دروس تمهيدية في ولاية الفقيه


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-04

النسخة: 2016


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

 الفهرس

9

المقدمة

11

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

13

تمهيد

13

الحكومة ضرورة اجتماعيّة

15

الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقيم حكومة ويعيّن حاكماً

16

شموليّة الإسلام

21

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

23

تمهيد

23

مفهوم القانون

24

ضرورة القانون للمجتمع

25

القيّم على القانون

26

صفات القيّم على القانون

26

النتيجة

31

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

33

تمهيد

33

وجوه الحاكميّة

34

حقّ الحاكميّة في الرؤية الإسلاميّة

34

أدلّة الحاكميّة الإلهيّة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

41

الدرس الرابع: ولاية المعصوم - النبيّ والأئمّة عليهم السلام

43

تمهيد

43

ولاية الأنبياء والرسل عليهم السلام

45

ولاية الأئمّة المعصومين عليهم السلام

54

نكات مهمّة حول الآية الكريمة

46

صلاحيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام

53

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

55

تمهيد

55

فلسفة الغيبة

57

الغيبة الصغرى

58

الغيبة الكبرى

58

دور العلماء في عصر الغيبة

65

الدرس السادس: ولاية الفقيه

67

تمهيد

68

ما هي ولاية الفقيه؟

68

ولاية الفقيه

69

الولاية لُطف

70

الدليل العقلي على الولاية

77

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

79

تمهيد

79

الدليل العام: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

80

الأدلّة الخاصّة: الروايات

89

الدرس الثامن: شروط الحاكم

91

تمهيد

91

شروط الحاكم الإسلامي

96

وظائف الحاكم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

6


2

الفهرس

 

105

الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

107

تمهيد

107

نظرية البيعة

109

نظرية الشورى

109

أدّلة نظريّة الشورى

115

الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)

117

تمهيد

117

نظرية التصدّي

118

نظريّة الانتخاب‏

119

طرق التشخيص ثلاثة

125

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

127

تمهيد

127

وحدة ولاية الفقيه

128

أدلّة وحدة ولاية الأمر

129

صور تعدّد الولي

131

مناقشة فرضيّة التعدّد الثالثة

132

الرأي الصحيح

137

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

139

تمهيد

139

حفظ الدين

140

نفس أهداف البعثة

141

تعليم وتربية الإنسان

141

إحياء العدل

142

الاستقلال والحريّة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

7


3

المقدمة

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، وبعد...

يمكن أن نقول، ومن دون أدنى تردُّد أو شكّ، إنّ نظرية ولاية الفقيه في عصرنا الحالي أحدثت تغيُّراً حقيقيّاً هائلاً في حياتنا على مختلف الأصعدة والمجالات، السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية. تغيُّر لا يستطيع أحد أن ينكره، ولا أن ينكر بصماته الواضحة على المشهد الحالي لحياتنا المعاصرة بكلّ تفاصيلها وتشعّباتها. ولا نبالغ إن قلنا إنّ ولاية الفقيه، كإدارة ونظام حكم إسلامي، لم تقلّب حياتنا رأساً على عقب، بل قلّبت وجه العالم برّمته، وغيّرت مجرياته ومساره نحو اتّجاهات أخرى، لم يكن أحد يتصوّرها حتى يحتملها.

ونحن في هذه الأيام نشهد ونعيش تفاصيل هذا التغيُّر بشكل يومي تقريباً، فقد أحدثت نظرية ولاية الفقيه - التي أعاد إحياءها الإمام الخميني قدس سره - نقلة نوعيّة في فهمنا لحقيقة الإسلام. فاستخرجها من تراثنا الإسلامي الأصيل، وأجراها في ساحة العمل والتطبيق، ليعيد بذلك إلى الأمّة الإسلامية مجدها واقتدارها، الذي فقدته منذ قرون خلت. فبعث فيها تلك القوّة الخفيّة التي أرعبت في العصور الغابرة مشركي قريش، فدمّرت بنيانهم الخاوي، وأدهشت مشركي هذا العصر، غاصبي حقوق الإنسان، ناهبي خيرات وثروات الأوطان، سفّاكي دماء المظلومين والمستضعفين، فوقفوا عاجزين أمام هذا المدّ الإلهي الذي سرى في هذا العالم، بعد أن رجع الناس إلى ذلك الفقيه فبايعوه، مشوا خلفه واتّحدوا معه، فساروا في قافلة واحدة نحو لقاء المحبوب الأوحد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

4

المقدمة

 فما كان يُرعب العالم المستكبر ويخيفه، هو أن تُعاد الوحدة إلى هذه الأمّة، الوحدة بكلّ أشكالها، الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية... ولكن أكثر ما كان يقضّ مضجعهم، هو تلك الوحدة الدينية والمرجعية المتوحِّدة بشكل حكومة عنوانها الإسلام، وباطنها العمل بالسنّة والقرآن.


ومن أكثر ما يُقلقهم، أن يُعاد إحياء هذا الأصل الإسلامي, البيعة للإمام المعصوم عجل الله تعالى فرجه الشريف المتمثّلة بالبيعة لنائبه بالحقّ، القائد الأعلى للحكومة، والحاكم الإسلامي - الذي يحكم بين الناس بالعدل والإحسان، وبما يريد الله تعالى، والقرآن وأهل بيته - الولي الفقيه.

وهذا الكتاب "دروس تمهيدية في ولاية الفقيه" محاولة لتسليط الضوء على هذا البنيان المرصوص "ولاية الفقيه"، لنقدّم إلى القارىء، وبأسلوب مبسّط وسهل، مادّة علمية أوّلية غير معقّدة علمياً حول ولاية الفقيه، هي بمثابة حلقة أولى من سلسلة حلقات أخرى سوف تعقبها، بهدف توسيع البحث وتعميقه أكثر فأكثر، وحلّ مختلف إشكالاته ومسائله العلمية.

والحمد لله رب العالمين
مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

5

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُبيِّن أهمّيّة وضرورة الحكومة في المجتمع.
2- يذكر بعضاً من وظائف الحكومة.
3- يستدلّ على ضرورة الحكومة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الحكومة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

6

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 تمهيد

إنّ وجود نظام اجتماعي وحكومة عادلة تحفظ حقوق المجتمع لهو من أهمّ الأمور الضروريّة في الحياة البشريّة. فإنّ الإنسان مدنيّ بطبعه، لا يحصل على حاجاته إلا تحت ظلّ حكومة حاسمة وعادلة، ولذلك كانت الحكومة أو الدولة موجودة في جميع مراحل الحياة.

وإنّ تكامل المجتمع وتحقّق الرشد الأخلاقي والتناصف والإيثار بين جميع أفراده، يصعب بل يستحيل تحقّقه دون نظام يجمع أمرهم في المصالح العامّة، وهذا لا يختصّ بعصرٍ دون آخر، أو ظرفٍ دون آخر.

فالإنسان يحتاج إلى حكومة صالحة لائقة حافظة لحقوق الأمّة الآخذة بيدها، وهذا ممّا يحكم العقل السليم بضرورته وأهمّيته.

الحكومة ضرورة اجتماعيّة
تستدعي الحياة الاجتماعيّة وجود مؤسّسات متعدّدة، فالمؤسّسة التشريعيّة ضروريّة لأجل وضع القانون وتطبيقه ضمن الظروف الاجتماعيّة الخاصّة، والمؤسّسة الإجرائيّة - التنفيذيّة - حاجة ضروريّة أيضاً لأجل تنفيذ القانون وتطبيقه عمليّاً في المجتمع، ولأجل المحافظة على الاستقرار الأمني الداخلي والخارجي، وكذلك المؤسّسة القضائيّة حاجة ضروريّة لأجل الحدّ من المخالفات الشخصيّة والعامّة، ولإجراء العدل بين الناس. إنّ مجموع هذه المؤسّسات تُسمّى بالحكومة، والحكومة هي المسؤولة عن الأمور الاجتماعيّة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

7

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 العامّة، كحفظ الأمن والدفاع، وبسط العدالة، والرقيّ الاجتماعي، والصحّة، والتعليم، وغيرها.

 
وإنّ هذا الأمر لم يكن خاصّاً بمجموعةٍ محدّدةٍ من الناس أو بزمان معيَّن, بل إنّ المجتمعات البشريّة كافّة على مرّ التاريخ تحتاج إلى الحكومة لإدارة المجتمع.
 
وإنّ من ينكر ضرورة وجود حكومة يرجع أمره في الحقيقة إلى أنّه يريد الحريّة المطلقة دون أيّ حساب أو قيد، أو إنّه من زمرة الأشرار الذين يخافون من الحساب والنظام، أو إلى شخص عانى من ظلم الحكومات الجائرة. فالخوارج مثلاً طرحوا شعار: لا حكم إلا لله، لأجل نفي حاكميّة أيّ شخص في المجتمع، وكان أن أجابهم أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "كلمة حقّ يراد بها باطل"1.
 
بمعنى أنّه إذا كان مرادكم أنّ الحاكميّة في الأصل هي لله عزّ وجلّ، فهذا أمر لا شكّ فيه، ولكن إن كان المراد أنّه لا ينبغي أن يكون هناك حاكمٌ على الناس، فهذا أمر باطل، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وإنّه لا بدّ للناس من أمير، برّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلّغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدوّ، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتّى يستريح بَرّ، ويُستراح من فاجر"2.
 
ويشير الإمام عليه السلام في كلامه هذا إلى مجموعة من وظائف الحكومة:
1- المنع من الهرج والمرج.
2- تحصيل الضرائب الماليّة.
3- محاربة الأعداء.
4- تحصين الأمن الداخلي.
5- إجراء العدالة.
 
هذه هي أهمّ الضرورات الاجتماعيّة التي تتحقّق بتوسّط الحكومة والدولة.



1 الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الامام علي عليه السلام, خطبة 4.
2 م.ن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

8

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 وفي رواية أخرى عن الإمام الرضا عليه السلام، يرويها الفضل بن شاذان، في جوابٍ للإمام عليه السلام عن أولي الأمر، وأنّه لِم فرض الله طاعتهم؟

قال عليه السلام: "إنّ الخلق لمّا وقفوا على حدٍّ محدود، وأُمِروا أن لا يتعدّوا ذلك الحدّ، لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يُجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم من التعدِّي والدخول في خطر عليهم، لأنّه لو لم يكن ذلك كذلك، لكان أحدٌ لا يترك لذّته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّماً يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام. ومنها: إنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملّة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيّم ورئيس، ولما لا بدّ لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوّهم، ويقسّمون به فيئهم، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم"1.
 
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقيم حكومة ويعيّن حاكماً
لقد استدلّ الإمام الخميني قدس سره على ما تقدّم من كون الحكومة ضرورة اجتماعية، في كتابه "الحكومة الإسلامية" من خلال سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم2، حيث عرض سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونهجه كدليل على لزوم تشكيل الحكومة، وذلك:
أوّلاً: لقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتشكيل حكومة إسلامية في شبه الجزيرة العربيّة، والتاريخ يشهد بذلك. وقد قام من خلال هذه الحكومة بتطبيق القوانين، وتثبيت أنظمة الإسلام، وإدارة المجتمع، فأرسل الولاة إلى رؤساء القبائل والملوك، وعقد المعاهدات والاتّفاقات، وقاد الحروب. والخلاصة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قام بتطبيق مسائل الحكم والدولة في المجتمع الإسلامي من خلال إقامته للحكومة.
 
ثانياً: لقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمرٍ من الله تعالى بتعيين خليفةٍ له من بعده، يدير شؤون الحكم والحكومة في المجتمع، وعندما يعيّن الله تعالى حاكماً للمجتمع بعد 



1 العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج6، ص60، تحقيق يحيى العابدي، نشر مؤسسة الوفاء، لبنان، ط2، 1983م، باب علل الشرائع والاحكام.
2 الإمام الخميني، روح الله، الحكومة الإسلامية، ص22 – 23، بتصرّف.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

9

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا يعني لزوم استمرار الحكومة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً. وبما أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أبلغ الأمر الإلهي في وصيّته في حادثة الغدير وغيرها، فيكون بذلك قد أفاد بضرورة تشكيل الحكومة أيضاً.

 
إنّ الذي يظهر لنا مما تقدّم أن أيّ مجتمع يسعى لبقاء حياته الاجتماعية صالحة، ويسعى للوصول إلى الأهداف الإنسانيّة العليا، وتحقيق الكمال، لا بدَّ له من العمل على تحقيق أمرين:
1- وجود قانون عادل يستجيب ويلبّي جميع الاحتياجات الماديّة والمعنويّة.
2- وجود نظام حكم وقائد مدبّرٍ قادر على إجراء القانون وتحقيق الهداية والعدالة الاجتماعيّة بين الناس.
 
شموليّة الإسلام
ينطوي الإسلام على منهج متكامل للحياة، الفرديّة منها والاجتماعيّة، فهو دين متعدّد الأبعاد، وأحكامه شاملة لكافّة الجوانب الحياتيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة... فالإسلام دين يهدف إلى تنظيم حياة الفرد والمجتمع مع، حيث يعلّم الإنسان كيفيّة تنظيم علاقاته مع سائر البشر، وكيف يقيم المجتمع العلاقات مع مجتمع آخر، فما من حركة أو عمل لفرد أو مجتمع إلا وكان الإسلام قد أقرّ له حكماً، قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾1.
 
أما السياسة فهي في المفهوم الإسلامي أوسع نطاقاً ودائرةً ممّا يُقصد منها اليوم، فالسياسات اليوم تقتصر في إدارتها وهدايتها لشؤون المجتمع على الجانب المادّي منه، وهذا لا يمثّل إلا جزءاً يسيراً من السياسة في المفهوم الإسلامي. 
 
الإسلام يدعو إلى هداية الإنسان دون إغفال أيّ بُعْد من أبعاده المتعدّدة، للأخذ بيده إلى طريق سعادته وصلاحه. 
 
وهذه السياسة تطبيقها مختصّ بالأنبياء والأولياء، ومن ثمّ أتباعهم من علماء الإسلام اليقظين، أمّا من هم دون هذه المرتبة فلا شكّ ولا ريب في طغيان ميولهم وأهوائهم عن 



1 سورة النحل، الآية 89.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

10

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 نهج الحقّ والعدالة وبالتالي عجزهم عن تحقيق الأهداف الإلهية في سياسة الناس.

 
وإلى هذا يشير ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، مقارناً بين سياسة عليّ عليه السلام وسياسة غيره من الحكّام: "واعلم أنّ قوماً ممّن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام...، ثمّ زعم أعداؤه ومباغضوه أنّ معاوية كان أسوس منه وأصحّ تدبيراً... اعلم أنّ السائس لا يتمكّن من السياسة البالغة إلا إذا كان يعمل برأيه، وبما يرى فيه صلاح ملكه، وتمهيد أمره، وتوطيد قاعدته، سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها، ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ما قلناه، فبعيد أن ينتظم أمره، أو يستوثق حاله، وأمير المؤمنين عليه السلام كان مقيّداً بقيود الشريعة، مدفوعاً إلى اتّباعها ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقاً"1.



1 ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، ج10، ص212، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، نشر مؤسسة اسماعيليان.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

11

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

18


12

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 أسئلة الدرس


ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- إنّ الإنسان في مسيرته الاجتماعية عبر التاريخ كان يحرص دائماً على وجود منظّمة ترعى له كافّة شؤون حياته. 

2- أكّدت الروايات الشريفة على ضرورة وجود نظام، دون إشارة إلى ضرورة وجود الحاكم. 

3- عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على تشكيل حكومة، قام من خلالها بتثبيت أنظمة الإسلام وتطبيق قوانينه وإدارة المجتمع. 

4- إنّ الدين الإسلامي يشتمل على قوانين وأحكام تعمل على تنظيم الحياة الفردية فقط. 

5- الحكومة هي عبارة عن مجموعة من المؤسّسات الإدارية القادرة على تشريع وتطبيق القانون في المجتمع. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

13

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 للمطالعة


ما هي مكانة الدستور في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران؟
الجواب: من الضروري الالتفات إلى المسائل المطروحة بشأن أصل ضرورة القانون، دور الخبراء الحقوقيين، التعهّد المتبادل للجماهير، التعهّد المتبادل لإمام الأمّة، المصادقة الرسميّة على الدستور من قبل إمام الأمّة، التعهّد الشرعي، ووجوب العمل بالقانون بعد المصادقة، والتعهّد المتبادل، وأمثال ذلك.

1- إنّ ضرورة وجود (قانون) في أيّ مجتمع هي أمر لا يمكن إنكاره، ولا يمكن أن يقول قائل: إنّه لا حاجة للقانون، لأنّ الفقيه الجامع للشروط المعيّن من قبل الإمام المعصوم عليه السلام هو على رأس الحكم، وبهذا لن يشهد البلد الفوضى، فيجب أن يعلم الناس ما هو القانون الذي يتعاملون به, وكيف يريد القائد إدارة المجتمع، وما هي التعهّدات المتبادلة بين الإمام والأمّة.

إنّ القانون هو من أجل أن يعلن الفقيه الجامع للشروط، للناس كيفيّة إدارة المجتمع وممارسة الولاية الإسلاميّة.

2- إنّ الدستور هو عبارة عن مجموعة قوانين تمّت دراستها بدقّة, وصدّق عليها، وجعل عليها التعهّد المتبادل لعقلاء الشعب، وصادق وليّ المسلمين عليها.

3- بعد مصادقة والي المسلمين على التعهّد المتبادل، فإنّ الالتزام به واجب, ولكن قد يتطرّق النقص أو العيب أو كلاهما إلى هذا الدستور الذي تمّ تنظيمه من قبل فقهاء ومجتهدين وأخصائيين, لأنّه من صنع يد البشر.

آية الله جوادي آملي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

14

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

 الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُبيّن مفهوم القانون، ويربطه بالشريعة الإلهيّة.
2- يستدلّ على ضرورة القانون للمجتمع.
3- يعدّد أهم صفات القيّم على القانون.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

15

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

 تمهيد

قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾1.
يؤكّد الله تعالى في هذه الآية تزامن إرسال الرسل مع إنزال الكتاب والميزان. والهدف من إنزالهما تمكين الناس من القيام بالقسط وتحكيم العدالة في المجتمع. فالقرآن يُصرّح بأنّ الله تعالى وضع القوانين من أجل إقرار العدل في المجتمع الإنساني، وأنزلها بواسطة الأنبياء في صورة كتب سماوية.
 
والبحث في هذا الدرس يدور حول ثلاثة مواضيع، هي:
1ـ مفهوم القانون.
2ـ ضرورة القانون للمجتمع.
3ـ القيّم على القانون.
 
مفهوم القانون
القانون عبارة عن مجموعة من المقرّرات التي تشتمل على الواجبات والممنوعات (ما ينبغي وما لا ينبغي)، وهذه المقرّرات هي التي تُحدِّد وتنظِّم حركة الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه.



1 سورة الحديد، الآية 25.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

16

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

 فالقانون يُقصد به تلك الفرضيّة التي تنصّ على ما يجب على الناس من أفعال وتروك في حياتهم الفرديّة والاجتماعيّة.


والشريعة الإلهيّة هي مجموعة من التشريعات والأنظمة الإلهية التي تشمل الجوانب الحياتية للإنسان كافّة، وفي مختلف الأصعدة والمراحل. وما الأحكام الشرعيّة من واجب وحرام ومستحبّ ومكروه ومباح إلا طريق مرسوم، ينبغي للإنسان أن يسلكه ويلتزم به، فيعرف ما له من حقوق، وما عليه من واجبات، تجاه الخالق والمخلوقين ونفسه. والشريعة الإلهيّة هي قانون سماويّ ينظّم حياة الإنسان بمختلف جوانبها وحيثيّاتها.

ضرورة القانون للمجتمع
هل هناك ضرورة لوجود قانون يحكم المجتمع؟ ما هي النتائج المترتّبة على عدم وجود قانون للناس؟ في الإجابة على هذين السؤالين نعرض دليلاً يتكوّن من مقدّمتين ونتيجة.

المقدِّمة الأولى:
إنّ الإنسان لا يستغني في حياته عن المجتمع، والدليل على ذلك هو أنّ الدافع العقلائي الاختياري للإنسان لانتخاب الحياة الاجتماعيّة يرجع إلى ملاحظة المنافع التي ترجع إليه, فإنّه يرى أنّ مجموعة من احتياجاته الماديّة والمعنويّة تتوقّف على الحياة الاجتماعيّة، وبدون المجتمع لا يمكن للإنسان تأمين هذه المنافع، أو إنّها تكون ناقصة غير تامّة، وهذا أمر بديهيّ لا يحتاج إلى مزيد من التوضيح.

المقدِّمة الثانية:
إنّ من لوازم الحياة الاجتماعيّة وجود التضارب والتضادّ بين مصالح أفراد المجتمع, أي إنّ الناس في حياتهم الاجتماعيّة، ومن خلال التعاون الذي يتمّ بينهم وتقسيم الوظائف فيما بينهم، يقع التضارب بين منافع بعضهم بعضاً. فبعضهم يسعى إلى تحصيل نصيب أكبر من الإمكانات والمواهب الطبيعيّة بثمنٍ أقل، أو يسير بنحو لا يتطابق مع ميول الآخرين, فيقع الاختلاف بينه وبين الآخرين. والطريق لأجل الحدّ من هذا الاختلاف، إنّما هو وجود قانون مدوّن يُتَحاكَم إليه عند الاختلاف.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

17

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

 إنّ هذه المقدّمة بديهيّة، وبداهتها تظهر من ملاحظة ميول الإنسان، مادّية كانت أم معنويّة، فإنّها تدلّ ـ وبوضوح ـ على أنّه من غير الممكن تأمين مصالح جميع أفراد المجتمع، وإنّ الإنسان إذا أراد أن يعيش ضمن المجتمع، فإنّه لا بدَّ له أن يُحدِّد ميوله، وأن لا يفعل كلّ ما تميل إليه نفسه, لأنّ عدم رعاية الحدود يؤدّي ـ وبشكل حتمي ـ إلى التصادم، الذي سوف يؤدّي بدوره إلى تزلزل الحياة الاجتماعيّة وتعارض مصالح البشر فيها. وعليه، فلا بدّ لأجل الحدّ من الاختلافات أو إزالتها نهائيّاً من ملاحظة الالتزام بالحدود والقوانين.


ثمّ إنّنا على ضوء هذه الحدود والقوانين، بشرط تطبيقها، يمكننا تأمين الظروف المناسبة لتكامل جميع أفراد المجتمع ماديّاً ومعنويّاً, وتحقيق حياة اجتماعيّة صحيحة.

إنّ ضمّ هاتين المقدّمتين سوف يوصلنا إلى النتيجة المطلوبة، وهي: إنّ وجود قانون للمجتمع أمر ضروري.

القيّم على القانون
ولكن القانون لوحده لا يكفي كما يقول الإمام الخميني قدس سره في كتاب الحكومة الإسلامية بل لا بد من وجود قيّم على هذا القانون يضمن تنفيذه بشكل دقيق وكامل: "وجود القانون المدوَّن لا يكفي لإصلاح المجتمع. فلكي يصبح القانون أساساً لإصلاح البشرية وإسعادها، فإنّه يحتاج إلى سلطة تنفيذية, ولذا أقرّ الله تعالى الحكومة والسلطة التنفيذية والإدارية إلى جانب إرسال القانون, أي أحكام الشرع. وكان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على رأس التشكيلات التنفيذية والإدارية للمجتمع الإسلامي، واهتمّ صلى الله عليه وآله وسلم بالإضافة إلى إبلاغ الوحي وبيانه وتفسير العقائد والأحكام والأنظمة الإسلامية، بإجراء الأحكام وإقامة نُظُم الإسلام، إلى أن وجدت الدولة الإسلامية، فلم يكتفِ في ذلك الزمان مثلاً ببيان قانون الجزاء فحسب، بل قام مع ذلك بتنفيذه أيضاً، فقطع الأيدي ورجم وأقام الحدود. فعندما عيّن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم خليفة بعده، لم يكن ذلك لمجرّد بيان العقائد والأحكام، بل كان لأجل تطبيق الأحكام وتنفيذ القوانين أيضاً.

وكانت وظيفة تنفيذ الأحكام وإقامة نُظُم الإسلام هي التي جعلت تعيين الخليفة مهمّاً إلى درجة لولاه لما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بلّغ رسالته، ولما كان أكملها، إذ إنّ المسلمين بعد 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

18

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

 الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يحتاجون إلى من يطبّق القوانين، ويقيم النظم الإسلامية في المجتمع لتأمين سعادة الدنيا والآخرة.

 
فالقانون والنُظُم الاجتماعية تحتاج أساساً إلى منفِّذ. ففي جميع بلاد العالم كان الأمر دوماً بهذا النحو، فالتشريع وحده لا فائدة فيه. التشريع وحده لا يؤمّن السعادة للبشر. وبعد التشريع يجب أن توجد سلطة تنفيذية تنفّذ القوانين وأحكام المحاكم لتعود ثمرة القوانين والأحكام العادلة للحاكم على الشعب. لذا، فكما قام الإسلام بالتشريع، فإنّه أقام سلطة تنفيذية أيضاً، وولياً للأمر يتصدّى للسلطة التنفيذية"1.
 
صفات القيّم على القانون
ولا بدّ للقيّم الذي يتولّى مهمّة ومسؤوليّة تنفيذ وتطبيق القانون أن يتّصف بالصِّفات الآتية:
1- العلم التامّ بالقانون, لأنّ العلم بالقانون مقدّمة ضروريّة لتطبيقه.
2- الحصانة الأخلاقيّة, لأنَّ القيمومة على الأمر أمانة عظمى, لا ضمان لأدائها ما لم يكن القيّم في أعلى مستويات العدالة والورع والتقوى. 
3- الكفاءة الإداريّة, لأنّ القيام بهذه المسؤوليّة على أكمل وجه، يتطلّب مهارت وخُبرات إداريّة واجتماعيّة وسياسيّة، وغير ذلك ممّا له مدخليّة في الوصول إلى الهدف على أكمل وجه.
 
النتيجة 
أكّد القرآن الكريم أنّ العدل لا يتحقّق إلّا من خلال وحي (قانون) إلهيّ منزل: 
قال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾2. وإذا كان الكلام عن الحكم الإسلاميّ، والإسلام دين الله المنزل على رسوله الأعظم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾3، فهذا يعني أنَّ القيّم يجب أن يكون - من باب تطبيق 



1 الإمام الخميني، روح الله, الحكومة الإسلامية، ص22.
2 سورة المائدة، الآية 45.
3 سورة آل عمران، الآية 19.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

19

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

 الصفات السابقة التي حكم العقل بها - حائزاً على الصفات الآتية:

1- عالماً بحكم الله, وقادراً على معرفة الحكم الشرعيّ لكلّ واقعة.
2- عادلاً، ورِعاً، تقيّاً، ملتزماً بالأحكام الشرعيّة كاملةً، وهذا المراد من الحصانة الأخلاقيّة.
3- لديه كفاءة إداريّة عالية، تخوّله إدارة النظام والحكم الإسلامي في عصر الغيبة.

وإذا عيّن الله تعالى من يقوم بالأمر, ونصّبه لحمل هذه المسؤوليّة, فهو المتعيّن، ويجب على الناس طاعته والرجوع إليه، فليس هناك أفضل ولا أولى من القيّم، ومن الجهاز الحاكم الذي يعيّنه الله تعالى, لأنَّه المطّلع على سرائر خلقه والخبير بنفوسهم، ولا يختار لهذه المسؤوليّة العظمى والأمانة الكبرى، إلّا من طَهُرَت نفسه وصفت سريرته، وخلصت نيّته، وكمل عقله، فيحمّله الأمانة ويسدّده بالوحي، كما هو الحال بالنسبة إلى الرُسُل وأنبياء الله الكرام عليهم السلام، وآخرهم وخاتمهم الرسول الأعظم محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكما هو الحال بالنسبة إلى الأئمّة الأوصياء المعصومين عليهم السلام الذين نصّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر الناس بطاعتهم والتمسّك بهم والولاية لهم، وهذا البحث موكول للدراسات الكلاميّة والعقائديّة.

إنَّما البحث في هذه الدروس فيما لو غاب الإمام المعصوم عليه السلام المعيّن، فإن ثبت أنّهم عليهم السلام نصّوا على أحد بعينه فتلزم طاعته والرجوع إليه، وإن ثبت بوصفه وعلامته فكذلك.

أمّا إذا فرضنا انتفاء النصّ، فهنا يوجد ثلاثة فروض:
أ- الإهمال، وهذا ما ينكره العقل والعقلاء.

ب- إفساح المجال أمام أيّ شخص لتولّي هذا الأمر، دون مراعاة الصفات والشروط، وهذا قد يؤدّي إلى تولّي من هو غير جامع لها. وعليه، فلن يقدر على تطبيق الأحكام لجهله وعدم أهليّته.

ت- تولّي الفقيه الجامع للشرائط، العالم بأحكام الإسلام، العامل بها. وهذا هو المتعيّن من الفروض الثلاثة، بعد بطلان الفرضين السابقين، وملاحظة المقدّمات المذكورة سابقاً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

20

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

28


21

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

 أسئلة الدرس

 
ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- القانون عبارة عن مجموعة من المقرّرات التي تشتمل على الواجبات والممنوعات (ما ينبغي وما لا ينبغي)، وهذه المقرّرات هي التي تُحدِّد حركة الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه. 
 
2- إذا قلنا بضرورة وجود العلم المطلق عند المقنّن، لا يشترط وجود العلم عند القيّم عليه. 
 
3- إنّ الدافع العقلائي الاختياري للإنسان لانتخاب الحياة الاجتماعيّة هو الذي يؤكِّد على ضرورة وجود قانون في الحياة الاجتماعية لدى الإنسان. 
 
4- يقصد بقوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ضرورة وجود قانون وعدم ضرورة تطبيقه. 
 
5- إذا عيّن الله سبحانه وتعالى من يقوم بأمر الولاية والخلافة على الناس، يجب على الناس طاعته والرجوع إليه, لأنّه الأخبر والأعلم بمصلحة الخلق والعباد. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

22

الدرس الثاني: القانون ضرورة اجتماعية

 للمطالعة


القانون ضرورة اجتماعية
هل إنّ العقل البشري يعدّ كافياً لعمليّة التقنين ولا داعي للتشريع الإلهي؟
الجواب: إنّ أفضل دليل على النبوّة العامّة هو أنّ العقل البشري يصرّح قائلاً: إنّني أنا الإنسان على صلة بكافّة الموجودات في إطار حياتي الماديّة والمعنويّة، غير أنّي أعاني الجهل إزاء الكثير من الأمور، ومن المتعذّر مقايسة معلوماتي بالنسبة إلى الأمور التي أجهلها، من هنا فإنّي بحاجة إلى الدليل والمرشد لغرض بلوغ أهدافي.

إنّ عقل الإنسان هو الذي يدرك بوضوح حاجته إلى المرشد كإدراكه للعمليّة الحسابيّة 2 × 2 = 4، ولا يساوره الشكّ في هذا الإدراك مقدار ذرّة أبداً, فالعقل يصرّح بجهله إزاء المستقبل، فلا علم لي بالقبر والبرزخ والقيامة، إنّني مسافرٌ، ولكنّي لا أدري إلى أين؟ وما هو والسبيل والزاد؟ من هنا، فمن الضروري أن يبعث الله سبحانه مرشداً إليّ: النبيّ موجود بالضرورة، لا بنحو الإمكان.

إنّ العقل يدرك الكثير من الخطوط العامّة في الرؤية الكونيّة فيما يتعلّق بالتوحيد والمعاد والوحي والرسالة والمعجزة ووجوب المعجزة بالنسبة للنبي، ومزايا المعجزة، ومن هو النبي، ومن المدّعي للنبوّة، والمئات من الأحكام الأساسيّة والشاملة، غير أنّه يدرك جهله لمئات الأحكم الفرعيّة والجزئيّة، من هنا فهو بحاجة إلى الوحي والنقل، وأن يأتي الوحي فيفتح ما يدركه العقل، ويتجلّى مالا يفهمه العقل، وأنّ المجتمع أو الإنسان الذي ينتفع بالوحي الإلهيّ يتحوّل إلى كيان من التعقُّل والتعبّد فتمتزج عبادته بالعقل ولا يُبلى بالتحجُّر أو التعقّل الإفراطي.


آية الله جوادي آملي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

23

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعدّد الوجوه والأنواع المختلفة للحاكمية.
2- يُبيّن الرؤية الإسلامية في من له حقّ الحاكميّة.
3- يعرّف دليل الحاكميّة الإلهيّة، ويستدلّ عليه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

24

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 تمهيد

إنّ مسألة الحكومة من الأمور التي يُسلّم بها العقل السليم، ويطلبها الإنسان لكونه مدنيّاً بطبعه، ولكن وقع الخلاف والاختلاف حول هذا الحقّ، حقّ الحاكميّة في المجتمع، لمن يكون هذا الحقّ؟ ومن أين ينشأ؟ لأنّنا مع ملاحظة كون جميع أفراد البشر ـ بالنسبة لهذا الأمر ـ هم على حدّ سواء، ولا ولاية لأحد على أحد آخر، نتساءل من أين ينشأ حقّ الحاكميّة لبعض الناس بنحوٍ ما؟

وجوه الحاكميّة
1- حقّ الحاكميّة للمتسلّط على الناس:
يرى بعض الناس أنّ هذا الحقّ هو لمن تسلّط على الناس. ويرون حقّ الحاكميّة من خلال الظلم والزور، وإذا أمكن لشخص أو لمجموعة أشخاص، ولو من خلال الأسباب والأساليب الباطلة من السيطرة على مقدّرات المجتمع فلهم الحاكميّة، ولهم حقّ التقنين، والأمر والنهي، والثواب والعقاب، وهذا الرأي هو ما تتبنّاه الحكومات الديكتاتوريّة الاستبداديّة.

2- حقّ الحاكميّة يختصّ بطبقة دون غيرها:
ويرى بعض آخر أنّ هذا الحقّ محصور بطبقة خاصّة وفئة معيّنة من الناس، وأنّ لهذه الطبقة حقّ التقنين وحقّ الحاكميّة. ويتبنّى هذه النظرة بعض فلاسفة اليونان الذين يقسّمون المجتمع إلى طبقات. فئة منهم تعتقد أنّ طبقة الأشراف هي وحدها التي لها 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

25

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 حقّ الحكومة وإدارة المجتمع، وفئة أخرى منهم كانت تعتقد بأنّ العمّال هم الذين لهم حقّ الحاكميّة.

 
3- حقّ الحاكميّة عامّ لكلّ الناس:
ويرى بعض المفكّرين الغربيين مثل (روسو) وغيره أنّ هذا الحقّ ليس من حقّ شخص خاصّ بعينه، بل هو حقّ عامّة الأفراد أو أكثريّة الناس، ويرى هؤلاء أن حقّ الحاكميّة إنّما هو لكلِّ فرد من الناس، وأنّ الناس هم الذين يضفون المشروعيّة على القانون، وأنّ القانون الشرعي هو المبني على تصويت الناس عليه، والحكومة التي لها حقّ الحاكميّة هي التي تنتخبها الأكثريّة من الناس.
 
حقّ الحاكميّة في الرؤية الإسلاميّة
وفي الرؤية الإسلاميّة ينحصر حقّ الحاكميّة بالله عزّ وجلّ, لأنّ الإنسان يجب عليه إطاعة من خلقه وأعطاه الوجود، وحيث إنّ الإنسان لا يأخذ وجوده من أبناء جنسه ولا يتوقّف بقاؤه عليهم، فلا إلزام من أحد على أحد. والله عزّ وجلّ المالك الحقيقي للإنسان هو الولي الواقعي، وعليه فاتّباع أوامر غير الله عزّ وجلّ مشروط بالتنصيب والتعيين من قبله تعالى، وهو القائل: قال تعالى: ﴿وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾1.
 
وإنّ من لوازم مملوكيّة الإنسان لله ومالكيّة الله عزّ وجلّ للإنسان أن يكون تدبير أمور المجتمع فقط بيده، والجميع ينبغي أن يكون مطيعاً لأمره، وخاضعاً له.
 
يقول الله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾2.
 
أدلّة الحاكميّة الإلهيّة
بعد أن أوضحنا الرؤية الإسلاميّة في شأن الحكومة، وأنّها حقّ إلهي، نبحث الآن في الجذور الفكريّة التي تبتني عليها هذه الرؤية:



1  سورة آل عمران، الآية 189.
2  سورة يوسف، الآية 40.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

26

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 1- العلم الإلهيّ المطلق:

ذكرنا عند الحديث على ضرورة القانون للمجتمعات البشريّة أنّ الهدف والغاية من القانون هو تأمين حياة اجتماعيّة صالحة, ووصول الإنسان بشكل أفضل إلى كماله الماديّ والمعنويّ، وعليه نقول: إنّ القانون المطلوب هو القانون الذي يساعد جميع أفراد المجتمع على الوصول إلى الكمال الماديّ والمعنويّ، ويلاحظ في ذلك جميع الأبعاد الوجوديّة للإنسان, لأنّ أيّ قانون، إذا كان لصالح فئة معيّنة من الناس، وكان موجباً لحرمان سائر الناس من الوصول إلى الكمال الماديّ والمعنويّ - سواء أكانوا أقليّة أم أكثريّة- لن يكون مطلوباً، وعليه فخصوصيّة القانون المطلوب هي في تأمينه منافع ومصالح جميع الناس التي تعيش في المجتمع وبأفضل الوسائل.
 
إنّ الخصوصيّة الأخرى التي ينبغي توفّرها في القانون المطلوب، هي أن لا يقتصر دوره على تأمين المصالح الماديّة، بل في أن يكون عاملاً لتنمية البعد المعنوي للإنسان, لأنّ الرؤية الإسلاميّة للإنسان لا تقتصر على ملاحظة الوجود الماديّ للإنسان، بل ترى في الوجود الروحي أصالة, وأنّ المادة وسيلة لتكامل الروح.
 
فلا بدَّ للقانون الاجتماعي المدوَّن من أن يضمن المصالح المعنويّة للإنسان، ولا أقلّ من عدم التنافي بين القانون وبين التكامل المعنويّ والروحيّ للإنسان، وهذا يدلّنا على أن المقنِّن لا بدّ وأن يكون محيطاً وعالماً بجميع المصالح الفرديّة والاجتماعيّة، الجسميّة والروحيّة، الماديّة والمعنويّة للإنسان، حتى يتمكّن من وضع قانون يشتمل على جميع أبعاد الإنسان، وهذه الخصوصيّة لا تتوفّر إلا في الله عزّ وجلّ, فلذا كان أمر وضع القانون بيده تعالى:
قال تعالى: ﴿قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى﴾1.
 
فالله عزّ وجلّ هو الذي يعرف الحقّ، وهو المحيط بجميع المصالح والمفاسد، وهو الذي له الولاية على عباده، وينبغي عليهم طاعته.



1 سورة يونس، الآية 35.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

27

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 2- الله هو الغنيّ المطلق:

الخصوصيّة الأخرى التي لا بدّ من توفّرها في المشرّع والمقنّن هي أن يكون بعيداً عن الذاتيّة والأنا حتى يضع قانوناً مطابقاً للحقّ والعدالة. وتوضيح هذا الأمر: إنّ مجرّد العلم بالمصالح والمفاسد لا يكفي لوضع القانون، فإنّ من الممكن أن يكون المقنّن مطلعاً على المصالح والمفاسد، ولكنّه في عمليّة التقنين يلحظ المنافع الشخصيّة أو العائليّة أو الفئويّة، فيضع قانوناً يؤمِّن منافعه الذاتيّة. إنّ الإنسان يتأثّر دائماً بالميول والرغبات الشخصيّة - سواء بإرادة منه أو قهراً - لأنّه غير معصوم عن الخطأ والزلل. أمّا الله عزّ وجلّ فهو مضافاً إلى إحاطته التامّة بالمصالح والمفاسد، لا يضرّه أيّ عمل كما لا يعود بالنفع عليه أيّ عمل, لأنّه غنيٌّ مطلق ومبرّأ من المصالح الشخصيّة والفئويّة، قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾1.
 
﴿وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾2.
 
وعليه، فلا نفع ولا ضرر يصل إليه عزّ وجلّ, بل ما يضعه من قوانين وتشريعات إنّما يضعها مراعاة للحقّ والعدالة، ورحمة بالخلق والعباد.
 
3- الربوبيّة التكوينيّة والتشريعيّة هي لله عزّ وجلّ:
من الأمور الأخرى التي تثبت حقّ الحاكميّة لله عزّ وجلّ ولزوم الطاعة له هو الاعتقاد بالتوحيد في الربوبيّة, لأنّ من مراتب التوحيد هو الاعتقاد بأن الله هو الربّ والمدبّر الوحيد لهذا الوجود, أي إنّ الله عزّ وجلّ بيده أمر تدبير هذا الكون، ومن جملته الإنسان، وهو مضافاً إلى خلقه للإنسان، فإنّ إيصال الإنسان إلى كماله المطلوب أمره محصور بيد الله تعالى، فلا بدّ للموحِّد مضافاً إلى اعتقاده بالتوحيد في الخلق, أي (التوحيد في الخالقية)، من الاعتقاد بـ (التوحيد في الربوبية) على المستويين الشرعي والتكويني, أي لا بدّ من الطاعة له والتسليم لأحكام الله الشرعية والتكوينية ومعرفة أنّه هو الذي له حقّ الأمر والنهي أو من نصّبه من قبله لذلك، ولا حقّ لأحد في الأمر والنهي مستقلّاً عن 



1 سورة لقمان، الآية 26.
2 سورة إبراهيم، الآية 8.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

28

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 إرادته، قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾1.

 
وقال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾2.
 
فحيث إنّ الله تعالى هو "ربّ العالمين" وبيده روح الإنسان وجسمه, فلا بدَّ أن يكون الإنسان كسائر المخلوقات مطيعاً له، وألا يرى لغيره تعالى حقّ الحاكميّة والحكومة عليه.



1 سورة الأنعام، الآية 164.
2 سورة غافر، الآية 66.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

29

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

38


30

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 أسئلة الدرس


ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- إنّ الحاكمية في الرؤية الإسلامية تختصّ بطبقة معيّنة من الأشخاص المهيّئين لإدارة المجتمع والدولة. 
2- إنّ من لوازم مملوكيّة الإنسان لله ومالكيّة الله عزّ وجلّ للإنسان أن يكون تدبير أمور المجتمع فقط بيده، والجميع مطيع لأمره، خاضع له. 
3- يعتبر المفكّر الغربي روسو أنّ حقّ الحاكمية هو حقّ يختصّ بمن لديه القدرة على التسلّط على الناس من خلال السيطرة على مقدّرات المجتمع وإمكاناته. 
4- إنّ من الصفات الأساس في من لديه حقّ الحاكمية المطلقة أن يكون لديه العلم والغنى المطلق. 
5- إذا قلنا بأنّ لله سبحانه وتعالى الربوبية التكوينية والتشريعية، فهذا دليل على أنّ حقّ الحاكمية هو خاصّ بالله سبحانه وتعالى. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

31

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 للمطالعة

 
حقّ الحاكميّة
هل إنّ تدخُّل الدين في السياسة يمثّل هدفاً مستقلاًّ؟ أم إنّه في حدود الضرورة لتوفير السعادة الأخرويّة؟
الجواب: إنّ الغاية المطلقة والنهائيّة للدين هي نورانيّة البشر، وبلوغهم مقام الشهود ولقاء الله ودار القرار. ومن هنا، فإنّ قيام الناس بالقسط والعدل ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾1، بل وحتى العبادات جميعاً تمثّل غايات نسبيّة وسطيّة في الدين.
 
إنّ المسائل العباديّة والسياسيّة، تمثّل وسائل يصل من خلالها الفرد والمجتمع إلى ذلك الهدف النهائي، وجميعها عبارة عن صراط أو سبيل، ولا يسعها أن تكون هدفاً نهائيّاً، بيد أنّ السياسة تمثّل في الوقت نفسه أمراً ضروريّاً ملموساً في شؤون حياة الإنسان وفي أحكام الإسلام وتعاليمه، بحيث إنّ الأحكام الدينيّة لا تنفصل عن السياسة، كما إنّ السياسة الصحيحة لن تخرج عن إطار القوانين الإسلاميّة.
 
 
آية الله جوادي آملي



1 سورة الحديد، الآية 25.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

32

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أدلّة ولاية الأنبياء والرسل والأئمّة عليهم السلام.
2- يُبيّن أقسام ولاية المعصوم وأبعادها المختلفة.
3- يوضّح المراد من مرجعيّة الأئمّة الأطهار عليهم السلام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

33

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 تمهيد

تقدّم معنا أنّ حقَّ الحاكميَّة إنّما هو لله عزَّ وجلَّ, لأنّ وجود الإنسان من الله عزَّ وجلَّ ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾1، والإنسان لا بدَّ له من إطاعته والتسليم له، والطاعة لغيره عزَّ وجلَّ مشروطة بكونه منصَّباً من قِبَل الله عزَّ وجلَّ.
 
وقد جاءت النصوص كثيرة وواضحة في الكتاب الكريم بوجوب طاعة الله تبارك وتعالى، قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾2.
 
والآن، نبحث حول الأدلّة الدّالة على ولاية من نصّبه الله عزَّ وجلَّ حاكماً على الناس، وفرض عليهم طاعته.
 
ولاية الأنبياء والرسل عليهم السلام
الأنبياء هم رسل الله الذين قرن الله عزَّ وجلَّ دعوتهم بالمعجزة، وأمر بطاعتهم وجعل طاعتهم من طاعته, وإنّما أرسلهم تعالى لبيان أحكامه وإجرائها على الأرض، لكي لا يكون في الأرض معبود سواه.
 
والظاهر من الكتاب والسنّة أنّ الله تبارك وتعالى قد فوّض بهذا الشأن مرتبةً من الولاية إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى بعض الرسل السابقين عليهم السلام لكي يتحقّق الهدف الإلهي, وهو العبودية لله تعالى وحده، ولهذا وجبت طاعتهم.
 
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ﴾3.



1  سورة البقرة، الآية 156.
2 سورة آل عمران، الآية 132.
3 سورة النساء، الآية 64.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

34

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 كما خاطب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾1.

 
كما يذكر الله عزَّ وجلَّ بعض أنبيائه بأسمائهم، وأنّهم منصّبون من قبله للحكم: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾2.
 
كما يخاطب الله تعالى نبيّه داود عليه السلام: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾3.
 
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبياً، وإنّ الله اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولاً، وإنّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً، وإنّ الله اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلمّا جمع له الأشياء، قال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ قال: فمن عِظَمِها في عين إبراهيم، قال: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾4"5.
 
والله تبارك وتعالى يخبر في القرآن الكريم بأنّ ما يأتي به الأنبياءوالرسل عليهم السلام إن هو إلا وحي منه تبارك وتعالى، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾6.
 
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ﴾7.
 
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ﴾8.



1 سورة النساء، الآية 105.
2 سورة الأنبياء، الآية 73.
3 سورة ص، الآية 26.
4 سورة البقرة، الآية 124.
5 الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص 175، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر دار الكتب الإسلاميّة، طهران، مطبعة الحيدري، ط5، 1363ش، باب طبقات الأنبياء والرسل، ح2.
6 سورة النجم، الآيات 3-5.
7 سورة النحل، الآية 43.
8 سورة الأنبياء، الآية 25.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

35

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 ولاية الأئمّة المعصومين عليهم السلام

تعتقد الشيعة الإمامية بأنّ الحكومة (الولاية) بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي للأئمّة المعصومين عليهم السلام، وأنّ هذا المنصب قد جعله الله عزَّ وجلَّ لهم، وأنّ إطاعتهم واجبة بأمر من الله ورسوله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾1.
 
نكات مهمّة حول الآية الكريمة:
1- في ابتداء الآية، مع أنّ الحديث عن ولاية الله والنبيّ وبعض المؤمنين، ولكن كلمة "ولي" وردت بصيغة المفرد، وهذا يدلّنا على أنّ الولاية في الأساس هي لله تعالى، وبالتبع هي للنبي والأئمّة، أو أنّها تظهر فيهم عليهم السلام.
 
2- القسم الثاني من الآية ناظر إلى حادثة تاريخيّة, لأنّ التصدّق أثناء الصلاة، ولاسيّما أثناء الركوع، ليس من المستحبّات في الصلاة, لذا لا يمكن أن تكون الآية ناظرة إلى بيان حكم من الأحكام. وقد ورد في بيان سبب نزول الآية: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل أصحابه بعد نزول الآية: من منكم تصدّق في ركوعه؟ فأجابه الفقير الذي وصلته الصدقة بأنّه أمير المؤمنين عليه السلام2. وعليه، فهذه الآية تبيّن أنّ من له الولاية بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المؤمنين إنّما هو عليّ عليه السلام، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "نحن قوم فرض الله عزَّ وجلَّ طاعتنا"3.
 
والنتيجة هي أنّ من اختاره الله عزَّ وجلَّ لتكون له "الولاية التشريعيّة" إنّما هم الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، بمعنى أنّ لهم حقّ التقنين والتشريع ومن مسؤولياتهم تطبيق الأحكام الإلهية على الصعيد الفردي والاجتماعي، وأنّ طاعتهم واجبة بأمرٍ من الله، كما أنّ "الولاية التكوينيّة", أي حقُّ التصرُّف في الكون وتدبير أمور الخلق بيدهم، بإذن الله عزَّ وجلَّ، ثابتة لهُم عليهم السلام.



1 سورة المائدة، الآية 55.
2 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص478، تحقيق ونشر مؤسسة أهل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، قم، مطبعة مهر-قم، ط2، 1414هـ.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص186.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

36

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 وقد ورد في السنّة النبويّة الشريفة روايات تتحدّث عن خلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منها ما دلّ على كونهم من قريش، ومنها ما دلّ على كونهم من بني هاشم، وبعضها ذكر عددهم وأسماءهم، نذكر منها:

• عن جابر بن سمرة، قال: "كنت مع أبي عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فسمعته يقول: "يكون بعدي اثنا عشر أميراً"، ثمّ أخفى صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: قال: "كلّهم من قريش"1.
 
• عن سلمان الفارسي رحمه الله، قال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا الحسين على فخذيه، وهو يقبّل عينيه، ويلثم فاه، وهو يقول: "أنت سيّد بن سيّد، أنت إمام بن إمام، أنت حجّة بن حجة، أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم"2.
 
صلاحيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام
إن الصلاحيات التي تشملها ولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام هي الآتية:
1- تفويض النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تشريع الأحكام:
إنّ أصل تشريع الأحكام بيد الله عزَّ وجلَّ، ولكنّه في بعض الموارد جعل الله عزَّ وجلَّ تشريع سلسلة من الأحكام بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه الموارد إنّما كانت تحت إرادة الله وإمضائه3.
 
وأيضاً قد يصدر من النبي مجموعة من الأوامر لأجل تطبيق وإجراء الأحكام الكلّية الإلهيّة، وقد جعل عزَّ وجلَّ أمر اختيارها وتشريعها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل الالتزام بها واجباً كسائر الأحكام الإلهيّة.
 
قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾4.



1 الشيخ الصدوق، ابن بابويه، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا، ج1، ص54، تحقيق الشيخ حسين الاعلمي، طبع ونشر مؤسسة الاعلمي، لبنان، 1984م، باب في النصوص على الامام الرضا عليه السلام، ح12.
2  م.ن، ص56.
3 وقد عقد الشيخ الكليني في الكافي باباً خاصاً ذكر فيها التشريعات المستقلة الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
4 سورة الحشر، الآية 7.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

37

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 وفي حديث الإمام الصادق عليه السلام:

"إنّ الله عزَّ وجلَّ فرض الصلاة ركعتين ركعتين، عشر ركعات، فأضاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الركعتين ركعتين، وإلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة، لا يجوز تركهنّ إلّا في سفر، وأفرد الركعة في المغرب، فتركها قائمة في السفر والحضر، فأجاز الله عزَّ وجلَّ ذلك كلّه... وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان، وسنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوم شعبان وثلاثة أيّام في كلّ شهر مثليّ الفريضة، فأجاز الله عزَّ وجلَّ له ذلك كلّه"1.
 
2- الزعامة السياسيّة والاجتماعية:
البُعد الثاني في الولاية هي القيادة السياسيّة والاجتماعية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الطاهرين عليهم السلام من قِبَل الله عزَّ وجلَّ في جميع الشؤون السياسيّة، والاجتماعية والاقتصادية...، والمجتمع الإسلامي، وطاعتهم في هذه الأمور واجبة ومخالفتهم محرّمة، وهذا الأمر تثبته الآيات والروايات:
قال الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾2.
 
وقال الله تعالى أيضاً: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾3.
 
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الغدير عندما عيَّن عليّاً عليه السلام لمقام الخلافة: "ألست أولى بكم من أنفسكم؟
 
قالوا: بلى.
 
قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه..."4.
 
3- المرجعيّة في أمور القضاء وفصل الخصومة:
من المناصب التي جعلها الله عزَّ وجلَّ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الولاية في القضاء وفصل 



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص266.
2 سورة النساء، الآية 59.
3 سورة الأحزاب، الآية 6.
4 العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج36، ص 397.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

38

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 الخصومة. نعم، هذا المنصب هو فرع من الزعامة الدينيّة لهؤلاء، والناس مأمورون بالرجوع إليهم والتسليم لهم. ويؤكّد ذلك السيرة القائمة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام.

 
قال الله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾1.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "اتّقوا الحكومة فإنّ الحكومة للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبيّ أو وصيّ نبيّ"2.
 
4- المرجعيّة الدينيّة:
إنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام هم مرجع العلم والمعرفة والدين، وما يؤخذ عن غيرهم باطل، والحقّ لا يؤخذ إلا من عندهم، وهذا ما دلّت عليه الروايات والأحاديث الشريفة:
عن الإمام أبي جعفر عليه السلام لرجل من أهل الكوفة عن قول أمير المؤمنين عليه السلام: "سلوني عمّا شئتم, فلا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به" قال: "إنّه ليس أحد عنده علم شيء إلا خرج من عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فليذهب الناس حيث شاؤوا، فوالله ليس الأمر إلا من هاهنا ، وأشار بيده إلى بيته"3.
 
وعن الإمام أبي جعفر عليه السلام أيضاً لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: "شرّقا وغرّبا، فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت"4.
 
يظهر ممّا تقدَّم أنّ "الولاية" بأبعادها الواسعة من قبيل الولاية في بيان الأحكام والمعارف الدينيّة، والقيادة السياسيّة الاجتماعيّة، والولاية في فصل الخصومة والمرجعية الدينية كلها مجعولة من الله عزَّ وجلَّ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وللأئمّة المعصومين عليهم السلام.
 
وقبول ولايتهم واجب ومخالفتها حرام.



1 سورة النساء، الآية 65.
2 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18، ص 40.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص399.
4 م.ن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

39

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

49


40

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 أسئلة الدرس

 
ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- إذا قلنا بأنّ الحاكمية لله سبحانه وتعالى، فيجب أن يكون القيّم على القانون منصوباً من قِبَل الله تعالى. 
 
2- يُقصد بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ﴾ أنّ الله سبحانه وتعالى قد أوجب على الإنسان طاعة الأنبياء في الأحكام الخاصّة بالحياة الفردية. 
 
3- أكّد القرآن الكريم على ثبوت الولاية للأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام على الناس في كثير من الآيات المباركة المبيّنة للهدف من إرسالهم للناس. 
 
4- إنّ طاعة المعصوم نبياً أو إماماً تنحصر فقط في خصوص الأحكام التشريعية، ولا تتعدّى إلى الأحكام السياسية والولائية الخاضعة لسلطة الدولة. 
 
5- إنّ الولاية التشريعية تعني أنّ للنبي أو الإمام عليه السلام حقّ الطاعة في القيادة الدينية والدنيوية على الناس كافّة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

41

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 للمطالعة

 
ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة)
عن عبد الله بن عباس، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: "لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي: يا علي، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر أرَ منهم ما أكره، فَصَمَتُّ عليه، حتى جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إنّك إلّا تفعل ما تؤمر به عذّبك ربّك! فاصنع لنا، يا عليّ، صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسّاً1 من لبن، ثمّ اجمع بني عبد المطلب حتى أكلّمهم، وأبلّغهم ما أُمرت به. ففعلت ما أمرني به، ثمّ دعوتهم أجمع، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً، فيهم أعمامه، أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب.
 
فلمّا اجتمعوا له صلى الله عليه وآله وسلم، دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلمّا وضعته، تناول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جذمة2 من اللحم، فشقّها بأسنانه، ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة، ثمّ قال: خذوا بسم الله، فأكل القوم حتى صدروا، ما لهم بشيء من الطعام حاجة، وما أرى إلا مواضع أيديهم. وأيم الله الذي نفس عليّ بيده، إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم، ثمّ جئتهم بذلك العسّ، فشربوا حتى رووا جميعاً، وأيم الله، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكلّمهم، بَدَرَهُ أبو لهب إلى الكلام، فقال: لشدّ ما سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم، ولم يكلّمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
 
فقال لي من الغد: يا عليّ، إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم، فعدّ لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثمّ اجمعهم لي. قال: ففعلت، ثمّ جمعتهم، فدعاني بالطعام، فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، وأكلوا حتى ما لهم به من حاجة، ثمّ قال: اسقِهم، فجئتهم بذلك العسّ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً.



1 العسّ: القدح الكبير.
2 قطعة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

42

الدرس الرابع: ولاية المعصوم (النبيّ والأئمّة عليهم السلام)

 ثم تكلّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا بني عبد المطّلب، إنّي والله ما أعلم شابّاَ في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله عزّ وجلّ أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤمن بي، ويؤازرني على أمري، فيكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي في أهلي من بعدي؟ قال: فأمسك القوم، وأحجموا عنها جميعاً. قال: فقمت، وإنّي لأحدَثهم سنّا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا. فقلت: أنا يا نبيّ الله، أكون وزيرك على ما بعثك الله به. قال: فأخَذَ بيدي، ثمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.

 
قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!1.



1 الطوسي، محمد بن الحسن، الآمالي، ص582.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

43

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى فلسفة الغيبة وأسبابها.
2- يحلِّل سبب الغيبة الكبرى للمعصوم عليه السلام.
3- يبيّن دور العلماء ووظيفتهم الأساسية في عصر الغيبة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

44

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 تمهيد
لقد منّ الله تبارك وتعالى على البشريّة بنور محمّد وآله الأطهار عليهم السلام، حيث قدِم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى شبه الجزيرة العربية بالرسالة الخاتمة وعمِل في مكّة والمدينة مدّة ثلاث وعشرين سنة، وكانت الناس تختلف إليه، فمن أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يستطيع الذهاب إلى مسجده أو منزله، ويتواصل معه بشكل مباشر، ثمّ استخلف من بعده وصيّه أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام، وكان التواصل معهم أمراً ميسوراً وسهلاً، إلى بداية العصر العباسي، حيث بات بعض الخلفاء يفرضون إقامة جبريّة على الإمام إلى أن وصل الأمر إلى الإمام العسكري عليه السلام، فكان التواصل يتمّ بشكلٍ سريّ جدّاً، وكانت الغيبة الصغرى لصاحب العصر بعد شهادة أبيه العسكري عليه السلام، حيث كان التواصل يتمّ عبر سفير من السفراء الأربعة، وبوفاة السفير الرابع كانت الغيبة الكبرى لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. وفيما يأتي نبيّن فلسفة الغَيبتين، ودور العلماء في عصر الغيبة تجاه الناس والأمّة الإسلاميّة.
 
فلسفة الغيبة
لقد كتب الله عزَّ وجلَّ لصاحب العصر والزمان  عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يغيب عن الناس، حتى يأذن الله تعالى له بالظهور، فيملأ الأرض قسطاً وعدلا، بعدما ملئت ظلماً وجوراً ويحقِّق الوعد الإلهي، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾1.



1  سورة الأنبياء، الآية 105.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

45

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 وبما أنّ الحكمة الإلهية قد اقتضت هذا الغياب للإمام المعصوم عليه السلام، فهل يعني ذلك تعطّل أحكام الشريعة الإسلامية، والتزام المؤمنين بيوتهم، والتخلّي عن واجباتهم تجاه الإسلام والمجتمع الإسلامي، وعدم القيام بأي أمر سوى الأعمال الفرديّة الخاصّة كالصلاة والصوم؟ هل هذا هو المراد والمطلوب من الأمّة الإسلاميّة في مرحلة انتظارهم للظهور المبارك؟ أم أنّ الله أراد أمراً آخر من هذا الغياب؟

 
إنّ سبب غياب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو عدم وجود الناصر، أو قلّة أنصار الحقّ في قِبال أنصار الباطل والطاغوت، وبأدنى تأمّل لسيرة الأئمّة الأطهار عليهم السلام ولرواياتهم وأحاديثهم يتبيّن لنا هذا السبب.
 
إنّ انتظار الفرج ليس مجرّد شعار أجوف، وإنّما هو صبر وعمل واستعداد واستقامة، وتمهيد الأرض لقدومه الشريف، وإعداد النفس لنصرته، وتأهيلها لنيل شرف الشهادة، وعليه فإنّ المنتظرين له يشعرون بالحاجة إليه، ويدركون أهدافه، ويتوقّعون ظهوره في كلّ لحظة، وأنّه سيطلب منهم العون والنصرة للوصول إلى أهدافه المقدّسة.
 
وقد جاء في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عزّ وجلّ"1.
 
وفي حديث عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: "تمتدّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة بعده. يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره، أفضل كلّ زمان، لأنّ الله - تعالى ذكره - أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة، ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخِلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً"2.



1 الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج2، ص 39.
2 الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص320، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الاسلامي، قم، 1405 هـ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

46

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 الغيبة الصغرى

بدأت فترة الغيبة الصغرى، بشهادة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام عام 260هـ، وتولّي الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف للإمامة من بعده، حيث كان عمر الإمام المهديِّ  عجل الله تعالى فرجه الشريف خمس سنوات تقريباً، واستمرَّت قرابة 70 سنة حتى عام 329هـ. حيث انتهت بوفاة السفير الرابع، وبداية الغيبة الكبرى.
 
وفي زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط.
 
وكان تواصل الناس مع الإمام المهدي  عجل الله تعالى فرجه الشريف يتمّ بواسطة، وهم أشخاص محدّدون اختارهم الإمام  عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولا تواصل معه عليه السلام عن طريق غيرهم، حيث كانوا يأخذون من الناس أسئلتهم مكتوبة ليوصلوها إلى الإمام، فيجيب عنها بالكتابة أيضاً، وتُعاد لصاحبها.
 
وقد اصْطُلِحَ على هؤلاء الأشخاص اسم "السفراء"، وكانوا أربعة أشخاص تناوبوا على هذه المهامّ الخاصّة التي أوكلها لهم الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهؤلاء "السفراء" هم على التوالي:
السفير الأوّل: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي، ولقد كان وكيلاً لأبيه الإمام العسكريّ عليه السلام من قبله.
 
السفير الثاني: أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمريّ.
 
السفير الثالث: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي.
 
السفير الرابع: أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ.
 
وفي نهاية سفارته خرج التوقيع من الإمام المهديِّ  عجل الله تعالى فرجه الشريف يخبر الناس بانتهاء الغيبة الصغرى، وبدء الغيبة الكبرى.
 
إذاً، فالإمام  عجل الله تعالى فرجه الشريف لم ينقطع بشكل تامّ وكامل عن شيعته ومحبيه فجأةً، بل كان التواصل قائماً، ولو عبر واسطة، طيلة سبعين سنة تقريباً، وبموت السفير الرابع بدأت الغيبة الكبرى، وانقطع التواصل معه سلام الله عليه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

47

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 الغيبة الكبرى

إنَّ غيبة الإمام المهدي  عجل الله تعالى فرجه الشريف ليست هي الأصل فيما يعني دوره ومهمّته التي أوجده الله لأجلها في هذه الدنيا، إنّما الأصل أن يكون حاضراً بين شيعته وأنصاره، يقوم بمهامه من تبليغ الرسالة ونشر الدين وإقامة القسط والعدل بين الناس، لذا يكفي لتحقّق الحضور المبارك للإمام عليه السلام مجدّداً زوال العوامل المؤدّية لغيبته واستتاره.

فالظهور متوقّف على أسباب، ذكرنا منها السبب الأساس، وهو عدم وجود الناصر، أو قلّة الأنصار بين يديه، ومنها أيضاً:
1- إثبات فشل كلّ الأطروحات الأخرى غير الإلهية التي يمكن أن يُقال بأنّ العدالة سوف تتحقّق من خلالها، فيرى الناس ويتيقّنون بأنّ الأطروحة الإلهية، هي وحدها التي تتكفّل تحقيق العدل والأمان.

2- اختبار المؤمنين الخُلّص، حتّى يميز الخبيث من الطيّب، فلا يثبت إلا من اشتدّ إيمانه وقوي يقينه، ولينكشف بذلك أصحاب النفوس المريضة والضعيفة.

3- الشعور بأهمّية الإمام المهديّ  عجل الله تعالى فرجه الشريف بعد سني الغيبة، ونعمة حضوره، فيكون التسليم له مطلقاً، والإذعان دائماً وأبداً.

هذه العناصر تختصر المصلحة في الغيبة، مضافاً إليها قيام الجيش وجهوزيّة الناس لهذه الدولة، وهذا يعني العمل على التمهيد وتوطئة الأرض لهذا التحوّل العظيم.

وخلال هذه الغيبة، ينبغي العمل بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من خلال القرآن الكريم وسنّته المباركة للوصول إلى الهدف المنشود وهو ارتفاع أسباب الغيبة الطارئة بشكل نهائي.

دور العلماء في عصر الغيبة
إنّ مهمّة العلماء هي من أشرف المهام, فهم الأدلّاء على الله تعالى من خلال تبليغهم لدين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ونشر المعارف والعلوم الإسلاميّة.

وإنّ دورهم ليس محصوراً في عمليّة التبليغ والتوجيه، بل هم أمان الناس من الانحراف
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

48

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 عن المسلك الإلهي الذي أراده الله تعالى وهو التوجّه نحو باب الله الذي منه يؤتى، وهو باب محمّد وآل محمّد عليهم السلام. فالعالم له دور أساس في إعداد أنصار الدين والإسلام، من خلال نشر وتثبيت ثقافة عالية وعقيدة راسخة في نفوس الناس، وهي ثقافة الطاعة والولاية لمحمّد وآل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

 
من هنا كان العلماء أيضاً هم السبيل إلى الله وهم باب الله، من أتاهم نجا، ومن تخلّف عنهم غرق وهوى، لأنّهم انتهلوا من معين علم رسول الله وآل بيته الأطهار عليهم السلام، واستنّوا بسنّتهم، واقتدوا بآثارهم، فهم الذين يقودون الناس إلى سفينة النجاة.
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "واعْلَمْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ، حَتَّى الطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاء،ِ والْحُوتُ فِي الْبَحْرِ، وأَنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ، وَفِيهِ شَرَفُ الدُّنْيَا وَالْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, لأنَّ الْفُقَهَاءَ هُمُ الدُّعَاةُ إِلَى الْجِنَانِ وَالْأَدِلّاءُ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى"1.
 
وفي الروايات أنّ على العالم أن يبذل علمه لعباد الله، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "قرأت في كتاب علي عليه السلام: إنّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم، حتى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال, لأنّ العلم كان قبل الجهل"2.
 
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً في حقّ من يعمل بغير علم وبصيرة: "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السير إلا بعدا"3.
 
ويمكن أن نلّخص دور العالم في زمن الغيبة بأمور أربعة أساسية:
1- بيان وتوضيح المعارف والعلوم الإسلامية من أحكام شرعية ومفاهيم عقائديّة وقيم أخلاقية للناس.
2- نهي الناس عن المنكر، وحثّهم على فعل المعروف والالتزام بالشريعة الإسلامية.
3- دفع البدع، والتصدّي لمواجهة النظريّات والآراء الدخيلة على الدين وعلى المجتمع



1 الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 387، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط2، 1404هـ، وصية الإمام علي عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص41.
3 م.ن، ص43.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

49

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 الإسلامي، كي لا تؤدي إلى إخلال أو انحراف من لا يقوى على دفعها ورفضها.


4- التصدّي لإدارة شؤون البلاد والعباد، وعدم الركون للظلم والظالمين، من خلال السعي لإقامة حكومة العدل، من خلال الولاية التي أُعطيت للفقهاء في عصر الغيبة.

هذه الأمور بأجمعها تصبّ في خانة التمهيد لظهور الإمام المهدي  عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإعداد الأنصار الخلّص الثابتين، إعداد أصحاب القلوب التي وصفت بأنّها كزُبر الحديد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

50

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

61


51

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 أسئلة الدرس

 
ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- امتازت حياة النبي والأئمّة الأطهار عليهم السلام في قيادتهم للدولة الإسلامية بسهولة التواصل معهم مباشرة، أو عبر السفراء الخاصّين بكلّ منهم. 
 
2- إنّ غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف منعت الناس من التواصل معه والركون إليه، بل غيّبته عن الناس بشكل كامل، ممّا أعاق الحركة الثقافية والفكرية في المجتمع الإسلامي. 
 
3- إنّ من أهمّ الأسباب التي غيّبت الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو عدم وضوح فكرة المهدوية عند كافّة المجتمعات البشرية الإسلامية وغيرها. 
 
4- لقد أعطى الأئمّة الأطهار للعلماء دوراً بارزاً ومحورياً في عصر الغيبة في قيادة المجتمع الإسلامي. 
 
5- أُعطي الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى حقّ التصدّي لإدارة شؤون الناس في شتّى المجالات. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

52

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 للمطالعة


الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة
لقد تعرّضت جميع العقائد البنّاءة لهجمات من خصومها. اعلموا، أيّها الإخوة والأخوات، أنّ هذه النقطة في غاية الأهمّية! لاحظوا كم يجب علينا أن نكون متيقّظين اليوم, إذ إنّهم نقّبوا حتى في تعاليم الإسلام وأحكامه، وحيثما وجدوا في الشرع المقدّس معتقداً أو حكماً له تأثير إيجابي واضح وكبير في حياة ومستقبل الفرد والمجتمع والأمّة الإسلامية، وقفوا بوجهه وقاوموه بشكل أو بآخر، لعلّهم يستطيعون القضاء عليه، فإنْ لم يصلوا إلى غايتهم حاولوا التلاعب بمحتواه.

ولعلّ بعض الناس يتساءل مستبعداً: وما شأن العدوّ؟ وكيف يتسنّى له تجريد العقائد الإسلامية من فائدتها للناس؟! وهذا التصوّر خاطئ طبعاً, فالعدوّ قادر على ذلك، ولكن لا على المدى القصير، بل على امتداد فترة طويلة، قد تمتدّ إلى عشرات السنين، حتى يستطيع طمس بؤرة مضيئة فيها أو إفراغها من جوهرها، أو إبراز نقطة مظلمة. فقد يبذل أحدهم جهوداً محمومة على مدى سنوات طويلة، وينفق الأموال ولكن لا يصل إلى نتيجة، فيأتي آخرون من بعده، ويمضون على نهجه. لقد تعرّضت معتقدات المسلمين للكثير من أمثال هذه الأعمال، كما حصل مع عقيدة التوحيد وعقيدة الإمامة، وكذلك المفاهيم الأخلاقية، كمفهوم الصبر والتوكّل والقناعة. هذه كلّها نقاط بنّاءة بارزة، لو استوعب المسلمون حقيقتها لكانت بمثابة المحرّك الذي يسهم في تقدّم المجتمع الإسلامي نحو الأمام. ولكنّهم، بعدما تحايلوا عليها وغيّروا مضامينها وبدّلوا معانيها وألقوها في الأذهان على صورة أخرى مغايرة لأصلها، استحال ذلك المحرّك إلى داء مخدِّر ومنوِّم، كما أنّهم حاولوا ذلك كثيراً مع عقيدة المهدي الموعود...

الإمام الخامنئي دام ظله
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

53

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 الدرس السادس: ولاية الفقيه



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى المعنى الاصطلاحي لولاية الفقيه.
2- يستدلّ على ولاية الفقيه من خلال قاعدة اللّطف.
3- يبيّن الدليل العقلي على ولاية الفقيه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

54

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 تمهيد

كثيرة هي المعاني التي وردت حول كلمة "الولاية" في معاجم اللغة، ولكن ظاهر هذه المعاني رجوعها إلى أمر واحد، وهو التصدّي لشأن ما، وسدّ ما فيه من خلل.
 
ففي لسان العرب: "والوَلِيُّ: وليُّ اليتيم، الذي يلي أَمرَه ويقوم بكِفايته. ووَليُّ المرأَةِ، الذي يلي عقد النكاح عليها ولا يَدَعُها تسْتَبدُّ بعقد النكاح دونه"1.
 
وفي معجم مقاييس اللغة: "ولى: الواو واللام والياء: أصل صحيح يدلّ على قرب. من ذلك الولي: القرب. ومن الباب المولى: المعتِق والمعتَق، والصاحب، والحليف، وابن العم، والناصر، والجار, كلّ هؤلاء من الولي وهو القرب"2.
 
وفي النهاية: "في أسماء الله تعالى (الولي) هو الناصر. وقيل: المتولّي لأمور العالم والخلائق، القائم بها. ومن أسمائه عزّ وجلّ (الولي) وهو مالك الأشياء جميعها، المتصرّف فيها، وكأنّ الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي"3.
 
وقد وردت كلمة "ولاية" في القرآن الكريم, وفي نصوص أهل البيت عليهم السلام، وفي كلمات العلماء (أعلى الله مقامهم), ولها معانٍ عدّة، منها: النصرة والمحبّة والسلطة...



1 ابن منظور، لسان العرب، ج15، ص407 ، نشر أدب الحوزة، 1405هـ، فصل الهاء.
2 ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج6، ص141، تحقيق عبد السلام محمد هارون، طبع ونشر مكتبة الاعلام الاسلامي، 1404هـ.
3 ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج5، ص227، تحقيق محمود محمد الطناخي، نشر مؤسسة اسماعيليان - قم، ط 136464 ش باب الواو مع اللام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

55

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 والولاية التي هي موضوع بحثنا هي بمعنى السلطة، وبالتحديد سلطة الفقيه على الناس في عصر الغيبة الكبرى.

 
ما هي ولاية الفقيه؟
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾1، هذه الآية تبيّن أنّ الولاية الحقيقيّة هي لله سبحانه وتعالى.
 
هذه الولاية الإلهيّة تتجسّد بولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم, والتي شرح القرآن الكريم معناها في قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾2. وكون النبيّ أولى بالمؤمن من نفسه معناه أنّه أولى به في جميع المسائل الحياتيّة، فهو أولى به في المسائل الاجتماعيّة والقضائيّة والحكوميّة وغيرها... وأنَّ إرادته ورأيه مقدَّمان على إرادة ورأي أيّ مؤمن.
 
هذه الولاية التي أكّدها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، وأكّد على استمرارها من بعده في اثني عشر إماماً، دلّت الأحاديث المتعدّدة الصادرة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام على ثبوتها، كما ذكرنا سابقاً.
 
وهكذا استمرّت الولاية في الأئمّة عليهم السلام حتّى كانت الغيبة الكبرى للإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فانتقلت الولاية إلى الفقيه، الذي شكَّلت ولايته امتداداً لولاية المعصوم, ليقوم بسدّ الفراغ السياسي والاجتماعي والقضائي والواقع...
 
ولاية الفقيه
وهكذا تكون ولاية الفقيه, التي نحن بصدد البحث عنها، هي نيابة الفقيه عن الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف في قيادة الأمّة، وإقامة حكم الله تعالى في الأرض، وهذه النيابة مستمدّة منه عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهي جذوة من نوره، وشهاب من قبسه، وفرع من فروع دوحته، لذلك عُرِّفت "ولاية الفقيه" بأنّها "حاكميّة المجتهد الجامع للشرائط في عصر الغيبة" وذلك من



1 سورة المائدة، الآيتان 55 - 56.
2 سورة الأحزاب، الآية 6.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

56

الدرس السادس: ولاية الفقيه

  خلال الصلاحيات الواسعة الممنوحة له من قبل الإمام المعصوم عليه السلام على مستوى البلاد والعباد.


"فللفقيه العادل جميع ما للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، ممّا يرجع إلى الحكومة والسياسة، ولا يعقل الفرق, لأنّ الوالي ـ أيّ شخص كان ـ هو مُجري أحكام الشريعة، والمقيم للحدود الإلهيّة، والآخذ للخراج وسائر الماليات، والتصرّف فيها بما هو صلاح المسلمين"!

الولاية لُطف
قاعدة اللطف، تعني أنّ الله أوجب على نفسه أن يصنع ما يقرّب العبد من الطاعة ويبعده عن المعصية، إنّ هذه القاعدة تعني بأنّ الله تبارك وتعالى، بعد أن أوجد الخلق في هذه الدنيا، وبمقتضى لطفه الشامل ورحمته الواسعة، لم يترك هذا الإنسان يتخبّط في غياهب الظلمات والغيّ، بل جعل له طريقاً يهتدي به، وسبيلاً يرشده إلى نور الحقّ والهداية، كي لا يسقط من المرتبة الإنسانية إلى المرتبة البهيمية.

وهذا يعني أن يجعل الله للناس أحكاماً لتنظيم أمور حياتهم ومعيشتهم، فينزّل عليهم الكتب والرسالات، ويجعل عليها قيّماً وولياً يتولّى نشرها وتطبيقها وتثبيتها، فيعمل على هداية الناس من خلالها، ويكون الضمانة لنجاة الإنسان من الغيّ والضلال.

فهذه القاعدة، ومن خلال ما تقدّم، يُستفاد منها لزوم بعث الأنبياء عليهم السلام، ووجوب تنصيب الأئمّة عليهم السلام في كلّ زمان, لما لذلك من أهمّية في تنظيم المجتمع ومنع الانحرافات، وبالتالي عدم اللجوء إلى أئمّة الكفر، والانقياد لهم، ما يؤدّي بالإنسان إلى الهاوية والشقاء.

وما الوليّ الفقيه في عصر الغيبة إلا مصداق لهذا القائد الذي يُراد منه حفظ الأمّة من الانحراف، والدين من الضياع.

ومن الجدير بالذكر أنَّ جميع الموارد التي شرّع فيها الدين ولايةً لبعض الناس على بعضهم، راعى فيها مصلحة المُولَّى عليه واللطف به، ورعاية حاله, ولم ينظر إلى مصلحة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

57

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 الوليّ، ولم يهدف من خلالها أن يمنحه امتيازاً.

 
فالولاية في نظر الإسلام مسؤوليّة وتكليف, كيفما كانت وحيثما وقعت. فولاية الأبّ مثلاً على أبنائه الصّغار, لحفظهم ورعايتهم واللّطف بهم. وولاية الأب في تزويج ابنته البكر, لصيانتها وحفظها من الضّياع والاستغلال. وولاية الوقف، لرعاية شؤونه ومصالحه والحيلولة دون خرابه وإساءة استعماله. وولاية الحاكم على أموال الغائب والقاصر والسّفيه والمجنون كذلك. وولاية الفقيه، لحفظ المصالح العامّة وصيانة المجتمع من الفساد والانحراف والحقوق من الضّياع.
 
وفي جميع الموارد تُقيّد الولاية برعاية مصالح الجهة المولّى عليها، وليس للوليّ الحقّ أن يتصرّف على وفق أهوائه ومصالحه ورغباته الخاصّة، حيث تسقط ولايته خارج تلك الحدود، ومنه يتبيّن أنّ الولاية الشرعيّة، أبعد ما تكون عن الاستبداد والتعنّت والدكتاتوريّة.
 
ولا يظن أحدٌ أنَّ فكرة ولاية الفقيه ابتدعها الإمام الخمينيّ قدس سره، لأنّه من خلال نظرة تأمليّة بسيطة نجد أنّ هذه الفكرة متأصّلة في الفكر الإسلاميّ ومتجذّرة في روايات أهل البيت عليهم السلام وكلمات العلماء، وقد رسم المعصومون الأطهار عليهم السلام معالم هذا السبيل وأبرزوا بعضاً من جوانبه, وهو الرجوع إلى من أعمل الفكر والنظر في الأحاديث الصادرة عنهم عليهم السلام, ويمكن رصد عددٍ من النصوص الواردة عنهم عليهم السلام التي تُرجِع إلى الفقيه السلطة والولاية، فبذور ولاية الفقيه موجودة في صريح أحاديثهم عليهم السلام.
 
الدليل العقلي على الولاية
يبني الإمام الخميني قدس سره دليله على أربع مقدّمات:
المقدّمة الأولى:
إنّ طبيعة وماهيّة القوانين والتشريعات الإسلاميّة تفيد أنّها قد وُضعت لأجل تكوين حكومة ونظام إسلامي، وقد استدلّ قدس سره على ذلك من خلال أمرين:
1- إنّ الشريعة الإسلاميّة تحتوي قوانين وأحكام متنوّعة لنظام اجتماعي متكامل،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

58

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 نظام يلبّي حاجات الإنسان المسلم ومتطلّباته، حيث وُضعت أحكام تنظّم علاقات الجيرة والجوار، وعلاقات الأسرة والأولاد والأرحام والأقارب، وصولاً إلى أحكام تختصّ بالحرب والسلم والعلاقات الدوليّة والقوانين الجزائيّة وما شاكل.

 
2- إنّ طبيعة هذه الأحكام الإسلامية التي مرّت، لا يمكن الوصول إلى تطبيقها وتنفيذها إلا من خلال حكومة لها أجهزتها الإدارية والتنفيذيّة المقتدرة.
 
ويذكر الإمام قدس سره أمثلة، منها:
أ- الأحكام الماليّة: حيث يقول قدس سره: "الضرائب المالية التي شرّعها الإسلام ليس فيها ما يدلّ على أنّها قد خصّصت لسدّ رمق الفقراء، أو السادة منهم خاصّة، وإنّما هي تدلّ على أنّ تشريعها كان من أجل ضمان نفقات دولة كبرى ذات سيادة"1، ويتحدّث قدس سره عن الخمس الذي يُعتبر المورد الأكبر والأساس لبيت مال المسلمين، فيقول: "خمس سوق بغداد يكفي لاحتياجات جميع السادة، ولجميع نفقات المجامع العلميّة الدينيّة، ولجميع فقراء المسلمين، فضلاً عن أسواق طهران، وإسلامبول، والقاهرة، وغيرها... فميزانيّة بمثل هذه الضخامة إنّما تراد لتسيير أمّة كبرى، ولإشباع الحاجات الأساسيّة المهمّة للناس، وللقيام بالخدمات العامّة الصحيّة، والثقافيّة، والتربويّة، والدفاعيّة، والعمرانيّة..."2.
 
ب- أحكام الدفاع الوطني: ينطلق الإمام الخميني قدس سره من قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾3 ليقول بأنّ الإعداد والاستعداد والتأهّب واجب حتى في أيّام السلم، كما يؤكّد بأنّ أحكام الجهاد والدفاع والذود عن المسلمين وحياضهم تدلّ أيضاً على كون الحكومة أمراً ضرورياً في المنظومة الإسلاميّة.
 
ج- الأحكام الجزائيّة: كأحكام القصاص والديّات والحدود، فهذه الأحكام لا يمكن وضعها في حيّز التنفيذ إلا من خلال جهاز حكومي مقتدر، يستطيع أخذ الديّة من الجاني



1 الإمام الخميني، روح الله، الحكومة الإسلامية، ص27.
2 م.ن، ص29.
3 سورة الأنفال، الآية 60.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

59

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 ودفعها إلى مستحقّيها، وبه تقام الحدود، ويطبّق القصاص بإشراف من الحاكم الشرعي.


من خلال هذه الأمثلة يخلص الإمام قدس سره إلى أنّ الأحكام الشرعيّة لا سبيل لتنفيذها وتطبيقها إلا من خلال جهاز حكومي مقتدر.

وهذه المقدّمة يعتبرها الإمام مسلّمة وبديهيّة.

المقدّمة الثانية:
أنّ الأحكام الإسلاميّة لا تُحدّ بزمان أو مكان، فهي ليست خاصّة فقط بعصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالإسلام دين خالد، وتنفيذه يجب أن يبقى قائماً، فلا يجوز تعطيل حدوده، وإهمال تعاليمه، وترك القصاص، وتوقّف جباية الضرائب الماليّة، وترك الدفاع عن أمّة المسلمين وأراضيهم. وإنّ الاعتقاد بأنّ الإسلام محدود بفترة معيّنة أو بمكانٍ خاص هو مخالف لضروريّات العقائد الإسلامية، فحلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

لذلك ينبغي أن يكون هناك حكومة قادرة على تنفيذ الأحكام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كي لا يسود الهرج والمرج، ويفسد المجتمع، وينتشر الانحراف العقائدي والأخلاقي.

المقدّمة الثالثة:
يتحدّث الإمام الخميني قدس سره في هذه المقدّمة عن شروط الحاكم التي ينبغي أن تتوفّر فيه لتطبيق القوانين والتشريعات الإسلامية في المجتمع، بصرف النظر عن الشروط العامّة كالعقل والبلوغ وحسن التدبير، هناك شرطان مهمّان، هما:
1- العلم بالقانون الإسلامي، فبما أنّ الحكومة إسلامية، أصبح لزاماً على حاكم المسلمين أن يكون عالماً بالقانون الإسلامي، حيث إنّ الجاهل بالقوانين لا أهليّة فيه للحكم، وإن كان مقلِّداً، فلا هيبة لحكومته.

2- العدالة، فالخليفة ينبغي أن يكون لديه ملكة العدالة، مع حسن الأخلاق، وهذا ما يقتضيه العقل السليم، فالحكومة تجسيد عملي للقانون وليست ركوب هوى.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

60

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 النتيجة:

ممّا تقدّم يخلص الإمام الخميني قدس سره إلى أنّه "إذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عالم عادل، فإنّه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا"1.
 
وبذلك يكون الإمام الخميني قدس سره قد أنهى الدليل العقلي على ولاية الفقيه التي يعتبرها ضرورة في عصر الغيبة للحكم والقضاء والفصل في المنازعات وتعيين الولاة والعمّال وجباية الخراج وتعمير البلاد.



1 الإمام الخميني قدس سره، روح الله، الحكومة الإسلامية، ص45.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

61

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

74


62

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 أسئلة الدرس


ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- ولاية الفقيه هي الحاكمية العامة على المجتمع الإسلامي للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة. 

2- إنّ للفقيه الجامع للشرائط ولاية مطلقة على كافّة الناس، ولا تُقيّد ولايته بشيء مطلقاً. 

3- قاعدة اللطف تعني أنّ الله سبحانه وتعالى قد أوجب على نفسه أن يصنع ما يقرّب العبد من الطاعة ويُبعده عن المعصية. 

4- إذا قلنا بأنّ الشريعة الإسلامية تحتوي على قوانين وأحكام عامة ومتعدّدة تشمل كل جوانب النظام الاجتماعي، فإنّه لا يمكن تطبيقها إلا من خلال حكومة عادلة. 

5- إنّ الأحكام التشريعية الإسلامية تؤكّد ضرورة وجود القيّم على تطبيق تلك الأحكام. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

63

الدرس السادس: ولاية الفقيه

 للمطالعة


ولاية الفقيه
المراد بالولاية المطلقة للفقيه الجامع للشرائط هو أنّ الدين الإسلامي الحنيف، الذي هو خاتم الأديان السماوية والباقي إلى يوم القيامة، هو دين الحكم وإدارة شؤون المجتمع، فلا بدّ أن يكون للمجتمع بكلّ طبقاته ولي أمر وحاكم شرع قائد, ليحفظ الأمّة من أعداء الإسلام والمسلمين، وليحفظ نظامهم، وليقوم بإقامة العدل فيهم، ويمنع تعدّي القوي على الضعيف، وبتأمين وسائل التقدّم والتطوّر الثقافية والسياسية والاجتماعية، والازدهار لهم.

وهذا الأمر في مقام تنفيذه عملياً، قد يتعارض مع رغبات وأطماع ومنافع وحريّات بعض الأشخاص، ويجب على حاكم المسلمين، حين قيامه بمهمّات القيادة على ضوء الفقه الإسلامي، اتّخاذ الإجراءات اللازمة عند تشخيص الحاجة إلى ذلك، ولا بدّ أن تكون إرادته وصلاحيّاته، فيما يرجع إلى المصالح العامّة للإسلام والمسلمين، حاكمة على إرادة عامّة الناس عند التعارض، وهذه نبذة يسيرة عن الولاية المطلقة.

الإمام الخامنئي دام ظله
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

64

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يستدلّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضرورة ولاية الفقيه.
2- يستدلّ على ولاية الفقيه من خلال الروايات ولا سيما مكاتبة إسحاق بن يعقوب.
3- يبيّن كيفية الاستدلال على ولاية الفقيه من موثّقة عمر بن حنظلة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

65

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 تمهيد

ورد في العديد من الأحاديث عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام روايات تتحدّث عن ولاية الأمر في عصر الغيبة، وقد تعرّض لها الفقهاء متناً وسنداً، فمنهم من قبلها وتمسّك بها لإثبات الولاية للفقيه الجامع للشرائط، ومنهم من توقّف عندها.
 
والأدلّة منها ما يتحدّث عن دور الفقهاء ومقامهم، ووظيفتهم تجاه الأمّة الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى، ومنها ما هو واضح وصريح في عملية التعيين والتنصيب للفقيه الجامع للشرائط، وفيما يأتي نعرض جزءاً منها.
 
الدليل العام: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر1
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أهمّ دعائم الأمن العام، وأوثق ركائز العدل, فهو ضمانة بقاء السنّة الشريفة، وإماتة البدعة. وفي ذلك يقول الإمام الباقر عليه السلام: "... إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة، بها تُقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر..."2.
 
فإقامة المعروف والنهي عن المنكر هدفين عظيمين، بل هما من أهمّ الأهداف التي ينشدها الدين، وقد قدّم أئمّة المسلمين أرواحهم في سبيل ذلك.



1 لقد اُعتُبِر وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات التي اتّفق المسلمون جميعاً على وجوبها في الشريعة الإسلامية، واستدلّوا عليها بأدلّة متواترة في الكتاب والسنّة، إضافة إلى دليل العقل.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص56.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

66

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 وإنّ أدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تُعتبر من الأدلّة البيّنة والواضحة على ضرورة قيام الحكومة الإسلاميّة, حيث إنّ الحكومة بسلطاتها وأجهزتها، هي المصداق الأكمل والأكثر فعالية لتحقيق هذا الهدف العظيم. فالغاية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي حفظ الإسلام والمسلمين، وإنّ أهمّ وسيلة لإقامة أحكام هذا الدين وحدوده وحفظ الحقوق والدماء والأعراض، هي الحكومة الإسلامية. هذه الحكومة التي تعتبر الضمانة الأكيدة لتطبيق الأحكام والتشريعات الإلهية في كل تفاصيل الحياة الفردية والاجتماعية.


وهذه الحكومة الإسلامية لا يمكن أن تستقيم وأن تبلغ أهدافها المرجوّة من حفظ الإسلام والمسلمين إلا بوجود قيّم ومدير على رأس هذه الحكومة، من أجل ضمان تطبيق التشريعات والأحكام الإلهية كما أمر الله تعالى، وهذا القيّم ليس سوى الفقيه العادل، العالم بأحكام هذه الدين، الجامع للشرائط, لأنه الأعرف والأعلم بأحكام الدين والأقدر على تحقيق الأهداف المنشودة للدين وطُرق تحقيقها والوصول إليها، وهو الأقدر أيضاً على نشر العدل، ومنع الظلم والفساد. أما تنصيب غير هذا الفقيه ليكون على رأس الحكومة الإسلامية فهو يعني بطبيعة الحال ضياع للأهداف الإسلامية المنشودة.

والخلاصة: إنّ الحكومة الإسلامية، وعلى رأسها الفقيه الجامع للشرائط، هو المصداق الأكمل والأبرز للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فبوجودهما يُحفظ الإسلام والمسلمون، وتكون الحكومة درعاً واقياً وحصيناً مما يمكن أن يُفسدهما.

الأدلّة الخاصّة: الروايات
وردت العديد من الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين، نشير إلى بعضٍ منها:
1- الروايات الدالّة على دور ومقام الفقهاء:
وردت العديد من الروايات في حقّ الفقهاء، وعبّرت عنهم بأنّهم حفظة الدين والأمناء وورثة الأنبياء، وهذه التعابير جاءت لأجل بيان وظائفهم ومسؤولياتهم ودورهم في عصر الغيبة، وليس لمجرّد زيادة الألقاب أو زيادة الفضل, فإنّ هذا الأمر بعيد عن النبي والإمام عليه السلام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

67

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "اللهم ارحم خلفائي!

 
فسُئِل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟
 
قال: "الذين يأتون من بعدي، يروون حديثي وسنّتي، فيُعلِّمونها الناس من بعدي"1.
 
إنّ هذه الرواية تشمل الأفراد الذين سعوا إلى تحصيل الاجتهاد لاستنباط الأحكام والعلوم الإسلاميّة من القرآن والروايات وتعليمها للناس, لا أنّ دورهم كان فقط نقل الروايات وتاريخ الإسلام وبيان الأحكام. إنّ لكلمة "الخليفة" معنًى واسعاً جداً، وإنّما يصحّ إطلاق لقب الخليفة على الشخص إنْ كان يمكنه القيام بوظائف ومسؤوليّات من يخلفه، ونحن نعرف أنّ من وظائف النبي صلى الله عليه وآله وسلم إبلاغ الأحكام وبيانها وإدارة الحكومة الإسلاميّة والمجتمع الإسلامي. وعليه، فالفقهاء هم خلفاء النبي في تمام شؤونه، عدا تلقّي الوحي.
 
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الفقهاء أمناء الرسل، ما لم يدخلوا في الدنيا"، قيل: يا رسول الله، وما دخولهم في الدنيا؟ قال: "اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم"2.
 
لقد عرّف النبي الفقهاء في هذه الرواية بأنّهم أمناء من قبل الأنبياء, بمعنى أنّ وظيفة الفقهاء العدول القيام بكلّ الأمور التي هي من وظيفة الأنبياء، وعليه يمكن لنا أن نقول إنّ الفقهاء مكلّفون بـ : إجراء القوانين، قيادة الجيش، إدارة المجتمع، الدفاع عن أحكام الإسلام، والقضاء.
 
وفي رواية أخرى عن علي بن حمزة عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في مقام بيان ما يرد على الدين من نقص عند موت العالم، يقول: "لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها"3.
 
ففي هذه الرواية يخبر الإمام الكاظم عليه السلام أنّ حفظ عقائد وأحكام الإسلام هو من وظيفة الفقهاء، ومن الواضح أن تشكيل الحكومة الإسلاميّة وتولّي الفقيه رأس أمور



1 الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص101.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص37.
3 م.ن، ص47.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

68

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 المجتمع هو من أفضل أنواع الحفاظ على حرمة الإسلام, لأنّ الفقيه الذي لا يستلم زمام الحكومة ولا يتدخّل في الأمور الاجتماعيّة والقضائيّة والسياسيّة لا يسمّى "حافظ الإسلام"، و"حصن الإسلام".

 
ومن هنا سوف نستعرض بعض الروايات التي تشرح وظيفة ومسؤوليّات الفقيه، وإثبات مقام الولاية للفقهاء، وهذه تتمّة الروايات.
 
2- رواية عمر بن حنظلة:
ورد في مقولة عمر بن حنظلة: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دَينٍ أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل، فإنّما تحاكم إلى الطاغوت, وما يُحكم له، فإنّما يأخذ سحتاً, وإن كان حقاً ثابتاً له, لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ﴾1. قلت: كيف يصنعان؟ قال: ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً, فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخفّ بحكم الله, وعلينا ردّ، والرادّ علينا كالرادّ على الله, وهو على حدّ الشرك بالله"2.
 
في بداية الرواية بيّن الإمام الصادق عليه السلام حكماً كليّاً وعامّاً، هو أنّ كلّ من يتحاكم إلى الطاغوت سواء أكان محقّاً أم غير محقّ، فما يأخذه سحت وحرام، وهذا الحكم من الأحكام السياسيّة في الإسلام التي تمنع الناس من مراجعة القضاة وحكّام الجور، وتكون نتيجة ذلك حصار التشكيلات القضائيّة والحكوميّة للجور والجائرين وانزوائهم، وتمهِّد الطريق لتحقيق تشكيلات قضائيّة إسلاميّة، وهذا الحكم هو عبارة أخرى عن الدفاع السلبي ضدّ حكم الجور، ودعوة إلى تشكيل حكومة وقضاء يتمتّعان بمشروعيّة إلهيّة، وهذا الحكم فيه عموميّة تشمل حتى زمان غيبة المعصوم عجل الله تعالى فرجه الشريف.



1 سورة النساء، الآية 60.
2 الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص99.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

69

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 وأمّا في القسم الثاني من الرواية، فقد سُئل الإمام عليه السلام عن تكليف الأمّة، وأنّه إلى من يرجعون في مقام الاختلاف. والإمام عليه السلام عند جوابه أوضح مشخّصات من يرجع إليه، وهذه المشخّصات إنّما تصدق على المجتهد الجامع للشرائط، فهم المنصّبون من قبله للقضاء والحكومة.

 
وهذه الرواية تثبت مقام الولاية والقيادة للفقيه، مضافاً إلى منصب القضاء، وقد قال عليه السلام: "فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً", أي إنّ ولاية الفقيه الجامع للشرائط هي ولاية مجعولة من قبل الإمام المعصوم عليه السلام, ولذا استخدم الإمام كلمة "جعلته"، فلو كان مراد الإمام الصادق عليه السلام جعلهم في منصب القضاء فقط، لكان ينبغي أن يستعمل كلمة "بينكم" بدل كلمة "عليكم", ولذا يقول الإمام عليه السلام إنّي قد جعلته عليكم حاكماً لترجعوا إليه في الأمور القضائيّة والحكوميّة, لأنّه متى كان حاكماً كان قاضياً. نعم، موضوع النزاع الوارد في الرواية، وإنْ كان هو الدِّيْن أو الميراث أو القضاء وفصل الخصومة، ولكنّ الإمام صدر منه نفي ولاية حكّام الجور، ونصّب الفقهاء لمنصب القيادة والحكومة.
 
3- مكاتبة إسحاق بن يعقوب:
وصلت روايات عن الأئمّة عليه السلام تُحدِّد وظيفة الشيعة في زمان غيبة المعصوم، ومن جملة الروايات: التوقيع المنقول عن الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في جوابه لإسحاق بن يعقوب لمسائل سألها منه عجل الله تعالى فرجه الشريف.
 
"وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا, فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة الله عليهم"1.
 
ففي هذه الرواية حدَّد الإمام وظيفة الأفراد في الحوادث الواقعة، وطلب منهم الرجوع في كلّ واقعة فرديّة أو اجتماعيّة، أو سياسيّة أو حكوميّة إلى رواة الحديث, أي الفقهاء. وعن الشيخ الأنصاري أنّ المراد من الحوادث ظاهراً هو مطلق الأمور التي لا بدَّ من الرجوع فيها للناس بنظر العرف أو العقل أو الشرع من الرجوع إلى الحاكم، وليس المراد منها فقط مسائل الحلال والحرام2، وذلك من جهات:



1 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص101.
2 الأنصاري، مرتضى، كتاب المكاسب، ج3، ص555.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

70

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 ‌أ- إنّ الإمام أرجع الناس إلى الفقهاء في أصل الحوادث الواقعة لا في أحكامها, أي لم يقل ارجعوا في أحكام الحوادث للفقهاء حتى نقول إنّ الفقهاء حجّة في بيان الحلال والحرام والفتوى دون الأمور السياسيّة والاجتماعيّة، وإنّما قال ارجعوا في الحوادث نفسها للفقهاء.


‌ب- إنّ المستفاد من قوله عليه السلام: "فإنّهم حجّتي عليكم"، هو كون الفقهاء منصّبين من قبل الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في مورد الأعمال التي ترجع إلى شؤون الإمامة والقيادة، ولو كان وظيفة الفقهاء فقط بيان الأحكام الإلهيّة لكان المناسب أن يقول الإمام "فإنّهم حجج الله", لأنّه كما أنّ الإمام هو حجّة الله، لأنّه مبيّن للأحكام الإلهيّة فالفقهاء حجج الله لا حجّة الإمام، وإنّما يصحّ أن يقال للفقهاء أنّهم حجّة إمام الزمان إذا كانت وظيفتهم القيام بالأمور التي يقوم الإمام بها بنفسه حال حضوره.

‌ج- إنّ مسألة الرجوع إلى الفقهاء في مسائل الحلال والحرام وتبيين الأحكام كانت من المسائل الرائجة ومن بديهيّات الإسلام، وذلك بخلاف المسائل الاجتماعيّة والسياسيّة التي ترجع للمصالح العامّة للمسلمين، فأشكل أمرها عليهم، فإنّ السؤال عنها طبيعي، وقد جعلها الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف للعلماء والفقهاء، وأصدر أمره للمسلمين بالرجوع إليهم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

71

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

85


72

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 أسئلة الدرس

 
ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- إنّ تطبيق أحكام الإسلام وفق منظومة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعتبر من أبرز الأدّلة على ضرورة وجود حكومة إسلامية تُطبّق تلك الأحكام وتحفظها. 
 
2- لقد أعطت الروايات الفقهاء حيّزاً مهمّاً في خلافة المعصوم في مجال فهم الإسلام ونقل الروايات والأحاديث فقط. 
 
3- إذا اعتبرنا أنّ للفقهاء الولاية على المجتمع فهم مكلّفون باستنباط القوانين وإدارة المجتمع الإسلامي طبقاً للشريعة الإسلامية الغرّاء. 
 
4- إنّ رواية عمر بن حنظلة حصرت الرجوع إلى الفقهاء في خصوص المشاكل القضائية، ولم تعطِهم الولاية العامّة على الناس في كافّة المجالات. 
 
5- إنّ الحوادث الواقعة هي مطلق الأمور التي لا بدَّ فيها للناس بنظر العرف أو العقل أو الشرع من الرجوع إلى الحاكم. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

73

الدرس السابع: الأدلّة النقليّة على ولاية الفقيه

 للمطالعة


ولاية الفقيه نفس ولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام
عندما نُثبت الولاية نفسها التي كانت للرسول صلى الله عليه وآله وسلموالأئمّة عليهم السلام للفقيه في عصر الغيبة، فلا يتوهمنَّ أحد أنّ مقام الفقهاء هو نفس مقام الأئمّة عليهم السلام والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، لأنَّ كلامنا هنا ليس عن المقام والمرتبة، وإنَّما عن الوظيفة. فالولاية، أي الحكومة وإدارة البلاد وتنفيذ أحكام الشرع المقدّس هي وظيفة هامّة، ولكنَّها لا تجعل للإنسان مقاماً وشأناً غير عادي، أو ترفعه عن مستوى الإنسان العادي. وبعبارة أخرى: الولاية التي هي محلّ البحث، أي الحكومة والإدارة والتنفيذ، ليست امتيازاً، خلافاً لما يتصوّره الكثيرون، وإنّما هي وظيفة خطيرة.

فالقيّم على الأمّة لا يختلف عن القيّم على الصّغار من ناحية الوظيفة والدور. وكأنَّ الإمام عليه السلام قد عيَّن شخصاً لأجل "حضانة" الحكومة أو منصب من المناصب. ففي هذه الموارد لا يعقل أن يكون هناك فرق بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلموالإمام وبين الفقيه. فمن الأمور التي هي ضمن ولاية الفقيه تنفيذ الحدود (أي تطبيق القانون الجزائيّ للإسلام)، فهل هناك اختلاف في تنفيذ الحدود بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام وبين الفقيه؟ أم أنَّه لكون الفقيه أدنى رتبة، فيجب أن تكون السياط التي يجلدها أقلّ عدداً؟!

الإمام الخميني قدس سره
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

74

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 الدرس الثامن: شروط الحاكم



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعدّد شروط الحاكم الإسلامي.
2- يوضّح تأثير هذه الشروط في المجتمع والحكومة.
3- يُبيّن وظائف الحاكم الإسلامي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

75

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 تمهيد

أوضحنا في الدروس السابقة ضرورة تشكيل الحكومة الإسلاميّة في عصر الغيبة لإجراء أحكام الإسلام وتحقيق هدف الأنبياء، كما أوضحنا أدلَّة نصب الفقهاء جامعي الشرائط في عصر غيبة الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وتعيينهم في مسؤوليّة القيادة وإدارة المجتمع الإسلامي.

والآن نتعرَّض بالحديث لشروط الحاكم الإسلاميّ ووليّ أمر المسلمين. فمن الأمور الواضحة أنّه لا يمكن لأيّ شخص أن يتولّى زمام أمور المسلمين، وأن يصبح حاكماً عليهم، بل لابدّ أن يكون مثل هذا الشخص أليق أفراد المجتمع، وأن يكون جامعاً للشرائط المعتبرة حتى يتمكّن من أن يتولّى هذا المقام وهذه المسؤوليّة الخطيرة. نعم، من الشرائط ما هو معتبر لدى جميع الحكومات، دينيّة كانت أم غير دينيّة، كالعلم والعقل والقدرة والأمانة، إنّ هذه الصفات قد اتّفق الناس على اعتبارها حتى في البنّاء الذي يبني بيتاً، فهذا النوع من الشروط معتبر وبشكل مسلّم في مورد قيادة الحكومة، التي هي من أهمِّ مسائل المجتمع.

شروط الحاكم الإسلامي
حيث كان الحاكم الإسلامي متعهِّداً لإجراء وتبيين أحكام الإسلام، فلا بدّ من توفّر شرائط خاصّة، نبحثها الآن:
1- الإسلام:
لا بدَّ في الحاكم الإسلامي أن يكون، وقبل أيّ شيء آخر، مسلماً ومؤمناً، أي مضافاً إلى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

76

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 الاعتقاد القلبي والإقرار اللساني، لا بدّ وأن يكون عاملاً بالشريعة الإسلاميّة.

 
إنّ ضرورة مثل هذا الشرط للحاكم الإسلامي أمر واضح جدّاً، لأنّه من جهة هو حاكمٌ على الناس وله ولاية عليهم، ومن جهة أخرى طاعته واجبة لأجل حفظ النظام. والله عزّ وجلّ قد منع أيّ سلطة للكفار على المسلمين، ونهى المسلمين عن طاعتهم. وعليه، ففي ثقافة الإسلام لا قيادة ولا سلطة للحاكم الكافر على المسلمين، ويجب على المسلمين لو أراد الكفّار إعمال سلطتهم عليهم السعي في محاربتهم.
 
قال الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾1.
 
وقال الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾2 .
 
2- العلم (الفقاهة في الدين):
يُعتبر في الحاكم الإسلامي أن يكون ذا ثقافة واسعة وعلم كافٍ بدين الإسلام، أي لا بدَّ وأن يصل إلى ملكة الاجتهاد في أحكام الإسلام، وأن لا يكون مقلِّداً للآخرين، لأنّه من كانت له الولاية على المسلمين وإجراء الأحكام والقوانين، وكان لا بدَّ للناس من إطاعته، وهو في نفس الوقت مقلّدٌ لشخص آخر، فسوف يؤدّي ذلك إلى إضعاف نفوذ الحكومة والأمة الإسلامية معاً. وعليه، فلا تصحّ قيادة من لا معرفة له بحقيقة الإسلام وأحكامه، أو أنّ أركان اطّلاعه عن تقليد لا عن اجتهاد.
 
إنّ العقل يحكم دائماً بتقديم العالم على الجاهل، مضافاً إلى ما ورد من الآيات والروايات. فلا بدَّ إذاً لمن يستلم زمام الأمور أن يكون لديه علم كافٍ بأحكام وأصول الدين، بل ينبغي أن يكون أعلم أهل زمانه وأفضلهم. ونشير هنا إلى بعض الآيات والرويات الدّالة على ذلك.
 
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾3.



1 سورة النساء، الآية 141.
2 سورة الأحزاب، الآية 48.
3 سورة الزمر، الآية 9.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

77

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ولّت أمّة قط أمرها رجلاً، وفيهم أعلم منه، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتى يرجعوا إلى ما تركوا"1.

 
وعن الإمام علي عليه السلام: "أيّها الناس، إنّ أحقَّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه"2.
 
وفي حديث للإمام علي عليه السلام في مقام بيان صفات الإمام، قال: "وأمّا حدود الإمام المستحقّ للإمامة، منها: أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب كلّها صغيرها وكبيرها، ولا يزلّ في الفتيا، ولا يخطئ في الجواب... والثاني: أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه وضروب أحكامه وأمره ونهيه... فإنّه لو لم يكن عالماً لم يؤمن أن يقلب الأحكام والحدود، وتختلف عليه القضايا المشكلة فلا يجيب عنها... والثالث أن يكون أشجع الناس..."3.
 
إنّ المستفاد من الرواية أنّ من الشروط الضروريّة للإمامة العلم والفقاهة، بل الأعلميّة، وبتوسّط تعميم الملاك يمكن استفادة شرطيّة هذا الأمر للقائد في عصر الغيبة.
 
3- العقل:
إنّ اشتراط العقل في الحاكم هو من الأمور البديهيّة التي لا تحتاج إلى استدلال، لأنّ العقلاء بفطرتهم لا يوكّلون فاقد العقل بأمورهم الاعتياديّة، فكيف بمسألة الولاية والحكومة التي ترتبط بأموالهم وأنفسهم وأعراضهم؟! عن أمير المؤمنين عليه السلام: "يحتاج الإمام إلى قلب عقول، ولسان قؤول، وجنان على إقامة الحقِّ صؤول"4.
 
ومن جهة أخرى تحتاج قيادة وإدارة المجتمع إلى عقل مميَّز عن الآخرين، لأنّ على القائد والوالي تشخيص مصالح ومفاسد الأمّة، ومع وجود أفراد أكثر تعقُّلاً كيف يمكن تسليم زمام الأمور إلى أفراد أقلّ قدرة على تشخيص المصالح والمفاسد؟!



1 الشيخ الطوسي، الأمالي، ج2، ص172.
2 الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، خطبة 173.
3 العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج25، ص165.
4 الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، ص556.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

78

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 عن الإمام علي عليه السلام: "ولكنّي آسى أن يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها..."1.

 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يكون السفيه إمام التقي"2.
 
وعليه، يمكن القول إنّ من شروط الحاكم الإسلامي هو أن يكون ذا عقلٍ كامل، لا مجرّد عقلٍ عادي.
 
4- العدالة:
لقد ثبت في علم الكلام، وفي بحث النبوّة والإمامة، أنّ النبي والإمام لا بدّ وأن يكون معصوماً، وحيث كان الوصول للإمام المعصوم متعذِّراً في عصر الغيبة، فلا بدَّ من إيكال أمر الحكومة الإسلاميّة إلى شخص دون درجة العصمة الثابتة للمعصومين، ولكنّه على درجة أعلى، من صيانة النفس ومخالفة الهوى واتّباع أوامر المولى، وهذا هو عبارة أخرى عن شرط العدالة، وقد عرّفت بأنّها ملكة وحالة نفسانيّة راسخة في النفس توجب التقوى، وصيانة النفس تمنع الشخص من ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر، كما تمنعه من ارتكاب الأعمال التي تدلّ على عدم المبالاة لدى العرف وتكون على خلاف المروءة3.
 
وفي تحرير الوسيلة: "العدالة عبارة عن ملكة راسخة باعثة على ملازمة التقوى، من ترك المحرّمات وفعل الواجبات"4.
 
إنّ اشتراط العدالة في القائد والحاكم هو من المسائل البديهيّة في نظر فقهاء الشيعة، والكثير من علماء السنّة، ويدلُّ عليها، مضافاً إلى الآيات والروايات، العقل السليم، فإنّ العقل يرفض تسليم زمام الأمور لشخص لا يستطيع أن يقف أمام الظلم والعصيان، يقول الله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾5.



1 الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج3، ص120، من كتاب له إلى أهل مصر مع مالك الأشتر.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص175.
3 اليزدي، محمد كاظم، العروة الوثقى ، ص299، الشهيد الثاني، زين الدين بن علي (الشيخ)، شرح اللمعة الدمشقية، ص156.
4 الإمام الخميني، روح الله، تحرير الوسيلة، ج1، ص10، نشر دار الكتب العلمية، مطبعة الآداب - النجف الأشرف، ط2، 1390ش، مسألة 28.
5 سورة البقرة، الآية 124.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

79

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾1.

 
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "قال الله تعالى: لأعذِّبن كلَّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعيّة في أعمالها تقيّة..."2.
 
وقد بيَّن الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب الذي أرسله مع مسلم بن عقيل إلى الكوفة صفات الحاكم، فقال: "فلعمري، ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله"3.
 
وعليه، فمن الشروط الأساسيّة للحاكم الإسلامي هو شرط العدالة بأعلى درجاتها، واتّباع الظالم حرام، وقد ورد في الروايات أنّ الحاكم الإسلامي لا بدَّ وأن يكون منزَّهاً عن الصفات الرذيلة، كالبخل والحرص والطمع ...
 
عن الإمام علي عليه السلام: "وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الخائف للدّول فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيُهْلِك الأمّة"4.
 
5- حسن التدبير والإدارة:
من شروط القيادة القدرة على تدبير وإدارة أمور المجتمع، بمعنى أنّ الحاكم الإسلامي لا بدَّ وأن يتمتّع بقدرة جسميّة وفكريّة ومعنويّة، وصلاحيّة الإدارة والتدبير للمجتمع الإسلامي في تمام أبعاده، وأن يمتلك، مضافاً إلى الخبرة بالأسس الإداريّة والسياسيّة، علماً بمقتضيات زمانه وعواقب الأمور، وتشخيص الأصدقاء من الأعداء،



1 سورة هود، الآية 113.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص37.
3 الشيخ المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد،ج2، ص39، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، نشر دار المفيد - لبنان، ط2، 1993م.
4 الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، خطبة 131.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

80

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 ومعرفة ما يحيكه الأعداء من مؤامرات، حتى يمكنه هداية حركة الأمّة الإسلاميّة إلى طريق الخير والعزّة والاستقلال.

 
يقول الإمام علي عليه السلام لبيان إحجامه عن بيعة أبي بكر: "أنا أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لساناً، وأثبتكم جناناً"1.
 
وعن الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تصلح الإمامة إلا لرجلٍ فيه ثلاث خصال: ورعٌ يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي، حتى يكون لهم كالوالد الرحيم"2.
 
ويخاطب الإمام الصادق المفضَّل بن عمر بقوله: "يا مفضَّل، والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"3.
 
إذاً، لا بدَّ للحاكم الإسلامي لأجل إحراز هذا الشرط من المعرفة بأمور زمانه وبالأمور السياسيّة والاجتماعيّة حتى يتمكَّن من وضع برنامج يمكّنه من الوصول بالأمّة إلى برّ النجاة.
 
وظائف الحاكم
تقدَّم أنّ أهداف إقامة حكومة الإسلام هي أهداف البعثة والرسالة نفسها، وعلى الحاكم الإسلامي بعنوان أنّه خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام وظائف ومسؤوليّات، لابدَّ له من القيام بها، وفيما يأتي نذكر الوظائف والشواهد عليها.
 
1- نشر المعرفة الإسلاميّة:
كما كانت وظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام المعصوم عليه السلام تبليغ الأحكام وبيان المعارف الدينيّة، فالحاكم الإسلامي مكلَّف أيضاً بتهيئة الإمكانات لنشر ثقافة الدين وسنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعريف الناس بالحلال والحرام والقوانين والمقرّرات، وذلك من خلال 



1 الطبرسي، أحمد بن علي، الإحتجاج، ج1، ص95، تحقيق السيد محمد باقر الخرسان، نشر دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف، 1966م.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص336.
3 م.ن، ص23.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

81

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 الاهتمام بالحوزات العلميّة، والاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة، وإرسال المبلّغين وغيرها... حتى يبني مجتمعاً عارفاً ومحافظاً على تعاليم القرآن والإسلام.

 
عن الإمام علي عليه السلام: "أيها الناس، إنّ لي عليكم حقاً ولكم عليّ حقّ، فأمّا حقُّكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا"1.
 
2- تربية الناس على الأخلاق الحسنة والسنن الإلهيّة:
تهذيب النفوس من الأخلاق السيّئة والصفات الرذيلة من الوظائف الأساسية للحاكم، وهنا تلعب أخلاق الحاكم وطريقة تعامله وشرحه للمسائل الأخلاقيّة والآداب النفسيّة الدور الأساس. عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطابه لمعاذ بن جبل، لمَّا أرسله إلى اليمن في السنة العاشرة من الهجرة:
"يا معاذ، علِّمهم كتاب الله، وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة، وأنزل الناس منازلهم -خيرهم وشرّهم - وأنفذ فيهم أمر الله، ولا تحاش في أمره ولا ماله أحداً، فإنّها ليست بولايتك، ولا مالك، وأدِّ إليهم الأمانة في كلّ قليل وكثير، وعليك بالرفق والعفو في غير ترك الحقّ، يقول الجاهل: قد تركت من حقّ الله، واعتذر إلى أهل عملك من كلّ أمرٍ خشيت أن يقع منه عيب حتى يعذروك، وأمت أمر الجاهليّة إلا ما سنَّه الإسلام، وأظهر الإسلام كلَّه صغيره وكبيره، وليكن أكثر همِّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين، وذكِّر الناس بالله واليوم الآخر، واتّبع الموعظة فإنّه أقوى لهم على العمل بما يحبُّ الله، ثم بثّ فيهم المعلِّمين، واعبد الله الذي إليه ترجع، ولا تخف في الله لومة لائم"2.
 
3- إقامة الواجبات الدينية والشعائر المذهبيّة:
كصلاة الجمعة والجماعة والصيام والحج والزكاة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج18، ص311.
2 الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول، ص25، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط2، 1404هـ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

82

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾1.

 
فإنّ الآية تشير إلى أنّ القدرة إذا وصلت إلى عباد الله المؤمنين، فإنّهم يسعون إلى تحقيق ثلاثة أمور مهمَّة: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الواضح أنّ تحقيق هذه الأمور هي من وظائف الحاكم الإسلامي بالدرجة الأولى.
 
4- إحياء السنن والقيم الإسلاميّة:
إنّ إزالة البدع، وحفظ الشريعة من التغيير والتبديل والتأويل والتحريف، ومواجهة الأفكار المنحرفة والهجوم الثقافي من قِبَل الأعداء على القيم الدينيّة، وإجراء الحدود الإلهيّة، هي من الوظائف التي يجب على الحاكم أن يسهر على تحقيقها.
 
عن الإمام علي عليه السلام: "ليس على الإمام إلا ما حمل من أمر ربّه: الإبلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والإحياء للسنّة، وإقامة الحدود على مستحقّيها"2.
 
5- الدفاع عن الدولة الإسلاميّة:
إنّ جهاد أعداء الإسلام عن طريق الإعداد في جميع المجالات، أي الإعداد العسكريّ والروحيّ وإعلاء القدرة القتاليّة لدى المجاهدين، هو من وظائف الحكومة الإسلاميّة الهامّة.
 
قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾3.
 
في هذه الآية تكليف للأمّة بالإعداد والاستعداد للدفاع عن بلاد المسلمين من الناحية العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، وذلك بهدف إيجاد الرعب في قلوب الأعداء وسلب قوَّتهم عن الهجوم على بلاد المسلمين.



1 سورة الحج، الآية 41.
2 الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، خطبة 105.
3 سورة الأنفال، الآية 60.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

83

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 ولا بدّ أيضاٍ من مواجهة المعاندين والأشرار الذين يخلّون بالنظام والأمن، والأمّة الإسلاميّة في ظلّ الأمن والأمان تتمكَّن من الوصول إلى النموّ المعنويّ والاقتصاديّ.

 
6- عمران البلاد:
وذلك من خلال العمل العام والمؤسّسات العامّة للانتفاع وإيجاد فرص العمل وزيادة الإنتاج وبناء علاقات صحيحة في السوق ورفع موانع النمو الاقتصاديّ ورفع الاحتياجات الماديّة لتنمية الرفاهيّة في المجتمع الإسلامي.
 
هذا إلى جانب توسعة العلوم والفنون العصريّة التي تحتاج إليها الأمّة والتي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي، وترغيب الأفراد في ذلك.
 
7- تحقيق العدالة الاجتماعية:
عبر المنع من ظلم الظالمين وإحقاق الحقّ للضعفاء من الغاصبين، من خلال تشكيل سلطة قضائيّة قادرة بتوسّط قضاة عدول مؤمنين، لإجراء الحدود الجزائيّة في الإسلام.
 
عن الإمام علي عليه السلام: "اللهم، إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنردَّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلوم من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك"1.
 
ومن أهم مظاهر العدالة الاجتماعية جمع الأموال من الضرائب وغيرها وصرفها وتقسيمها في مصارفها العامّة ومواردها الضروريّة.
 
عن الإمام علي عليه السلام في عهده لمالك الأشتر: "هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاّه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوّها، واستطلاع أهلها، وعمارة بلادها"2.
 
8- بناء علاقات حسنة مع الشعوب والدول الأخرى:
عبر العهود والمواثيق مع الحفاظ على عزّة الأمّة واستقلالها، والحذر من أنواع التسلُّط أو التبعية، أو بناء علاقات مع دول تظهر العداوة للإسلام والمسلمين.



1 الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، خطبة 131.
2 م.ن، ج3، ص83، عهده إلى مالك الأشتر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
99

84

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾1. فمن غير المسموح ومن غير الممكن أن يعيش الإنسان في هذا العصر في عزلة عن الآخرين، خصوصاً في هذا الزمن الذي بات فيه العالم أشبه بقرية عالمية مترامية الأطراف، لا موانع ولا حدود للتواصل بين أفرادها. بل الإسلام يؤكد ويحثّ على ضرورة التواصل مع الآخر لما في هذا التواصل من آثار وبركات كثيرة يقول الإمام الخميني قدس سره: "علينا أن نفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الإسلام حيث كان يرسل السفراء إلى كل مكان ليقيم علاقات مع الدول. لذلك لا نستطيع أن نقعد ونقول: ما لنا والدول؟ هذا خلاف العقل والشرع. وعلينا أن نكوّن علاقات وروابط مع الجميع، غاية الأمر أن هناك إستثناءات لبعض الدول ونحن لا نقيم معها علاقات الآن. أما أن لا تكون لنا علاقات مع الجميع فهذا ما لا يقبله عقل ولا إنسان، إذ معنى هذا أن نفشل ونندحر ونفنى إلى الأبد. يجب علينا أن نوجد لنا روابط وعلاقات مع الدول والشعوب لنتمكن من إرشادهم. بهذه الروابط نرشدهم، ونحذر صفعات من لا نتمكن من إرشادهم،على هذا أوصيكم بتقوية علاقاتكم وإحكامها أينما كنتم"2




1 سورة الحجرات، الآية 13.
2 زين العابدين، محسن، الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه في رؤية الإمام الخميني، ص 191، مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر، إيران، قم، 1432ق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

85

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

101


86

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 أسئلة الدرس

 
ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- لا يشترط في تطبيق الأحكام والقوانين في المجتمع الإسلامي أن يكون الحاكم مسلماً، وذلك لأنّ الأحكام والقوانين في المجتمع تُشكّل ضرورة اجتماعية عند كافّة المجتمعات. 
 
2- يُعتبر في الحاكم الإسلامي أن يكون فقيهاً بالدين الإسلامي، وإلا أدّى ذلك إلى محدودية صلاحيات الحاكم وتقيّده بآراء الآخرين. 
 
3- لا يمكن تطبيق الأحكام والقوانين الإسلامية إلا بوجود حاكم عاقل وعادل يمنع نفسه من الوقوع في الأخطاء القيادية والفكرية. 
 
4- لا يشترط في الحاكم الإسلامي أن يكون حسن الإدارة، وذلك لأنّ دور الحاكم هو مجرّد مراقبة تطبيق الأحكام والقوانين في المجتمع. 
 
5- إذا كانت الأحكام والقوانين الحاكمة على المجتمع إسلامية، فلا بدّ من أن يحرص الحاكم على إقامة أهداف الدين الإسلامي. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

87

الدرس الثامن: شروط الحاكم

 للمطالعة


شروط الحاكم
يجب أن يكون باب الاجتهاد مفتوحاً دائماً في الحكومة الإسلاميّة، وتقتضي طبيعة الثّورة والنّظام أيضاً أن تُطرح الآراء الاجتهاديّة الفقهيّة في المجالات المختلفة بشكل حرّ ومفتوح، حتّى ولو كانت مخالفة لبعضها بعضاً، ولا يحقُّ لأحد، ولا يمكنه، أن يمنعها. ولكنّ الشيء المهمّ، هو المعرفة الصحيحة للحكومة والمجتمع، حتّى يتمكّن النظام الإسلاميّ من التخطيط لصالح المسلمين، ومن الضروريّ له وحدة الرأي والعمل. ومن هنا، فلا يكفي الاجتهاد المصطلح عليه في الحوزات، بل حتّى ولو وُجد إنسان هو الأعلم في العلوم المعروفة في الحوزات، لكنَّه غير قادر على تشخيص مصلحة المجتمع، أو لا يقدر على تشخيص الأفراد الصالحين والمفيدين من الأفراد غير الصالحين، ويفتقد بشكل عامّ للرأيّ الصائب في المجال الاجتماعيّ والسياسيّ والقدرة على اتّخاذ القرار... فإنّ مثل هذا الإنسان يكون غير مجتهد في المسائل الاجتماعيّة والحكوميّة، ولا يمكنه التصدّي لاستلام زمام المجتمع.

الإمام الخميني قدس سره
يجب أن يكون باب الاجتهاد مفتوحاً دائماً في الحكومة الإسلاميّة، وتقتضي طبيعة الثّورة والنّظام أيضاً أن تُطرح الآراء الاجتهاديّة الفقهيّة في المجالات المختلفة بشكل حرّ ومفتوح، حتّى ولو كانت مخالفة لبعضها بعضاً، ولا يحقُّ لأحد، ولا يمكنه، أن يمنعها. ولكنّ الشيء المهمّ، هو المعرفة الصحيحة للحكومة والمجتمع، حتّى يتمكّن النظام الإسلاميّ من التخطيط لصالح المسلمين، ومن الضروريّ له وحدة الرأي والعمل. ومن هنا، فلا يكفي الاجتهاد المصطلح عليه في الحوزات، بل حتّى ولو وُجد إنسان هو الأعلم في العلوم المعروفة في الحوزات، لكنَّه غير قادر على تشخيص مصلحة المجتمع، أو لا يقدر على تشخيص الأفراد الصالحين والمفيدين من الأفراد غير الصالحين، ويفتقد بشكل عامّ للرأيّ الصائب في المجال الاجتماعيّ والسياسيّ والقدرة على اتّخاذ القرار... فإنّ مثل هذا الإنسان يكون غير مجتهد في المسائل الاجتماعيّة والحكوميّة، ولا يمكنه التصدّي لاستلام زمام المجتمع.


الإمام الخميني قدس سره
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

88

الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

 الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

 




أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرض نظرية البيعة والشورى مبيّناً المراد منهما.
2- يناقش ويردّ صلاحية نظرية البيعة لاختيار الحاكم.
3- يناقش ويردّ صلاحية نظرية الشورى لاختيار الحاكم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

89

الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

 تمهيد

بعد عرض الأدلّة على ولاية الفقيه، وبيان الشروط الإسلامية لهذا الولي، وتحديد وظائفه، نبيّن في هذا الدرس النظريّات التي وردت في كيفيّة التوصّل لهذا الحاكم، وما هي الآلية التي ينبغي اعتمادها في تعيين حاكم على الأمّة الإسلاميّة، خصوصاً إن كانت الشروط متوفّرة في عدّة أشخاص، وكان كلّ واحد منهم أهلاً أن يكون وليّاً وحاكماً.
 
ونعرض فيما يأتي لنظريّتين من النظريات، يليها في الدرس التالي عرض لنظريتين أخريين، وهذه النظريات هي نظرية البيعة ونظرية الشورى ونظرية التصدّي ونظرية الانتخاب، مع مناقشة هذه النظريات للتوصّل إلى حلّ يتناسب مع المبادئ والأهداف.
 
نظرية البيعة
البيعة هي عبارة عن عهد بين المجتمع أو الأمّة وبين الحاكم أو القائد، حيث تقوم الأمّة بمبايعة القائد على العهد والطاعة، فتصبح أموال الأفراد وأنفسهم وإمكاناتهم تحت اختيار القائد، ويتعهّد هو في المقابل بالعمل على ما فيه خيرهم وصلاحهم. فالبيعة هي معاملة بين طرفين تكون وسيلة لإنشاء حكومة، تنبثق شرعيتها من المبايعة.
 
و قد ورد العديد من الآيات التي تتحدَّث عن قيام الناس بالبيعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبيّة1، وما بعد فتح مكة2، وفي الروايات وردت أيضاً قصّة البيعة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، 



1 ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ سورة الفتح، الآية 18.
2 ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ سورة الممتحنة، الآية 12.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

90

الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

 حيث ورد عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: "لمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكّة بايع الرجال، ثمّ جاء النساء يبايعنه، فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾1..."2، وكذلك وردت الروايات التي تتحدَّث عن مبايعة الناس لأمير المؤمنين عليه السلام، كما عنه عليه السلام: "... فبسطت يدي فبايعتموني مختارين، وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين..."3. وهذه الروايات تدلّ على اهتمام الشريعة الإسلامية بالبيعة وبدورها وأثرها في تحقّق الحكومة على الناس.

 
وعليه، ذهب جماعة إلى اعتبار أنّ البيعة بنفسها تؤسّس لشرعيّة الولاية والقيادة، فمن يقوم الناس بمبايعته يكون حاكماً فعليّاً عليهم.
 
مناقشة النظريّة:
إنّ ما حصل من البيعة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وللأئمّة الأطهار عليهم السلام إنّما هو عمليّة تأكيد للولاية التي يمتلكونها من الله تبارك وتعالى بنصّ قرءاني واضح، فولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست من الناس والأمّة، إنّما هي من الله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾4.
 
وإنّ مسألة الولاية والحكومة من الأمور التي لا تقبل الإنشاء والإيجاد، فالأمّة لا تستطيع أن تجعل في شخصٍ ما شرعية وأهليّة الولاية وهو فاقد لها، فشأنيّة الولاية إنّما تكون من خلال توفّر شروط ومواصفات خاصّة.
 
مضافا ً إلى ذلك، إذا كانت البيعة هي عبارة عن اتّفاق بين طرفين، فقد تكون ضمن دائرة محدّدة من الصلاحيّات التي يحصل عليها التوافق بين الطرفين، وهي عبارة عن "الوكالة"، ولا تثبت بها "الولاية المطلقة" للفقيه والحاكم الإسلامي.



1 سورة الممتحنة، الآية 12.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص527.
3 الشيخ المفيد، الإرشاد، ج1، ص245.
4 سورة المائدة، الآية 55.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108

91

الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

 نظرية الشورى‏

مع وجود إمام منصّب من الله تبارك وتعالى ـ كما هو الحال بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللأئمّة الأطهار عليهم السلام ـ فإنّ النوبة لا تصل إلى الأمّة، وعلى فرض انتخاب غيرهم بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لا تكون طاعتهم واجبة، بل الطاعة لمن نصَّبه الله عزّ وجلّ.
 
أمّا في زمان الغيبة حيث إنّ الإمامة بمعناها العام لا ينبغي تعطيلها، وحيث كان من الواجب إقامة الحكومة الإسلاميّة في كلّ عصر ومصر، فإن قلنا بأنّ التنصيب قد صدر من الأئمّة عليهم السلام للفقهاء العدول الجامعين للشرائط فإنّ النوبة أيضاً لا تصل إلى الأمّة، وإنْ قلنا بعد قيام الدليل على ثبوت النصب العام للفقهاء فإنّ النوبة تصل إلى الأمّة الإسلامية لاختيار حاكم عليها، ومن هذه الطرق الشورى التي تطرح كدليل على أنّ الولاية والحاكمية تُعْطى من الأمّة، حيث تقوم الأمّة على التوافق فيما بينها على شخص يحكمها ويدير شؤونها ويرعى مصالحها.
 
أدّلة نظريّة الشورى
قال الله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾1.
 
والاستدلال بها من جهة أنّ كلمة (أمر) إمّا أنّ المراد منه خصوص الحكومة، أو أنّ الحكومة هي القدر المتيقّن في هذه الآية.
 
وفي الروايات: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجلٍ وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضا"2.
 
مناقشة النظريّة:
إنّ موضوع الشورى في الآية إنّما هو عبارة عن الأمور التي أوكل أمر البتّ فيها إلى المؤمنين، وذلك بقرينة إضافة الضمير "هم" إلى كلمة "أمر"، وليس من المعلوم كون 



1 سورة الشورى، الآية 38.
2 الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، من كتاب له إلى معاوية.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

92

الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

 مسألة القيادة قد أوكل أمرها إلى انتخاب الناس.


ومن الواضح أيضاً أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو اعتمد نظام الشورى أساساً لاختيار الحاكم، لكان من البديهي أن يقوم بتوعية الأمّة على تفاصيل هذا النظام، خاصّة وأنّه جاء جديداً على المجتمع الذي كان يرزح تحت كابوس الزعامات القبلية والعشائرية.

وعملية التوعية لهم لم تظهر، لا في أحاديثه المأثورة، ولا في ذهنية وممارسة الأمّة آنذاك. حتى أنّ الخلفاء الذين تولَّوا الحكومة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتمدوه إلا نادراً، كما تشهد الوقائع التاريخية بذلك.

وبالخلاصة يمكن القول: إنّ نظام الشورى قد لا يؤدّي إلى فرز الأفضل، فكيف يمكن لجمهور متعدِّد الاتّجاهات والمصالح أن يختار إماماً قادراً على نشر وحماية وتوضيح الرسالة على أرض الواقع.

فالأمّة غالباً لا يمكنها أن تتجرّد عن العصبيات والميول والمطامع، في القضايا البسيطة، فكيف في قضية اختيار خليفة المسلمين أو حاكمهم.

وأمّا كلام الإمام عليّ عليه السلام، فهو قسم من رسالة له إلى معاوية ويريد الإمام عليّ عليه السلام إثبات أحقّيته بالخلافة من خلال التمسّك بما يعتقد به معاوية نفسه، وهو كون أمر الخلافة أمراً انتخابياً، ومن الطبيعي أن يعتمد الإنسان في مقام الاحتجاج على المخالف له بما يقبله ويعتقد به الطرف الآخر.

وعليه، فكلام الإمام عليه السلام إنّما هو في مورد من كان وصوله إلى مقام الولاية لم يثبت بنصّ إلهيّ بتوسّط النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا فلا قيمة لرأي الناس في مقابل النصّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

93

الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

111


94

الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

 أسئلة الدرس

 
ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- نظرية البيعة هي عبارة عن عهد بين الأمة وبين الحاكم من خلال مبايعة الأمّة له على السمع والطاعة، وتعهّده بالعمل لما فيه خيرهم وصلاحهم. 
 
2- إنّ البيعة من قِبَل المسلمين التي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي التي منحت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرعيّة الولاية والقيادة على الناس. 
 
3- نظرية الشورى هي عبارة عن توافق الأمّة فيما بينها على اختيار شخص يحكمها ويدير شؤونها ويرعى مصالحها. 
 
4- يقصد بقوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ هو أنّ الولي والقائد لا يجوز انتخابه إلا من خلال توافق الأمّة عليه. 
 
5- الشورى في الرؤية الإسلامية هي عبارة عن الأمور العامّة المتعلّقة بشؤون الأمة التي أجاز الله سبحانه وتعالى للحاكم مشاورة الأمّة بها. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

95

الدرس التاسع: طرق تعيين الولي (1)

 للمطالعة


ما معنى التنصيب؟
التنصيب يعني تعيين الفقيه الحائز على الشروط العلميّة والعمليّة من قبل الأئمّة المعصومين عليهم السلام لمنصب الإفتاء والقضاء والولاية في عصر الغيبة، أي تنصيب صاحب العنوان في المنصب والمقام، وهذا بمعزل عن إعلان الشرائط، فالأمّة لا تنتخب الفقيه لمنصب الإفتاء والقضاء ليكون وكيلاً عنهم لاستحصال الفتوى، أو لغرض استنباط الأحكام القضائيّة وتطبيقها. وهكذا الحال بالنسبة للولاية التي تمثّل المنصب الأهم للفقيه، فلا يتّخذه الناس وكيلاً لهم للحكم، فالفقيه نائب الإمام المعصوم عليه السلام، وهو وليّ الإفتاء، ووليّ القضاء، ووليّ الحكومة.

في رواية عمرو بن حنظلة يقول الإمام عليه السلام: "فارضوا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً"، ولم يقل عليه السلام: فارضوا به حكماً واتّخذوه وكيلاً، وإنّما قال: "فإنّي قد جعلته عليكمَ حاكماً". فإنّ عبارة فارضوا به حكماً تتعلّق بالقضاء، أما عبارة "فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً" - وهي تعليل- فإنّها ترتبط بالحكم والولاية.

بناءً على ذلك، فإنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام جعلوا المناصب الثلاثة - الإفتاء، القضاء، الولاية والحكومة - حقّاً للفقيه الحائز على الشرائط، بل مسؤولية له، والملاحظة الأخرى هي أنّ هذه المناصب الثلاثة متبلورة في الفقيه قبل تأييد الأمّة أيضاً، وبتأييد الأمّة تتحقّق على الصعيد العملي والخارجي.


آية الله جوادي آملي

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
113

96

الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)

 الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرض نظرية التصدّي والانتخاب مبيّناً المراد منهما.
2- يناقش نظرية التصدّي.
3- يقدِّم نقداً لنظرية الانتخاب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
115

97

الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)

 تمهيد

لقد تمّ في الدرس السابق عرض نظريّتين اثنتين ومناقشتهما، وفيما يأتي نعرض نظريّتين أخريين للمناقشة، وهما نظريّة التصدّي ونظريّة الانتخاب.
 
نظرية التصدّي
إنّ هذه النظريّة تعني أن يقوم أحد الفقهاء الذين تجتمع فيهم الشروط والأهليّة للولاية بالتصدّي لهذا الأمر، فيكون الحكم له، لكونه الأسبق بين نظرائه من الفقهاء، فإنْ سبق غيره في التصدّي للحكم والولاية، فلا يجوز لأحد غيره من الفقهاء أن يزاحمه في دوره، ويكون الأمر له دون غيره.
 
مناقشة النظرية:
لقد دلّت النصوص والروايات على أنّ مقام الولاية مختصّ بالفقهاء الذين تتوفّر فيهم شروط معيّنة1، فكلّ من تتوفّر فيه الشروط التي أشار إليها أهل العصمة عليهم السلام هو أهلٌ أن يكون وليّاً وحاكماً، ولكن ما لم تدلّ عليه النصوص هو أن يكون التصدّي لهذا الأمر كافياً كي يصبح الفقيه وليّاً بالفعل، ومانعاً من تصدّي الفقهاء الآخرين، فالروايات لم تتكفّل بيان الولي الفعلي، بل تكفّلت بيان من فيه أهليّة الولاية من خلال توفّر الشروط فيه. وعليه، فلا دليل في النصوص الشرعيّة على أنّ التصدّي هو طريق يصبح من خلاله الفقيه الجامع للشرائط وليّاً بالفعل.



1 الإسلام، الفقاهة، العقل، العدالة، حسن التدبير والإرادة. راجع الدرس الثامن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

98

الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)

 متى ينفع التصدّي‏؟

نعم، إنْ تصدّى الفقيه، وسلّم له الآخرون بقيادته، وتوفّرت فيه الشروط، ولم يتصدَّ غيره لهذا العمل، فإنّ هذا الفقيه يكون هو الولي الفعلي، ولكن ليست شرعية ولايته وحاكميّته لكونه قد تصدّى لهذا الأمر، بل لأنّه قد توفّرت في الشروط، كما أنّ أحداً لم يتصدّ لهذا الأمر العظيم الذي يشكّل منعطفاً هامّاً وحساسّاً للأمّة الإسلاميّة، وله الدور الأساس في حفظ الدين والمجتمع الإسلامي.

وعلى هذا الأساس انطلق الإمام الخميني قدس سره، فقد رأى أنّ أحداً لم يتصدَّ لهذا الهدف المهم، فشعر بالوجوب العيني يحيط به، وكان مستعدّاً للتنازل عن هذا التصدّي لو تصدّى من يراه أكفأ منه، لكن لم يتصدَّ غيره.

والخلاصة: إنّ التصدّي لوحده غير كافٍ، فلرّبما تصدّى من ليس أهلاً لذلك. والتصدّي ينفع عند تحقّق الشروط للولاية، وإحراز الأمّة توفّر هذه الصفات فيه، وعدم تصدّي فقيه آخر جامع لهذه الشرائط.

نظريّة الانتخاب‏
إنّ نظريّة الانتخاب يختلف معناها والمراد منها باختلاف الظروف المحيطة بأمر الولاية، فإنْ كان لدينا مشكلة تعدّد للفقهاء الجامعين للشروط، وكان هناك تفاوت في هذه الصفات، فإنّ الولي يكون مشخّصاً ومحدّداً بالفعل، ويكون الانتخاب طريقاً للبحث، ومعرفة الأفضل بين الفقهاء.

ولكن لو صادف تساوي الفقهاء الموجودين بالصفات، فلا يكون هناك تعيّن في الواقع لمن هو الولي الفعلي، بل يكون جميع الفقهاء الذين تتوفّر فيه الشروط متساوين في هذا الحقّ، وتكون وجهة الانتخاب اختيار أحدهم لعدم إمكانيّة أن يكونوا جميعاً ولاة فعليين.

والانتخاب على كلا التقديرين لا دخالة له في الأهلية للولاية، فأهليّة الولي ثابتة بالنصوص والأدلّة، فعلى التقدير الأول هو مجرّد إعلان عن معرفته، وعلى التقدير الثاني يكون الانتخاب له دخل في فعلية ولاية الولي، وحسم التعدّد لصالح الوحدة، وترجيح المنتخب على غيره.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
118

99

الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)

 وتأتي نظرية الانتخاب على التقدير الثاني كحلّ عقلائي مقبول، دون أن يتنافى مع المسلّمات الشرعية بعد أن تبيّن معنا أنّ التصدّي لوحده غير كافٍ.

 
ولكن السؤال المطروح: كيف يكون هذا الانتخاب؟ وما هي الطريقة التي ينبغي للناس اعتمادها للكشف عن الولي؟
 
طرق التشخيص ثلاثة
لقد ذكرت الكتب الفقهية الطرق الثلاثة المعروفة: من شهادة أهل الخبرة، والشياع المفيد للعلم، والمعرفة الشخصيّة بالفقيه المتصدّي للمرجعية، وهذه الطرق الثلاثة لا يمكن تبنيها كلّها في باب الولاية.
 
الطريق الأوّل: البيّنة المؤلّفة من قول شاهدين من أهل الخبرة.
هذا الطريق لا يمكن اعتماده هنا لسببين:
الأوّل: لأنّ البينة ذات بعد فردي لا اجتماعي، فلا تشكّل أساساً لمعرفة اجتماعية، إذ إنّ الذي يطّلع عليها هو الفرد، وهذا لا يفيد بالنسبة للأمّة، وعلينا البحث عن سبيل معرفة يحقّق معرفة جماعية لا فردية.
 
الثاني: لأنّه سيفسح المجال لأن يكون جميع الفقهاء ولاة فعليين، إذ ما من فقيه متصدٍّ أو يريد التصدّي إلا وسيجد من يشهد له بأهليّته لذلك.
 
الطريق الثاني: المعرفة الشخصية.
وهذا الطريق ينفع صاحب المعرفة فقط دون غيره، ويستحيل عادة أن يملك جميع أفراد الأمّة الخبرة الشخصية الكافية لمعرفة أهليّة الشخص للولاية.
 
الطريق الثالث: الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان.
وهو الطريق الوحيد المتبقّي الذي يمكن اعتماده هنا، وهو أن يكون هناك شياع يفيد العلم أو الاطمئنان1.



1 الاطمئنان يدخل تحت عنوان الظن، فقد يشتدّ الظن ويقوى إلى أن يبلغ مرحلة يشابه فيها العلم, أي تارة يكون في قِبال الظنّ احتمال يلتفت إليه العقلاء ويراعونه في حياتهم، وأخرى يكون الاحتمال ضعيفاً لدرجة أنّ العقلاء يتعاملون معه معاملة العدم، ولا يراعون وجوده.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
119

100

الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)

 وما يسهّل الأمر هو إمكان تحصيل شياع مفيد للعلم أو الاطمئنان من خلال تشكيل مجلس حاشد من أهل الخبرة العدول، وبالتالي يمكن من خلال إيكال الأمر إلى هؤلاء تحصيل العلم أو الاطمئنان بكفاءة الشخص المعيّن للولاية، أو بأفضليّته إن كنّا نبحث عن الأفضل.


ومع تحصيل العلم أو الاطمئنان من قول أهل الخبرة بالأفضلية، لا يضرّ حينئذٍ أيّ قول معارض، لأنّ قول هذا المعارض هو في أحسن الحالات لن يفيد أكثر من الاحتمال الضعيف الذي لا يُعتنى به عقلائياً، ويمكن للأكثرية المهمّة في مجلس حاشد من أهل الخبرة أن تفيدنا الاطمئنان، إن لم تفد العلم.

معنى الشياع:
وممّا ذكرنا يتبيّن أن الشياع ليس مجرّد شهرة بين الناس، بل هو عبارة عن إخبارات كثيرة من كثير من أهل الخبرة، فلا يكفي الشياع بين الناس ما لم يكن ناشئاً عن شياع بين أهل العلم والخبرة، وإلا فيمكن للدعاية أن تساهم في تحقيق هذا الشياع بعيداً عن الأسس الصحيحة، كما لا قيمة لشياع أو شهرة تنشأ من قول شخص أو شخصين، بل هذا في الحقيقة خارج عن حقيقة الشياع ومندرج في البيّنة أو قول الشخص الواحد.

نتيجة البحث:
فتحصّل أنّه لا سبيل إلا بالشياع، وأنّ أفضل طريقة له هي تشكيل مجلس يضمّ حشداً من أهل العلم والخبرة يشخّصون من خلال مشاورات بينهم واستشارة الآخرين من هو الولي، ويكون الانتخاب منهم، وليس انتخاباً مباشراً من الناس.

وهذا ما اتّبعته الجمهورية الإسلامية المباركة أيّام الإمام الخميني قدس سره.

حيث يقوم الشعب الإيراني بانتخاب مجلس الخبراء، وهو مجلس أهل علم وخبرة واجتهاد، ويقوم هذا المجلس بدوره، المنتخَب من قِبل الشعب، بتشخيص الوليّ الذي تتوفّر فيه شروط الولاية، فيكون هذا المجلس المنتخَب من الشعب هو المنتخِب المباشر للولي، وليس الشعب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
120

101

الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

121


102

الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)

 أسئلة الدرس


ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- نظرية التصدّي تعني تصدّي أحد الفقهاء لمنصب الولاية على الأمّة، وعدم الجواز لغيره من الفقهاء مزاحمته. 

2- إذا تصدّى شخص من الفقهاء للولاية والقيادة فلا تجوز مزاحمته في الأمر، وإن كان فاقداً لبعض شروط الولاية والقيادة. 

3- نظرية الانتخاب هي عبارة عن انتخاب أحد من الفقهاء من مجموع فقهاء متعدّدين ممّن تتوفّر فيهم شروط الولاية والقيادة. 

4- إذا تمّ انتخاب الولي الفقيه عن طريق البيّنة فهذا يؤدّي إلى تحقّق شرعية الولاية والقيادة له على الأمّة. 

5- إنّ انتخاب عدّة من الفقهاء ذوي الخبرة في شؤون الأمّة لشخص الولي الفقيه، يحصل به الاطمئنان لصحّة انتخابهم، ويعطي الشرعية للولي على الأمّة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

103

الدرس العاشر: طرق تعيين الولي (2)

 للمطالعة


طرق تعيين الولي
أمّا بعد عهد الأئمّة المعصومين، وحيث لا يوجد شخص معيّن قد نُصِّب من قبل الله كحاكم للمجتمع، فإنّ المناط في تعيين الحاكم هو:
1- حيازته للصفات التي حدّدها الإسلام، كالعلم والتقوى والكفاءة والإخلاص وسائر الصفات...

2- قبول الناس به واجتماع كلمتهم عليه، فإن لم يعرف الناس ذلك الشخص الحائز على مواصفات الحاكم، أو لم يقبلوه مع توفّر الشروط اللازمة فيه، فإنّه ليس حاكماً، وإذا وُجِد شخصان حائزان على تلك المواصفات، وقبِل الناس أحدهما، فالحاكم من اختاره الناس، فقبول الأمّة ورضاها شرط من شروط الحاكميّة.

وهذا الأمر ورد أيضاً في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، إذ ينصّ الدستور على كونه مجتهداً عادلاً مديراً مدبّراً ذا رأي وبصيرة، قد عرفه الناس، ووصل إلى مرتبة المرجع الذي يقلّده الناس، ويظهرون الرغبة فيه والإقبال عليه، فإذا لم يعرف الناس مثل هذا الشخص، فإنّ خبراء الأمّة يبحثون عنه، فإذا شخّصوه وعرفوه، بادروا إلى تعريف الأمّة به، وهكذا ترون أهمّية الدور الذي يقوم به الناس في تعيين الحاكم الإسلامي.


الإمام الخامنئي دام ظله
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
123

104

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف أدلّة وحدة ولاية الأمر.
2- يتعرّف إلى صور تعدّد الوليّ.
3- يناقش فرضيّات التعدّد، و يُثبت بطلانها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
125

105

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 تمهيد

لقد مهَّد الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف لغيبته وانقطاعه عن الناس بما عُرف بالغيبة الصّغرى، والتي نصَّ فيها على أشخاص بأسمائهم وجعلهم وكلاءه وسفراءه، إليهم يرجع الناس في مسائلهم، وهم بدورهم يرجعون إلى الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، أمّا بعد وفاة السفير الرابع فقد جعل الإمام الولاية من بعده - بما دلّت عليه الروايات المتقدّمة - لأشخاص يحملون صفات معيَّنةً محدّدة تقدّم ذكرها أيضاً، ولم ينصّ عليها لشخص واحد بعينه، وعند توفّر الشروط في واحد من الفقهاء يتعيّن تلقائيّاً.

لكن لو فرضنا تعدّد الفقهاء الذين تتوفّر فيهم الشروط المتقدّمة، فهل تكون الولاية لكلّ واحد منهم أو لمجموعهم أو لأحدهم فقط؟ ولعلّ هذا الموضوع هو من الأبحاث المهمّة التي تختصّ بولاية الفقيه في العصر الحاضر.

وحدة ولاية الفقيه
قبل الدخول في صلب الموضوع ينبغي الإشارة إلى أنَّ البحث عن وحدة الولاية وتعدّدها سيكون بحسب القاعدة الأوليّة، أي ما ينبغي أن يكون عليه الأمر في الظروف الطبيعيّة، بعيداً عن الظروف القاهرة التي تفرض التعدّد أو تفرض الوحدة. فإذا كانت القاعدة الأوليّة تقتضي وحدة الولاية، ومنعت الظروف من توحيدها وفرضت التعدّد، فعندئذٍ لا مانع منه، كما هو كلّ حكم أوّليّ تقتضي الضرورة رفع اليد عنه، وهو أولى من ترك الأمور كليّاً. كما أنَّ القاعدة الأوّليّة لو فرضت التعدّد، وكان الظرف يقتضي الوحدة، فإنَّه لا مانع منها عندئذٍ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

106

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 كما أنّه لا شكّ بأنَّ وحدة ولاية الفقيه غالباً ما تكون هي الخيار الأفضل للأمَّة، لكنَّ البحث لن يكون في الأفضل، بل في الأصل ومقتضى القاعدة. وليس البحث أيضاً بلحاظ شخص استثنائيّ، أو زمن استثنائيّ، يُلزمنا بالوحدة أو بالتعدّد كما يحدث أحياناً، وإنَّما بقطع النظر عن الأشخاص والخصوصيّات الزمانيّة والمكانيّة.

 
أدلّة وحدة ولاية الأمر
إنَّ القاعدة الأوّليّة تقتضي وحدة ولاية الأمر في عصر الغيبة، وفيما يلي نعرض الأدلّة على ذلك:
1- حكم العقلاء:
إنَّ ما يحكم به العقلاء في جميع الأمم والشعوب والأديان أنَّ وجود رأس واحد لهذه الجماعة هو أمر لازم لصالح الجماعة، وأنَّ تعدّد القادة سوف يؤدّي إلى الإخلال بسير الأمّة نحو الرّقي والكمال المادّيّ والمعنويّ، وسوف يفرض الانقسام على الناس ويتيح الفرصة لتفكّك الجماعة، وإذا كان المسلمون أمّة واحدة، تحمل هدفاً واحداً وعقيدة واحدة ومصادر مسيرتها في الحياة واحدة، فلا بدّ وأن يكون الشخص الذي يسير بها واحداً.
 
2- النصوص الصريحة:
لقد دلّت النصوص صراحة على وحدة القيادة في العالم الإسلاميّ، ونكتفي في هذا المبحث بذكر روايتين فقط:
أ- الرواية المعتبرة عن الإمام الصادق عليه السلام "ما لكم وللرئاسات، إنَّما للمسلمين رأس واحد"1.
 
ب- عن الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام: "فإن قيل: فلِمَ لا يجوز أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك؟ قيل: لعلل، منها: أنَّ الواحد لا يختلف فعله وتدبيره، والاثنين لا يتّفق فعلهما وتدبيرهما، وذلك



1 العلامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 69، ص 215.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
128

107

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 أنَّا لم نجد اثنين إلّا مختلفي الهمّ والإرادة، فإذا كانا اثنين ثمَّ اختلف همُّهما وإرادتهما، وكان كلاهما مفترضَي الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه، فيكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد. ثمَّ لا يكون أحد مطيعاً لأحدهما إلّا وهو عاصٍ للآخر، فتعمّ المعصية أهل الأرض..."1.

 
صور تعدّد الولي
بعد أن تقدّمت الأدلّة العقلائية والنصوص الصريحة الدالة على وحدة الولي، وأنّ القاعدة الأوليّة هي الوحدة، من الضروريّ جدّاً أن نذكر الرأي المقابل للقول بالوحدة وهو التعدّد، وبعد توضيح هذا الرأي بكلّ صوره واحتمالاته، نتعرّض لكلّ احتمال وما يترتّب عليه من مفاسد ومشاكل ولوازم باطلة أو لا يمكن الالتزام بها، يتعيّن عندها ويتأكّد ما أثبتناه من قاعدة وهو القول بالوحدة، لأنّه لا بديل آخر، إمّا الوحدة وإمّا التعدّد.
 
نبدأ بذكر احتمالات تعدّد الوليّ، لنرى مبرِّراتها الشرعيّة ولوازمها العلميّة والعمليّة، بمعنى أنّه ماذا يترتّب من مفاسدٍ ومشاكل لو فرضنا تعدّد الولاية؟ لكي يبقى الخيار الثاني - وهو وحدة الولاية - هو الأفضل والأسلم. ويمكن تصوّر التعدّد من خلال الصور الآتية:

الأولى: ثبوت الولاية الفعليّة لكلّ فقيه تتوفّر فيه الشروط، بحيث يكون لكلّ فقيه ولاية مستقلّة عن ولاية الباقين، مهما كثر عددهم.
 
وهذا الاحتمال لا يمكن اللجوء إليه، لأنَّه يلزم منه الاختلاف والفساد، وانعدام النظام، بينما المفروض أنَّ ولاية الأمر إنَّما شرِّعت لحفظ النّظام، وإدارة شؤون الناس، وحفظ الحقوق، وإقامة الدين، فهي لدفع الفساد لا لإحداثه، فهذا الاحتمال ساقط قطعاً.
 
الثانية: ثبوت الولاية الفعليّة للمجموع لا للجميع، أي ثبوت ولاية واحدة لمجموع الفقهاء الذين تتوفّر فيهم الشروط حال اجتماعهم، دون أن يكون لكلّ فقيه ولاية مستقلّة على حدة. ومعنى هذا الاحتمال أن يكون ما أجمعوا عليه (جميعاً ومعاً)



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 6، ص 61.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
129

108

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 حجّة على الناس ملزماً لهم، فلا بدّ من اجتماعهم وإجماعهم على رأي واحد لتحصل القرارات الملزمة في النّظام.


وهذا الاحتمال أيضاً لا يمكن الالتزام به لعدّة وجوه:
1- لا يدلّ عليه دليل، ولا يمكن استنباطه من أدلّة ولاية الفقيه النقليّة، فضلاً عن الدّليل العقليّ.
2- إنّ آليّة تحصيل القرارات الملزمة تنحصر في اجتماعهم، وهو أمر لا يتيسّر، وإن تيسّر نادراً فهو لا ينفع في المواقع التي تحتاج إلى متابعات يوميّة وإصدار الأوامر والنواهي والتعليمات كلّما اقتضى الشأن ذلك.

الثالثة: ثبوت شأنيّة الولاية لجميع الفقهاء الذين تتوفّر فيهم الشروط، وتكون فعليّة الولاية لواحدٍ فقط في الدائرة الواحدة، بمعنى صلاحيّة كلّ واحد منهم للولاية، وأهليّته لها، فإذا تعدّد الفقهاء في الدائرة الواحدة لا تكون الولاية الفعليّة إلّا لواحد منهم، وإذا تعدّدوا وكانت الدوائر متعدّدة يكون كلّ واحد منهم وليّاً بالفعل في دائرته الخاصّة.

وهذا الاحتمال هو الأشهر عند القائلين بتعدّد ولاية الفقيه، حيث يدَّعي أصحابه أنَّه لا يلزم منه الفساد الذي اقتضاه الاحتمال الأوّل، ولن يكون هناك تعارض بين أولياء الأمور الذين يعمل كلّ واحد منهم في دائرة مستقلّة عن الأخرى، واستدلّوا على ذلك بأنّ الأدلّة السابقة الشرعيّة مطلقة، بمعنى أنّها تنطبق على كلّ فقيه جامع للشّرائط، وهي غير مختصّة بفقيه واحد، إلاّ في الحالات التي يلزم من ثبوت الولاية لكلّ واحدٍ (التعدّد في الدائرة الواحدة) الفساد، وتبقى سائر الحالات على حالها.

وهو ما يصوّره هذا الاحتمال، بالضبط كما هو الأمر في القضاء، فإنَّ مقبولة عمر بن حنظلة التي يُستدلّ بها على ولاية الفقيه، قد استدلَّ بها الكثير من الفقهاء على ولاية القضاء، وهي ذاتها لم تمنع من تعدّد القضاة حتّى في البلد الواحد، ما لم يلزم منه الفساد، فلذا منعوا أن ينظر اثنان من القضاة في قضيّة واحدة ممّا يفتح الاحتمال على الاختلاف في الحكم وتكوين النزاع.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
130

109

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 مناقشة فرضيّة التعدّد الثالثة

إلّا أنَّ هذا الاحتمال للتعدّد أيضاً مما لا ينبغي اللجوء إليه ولا الالتزام به وذلك لعدّة أمور:
1- كيف نفهم كلام المعصوم عليه السلام؟
إننَّا إذا أردنا أن نفهم كلام المعصوم، لا بدّ وأن نفهمه ضمن القرائن العامّة التي يعيشها الناس في عصر الإمام عندما صدر منه الكلام، ومن القرائن العامّة ملاحظة المرتكزات الثابتة في أذهان الناس منذ صدر الإسلام حتّى العصور القريبة الماضية، وهي التي تتضمّن وحدة الوليّ والقائد ومن بيده الأمر، وإليه يرجع الناس في أمورهم العامّة. وهذا يمنع من شمول الأدلّة الشرعيّة السابقة - التي استدلّوا بها - لكلّ فقيه بمفرده، وهذا يعني عدم ثبوت التعدّد بنحو فعليٍّ لكلّ فقيه.

2- هل يصحّ تقسيم الأمّة إلى دوائر؟
إنَّ تقسيم الأمّة والبلاد الإسلاميّة إلى دوائر متعدّدة، يخالف ظاهر كلِّ الأدلّة الشرعيّة التي كانت تنظر إلى الأمّة الإسلاميّة كوحدة غير مجزّأة، ولم يلحظ في شيء من الخطابات الشرعيّة أنَّها فرضت أن تكون الأمّة وحدات متعدّدة، وقد تقدّم.

3- ما هي حدود التجزئة؟
لو سلّمنا وقبلنا القول بالتعدّد، فإنّنا لا نعرف المعيار الذي على أساسه تقسّم الأرض إلى دوائر، فإنَّ تعدّد الدوائر لن يقف عند حدٍّ معيّن، فإنَّ التجزئة إذا حصلت فلن تتوقّف حتّى في إطار المدينة الواحدة التي يمكن جعلها أكثر من دائرة، كما هو الحال في الدوائر البلديّة والإداريّة، وهذا بالنسبة إلى ولاية الأمر غاية في الفساد، يُقطع بعدم رضا الشريعة وصاحبها، والالتزام بتقسيمات محدودة لا معنى له، ولا يمكن تحديد ضابطته، فهل نعتمد أساس الجغرافيا والتجزئة الطبيعيّة أو الأساس اللغويّ أو القوميّ أو غير ذلك؟! وكلّ هذه الأسس لا يعترف بها الشرع كمنطلقات للفرز والتقسيم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
131

110

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 4- مَن يحكم في قضايا الأمّة؟

إنّ الكثير من القضايا التي هي بحجم الأمّة، وتعني الإسلام ككلّ، مَن الذي سيبتُّ بها على فرض التعدّد؟! فلو دهم المسلمين عدوّ، فالأدلّة الشرعيّة تفرض وجوب الدفاع على كلِّ الأمّة دون فرق بين القريب والبعيد، فعندئذٍ كيف تكون الولاية ولمَن وعلى مَن؟! ومَن الذي يشخّص المصلحة والموقف ويُصدر الأمر؟!

وهكذا يظهر أنَّ احتمال التعدّد هذا يلزم منه الفساد ويترتّب عليه مشاكل لا تقبلها الشريعة المقدّسة، كما هو الحال في الاحتمال الأوّل، لا كما ادّعى أصحاب هذا الاحتمال.

5- هل يصحّ قياس الولاية على القضاء؟
القياس على القضاء غير صحيح، لوجود الفارق الكبير بين الأمرين، فإنّ قضايا القضاء شخصيّة خاصّة، وقضايا الولاية عامّة غير شخصيّة، فإذا أمكن التعدّد في القضاء عند تعدّد القضايا وانتفاء الترابط بينها، فإنّ الأمر ليس كذلك في قضايا ولاية الأمر المترابطة والشاملة والتي تتعلّق في الغالب بالأمّة كلّ الأمّة الإسلاميّة بلا حدود جغرافية أو غيرها...، وعليه فإنّ التعدّد فيها يؤدّي إلى الخلل والفساد، وبالتالي لا يصحّ هذا القياس.

الرأي الصحيح
وعليه، فإنَّ الاحتمالات المتقدّمة التي فرضت التعدّد لا مجال لقبول شيء منها ولا الالتزام بها، ولا بدّ من المصير إلى القول بوحدة ولاية الأمر، وهو ما دلّت عليه الأدلّة كما تقدّم ولا يلزم منه أيّ خلل أو فساد، هذا إن لم نقل ببركات وخيرات الوحدة التي ظهرت جليّة في هذه الآونة.

فالنتيجة: إنَّ القاعدة الأوّليّة تقتضي وحدة ولاية الفقيه لكلّ الأمّة الإسلاميّة مهما اتّسعت، حتّى لو بلغت العالم أجمع.

وعليه، فإذا تعدَّد الفقهاء الذين لهم الأهليّة والشأنيّة لولاية الأمر يكون الأولى والمتعيّن هو أعلمهم وأقدرهم وأتقاهم، وهذا ما يرجع في شأن تعيينه العلمي، والكشف عنه إلى أهل الخبرة.
.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

111

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

133


112

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 أسئلة الدرس


ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- إنّ سيرة العقلاء في جميع الأمم والشعوب تقضي بضرورة وحدة القيادة والرئاسة للأمّة، وذلك لما فيه صلاح وحفظ مصالح الأمّة والمجتمع. 

2- إذا فُرض وجود وليّين على الأمّة، فإنّ ذلك يقتضي وجوب الطاعة لكلّ منهما بالتساوي، فلو أطاع أحدهما لم يعصِ الآخر. 

3- من صور تعدُّد ولاية الفقيه ثبوت ولاية واحدة لمجموع الفقهاء الذين تتوفّر فيهم شروط الولاية، وبالتالي وجود ولاية مستقلّة لكلّ واحد منهما على الآخر. 

4- شأنيّة الولاية لجميع الفقهاء تعني أنّ لكل فقيه جامع لشرائط الولاية في دائرة مستقلّة عن الآخر، وهذا لا يؤدّي إلى التنافي فيما بينهم لاختلافهم في دائرة الولاية والسلطة. 

5- تتضمّن نظرية شأنية جميع الفقهاء للولاية على مشكلة أنّها تؤدّي إلى الاختلاف في الحكم في القضايا العامّة للأمّة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

113

الدرس الحادي عشر: الولاية بين الوحدة والتعدّد

 للمطالعة


الولاية بين الوحدة والتعدّد
إنّ ولاية الفقيه مثلها كالنيابة عن أولي العزم وخلافة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا حدود لها ذاتيّاً، إلاّ أن يكون هنالك مانعٌ طبيعيٌّ أو سياسيّ، وفي القرون المنصرمة كانت هنالك موانع طبيعيّة، كأن يعيش أناس على طرفي محيط، فإمّا أن يجهل بعضهم بعضاً، أو يتعذّر إقامة اتّصال بينهم، في مثل هذه الحالة حيث الموانع الطبيعيّة والسياسيّة يقوم كلّ فقيه تتوفّر فيه شروط القيادة والولاية إدارة البلد الذي يقطن فيه.

ويصحّ هذا الكلام إذا تساوى الفقهاء، أمّا إذا كان أحدهم هو الأعلم في الفقه السياسيّ أو سائر شروط القيادة، فلا ولاية لسائر الفقهاء إلاّ أن يكون هنالك مانع سياسي، ويعتبر المنع من التدخّل بمثابة فقدان الأعلم، إذ ذاك لا مانع من تصدّي سائر الفقهاء لإدارة شؤون بلدانهم، ولكن لو نُصّب الفقهاء العدول في الدول الأخرى من قبل الفقيه الأعلم، ولم يقم حكّام العالم بالتصدّي لهذا التنصيب ولو باللسان ويفسدونه، فإنّه سيكون أقرب إلى الصواب وأبعد عن الخطأ والانحراف، ويكون هذا النحو هو المتعيّن.

على أيّ حالٍ، يجب الاحتراز عن الاختلاف الفاحش في الرأي الذي يشوّه صورة الإسلام على صعيد العلاقات الدوليّة.


آية الله جوادي آملي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

114

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

 الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يبيّن أهداف الحكومة الإسلامية.
2- يوضّح هذه الأهداف وشرحها.
3- يستنتج ثلاثة أهداف للحكومة الإسلاميّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

115

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

 تمهيد

إنّ العمل على إقامة الحكومة الإسلامية بقيادة الوليّ الفقيه الجامع للشرائط، ليس أمراً عبثياً غوغائياً، وليس طمعاً في الدنيا الزائلة وحطامها، بل إنّ هناك أهدافاً سامية، جاء بها الإسلام إلى المجتمع الإنساني للأخذ بيده في مدارج الكمال، وانتشاله من أوحال النفس وشهواتها، ويُراد من هذه الحكومة أن تعمل على تحقيق هذه الأهداف، من خلال السير على خُطى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والاقتداء بنهج الأئمّة الأطهار عليهم السلام، فهم سفينة النجاة، ومنارة الهدى، والطريق الأوحد لله تعالى. وفيما يلي نذكر نبذة عن هذه الأهداف:
 
حفظ الدين
جاء في القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1.
 
توضّح هذه الآية القرآنية الكريمة أبرز المهام التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم بها تجاه الأمّة الإسلامية، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضع الأغلال التي كانت



1 سورة الأعراف، الآية 157.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
139

116

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

 عليهم من رسوم وقيود وأحكام صعبة كانت في شريعة اليهود أو التي حرّمها إسرائيل على نفسه. فهذه المهام كلّها تدور حول المصلحة الكبرى والعليا ألا وهي حفظ الدين والأحكام.

 
وبالتالي فإنّ المتصدّي لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ينبغي عليه الالتزام بهذه المهام والأهداف، والعمل على حفظ هذا الدين وبقائه واستمراره، وقد ورد في وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل لمّا بعثه إلى اليمن: "... وأظهر أمر الإسلام كلّه، صغيره وكبيره، وليكن أكثر همّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين، وذكّر الناس بالله واليوم الآخر، واتّبع الموعظة، فإنّه أقوى لهم على العمل بما يحبّ الله، ثمّ بثّ فيهم المعلمين، واعبد الله الذي إليه ترجع، ولا تخفْ في الله لومة لائم..."1.
 
فالهدف الأساس والأوّل للحكومة الإسلامية وعلى رأسه الفقيه الجامع للشرائط هو تطبيق الأحكام التي جاء بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وحفظ الدين من أيّ شيء يمكن أن يهدّد وجوده وبقاءه واستمراره.
 
نفس أهداف البعثة
لأن الحاكم في حكومة الإسلام هو خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، وهو إنّما يحكم بهذا العنوان، فلا بدَّ وأن تكون أهداف الحكومة التي يعمل على إجرائها هي الأهداف التي كانت أهدافاً لرسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقام صلى الله عليه وآله وسلم بالعمل على تطبيقها، أي إنّه كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلممأموراً بتطبيق الأحكام الإلهيّة في المجتمع وأن لا يعمل بما تمليه رغبات وأهواء الناس، فكذلك الفقيه مأمور بإجراء أحكام الإسلام.
 
يقول الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُم



1 الحرّاني، تحف العقول، ص 26.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

117

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

 بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ﴾1.

 
إنّنا، ولأجل معرفة أهداف الحكومة، لا بدَّ لنا من البحث حول أهداف البعثة والرسالة.
 
تعليم وتربية الإنسان
المراد من التعليم هنا هو تبليغ الأحكام الإلهيّة والمعارف الدينيّة ونشرها في المجتمع، وتعريف الناس بوظائفها ومسؤوليّاتها الشرعيّة وتكاليفها الإلهيّة، وتعريف الحلال والحرام. والتربية هنا هي بمعنى بناء الإنسان من جهة فكريّة وأخلاقيّة، والسعي لتنمية الفضائل الأخلاقيّة والكمالات الإنسانيّة والقيم المعنويّة في المجتمع، وهداية الناس إلى الأخلاق الحسنة والأهداف الإلهيّة، ليصل الإنسان إلى مقام الخلافة الإلهيّة في الأرض، والتي هي الهدف من خلق الإنسان.
 
إنّ هذين الهدفين، أي تعليم وتزكية المجتمع الإسلامي، هما من الأهداف العالية لبعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من الأهداف المرجوّة من إقامة الحكومة الإسلامية.
 
يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾2.
 
ويقول الله تعالى أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾3.
 
إحياء العدل
من الأهداف الأخرى لبعثة الأنبياء إحياء العدل بين الناس، ولأجل هذا عَمِلَ الأنبياء في كلّ زمان على محاربة الحكّام الظالمين، إنّ أحد أهداف ذلك رفع الظلم عن المجتمع وإحياء العدل وإحقاق الحقّ، وإرجاع حقّ المظلوم من الظالم، ولا بدَّ للحكومة الإسلاميّة التي على عهدتها السعي لتحقيق أهداف الأنبياء من السعي إلى تحقيق ذلك، يقول الله 



1 سورة المائدة، الآيتان 48 - 49.
2 سورة الجمعة، الآية 2.
3 سورة الأحزاب، الآيتان 45 - 46.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
141

118

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

 تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾1.

 
ويبيّن الإمام علي عليه السلام في بداية خلافته السبب في قبوله هذه المسؤوليّة وأنّه هو ما أوجبه الله على العلماء من أخذ حقّ المظلوم من الظالم.
 
قال عليه السلام: "أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها"2.
 
كما ينقل عن ابن عباس أنّه دخل على الإمام عليه السلام، وكان يصلح حذاءه، فخاطبه الإمام: "كم قيمة هذا الحذاء"؟
 
فأجابه ابن عباس: بأنّه لا يساوي شيئاً.
 
فقال له الإمام عليه السلام: "والله، لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً"3.
 
وعليه، فالهدف الأساس ليس هو تشكيل الحكومة الإسلاميّة، بل إحياء العدل والدفاع عن المظلومين وإيصال الحقوق.
 
الاستقلال والحريّة
إنّ من أهمّ أهداف البعثة هي رفع الذلّ وقيود الأسر التي استخدمها الحكّام الظلمة للتسلُّط على الأمم، وإبطال سنن الجاهليّة، وتحرير الأمّة من كلّ قيد وسلطة تذلّهم، وإيصالهم إلى أوج العزّة والشرف، وتأمين استقلالهم وحرّيتهم في ظلّ الحكومة الإلهيّة.
 
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ 



1  سورة الحديد، الآية 25.
2 الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج1، خطبة 3.
3 م.ن، خطبة 33.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

119

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

 لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1.

 
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "ولقد أحسنت جواركم وأحطت بجهدي من ورائكم، واعتقتكم من ربق الذلّ وحلق الضيم"2.
 
لقد اتّضح إلى الآن ما تهدف إليه الحكومة الإسلاميّة في الأبعاد الأساسيّة الثقافيّة والحقوقيّة والسياسيّة، فهي تهدف إلى نشر ثقافة الإسلام ومعارفه وتربية أفراد المجتمع الإسلامي على أساس الأصول والقيم الإسلاميّة في البعد الثقافي.
 
وأمّا في البعد الاجتماعي فهو العمل على إجراء القسط وتحقيق العدل في المجتمع، ومحاربة الظلم والفقر والحرمان وإحقاق الحقّ، وأمّا في البعد السياسي فهو حفظ استقلال حريّة المجتمع وإزالة تسلّط الأعداء الموجب لذلّة المسلمين.



1 سورة الأعراف، الآية 157.
2 الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج2، خطبة 159.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
143

120

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

144


121

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

 أسئلة الدرس


ضع إشارة ü أو û في المكان المناسب:
1- لقد اهتمّت الشريعة الإسلامية اهتماماً بالغاً بالجانب المعنوي للإنسان فقط، من خلال إلزامه ببعض الواجبات وترك المحرّمات. 

2- إنّ تحقيق العدل في المجتمع يُعتبر من الأهداف الأساس في قيادة المجتمع الإسلامي. 

3- كان الهدف الأساس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام هو إقامة وتشكيل الحكومة الإسلامية بصرف النظر عن مدى تطبيقها لأحكام الإسلام والحفاظ عليه. 

4- إذا كان الدين الإسلامي هو خاتم الأديان، فلا بدّ من شموله على منظومة فكرية ثقافية متكاملة للإنسان تشمل الجوانب الروحية والجوانب الاجتماعية. 

5- يُعتبر الدين الإسلامي من الأديان المقيّدة لحرّية الإنسان والملزمة له للقيام بالأعمال والواجبات وعدم السماح له بالحرّية والاستقلالية. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
145

122

الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية

 للمطالعة


أهداف الحكومة الإسلامية
مقتطفات من مقابلة أجراها مراسل صحيفة (استريت تايمز) السنغافوريّة، مع الإمام الخمينيّ قدس سره، بتاريخ 16 صفر 1399 هـ. ق. في باريس، نوفل لوشاتو، حول الأوضاع العامّة في إيران قبل انتصار الثورة وبعدها:
سؤال: إن لم أكن مخطئاً في فهمي، فأنتم ومؤيّدوكم تريدون ذهاب (الشاه) ولا ترون لإيران مستقبلًا سوى الصورة الكاملة للدولة الإلهيّة، أي الجمهوريّة الإسلاميّة التي تُدار من قبل قائد دينيّ، هل تقولون بشكل مثاليّ أنّكم يجب أن تكونوا البديل عن (الشاه) في رأس الدولة؟ وأن تُدار إيران بشكل أكثر إنسانيّة؟ وأن تتمّ هدايتها من خلال الأسس الإسلاميّة؟

جواب: أنا وسائر رجال الدين لا نحتلّ منصباً في الدولة، فواجب رجال الدين هو إرشاد الحكومات، لكن ما نريده هو عزل الشاه، وتبديل هذا النظام الفاسد بدولة العدل الإسلاميّة، وسيكون النصر حليفنا.

سؤال: هل المعارضة التي تُبدونها، نموذجٌ لحكومة اشتراكيّة في إيران؟ أو إنّ حكومتكم لها مرجعيّة إنسانيّة على أساس الأصول الدينيّة؟

جواب: إنّ حكومتنا هي الحكومة الإسلاميّة التي ستنفّذ القوانين الإسلاميّة الّتي تصنع الإنسان، وتوصله إلى قمّة إنسانيّته، وهي قادرة على تلبية حاجاته الماديّة أيضاً.

سؤال: إذا افترضنا أنّكم تسلّمتم قيادة الدولة، فكيف تتوقّعون أن تكون علاقاتكم بالغرب؟

جواب: مهمّتي في الدولة القادمة هي الإرشاد، ولا فرق عندي بين الشرق والغرب، فالأساس هو مصالح الشعب الإيرانيّ التي تجب رعايتها على أحسن وجه، فإذا التزم الغرب والشرق بمبدأ الاحترام المتبادل في معاملتهما للشعب الإيرانيّ، عاملناهما على هذا الأساس أيضاً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

123
دروس تمهيدية في ولاية الفقيه