام وفي فضائل أهل البيت عليهم السلام، واجعلوه بلغة الشعر وقدّموه للناس، ابحثوا عن الدرس الذي نحتاج إليه في حياتنا السياسيّة والإجتماعيّة، 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من علماء محافظة "كهگيلويه وبوير أحمد" على أعتاب شهر محرّم 17/3/73 هـ. ش.
2- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
205

189

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

 واستخرجوه من حياة أولئك العظماء وبالأخصّ من هذه العظيمة، ووضّحوه بلغة الشعر. هذه أمور مهمّة ولازمة"1

 
4- عدم الاكتفاء بمحبّة أهل البيت عليهم السلام وضرورة استلهام الدروس من أولئك العظماء
الإمام القائد: "لا ينبغي أن نراوح مكاننا في عظمة السيّدة الزهراء، ومن ثمّ نتساءل: كيف يمكننا توضيح هذه العظمة؟ وهل نتوسّل الشعر أو النثر أو الكلام؟ لا ينبغي ذلك، فنحن نحتاج إلى تلك العظمة، إنّ تلك الشمس المضيئة والساطعة ترسل شعاعها إلى جميع موجودات العالم، وقد وصل شيء من شعاعها إلى داخل منازلنا، ينبغي لنا أن نفكّر في كيفيّة الاستفادة منها. إنّ تلك الشمس عالية جدّاً، ولا يصحّ أن نجلس ساعات طويلة نتحدّث في وصف تلك الشمس - التي لا نعلم ما هي ولا يصل ذهننا إليها - ونقرأ الشعر فيها، ثمّ لا نذهب للجلوس تحتها ليحظى بدننا بدفئها وينمو جسمنا وتستمرّ حياتنا،2 لأنّ شأن أولئك العظماء عالٍ وعالٍ جدّاً...
 
لا يكفي مجرّد المديح- الذي تكون ألفاظه بعض الأحيان مبهمة، فلا المستمع يفهم المراد بشكل صحيح ولا المتكلّم - نحن ينبغي أن نظهر حبّنا، وإظهار المحبّة كمالٌ لنا، "مادح الشمس يمدح نفسه" مع العلم أنّه لا ينبغي الاكتفاء بذلك، نحن يجب أن نتطلّع اليوم إلى الدرس الذي يمكن أن نتعلّمه من هؤلاء العظماء. وفي هذا الإطار يكون للمبلّغ وظيفة، وللفنّان وظيفة، وللسينمائيّ وظيفة، ولمعدّي التلفزيون وظيفة، وللمنبريّين وظيفة، وللمنشدين في الاجتماعات وظيفة. أريد القول إنّ عليكم البحث عن وظيفتكم إلى جانب هذه الوظائف الثقيلة الملقاة على عاتقنا جميعاً. هذه هي وصيّتي دائماً للإخوة الأعزّاء"3.
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 17/5/83 هـ. ش.
2- "لا تدعوا العمل الصالح والاجتهاد في العبادة اتّكالاً على حبّ آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لا تدعوا حبّ آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم والتسليم لأمرهم اتكالاً على العبادة، فإنّه لا يقبل أحدهما دون الآخر". (المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص 346).
3- من كلام له في لقاء جمع من المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 17/5/83 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
206

190

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

 الإمام القائد: "إنّ الروايات الموجودة في "الكافي" الشريف وبعض الكتب الأخرى في باب علامات الشيعة، ناظرة إلى هذه المسألة، أي أنّ على الشيعة أن يعملوا على هذا النحو، ينبغي علينا أن نظهر نهجهم- ولو بشكل ضعيف- من خلال سلوكنا في الحياة، فأين نحن وأين أولئك العظماء؟ من الواضح أنّنا لا نصل إليهم، إلّا أنّه ينبغي علينا التشبّه بهم - فلا يمكن أن نسير في الطريق المقابل لنهج أهل البيت عليهم السلام ثمّ ندّعي أنّنا من الموالين لهم!1 فهل يعقل ذلك؟ تصوّروا شخصاً يعيش في زمان إمامنا العظيم، ويتّبع أعداء هذه الأمّة- ممّن كان الإمام ينتقدهم دائماً- فهل يتمكّن هذا الشخص الإدعاء بأنّه تابع للإمام؟! وإذا صدر هذا الكلام عن شخص، ألا تضحكون منه؟! وهذا نفسه ينطبق على مسألة أهل البيت عليهم السلام"2.

 
الإمام القائد: "إنّ بناء الحقّ ينبغي أن يرتفع، ولا تتصوّروا أنّ زوال الباطل، يجعل الحقّ يظهر في العالم من تلقاء نفسه ومن دون جهد، بل إنّ باطلاً آخر سيأتي ويحلّ مكان الأوّل إلّا إذا تمكّن الحقّ من فرض وجوده كما هو عليه. إنّ الباطل يتوالى واحداً بعد الآخر، يزول واحد ويأتي الآخر، فالزوال هو طبيعة الباطل، ولكن لا يحسبنّ أحد أنّ زوال الباطل قد يؤدّي إلى وجود الإسلام والحقّ في العالم من دون جهد ومشقّة، ومن دون توضيح وتبيين، ومن دون أن نتحمّل المتاعب والصعاب، إنّ هذه القضيّة مرتبطة بما نؤدّيه جميعاً.
 
بناءً على ما تقدّم، ينبغي استلهام مثل هذه الدروس من أهل البيت عليهم السلام وينبغي إيصالها أيضاً إلى الناس، وتربيتهم عليها، ليحلّ الحقّ الأصيل محلّ الباطل"3.
 
5- تقوية وتوجيه الجانب العاطفيّ اتجاه الأئمّة عليهم السلام
الإمام القائد: "إنّ عاطفة شعبنا وارتباطهم بالأئمّة عليهم السلام ومحبّتهم لهم،
 
 
 

1- الجعفيّ عن الباقر صلوات الله عليه قال: "يا جابر، بلّغ شيعتي عنّي السلام، وأعلمهم أنّه لا قرابة بيننا وبين الله عزَّ وجلَّ، ولا يتقرّب إليه إلّا بالطاعة له، يا جابر، من أطاع الله وأحبّنا فهو وليّنا ومن عصى الله لم ينفعه حبّنا". (المجلسي، بحار الأنوار، ج 68، ص 179).
2- من كلام له في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/10/70 هـ. ش.
3- المصدر نفسه.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
207

191

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

  حيث يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم، هو أمر بالغ الأهميّة، ويقع على عاتق الأشخاص الفاعلين في هذا المجال- ومنهم مجموعة المنشدين المحترمين- حفظ هذا الأمر وتقويته وتصفيته وتهذيبه وتوجيهه وهدايته"1.

 
6- تقديم المحتوى المليء بالفائدة في كافّة المجالس
الإمام القائد: "إنّ المسؤوليّة والوظيفة الكبرى لمجموعة المنشدين هما تقديم مطالب غنيّة المحتوى والمضمون، وطرحها بأسلوب صحيح، سواءٌ كانت في المصيبة والعزاء أو المديح والأفراح، فينبغي أن تندرج المطالب بأشكال وقوالب متنوّعة"2.
 
الإمام القائد: "ينبغي على الشخص الذي يقوم بعمل الإنشاد أن يرى نفسه على المنبر معلّماً، ويرى المستمعين أشخاصاً يريدون تعلّم شيء منه، فعلى الشخص أن يرتقي المنبر بهذا القصد وبهذه النيّة. بعض المنشدين يمتلك صوتاً جميلاً إلّا أنّ المستمع لا يتعلّم أيّ شيء منه، والبعض الآخر، على العكس، ينشد شعراً فنتعلّم منه، وأفضل ما نتعلّمه هو ما نحتاج إليه. في بعض الأوقات نعمد إلى مدح الأئمّة بكلمات سريعة متتالية بحيث لا يتمكّن المستمع من فهم معناها ولا فهمها، فإنّها لا تكسبه أيّة معرفة جديدة. إنّ العمل بهذا النحو ليس له قيمة مهمّة، ولكن في بعض الأوقات ينهض المنشد ليقرأ، فيعطينا درساً من سيرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام أو درساً من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام وسيرة الإمام الحسين عليه السلام، والنتيجة وضوح الطريق أمامنا، وهذا شيء كثير الأهميّة"3.
 
أ- تبيين المعارف الدينيّة
الإمام القائد: "ينبغي على من يقوم بتهيئة هذه الأمور (المراثي، المدائح، النواح، اللطم) وإنشادها وقراءتها، الدقّة في كونها مطابقة للمعارف الإسلاميّة،
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء مجموعة المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 17/5/83 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
208

192

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

  ليكون هذا اللطم وهذه المراثي والنواح، خطوة في طريق عروج البشر نحو أوج الأفكار الإسلاميّة، هذا ما نحتاج إليه اليوم"1.

 
الإمام القائد: "إنّ هذه الحسينيّات والمجالس الحسينيّة ومواكب اللطم الدينيّة تُعدّ منبراً تبليغيّاً مهمّاً ومن خلاله يمكن تبيين أعلى المعارف وأمسّها حاجةً وأكثرها أولويّة"2.
 
الإمام القائد: "لا ينبغي الإنشاد لمدّة ساعة في جلسة يحضرها خمسمائة أو ألف أو عشرة آلاف شخص، ثمّ لا يقدّم لهم شيئاً، فأنتم تتمكّنون، في هذه الساعة، من تقديم مسائل متعدّدة بوساطة الشعر الجيّد"3.
 
ب- الاهتمام بتبيين الحاجات المعاصرة
الإمام القائد: "ينبغي علينا أن نعرف أنّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام لو حضرت اليوم، بيننا لمدّة ساعة أو ساعتين، فأيّ شيء ستطلب منّا؟ إلى أيّ طريق ستشير إليه وتقول لنا: اسلكوا هذا الطريق؟ ينبغي أن نتابع هذا الأمر ونلاحظ ذلك في البيان والتعليم والمعرفة التي نرغب إيصالها إلى الناس، وبالتالي الإجابة عن حاجات العصر"4.
 
الإمام القائد: "أعتقد أنّه لو حاول شعراؤنا الأعزّاء - كما هو الحال اليوم في الإنشاد الجمعيّ وفي بعض الأشعار التي قرأها السادة- توضيح المعارف التي يحتاج إليها مجتمعنا بوساطة اللفظ والمعنى، ليحصل التعلّم من مدرسة فاطمة الزهراء عليهاالسلام، ثمّ يقوم المنشد بتقديمها بصوت جميل ولحن مناسب، فإنّ هذا سيكون من أفضل أنواع التبليغ والإعلام، وهذا يعني أن يتجلّى ويظهر "دعبل"
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من العلماء والطلّاب على أعتاب شهر محرّم 26/3/72 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة 27/12/83 هـ. ش.
3- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
4- المصدر نفسه.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
209

193

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

  و"الفرزدق" و"الكميت" في هذا الوقت، وأمّا من حيث القيمة نفسها فتحمل معها أجراً إلهيّاً كبيراً"1.

 
ج- تخصيص قسم من الأبيات الشعريّة للوصايا الأخلاقيّة
الإمام القائد: "لا ينبغي أن يكون المنبر الذي تقفون عليه لمدّة عشر أو عشرين دقيقة خالياً من المعارف، وقد لاحظت هذا العام أنّ بعض المنشدين قد تنبّه إلى هذه المسألة في شهر محرّم والأيّام الفاطميّة. حاوِلوا، في البداية، تخصيص فصل من إنشادكم للنصيحة، أو توضيح المعارف بلغة الشعر الجذّابة، وقد كانت عادة الإنشاد القديم تقوم على هذا الأمر، وقد تضاءل هذه الأيّام، كان المنشد يقرأ عشرة أبيات- أو أقلّ أو أكثر- من قصيدة تتضمّن فقط نصائح وأموراً أخلاقيّة، وكانت الألفاظ المستعملة جذّابة جميلة، فيفهمها الناس وتؤثّر فيهم"2.
 
الإمام القائد: "حافظوا على الارتباط العاطفيّ للناس بالأئمّة عليهم السلام حيث تشكّل المسائل الأخلاقيّة جزءاً منه. في إحدى المرّات تحدّثت إليكم، في هذا المكان، عن بعض الغزليّات- كغزليّات صائب- التي تتحدّث عن قضايا ومسائل معنويّة وأخلاقيّة، وقد قرأت لكم أيضاً، في ذلك الوقت، نماذج منها، وهذا يدلّنا على أهميّة وقيمة العمل الذي تزاولونه. فإنّ الشاعر والمدّاح والمنشد الذي يقرأ ذلك النوع من الأشعار سوف يترك أثراً كبيراً، وإن شاء الله تعالى سيبذل الأخوة جهدهم في هذا المجال"3.
 
د- توضيح المسائل العمليّة في حياة أهل البيت عليهم السلام
الإمام القائد: "ينبغي أن نعرض سيرة أمير المؤمنين عليه السلام بطريقة المقايسة بينه وبين أعدائه في التاريخ وفي الوقت الحاضر، ليس من السهل أن يكون
 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.
3- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
210

194

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

  الشخص حاكماً ويمتلك أزمّة الأمور بيده- بيت المال والسيف والسلطة- أمّا حياته الشخصيّة فتكون على شاكلة أن يحدّث أصحابه قائلاً: "ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك"1، أو أن يكون طعامه على نحو خاصّ بحيث يسأل أحدهم قنبراً: لماذا تقدّم خبز الشعير اليابس لهذا الرجل؟ فيجيب قنبر ليس أنا من يريد ذلك بل هو من أراد، هو الذي كان يضع خبز الشعير داخل كيس ثمّ يغلقه، وكان في بعض الأحيان يختمه ليحتفظ به لنفسه لئلّا يخلطه أحدهم بالسكّر أو الزيت أو غيره، "ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعامه بقرصيه"2، هكذا كانت حياته عليه السلام وهكذا ينبغي عرضها أمام الناس.

 
وأمّا الأشخاص الذين يدّعون اليوم الدفاع عن المظلومين والمستضعفين والشعوب والحرّيّات وحقوق الإنسان فكيف هي سيرتهم؟ ألا يوجد فقراء ومحتاجون في مجتمعاتهم؟ أليس هناك أناس ينامون وبطونهم خالية؟ تحدّثوا عن هذه الأمور وبيّنوها للناس. اليوم بإمكانكم توضيح هذه القضايا بشكل جيّد، وكذلك جهاد أمير المؤمنين، فهو أمر مهمّ جدّاً، كان الإمام ومنذ مرحلة الطفولة- أي منذ سنّ الحادية عشرة أو الثالثة عشرة- وحتّى نهاية عمره الشريف، يحارب أعداء الله تعالى ويقدّم التضحيات حتّى استشهد في هذا الطريق، كم هو جميل أن يتمكّن الشاعر من توضيح هذه القضايا، وكم هو جميل أن يتمكّن المنشد من إيصالها إلى أذهان الناس وأعماق قلوبهم"3.
 
الإمام القائد: "أعزّائي، أنتم بلابل الروضة الفاطميّة ومدّاحو أهل البيتعليهم السلام والمروّجون لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾4، حاولوا وبكلّ ما أوتيتم من قوّة، الالتفات إلى هذه الأمور، 
 
 
 

1- نهج البلاغة، الرسالة 45.
2- المصدر نفسه.
3- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
4- سورة الأحزاب الآية 33.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
211

195

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

 واستفيدوا من أناشيد بعض المنشدين الماهرين، واليوم واقعاً فقد أنشدتم أشعاراً جيّدة ورائعة وكذلك مضامينها فإنّها ممتازة ولا نقص فيها، حاولوا أن تقدّموا للناس الأشعار التي تحمل مضموناً بنّاءً وهادياً وموجّهاً، ولا يكفي أن نقول إنّ هذا النجم ساطع مضيء، بل ينبغي أن نهتدي بنور ذلك النجم، وإن كان كلّ ما عندنا من أنوار، هو شعاع من ذلك النور الذي لا يمكن وصفه"1.

 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من المدّاحين بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 3/9/73 هـ. ش.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
212

196

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

 

 

 

 

 

 

 

213


197

الفصل السادس: آفات الإنشاد وانحرافاته

 الفصل السادس: آفات الإنشاد وانحرافاته

الإمام القائد: "إنّ لقراءة العزاء شروطاً كما أنّ للإنشاد شروطاً وللنواح واللطم شروطهما أيضاً، لذلك ينبغي لمن يعمل على إعداد هذه الأمور وإنشادها وقراءتها أن يراعي مطابقتها للمعارف الإسلاميّة، ليكون هذا اللطم، وهذا العزاء والنواح، خطوة في طريق عروج الناس إلى أوج قمّة الأفكار الإسلاميّة، هذا ما نحتاج إليه اليوم، ينبغي على هؤلاء العمل لاجتناب الأباطيل والمطالب الخلافيّة والأعمال غير اللائقة وبعض الأعمال التي تؤدّي إلى وهن المذهب ولا تليق حقيقةً بأتباع الحسين بن عليّ عليه السلام"1.
 
الأمر الأوّل - المديح والتمجيد الفاقد للمعنى
الإمام القائد: "منذ عشرين سنة ونحن نقول هذه الكلمات، وكان الكثيرون يسمعونها، إلّا أنّهم كانوا لا يفهمونها، كنّا نقول: لا تنشدوا الشعر فقط حول الخيال والرسم الخياليّ لوجوه الأئمّة عليهم السلام فقط، ليس من المهمّ أن يكون الشعر حول ضفيرة وحاجب وعين الإمام، ما هو الأثر الذي يتركه حاجب أمير المؤمنين
 
 
 


1- من كلام له في جمع العلماء والطلّاب على أعتاب شهر محرّم 26/3/72 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
214

198

الفصل السادس: آفات الإنشاد وانحرافاته

  سواء كان منحنياً أو غير ذلك؟ ما أهميّة أن تكون ضفيرته منتشرة أو غير ذلك؟ ما هو مقدار الأثر الذي تتركه القصيدة التي ننشدها حول ضفيرة أمير المؤمنين عليه السلام؟! طبعاً هذه الأمور أصبحت قليلة هذه الأيّام، وإن شاء الله لا يبقى منها شيء. عندما كنّا نخاطبهم: لماذا تتحدّثون بهذه الأمور؟ كانوا يتعجّبون ويقولون: إذاً ماذا نقول؟! كنّا نقول لهم: تحدّثوا حول حياة أمير المؤمنين عليه السلام والأمور المهمّة في حياته العمليّة، هذه الأمور لم تكن واضحة لهم في تلك الأيّام، ولكن ما هو الحال اليوم؟ الأمور اليوم واضحة للجميع"1.

 
الإمام القائد: "لقد اطّلعت على أمر آخر من بعض جلسات الإنشاد، وهو أنّ بعض المدائح والتمجيدات فاقدة للمعنى، وقد تكون مضرّة بعض الأوقات، تصوّروا أنّ الحديث يدور حول أبي الفضل عليه السلام، حيث يجري الحديث عن عينيه وحاجبيه، فيقال مثلاً: أنا فداء لعينيك! فهل الأعين الجميلة قليلة في الدنيا؟ وهل قيمة أبي الفضل بعينيه الجميلتين؟ في الأصل هل شاهدتم أبا الفضل وعرفتم كيفيّة عينيه؟ هذه الأمور تدفع مستوى المعارف الدينيّة إلى الحضيض، بينما المعارف الشيعيّة تقع في قمّة العلى. إنّ معارفنا الشيعيّة هي التي تحضر فيلسوفاً كهنري كوربن2 تربّى في الغرب واطّلع على المفاهيم الغربيّة والفلسفة الغربيّة، للجلوس أمام العلّامة الطباطبائيّ بمنتهى الخضوع، فيصبح مروّجاً للتشيّع ومعارفه في أوروبا. بالإمكان نشر المعارف الشيعيّة في كافّة المستويات بدءاً من مستويات الأذهان المتوسّطة والعامّيّة إلى المستوى الأعلى حيث الفلاسفة، لا يجب أن نستهين بهذه المعارف، أمّا قيمة أبي الفضل العبّاس، ففي جهاده وإيثاره وإخلاصه ومعرفته بإمام زمانه، بصبره واستقامته، بتركه شرب الماء عندما كان يقف إلى جانبه
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
2- مستشرق فرنسيّ الجنسيّة، عمل أستاذاً في جامعتي السوربون وطهران رئيساً للمعهد الفرنسيّ- الإيرانيّ، توفي عام 1980. قضى كوربن حوالي ثلاثة عقود يدرس المبادئ الشيعيّة أو مذهب التشيّع، ويعتبر من أهمّ الدارسين النزيهين المنصفين الذين قدّموا خدماتٍ جليلة في تعريف العالم الغربيّ على المذهب الشيعي في الإسلام. عقد صداقات عميقة مع رجال الفكر والدّين كالعلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ قدس سره، ونقل عن السيّد الطباطبائيّ أنّه قال عنه: كان كوربن رجلاً سليم النفس يتّسم بالموضوعيّة والإنصاف..، 1980م.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
215

199

الفصل السادس: آفات الإنشاد وانحرافاته

  ظمآن مع أنّه لا يوجد أيّ مانع شرعيّ أو عقليّ لذلك، وقيمة شهداء كربلاء في دفاعهم عن حرمات الحقّ في أصعب الظروف التي يمكن للإنسان أن يتصوّرها. قد يكون الإنسان جاهزاً للمشاركة في حرب كبيرة لا غلبة فيها، وقد يكون جاهزاً لملاقاة القتل تحت حرارة الشمس- وطبعاً هذا مقام عالٍ جدّاً، لا يُقبِل الجميع نحوه بل يتوجّه إليه المجاهدون في سبيل الله وهم معدودون، مع أنّنا نعرف شهداءَ بارزين في أيّامنا بحمد الله- ولكن هذا يختلف عن الشهادة بهذا النحو في ساحة المعركة، مثل ساحة كربلاء، مع ما رافقها من غربة وظروف قاسية وعطش وتهديد وحصار، قد يقول البعض أحياناً، أنا على استعداد للتضحية بروحي في هذا الميدان، ولكن ماذا أفعل، فأولادي قد يموتون جوعاً أو لفقدان الدواء، فتصبح هذه الأمور عذراً للإنسان. طبعاً بعض الأوقات قد يهتمّ الإنسان بعرضه أو بطفله الرضيع أكثر من اهتمامه بنفسه فيفديهم بروحه، أمّا أن يدخل الشخص هذه الساحة، برفقة طفله الرضيع وزوجته وأمّه وعِرضه لتصبح جميع هذه الأمور معرّضة للخطر ثمّ لا يتزلزل، هنا تظهر مكانة وعظمة أبي الفضل وحبيب بن مظاهر وجون وغيرهم، لا في قدّه الرشيق ولا في عضلاته المفتولة، هناك الكثير من الأشخاص في العالم ممّن يمتلكون قدّاً رشيقاً، والرياضيّون أصحاب الأجسام الكاملة كثر، إلّا أنّ هذه الأمور لا دخالة لها في القيمة المعنويّة، نعم تارةً يأتي شاعر ويكتب قصيدة من ثلاثين وأربعين بيتاً فيذكر شيئاً من جمال أبي الفضل، فهذا مقبول، ولا نريد نحن أن نصعّب الأمور إلى هذه الحدود، وأمّا أن يكون كلّ ما لدينا من تلك القصيدة يدور حول هذه الأمور فقط، أي حول الحاجب المحدّب وغير المحدّب والأنف والعين، فهذا ليس مديحاً ولا يليق بأجواء المدائح أبداً، بل يكون هذا الأسلوب مضرّاً أحياناً"1.

 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
216

200

الفصل السادس: آفات الإنشاد وانحرافاته

 الأمر الثاني - الاستفادة من الألحان غير المناسبة

الإمام القائد: "كنت قد سمعت أنّه يُستفاد، في بعض الحالات، من ألحانٍ غير مناسبة، فمن المعيب جدّاً أن نقلّد ألحاناً قد استعملها المغنّي الفاسق الفلانيّ أو غيره في أشعاره الماجنة الغراميّة، فندخلها في مسائل المعرفة المتعالية، أو نستعملها في مجلس الإمام الحسين عليه السلام وعلى مسمع عشّاق الإمام الحسين"1.
 
الأمر الثالث - الاستفادة من العبارات الركيكة التي لا تليق في شأن أهل البيت عليهم السلام
الإمام القائد: "هناك مسألة أخرى محقّة قد أشار إليها بعض الأخوة وهي أنه لا ينبغي الاستفادة من بعض العبارات حول الأئمّة عليهم السلام، لأنّها عبارات ركيكة، فلا ينبغي أن نخاطب السيّدة الزهراء عليهاالسلام - ذلك الموجود القدسيّ الرفيع والإنسان الأعلى، ومعلّم البشر- بتلك العبارات التي يخاطب بها بعض الشعراء- سواء كان شاعراً صادقاً أو كاذباً- محبوبه ومعشوقه، بل يجب استخدام عبارات مناسبة"2.
 
الأمر الرابع - توضيح المطالب التي تؤدّي إلى إضعاف الإيمان الدينيّ عند المخاطب
الإمام القائد: "إنّ مسألة العزاء التي أشير إليها، هي مسألة مهمّة جدّاً وتوجّه بشكل أساسيّ إلينا، ممّا لا شكّ فيه أنّه في بعض الحالات وأثناء العزاء، يُستفاد من كلام غير واقعيّ، وخرافيّ وغير صحيح، وفي بعض الأحيان قد يكون الكلام صحيحاً لا خطأ فيه ولكنّه ضعيف، أو أنّه كلام يؤدّي إلى تزلزل إيمان الناس، أو أنّه لا يتناسب مع مستواهم الفكريّ والعقائديّ، فهذا كلّه سيكون مضرّاً، ونحن نشاهد هذه الأمور تحدّث في بلدنا. ومن جهة أخرى فإنّ هذه الحسينيّات والمجالس 
 
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/5/84 هـ. ش.
2- من كلام له في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 18/6/80 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
217

201

الفصل السادس: آفات الإنشاد وانحرافاته

 الحسينيّة ومواكب اللطم هي عبارة عن منبر إعلاميّ مهمّ جدّاً للتبليغ، ويمكن، من خلال هذا المنبر، توضيح أعلى المعارف وأكثرها ضرورة ولزوماً، ولكن لا يوجد أيّ مصلحة في خلط تلك المعارف بأمور وهميّة بما يؤدّي إلى وهنها وضعفها"1.

 
الأمر الخامس - تحريك العصبيّات المذهبيّة
الإمام القائد: "من المسائل الأخرى التي أرغب في التأكيد عليها، مسألة "الانسجام الإسلاميّ" الذي تحدّثنا عنه، والانسجام الإسلاميّ يعني عدم تحريك العصبيّات المذهبيّة بين الفرق الإسلاميّة، لا يجب أن تفعلوا ما يؤدّي إلى تحريك عصبيّة ذلك المسلم غير الشيعيّ عليكم، وهو أيضاً يجب عليه أن لا يفعل ما يؤدّي إلى تحريك عصبيّتكم عليه، فالأعداء يريدون هذا الأمر... ومن الواضح أنّ حالة الاختلاف مهمّة عندهم، هذه هي قضيّة العالم الإسلاميّ، فلو خرج مسلمو مصر والأردن والعراق وباكستان والهند وتركيا والأماكن الأخرى إلى الشوارع وهتفوا للجمهوريّة الإسلاميّة، فهل هذا يصبّ في مصلحة أمريكا؟ أو أنّ مصلحتها في أن يسكتوا إذا علا صوت إيران في مسألة ما؟ بل إنّ البعض منهم يقف مناهضاً لها، طبعاً الحالة الثانية هي الأفضل، ولكن كيف يمكن العمل لتحقيق ذلك؟ وما هي الوسيلة؟ الأمر سهل جدّاً، هم يعملون على إحياء العصبيّات الشيعيّة والسنيّة، فالأعداء يلقون إلى السنّة أنّ هؤلاء شيعة، وهم يسبّون الصحابة، ويفعلون كذا وكذا مع المقدّسين عندكم، يلقون التفرقّة والخلاف بينهم، وهذا ما يريدونه، ومن هنا فإنّ المنادي بوحدة السنّة والشيعة كان يراقب تلك الأفكار السيّئة منذ أن بدأت بالظهور بين المسلمين، إلّا أنّ البعض لا يفهمون، وإنّ إمامنا العظيم الذي نادى بالوحدة، يمتلك ولاية واعتقاداً وعشقاً بالأئمّة أكثر من كلّ هؤلاء الذين يدّعون 
 
 
 

1- من كلام له في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة 27/12/83 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
218

 


202

الفصل السادس: آفات الإنشاد وانحرافاته

 الولاية، من هو الذي كان يدرك الولاية أفضل منه؟ هل هو ذلك الإنسان العامّي الذي يرتكب المحرّمات باسم الولاية، ويتحدّث بكلامٍ غير موزونٍ في مجالسه العامّة والخاصّة؟ حافظوا على الوحدة.

 
إذا وجدتم في المجتمع من يتصرّف عكس هذا الأمر، اعلنوا عن مخالفتكم له وأبعدوه؛ لأنّ هذا وأمثاله يلحقون الضرر بالإسلام، ويوجّهون الضربات إلى التشيّع والمجتمع الإسلاميّ، هذه أيضاً مسألة مهمّة جدّاً"1.
 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
219

203

الفصل السادس: آفات الإنشاد وانحرافاته

 

 

 

 

 

220


204

الفصل السابع: ضرورة تنظيم الإنشاد

 الفصل السابع: ضرورة تنظيم الإنشاد



الإمام القائد: "اليوم قرأ الإخوة - بحمد الله - قصائد شعريّة بعضها، وللإنصاف، قصائد جيّدة، وهذا أمر كبير الأهميّة. طبعاً ينبغي أن يتحرّك الإنشاد- الذي يعدّ حقيقةً مقاماً معنويّاً- نحو إيجاد حدود وثغور له، ومدح أهل البيت هو أمر رفيع جدّاً، ويمتلك مقاماً عالياً وتأثيراً كبيراً في المجتمع وأذهان الناس، ينبغي أن تدركوا من هو المدّاح؟ ما هي مقدّمات المدح؟ وما هو مقدار معرفته بالشعر وحفظه له وقدرته على قراءته؟ وينبغي أن تنقل هذه الأمور إلى مركز، وقد تعود هذه المهمّة إلى ذلك المركز أو إليكم حيث يمكنكم التفكير بطريقة معيّنة، على أساس أنّ عالم اليوم وحاجات المجمتع المعاصر تقتضي ذلك، وأمّا الأشخاص المعروفون بهذا المنصب والمقام، والذين يرتدون لباس مـدح أهــل البيــتعليهم السلام المقدّس والذين يعرفهم الناس بهذا العنوان، عليهم أن يمتلكوا خصوصيّات معيّنة، يُصدِّق صحّتها مركز مختصّ، أرجو من الله تعالى التوفيق لكم"1.
 
 
 

1- من كلام له في لقاء جمع من ذاكري ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 28/10/68 هـ. ش.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
222

205

الفصل الثامن: أخلاق الإنشاد

 الفصل الثامن: أخلاق الإنشاد



الأمر الأوّل - اكتساب لياقة الإنتساب إلى أهل البيت عليهم السلام
الإمام القائد: "الأخوة الأعزّاء، إنّ وظيفتنا أن نعمل لنكسب لياقة الإنتساب إلى أهل البيت عليهم السلام، طبعاً الإنتساب إلى آل بيت الرسالة والتبعيّة لهم والالتزام بولايتهم، ليس أمراً سهلاً، فما نقرأه في بعض الزيارات (وأنتم معروفون بولايتكم ومحبّتكم) يلقي على عاتقنا مسؤوليّة مضاعفة. 
 
نحن ينبغي لنا أن نعمل لنقرّب أنفسنا من مركز النور، ومن جملة لوازم الاقتراب من مركز النور هو تحقيق النورانيّة، ينبغي أن نصبح نورانيّين من خلال العمل، وليس من خلال المحبّة الخالية، العمل الذي يملي علينا المحبّة والولاية والإيمان، لذلك ينبغي أن نصبح بهذا العمل جزءاً من آل البيت والمتعلّقين بهم، ليس من السهل أن نصبح كقنبر في منزل عليّ عليه السلام، وليس من السهل أن نصبح مصداق "سلمان منّا أهل البيت"1، نحن مجتمع موالي وشيعة أهل البيت عليهم السلام نتوقّع من أولئك العظماء أن يجعلونا جزءاً منهم ومن حاشيتهم. نحن نتمنّى أن
 
 
 
 

1- عن الإمام عليّ عليه السلام قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "سلمان منّا أهل البيت" (الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 64).

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
224

206

الفصل الثامن: أخلاق الإنشاد

  يكون حكم أهل البيت عليهم السلام فينا على هذا النحو. وهذا ليس بالأمر السهل؛ لأنّ هذا الأمر لا يحصل من خلال الإدّعاء فقط، بل يتطلّب عملاً وتضحية وإيثاراً وتشبّهاً بهم وبأخلاقهم"1.

 
الإمام القائد: "إنّ جميع هذه الفضائل، لا تحصل إتفاقاً، "يا ممتحنة، امتحنكِ الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة"2، فالله تعالى قد امتحن هذه المرأة المميّزة الزهراء الطاهرة، فالعطاء الإلهيّ هو عطاء محسوبٌ ومكتوب، فهو تعالى عندما شاهد إيثار هذه الأَمَة الخالصة له مع صبرها وتضحياتها لخدمة الأهداف الإلهيّة، جعلها مركزاً لفيوضاته وبركاته وعناياته، ونحن ينبغي أن نقتفي هذا المسير، وينبغي لنا أن نكون أصحاب إيثار وتضحية وطاعة وعبادة، ألا نقول أنّهما كانت تعبد الله "حتّى تورّم قدماها"3، حيث وقفت في محراب عبادة الله إلى هذا المستوى! نحن ينبغي لنا أيضاً أن نقف في محراب العبادة، ونقوّي محبّة الله في قلوبنا، ونسعى وفي جميع حالاتنا لإحقاق الحقّ، ولا نخشى أحداً. ألا ندّعي بأنّ شخصاً تمكّن من الصمود أمام مجتمع كبير في عصره؟ ونحن ينبغي أن نكون مثله حيث قال عليه السلام: "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله"4، ينبغي أن نسعى ولا نخاف من عددنا القليل عند مواجهة عالم الظلم والاستكبار. ألا ندّعي بأنّ ذلك العظيم قد عمل ما أدّى إلى نزول سورة الدهر فيه وفي زوجته وأبنائه؟ كانوا يمتلكون أعلى درجات الإيثار والتضحية ومساعدة المحرومين ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾5، ونحن ينبغي لنا أيضاً أن نقوم بالعمل نفسه.
 
 
 

1- من كلام له في لقاء في مجموعة من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/10/70 هـ. ش.
2- الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج 6، ص 10.
3- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتّى تورّم قدماها". (المجلسي، بحار الأنوار، ج 43، ص 84).
4- نهج البلاغة الخطبة 201.
5- سورة الحشر الآية 9.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
225

207

الفصل الثامن: أخلاق الإنشاد

 هذا لا يمكن من خلال الكلام فقط، لا يمكن أن نتحدّث عن محبّة فاطمة الزهراء عليهاالسلام، ونحن نعلم أنّها منعت الطعام عن نفسها وعن أعزّائها- كالحسن والحسين عليهماالسلام وأبيهما عليه السلام- وقدّمته لذلك الفقير، ليس ليوم ولا ليومين بل لمدّة ثلاثة أيّام! نحن ندّعي أنّنا أتباع فاطمة الزهراء عليهاالسلام، ولكنّنا ليس فقط لا نمنع الطعام عن أنفسنا لنقدّمه للفقراء، بل نأخذه من أفواه الفقراء!"1.

 
الإمام القائد: "ينبغي أن نثبت جدارتنا (بالولاية والتشيّع)، ألا نقول بأنّ أثاث بيت تلك العظيمة كان عبارة عن أشياء لو سمع بها الإنسان لسالت عيناه دموعاً؟! ألا نقول بأنّ تلك المرأة العظيمة لم تكن تقيم أيَّ وزن للدنيا وزينتها؟! هل من المقبول أن تزداد يوماً بعد آخر كماليّاتنا وتجمّلاتنا ووسائل الحياة الكماليّة التافهة، وكذلك مهور بناتنا؟!... 
 
... لماذا تحدّثت معكم بهذه الكلمات؟ لأنّكم تزاولون مهنة المدح والإنشاد، فينبغي أن تحدّثوا الناس بهذه الأمور في مجالس مدحكم ومجالس فاطمة الزهراء عليهاالسلام، حاولوا، ومن خلال الفنّ والذوق والصوت الجميل واللحن المطلوب وطريقتكم المؤثّرة في الإنشاد، تقريبَ قلوب مستمعيكم من هذه الحقائق، فلو قرأنا أبياتاً في مقامات فاطمة الزهراء عليهاالسلام المعنويّة ولم يتمكّن المستمع من فهمها، فمن غير المعلوم أن يحقّق ارتباطاً وتعلّقاً بفاطمة الزهراء عليهاالسلام. ينبغي لنا أن نزداد ولاءً لأهل البيت عليهم السلام يوماً بعد يوم، وحينها تستطيع أمّتنا تأدية رسالتها، وإيصال ذلك النداء العظيم إلى العالم كلّه"2.
 
الأمر الثاني - التجديد على خطى أساتذة الفنّ
الإمام القائد: "أوصي الشباب أن لا يتخلّوا كلّياً عن أساليب أساتذة هذا الفنّ.
 
 
 

1- من كلام له في لقاء مجموعة من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 5/10/70 هـ. ش.
2- المصدر نفسه.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
226

 


208

الفصل الثامن: أخلاق الإنشاد

 أنا أوافق على التجديد، والتجديد لا إشكال فيه. ولكن إذا أردتم بلوغ الكمال في هذا التجديد، فينبغي أن يكون هذا التجديد امتداداً لأسلوب المتقدّمين، "العلياء محظورة إلّا على من بنى فوق بناء السلف"، فقد أتت مجموعة ورفعت بناءً، وعليكم البناء فوق ذلك البناء، ثمّ يأتي من يبني فوق بنائكم حتّى يرتفع البناء. وأمّا أن يأتي البعض ويبني طبقة ثمّ تأتون أنتم لتخرّبوها وتبنوا طبقة، ثمّ يأتي من يخرّب ما بنيتم ويبني طبقةً له، فإنّ البناء لن يرتفع أبداً لأكثر من طبقة واحدة. ينبغي أن تتعلّموا من أساتذة هذا الفنّ المخضرمين، ثمّ تضيفوا إليه بعض الأساليب الجديدة، وبهذا النحو تجري الأمور بشكلها الصحيح"1.

 
 
 

1- من كلام له بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام 14/4/86 هـ. ش.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
227

209

الفصل الثامن: أخلاق الإنشاد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

228


210

الفهرس

 

هذا الكتاب

6

عملنا في الكتاب

7

وفي الختام

8

القسم الأول: موقع ومكانة عزاء أهل البيت عليهم السلام ومجالس الذكر والتوسل

9

الروايات

11

الفصل الأوّل: الغاية من إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

13

الأمر الأوّل- حفظ الإسلام وإحياؤه

13

الأمر الثاني - إحياء النهضة الحسينيّة

16

الأمر الثالث - مواجهة ظلم الظالمين

17

الفصل الثاني: مجالس العزاء لأهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ

21

الأمر الأوّل - جبرائيل يذكر المصيبة لآدم عليه السلام

21

الأمر الثاني- عزاء إبراهيم عليه السلام في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام

22

الأمر الثالث- ذكر عظمة مصاب الإمام الحسين عليهم السلام في الحوار بين الله تعالى وموسى الكليم عليه السلام

23

الأمر الرابع - الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذكر المصيبة

24

الأمر الخامس- تنبؤ وبكاء أمير المؤمنين عليه السلام في كربلاء

24

الأمر السادس - بكاء السيّدة الزهراء عليهاالسلام على الإمام الحسين عليه السلام

24

الأمر السابع- ذكر السيّدة زينب الكبرى عليها السلام للمصيبة في كربلاء

24

الأمر الثامن - الإمام السجّاد عليه السلام وذكر المصيبة

25

الأمر التاسع- وصيّة الإمام الباقر عليه السلام إقامة العزاء

25

الأمر العاشر - أمر الإمام الصادق عليه السلام بإقامة العزاء

26

 

 

 

 

 

 

 

 

232


211

الفهرس

 

الأمر الحادي عشر- العزاء في العصر الحاضر

27

الفصل الثالث: أهمية التوسل والارتباط بأهل البيت عليهم السلام

29

الأمر الأوّل - العلاقة العاطفيّة بأحزان الأئمّة عليهم السلام وأفراحهم

29

الأمر الثاني - أهميّة إقامة العزاء لأهل البيت عليهم السلام

30

الأمر الثالث - أهميّة البكاء على أبي عبد الله عليه السلام

30

الفصل الرابع: سيرة أهل البيت عليهم السلام في العزاء الحسيني

35

الأمر الأوّل - برنامج مجلس العزاء

35

1-  تبيين روايات ومعارف أهل البيت عليهم السلام

35

2-  قراءة المراثي (إنشاد الشعر)

36

3-  البكاء

37

4- إطعام المعزّين

38

الأمر الثاني - السلوكيّات الفرديّة

39

1- ارتداء اللباس الأسود

39

2-  التلاقي والتعزية

39

3- اجتناب الضحك، وإظهار الحزن أيّام العزاء

40

4- السلام على الحسين عليه السلام ولعن قاتليه عند شرب الماء

40

5-  ترك التكسّب والعمل في أيّام العزاء

41

6- اتخاذ هيئة أصحاب المصاب

41

الأمر الثالث - النشاطات الجماعيّة في إقامة عزاء أهل البيت عليهم السلام

41

1- مجموعات العزاء

41

2- إقامة مجلس العزاء في الدار

43

- وضع ساتر بين النساء والرجال

44

3- العزاء في المراكز العامّة

44

 

 

 

 

 

 

 

 

 

233


212

الفهرس

 

الفصل الخامس: النموذج المطلوب في العزاء

47

الأمر الأوّل - إقامة العزاء بالأسلوب التقليديّ

50

الأمر الثاني - تبيين وتوضيح المعارف الدينيّة الأصيلة وربطها بالحاضر

51

الأمر الثالث - البعد السياسيّ لمجالس العزاء

53

1- استفادة أهل البيت من العزاء باعتباره أداة للمواجهة السياسيّة

54

2- الأهميّة السياسيّة للعزاء في الظروف الحاليّة

55

3- محاربة الأعداء لمجالس العزاء بسبب بعدها السياسيّ

57

الفصل السادس: الانحرافات في العزاء

61

الأمر الأوّل - الانحرافات الفكريّة

61

1- الفصل بين مسائل الإسلام العقائديّة وبين الأمور العاطفيّة

61

2- النجاة من العقاب الإلهيّ بمجرّد حبّ أهل البيت عليهم السلام

64

3- تحريف الصورة الحقيقيّة للإمام الحسين عليه السلام

65

4- الإفراط والتفريط في طرح المسائل السياسيّة في مجالس العزاء

66

الأمر الثاني - الانحراف العمليّ

67

1- وضع الأقفال في الأبدان أيّام العزاء

67

2- التطبير

68

3- القيام بحركات تؤدّي إلى توهين الزيارة

72

الفصل السابع: ثمرات وبركات مجالس الذكر والعزاء لأهل البيت عليهم السلام

75

الأمر الأوّل- تربية الإنسان كما يريده الإسلام

75

الأمر الثاني - إيجاد روحيّة الجهاد والشهادة

76

الأمر الثالث - تعبئة الناس في وجه الظالمين

79

الأمر الرابع - التمهيد لانطلاقة الثورات الإسلاميّة

82

الأمر الخامس - إيجاد القدرة على المقاومة مقابل الأعداء

84

 

 

 

 

 

 

 

 

 

234


213

الفهرس

  

الأمر السادس - إيجاد حاكميّة الإسلام وحفظ النظام الإسلاميّ

85

الأمر السابع - تحقّق وحدة الكلمة

87

الفصل الثامن: مسؤوليّة الهيئات والمجالس الدينيّة اتجاه الثورة الإسلاميّة

91

الفصل التاسع: الوظائف العامّة في مجالس العزاء

95

الأمر الأوّل - المسؤوليّة العامّة

95

الأمر الثاني - وظيفة المسؤولين اتجاه العزاء

96

الأمر الثالث - مسؤوليّة العلماء

97

القسم الثاني: مكانة المنبر وتوضيح المعارف الدينيّة في مجالس عزاء أهل البيت عليهم السلام

99

الفصل الأوّل: مكانة الوعظ والمنبر

103

الأمر الأوّل - تأثير المنبر في المجتمع

104

الأمر الثاني - الدرجة العلميّة المطلوبة لأهل المنبر

104

الأمر الثالث - المنبر، فرصة لصناعة الإنسان

105

الفصل الثاني: أهداف الوعظ والمنبر

107

الأمر الأوّل - الموعظة لأجل تزكية الناس

107

الأمر الثاني - توضيح المعارف الدينيّة

107

 - تلبية الحاجات الواقعيّة للبشر بوساطة التعريف بالحقائق الإسلاميّة والمعارف العاشورائيّة

109

الأمر الثالث- تقديم الأسوة عند ذكر مصائب ومراثي أهل البيت عليهم السلام

111

الفصل الثالث: شروط تحقيق أهداف المنبر

113

 

 

 

 

 

 

 

235


214

الفهرس

 

الأمر الأوّل - تهذيب النفس

113

الأمر الثاني - الإطلاع الواسع على المعارف الدينيّة

114

الأمر الثالث - الدقّة في معرفة أهل البيت عليهم السلام والتعريف بهم

114

1- توجيه المضمون في إقامة العزاء من قبل علماء المجلس

114

أ- زيادة المحبّة لأهل البيت عليهم السلام عند المستمعين

  115

ب- زيادة المعرفة بحادثة عاشوراء

116

ج-  زيادة الإيمان والمعرفة الدينيّة عند الناس

116

2- الأسلوب الصحيح لقراءة العزاء على المنابر

118

أ- الإتقان في ذكر الواقعة

118

ب- توضيح أحداث وأهداف نهضة الإمام الحسين عليه السلام

119

ج- استخراج المضامين والخلاصات من الثورة الحسينيّة

119

الفصل الرابع: فوائد المنبر

121

الأمر الأوّل - نشر رسالة المعارف الإسلاميّة في المجتمع

121

الأمر الثاني - حفظ الدّين بوساطة توضيح حركة عاشوراء

122

الأمر الثالث - تأثير العلاقة المباشرة أكثر من الوسائل الأخرى

123

الأمر الرابع - أداة مواجهة كلّ حركة باطلة

124

الأمر الخامس - ردّ الإعلام المعادي الحاكم على العالم

125

الفصل الخامس: وظائف أصحاب المنبر

127

الأمر الأوّل - الوظائف الفرديّة

128

1- امتلاك الفكر الإسلاميّ الأصيل والمحكم

128

2- الإيمان القلبيّ بمضمون الخطاب

128

3- اكتساب الحقائق والتجارب من أساتذة التبليغ

130

4- التحضير قبل ارتقاء المنبر

130

 

 

 

 

 

 

 

 

236


215

الفهرس

 

5- الدعوة بالعمل قبل الدعوة باللسان

130

الأمر الثاني - وظائف أصحاب المنبر اتجاه المخاطبين

131

1- معرفة واختيار المخاطب

132

أ- الاهتمام بحاجات المخاطَب الفكريّة من خلال حاجات العصر

133

ب- الإجابة عن أسئلة الشباب وشبهاتهم

133

2- المحتوى الذي يمكن تقديمه

135

أ- الأبحاث العقائديّة

135

ب- الأبحاث الأخلاقيّة

135

ج- توضيح أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام

136

أوّلاً: العمل بأحكام الدّين

137

ثانياً: إصلاح المجتمع

137

ثالثاً: القضاء على أساس الظلم والجور

138

رابعاً: إقامة الحقّ والعدل بوساطة حاكميّة الدّين

139

د- توضيح الفكر السياسيّ الإسلاميّ

141

هـ- توضيح العلاقة بين الثورة الحسينيّة وثورة الإمام الخمينيّ قدس سره

143

أوّلاً: جذور الثورة الإسلاميّة في ثورة عاشوراء

143

ثانياً: معرفة العدوّ والتعرّف على وجود أعداء الثورة

146

ثالثاً: ارتباط ثقافة التعبئة والشهادة بعاشوراء

147

رابعاً: التذكير بنعمة الثورة

148

و- التوصية بوحدة الكلمة

150

الفصل السادس: ضرورة وضع ضوابط مناسبة لتنظيم المنبر

153

الأمر الأوّل - المسؤولون عن التنظيم

153

الأمر الثاني - الأهداف المطلوبة من تنظيم المنبر

154

- تحديث الأساليب في تقديم المعارف

155

 

 

 

 

 

 

 

237


216

الفهرس

 

القسم الثالث: مكانة المديح والإنشاد في مجالس ذكر وعزاء أهل البيت عليهم السلام

157

الفصل الأوّل: دور ومكانة المديح والإنشاد وذكر أهل البيت عليهم السلام

163

الأمر الأوّل - مكانة المديح ودوره في جبهة التبليغ الدّينيّ

164

الأمر الثاني - الانتساب إلى أهل البيت عليهم السلام

165

الأمر الثالث - الإقبال العامّ على المدّاحين

166

الفصل الثاني: تاريخ المديح والثّناء على أهل البيت عليهم السلام

169

الفصل الثالث: فوائد المديح

173

الأمر الأوّل - تحقّق العبوديّة لله

173

الأمر الثاني - الحديث عن أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم القدوة

174

الأمر الثالث - توضيح حقائق الدّين للناس

176

الأمر الرابع - قابليّة إدراك المفاهيم الدينيّة المتعالية

177

الأمر الخامس - تعميق الإيمان الدينيّ لدى الناس

178

الأمر السادس - تعميق محبّة الناس لأهل البيت عليهم السلام

181

الفصل الرابع: أركان المديح

183

الأمر الأوّل - الفنّ

183

1- الشعر

184

أ- اللفظ

187

ب- المضمون

188

أولاً: اختيار الأشعار القويّة

191

ثانياً: إيجاد الأجواء المناسبة لنقد الشعر

192

ج- الشاعر

193

 

 

 

 

 

 

 

 

238


217

الفهرس

 

2- اللحن

194

أ- اختيار أو ابتكار اللحن المناسب

194

ب- استخدام الألحان الإيرانيّة الأصيلة، أو اتباع الأساليب والألحان الغربيّة؟

195

3- الصوت الجميل

196

الأمر الثاني- الفكر

196

الأمر الثالث - الرسالة الدينيّة والمعنويّة

197

- مصدر وسند المحتوى المقدّم

197

الفصل الخامس: مسؤوليّة المنشدين والقرّاء

201

الأمر الأوّل - الوظائف الشخصيّة للمنشدين

202

1- تهذيب النفس

202

2- زيادة رأسمال المحبّة لأهل البيت عليهم السلام من خلال الارتباط العمليّ بهم

203

3- ضرورة معرفة الدور الخاصّ في المواجهة الثقافيّة

204

الأمر الثاني - وظائف المنشدين بالنسبة إلى مخاطَبيهم

205

1-  زيادة إيمان المخاطب

205

2- شكر نعمة ولاية أهل البيت عليهم السلام

206

3- ملء الفراغ العلميّ- الأخلاقيّ والسياسيّ الإجتماعيّ- عند الشباب

206

4- عدم الاكتفاء بمحبّة أهل البيت عليهم السلام وضرورة استلهام الدروس من أولئك العظماء

207

5- تقوية وتوجيه الجانب العاطفيّ اتجاه الأئمّة عليهم السلام

208

6- تقديم المحتوى المليء بالفائدة في كافّة المجالس

209

أ- تبيين المعارف الدينيّة

209

ب- الاهتمام بتبيين الحاجات المعاصرة

210

ج- تخصيص قسم من الأبيات الشعريّة للوصايا الأخلاقيّة

211

د- توضيح المسائل العمليّة في حياة أهل البيت عليهم السلام

211

 

 

 

 

 

 

 

 

 

239


218

الفهرس

 

الفصل السادس: آفات الإنشاد وانحرافاته

215

الأمر الأوّل - المديح والتمجيد الفاقد للمعنى

215

الأمر الثاني - الاستفادة من الألحان غير المناسبة

218

الأمر الثالث - الاستفادة من العبارات الركيكة التي لا تليق في شأن أهل البيت عليهم السلام

218

الأمر الرابع - توضيح المطالب التي تؤدّي إلى إضعاف الإيمان الدينيّ عند المخاطب

218

الأمر الخامس - تحريك العصبيّات المذهبيّة

219

الفصل السابع: ضرورة تنظيم الإنشاد

223

الفصل الثامن: أخلاق الإنشاد

225

الأمر الأوّل - اكتساب لياقة الإنتساب إلى أهل البيت عليهم السلام

225

الأمر الثاني - التجديد على خطى أساتذة الفنّ

227

فهرس المحتويات

231

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

240


219
أحيوا أمرنا