التربية الأسريّة


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-04

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة

لقد جاء الدين الإسلامي بمنظومة متكاملة من الحقوق والواجبات، إلى جانب مجموعة كبيرة ومتنوّعة من الأسس التي تعنى بتربية الإنسان والمجتمع، وتوجيهه نحو قيم الفضيلة، والأخلاق الحسنة وغيرها...، إلا أنّ بعض هذه العناصر والأسس عام ويخاطب الإنسان كفرد، ويهدف إلى صقل شخصيته، وتربيتها على العلاقة الإيجابية والجيّدة مع الله والناس، وتساهم بطريقة غير مباشرة في المنظومة التربوية الضامنة لسلامة الفرد المكوّن للأسرة وصلاحه.
 
 وبعضها يرتبط بشكل مباشر بأسس الكيان الأسري ومرتكزاته، ويهدف إلى بنائه بناءً صحيحاً، وحفظه من كافّة الأخطار والمنزلقات التي طالما أطاحت بالأفراد والأسر والمجتمعات. ويتجلّى هذا الخطاب الخاص والمؤثّر من جهة في تصوير القرآن للرابطة الزوجية بين الرجل والمرأة، والتي تنشأ منها الأسرة، فقد اعتبر القرآن الكريم أن هذه الرابطة يجب أن تقوم على أمتن العلاقات والقيم الإنسانية؛ من السكينة والودّ والحبّ والرحمة والاحترام، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾1. ومن جهة أخرى في الرابطة التي ينبغي أن تحكم علاقة الوالدين بأولادهما حتى تكتمل منظومة الحياة بكلا شقّيها الزوجي والأسري ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ﴾2.
 فالسكينة الأسريّة التي جعلها الله هدفاً، هي سكينة تقوم على حفظ القيم الخالدة
 
 
 
 

1- الروم، 21.
2- النساء، 11.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

1

المقدمة

 التي جاءتنا وحياً، وليست سكينة تقوم على التراضي المؤقّت أوعلى أسس غير ربانية. وفي الآية الكريمة كلمتان حاكمتان: الخلق والجعل، فشاءت إرادة الله أن يخلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، ونحقّق سوياً هذه السكينة، ثم علّمنا المولى أنّ الطريق لتحقيق هذه السكينة يتمثّل في أمرين، هما: المودّة والرّحمة في التعامل بين الزوجين. 

 فالمودّة هي الباعثة على الارتباط في بداية الأمر، ولكن في النهاية وحين يضعف أحد الزوجين، تأخذ الرحمة دورها 1. وهكذا فإنّ الزوجين يتلازمان بالمودة والرحمة معاً؛ يرحمان الصغار، ويرفعان ضعفهم ويقضيان حوائجهم، ويقومان بواجب العمل في حفظهم وحراستهم وتغذيتهم وكسوتهم وإيوائهم وتربيتهم، ولولا هذه الرحمة لانقطع النسل، ولم يعش النوع قطّ 2.
 
 والتربية وظيفة بنيوية وتغييرية؛ موضوعها الإنسان والمجتمع، يشارك في إيجاد وترسيخ وترشيد مبانيها وأسسها مجموعة من العناصر والمؤثّرات، ومن أهم هذه العناصر الأم، باعتبارها مصدر الحنان والعاطفة، ومركز التوجيه والحرص والعناية بحاجيّات الأبناء كلّها، فبعد أن يولَد الطِّفل، تكون الأم أوّل فردٍ من أفراد العائلة يتواصل معه بنحو مباشر، وهذه العلاقة لا تؤثِّر فقط في مجال تلبية احتياجات الطِّفل، بل تؤثِّر أيضاً في حالاته النفسيّة والعاطفيّة. وبالنتيجة، الأم هي قلب المجتمع، ومركز حياته وبقائه، فكما أنّ القلب في الجسم البشري مركز حياة، وديمومة بقاء واستمرار، كذلك الأم قلب المجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع. فالمرأة تمثّل نصف المجتمع، وتلد وتربّي النصف الآخر منه، فتكون بمثابة المجتمع كلّه ومدرسة تربوية له، تعكس عنوان حضارته، وعنوان قوّته ومقدار تقدّمه ورفعته، حتى قيل: وراء كلّ رجل عظيم امرأة، ولا نبالغ إن قلنا أيضاً؛ أنّ وراء كلّ مجتمع صالح ومتحضّر أمّهاته ونساءه. ورغم الدور المحوري والمهم للأم في الحياة الأسريّة إلا أنّها
 
 
 
 

1- الشيرازي، ناصر مكارم، تفسير الأمثل،ج12، ص496
2- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج16، ص 166.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

2

المقدمة

  لوحدها تبقى عاجزة عن إيجاد الحلول للكثير من القضايا والمشاكل الأسريّة، وغير قادرة بمفردها على إدراة العملية التربوية بكل تشعّباتها وتعقيداتها، لذا كانت بحاجة إلى سند يعينها في هذه المهمّة، وهنا يأتي دور ووظيفة الأب. فالأسرة بحاجة إلى منهج تربوي ينظّم مسيرتها، فيوزّع الأدوار والواجبات ويحدّد المهام والاختصاصات للمحافظة على تماسكها المؤثّر في انطلاقة عملية التربية الصحيحة للطفل وفق الضوابط الدينية والمنطقية التي تضمن في نهاية المطاف الوصول إلى الغايات والأهداف الإلهية، من خلق الإنسان وتنزّله إلى هذا العالم.


 وهذا الكتاب الذي بين أيديينا هو محاولة لتعريف الوالدين إلى كيفية تربية أبنائهم تربية دينية صحيحة، محاولاً الاجابة على جملة من الأسئلة المطروحة في هذا المجال. وقد تمّت فيه معالجة وبحث العديد من المسائل، منها: ضرورة التربية الدينية وأهمّيتها، العوامل المؤثّرة في التربية الدينية في المراحل العمرية المختلفة، الطفولة، المراهقة والشباب، وأهم العوائق والموانع التي يمكن أن تعترض العملية التربوية السليمة والصحيحة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على جملة من المسائل والأحكام الفقهيّة الابتلائيّة. على أمل أن يكون مورد رضا الله المتعالي، وخطوةً إيجابية على طريق نشر الثقافة الإسلاميّة في أوساط المجتمع.

مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

3

المحور الأول: الحياة الزوجية

 الكفايات:

1. التعرّف على مقوّمات الحياة الزوجيَّة الناجحة على ضوء الرؤية الدينيّة والتربويّة.
2. الاطّلاع على أهمّ أسباب الخلافات الزوجية، وبعض الأساليب التربوية والدينية لحلّها.
 
المحتويات:
الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة.
الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسبل علاجها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

4

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يشرح كيف تشيّد الحياة الزوجيَّة على الأسس والمعايير الدينية والتربوية.
2- يتعرّف على أهم مقوِّمات الحياة الزوجيَّة الناجحة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

5

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 مقوّمات الحياة الزوجية

إنّ الخلافات التي تحصل في الحياة الزوجيَّة غالباً ما يكون سببها: إمّا عدم معرفة الأسس التي يقوم عليها الزواج؛ بحسب نظر الشريعة الإسلامية، وإمّا بسبب النقص في التربية الدينية أو قيام أحد الزّوجين أو كليهما بأمورٍ تُسبِّب الأذى للشريك الآخر. لذا، ينبغي على الزوجين التعرُّف على أهمّ المقوِّمات الصحيحة التي تقوم عليها الحياة الزوجيَّة.

وانطلاقاً ممّا ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، فإنّ مقوّمات الحياة الزوجيَّة يمكن أن نلخّصها على الشكل التالي:
المودّة والمحبّة
ينبغي أن تسود الحياةَ الزوجيَّة روح المودّة والمحبَّة والصَّفاء، لأنَّ الحياةَ الخالية من الحبّ لا معنى لها. والمودَّة من وجهة نظر القرآن؛ هي الحبّ الفعّال، لا ذلك الحبّ الذي يطفو على السطح كالزَبَد. فالحبّ المنشود هو الحب الذي يضرب بجذوره في الأعماق، والذي يظهر من القلب إلى الحياة بواسطة الأعمال. إنّ الإسلام يُوجب أن نبرز عواطفنا تجاه من نُحبّهم، وهو أمر تتجلّى ضرورته في الحياة الزوجيَّة؛ فالمرأة، ـ كما يؤكِّد الحديث الشريف ـ لا تنسى كلمة الحبّ التي ينطقها زوجها أبداً، فعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "قول الرجل لزوجته إنّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً"1
وقد يبدو للبعض ـ جهلاً ـ أنّ إظهار العاطفة بين الزوجين أمر يدعو إلى السخرية؛ انطلاقاً من كون المسألة واضحة لا تحتاج إلى دليل، ولكن حقيقة الأمر على العكس 
 
 
 

1-وسائل الشيعة، ج14، ص10.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

6

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 من ذلك تماماً؛ فعلى الرغم من وجود العاطفة والحبّ بين الزوجين، إلا أن التعبير عنه أمر في غاية الضرورة، حيث يعزّز من قوّة العلاقات الزوجيَّة ويزيدها متانة ورسوخاً. 

يقول السيد الطباطبائي في تفسيره الميزان في تفسير قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَة﴾، "المودّة؛ كأنّها الحبّ الظاهر أثره في مقام العمل، فنسبة المودّة إلى الحبّ؛ كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل إلى الخشوع الذي هو نوع تأثُّرٍ نفسانيٍّ عن العظمة والكبرياء.. ومن أَجَلِّ موارد المودّة والرحمة: المجتمع المنزلي؛ فإنّ الزوجين يتلازمان بالمودّة والمحبّة، وهُما معاً، وخاصّة الزوجة، يرحمان الصغار من الأولاد؛ لما يريان ضعفهم وعجزهم عن القيام بواجب العمل؛ لرفع الحوائج الحيوية، فيقومان بواجب العمل في حفظهم، وحراستهم، وتغذيتهم، وكسوتهم، وإيوائهم، وتربيتهم. ولولا هذه الرحمة لانقطع النسل، ولم يعش النوع قط"1.
وروي عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "اتقوا الله في الضعيفين؛ اليتيم والمرأة، فإنّ خياركم خياركم لأهله"2.وعنه صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال أيضاً: "من اتخذ زوجة فليكرمها"3.
وروي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: "البشر الحسن وطلاقة الوجه؛ مُكسِبة للمحبّة وقُربة من الله عزّ وجلّ، وعبوس الوجه، وسوء البشر؛ مكسبة للمقت وبُعد من الله"4
 
 
 

1- تفسير الميزان، ج16، ص166.
2- بحارالأنوار، ج76، ص268.
3-مستدرك الوسائل، ج2، ص550.
4-تحف العقول، ص926.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

7

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 التعاون والتفاهم

إنَّ أساس الحياة الزوجيَّة يقوم على التعاون، ومساعدة كلّ من الزوجين للآخر في جوٍّ من الدعم المتبادل، وبذل أقصى الجهود؛ لأجل حلّ المشاكل، وتقديم الخدمات المطلوبة. وصحيح أنّ للزوج وظيفته المحدَّدة، والزوجة هي الأخرى لديها وظيفتها المحدّدة، ولكنَّ التعاون والتفاهم يلغيان هذا التقسيم ويجعلان كلّاً منهما نصيراً للآخر وعوناً له، وهذا ما يُضفي على الحياة جمالاً وحلاوة، إذ ليس من الإنسانية أبداً أن تجلس المرأة قرب الموقد وتنعم بالدفء في حين يكافح زوجها وسط الثلوج، أو بالعكس، بذريعة أنّ لكلٍّ منهما وظيفته!

فلا بدّ من إرساء نوع من التوافق والتفاهم بينهما، حيث تقتضي الضرورة أن يتنازل كلّ طرف عن بعض آرائه ونظريّاته لصالح الطرف الآخر في محاولة لردم الهوّة التي تفصل بينهما، ومدّ الجسور المشتركة، وأن لا يُبدي أيّ طرف تعصّباً في ذلك ما دام الأمر في الدَّائرة الشرعية التي يُحدِّدها الدِّين.

روي عن الإمام الرضا عليه السلام: "واعلم أنّ النساء شتّى؛ فامرأة ولود ودود تُعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته ولا تُعين الدَّهر عليه، وامرأةٌ عقيمةٌ لا ذات جمال ولا تُعين زوجها على خير، وامرأة صخَّابة ولَّاجة همَّازة تستقلُّ الكثير ولا تقبل اليسير وإيّاك أن تغترَّ بمن هذه صفتها"1. وفي هذه الرواية إشارة لطيفة إلى ضرورة أن تكون المرأة متعاونة مع زوجها؛ فتعينه على دنياه، كما تعينه على آخرته.

ومن مصاديق التعاون: خدمة العيال في شؤون معيشتهم وحياتهم اليومية، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "يا علي لا يخدم العيال إلا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة"2
 
 
 
 

1-الكافي، ج5، ص323.
2-بحارالأنوار، ج101، ص132.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

8

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 حُسن المعاشرة

الزواجُ بدايةُ مرحلة جديدة من المعاشرة تنتهي في ظلالها عزلة الرجل والمرأة، ويبدأ عهد جديد من الأُلفة والأنس بينهما؛ وعلى أثر ذلك يحصل نوع من التقارب بين أفكار الزوجين ورؤاهما، كذلك الأمر بالنسبة لتوجهاتهما والخطط المستقبلية لحياتهما المشتركة. 

وقد حثّ الإسلام على معاشرة المرأة بالمعروف؛ وذلك من خلال عدد ضخم من المفاهيم الأخلاقية والتربية السلوكية، ومن هذه المفاهيم:
1. العِشرة الحسنة: إنّ الحياة الزوجية السليمة هي الحياة التي يعيش فيها الزوجان بتناغم وتفاهم كبيرين، والعنوان الأبرز لهما هو: ألّا يسيء أحدهما للآخر، بل يحرصان على أن يكون الإحسان هو الهدف الحاكم على سير الحياة الزوجية بينهما، قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾1. وروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي"2. وروي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في وصيّته لمحمد بن الحنفية: "إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلِّ حال، وأحسن الصحبة لها، فيصفو عيشك"3.

2. الإكرام والرحمة: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "من اتخذ زوجة فليكرمها"4، وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال: "لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء في ما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها"5
 
 
 
 

1-النساء، 19.
2-من لا يحضره الفقيه، ج3، ص281.
3-مكارم الأخلاق، ص218.
4-مستدرك الوسائل، ج2، ص 550.
5- بحار الأنوار، ج75، ص237.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

9

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 فمن أدنى حقوق الزوجة إكرامها، والرفق بها، وإحاطتها بالرحمة، والمؤانسة. قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "وأمّا حقُّ رعيّتك بملك النكاح، فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقّك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم في ما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية، فإنّ لها حقّ الرحمة، والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بدّ من قضائها" 1.


3. عدم استخدام القسوة: نهى الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه على سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال: "حقّكِ عليه أن يُطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك"2. وقال صلى الله عليه واله وسلم: "خير الرجال من أُمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم"3.

المداراة وضبط النفس
يؤدّي اختلاف المشارب والأذواق بين الزوجين إلى ظهور الاختلافات والنزاعات بينهما، بل يمكننا القول: إنّ الحياة الزوجيَّة التي لا تشهد نزاعاً أو تصادماً بين الطرفين أمر خيالي بعيد عن الحقيقة. 

يُوصي الإسلام في حالة بروز نزاعٍ عائليٍّ أن يلجأَ أحد الطرفين إلى الصمت، وأن يغضّ الطرف عن أخطاء الطرف الآخر، وأن يتعامل معه بما يرضي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله وسلم. 

إنَّ الحياة الزوجيَّة ترافقها المشاكل، ولا يمكن تحمّلها إلا بالصبر، وضبط النفس، 
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج75، ص188.
2- مكارم الأخلاق، 218.
3- م. ن، ص 216-217.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

10

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 والتسامح، وغضّ الطرف قليلاً عن أخطاء الطرف الآخر. 

وقد حثّت الروايات الشريفة كثيراً على الصبر عند وقوع الخلاف؛ قولاً كان أم فعلاً. روي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنّه قال: "من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النار، وأوجب له الجنّة"1.

التزيّن
من الضروري جدّاً أن يراعي الزوجان زينتهما ومظهرهما، وأن يحاولا الظهور بالمظهر اللائق أحدهما أمام الآخر. فهناك العديد من النسوة اللائي انحرفن عن جادة العفّة؛ بسبب إهمال أزواجهنّ لهذا الجانب الحسّاس من الحياة. فعن الإمام الكاظم عليه السلام: "إنَّ التهيئة ممّا يزيد من عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة"2

كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام توصية للرجل بتوفير الزينة لزوجته حتى لو اقتصر الأمر على قلادة. يقول عليه السلام: "لا ينبغي للمرأة أن تعطِّل نفسها؛ ولو أن تعلّق في عنقها قلادة"3.

مراعاة إمكانيات الشريك
قال تعالى: ﴿وَلَا يكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾4. على الزوجة أن تراعي إمكانيات الزوج في النفقة وغيرها، فلا تكلّف الزوج ما لا يطيقه من أمر النفقة، فإنّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال في هذا الصدد: "أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلّا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته"5
 
 
 

1-بحار الأنوار، ج75، ص 216.
2-الكافي، ج5، ص567.
3-وسائل الشيعة، ج3، ص333.
4- البقرة: 286.
5-مكارم الأخلاق، ص202.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

11

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 ونِعمَ الواعظ في ذلك ما ورد في سيرة الزهراء سيدة نساء العالمين، ففي الخبر عن أبي سعيد الخدري، قال: "أصبح علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ساغباً، فقال يا فاطمة هل عندك شيء تغذّينيه؟ قالت: لا والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أَطعمنا مذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابنيَّ هذين الحسن والحسين، فقال علي عليه السلام: فاطمة: ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً، فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحي من إلهي أن أكلّفك ما لا تقدر عليه" 1.


وكذلك الحال بالنسبة للزَّوج، عليه أن يراعي إمكانات زوجته النفسية والجسدية والعاطفية؛ لأنّ الله لا يكلِّف نفساً إلا طاقتها وإمكاناتها؛ وهي سنّة الحياة التي لا تقبل الجدل، ومن يعاندها فلا محالة سوف يقع في الأخطاء الكبيرة. 

فلا بدّ أن يُقَدِّر ظروفها في المرض والعافية، والقوّة والضعف، والليل والنهار، وشغلها وفراغها، وغير ذلك؛ لأنّها قوانين الخِلْقَة؛ وكلّ إنسان له مزاجه، وله تداعياته النفسية، وله كرهه وحبّه، وانزعاجه ورضاه، وقلقه وطمأنينته.

ما تقدّم هو بمثابة أهمّ الأسس والمبادئ التي تبتني عليها الحياة الزوجية السعيدة. وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه الزوجان بشكلٍ أساس، فيقومان بالتعرّف على هذه المبادئ قبل بدء حياتهما الزوجية، إذ لا يمكن أن تستقرّ دعائم حياة الزوجين إلا عبر معرفة هذه الأسس والمبادئ. والإسلام الذي هو خاتم الأديان السماوية قد وضّح هذه المبادئ وبيّنها في القرآن والسنّة الشريفة. والنبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وعترته الطاهرة عليهم السلام هم نماذج مضيئة في سماء البشرية من حيث تطبيق نظرة الإسلام للزواج وبناء الأسرة.

ولا نخفي سرّاً إذا قلنا بأن تطبيق هذه المفاهيم يحتاج إلى إرادةٍ صلبة، ومقدار كبير من التنسيق والتفاهم على إنجاح العلاقة الزوجية، وإلا فلا يمكن لأيّ من الطرفين أن يقوم بمسؤولياته وأن يؤدّي واجباته بالشكل الملائم. 
 
 
 


21-بحار الأنوار، ج43، ص59.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

12

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 المفاهيم الرئيسة

1. الحياة الزوجية السعيدة ينبغي أن تكون مبنيّة على أسس متينة عمادها التعاليم التي أرساها الإسلام وطبّقها أهل بيت العصمة عليهم السلام، وأما إذا كانت الحياة الزوجية مبنيّة على الأهواء النفسية السلبية والتحكّم الشخصي؛ فإنّه لن يُكتب لها النجاح والكمال.
2. على الزوجين أن يعيشا تحت ظلّ المودَّة، والتي هي عبارة عن الحبّ الفعّال، لا ذلك الحب الذي يطفو على السَّطح كالزَّبد، بل الذي تتجلّى حقيقته في الممارسة العملية في الحياة اليومية لكلا الزوجين.
3. إنّ التعاون بين الزوجين أسلوب يساعد على إشاعة جوّ من الراحة والألفة والتضافر بين أفراد العائلة، ومن مصاديق التعاون: خدمة العيال في شؤون معيشتهم وحياتهم اليومية من قِبَل الرجل.
4. لقد نهى الرسول صلى الله عليه واله وسلم عن استخدام القسوة مع المرأة، والتعرّض لها بالضرب والإهانة. وأوصى الإسلام في حالة بروز نزاعٍ عائليٍّ أن يلجأَ كلا الزوجين أو أحدهما إلى الحلول الدينية والتربوية الصحيحة. 
5. من الأساليب المهمّة التي تفيد في تقوية العلقة العاطفية بين الزوجين، هو أن يقوم كلّ منهما بالتزيّن والتجمّل للآخر، وأن يبتعد عن كلّ ما ينفرّ الطرف الأخر على مستوى الشكل والمظهر. 
6. على كلّ من الزوجين أن يرفق بالآخر ويداريه؛ فلا يكلّف أحدهما الآخر ما لا طاقة له به على كلا المستويين المادّي والمعنوي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

13

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

 للمطالعة

هذا هو الإسلام

الإسلام أيضاً دين الجميع، أي: جاء ليأخذ بيد الإنسان إلى الصورة المنشودة، فهو يريد أن يُحقّق له صورة متوازنة لا يظلم فيها الإنسان أخاه الإنسان حتى بمقدار رأس إبرة.. لا يظلم فيها الإنسان طفله... لا يعتدي على حقوق زوجته.. والزوجة لا تتعدّى حدودها مع زوجها... الأخ لا يعتدي على حدود أخيه. وهؤلاء لا يعتدون على إخوتهم ورفاقهم. الإسلام يريد للإنسان أن يكون إنساناً عادلاً بتمام معنى الكلمة، أي يكون عقله عقل إنسان، وروحيته روحية إنسان، ومظهره مظهر إنسان ومتخلّقاً بأخلاق الإنسان

 نحن بحاجة إلى مثل هذه الرسالة التي تأخذ بيد الإنسان في مدارج الكمال الإنساني منذ اللحظة التي يولد فيها، فهل تجدون في العالم مثل هذه الرسالة وهذا الدين؟ دين يبدي رأيه بشأن بناء الإنسان حتى قبل زواج أبويه.
 إنّ المذاهب الموجودة في العالم قاطبة تحصر اهتمامها بالإنسان البالغ الذي وصل إلى مرحلة من الفهم والإدراك، بيد أنّ الإسلام يضع أحكاماً للإنسان قبل أن يولَد، إذ إنّه يُحدّد للأبوين قبل الزواج طبيعة الشخص الذي يختاره كلّ منهما، يقول للفتاة أيّ زوج تختار، ويحدّد للشاب مواصفات الزوجة المطلوبة. لماذا يفعل الإسلام ذلك؟ لأنّ كلّاً من الشاب والفتاة سيكونان منشأً لأفراد آخرين. الإسلام يريد لهذا الفرد الذي سيلتحق بالمجتمع أن يكون صالحاً، فقبل أن يتزوّج الشاب يُحدّد له الصورة التي ينبغي أن تكون عليها المرأة، وهكذا بالنسبة للفتاة، يُعيّن لها ملامح شخصية الشاب الذي ينبغي أن ترتبط به، ما هي أخلاقه، ما هي أفعاله... وما هي أخلاق الفتاة وسلوكها، وفي أية أسرة تربّت... وبعد أن يتمّ الزواج يُحدّد لهما صورة العلاقة بينهما، ثم يُبدي رأيه بطبيعة الفترة التي تسبق الحمل، ما هي آداب فترة الحمل، وآداب الولادة
والحضانة والرضاعة. كل ذلك من أجل أن تأتي ثمرة هذا الزواج صالحة يُغذّى بها المجتمع ويتحقّق الصلاح في العالم أجمع. 

 هذا هو الإسلام، يريد أن يُربّي إنساناً، وقد تدبّر أمره قبل اقتران الزوجين، ويُحدّد ما ينبغي للرجل والمرأة اللذين ينويان الزواج فعله، ثم كيف ينبغي أن يتصرّفا إلى أن يأتي الطفل، وما ينبغي لهما فعله خلال فترة الرضاعة، وكيف يجب التصرّف مع الطفل وهو في أحضان الأبوين، وبعدها، كيف يتعاملون معه في محيط المدرسة الصغيرة، ثم في الثانوية والإعدادية... وكذلك نوعية المعلّمين الذين يتولّون تربية الأطفال، وإذا ما وصل لسنّ البلوغ يُحدِّد الإسلام له كيف ينبغي أن تكون أفعاله وأخلاقه وسلوكه، وماذا ينبغي له أن يتجنّبه، كل هذا لأنّ الإسلام يريد أن يرفد المجتمع بأفراد صالحين 1
 
 
 

1- الإمام الخميني، من حديث بشأن انحرافات المسؤولين في نظام الشاه،31/12/1978.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

14

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها


أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يتعرّف على أهم أسباب النزاع والخلاف في الحياة الزوجيّة.
2. يبيّن الأساليب التربوية والدينية الناجعة لحل المشاكل الزوجية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

15

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 تمهيد

يمكن أن نقول إنّه تكاد لا تخلو حياة زوجية من مشاكل، وهذا الأمر طبيعي وليس مستغرباً، فعند اختلاف الثقافات والتجارب والأنماط الفكرية في التحليل والاستنتاج، من المسلّم به في هذه الحالة أن يكون تنوُّع الآراء والمواقف هو الحاكم وسيّد الموقف. وهذا عامل قوّة في الحياة الزوجية وليس ضعفاً، كما يظنّ البعض؛ لأنّ هذا الخلاف من المفترض أن يتحوّل إلى أرضية خصبة وصالحة لبدء نقاش بنّاء وفعّال بين الزوجين، مع ما سوف يصاحب هذا النقاش من عملية إقناع متبادل وتلاقي في الفكر، ومحاولة لفهم الطرف الأخر أكثر فأكثر. وبالتالي، نحن أمام فرصة حقيقية لتطوير العلاقة بين الزوجين وتمتينها وتقويتها من خلال الحوار والنقاش المباشر؛ بهدف إيجاد الحلول المناسبة والصحيحة للخلافات التي يمكن أن تطرأ على الحياة الزوجية، ولكن بشرط أن يكون هذا النقاش خاضعاً للمعايير والضوابط الدينية والتربوية.

أسباب الخلافات الزوجية
هناك أسباب وعوامل عديدة يمكن أن تؤدّي إلى الوقوع في النزاعات والخلافات الزوجية، نقوم هنا بذكر بعض هذه الأسباب وأكثرها ابتلاءً:

1. عدم الالتزام بالشرع المقدّس:
لقد وضع الله تعالى القوانين لتنظيم العلاقة الزوجيَّة، وجعلها على أفضل وجه؛ من أجل تأمين حياة زوجية سعيدة، وعندما يتخلّى الإنسان عن هذه الحدود الشرعية ويتجاوزها؛ فإنّه سيُهدّد الحياة الزوجيَّة برمّتها. من هنا، كان من الواجب على كلا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

16

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 الزوجين أن يتعرّفا على الأحكام الشرعية المتعلّقة بحقوق كلّ منهما تجاه الآخر، وأن يحيط كلّ منهما علماً بالحقوق الزوجيَّة وآداب العلاقة التي ينبغي أن تحكم هذه الحياة الخاصّة، حتى يتمّ تحصيل الحصانة اللازمة التي تحمي بنيان الأسرة من التصدّع.

2. سوء التقدير:
الناشىء، عن الجهل بالطرف الآخر، والجهل بخصوصيّاته البدنيّة والروحيّة. فالرجل ليس كالمرأة، بل لكلٍّ منهما خصائصه ومميّزاته الجسديّة والنفسيّة، وهذا ما سوف ينعكس على شخصية الإنسان وأفكاره ومواقفه وبالتالي على تفاعله مع الأحداث والمواقف الحياتية المختلفة. لذا ليس من الصحيح أن يعامل كلّ منهما الآخر من منطلق تكوينه الشخصيّ وطريقته الخاصّة، بل ينبغي ـ قبل كلّ شيء ـ الإقرار بوجود هذا الاختلاف والتفاوت، ثمّ العمل على أساسه. أمّا عدم الإقرار بهذه الحقيقة التكوينية، أو الإقرار بها مع عدم العمل بمقتضاها؛ فهذا ما سوف يؤدّي إلى الدخول في دوّامة المشاكل الزوجية التي لا تنتهي، وبالتالي سيشكّل خطراً حقيقياً على ديمومة هذه الحياة واستمراريّتها. لذلك، فإنّ المعرفة الدقيقة والصحيحة بالطرف الآخر يساعد كثيراً على فهمه وفهم تصرّفاته وسلوكيّاته، بنحو يساعد على تحصيل التوافق والانسجام بدرجة أكبر.

3. عدم الواقعية:
إنَّ التصوّرات الخاطئة أو الخياليّة عن الحياة والمستقبل تُعدّ من المشاكل التي غالباً ما تعترض الأزواج، فالشاب والفتاة أحياناً كثيرة يعيشان في عالمٍ من الأحلام الورديَّة، ويتصوَّران أنَّ المستقبل سيكون جنَّة وارفةً الظِّلال كما في القصص الخيالية، حتى إذا دخلا دنياهما الجديدة باحثين عن تلك الجنّة الموعودة فلا يعثران عليها، فيلقي كلّ منهما اللوم على الآخر محمّلاً إياه مسؤولية ذلك الفشل. لتبدأ بعد ذلك فصول من النزاع المرير الذي يُفقد الحياة طعمها ومعناها. فكلٌّ يتّهم الآخر بالتقصير 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

17

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 والخداع، ملقياً بالتبعة على شريكه. في حين أنّ الأمر لا يتطلّب سوى نظرة واقعية للأمور.

 
 4. رتابة الحياة:
 من الأمور المهمّة التي تُمهّد الأرضية للخلاف بين الزوجين هي: رتابة الحياة اليومية. فبعد فترة طويلة من البرنامج اليومي المتكرّر يشعر بعدها الزوجين بالملل، فتظهر الخلافات بينهما، ويبدأ كلّ منهما بانتقاد الآخر على أسس ومعايير خاطئة وغير صحيحة. لذا ينبغي على كلا الزوجين الخروج من فخّ الملل والروتين اليومي للحياة، والدخول في عملية تجدّد وتطوير دائم، والظهور بصور ومواقف جديدة. وهذا ما يوصي به ديننا الحنيف؛ كالتجدّد، والتجمّل من خلالِ اللباسِ والمظهر -على سبيل المثال لا الحصر-، حيث ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا غِنَى بالزّوجة فيما بينها وبين زوجها المُوَافِقِ لها عن ثلاث خِصالٍ وهُنَّ؛ صِيانَةُ نفسها عن كلّ دَنَسٍ حتّى يَطْمئِنّ قَلبُه إلى الثِّقة بها في حَالِ المَحْبُوبِ والمَكرُوه، وحِيَاطَتُهُ ليكون ذلك عَاطِفاً عليها عند زَلَّةٍ تكون منها، وإِظهَارُ العِشقِ له بِالْخِلَابَة، والهَيْئَة الحَسَنَةِ لها في عَيْنِه"1.
 
 5. البحث عن العيوب:
 قد ينشب النزاع في بعض الأحيان بسبب البحث عن العيوب أو التنقيب عن النقائص، فترى أحد الزوجين لا همّ له سوى ترصّد ومراقبة الطرف الآخر، فإذا وجد فيه زلّة ما شهّر به وعابه بقسوة. وهذه العادة والعداء لن ينجم عنها سوى الشعور بالمهانة والإذلال، وسوف تدفع بالزوج أو الزوجة إلى الكراهية والحقد وربما دفعت إلى التمرّد والنزاع أيضاً. ففي الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: "حَقُّ المرأة على زوجها أن يَسُدَّ جَوْعتَها وأَن يَسْتُرَ عَوْرَتهَا ولا يُقَبِّحَ لها وَجْهاً، فإذا فعل ذلك فقد
 
 
 
 

1-بحار الأنوار، ج75، ص237.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

18

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 والله أدَّى حَقَّهَا"1. والمقصود منه هو: التستّر على العيوب والأخطاء التي قد تقع فيها الزوجة، فلا يُعيِّرها بها، ولا يفضحها في مجالسه.


6. التقريع الدائم واللوم:
أن نتصوّر الزوج أو الزوجة إنساناً معصوماً عن الخطأ لهو أمر بعيد عن الصّحة والواقع. فالإنسان مخلوق يُخطىء ويُصيب، بالرغم من سعيه الدائم نحو الكمال والتكامل ومحاولة الحدّ من الأخطاء. يجب أن يعرف كلا الزوجين أنّ احتمالات الوقوع في الخطأ موجودة دائماً في الحياة الزوجية. وهذا أمر طبيعي جدّاً. فإذا صدر خطأ ما من أحدهما فالأمر لا يستحقّ تقريعاً أو لوماً يُعكّر صفو الحياة. عن النبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "خير الرجال من أمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم، ثمّ قرأ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾"2. لذا ينبغي إعطاء الأخطاء حدودها وحجمها الطبيعي، ومن ثمّ الانطلاق بمعالجتها برويّة وحكمة وصبر، بعيداً عن أيّ انفعال أو تهوّر.

7. الغيرة المبالغ بها:
الإيمان والأخلاق عند الرجل والمرأة هما شرطان أساسيين للزواج المستقرّ والسعيد، فالالتزام بالتعاليم الإلهية، والعمل بالضوابط الأخلاقية والإنسانية التي نصّ عليها الإسلام، والتي يدرك الإنسان الكثير منها من خلال العقل والفطرة الصافية؛ هذا الالتزام بالتكاليف يُشيّد بناء الحياة الزوجية على أساس متينة وصحيحة. وأيّ زواج لا يُبنى على هذه القواعد الدينية المتينة لن يُكتب له الاستمرار، وسوف يكون عرضة للاهتزاز أمام المشاكل الصغيرة. والغيرة هي واحدة من المفردات التي يمكن أن تُسبّب مشاكل كثيرة في الحياة الزوجيَّة إذا خرجت عن حدّها المقبول والطبيعي،
 
 


1- م.ن، ج100، ص254.
2- مكارم الأخلاق، ص216
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

19

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

  وتحوّلت إلى حالة مرضية. ومرادنا بالغيرة، غيرة الرجل على المرأة، وغيرة المرأة على الرجل، فما هو المشروع من الغيرة؟


أ- غيرة الرجل: يقول السيد الطباطبائي: "وهذه الصفة الغريزية لا يخلو عنها في الجملة إنسان أيّ إنسان؛ فرض، فهي من فطريّات الإنسان، والإسلام دين مبني على الفطرة تؤخذ فيه الأمور التي تقضي بها فطرة الإنسان، فتعدل بقصرها في ما هو صلاح الإنسان في حياته، ويحذف عنها ما لا حاجة إليه فيها من وجوه الخلل والفساد"1.

وقد ورد في العديد من الروايات الشريفة نسبة صفة الغيرة إلى الله وبعض أنبيائه عليهم السلام، كما ورد على لسان الملك في خطابه لإبراهيم عليه السلام: "إنّ إلهك لغيور، وإنك لغيور..."2.

فالغيرة ـ كما اتّضح ـ هي صفة شريفة، ودليل صحّة وعافية، ولكن إذا وُضِعَت في غير محلّها أو خرجت عن حدودها وطورها انقلبت إلى مرض. وقد تتسبَّب بالمشاكل إذا وصلت إلى حدّ شعرت الزوجة معها بعدم الثقة بها، فهنا ترفض المرأة هذا الواقع، وتطالب الرجل بإخراجها من هذا السجن الذي جعلها فيه؛ بسبب شكوكه، حيث تشير بعض الروايات إلى أنّ هذه الغيرة إذا كانت في غير محلّها قد توصل المرأة إلى الانحراف! وهذا ما حذّر منه أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لابنه الحسن عليه السلام: "إياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإنّ ذلك يدعو الصحيحة منهنَّ إلى السَقَم، ولكنْ أحكِمْ أمرهنَّ، فإن رأيت عيباً فعجّل النكيرَ على الكبيرِ والصغيرِ"3.

وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "من الغيرة ما يُحبّ الله، ومنها ما يكره الله، فأمّا ما يُحبّ فالغيرة في الريبة، وأمّا ما يكره فالغيرة في غير الريبة"4
 
 
 

1-تفسير الميزان، ج4، ص175.
2- يراجع، بحار الأنوار، ج12، ص 46. وشرح أصول الكافي، المازندراني، ج12، ص 535.
3- بحار الأنوار، ج74، ص214.
4-مستدرك السفينة، ج8، ص97.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

20

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 ب- غيرة المرأة: إنّ الغيرة بمعناها السلبي من الأمراض التي يمكن أن تُبتَلى بها المرأة أيضاً، فتندفع من خلالها إلى القيام بخطوات سلبيّة تزعج الزوج، وتوتّر أجواء العائلة. وعندما تتحدّث الروايات عن الغيرة عند المرأة يُقصد الجانب السلبي منها الذي له آثار سلبيّة ومؤذية، لا تلك الحالة الإيجابية. روي: "أنّ رجلاً ذكر للإمام الصادق عليه السلام امرأته فأحسن عليها الثناء، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: أغرتها؟ قال: لا، قال: فأغرها، فأغارها فثبتت، فقال لأبي عبد الله عليه السلام: إنّي قد أغرتها فثبتت، فقال: هي كما تقول"1.


أمّا أسباب الغيرة عند المرأة فتختلف باختلاف أسبابها النفسية وغير النفسية، فيمكن أن يكون منشؤها إيجابيّاً، كما أشارت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث سأله أحدهم: "المرأة تغار على الرجل تؤذيه؟ قال: ذلك من الحب"2. وهذا النوع من الغيرة لا بدّ أن تكون نتائجه غير ضارّة؛ لأنّ الحبّ من المفترض أن يكون سبباً لمزيد من المراعاة والبحث عمّا يُسرّ الآخر ويصلحه، لا سبباً للوقوع في المشاكل. ويمكن أن يكون منشأ الغيرة سلبيّاً، كما أشارت الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "غيرة النساء الحسد، والحسد هو أصل الكفر. إنّ النساء إذا غِرن غضبن، وإذا غضبن كفرن، إلّا المسلمات منهنّ"3.

ولكن، في النتائج كثيراً ما تكون آثار الغيرة سلبيّة ومدمّرة، فالتي تغار تفقد -غالباً- تعقّلها، ويصبح الغضب والتوتر حاكمين على تصرّفاتها، وتفقد الواقعية في تقييم الأمور، والعقلانية في التصرّف. وقد ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "إن الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله"4. وعندما يفقد الإنسان بصيرته سيكون عرضة لكلّ أنواع المشاكل والسلبيّات. 
 
 
 

1- الكافي، ج5، ص505.
2- م.ن، ج5، ص506.
3- م.ن.
4-م.ن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

21

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 8. عدم الرفق بالطرف الآخر:

قد ينشب النزاع بين الزوجين بسبب المضايقات المستمرّة؛ كإقدام الرجل ـ مثلاًـ على فتح أبواب منزله للأصدقاء والمعارف دون مراعاة حال الزوجة وظروفها النفسيّة والصحّيّة، محمّلاً المرأة أعباء خدمتهم وضيافتهم.أو بالعكس تقوم المرأة بدعوة أهلها وأقربائها باستمرار؛ ما يؤدّي إلى إرهاق الرجل مادّيّاً ونفسيّاً. لذا، ينبغي على كلا الزوجين أن يراعي كل منهما حال الطرف الآخر ويشعر معه، فلا يُقدِم على ما يُسبِّب له الأذيّة والضرر على كلا المستويين المادّيّ والمعنويّ، بل ينبغي أخذ إمكانات كلّ طرف بنظر الاعتبار، واحترام الزوجين كل منهما لمشاعر الآخر. فعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "ما زوي الرفق عن أهل بيت إلّا زوي عنهم الخير"1.

آثار الخلافات الزوجية
للخلافات الزوجيَّة آثارٌ سلبيّة جدّاً على الأسرة، قد تكون أحياناً خطيرةً ومدمّرةً، ومن هذه الآثار: 

1. الطلاق:
يُعتبر الطلاق من أخطر وأكبر المشاكل الناتجة عن فشل العلاقة الزوجيَّة. وهو من الأمور المكروهة في الشرع المقدَّس. ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة" 2.
وعن الإمام علي عليه السلام: "تزوّجوا ولا تطلّقوا فإنّ الطلاق يهتزّ منه العرش"3.

وللطلاق مفاسد كثيرة، منها: أنّه يمكن أن يغدو سبباً لضياع الأولاد على المستوى النفسيّ والمعنويّ والاجتماعيّ؛ لأنّ الولد بحاجة دائمة إلى حنان الأمّ، ولا يمكن لأيِّ
 
 
 

1-م.ن، ج2، ص119.
2-م.ن، ج2، ص328.
3-وسائل الشيعة، ج22، ص9.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

 


22

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

  امرأةٍ أخرى أن تحلَّ محلَّ الأمّ في تربية الأطفال، وهو بحاجة ـ أيضاً ـ لظلِّ الأب الذي لا يمكن لأحد أن يعوِّضه بسهولة. هذا فضلاً عن الآثار النفسيَّة التي تطال روح الطفل جرّاء ما يشاهده من بُعْدِ أمِّه وأبيه، والشُّعور بعدم الطمأنينة التي ينبغي أن تبعثها في نفسه الأجواء الهادئة في الأسرة المستقرّة.


2. العنف الأسري:
إنّ الخلافات الحادّة بين الزوجين غالباً ما تكون سبباً لبروز ما يُسمّى بالعنف الأسري، الذي يظهر من خلال استخدام العنف، والاعتداء بالضرب، خصوصاً على الزوجة. وقد يصل الأمر في بعض الأحيان ليطال الأطفال أيضاً، حيث إنّ بعض الأزواج قد يُظهر توتّره من شريكه عبر ضرب أطفاله والتعامل السيء معهم.
أمّا الإسلام فلم يُجِزْ العنفَ في الأسرة، بل نهى عنه بشدّة، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "إنّي لأتعجّب ممّن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها"1. وعن الإمام علي عليه السلام في ما أوصى به ابنه الحسن عليه السلام: "ولا يَكُنْ أهْلُكَ أشْقَى النّاس بك"2

3. المشاكل الاجتماعية:
إنّ الأسرة التي تعاني من تصدّع في أركانها، ستعاني الكثير من المشاكل الاجتماعية مع محيطها وخاصّة في ناحيتين أساسيّتين:
أ- مشاكل مع الأقارب: من الصعب جدّاً أن نفكِّك بين المشاكل التي تنشأ في البيت الزوجي وبين المشاكل العائلية، إذ غالباً ما تنسحب هذه المشاكل من داخل البيت إلى المحيط العائلي ليطال أقرباء كلٍّ من الزوجين أيضاً. فالمشاكل الزوجية غالباً ما تكون أرضية خصبة لتدخّلات الأهل والأقارب القريبين والبعيدين، وهذا ما يؤدّي إلى تعقيد الأمور وزيادة الطين بلّة. 
 
 


1- مستدرك السفينة، ج14، ص250.
2- بحارالأنوار، ج71، ص165.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

23

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 ب- مشاكل في العمل: المشاكل العائلية غالباً ما تكون سبباً لبروز المشاكل على الصعيد العملي والوظيفيّ للإنسان. فالتوتّر العائلي سوف ينعكس على نفسية الإنسان، وبالتالي على استقراره الذهنيّ والمعنويّ، خصوصاً أوقات العمل التي يكون فيها الإنسان بأمسّ الحاجة إلى الصفاء والتركيز. وبطبيعة الحال، فإنّ مثل هذه البيئة المسبوقة بالقلق والتشنّج الفكريّ والنفسيّ لن تكون محيطاً يساعد على الإبداع والعطاء وجودة الإنتاج، بل على العكس تماماً سوف تؤدّي بيئة كهذه إلى الوقوع في مشاكل كثيرة قد لا تُحتمل أحياناً.


إذن، المشاكل الاجتماعية الناتجة عن المشاكل الزوجية أمر واقع لا يمكن تجاهله، وهي سرعان ما تظهر عند حصول الخلافات داخل الأسرة، وهذا ما يدلّنا على أنّ وضع الأسرة مرتبط بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً وقويّاً.

وسائل علاج الخلافات بين الزوجين
حينما تظهر أمارات الخلاف وبوادر النشوز أو الشقاق فليس الطلاق أو التهديد به هو العلاج، إنّ أهمّ ما يُطلب في المعالجة هو الصبر، والتحمّل، ومعرفة الاختلاف في المدارك والعقول والتفاوت في الطباع، مع ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور. فقد لا تكون المصلحة والخير دائماً في ما يحبّ الإنسان ويشتهي، بل قد تكون المصلحة والخير على عكس ما يرغب أو يظنّ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾1.

لذا، ينبغي على كلا الزوجين أن ينظرا إلى الحياة الزوجية والخلافات الناجمة عنها نظرة واقعية بعيداً عن الأحلام والأماني الوردية، ويحاولا الاستفادة من هذه الخلافات للانطلاق في حوار هادئ وبنّاء يؤسّس لعلاقة وطيدة بين الزوجين؛ ليكشف ما يجهله كلّ منهما عن الآخر، إذ غالباً ما تكون مشاكل كهذه عاملاً مهمّاً من عوامل 
 
 
 

1-النساء، 19.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

24

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 الحوار والتفاهم، شرط أن يحسن الإنسان التعامل معها والاستفادة منها.


ومن الأساليب الإيجابية النافعة في حلّ الخلافات والمشاكل الأسريّة:
1. التنبّه إلى طريقة التكلّم:
لا شكّ أنّ الكلمات الحادّة، والعبارات العنيفة، لها صدى يتردّد باستمرار حتى بعد انتهاء الخلاف الذي عادة ما يُخلّف وراءه الجروح والندوب النفسية والعاطفية التي تتراكم في النفس شيئاً فشيئاً. روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال في اللسان الذي لم يتقيّد بأوامر الشرع ونواهيه: "إن كان في شيء شؤم ففي اللسان"1

وهذه ليست دعوة للصمت والسكوت؛ لأنّهما حلّ سلبي ومؤقّت لمعالجة الخلافات والمشاكل, إذ سرعان ما سوف يثور البركان مجدّداً عند دواعيه, وعند أدنى اصطدام. بل ينبغي الكلام وفتح باب الحديث والنقاش المتبادل بعد اختيار الزمان والمكان المناسبين، وبعد مراعاة الظروف المناسبة. والأهمّ من ذلك كلّه التنبّه لطريقة الكلام عند بدء الحديث، فلا يصدر منّا ما يؤذي الطرف الآخر أو يُسيء إليه. والأهمّ في هذا كلّه الابتعاد عن الغضب، وترك الجدال والمراء واللغو في الكلام؛ لأنّها تورث العداوة والبغضاء، ولا تحقّق الهدف المرجو من النقاش. روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم: "ثلاث من لقي الله عزّ وجلّ بهنّ دخل الجنّة من أيّ باب شاء: من حسن خلقه، وخشي الله في المغيب والمحضر، وترك المراء وإن كان محقّاً"2. وذُكر الغضب عند الإمام أبي جعفر عليه السلام فقال: "إن الرّجل ليغضب فما يرضى أبداً حتّى يدخل النّار، فأيّما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك؛ فإنّه سيذهب عنه رجز الشّيطان، وأيّما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسّه فإنّ الرّحم إذا مُسّت سكنت"3
 
 


1- الكافي، ج2، ص116.
2-م.ن، ج2، ص300.
3-م.ن، ج2، ص302.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

25

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 2. الابتعاد عن الأساليب غير المجدية:

ينبغي الابتعاد عن الأساليب التي قد ينتصر بها أحد الطرفين على الآخر، لكنّها في المقابل تعمّق الخلاف بينهما وتجذّره؛ كأساليب التهكّم والسخرية، أو الإنكار والرفض، أو السباب والشتائم. قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لمحمد بن الحنفية في مداراة المرأة: "إنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلّ حال، وأحسن الصحبة لها؛ فيصفو عيشك"1. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ رجلاً من بني تميم أتى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال أوصني، فكان في ما أوصاه أن قال: لا تسبّوا النّاس فتكتسبوا العداوة بينهم"2

3. عدم اتّخاذ القرار إلا بعد دراسته:
فلا يصلح أن يقول الزوج في أمر من الأمور "لا"، أو "نعم"، ثمّ بعد الإلحاح عليه يغيّر قراره. أو أنّه يعرف خطأ قراره فيلجأ إلى اللجاجة والمخاصمة. فمثل هذه الأساليب تُفقِد كل من الزوجين المصداقية والهيبة وحسن الظنّ بالآخر وبقراراته. لذا، ينبغي قبل اتّخاذ أيّ قرار أو موقف تقييمه ودراسته بشكل جيّد، وذلك ممكن عبر اتّباع مجموعة من الخطوات أهمّها:

• تفهّم حقيقة الأمر، هل هو خلاف عميقٌ أم أنّه سوءُ فهمٍ فقط؟ فالتعبير عن حقيقة مقصد كلِّ طرف وعمَّا يزعجه أو يؤذيه بشكل واضح ومباشر، يساعدُ كثيراً على إزالة سوء الفهم. فربما لم يكن هناك خلاف حقيقي، وإنّما مجرّد سوء في الفهم يمكن تجاوزه؛ بإشارة أو توضيح بسيط.

• الرجوع إلى النفس ومحاسبتها ومعرفة تقصيرها، فقد يكون أصل المشكلة سببه ذنب أو معصية وتجاوز الحدود الإلهية التي نصّ عليها الشرع الأنور، ثمّ انعكس في 
 
 
 

1-الكافي، ج5، ص510.
2-م.ن، ج2، ص360.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

26

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 العلاقة مع الشريك. والحلّ عندها يكمن في الإنابة والتوبة إلى الله تعالى وطلب المسامحة، ثمّ طلب المسامحة من الشريك.


• تطويق الخلاف وحصره من أن ينتشر بين الناس أو يخرج عن حدود أصحاب الشأن، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود"1. وعنه صلى الله عليه واله وسلم: "استعينوا على الحوائج بالكتمان"2.

• تحديد موضع النزاع والتركيز عليه، وعدم الخروج عنه بذكر أخطاء أو تجاوزات سابقة، أو فتح ملفّات قديمة؛ ففي هذا توسيع لنطاق الخلاف.

• أن يتحدّث كلّ واحد منهما عن المشكلة حسب فهمه لها، ولا يجعل فهمه صواباً غير قابل للخطأ، أو أنّه حقيقة مسلّمة لا تقبل الحوار ولا النقاش، فإنّ هذا قاتل للحلّ في مهده.

• عند بدء الحوار يستحسن ذكر نقاط الاتّفاق، فطرح الحسنات والإيجابيات والفضائل عند النقاش ممّا يرقّق القلب، ويُبعد الشيطان، ويُقرّب وجهات النظر، ويُيسّر التنازل عن كثير ممّا في النفوس. قال تعالى: ﴿وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾3، وخصوصاً الزوجة إذا كانت ليّنة الجانب، فالزوج سرعان ما يفيء إلى لطفها. وقد ورد في الروايات في الصفات المرغوبة في المرأة قول الإمام الرضا عليه السلام: "أَنَّ كِبَرَ الدَّارِ مِنَ السَّعَادَةِ، وَكَثْرَةَ الْمُحِبِّينَ مِنَ السَّعَادَةِ، وَمُوَافَقَةَ الزَّوْجَةِ كَمَالُ السُّرُورِ"4.

• جرّ النزاع إلى منطقة العفو والتسامح، فمعظم الأخطاء التي تحصل في الحياة الزوجيَّة هي أخطاء يمكن التعامل معها، بل وتصحيحها، بل قد ينجح الزوج أو الزوجة في تحويل الطرف الآخر من شخص شرّير إلى ملاك إن استطاع أن 
 
 
 

1-تحف العقول، ص48..
2-عوالي اللئالي، ج1، ص285.
3-البقرة، 237.
4- مستدرك الوسائل، ج3، ص451.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

27

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 يستخدم كيمياء المحبّة المناسبة. وبوابة هذا الأمر، ترك العتاب والتذكير بالعيوب، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أنّه: "ما سئل عن شيء قط فقال لا، ولا عاتب أحداً على ذنب أذنبه"1. ومن المهمّ أن يبادر أحد الطرفين بسرعة إلى التحرّك بلطف ومحبّة، والإصرار على طي صفحة الخلاف، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "خير نسائكم التي إن غضبت أو أُغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى عني" 2

 
 
 

1- بحار الأنوار، ج76، ص303.
2- مكارم الأخلاق، ص 200.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

28

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 المفاهيم الرئيسة


 1. قد تعترض الحياة الزوجية مشاكل عديدة تطيح بها، من هذه المشاكل: عدم الالتزام بالشرع المقدّس، سوء التقدير، عدم الواقعية، رتابة الحياة، البحث عن العيوب، التقريع واللوم، الغيرة المُبالغ بها، عدم الرفق بالطرف الآخر.
 2. مسألة الطلاق من أخطر وأكبر المشاكل الناتجة عن فشل العلاقة الزوجيَّة. والطلاق من الأمور المكروهة في الشرع المقدس، كما في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة".
 3. لم يُجِز الإسلامُ العنفَ في الأسرة، ونهى عنه في موارد عدّة، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "إنّي لأتعجّب ممّن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها"، غير أنّه أباح التأديب المشروع الذي يترافق والتذكير بالله تعالى وثوابه وعقابه.

 4. على الزوجين اللذين يعانيان من مشاكل في ما بينهما، أن يلتفتا إلى أنّ هذه المشاكل ستتعدّاهما إلى خارج نطاق الأسرة، وسوف تطال الأقارب، وربّما انسحبت إلى العمل أيضاً. 
 5. ليس الطلاق أو التهديد به هو العلاج الوحيد لحلّ المشاكل، بل الصبر والتحمّل، ومعرفة الاختلاف في المدارك والعقول والتفاوت في الطّباع، مع ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور التي لا يستحقّ الوقوف عندها.
 6. من الأساليب الإيجابية والناجعة في حلّ الخلافات الأسرية: الانتباه إلى طريقة التكلُّم، البعد عن الأساليب غير المجدية، عدم اتّخاذ القرار إلا بعد دراسته، والدراسة السليمة والمتأنّية للمشكلة قبل اتّخاذ أيّ قرار أو موقف.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

29

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 للمطالعة

الإسلام والنظم الأخرى
 أيّ دين أو مذهب غير دين الأنبياء عليهم السلام يُعنى بمواصفات الزوجة والزوج؟ لا شأن لهم بهذا، ولن تتضمن قوانينهم أشياء من قبيل مواصفات المرأة التي يختارها الرجل، وأيّ رجل تختار المرأة، لا تُعنى قوانينهم، ماذا ينبغي للمرأة أن تفعل خلال فترة الحمل والرضاعة؟ وما هي واجباتها أثناء فترة الحضانة؟ وكيف ينبغي للأب أن يتصرّف إذا ما كان الطفل تحت رعايته؟ بل القوانين المادية والأنظمة الوضعية لا تُعنى بمثل هذا، إنها تهتم فقط بما يحول دون ارتكاب المفاسد التي تسيء إلى النظام، وإلا فإنّ هناك مفاسد من قبيل الفسق والفجور والفحشاء.. لا شأن لها بها، بل إنها تُشجّع عليها.. لا شأن لها في بناء الإنسان وفي أن يفكّر الإنسان ببناء نفسه، فمن وجهة نظر هؤلاء أنّ فرق الإنسان عن الحيوان هو أنّ الإنسان قابل للتطور، فالحيوان لا يستطيع أن يصنع طيّارة، إلا أنّ بمقدور الإنسان أن يفعل ذلك، والحيوان لا يستطيع أن يكون طبيباً، في حين أنّ الإنسان بمقدوره ذلك. 
 
 الدين هو الوحيد الذي يتدخّل بكلّ شأن من شؤون الإنسان ويقول رأيه فيه، فهو الذي يُفكّر بالإنسان الذي سيكون ثمرة الزواج، ويُخطّط له ليأتي إنساناً صالحاً، فهو يرشد الشخص المقبل على الزواج إلى مواصفات المرأة التي ينبغي له اختيارها، ويرشد المرأة إلى مواصفات الرجل الذي ينبغي أن تقترن به.
 لماذا يعتني الإسلام بهذا؟ لأنه يؤمن بأنّ مثل هذا العمل يشبه إلى حد كبير عمل المزارع، فهو يختار أولاً الأرض الصالحة، ثم يفكّر في البذر الذي يختار، لماذا يهتم بكل هذا؟ ولماذا يولي زرعه كل هذه العناية والرعاية؟ لأنه يريد أن تعمر مزرعته ويجني ربحاً وفيراً. 
 
 لقد فكّر الإسلام بهذا أيضاً، فحدّد مواصفات الزوج المطلوب لكي تكون ثمرة هذا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

30

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجها

 الزواج إنساناً صالحاً، ثم خطّط للمراحل التالية: ما هي الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها كلٌّ من الزوجين؟ وما هي آداب الفراش؟ وبعدها ينتقل إلى فترة الحمل والآداب المحبّذة ثم مرحلة الرضاعة وما هو مطلوب من الأم، كل ذلك نتيجة طبيعية للأهداف التي تنشدها الأديان التوحيدية، وأسماها الإسلام، إنها تنشد أن تربّي إنساناً.

 لم تُبعث الأديان لتوجِد حيواناً يختلف عن باقي الحيوانات في حدود حيوانيته وأهدافه الحيوانية، لم تأت لتوجِد هذا، بل جاءت لتربّي إنساناً 1
 
 
 
 

1-الإمام الخميني، من حديث في جمع من حرس الثورة الإسلامية لمدينة آبادة: 4/7/1979.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

31

المحور الثاني التربية الدينية للأبناء

 الكفايات:

1. بيان أهمّية التربية الدينية وأهدافها وكيفية تطبيقها في المراحل العمرية المختلفة للأبناء. 
2. التعرّف على أهم العوامل المؤثِّرة في عملية التربية الدينية للأبناء.
3. الاطلاع على أهمّ الفوارق التربوية بين الفتيات والفتيان، وبيان الأساليب المختلفة في عملية تربية كلّ منهما.
4. التعرّف على أهم الآداب والسنن التي ينبغي مراعاتها قبل ولادة الطفل وبعدها.
5. بيان أسس وأركان التربية العاطفية والجنسية والاجتماعية للأبناء.
6. التعرّف على الأساليب التربوية السليمة والمبادئ الدينية لكيفية التعامل مع المراهقين.
 
 
المحتويات:
الدرس الثالث: التربية الدينية ضرورتها وأهدافها. 
الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عملية التربية(1).
الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عملية التربية (2).
الدرس السادس: التفاوت في التربية.
الدرس السابع: الواجبات التربوية للأبوين تجاه الأبناء.
الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة.
الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء.
الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال.
الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين.
الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء.
الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

32

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يوضّح أهمّية التربية الدينيّة وحقيقتها عند الأبناء.
2. يشرح الأهداف التي تسعى التربية الدينيّة لتحقيقها.
3. يدرك ارتباط التربية بالمعارف والأصول الدينيّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

33

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 ما هي التربية؟

جاءت كلمة "التربية" في اللغة بمعنى التنمية والتنشئة 1. وهذا المعنى ورد في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة بلفظ التزكية والتأديب. فكلمتا التزكية والتربية تحملان المعنى ذاته؛ لأنّ التزكية مثل التربية؛ هي بمعنى التنشئة. فالتزكية من جذر الزكاة؛ وهي كما جاء في مفردات القرآن: "أصل الزَّكَاةِ: النّموّ الحاصل عن برَكة الله تعالى، ويعتبر ذلك في الأمور الدّنيويّة والأخرويّة"2. والتزكية والتربية من أهمّ أهداف البعثة النبوية الشريفة، كما أخبر بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾3.

لذا قرن الله تعالى الفلاح بالتزكية في كتابه الكريم، حيث قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾4. وفي الخلاصة، وردت تعريفاتٌ عديدة للتربية، وكلّها تفيد أنّ التربية عمليةٌ تُوجِد تغييراتٍ في الفرد من خلال الاستفادة من استعداداته وقابليَّاته. والحال أنّه إذا ما أضيف العامل الغائيّ إلى هذه العملية، يمكن القول: إنّ التربية عبارةٌ عن تهيئة الأرضيّة والعوامل؛ لأجل تفتُّح استعدادات الإنسان وإخراجها من القوّة إلى الفعل في الاتّجاه المنشود. 
 
 
 

1- الصحاح في اللغة، الجوهري، ج6، ص 234.
2- مفردات القرآن، الراغب الاصفهاني، كلمة زكى.
3-آل عمران، 164.
4-الأعلى، 14-15.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

 


34

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 العناصر الأساسية للتديّن

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾1، كلمة "الدين" في اللغة يمكن أن تأتي بمعنى: "الإسلام، التوحيد، الطاعة، عبادة الله، الحساب، الانقياد للشريعة"2، واصطلاحاً عبارة عن مجموع أصول الدين، والأحكام والأوامر التي فرضها الله على الإنسان؛ أي فروع الدين. وبعبارة أخرى يمكن أن نقول: إنّ الدين يبتني على ثلاثة عناصر أساسية هي:

1 - المعرفة: وهي أوّل عنصر مؤثّر في التديّن، وهي العِلْمُ بالأصول والقواعد الضّرورية للدين عن طريق الاستدلال والبرهان العقلي؛ أي الاعتقاد العقلي بالأصول الخمسة للدين؛ وهي: التوحيد، العدل، النبوة، الإمامة والمعاد. من قبيل: الاعتقاد بأنّ الله خالقُ العالَم أو أنّه تعالى واحدٌ لا شريك له، وأنّه عادل، وأنّ النبوة والإمامة واجبتان باللطف الإلهي، وأنّ المعاد ثابت بحكم عدل الله وحكمته.

2 - الإيمان: وهو العنصر الثاني في التديّن، وهو عبارة عن الاعتقاد القلبي الجازم بالأصول الدينية المسلّمة. فلا يقال للشّخص الذي لا يمتلك اعتقاداً قلبياً بالله أنّه متديّن. كما أنّ كافّة القيم الأخلاقية؛ من كرم، وتضحية، وغيرها تعود بجذورها إلى أصلٍ واحدٍ هو الاعتقاد القلبي بهذه الأصول. والإيمان القلبي يستند على العلم والمعرفة؛ بنحو أنّه كلّما تكاملت المعرفة، يكون الإيمان أقوى وأشدّ. 

3 - العمل: وهو العنصر الثالث في التديّن، وهو العمل بالأحكام الدينية والوظائف الشرعية التي تنجّزت على المكلّف، والتي من خلالها يكشف الفرد المتديّن في مقام العمل عن معتقداته الدينيّة. وهذا العمل يتمتَّع بالقيمة الدينية من وجهة نظر الإسلام؛ لأنّه نابع من الاعتقاد العقلي والإيمان القلبي الراسخ بأصول الدين، فعن الإمام علي عليه السلام: "الإيمان والعمل أخوان توأمان ورفيقان لا يفترقان لا يقبل 
 
 
 

1-آل عمران، 19.
2-تاج العروس، ج18، ص51.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

35

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 الله أحدهما إلا بصاحبه"1.


أهمّيّة التربية الدينيّة
قلّةٌ من يشكُّ بضرورة التربية الدينية ولزومها؛ لأنّه مع قليلٍ من التفكّر يتّضح أنّ سعادة الإنسان رهن لهذه التربية. فالتربية الدينية بإمكانها أن تجعل علاقة المخلوق بالخالق أكثر متانةً واستحكاماً، وأن تسوقه إلى القبول بالمسؤولية والتكاليف الإلهية المُلقاة على عاتقه. 

ويكفي أن نعرف أنّ الدافع من بعثة الأنبياء عليهم السلام يقوم أساساً على نفس هذا الهدف؛ لتتّضح أهمّيّة التربية الدينية. والقرآن الكريم ـ الذي هو كتاب هداية وصناعة الإنسان ـ يتناول صراحةً في جملةٍ من الآيات مسألة التربية الدينية للأبناء، حيث يقول عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾2، وهو عزّ اسمه القائل أيضاً في محكم آياته: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾3.

وأكّد أولياء الإسلام ـ أيضاً ـ وأوصوا بنحوٍ عام على أهمّيّة التربية، وبنحوٍ خاصّ على تربية الأبناء. روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "أدِّبوا أولادكم على ثلاثِ خِصال: حبِّ نبيِّكُم، وحبِّ أهل بيته، وقراءة القرآن"4. وعنه صلى الله عليه واله وسلم ـ أيضاً ـ أنّه قال: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين، وفرّقوا بينهم في المضاجع إذا كانوا أبناء عشر سنين"5.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من تأدّب بأدب الله أدّاه إلى الفلاح الدائم"6. فالمهم إذن، أن يكون الأدب والتأدّب على ضوء ما يريده الله تعالى ويرضاه. 
 
 
 

1-غرر الحكم، أهمية العمل، 2782، ص151.
2-التحريم، 6.9- الأعلى، 14.
3-خلاصة عبقات الأنوار، ج4، ص255.
4-بحار الانوار، ج101،ص 49.
5-م.ن، ج104، ص99.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

36

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 وروي عن الإمام الصادق عليه السلام ـ أيضاً ـ أنّه قال: "الغلام يلعبُ سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلالَ والحرام سبع سنين"1.


الهدف من التربية الدينية
يظهر ممّا ذكرناه في تعريف التربية والدين، أنَّ مفهوم "التربية الدينيّة" إنّما يكون قابلاً للتحقُّق في ظلِّ الارتباط بمحاور ثلاثة: معرفة الله، الإيمان به تعالى، والعمل بما ينبغي وترك ما لا ينبغي من أوامر الله ونواهيه. بناءً عليه، يمكن القول: إنّ التربية الدينية هي عمليةٌ تحصل عن طريق تزويد الفرد بالرؤية النظرية، وبالالتزام القلبي والعملي انسجاماً مع الفطرة الإنسانية، وبعيداً عن الجبر والإكراه، وبالتالي الوصول إلى السعادة الدنيوية والأخروية المنشودة التي هي طموح وهدف كلّ إنسان في هذه الحياة.

ويمكن أن نضع هدفين أساسين للتربية الدينية
1. هدف نهائي وغائي:
وهو القرب من الحقيقة المطلقة والجامعة لكلِّ الكمالات؛ وهو الله سبحانه وتعالى. وليس المقصود من القرب من الحقّ سبحانه وتعالى تقليص الفاصلة الزَّمانية والمكانية بيننا وبينه والعياذ بالله؛ لأنَّ الله خالق الزَّمان والمكان ومحيطٌ بكافَّة الأزمنة والأمكنة، وليس له نسبةٌ زمانية أو مكانية مع أيّ موجودٍ: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾2، ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾3. ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾4. ولا المقصود ـ أيضاً ـ القرب التكويني من الله سبحانه؛ لأنّ الله له
 
 
 

1-بحار الأنوار، ج12، ص 247.
2-الحديد، 3.
3-الحديد، 4.
4-البقرة، 115.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

37

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

  إحاطةٌ وجوديةٌ بكافَّة المخلوقات ومن جملتها الإنسان: ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾1؛ ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ﴾2.


بل المقصود من القرب خصوص القرب المعنوي والروحي من الله تعالى، من خلال حضوره تعالى الدائم في حياة الإنسان، والتحقّق بالكمالات والصفات الإلهية، في ظلِّ العبادة والعبوديَّة لله تعالى وطيّ مدارج الكمال، حيث يصل أهل القرب إلى مقام يجدون أنفسهم عين التعلُّق والارتباط بالله، ولا يرون لأنفسهم ولا لأيّ موجودٍ آخر استقلاليةً في الذّات والصِّفات والأفعال. 

2. هدف مرحلي:
بالالتفات إلى أنَّ التربية الدينية تهدف إلى هداية الإنسان على صعيد ارتباطه بالله سبحانه وتعالى، ولكنّ هذا الهدف لا يمكن أن يُتوصّل إليه دفعة واحدة، بل هو بحاجة إلى مقدّمات، وإلى تمهيد الأرضية الصالحة وتهيئتها؛ ليصبح المرء مستعدّاً للوصول إليه. ويمكن أن نشير هنا إلى أربعة أهداف مرحلية ينبغي أن يلحظها المربّي أثناء أدائه لوظائفه التربوية، وأن يعمل على تحقيقها، بوصفها مقدّمات تُمهّد الطريق نحو الهدف السامي، وهي:

الأوّل:على المستوى المعرفي والعملي: معرفةِ الله، الإيمان بالتّعاليم الدِّينية، التقوى وعبادة الله تعالى وشكره.
الثاني: على مستوى الاستعدادت والقابليات: تنمية قوّة العقل والفكر، معرفة النفس، تنمية روح طلب الحقيقة والفضيلة والميل لاكتساب الفضائل الأخلاقية.
الثالث: على مستوى الارتباط العملي بالقادة المعصومين عليهم السلام.
الرابع: على مستوى ارتباط الإنسان بمحيطه: من خلال التعرّف على الطبيعة 
 
 
 

1-فصلت، 54.
2-الواقعة، 85.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

38

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 والاستفادة منها بشكلٍ صحيح. ومن خلال احترام الوالدين، احترام الناس والحفاظ على حرمتهم، تنمية الروح الجماعية، الأُخوّة، التعاون والتعاضد، الأمانة، الوفاء بالعهود والعقود، الصداقة، الإحساس مع الآخرين والتألّم لأجلهم، الإيثار والتضحية وأمثال ذلك.

 

 

 

 

 

 

 

55


39

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 المفاهيم الرئيسة

1. التربية عبارةٌ عن تهيئة الأرضية والعوامل المناسبة؛ لأجل تفتُّح استعدادات الإنسان وإخراجها من القوّة إلى الفعل في الاتّجاه المنشود.
2. الدين عند الله الإسلام. والعناصر الأساسية التي يقوم عليها هذا الدين، هي: المعرفة، الإيمان والعمل.
3. عملية التربية ينبغي أن تكون على وفق الآداب والسنن الإلهية، وعلى ضوء ما يريده الله تعالى ويرضاه.
4. التربية الدينية عمليةٌ تجري عن طريق تزويد الفرد بالرؤية النظرية، والأحكام العملية المنسجمة مع الفطرة الإنسانية، بعيداً عن الجبر والإكراه، بهدف الوصول إلى السعادة الدنيوية والأخروية المنشودة المتمثّلة بمعرفة الله تعالى.
5. يمكن أن نضع هدفين للتربية الدينية، هدف نهائي وغائي، وهدف مرحلي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

40

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

  للمطالعة

لهدف من التربية 

لا شي‏ء يشبع الإنسان ويطفأ غرائزه سوى التربية. فمن خلال التربية يصل الإنسان إلى نهاية مسير ينال فيه غاية كل الأشياء التي يريدها والذي يتجسّد في نيل الكمال المطلق، والوصول إلى الكمال المطلق. فإذا بلغ ذلك يحصل على الطمأنينة اللازمة.


الجميع يتطلّعون إلى الكمال المطلق‏، فطمأنينة القلوب في الوصول إلى الله تعالى. وبغيره لا تهدأ القلوب مطلقاً. هم أنفسهم لا ينتبهون إلى أن هذه النّفس تتطلّع إلى الكمال المطلق، ولكنّهم يُخطئون الوصول إلى الكمال. فنفس‏ الإنسان تتطلّع للوصول إلى الكمال المطلق. وتبقى احتمالات الخطأ في تشخيص الكمال، هل هو يكمن في هذا الشيء أم في ذلك الشيء؟ فأحدهم يرى الكمال في العلم فتراه يقتفي أثر العلم. بينما يرى الآخر الكمال في السلطة فيذهب وراء الاستيلاء على السلطة. فالجميع يسعى جاهداً في الدنيا للوصول إلى الكمال المطلق، بعبارة أخرى إن الجميع يسعى للوصول إلى الله سبحانه ولكنهم لا ينتبهون لذلك. 

الإسلام يهدي الإنسان نحو الكمال المطلق،‏ الإسلام جاء ليرشدنا إلى الطريق، وينقذنا من التيه والضياع ويرشدنا إلى الطريق لنسلكه. فالإسلام لم يأت ليبسط هيمنته على هذا البلد أو ذاك. فالهيمنة مسألة غير مطروحة في الإسلام. الإسلام لا يولّي أيّة أهمّية لقضية التغلّب على قوم وبسط الهيمنة عليهم واستعمارهم، الإسلام لا يكترث لهذه الأمور. فلو كان للإسلام جيش فهو من أجل أن يسوق الناس إلى الهداية لا أن يقوم ببسط الهيمنة على المناطق الأخرى. فالجيش يتطلّع إلى استقطاب القلوب واستمالتها.


الإسلام جاء لهداية قلوب الناس الذين يعيشون حالة من التيه ويبحثون عن الكمال المطلق ولكن لا يعلمون أين يجدونه، جاء ليهدي هؤلاء التائهين ويرشدهم إلى الطريق

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

41

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 الذي يوصلهم إلى الكمال. فأنتم تقرؤون في القرآن وفي الصلاة: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم﴾. فهناك طريق مستقيم واحد يقود الإنسان إلى الكمال المطلق وينقذ الإنسان من التيه والتخبط، فالإنسان لا يستطيع أن يطوي هذا الصراط المستقيم بالاتكال على نفسه فحسب، فهو لا يملك المعلومات اللازمة في هذا المجال، الله تبارك وتعالى هو الخبير بهذا الصراط المستقيم، أي الطريق الذي ينتشل الإنسان من القلق والحيرة ويرشده إلى ما يقوده في النهاية إلى الله سبحانه.


إننا نطلب من الله في صلاتنا أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، بعيداً عن كل ما يجرف الإنسان إلى اليمين والشمال، ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾. هؤلاء يمشون على غير سبيل فلا يزيدهم كثرة المسير إلا بعداً عن الهدف. فجيش الإسلام هو جيش الهداية. وقادة الجيش في صدر الإسلام كانوا أساتذة أخلاق، كانوا يهدون الناس حتى أثناء القتال، كانوا لا يبدؤون القتال، ويأمرون الجيش بالانتظار حتى يبدأ العدو بالقتال وكانوا يبدؤون القتال باسم الله.

وعندما كانوا يقاتلون ما كانوا مثل غيرهم ممن همّهم دحر العدو والحصول على الغنائم، وإنّما كانوا يحرصون على استمالة القلوب وتسخيرها. فحيثما ذهب جيش الإسلام وحيثما وضع قادة الإسلام قدمهم بادروا إلى بناء مسجد. فعندما دخلوا القاهرة بادروا إلى‏ التخطيط لبناء مسجد وكان هذا ديدنهم في كل مكان. فالمسجد كان هدفاً، والمعبد كان هدفاً وجيش الإسلام كان يسعى لبناء المساجد والمحاريب.

فالأنبياء عليهم السلام بعثوا لهذا الغرض ولهداية الناس إلى الطريق الذي ينتهي بهم إلى الكمال المطلق وينقذهم من هذه الحيرة ومن هذا التخبط والضياع، جاؤوا من أجل إنقاذ الإنسان من ظلمات الطبيعة إلى النور، بل من حجب النور والظلمات إلى ما وراء ذلك. فأنت تقرأ في المناجاة الشعبانية: (الهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور). اهدنا لأن تخرق
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

42

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

 أنظار قلوبنا وأبصار قلوبنا حجب النور لتصل إليك. فالإسلام جاء لينقذ الإنسان من هذه الضلالة التي يعيشها، ومن هذه الحجب التي لديه، والحجب التي هي فوق كل الحجب كالأنانية والعجب بالنفس وداء العظمة. فما أن يحصل الإنسان على شي‏ء حتى يعتريه الغرور وداء العظمة، ويرى نفسه أكبر من الآخرين. الإسلام جاء ليقمع هذا الغرور، فما دام الإنسان مغترّاً بنفسه فلا يمكنه أن يصل إلى سبيل الهداية، يجب أن يسحق هذا الغرور، ويسحق شهواته وأهوائه النفسية 1

 
 

1-صحيفة الإمام الخميني، ج12، ص404.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

43

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يعدّد أهمّ العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية.
2. يشرح تأثير كلّ من الوراثة والمحيط والمجتمع على عملية البناء التربويّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

44

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 تمهيد

تعتبر الوراثة والمحيط والمجتمع والبيئة، من جملة العوامل الأساسية المؤثّرة في تشكّل شخصيّة الإنسان وبنيته الفكرية والروحية. ونظراً لما تتمتّع به هذه العوامل من أهمّيّة ومساهمتها المؤثّرة في تربية الأبناء دينياً، سنتناولها بالبحث، مع التذكير بأنّ هذه العوامل تشكّل الأرضية للتربية الدينيّة والأخلاقيّة وليست علّة تامّة لها. مع التسليم بتأثيرها على الكثير من الأبعاد التربوية في شخصية الصغير والكبير.

الوراثة
1. مفهوم الوراثة:
الوراثة بمفهومها ومعناها العامّ تعني انتقال بعض خصائص وخصال الوالدين والأجداد أيضاً وحتى الأرحام إلى الأبناء. وقد تنبّه البشر من قديم الزمان إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ الكائن الحيّ ينقل الكثير من صفاته وخصائصه إلى نسله وإلى الأجيال اللاحقة ـ أيضاً، وأنّ قانون الوراثة يقوم في الحقيقة بحفظ الصورة النوعية للنباتات والحيوانات والإنسان أيضاً. وفي الواقع إنّ النّسل التالي يَرِث صفات النّسل السابق، فبذرة الوردة قد حفظت في نفسها الخصائص الكليّة للسّاق والورق والصباغ النهائيّ والتي منها قد تشكّلت الوردة، وأثناء عملية النموّ تظهر جميع الخصائص فيها واحدةً تلو الأخرى. وكذا الحال بالنسبة للحيوانات. كما وإنّ الأبناء، ومن دون أدنى نشاطٍ اختياري، يشتملون على صفات الآباء والأمّهات وخصائصهم، ويولدون بمميّزات مشتركة كثيرة، وهذا ما بيّنته الدراسات العلميّة الحديثة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

45

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 1. الوراثة في النصوص الدينيّة:

قانون الوراثة هو قانونٌ مقبولٌ من وجهة نظر الإسلام، إذ ينقل القرآن الكريم في قصّة النبي نوح عليه السلام طلبه عليه السلام من ربّه: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾1.

وفقاً لهذه الآية، فإنّ الأبناء يرثون صفات آبائهم؛ الحسنة منها والسيئة. فمن المعلوم أن الأبناء كما يرثون من أمّهاتهم وآبائهم الخصائص الجسميّة، فهم يرثون منهم ـ أيضاً ـ الخصائص المعنوية والحالات الروحية والنفسية. مع الإشارة إلى أنّ قانون الوراثة لا يعني المطابقة في كلّ شيء، ولا يعني الجبر وعدم القدرة على تغيير هذه الخصائص، بل يبقى للإنسان القدرة على التغيير في ما لو أعمل إرادته بشكل سليم وصحيح على تغيير الكثير من هذه الصفات الموروثة وتبديلها. 
وقد أكَّدتْ الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام ـ أيضاً ـ على قانون الوراثة وتأثيره في عملية التربية بشكل مباشر أو غير مباشر، وعبّرت عنه بلفظ "العِرقْ" و"الأعراق"، والتي يُعبَّر عنه اليوم في المحافل العلميّة بـ "الجينات أو الخليّة الوراثية". 

عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "تزوجوا في الحجر الصالح، فإنّ العِرْقَ دسّاس"2.
وعنه صلى الله عليه واله وسلم في رواية أخرى أنّه قال: "اختاروا لنطفكم؛ فإنّ الخال أحد الضجيعين"3. وعنه صلى الله عليه واله وسلم ـ أيضاً ـ أنّه قال: "اختاروا لنطفكم؛ فإنّ الأبناء تشبه الأخوال"4.

كما بُيّن دورُ الوراثة في الأخلاق، وفي تشكُّل خصال الإنسان وسلوكيّاته في الحِكَم العَلَويّة، فعن أمير المؤمنين ومولى الموحِّدين الإمام علي عليه السلام أنه قال: "حُسْنُ الأخلاق بُرهانُ كَرَمِ الأعراق"5
 
 
 

1-نوح، 26-27.
2-الوافي، ج3، ص 706.
3- الكافي، ج5، ص332.
4- الجواهر، 29، ص 37.
5- غرر الحكم، فضيلة حسن الخلق، 5358، ص254.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

46

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 وعنه عليه السلام: "من شرفِ الأعراق كَرَمُ الأخلاق"1. وعنه عليه السلام أيضاً قال: "أطهرُ النّاس أعراقاً أحسنُهُم أخلاقاً"2


1. العلاقة بين الوراثة والأحكام الدينيّة:
بالالتفات إلى أهمّيّة الوراثة وتأثيرها الجدّي في تشكُّل الخصائص البدنيّة والعقليّة والدّينيّة والأخلاقيّة والرُّوحيّة للأبناء، بنى الإسلام الكثير من الأحكام وفِقاً لهذا القانون المسلَّم به، على سبيل المثال:

أ-أوصى الإسلام في مسألة اختيار الزوج للزوجة: أن يختارها من العائلات الصالحة؛ لأنّ خصال الآباء والأمّهات تورث. روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال ذات يوم خطيباً: "أيّها الناس إيّاكم وخضراءَ الدِّمن، قيل يا رسول الله وما خضراء الدِّمن، قال: المرأة الحسناء في منبت السّوء"3

وأيضاً عنه صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "أنكِحوا الأكفّاء وانكحوا فيهم واختاروا لِنطَفكم"4. وسأل أحدهم الإمام أبي جعفر عليه السلام: "إنّ الرّجل المُسلم تُعجِبه المرأةَ الحسناءَ أَيصلُح له أن يتزوَّجَها وهي مجنونة؟ قال: لا" 5. وجاء في الحديث عن الإمام علي عليه السلام: "إيّاكم وتَزْويج الحمقاء فإنّ صُحبَتها بلاء ووُلْدَها ضِياعٌ"6.

ب-أكَّد الإسلام ـ أيضاً ـ على المرأة أن تتفحّص أحوال زوجها المستقبليّ، وجعل مسؤولية هذا العمل على عاتق الوليّ الشرعيّ، روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "النكاحُ رقٌّ فإذا أنكح أحدُكُم وليدةً فقد أرَقَّها فلينظرْ أحدُكم لمن يرقّ كريمتَه"7
 
 
 

1- غرر الحكم، 5364، ص254.
2-م.ن، 5347، ص254.
3-الكافي، ج5، ص332.
4-وسائل الشيعة، ج20، ص 48.
5- م.ن، ص85.
6-م.ن، ص84.
7- م.ن، ص 79.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

47

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 وعن الحسين بن بشّار الواسطيّ قال: "كتبت إلى أَبي الحسن الرِّضا عليه السلام أنّ لي قرابةً قد خطب إليّ وفي خُلُقِهِ سُوءٌ، قال: لا تُزوِّجهُ إن كان سيّء الخلق"1.


ج - الإسلام، وبسبب رعايته لقانون الوراثة، أقرَّ بعض التسهيلات القانونيّة في موارد محدّدة؛ لأجل فسخ عقد الزواج، من قبيل: الجنون، أو الإصابة بمرض البرص، أو الجذام، أو العجز الجنسي، وغيرها. فإذا تزوج الرّجل أو المرأة وأدرك أحدهما لاحقاً أنّ الطرف الآخر مصاب بأحد الموارد التي ذكرناها، له الحقّ في أن يفسخ العقد 2، ولا يحتاج إلى الطلاق لأجل التحرُّر من هذا الزواج؛ إذ يُعدُّ هذا القانون وسيلةً للحدِّ من الوراثة غير المحمودة.

1. تغلّب التربية على الوراثة:
إنّ الصفات الوراثية ليست من الصفات الحتميّة، وليست من مصاديق القضاء والقدر الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل. بل إنّ هذه الصفات والموروثات مهما كانت قوية ومؤثّرة، يمكن التغلّب عليها بقوّة الإرادة والإصرار، والمثابرة. فأيّ صفة وراثية إذا ما خضعت لعملية التربية المباشرة مصحوبة بإرادة قويّة ونافذة فبالإمكان تغييرها وتبديلها من صفة سلبيّة إلى أخرى إيجابيّة؛ لأنّ الإرادة والاختيار الإنسانيين هما أقوى من أيّ موروث أو أيّ عامل خارجي آخر. 

فالوراثة لوحدها بالرغم من أثرها على الخصائص الجسدية والنفسية للوارث، لا تقدر على طمس معالم الفطرة، وتعطيل القدرة والاختيار الإنساني المُعطى للإنسان بالأصل من أجل تقرير مصيره بيده: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا
 
 
 

1-وسائل الشيعة، ج 20، ص 81.
2-يجوز للزوجة فسخ النكاح إذا تحقّق في الزوج عيب من أربعة، وهي: الجنون، والخصاء، والجبّ، والعنن. الأوّل: الجنون، ويجوز للزوجة فسخ النكاح بجنون زوجها مطلقاً، (سواء أكان جنونه قبل العقد مع جهل المرأة به، أم حدث الجنون بعد العقد، وسواء أكان الجنون قبل العلاقة الزوجيّة الخاصّة أم بعدها). ومع علمها بالجنون قبل العقد فلا خيار لها. تحرير الوسيلة ـ المعاملات، جمعية المعارف، ص331.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

48

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

  بِأَنْفُسِهِمْ﴾﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾2 ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى﴾3، وإلا فلا معنى لأن يأمر الله الناس بالعمل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾4، فقد شهدنا الكثيرين ممَّن وُلِدُوا من أبوين كافرين أو فاسقين، ولكنّهم تحرّروا في نهاية المطاف من تأثيرهما السلبي الموروث بعد مجاهدة الطبع الموروث وترويضه؛ ليكون خاضعاً لقوّة العقل والإرادة.
فمهما كانت التأثيرات السلبيّة للوراثة أو التربيّة أو البيئة التي ينشأ فيها الإنسان قاسية وصعبة، يبقى الإنسان قادراً على التغيير، ويبقى مدد الهداية الإلهيّة محيطاً به على الدوام. إنّ عظمة الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه المنتجبين تكمن في سيرهم وتسنّمهم أعلى درجات الكمال رغم أنّهم نشأوا في أسوأ بيئة عرفتها البشرية، حيث استجابوا لنداء الفطرة والعقل المودعين في خلقة كلّ إنسان.

المحيط
إنّ مجموع العوامل الخارجية التي تحيط بالإنسان، والتي تؤثِّر بشكل مباشر أو غير مباشر في تربيته، تُسمّى المحيط. وهذه العوامل المتعدّدة تؤثِّر في الإنسان بأنحاء مختلفة منذ انعقاد النطفة وحتى موته. وأهمّ هذه العوامل المحيطة: البيت والأسرة، الصداقة والعشرة، المدرسة، المجتمع، البيئة الجغرافية والطبيعية. وسنتكلم عنها تباعاً: 

1. البيت والأسرة: 
يتفاعل الطِّفل في محيط البيت مع عناصر بشريّة عدّة أهمّها: الأب والأمّ، وتشكّل الأسرة أهمّ محيط لتربية الأطفال. فحينما يكتسب الولد لغة الأمّ والأب داخل البيت، 
 
 
 

1-الرعد، 11.
2-النجم، 39.
3- النازعات، 35.
4- التوبة، 105.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

49

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 ينقل إليه أفراد العائلة الأفكار والآراء الأساسيّة من خلال المكالمة والحوار؛ فترتقي معارفه ومعلوماته إلى مستوى أفكار عائلته، وتحاكي أفعاله أفعال أفراد العائلة. من هنا، عندما نقوم بدراسةٍ لأفعال الإنسان اليوميّة وتحليلها وتجزئتها والبحث عن مناشئها، سنرى أنّ أكثرها يعود إلى التربية الأسريّة.


ويعتبر الباحثون من خلال دراستهم لبعض الحالات النفسية، أنّ جذور كثير من الأمراض العصبيّة والنفسيّة تعود إلى سلوكيّات الأهل المنحرفة والسّيئة مع أولادهم، وخاصّة في سنوات الطّفولة الأولى. إذ تترك أفعال الأهل أثرها على الأولاد دون أن يقصدوا ذلك. فالأم التي تخيف ولدها، تُربِّي ولداً جباناً من حيث لا تشعر. كما أنّ الولد يتلقّى دين عائلته، ويتأثّر بعقائد وأخلاق وأفعال أسرته من حيث لا يدري أو يشعر. ففي الحديث عن رسولِ الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "كُلُّ مولودٍ يُولد على الفِطرة حتى يكونَ أبواهُ يُهوِّدانه ويُنصِّرانه"1. فقد خُلِقَ الطفل قابلاً للخير والشر معاً، ووالداه هما اللذان يمنحانه القيم الأخلاقيّة السليمة والحسنة أو عكسها. 

وفي ما يلي هذه بعض الجوانب التربوية التي تؤثِّر فيها العائلة:
أ- على مستوى شخصيّة الطِّفل: فالعائلة هي المحيط الأوّل والأهمّ الذي يؤسّس لبناء شخصيّة الأبناء وسلوكيّاتِهم.

ب- على مستوى عقيدة الطِّفل: إنّ النواة الأولى لمنظومة الطِّفل الفكرية والعقائدية تتشكَّل في مراحلها الأولى داخل محيط الأسرة، من خلال ما يعيشه داخل الأسرة، وما يتلقّاه من مبادئ فكريّة وعقائدية، ومن خلال تفاعله مع الأنظمة الحاكمة داخل الأسرة نفسها. وفي حال لم تكن تلك المعتقدات صحيحةً سيكون تغييرها وإصلاحها في المستقبل أمراً بالغ الصعوبة؛ خاصّة لجهة الانحرافات والشبهات العقائديّة. 
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج3، ص 281.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

50

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 ج- على مستوى القدوة والأسوة: فأوّل من يأخذ الطِّفل قدوة له وأسوة هو أحد أفراد عائلته، لأنّه على تماس واحتكاك دائم بهم، لذلك تراه يسعى إلى تقليدهم في البداية من دون وعي أو التفات منه، وهذا المعنى نجده بوضوح عند الإمام أبي جعفر عليه السلام حيث يقول: "يُحفَظ الأطفال بصلاح آبائهم"1.


2. العشرة واكتساب الأصدقاء: 
الإنسان موجودٌ اجتماعي لديه الأهليّة لإقامة العلاقات والصّداقات ومعاشرة الآخرين، وهو بهذه الوسيلة يلبِّي احتياجاته الفطريّة، فيتأثَّر ويُؤثّر، ينفعل ويتفاعل. من هنا، نجد أنّ المعاشرة والمصادقة تسهمان مساهمة فعّالة وجدّيّة في تربية الأبناء سواء من النّاحية الإيجابيّة أم السلبية. لذا، يجب أن تكون العشرة مورد عناية واهتمام الوالدين، وكذلك القيّمين على الشأن التربوي. فالإنسان بمقدار صداقته ودرجة ارتباطه بالطرف الآخر يمكنه أن ينفُذْ في شؤونه المادّيّة والمعنويّة، ويؤثّّر على معتقداته وأخلاقه وحتى سلوكه وأقواله. روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "المرء على دين خليله"2.

وعن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "واعلموا إنّ مجالسةَ أهل الهَوَى منسأةٌ للإيمان، ومحضِرَةً للشيطان"3.
وروي عن النبي سليمان عليه السلام أنّه قال: "لا تحكموا على رجل بشيء حتى تنظروا إلى من يصاحب، فإنّما يُعرف الرجل بأَشكاله وأَقرانه وينسب إلى أَصحابه وأَخدانه"4.

وهذه الشواهد الروائية إن دلّت على شيء، فإنّها تدلّ على مدى نفوذ وتأثير العشرة 
 
 
 

1-م.ن، ج15، ص178.
2-وسائل الشيعة، ج4، ص 207. 
3-نهج البلاغة، الخطبة 86.
4-مستدرك الوسائل، ج8، ص227.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

51

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 في حياة الإنسان بمختلف مجالاتها وأبعادها.


2. المدرسة: 
المدرسة كالعائلة أيضاً هي عاملٌ مهمٌّ على صعيد تربية الأطفال والأحداث، على الصعيد الجسدي والروحي. وتتكوَّن البيئة المدرسيّة من عناصر مختلفةٍ؛ من المعلّم، إلى المدير والناظر والمسؤول التربويّ والموظّفين والأصدقاء، والزملاء في الصفّ، وغيرهم بحيث يمكن أن يساهموا جميعهم أو بعضهم في تشكيل شخصية الطِّفل، وفي رسم معالم منظومته الفكرية والسلوكية. وربّما اتّخذ الطِّفل أيضاً أحد هذه العناصر قدوة وأسوة له في الحياة. 

ويُعدّ دور المعلّم في بناء البعد الأخلاقيّ أو هدمه عند الأولاد مهمّاً جدّاً. فالمعلّم، وبسبب نفوذه المعنويّ، يُقدِّم القدوة والأنموذج للتلاميذ من خلال سلوكيّاته. فهم يتأثّرون بشدّة بكافّة الحركات والسكنات والإشارات، وحتى الألفاظ التي يستخدمها المعلّم أثناء قيامه بوظيفته التعليميّة.

وبالإضافةً إلى تأثير المعلّم، فإنّ الأجواء الدينيّة والمعنويّة الحاكمة على المدرسة لها تأثير كبير في غرس النواة الأولى للتوجّهات الإيمانيّة والدينيّة في نفوس الأطفال والأحداث؛ كالمراسم الدينية، وجلسات الدعاء، وصلاة الجماعة، وأمثالها، التي توفّر الأرضية اللازمة للتربية الدينيّة والأخلاقيّة والإقبال نحو المعارف الإسلاميّة. ومن البديهيّ أن يؤدّي تواجد المعلّمين والمدراء والمربّين مع الطلّاب في جلسات ومراسم كهذه إلى زيادة نسبة التأثّر والتأثير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 69

52

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 3. المجتمع: 
إنّ المحيط الاجتماعي - أعمّ من أفراد المجتمع والأجواء الحاكمة عليه - له أيضاً تأثيره الكبير جدّاً على الأفراد. فكلّ إنسان كما يقول الشهيد مطهري يأتي إلى الدّنيا طاهراً ونقيّاً؛ أي مزوّداً بتقوى ذاتيّة، ولكن من الممكن تدريجيّاً، وعلى أثر تلوُّث
 البيئة أن ينحرف عن مسار الفطرة إلى أن يُمسَخَ تماماً 1.
فممّا لا شكّ فيه أنّ البيئة الاجتماعيّة الفاسدة، تُفسد الجوّ الروحيّ للأفراد، وتضعف من مجال نموّ الأفكار السامية وتُقوِّي مجال نموّ الأفكار السافلة. ولهذا السبب اهتمّ الإسلام بشدّة بضرورة إصلاح المحيط الاجتماعيّ. وقد بيّن الإمام علي عليه السلام أهمّيّة ودور المحيط الاجتماعي في تشكّل البنية التّربوية للفرد، حيث يقول في رسالته لحارث الهمداني: "واسكنِ الأمصار العِظام؛ فإنّها جماعُ المسلمين، واحذر منازِل الغَفْلة والجَفاء وقِلَّة الأعوان على طاعة الله" 2
 
 
 

1-التعرّف على القرآن، ج2، ص 65 (باللغة الفارسية).
2-نهج البلاغة، الخطبة 69.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

53

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 المفاهيم الرئيسة

1. تعتبر الوراثة والمحيط والمجتمع والبيئة، من جملة العوامل الأساسية المؤثّرة في تشكّل شخصيّة الإنسان وبنيته الفكريّة والروحيّة.
2. من وجهة نظر القرآن، الأبناء كما أنّهم يرثون من أمّهاتهم وآبائهم الخصائص الجسميّة، فهم يرثون منهم ـ أيضاً ـ الخصائص المعنوية والحالات الروحيّة والنفسيّة.
3. مجموع العوامل الخارجية التي تحيط بالإنسان تُسمّى المحيط. وهذه العوامل المتعدّدة تؤثِّر في الإنسان بأنحاء مختلفة، وتشكّل الأسرة أهمّ محيط لتربية الأطفال.
4. تسهم العشرة والمصادقة مساهمة فعّالة في التربية، فالإنسان بمقدار صداقته ودرجة ارتباطه بالطرف الآخر يمكنه أن ينفذ في شؤونه المادّيّة والمعنويّة.
5. المدرسة كالعائلة عامل مهمّ جدّاً على صعيد التربية الجسميّة والروحيّة للأطفال والأحداث، وتساهم في تشكيل شخصية الطفل، ورسم معالمه الفكريّة والسلوكيّة.
6. البيئة والمحيط الاجتماعي لها دخالة وتأثير واضح على الفرد، فالبيئة الاجتماعية الفاسدة سوف تفسد بطبيعة الحال الجوّ الروحيّ والمعنويّ.
7. مهما كانت الخصائص الوراثية والبيئة المحيطة بالإنسان صعبة وقاسية إلّا أنّها لا تقهر الإرادة ولا تلغي الاختيار الإنساني؛ لأنّ الإنسان مخلوق مختار، والحكم النهائي له.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

54

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 للمطالعة

مخاطر الوراثة
الإسلام عبارة عن نظام شامل: نظام سياسي يحيط بكل شيء، في حين أنّ بقية الأنظمة غافلة عن الكثير من الأمور. يهتم الإسلام بتربية الإنسان في مختلف أبعاد شخصيته، فهو يهتم بتوجهاته المادية، ويرعى اهتماماته المعنوية وينمّيها، بل لقد عبّر عن رأيه فيما هو أبعد من ذلك، إذ عبّر عن رأيه في الفترة التي تسبق اقتران الأبوين. 

ويتضمن الإسلام أحكاماً وتعاليم لبناء الإنسان، فهو يحدّد للرجل المرأة التي يختار، ويعيّن للمرأة مواصفات الرجل المطلوب: ما وضعه الأخلاقي؟ وما مستوى تديّنه؟

إنّ المُزارع إذا ما أراد أن يبذر البذور، فإنه يبحث أولاً عن الأرض الصالحة، ثم يوفّر كل مستلزمات الأرض لكي تنمو البذرة بنحو سليم، فتراه يحرص على توفير ما يراه مفيداً لها، ويحاول تجنيبها الأشياء التي تضرّها، ويستمر على مواظبته لها حتى تنمو وتثمر. والإسلام لديه مثل هذا الاهتمام بالإنسان، أي: يتعامل معه مثلما يتعامل المزارع مع زرعه الذي يريده أن ينمو ويثمر. فمن قبل أن تعقد النطفة: أمر الإسلام بالصورة التي ينبغي أن يكون عليها الوالدان، أي: كيف ينبغي أن يكون الزواج؟ 

إنّ حرص الإسلام هذا جاء بدافع تفكيره بعاقبة هذا الأمر، فإذا كانت أخلاق أحد الأبوين على سبيل المثال فاسدة، أو كانت أفعالهما غير إنسانية، فإنّ أثر ذلك سيظهر في الطفل بالوراثة. ولهذا اهتم الإسلام كالمزارع الحريص والدقيق اهتماماً دقيقاً بمواصفات الإنسان الذي يجب أن يقترن به الإنسان الآخر. وإذا ما تزوّجا اهتم بآداب الزواج وآداب الفراش، وهنا توجد تعاليم وآداب كثيرة، ثم ينتقل إلى فترة الحمل التي يذكر بشأنها آداباً كثيرة، بعدها يعبّر عن رأيه في آداب حضانة الأم، وكذلك دور الأب، وبعد أن ينتقل الطفل إلى المدرسة ثم إلى المجتمع، كل هذه الأمور والمراحل وضع الإسلام لها أحكاماً وآداباً. في حين أن بقية النظم الموجودة في العالم لا تُعنى بهذا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

55

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

 أساساً، وإنّ كل همّهم هو ـ مثلاً ـ أن يرفل المجتمع في هدوء يمكّنهم من نهب ثروات الشعب، أو أن يحرصوا على تنظيم العلاقات الاجتماعية لأبناء المجتمع بشكل سليم. أما كيف ينبغي للطفل أن ينمو ليصبح فرداً صالحاً في المجتمع، وما هي طبيعة التربية المطلوبة خلال فترة الحمل والرضاعة، فمثل هذه غير موجودة لدى هذه الأنظمة، بيد أنّ الإسلام يهتم بكل ذلك، يهتم كيف ستكون معاملة الإنسان مع أخيه الإنسان؟ وكيف ستكون معاشرته مع والديه؟ وكيف ستكون معاشرة الآباء مع الأبناء؟ وكيف ستكون معاشرتهم مع جيرانهم، ومع أبناء شعبهم، ومع إخوتهم في الدين، ومع الأجانب؟ 1.

 
 

1- الإمام الخميني، من حديث في مجمع من منتسبي السلك التعليمي، 19/2/1979.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

56

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

 الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2


أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يعدّد أهم العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية.
2. يبيّن تأثير كلّ من التغذية، والظروف الصعبة، وضعف الإرادة، والعوامل الغيبيّة على عملية البناء التربوي للأبناء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

57

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

 تمهيد

يُعتبر كلٌّ من الغذاء والظروف الصعبة التي يعيشها الإنسان، والشدائد التي يمرّ بها، بالإضافة إلى عامل الإرادة، وعامل ما وراء الطبيعة، من جملة العوامل المؤثّرة أيضاً في تشكّل هويّة الإنسان وبنيته الفكريّة والسلوكيّة. ونظراً لما تتمتّع به هذه العوامل من أهمّيّة ومساهمتها المؤثّرة في تربية الأبناء دينياً، سنتناولها بالبحث في هذا الدرس لتكتمل الصورة وتتضح أكثر. 

التّغذية
لا يمكن إنكار تأثير الغذاء على سلوك الإنسان وتربيته الدينيّة والأخلاقيّة. من هنا ولأجل أن يحدّ الدين الإسلامي من العواقب السلبيّة الناجمة عن طبيعة الغذاء، أوصى كثيراً بالغذاء ونوعيّته؛ لأنّ مراعاة تلك التّعاليم بشكلٍ جيّد، سيحدُّ من بروز الكثير من المشاكل التّربويّة.
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال بشأن المرأة الحامل: "أطعِموا المرأةَ في شهرها الذي تلِدُ فيه التّمرَ فإنَّ ولدَها يكونُ حليماً نقيّاً"1. طبقاً لهذه الرواية، فإنّ تناول الأمّ للتمر في شهرها الذي تلد فيه له دوره في إكساب الطفل صفات حميدة.

ثمّ إنّ الغذاء الأوّل الذي يتغذّى منه الطِّفل بعد ولادته هو حليب الأمّ، وهو يؤثِّر على الطِّفل من جوانب عِدَّة، منها الجوانب الروحيّة والمعنويّة. لذا ورد بشأن الغذاء من حليب الأمّ وطبيعته توصياتٌ في كلام الأئمّة المعصومين عليهم السلام يجدر الاعتناء بها. يقول
 
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج 16، ص384.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

58

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

  الإمام علي عليه السلام: "ما من لبنٍ رضع به الصبيّ أعظم بركةً عليه من أمّه"1. وحول انتخاب المُرضعة قال عليه السلام: "تخيَّروا للرِّضاع كما تخيّرون للنّكاح؛ فإنّ الرضاع يُغيِّر الطِّباع"2. وعنه عليه السلام -أيضاً - أنّه قال: "لا تسترضعوا الحمقاء فإنّ اللبن يغلب الطباع"3.


فالغذاء الحلال له تأثيره الكبير في مرحلة الطفولة على التربية الدينيّة للأطفال، ولذا يتوجَّب على الآباء والأمّهات الاعتناء بتعاليم المعصومين عليهم السلام، وأن يستفيدوا من الأغذية الحلال؛ كي يربّوا أبناءً صالحين. فأغلب الشخصيّات الدّينيّة والإسلاميّة العظيمة قد تربّت في حضن الآباء والأمّهات المؤمنين والمتديّنين، حيث يُنقَل بشأن الشيخ الأنصاري أنّ والدته لم ترضعه ولا مرّة واحدة من دون أن تكون على طهارة. ولقد وصل المرحوم الشيخ الأنصاري على إثر هذا الاعتناء والتربية العائليّة السليمة إلى مقامٍ أضحى معه العالَم الإسلاميّ والحوزات العلمية الشيعيّة مَدِينة لخدماته العلميّة والثقافيّة.

المصاعب والشّدائد
من العوامل الأخرى المؤثّرة في تربية الإنسان: المصاعب والشّدائد، التي لها دور مهمّ في صقل روح الإنسان وجوهره، وبالتالي تفتّح الاستعدادات والقابليّات لديه لنيل الكمالات الإنسانيّة. 

في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إنّ الله عزّ وجلّ لَيتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة"4.
وعنه عليه السلام ـ أيضاً ـ أنّه قال: "إنّ الله تبارك وتعالى إذا أحبّ عبداً غَتَّهُ بالبلاء غَتّاً، 
 
 
 
 

1-وسائل الشيعة، ج 21، ص452.
2- م.ن، ج 21، ص468.
3-م.ن، ج 21، ص467.
4-الكافي، ج2، ص 255.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

59

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

 وثَجَّهُ بالبلاء ثَجّاً، فإذا دعاه، قال لبّيك عبدي، لئن عجّلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر، ولئن ادّخرت لك فما ادّخرت لك فهو خير لك"1.


من هذا المنطلق، تأتي أهمّيّة أن يكون الطِّفل منذ نعومة أظافره على تماس أكثر مع الأمور المجهدة والمتعبة التي تتطلّب بعض المشقّة والعناء لنيلها والظفر بها. ولكن، عادةً ما يُصار إلى العكس من ذلك في عملية تربية الأبناء. فممّا لا شكّ فيه أنّ الإفراط في الدلال والغنج، يحُول دون معرفة كيفيّة التعاطي مع الشدائد، وسيثمر أبناء عاجزين ضعفاء، ويُجرّدهم من سلاح المواجهة في ساحة الحياة، حتّى أنّ أصغر حادثة لا تلائمهم يمكن أن تكسرهم، وأقلَّ تغييرٍ في أوضاعهم يمكن أن يُحطّمهم.

الإرادة
من بين العوامل المؤثّرة في التربية، تلعب الإرادة الدور الأبرز والأهمّ في تربية الإنسان. فسعادة الإنسان وشقاؤه بيده وحده. وطالما أنّه لا يسعى في سبيل إحراز سعادته الحقيقية، فإنّ العوامل الأخرى لا يمكنها أن تُوصله إلى السعادة. فالإنسان وليد إرادته وسعيه، ببيان الإمام علي عليه السلام: "من أبطأ به عملُه لم يُسرع به نَسبه"2.

وعلى أساس هذا العامل التربويّ، ينبغي تنمية عنصر الإرادة وتقويته عند الأولاد. ولهذا ينبغي أن يتربّى الطِّفل بنحوٍ يشعر أنّه مسؤول، وأنّ لديه هامشاً من الحرية ليقرّر ويختار. فالإكثار من الأمر والنهي وفرض المسائل والأمور الدينية، يجعل الولد يستشعر من الدين المرارة، كما أنّ تحقير الأولاد والتعامل معهم بطريقة لا أخلاقية كلّها أمور يُمكن أن تُضعف من عامل الإرادة والثِّقة بالنفس عند الأولاد. وفي المقابل، فإنّ الابتعاد عن التشدّد في الأمور العباديّة والدينيّة، وترك هامش من الإحساس بالحرّيّة يفسح في المجال أمام الأطفال، ليتذوّقوا حلاوة العبادة، ويُقوّي من إرادتهم أكثر؛ وعندها 
 
 
 

1-الكافي، ج2، ص 253.
2-نهج البلاغة، الخطبة 23.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

60

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

 سوف يُقبِلُون بشوقٍ وميلٍ نحو الآداب الدينية، وتكون تربيتهم تربيةً دينيّةً وأخلاقيّة صحيحة.


تنقل السيدة فريدة مصطفوي 1 بشأن سيرة الإمام الخميني التربويّة ما يلي: في ما مضى كان زوجي، ومن باب العادات العائلية، يوقظ ابنتي في الصباح من نومها الهانىء حتى تصلّي صلاة الصبح، وعندما علم الإمام الخميني بالحادثة أرسل رسالة له قال فيها: لا تجعل مذاق الإسلام الحلو مرّاً عند ابنتك. وكم كان هذا الكلام في مكانه! فلقد ترك تأثيراً بالغاً على روحيّة ابنتي، بنحو أنّها في ما بعد كانت بنفسها تطلب بحرص إيقاظها لصلاة الصّبح، وعندها فهمتُ معنى قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾2. وعندنا في الروايات الإسلامية ـ أيضاً ـ تمَّ التأكيد على أنّ اكتساب القلوب يحصل مع الميل والرَّغبة، وأنّ القلب إن حُمل على الإكراه والإجبار يغدو أعمى.

العوامل الغيبية
من بين العوامل المؤثّرة في التربية ـ أيضاً ـ العوامل الغيبيّة التي هي أبعد من الأمور الطبيعية، وهي غير ملموسة ومحسوسة للإنسان، ولكنّ لها دورها المهمّ في الحياة وعلى صعيد تربية الإنسان؛ كالإمدادات والألطاف الإلهيّة. فالتّوجّه بالدُّعاء والمناجاة والتضرّع في محضر الله تعالى، والتوسّل بالذوات المقدّسة للمعصومين عليهم السلام، والالتفات إلى الدور التربويّ للملائكة وطلب العون منهم، وغيرها... تُعدّ من عوامل الغيب وما وراء الطبيعة المؤثّرة في تربية الأولاد. فما أكثر الأبناء الذين سعدوا ووصلوا إلى أعلى درجات الكمال بفضل دعاء والديهم لهم بالخير. وما أكثر الأفراد الذين بتضرُّعهم ودعائهم وتوسُّلهم، كانوا السبب في نجاة أبنائهم من المهالك الجسديّة والرّوحيّة المختلفة، وحفظوهم من شرِّ الشياطين، وأعدّوا لهم أرضية النُّصرة الإلهيّة؛
 
 
 
 

1-ابنة الإمام الخميني.
2-البقرة، 256.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

61

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

  لأجل تربيتهم بشكلٍ سليمٍ وصحيح!


ومن جملة عوامل ما وراء الطبيعة استناداً للعقيدة الإسلامية؛ الملائكة والشياطين، التي بسبب عدم محسوسيّتها وعدم إمكانيّة لمسها، لم يُجعل دورها في التربية مورد اهتمام جدِّي. فالملائكة والشياطين تؤثِّر في تربية الإنسان، وعلاقتها بالإنسان هي علاقةٌ طوليّةٌ؛ لأنّ الإنسان إذا أراد الخير فإنّ الملائكة تساعده وتعينه في هذا الاتّجاه، وإذا أراد الشرّ فإنّ الشياطين تسانده في ذلك الاتّجاه أيضاً، دون أن يكون أحدٌ منهما مسلّطاً على الإنسان؛ بمعنى أنّه لا يسلب الإنسان الإرادة والاختيار. فالإنسان طالما أنّه بنفسه لم يمهِّد الأرضية المناسبة ويفتح المجال للشياطين، فلا يمكن لأحدٍ أن يحمله على الشرّ.

وقد أشار الإمام علي عليه السلام - في ما يتعلّق بتربية النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم - إلى هذه الحقيقة بقوله: "ولقد قَرَن الله به صلى الله عليه واله وسلم من لَدُنْ أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره"1.

أمّا الشياطين، فإنّ كلّ من فسح لهم المجال لنفوذهم يجعلونه تحت ولايتهم ويسوقونه إلى الهلاك. يقول الله تعالى في ما يخصّ علاقة الشيطان بالإنسان: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾2.

وعن الإمام علي عليه السلام ـ أيضاً: "إنّ الشيطان يُسَنّي لكم طرقه، ويريد أن يَحلَّ دينكُم عُقدةً عقدةً، ويُعطيكم بالجماعةِ الفُرقَة، وبالفُرقة الفتنة، فاصدِفوا عن نزغاته ونفثاته، واقبلوا النصيحة ممّن أهداها إليكم، واعقِلُوها على أنفسكم"3
 
 
 

1- نهج البلاغة، الخطبة 192.
2- الحجر، 39-42.
3- نهج البلاغة، الخطبة 120.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

62

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

 وفقاً لهذا العامل التربويّ، يجدر بالوالدين أن لا يغفلوا عن الاستمداد من العوامل الغيبية؛ كالدّعاء، والتضرّع، والتوسّل، والذّكر، والمناجاة في ساحة قاضي الحاجات. فما أكثر ما غيّر دعاءُ الأمّ والأب النابع من حرقة القلب مصير ولدهم حتى غدا من زمرة الصالحين والحكماء؛ لأنّ دعاءهما هو من الأدعية التي تُستجاب سريعاً. وقد علَّمنا أهل البيت والعصمة والطهارة عليهم السلام هذا الدرس عملياً من خلال تضرّعهم وابتهالهم إلى الله سبحانه وتعالى بأن يحفظ لهم أولادهم، وأن يصحّ لهم دينهم وأخلاقهم، وأن يعافهم في أنفسهم وجوارحهم؛ كما في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللهمّ ومنّ عليّ ببقاء ولدي، وبإصلاحهم لي، وبإمتاعي بهم، إلهي امدد لي في أعمارهم، وزد لي في آجالهم، وربّ لي صغيرهم، وقوّ لي ضعيفهم، وأصحّ لي أبدانهم وأديانهم وأخلاقهم، وعافهم في أنفسهم وفي جوارحهم وفي كلّ ما عُنيت به من أمرهم، وأدرر لي وعلى يدي أرزاقهم، واجعلهم أبراراً أتقياء بُصراء سامعين مطيعين لك ولأوليائك محبّين مناصحين، ولجميع أعدائك معاندين ومبغضين آمين" 1

 
 
 

1- الصحيفة السجادية، من دعائه عليه السلام لولده عليهم السلام.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

63

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

 المفاهيم الرئيسة

1. إنّ الغذاء والظروف الصعبة التي يعيشها الإنسان، بالإضافة إلى عامل الإرادة وعامل ما وراء الطبيعة، من العوامل المؤثِّرة في تشكّل هويّة الإنسان وبنيته الفكريّة والسلوكيّة.
2. إنّ الكثير من الاضطرابات الفردية والاجتماعية اليوم هي نتيجة نوعية الأغذية وكيفيتها التي يتمّ تناولها. فطهارة الغذاء وحلّيّته وحرمته لها تأثير بارز على الفطرة والنفس.
3. تعدّ المصاعب والشّدائد ـ أيضاً ـ من العوامل المؤثّرة في تربية الإنسان؛ لما لها من دور مهمّ في صقل روح الإنسان وجوهره، وبالتالي تفتّح الاستعدادات والقابليّات لديه. 
4. تلعب الإرادة دوراً بارزاً في تربية الإنسان، فسعادة الإنسان وشقاؤه بيده، لذا ينبغي أن يتربّى الطفل بنحو يشعر أنّه مسؤول، وأنّ لديه هامشاً من الحرّيّة ليقرّر ويختار.
5. تؤدّي الأمور الغيبيّة دوراً مهمّاً في حياة الإنسان، فالدعاء والتوسّل والتضرّع في محضر الله تُعدّ من جملة هذه العوامل الغيبيّة المؤثّرة في عمليّة التربية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

64

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

 للمطالعة

التربية العملية
لسيّدات الإسلام الحظّ الأوفر في التربية والتعليم، فالتربية تبدأ في أحضان الأمهات، وفي أكنافهنّ تنمو إذا كانت منطلقاً تربويّاً. فالطفل إضافة إلى أنه يكبر في ظلالها، فهو يتربّى في كنفها إنسانياً وإسلاميّاً أملاً أن تقدِّم للمجتمع ولداً صالحاً ملتزماً... ففي كنف الأمّ والأسرة مبدأ التربية الأساسية، وعندما ينشأ الطفل في محيط الأسرة وحجر الأمّ اللذين هما أسمى محلّ للتربية يتخرّج طيِّباً يبقى على طيبه دائماً ما لم تصدُّه عنه عوامل شديدة التأثير فيه، وإلّا فإنّ تربية الطفولة والصغر تبقى أبداً.

من هنا كان جوّ الأسرة من أهمّ الأجواء المناسبة لتربية الأولاد، وحضن الأمّ كذلك من أهمّ الأجواء الجديرة بالتربية. والطفل يتعلّم في حجر الأمّ ومنها أكثر مما يتعلّم من المعلّم ومن الرفاق الذين يجدهم فيما بعد، وأكثر ممّا يناله في المجتمع. ففي حضن الأمّ يقبل أكثر الأشياء، لأنّ محبَّتَه لأمّه لا تعدلها محبَّة، وقول الأمّ أوْقع في قلبه وأبلغ في عقله. 

من هنا كان الأجدى أن تُلقّنه الأمّ القضايا والمقاصد الطيبة في طفولته وتربِّيه عليها لينشأ نشأة حسنة، لا أن ينشأ طفيلياً. إذا أرادت الأمهات أن يتربّى أبناؤهن تربية جيّدة، فليجعلن جوّ الأسرة كريماً لطيفاً ليتأثّر به الطفل، أي: يجلعن جوّ الأسرة جو محبَّةٍ ووئام وتمسّك بالإسلام، فإنّ الطفل إذا رأى أبويه متوادَّين يعملان بالإسلام يتربّى على ما يرى، فَتَوادُّهما حسن وعلوّ أخلاقهما حسن، وهذا وذاك يُؤثِّر فيه خيراً. بخلاف رؤيته النزاع والجدال اللذين يبدّلان الدار إلى ساحة حرب كلّ يوم بين الزوجين، وبخلاف عيشه في جوّ معصية- لا سمح الله- تتوفّر فيه وسائل المعصية وأسبابها، فلابدَّ أن يتأثّر بها، وينشأ عليها. فسعادة الأطفال- بناءً على 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

65

الدرس الخامس: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 2

 هذا- تمتدّ مِن أحضانكنّ.


إنّ سعادة البلاد بأطفال صالحين، فبهم تطيب، وما أكثر ما صنع ولد صالح بلاداً صالحة! فإنسان صالح يستطيع أن ينقذ بلاداً، كما أنّ إنساناً طالحاً يستطيع أن يُهلك بلاداً. وهذه من المسائل المهمّة جدّاً للأمّهات. وبعدها التربية في المدارس 1
 
 
 
 

1- صحيفة الإمام الخميني،ج8، ص280.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

66

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يعدّد أهم الفوارق التربوية بين الفتيات والفتيان.
2. يبيّن الأساليب المختلفة في عملية التربية لكلّ من الفتيات والفتيان.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

67

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 الاختلاف بين تربية الفتيات والفتيان

من خصائص النظام التربويّ في الإسلام أنّه يتوجّه إلى الجنسين معاً؛ الذكر والأنثى. فالإسلام شريعة كاملة وراقية، تتّصف تعاليمه بالحكمة والعمق والسلاسة. والنساء والرجال من جهة أصل خِلْقَة الإنسان هما على حدّ سواء، ولكنهما يتفاوتان من ناحية التكاليف والمسؤوليات، وبالتالي سيتفاوت برنامج تربية هذين الجنسين.

وهذا الاختلاف يعود منشؤه إلى ثلاثة أنواع من الاختلافات؛ الاختلاف الجسماني والطبيعيّ، والاختلاف في العاطفة والإحساس، والاختلاف في التكاليف ومسؤوليات الحياة. فالبنية الوجودية للفتاة والصبيّ تتفاوت من الناحية الظاهرية والباطنية. وحيث إنّ الفتيات يتمتّعن بعواطف وأحاسيس أرقّ فإنّ طبيعتهنّ الوجوديّة لا تتحمّل إيكالهنّ أعمالاً ومهمّات شاقّة؛ لأنّه يضرّ بسلامتهن وحيويّتهن، وبالتالي يضرّ باستمرارية الحياة في هذا العالم.

وعليه، فإنّ التربية الصحيحة والجديرة بالاعتناء هي التي تأخذ هذه الاختلافات بعين الاعتبار، وتراعي هذه المصالح عند وضعها للبرامج. وعند مراجعة النصوص الإسلامية نجدها تحكي عن هذا الأمر، فالإسلام قد أخذ هذه النواحي بعين الاعتبار، وهذا بحدّ ذاته علامة على جامعيّة وشموليّة تعاليمه وكونها حكيمة. وقبل أن نشرع بتناول جملة من الاختلافات بين تربية الفتاة والصبيّ، نتوقّف عند نظرة الإسلام إلى الفتيات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

68

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 الاختلاف بين تربية الفتيات والفتيان

من خصائص النظام التربويّ في الإسلام أنّه يتوجّه إلى الجنسين معاً؛ الذكر والأنثى. فالإسلام شريعة كاملة وراقية، تتّصف تعاليمه بالحكمة والعمق والسلاسة. والنساء والرجال من جهة أصل خِلْقَة الإنسان هما على حدّ سواء، ولكنهما يتفاوتان من ناحية التكاليف والمسؤوليات، وبالتالي سيتفاوت برنامج تربية هذين الجنسين.

وهذا الاختلاف يعود منشؤه إلى ثلاثة أنواع من الاختلافات؛ الاختلاف الجسماني والطبيعيّ، والاختلاف في العاطفة والإحساس، والاختلاف في التكاليف ومسؤوليات الحياة. فالبنية الوجودية للفتاة والصبيّ تتفاوت من الناحية الظاهرية والباطنية. وحيث إنّ الفتيات يتمتّعن بعواطف وأحاسيس أرقّ فإنّ طبيعتهنّ الوجوديّة لا تتحمّل إيكالهنّ أعمالاً ومهمّات شاقّة؛ لأنّه يضرّ بسلامتهن وحيويّتهن، وبالتالي يضرّ باستمرارية الحياة في هذا العالم.

وعليه، فإنّ التربية الصحيحة والجديرة بالاعتناء هي التي تأخذ هذه الاختلافات بعين الاعتبار، وتراعي هذه المصالح عند وضعها للبرامج. وعند مراجعة النصوص الإسلامية نجدها تحكي عن هذا الأمر، فالإسلام قد أخذ هذه النواحي بعين الاعتبار، وهذا بحدّ ذاته علامة على جامعيّة وشموليّة تعاليمه وكونها حكيمة. وقبل أن نشرع بتناول جملة من الاختلافات بين تربية الفتاة والصبيّ، نتوقّف عند نظرة الإسلام إلى الفتيات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

69

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 الإسلام والفتيات

كان دأب عصر الجاهلية على هذا المنوال: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾1، ولكنّ دين الإسلام المقدّس نهض لمناصرة الفتيات، وحمايتهنّ من غضب الآباء وقهرهم وعدم رضا الأمّهات. 

ففي الرؤية الإسلاميّة تتمتّع الفتيات بامتيازات خاصّة وتفضيل واضح؛ إذ ذُكرن في الروايات على أنّهنّ أفضل من الأبناء، كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "خير أولادكم البنات"2، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "البنات حسنات، والبنون نعمة فالحسنات يثاب عليها، والنّعم يسأل عنها"3. وأنّ الله أرحم بهنَّ منه بالصبيان، عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: "إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذّكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله تعالى يوم القيامة"4.

وجُعلت للفتيات امتيازاتٌ أكثر من امتيازات الفتية. جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "نعم الولد البنات؛ ملطّفات، مجهّزات، مؤنسات، مباركات، مفليات"5.
وحثّ الإسلام الرجال على رعاية البنات، فاستطاع من خلال إعلانه عن الثواب الأخروي ورفعه لمنزلة المرأة الاجتماعية، أن يدفع بالوالدين لقبول الفتاة واستحسانها ورعايتها.

فقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها وعلّمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه؛ كانت له منعة وستراً من النار"6
 
 
 

1- النحل، 58-59.
2-بحار الأنوار، ج101، ص91.
3-م.ن، ص 90.
4-أصول الكافي، ج6، ص6.
5-م.ن، ص5.
6- مستدرك ‏الوسائل، ج15، ص116.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

70

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 وعنه صلى الله عليه واله وسلم أيضاً: "ما من بيت فيه البنات إلا نزلت كلّ يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت؛ يكتبون لأبيهم كلّ يوم وليلة عبادة سنة"1.


وعنه صلى الله عليه واله وسلم قال: "نعم الولد البنات المخدّرات؛ من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النّار، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بها الجنّة، ومن يكن له ثلاث أو مثلهنّ من الأخوات وضع عنه الجهاد والصّدقةُ"2
وعن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا بُشّر بجارية قال ريحانة ورزقها على الله"3.

فكلّ هذه الرعاية، وهذا الاهتمام بالفتيات في الإسلام لا للتمييز بين الفتيات والفتيان، بل لدور الفتيات المهمّ والتكاليف المُلقاة على عاتقهنّ في المستقبل. فالفتيات في المستقبل سوف يتعهّدن تربية جيلٍ شجاع، صادق ومؤمن، وسيكُنّ أساسَ وركنَ العائلة في المستقبل وأساسَ السكون والهدوء في نظام الحياة.

الاختلاف في التربية بين الفتاة والصبي
يتمتّع كلّ من الفتاة والصبّي بالكرامة الإنسانية ذاتها، فجوهرهما بالأصل طاهر ونفيس، وكلاهما خُلِقا على فطرة التوحيد. من هنا، وبالرغم من كلّ الاختلافات الظاهريّة الحاصلة بين هذين الموجودين، ينبغي على الوالدين والمربّين أن يجعلاهما مورد تربية وعناية خاصّة؛ لينعما في المستقبل بالرشد والكمال الجسمانيّ والروحانيّ. فالتربية حقٌّ للفتاة والصبي معاً، وينبغي أن يتمتعا بهذا الحقّ؛ ولكنّ تربيتهما بطبيعة الحال تتفاوت وتختلف في ما بينهما بعض الشيء. ونحن سنتناول بعض هذه الاختلافات في المحاور التالية: 
 
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج15، ص116.
2-بحار الأنوار، ج101، ص91.
3- م.ن، ص97.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

71

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 1. التربية الدينيّة والأخلاقيّة:

يتشارك كلّ من الفتاة والصبي في حقّهما بأصل التربية الدينيّة والأخلاقيّة، ولكن بالالتفات إلى أنّ الفتيات يصلن أبكر إلى سنّ التكليف، لذا يتوجّب تعليمهنّ التكاليف الشرعيّة والعباديّة، وحمْلهن على أداء هذه التكاليف قبل سنّ التاسعة، حتى لا يغدو أداء الفرائض الدينيّة أمراً شاقّاً وعسيراً عليهنّ عندما يتكلّفن.
ومن الضروريّ ـ أيضاً ـ الاعتناء بتربية الفتيات على المستوى الأخلاقيّ؛ حتى يكون أداء الأعمال الأخلاقية سهلاً عليهنَّ حين يكبرن، وحتى يتخلّصن باكراً من الرذائل الأخلاقية، ويتحلّين بالأخلاق الحسنة، فإنّ حسن أخلاق الفتيات يُساهم في سعادة الأفراد وشقائهم في المجتمع بنحوٍ يفوق التصوّر. وليس مبالغةً إن قلنا إنّ تقدّم الاجيال البشريّة أو سقوطها مرتبط بالتربية الأخلاقيّة، وبحسن أخلاق بنات اليوم أو نساء وأمّهات المستقبل.

2. التربية العاطفيّة:
في الكلّيّات والأصول لا يوجد اختلاف في التربية العاطفيّة للفتيات والفتيان، ولكن من الناحية التطبيقية والعمليّة ينبغي أن يُبذل توجّهٌ أكبر نحو الفتيات. ففي تعاليم الإسلام تمّ التأكيد على إظهار المودّة للفتيات أكثر منها للفتيان؛ لأنّ حاجاتهنّ إلى المحبّة أكثر، وهذا الأمر يتمتّع بأهمّيّةٍ خاصّة إذا ما التفتنا إلى حساسيّة البعد العاطفيّ عند الفتيات ولطافة روحِهِنّ.

لقد أفرد المرحوم الشيخ الحرّ العاملي في كتابه وسائل الشيعة باباً تحت عنوان: "باب استحباب الرقّة على البنات والشفقة عليهنّ أكثر من الصبيان". وقد أورد باباً آخر هو: "باب استحباب إكرام البنت التي اسمها فاطمة وترك إهانتها". وأيضاً: "باب استحباب طلب البنات وإكرامهنّ"1
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج21، ص 361، 367، 482.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

72

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور؛ فإنّه من فرّح ابنة فكأنّما أعتق رقبة من ولد اسماعيل، ومن أقرَّ عينَ ابن فكأنّما بكى من خشية الله، ومن بكى من خشية الله أدخله جنّات النعيم"1.


وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "البنات حسناتٌ والبنون نِعمةٌ وإنّما يُثاب على الحسنات ويُسأل عن النّعمَةِ"2

روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: "من عال ثلاث بنات أو مثلهنّ من الأخوات وصبر على لأْوَائِهِنَّ حتّى يَبِنَّ إلى أزواجهنّ أو يَمُتْنَ فيصرن إلى القبور، كنت أنا وهو في الجنَة كَهاتَيْن وأشار بالسَّبَّابة والوُسْطَى، فقيل يا رسول الله واثْنتَيْن، قال واثْنتَيْن،‏ قيل وواحِدَةً، قال ووَاحِدَةً"3

وعن الإمام الصّادق عليه السلام: "من عَالَ ابْنَتَيْنِ أو أُخْتَيْنِ أو عَمَّتَيْنِ أو خَالَتَيْنِ حَجَبَتَاهُ من النّار"4.
ويجدر الإشارة إلى أنّه لا ينبغي أن يُقام بهذا العمل على نحو يظنّ الفتيان أنّ هناك نوعاً من التمييز وعدم الإنصاف؛ فيؤدّي إلى بروز دوافع الحسد في نفوسهم.

3. التوعية الجنسيّة:
ينبغي للأمّ أن تقف إلى جانب ابنتها التي بلغت سنّ التكليف حديثاً بكلّ عطفٍ ومحبّة، وأن تكون دائماً موضع أسرارها ومرشدة لها؛ تطلعها على ما تحتاجه من معرفة. 
فوجود الحواجز والحياء الزائد عن حدّه وغير العقلائي في هذا المجال قد يؤدّي إلى وقوع مشاكل كثيرة لدى الأبناء، ويدفعهم إلى طرقٍ ملتوية، والالتجاء إلى أشخاصٍ 
 
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج 101، ص94.
2- وسائل الشيعة، ج21، ص 367.
3- م.ن، ص 362.
4- م.ن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

73

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 لا يُطمأن إليهم. كما لا بدّ في كافّة هذه المراحل أن يتواءم الإرشاد والمعرفة مع العفّة ومراعاة اللّطافة؛ كي لا يخرق حجاب الحياء الفطريّ والطبيعيّ لديهنّ. وعلى الأمّ أن تعلّم الفتاة بدقّة المسائل التي تتعلّق بالصحّة والتكاليف الشرعيّة، وأن تضع سلفاً بين يديها المعرفة المطلوبة. كما ويتعهّد الأب بتحمّل نفس هذه الوظيفة تجاه ولده الصبي.


4. التربية الأسريّة:
الاختلاف بين الفتاة والصبي في التربية الأسريّة يرتبط بالوظائف التي ينبغي لهما أداؤها في المستقبل. فوفقاً للشريعة الإسلامية والواقع التكويني والاجتماعي والعرف السائد أيضاً فإنّ البنت تتزوّج باكراً أو لنقل بنحو أبكر من الصبي. فلا نتوقّع أن يتزوّج صبي في الخامسة عشرة أو ربّما الثامنة عشرة في هذا الزمن إلا في الحالات النادرة، بخلاف البنت إذ من الممكن تحقّق ذلك بالنسبة لها. لذا يقع على عاتق الأهل والمربّين أن يعرّفوا الفتاة أكثر على طبيعة سير الحياة، وكيفيّة التدبير المنزليِّ وتربية الأبناء، وأن يذكِّروها بأهمّيّتها. ولا نقصد هنا أن تؤدّي الفتيات تلك الوظائف بنحو جدّي منذ سنّ الطِّفولة، ولكن مرادنا أن نؤسّس للأدوار منذ البداية؛ حتى تكون منسجمةً مع اختلاف دنيا المرأة عن دنيا الرجل في المستقبل. وبما أنّ الفتاة في مرحلة الطّفولة هي دائماً برفقة أمّها، لذا من المفيد ـ على سبيل المثال ـ أن تفسح الأمّ في المجال أمام ابنتها لتشاركها في الأعمال المنزلية؛ حتى تتعرّف رويداً رويداً على كيفيّة إنجاز هذه الأعمال.

5. التربية الاجتماعيّة:
في ما يتعلّق بالشأن الاجتماعي على كلّ من الفتاة والفتى أن يطَّلعا على وظائفهما وواجباتهما الاجتماعية بدقَّة. وهنا أيضاً يوجد اختلاف وتفاوتٌ في وظائفهما الاجتماعيّة. وينبغي أن يكون حضورهما في المجتمع على أساس الضوابط التي حدّدها 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

74

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 الإسلام. فالإسلام يرى أنّ حضور المرأة في الساحة الاجتماعية مشروطٌ بعدّة شرائط يجب أن تُراعى؛ من قبيل مراعاة الستر والحجاب الإسلامي، وعدم الاختلاط مع الرجال، ورعاية الموازين الشرعية في العلاقات الاجتماعية، وتنبيههنَّ إلى ماهيّة الأخطار التي تحدق بهنّ في المجتمع، والإجابة على أسئلتهنّ بكلّ موضوعية وصراحة. فالبنت ينبغي أن تعرف أين تكمن قيمتها وعزّتها وكرامتها الحقيقية؟ ولماذا ينبغي أن تبقى عفيفة وطاهرة، ولا ينبغي لها أن تعاشر بحرّيّة، وأن تحترز من مخالطة الرجال، وغيرها من الأسئلة الحسّاسة التي تشغل بال وفكر كلّ فتاة في هذا الزمن.


إنّ القدرة على ممارسة الحياة الاجتماعية، والتعاطي الإنسانيّ والإسلاميّ مع الآخرين، وحسّ المواساة والتعاون، والانسجام مع سائر أفراد المجتمع، والقدرة على مواجهة مشاكل الحياة، وعدم التفلّت من تحمّل المسؤوليّات، والتضحية والصفح... كلّها أمور تحتاج إلى خصوصيّات ومقوّمات ينبغي التأسيس لأصولها على يد كلٍّ من الوالدين والمربّين التربويّين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

75

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 المفاهيم الرئيسة

1. النساء والرجال من ناحية أصل خِلْقَة الإنسان هما على حدّ سواء، ولكنّهما يتفاوتان من ناحية التكاليف والمسؤوليّات، وبالتالي سيتفاوت برنامج تربية هذين الجنسين.
2. التربية الصحيحة والجديرة بالاعتناء هي التي تأخذ هذا التفاوت والاختلاف بعين الاعتبار، وتراعي هذه المصالح عند وضعها للبرامج التربويّة.
3. في الرؤية الإسلاميّة تتمتّع الفتيات بامتيازات خاصّة وتفضيل واضح؛ إذ ذُكِرن في الروايات على أنّهنّ أفضل من الأبناء، وجعلت لهنّ امتيازات أكثر من الفتيان.
4. كلّ هذه الرعاية وهذا الاهتمام بالفتيات في الإسلام لا للتمييز بين الفتيات والفتيان، بل لدور الفتيات المهمّ والتكاليف المُلقاة على عاتقهنّ في المستقبل.
5. الفتيات يصلن أبكر إلى سنّ التكليف، لذا يتوجّب تعليمهنّ التكاليف الشرعيّة قبل سنّ التاسعة، حتى لا يغدو أداء الفرائض الدينيّة أمراً شاقّاً عليهنّ عندما يتكلّفن.
6. في تعاليم الإسلام تمّ التأكيد على إظهار المودّة للفتيات؛ لأنّ حاجاتهنّ إلى المحبّة أكثر من حاجة الفتيان، ولهذا الأمر أهمّيّة خاصّة إذا ما التفتنا إلى حساسيّة البعد العاطفيّ عندهنّ ولطافة روحِهِنّ.
7. على الأم أن تقف إلى جانب ابنتها التي بلغت سنّ التكليف حديثاً؛ بكلّ عطفٍ ومحبّة، وأن تكون دائماً موضع أسرارها ومرشدة لها؛ تطلعها على ما تحتاجه من معرفة. كما ويتعهّد الأب بتحمّل نفس هذه الوظيفة تجاه ولده الصبي.
8. في ما يتعلّق بالشأن الاجتماعي، على كلٍّ من الفتاة والفتى أن يطَّلعا على وظائفهما وواجباتهما الاجتماعيّة بدقَّة. وهنا ـ أيضاً ـ يوجد اختلاف وتفاوتٌ في وظائفهما الاجتماعيّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

76

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

 للمطالعة

من حقّه أن يكون إنساناً
هؤلاء الصغار الذين في أيدي المعلّمين في المرحلة الابتدائية من حيث الصف، هؤلاء الأطفال من حقّهم أن يكون كلّ واحد منهم إنساناً، ويحق لكلّ واحد منهم أن يكون إنساناً بتمام معنى الكلمة. كما لديهم استعداد أن يكون كلّ واحد منهم شيطاناً وحيواناً.

التربية هي التي تدفع الطفل نحو طريق الإنسانية أو إلى طريق الحيوانية فإذا زيّن الإنسان لهم مقامات الدنيا ومناصبها وأكثَرَ من الحديث عن هذه الأمور وملأ قلب الطفل بها فإنّه ينشأ على هذا الشيء ويشبّ عليه. الشيء الذي تعلّمه في هذه المرحلة ووقع في قلبه - ولأنّ قلبه صاف ونوراني - فإنّه يُقبل بسرعة. وفي المرحلة التالية عندما يذهب ليحصل على شهادة وعمل فإمّا أن يتحوّل إلى موظّف بطرق شرعية وإمّا أن يتحوّل إلى ناهب. 

إذا ملأتم أذهان الأطفال بالحديث عن العمل والمنصب... وأنّه كيف يكون منصبك وهل سيكون لديك مالٌ ومزرعة، فإنّ كلّ اهتمام الأطفال يصبح هذه الأشياء، وكأنّه لا شي‏ء غيرها. ولو أنّكم لقّنتموهم هذا المعنى أنّه يجب أن نعيش في هذا البلد بشرف إنساني، فإنّ هذا المعنى يرسخ في ذهن هذا الطفل إذا عمل لله كما رسخ ذلك المعنى في ذهن اللصّ ومن ينهب أموال الناس أو ذلك المنحرف الذي يقبض الراتب. ولكن هناك فرقاً بين الاثنين، فأحدهما امتلك بيتاً مثلاً من خلال الخيانة والآخر وصل إلى هذا البيت من خلال عبادة الله، أحدهما لم يكترث بالبيت ولكنّه امتلكه كحاجة طبيعية له والآخر لا يهتم بشي‏ء سوى الحصول عليه.

إذا لم يهتد الإنسان إلى الطريق المستقيم الذي وضعه الله تبارك وتعالى أمام الإنسان، إذا لم يسلك هذا الطريق فإنّ بقية الطرق جميعها انحراف واعوجاج.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

77

لدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

  وإذا وصل المنحرفون والمعوجون في بلد ما إلى مقدّراته فإنّ ذلك البلد سيؤول إلى الانحطاط والانحراف. وإذا وصل الأفاضل والعلماء ذوو الفضائل الإنسانية إلى السلطة فإنّ فضائل ذلك البلد ستزداد لأنّهم وبحسب المنزلة التي هم فيها فإنّ الناس يهتمّون بكلامهم، وكلامهم يؤثّر في أفكار العامة من الناس. وكم من الممكن أن تؤدّي كلمة من شخص في المجتمع له مكانته ونفوذه إلى توجيه المجتمع نحو الفساد. وبالمقابل من الممكن أن تؤدّي كلمة تخرج من فم شخص له مكانته في المجتمع نحو الصلاح.


وأنتم أيها السادة تريدون أن تقدّموا للمجتمع مثل هؤلاء الأفراد. لا تتوهّموا أنّهم أفراد عاديّون. هذا الفرد العادي من المحتمل أن يصبح رئيساً لبلد وأن يصبح لديه منصبٌ. وعندما يصبح لديه منصب سيكون الميزان. فإذا كان منحرفاً، وانحرف‏ عندكم أثناء التعلم، فهذا من الممكن أن يفسد فرداً ومجتمعاً. النبي كان فرداً ولكن من باب أنّه كان إنساناً عبر من مقام العبودية إلى مقام الرسالة وكلّ شي‏ء فيه كان إنسانياً فإنّه أصلح المجتمعات الكبرى من زمانه إلى فترات لاحقة، كان شخصاً واحداً ولكن فرداً كان يصلح مجتمعات 1
 
 
 
 

1- صحيفة الإمام الخميني، ج‏14، ص 36.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

78

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يعدّد أهم وظائف الوالدين في عمليّة التربية الصحيحة للأبناء. 
2. يعمل على تطبيق هذه الوظائف العملية واستخدامها في الحياة الشخصية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

79

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 الوظائف والواجبات التربويّة

يتأثّر الأبناء - عادة - بوالديهم أكثر من الآخرين، فيتقبّلون دينهم ومذهبهم وأخلاقهم وتوجّهاتهم. والرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم بيّن هذا الدور الواسع والنافذ للأبوين حيث قال: "إنّ كلّ مولود يُولَد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه"1.

فالوالدان لهما دورٌ أساس في توجيه أبنائهم نحو المسائل الدينيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة، بل هما القدوة بأعمالهما وسلوكيّاتهما؛ لأنّ الأطفال لديهم عيون حسّاسة وثاقبة - مثل آلة تصوير - دقيقة تلتقط وتسجّل كافّة حركات وسكنات الوالدين ومشاهد الحياة العائليّة. 

من هنا، يصبح من الضروريّ مراعاة الوظائف والواجبات التربوية عند تسنّم الوالدين مقام القدوة والأنموذج بهدف تربية أبنائهما تربية دينيّة، وهذه الوظائف هي على النحو التالي:

التزام الوالدين بالأوامر الدينيّة
الطِّفل عادةً ما يتعلَّم المحادثة، آداب العشرة، مراعاة النظام أو الفوضى، الأمانة أو الخيانة، الصدق أو الكذب، الخير أو الشر والآداب والسنن الدينيّة من محيط عائلته. وعندما يولي الأب والأمّ أهمّيّة خاصّة للأوامر الدينيّة، ويكونان من أهل العبادة، والصلاة، والدعاء، وتلاوة القرآن، ويهتمّان بعالم المعنويّات، ويراعيان الموازين الأخلاقية؛ فإنّهما بلا شكٍّ سيتركان أثراً بالغاً في الأبعاد الروحية والدينيّة عند الولد. 
 
 


1- بحار الأنوار،ج3، ص281.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

80

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

  ولهذا السبب، عندما يشاهد طفل ذات الثلاث أو الأربع سنوات والديه يصليان، فإنّه سوف يرغب في الصلاة، فيركع ويسجد مثلهما، ويتعلّم منهما الكثير من الآداب الإسلامية والدينية الأخرى.


وفي هذا الصدد يؤكِّد الإمام الصادق عليه السلام على حقيقة أثر الأب في توجيه أسرته: "لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتى يدخلهم الجنّة جميعاً حتى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً، ولا يزال العبد العاصي يُورث أهل بيته الأدب السيّء حتى يدخلهم النار جميعاً، حتى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً"1

كما أنّ مرافقة الأطفال أمّهاتهم وآبائهم إلى المساجد والحسينيّات، ومشاركتهم في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السلام والبكاء عليه مثلما يبكي عليه والداه، يعبّر عن التأثير العمليّ للوالدين على السلوك الدينيّ للأبناء.

وللأم الدور الأكبر من بين أفراد الأسرة في تربية الولد، فهي أوّل شخص له علاقة مباشرة مع الطِّفل؛ تؤمّن احتياجاته، وتلبّي طلباته. ومن هنا، فإنّ الطِّفل يتأثّر أكثر بإحساسات الأمّ وعواطفها وأفكارها. وعلى هذا الأساس، تعدّ وظيفة الأمّ تجاه التربية الدينية للطفل أثقل.

حسن اختيار المعلّمين والمربّين
ينبغي للأهل أن يراعوا الدّقّة في انتخاب المدرسة والمعلّمين والمربّين لأولادهم، وأن يكونوا على علاقة متينة ولصيقة مع المدرسة والمعلّمين والمربّين أثناء تواجد أولادهم في المدرسة. بالإضافة إلى التنسيق مع الهيئة التعليمية والتربوية بشكلٍ تامّ في إيصال المفاهيم الإسلاميّة والتربية الدينيّة، لأولادهم. والسعي لإزالة أيّ تعارض وتضاد بين المدرسة والبيت؛ لناحية التربية الدينية. 
 
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج12، ص201.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
101

81

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 المساعدة في اختيار الأصدقاء

إنّ الأصدقاء والرفاق هم قدوةٌ سلوكيّة وتربويّة لأبنائنا. إذ يرغب الفتيان والفتيات بنحو طبيعيّ في إقامة علاقات صداقة، ويحبّون أن يتّخذوا من هم في سنّهم أصدقاء لهم، وأن يعمّقوا أواصر الصداقة معهم، ولكن لبراءتهم، ولغلبة انفعالاتهم؛ وعدم الالتفات إلى مصالحهم؛ فإنّه من الممكن أن تشتبه عليهم الأمور في انتخاب الأصدقاء، فينتقون أفراداً غير مناسبين لمعاشرتهم. من هنا، تكمن وظيفة الوالدين في أنْ يساعداهم، وأن يوضّحا لهم خطر رفقاء السوء، والأضرار الناجمة عن مصادقتهم، وأن يحذّراهم بأسلوب منطقيّ واستدلالي ومحبِّ من معاشرة الأفراد غير الصالحين والإفراط في الصداقة.

وقد وردت العديد من الروايات التي تحثّ على اختيار الصديق الجيّد، وترك أصدقاء السوء. روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "انظر إلى كلّ من لا يفيدك منفعة في دينك؛ فلا تعتدنّ به، ولا ترغبن في صحبته؛ فإنّ كلّ ما سوى الله تبارك وتعالى مضمحل وخيم عاقبته" 1؛ ليؤكّد أنّ الصحبة الحقيقية هي الصحبة التي تتّجه نحو الله تعالى.
وممّا لا شكّ فيه أنّ زيارة الوالدان للعوائل المتديّنة الملتزمة بالأحكام الشرعيّة، واصطحاب الأولاد إلى المساجد والمحافل ذات الطابع الدينيّ، وأمثال ذلك، يساعد بنحو غير مباشر على أن يجد الأولاد أصدقاء مناسبين لهم.

التوجيه نحو القدوة الصحيحة
من أهمّ أساليب التربية الدينيّة الصحيحة؛ أسلوب تحديد القدوة والتوجيه نحوها؛ وهو يتمتّع بالنفوذ والتأثير الكبير؛ لكونه تطبيقيّ وعمليّ. ولقد ذكر القرآن الكريم الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم والنبي إبراهيم عليه السلام على أنّهما أسوة حسنة، ودعا العالمين
 
 
 

1- بحار الانوار،ج71، ص191. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

82

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 ليتّخذوهما قدوة وأسوة. كما تمّ تناول القدوة في عدد من الآيات ضمن عناوين كلّيّة، من قبيل: المؤمنون، المتّقون، الصادقون، المحسنون، أولو الألباب، أولو الأبصار وعباد الرحمان. وأحياناً تمّ الحديث عن بعض النماذج الإنسانية وتحديد معايير القدوة في قالب قصصيّ يتناول سيرة حياتهم.


روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "كونوا دعاة الناس بأعمالكم، ولا تكونوا دعاة بألسنتكم"1.
وأساس تشكّل شخصيّة الطِّفل يكون في مرحلة السَّنوات السبع الأولى من حياته. والتقليد والاقتداء هما بنيان التعلّم في هذه المرحلة. فالوالدان، الأقارب، الأصدقاء، والرفاق، والمعلّمون، والمربّون؛ هم نماذج وشخصيّات مؤثّرة في تربية الأبناء دينيّاً، لكن يبقى دور الأب والأمّ أهمّ وأكبر. 

لذا يمكن للأهل؛ بالاستفادة من مبدأ القدوة أن يوجّهوا أبناءهم باتّجاه القدوة والأسوة الحسنة، على سبيل المثال: يستطيع الأهل أن يشجّعوا أولادهم على المطالعات الدينية والسيرة الذاتيّة لعلماء الدِّين، ويُحضِرُون لهم الكتب المفيدة، والقصص الجميلة والجديرة بالقراءة. كما يمكن الحثّ على مشاهدة البرامج التلفزيونيّة المفيدة، والأفلام التعليميّة، مع إيجاد مساحة رحبة لانتقاد البرامج غير المفيدة والأفلام غير المناسبة.

تعليم المعارف والآداب الدينيّة
على الأب والأمّ أن يعلّما أولادهما المعارف والآداب والسنن الدينيّة. عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "حقّ الولد على والده إذا كان ذكراً أن يستفره أمّه 2، ويستحسن اسمه، ويعلّمه كتاب الله ويطهّره..."3
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج5، ص198.
2- يستفره، من الأفراس أي يستكرمها ولا يدعو بالسبّ لأمّه واللعن والفحش.
3- وسائل الشيعة، ج21، ص 481.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

83

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 وعن الإمام علي عليه السلام: "علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به؛ لا تغلب عليهم المرجئة برأيها"1.

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليه المرجئة"2.
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم بشأن تعليم الأولاد الصلاة: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً..."3.

يظهر من هذه الروايات وأمثالها أنّ وظيفة الوالدين أن يعرّفا أولادهما على الله، وعلى التكاليف الدينية، والأخلاق والسلوكيّات الدينيّة، وآداب العشرة، وأمثال ذلك.
ويجدر بالوالدين أن يأخذا جيّداً بعين الاعتبار المسائل التالية عند تعليم أولادهما معارف الدين وأحكامه:

1. أن يسعيا لزيادة مطالعاتهما الدينيّة وعلومهما في هذا المجال، وأن يعلّما أبناءهما معارف الدين؛ انطلاقاً من معرفتهما الوافية بالدين، وأن يجتنبا إلقاء تعاليم خاطئة؛ لأنّها كثيراً ما تؤدّي إلى استنتاجاتٍ غير صحيحة، وانحرافاتٍ فكريّة عند الأبناء.
2. أن يسعيا للإجابة على أسئلة أبنائهما الدينية؛ بصبرٍ، وسعة صدر، وبنحو منطقي يتناسب مع إدراكهم وفهمهم.
3. أن يراعيا أثناء تعليم أبنائهما المفاهيم الدينيّة مسألة الاختلاف في شخصيّاتهم، وقابليّاتهم واستعدادتهم الذهنية، وميزان استيعابهم وفهمهم. 
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج15، ص 197.
2- م. ن، ج12، ص247.
3- مستدرك الوسائل، ج 3، ص19.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

84

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

يقول القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾1.
وجاء في الحديث أنه عندما نزلت هذه الآية، جلس رجلٌ من المسلمين يبكي، وقال أنا عجزت عن نفسي وكُلّفت أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك" 2.

وفي رواية أخرى سأل أبو بصير الإمام الصادق عليه السلام: كيف نقي أهلنا؟ أجاب الإمام عليه السلام: "قال تأمرهم بما أمر الله، وتنهاهم عمّا نهاهم الله؛ فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك"3.

ويمدح القرآن الكريم نبي الله إسماعيل عليه السلام: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾4.

كما يروي الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه: "إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين"5.

من البديهي أنّ أمر الأولاد بالمعروف والنهي عن المنكر له خصوصيّاته، ومن الممكن لأدنى اشتباه وتعاطٍ غير صحيح أن يؤدّي إلى آثار مضرّة. لذا ينبغي الأخذ بعين الاعتبار المسائل التالية:
1. ينبغي للوالدين أن يمزجا أمرهما ونهيهما بالمحبّة، والعطف، والأخلاق، والسلوك الحسن.
2. ينبغي أن يعلم الوالدين أثناء التربية الدينيّة أنّ التعاليم الإلهيّة ليست من باب الإجبار والفرض، وإنّما هي من باب الاختيار والقبول. لذا عليهما أن يسعيا لتكون
 
 
 

1-التحريم، 6.
2- وسائل الشيعة، ج16، ص148.
3- م.ن.
4- مريم، 55.
5- وسائل الشيعة، ج4، ص19.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

85

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

  تعاليمهما الدينيّة وأوامرهما ونواهيهما مصحوبة بالترغيب والتشجيع والقول الحسن؛ لتكون مورد قبول. 

3. ينبغي للأب والأم أن يُنسِّقا في إعطائهما الأوامر لأبنائهما، حتى لا يحتار الأولاد، ولا تتزلزل اعتقاداتهم. على سبيل المثال: عندما يكون الأب مهتمّاً بحجاب ابنته ويأمر بمراعاته، ينبغي للأمّ أن تُشدّد عليه وتطلب من ابنتها مراعاته. وعندما يمنع الأب ابنه من فعل شيء، فلا تعمل الأمّ عكسه.
4. ينبغي للوالدين كلّما أرادا من أبنائهما القيام بعملٍ ما، أن يكون ذلك العمل ذا قيمة بالنسبة إليهما وأن يعملا به أيضاً؛ ليكون قولهما مؤثّراً عند الأولاد.

الوعظ والإرشاد
على الوالدين أيضاً، نصح الأولاد وإرشادهم؛ فالموعظة تُجلّي القلب، وتُصفّيه، وتوفّر الأرضية المناسبة لتقبّل التعاليم الدينيّة عند الأبناء. فعلى سبيل المثال يوصي الإمام علي عليه السلام، ابنه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام فيقول له: "وأحْيِ قلبك بالموعظة" 1.

وينقل القرآن الكريم بعض وصايا لقمان لابنه؛ وهو يعظه، فيقول له: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور* وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾2.

كما ينبغي للوالدين أن يأخذا بعين الاعتبار قدرة الأبناء، وأن يضعا نفسيهما مكانهم. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "من كان له صبي فليتصابَ له"3.

ولأجل أن تثمر مواعظُ الأهل ونصائحهم نتائجَ جيّدةً، يلزم الالتفات في الحدّ الأدنى 
 
 
 

1- نهج البلاغة، الخطبة 31.
2- لقمان، 17-19.
3- وسائل الشيعة، ج15، ص203.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
106

86

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 إلى الشروط الثلاثة المهمّة التالية:

1. ينبغي للوالدين أن يكونا أسوة كاملة؛ يعملان بما يوصيان به أولادهما؛ من نصح وإرشادات.
2. يجب أن يلتفت الأهل إلى تهيئة أبنائهم نفسياً لقبول النصح.
3. ينبغي أن تكون الموعظة بليغة ومؤثّرة، ومن شروط كونها بليغة أن تكون موزونة، وفي محلّها، ومتناسبة مع وضعيّة المستمع الفكريّة ومشاعره النفسيّة والروحيّة.

التقدير والاحترام لشخصيّة الأبناء
إنّ تقدير الأبناء واحترامهم ومعاشرتهم بإحسان ومراعاة شخصيّاتهم من المسائل المهمّة في العمليّة التربويّة؛ فالأبناء الذين ينعمون بقدرٍ كافٍ من الإكرام والاحترام في العائلة، يتمتّعون بروحيّة سليمة وطبيعية وتوازنٍ نفسيّ، ولديهم استعدادٌ أكبر لتقبّل التربية الدينيّة والأخلاقيّة.

وبالعكس، فإنَّ الأبناء الذين لم يلاقوا من أهلهم التكريم والاحترام والتقدير، يشعرون داخل أنفسهم بالحقارة والخسّة، ويتّصفون بروحيّةٍ انهزامية ونفسيّة كئيبة، ويصعب أن يكونوا في المستقبل أشخاصاً فعّالين ومؤثّرين في المجتمع. وهذا الصنف من الأولاد - عادةً - يتَّسم بالخجل، وضعف الشخصية في سلوكيّاته الاجتماعية، وليس لديه عزمٌ وإرادة لتطبيق الأوامر الإلهيّة، وهو متهوّر وجريء في ارتكاب المعاصي والذنوب. عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه كان يأمر أتباعه فيقول: "أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم؛ يُغفر لكم" 1.

إنَّ إظهار نوع من الاحترام للأبناء وتقدير شخصيّتهم يُعدّ من أهمّ العوامل لجلب المحبّة والطاعة؛ فالأبناء الذين يتلقّون الاحترام والتقدير ويتمّ التعامل معهم بأدب، يكون عصيانهم لأوامر والديهما أقلّ. 
 
 


1- وسائل الشيعة، ج15، ص 195.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

87

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 تنمية الشخصية

وهناك عدّة طرق تساهم في تنمية شخصيَّة الطِّفل وقدراته المعنوية، منها:

1. إلقاء السلام والتحيّة:
من السُّنن الحسنة التي ثبّتها الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ؛ إلقاء التحيّة والسلام على الأطفال، فقد كان بنفسه يُسلِّم دائماً على الأولاد. 
فمن الواجب إلقاء التحية على الأطفال؛ لأنّ ذلك يعوّد الأطفال على احترام الكبار، ويساعدهم على الانخراط في المجتمع بكلّ احترام وأدب. ينقل الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "خمس لست بتاركهنّ حتى الممات... تسليمي على الصبيان؛ لتكون سنّةً من بعدي"1.

2. التشاور:
إنّ التشاور مع الأبناء في الأمور العائلية وخاصّةً في مرحلة المراهقة يجعلهم يشعرون بأنّ لهم وزناً وقيمةً في العائلة وأنّه يُلتفت إلى آرائهم. لذا، على الوالدين أن يتقبّلا اقتراحات الشباب الصحيحة، وأن يُصحّحا اشتباههم بالدليل والمنطق. من دون أن يؤذيا شخصيّاتهم أو أن يولّدا لديهم إحساساً بالضعف. وفي حال لم يكن في اقتراحاتهم إشكالٌ أساس، يمكن أن يُغضّ الطرف عن إشكالاتهم الجزئيّة، وأن يُستفاد من المشاركة في التفكير نفسها؛ إذ يُنمّي هذا الأمر حسّ التعاون لديهم داخل العائلة.

3. مشاركتهم في اللعب:
إنّ مشاركة الوالدين الأطفالَ في اللعب، يجعل روحهم مفعمةً بالفرح، وينمّي حسّ الاستقلال والثقة في باطنهم. فعن جابر الأنصاري أنّه قال: "دخلت على النبي صلى الله عليه واله وسلم 
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج12، ص63.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108

 


88

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 والحسن والحسين على ظهره، وهو يجثو لهما، ويقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما"1.


34. الأخذ بعين الاعتبار شأنيّة الأولاد:
ينبغي أن تُراعى شأنيّة الأولاد والشباب، وأن يُتَعَامل معهم بوصفهم أفراداً لهم استقلاليّتهم، فيتمّ تهيئة مقاعد خاصّة لهم أثناء السفر، وعند الضيافة يُوضع لهم صحون وشوك وملاعق مستقلّة، وأثناء النوم يُمدّ لهم فُرُش مستقلّة. وعندما يدخلون المجالس يُفسح لهم المجال للجلوس في أمكنة خاصّة، وهكذا. فالأولاد يحاولون في كافّة المجالات إبراز وجودهم، ويحبّون أن يلتفت إليهم الكبار، وأن يتفاعلوا معهم بنحو مناسب. 
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج43، ص285.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

89

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 المفاهيم الرئيسة

1. للوالدين دورٌ أساس في توجيه أبنائهم نحو المسائل الدينيّة، بل هما القدوة بأعمالهما وسلوكيّاتهما. من هنا، يصبح من الضروريّ مراعاة الوظائف والواجبات التربوية عند تسنّم الوالدين مقام القدوة والنموذج؛ بهدف تربية أبنائهما تربية دينيّة.
2. عندما يولي الأب والأمّ أهمّيّة خاصّة للأوامر الدينيّة؛ فإنّهما بلا شكٍّ سيتركان أثراً بالغاً في الأبعاد الروحيّة والدينيّة عند الولد.
3. على الأهل أن يراعوا الدّقّة في انتخاب المدرسة؛ والمعلّمين والمربّين لأولادهم، وأن يكونوا على علاقة متينة ولصيقة مع المدرسة والمربّين. 
4. على الوالدين أن يساعدا أولادهم؛ ويوضّحا لهم خطر رفقاء السوء، والأضرار الناجمة عن مصادقتهم، وأن يحذّراهم بأسلوب منطقيّ ومحبِّ من معاشرة الأفراد غير الصالحين، والإفراط في الصداقة.
5. من أهمّ أساليب التربية الدينية الصحيحة؛ أسلوب تحديد القدوة والتوجيه نحوها؛ فهو يتمتّع بالنفوذ والتأثير الكبير، وعلى الأهل؛ بالاستفادة من هذا المبدأ، ليوجهّوا أبناءهم نحو القيم الدينيّة السامية.
6. وظيفة الوالدين أن يعرّفا أولادهما على التكاليف الدينية، والأخلاق والسلوكيّات الدينية، وآداب العشرة، ويجب عليهما أخذ هذا الأمر بجدّيّة وبقدر كبير من المسؤوليّة. 
7. على الوالدين أن يمزجا أوامرهما ونواهيهما بالمحبّة والعطف وبالأخلاق الحسنة، وأنّ يعلما أن التعاليم الإلهيّة ليست من باب الإجبار والفرض، وإنّما هي من باب الاختيار والقبول.
8. تقدير الأبناء واحترامهم من المسائل المهمّة في العمليّة التربويّة؛ فالأبناء الذين ينعمون بقدرٍ كافٍ من الإكرام والاحترام في العائلة، يتمتّعون بروحيّة سليمة وباستعدادٍ أكبر لتقبّل التربية الدينيّة والأخلاقيّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

90

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

 للمطالعة

التربية الإلهية للأطفال
لو أنّ الدنيا كانت خالية من الأنبياء أي كان هناك بشر دون أنبياء فإنّنا كنا نرى اليوم حكايات في الدنيا وفضائح لا يتمكن الإنسان من أن يرى نظيرها. الآن وقد قام الأنبياء بتحمّل العناء وشرّفوا البشرية بتعليمهم وتربيتهم رغم أن المنحرفين كانوا كثيرين أيضاً وقاموا بالوقوف في مقابل الأنبياء ودعوا الناس إلى الانحرافات. إلّا أنّ كل ما في الدنيا من بركات اليوم هو من الأنبياء. أنتم لو لاحظتم الملفات والقضايا الموجودة اليوم في المحاكم في جميع أنحاء الدنيا فإنكم لا ترون قضايا للأشخاص الذين يعتقدون بالأنبياء وتربّوا تحت عناية الأنبياء، فإن القضايا الجنائية التي تخصهم قليلة أو غير موجودة أصلًا. جميع قضايا الجنايات وجميع الملفات المالية والجنائية والإجرامية وأمثالها كلها تصدر عن الأشخاص البعيدين عن تربية الأنبياء، ولو فرضنا أن الأعمال التي يقومون بها أعمالاً صالحة، ولكنها ليست في طريق العبودية المستقيم. ومن كان يقوم بمثل هذه الأعمال كان كل همّه والتفاته إلى نفسه.

لو استطعتم أن تربّوا هؤلاء الأطفال بحيث يكونون من البداية يريدون الله وكل اهتمامهم نحو الله ولو تمكنتم من إلقاء وتلقين عبودية الله والصلة مع الله لهؤلاء الأطفال، والأطفال يقبلون بسرعة، إذا ألقيتم إليهم التربية الإلهية وعبودية الله الذي كل شي‏ء له، وقبلوا ذلك فإنكم قدّمتم إلى المجتمع خدمة وبعد ذلك سيكون لتعبكم قيمة. ولا قدّر الله لو قدم شي‏ء خلاف هذا لهذه الأمانة وأياً كان الذي قام بهذا فانه يكون قد ارتكب خيانة، وهذه الخيانة غير جميع الخيانات هذه خيانة بالإنسان وخيانة بالإسلام وخيانة لعبودية الله.

يجب الانتباه جيداً، لقد اخترتم عملاً سامياً جدّاً ولكن يجب ان تنتبهوا إلى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
111

91

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

  مسؤوليته. ربّوا فالمهمّ هو التربية، العلم لوحده لا فائدة منه. العلم لوحده مضرّ. أحياناً هذا المطر الذي هو رحمة إلهية عندما يلاقي الورود ينتشر عبقها وأريجها وعندما يلاقي الأشياء القذرة فإنّ رائحتها القذرة أيضاً تتصاعد. العلم هكذا أيضاً لو دخل العلم إلى قلب رُبِّيَ فإنّ عطره يملأ العالم. ولو دخل قلباً لم يتربّ فإنّ فساده يملأ العالم، فإذا فسد العالِم فسد العالَم، وإذا كان صالحاً فإنّه يصلحُ، ولهذا الصلاح شعاع من النور يوصل الناس إلى السلام والإصلاح والحسن. وأنتم تتصدّون لمثل هذا العمل أنتم تتصدّون لإيصال هذا العالم إلى النور من الظلمات. حاولوا إظهار نورانية الأطفال النورانيين لتتفتّح مواهبهم. أنتم تتصدّون لأمر جليل قوموا بتربيتهم تربية إسلامية صحيحة حتى ينال بلدكم - إن شاء الله - سعادته 1

 
 
 

1- صحيفة الإمام الخميني، ج‏14، ص 36.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

92

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يعدّد أهم الموانع التي تؤثِّر سلباً على عملية التربية الدينيّة للأبناء.
2. يطّلع على بعض الأساليب الخاطئة في التعامل مع الأبناء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
114

93

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 تمهيد

إنَّ معرفة الموانع والآفات التي تعيق عملية التربية الدينية الصحيحة والكاملة للأطفال وتحول دون تطبيقها بنحو صحيح، هي مسألة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها. والموانع والآفات هي عبارة عن مجموع العوامل المهمّة والمؤثّرة التي تُحدِث اختلالاً في سير عملية التربية الدينيّة، وتجعل منها صعبة أو متعذّرة. وفيما يلي نستعرض بعضاً من هذه الموانع:

الموانع الناشئة من المربّين
هناك بعض المعوّقات قد تنشأ من ناحية الوالدين، والبعض الآخر من المربّين التربويّين تؤثّر في التربية الدينيّة والأخلاقيّة للأبناء، منها:

1. تراخي الوالدين:
الجسم والروح ساحتان مهمّتان في وجود الإنسان، بحيث يمكن أن تُصاب كلّ واحدة منهما بالآفات والأمراض. والأب والأمّ كما أنّهما يلتفتان إلى الأمراض التي قد تصيب أجساد أبنائهم ويسعيان لتوفير سلامتهم الجسدية، ينبغي أن يكونا ـ أيضاً ـ متحسّسَيْن تجاه أمراضهم الروحيّة والنفسيّة، وأن يسعيا في سبيل تأمين سلامتهم الروحيّة والنفسيّة. 

يقول الإمام علي عليه السلام للإمام الحسن عليه السلام: "أَيْ بُنَيَّ... وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِيني مِنْ أَمْرِ نَفْسِي، فَكَتَبْتُ إِليْكَ كِتَابِي هَذا، مُسْتظْهِراً بِهِ إِنْ أَنا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
116

94

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 بَقِيتُ لَكَ أو فَنِيتُ"، ثمّ يقول: "أَيْ بُنَيَّ..... وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كالأرض الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيء قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ"1.


والحقيقة المرّة هي أنّ قسماً مهمّاً من موانع تديّن الأحداث والشباب في عصرنا الحالي، سببه تراخي الوالدين وتهاونهما واتّباعهما أسلوب التساهل والتسامح غير المنطقي، وإهمالهما لحجم المسؤولية تجاه تربية أبنائهم.

رويَ أنّ النبي صلى الله عليه واله وسلم نظر إلى مجموعة من الأطفال، فقال: "ويل لأطفال آخر الزمان من آبائهم، فقيل يا رسول الله من آبائهم المشركين، فقال: لا من آبائهم المؤمنين؛ لا يعلّمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا تعلّموا أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعَرَضٍ يسيرٍ من الدنيا. فأنا منهم بريءٌ وهم منّي براء"2.
كما أنّ بعض العائلات، ومن أجل تعلّم لغة إضافية مثلاً، أو الأمور الفنّيّة والإعلاميّة، ينفقون أموالاً طائلة، ولكنّهم يتردّدون في إرسال أولادهم إلى صفّ لتعليم القرآن، أو شراء الكتب والمجلات والوسائل الدينيّة، أو في رفع مستوى رؤية أبنائهم الدينية ومعرفتهم.

ومن الواضح أنّ اتّباع سياسة كهذه، يُورث الطِّفل فقراً ثقافيّاً، وحرماناً معرفياً في مجال المعارف الدينيّة عند الكِبَر.

2. التعامل السلبي بين الوالدين:
إنَّ بعض الصفات من قبيل الوقار، والأدب، والعظمة، والحزم، والقاطعية، واجتناب الأعمال السفيهة، وعدم الإفراط في المزاح، والاعتداد بالنفس، وأمثال ذلك، هي عوامل تؤدّي إلى تعزيز الإحترام بين الناس واحترام الأبناء لأهلهم أيضاً.

ومن الأمور المهمّة في التربية، هو كيفية تعاطي الوالدين مع بعضيهما. فالتعاطي الحميمي والمحترم بين الأمّ والأب، ومراعاة شؤون كلّ منهما وخصوصيّاته من قبل
 
 
 

1- نهج البلاغة، الخطبة 31.
2- مستدرك الوسائل، ج 15، ص164.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

 


95

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

  الآخر؛ له تأثير كبير في إيجاد حسّ الاحترام لدى الأبناء تجاههما. وعليه، فإذا كان ثمّة مشاكل ومسائل عالقة بين الأب والأمّ، فلا ينبغي لهما إثارتها أمام الأبناء، أو أن يوجّه أحد الطرفين النقد والكلام السيّىء إلى الطرف الآخر في غيابه. فهذا النوع من التعاطي يزيل احترام الأبناء وثقتهم بوالديهما، وإلا فكيف يمكن أن يُتوقّع من الأبناء إظهار الاحترام والتقدير لأهلهم مع تصرّفات كهذه؟!


3. الازدواجيّة بين القول والعمل:
إنّ الازدواجية بين أقوال الوالدين وسلوكهما العملي يخلّ في سَيْر تربيتهم للأولاد. فإذا لم تترافق أقوال الوالدين وغيرهما من المربّيين مع سلوكهم العملي، فلن يكون لتربيتهم أيّ أثر.

ولذلك ترى القرآن الكريم يذمّ الأقوال التي لا يصاحبها سلوك عملي، فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾1. وفي آية أخرى يذمّ بني إسرائيل فيقول: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾2.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب؛ كما يزلّ المطر عن الصفا"3.

فإذا لم يصاحب العملُ القولَ فإنّه سيكون له أضرارٌ بالغة على تربية الأبناء؛ ومن جملة تلك الآثار؛ أنّه سيزلزل اعتقادات الأبناء، وسيضرب ثقتهم بأهلهم، وسيسري انعدام الثقة هذا إلى أبعاد أخرى من حياتهم؛ كالقِيم، والاعتقادات الإنسانية والدينيّة، كما وستسقط مكانة أهلهم من نظرهم، ويجرّؤهم ذلك على ارتكاب الذنوب، والكذب، ويحملهم على الرياء والنفاق. 
 
 
 

1- الصف، 2-3.
2- البقرة، 44.
3- أصول الكافي، ج1، ص44.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
118

96

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 4. عدم الإشراف والمراقبة:

بعض الآباء والأمّهات يتركون أبناءهم ويغفلون عن تربيتهم الدينيّة والأخلاقيّة، حتى أنّهم لا يُظهِرُون أيّ ردود فعل تجاه جُنُحاتهم وأخطائهم، وهذا النمط من السلوك يؤدّي إلى تسافل الأبناء، ويجعل منهم أفراداً؛ لامبالين، متعنّتين، متملّقين، غير منضبطين، ومتمرِّدين.

الموانع الناشئة من اتّباع الأساليب الخاطئة
بعض المعوّقات منشؤها جملة من الأساليب التربوية الخاطئة، والتي، أهمّها:

1. التربية على الغنج والدلال والرفاهية:
إنّ الإفراط في إظهار المحبّة، والتدليل، والملاطفة دون ضوابط، وعدم التعاطي بحزم مع الأبناء، وتربيتهم على الغنج؛ لها ضررٌ جدّي على صعيد التربية؛ بحيث تنتج أفراداً ضعفاء عاجزين في ساحة الحياة.

إنّ الحياة كلّها عبارة عن مواجهة المشاكل والتحدّيات، وفي دروب الحياة هناك الذلّة والرفعة، المحرومية، والإخفاق، والمصائب. والمربّي الجدير هو الذي يربّي الإنسان جسداً وروحاً بنحوٍ جيّدٍ، ويجهّزه ويعدّه للمواجهة والنضال في ساحة الحياة المليئة بالصعاب.
يقول الإمام الكاظم عليه السلام: "يستحبّ غرامة الغلام في صغره؛ ليكون حليماً في كبره"1.

والتعاليم الإسلاميّة تلوم بقوّة أولئك الذين يفرطون ويغالون في إظهار المحبّة لأبنائهم والعطف عليهم وتذمّهم لأنهم يجعلون من أبنائهم أناساً مبتلين بأمراض أخلاقية؛ كالعجب، والأنانية، وحبِّ الذات، كما يقول الإمام الباقر عليه السلام: "شر الآباء 
 
 
 

1- وسائل الشيعة ج21، ص479.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
119

97

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 من دعاه البرّ إلى الإفراط"1.


فعندما يواجه الطِّفل حوادث غير مرضية؛ كأن يضرب رأسه بالحائط، أو يقع على الأرض، فهو يتوقّع من والديه مواساته واحتضانه، والوالدان لا شعورياً في موارد كهذه يظهرون محبّة في غير موضعها من قبيل احتضانهم، وتقبيلهم، والمسح على العضو المتضرّر، وغير ذلك... بالإضافة إلى إظهار مستويات من الانزعاج والتأثُّر، وأحياناً ولأجل إرضاء الطِّفل، يضرب الأهل الأرض والحائط. وتكون ردود فعل الطِّفل في هذه الحالات بكاءً وعويلاً وتأوّهاً وأنيناً؛ لأنّه يرى أنّه يستحقّ الملاطفة والمواساة في مقابل كلّ حادثة. ومع تكرار هذا النوع من المحبّة التي هي في غير محلّها، تنمو تدريجياً الأنانية، والعجب، والغرور، وحبّ الذات في كيان الطِّفل، وتجعل منه طفلاً مدلّلاً مغناجاً. 

2. توهين الولد وتحقيره:
عندما يكون التعامل مع الأبناء مصحوباً بتوهينهم وتحقيرهم، أو ذمّهم وملامتهم بشكل متواصل أو عدم إعطائهم قيمة، أو عدم احترامهم بحضور الآخرين؛ سيظنّون أنفسهم تدريجيّاً بلا قيمة ولا اعتبار، وسيفقدون إحساسهم بالكرامة والشخصيّة، وهذا الإحساس هو بداية السقوط والانحطاط.
ففي بعض العائلات، يستخدم الأب أو الأمّ ألفاظاً فيها طعنٌ وقدحٌ، فيحقّران أبناءهما في حضورهم وفي حضور الغرباء، دون أن يعلما أنّهما بهذا العمل يلقّنان أبناءهما تلك الخاصّّية القبيحة، ويصنعان منهم أناساً بلا قيمةٍ ولا اعتبار؛ مستعدّين لارتكاب كلِّ فعل حقير ومنحرف. 

فالإحساس بالحقارة وعقدة النقص، تضعضع أسس الثقة بالنفس. فالإحساس بعقدة الذنب، الخجل، الإحباط، واليأس، واعتزال المجتمع، الحقد والانتقام، والميل لارتكاب 
 
 
 
 

1- تاريخ اليعقوبي، ج3، ص53.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
120

98

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 الذنوب والمعاصي، النفاق، والرياء؛ كلّها نتائج غير مرغوبٍ فيها لمثل هذا النوع من السلوك والتعاطي. يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "نفاق المرء من ذلّ يجده في نفسه"1.


3. الإجبار والإكراه:
إنّ استخدام أسلوب التسلّط، وإصدار الأوامر والنواهي الباعث على اللجاجة والعناد، هو من الأساليب غير النافعة والضارّة في التربية الدينيّة والأخلاقيّة. فالوالدان هنا، بدلاً من أن يتعاملا بحميمية وصداقة مع أبنائهما، يُكرهانهم ويُجبرانهم. وفي الأُسر التي يستخدم فيها الوالدان هذا الأسلوب الاستبدادي، يكون ارتباط الوالدين وعلاقتهما اليوميّة بأبنائهما قائمةً على التسلّط والقسوة، وعلى الأبناء أن يفعلوا فقط ما يُقال لهم. وفي حال رفضوا يحتمل أن تكون ردّة الفعل الأولى هي التأديب الجسدي. وأمّا الاهتمام بآراء الأبناء ومحاورتهم بخصوص المسائل العائلية، يُعدّ أمراً نادراً، بل مستحيلاً، بل أكثر ما يتّخذ كلام الوالدين وخطابهما مع أبنائهما شكل الأوامر، ويكون مصاحباً للنقد والتأديب، حتى أثناء ترغيبهم وتشجيعهم؛ لأجل الإقدام على السلوك المناسب. 

يشير أسلوب الهداية في القرآن المجيد إلى ضرورة اجتناب الإكراه والإجبار؛ إذ يدلّ القرآن على الطريق المستقيم، ويجعل انتخاب الطريق على عاتق الفرد نفسه، فهو لا يطيق الإكراه في قبول هذه الدعوة. 

جاء في الذكر الحكيم: "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي"2.
ويقول العلّامة الطباطبائي في تفسيره لهذه الآية: "في قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْد﴾، نفي الدين الإجباري؛ لما أنّ الدين؛ وهو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها أخرى عمليّة يجمعها أنّها اعتقادات، والاعتقاد والإيمان من الأمور القلبيّة التي لا يَحْكُمُ فيها الإكراه والإجبار؛ فإنّ الإكراه إنّما يؤثّر في
 
 
 

1- غرر الحكم، 10485، ص458.
2- البقرة، 256.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
121

99

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

  الأعمال الظاهرية والأفعال والحركات البدنيّة الماديّة، وأمّا الاعتقاد القلبي فله عِلل وأسباب أخرى قلبيّة من سنخ الاعتقاد والإدراك، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً، أو تولّد المقدّمات غير العلميّة تصديقاً علميّاً"1.


فالتربية عبارة عن إيجاد الاعتقاد والتصديق، وإحلال الإيمان في قلوب الأبناء. وعلى حدّ قول الشهيد مطهرّي: إنّ الإيمان لا يمكن فرضه بالإكراه والإجبار. إنّ ما يريده الأنبياء هو الإيمان، لا الإسلام الظاهري، والإيمان لا يُفرض؛ لأنّه اعتقاد، وعلاقة، وانجذاب. لا يمكن إيجاد الاعتقاد في شخص ما بالقوّة... إذا كان شاب لا يحبّ فتاة، والفتاة لا تحبّ الشاب، أيستطيع أبواهما أن يحملاهما على أن يحبّ أحدهما الآخر؟ كيف يفعلان ذلك؟ أبالضرب والفلقة؟ أجل، قد يؤدّي ذلك إلى حملهما على القول بأنّهما يحبّ أحدهما الآخر، ولكنّهما يكونان كاذبين دون أدنى رَيْب، فحتى لو كسَّرا كلّ عصي العالم عليهما فلا يمكن إدخال حبّ أحدهما في قلب الآخر؛ لأنّه مستحيل بهذه الطريقة، وإذا شئت أن تُدخِل الإيمان في القلوب فليس طريقه القوّة والإكراه، بل هو الحكمة والموعظة الحسنة: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾3.2

4. الشدّة والعنف في غير محلّهما:
يخاطب الله رسوله الأكرم صلى الله عليه واله وسلم في كتابه العزيز:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾4.

 
 
 

1- تفسير الميزان، ج2، ص342.
2- النحل، 125.
3- السيرة النبوية، ص225.
4- آل عمران، 159.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

100

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 امتناع الناس عن قبول الإسلام، وحرمانهم من نعمة الهداية.


ولا شكّ، أنّه يمكن أن تشمل هذه الحقيقة الأسرة وعملية تربية الأبناء أيضاً. فما أكثر الأفراد الذين غدوا ضحايا عنف الوالدين وقسوتهما، وخاصّة الأب وحرموا من تربية سليمة. فهم، وبسبب معاملتهم بعنف وقسوة، راحوا يشعرون بعقدة الحقارة، وعقدة الحقارة نفسها تولِّد الكثير من السلوكيّات غير الصحيحة.
إنّ التعاطي بعنف وقسوة سواء أكان من قِبَل الأم أم الأب يُفقد المنزل أجواءه الحميميّة والانسجام، وينثر بذور الحقد والعداوة في وجدان الأبناء.

5. التمييز وعدم الانصاف:
على الوالدين أن يتعاطيا مع أبنائهما بعدالة، وإذا كانا لسببٍ ما يحبّان أحد أبنائهما أكثر من إخوته، لا ينبغي لهما أن يُظهرا محبّتهما؛ لأنّ الأبناء حسَّاسون جدّاً تجاه هذه المسألة، ويصعب عليهم تحمّلها.

أحياناً تكون بعض المشاكل السلوكيّة عند الأبناء والأحداث ناشئةً من أنّهم يشعرون بأنّ آبائهم وأمّهاتهم يهتمّون بهم ويحبّونهم أقلّ من إخوتهم، وبما أنّه لا يمكن الاعتراض علناً، فإنّ ذلك الشعور يبقى ويُحفظ في القلب على شكل عقدةٍ نفسيّة. وبعد مدّة تظهر هذه العقدة العاطفيّة بأشكال متنوّعة، من قبيل: التمرّد، والعصيان، والمشاكسة، والعدوانية، وحالات الاضطراب، وغير ذلك. وأحياناً يُصاب هذا النوع من الأشخاص بالإحباط والكآبة النفسيّة، وتقلّ فرص نجاحهم الدراسيّة. 

في بعض الأُسَر يعمد الوالدان إلى التمييز بين الفتاة والصبي، وأحياناً يصرّحان بهذه المسألة، فمثلاً إذا رزقا بمولود بنت، يظهران عدم الرضا ويعتبران الأنثى موجود شؤم. والبعض الآخر يتحيّزان لجهة البنت، وفي حال وقوع اختلاف، يلومان الصبي. فهذا النوع من التعاطي من الناحية التربوية له آثاره الهدّامة، وينبغي اجتنابه كلّيّاً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
123

101

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 فقد روي أنّه ذات يوم قام رجلٌ في محضر الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم بتقبيل أحد ابنيه وترك الآخر، فقال له النبي صلى الله عليه واله وسلم: "فهلّا واسيت بينهما"1.


الموانع الناشئة من البيئة
المقصود من البيئة هنا هو: الأسرة، المؤسّسة التعليميّة، ووسائل الارتباط الجماعي الأعمّ من الإذاعة، التلفزيون، السينما، المجلات والصحف، والإنترنت، والأصدقاء، والمؤسّسة السياسية والاجتماعية والثقافية الحاكمة في المجتمع.

فالعوامل التي ذُكِرَت كما أنّ بإمكانها توفير المجال للتربية الدينيّة والأخلاقيّة وتهيئة الظروف المساعدة للتربية الصحيحة والإسلاميّة، يمكنها أن تطرح ـ أيضاً ـ موانع ومعوّقات تربويّة. على سبيل المثال: من الممكن أن تكون المعوّقات الناشئة من العائلة نتيجة عوامل، من قبيل وجود أجواء ومظاهر عدم تديّن مسيطرة داخل الأسرة، أو من قبيل: الاختلافات العائلية وشجار الوالدين في حضور الأبناء، والطلاق والانفصال، وانعدام الأمن، والفقر وما شابه ذلك.

الموانع الناشئة من التغذية
يعتبر الإسلام أنّ نوعيّة الغذاء ومصدره يؤثّران بشكل كبير على الجانب المعنوي للأطفال، ولذلك أوجد عدداً كبيراً من الوصايا والأحكام الشرعية والنصائح التي تتعلّق بغذاء الطِّفل. والروايات التي تتحدّث عن الآثار المضرّة لـ"لقمة الحرام" هي ناظرة لهذه الحقيقة.

واليوم، فإنَّ الكثير من المشاكل الفرديّة والاجتماعيّة نابعةٌ من الأموال والأطعمة التي تمَّ كسبها عن طريق الحرام، وتُنفق داخل الأسرة. فالأولاد الذين يتغذُّون على هذا النوع من الأغذية، ويطوون مرحلة طفولتهم الحسّاسة على هذا النحو، يضيّعون
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج21، ص487.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
124

102

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

  فطرتهم الدينيّة، ويسارعون لارتكاب كلّ ذنب بسهولة. 

يقول الإمام الصادق عليه السلام عن التأثير السلبي لكسب الحرام: "كسب الحرام يبين أي يظهر في الذرّيّة"1.

فمن واجب الأب أن يسعى لتوفير رزق حلال وطاهر لعائلته، وأن يعلم أنّ نوع المدخول والكسب (بلحاظ مشروعيّته وعدم مشروعيّته) يؤثّر على روحيّته ومصيره ومصير عائلته، وأن يراعي بدقّة دفع الحقوق الإسلاميّة الواجبة، من قبيل: الخمس، والزكاة، وسائر النفقات الواجبة، وأن يراعي ـ أيضاً ـ حقوق الآخرين في المعاملات، والبيع، والشراء، وغير ذلك. 
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج12، ص 53. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
125

103

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 المفاهيم الرئيسة

1. إنّ عمليّة التربية قد تشوبها بعض الموانع والآفات بحيث تُحدث اختلالاً في سير عملية التربية الدينيّة، وتجعل منها صعبة أو متعذّرة. لذا يتوجّب على القيّمين على عمليّة التربية ملاحظة هذه الموانع، والعمل على رفعها.
2. للبيئة المحيطة، والغذاء، وعامل الوراثة دور في عملية التربية. لذا ينبغي العمل على رفع الموانع المرتبطة بها، والحدّ من آثارها السلبيّة.
3. إنّ قسماً مهمّاً من موانع التديّن في عصرنا الحالي؛ سببه تراخي الوالدين، وتهاونهما في المراقبة، وتساهلهما غير المنطقي، والازدواجيّة في القول والسلوك. 
4. إنّ أسلوب التسلّط وإصدار الأوامر من الأساليب الضارّة جدّاً في التربية الدينيّة والأخلاقيّة، كما وإنّ توهين الأبناء وذمّهم وملامتهم بشكل متواصل سوف تفقدهم الإحساس بالقيمة والأهمّيّة، وبالتالي تؤدّي بهم إلى السقوط والانحطاط.
5. على الوالدين أن يتعاطيا مع أبنائهما بعدالة وإنصاف، فلا يُميّزون بين الأبناء بشكل ظالم؛ لأنّ الأبناء حسَّاسون جدّاً تجاه هذه المسألة، ويصعب عليهم تحمّلها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
126

104

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 للمطالعة
رأسمال الوطن
أنتم تعلمون أنّ هؤلاء الأطفال الموجودين هنا في المدرسة الابتدائية وبعدها سيكونون في أماكن أخرى كالثانوية ثم ينتهي بهم الأمر إلى الجامعات، هؤلاء هم رأسمال الوطن أعني رأسماله العلمي والبناء العلمي لهذا الوطن. وتعلمون أنّ هؤلاء الأطفال من بداية دخولهم إلى بيئة التعلم فإنّ لديهم نفوساً سالمة ونقية قابلة لأنواع التربية ولكل ما يُلقى إليهم. وهم من بداية دخولهم إلى دور الحضانة بمثابة أمانات إلهية بأيدي هؤلاء الذين يعلّمونهم فيها وهذه الأمانات تنتقل إلى أماكن أخرى ومعلّمين آخرين إلى أن يكبروا ويرشدوا ويصلوا إلى المراحل العليا والجامعات.

إذا تمّت تربية هؤلاء الأطفال من البداية دون أي انحراف تربيةً مناسبة لإنسانيتهم ومناسبة لفطرتهم الإنسانية النقيّة ومن خلال تربية أولئك المعلّمين في الحضانة والمدارس الابتدائية، فإنّهم ينتقلون إلى الثانويات مثلًا بنفس التربية. وإذا كانت التربية هنا أيضاً على أساس الصراط المستقيم، وقام المعلّمون هنا أيضاً بهدايتهم طبقاً لما تقتضيه فطرتهم وكانت التربية تربية إنسانية وموافقة لفطرة الإنسان التي هي: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾1. ففي الجامعة يتلقّون أيضاً نفس هذه التربية. مثل هؤلاء الأطفال عندما يتم تقديمهم إلى المجتمع ويصبح مصير البلاد والمجتمع بأيديهم فإنّهم يقودون المجتمع نحو الأمام ويجعلونه نورانياً وإنسانياً ويربّون البلاد على أساس فطرة الله.

إذا أردتم أن تعلّموا الأطفال فقط دون أن تهتموا بجانب التعليم والتربية الإنسانية والتربية الأخلاقية، فإنّ المتعلّم يقطع مراحل، ولكن العلم دون تربية سوف يشدّهم أو يشدّ أكثرهم إلى الفساد. الإنسان لا يأتي إلى الدنيا فاسداً. في البداية يأتي إلى الدنيا 
 
 
 

1- الروم، 30.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

105

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

 بفطرة جيدة يأتي إلى الدنيا بفطرة إلهية كل مولود يولد على الفطرة والتي هي الفطرة الإنسانية، فطرة الصراط المستقيم، فطرة الإسلام، فطرة التوحيد. وأنواع التربية هي التي تُفتّح هذه الفطرة أو أنها هي التي تسدّ الطريق على الفطرة. 


التربية هي التي من الممكن أن توصل المجتمع إلى كماله المنشود حسب كل مجتمع إنساني، وهي التي تجعل البلاد إنسانية نموذجية كما يريدها الإسلام. وتعليم هؤلاء دون التربية من الممكن - عندما يقع البلد بأيديهم وتقع جميع شؤون البلاد بأيديهم - أن يدفعوه نحو الدمار1
 
 
 

1- صحيفة الإمام الخميني، ج14، ص31.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
128

106

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يبيّن أهم أركان التربية العاطفيّة للأبناء وأسسها القويمة.
2. يشرح مبادئ سياسة اللين والشدّة، والترهيب والترغيب في التعامل مع الأبناء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
130

107

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 التربية العاطفيّة

المقصود من العاطفة هو الاستعداد والميل الفطريّ الداخليّ الذي يشكّل دعامة حبّ الإنسان لأخيه الإنسان. وعلى أساس هذا الاستعداد الفطريّ، يستطيع الإنسان أن يظهر ميوله الباطنيّة؛ منطلقاً من المحبّة والعطف لأبناء جِلْدَته، ومن خلال هذا الطريق يؤسّس معهم لعلاقةٍ قلبيّة وأنس وأُلفة.

إنّ الاستعداد العاطفيّ في الإنسان يؤدّي لنموّ كثير من الكمالات. وهذه الكمالات تشمل امتيازاتٍ تظهر في الإنسان استناداً لمحبّة الآخرين؛ من قبيل المحبّة والصداقة، والفداء والإيثار، والعفو والصفح، والجود والبذل، والتعاون، والشفقة والرحمة والمواساة. وبنحوٍ إجماليّ تقديم الآخرين على النفس. 

كما أنّ عدم الوفاء، والتغافل، والجهل بمكانة الآخرين وقدرهم، وعدم إبراز الاحترام عند الحاجة واللامبالاة عند الاستغناء، والقسوة، والعنف، والاهتمام والانشغال بالنفس، وعدم الاهتمام بالآخرين، وأمثال ذلك؛ كلّها نواقص روحيّة وأخلاقية منشؤها الفقر العاطفيّ.

والعائلة، هي المؤسّسة الأولى التي ينبغي أن تنمو فيها العواطف الإنسانيّة عند الأطفال. فالمحبّة والعطف التي تُنثر على الطِّفل من قِبَل الأمّ والأقارب؛ كالأب، والأخت، والأخ، لا يمكن أن يتلقّاها من أيّ شخص آخر. فلا يمكن لأيّ حاضنة أو ممرّضة أو قابلة أن تلعب دور الأمّ الطبيعيّ في حياة الطِّفل، وأن تشغل مكانها.

فعندما تحضن الأمّ طفلها بمحبّةٍ عارمةٍ وترضعه، أو عندما تناغيه وتحاكيه بكلّ كيانها؛ فيقفز بَريقُ العشق والمحبّة من عينيها، وينفذ إلى أعماق وجود طفلها، وحينما 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

108

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 تبقى الأمّ إلى جانب طفلها طوال الليلِ تلاطفه، وتذيقه حلاوة المحبّة، وترسل حرارة العشق والعاطفة إلى كلّ ذرّة من ذرّات وجوده؛ فإنَّ حرارة العشق والعاطفة المنطبعة نفسها تنمّي بذور العاطفة في وجود الطِّفل، وتعرّفه على إكسير العشق وكيمياء المحبّة.


إنّ الأطفال الذين لا ينالون هذه القوّة المعنويّة من العائلة، لا يمكنهم أن ينمُّوا أنفسهم عاطفيّاً. وقد أُجريت أبحاث عن الأطفال الذين ترعرعوا في الميتم أو فقدوا أهلهم بسبب الحرب أو لأيّ سبب آخر، فكشفت أنّ هؤلاء الأطفال رغم توافر الرعاية والاهتمام البالغين يعانون من خلل عاطفيّ شديد. 
بلا شكّ، إنّ كثيراً من الاضطرابات الروحيّة، وعدم سكينة النفس، وارتكاب الذنوب، والانحرافات الأخلاقيّة والاجتماعيّة، والأمراض النفسية، والكآبة، وأمثال ذلك؛ منشؤها النقص العاطفيّ. 

وتعدّ ظاهرة اقتناء الحيوانات من قبيل: الكلاب، والقطط، وما شابهها داخل المنازل، وإيواء هذه الحيوانات الصامتة في البلدان الغربيّة، وإنفاق المبالغ المهولة لأجل هذا الغرض؛ هي في الحقيقة إجراءات لملء الفراغ العاطفيّ الحاصل.

الحذر من النقص العاطفي
إنّ أيّ فقدانٍ أو نقصٍ في المحبّة يؤدّي إلى بروز عوارض غير مرضية عند الأبناء، ويبعث على الإحساس بالحقارة، وانعدام الشخصيّة، والانطوائيّة، وربّما يكون سبباً لبروز بعض الانحرافات السلوكيّة والتربويّة. لذا على الوالدين، وللحدّ من هذا النوع من الآثار غير المرضية، أن يُظهرا محبّتهما وعطفهما لأبنائهما.

يحدّثنا الإمام الصادق عليه السلام عن أسلوب والده الإمام الباقر عليه السلام في تعامله مع أحد أبنائه فيقول: "والله إنّي لأصانع بعض ولدي، وأجلسه على فخذي، وأكثر له المحبّة، وأكثر له الشكر، وإنّ الحقّ لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره؛ لئلا يصنعوا به ما فُعل بيوسف وإخوته، وما أنزل الله سورة يوسف إلّا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
133

109

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 أمثالاً لكيلا يحسد بعضنا بعضا، كما حسد يوسفَ إخوتُه وبغوا عليه فجعلها حجّة ورحمة"1.


العطف والمحبّة في النصوص الدينية
أوصى الإسلام في مجال تربية الأبناء بالعطف والمحبّة. وكانت مورد اهتمام خاصّ وظاهرة بشكل جلي في سيرة المعصومين. فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم بخصوص محبّة الأبناء والرأفة بهم، أنّه قال: "أحبّوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم؛ فإنّهم لا يدرون إلّا أنّكم ترزقونهم"2.ويؤكّد الإمام علي عليه السلام على ضرورة إظهار الرحمة للأبناء، حيث يقول في وصيّته عليه السلام أثناء شهادته: "وارحم من أهلك الصغير"3.

وأيضاً روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "أنّ النبي موسى عليه السلام سأل الله تعالى: إلهي!! أيّ عمل أفضل لديك؟ أجاب الله تعالى: حبّ الأطفال، فإنّي فطرتهم على توحيدي"4. وفي حديث آخر مرويّ عنه عليه السلام أيضاً: "إنّ الله عزّ وجلّ ليرحم الرجل لشدّة حبّه لولده"5. ومن جملة الأساليب العمليّة التي تساعد على إبراز الرحمة والعطف تجاه الأبناء، التالي:

1. ملاطفة الولد بالمسح على رأسه:
ينقل في سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم العمليّة أنّه كان كلّ يوم صباحاً يلاطف أبناءه بالمسح على رؤوسهم: "وكان النبي صلى الله عليه واله وسلم إذا أصبح مسح على رؤوس ولده وولد ولده"6
 
 
 

1- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج21، ص419.
2- الكافي، ج6، ص49.
3- بحار الأنوار، ج72، ص136.
4- م.ن، ج104، ص97.
5- م.ن ، ج101، ص 91.
6- م.ن، ص 99.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

110

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 2. احتضان الولد:

يقول الإمام علي عليه السلام: "وضعنِي فِي حِجْرِهِ وأنا وليدٌ يَضُمُّنِي إلى صدرِهِ، وَيَكْنُفُنِي في فراشه، وَيُمسُّني جسدهُ، وَيُشمُّني عَرْفَهُ، وكان يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقمُنيه"1.

3. التقبيل:
جاء عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "أكثروا من قبلة أولادكم؛ فإنّ لكم بكلّ قبلة درجة في الجنّة؛ مسيرة خمسمائة عام"2.
وروي أنّه جاء رجلٌ إلى رسول الله وقال: "ما قبّلت صبياً لي قطّ؛ فلمّا ولّى قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هذا رجل عندي أنّه من أهل النار"3.
وذات يوم قبّل الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ولده الإمام الحسن عليه السلام. فقال أقرع بن حابس: أنا لدي عشرة أبناء وحتى الآن لم أُقبّل أحداً منهم. نظر الرسول صلى الله عليه واله وسلم إليه وقال: "من لا يَرحم لا يُرحم"4.
4. ملاعبة الأولاد:
يقول الإمام علي عليه السلام: "من كان له ولد صبا"5.
وينقلُ أيضاً: "أنّ النبي صلى الله عليه واله وسلم بَرَكَ للحسن والحسين عليه السلام ، فحملهما، وخالف بين أيديهما وأرجلهما، وقال نعم الجمل جملكما"6.
5. الإنصاف والعدالة:
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "اعدلوا بين أولادكم كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللطف"6
 
 
 
 

1- نهج البلاغة، الخطبة 234.
2- وسائل الشيعة، ج21، ص 485.
3- م.ن، ص485.
4- م.ن، ج15، ص203.
5- وسائل الشيعة، ج15، ص203.
6- مستدرك الوسائل، ج15، ص 171.
7- بحار الأنوار، ج101، ص92.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

111

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 شرائط المحبّة

يلزم أن تتوافر جملة من الشروط في مجال المحبّة التي تُمنَح للأطفال، أبرزها:
1. أن تكون المحبّة حقيقيّة ونابعة من القلب، فلا تكون مصطنعة ومختلقة؛ إذ قد يشخّص الطِّفل ـ أحياناً ـ هذا النوع من المحبّة، ولكنّه لا يتكلّم.

2. ينبغي أن تكون المحبّة بنحوٍ يتذوّق الطِّفل طعمها، وهذا الأمر ممكنٌ عندما يُظهر الوالدان واقعاً محبّتهم له. وبناءً عليه، لا يكفي إبقاء محبّة الطِّفل في القلب من دون إظهارها، بل ينبغي أن يرى الطِّفل مظاهر محبّة أهله، وأن يشعر بوضوح بما يختلج في بواطنهم من مشاعر الحبّ والعطف. وهذا الأمر ممكنٌ عادة عن طريق مساعدة الأهل لطفلهم في تناول الطعام، ومراقبته، والالتفات إليه، وتشجيعه، وإظهار الإعجاب والتقدير، واللعب معه، وأمثال ذلك.

3. لا ينبغي إظهار المحبّة للطفل بداعي كونه جميلاً، أو لأنّ شعره جميلٌ وعينيه جميلتان. وفي المقابل لو كانت المحبّة لوعي الطِّفل وإدراكه الجيّد، أو لأنّه يقوم في المنزل بأعمال جيّدة...فإنّ هذه الجوانب تُهيّىء الأرضيّة لمحبّته أكثر، ولكن لا على أساس أن تصبح هذه الأمور ملاكاً للمحبّة.

4. ينبغي أن تكون محبّة الأهل لأولادهم متساوية في حضورهم.

5. لا ينبغي للأب والأمّ أن يحصرا محبّة الطِّفل والعطف عليه بشخصهما فقط، بل عليهما أن يفتحا الطريق كي يتمكّن الطِّفل من نيل محبّة الآخرين أيضاً.

6. تحبّ الأمّهات بنحو طبيعيّ أبناءهنّ الصغار أكثر، ولكن لا ينبغي أن يؤدّي هذا الأمر لإهمال الإبن الأكبر، فيظنّ أنّ أمّه وأباه قد نسياه، ويعتبر الطِّفل الجديد عدوّاً بالنسبة إليه.

7. يتفاوت مقدار محبّة الأولاد مع تفاوت مراحلهم العمريّة.

8. عادةً ما تكون محبّة الوالدين لأولادهم في سنوات عمرهم الأولى بنّاءة أكثر من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

112

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

  السنوات التالية، ولو أنّها لا تقل أهمّيّة عمّا ينبغي إظهاره من محبّة وعطف تجاههم في سنوات البلوغ والشباب.


9. لا ينبغي لمحبّة الوالدين أن تكون مانعاً أمام ممارستهم لعمليّة الأمر والنهي. إذ لا بدّ أن يعطفوا على أبنائهم في مواضع العطف والمحبّة، وأن يأمروهم وينهوهم حين يستلزم ذلك.

الرفق والمداراة
إنّ لأسلوب الرفق والمداراة، واجتناب العنف والشدّة دوراً أساساً في تربية الأبناء دينيّاً. وفي المقابل فإنّ العنف والشدّة في غير مكانهما، يجعلان مذاق الإسلام مرّاً عند الأبناء، ويحولان دون تربيتهم تربية صحيحة ودون هدايتهم، ويُهيّئان أسباب تعاستهم.

لذا، ينبغي على الوالدين أن يجعلا المداراة واللين أساس أسلوبهما في التعاطي، وأن لا يفرضا على الأبناء الأوامر، ولا يجبراهم ويكرهاهم على القيام بالواجبات، وخصوصاً الدينيّة منها؛ بل أن يسعيا لتهيئة الظُّروف في محيط العائلة؛ بأسلوب يرغّب بالدين، والآداب الفاضلة، والقيم الحميدة. 

وعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه أوصى الإمام علي عليه السلام فقال له: "إنّ هذا الدين متين؛ فأوغلوا فيه برفق ولا تكرِّهوا عبادَة الله إلى عباده، فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى"1.

وينبغي أن يكون اللين والرفق بحيث يبقى الولد فيه تحت السيطرة، فلا يتجرّأ على الوقاحة والعناد، بل لا بدّ أن لا يغفل الوالدان عن الحزم في التربية.
والمقصود من الحزم؛ هو الجديّة والقاطعيّة والثبات على الرأي والقرار الصائب. 

وبمقدار ما يكون الصفاء، والرفق، والعاطفة، والمداراة لازماً وحيوياً في محيط 
 
 
 

1- أصول الكافي، ج2، ص86.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

113

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 العائلة؛ فإنّ وجود القاطعية، والجديّة، والإدارة ضروري. فالعائلة هي عبارة عن مؤسّسةٍ صغيرةٍ تحتاج إلى وجود إدارة؛ مثلما تحتاج كلّ مؤسسة أخرى إلى إدارة. على أنّه لو كانت الإدارة ضعيفة؛ فإنّ الكثير من العيوب ستبرز داخل الأسرة.


فلا بدّ للولد أن يشعر دائماً بمراقبة الأهل، وأن يحترم الأصول والقوانين الخاصّة بالأسرة، وأن يسعى ليحقّق الانسجام التام مع باقي مكوّنات أسرته.
وهذه الطريقة في تربية الولد، تنتقل إلى الجيل التالي؛ ليكون مدرّباً ومهيّئاً لمتابعة النهج نفسه مع أبنائه.

الترغيب والتأديب
1 - الترغيب:
يتحقّق الترغيب بأشكال مختلفة، منها الشُّكر، وإبداء الرضا على فعل الطِّفل، وملاطفة الطِّفل من خلال نظرة أو بسمة أو عمل محبّب، ومدحه أمام الآخرين، وتأييد عمله، والثناء عليه، ومكافأته أو وعده بهدية أو جائزة.

كلّ هذه الأشكال يمكن أن تندرج تحت عنوان الترغيب، ويُنتَفع منها في موارد متنوّعة، مع مراعاة أن يكون الترغيب في كلّ مرحلة من مراحل نموّ الولد متناسباً مع اهتماماته ورغباته. فما أكثر الأشياء التي تبعث على رغبة الطِّفل في عمر الثلاث سنوات، ولا تؤثِّر فيه في عمر العشر سنوات. 

ويجدر بالمربّي مراعاة المسائل التالية:
• عدم المبالغة والإفراط في الثواب والترغيب، بل ينبغي الاستفادة من هذا الأسلوب في بعض الحالات حتى تتشكّل شخصيّة الولد.
• أن يكون الثواب والترغيب؛ لإظهار التقدير والثناء، لا أن يؤدّيا به إلى الغرور والعجب. 
• أن لا يكون نوع الترغيب بنحو يظن الولد معه أنّه أعلى شأناً من الآخرين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
138

114

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 • لا بدَّ أن تكون موجبات الثواب والترغيب واضحة ومحدّدة، فلا تفيد العناوين الكلّيّة من قبيل إنّك "فتاة جيّدة" أو "فتى جيد"، بل ينبغي أن يكون العمل الذي يلقى الولدُ الثوابَ على ضوئه محدّداً وواضحاً، ليكون له أثره التربوي.

• ينبغي أن يكون الثواب والترغيب متناسبين مع عمل الولد؛ فمثلاً؛ لا ينبغي منحه جائزة مهمّة لقيامه بعمل صغير، ولا ينبغي مثوبته على كلّ عمل تفصيليّ.
• لا ينبغي للترغيب والثواب أن يأخذا عنوان الاستمالة.
• ينبغي للوالدين أن يفيا بكلّ وعد يقطعانه لأبنائهما، ولا يعطيان وعداً كاذباً أبداً، وإلا ستزول ثقة الأبناء بهم، وستغرس بذور الكذب في ضمائرهم.
• لا ينبغي للأولاد أن يعتادوا على الجوائز الثمينة، ومن الضروري صرفهم عن الكماليّات والرفاهية الزائدة والزخارف. فهذا العمل لا صلاح فيه للأسرة؛ سواءٌ أكان من الناحية الاقتصادية أم من ناحية التربية الروحيّة والأخلاقيّة للولد.
• أن تتمّ الإثابة مباشرة وفور تحقّق العمل المنظور إنجازه.
• أن يتمكّن الولد من خلال تحسين أعماله من الحصول على دفعات من الترغيب والثواب. فلا ينبغي أن يكون الثواب؛ بحيث يصعب كثيراً أو يتعذّر الحصول عليه.
• لا ينبغي التمييز بين الأبناء في الترغيب والثواب، فهذا العمل ليس فقط يزيل أثر الثواب والترغيب من البين، بل يحمل الكثير من الآثار الضارّة.

2 - التأديب:
يمكن للتأديب أن يتّخذ أشكالاً متعدّدة؛ منها النظر إلى الولد نظرة عدم رضا وأحياناً غضب، وعدم الاعتناء، والتوبيخ واللوم بشكلٍ غير علني، وسلب الامتيازات، والحرمان من النزهات أو اللعب أو مشاهدة التلفاز ولقاء الضيوف، وعدم الاعتناء بطلباته، وإظهار الحدّة والتشدّد، والتأديب الجسدي. ففي هذه الأشكال كلّها يوجد من ورائها هدفٌ واحد؛ هو أن يستولي الخوف على الولد، فيرتدع عن فعل الأعمال القبيحة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
139

115

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 وينبغي الإلتفات إلى أنّ التأديب الجسدي غالباً ما يكون غير بنّاء مقارنة مع الموارد التي ذُكِرَت، وقد تصاحبه أضرارٌ لا يمكن جبرانها. ومن هنا، نرى أنّ الإسلام ذمّ هذا النوع من التأديب. 


يقول الإمام علي عليه السلام: "إنّ العاقل يتّعظ بالأدب والبهائم لا ترتدع إلّا بالضرب"1.
وفي رواية أنّ شخصاً قد شكا ابنه عند الإمام الكاظم عليه السلام ، فأجابه عليه السلام: "لا تضربه واهجره ولا تُطل"2.

كما يلزم في عملية التأديب مراعاة المسائل التالية:
• الاستفادة من التأديب بعد استنفاذ الأساليب التربويّة الأخرى.
• لا ينبغي للوالدين أن يستعينا بالتأديب الجسديّ.
• لا يعود التأديب بالنفع على الولد إذا كان أمام الناس، وخاصّة أمام الأصدقاء.
• ينبغي أن يُذمّ الولد على فعله وليس لشخصه عند تأديبه.
• لا يشترط أن يكون التأديب من خلال الكلام، فأحياناً تكون نظرة لوم، أو عدم اعتناء، أو أمثالها أكثر فعاليّة. 
• لا ينبغي الإفراط في العقاب والتأديب والخروج عن الحدّ، فتضيع الفائدة المرجوّة منه.
• أن نمدح أقران الولد على حسناتهم؛ لنستثير (الغبطة) في أكثر الموارد عند الولد.
• ينبغي للولد أن يعلم سبب تأديبه ومعاقبته؛ كي يتجنّب ذلك العمل.
• أن لا يكون العقاب بدافع الانتقام والتشفّي.
• أحد أساليب تأديب الأحداث المتديّنين؛ هو أن يفهموا بأنّ الله غير راضٍ عن تقصيرهم ومخالفتهم.
• في حال خجل الولد وندمه وتراجعه ينبغي قبول ذلك بكلّ لطف ومحبّة. 
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج68، ص328.
2- م.ن،ج 101، ص99.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

116

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 • في حال لم تنفع مع الولد الوسائل الأخرى واضطر الأهل اللجوء إلى التأديب الجسدي، ينبغي مراعاة الحدود الشرعية في ذلك، وأن يكون العقاب بحيث لا يترتّب عليه مفاسد وأضرار. 

 

 

 

 

 

 

 

 

141


117

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 المفاهيم الرئيسة

1. المراد بالعاطفة؛ الاستعداد والميل الفطريّ والعاطفيّ الذي يشكّل دعامة حبّ الإنسان لأخيه الإنسان، وسبباً لنموّ كثير من الكمالات. والعائلة هي المكان الذي ينبغي أن تنمو فيه هذه العواطف الإنسانية وتتأجّج. 
2. أيّ نقص في البعد العاطفيّ يؤدّي إلى بروز عوارض سلبيّة؛ كالإحساس بالحقارة والنقص، وربّما يكون سبباً لبروز بعض الانحرافات السلوكيّة والتربويّة. لذا على الوالدين أن يُبرزا محبّتهما وعطفهما لأبنائهما.
3. للتربية العاطفيّة والمحبّة شروط وآداب ينبغي معرفتها، ومراعاتها، والالتزام بها بدقّة وعناية؛ حتى تتحقّق الفائدة، ونصل إلى الأهداف التربويّة المرجوّة بشكل سليم. 
4. لأسلوب الرفق، والمداراة، واجتناب العنف والشدّة دور أساس في تربية الأبناء العاطفيّة. وفي المقابل، فإنّ العنف، والشدّة في غير مكانهما يجعلان مذاق الإسلام مرّاً، ويحولان دون هداية الأبناء وتربيتهم تربية دينيّة صحيحة. 
5. ينبغي عدم الإفراط والتفريط في موضوع الثواب والعقاب، بل يجب أن يكونا متناسبين مع عمل الولد، فلا يؤدّيان به إلى الغرور والعجب، ولا إلى اليأس والقنوط.
6. للتأديب أشكال وسياسات مختلفة ومتعدّدة، تحتاج في مجملها إلى الاستفادة من الأساليب التربويّة الصحيحة للحيلولة دون الوقوع في مشكلة العنف، والتشفّي، والانتقام. 
7. من المبادئ التربوية المهمّة في سياسة التأديب أن يعلم الأبناء ويطّلعوا على الأسباب الحقيقيّة والدوافع الواقعيّة للتأديب؛ لكي يتجنّبوا تكرارها في المستقبل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

118

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

 للمطالعة

أشرف المسؤوليات‏
لقد كان هدف المستكبرين منذ البداية أن لا يَدَعُوا بناء الإنسان لئلّا يخسروا منافعهم. إنّ الذي يستطيع سحب المنافع من يدهم هو الإنسان، الإنسان الذي يستطيع القضاء على منافعهم هو الذي نشأ في حضن الأمّ الطاهرة. إنّ الأمر يبدأ من هنا. 
إنّ كون المرأة أمّاً وقيامها بتربية الأطفال تعدّ أكبر خدمة للمجتمع. لقد حقّروا هذا التوجّه، وهذه خيانة ارتكبوها بحقّ مجتمعنا. لقد حقّروا الأمومة في أعين الأمّهات، رغم أنّ أشرف الأعمال في العالم هي الأمومة وتربية الأطفال.

إنّ جميع منافع بلدنا يتمّ تأمينها من خلال أحضانكن أيّتها الأمّهات. وهؤلاء لا يروق لهم ذلك، فخطّطوا لأخذ الأطفال من أحضانكن والاحتفاظ بهم في الأماكن التي أعدّوها لذلك، ومن هناك أخذوهم إلى المدارس، وقد أعدّوا الوضع في المدارس بشكل ينشأ فيه الأطفال فاسدين. ثم هيّؤوا الأجواء في المراحل التالية بشكل لا يبقى فيها مجال للفضائل الإنسانية. إنّ الهدف هو أن لا تتمّ تربية الإنسان الفاضل في البلد.

بيد أنّ كلّ ذلك قد انتهى الآن بحمد الله، وآمل أن لا يجدوا لهم موطئ قدم بعد الآن، بهممكنّ أنتنّ النساء اللّاتي دفعتنّ بهذه النهضة إلى الأمام. إنّ الذين تمّت تربيتهم على يد أولئك لم يكن لهم اهتمام بهذه المسائل. إنّ الذي سار بهذه النهضة إلى الأمام أنتنّ حيث قمتنّ بخدمتها، لقد قمتنّ بخدمة النهضة في كلّ الأوقات.
إنّ هذه المظاهرات التي حدثت في إيران كانت بفضل أقدامكنّ وتضحياتكنّ. أنتنّ اللّاتي كانت قلوبكنّ تتألّم من أجل البلد، لقد احترقت قلوبكنّ من أجل الشعب، أنتنّ اللّاتي تتبعن الإسلام، أنتنّ اللّاتي دفعتنّ بهذه النهضة إلى الأمام، أنتنّ اللّاتي تستطعن إنقاذ البلد من خلال تربية الأطفال.

لقد حقّروا في أعينكنَّ مهمّة تربية الأطفال، مع أنّ تربية الأطفال تعدّ من المهام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
143

119

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

  النبيلة إذ هي في جميع المجتمعات أفضل من جميع الأعمال. ليس هناك من عمل يوازي شرف الأمومة. وهؤلاء قد أسقطوا هذا العمل واحتقروه، وهذه خيانة كبيرة ارتكبوها بحقّنا وبحقّ أمتنا، لقد جعلوا الأمّهات ينصرفن عن تربية الأطفال.

اعتَبَروا تربية الأطفال شيئاً حقيراً، رغم أنّ حضن الأمّ أنجب مثل مالك الأشتر. ومن حضن الأمّ ينشأ الحسين بن علي عليه السلام. في أحضان الأمّهات ينشأ العظام الذين ينقذون شعباً بأكمله. لقد جعلوا هذا أمراً ضئيلاً. لقد حرصوا على إبقاء اهتمام الأمّهات بعيداً عن مهامهنّ الطبيعية، بعيداً عن مصير الأمّة، ولا شأن لهنّ بمصير هذا الشعب1
 
 
 

1- صحيفة الإمام الخميني، ج7، ص323.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
144

120

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يبيّن أهمّ الآداب والسنن التي ينبغي مراعاتها قبل الولادة والتي تُمهّد الأرضيّة الصالحة لتربية الطفل بعد عمليّة الولادة. 
2. يذكر أهمّ الآداب والسنن الدينيّة لما بعد مرحلة الولادة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 146

121

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 مقدّمة

يولد البشر على فطرة الدِّين والتوحيد، وقد أودِعت معرفة الله في أعماق وجودهم1. وعلى هذا الأساس، كلُّ الأطفال الذين تلدهم أمّهاتهم تختزن فطرتهم أصول الدّين الكُلِّيّة والأخلاق. وتساهم عمليّة التَّربية في تنمية الاستعدادات الفطريّة والطبيعيّة لديهم.

ووفقاً للتعاليم الدينيّة، فإنّ مرحلة الطُّفولة هي الزمان الأفضل لتربية الأبناء؛ لأنّ قلب الطِّفل كالأرض الخصبة مستعدٌّ لقبول أيّ نوعٍ من التربية. 
فعن الإمام علي عليه السلام في وصيّته للحسن عليه السلام قال: "إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبّك..."2.

وتشمل مرحلة الطٌّفولة عادةً مرحلة الولادة وحتى عمر 12-13، وترتبط التربية الدينيّة للأطفال بنوعين من الرعاية:

الرعاية في مرحلة ما قبل الولادة
يوجد مجموعة من العوامل التي تؤثِّر في بناء شخصيّة الإنسان قبل الولادة؛ من قبيل التغذية، وحليب الأمّ، وروحيّة الوالدين، وأوضاع فترة الحمل، وانعقاد النطفة، وأمثالها. 
 
 
 

1- انظر، بحار الأنوار، ج3، ص281.
2- م.ن، ج1، ص223.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
148

122

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 وأهل المعرفة وأصحاب القِيَم يُراعون هذه المسائل ودقائق الأفعال؛ من أجل إنجاب نسل صالح.

ونحن نطالع في السيرة الذاتية للعديد من عظماء الدين أو شهداء الإسلام، ونسمع أنّ أمّهاتهم في فترتي الحمل والرضاعة، كنَّ دوماً مراعيات لحالاتهنّ الروحيّة؛ فكنَّ يرضعنهم وهنَّ على وضوء؛ ويتناولن الغذاء الحلال؛ ولا يشاركن في أيّ مجلس... فما تسمعه الأمّ في فترة الحمل أو أثناء الرضاعة (سواء أكان غناءً أم قرآناً)، أو ما تشاهده من أفلام أو صور، وطبيعة الجلسات التي تشارك فيها أو الأشخاص الّذين تعاشرهم؛ لها تأثير مهمّ في تكوين الشخصيّة المعنويّة للولد. وفي ما يلي نذكر بعض الأمور المهمّة التي ينبغي مراعاتها والعمل عليها في المرحلة التي تسبق الحمل وعملية الولادة، منها:

1. اختيار الزوجة والزوج:
راعى الإسلام في تعليماته مسألة اختيار الزوجة من الجانبين الوراثي الذي انحدرت منه المرأة، والاجتماعي الذي عاشته ومدى انعكاسه على سلوكها وسيرتها. قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "اختاروا لنطفكم؛ فإنّ الخال أحد الضجيعين"1

فالرسول صلى الله عليه واله وسلم يؤكّد على اختيار الزوجة من الأُسَر التي تحمل الصفات النبيلة؛ لتأثير الوراثة على تكوين المرأة، وعلى تكوين الطفل الذي تلده، وكانت سيرته صلى الله عليه واله وسلم وسيرة أهل بيته قائمة على هذا الأساس كما لا يخفى. فحذّر من الزواج من الحسناء المترعرعة في منبت السوء، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "إياكم وخضراء الدمن. قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء"2.

وأكّدت الروايات على أن يكون التديّن مقياساً لاختيار الزوجة، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم 
 
 
 

1- الكافي، ج5، ص332.
2- وسائل الشيعة، ج20، ص35.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
149

123

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 يشجّع على ذلك، ويقدّم التديّن على الجمال والمال، عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "من تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلّا لجمالها؛ لم ير فيها ما يُحِب، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلّا له وكله الله إليه؛ فعليكم بذات الدين"1


وللأب الدور الأكبر في تنشئة الأطفال وإعدادهم نفسيّاً وروحيّاً، ولذا أكّد الإسلام في أوّل المراحل على اختياره؛ طبقاً للموازين الإسلامية التي يُراعى فيها الوراثة والمحيط الذي ترعرع فيه، وما يتّصف به من صفات نبيلة وصالحة؛ لأنّه القدوة الذي يقتدي به الأطفال، وتنعكس صفاته وأخلاقه عليهم، إضافة إلى اكتساب الزوجة (الأمّ) بعض صفاته وأخلاقه من خلال المعايشة المستمرّة والمعاشرة. وقد أكد الإمام الصادق عليه السلام على اختيار الزوج الكفء، وعرّفه بقوله عليه السلام: "الكفء أن يكون عفيفاً، وعنده يسار"2. والكفء هو الذي ينحدر من سلالة صالحة وذو دين، وخُلق سامٍ.

وحذّر الإمام الصادق عليه السلام من تزويج الرجل المريض نفسياً، فقال: "تزّوجوا في الشكّاك ولا تزوّجوهم؛ لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه"3.

بل جعل الإسلام التديّن مقياساً في اختيار الزوج، فعن الإمام علي عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه. قلت: يا رسول الله، وإن كان دنيّاً في نسبه؟ قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"4.
2. الدعاء والتضرّع: 
في أوّل خطوات العلاقة والاتّصال بين الزوج والزوجة؛ وهي ليلة الزفاف، أمر الإسلام بالتقيُّد بالقيم الربّانيّة؛ لكي لا تكون العلاقة علاقة بهيميّة جسدية فقط، وأوّل 
 
 


1- وسائل الشيعة، ج20، ص50. 
2- الكافي، ج5، ص347.
3- م.ن، ص348.
4- وسائل الشيعة، ج20، ص78. 



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
150

 


124

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 هذه القيم هي استحباب الصلاة ركعتين لكلٍّ منهما، وحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله وآله، ثمّ الدعاء بإدامة الحبّ والودّ: "اللّهم ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي، وأرضني بها، واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأيسر ائتلاف، فإنّك تحبّ الحلال وتكره الحرام"1.

والالتزام بذلك يخلق جوّاً من الاطمئنان والاستقرار والهدوء في أوّل خطوات اللقاء، ولا يبقى لقلق الزوجة واضطرابها مجالاً؛ فتكون ليلة الزفاف ليلة أنس وحبّ وودّ.

ويستمرّ الدعاء عند الخطوة الثانية؛ وهي مرحلة المباشرة، فيستحب أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة، ويقول: "اللهمّ على كتابك تزوّجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سوياً، ولا تجعله شرك شيطان"2، وأفضل الذكر في أوّل المباشرة: "بسم الله الرحمن الرحيم"3.

ومن المسائل الأخرى المهمّة جدّاً - والتي لها تأثيرٌ كبيرٌ في تربية الأطفال دينيّاً في مرحلة ما قبل الولادة - الدّعاء، والتضرُّع، وطلب الولد الصَّالح من الله. روي عن الإمام علي عليه السلام: "ما سألتُ ربّي أولاداً نُضُرَ الوجه، ولا سألتُه ولداً حسنَ القامة، ولكن سألتُ ربّي أولاداً مطيعين لله، وَجِلين منه، حتى إذا نظرتُ إليه وهو مطيعٌ لله قُرَّتْ عيني"4.

وعن الإمام السجّاد عليه السلام ـ أيضاً ـ في دعائه لولده، يطلب من الله أولاداً مؤمنين صالحين ومن أهل المعنويات، فيقول: "واجعلهم أبراراً أتقياء بُصَراء سامعين مطيعين لك ولأوليائك، محبّين مناصحين، ولجميع أعدائك معاندين ومُبغِضِين"5
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج20، ص116.
2- م. ن، ص113. 
3- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص405. 
4- بحار الأنوار، ج 101، ص 98.
5- الصحيفة السجادية، الدعاء 25.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
151

125

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 3. مراعاة الضوابط والمستحبّات الشرعيّة للحمل:

من أجل ضمان سلامة الجنين الجسديّة والنفسيّة وضع الإسلام برنامجاً سهلاً يسيراً لا كلفة فيه ولا عسر ولا شدّة. فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بمنع الزوجة في أسبوعها الأوّل من (الألبان والخلّ والكزبرة والتفاح الحامض)؛ لتأثير هذه المواد على تأخّر الإنجاب، واضطرابه، وعسر الولادة، والإصابة ببعض الأمراض التي تؤثّر سلباً على الحمل وعلى الوليد1.

وقد أوصى أهل البيت بآداب للخلوة بالمرأة مطلقاً، وهي بين مستحبّ ومكروه. قال الإمام الخميني: يكره الجماع في ليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس، ويوم هبوب الرّيح السوداء والصفراء والزلزلة، وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي المحاق، وفي أوّل ليلة من كلّ شهر ما عدا شهر رمضان، وفي ليلة النصف من كلّ شهر، وليلة الأربعاء، وفي ليلتي الأضحى والفطر، ويستحبّ ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة ويوم الخميس عند الزوال، ويوم الجمعة بعد العصر، ويكره الجماع في السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به، والجماع وهو عريان، وعقيب الاحتلام قبل الغسل. نعم لا بأس بأن يجامع مرّات من غير تخلّل الغسل بينها ويكون غسله أخيراً، لكن يستحبّ غسل الفرج والوضوء عند كلّ مرّة، وأن يجامع وعنده من ينظر إليه حتى الصبي والصبيّة، والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها، وفي السفينة، والكلام عند الجماع بغير ذكر الله، والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة، وعلى الامتلاء من الطعام، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاث يهدمن البدن وربّما قتلن، دخول الحمام على البطنة، والغشيان على الامتلاء، ونكاح العجائز". ويكره الجماع قائماً، وتحت السماء، وتحت الشجرة المثمرة، ويكره أن تكون خرقة الرجل والمرأة واحدة، بل يكون له خرقة ولها خرقة، ولا يمسحا بخرقة واحدة 
 
 
 

1- راجع مكارم الأخلاق، ص209.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
152

126

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 فتقع الشهوة على الشهوة، ففي الخبر: "إنّ ذلك يعقب بينهما العداوة"1


4. الاهتمام بغذاء المرأة الحامل:
من الحقائق الثابتة أنّ صحّة الجنين الجسديّة تتناسب طردياً مع صحّة الأمّ، ومن العوامل المؤثّرة في صحّة الأمّ؛ الغذاء. فالضعف الجسدي والأمراض الجسدية والتشوّهات في الخلقة يرجع قسم كبير منها إلى سوء التغذية، والعكس صحيح أيضاً. لذا أوصى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأهل البيت عليه السلام بالاهتمام بغذاء الحامل، وخصوصاً الغذاء الذي له تأثير على الصفات النفسيّة والروحيّة للجنين. كالسفرجل ـ مثلاً ـ، حيث قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بشأنه: "كلوا السفرجل؛ فإنّه يجلو البصر، وينبت المودّة في القلب، وأطعموه حبالاكم فإنّه يحسّن أولادكم"2. واللبان ـ أيضاً ـ الذي ورد بشأنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "أطعموا نساءكم الحوامل اللُّبان، فإنّه يزيد في عقل الصبي"3. وقال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: "أطعموا حبالاكم اللبان، فإن يكن في بطنهنَّ غلام خرج ذكي القلب عالماً شجاعاً، وإن يكن جارية حسن خَلقها وخُلقها، وعظمت عجيزتها، وحظيت عند زوجها"4. والتمر ـ أيضاً ـ، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "أطعموا المرأة في شهرها الذي تلد فيه التمر، فإنّ ولدها يكون حليماً نقياً"5، وغيرها...

وقد وضع أهل البيت عليهم السلام جدولاً متكاملاً في أنواع الأغذية المفيدة في صحّة الجسم، كما ورد في كتاب الأطعمة والأشربة من الكافي ومكارم الأخلاق؛ كالرمّان، والتين، والعنب، والزبيب، والبقول، والسلق، والفواكه الأخرى، وكذلك اللحم، والهريسة، والخضروات.

إضافة إلى منعهم من الغذاء المضرّ على الصحّة الجسديّة والنفسيّة، كالميتة، 
 
 
 

1- تحرير الوسيلة، ج2، ص240. 
2- مكارم الأخلاق، ص172.
3- بحار الأنوار، ج59، ص294.
4- م.ن، ج63، ص444.
5- م.ن، ص141.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 153

127

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 والدم، ولحم الخنزير، والخمر، وكلّ ما ورد في القرآن الكريم والسنّة النبوية من الأطعمة والأشربة المحرّمة.

5. حسن التعامل مع المرأة الحامل:
حسن التعامل مع المرأة، وخصوصاً الحامل، يجعلها تعيش حياة سعيدة مليئة بالارتياح والاطمئنان والاستقرار النفسيّ والروحيّ، فلا يبقى للقلق والاضطراب النفسيّ موضعاً في قلبها وروحها.

قال الإمام زين العابدين عليه السلام: "وأمّا حقّ رعيّتك بملك النكاح، فأنْ تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة"1.

وحسن التعامل يكون بالسيرة الحسنة معها، والرفق بها، وإسماعها الكلمات الجميلة، وإكرامها، ووضعها بالموضع اللائق بها، واعتبارها شريكة الحياة، وإشباع حاجاتها الماديّة والروحيّة، والتعامل معها بوصفها إنسانة أكرمها الإسلام، وإشاعة جوّ المنزل بالسرور والبشاشة والمودّة والرحمة، وإدخال الفرحة على قلبها، والحفاظ على أسرارها، إلى غير ذلك من التعاليم التي أكَّد عليها الإسلام. ومنها ـ أيضاً ـ مساعدتها في بعض شؤون البيت التي لا تستطيع إنجازها لوحدها، والصبر على بعض أخطائها ومساوئها التي لا تؤثّر على نهجها الإسلامي، والتفاهم في حلّ المشكلات اليوميّة بأسلوب لا يثير غضبها، وتجنّب كلّ ما يؤدّي إلى الإضرار بصحّتها النفسية؛ كالغيرة في غير مواضعها، والعبوس في وجهها أو ضربها، أو هجرها، أو التقصير في حقوقها. فإذا حَسُنَت المعاملة معها حسنت حالتها النفسيّة والروحية، وانعكس ذلك على الجنين بطبيعة الحال. 
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج71، ص14.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
154

128

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 الرعاية في مرحلة ما بعد الولادة

وهي المرحلة التي تلي مرحلة الحمل مباشرة، وتشكّل أوّل محيط اجتماعيّ يحيط بالطفل؛ لأنّها الأساس في البناء الجسديّ والعقليّ والاجتماعيّ للطفل، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعاليّ والنضوج العاطفيّ، ولذلك ركّز المنهج الإسلامي على إبداء عناية خاصّة بالطفل في هذهِ المرحلة، متمثّلة بالقيام بالأعمال التالية:

1 - رعاية الآداب والسنن الإسلاميّة:
فقد ورد في الإسلام آدابٌ وسننٌ لمرحلة ما بعد الولادة، والتي بمراعاتها يحصل الأثر الجيّد في تربية الطِّفل؛ دينياً وأخلاقياً، أهمّها:
• فرك فم المولود بماء الفرات والتربة الكربلائيّة: كما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام حيث روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ما من أحد يشرب من ماء الفرات ويُحنَّك به إذا ولد إلّا أحبّنا لأنّ الفراتَ نهرٌ مؤمن"1.
• وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "حنّكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السلام فإنّها أمان"2.
• الأذان والإقامة في أُذِن المولود: جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "من ولد له مولود فليؤذِّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقِم في أذنه اليسرى، فإنّها عصمةٌ من الشّيطان الرّجيم"3.
• انتخابُ اسمٍ حسن للمولود: فالاسم الحسن له تأثيرٌ معتبرٌ على شخصيّة الطِّفل. وقد اعتُبر في الروايات الإسلاميّة أنّ تسمية الولد باسمٍ حسنٍ من جملة حقوقه على والديه. قيل للإمام الصادق عليه السلام: "جُعلت فداك إنَّا نسمّي بأسمائِكم وأسماء آبائِكم فينفعنا ذلك؟ فقال إي والله وهل الدين إلا الحبّ"4
 
 
 


1- بحار الأنوار، ج 97 ص230
2- م.ن، ج 98 ص 136. التحنيك بتربة الحسين، أو بماء الفرات: إدخال ذلك إلى حنكه وهو أعلى الفم.
3- وسائل الشيعة، ج 21، 406.
4- بحار الأنوار، ج101، ص 130.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
155

129

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 • الختان: يجب ختان الذكور، ويستحبّ أن يختن الذكر في اليوم السابع. قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "اختنوا أولادكم لسبعة أيام؛ فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللحم، وإنّ الأرض لتكره بول الأغلف"1.


• العقيقة وحلق الرأس: من مراسيم الولادة العقيقة وهي ذبح شاة في المناسبة، وحلق رأس الطفل، كما جاء في قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام : "عق عنه، واحلق رأسه يوم السابع، وتصدّق بوزن شعره فضّة، وأقطع العقيقة جذاوى، واطبخها، وادع عليها رهطاً من المسلمين"2. فالعقيقة مصداق للصدقة تمنع من البلاء، وتقي الطفل من المخاطر، ولعلّ فيها آثاراً نفسيّة حسنة للطفل حينما يترعرع ويفهم أنّ والديه قد اعتنوا به في ولادته، وهي ذكرى حسنة عند من وصلته تلك العقيقة أو بعضها.

• اختيار مرضعةٍ صالحةٍ لإرضاع المولود: حليب الأمّ أفضل غذاء للطفل من الناحية العلميّة، إضافة إلى أنَّ عمليّة الرضاعة يشعر الطفل من خلالها بالأمان والطمأنينة والرعاية. قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمّه"3. وفي الحالات الاستثنائيّة التي تعيق عمليّة الرضاعة؛ بسبب قلّة حليب الأمّ، أو مرضها، أو فقدانها؛ بطلاق أو موت، أكّد أهل البيت عليهم السلام على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معيّنة، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "انظروا من ترضع أولادكم، فإنّ الولد يشبُّ عليه"4. فالحليب ونوعيّة المرضعة يؤثّر على الطفل؛ من ناحية نموه الجسديّ والنفسيّ. وقد أثبتت التجارب صحّة تعاليم أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال. وهنالك مواصفات عند المرضعة حبّذها أهل البيت عليهم السلام في الاختيار. 
 
 
 
 

1- الكافي، ج6، ص34.
2- م.ن، ص34.
3- م.ن، ص40.
4- م.ن، ص44.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
156

130

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

  قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: "استرضع لولدك بلبن الحسان، وإيّاك والقباح، فإنّ اللبن قد يعدي"1.


2 - تحقيق الأنس والاعتياد قبل سنّ التكليف:
على الأهل أن يحقِّقوا حالة من الأنس لدى الأطفال؛ بالعبادات، والسلوكيّات الدينيّة. فمشاهدة الآداب الدينيّة والعبادات، وخاصّة الصَّلاة التي يؤدّيها الوالدان والإخوة الأكبر سنّاً بنحوٍ جدِّي ومنتظم يوميّاً في الليل والنهار، تنتقش في ذهن الطِّفل وروحه، وتُظهر لديه نوعاً من الأُنس الروحي بهذه الأعمال والآداب.
لذلك، عادة ما نرى أنّ الطِّفل من عمر السنة الثانية يُقلِّد حركات أمّه وأبيه في حال الصّلاة، ويُردِّد بعض الكلمات والأذكار بنحوٍ متقطّع. وإذا ترافقت حركات الطِّفل هذه مع ملاطفة الوالدين وترغيبهم؛ تزداد رغبته، وتنتقش ذكرى جميلةٌ عنها في ذهنه وروحه. إنّ هذا التأثّر الروحيّ والخواطر الجميلة لها تأثيرها الكبير على مستقبل الولد وتوجُّهاته اللاحقة. فهذه الفرص فرصٌ ثمينةٌ لناحية إيجاد الاستعداد الروحيّ في كيان الطِّفل بهدف تفتُّح الإيمان، ولذا يجب اغتنامها. والوالدان اللذان يُقرّان بأهمّيّة التربية الدينيّة لأبنائهم، لا ينبغي لهما أبداً أن يُضيِّعا هذه الفرصة.

3 - التعرُّف تدريجيّاً على المسائل الدينيّة:
ينبغي للأطفال أن يتعرَّفوا على المسائل الدينيّة تدريجيّاً وبهدوء. يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذا المجال: "إذا بَلَغ الغُلام ثلاثَ سِنين يُقال لَهُ سَبعَ مرّات قُل لا إله إلا الله، ثمّ يُترك حتّى يتمَُّ له ثلاثُ سنين وسبعةُ أشهر وعشرون يوماً، فيقال له: قُلْ محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه واله وسلم سبعَ مرّات، ويُترك حتّى يتمَّ له أربعُ سنين، ثمَّ يقالُ لهُ سبعَ مرات: قُل صلَّى الله على محمدٍ وآلِ محمدٍ، ثمَّ يُترك حتّى يتُمَّ له خمسُ سنين ثمَّ يُقالُ له: أيُّهما يمينُك وأيُّهما شِمالُك؛ فإذا عَرَف ذلك حُوِّل وجهُه إلى 
 
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج15، ص185.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
157

131

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 القِبلة ويُقالَ لهُ اسجُدْ، ثمَّ يُتركُ حتَّى يتمّ له سِتُّ سِنين، فإذا تمَّ له سِت سنين صلَّى، وعُلِّم الرُّكوع والسُّجود، حتّى يتمَّ لهُ سبعُ سنينَ، فإذا تمَّ لهُ سبعُ سنين قيلَ له اغسُلْ وَجْهكَ وكفَّيكَ، فإذا غَسَلَهُما قيلَ له: صلِّ ثمَّ يُترك حتّى يتُمَّ له تِسعٌ، فإذا تمَّتْ له؛ عُلِّم الوُضوء وضُرِب عليه، وعُلِّم الصَّلاة وضُرِب عليها، فإذا تعلَّم الوُضوء والصَّلاة غَفَر الله لوالديه"1.


من الواضح أنّ هذه التوصيات العمليّة خاصّة بالفِتيان، وإلا فالفتيات اللواتي يصلن إلى سنّ التكليف قبل ذلك، ينبغي أن يتعلَّمن الصلاة قبل بلوغهنّ تِسع سنوات؛ حتى يكون بمقدورهنّ المداومة عليها. فعندما يبلغن سنّ التكليف، لا يكون أداء فريضة الصّلاة صعباً عليهنّ.

إنّ سَوْق الأولاد للقيام بهذه التكاليف ينبغي أن يرافقه لطفٌ ومحبةٌ وترغيب، وأن لا يُطلب منهم تكاليف شاقّة وصعبة، لكن في المقابل، لا بدّ أن يتعاطى الوالدان بجدّيّة؛ حتى لا يظنّ الولد أنّ التكاليف الدينيّة ليست أموراً جدّيّة أو ضروريّة. فالمطلوب هو أن يجمعا بين هاتين الجَنبتين اللتين هما في الظاهر متضادَّتان، أي يكونا في الوقت ذاته جدّيّين وعطوفين ومحبّين حتى يتمكّنا من دفع الطِّفل للقيام بالفرائض الدينيّة.

وبالنسبة لفريضة الصيام ـ أيضاً ـ يُتَّبع الخطوات نفسها، حيث من الأفضل أن يتعرّف الولد قبل بلوغه سنّ التكليف تدريجياً على فريضة الصوم، فيُهيىء نفسه للالتزام بها بعد سنّ التكليف. ومن المفيد اتّباع بعض الاجراءات لترغيب الأولاد بالصيام؛ من قبيل إيقاظهم لأجل تناول طعام السحور ومنحهم الجوائز. ولقد أثبتت التجربة أنّ الأولاد ـ عادةً ـ يستمتعون بهذه البرامج، ويُقبلون عليها برغبة.
 
4 - الاهتمام بالمشاعر الدينيّة وتنميتها: 
إضافةً إلى ضرورة تعريف الأبناء على المسائل الدينيّة وتعلُّم الأحكام الإسلاميّة، ينبغي للوالدين أن يُخطِّطوا أيضاً لتنمية مشاعر أبنائهم الدينيّة؛ من خلال إيجاد جوٍّ معنويّ ودينيّ في محيط الأسرة. فالمنزل إذا كان مفعماً بالقيم المعنويّة، وبالتزام الأب والأمّ بالقيّم الإلهيّة والتكاليف الدينيّة وبتنويرهما فضاء البيت بتلاوة القرآن والذّكر والمناجاة؛ فإنّ الأطفال سيتأثّرون تلقائيّاً عند مشاهدة هذه الأجواء المعنويّة، وتنمو الميول الدينيّة لديهم بنحوٍ طبيعيّ.
كما أنّ تشجيع الأطفال وحضّهم على المشاركة في المجالس والمراسم الدينية تُعدُّ من المسائل المفيدة جدّاً؛ لتنمية مشاعرهم الدينيّة، لكن مع مراعاة أن لا يفوق هذا النوع من البرامج طاقة الأبناء وقدرة تحمّلهم، وأن لا يجهدهم. 
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج 21، ص 474.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
158

132

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 المفاهيم الرئيسة

1. تشمل مرحلة الطُّفولة ـ عادةً ـ المرحلة الممتدّة من الولادة وحتى عمر 12-13، وترتبط التربية الدينيّة للأطفال بنوعين من الرعاية: الرعاية في مرحلة ما قبل الولادة، والرعاية في مرحلة ما بعد الولادة.
2. دعا الإسلام في تعليماته إلى الاهتمام باختيار الزوجة ومراعاة الجانب الوراثي الذي انحدرت منه المرأة، والجانب الاجتماعي الذي عاشت فيه؛ لما لهما من انعكاس وتأثير على سلوكها وفكرها.
3. دعا الإسلام إلى التقيّد بمجموعة من الآداب والسنن الشرعية، من أجل تمهيد الأرضيّة الصالحة لنشأة الجنين، من قبيل الدعاء، والصلاة، بالإضافة إلى مجموعة من المستحبّات الشرعية؛ لما لها من تأثير على سلامة الجنين وصحّته النفسيّة والجسديّة.
4. في مرحلة الحمل ينبغي الاهتمام بغذاء الأمّ وصحّتها الجسديّة والنفسيّة، من خلال حسن المعاملة، والرفق بها، وإكرامها، وتقديم يد العون لها، فإذا حسنت المعاملة معها؛ حسنت حالتها النفسيّة والروحيّة، وانعكست بالتالي على الجنين بطبيعة الحال.
5. يوجد مجموعة من الآداب والسنن الشرعية التي ينبغي مراعاتها؛ بعد الولادة كالإقامة والأذان في أذني المولود، وحسن تسميته، وختانه إن كان ذكراً، والعقيقة عنه وغيرها من المستحبّات...
6. من المسائل المهمّة في التربية: السعي لتحقيق الأنس لدى الأبناء؛ بالعبادات والوظائف الشرعيّة، عبر مشاهدة الأبناء لوالديهم وهم يؤدّون هذه الوظائف، وحثَّ الأبناء وتشجيعهم وتعويدهم على هذه الواجبات منذ الصغر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
159

133

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 للمطالعة

الأم أفضل مدرسة 
نحن مكلَّفون بالحفاظ على دين الله، بالمحافظة على الأهداف الإلهية، وإنّكنّ أيتها المؤمنات.. أيتها المخدّرات من بيوت العلماء والفضلاء: أَولى من غيركن بهذا، أنتنّ من بيت النبوّة، وجدير بكنّ المحافظة على أهداف الإسلام، لقد منّ الله تبارك وتعالى علينا بهذا اللطف، بأن نحافظ مع الله عزّ وجلّ على الدين الإسلامي: ﴿حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ﴾1. 

أيتها النساء المكرّمات: إنّكنّ مسؤولات.. نحن مسؤولون جميعاً.. إنّكنّ مسؤولات عن تربية الأبناء إنّكن مسؤولات عن تربية أبناء متّقين في أحضانكن ورفد المجتمع بهم.

نحن جميعاً مسؤولون عن تربية الأبناء، إلا أنّ الأبناء يتربّون في أحضانكن أفضل، وأحضان الأمّهات أفضل مدرسة لتربية الأبناء. إنكنّ مسؤولات تجاه أبنائكنّ، كما أنّكنّ مسؤولات تجاه بلدكنّ، وبمقدوركنّ أن تربّين أفراداً يعمّرون البلاد.. بإمكانكنّ تربية أطفال يحفظون ميراث الأنبياء، ويحقّقون أهدافهم. أنتنّ أيضاً ينبغي أن تحافظن على ميراث الأنبياء وأن تربّين محافظين عليه، والمحافظون والحراس هم أبناؤكن، فربّوا مثل هؤلاء الأفراد. 

ينبغي أن تكون بيوتكن مدارس يتربّى فيها الأبناء.. منازلكن منازل العلماء.. مهد التربية العلمية والدينية والتهذيب الأخلاقي. إنّ الاهتمام بمصير هؤلاء الأطفال يقع على عاتق الآباء والأمّهات، ومسؤوليات الأمّهات أكثر وأكبر شرفاً.. إنّ شرف الأمومة أكبر من شرف الأبوّة، والأم تؤثّر في روحية الطفل أكثر من تأثير الأب. 
إنّكنّ مسؤولات.. نحن جميعاً مسؤولون.. الله تبارك وتعالى حمّلنا المسؤولية جميعاً، 
 
 


1- الأنفال، 64

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
160

134

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

 إذ قال عزّ من قائل:َ ﴿حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ﴾، فالله تبارك وتعالى جعل المؤمنين بالإسلام والتابعين لرسوله كافين لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم.


إنّه تكليف عظيم ملقى على عاتق الجميع.. على عاتق أبناء هذه الأمة التي تتّبع الرسول. يجب أن تكون هذه العلامة: ﴿حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ﴾ ظاهرة على جباههم أيضاً: بأن يذودوا عن دين الله، ويحافظوا على الإسلام وعلى القرآن الكريم. 

أحد أعمالكنّ تربية أبناء صالحين، يجب أن يتربّى في أحضان الأمّهات إنسان، وهذا يعني أنّ أولى مراحل التربية تبدأ من أحضان الأم، لأنّ ارتباط الطفل بأمّه أكثر من ارتباطه بأيّ شيء آخر، وليس هناك رابطة أسمى من رابطة الأمومة والبنوّة. الأطفال يتعلّمون من الأم بنحو أفضل من غيرها، يتأثّرون بالأم لدرجة لا يتأثّرون مثلها لا بالأب ولا بالمعلّم ولا بالأستاذ، لهذا ينبغي أن تربّين أطفالكنّ تربية إسلامية إنسانية1
 
 
 

1- صحيفة الإمام الخميني، ج7، ص359.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
161

135

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يتعرّف على الأساليب التربوية المستخدمة في مجال التعامل مع المراهقين.
2. يبيّن دور الأهل في معالجة أزمة الهويّة والبلوغ عند المراهقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
163

136

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 مرحلة المراهقة

هي مرحلة من مراحل النمو التي تُعرف بمشاكلها وعوائقها وصعوباتها في حياة الإنسان. وليس من اليسير تحديد بداية هذه المرحلة ونهايتها حيث تتأرجح بين الطفولة والرشد، فلا هي طفولة ولا هي رشد. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على صعوبة هذه المرحلة ومدى دقّتها وحساسيّتها؛ لأنّ المراهق في هذه الأثناء يكون في حال الانفصال عن العلائق التي تربطه بحياة الطفولة من جهة، ونازعاً برغباته بشدّة نحو الاستقلال وحياة الكبار من جهة أخرى، لكنّه ليس هذا ولا ذاك تماماً. لذا، فإنّ هذه المرحلة تنطوي على جانب كبير من التصوّرات والرغبات، بحيث يرتبط قسم منها بحدود الطفولة، ويرسو قسم آخر منها عند دنيا الشباب. 

والمراهقة هي مرحلة بداية تحقّق النموّ والنضج الكمّي والنوعي عند الطفل، بشكل سريع ومتتابع، لذا تحتاج هذه المرحلة إلى رعاية خاصّة، ففي هذه المرحلة العمرية تبرز معظم المشاكل التربويّة والفكريّة والسلوكيّة، والأبناء فيها إمّا أن يتيهوا، وإمّا أن يسيروا في الطريق الصحيح نحو الكمال والرفعة الإنسانيّة. 

المراهقة والبلوغ
لا يمكن حصر مرحلة المراهقة بسنوات معيّنة؛ لأنّها تختلف باختلاف الأشخاص والمجتمعات. ويمكن تحديد بدايتها بشكل عامّ؛ باعتبارها تتزامن مع البلوغ الجنسيّ، ولكن، بحسب اختلاف الظروف الثقافيّة والمناخيّة من مجتمع إلى آخر يتعذّر تحديد بداية ونهاية واحدة لهذه المرحلة في جميع المجتمعات. كما، وأنّه يوجد اختلاف بين 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
165

137

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 العلماء على العلاقة التي تربط المراهقة بالبلوغ، فالبعض يصف المراهقة والبلوغ بمعنى واحد، ويستخدمهما باعتبارهما مترادفين، والبعض الآخر يعتبر البلوغ أوسع وأعمّ من المراهقة ويذهب إلى أنّه يشمل مرحلة الشباب ـ أيضاً. وبذلك تشتمل المراهقة عنده على مساحة محدودة من دائرة البلوغ الواسعة. ويعتقد هؤلاء أنّ البلوغ الكامل يحصل في سِنِي الشباب. في كلّ الأحوال، ينبغي النظر إلى البلوغ؛ باعتباره مرحلة تشتمل على قسم من مرحلتين؛ لأنّها تشمل السنوات الأخيرة للطفولة والسنوات الأولى للمراهقة، فإلى أن يصلوا إلى البلوغ الجنسيّ يطلق على الصغار "الصغار البالغون"، وبعد أن يصلوا إلى البلوغ الجنسيّ يُطلق عليهم تسمية "المراهق" أو "الشاب الناشئ". 


وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ البلوغ ظاهرة ذات أبعاد مختلفة. وعندنا البلوغ الجنسيّ في هذه المرحلة يكون فيها الشخص قادراً على ممارسة الوظائف الجنسية، أو قادراً على التناسل. وأمّا البلوغ النفسيّ أو ما يُعبّر عنه بالنضوج النفسيّ فهو ما يتيح للشخص القدرة على تشخيص القضايا وتمييز ما ينفعه وما يضرّه في الحياة. ويكون الشخص في هذه المرحلة قادراً على تحمّل مسؤوليّاته وواجباته الاجتماعيّة. وأمّا البلوغ الاقتصاديّ والاجتماعيّ، فهو عندما يغدو الشخص قادراً على الاستقلال والاعتماد على نفسه من الناحية الاقتصادية. وأخيراً عندنا البلوغ الشرعي وهو الذي حدّده الفقه بسن 15 سنة قمريّة للذكور وعلامات أخرى ذكرت في محلّها، كالانبات والاحتلام وقد يتحقّق ذلك قبل 15 سنة، و 9 سنوات قمريّة للإناث.

ومن هنا، ومن أجل اجتناب الغموض والإبهام، فقد تمّ حصر سِنِي المراهقة بين سنّ 13 إلى 18 عاماً. والجدير بالذكر، أنّ البعض ذهب إلى أنّ هذه المرحلة يمكن أن تمتد إلى سن 22 عاماً. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الفتيات يدخلن سنّ البلوغ عادة أبكر من الفتيان بسنة إلى سنتين، لذا فإنّهنّ يجتزن هذه المرحلة أبكر من الفتيان. وعليه، يمكن حصر سنوات المراهقة بالنسبة لهنّ بين سنّ 11 إلى 16 عاماً. مع الالتفات إلى أنّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
166

138

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 مرحلة البلوغ تارة تبدأ في وقت مبكّر، وتارة أخرى يمكن أن تتأخّر، وتُسمّى هذه الحالة بالبلوغ المبكّر والبلوغ المتأخّر.


خصائص المراهقة
ينبغي النظر إلى مرحلة المراهقة باعتبارها مرحلة هامّة للغاية في الحياة؛ مرحلة تتميّز بخصائصها عن جميع المراحل الأخرى للحياة. ويمكن أن نوجز هذه الخصائص بالتالي:

1. مرحلة الخوف والاضطراب:
إنّ المراهق ناشئ يتقدّم كيانه البدنيّ والنفسيّ والعقليّ بسرعة فائقة، ومظاهر النموّ بصورها المختلفة تجذب المراهق إلى النظر والتفكير في مستقبله المرتقب. لهذا، فإنّ خياله في هذه الفترة واسع وخصيب، وإدراكه وتعقّله قد لا يسعفه في ضبط خياله وتحديد آماله. ومن هنا، تكثر مخاوفه وتتنوّع، بقدر ما يبتعد الواقع عن الصورة المشرقة التي يريدها لنفسه ويرسمها في خياله. لذا تأتي المخاوف المتّصلة بشكله ومظهره الجديد، وبالحياة المدرسيّة والتعليميّة، والحياة الأسريّة والعائليّة، بالإضافة إلى الأمور الصحّيّة والاقتصاديّة؛ لتثير مشاعر الخوف والاضطراب في نفسه، فهو في نهاية المطاف يدخل في مرحلة جديدة بالكامل، ولكن بخبرة ووسائل ضعيفة.

1. مرحلة البحث عن الهويّة:
بعد أن يطوي الإنسان مرحلة طفولته، يواجه أزمة الهوية، حيث تجول في ذهنه وفكره أسئلةٌ متعدّدة، ويكون في صدد العثور على إجاباتها. إذ يسأل المراهق نفسه: ما معنى الحياة؟ ومن أكون؟ ولماذا أحيا؟ وإلى أين أمضي؟ وكيف ولماذا ينبغي أن أمضي؟ وهل يوجد حياة أخرى بعد الموت؟ فإن كان نعم، فما هي طبيعتها؟
من هنا يعتريه القلق حيال والديه؛ إذ هل يقبلان به بما هو عليه؟! هل هو عزيزٌ عليهم؟ وهل يريان له شأناً ومنزلةً أم لا؟ وتحيطه الهواجس تجاه مكانته في المجتمع، وما نوع
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
167

139

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

  الرابطة التي تربطه بالمجتمع؟ ماذا يتوقّع المجتمع منه؟ وما هو دورُه ووظيفتُه في المجتمع؟


ومن الناحية الاعتقادية، يصبح ما يحمله من قيمٍ وآدابٍ وتقاليدَ سابقةٍ محلّ تشكيك واستفهام. فيسأل: لماذا ينبغي أن أكون مسلماً؟ وكوْن الإنسان مسلماً؛ ماذا عليه من واجباتٍ وأفعال؟ ومن هو المسلم؟ وإذا كان الله عادلاً لماذا تحدث الواقعة الفلانيّة؟
يصل أحياناً هذا النوع من الأسئلة إلى أوَجهِ، فتضطرب حياة المراهق بالكامل؛ فيتحدّى كلّ شيءٍ وكلّ شخص.

وعندما يجد المراهق الأجوبة الشافية على أسئلته تبدأ رؤيته الكونيّة وهويّته بالتشكّل، وفي حال لم يلقَ أجوبةً شافية على هذه التساؤلات، سيكون أسير الإحساس بالخواء، والغربة عن الذّات، والوحدة، وفقدان السند والملاذ، وعدم القدرة على إرساء علاقاتٍ سليمةٍ مع الآخرين. وهذه الوضعية بالنسبة للمراهق خطرةٌ جدّاً، وتجعله أسير أزمة الهويّة.

2. مرحلة البلوغ:
البلوغ يشبه الزلزال، فهو يجعل كافّة وجود المراهق مهتزّاً، فيُخرج ذخائرَ وجوده الكامنة، ويضعه في ظروفٍ جديدةٍ وغير معلومة. وكأنَّ المراهق يتعرّف مع ظاهرة البلوغ على عالم جديد، وتُفتَح أمام ناظريه آفاقٌ جديدة. إنّها مرحلة التكوين والخلق، حيث تأتي مرحلة البلوغ لتفصل المراهق بطفرةٍ عن كلِّ ما يتعلَّقُ بعالم الطُّفولة. وكأنَّه يولد من جديد، ومع هذه الولادة الثَّانية، يكتسبُ حماساً ونشاطاً جديدين، ويسيرُ في طريقٍ جديد، إلا أنَّ هذه الولادة الثانية لا تخلو من مشقَّةٍ وعذاب.

إنّ الرغبات الغريزية، وعلى رأسها الميل الجنسيّ، والميول العاطفية؛ تجذبه كلَّ حينٍ إلى ناحيةٍ، وتُخلّ من توازنه النفسيّ. ومن جهةٍ أخرى تجعله يواجه مختلف أنواع تردّده وحيرته بقلّة المسؤوليّة، ومن بين هذا كلّه يتلمّس المراهق الحيرة والغموض. فهو للمرّة الأولى يختبر وضعية مثل هذه، ولا يجد في نفسه المقدرة الكافية على مواجهة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
168

140

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

  هذه الصراعات الداخلية.


من هنا، فإنّ المراهق يفقد توازنه النفسي؛ نتيجة أقلّ مثير. فهو يقلق من نظرة الآخرين تجاهه، وخاصّة الأقارب، ومن هم في مثل سنّه، بحيث تتقلّب حالاته الرّوحية جرّاء تصرّفاتهم وتعاطيهم وحُكمهم عليه. وهذه التقلّبات والتغيّرات المستمرّة والتي تكون أحياناً عميقة، تُتعبه وتُضعفه وتسلبه الصبر والقدرة على التحمّل. لذا، فهو يهيج ويثور عند مواجهة أقلّ المحن، ويكون هذا الفوران والهيجان وسيلته للتنفيس عمّا في قلبه من تعب. وعليه فإنّ التمرُّد والرفض والغضب من الحالات الظاهرة لهذه المرحلة العمرية.

وتمتدّ تحوّلات مرحلة البلوغ وتقلّباتها إلى ما يقارب 3 سنوات، وهي تشمل عند الفتية عمر 13-16، وتكون عند الفتيات أقل بسنة أو سنتين تقريباً. وتعدّ هذه المرحلة العمريّة أكثر مرحلةٍ في حياة الإنسان مليئة بالأزمات، حيث يحتاج فيها المراهق إلى رعاية ومراقبة أكثَر؛ حتى يطويها بسلامة.

3. مرحلة البحث عن الاستقلاليّة والحرّيّة: 
يعيش الإنسان في مرحلة الطُّفولة دائماً ملتصقاً بأمِّه وأبيه وتحت رعايتهما وحمايتهما. ولكن مع ظهور البلوغ والتغيّرات الجسمانيّة عند المراهق تبرز رغبته لتحقيق شخصيَّته واستقلاليَّته؛ متوقّعاً أن لا ينظر الآخرون إليه كطفلٍ، وأن يثمِّنوا شخصيَّته وفكْرَه وعمله.

إنّ كلّ تعاطٍ يُظهره الأقارب تجاه المراهق، بحيث لا يُعزِّز لديه الشخصيّة المطلوبة، ولا يمنحه قيمة ومكانة؛ يواجهه المراهق بردود فعلٍ نفسيّة خفيَّةٍ وعلنيَّةٍ، وأحياناً من الممكن أن ينتهيَ به الأمرُ إلى ردَّات فعلٍ عنيفة أو سلوكيّاتٍ غير لائقة، وحتى ضدّ مجتمعه.

وحين يرى المراهق أنّ الآخرين لا ينظرون إليه نظرة إنسان مستقلٍّ وبالغ، ولأجل أن يُبرز وجوده، ويُظهر استقلاليّته وشخصيّته، من الممكن أن يقوم بأفعالٍ غير لائقة؛ كي يلفت نظر الآخرين. وتتفاوت هذه الحالة عند المراهقين الذين يعانون عقدة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
169

141

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 الحقارة، أو الذين حُرمِوا في مرحلة الطُّفولة من التربية الصحيحة.


التربية الدينيّة في مرحلة المراهقة
التربية هي تعهّد نمو الشيء مرحلة بعد مرحلة حتى يبلغ تمام نموّه وكماله. والتربية الدينيّة السليمة فقط، يمكنها أن تُنجي المراهق من اللامبالاة والضياع والحيرة التي تفرضها مرحلة المراهقة، وأن تُقدِّم فلسفةً واضحةً لحياته، وأجوبةً شافيةً عن أسئلته الأساس، وتُرشده إلى كيفية تلبية احتياجاته العاطفيّة بالطرق الصحيحة والشرعية. فهو في ظلِّ هذه التربية، يعثر على مكانته الأصليّة في عالم الخَلق، ويطّلع على شخصيّته الحقيقية ويعتزّ بها، ولا يخضع لذُلِّ الذنوب والمعاصي.
بالإضافة إلى أنّ إحراز الإيمان الدينيّ، يُساعد المراهق على الوصول إلى السكينة الروحيّة التي هي من احتياجات هذه المرحلة وضروريّاتها، ويُسكِّن من اضطراباته.

ويقع أساس التربية الدينيّة والأخلاقيّة للمراهقين على عاتق الأسرة. فلا بدّ للأسرة من أن تهتمّ بتثبيت العقائد الصحيحة في ذهن المراهق قبل أن يمتلئ بالعقائد المنحرفة والباطلة، إذ يقول الإمام الصادق عليه السلام: "بادروا أحداثَكُم بالحديث قبل أن يسبِقكم إليهم المرجئة1"2.

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لمّا نزلت ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾3 قال النّاس: كيف نقي أنفسنا وأهلينا. قال أي الرسول صلى الله عليه واله وسلم: اعملوا الخير، وذكّروا به أهليكم، وأدّبوهم على طاعة الله"4
 
 
 
 

2-1- أصول الكافي، ج6، ص 47.
3- التحريم، 6.
4- مستدرك الوسائل، ج12، ص201.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
170

142

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 وظائف الوالدين التربويّة والدينيّة

إنّ المراهق ـ كما ذكرنا ـ يطوي بالتدريج سنّ الطفولة الهادئ، ويفد إلى سنّ المراهقة المنفعل، ويمرّ بمجموعة من التغييرات النفسيّة والعضويّة وهو بذلك يشعر على أثرها أنّه ينتقل بسرعة إلى مكانة ومركز اجتماعيّ جديد، ولأنّ أسرته هي أقرب خليّة اجتماعيّة إليه فهو يتوقّع وينتظر منها أن تحسن معاملته وتتفهّم أحواله وظروفه الجديدة. من هنا تقع على عاتق الوالدين المسؤوليّة الأكبر إن لم نقل الكاملة في رعاية المراهق وتربيته في هذه المرحلة الحسّاسة من عمره. ولأنّ مرحلة الأحداث من أكثر المراحل العمرية تقبّلاً للتربية فقد أولى الإسلام اهتماماً بالغاً بهذه المرحلة العمرية، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "عليك بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ خير"1. ويمكن أن نلخّص أهمّ وظائف الوالدين في هذه المرحلة بالتالي: 

1. تعريف المراهق على شموليّة الدين: 
لا ينبغي للأمّ والأب أن يتركا ابنهما المراهق وحيداً في ما يتعلّق بمعالجة المسائل الفِكريّة الخاصّة بمرحلة المراهقة، وإيجاد الأجوبة على الأسئلة الأساس، بل ينبغي لهما أن يساعداه بأسلوب منطقيّ على معالجة مسائله.

وعندما يكون الأب والأمّ نفسهما من أهل الإيمان والعلم، فهما يُنوّران ذِهن ولدهما بالمعارف الضروريّة من خلال تعريفه على العقائد السليمة، والمعارف الحقّة والتباحث معه ومناقشته بشأنها. فإن كانا لا يملكان المقدرة واللياقة الكافيتين للقيام بهذا العمل، فمن الأفضل أن يُوكلا هذه المهمّة إلى شخصٍ يكون موضعَ ثقةٍ وعارفاً بالمسائل الفكريّة والاعتقاديّة؛ لينهل منه الابنُ المراهق الأجوبةَ الشافية على أسئلته. ولا ينبغي أن يُترك الأبناء من دون الإجابة على أسئلتهم المحقّة. 
 
 
 

1- الكافي، ج8، ص93.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
171

143

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 إنّ النضوج العقلي للمراهق يدفعه إلى التفكير بجدّيّة في العالم المحيط به؛ بقصد تحصيل المعرفة التي هو بأمسّ الحاجة إليها. فتفكير المراهق ليس محصوراً بأمور الدنيا، بل يشمل المسائل الدينيّة التي تلحّ على عقله، وتطلب منه تفسيراً واقعياً عن التوحيد والخالق، والغاية من خلق الإنسان، وأصل النشأة الإنسانيّة وكيفيّتها، وقضايا البعث والحساب والجنّة والنار، وغيرها من المباحث الدينيّة. 


إنّ وظيفة المربّين التربويّين في هذا المجال تكمن في تعريف الشابّ على معارف الدّين الأصيلة، وأن يضعوا في متناوله المعارف اللازمة في مجالي أصول الدّين وفروعه. وينبغي على الشاب اغتنام هذه الفرصة، وتعميق اطّلاعاته عن الدين، ومطالعة الكتب المعتبرة في معرفة الدِّين، والتدبّر في القرآن ومعارفه.
من وصايا الإمام علي عليه السلام إلى ولده محمد أنّه قال له: "تفقّه في الدين، فإنّ الفقهاء ورثة الأنبياء".1

وقد جمع الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أولاده وإخوانه ذات يوم، وقال لهم: "إنّكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلّموا العلم، فمن يستطع منكم أن يحفظه؛ فليكتبه وليضعه في بيته"2.

وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام ـ أيضاً: "لست أحبّ أن أرى الشابّ منكم إلا غادياً في حالين؛ إمّا عالماً أو متعلّماً"3.

ومن الأمور المهمّة ـ أيضاً ـ في هذه المرحلة العمرية أن يقوم الأهل بتعويد أولادهم الأحداث على تلاوة القرآن والأنس به، فإنّ القرآن يختلط بدمه ولحمه، ويترك أثراً في كافّة وجوده. وهذا هو معنى كلام الإمام الصادق عليه السلام: "من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه"4. فمن المهمّ أن يكون القرآن في هذه الفترة 
 
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج1، ص216.
2- م. ن، ج2، ص152.
3- م. ن، ج1، ص170.
4- وسائل الشيعة، ج2، ص140.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
172

144

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 العاصفة من عمر الأبناء؛ ملاذاً لهم في فترات الضيق والمشاكل التي سوف تعترض حياتهم الجديدة.


ولا بدّ للشابّ المؤمن أيضاً أن يتعلّم العلوم العصريّة إلى جانب العلوم الدينية، وأن لا يكون أمّيّاً بها. فتعلّم العلوم العصريّة، إضافة إلى أنّه يساعد على تفتّح الاستعدادات، يساعد أيضاً على تنمية القوى العقليّة، وتجزئة القضايا وتحليلها بنحوٍ أفضل، ويمنع الشَّاب من السُّقوط في وادي الجهل والخرافات. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: "من تعلّم في شبابه كان بمنزلة الرَّسم في الحجر"1.

1. ترغيب المراهقين بالأعمال العباديّة:
من الأمور التي تؤثِّر في تقوية الإيمان: العبادة والدعاء. فعندما يكون الشاب في صدد تربية نفسه إسلاميّاً، يجدر به أن يُولي العبادة والدعاء أهمّيّة خاصّة، وأن يُخصّص ساعة لنفسه في الليل والنهار؛ لكي يناجي فيها ربّه، ويجلي قلبه ويصفّيه.

جاء عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بحقّ الشاب المؤمن: "إنّ أحبّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ شابٌّ حدث السّنّ، في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته؛ ذلك الذي يُباهي به الرحمان ملائكته، يقول: عبدي حقّاً"2.

فحينما يترعرع الشابّ في ظلّ عبادة الله وعبوديّة الحقّ، وفي حال ارتبط بالله في مرحلة شبابه وبثّه مكنونات قلبه؛ عندها ستزداد درجاته المعنويّة؛ كالصَّلاة، والصَّوم، وأمثالهما، ولكن من دون استعمال أسلوب الأوامر والنواهي والتسلّط، بل بالترغيب، واللطف، والمحبّة، وأحياناً بالهدية والجائزة على أداء الصَّلاة أو الصَّوم.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "يؤدّب الصبي على الصوم ما بين خمس عشرة سنة إلى ستة عشرة سنة"3
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج1، ص222.
2- أعلام الدين، ص120.
3- وسائل الشيعة، ج10، ص237.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
173

145

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 فالصلاة التي هي عبارة عن ارتباط الإنسان قلبيّاً بخالِقه، تسهم بدورٍ بنّاء في التربية الروحيّة والأخلاقيّة للمراهق، حيث إنّ المراهقين الذين يُصلّون، يحرزون أساساً روحيّاً ومعنويّاً وقيميّاً. المراهقون المصلّون عندما تصدر منهم الزّلّات والهفوات، وبسبب علاقتهم بالصلاة، يُمكنهم بسهولة أن يتراجعوا عن هفواتهم وأن يُطهِّروا أنفسهم.


2. القدوة والأسوة الحسنة:
من الخصائص المهمّة لمرحلة المراهقة؛ هي ظاهرة المحاكاة، فالمراهق يُدقّق في خصوصيّات الوالدين وسلوكيّاتهما، ويحاول محاكاتها والاتّصاف بها في حياته الشخصيّة. من هنا، فإنّ فشل الأبناء في أُسرهم في العثور على الصفات والخصال التي تُرضيهم في أبويهم سوف يدفعهم للّجوء إلى الآخرين؛ ليقتبسوا منهم الخصال والصفات التي يرغبون بتقليدها ومحاكاتها في حياتهم. 

لذا، على الوالدين من أجل سلامة المراهق النفسيّة والنموّ الصحيح والمتوازن لشخصيّته؛ أن يسعوا إلى الاتّصاف بالصفات الشخصيّة الإيجابيّة والمحبَّبة عند أولادهم المراهقين. بعبارة أخرى عليهم أن يستعدّوا مسبقاً لهذه المرحلة، ويزيلوا ما أمكنهم من النواقص والعيوب في شخصيّتهم، ويبدلوها بصفات وخصال متوازنة وناضجة؛ ليكونوا بذلك قدوة وأسوة حسنة لأولادهم في المستقبل.

وبموازاة هذا الأمر، على الأهل أن يقدّموا لأولادهم الصورة المشرقة والناصعة للقدوة الحقيقية التي ينبغي أن تُتّبع في هذه الحياة. فعندما نقرأ أو نسمع قصّة حياة أحد العظام أو الصالحين، سوف ينتابنا شعور بالفرح والتأسّي بشكل عفوي، وحالة من الإعجاب تهزّ كياننا، فيتولّد لدينا أثر ذلك رغبة شديدة بالاتّصاف بالصفات المعنوية والشخصيّة لدى الشخص المعني. فقد كان للنماذج الأخلاقيّة في المجتمع دور الأسوة المحرّكة للبشريّة والباعثة على السمو والارتقاء الإنساني والمعنوي في الحياة على 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
174

146

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 مرّ العصور والأزمان. ولقد كان وما يزال الشبّان والمراهقون هم الفئة الأكثر تأثّراً وتفاعلاً مع مفهوم التأسّي والاقتداء بالنماذج الإنسانية السامية في الحياة. والإسلام أكّد على هذه الحاجة من خلال الآية الكريمة: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾1.


لذا، ينبغي إطلاع المراهقين على النماذج المشرقة في الحياة التي يُمكن أن تترك أثراً على فكرهم وسلوكهم، وهذا الأمر معين للأهل ومساعد لهم في مجال تربية الأبناء وتعليمهم. من قبيل إطلاعهم ـ مثلا ـ على شخصيّة الإمام علي عليه السلام وهو أول فتى في الإسلام، أو إسماعيل ذبيح الله عليه السلام ، أو يوسف عليه السلام ذلك المثل الأعلى في العفة والطهارة ومحاربة النفس والشهوة، أو داود عليه السلام ذلك البطل الذي قهر جالوت وهو لم يتجاوز الثالثة عشر عاماً، أو فتية أصحاب الكهف، وغيرهم الكثير من النماذج المشرقة في هذه الحياة. 

3. الدعم المعنوي للمراهق:
إنّ المراهق يرغب بشدّة في أن يُعيره الآخرون اهتمامهم ويحترمونه ويكرّمون شخصيّته. وتُعدّ هذه الحالة نوعاً من أنواع التدريب على تكوين الشخصيّة؛ استعداداً للاستقلال عن الأسرة، والاعتماد على الذات في المستقبل. لذا، فالأسرة التي تتفهّم هذه الحاجة، وتسعى إلى الاستجابة لها هي أقلّ تصادماً مع أبنائها المراهقين، وأكثر انسجاماً وتكيّفاً معهم خلال هذه المرحلة الحسّاسة. فمن الحاجات الأساسية للمراهق: شعوره بأنّه شخص مقبول في الأسرة، وله مكانته الهامّة لدى الوالدين.

4. هامش من الحرّيّة:
يجب إعطاء المراهق قدراً من الحرّيّة في حياته، كي يتعلّم كيف يُسيّر شؤونه في المستقبل. ولكن في الوقت ذاته، ينبغي رعايته عن قرب، والمبادرة إلى تنبيهه وتحذيره 
 



1- الأحزاب، 21.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
175

147

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 من السقوط فور ملاحظة بوادر الغفلة أو الانحراف لا سمح الله. لذا، ينبغي أن تترافق الحرّيّة مع المراقبة أثناء عمليّة التربية. فلا الحرّيّة المطلقة التي يُطالب بها المراهق مقبولة، ولا القيود الشديدة التي يضعها الأهل أحياناً صحيحة ومجدية أيضاً من الناحية التربويّة، بل الطريقة المثلى هي الموازنة بين الأمرين. 


5. النظر من زاوية المراهق:
يُفتَرض بالأُسَر أن تنظر إلى أبنائها خلال مرحلة المراهقة من زاوية أخرى تختلف عن نظرة سني الطفولة لديهم، والتعامل معهم على أساس التغييرات والتطوّرات الجديدة الحاصلة في شخصيّتهم. فالطريقة السائدة عند الأهل في التعامل مع المراهق أن ينظروا إلى القضايا من منظارهم الخاصّ بهم، وأن يحاكموهم على أساس هذه النظرة. في حين أنّ الطريقة التربويّة الصحيحة تقتضي أن يضع المربيّ نفسه مكان المراهق ويحاول أن يرى الأمور من منظاره ومقياسه. وهذه العمليّة ليست سهلة، ولكنّها في الوقت ذاته ليست مستحيلة، وتحتاج إلى بذل مزيد من الاهتمام والعناية بالمراهق؛ لبلوغ الهدف.

6. الانسجام بين الوالدين: 
من أكبر المشكلات التي يعاني منها المراهق هي اختلاف الوالدين، وعدم انسجامهما مع بعض. فما يُقلِق المراهق ويزعجه هو: التنافر والخلاف، واضطراب العلاقة بين الأبوين. وبالعكس، فإنّ أكبر مصدر للسعادة والراحة والاستقرار بالنسبة للمراهق هو: عند سيادة المودّة والانسجام بين الوالدين. لذا، ينبغي على الأهل بذل الوسع في تحسين العلاقة بينهما على الأسس الشرعيّة والأخلاقيّة؛ لينعم المحيط العائلي بالدفء والسلام المطلوب؛ لبناء روابط عائليّة سليمة. فالأبناء يرون سعادتهم وشقاوتهم من نافذة علاقة أحدهما مع الآخر. إلّا أنّ ـ للآباء لجهة رئاستهم للأسرة ـ الدور الأكبر والأهمّ في خلق التفاهم والانسجام داخل المحيط العائلي. روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله لَيُفلِحُ بفلاح الرّجل المؤمن وُلْدَهُ ووُلْدَ وُلْدِهِ، ويحفظه في دوَيْرتهِ ودُوَيْرَاتٍ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
176

148

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 حوله، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله، ثمّ ذكر الغلامين فقال: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾1، ألم تر أنّ الله شكر صلاح أبويهما لهما"2.


7. ملء أوقات الفراغ:
يجب على الوالدين أن يملئا أوقات فراغ أبنائهما المراهقين بالبرامج التربويّة المناسبة، ومن جملتها: البرامج الرياضية. في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله يُبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ"3، وإنّ يعمدوا إلى تمضية بعض الوقت معهم في الليل أو النهار؛ وأن ينفّذوا معاً برامج مشتركة قدر الإمكان؛ كقراءة حديث من نهج البلاغة، وتفسير آيةٍ من القرآن، ونقْل ذكرى جميلةٍ من مراحل الحياة، وغيرها...

8. العشرة الصالحة:
يساهم الأصدقاء بنسبة عالية في تشكّل شخصيّة الشباب الدينيّة والأخلاقيّة. فما أكثر الشباب الذين انحرفوا إثر مجالستهم أصدقاء السّوء، حيث يقولون بعد إدراكهم لخطئهم واشتباههم: ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾4. وقد جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"5.

وإنّ خوف المراهق من العزلة قد يدفعه للانخراط في أوساط مجموعة من الزملاء والأقران غير المناسبين، وربما الخطرين ـ أيضاً ـ، كلّ ذلك من أجل التغلّب على مشاعر العزلة، والنبذ الاجتماعيّ، أو لأجل إثبات الذات. من هنا، ينبغي على الأبوين مراقبة علاقات المراهق الاجتماعيّة، خصوصاً من ناحية صداقاته، بالإضافة إلى توعية أبنائهم على كيفيّة إقامة علاقات صحيحة وسليمة مع الآخرين، وكيفيّة انتخاب الأقران. 
 
 
 

1- الكهف، 82.
2- بحار الأنوار، ج13، ص312.
3- الكافي، ج5، ص84.
4- الفرقان، 28.
5- مستدرك الوسائل، ج8، ص327.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
177

149

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 المفاهيم الرئيسة

1. المراهقة مرحلة تتأرجح بين الطفولة والرشد، وهي مرحلة من النموّ تُعرَف بمشاكلها وعوائقها وصعوباتها الكثيرة، وليس من اليسير تحديد بدايتها ونهايتها بشكل دقيق. 
2. لا يمكن حصر مرحلة المراهقة بسنوات معيّنة؛ لأنّها تختلف باختلاف الأشخاص والمجتمعات. ويمكن تحديد بدايتها بشكل عامّ؛ باعتبارها تتزامن مع البلوغ الجنسيّ.
3. مرحلة المراهقة مرحلة هامّة للغاية في الحياة، وهي مرحلة تتميّز بخصائصها عن جميع مراحل الحياة الأخرى، منها: القلق، والبحث عن الهويّة، والحرّيّة، والبلوغ. 
4. لأنّ مرحلة الأحداث من أكثر المراحل العمرية تقبّلاً للتربية؛ فقد أولى الإسلام اهتماماً بالغاً بهذه المرحلة العمرية، وجعل العبء الأكبر من هذه المسؤوليّة يقع على عاتق الأهل.
5. من الوظائف الأساسية المُلقاة على عاتق الأهل تعريف الأبناء على المعارف الدينيّة والإلهيّة، وفتح باب المعرفة أمامهم؛ لينهلوا منه ويتزوّدوا. بالإضافة إلى الأمور العباديّة ـ أيضاً.
6. على الأهل أن يصنعوا لأولادهم الأنموذج والقدوة الصالحة التي ينبغي أن يُحتذى بها في الحياة؛ لتكون لهم عصمة وملاذاً من الوقوع في فخّ الانبهار بالآخر غير الصالح.
7. يحتاج المراهق إلى الدعم المعنويّ، وإلى إعطائه فسحة من الحرّيّة؛ ليبدأ برسم معالم تجربته وبناء شخصيّته المستقبلية؛ بالاعتماد على نفسه.
8. ينبغي الحرص على ملئ وقت الفراغ لدى المراهق بالأمور النافعة في الحياة، ومراقبة صداقاته؛ والأشخاص الذين يعاشرهم بهدوء ورفق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
178

150

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 للمطالعة

رسالة الأمومة المقدّسة
إنّ عفّة النساء هي في الدرجة الأولى من الأهمية، لأنّ عفّة النساء تسري إلى هؤلاء الأطفال الذين في أحضانهن. إنّ المقدار الذي يسري للأطفال من عفّة النساء وشرفهن، لا يتحقّق في المدارس. فتعلّق الأطفال بأمّهاتهم لا نظير له في ارتباطهم بالآخرين، فما يسمعونه من فم الأم يبقى راسخاً في قلوبهم. ولا يبقى راسخاً لديهم ما يأخذونه من أشخاص آخرين. فإذا كانت الأمّهات أمّهات ذوات فضيلة وعفّة فإنهنّ سيرفدن المجتمع أولاداً ذوي فضيلة وشرف. والأولاد ذوو الفضيلة والشرف يصلحون البلد. فإصلاح الدول رهن بكنّ. رهن بكنّ أيتها الأمّهات. خراب وإعمار الدول تبع لكنّ. إنّكنّ إذا قدّمتن للمجتمع شباباً ذوي فضيلة، شباباً نشؤوا في أحضانكن على الفضيلة فإنّ بلدكنّ سيصلح ويعمر وسيتمّ إنقاذه من يد الأجانب.

وأمّا إذا لم يَدَعُوا أطفالكن ليبقوا في أحضانكن، واستدرجوكن، وأخذوا أطفالكن إلى الدور التي ترعى الأطفال، فإذا ما ابتعد الطفل عن أمّه فإن العقدة ستظهر فيه. إنّ الطفل الذي لا يكون تحت رعاية الأم ولا يشعر بمحبّة الأم فإنّه سوف يشعر بالعقدة. وهذه العقد منشأ جميع المفاسد. فالسرقات تنشأ من هذه العقد، وجرائم القتل تنشأ من هذه العقد، والخيانات تنشأ من هذه العقد. وهذه العقد تظهر عندما يبتعد الطفل عن أمّه. الطفل اللطيف الرقيق سريع التأثّر وبحاجة لمحبّة الأم، فيؤخذ من أمّه ليكون تحت تربية أشخاص غرباء عنه، ولا يعقل أن تكون محبّة شخص غريب لهذا الطفل كمحبّة أمه، فتتمّ تربية الطفل هناك، وبذلك تنشأ العقد. 

إنّ جميع المفاسد التي تظهر في البلد أو أكثرها إنّما تنشأ من هذه العقد. لقد عملوا على تطبيق هذه المسألة عملياً، بأن يفصلوا الأطفال عن أحضان أمّهاتهم ويقوموا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
179

151

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

 بتربيتهم في مكان آخر. لقد خدعوا النساء إذ أصبحن يقلن: لمَ نجلس في البيت ونُربِّي الأطفال؟ بل يجب أن ننزل إلى المجتمع، يجب أن نذهب إلى كذا. بيد إنّه لو كان هدفهم سليماً لما كان هناك إشكال كبير في البين، ولكن نواياهم سيئة 1

 
 
 

1- صحيفة الإمام الخميني، ج7، ص321.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
180

152

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يتعرّف على أهمّ القواعد التربوية المعتمدة في مجال تهذيب الغريزة الجنسيّة.
2. يشرح كيفيّة بناء ثقافة جنسيّة سليمة عند الأبناء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
181

153

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 إنّ الميل الجنسيّ غريزةٌ غرستها يد الخالق في وجود الإنسان؛ لضمان بقاء النسل. وهذا الميل يكون ضامراً في مرحلة الطفولة، ويظهر تدريجياً في حياة الإنسان؛ ليبلغ أوجه في مرحلة المراهقة. والأطفال لا يخلون من الميل الجنسيّ، وهم يحتاجون في هذا المجال إلى التربية والمراقبة الجدّيّة. 


فالغريزة الجنسيّة تُعدّ واحدة من أقوى الغرائز الحيويّة لدى الإنسان، وتتّسم هذه الغريزة المودعة في النفس الإنسانيّة منذ الولادة بحالة من الهدوء والسكينة حتى بلوغ سنّ المراهقة. ولكنّها تبدء بالتفتّح والتفاعل شيئاً فشيئاً مع دخول مرحلة المراهقة، إلى أن تستولي في مقطع من هذه المرحلة على كيان المراهق ومشاعره بالكامل، ليجد نفسه عاجزاً عن مقاومة نوازعها وكبح جماحها. ومع بروز هذه الغريزة، فمن الطبيعي أن يرافقها بعض العقبات والمشاكل. وهنا، تقع على الوالدين مسؤوليّة كبيرة جدّاً في العمل على رفع هذه العوائق التي قد تعترض طريق أبنائهم في هذه المرحلة العمريّة الحسّاسة.

فدور الوالدين مشترك في تربيّة أطفالهما تربيةً جنسيّةً، ولكن أحياناً يكون دور الأمّ مقدّماً بالنسبة إلى البنت، ودور الأب مقدَّماً بالنسبة إلى الابن. وفي هذا المجال تُقدِّم المدرسة التربويّة في الإسلام بعض السبل والطرق للتوعية الجنسيّة وتهذيب الغريزة الجنسيّة.

وفي ما يلي سوف نُقسّم الكلام إلى موردين: الأوّل: في التربية الجنسيّة للأطفال. والثاني: في التربية الجنسيّة للمراهق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
183

154

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 التربية الجنسيّة للأطفال

في مرحلة الطفولة، وقبل سنّ المراهقة تكون الغريزة في حالة كمون وثبات، ولكنّها تعتبر مرحلة مهمّة جدّاً في تشكّل الوعي الجنسيّ لدى الطفل. فهذا الوعي إمّا أن يحصل من الطرق الصحيحة ووفق الأصول والأسس الدينيّة والتربويّة السليمة، وإمّا من خلال طرق غير تربويّة وغير أخلاقية؛ فتكون عواقبها ـ عادة ـ مؤذية ومهلكة ـ أحياناً ـ، خصوصاً على مرحلة المراهقة التي تليها. فمرحلة الطفولة هي مرحلة مفصليّة وتأسيسيّة لما بعدها من المراحل اللاحقة. من هنا، على الأهل أن يتقيّدوا بمجموعة من التوجيهات والتعاليم الدينيّة والتربويّة؛ لتفادي الوقوع في المحذور. من هذه الأمور التي ينبغي مراعاتها والإلفات إليها: 

1. الحياء:
ينبغي للأمّ والأب أن يُراعيا في شؤون الحياة العائليّة كافّة أصل "الحياء"، وأن يُهيّئا البيئة المناسبة لتربية أولادهما تربية صحيحة وإسلامية من خلال المحافظة على الحياء في المحيط العائليّ، حيث تُراعي الأمّ اللباس الإسلاميّ في حدّه المعقول أمام الأولاد أو أمام محارمهم من إخوتهنّ أو آبائهنّ؛ من أجل إزالة أيّ نوعٍ من العوامل الممهّدة للخطأ والانحراف بين الأبناء. فاللباس غير المناسب والمنافي لآداب الحشمة والستر والمثير للشهوة يستلزم النضوج المبكّر للميول الجنسيّة عند الطفل. حتى أنّه لا ينبغي للأب أن يرتدي لباساً غير مناسب في البيت أو أن يُبقيَ أجزاءً من جسمه عارية كذلك.

2. عدم استخدام الألفاظ البذيئة: 
على الوالدين أن يُراعيا في كلامهما الأدب واللياقة وحسن الأخلاق، وأن يتجنّبا استخدام ألفاظٍ وكلمات تشير بأيّ نحو إلى مسائل تتعلّق بالجنس، وأن يمتنعا عن نقل أيّ قصص أو طرائف تتعلّق بالأمور الجنسيّة، ولو عن طريق المزاح واللعب. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
184

155

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 3. الفصل بين الفتية والفتيات:

ينبغي الفصل بين الأبناء الذكور والإناث عند الاستحمام، وعلى الأمّ أن لا تساعد ابنها في الاستحمام بعد أن يبلغ الأربع سنوات. وهذا الأمر ينطبق ـ أيضاً ـ على الآباء في ما يتعلّق ببناتهم. لذا على الوالدين أن يعلّما أولادهما من عمر أربع سنوات أن يستحمّوا بأنفسهم. وأن يثابرا على هذا الأمر لمدّة، حتى لا يحتاجون في هذا المجال إلى أهلهم إذا ما بلغوا سنّ التمييز. 

كما على الأهل أن يفصلوا فراش الصبيان عن البنات من بعد عمر سبع سنوات. ولا ينبغي للوالدين أن يدعا أولادهما يبيتون معهما في غرفة واحدة من بعد هذه المرحلة العمريّة. روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين"1.
وعنه صلى الله عليه واله وسلم أيضاً: "الصبيّ والصبيّ، والصبيّ والصبيّة، والصبيّة والصبيّة، يفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين"2.
وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: "يفرّق بين الغلمان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين"3.

كلّ هذه الدّقّة في الإسلام؛ لأنّ الميل الجنسيّ عند الإنسان لديه أرضيّة خصبة؛ للتحرّك، والتي إذا ما توفّرت دوافع تحريكه وفورانه، فلن يكون الحدّ من الانحرافات الناجمة عنه عملاً سهلاً يسيراً على الإطلاق.

4. عدم المبيت في فراش واحد بحضور الأبناء:
ينبغي للوالدين أن يُعلّما أبناءهما أن يطرقوا الباب ويستأذنوهما عندما يدخلون عليهما في غرفتهما. وينبغي أن تكون علاقة الأمّ والأب في محضر الأولاد خاليةً تماماً 
 
 
 

1- بحار الأنوار،ج 101، ص96.
2- وسائل الشيعة، ج20، ص231.
3- مكارم الأخلاق، ص223.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
185

156

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 من التلميحات الجنسيّة. ولا ينبغي لهما في محضر الأولاد أن يبيتا في فراشٍ واحد، وإذا لم يكن لديهما غرفة نوم مستقلّة ينبغي لهما أن يستفيدا من فراشين مستقلين. فقد جاء في الروايات الإسلاميّة وصايا تؤكّد ضرورة اجتناب الأب والأمّ ممارسة العلاقة الزوجيّة تحت مرأى الأطفال ومحضرهم.

روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي امرأته وفي البيت صبيٌّ مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما؛ ما أفلح أبداً؛ إن كان غلاماً كان زانياً، أو جاريةً كانت زانية"1.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً: "لا يُجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبيّ؛ فإنّ ذلك ممّا يورث الزنا"2.

وينبغي الالتفات إلى هذه المسألة أكثر في حال لم تكن غرفة نوم الأطفال منفصلة عن غرفة نوم الوالدين. فعدم التفات الوالدين واحتياطهما في مثل هذه الحالات ـ غالباً ـ ما يُنتج مشاكل تربويّة جدّيّة وخطيرة.

5. الحدّ من التماس الجسديّ مع الأطفال:
على الأهل أن لا يدعا الأطفال من سنّ ستّ سنوات وما فوق (خاصّة الأولاد من الجنس المخالف) والذين بلغوا سنَّ التمييز أن يبيتا في فراشهما، وأن تتلاصق أجسامهما شبه العارية بأجساد أولادهما، وإذا أرادت الأمّ لضرورة ما أن تبيّت ابنتها في فراشها، ينبغي لها أن ترتدي لباساً يمنع من التماس الجسديّ المباشر مع ابنتها.

وينبغي للوالدين أن يتجنّبا بشدّة تحسّس ومداعبة الأعضاء الجنسيّة لأولادهم؛ لأنّ لهذا الفعل آثاراً غير ملائمة تبرز في مرحلتي المراهقة والشباب.

وطبقاً للروايات الإسلاميّة، لا ينبغي للرجل الذي هو غير محرم أو الطِّفل الصبيّ 
 
 


1- وسائل الشيعة، ج20، ص133.
2- م.ن، ص132.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
186

157

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 أن يُقبّل فتاة الستّ سنوات أو أن يحضنها. والمرأة التي هي غير محرم لا ينبغي لها أن تُقبِّل الصبيّ الذي سنّه سبع سنوات. عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا بلغت الجارية الحرّة ستّ سنين فلا ينبغي لك أن تقبّلها"1.


بناءً عليه، ينبغي عند ملاطفة الأطفال الذين بلغوا سنّ التمييز (أي حوالي الستّ سنوات) أو عند التحدّث معهم واحتضانهم مراعاة الحدود والضوابط الشرعيّة الأخلاقيّة.

6. المراقبة الدائمة لعلاقات الأبناء:
لا ينبغي أن تخرج علاقات الأولاد فيما بينهم عن مراقبة الكبار، ولا يصحّ للأمّ أن تترك أولادها بمفردهم. بل يجب مراقبة العلاقات بين الأولاد، وخاصّة بعد عمر الخمس والستّ سنوات، وعمر مرحلة التعليم الأساسيّ. وينبغي إظهار المراقبة الكافية؛ كي لا يقع الأولاد في علاقات مشبوهة وبعيدة عن الأنظار. فإنَّه ـ للأسف ـ، وبسبب سذاجة الأهل وعدم علمهم وخاصّة الأمّهات، يكون الأولاد ـ أحياناً ـ مورد استغلال مِنْ قِبَل مَنْ هم أكبر سنّاً؛ فيحرفونهم، فمن الممكن أن يلوّث ولدٌ واحدٌ منحرف عشرات الأولاد الآخرين ويحرفهم.

على الآباء أن لا يعتبروا أبناءهم مبرّئين عن هذه المسائل وأن لا يغفلوا عن هذا الخطر، بل ينبغي أن يضعوا دائماً في بالهم احتمال أن ينجرّ ابنهنّ غير البالغ إلى هذا النوع من الانحرافات. 

فينبغي ـ مثلاً ـ مراقبة الأبناء؛ لكي لا يقيموا بقدر الإمكان صداقات مع المراهقين الذين يفوقونهم عمراً نسبياً. وفي العلاقة مع الأقارب ينبغي ـ أيضاً ـ إظهار المراقبة اللازمة والاطمئنان من صحّة هذه العلاقات وسلامتها.

كما يلزم الحؤول دون تردّد الأولاد إلى منازل الأصدقاء والجيران وحتى الأقارب بعيداً عن مراقبة الأهل الجدّيّة. وهذه المسألة تُعتبر أهمّ بالنسبة للفتيات اللواتي
 
 
 

1- م.ن، ص230.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
187

158

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

  يتضرّرن أكثر في مثل هذه الحالات.


كذلك، ينبغي أن لا تكون علاقات الإخوة والأخوات في البيت الواحد بمنأىً عن مراقبة الوالدين. فكونهم محارم قد يحدّ من مقدار هذا الميل الجنسيّ، ولكن لا يزيله. لذا، لا يمكننا بالاستناد إلى كونهم محارم أن نريح بالنا ونمتنع عن المراقبة، ولدينا تجارب مريرة في هذا المجال غالباً ما تكون ناشئةً من عدم ملاحظة الوالدين واطّلاعهما.

فللأسف تغفل بعض العائلات عن أهمّيّة هذه المراقبة؛ لأسباب عديدة، كالانشغالات الحياتيّة وهمومها، أو الثقة الزائدة بالأبناء فلا يخطر ببالهم أنّ ابنهم معرّض في أيّ لحظة للسقوط. وهذه النظرة المبنيّة على حسن الظنّ المفرِط صادرةٌ عن انعدام البصيرة، وغفلة الأبوين عن القيام بوظائفهما تجاه أبنائهما. لذا ينبغي للوالدين أن يكون لديهما معرفة كاملة بعلاقات أبنائهما وصداقاتهم.

7. النوم والاستراحة:
ينبغي أن يتعلّم الأبناء أن يرتدوا لباساً مريحاً عند النوم، وأن تكون ساعات نومهم منظّمة وأبكر من ساعة نوم والديهم، وأن يضعوا رؤوسهم وأيديهم خارج اللحاف، ويتجنّبوا النوم على بطونهم. ومن المهمّ أن يعتاد الولد على ترك مخدعه بعد أن يستيقظ مباشرة ولا يتمرّغ فيه.

8. التبوّل والنظافة:
ينبغي أن يعتاد الأولاد منذ مرحلة الطُّفولة أن يقضوا حاجتهم كلّما شعروا بالحاجة للتبوّل، وأن يعتادوا الذّهاب إلى الحمّام كلّ ليلة قبل النوم. لأنَّ حبس البول؛ ينتج عنه ضررٌ جسماني، ويُسبّب في بعض الموارد تحريكاً للشهوة والميول الجنسيّة.كما أنّ للنظافة أثراً مهمّاً جدّاً أيضاً لا ينبغي الاستهانة به. فمن الثابت أنّ المحافظة على نظافة الأعضاء التناسليّة ومجاري إدرار البول تسهم بشكل أساس في الحدّ من الانحرافات الجنسيّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
188

159

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 9. تعليم غسل الجمعة:

من الإجراءات المتعلّقة بالتربية الجنسيّة والتي هي في الواقع مقدّمةٌ لورود دنيا البلوغ والمراهقة؛ مسألة تعليم الأغسال. وبداية هذا التعليم يكون بغسل الجمعة. من خلال ترغيب الأهل أولادهم على غسل الجمعة، وبيان درجة ثوابه وفوائده بلغةٍ بسيطة وقابلة للفهم. ومن الأفضل أن يشرعوا بهذا الأمر من سنِّ التَّاسعة وما بعده. على أن يتولّى الأب تعليم ابنه، والأم تعليم ابنتها.

10. تعليم مفهوم المَحْرم وغير المَحْرم:
يمكن للوالدين أن يُعلّما أولادهما مفاهيم المحرم وغير المحرم من عمر ستّ سنوات وما فوقه، وأن يُهيِّئاهم لذلك. والوالدان أنفسهما هما أفضل أنموذج في تبيان مصاديق المحرم وغير المحرم أمام الأولاد، فهم في علاقاتهما وتعاطيهما مع مختلف الأفراد، ينبغي أن يُلقّنا أولادهما درساً عمليّاً في مجال تحديد المحارم من غير المحارم من الأفراد.

التربية الجنسيّة للمراهقين
أ- طرق إشباع الغريزة عند المراهق:
لمّا كانت الغريزة الجنسيّة في مرحلة المراهقة تُشكّل واحدة من أقوى الغرائز وأكثرها فعاليّة في شخصيّة الإنسان؛ لذا، فإنّ المسائل المتّصلة بها تبرز بشكل أوسع وأكثر جلاءً من القضايا الأخرى. فالغريزة الجنسية شأنها شأن العطش والجوع وسائر الحاجات الأخرى، تدفع المراهق إلى النشاط والفعاليّة والسعي؛ من أجل الإشباع والإرضاء. ولأنّ موعد البلوغ الجنسيّ عند الأحداث عادة ما يحصل قبل البلوغ النفسيّ والتهيّؤ اقتصاديّاً لمسألة الزواج؛ بمعنى أخر يحلّ موعد شعور المراهق بالحاجة إلى الإشباع الجنسيّ قبل النضوج النفسيّ والماديّ، فلا يجد المراهق أمامه إلا طريق من 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
189

160

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 الطرق التالية:


1. أن يقوم المراهق بكبح جماح انفعالاته الغريزيّة، ويقوم بتجنّب العوامل المهيّجة والمثيرة، ويؤجّل الاستجابة لهذه الحالة إلى حين أوانها المناسب بالشكل الذي يُرضي الله وينسجم مع الفطرة، وهو ما يوصي به الإسلام ويؤيّده الشرع. ولكنّ هذا الحلّ كما لا يخفى من أصعب الطرق وأعقدها، ويتطلّب تنفيذه تدابير شرعيّة وتربويّة خاصّة به.

2. الطريق الأخر هو: "الإشباع الذاتي" الذي يتنافى وأهداف الشرع والخِلْقَة الإنسانيّة والغريزة الجنسيّة نفسها، ويعدّ نوعاً من الظلم بحقّ النفس، واعتداءً وتعدّياً على الشرع والمعايير الإنسانيّة. وتُسمّى هذه الحالة اصطلاحاً أيضاً بـ "الاستمناء".

3. الأسلوب الثالث هو انجذاب المراهق إلى الجنس المماثل. وهو يتنافى أيضاً مع مبادئ الدين والأخلاق والفطرة الإنسانيّة. ويُعدّ انتهاكاً لفلسفة خِلْقَة الجنسين ودورهما في الحياة، ويبعث على القلق، والاضطراب، وفقدان التوازن النفسيّ، ويستتبعه انحرافات سلوكيّة وأخلاقيّة كما لا يخفى. 

4. الطريقة الرابعة والأخيرة هو: ميل المراهق وانجذابه إلى الجنس الآخر، وبطبيعة الحال إنّ أيّ علاقة في هذا المجال خارج إطار العقد والزواج الشرعيّ يُعدّ عملاً محرّماً ومرفوضاً؛ دينيّاً وأخلاقياً، ولها انعكاسات سلبيّة وكبيرة جدّاً على البنية الأخلاقيّة والإسلاميّة للمجتمع. وإذا ما شاعت الفاحشة بشكل واسع في المجتمع، فإنّها تعرّض الأركان الأساسيّة فيه؛ كالأسرة، والمعايير القيميّة السائدة فيه ـ أيضاً ـ إلى الانهيار، وتؤدّي بالنتيجة إلى شيوع التحلّل الخُلُقي والإباحيّة الجنسيّة.

وعلى الرغم من أنّ ضبط النفس والتعفّف الذي هو الطريق الأوّل أمر ممكن وعملي، ولكنّه معقّد وصعب، لذا أكثر المراهقين لا يلتزمون به، والذي يلتزم به هم أولئك المراهقون المؤمنون الذين يتمتّعون بإرادة قويّة وبخلفيّة دينيّة وتربويّة متينة. فإذا انهارت إرادة المراهق وعجز عن السيطرة على نفسه وكبح جماحها أمام نوازع الغريزة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
190

161

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 الطافحة؛ فإنّه سينجرف بطبيعة الحال إلى واحد من الطرق المنحرفة. من هنا، فإنّ مسؤوليّة توجيه المراهق وتربيته وتعليمه حتى يتخطّى هذه المرحلة بأمان وسلام هي مسؤوليّة كبيرة وثقيلة جدّاً، ويتحمّل الأهل القسم الأكبر منها. فما هي إذن، وظائف الآباء تجاه أبنائهم في هذه المرحلة العمرية الحسّاسة والمصيرية؟


ب- وظائف الأهل تجاه المراهقين:
بالإضافة إلى ما ذكرناه من الوظائف المرتبطة بتربية الأطفال وتوعيتهم الجنسيّة، نضيف إليها بعض الأمور الخاصّة بفئة المراهقين العمرية، والتي ينبغي على الأهل العناية بها والوقوف عندها، منها:

1. الدعم العاطفيّ للمراهق: 
إنّ العلاقات العاطفيّة القويّة، وإرساء حالةٍ من الأنس والأُلفة مع الأولاد، والحؤول دون بروز الحرمان العاطفيّ، وكبت مشاعر المحبّة؛ تُعتبر كلّها من العوامل الأساسيّة في تعديل الميل الجنسيّ. فالإحساس بالوحدة، وفقدان الملاذ، واليأس، والقنوط، والإحساس بالحقارة، وفقدان الكرامة والاعتبار؛ كلّها عوامل تُمهّد للانحرافات الجنسيّة عند الأبناء. لذا، ينبغي حثّ الوالدين على إقامة علاقات عاطفيّة صميميّة مع أبنائهم المراهقين، وربطهم بهم من خلال علاقات إيجابيّة قائمة على أساس الانسجام والثقة المتبادلين. فالمراهق إذا شعر بالكفاءة، وتمّ إكرامه أكثر، وشعر بأنّ شخصيّته محترمة؛ فسوف تتولّد لديه الثقة بنفسه، فيتشجّع على توظيف قدراته وطاقاته بالاتّجاه السليم والبنّاء. أمّا إذا أُهين ونُبذ؛ فإنّه سينطوي على نفسه، ويهدر طاقاته باتّجاهات غير سليمة. 

2. تقوية الروح الإيمانيّة والمعنويّة:
إنّ العامل الأكثر تأثيراً في التحكّم بالميل الجنسيّ عند الأبناء هو تقوية الوازع الإيماني والديني وتنميته أكثر فأكثر في نفوسهم. فقد أظهرت التجربة أنّه لا يوجد 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
191

162

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 أيّ عامل في هذه المرحلة العمرية بموازاة الإيمان الدينيّ قادر على التحكّم بالنفس والإمساك بزمامها. فالإيمان الدينيّ يُوجِد قوّة معنويّة لدى الأولاد والمراهقين؛ تُمكّنهم من أن يطووا مسار هذه المرحلة بِحُلْوِها ومرّها، وأن يصمدوا برغبة وإرادة باطنيّة في مواجهة مشاكل المرحلة، والتي من جملتها تلبية الحاجة الجنسيّة.


فالمراهق يميل بشدّة إلى أن يُطفئ ظمأه النفسيّ من خلال التزوّد من معين المعنويّات والإيمان. فالمعنويات بالنسبة له تُعدّ بمثابة الشهد اللذيذ الذي يملأ حياته بالحيويّة والنشاط والاستقامة. لذا، ينبغي العمل على تقوية التربية الإيمانية والمعنوية وتعزيزها في نفس المراهق، وتعزيز بنائه الأخلاقيّ والدينيّ بالشكل الذي يمكن أن يُحصّنه من عوامل الانحراف والجنوح الخلقيّ والسلوكيّ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾1، فعلى أولياء الأمور المبادرة في سِنِي المراهقة الأولى إلى التحدّث مع أبنائهم حول مكانة الصلاة وأهمّيّتها، وكذلك أهمّيّة العبادات الأخرى، ويشرحوا لهم كيف تُساعد هذه العبادات على مكافحة المحرّمات والآثام، وأن يجتهدوا في توثيق علاقتهم وارتباطهم بالله تعالى لأنّها الحصانة الوحيدة والحقيقية التي تحول دون الوقوع في فخّ الفساد الأخلاقيّ، وتُعدّ سلاحاً فعّالاً جدّاً في مكافحة مظاهر الرذيلة والانحراف.

3. توجيه المراهق نحو الأهداف السامية:
من المسائل المهمّة في التربية الجنسيّة الصحيحة للمراهقين مسألة تعديل ميولهم الجنسيّة. فإذا لم يتمّ تعديل هذه الميول؛ فإنّ كافّة اهتمامات المراهق ستنصبّ عليها، وسيعزف عن الدرس وسائر الأنشطة المختلفة، وسيقع يوماً بعد يوم في انحرافات جديدة. لذا، فإنّ تغيير اتجاه الطاقات النفسيّة للمراهق من الأهداف
 
 
 

1- العنكبوت، 45.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
192

163

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

  الجنسيّة وتوجيهها نحو الأهداف والمجالات الأخرى؛ الفكريّة، والاجتماعية، والفنّيّة، والرياضيّة، وغيرها من الأمور النافعة يُعدّ من أكثر الأساليب التربويّة فعاليّة ونجاعة؛ لأنّها تصرف اهتمام المراهق وتشغله عن غريزته.


4. تقوية الإرادة لدى المراهق:
إنّ من أكثر الحالات شيوعاً في أوساط المراهقين هي شعورهم بالعجز التامّ، وضعف إرادتهم إلى درجة أنّهم لا يلبثون عند تصميمهم على ترك بعض الأعمال غير اللائقة، حتى يعودوا إليها بعد فترة وجيزة، وهذا ما يولّد اليأس والإحباط في نفوسهم، فيرى المراهق نفسه كأنّه يصارع دون أن يعرف سبيلاً محدّداً للنجاة. من هنا، ينبغي العمل على تقوية إرادة المراهق وتعزيزها ليقوى على المواجهة والثبات في وجه طوفان الغريزة الجارف. فالإرادة؛ كالنبتة الصغيرة؛ بحاجة إلى رعاية لحين إيصالها إلى مرحلة التفتّح وإنتاج الثمار؛ فهي قابلة لأن تنمو وتتعزّز مع الوقت. والإرادة، فضلاً عن التقوية والرعاية، بحاجة إلى التربية أيضاً؛ بمعنى أن نعمل على تنشئة المراهق وتعليمه أساليب تقوية الإرادة بشكل عملي. وهناك أساليب عديدة لتقوية الإرادة:

- يأتي على رأسها الإحساس بالحضور والمراقبة الإلهية الدائم وما يُعزِّز هذا الإحساس توجيه المراهق إلى حبّ العبادة وذكر الله والموت والآخرة وقراءة القرآن والدعاء وحضور المساجد وزيارة القبور.
- ترسيخ روحية الالتزام والمواظبة في النفس من خلال المثابرة على الأعمال والبرامج الشرعية. 
- تربية المراهق على روحيّة إتمام الأعمال التي يشرع بها حتى النهاية؛ فإنّ إتمام العمل مهما كانت نتائجه أفضل بكثير من تركه ناقصاً دون إتمام؛ لأنّ من شأن ترك العمل قبل إتمامه أن يُضعف من إرادة الإنسان ويزلزلها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
193

164

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 - ومن الأمور المفيدة جداً في تقوية الإرادة هو التذكير والتلقين الدائم للنفس على قاعدة: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾1


5. ملء وقت الفراغ:
يتمتّع الأولاد والمراهقون بطاقةٍ عاليةٍ جدّاً، ينبغي بذلها على نحوٍ سليم، ولا ينبغي كبتها وتخزينها داخلهم. لذا، لا بدَّ أن يُفكّر الأهل بحسب إمكانيّاتهم بتدابير معيّنة لملء أوقات فراغ أولادهم بأشياء مفيدة ونافعة، خاصّة خلال أيام العطلة. فالفراغ يولّد لدى المراهقين الشعور بالحيرة والقلق، ويدفعهم عن قصد أو غير قصد وبالتدريج إلى البحث عن كلّ ما يمكن أن يشغلهم ويقضي على رتابة عيشهم وحياتهم. فما أكثر المراهقين الذين لجأوا إلى أساليب منحرفة؛ بسبب افتقادهم لبرامج مفيدة يملأون بها أوقات فراغهم القاتلة. إنّ واحدة من أهمّ الطرق لوقاية المراهقين من الانحراف تكمن في توظيف طاقتهم الفكريّة والجسديّة بالأعمال والنشاطات المفيدة. 

6. إبعادهم عن كل ما يثير الشهوات:
من الإعلام والمشاهد والمقروء والمسموع كالتلفزيون، والانترنت، والمجلّات والجرائد والكتب، التي فيها سمٌّ قاتل يُحفّز ويُنبّه شهوات المراهق.

7. الرعاية والاهتمام الخاصّ بالمراهقات:
إنّ الانحرافات الأخلاقيّة والسلوكيّة تتّسم بطبيعتها بخاصّيّة معقّدة. وإنّ الأسباب والدوافع الباعثة على سلوك مسالك الجنوح والانحراف من المسائل التي يعجز المراهقون عن تشخيصها ومعرفة العواقب السلبيّة التي تترتّب عليها. ورغم أنّ جميع المراهقين عرضة للانحرافات الأخلاقيّة والسلوكيّة إلّا أنّ الإناث منهم أكثر قابليّة للتضرّر في هذه الحالات؛ لسببين أساسين: 
 
 
 

1- البقرة، 269.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
194

165

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 الأوّل: تكوينهم الجسديّ والجسميّ من ناحية الشكل وضعف القوة والقدرات البدنية بالقياس إلى الذكور.

الثاني: اتّسامهم بدرجة أكبر من الانفعال والتأثّر العاطفيّ في التعامل مع المسائل.
لذا، ينبغي على أولياء الأمر إيلاء أهمّيّة خاصّة وكبيرة للمراهقات، واتّخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليهنّ ووقايتهنّ من الانحرافات الأخلاقيّة والسلوكيّة. فلا يُترَكن لوحدهنّ ـ مثلاً ـ في المنزل لفترات طويلة، ولا ينبغي الوثوق كثيراً بالمراهقين الشبّان من الأهل والأقارب؛ البعيدين والقريبين، أو بالأشخاص الذين يرتبطون مع الأسرة بعلاقات وزيارات عائليّة، وينبغي اتّخاذ الاحتياطات الأخلاقيّة والنفسيّة الضروريّة في هذا المجال؛ كي لا يُصَبن بأضرار نفسيّة وجسديّة يصعب جبرانها في ما بعد.

2. التحذير والوقاية من العادة السرية:
إنّ الإسلام بوصفه ديناً قائماً على أساس الفطرة الإنسانيّة، ينظر إلى هذا النوع من الممارسات باعتبارها خروجاً عن الطبيعة الإنسانيّة؛ لما لها من مضاعفات سلبيّة وخطيرة على الجسد، حيث إنّها تُصيبه بالضعف والعجز، وتُعجّل من الشيخوخة، وتُؤثِّر على النفس ـ أيضاً ـ لما يستتبعها عادة من شعور بالذنب، والعصبية، والقلق، وضعف التركيز الفكريّ والعقليّ، ومن شرود الذهن، وغيرها من الآثار السلبيّة. والعادة السرّيّة تُعتبر من الشذوذ الجنسيّ المحرَّم شرعاً في الإسلام والمعاقب عليه وفاعله ملعون، كما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "ناكح الكف ملعون"1.

وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أتى برجل عَبثَ بذكره، فضرب يديه حتى احمرَّتْ ثمّ زوّجه من بيت المال"2
لذا، يجب إلفات نظر المراهقين - إناثاً وذكوراً - إلى الآثار السلبيّة والسّيئة لهذه العادة، والعواقب التي تترتّب عليها. 
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج101، ص30.
2- وسائل الشيعة، ج18، ص 574.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
195

166

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 المفاهيم الرئيسة

1. تعدّ الغريزة الجنسيّة من أقوى الغرائز الحيويّة لدى الإنسان، وتتّسم هذه الغريزة المودعة في النفس الإنسانية منذ الولادة بحالة من الهدوء والسكينة لحين سنّ المراهقة.
2. بروز الغريزة الجنسيّة يرافقها الكثير من العقبات والمشاكل. وتقع على الوالدين مسؤولية كبيرة في العمل على رفع هذه العوائق التي قد تعترض طريق المراهق في هذه المرحلة العمريّة الحسّاسة.
3. تُقدِّم المدرسة التربويّة في الإسلام بعض السُّبُل والطرق للتوعية الجنسيّة، ويمكن أن نُقسّم عملية التوعية إلى محورين: الأوّل: في التربية الجنسيّة للأطفال. والثاني: في التربية الجنسيّة للمراهق.
4. من المبادئ التي ينبغي العمل عليها في مرحلة الطفولة: غرس بذور الحياء في نفوس الأطفال، وعدم استخدام الألفاظ البذيئة،و الفصل بين الفتية والفتيات، والحدّ من التماسّ الجسديّ مع الأطفال، والمراقبة الدائمة لعلاقات الأبناء، بالإضافة إلى تعليمهم مفهومي الحلال والحرام.
5. إنّ طرق إشباع الغريزة عند المراهق متعدّدة، ينبغي الحذر من عدم وقوع الأبناء المراهقين في الطريق المنحرف والمنافي للفطرة والأخلاق الإنسانية.
6. من المبادئ التي ينبغي العمل عليها في مرحلة المراهقة: الدعم العاطفيّ الخاصّ للمراهق، تقوية باعث الإيمان والمعنويات في نفسه، وتوجيه المراهق نحو الأهداف السامية، وتقوية باعث الإرادة في نفس المراهق، والوقاية من الوقوع في فخ الملل القاتل وآفّة العادة السرّيّة المهلكة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
196

167

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 للمطالعة

التربية الإسلامية الأصيلة
(الأبناء) عليكم أن تربّوهم على الأخلاق الإنسانية والأخلاق الإسلامية وأن توجّهوهم نحو الله تعالى وأن تجنّبوهم الفساد الموجود في المجتمعات المنحطّة. عليكم أن تُذكّروهم بأنّهم لو تربّوا تربية إسلامية- إنسانية فإنّ هذا سعادة لهم وسعادة لبلدهم. يجب عليكم أن تربّوهم على الاحتراز عن الطبيعة المنحطّة التي تشدّ الإنسان نحو الانحطاط والتي تتمثّل في حبّ الجاه وحبّ المال وحبّ المنصب. 

يجب أن تُبعدوهم عن هذه الأشياء التي هي من صعوبات طريق الإنسان والتي تمنع رقيّه. وضّحوا لهم أنّ الإنسان طالما كان منصرفاً إلى عالم الطبيعة هذا فإنّه ليس إنساناً، هؤلاء الذين كل همّهم الحصول على شي‏ء وأن يكون لديهم الحياة الرغيدة والمسائل المادية، في النهاية سيكون وضعهم كحيوان كل همّه في حاجاته المادية، يجب عليكم أن توضّحوا لهم أنّ الحياة هي الحياة الشريفة فقط. الحياة الإنسانية هي الحياة الشريفة. 

يجب عليكم أن تمنعوهم عن عبادة غير الله سبحانه وأن تُربّوهم على عبادة الله تعالى. وإذا دخل الإنسان المجتمع من طريق عبادة الله أو أنه نظر إلى الأمور من طريق العبادة ومن خلال هذه القناة، فإنّ جميع أعماله تصبح إلهية.

إذا قَبِل الإنسان عبادة الله فقط واحترز عن سائر الأشخاص، إذا دخل من خلال قناة عبادة الله في الدنيا وفي الطبيعة فإنّ كل عمل يقوم به هو عبادة لأنّ المبدأ هو عبادة الله سبحانه. لقد لاحظتم أنّه في القرآن الكريم وأيضاً في الصلاة عندما تصلّون تُقدّمون عبادة النبي لله على رسالته (عبده ورسوله)، عبداً قبل أن يكون رسولًا. ومن الممكن أن يكون هذا الأساس إشارة إلى أنّه من خلال العبودية وصل إلى الرسالة. تحرّر من كل شي‏ء وصار عبداً، عبداً لله وليس عبداً للأشياء الأخرى.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
197

168

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

 هناك طريقان لا أكثر، إمّا عبودية الله وإمّا عبودية النفس الأمّارة، هذان هما الطريقان. أن يتحرّر الإنسان من عبادة الآخرين ويقبل عبودية الله- الذي يليق أن يكون الإنسان عبده- فإنّ الأعمال التي يقوم بها ليس فيها انحراف أي لن يرتكب انحرافاً متعمّداً.

جميع الانحرافات الموجودة في الناس - سواء كانت في العقائد أم في الأعمال المنحرفة أم الأقلام المنحرفة أم الأحاديث المنحرفة - كلها لأنّها لم تمر من قناة العبودية لله، ولأنّهم عبيد للأهواء النفسية1
 
 
 

1- صحيفة الإمام الخميني، ج‏14، ص34.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
198

169

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء 

 

 

أهداف الدرس
على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:
1. يتعرّف على أهمّيّة التربية الاجتماعيّة ومدى تأثيرها على شخصيّة الطفل.
2. يشرح أهمّ الموارد التي ينبغي العمل عليها لتعزيز ثقافة الأبناء الاجتماعيّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
199

170

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 أهمّيّة التربية الاجتماعيّة للأبناء

إنّ الحاجة إلى الغير والتأثّر به تبدأ مع الإنسان منذ أن يكون جنيناً إلى أن يموت. فالإنسان يكتسب الوجود بتأثير من والديه، ثمّ يتأثّر بأخلاقهما وأخلاق أخوته وأقربائه وجيرانه وأصدقائه، ثمّ يدخل في خضم المجتمع؛ فيتأثّر بالمدرسة، والمعلّم، وسائر أعضاء المجتمع؛ بحسب درجة ارتباطه بهم.

فجميع الأعمال والسلوكيّات التي تصدر منّا في مراحل الصغر والصبا، وحتى مرحلة الشباب والكبر أيضاً برغم ما لنا من استقلال في الفكر والإرادة والعمل؛ تتأثّر لا محالة بالمجتمع والحياة الاجتماعيّة. والإنسان بهدف تلبية حاجته الأساسيّة والضرورية مضطرّ إلى الحياة ضمن المجتمع، كما وأنّ كثيراً من أبعاد الإنسان الوجودية لن تزدهر إلّا في ظلّ هذه الحياة الاجتماعيّة. 

ولأنّ الإنسان يسعى في الحياة لضمان السعادة لنفسه، ويحاول بشتّى السبل إشباع رغباته، وهذا ما لا ينسجم مع أسلوب الحياة الاجتماعيّة، ولأنّ من الناس من لا يرتدي ثوب الفضيلة ولا يتحلّى بالأخلاق والملكات الإنسانيّة، ومن لا يتقيّد بالضوابط والقوانين؛ لذا، فإنّه من الصعوبة بمكان تجنّب الصدام، والنزاعات والخلافات.

من هنا كان لا بدّ من وجود قواعد وقوانين في المجتمع، تضطّر جميع أفراده إلى تنظيم أعمالهم وسلوكيّاتهم على أساسها، وبناء حياتهم الجماعية على أساس تلك القوانين. كما، وإنّ الحياة الاجتماعية، وإن كانت بحاجة إلى القانون، ولكنّها بحاجة أيضاً إلى الأخلاق أكثر؛ لأنّ الأخلاق تعطي الحياة طابعاً إنسانيّاً، وترفع من مستوى العلاقات الاجتماعيّة، وتساعد الإنسان على اقتحام العقبات، وتجعله حريصاً على
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
201

171

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

  حقوق الآخرين ورعاية مصالحهم. 


ولأنّ الطفل سوف يخرج من رحم هذا المجتمع وينمو فيه في ظلّ ارتباطه بالآخرين، ولأنّها أفضل مرحلة عمرية للتعلّم وأنسبها؛ لذا، كان من الضروري العمل على تنشئة الأبناء منذ سنيّ طفولتهم الأولى وتربيتهم تربية اجتماعيّة سليمة؛ أساسها التحلّي بالانضباط والأخلاق الفاضلة، حتى يأنسوا بها، ويتجنّبوا التحلّل منها في المستقبل. وفي ما يلي سوف نذكر بعض هذه الآداب والقواعد الاجتماعيّة التي ينبغي أن تحكم علاقة الأبناء مع محيطهم: 
الوقوف بوجه الظلم والظالمين

من أهمّ المبادئ التربويّة التي ينبغي تنشئة الأبناء عليها وغرسها في نفوسهم منذ نعومة أظافرهم؛ هو: الحساسيّة المفرطة من الظلم والظالمين. فالإسلام لا يرتضي أن يقف المسلم مكتوف الأيدي تجاه الحوادث الواقعة من حوله، بل يأمر الإسلام أتباعه بالتفاعل مع الأحداث والظروف المحيطة به وعدم تجاهلها. وتُمثّل قضية الظلم واحدة من أهمّ هذه المسائل التي لا يرتضي الإسلام بالتغافل عنها على الإطلاق؛ لما لها من تأثير عميق على المجتمع، وصناعة الأفراد فيه بشكل قويّ وكبير.

لذا، ينبغي أن يكون للمسلم موقف حاسم وقوّي من الظلم، فهو على الدوام خصيم الظالم ونصير المظلوم؛ كما قال الإمام علي عليه السلام في وصيّته لولديه الحسن والحسين عليهما السلام: "كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً"1. وهذا هو المبدأ الأساس الذي ينبغي أن يشبّ عليه أبناؤنا منذ الصغر، فتكون علاقتهم بالظلم منذ البداية قائمة على أساس العداوة والبغضاء؛ انطلاقاً من قول الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم: ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾2، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾3
 
 


1- نهج البلاغة، الخطبة 47.
2- الأنعام، 21.
3- هود، 113.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
202

172

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 من هنا، فإنّ الحرص الحقيقي على الأبناء يبدأ من خلال إشعار قلوبهم الرفض للظلم والظالمين، وإنّ المحبّة الحقيقية لهم تتجلّى انطلاقاً من تنشئتهم وتربيتهم على هذا المبدأ الاجتماعي الهامّ جدّاً؛ لكي يعرفوا عواقبه ومخاطره من جهة؛ فلا يقعوا في الظلم أبداً. 


ومن جهة أخرى، ليأخذوا منه موقفاً حاسماً منذ بداية الطريق حتى لو تتطلّب الأمر منه بذل روحه وحياته والشهادة من أجل إقامة الحقّ. قال الله تعالى واصفاً حال الظالم وعاقبته: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾1. ولا يخفى على أحد أنّ تربية الأبناء على هذا المبدأ التربويّ لها آثار لا تطال فقط الجنبة الشخصيّة لهم، بل يمتدّ تأثيرها الإيجابي إلى المجتمع ككلّ أيضاً.

الإحسان إلى الوالدين
لقد عُدّ مقام الوالدين في الثقافة الإسلاميّة بعد مقام الله عزّ وجلّ، وجاءت الوصية بهما بعد الوصية بعبادة الله، وعدم الشرك به. قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾2. وقد تكرّرت هذه الوصية في آيات أخرى3.

ويكفي في بيان أهمّيّة مقام الوالدين ما روي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال: "النظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادةٌ"4. وهذا راجع إلى الجهد الذي يبذله الوالدان في تربية الطفل، والمشقّة التي يتحمّلانها من أجله، دون أن يكون لهما طمع بشيء يبذله الطفل لهما، وعلى الخصوص الأمّ التي قال الله تعالى بشأنها في كتابه الكريم: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾5
 
 
 

1- الفرقان، 27.
2- البقرة، 83.
3- النساء، 36. الأنعام، 151. الإسراء، 24.
4- وسائل الشيعة، ج6، ص205.
5- الأحقاف، 15.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
203

173

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 من هنا، فإنّ الحرص الحقيقي على الأبناء يبدأ من خلال إشعار قلوبهم الرفض للظلم والظالمين، وإنّ المحبّة الحقيقية لهم تتجلّى انطلاقاً من تنشئتهم وتربيتهم على هذا المبدأ الاجتماعي الهامّ جدّاً؛ لكي يعرفوا عواقبه ومخاطره من جهة؛ فلا يقعوا في الظلم أبداً. 


ومن جهة أخرى، ليأخذوا منه موقفاً حاسماً منذ بداية الطريق حتى لو تتطلّب الأمر منه بذل روحه وحياته والشهادة من أجل إقامة الحقّ. قال الله تعالى واصفاً حال الظالم وعاقبته: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾1. ولا يخفى على أحد أنّ تربية الأبناء على هذا المبدأ التربويّ لها آثار لا تطال فقط الجنبة الشخصيّة لهم، بل يمتدّ تأثيرها الإيجابي إلى المجتمع ككلّ أيضاً.

الإحسان إلى الوالدين
لقد عُدّ مقام الوالدين في الثقافة الإسلاميّة بعد مقام الله عزّ وجلّ، وجاءت الوصية بهما بعد الوصية بعبادة الله، وعدم الشرك به. قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾2. وقد تكرّرت هذه الوصية في آيات أخرى3.

ويكفي في بيان أهمّيّة مقام الوالدين ما روي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال: "النظر إلى الوالدين برأفة ورحمة عبادةٌ"4. وهذا راجع إلى الجهد الذي يبذله الوالدان في تربية الطفل، والمشقّة التي يتحمّلانها من أجله، دون أن يكون لهما طمع بشيء يبذله الطفل لهما، وعلى الخصوص الأمّ التي قال الله تعالى بشأنها في كتابه الكريم: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾5
 
 
 

1- الفرقان، 27.
2- البقرة، 83.
3- النساء، 36. الأنعام، 151. الإسراء، 24.
4- وسائل الشيعة، ج6، ص205.
5- الأحقاف، 15.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
203

174

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 فالتنشئة التي ينبغي أن يتربّى عليها الطفل ويتعلّمها منذ الصغر في كيفيّة معاشرة الوالدين، ينبغي أن تكون هي نفسها تلك التي وصّى بها الإسلام الملتزمين بتعاليمه وأحكامه في آيات القرآن والأحاديث الشريفة، حيث أمر باحترام الوالدين والتواضع لهما: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾1، وبرّهما، وبذل المعروف لهما على الدوام: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾2، حتى قال الله تعالى مبيّناً عظمة النبي يحيى عليه السلام وتقواه: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا﴾3


ومن جملة المسائل التي ينبغي أن ينشأ عليها الطفل والواجبات التي ينبغي أن يتعلّمها ممّا لها جنبة أخلاقيّة وحقوقيّة؛ هي: شكر الوالدين والدعاء لهما؛ لأنّه من لم يشكر الوالدين لم يشكر الله: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾4. لذا، فإنّ تعليم الأولاد شكر الوالدين والدعاء لهما منذ الصغر يفتح الباب أمامهما لشكر الباري عزّ وجلّ أيضاً على نعمه التي لا تحصى: ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾5

صلة الأقارب والأرحام
في نهاية المطاف لن يبقى الطفل قابعاً في أسرته، محاطاً بأفراد عائلته، بل من المتوقّع أن يخرج من هذا المحيط العائلي الصغير إلى محيط عائلي أكبر وأكثر سعة منه، وهو المكان الثاني الذي من المفترض أن يكون الطفل على تماسّ معه بعد عائلته، نتكلّم هنا عن الأقارب والأرحام بطبيعة الحال.

وينبغي للعلاقة مع الأهل أن تكون محكومة بالضوابط والقيم التربوية الدينية، لتكون هذه العلاقة باباً ينتفع منه الأبناء في بناء شخصيّة متوازنة؛ إيمانيّاً، وسلوكيّاً،
 
 
 

1- الإسراء، 24.
2- لقمان، 15.
3- مريم، 14.
4- لقمان، 14.
5- الإسراء، 24.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
205

175

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

  إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾1. لذا ينبغي الحذر كلّ الحذر من أن يكون أبناؤنا هم الشرارة الأولى لهذا الفساد والإفساد في الأرض؛ من حيث نعلم أو لا نعلم. ويجب السعي الحثيث لغرس هذه الثقافة في نفوسهم منذ الصغر قبل أن يكبروا ويصبح الوالدان أنفسهم عرضة لمخاطر قطيعة أبنائهم لهم!!


العلاقة الطيّبة مع الجيران
إنّ مسألة الجار ورعاية حاله وحقوقه ووضعه؛ من المسائل المهمّة المبحوثة في نظام الحياة الأخلاقيّة والمعاشرة في الإسلام. وهناك روايات كثيرة في هذا المجال بيّنت أهمّيّته وموقعيّته في الحياة الاجتماعيّة.

قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ﴾2. وروي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورّثه"3

وبما أنّ الأبناء هم في نهاية المطاف على تماسّ وصلة مع الجيران من حولهم. لذا ينبغي السعي إلى تعليمهم آداب حسن الجوار وغرسها في نفوسهم منذ الصغر، وهذا له دور مهمّ جدّاً في تأسيس علاقات وروابط اجتماعيّة إيجابيّة وفعّالة في المستقبل عندما يخرجون إلى محيط ودائرة أوسع من دائرة جيران المحلّة والسكن. ومن أهمّ هذه الآداب التي حدّدها الإسلام تجاه الجار، والتي ينبغي أن ينشأ أبناؤنا عليها بطبيعة الحال؛ كونهم مكوّن وجزء أساسي من هذا المجتمع:
1. أن يُحسِّن الأبناء أخلاقهم تجاه الجيران: فعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "يا عليّ أَحسِنْ خُلُقَكَ مع أهلك، وجيرانك، ومن تعاشر وتصاحب من الناس؛ تُكتب عند 
 
 
 

1- محمد، 22.
2- النساء، 36.
3- وسائل الشيعة، ج9، ص52. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
206

 


176

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 الله في الدّرجات العلى"1.

2. أن يُحسن الأبناء معاشرة جيرانهم: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "عليكم بحسن الجوار؛ فإنّ الله عزّ وجلّ أمر بذلك"2
3. العمل على مواساة الجيران: وقضاء حوائجهم وتقديم المساعدة لهم عند الحاجة والضرورة. عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع"3.
4. عدم أذيّتهم: أو إزعاجهم أو التسبّب بالضرر لهم. روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "من آذى جاره حرّم الله عليه ريح الجنّة ومأواه جهنم وبئس المصير، ومن ضيّع حقّ جاره فليس منّا"4. وعنه صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه"5

التعامل مع المؤمنين
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "المؤمن أخو المؤمن؛ كالجسد الواحد؛ إن اشتكى شيء منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة"6.

يقوم بناء الحياة الاجتماعيّة في الإسلام على الأُلفة والوحدة والشعور بالطرف الآخر. فالمؤمنون في الإسلام إخوة لا يُفرّق بينهم لون، ولا عرق، ولا مكان، ولا لغة. فعلاقة المؤمنين بعضهم مع البعض الآخر من وجهة نظر الإسلام هي علاقة حيّة هدفها إيجاد بناء محكم من الاتّحاد والأخوّة بين الناس. وهذه من المبادئ التربوية الأساسيّة التي ينبغي أن يُنشأ عليها الأبناء؛ لأنّها تؤسّس وترسم مسار علاقاتهم في
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج74، ص68.
2- م. ن، ج66، ص370.
3- وسائل الشيعة، ج12، ص130.
4- م. ن، ج12، ص127.
5- الكافي، ج2، ص666.
6- م.ن، ص 166.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
207

177

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

  المستقبل مع الآخرين على مستوى الكيف والنوع. ولأنهم نواة هذا المجتمع التي منها سوف تنبثق الأجيال والمجتمعات اللاحقة لترسم معالمها الفكرية والسلوكية، فكان من الواجب الاهتمام الشديد بالأصول والمبادئ التي ينبغي أن تحكم علاقة الأبناء بالناس من حولهم وبالخصوص المؤمنين منهم. هذه المبادئ التي ورد ذكرها في روايات أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام بشكل مفصّل ودقيق نحاول أن نذكر بعضها، لتكون منطلقاً صحيحاً لبناء ثقافة سليمة في كيفية تعامل الأبناء مع غيرهم من الناس. ومن هذه التعاليم التربوية على سبيل المثال:


1. أن يحبّ الأبناء لغيرهم ما يحبّون لأنفسهم: سُئِل الإمام الصادق عليه السلام ما حقّ المسلم على المسلم؟ فقال عليه السلام: "له سبع حقوق واجبات - إلى أن قال- أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك..."1

2. أن يسعوا في قضاء حوائج المؤمنين: عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة"2.

3. الإقبال على الناس بوجه طلق: روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر"3. وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة"4.

4. التربية على روحية إفشاء السلام بين الناس: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنّة حتى تؤمنوا ولا تؤمنون حتى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شي‏ء إن فعلتموه تحاببتم أفشوا السّلام بينكم"5.

5. حسن القول: لأنّ معاشرة المؤمنين تقوم على هذا الأساس. قال الله تعالى: 
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج12، ص205.
2- أصول الكافي، ج2، ص157.
3- م. ن، ص84.
4- م. ن، ص150.
5- مستدرك الوسائل، ج8، ص362.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
208

178

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

  ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾1. وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال في قول الله عزّ وجلّ ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ قال: "قولوا للنّاس أحسن ما تُحبّون أن يُقال فيكم"2


ومن المسائل السلبيّة التي ينبغي أن ينهى عنها الأهل شديد النهي؛ البهتان والغيبة وإهانة المؤمنين أو أذيّتهم، أو السخرية والاستهزاء بالآخرين؛ لما لها من مضاعفات سلبيّة جدّاً على التربية الاجتماعيّة السليمة والصحيحة للأبناء. 

مراعاة النظام العامّ
لا يمكن لأيّ إنسان أن يعيش حياة اجتماعيّة صحيحة من دون قوانين وأنظمة وضوابط تحكم علاقاته مع الآخرين, لذا أكّد الإسلام كثيراً على ضرورة التقيّد بالأنظمة والقوانين؛ لما لها من دور كبير جدّاً في انتظام الحياة الإنسانيّة، والوصول بالتالي إلى الأهداف الاجتماعيّة السامية. 

لذا، نلاحظ أنّه من جملة الأمور التي أوصّى بها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في اللحظات الأخيرة من حياته حين جمع إليه الحسن والحسين وبقيّة أولاده وأهله عليهم السلام، أن قال لهم: "أُوصيكما وجميع وُلدي وأهلي ومن بلغه كتابي، أُوصيكما بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام"3

وعلى الوالدين في المنزل قبل غيرهما أن يخضعا للنَّظْم والانضباط؛ كي يُذْعِن الأولاد من دون شكّ أو تردّد لهذه الأنظمة، لكن هذا لا يعني إلغاء التعاليم المباشرة، فالولد في الكثير من الموارد يحتاج إلى الهداية والتعليم. كما ينبغي للأب والأمّ أن 
 
 
 

1- الإسراء، 53.
2- الكافي، ج2، ص165.
3-نهج البلاغة، الخطبة47.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
209

179

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 يهديا ولدهما بلين ويسر.


ولكي، يعتاد الأولاد على رعاية النظام في شؤونهم الحياتيّة داخل البيت، من المهمّ الالتفات إلى الأمور التالية:
1. ينبغي أن يكون لكلّ شيء في المنزل مكانه المناسب، وعلى كلّ شخص إذا تناول شيئاً، أن يقوم بإرجاعه إلى مكانه المخصّص له.
2. ينبغي على أفراد العائلة قدر الإمكان أن ينجزوا أعمالهم الشخصيّة بمفردهم، فعلى سبيل المثال، عليهم أن يرتّبوا أًسِرَّتَهم بأنفسهم، وبعد الانتهاء من إنجاز تكاليفهم المدرسيّة، أن يقوموا بجمع أدواتهم ويضعونها في أمكنتها، وأن يهتمّوا بأغراضهم شخصيّاً.
3. ينبغي أن يكون وقت النوم والاستراحة محدّداً، فيمنع النوم في أيّ ساعة يشاؤون، وأن لا تكون ساعات النوم طويلة؛ لأنّها تجعل من الأطفال أفراداً كسولين وخاملين.
4. عدم الإفراط في مشاهدة التلفاز واللهو والتنزّه؛ بما يحول دون أداء الأعمال الأساسيّة والدراسيّة.
5. ينبغي عند دخول المنزل خلع الزيّ المخصّص للخارج وارتداء اللباس الخاصّ بالمنزل.
6. ينبغي أثناء تناول الطعام، أن يجتمع كافّة أفراد العائلة على المائدة لتناول الطعام سويّاً.

ومن الآداب الأخرى التي ينبغي أن يتعلّمها الأبناء: الاقتصاد، واجتناب الإسراف، وعدم الإنفاق بلا رويّة. فعادةً لا يوجد أيّ إنسانٍ عاقلٍ يُشعل النار بأمواله أو يُفسد ماله، ولكن يتمّ إفساد مبالغ ضخمة عن طريق الإسراف وعدم الاكتراث بالمصروف، في كلّ يوم وكلّ ساعة! 

لذا ينبغي من أجل تعليم الأولاد الاقتصاد مراعاة المسائل التالية:
1. لا ينبغي إنارة أيِّ مصباح من دون حاجة له.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
210

180

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 2. عدم استخدام الهاتف بشكل غير ضروريّ؛ لأنه هدرٌ للمال والوقت.

3. عدم استهلاك الماء أكثر من الحدّ اللازم عند غسل اليدين والوجه أو الاستحمام. على سبيل المثال عندما يغسل الشخص يديه بالماء والصابون أو يتوضّأ لا يترك حنفيّة الماء مفتوحةً على الدوام.
4. عدم الإسراف أثناء عمليّة ريّ الحدائق والبساتين، خاصّة في الأماكن التي يشحّ فيها الماء.
5. عدم الإسراف في المواد الغذائيّة، والاجتناب بشدّة عن إفساد الخبز والطعام لأنه جحود بالنعمة ويستلزم العقوبة. وما زاد من الطعام يوزَّع إن كان لائقاً، أو يُجعل طعاماً للطيور وغيرهم مع الإمكان.
6. أن يأخذ كلّ شخص مقدار حاجته من الطعام حتى يمكنه تناوله بنحو كامل.
7. أن يعتني كلّ فرد بأغراضه الشخصيّة؛ حتى يمكنه الاستفادة منها لأقصى حدّ، فمثلاً: لا يرتدي اللباس المخصّص للخارج في البيت.
8. أن يقتصد الأولاد في استهلاك أدواتهم القرطاسيّة، وأن لا توضع هذه الأدوات بين أيديهم دون رقابة. على سبيل المثال: الحرص على عدم رمي الدفتر الذي لم يتمّ استخدامه بنحو كامل بل العمل على الاستفادة من أوراقه الخالية مسودَّةً لحلّ التمارين.

ومن الآداب العمليّة في الحياة، بحيث تُعتبر مهمّة جدّاً في الإسلام؛ الحفاظ على النظافة والصحّة. فلا بدّ للوالدين أن يكونا بالدرجة الأولى بأنفسهما أسوة حسنة في مجال الحفاظ على النظافة والصحّة، وأن يُرغّبا أبناءهما بالنظافة، ويُعلّماهما آداب الطهارة الإسلاميّة على قاعدة: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾1، بل وينبغي التشدّد ـ أحياناً ـ في هذا الجانب قليلاً؛ لما لدى الأبناء من نزعة نحو التفلّت من القيود؛ حتى تلك المتعلّقة بالنظافة وسلامة البيئة المحيطة. 
 
 
 

1- المدثّر، 4.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
211

181

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 المفاهيم الرئيسة

1. جميع الأعمال التي تصدر منّا في مراحل الصغر والصبا، وحتى مرحلة الشباب ـ أيضاً ـ برغم ما لنا من استقلال في الفكر والإرادة والعمل، تتأثّر لا محالة بالمجتمع والحياة الاجتماعيّة.
2. من أهمّ المبادئ التربويّة التي ينبغي تنشئة الأبناء عليها وغرسها في نفوسهم منذ نعومة أظافرهم؛ هو: الحساسّية المفرطة من الظلم والظالمين.
3. التنشئة التي ينبغي أن يتربّى عليها الطفل وأن يتعلّمها منذ الصغر في كيفيّة معاشرة الوالدين، ينبغي أن تكون هي نفسها تلك التي أوصى بها الإسلام الملتزمين بتعاليمه وأحكامه. 
4. من وجهة نظر الإسلام تعدّ الروابط العائلية تجاه القرابات والأرحام من الأمور التي لا يمكن اجتنابها أو تجاهلها، وليس صحيحاً أن تبقى علاقة الأبناء مع الأقارب متفلّتة من القيود والضوابط الدينيّة والتربويّة. 
5. بما أنّ الأبناء هم على تماس مع من حولهم من الجيران؛ لذا ينبغي السعي إلى تعليمهم آداب حسن الجوار منذ الصغر؛ لما له من دور مهمّ جدّاً في تأسيس علاقات وروابط اجتماعيّة إيجابيّة وفعّالة في المستقبل. 
6. المؤمنون في الإسلام إخوة، لا يفرّق بينهم لون ولا عرق ولا مكان ولا لغة. وهذه من المبادئ التربويّة الأساسيّة التي ينبغي أن يُنشّأ عليها الأبناء؛ لأنّها تؤسّس وترسم مسار علاقاتهم مع الآخرين.
7. أكّد الإسلام كثيراً على ضرورة التقيّد بالأنظمة والقوانين؛ لما لها من دور كبير في انتظام الحياة الإنسانيّة والوصول إلى الأهداف الاجتماعيّة السامية. وعلى الوالدين قبل غيرهما أن يطبّقا هذه القوانين؛ كي يُذْعِن الأولاد لها. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
212

182

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 للمطالعة

وصيّتي الأخيرة
الأمّهات جميعاً نموذجيات، لكن بعضهن يتحلّين بسمات خاصة، وقد وجدتُ والدتك المحترمة طوال حياتي التي عشتها معها.. والذكريات التي أحملها عنها في الليالي التي كانت تسهر مع أطفالها.. وفي بقية الأيام، وجدتها تتحلّى بمثل هذه السّمات الخاصة.

إنّني أوصيك يا بنيّ وبقية أبنائي أن تحرصوا على خدمتها وإحراز رضاها بعد موتي مثلما أراها راضية عنكم في حياتي، واجهدوا بعد وفاتي في خدمتها أكثر.
بنيّ! أسجّل لك أيضاً جملات في الأحوال الشخصية والعائلية، وأختم حديثي الذي طال، وصيّتي المهمّة لك يا ولدي العزيز أن ترعى والدتك الوفية جدّاً، ليس من السهل إحصاء حقوق الأم الكثيرة، ولا يمكن أداؤها حقّها، إنّ ليلة واحدة من سهر الأم لطفلها تعادل سنين من عمر أب ملتزم، إنّ الرأفة والرحمة التي تحملها نظرات الأم النورانية ما هي إلّا تجلٍّ لرأفة ورحمة ربّ العالمين، لقد مزج الله تبارك وتعالى قلوب الأمّهات وأرواحهن بنور رحمة ربوبيته بما يعجز عن وصفها أحد، ولن يدركها غير الأمّهات، وهذه الرحمة الأزلية هي التي أكسبت الأمّهات كل هذه القدرة على تحمّل العذاب والمعاناة منذ لحظة استقرار النطفة في الأرحام، وطوال فترة الحمل، ولحظة الولادة، ومرحلة الطفولة، إلى آخر العمر.. تلك المشقّة والعذاب اللذين يعجز عن تحمّلهما الآباء ولو ليلة واحدة، وحقّاً ما ورد في الحديث الشريف من أنّ: "الجنة تحت أقدام الأمّهات"، وقد ورد هذا التعبير اللطيف للدلالة على سمو عظمتها وليدعو الأبناء للبحث عن السعادة والجنة تحت أقدام الأمّهات وتراب أقدامهن المباركة.

إنّ المحافظة على حرمتهنّ (الأمّهات) تلي حرمة الحقّ المتعال، والبحث عن رضا الله تبارك وتعالى يكون في رضا الأمّهات وسعادتهن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
213

183

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

 وصيّتي الأخيرة إلى أحمد هي أن يُربّي أبناءه تربية صالحة، وأن يُعرّفهم على الإسلام العزيز منذ الطفولة، وأن يرعى أمّه المحترمة الرؤوفة، وأن يحرص على خدمة أقاربه وأهل بيته أجمعين1

 
 
 

1- الإمام الخميني، تجليات رحمانية، ص47، من وصية الإمام لابنه.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
214

184

المحور الثالث: فقه العلاقات الزوجية وفق فتاوى الامام الخامنئي دام ظله

 الكفايات:

1-التعرف على اهم الاحكام الفقهية الابتلائية المرتبطة بعقد النكاح الدائم والمنقطع.
2-التعرف على الاحكام الابتلائية المتعلقة بالعدة والطلاق

المحتويات:
الدرس الرابع عشر: عقد النكاح ( النكاح الدائم-المهر)
الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع واسباب التحريم
الدرس السادس عشر: احكام النكاح (النفقة- العلاقة الخاصة)
الدرس السابع عشر: العدة والطلاق
الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعي وخيار الفسخ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
217

185

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

 النكاح الدائم

النكاح هو التزويج، وهو قسمان:
1. الأوّل: دائم.
2. الثاني: منقطع. 

وكلّ منهما له أحكامه.
1. صيغة العقد الدائم:
أ- لا يتحقّق التزويج بمجرّد الرضا القلبيّ من الطرفين، كما لا يتحقّق بالكتابة، ولا بالإشارة المفهمة من غير الأخرس. بل لا بدّ من صيغة خاصّة يتلفّظ بها الطرفان ليتحقّق الزواج الشرعيّ.

ب- يتركّب عقد النكاح من إيجاب من الزوجة وقبول من الزوج، ولا يصحّ الإيجاب من الزوج والقبول من الزوجة.
ج- لا بدّ في الإيجاب أن يكون بلفظ "أنكحت"، أو بلفظ "زوّجت"، وأمّا لفظ "متّعت" فلا يصحّ العقد الدائم به إلّا إذا اقترن بما يجعله ظاهراً في الدوام لا في الانقطاع، ولا يتحقّق الإيجاب بغير ذلك من الألفاظ.
د- يتحقّق القبول بكلّ لفظ دالّ على الرضا بالنكاح الدائم، كلفظيّ "قبلت" و"رضيت"، وما يماثلهما من ألفاظ.
هـ- يشترط عدم الفصل المعتدّ به بين الإيجاب والقبول.
و- يمكن للزوجين أن يعقدا بمباشرتهما، دون حاجة للتوكيل.
ز- يتحقّق الإيجاب من الزوجة بإحدى الصيغ الستّ الآتية، ولا بدّ لها أن تختار واحدة منها. وهي:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
221

186

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

 الأولى: أَنْكَحْتُكَ نَفْسِي.

الثانية: زَوَّجْتُكَ نفسي.
الثالثة: أَنْكَحْتُ نَفْسي مِنْكَ.
الرابعة: زَوَّجْتُ نفسي منكَ.
الخامسة: أنْكَحْتُ نفسي لَكَ.
السادسة: زَوَّجْتُ نفسي لكَ.

ح- ذكر المهر في الصيغة ليس شرطاً في صحّة العقد، فيجوز ذكره كما يجوز تركه، فلو أراد ذكر المهر تقول المرأة: "زوجتك نفسي على المهر المعلوم"، كما يمكن استبدال جملة: "على المهر المعلوم" بقولها: "على مهر مقدارُهُ مئة دينار" مثلاً. أو "على مهر مُعَجَّلُهُ عَشَرَةُ دنانير، ومُؤَجَّلُهُ تسعون ديناراً، مؤجّلةً إلى أقربِ الأجلين"، وهكذا. والمقصود بالأجلين الموت والطلاق، فإذا طلّقها أو مات أحدهما يتحقّق أقرب الأجلين.

ط- يتحقّق القبول من الزوج بأن يقول: "قَبِلْتُ التزويجَ لنفسي على المهرِ المعلوم". أو يقول: "رَضيْتُ التزويجَ لنفسي على المهر المعلوم"، أو يقول: "قبلتُ النكاحَ على المهرِ المعلوم". أو يقول: "رضيتُ النكاحَ (أو الزواجَ) على المهرِ المعلوم". ونحو ذلك ممّا يفيد القبول اللفظيّ. ولو قال: "قبلتُ" وحدها تكفي مع القصد لقبول ما ورد في الإيجاب.

2. التوكيل في الصيغة:
أ- يجوز التوكيل في عقد النكاح من الزوج والزوجة، أو من أحدهما خاصّة.
ب- يأخذ الوكيل وكالة الإيجاب من الزوجة، ولا يشترط في الوكالة صيغة خاصّة، بل تقع الوكالة بأيّ وسيلة مفهمة، ولا يشترط أن تكون باللغة العربيّة، بل تصحّ الوكالة بأيّ لغة مفهمة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
222

187

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

 مثال ذلك: أن يقول الوكيل للمرأة: "هل تقبلين أن أكونَ وكيلَكَ لتزويجك (أو لأزوّجك، أو لأنكحَكِ) من فلان، على المهرِ المعلوم؟"، فتقول المرأة: "قبلتُ أنت وكيلي". أو بأيّ أمرٍ مفهم للتوكيل.


ج- إذا وكّل الزوجان فيتمّ الإيجاب بإحدى الصيغ التالية:
1 - 2 "أنكحْتُ (أو زوّجتُ) موكِّلَكَ فلاناً موكِّلتي فلانة على المهر المعلومِ".
3 - 4 "أنكحْتُ (أو زوّجْتُ) موكِّلتي فلانة من موكلِكَ فلان على المهر المعلوم".
5 - 6 "أنكحْتُ (أو زوّجْتُ) موكِّلتي فلانة لموكِّلِكَ فلان على المهرِ المعلومِ".

د- يأخذ الوكيل وكالة القبول من الزوج، بأيّ وسيلة تفهم قبوله ورضاه بالزواج على المهر المعلوم. فيقول وكيل الزوج بعد الإيجاب من وكيل الزوجة بدون فصل معتدّ به: "قَبِلْتُ (أو رضيتُ) التزويج (أو النكاحَ) لموكّلي على المهر المعلوم"، أو ما شابه ذلك.

هـ - يمكن أن يكون القبول من الزوج بمباشرته بدون توكيل، فيقول: "قبلتُ (أو رضيتُ) النكاحَ (أو الزواج) على المهرِ المعلوم".

و- لا يشترط في لفظ القبول أن يكون مطابقاً للفظ الإيجاب، فلو قال وكيل الزوجة: "زوّجتك" فقال الزوج أو وكيله: "قبلتُ النكاحَ" يصحّ.

3. الخطأ في الصيغة:
إذا قيلت صيغة العقد بطريقة خاطئة فصورتان:
الأولى: إذا كان الخطأ مغيّراً للمعنى بحيث يُعدّ اللفظ عبارة لمعنى آخر غير ما هو المقصود، فلا يصحّ العقد.
الثانية: إذا لم يكن الخطأ مغيّراً للمعنى، بل كان يُفهم منه المعنى المقصود من النكاح، إلّا أنّه كان خطأ من جهة الإعراب والحركات أو نفس مادّة الكلمة (أي الحروف) فيصحّ العقد، ويُكتفى بما ذُكر إلّا أنّ الأحوط استحباباً عدم الاكتفاء به، والإتيان بلفظٍ صحيح.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
223

188

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

 4. شروط العقد:

أ- يشترط في صحّة العقد ستّة أمور:
الأوّل: القصد إلى فهم معاني الألفاظ الواردة في العقد، ولا يشترط الفهم التفصيليّ، بل يكفي الإجماليّ، بأن يعلم أنّ ما يقوله يدلّ على الزواج الدائم على المهر المعيّن المعلوم.

الثاني: أن يكون قاصداً بقوله: "أنكحت" أو"زوّجت" إنشاء عقد الزواج، وليس الإخبار والحكاية. والإنشاء هو ما يُجعل ويُنشأ به الزواج.

الثالث: الموالاة، بمعنى عدم الفصل المعتدّ به بين الإيجاب والقبول.

الرابع: التنجيز، بمعنى عدم تعليق العقد على فعل أو مجيء زمان، فلو قالت الزوجة مثلاً: "زوّجتك نفسي على المهر المعلوم بشرط مجيء زيد" يبطل العقد ولا يصحّ حتّى لو جاء زيد. نعم لو علّق العقد على أمرٍ محقّق الحصول كما إذا قال الزوج: "قبلت التزويج إن كان اليوم الجمعة" وكان اليوم هو الجمعة، فيصحّ العقد.

الخامس: تعيين الزوج والزوجة، بحيث يمتازان عن غيرهما. ويكون التعيين بالاسم أو الإشارة، أو الوصف الموجب للتعيين.

السادس: الاختيار، بمعنى أن ينشأ العقد عن إرادة العاقد واختياره، فلا يصحّ العقد ممّن أُكره على التزويج. نعم لو رضي المكرَه فيما بعد بالعقد صحّ بدون حاجة لتجديد العقد. وإن لم يرضَ يكون العقد باطلاً.

ب- يجوز إجراء العقد عبر الهاتف ونحوه مما يشتمل على الإنشاء اللفظيّ للصيغة.

ج- لا يصحّ للزوجة أن تشترط على زوجها في عقد الزواج أن لا يتزوّج عليها، فإذا أجري العقد مع هذا الشرط يبطل الشرط، ويصحّ العقد بلا شرط..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
224

189

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

 5. شروط العاقد:

يشترط في العاقد المجري للصيغة ثلاثة أمور:
الأوّل: البلوغ.
الثاني: العقل. فلا اعتبار بعقد الصبيّ والمجنون حال جنونه، سواء أكان يعقد لنفسه أو لغيره.
الثالث: القصد إلى معنى العقد. فلا اعتبار بعقد الساهي والغالط والسكران وأشباههم من الذين لا يتوفّر القصد عندهم.

6. أولياء العقد:
أ- الأب والجدّ من طرف الأب (أي: أب الأب) فصاعداً لهم ولاية النكاح على أربعة أقسام من الأولاد:
الأوّل: الولد الذكر الصغير والبنت الصغيرة (دون سنّ البلوغ).
الثاني: الولد والبنت إذا بلغا مجنونين أو جُنّا بعد البلوغ.
الثالث: البنت البالغة الرشيدة البكر تستأذن الوليّ على الأحوط وجوباً.
الرابع: البالغ الذكر إذا كان سفيهاً مبذّراً، وتعيين المهر والزوجة بيد الوليّ.

ب- إذا مات الأب والجدّ للأب تستقلّ البالغة الرشيدة البكر في تزويج نفسها. ويستحبّ لها أن تستأذن أخاها، ومع تعدّد الأخ يستحبّ أن تستأذن أخاها الأكبر.

ج- لا ولاية للأمّ ولا للعمّ والخال والأخ وأولادهم.

د- لا ولاية للأب والجدّ على الولد البالغ الرشيد.

هـ- إذا تزوّجت البالغة البكر الرشيدة بإذن وليّها، ثم دخل زوجها بها، إلّا أنّ بكارتها بقيت، ثمّ طلّقها زوجها أو مات، وأرادت الزواج من جديد فالأحوط وجوباً استئذان وليّها.

و- يشترط في صحّة الزواج من البكر البالغة الرشيدة من أهل الكتاب إذن وليّها على
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
225

190

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

  الأحوط وجوباً، فهي كالمسلمة من هذه الجهة، والوليّ هو أبوها وجدّها لأبيها. نعم لو لم يكن الاستئذان معتبراً في ملّتهم فلا يشترط إذن وليّها.


ز- لا ولاية للأب والجدّ للأب على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّباً (ليست بكراً) فيما لو زالت بكارتها بالوطء، بلا فرق بين الوطء الحلال أو الحرام. نعم يستحبّ لها أن تستأذن أباها أو جدّها، وإن لم يكونا فأخاها، ومع تعدّد الأخ يستحبّ استئذان الأخ الأكبر.

ح- لو زالت بكارة البالغة الرشيدة بالوطء ولكنّها أجرت عمليّة ترميم البكارة، بحيث عادت البكارة كما كانت فلا ترجع ولاية الوليّ، بل يجوز العقد عليها برضاها - فقط - دون حاجة لإذن الأب والجدّ للأب.

ط- إذا وافق الوليّ على تزويج ابنته البكر الرشيدة البالغة، واتّفقوا على كلّ شيء، ولكنّ العقد أُجّل إلى موعد آخر، فلا يجوز للشاب أن يعقد على هذه المرأة قبل الموعد المحدّد إلّا بإذن الوليّ على الأحوط وجوباً

ي- الرشد هو حسن التصرّف على طريقة العقلاء ومسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلاً وصرفاً. ويقابله السفيه الذي يمكن خداعه بسهولة ولا يبالي بانخداعه، ويصرف ماله في غير موضعه ويتلفه بغير محلّه.

ك- تسقط ولاية الوليّ على البالغة البكر الرشيدة إذا منعها من التزويج بمن هو كفؤ لها شرعاً وعرفاً، بشرط أن تكون بحاجة للتزويج، بحيث لو تركته لخافت الوقوع في الحرام، ولا يوجد كفؤ آخر يرضى به الولي.

ل- ولاية الجدّ للأب ليست مرتبطة بحياة الأب أو موته، فعند وجود الجدّ والأب معاً فلكلّ منهما الاستقلال بالولاية، فإن أجاز أحدهما فليس للآخر منعه، فإذا سبق أحدهما في تزويج البنت البكر الرشيدة لم تبقَ ولاية للآخر، فلا يحقّ له المنع.

م- يشترط في الوليّ العقل، فلو كان مجنوناً فلا ولاية له. وكذا يشترط أن يكون مسلماً إذا كانت البنت مسلمة، فلا ولاية لغير المسلم على ابنته المسلمة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
226

191

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

 المهر

1. نوعيّة المهر:
يقال للمهر الصداق1. ويشترط أن يكون ممّا يسمح الشرع الحنيف بتملّكه، من عين أو منفعة. والعين كالأرض وعين المال النقديّ والسيّارة والإبل والبقر والغنم ونحو ذلك. والمنفعة كتعليم صنعة ونحو ذلك من كلّ عمل محلّل. ولا يصحّ أن يكون المهر ممّا لا يسمح الشرع الحنيف بتملّكه للمسلم، كالخمر والخنزير.

2. تعيين المهر:
أ- يشترط تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام، وتكفي المشاهدة. ولا يقدّر المهر بقدر، بل يصحّ كلّ ما تراضى عليه الزوجان، كثيراً كان أم قليلاً، ويستحبّ في جانب الكثرة أن لا يزيد على مهر السُّنّة، وهو خمسمئة درهم، ويعادل 1260 غراماً من الفضّة من العيار الأعلى.

ب- ذكر المهر ليس شرطاً في صحّة العقد الدائم، فيصحّ بدون ذكر المهر ولو عمداً، ولو تمّ العقد بدون ذكر المهر ففيه صورتان:
الأولى: إذا دخل بها استحقّت الزوجة على زوجها مهر أمثالها من النساء، سواء أطلّقها بعد الدخول أو مات أحدهما بعد الدخول. ويجوز لهما أن يتراضيا على شيء.
الثانية: إذا طلّقها قبل الدخول فتستحقّ عليه أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الغنى والفقر، كثوب أو دينار (3,60غ من الذهب) أو درهم (2,52 غ من الفضّة) أو غيرها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
227

192

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

 ج- يجوز أن يجعل المهر كلّه حالّاً بلا أجل، ويجوز أن يجعله كلّه مؤجّلاً، ويجوز أن يجعل بعضه حالّاً وبعضه الآخر مؤجّلاً.


5. استحقاق المهر:
أ- تملك المرأة المهر بمجرّد العقد، وتستقرّ ملكيّتها له بتمامه بعد الدخول بها قُبلاً أو دُبراً. نعم ليس لها المطالبة به إن كان مؤجّلاً إلّا عند حلول أجله.
ب- لو مات أحد الزوجين قبل الدخول أو طلّق الزوج زوجته قبل الدخول سقط نصف المهر المجموع من المعجّل والمؤجّل، وتستحقّ الزوجة النصف فقط.
ج- يجوز للزوجة أن تمتنع عن تسليم نفسها لزوجها للدخول بها حتّى تقبض تمام مهرها المعجّل.
د- المهر حقّ للزوجة يجوز لها أخذه، كما يجوز لها أن تبرئ ذمّة زوجها منه أو من بعضه.
هـ - تستحقّ الزوجة المؤجّل إذا طلّقها زوجها أو مات، كما وتستحقّ المؤجّل إذا ماتت، وينتقل إلى ورثتها.

6. تحذير للزوجة:
إنّ الزوجة تستحقّ تمام المهر عند العقد، فإذا مات أو طلّقها قبل الدخول فتردّ نصفه للزوج؛ ولذا لو أبرأته من تمام المهر قبل الدخول ثمّ طلّقها قبل الدخول فيحقّ للزوج أن يطالبها بردّ النصف من مالها، لذا فعليها أن تنتبه، وأمامها خياران كي لا تقع في مشكلة، وهما:
الأوّل: أن تهبه تمام المهر بعد الدخول، فلا تردّ عليه شيء.
الثاني: أن تهبه نصف المهر قبل الدخول؛ فلو طلّقها قبل الدخول لا تردّ عليه شيء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
228

193

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

229


194

الدرس الرابع عشر:عقد النكاح

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

230


195

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

 النكاح المنقطع 

النكاح المنقطع ويقال له؛ المِتْعة والنكاح المؤجّل

1. صيغة العقد:
النكاح المنقطع يحتاج إلى عقد من إيجاب وقبول، وله نفس تفاصيل الدائم، مع بعض الفروقات، كذكر الأجل، ولا بدّيّة ذكر المهر.
ألفاظ النكاح الدائم المتقدّمة تجري هنا مع إضافة ذكر الأجل والمهر، ويجوز إيقاعه بلفظ "مَتَّعْتُ" بدل كلمة "أنكحت" بصيغه الثلاث، فتصير الصيغ تسعاً. مثلاً: تقول المرأة: "مَتَّعْتُكَ نفسي على المهرِ المعلوم، لمدّة عَشْرِ ساعات". فيقول الرجل: "قبلتُ (أو رضيتُ) المِتْعَةَ (أو التزويج) (أو النكاح)". والتفاصيل كما مرّت في الدائم.

2. المهر:
أ- يشترط في صحّة النكاح المنقطع ذكر المهر، فلو لم يُذكر يبطل العقد من رأس. وللمهر هنا نفس تفاصيل المهر في الدائم.
ب- تملك المتمتِّعة تمام المهر بمجرّد العقد، فلو انتهت المدّة ولم يكن الزوج قد دخل بها مع تمكينها يستقرّ على الزوج تمام المهر.
ج- إذا وهبها المدّة قبل الدخول يلزمه دفع نصف المهر فقط. وأمَّا إذا وهبها المدّة بعد الدخول لزمه تمام المهر، نعم إذا لم يهبها المدّة ولكنها امتنعت من تمكين نفسها للاستمتاع بها فإن كان الامتناع في تمام المدّة لم تستحق المهر، وإن امتنعت في بعضها ومكّنت في البعض الآخر كان له أن يضع من المهر بالنسبة لما أخلّت به من المدّة، إن نصفاً فنصف وهكذا...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
233

196

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

 3. الأجل:

يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل، فلو لم يُذكر عمداً أو نسياناً ينعقد دائماً، أي: لا يصحّ منقطعاً بل يتحوّل إلى دائم. ويأخذ جميع أحكام الدائم.
تقدير الأجل بيد الزوجين، ولا بدّ أن يكون معيّناً بالزمان، محروساً من الزيادة والنقصان. وليس للمدّة حدّ معيّن.

4. تجديد العقد:
لا يصحّ تجديد العقد على الزوجة المؤقّتة لا دواماً ولا انقطاعاً قبل انقضاء الأجل أو بذل المدّة.

5. التوارث:
لا يثبت بهذا العقد توارث بين الزوجين.

6. الطلاق:
لا يقع عليها طلاق، وإنّما تصير المنقطعة بائنة عن الزوج بانقضاء المدّة أو هبتها، ويجزي في الهبة أن يقول لها: وَهَبْتُكِ أو أبْرَأتُكِ أو سامَحْتُكِ أو أنتِ في حِلّ أو تركتُ لكِ المدّة ونحو ذلك. وتجوز الهبة بغير اللغة العربيّة.

7. التمتّع بالزانية:
يجوز التمتّع بالزانية على كراهية خصوصاً لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنى، وإن فعل فليمنعها من الفجور.

8. الاشتراط:
يجوز لكلّ من الزوجين في النكاح المنقطع أن يشترط عدم الدخول، أو أن يشترط أن يكون الإتيان في الليل فقط أو النهار فقط.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
234

197

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

 أسباب التحريم

يحرم التزويج بأسباب عديدة، فلا يقع التزويج بسببها بين الرجل والمرأة. وهذه الأسباب هي: النسب والرضاع والمصاهرة وما يلحق بها والكفر واستيفاء العَدَد والاعتداد والإحرام.

1. النسب:
أ- النسب هو العلاقة الرحميّة، فيحرم على الرجل أن يتزوّج بإحدى محارمه، وهنّ سبعة أصناف:
الأوّل: الأم وإن علت، فتشمل الجدّة لأب ولأم، وتشمل جدّة الأم والأب، وهكذا.
الثاني: البنت وإن نزلت، فيشمل الحفيدة لابن أو بنت، وإن نزلت.
الثالث: الأخت لأب أو لأم أو لهما.
الرابع: بنت الأخت وإن نزلت.
الخامس: بنت الأخ وإن نزلت.
السادس: العمّة وإن علت، فتشمل عمّة الأب والأم، وعمّة الجدّ والجدّة، وهكذا.
السابع: الخالة وإن علت، فتشمل خالة الأب والأم، وخالة الجدّ والجدّة، وهكذا.

ب- ويحرم سبعة أصناف من الرجال على المرأة، بعكس صور المسألة السابقة.

2. الرضاع:
أ- إذا تحقّق الرضاع الجامع للشروط الشرعيّة تصير المرضعة أمّاً للمرتضع، ويصير زوجها (صاحب اللبن) أباً له، وأولادهما إخوة له، وإخوتهما أخوالاً وأعماماً له، والآباء والأمهات أجداداً له، فالأصناف السبعة في علاقة النسب يصيرون عائلة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
235

198

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

  المرتضع من جهة الزواج كأيّ شخص مولود من هذين الأبوين. نعم لا توارث بينهم وبين المرتضع، كما لا تجب النفقة للمرتضع على أبيه بالرضاعة. فيحرم زواج المرتضع بالأصناف السبعة من الرضاعة.

 


ب- لا يجوز لوالد المرتضع أن يتزوّج من بنات المرضعة وبنات زوجها صاحب اللبن، بمعنى أنّه لا يتزوج من جميع أخوات ابنه بالرضاعة، أي البنات اللاتي ولدن من الأب بالرضاعة من المرضعة أو من غيرها، بل وبناته من الرضاعة أيضاً على الأحوط وجوباً، والبنات اللاتي ولدن من المرضعة دون أولادها من الرضاعة.

ج- تحرم المرأة على زوجها حرمة مؤبّدة إذا أرضعت أمّها أحد أولادها رضاعاً جامعاً للشروط الشرعيّة. وأمّا لو أنّ أمّ الزوج هي المرضعة فلا مشكلة من ذلك.
د- ما ذُكر في المرتضع ينطبق على المرتضعة، فيحرم عليها التزويج من أبيها بالرضاعة وإخوتها بالرضاعة وهكذا.

3. المصاهرة:
أ- المصاهرة علاقة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر تنشأ بسبب الزواج.
ب- تحرم زوجة الأب على ابنه وإن نزل بمجرّد العقد الدائم أو المنقطع، سواء أحصل الدخول أم لا، بلا فرق بين أولاده النسبيّين والرضاعيّين.
ج- تحرم زوجة الابن على الأب وإن علا بمجرّد العقد الدائم أو المنقطع، سواء أحصل الدخول أم لا. بلا فرق بين الأب النسبيّ والرضاعيّ.
د- إذا عقد شخص على امرأة دواماً أو انقطاعاً تحرم عليه أمّها وإن علت، سواء أحصل الدخول أم لا، بلا فرق بين الأم النسبيّة والرضاعيّة.
هـ- لو عقد شخص على امرأة حرمت عليه ابنتها وإن نزلت (سواء أكانت قبل الزواج به، أم بعد طلاقه لها وزواجها من غيره) بشرط أن يكون قد دخل بهذه الأم قُبُلاً أو دبراً. وأمّا مع عدم الدخول بالأم لم تحرم ابنتها عيناً، بل تحرم عليه جمعاً، أي: 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
236

199

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

 تحرم عليه ابنتها ما دامت أمّها معه، فإذا خرجت الأم عن زوجيّته قبل الدخول بموت أو طلاق جاز له الزواج بابنتها.

و- لا يجوز للزوج أن يتزوّج بنت أخ زوجته ولا بنت أختها إلّا بإذن زوجته (العمّة أو الخالة)، بلا فرق بين كون الزواجين دائمين أو منقطعين، أو أحدهما كان دائماً والآخر منقطعاً. ويجوز أن يتزوّج عمّة زوجته أو خالتها بدون إذن زوجته.

4. الجمع بين الأختين:
أ- لا يجوز الجمع في الزواج بين الأختين (نسبيّتين أو رضاعيّتين، أو إحداهما نسبيّة والأخرى رضاعيّة)، بلا فرق بين الدوام والانقطاع، أو إحداهما دائمة والأخرى منقطعة، ففي كلّ هذه الصور يحرم ولا يصحّ الجمع بين الأختين. فلو تزوّج (دواماً أو انقطاعاً) بإحدى الأختين، ثمّ تزوّج بالأخرى (دواماً أو انقطاعاً) بطل العقد الثاني، ولو حصل العقدان في وقتٍ واحد بطل الاثنان معاً.

ب- لو طلّق زوجته الدائمة طلاقاً رجعيّاً فلا يجوز ولا يصحّ التزوّج بأختها قبل انقضاء عدّتها. وإذا كان الطلاق بائناً جاز له التزوّج بأختها في الحال. وأمّا لو كانت الزوجة متمتّعاً بها وانقضت مدّتها أو وهبها المدّة، فلا يجوز الزواج بأختها قبل انقضاء العدّة (مع كون عدّتها بائنة).

5. الزنى واللواط:
أ- لو زنت امرأة متزوّجة لا تحرم على زوجها، ولا يجب على الزوج أن يطلّقها.
ب- إذا زنى شخص بامرأة في أثناء عدّتها الرجعية حرمت عليه مؤبداً.
ج- إذا زنى شخص بامرأة في العدّة البائنة أو في عدّة الوفاة لا تحرم عليه أبداً.
د- مَن لاط بغلام فأدخل في دبره ولو ببعض الحشفة حرم عليه مؤبداً أمّ الغلام وإن علت، وابنته وإن نزلت، وأخته، بلا فرق بين النسبيّات والرضاعيّات. وأمّا المفعول به فلا تحرم عليه أمّ الفاعل وابنته وأخته.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
237

200

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

 هـ- إذا لاط شخص بابن زوجته أو بأخيها فلا تحرم عليه زوجته؛ لأنّ العقد عليها كان قبل اللواط، وما يسبّب الحرمة هو اللواط قبل العقد.

و- إذا زنى بامرأة تحرم على الزاني أمها وابنتها، ويحرم عليها أبوه وابنه، كل ذلك على الأحوط وجوباً. 

6. الزواج في العدّة:
أ- إذا كانت المرأة في عدّة الغير (جميع أقسام العدّة) فلا يجوز التزويج بها، بل ينتظر فراغها من العدّة حتّى يتزوّجها.
ب- لو تزوّج شخص من امرأة في أثناء عدّتها من الغير، وقد دخل بها قُبُلاً أو دبراً حرمت عليه مؤبّداً ولو مع الجهل بالحرمة وبأنّها معتدّة، فضلاً عن العلم، فما دام الدخول قد حصل تحرم عليه مؤبّداً. وأمّا مع عدم الدخول فصورتان:
الأولى: مع علم الاثنين أو أحدهما بالموضوع (كونها في العدّة) وبالحكم (أنّه لا يجوز العقد على المعتدّة من الغير) تحرم عليه مؤبّداً.
الثانية: مع جهل الاثنين بالحكم والموضوع معاً أو بأحدهما خاصّة لا تحرم عليه أبداً، بل يبطل العقد الحاصل في أثناء العدّة، وبعد انتهاء العدّة يجوز له أن يعقد عليها من جديد.

7. التزوّج بالمتزوّجة:
إذا تزوّج شخص بامرأة متزوّجة فصورتان:
الأولى: إذا كان عالماً بأنّها متزوّجة تحرم عليه مؤبّداً، سواء أكان قد دخل بها أم لا.
الثانية: إذا كان جاهلاً بأنّها متزوّجة فمع الدخول قُبُلاً أو دبراً تحرم عليه مؤبّداً، ومع عدم الدخول يبطل العقد، ولكن لا تحرم عليه مؤبّداً.

8. إكمال العَدَد:
أ- مَن كانت عنده أربع زوجات دائميّات فيحرم عليه الزواج بالخامسة دواماً، ولا يحرم متعة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
238

201

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

 ب- إذا طلّق الرجل زوجته ثلاث مرّات: بعد أوّل زواج طلّقها، ثمّ أرجعها إلى زوجيّته ثمّ طلقها، ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها ولم يتخلّل بين الطلقات الثلاث الزواج من رجل آخر تحرم عليه، ولا يجوز له نكاحها حتّى تتزوّج زوجاً غيره، بشروط ليس هنا مورد تفصيلها. نعم لو تزوّجت من غيره بعد الطلاق فلا يحسب الطلاق السابق للزواج من غيره من الطلقات الثلاث المحرّمة، فيعاد حساب الثلاث من جديد.


9. الكفر:
أ- لا يجوز للمسلمة أن تتزوّج من الكافر الكتابيّ وغيره، بلا فرق بين الدوام والانقطاع.
ب- لا يجوز للمسلم أن يتزوّج الكافرة غير الكتابيّة، ولا المرتدّة، ويجوز للمسلم الزواج المنقطع بالكتابيّة، ولا يجوز الزواج الدائم بها على الأحوط وجوباً.
ج- لا يجوز للمؤمنة أن تتزوّج الناصبيّ المعلن بعداوة أهل البيت (عليهم السلام)، ولا المغالي المعتقد بألوهيّة أهل البيت (عليهم السلام) أو بنبوّتهم.
د- لا يجوز للمؤمن أن يتزوّج الناصبة المعلنة بالعداوة والمغالية لا دواماً ولا انقطاعاً. ويجوز له أن يتزوّج المخالفة غير الناصبة. ويجوز على كراهة زواج المؤمنة من المخالف.

10. النكاح حال الإحرام:
أ- إذا عقد المحرِم (لحجّ أو عمرة) على امرأة دواماً أو انقطاعاً فصورتان:
الأولى: إذا كان عالماً بالحرمة بطل النكاح، وتحرم عليه مؤبّداً، بلا فرق بين كون المرأة محرِمة أو محلّة، وبلا فرق بين كون الرجل هو من أجرى العقد مباشرة أو وكّل غيره، محرِماً كان الوكيل أو محلّاً، وبلا فرق بين كون التوكيل قبل الإحرام أو بعده.
الثانية: إذا كان جاهلاً بالحرمة بطل النكاح، ولكن لا تحرم عليه مؤبّداً.
ب- إذا كانت الزوجة محرِمة وتمّ التزويج بها من رجل محرِم أو محلّ فتحرم عليه مؤبّداً مع علمها بالحرمة، ومع جهل الاثنين لا تحرم مؤبّداً، ولكن يبطل العقد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
239

202

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

240


203

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

241


204

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

242


205

الدرس السادس عشر: أحكام النكاح

 النفقة 


1. شروط النفقة:
يجب على الزوج أن ينفق على زوجته إذا توفّر شرطان:
الأوّل: أن تكون الزوجة دائمة، فلا تجب النفقة للمنقطعة.
الثاني: أن تكون مطيعة للزوج فيما يجب عليها إطاعته فيه، فلا تجب النفقة للناشزة. نعم إذا لم تمكّنه من نفسها لعذرٍ (من حيض في مسألة الدخول فقط أو إحرام أو اعتكاف واجب، أو المرض المانع من الاستمتاع أو نحو ذلك) لا تسقط نفقتها.

1. نفقة المعتدّة:
أ- تثبت النفقة والسكنى للمطلّقة ذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة، بلا فرق بين كونها حاملاً أو لا.
ب- ذات العدّة البائنة إذا لم تكن حاملاً فلا تجب النفقة لها، وإذا كانت حاملاً فتستحقّ النفقة إذا طُلّقت حتّى تضع حملها.
ج- لا تستحقّ الحامل المتوفَّى عنها زوجها النفقة، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها.

2. ضابط النفقة:
لا تقدير للنفقة شرعاً، بل الضابط القيام بما تحتاج إليه المرأة، من طعام وكسوة وفراش وغطاء وإسكان، وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها، وغير ذلك.

3. استحقاق النفقة:
أ- تستحقّ الزوجة النفقة سواء أكانت غنيّة أم فقيرة، فلها على الزوج الإنفاق ولو كانت 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
245

206

الدرس السادس عشر: أحكام النكاح

 من أغنى الأغنياء.

ب- تملك الزوجة على الزوج نفقة كلّ يوم ممّا يُصرف ولا تبقى عينه (من طعام وغيره)، تملكه صبيحة كلّ يوم، ويمكن أن يدفع لها نفقة أسبوع أو شهر أو نحو ذلك، ولو لم يدفع تصير النفقة ديناً لها في ذمّته. ولو دفع ما تستحقّه إليها ولم تصرفه يصير ملكاً لها، وليس للزوج استرداده.

4. كيفية دفع النفقة:
كيفيّة الإنفاق بالطعام إمّا بأن تأكل مع الزوج في بيته كسائر عياله، وإمّا بأن تأخذ النفقة، فالخيار لها في ذلك.

5. التزاحم:
إن لم يستطع الزوج تأمين مال يفي بنفقة نفسه وزوجته وأولاده وباقي أقاربه الواجبي النفقة فنفقته هو مقدّمة على الجميع، فإن بقي شيء فزوجته مقدّمة على أقاربه، فإن بقي شيء دفعه لأقاربه.

العلاقة الخاصّة 
1. أحكام العلاقة الخاصّة:

أ- يجوز لكلّ من الزوجين أن يمسّ كلّ عضو من جسد الآخر ظاهره وباطنه، بأيّ عضو من بدنه بدون استثناء.
ب- يجوز لكلّ منهما النظر إلى جميع بدن الآخر بدون استثناء.
ج- لا يجوز مجامعة الزوجة قبل إكمالها تسع سنين.
د- يجوز على كراهية شديدة مجامعة الزوجة في الدبر مع عدم أذاها، بلا فرق بين حالة الحيض وغيرها، والأحوط استحباباً تركه خصوصاً مع عدم رضاها، ومع 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
246

207

الدرس السادس عشر: أحكام النكاح

 أذاها لا يجوز.

هـ- يجوز لكلّ منهما قول أو فعل ما يثير الشهوة بينهما.
و- يجوز للزوج أن يتخيّل زوجته بنحو يثير الشهوة إذا لم يترتّب عليه فعل الحرام كإنزال المنيّ.
ز- لا يجوز لكلّ من الزوجين أن يثير الآخر جنسيّاً باستخدام آلات خارجيّة على العورة أو غيرها من أعضاء البدن، ظاهراً وباطناً.
ح- لا يجوز للزوج ترك مجامعة زوجته الدائمة والمنقطعة أكثر من أربعة أشهر إلا بإذنها. ويجوز ذلك مع العذر، والسفر يعتبر عذراً إذا كان ضرورياً، كسفر تجارة أو تحصيل علم أو زيارة أماكن مشرّفة ونحو ذلك. دون ما إذا كان لأجل مجرّد الميل والتفريح والتفرّج على الأحوط وجوباً.
ط- يجوز للزوج أن يستمتع بزوجته بجميع الاستمتاعات التي يرغبها، في جميع الحالات والأوقات، ويستثنى من ذلك أربعة موارد، لا يجوز في بعضها بعض الاستمتاعات وفي بعضها الآخر لا تجوز جميع الاستمتاعات، وهي:

الأوّل: إذا كان الزوجان أو أحدهما مُحرِماً لعمرة أو حجّ فلا تجوز جميع الاستمتاعات.
الثاني: إذا كانت الزوجة في الحيض أو النفاس، فلا يجوز الإدخال في الفرج فقط، وتجوز سائر الاستمتاعات.
الثالث: إذا كان أحد الزوجين صائماً واجباً فلا يجوز الجماع ولا إنزال المنيّ، وتجوز سائر الاستمتاعات.
الرابع: إذا كان أحدهما معتكفاً، وكان اعتكاف الزوجة بإذن الزوج، فلا تجوز كلّ الاستمتاعات من دون فرق بين الليل والنهار.

ي- يجب على الزوجة أن تستجيب لزوجها بحقّه في الاستمتاع إن لم تكن مريضة مرضاً يمنع من ذلك، سواء أكانت دائمة أو منقطعة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
247

208

الدرس السادس عشر: أحكام النكاح

 2. نشوز الزوجة:

أ- النشوز من الزوجة هو خروجها عن طاعة الزوج الواجبة، ويتحقّق نشوز الزوجة بعدم تمكين نفسها للاستمتاع، ويتحقّق بعدم إزالة المنفّرات المبعّدة عن التمتّع بها.
ب- من علامات وأمارات النشوز تغيير عادة الزوجة مع الزوج في القول أو الفعل، بأن تجيبه بكلام خشن بعد ما كان بكلام ليّن، أو أن تظهر عبوساً وتقطّباً في وجهه وتثاقلاً ودمدمة، بعد أن كانت على خلاف ذلك، ومن أمارات النشوز كلّ ما يوجب نفور الزوج منها وانصرافه عنها، بحيث تكون المنفّرات نوعاً من الامتناع غير المباشر من تمكين نفسها. ويستحبّ لها أن تتزيّن لزوجها وتتودّد له، وتعرض نفسها عليه.
ج- لا يجوز للزوجة أن تخرج من بيت زوجها إلّا بإذن زوجها، سواء أكان خروجها منافياً لحقّ الاستمتاع أم لا. ولو خرجت بدون إذنه تكون ناشزة. نعم يجوز لها الخروج من دون إذن زوجها لأداء واجب، كالخروج لأداء حجّة الإسلام.
د- لا يتحقّق نشوز الزوجة بترك طاعة الزوج فيما ليست الطاعة بواجبة عليها، فلو امتنعت من خدمات البيت وحوائج الزوج التي لا تتعلّق بالاستمتاع كالكنس والخياطة والطبخ ونحو ذلك حتّى سقي الماء وتمهيد الفراش لم يتحقّق النشوز.

3. نشوز الزوج:
أ- يتحقّق نشوز الزوج بتعدّيه على الزوجة وعدم القيام بحقوقها الواجبة، فإذا ظهر منه النشوز جاز لها المطالبة بحقوقها ووعظها إيّاه، فإن لم يؤثّر جاز لها أن ترفع أمرها للحاكم الشرعيّ ليلزمه بأداء الحقوق لها مع الإمكان.
ب- إذا اطّلع الحاكم على نشوز الزوج نهاه عن فعل ما يحرم عليه، وأمره بفعل ما يجب، فإن نفع فلا كلام، وإن لم ينفع فيعمل الحاكم بما يراه صلاحاً؛ مثل تعزير الزوج، أو الإنفاق من مال الزوج - مثلاً - مع امتناعه من ذلك.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
248

209

الدرس السادس عشر: أحكام النكاح

 4. التوارث:

إذا ماتت الزوجة الدائمة يرث الزوج ربع مالها إن كان لها ولد، وإن لم يكن لها ولد فيرث النصف. وإذا مات الزوج فترث الزوجة ثمن ماله إن كان له ولد والربع إن لم يكن له ولد، ولا ترث من عين الأرض وما عمّر عليها، بل ترث من القيمة.

5. إذن الزوج:
في اليمين والنذر:
أ- لا تصحّ ولا تنعقد يمين الزوجة مع منع الزوج، بل لا تنعقد إذا لم يأذن، والتفصيل يقع في ثلاث صور:
الأولى: أن يأذن الزوج فتنعقد اليمين.
الثانية: أن يمنع فلا تنعقد اليمين.
الثالثة: أن لا يأذن ولا يمنع فلا تنعقد اليمين.

ب- لا يصحّ ولا ينعقد نذر الزوجة الدائمة إلّا بإذن الزوج، فيما إذا كان الزوج حاضراً، فلو كان غائباً عنها انعقد نذرها من دون إذنه.
ج- إذا أذن الزوج باليمين أو النذر فينعقد ويجب الوفاء به. ولكن يجوز له أن يحلّ اليمين بعد انعقادها فتنحلّ، ولا يجوز له أن يحلّ النذر بعد إذنه.

في وسائل منع الحمل: 
يشترط إذن الزوج فيما لو أرادت الزوجة استعمال وسائل منع الحمل.

في الصوم التطوّعيّ:
الأحوط وجوباً للزوجة أن لا تصوم تطوّعاً (أي: الصوم غير الواجب) بدون إذن زوجها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
249

210

الدرس السادس عشر: أحكام النكاح

 6. الحضانة والولاية:

المقصود بالحضانة:
الحضانة تدبير شؤون الولد في أموره العاديّة، من طعامه ولباسه ونومه وتنظيفه ودفع الأذى عنه، ونحو ذلك من الأمور الشخصيّة. وهي غير الولاية.

1. حقّ الحضانة:
أ- الأم أحقّ بحضانة الولد الذكر تمام أوّل سنتين هلاليّتين من عمره، وحضانة البنت أوّل سبع سنوات هلاليّة من عمرها. وبعد ذلك يصير الأب أحقّ بحضانتهما.
ب- إذا طلّق الرجل زوجته في مدّة حضانتها فلا يسقط حقّها بالحضانة ما لم تتزوّج غير الأب، فإذا تزوّجت بغيره سقط حقّها بالحضانة، ويصير الحقّ للأب. ولو طلّقها الثاني أو مات فإن كانت مدّة حضانة الأم باقية يعود لها حقّ الحضانة.
ج- إذا مات الأب بعد انتقال حقّ الحضانة إليه أو قبله تكون الأمّ أحقّ بحضانة الولد من الجميع حتّى لو كانت متزوّجة. وإذا ماتت الأمّ في زمن حضانتها تنتقل الحضانة إلى الأب، ويكون أحقّ من غيره.
د- تنتهي الحضانة عن الولد ببلوغه رشيداً، وبعد رشده يصير مالك نفسه، بلا فرق بين الذكر والأنثى. 
هـ- إذا كان الولد الذكر أو الأنثى صغيراً أو مجنوناً أو سفيهاً فتكون الولاية عليه للأبّ والجدّ للأب، فللأبّ وإن علا رعاية الولد القاصر، وتولية شؤونه وتدبيرها، في صحّته النفسيّة والجسديّة ومختلف شؤونه الدينيّة والدنيويّة، وتبقى هذه الولاية حتّى يصير الولد بالغاً عاقلاً رشيداً، بلا فرق في ثبوت الولاية بين ما إذا كانت الحضانة للأب أو للأم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
250

211

الدرس السادس عشر: أحكام النكاح

 2. إرضاع الولد:

مدّة الإرضاع:
يجب أن يكون الإرضاع لواحد وعشرين شهراً مع الإمكان، فلا يجوز أن ينقص عن ذلك مع الإمكان ومن غير ضرورة. وكمال الإرضاع أربعة وعشرون شهراً.

إرضاع الولد:
أ- لا يجب على الأم إرضاع ولدها مجّاناً ولا بالأجرة إلّا في صورة واحدة، وهي ما إذا لم يوجد غيرها للإرضاع وكان إطعام الولد من حليب جاهز ونحوه لا يُؤمَنُ على الولد من الضرر معه، ففي هذه الحالة يجب على الأم إرضاع ولدها مع الإمكان. ولكن لا يجب عليها ذلك مجّاناً، بل يحقّ لها المطالبة بأجرة الرضاع.
ب- إذا لم يكن مع الولد وأبيه وجدّه لأبيه مالٌ فيتعيّن على الأم إرضاع ولدها مجّاناً، إمّا بنفسها وإمّا باستئجار مرضعة أخرى، أو بأيّ وسيلة من وسائل حفظ الولد، وتكون الأجرة أو النفقة على الأم إذا كانت موسرة.

ج- لو طلبت الأمّ أجرة ووجدت مرضعة متبرّعة، أو طلبت الأم زيادة عن غيرها فيجوز للأب تسليم الولد إلى غيرها، مع بقاء حقّ الحضانة للأمّ على الأحوط وجوباً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
251

212

الدرس السادس عشر: أحكام النكاح

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

252


213

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 عدّة الوفاة 

1. عدّة الوفاة:
أ- إذا مات الزوج وجب على زوجته عدّة الوفاة، بلا فرق بين الصغيرة واليائسة وغيرهما، وبلا فرق بين الدائمة والمنقطعة، والمدخول بها وغيرها، والحامل وغير الحامل.
ب- عدّة غير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيّام هلاليّة، للدائمة والمنقطعة.
ج- عدّة الحامل أبعد الأجلين من المدّة ووضع الحمل، فتأخذ بالأطول منهما، فلو وضعت حملها قبل أربعة أشهر وعشرة أيّام فعدّتها تنتهي بانتهاء الأربعة أشهر وعشرة أيّام، وإذا انقضت الأربعة أشهر وعشرة أيّام قبل وضع الحمل فتنتهي عدّتها بوضع الحمل.
د- تبدأ عدّة الوفاة من حين وصول خبر الوفاة إلى الزوجة، فلو مات الزوج ولم تعلم الزوجة إلّا بعد مدّة ولو طويلة فعندما يصلها خبر وفاته تبدأ بالعدّة.

2. حداد الزوجة:
أ- يجب الحداد على المرأة ما دامت في عدّة الوفاة، بلا فرق بين الدائمة والمنقطعة.
ب- يجب في مدّة الحداد ترك الزينة في البدن واللباس، كالتكحيل والتطيّب والخضاب وسائر وسائل التجميل، وتترك لباس الزينة. وبالجملة تترك كل ما يعدّ زينة تتزيّن بها للزوج، وفي الأوقات المناسبة له في العادة كالأعياد والأعراس ونحوها.
ج- يختلف التزيّن بحسب الأشخاص والأزمان والبلاد، فيُلاحظ في كلّ بلد ما هو المعتاد والمتعارف فيه للتزيّن.
د- يجوز للمرأة في مدّة الحداد تنظيف بدنها ولباسها، وتسريح شعرها وتقليم أظافرها، وافتراشها بالفراش الفاخر، والسكن في منزل مزيّن، وتزيين أولادها 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
257

214

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 وخدمها، والخروج للعمل ولتأمين حوائجها ولكلّ أمر راجح كالحجّ والزيارة وعيادة المرضى، وزيارة أرحامها ولا سيّما والديها.


عدّة المطلّقة والمنقطعة

1. الصغيرة:
لا عدّة على الصغيرة غير البالغة، بلا فرق بين الدائمة والمنقطعة، وبدون أيّ استثناء.

2. اليائسة:
أ- لا عدّة على اليائسة حتّى لو كانت مدخولاً بها، بلا فرق بين الدائمة والمنقطعة.
ب- الإمام الخامنئي يستشكل في تحديد سنّ اليأس في غير القرشيّة بين الخمسين سنة هلاليّة والستّين سنة هلاليّة، وفي المسألة صورتان:
الأولى: إذا أتمّت الستّين سنة هلاليّة فهي يائسة جزماً، ولا عدّة عليها.
الثانية: إذا كانت بين الخمسين والستّين فالأحوط وجوباً لها أن تعتدّ ولا تتزوّج غيره في مدّة العدّة. أما القرشيّة فسن اليأس عندها ستين سنة هلاليّة.

3. غير المدخول بها:
لا عدّة على غير المدخول بها قُبُلاً ودبراً مهما كان عمرها، بلا فرق بين الدائمة والمنقطعة.

4. عدّة الحامل:
أ- عدّة الحامل تنتهي بوضع الحمل حتّى لو كان الوضع بعد الفراق عن الزوج بلا فصل، بلا فرق بين الدائمة والمنقطعة.
ب- إذا كانت حاملاً باثنين أو أكثر فتنتهي عدّتها بوضع الجميع، لا بوضع البعض.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
258

215

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 5. عدّة الحائل:

أ- إذا طُلّقت الحائل (غير الحامل) المدخول بها فثلاث صور:
الأولى: إذا كانت تحيض فعدّتها ثلاثة أطهار، والطهر الذي وقع الطلاق فيه يحسب من الثلاثة، وتنقضي عدّتها عند بدء الحيض بعد انقضاء الطهر الثالث.
الثانية: إذا كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض (أي: بالغة غير يائسة) فعدّتها ثلاثة أشهر هلاليّة.
الثالثة: إذا كانت تحيض ولكنّ الطهر الفاصل بين حيضتين ثلاثة أشهر أو أزيد فتكون عدّتها ثلاثة أشهر.

ب- إذا انتهت مدّة الحائل المنقطعة أو وهبها الزوج المدّة فثلاث صور:
الأولى: إذا كانت تحيض فعدّتها حيضتان كاملتان، وإذا انتهت المدّة أو وهبها المدّة في أثناء الحيض فلا يحسب هذا الحيض من العدّة، بل تحتاج إلى حيضتين كاملتين غير الحيض الذي افترقت فيه عن الزوج بوهب المدّة أو انقضائها.
الثانية: إذا كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوماً (نصف عدّة الدائمة).
الثالثة: إذا كانت تحيض ولكنّ الطهر الفاصل بين حيضتين كان ثلاثة أشهر فصاعداً فعدّتها خمسة وأربعون يوماً. ولو كان الطهر أقلّ من ثلاثة أشهر فعدّتها حيضتان.

6. مبدأ عدّة الطلاق:
تبدأ عدّة الطلاق من حين وقوع الطلاق، بلا فرق بين وصول خبر الطلاق إلى الزوجة أم لا، وبلا فرق بين كون الزوج حاضراً أو غائباً، فلو طلّقها مع كونها غائبة عنه، ولم يبلغها الخبر إلّا بعد مضيّ مقدار العدّة - مثلاً - فقد انقضت عدّتها. ونفس الحكم للمنقطعة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
259

216

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 الطلاق وأنواعه

1. أقسام الطلاق:
الطلاق الشرعيّ قسمان: رجعيّ وبائن.
الأوّل: الرجعيّ هو ما يحقّ للزوج فيه أن يُرجع زوجته إليه ما دامت في العدّة، بلا فرق بين رضاها وعدمه، ولا يحتاج في إرجاعها إلى عقد جديد.
الثاني: البائن هو ما لا يحقّ للزوج فيه أن يُرجع زوجته إليه إلّا بعقد جديد وبرضاها أو برجوعها في البذل في مثل الخُلع والمباراة في العدّة فيُرجعها إذا أراد. ويوجد قسم آخر من البائن لا يجوز فيه الرجوع أصلاً ولو بعقد جديد كما سيأتي قريباً.

2. أقسام الطلاق البائن:
الطلاق البائن سبعة أقسام:
الأوّل: طلاق الصغيرة، ولا عدّة عليها.
الثاني: طلاق اليائسة، ولا عدّة عليها.
الثالث: طلاق غير المدخول بها، ولا عدّة عليها.
الرابع: طلاق الخُلع مع عدم رجوع الزوجة عمّا بذلته للزوج. (والخُلع طلاق الزوجة الكارهة لزوجها مع بذلها فداءً ليطلّقها).
الخامس: طلاق المباراة مع عدم رجوعها عن البذل. (والمباراة طلاق الكارهين لبعضهما البعض مع بذل الزوجة فداءً لزوجها ليطلّقها).
السادس: الطلاق الثالث إذا رجع الزوج بعد الطلاق الأوّل وبعد الطلاق الثاني، بلا فرق في الرجوع بين كونه بعقد جديد أو بإرجاع في العدّة الرجعيّة، وهكذا الطلاق السادس والتاسع.

السابع: يصير الطلاق الرجعيّ بائناً إذا انقضت العدّة ولم يرجع الزوج إلى زوجته في أثناء العدّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
260

217

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 3. الخُلع:

الخلع هو الطلاق بفدية تدفعها الزوجة الكارهة لزوجها. وهو طلاق بائن.

4. شروط الخلع:
يعتبر في هذا الطلاق جميع شروط الطلاق الآتية، ويزيد عليها بأنّه يعتبر فيه كراهة الزوجة لزوجها على نحو يخاف منها الخروج عن الطاعة والدخول في المعصية على الأحوط وجوباً، ولو كانت الكراهة من الطرفين فهو مباراة.

5. البذل:
أ- لا بدّ في الخُلع من بذل شيء من الزوجة ليطلّقها الزوج، كأن تقول: "بذلتُ لك كذا لتطلّقني (أو لتختلعني)". ولا بدّ من أن ينشئ الزوج الطلاق على ما بذلته الزوجة. ويشترط عدم الفصل بين إنشاء البذل والطلاق بما يخلّ بالفوريّة العرفيّة.
ب- يجوز الفداء بكلّ ما له ماليّة، أكان قليلاً أم كثيراً، حتّى لو زاد على المهر المتّفق عليه.
ج- إذا كانت كراهة الزوجة لزوجها والتي أدّت إلى طلب الطلاق ناشئة من جهة إيذاء الزوج لها بالسبّ والضرب ونحوهما، وطلبت تخليص نفسها، فبذلت لزوجها شيئاً ليطلّقها فطلّقها، لم يصحّ الخلع، ويحرم على الزوج ما أخذه منها. نعم يصحّ الطلاق المذكور ويقع رجعيّاً فيما إذا وقع بلفظ الطلاق.
د- إذا كانت المطلّقة المختلعة في أثناء العدّة جاز لها الرجوع في البذل، فإذا رجعت فيما بذلت تصير رجعيّة، فيجوز للزوج الرجوع إلى زوجته ما دامت في العدّة، دون حاجة إلى عقد جديد. نعم يشترط في صحّة رجوعها في البذل أن يكون رجوع الزوج ممكناً بعده وإلاّ فلا يصحّ، كما في الطلاق الثالث.

6. صيغة الخلع:
أ- يقع الخلع بلفظ الطلاق، كأن يقول الزوج بعد البذل: "أنْتِ طالِقٌ على ما بَذَلْتِ"، أو 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
261

218

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 يقول: "زَوْجَتي طالقٌ على ما بَذَلَتْ".

ب- يقع الخلع بلفظ الخلع وحده، كأن يقول: "خَلَعْتُكِ على ما بَذَلْتِ"، أو "أنتِ مُخْتَلَعَةٌ على ما بَذَلْتِ". والأحوط استحباباً أن يبدأ بلفظ الخلع ثمّ ينتهي بلفظ الطلاق، كأن يقول: "خَلَعْتُكِ على ما بَذَلْتِ فأنتِ طالق".

7. المباراة:
أ- طلاق المباراة هو الطلاق بفدية تدفعها الزوجة، وتكون الكراهة من الزوجين، ويعتبر فيه جميع شروط الطلاق الآتية، ويضاف إليها دفع الفدية من الزوجة، بشرط أن لا تزيد عن المهر، والأحوط وجوباً أن تكون أقلّ من المهر.
ب- يقع طلاق المباراة بلفظ الطلاق فقط، كأن يقول الزوج: "أنْتِ طالِقٌ على ما بَذَلْتِ"، ولا يقع بلفظ "بَارَأْتُكِ" مجرّداً عن لفظ الطلاق، بينما يقع الخلع بلفظ الخلع مجرّداً.
ج- طلاق المباراة بائن، ليس للزوج الرجوع فيه بدون عقد، إلّا إذا رجعت الزوجة في الفدية قبل انقضاء العدّة، فإذا رجعت بالفدية يصير الطلاق رجعيّاً، ويجوز للزوج حينئذٍ الرجوع إلى زوجته ما دامت في العدّة، فهو كالخلع من هذه الجهة بالإضافة إلى الشرط المتقدّم سابقاً.

8. الطلاق الثالث:
أ- إذا طلّق الرجل زوجته للمرّة الأولى ثمّ أرجعها أثناء العدّة ولو بعقد جديد، ثم طلّقها مرّة ثانية، ثمّ أرجعها ولو بعقد جديد، ثمّ طلّقها للمرّة الثالثة، فإنّ زوجته تحرم عليه، ولا يجوز له أن يتزوّجها من جديد إلّا بعد أن تتزوّج من غيره بشروط ثلاثة:
الأوّل: أن يكون الزوج الثاني المحلّل بالغاً، فلا اعتبار بزواج غير البالغ وإن كان مميّزاً قريباً من البلوغ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
262

219

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 الثاني: أن تحصل من المحلّل عمليّة الجماع بالزوجة، والأحوط وجوباً أن ينزل المنيّ منه في الزوجة.

الثالث: أن يكون العقد دائماً لا منقطعاً.

ب- إذا تزوّجت المطلّقة ثلاثاً برجل آخر، ثم فارقها الآخر بموت أو طلاق، ثمّ تزوّجها الأوّل بعقد جديد بعد انقضاء عدّتها من الثاني، ثم طلّقها من جديد ثلاث طلقات بينها رجعتان ولو بعقد تحرم عليه من جديد حتّى تتزوّج رجلاً غيره، وهكذا.

9. طلاق العدّة:
أ- ليس كلّ تسع طلقات تحرّم الزوجة على زوجها مؤبّداً، بل الطلقات التسع للعدّة فقط هي التي تحرّم مؤبّداً.
ب- طلاق العدّة هو أن يطلّق الرجل زوجته طلاقاً رجعيّاً فقط فهذا طلاق أوّل، ثمّ يرجعها أثناء العدّة، ثمّ يجامعها، ثمّ يطلّقها رجعيّاً في طهر لم يجامعها فيه فهذا طلاق ثانٍ، ثمّ يرجعها أثناء العدّة، ثمّ يجامعها، ثمّ يطلّقها رجعيّاً في طهر آخر لم يجامعها فيه وهذا طلاق ثالث، ثمّ تتزوّج من محلّل، وهكذا حتّى تتمّ تسع طلقات بنفس هذه الطريقة، وتسمّى تسع طلقات للعدّة، فتحرم عليه مؤبّداً.
إن لم يرجعها في العدّة أو أرجعها ثمّ طلّقها قبل أن يجامعها فليس بطلاق العدّة، لكن الأحوط استحباباً الاجتناب عن المطلّقة تسعاً وإن لم تكن الجميع طلاق عدّة.

10. النفقة على البائن:
أ- المطلّقة البائنة لا تستحقّ النفقة والسكنى ونحوهما، ولو مات أحدهما في أثناء العدّة لا ترثه ولا يرثها.
ب- إذا كانت المطلّقة حاملاً من زوجها استحقّت النفقة والكسوة والسكنى على الزوج إلى أن تضع حملها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
263

220

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 الثاني: أن تحصل من المحلّل عمليّة الجماع بالزوجة، والأحوط وجوباً أن ينزل المنيّ منه في الزوجة.

الثالث: أن يكون العقد دائماً لا منقطعاً.

ب- إذا تزوّجت المطلّقة ثلاثاً برجل آخر، ثم فارقها الآخر بموت أو طلاق، ثمّ تزوّجها الأوّل بعقد جديد بعد انقضاء عدّتها من الثاني، ثم طلّقها من جديد ثلاث طلقات بينها رجعتان ولو بعقد تحرم عليه من جديد حتّى تتزوّج رجلاً غيره، وهكذا.

9. طلاق العدّة:
أ- ليس كلّ تسع طلقات تحرّم الزوجة على زوجها مؤبّداً، بل الطلقات التسع للعدّة فقط هي التي تحرّم مؤبّداً.
ب- طلاق العدّة هو أن يطلّق الرجل زوجته طلاقاً رجعيّاً فقط فهذا طلاق أوّل، ثمّ يرجعها أثناء العدّة، ثمّ يجامعها، ثمّ يطلّقها رجعيّاً في طهر لم يجامعها فيه فهذا طلاق ثانٍ، ثمّ يرجعها أثناء العدّة، ثمّ يجامعها، ثمّ يطلّقها رجعيّاً في طهر آخر لم يجامعها فيه وهذا طلاق ثالث، ثمّ تتزوّج من محلّل، وهكذا حتّى تتمّ تسع طلقات بنفس هذه الطريقة، وتسمّى تسع طلقات للعدّة، فتحرم عليه مؤبّداً.
إن لم يرجعها في العدّة أو أرجعها ثمّ طلّقها قبل أن يجامعها فليس بطلاق العدّة، لكن الأحوط استحباباً الاجتناب عن المطلّقة تسعاً وإن لم تكن الجميع طلاق عدّة.

10. النفقة على البائن:
أ- المطلّقة البائنة لا تستحقّ النفقة والسكنى ونحوهما، ولو مات أحدهما في أثناء العدّة لا ترثه ولا يرثها.
ب- إذا كانت المطلّقة حاملاً من زوجها استحقّت النفقة والكسوة والسكنى على الزوج إلى أن تضع حملها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
263

221

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

264


222

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

265


223

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

 الطلاق الرجعي 

1. الرجعة:
أ- الرجعة هي ردّ المطلّقة في زمان عدّتها إلى زوجها السابق بدون عقد جديد.
ب- تكون الرجعة بالقول والفعل، ويكون القول بكلّ لفظ دالّ على إنشاء الرجوع، كقوله: "رَاجَعْتُكِ إلى زواجي"، وبالفعل بأن يفعل بزوجته ما لا يحلّ إلّا للزوج، كالتقبيل واللمس والنظر بشهوة قصد به الرجوع أم لا، بل لو قصد عدم الرجوع فالأحوط وجوباً إجراء الطلاق وعدم ترتيب آثار الزوجية.
ج- لا يكفي في تحقّق الرجوع تغزّل الرجل بمطلّقته الرجعيّة بكلام حميم بما أدّى إلى إثارة الشهوة عندها.
د- لا يعتبر الإشهاد في الرجعة.

2. المطلّقة الرجعيّة كالزوجة:
أ- المطلّقة بالطلاق الرجعيّ بحكم الزوجة في الآثار، فيجب على الزوج المطلِّق أن ينفق على مطلّقته سواء أكانت حاملاً أم لا، ويجب لها على زوجها السكنى والكسوة ما لم تصر ناشزة، وإذا مات أحدهما في العدّة الرجعيّة يتوارثان.
ب- لا يجوز للمطلّق رجعيّاً أن يتزوّج أخت مطلّقته الرجعيّة ما دامت في العدّة، كما لا يجوز أن يتزوّج الخامسة ما دامت في العدّة.
ج- لا يجوز لمن طلّق رجعياً أن يخرج المطلّقة من بيته حتّى تنقضي عدّتها، نعم لو أتت بفاحشة توجب الحدّ أو بما يوجب النشوز فيجوز له أن يخرجها من بيته، وأمّا لو فعلت أيّ معصية أخرى فلا يجوز له أن يخرجها من بيته بسبب ذلك.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
269

224

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

 د- لا يجوز للمطلّقة رجعيّاً أن تخرج من بيت زوجها أثناء عدّتها إلّا بإذنه، نعم يجوز لها الخروج بدون إذنه لضرورة أو لواجب مضيّق.


3. الرجوع في العدّة:
أ- لو تزوّج امرأة متعة ودخل بها ثمّ وهبها المدّة أو انتهت المدّة، وأثناء العدّة عقد عليها بالدائم أو المنقطع ثمّ طلّقها أو وهبها المدّة قبل الدخول فيجب عليها أن تستأنف (تعيد) العدّة من جديد.
ب- إذ طلّق زوجته الدائمة وفي أثناء العدّة أرجعها إليه برجعة أو بعقد جديد ثمّ طلّقها قبل الدخول فتعيد العدّة من جديد (كما في المسألة الأولى).

4. شروط الطلاق:
أ- يشترط في صحّة الطلاق أمران:
الأوّل: تعيين المطلّقة.
الثاني: حضور شاهدين عدلين ذكرين يسمعان إنشاء الطلاق.
ب- يصحّ الطلاق على التليفون، بشرط أن يكون بجوار المطلِّق شاهدان عدلان ذكران، والأحوط وجوباً عدم كفاية سماعهما للصيغة عبر التليفون، بل لا بدّ وأن يسمعاها بحضورهما المباشر عند مجري الطلاق.

5. شروط المطلّقة:
يشترط في الزوجة التي يراد تطليقها ثلاثة شروط:
الأوّل: أن تكون زوجة دائمة. فلا يقع طلاق للمنقطعة.
الثاني: الطهارة من الحيض والنفاس حال الطلاق، إلّا فيما استثني.
الثالث: أن تكون مستبرئة بحيضة بعد المواقعة، فلا يصحّ طلاقها فيما لو طلّقها في طهر جامعها فيه أو في طهر لم يجامعها فيه ولكنّه جامعها في الحيض السابق عليه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
270

225

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

 6. موارد صحّة الطلاق في الحيض:

يصحّ طلاق الزوجة في الحيض في ثلاث حالات:
الأولى: إذا كانت غير مدخول بها، فيصحّ طلاقها في الحيض.
الثانية: إذا كانت حاملاً فيصحّ طلاقها في الحيض.
الثالثة: إذا تعذّر أو تعسّر على الزوج استعلام حال زوجته من أنّها طاهرة أو لا لغيبة أو لغيرها، فيصحّ طلاقها وإن وقع في الحيض.

7. موارد صحّة الطلاق في طهر المواقعة:
يصحّ طلاق الزوجة في طهر قد جامعها زوجها فيه في أربعة موارد:
الأوّل: اليائسة.
الثاني: الصغيرة، مع كون الدخول بها حراماً.
الثالث: الحامل.
الرابع: المسترابة، بشرط أن يكون طلاقها بعد مضيّ ثلاثة أشهر من زمان آخر مواقعة. والمسترابة هي المرأة التي تكون في سنّ من تحيض ولكنّها لا تحيض لخِلقة أو عارض.

8. صيغة الطلاق:
أ- لا يقع الطلاق إلّا بصيغة خاصّة، وهي: "أنْتِ طالقٌ"، أو "فلانة طالق"، أو "فلانة زوجةُ موكّلي فلان طالق"، ونحو ذلك.
ب- يجب أن تكون الصيغة باللغة العربيّة مع الإمكان، ومع العجز عن اللغة العربيّة يصحّ بما يرادف العربيّة من سائر اللغات.
ج- لا يصحّ الطلاق إذا كان معلّقاً على شرط، كما إذا قال الزوج: "أنتِ طالِقٌ إن طلعت الشمسُ"، فيبطل الطلاق.
د- لو قال الزوج: "زوجتي طالق ثلاثاً" أو قال: "هي طالق هي طالق هي طالق" من 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
271

226

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

 دون حصول رجعة بين الطلقة والأخرى فلم يقع ثلاث طلقات، بل تقع طلقة واحدة فقط.

هـ- يجوز للزوج أن يوكّل غيره في طلاق زوجته، بل يجوز له أن يوكّل زوجته في طلاقها، وإن كان الأحوط استحباباً عدم توكيلها.
و- كلّ طلاق لا يكون جامعاً للشروط لا يكون شرعيّاً، ويسمّى الطلاق البدعيّ.

فقدان الزوج

1. أحكام فقدان الزوج:
أ- إذا فقد الزوج ولم يصل عنه أيّ خبر، ولا ظهر منه أثر، ولم يُعلم موته أو حياته، فصورتان:
الأولى: أن يتمّ الإنفاق على الزوجة.
الثانية: أن لا يتمّ الإنفاق عليها.

ب- إذا بقي للزوج مال تنفق زوجته منه، أو كان للزوج وليّ يتولّى أموره ويتصدّى للإنفاق على الزوجة، أو وُجد متبرّع للإنفاق عليها، ففي جميع هذه الحالات يجب على الزوجة أن تصبر وتنتظر، ولا يجوز لها أن تتزوّج حتّى تعلم بوفاة زوجها أو طلاقه لها.
ج- إذا لم يكن الإنفاق عليها متحقّقاً، فإن صبرت على ذلك كان لها ذلك، ولا يجوز لها أن تتزوّج حتّى تعلم بوفاة زوجها أو تطليقه لها. وإن لم تصبر وأرادت الزواج ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ.
د- إذا رفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعيّ يقوم بتأجيلها أربع سنين هلاليّة من حين رفع القضيّة إليه، ثمّ يتفحّص عن الزوج في تلك المدّة، فإن لم يتبيّن أنّ الزوج ميّت أو حيّ فصورتان:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
272

227

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

 الأولى: إذا كان للزوج الغائب وليّ يتولّى أموره فيأمره الحاكم بطلاقها، فإن لم يطلّقها يجبره الحاكم على ذلك.

الثانية: إن لم يكن للغائب وليّ، أو كان له وليّ ولم يمكن إجباره على طلاق زوجة الغائب فيطلّقها الحاكم الشرعيّ من جهة ولايته على ذلك. وبعد الطلاق تعتدّ الزوجة أربعة أشهر وعشرة أيام (عدّة الوفاة)، فإذا انقضت المدّة جاز لها التزويج، وتفحّص الحاكم عن الزوج الغائب له تفاصيل كثيرة تُراجع في كتاب تحرير الوسيلة لمن يشاء.
هـ - لو تزوّجت المرأة بعد طلاق الحاكم لها واعتدادها ثمّ عاد الزوج الأوّل فلا سبيل له عليها، بل تكون للزوج الثاني.
و- إذا لم يحصل طلاق من الحاكم بل علمت الزوجة بوفاة زوجها فاعتدَّت عدّة الوفاة (دون تطليق)، ثمّ تزوّجت من رجلٍ آخر، وبعد ذلك ظهر زوجها الأوَّل وأنّه لم يكن ميّتاً فيحكم ببطلان زواجها الثاني، وتكون للزوج الأوّل.

العيوب الموجبة لخيار الفسخ

يجوز لكلّ من الزوجين فسخ عقد النكاح إذا وجدت بعض العيوب في الطرف الثاني بشروط خاصّة، منها:
1. جنون الرجل:
أ- يجوز للزوجة فسخ النكاح إذا كان زوجها مجنوناً قبل العقد، ولم تكن تعلم بجنونه، وبعد العقد علمت بأنّه مجنون، بلا فرق بين ما إذا حصل الدخول بها أم لا. كما ويجوز لها - أيضاً - أن تفسخ النكاح فيما إذا عرض الجنون عليه بعد العقد، سواء أحدَثَ بعد الدخول أم قبله.
ب- لو علمت المرأة قبل العقد أنّ الرجل مجنون ومع ذلك رضيت أن تتزوّج به فلا يحقّ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
273

228

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

  لها الفسخ، بل يكون الزواج صحيحاً مستقرّاً.


2. فقدان بكارة المرأة:
لو تزوّج الرجل بامرأة على أنّها بكر فبانت ثيّباً (وهي التي ذهبت بكارتها بوطء محلّل أو محرّم) ففي المسألة صورتان:
الأولى: إذا ذُكرت البكارة على نحو الاشتراط في العقد، أو وُصفت المرأة بالبكارة في العقد وإن لم يكن بعبارة الاشتراط، كما إذا قال العاقد: "زوّجتك هذه البكر"، أو وصفت بذلك قبل العقد عند الخطبة، فيكون للزوج حقّ الفسخ.
الثانية: إذا لم يتحقّق أحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة فليس للزوج خيار الفسخ.

3. صفات الكمال عند المرأة:
إذا تزوّج رجل بامرأة على أساس أنّها تملك صفات معيّنة (كلون البشرة وعدم وجود شعر في أمكنة معيّنة وعدم وجود تشوّهات ونحو ذلك)، وأنّها لو لم تملك هذه الصفات لما تزوّجها، وقد دلّست المرأة عليه فأخبرته أنّها بهذه الصفات، وقد تزوّجها على هذا الأساس، ثمّ اكتشف أنّها لا تمتلك هذه الصفات جاز له فسخ الزواج، ولا تستحقّ مهراً منه حتى لو حصل الدخول.

2. صفاتٌ عند الرجل:
إذا اشترطت المرأة في ضمن العقد أو وقع العقد مبنيّاً على شرط كأن يكون متديّناً - مثلاً -، فدلّس الرجل عليها وأخبرها أنّه يمتلك هذه الصفات، فتمّ العقد على هذا الأساس، ثمّ اكتشفت أنّه لا يملك هذه الصفات فلها حقّ الفسخ.

3. الأمراض المعدية أو الخطيرة: 
إذا كان أحد الزوجين قبل العقد مريضاً بأمراض معدية أو مميتة كالسيدا و السرطان ونحوهما، ولم يكن الطرف الآخر يعلم بذلك فصورتان:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
274

229

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

 الأولى: إذا تمّ اشتراط عدم هذه الأمراض في العقد، أو تمّ التوصيف بالسلامة منها، أو تمّ البناء على السلامة منها، وانكشف بعد العقد العكس، فيجوز للمدلَّس عليه الفسخ.

الثانية: إذا لم تتحقّق هذه الأمور فليس للمدلَّس عليه حقّ الفسخ.

4. بعض أحكام الفسخ:
أ- خيار الفسخ فوريّ، فلو علم صاحب حقّ الفسخ بالعيب ولم يبادر إلى الفسخ يصير العقد لازماً ويسقط الخيار. وأمّا مع الجهل بالخيار أو الجهل بالفوريّة لا يسقط الخيار مع عدم المبادرة.
ب- الفسخ بالعيب ليس بطلاق، فلا يعتبر فيه الخلوّ من الحيض والنفاس في الزوجة، ولا حضور الشاهدين. وأمّا المهر فله تفاصيل عديدة، فيراجع كتاب تحرير الوسيلة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
275

230

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

276 


231

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

277


232

الفهرس

 الفهرس

المقدّمة

5

الدرس الأوّل: أسس الحياة الزوجيّة

13

المودّة والمحبّة

15

التعاون والتفاهم

17

حُسن المعاشرة

18

المداراة وضبط النفس

19

التزيّن

20

الدرس الثاني: أسباب المشاكل الزوجيَّة وسُبُل علاجه

25

أسباب الخلافات الزوجية

27

 آثار الخلافات الزوجية

33

وسائل علاج الخلافات بين الزوجين

35

الدرس الثالث: التربية الدينيّة،ضرورتها وأهدافها

47

ما هي التربية؟

49

 العناصر الأساسية للتديّن

50

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

279


233

الفهرس

 

أهمّيّة التربية الدينيّة

51

 الهدف من التربية الدينية

52

الدرس الرابع: العوامل المؤثِّرة في عمليّة التربية 1

59

الوراثة

61

 المحيط

65

الدرس الخامس: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّه

73

تمهيد

75

 التّغذية

75

المصاعب والشّدائد

76

الإرادة

77

العوامل الغيبية

78

الدرس السادس: التفاوت في عمليّة التربية

85

الاختلاف بين تربية الفتيات والفتيان

87

 الإسلام والفتيات

88

الاختلاف في التربية بين الفتاة والصبي

89

الدرس السابع: الواجبات التربويّة للأبوين تجاه الأبناء

97

الوظائف والواجبات التربويّة

99

 التزام الوالدين بالأوامر الدينيّة

99

 حسن اختيار المعلّمين والمربّين

100

 المساعدة في اختيار الأصدقاء

101

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

280


234

الفهرس

 

التوجيه نحو القدوة الصحيحة

101

تعليم المعارف والآداب الدينيّة

102

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

104

الوعظ والإرشاد

105

تنمية الشخصية

107

الدرس الثامن: موانع التربية الدينيّة

113

الموانع الناشئة من المربّين

115

الموانع الناشئة من اتّباع الأساليب الخاطئة

118

الموانع الناشئة من البيئة

123

 الموانع الناشئة من التغذية

123

الدرس التاسع: التربية العاطفيّة للأبناء

129

التربية العاطفيّة

131

 الحذر من النقص العاطفي

132

 العطف والمحبّة في النصوص الدينية

133

 شرائط المحبّة

135

الرفق والمداراة

136

 الترغيب والتأديب

137

الدرس العاشر: التربية الدينيّة للأطفال

145

مقدّمة

147

 الرعاية في مرحلة ما بعد الولادة

147

الرعاية في مرحلة ما قبل الولادة

154

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

281


235

الفهرس

 

الدرس الحادي عشر: التربية الدينيّة للمراهقين

163

مرحلة المراهقة

165

 المراهقة والبلوغ

165

خصائص المراهقة

167

التربية الدينيّة في مرحلة المراهقة

170

وظائف الوالدين التربويّة والدينيّة

171

الدرس الثاني عشر: التربية الجنسيّة للأبناء

181

التربية الجنسيّة للأطفال

184

التربية الجنسيّة للمراهقين

189

الدرس الثالث عشر: التربية الاجتماعيّة للأبناء

199

أهمّيّة التربية الاجتماعيّة للأبناء

201

الوقوف بوجه الظلم والظالمين

202

 الإحسان إلى الوالدي

203

 صلة الأقارب والأرحام

204

 العلاقة الطيّبة مع الجيران

206

 التعامل مع المؤمنين

207

مراعاة النظام العامّ

209

الدرس الرابع عشر: عقد النكاح النكاح الدائم

209

النكاح الدائم

221

المهر

227

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

282


236

الفهرس

 

الدرس الخامس عشر: النكاح المنقطع وأسباب التحريم

231

النكاح المنقطع

233

أسباب التحريم

235

الدرس السادس عشر: أحكام النكاح

243

النفقة

245

العلاقة الخاصّة

256

الدرس السابع عشر: العِدَد والطلاق

255

عدّة الوفاة

257

الطلاق وأنواعه

260

العدد

264

الطلاق

265

الدرس الثامن عشر: الطلاق الرجعيّ وخيار الفسخ

267

الطلاق الرجعي

269

 فقدان الزوج

272

 العيوب الموجبة لخيار الفسخ

273

الفهرس

279

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

283


237
التربية الأسريّة