ثلاثون أدباَ للمتعلَم


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-05

النسخة: 2014


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

 الفهرس

9

المقدمة

11

ما هو العلم؟

11

ظاهر العلم‏‏

11

باطن العلم‏‏

12

كل العلم‏

13

فضل العلم‏

13

القرآن الكريم وفضل العلم‏

16

القرآن الكريم وخصائص العلماء

17

النبي صلى الله عليه وآله وفضل العلم‏‏

20

فضل العلماء‏‏

21

الأئمّة عليهم السلام وفضل العلم

23

فضل التعليم

24

العلم النافع‏

25

العقل وفضل العلم‏

25

لماذا نتعلّم؟‏

27

الفصل الاول: آداب المتعلم في طلب العلم‏

29

1- إخلاص النيّة في طلب العلم‏‏

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

31

مكائد الشيطان وأهميّة الإخلاص‏‏

33

2- الاجتهاد في طلب العلم

33

3- عدم السؤال مراءاً

34

ما هو المراء؟‏‏

35

علامة المراء‏

36

4- عدم التكبُّر عن طلب العلم

37

5- الانقياد للحق والرجوع إليه

38

6- ‏أن لا يحضر مجلس الدرس إلّا متطهراً‏

38

7- تحسين النيّة، وتطهير القلب من الأدناس‏

39

8- اغتنام التحصيل في الفراغ والنشاط‏

40

9- قطع العوائق الشاغلة عن طلب العلم‏

41

10- ترك عشرة من يُشغله عن طلب العلم‏

43

الفصل الثاني: آداب المتعلم مع معلمه‏‏

45

1- النظر فيمن يأخذ عنه العلم

46

2-  الاعتقاد أن المعلِّم الأب الحقيقيّ‏‏

47

3-  احترام المعلم والتواضع له‏‏

49

4- عدم الإنكار على المعلِّم وتبجيله في الخطاب‏‏

49

5- تعظيم المعلّم وشكره‏‏

51

6- الاجتهاد في السبق للحضور في مجلس الدرس

52

‏‏7-  الدخول إلى مجلس الدرس بإذنه‏‏

52

8- الإصغاء إلى الشيخ والنظر إليه عند تكلّمه

54

‏‏9- عدم رفع الصوت عنده‏‏

54

10- عدم الأخذ على هفوات المعلم‏‏

 

 

 

 

 

 

 

 

 

6


2

الفهرس

 

55

الفصل الثالث: آداب المتعلِّم في درسه‏‏

57

1- مراعاة قدراته الذهنية

58

2-  حفظ الدرس

58

3- مراعاة الأهم

58

4- تنظيم الوقت

59

5- الإبكار في الدروس‏

59

6- تقييد العلم بالكتابة

60

7- مذاكرة الدرس وتكراره‏

60

8- تحديد وقت المذاكرة

60

9- مساعدة إخوانه في الدرس

61

10- أن لا يحسد إخوانه

63

الفصل الرابع القائد قدس سره يجيب على مسائل الإبتلاء

65

وجوب تعلم مسائل الإبتلاء

65

طرق تحصيل اليقين بأصول الدين

65

‏حكم الكسل وإضاعة الوقت‏‏

66

العلاقة بين المعلم والمتعلم‏

66

المراكز التعليمية المختلطة‏

66

التخصصات العلمية‏

67

دراسة الفلسفة‏

67

دراسة الطب‏‏

67

العقائد الفاسدة

67

كتب الضلال‏‏

68

القصص الخيالية‏

68

الخاتمة

 

 

 

 

 

 

 

 

7


3

المقدمة

 المقدمة

 
بسم الله الرحمن الرحيم‏
 
الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لا يعلم، والصلاة على رسوله الأكرم، وآله الكرام وسلَّم.
 
أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز أنّ هدف خلق الإنسان هو العبادة، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾1.
 
وعبادة الله تعالى لا تتحقّق من ذات الإنسان كما يرُيد ويشاء، بل لا بدَّ أن تكون على الطريق التي حدَّدها المولى عزَّ وعلا، فالسير عليها يوصل إلى النجاة، والإعراض عنها يؤدّي إلى الهلاك. فكيف نتعرَّف على هذه الطريق؟
 
هنا يأتي دور العلم الذي يُمثِّل مصباح النور الهادي في طريق النجاة، والذي يجعل الناجين من الهلاك هم العلماء فقط، وهذا ما يؤكده الحديث المعروف: 



1 سورة الذاريات، الآية 56.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

المقدمة

 "الناس كلّهم هلكى إلا العالمون"1. ولأهميّة العلم هذه اهتمَّ‏َ علماؤنا بالكتابة عن العلم قيمةً وآداباً.

 
ولعلّ‏َ كتاب "منية المريد" للشهيد الثاني قدس سره من أهمّ الكتب في هذا المضمار، ومنه استقينا ثلاثين أدباً لطالب العلم في هذا الكتيِّب. وأدرجنا في كلّ فصل من الفصول الثلاثة الأولى عشرة آداب، وجعلنا الفصل الأخير مختصّاً بالمسائل الابتلائية المتعلّقة بهذا الموضوع، حيث يجيب عنها سماحة القائد دام ظله.
 
نضع هذا الكتيب بين يدي القرّاء الأعزَّاء، لعلّه يكون شُعلة صغيرة تُضيء درب العبوديّة لله تعالى.
 
والحمد لله ربّ العالمين



1 النراقي، محمد مهدي: جامع السعادات، ج 1، ص 22، السيد محمد (تحقيق)، النجف الأشرف، مطبعة النعمان.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

5

ما هو العلم؟

 ما هو العلم؟
 
العلم مفهوم كباقي المفاهيم التي لها ظاهرٌ يتوجّه إلى الناس، وله باطنٌ يُعبّر عن حقيقته، ويُلامس خلفية وجوده.
 
ظاهر العلم‏
أمّا الظاهر، فهو ما أشارت إليه الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام حيث قال: "جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ما العلم؟ فقال: الإنصات. قال: ثمّ مه يا رسول الله؟، قال؟ الاستماع. قال: ثم مه؟ قال: الحفظ. قال: ثمّ مه يا رسول الله؟، قال: العمل به. قال: ثمّ مه يا رسول الله؟، قال: نشره"1.
 
هذا هو العلم بحسب ظاهره.
 
باطن العلم‏
للعلم بُعدٌ آخر هو بُعد الباطن الذي يكشف عن الحقيقة والخلفيّة، ففي حديث عن الصادق عليه السلام: "ليس العلم بالتعلُّم، إنّما هو نور يقع في قلب من يرُيد الله تبارك وتعالى أن يهديه، فإنْ أردت العلم فاطلب أوّلاً في نفسك حقيقة العبوديّة، واطلب



1 الشيخ الكليني: الكافي، ج 1، ص 48، علي أكبر الغفاري (تصحيح)، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363ه.ش، ط 5.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

6

ما هو العلم؟

 العلم باستعماله، واستفهم الله يُفهمك"1.

 
وقد أشار الإمام الخميني قدس سره إلى هذا البعد الباطني للعلم في كلماته حيث يقول: "العلم الحقيقيُّ هو ذلك العلم الذي يكون نوراً للهداية الملكوتيّة، والصراط المستقيم، والتقرُّب لدار الكرامة"2.
 
كلّ العلم
روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال أمير المؤمنين‏ عليه السلام: "يا طالب العلم، إنّ العلم ذو فضائل كثيرة، فرأسه التواضع، وعينه البراءة من الحسد، وأذنه الفهم، ولسانه الصدق، وحفظه الفحص، وقلبه حسن النيّة، وعقله معرفة الأسباب والأمور، ويده الرحمة، ورجله زيارة العلماء، وهمّته السلامة، وحكمته الورع، ومستقره النجاة، وقائده العافية، ومركبه الوفاء، وسلاحه لين الكلمة، وسيفه الرضا، وقوسه المداراة، وجيشه محاورة، العلماء، وماله الأدب، وذخيرته اجتناب الذنوب، ورداؤه المعروف، ومأواه الموادعة، ودليله الهدى، ورفيقه محبّة الأخيار"3.



1 المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، ج 1، ص 225، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1983م، ط 2.
2 الكلمات القصار، ص249.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص48.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

7

ما هو العلم؟

 فضل العلم‏

 
القرآن الكريم وفضل العلم‏
يكفي العلم جلالة وفخراً أن الله سبحانه قد جعله السبب الكليّ لخلق هذا العالم العلويّ والسفليّ ، قال الله تعالى في مُحكم الكتاب: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾1.
 
وجعل سبحانه العلم أعلى شرف، وأوّل منّة امتنّ بها على ابن آدم بعد خلقه وإبرازه من ظُلمة العدم إلى ضياء الوجود، فقال سبحانه في أوّل سورة أنزلها على نبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ  الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ  * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾2.
 
فتأمّل كيف افتتح كتابه الكريم بنعمة الإيجاد، ثمّ أردفها بنعمة العلم، فلو كان ثمة مِنّة أو نعمة بعد



1 سورة الطلاق، الآية 12.
2 سورة العلق، الآية 1 - 5.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

8

ما هو العلم؟

 نعمة الإيجاد هي أعلى من العلم لما خصّه الله تعالى بذلك، وصدّر به نور الهداية.

 
وقد ذكر في تفسير1 هذه الآية المذكورة في صدر السورة اشتمال بعضها على خلق الإنسان من علق، وفي بعضها تعليمه ما لم يعلم؛ ليحصل النظم البديع في ترتيب آياته: إنه تعالى ذكر أوّل حال الإنسان، وهو كونه علقة، مع أنّها أخس الأشياء، وآخرَ أمره وهو صيرورته عالماً وهو مقام شريف، وليس هذا الكمال إلا من قدرته تعالى، وتنبيه على أن العلم أشرف الصفات، ومن هنا حصر سبحانه الخشية في العلماء، فقال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾2.
 
وهذه الآية فيها وجوه من الدلائل على فضل العلم:
منها: دلالتها على أنّ العلماء هم أهل الجنّة؛ وذلك لأنّ العلماء من أهل الخشية، ومن كان من أهل الخشية كان من أهل الجنة، فالعلماء من أهل الجنة، فبيان أن العلماء من أهل الخشية قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾.
 
وبيان أنّ أهل الخشية من أهل الجنّة قوله تعالى: 



1 الطهراني، على الحائري، تفسير مقتنيات الدرر، ج 12، إيران، طهران، 1337ش، ص 15.
2 سورة فاطر، الآية 28.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

9

ما هو العلم؟

 ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ... ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾1.

 
وقرن سبحانه أولي العلم بنفسه، وملائكته، فقال: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ﴾2.
 
وزاد في إكرامهم على ذلك مع الاقتران المذكور، بقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾3.
 
وبقوله تعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾4.
 
وقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾5.
 
وقال تعالى مخاطبا لنبيه، آمراً له مع ما آتاه من العلم والحكمة: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾6.
 
فهذه نبذة من فضائل العلم التي نبّه الله عليها في كتابه الكريم.



1 سورة البينة، الآية 8.
2 سورة آل عمران، الآية 18.
3 سورة آل عمران، الآية 7.
4 سورة الرعد، الآية 43.
5 سورة المجادلة، الآية 11.
6 سورة طه، الآية 114.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

10

ما هو العلم؟

 القرآن الكريم وخصائص العلماء

 

لقد خصّ الله سبحانه في كتابه العلماء بعدة مناقب يوضح هذا الجدول أهمها:

 

 السورة

نص الآية

الصفة

الرقم

 آل عمران، الآية 7

﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِه﴾

الإيمان‏

1

 آل عمران، الآية 18

﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ﴾

التوحيد

2

 الإسراء،
 
الآية 107 - 109

﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِه إلى قوله ... وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُون﴾

البكاء والحزن‏

3

 الإسراء،
 
الآية 107 - 109

﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إلى قوله... وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾

الخشوع‏

4

 فاطر، الآية 28

﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾

الخشية

5

 العنكبوت، الآية  43

﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُون﴾

إنهم أهل العقل‏

6

العنكبوت، الآية  49

﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾

وضوح الرؤية

7

 

 

 

 

 

 

 

 

16


11

ما هو العلم؟

 النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وفضل العلم:

للعلم فضله الخاصّ في الروايات الواردة عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، حتّى افترض طلبه على كلّ مسلم حيث ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم"1.
 
ومن الروايات التي تدلّ على فضل طلب العلم.
1- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من طلب علماً فأدركه، كتب الله له كفلين من الأجر، ومن طلب علماً فلم يُدركه، كتب الله له كفلاً من الأجر"2.
 
2- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أحبَّ أنْ ينظر إلى عُتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلِّمين، فوالذي نفسي بيده ما مِنْ متعلِّم يختلف إلى باب العالم إلّا كتب الله له بكلِّ قدم عبادة سنة، وبنى الله له بكلِّ قدم مدينة في الجنّة، ويمشي على الأرض وهي تستغفر له، ويُمسي ويُصبح مغفوراً له، وشهدت الملائكة أنّه من عتقاء الله من النار"3.
 
3- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من طلب علماً، فهو كالصائم نهاره القائم ليله، وإن باباً من العلم يتعلّمه الرجل خير له من أنْ يكون أبو قبيس (جبل معروف 



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص30.
2 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص 184.
3 الريشهري، محمد، العلم والحكمة في الكتاب والسنة، ط 1، إيران، قم، دار الحديث، (د. ن)، ص 216.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

12

ما هو العلم؟

 بمكة) ذهباً فأنفقه في سبيل الله"1.

 
4- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من جاءه الموت وهو يطلب العلم, ليُحيي به الإسلام كان بينه وبين الأنبياء درجة واحدة في الجنّة"2.
 
5- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتّى يرجع"3.
 
6- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من خرج يطلب بابا من العلم, ليردَّ به باطلاً إلى حقّ، وضالاً إلى هدى كان عمله كعبادة أربعين عاماً"4.
 
7- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع"5.
 
8- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "اطلبوا العلم ولو بالصين"6.
 
9- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم، فاطلبوا العلم في مظانه، واقتبسوه من أهله، فإنّ تعلُّمه لله تعالى حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة به تسبيح، والعلم به جهاد، وتعليمه 



1  الريشهري، محمد، العلم والحكمة في الكتاب والسنة، ط 1، إيران، قم، دار الحديث، (د. ن)، ص 216.
2 الريشهري، العلم والحكمة في الكتاب والسنّة، ص 234.
3 الترمذي، محمد بن عيسى: الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، ح 4، ص 137، بيروت، دار الفكر، 1983م، ط 2.
4 الطوسي، محمد بن الحسن: الأمالي، ص 619، قم، دار الثقافة، 1414ه، ط 1.
5 الكراجكي، أبو الفتح، كنز الفوائد، ط 2، قم، مكتبة مصطفوي، 1369ش، ص 240.
6  النيسابوري، الفتال، روضة الواعظين، قم، منشورات الشريف الرضي، ص 11.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

13

ما هو العلم؟

 من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى, لأنّه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنّة، والمؤنس في الوحشة، والصاحب في الغربة والوحدة، والمحدِّث في الخلوة، والدليل على السّراء والضّراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم، ويُقتدى بفعالهم، ويُنتهى إلى آرائهم، ترغب الملائكة في خلّتهم وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلواتها تُبارك عليهم. ويستغفر لهم كلُّ رطب ويابس حتّى حيتان البحر وهوامه، وسباع البرّ وأنعامه. إن العلم حياة القلوب من الجهل، وضياء الأبصار من الظُّلمة، وقوّة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأخيار، ومجالس الأبرار، والدّرجات العُلا في الآخرة والأولى. الذكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، به يُطاع الربُّ ويُعبد، وبه توصل الأرحام، ويُعرف الحلال والحرام. والعلم إمام، والعمل تابعه، يُلهمه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء، فطوبى لمن لم يحرمه الله من حظه"1.




1 الحلي، أحمد بن فهد: عدّة الداعي ونجاح الساعي، ص 64، قم، مكتبة وجداني، ط 1.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

14

ما هو العلم؟

 فضل العلماء

ورد في الروايات عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلمأحاديث كثيرة في فضل العلماء منها:
1- "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، إنّ الله، وملائكته، وأهل السماوات، والأرض حتّى النملة في جحرها، وحتّى الحوت في الماء ليُصلّون على معلِّم الناس الخير"1.
 
2- "رحم الله خلفائي: قلنا: ومن خلفاؤك؟، قال: الذين يأتون بعدي، فيروون أحاديثي، ويعلمونها الناس"2.
 
3- "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينفع به، أو ولد صالح يدعو له"3.
 
4- "إنّ مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء. يُهتدى بها في ظلمات البرِّ والبحر، فإذا انطمست أوشك أنْ تضلَّ الهداة"4. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "العالم والمتعلِّم شريكان في الأجر،... وخير في





1  المجلسي، بحار الأنوار، ج 61، ط 3، لبنان، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1983م، ص 245.
2 الطبرسي، حسين نوري، خاتمة المستدرك، ج 9، ط 1، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، (د. ن)، ص 332.
3 السيوري، المقداد، كنز العرفان في فقه القرآن، ج 1، طهران، مكتبة رضوان، 1343ش، ص 162.
4 المجلسي، بحار الأنوار، ج 2، ص 25.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

15

ما هو العلم؟

 سائر الناس"1.

 
وبيّن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيما ورد عنه: أنّ النجاة لا تكون إلّا لمن هو في دائرة العلم وإلّا فالمصير الهلاك، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "اغدُ عالماً أو متعلِّماً أو مُستمعاً أو مُحبّاً، أو أحب العلماء، ولا تكن رابعاً فتهلك"2.
 
الأئمّة عليهم السلام وفضل العلم‏
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذما أن يبرأ منه من هو فيه"3.
 
وعنه عليه السلام أيضاً أنه قال لكميل بن زياد: "يا كميل! العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق"4.
 
وعنه عليه السلام أيضاً: "العلم أفضل من المال بسبعة:
الأوّل: أنّه ميراث الأنبياء، والمال ميراث الفراعنة.
الثاني: العلم لا ينقص بالنفقة، والمال ينقص بها.
الثالث: يحتاج المال إلى الحافظ، والعلم يحفظ صاحبه.



1 م.ن، ج 1، ص 173.
2 م.ن، ج 1، ص 187.
3 الحموي، ياقوت، معجم الأدباء، ج 1، ص 66، بيروت، دار الفكر، 1400ه، ط 3.
4 الإمام عليّ بن أبي طالب: نهج البلاغة، ج 4، ص 36، الشريف الرضي (جمع) الشيخ محمد عبده (شرح)، قم، دار النهضة، 1412ه، ط 1.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

 


16

ما هو العلم؟

 الرابع: العلم يدخل في الكفن ويبقى المال.

الخامس: المال يحصل للمؤمن والكافر، والعلم لا يحصل إلا للمؤمن.
السادس: جميع الناس يحتاجون إلى العالِم في أمر دينهم، ولا يحتاجون إلى صاحب المال.
السابع: العلم يُقوّي الرجل على المرور على الصراط والمال يمنعه"1.
 
وعن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام: "لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج، إنّ الله تعالى أوحى إلى دانيال: أنّ أمقت عبادي إليّ‏َ الجاهل، المستخفَ بحقّ أهل العلم، التارك للاقتداء بهم، وأنّ أحبّ عبيدي إليّ التقيّ الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء، القابل عن الحكماء"2.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لوددت أن أصحابي ضُربت رؤوسهم بالسياط حتّى يتفقهوا"3.



1  المجلسي، بحار الأنوار، ج 1، ص 185.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 35.
3 م.ن ص 31.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

17

ما هو العلم؟

 فضل التعليم‏

ويُنسب إلى الإمام العسكريّ عليه السلام في تفسير بعض السور القرآنيّة كقوله الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ - إلى قوله - وَالْيَتَامَى﴾1.
 
أنّه قال عليه السلام: "وأمّا قوله عزّ وجلّ: "وَالْيَتَامَى"، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: حثّ الله تعالى على برِّ اليتامى, لانقطاعهم عن آبائهم، فمن صانهم صانه الله، ومن أكرمهم أكرمه الله، ومن مسح يده برأس يتيم رفقاً به جعل الله تعالى له في الجنّة بكلّ شعرة مرّت تحت يده قصراً أوسع من الدنيا بما فيها، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين وهم فيها خالدون"2.
 
وعنه عليه السلام: "وأشدُّ من يُتم هذا اليتيم يتيم انقطع عن إمامه، لا يقدر على الوصول إليه، ولا يدري كيف حكمه فيما يُبتلى به من شرائع دينه، ألا 



1 سورة البقرة، الآية 83.
2 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

18

ما هو العلم؟

 فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا، فهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيمٌ في حجره، ألا فمن هداه، وأرشده، وعلّمه شريعتنا، كان معنا في الرفيق الأعلى. حدّثني بذلك أبي عن أبيه عن آبائهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"1.

 
العلم النافع‏
عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسجد، فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال: ما هذا؟، فقيل: علّامة، فقال: وما العلّامة؟ فقالوا: أعلم الناس بأنساب العرب، ووقائعها، وأيّام الجاهليّة، والأشعار العربية، قال: فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ذاك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه، ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: إنّما العلم ثلاثة: آية مُحكمة، أو فريضة عادله، أو سنّة قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل"2.



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 2، ص 7.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 32.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

19

ما هو العلم؟

 العقل وفضل العلم

وأمّا دليل العقل على فضل العلم، فنذكر منه هذا الدليل: إنّ المعقولات تنقسم إلى موجودة ومعدومة. والعقول السليمة تشهد بأنّ الموجود أشرف من المعدوم، بل لا شرف للمعدوم أصلاً. ثمّ الموجود ينقسم إلى جماد ونام، والنامي أشرف من الجماد. ثمّ النامي ينقسم إلى حساس وغيره، والحساس أشرف من غيره. ثمّ الحساس ينقسم إلى عاقل وغير عاقل، ولا شكّ أنّ العاقل أشرف من غيره. ثمّ العاقل ينقسم إلى عالم وجاهل، ولا شبهة في أن العالم أشرف من الجاهل. فتبيّن بذلك أنّ العالم أشرف المعقولات والموجودات وهذا أمر يلحق بالواضحات.

لماذا نتعلّم؟
اعلم أنّ العلم بمنزلة الشجرة، والعمل بمنزلة الثمرة، والغرض من الشجرة المثمرة ليس إلّا ثمرتها، أمّا شجرتها بدون الاستعمال فلا يتعلّق بها
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

20

ما هو العلم؟

 غرض أصلاً، فإنّ الانتفاع بها في أيّ وجه كان ضرب من الثمرة بهذا المعنى. وإنّما كان الغرض الذاتي من العلم مطلقاً العمل, لأنّ العلوم كلّها ترجع إلى أمرين:

علم معاملة، وعلم معرفة. فعلم المعاملة هو معرفة الحلال والحرام ونظائرهما من الأحكام، ومعرفة أخلاق النفس المذمومة والمحمودة، وكيفيّة علاجها والفرار منها. وعلم المعرفة كالعلم بالله تعالى، وصفاته، وأسمائه. وما عداهما من العلوم إمّا آلات لهذه العلوم، أو يراد بها عمل من الأعمال في الجملة كما لا يخفى على من تتبعها. والظاهر أنّ علوم المعاملة لا تُراد إلّا للعمل، بل لولا الحاجة إليه لم يكن لها قيمة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

21

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 لطلب العلم آداب عامة نذكر منها:

1- إخلاص النيّة في طلب العلم:
أوّل ما يجب على طالب العلم إخلاص النيّة لله تعالى في طلبه وبذله، فإنّ مدار الأعمال على النيّات، وبسببها يكون العمل تارة خزفة لا قيمة لها، وتارة ثانية جوهرة لا يعلم قيمتها لعظم قدرها، وتارة ثالثة وبالاً على صاحبه، مكتوباً في ديوان السيّئات وإن كان بصورة الواجبات.

فيجب على طالب العلم أن يقصد بعمله وجه الله تعالى وامتثال أمره، وإصلاح نفسه، وإرشاد عباده إلى معالم دينه، ولا يقصد بذلك عَرضَ الدنيا من تحصيل مال، أو جاه، أو شهرة، أو تميُّز عن الأشباه، أو المفاخرة للأقران، أو الترفُّع على الأخوان، ونحو ذلك من الأغراض الفاسدة التي تُثمر الخذلان من الله تعالى وتوجب المقت، وتُفوِّت الدار الآخرة والثواب الدّائم، فيصير من الأخسرين أعمالاً، الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

22

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 وقد كثُرت أحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الأدب نعرض منها:

1- "إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"1.
 
2- وقال صلى الله عليه وآله وسلم مُخبراً عن جبرائيل عليه السلام عن الله عزَّ وجلَّ أنّه قال: "الإخلاص سرٌّ من أسراري، استودعته قلب من أحببت من عبادي"2.
 
3- "من تعلّم علماً لغير الله وأراد به غير الله، فليتبوّأ مقعده من النار"3.
 
4- "من طلب العلم ليُجاري به العلماء، أو ليُماري به السُّفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار"4.
 
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنّه قال: "من تعلّم علماَ من علم الآخرة، يريد به عرضاً من عرض الدنيا، لم يجد ريح الجنّة"5.



1 الطبرسي، حسين النوري، مستدرك الوسائل، ج 1، ط 1، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، لبنان، بيروت، 1987م، ص 90.
2  م.ن، ج 1، ص 101.
3 المجلسي، بحار الأنوار، ج 2، ص 38.
4 الريشهري، العلم والحكمة في الكتاب والسنة، ص 254.
5 مستدرك الوسائل، ج 12، ص 6.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

23

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 * مع الإمام الخميني قدس سره:‏

لم يكتف الإمام قدس سره بأنّه هو نفسه كان زكيّاً مهذّباً، بل كان يسعى من أجل تربية تلاميذه للاجتهاد في العمل على طريق تهذيب نفوسهم, ولذلك كان يعظهم بين الحين والآخر ببيانه الخاصّ، وأسلوبه المتميّز المفعم بالإخلاص للَّه والرأفة بعباده، ولا زلنا نذكر مواعظه بعد كلِّ هذه السنين وبعباراته نفسها، كان يقول: "على السّادة أنْ يخطوا خطوة إنْ لم نقل خطوتين في سبيل تهذيب النفس مع كل..."1.
 
مكائد الشيطان وأهميّة الإخلاص‏
إنّ درجة الإخلاص عظيمة المقدار، كثيرة الأخطار، دقيقة المعنى، صعبة المرتقى، يحتاج طالبها إلى نظر دقيق، وفكر صحيح، ومجاهدة تامّة. وكيف لا يكون كذلك، وهو مدار القبول، وعليه يترتّب الثواب، وبه تظهر ثمرة عبادة العابد، وتعب العالم، وجدّ المجاهد. ولو فكَّر الإنسان في نفسه، وفتّش عن حقيقة عمله, لوجد الإخلاص فيه قليلاً، وشوائب الفساد إليه متوجهة، والقواطع عليه متراكمة لا سيّما المتّصف بالعلم وطالبه، وربّما يُلبس عليهم الشيطان 




1 قبسات من سيرة الإمام الخميني في ميدان التعليم الحوزويّ والمرجعيّة، ص236.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

24

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 ويقول لهم: غرضكم نشر دين الله، والنضال عن الشرع الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن يظهر قصده على حقيقته إذا ظهر زميل له أكثر علماً منه وأحسن حالاً، يصرف قلوب الناس إليه، فلينظر حينئذ: فإن كان يفرح لأتباعه، والمادحين له، والمعتقدين بفضله، ويحترمهم أكثر من فرحه بأتباع الآخر واحترامهم، ويستبشر إذا لاقى أصحابه وأتباعه أكثر مما يستبشر بملاقاة أصحاب الآخر وأتباعه، فهو مغرور، وعن دينه مخدوع، وهو غافل لا يدري.


وهذا رشح من الصفات المهلكة المستترة في سرِّ القلب التي يظنُّ المتعلِّم النجاة منها، وهو مغرور في ذلك، وقد ينخدع بعض أهل العلم بغرور الشيطان، ويُحدث نفسه بأنّه لو ظهر من هو أولى منه لفرح به، وقوله هذا قبل التجربة والامتحان غرور، فالكلام والادّعاء سهل، ولكنّ العمل ليس بسهولة الكلام، وكما يُقال: عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان. فمن أحسَّ في نفسه بهذه الصفات المهلكة، فالواجب عليه طلب علاجها من علماء الأخلاق، فإن لم يجدهم، فليُحاول أنْ يستفيد من كُتبهم ومُصنَّفاتهم ، ويسأل الله المعونة.

إنّ معرفة حقيقة الإخلاص، والعمل به بحر عميق
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

25

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 يغرق فيه الجميع إلّا القليل النادر المستثنى في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾1.

 
فليكن العبد شديد التفقُّد والمراقبة لهذه الدقائق، وإلا التحق بأتباع الشياطين وهو لا يشعر.
 
2- الاجتهاد في طلب العلم:
على الطالب أن يبذل جهده في الاشتغال بالقراءة، والمطالعة، والمباحثة، والمذاكرة، والحفظ، وأن تكون ملازمة الاشتغال بالعلم هي مطلوبه ورأس ماله.
 
* مع الإمام الخميني قدس سره:
كان الإمام قدس سره كثيراً ما يقرن شرحه لأحاديث الأئمّة الأطهار عليهم السلام في دروسه الفقهية بالحديث عن حالاتهم المعنوية السامية عليهم السلام, لكي لا يكون حديثه عن بحوث العلوم الإسلامية جافّاً بل يكون مُفعَماً بما يؤدّي إلى تكامل الروح المعنويّة في الطلبة، إضافة إلى الروح العلميّة2.
 
3- عدم السؤال مراءاً:
أنّ لا يسأل أحدا تعنتاً وتعجيزاً، بل سؤال متعلِّم لله، أو معلِّم له سبحانه وتعالى منبِّه على الخير، قاصد للإرشاد أو الاسترشاد، فهناك تظهر زبدة



1 سورة الحجر، الآية 40.
2 قبسات من سيرة الإمام الخميني في ميدان التعليم الحوزويّ والمرجعيّة، ص123.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

26

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 التعليم والتعلُّم، وتُثمر شجرته، فأمّا إذا قصد مجرد المراء والجدل، وأحب ظهور الغلبة، فإنّ ذلك يُثمر في النفس صفات رديئة، وسجية خبيثة، ويستوجب المقت من الله تعالى.

 
إنّ السؤال تعنُّتاً، ومراءاً يُعتبر باباً يوصل إلى العديد من المعاصي: كإيذاء المخاطب، وتجهيله، والطعن فيه، والثناء على النفس والتزكية لها، وهذه كلُّها ذنوب مؤكّدة، وعيوب منهي عنها.
 
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من ترك المراء وهو مُحِقٌّ، بُني له بيت في أعلى الجنّة ومن ترك المراء وهو مبطلٌ، بُني له بيت في ربض الجنّة"1.
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتّى يدع المراء وإن كان مُحِقّاً"2.
 
ما هو المراء؟
إنّ حقيقة المراء الطعن، والاعتراض على كلام الغير، وإظهار ضعفه, لغير غرض دينيّ أمر الله به، فتجده يعترض على كلّ كلام يسمعه، ويهزأ به، ويُضعّفه، وترك المراء يحصل بترك الإنكار والاعتراض على كلِّ ما يسمعه، فعليه أن يقف ويتأمّل في الكلام، فإن كان حقّاً وجب التصديق به بالقلب، 



1 الطبرسي، مستدرك المسائل، ج 9، ص 76.
2 بحار الأنوار، ج 2، ص 138.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

27

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 وإظهار صدقه حيث يُطلب منه ذلك، وإن كان باطلاً فعليه أيضاً أن يتركه، ولا يتسرع إلى الاعتراض إلّا إن كان متعلِّقاً بأمور الدِّين، واكتملت فيه شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


علامة المراء
قد يتعلّم الإنسان كلَّ هذه الأمور ويعرفها نظريّاً، ولكن هناك مرحلة ثانية قد تكون أصعب من المرحلة الأولى، وتتلخص في الإجابة عن السؤال التالي:
 
كيف نُميِّز بين الطعن الصحيح الذي هو لله تعالى والطعن الفاسد الذي هو من المراء؟
إنّ التمييز بينهما عملياً صعب على الإنسان الذي تعوّد على تبرئة نفسه الأمّارة بالسوء ورفض إدانتها، ولكن مع ذلك هناك علامات يُمكن للإنسان أن يُميِّز حقيقة عمله من خلالها: فعلامة فساد مقصد المتكلِّم، تتحقّق بكراهة ظهور الحقّ على غير يده, ليتبيّن فضله ومعرفته للمسألة، والباعث عليه الترفع بإظهار الفضل، والتهجُّم على الغير بإظهار نقصه، وهما: "إظهار فضل النفس، وتنقيص الآخر"، شهوتان رديئتان للنفس: وأما إظهار الفضل، فهو تزكية للنفس، وهو من مُقتضى ما في النفس من طغيانِ دعوى العلوّ، والكبرياء، وقد نهى الله تعالى عنه في محكم كتابه، 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

28

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 فقال سبحانه: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ﴾1.

 
وأما تنقيص الآخر، فهو مقتضى طبع السبعيّة، فإنه يقتضي أن يمزق غيره، ويصدمه، ويؤذيه، وهي صفة مهلكة.
 
انتبه‏:
قد يقع الإنسان في المراء، والطعن دون أن يلتفت إلى ذلك بسبب غفلته، وعدم معرفته بتفاصيل المراء، والطعن، وجهاته التي قد يكون بعضها خافياً عليه، فالطعن في الكلام يمكن أن يكون في جهات ثلاث:
1- في لفظه، بإظهار خلل فيه من جهة النّحو، أو اللغة، أو جهة النّظم والترتيب بسبب قصور المعرفة، أو طغيان اللسان.
 
2- في المعنى بأن يقول: ليس كما تقول، وقد أخطأت، فيه لكذا وكذا.
 
3- في قصده، مثل أن يقول: هذا الكلام حقّ ولكن ليس قصدك منه الحقّ، وما يجري مجراه.
 
4- عدم التكبُّر عن طلب العلم:
أن لا يتكبّر على التعلُّم، والاستفادة ممن هو دونه في منصب، أو سن، أو شهرة، أو دين، أو في علم



1 سورة النجم، الآية 32.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

29

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 آخر، بل يستفيد ممّن يُمكن الاستفادة منه، ولا يمنعه ارتفاع منصبه، وشهرته من استفادة ما لا يعرفه، فتخسر صفقته، ويقلّ علمه، ويستحقّ المقت من الله تعالى، وقد ورد عن النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحقّ"1.

 
وأنشد بعضهم في ذلك:
وليس العمى طول السؤال وإنّما       تمام العمى طول السكوت على الجهل
 
ومن هذا الباب أن يترك السؤال استحياء، ومن هنا قيل: من استحيا من المسألة لم يستحِ الجهل منه. وقال أبو عبد الله عليه السلام: "إنّما يهلك الناس, لأنّهم لا يسألون"2.
 
وعنه عليه السلام: "إنّ هذا العلم عليه قفل، ومفتاحه المسألة"3.
 
5- الانقياد للحق والرجوع إليه:
من أهمّ الآداب الانقياد للحقّ بالرجوع عند الهفوة، ولو ظهر على يد من هو أصغر منه، فإنّ الانقياد إلى الحقّ واجب شرعاً، وهو من بركة العلم، والإصرار على ترك الحقّ تكبّر مبغوض عند الله تعالى، يستوجب البعد عن الله والطرد من رحمته،



1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2, ص99.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج1, ص40.
3 م.ن، ص40.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

30

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال حبّة من كبر"1.

 
6- أن لا يحضر مجلس الدرس إلّا متطهراً
من الحدث، والخبث، متنظِّفاً، متطيِّباً في بدنه وثوبه، لابساً أحسنَ ثيابِه، قاصداً بذلك تعظيمَ العلم، وترويحَ الحاضرين من الجلساء، والملائكة لا سيّما إن كان في مسجد. وجميع ما ورد من الترغيب في ذلك لعامّة الناس، فهو في حقّ العالِم والمتعلِّم آكد وأولى.
 
7- تحسين النيّة، وتطهير القلب من الأدناس:
أن يُحسِّن نيته، ويُطهِّر قلبه من الأدناس: ليصلح لقبول العلم وحفظه وقال سهل بن عبد الله هو أبو محمّد سهل بن عبد الله بن يونس التستريّ: "حرام على قلب أن يدخله النور، وفيه شئ مما يكرهه الله عزَّ وجلَّ"2، وقال علي بن خُشرم: شكوت إلى وكيع بن الجرّاح بن مليح قلّة الحفظ، فقال: "استعن على الحفظ بقلّة الذنوب".
 
وقد نظم الشافعي ذلك في بيتين فقال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي       فأرشدني إلى ترك المعاصي‏
 



1 م.ن، ج2، ص310.
2 شهيد الثاني، منية المريد، ط 1، تحقيق: رضا المختاري، 1409هـ، ص 224.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

 


31

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 واخبرني بأن العلمَ نور              ونور الله لا يهدى لعاصي1.

 
* مع الإمام الخميني قدس سره:
كان الإمام يعظ تلاميذه عند بدء الدراسة ويقول لهم: "اجتهدوا في تهذيب النفس، فتهذيب الأخلاق ضروريٌّ قبل تهذيب العلم وتنقيحه، وإذا أراد الإنسان أن يستفيد من علمه فعليه أن يُهذّب نفسه أوّلاً"2.
 
8- اغتنام التحصيل في الفراغ والنشاط:
أن يغتنم التحصيل في الفراغ، ما دام الله تعالى قد منَّ عليه بهذه اللحظات من الفراغ، ويغتنم النشاط، وحالة الشباب، وقوّة البدن قبل أن يُصاب بالضعف والوهن، ويغتنم نباهة الخاطر، وسلامة والحواس، وقلّة الشواغل الفكريّة قبل أن يُصاب ذهنه بالبلادة، وحواسه بالخمول، وقبل ارتفاع المنزلة، والاتسام بالفضل، والعلم، فإنّه أعظم صاد عن درك الكمال، بل سبب تامٌّ في النقصان والاختلال. إنّ هذه النعم الإلهيّة هي أمانة أودعنا الله إيّاها, لنستفيد منها ونصرفها في محلِّها، وعن ابن عباس (رضي



1 الألوسي، تفسير الألوسي، ج 6، (د. م)، (د. ن)، (د. ت)، ص 90.
2 قبسات من سيرة الإمام الخميني قدس سره في ميدان التعليم الحوزويّ والمرجعيّة، ص136.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

32

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 الله عنه): ما أوتي عالم علماً إلّا وهو شاب. وقد نبّه الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾1.

 
فغالباً ما يكون التحصيل في هذه الأعمار، ومن كبّر لا ينبغي له أن يُحجم عن الطلب، فإن الفضل واسع، والكرم وافر، والجود فائض، وأبواب الرحمة والهبات مفتحة، فإذا كان المحلُّ قابلاً، تمت النعمة وحصل المطلوب، قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾2.
 
9- قطع العوائق الشاغلة عن طلب العلم:
هناك عوائق في هذه الدنيا قد تمنع الإنسان من الانصراف إلى العلم، وحتّى من يوفّق إلى العلم قد يبقى ذهنه مشغولاً ومتعلقاً بأمور كثيرة تشغله عن الاستفادة الحقيقية ومن تحصيل العلم، فعلى الإنسان أن يقطع ما يقدر عليه من العوائق الشاغلة، والعلائق المانعة عن تمام الطلب وكمال الاجتهاد، وعليه أن يكون مجدّاً في التحصيل، ويرضى بما تيسّر من القوت وإن كان يسيراً، وبما يستر مثله من اللباس وإنّ كان خَلِقاً بالياً، ولا يتطلّب أو يتوقّع الكثير عن طلب العلم، فبالصبر على ضيق العيش تنال سعة العلم، 



1 سورة مريم، الآية 12.
2 سورة البقرة، الآية 282.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

33

الفصل الأول: آداب المتعلِّم في طلب العلم

 ويُحقِّق القلب آماله، والعقل نصيبه, ليتفجر عنه ينابيع الحكمة، والكمال. قال بعض السلف: لا يطلب أحد هذا العلم بعزِّ النفس فيُفلح، ولكن من طلبه بذل النفس، وضيق العيش، وخدمة العلماء أفلح، وقال الخليل بن أحمد: العلم لا يُعطيك بعضه حتّى تُعطيه كلّك.


10- ترك عشرة من يُشغله عن طلب العلم:
إنّ الصديق والخليل هو نعمة إلهيّة، يُساعد صديقه وخليله على الدنيا وعوارضها، ويُعينه على آخرته إذا كان صديقاً وخليلاً صالحاً، ولكن قد يُبتلى المؤمن بصديق بعيد عن العلم، مُنصرف عن التعلُّم، فعلى المتعلِّم ترك العشرة مع من يُشغله عن مطلوبه، فإن تركها من أهمِّ ما ينبغي لطالب العلم، وأعظم آفّات العِشرة ضياع العمر بغير فائدة. وينبغي لطالب العلم أن لا يُخالط إلا لمن يُفيده أو يستفيد منه، فإن احتاج إلى صاحب، فليختر الصاحب الصالح الديِّن، التقيّ، الذكيّ، الذي إن نَسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، وإن ضجر  بّره، فيستفيد من خُلُقه ملكة صالحة، فإن لم يوفّق لمثل ذلك، فالوحدة أفضل من قرين السوء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

34

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 1- النظر فيمن يأخذ عنه العلم:

ليختر المتعلِّم من كمُلت أهليّته من المعلِّمين، وظهرت ديانته، وتحقّقت معرفته، وعُرفت عفْته، واشتُهرت صيانته، وسيادته، وظهرت مروّته، وحَسُن تعليمه، وجاد تفهيمه، ولا يغترّ الطالب بمن زاد علمه مع نقصٍ في ورعه، أو دينه، أو خُلُقه، فإنّ ضرره في خُلُق المتعلِّم ودينه أصعب من الجهل الذي يُطلب زواله، وأشدّ ضرراً.

وعن جماعة من السلف: هذا العلم دِينٌ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم.

وليحذر ممن أخذ علمه من بطون الكتب وطالعها لوحده من دون دراستها عند العلماء، خوفاً من وقوعه في الغلط، والتحريف، والفهم الخاطئ.

قال بعض السلف: من تفقّه من بطون الكتب ضيّع الأحكام. وإذا استقرأت أحوال السابقين والمعاصرين لم تجد النفع غالباً إلّا إذا كان للشيخ من التقوى، والنصح، والشفقة للطلبة نصيب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

35

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 وافر، وكذلك إذا قرأت المصنّفات وجدت الانتفاع بتصنيف الأتقى أوفر، والفلاح بالاشتغال به أكثر.

 
2- الاعتقاد أن المعلِّم الأب الحقيقيّ والوالد الروحانيّ:
أن يعتقد أنّ شيخه أبوه الحقيقيّ ووالده الروحانيّ، وهو أعظم من الوالد الجسماني، فيُبالغ، - بعد الأدب في حقّه -، في رعاية حقّ أبوّته، ووفاء حقّ تربيته، وقد سُئل الإسكندر: "ما بالك توقّر معلّمك أكثر من والدك؟، فقال: لأنّ المعلِّم سبب لحياتي الباقية، ووالدي لحياتي الفانية"1.
 
وقد روي أنّ السيد الرضيّ الموسويّ قدّس الله روحه، - وقد كان عظيم النفس، عالي الهمّة، أبيّ الطبع، لا يقبل لأحد منة -، قال له بعض مشايخه يوماً: بلغني أن دارك ضيّقة لا تليق بحالك، ولي دار واسعة صالحة لك، قد وهبتها لك فانتقل إليها. فأبى الشريف الرضيّ، فأعاد عليه الكلام، فقال: يا شيخ أنا لم أقبل برَّ أبي قطّ، فكيف من غيره؟، فقال له الشيخ: إنّ حقّي عليك أعظم من حقّ أبيك: لأنّي أبوك الروحاني وهو أبوك الجسماني. فقال السيّد رحمه الله: قد قبلت الدار.



1 الشهيد الثاني، منية المريد، ص 41.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

36

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 ومن هنا نَظَم بعض الفضلاء:

آباء أجسادنا هم سبب              لأن جعلنا عرائض التلف‏
من عَلَّم الناس كان خير أب        ذاك أبو الروح لا أبو النطف‏


3- احترام المعلم والتواضع له:
أن ينظر إلى أستاذه بعين الاحترام، والإجلال، والإكرام، ويتغاضى صفحاً عن عيوبه ونواقصه، فإن ذلك يجعله أكثر قدرة على الانتفاع به، وترسيخ ما يسمعه منه في ذهنه.

ولقد كان بعض السّلف إذا ذهب إلى شيخه تصدّق بشي‏ء، وقال: اللهم استر عيب معلِّمي عنّي، ولا تذهب ببركة علمه منّي.

وقال آخر: كنت أصفح الورقة بين يديّ شيخي صفحاً رفيقاً، هيبة له لئلّا يسمع وقعها.

وقال آخر: والله ما اجترأت أن أشرب الماء وشيخي ينظر إليّ، هيبة له.

وقال حمدان الأصفهاني: كنت عند شريك بن عبد الله النخعي الكوفي المتوفى سنة 177ه ، فأتاه بعض أولاد الخليفة المهديّ (محمّد بن عبد الله المنصور بن محمّد بن عليّ العبّاسي، من خلفاء
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

37

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 الدولة العباسيّة، مات سنة 169هـ)، فاستند ابن الخليفة إلى الحائط وسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه وأقبل علينا، ثمّ عاد، فعاد شريك لمثل ذلك، فقال: أتستخفّ بأولاد الخلفاء؟، قال: لا، ولكنّ العلم أجلُّ عند الله من أن أضيّعه، فجثا على ركبتيه، فقال شريك: هكذا يُطلب العلم.

 
* مع الإمام الخميني قدس سره:
عندما عاد الإمام قدس سره من باريس وجاء إلى قمّ، ذهب لزيارة مقبرة "شيخان"، وقد فتح عمامته عندما زار قبر أستاذه الشيخ الميرزا جواد الملكي التبريزيّ ومسح بذؤابتها صخرة القبر وجلس عنده وقرأ القرآن وسورة الفاتحة: وفي ذلك مظهرٌ من مظاهر تكريمه لأستاذه1.
 
* مع الإمام الخميني قدس سره:‏
حظي آية اللَّه البروجرديّ في زيارته الأولى لقمّ بحفاوة بالغة، من علمائها خاصّة من الإمام الذي احتفى به كثيراً وإلى درجة، رأيتُهُ معها بنفسي يغسل عباءة السيّد البروجرديّ، فقد نزع عباءتَهُ ووضعها على كتفي آية اللَّه البروجرديّ وأخذ عباءة السيّد وغسلها بالماء ثمّ جاء بها إليه2.



1 قبسات من سيرة الإمام الخميني "قدس سره" في ميدان التعليم الحوزوي والمرجعية، ص‏17.
2 م.ن، ص30.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

38

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 4- عدم الإنكار على المعلِّم وتبجيله في الخطاب:

أن يتواضع له زيادة على ما أُمر به من التواضع للعلماء وغيرهم، ويتواضع للعلم، فإنّه لا ينال العلم إلّا من تواضع له، ولا يظنُّ أنّ التواضع ذلٌّ بل هو في مثل هذه الأمور رفعة ، وتعظيم حرمته مثوبة، وخدمته شرف.
 
وقد روي عن النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تعلّموا العلم، وتعلّموا للعلم السكينة والوقار، وتواضعوا لمن تتعلّمون منه"1.
 
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من علَّم أحداً مسألة ملك رقّه. قيل: أيبيعه ويشتريه؟، قال: بل يأمره وينهاه"2.
 
5- تعظيم المعلّم وشكره:
أن يُبجِّله في خطابه وجوابه، وفي غيبته وحضوره، ولا يُخاطبه بتاء الخطاب وكافه، ولا يُناديه من بُعد، بل يقول: "يا سيّدي"، و"يا أستاذ" وما أشبه ذلك، ويُخاطبه بصيغ الجمع تعظيماً نحو: "ما تقولون في كذا"، و"ما رأيكم في كذا"، و"قلتم رضي الله عنكم"، أو "تقبّل الله منكم"، أو "رحمكم الله". ولا يُسمّيه في غيبته باسمه إلّا مقروناً بما يشعر بتعظيمه، كقوله: قال الشيخ، أو الأستاذ، أو شيخنا... وهذا ما نجده



1 الريشهري، العلم والحكمة، في الكتاب والسنّة، ص 378.
2 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 108، ص 16.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

39

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 في تعامل الإمام قدس سره مع أساتذته حيث أورد بعض تلامذة الإمام الخميني قدس سره القصة التالية:


* مع الإمام الخميني قدس سره:
نقل لي بعض كبار فضلاء الحوزة، أنّ المرحوم السيّد البروجرديّ كان لا يرى جواز البقاء على تقليد الميّت ويعتقد بوجوب تقليد الإنسان للمجتهد الحيّ، فتصدّى للبحث العلمي معه, لإقناعه بالجواز، إثنان من الشخصيّات العلميّة المرموقة هما: المرحوم آية الله اليثربي، - وهو من علماء كاشان ومن تلامذة المرحوم آية اللَّه الشيخ آغا ضياء العراقي، وهو من أجلّاء علماء النجف-، أمّا العالم الثاني فهو الإمام قدس سره.

بدأ البحث أوّلاً المرحوم الشيخ اليثربي لكن السيّد البروجرديّ لم يقتنع بما عرضه من أدلّة، وكان الإمام جالساً بحالة مؤدّبة للغاية، ملتزماً الصمت، وكانت هذه هي سيرته، لا يُجيب إلّا أن يُوجّه إليه سؤال، فالتفت إليه السيّد البروجرديّ وقال: ولماذا لا تقولون شيئاً أنتم؟، فأجاب: "أنتم لم تأمروني بالكلام" (!).

وهذا الموقف يُبيّنُ عمق الالتزام بالأدب - إذْ لم يتكلّم ابتداءً، كما ويُبيّنُ ثانياً تحليه بالتواضع - إذْ أجاب: "أنتم لم تأمروني". وعلى أيّ حالٍ فقد قال له السيّد البروجرديّ: تفضّلوا، - أرجوكم -، بالكلام،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

40

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 فبدأ الإمام البحث، وبعد أن عرض أدلّته، اقتنع السيّد البروجرديّ وغيّر فتواه، وأفتى بجواز البقاء على تقليد الميّت .


6- الاجتهاد في السبق للحضور في مجلس الدرس:
أن يجتهد على أن يسبق بالحضور إلى المجلس قبل حضور الشيخ، ولو انتظره على باب داره ليخرج ويمشي معه إلى المجلس، فهو أولى مع إمكانه. ويحذر عن أن يتأخّر في الحضور عن حضور الشيخ، فيدع الشيخ في انتظاره، فإنّ فاعلَ ذلك من غير ضرورة أكيدة معرِّضٌ نفسه للمقت والذمّ. 
* مع الإمام الخميني قدس سره:‏
وممّا رواه حجة الإسلام والمسلمين الشيخ نصر الله الشاه آبادي:
كان الإمام قدس سره من بين الطلبة والمراجع الذين يحضرون دروس والدي، وكان الأكثر اجتهاداً في طلب العلّم، وأتذكر جيداً من بين الصور المبهمة لذكريات طفولتي، صورةً واضحة هي أن الإمام كان يسبق الآخرين في الحضور للدرس ويخرج آخرهم،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

41

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 كما أتذكر أنّه كان مؤدباً للغاية، ونظيفاً، ومرتباً1.

 
7- الدخول إلى مجلس الدرس بإذنه:
أن لا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام بغير إذنه، سواء كان الشيخ وحده أم معه غيره، فإن استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن، انصرف، ولا يُكرّر الاستئذان، وإن شكّ في علم الشيخ به كرّره ثلاثاً، ولا يزيد في الاستئذان عليها.
 
8- الإصغاء إلى الشيخ والنظر إليه عند تكلّمه:
أن يُصغي إلى الشيخ ناظراً إليه، ويُقبل بجميع حواسّه عليه، متعقّلاً لقوله: بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام، ولا يلتفت من غير ضرورة بالنظر إلى يمينه أو شماله أو فوقه أو أمامه لغير حاجة، ولا سيّما عند بحثه معه أو كلامه له، فلا ينبغي أن ينظر إلّا إليه، ولا يضطرب لضجّة يسمعها، ولا يلتفت إليها سيما عند بحثه.
 
وعليه أن يُراعي الأدب في حركاته، والأنسب في تصرّفاته، فلا يومي بيده إلى وجه الشيخ أو صدره، ولا يمسّ بها شيئاً من بدنه أو ثيابه، ولا يعبث بيديه، أو رجليه، أو غيرهما من أعضائه، ولا يضع يده على لحيته،



1 قبسات من سيرة الإمام الخميني في ميدان التعليم الحوزويّ والمرجعيّة، ص90.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

42

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 أو فمه، أو يعبث بها في أنفه، ولا يفتح فاه، ولا يقرع سنّه، ولا يضرب الأرض براحته، أو يخطّ عليها بأصابعه، ولا يشبك بيديه، ولا يعبث بأزراره، ولا يُفرقع أصابعه، بل يلزم سكون بدنه، ولا يُكثر التنحنح من غير حاجة، ولا يبصق، ولا يمتخط، ولا يتنخّع ما أمكنه، ولا يلفظ النخامة من فيه بل يأخذها منه بمنديل أو نحو ذلك، ولا يتجشّأ، ولا يتمطّى، ولا يُكثر التثاؤب، وإذا اضُطر تثاءب بعد ستر فاه ، وإذا عطس حفظ صوته جهده، وستر وجهه بمنديل ونحوه، وكلّ ذلك ممّا يقتضيه الذوق السليم.

 
* مع الإمام الخميني قدس سره:
قال أحد أصدقاء الإمام قدس سره وزملائه في الدراسة: عندما ذهبنا مع الإمام من خمين إلى آراك للدراسة فيها، كان الإمام يكتفي بحُسن الإصغاء لما يقوله الأستاذ في جلسة الدرس، فلم يكن يُطالع، ولا يتباحث بشأن موضوع الدرس، في حين كان باقي الطلبة يتحمّلون المشاق لتعلّمه، ولكن كنّا نجد الإمام في اليوم التالي عند بدأ الدرس أفضل منهم جميعاً في الإحاطة بموضوعه، لقد كان يتمتّع بهذه المرتبة العالية من الاستعداد، والأهلية، والذكاء، وقوة الحافظة1.



1 قبسات من سيرة الإمام الخميني في ميدان التعليم الحوزويّ والمرجعيّة، ص90.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

43

الفصل الثاني: آداب المتعلِّم مع معلِّمه

 9- عدم رفع الصوت عنده:

أن لا يرفع صوته رفعاً بليغاً من غير حاجة، ولا يُكثر كلامه بغير ضرورة، ولا يحكي أموراً مُضحكة، أو يتلفّظ بما فيه بذاءة، أو يتضمّن سوء مخاطبة، أو سوء أدب، بل ولا يتكلّم بما لم يسأله. وإذا أراد الكلام فليستأذن أوّلاً، ولا يضحك لغير عجب، بل ولا لعجب إذا لم يضحك الشيخ أوّلاً، فإن غلبه الضحك تبسم تبسماً بغير صوت البتّة، وليحذر كلّ الحذر من أن يغتاب أحداً في مجلسه، أو يقع بالنميمة، أو يوقع بينه وبين أحد بنقل ما يسوؤه عنه كأن يستنقص به أو يتكلّم عنه بسوء.

10- عدم الأخذ على هفوات المعلم:
فإذا سبق لسان الشيخ إلى تحريف كلمة أو شرحها بشكل غير صحيح ومستغرب، فلا يضحك، ولا يستهزئ، ولا يُعيدها كأنّه يُعلّق بها عليه، ولا يغمز غيره، ولا يُشير إليه، بل ولا يتوقف عند ما صدر منه، ولا يُدخِله قلبه، ولا يصغي إليه سمعه، ولا يحكيه لأحد، فإن اللسان سبّاق، والإنسان غير معصوم، وفاعل شيء ممّا ذُكر مع شيخه معرض نفسه للحرمان، والبلاء، والخسران، مستحقّ للزجر، والتأديب، والهجر، والتأنيب، مع ما يستوجبه من مقت الله سبحانه له، وملائكته، وأنبيائه عليهم السلام، وخاصّته.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

44

الفصل الثالث: آداب المتعلِّم في درسه

 هناك آداب خاصّة بطريقة المطالعة، والدرس، والقراءة، يجب أن نلتفت إليها ونُراعيها عند الدرس أيضاً، وتتلخص بما يلي:

1- مراعاة قدراته الذهنية
أن يقتصر من المطالعة على ما يحتمله فهمه، وينساق إليه ذهنه، ولا يُنافي طبعه، فلا يشتغل بالكتب العقليّة التي تعرض خلافات معقّدة ، قبل أن يجهز ذهنه لمثل هذه الأمور، ويصحّ فهمه، ويستقرّ رأيه على الحقّ، فيكون قادراً على استيعاب الجواب وفهمه.

وليحذر من الاشتغال بما يُبدِّد الفكر، ويُحيِّر العقل من الكتب الكثيرة والتصانيف المتفرِّقة، فإنّه يُضيّع زمانه ويُشتّت ذهنه. وليُعط الكتاب الذي يقرؤه كليّته، حتّى يُتقنه، ولا يُشغل نفسه بغيره، حذراً من الوقوع في الخبط والانتقال بين الكتب المؤدّي إلى التضييع وعدم الفلاح.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

45

الفصل الثالث: آداب المتعلِّم في درسه

 2- حفظ الدرس:

أن يعتني بحفظ درسه حفظاً محكماً، ثمّ يُكرره بعد حفظه تكراراً جيّداً، ثمّ يراجعه ويستذكره في أوقات يُقرّرها ويواظب عليها, ليرسخ رسوخاً متأكداً.

3- مراعاة الأهم:
أن يُرتِّب الأهم فالأهمّ في الحفظ الصحيح، والمطالعة ويُتقنها، وبعدها فليتأمّل بمحفوظاته ويُديم الفكر فيها، ويعتني بما يحصل فيها من الفوائد، ويُذاكر بها زملاءه.

4- تنظيم الوقت‏
أن يُقسِّم أوقات ليله ونهاره على ما يُحصّله من العلم، ويغتنم ما بقي من عمره، وأفضل الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة والمذاكرة الليل وما يبقى له من النهار.

وممّا قالوه، ودلّت عليه التجربة، أنّ حفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، والمكان البعيد أفضل من الأماكن الممتلئة بالملهيات كالأصوات، والخضرة، والنبات، والأنهار الجاريات، وقوارع الطرق التي تكثر فيها الحركات: لأنّها تمنع من خلو القلب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

46

الفصل الثالث: آداب المتعلِّم في درسه

 * مع الإمام الخميني قدس سره:

قال الإمام قدس سره مرّة بشأن الحضور للدرس:
"إذا كان هدفكم من الحضور إلى هنا هو الدراسة، فالتزموا بالحضور في الوقت المحدّد لبدء الدرس، وأمّا إذا كان هدفكم الحصول على ثواب الجلوس في المسجد، فإنّه توجد مساجد أخرى لذلك"1.
 
5- الإبكار في الدروس‏
أن يُبكِّر بدرسه، فقد ورد في الخبر: بورك لأمّتي في بُكورها. وفي خبر آخر: اغدوا في طلب العلم، فإنّي سألت ربّي أن يُبارك لأمّتي في بُكورها.
 
6- تقييد العلم بالكتابة
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "قَيِّدوا العلم. وقيل: وما تقييدُه؟، قال: كتابته"2.
وروي أنّ رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فيسمع منه الحديث، فيُعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له رسول الله ‏صلى الله عليه وآله وسلم: "استعن بيمينك، وأومأ بيده أي خطّ"3.



1 قبسات من سيرة الإمام الخميني في ميدان التعليم الحوزويّ والمرجعيّة، ص149.
2 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص 151.
3 م.ن، ج2، ص152.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

47

الفصل الثالث: آداب المتعلِّم في درسه

 7- مذاكرة الدرس وتكراره‏

ينبغي أن يُذاكر من يُرافقه في حلقة الدرس بما وقع فيه من الفوائد، والضوابط، والقواعد وغير ذلك، ويُعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم، فإنّ في المذاكرة نفعاً عظيماً أهمّ من نفع الحفظ. وينبغي الإسراع بها بعد القيام من المجلس قبل تفرّق أذهانهم، وتشتّت خواطرهم، وشذوذ بعض ما سمعوه عن أفهامهم، ثمّ يتذاكرونه في بعض الأوقات، فلا شيء يتخرّج به الطالب في العلم مثل المذاكرة. فإن لم يجد الطالب من يُذاكره ذاكر نفسه بنفسه، وكرّر معنى ما سمعه ولفظه على قلبه, ليعلق ذلك بخاطره، فإنّ تكرار المعنى على القلب كتكرار اللفظ على الغير، وقلّ أن يُفلح من اعتمد واقتصر على الفكر والتعقُّل بحضور الدرس فقط، ثمّ يتركه ويقوم ولا يُراجعه ويُذاكره.

8- تحديد وقت المذاكرة
أن تكون المذاكرة المذكورة في غير مجلس الشيخ، أو فيه بعد انصرافه بحيث لا يسمع لهم صوتاً.

9- مساعدة إخوانه في الدرس:
قد يهتدي بعض الطلاب لمسألة ويفهمونها قبل غيرهم من زملائهم، فعليه، - إذا علم شيئاً من العلوم والكمال -، أن يُرشد رفقته ويُرغّبهم في الاجتماع،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

48

الفصل الثالث: آداب المتعلِّم في درسه

 والتذاكر، والدرس، ويُسّهل عليهم الأمور ولا يُهوّل عليهم أو يُخيفهم من الدرس، ويُرغّبهم بالدرس فيذكر لهم ما استفاده من الفوائد والقواعد.


فبإرشادهم يُبارك الله له في علمه، ويستنير قلبه، وتترسّخ المسائل عنده مع ما فيه من جزيل ثواب الله تعالى وجميل نظره وعطفه، ومَن بَخِل عليهم بشي‏ء من ذلك كان بضدّ ما ذُكر، ولم يثبت علمه وإن ثبت لم يُثمر، ولم يبارك الله له فيه.

10- أن لا يحسد إخوانه:
على طالب العلم أن لا يحسد أحداً من إخوانه الطلّاب ولا يحتقره، ولا يفتخر عليه، ولا يعجب بأنّه أفهم من غيره وسابق لهم، فقد كان مثلهم ثمّ منّ الله تعالى عليه، فليحمد الله تعالى على ذلك ويستزيده منه بدوام الشكر، فإذا امتثل ذلك، وتكاملت أهليّته، واشتهرت فضيلته، ارتقى إلى ما بعده من المراتب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

49

الفصل الرابع: الإمام الخامنئي دام ظله يُجيب على مسائل الابتلاء

 وجوب تعلم مسائل الابتلاء

يأثم المكلف فيما لو أدى عدم تعلّمه لمسائل الابتلاء إلى ترك الواجب أو فعل الحرام1.
 
طرق تحصيل اليقين بأصول الدين‏:
يحصل اليقين غالباً بالبراهين والأدلة العقلية، غاية الأمر أنّ البرهان والدليل يختلفان حسب اختلاف مراتب إدراك المكلّفين، ولو فُرض أنّ اليقين حصل لشخص من طريق آخر، فإنّ ذلك يكفي على أيِّ حال2.
 
حكم الكسل وإضاعة الوقت:
في تضييع الوقت بالبطالة إشكال، وإذا كان الطالب يستفيد من المزايا المخصّصة للطلبة، فإنّ عليه أن يُتابع المنهج الدراسي الخاصّ بهم، وإلّا فلا يجوز له الاستفادة من تلك المزايا من الراتب والمنحة وغيرها3.



1 أجوبة الاستفتاءات الطبعة الثانية ج‏2، مسألة 229.
2 م. ن، مسألة 231.
3 أجوبة الاستفتاءات الطبعة الثانية ج‏2، مسألة 245.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

50

الفصل الرابع: الإمام الخامنئي دام ظله يُجيب على مسائل الابتلاء

 العلاقة بين المعلّم والمتعلِّم:

ليس للطالب المقابلة والإجابة بما لا يليق بمقام الأستاذ والمعلّم فيما إذا أخطأ المعلِّم مع الطالب، بل يجب عليه حفظ حرمة المعلّم والمحافظة على النظام في الصف1.
 
تجب على المعلّم رعاية حرمة الطالب أمام زملائه، ومراعاة آداب التعليم الإسلاميّة2.
 
المراكز التعليميّة المختلطة:
لا مانع من دخول المراكز التعليميّة المختلطة للتعليم والتعلُّم، ولكن يجب على النساء والبنات حفظ الحجاب، وعلى الرجال الامتناع عن النظر إلى ما لا يجوز لهم النظر إليه، وعن الاختلاط الموجب لخوف الفتنة والفساد3.
 
التخصّصات العلمية:
كلُّ التخصّصات العلميّة المفيدة والتي يحتاجها المسلمون، ينبغي أن يهتمّ بها العلماء، والأساتذة، والطلبة الجامعيون, ليستغنوا بذلك عن الأجانب لا سيّما عن المُعادين للإسلام والمسلمين4.



1 أجوبة الاستفتاءات الطبعة الثانية ج‏2، مسألة 245.
2 م. ن، مسألة.245.
3 م. ن، مسألة 238.
4 م. ن، مسألة 241.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

51

الفصل الرابع: الإمام الخامنئي دام ظله يُجيب على مسائل الابتلاء

 دراسة الفلسفة:

لا مانع من دراسة وتعلّم الفلسفة لمَن يطمئنّ من نفسه بأنّها لا تسبّب له تزلزلاً في معتقداته الدينية، بل هو واجب في بعض الموارد1.
 
دراسة الطّب:‏
دراسة الطّب بهدف التأهيل لتقديم الخدمات الصحيّة للأمّة الإسلاميّة، وعلاج المرضى، وإنقاذ أرواحهم لها أهمّية كبرى أيضاً2.
 
العقائد الفاسدة:
إذا لم يكن في تدريس بعض العقائد الفاسدة خوف على العقائد الدينيّة للدارسين، ولم يكن في الدراسة ترويج للباطل، فلا مانع منه3.
 
كُتُب الضلال:
لا يجوز بيع وشراء وحفظ كُتُب الضلال إلّا من أجل الردّ عليها، بشرط أن يكون قادراً علمياً على ذلك4.
 
مسألة: في جواز الإطّلاع على كُتُب الضلال، وكُتُب الديانات الأخرى, لغرض التعرُّف على دينهم وعقائدهم، للمعرفة وزيادة الإطّلاع إشكال5.



1 م. ن، مسألة 235.
2 أجوبة الإستفتاءات الطبعة الثانية ج‏2، مسألة 244.
3 م. ن، مسألة 234.
4 م. ن، مسألة 236.
5 م. ن، مسألة 242.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

52

الفصل الرابع: الإمام الخامنئي دام ظله يُجيب على مسائل الابتلاء

 القصص الخيالية:

لا بأس في تعليم وحكاية القصص الخياليّة عن حياة الحيوانات والناس، فيما إذا كانت هناك فائدة مترتّبة على ذلك، بشرط أن تكون خالية عن الكذب1.
 
الخاتمة2
"اعلم وفقك الله تعالى أنّي قد أوضحت لك السبيل، وعلّمتك كيفيّة المسير، وبيّنت لك كمال الآداب، وحثثتك على دخول هذا الباب، فعليك بالجدّ والتشمير، واغتنام أيّام عمرك القصير في اقتناء الفضائل النفسانيّة، والحصول على الملكات العلميّة، فإنّها سبب لسعادتك المؤبّدة، وموجبة لكمال النعمة المخلّدة، فإنّها من كمالات نفسك الإنسانيّة، وهي باقية أبداً لا تُعدم،- كما تقرر في العلوم الحكمية -، ودلّت عليه الآيات القرآنية، والأخبار النبويّة، فتقصيرك في تحصيل الكمال في أيّام هذه المهلة القليلة موجب لدوام حسرتك الطويلة. واعتبر في نفسك الآن إن كنت ذا بصيرة، أنّك لا ترضى بالقصور عن أبناء نوعك من بلدك أو



1 م. ن، مسألة 237.
2 وهي من نص كلام الشيهد الثاني الشيخ زين الدين بن علي العاملي قدس الله نفسه الزكية، ختم بها كتابه الموسوم بكتاب "منية المريد في أدب المفيد والمستفيد"، ص391.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

53

الفصل الرابع: الإمام الخامنئي دام ظله يُجيب على مسائل الابتلاء

 محلتك، وتتألّم بزيادة علمهم على علمك، وارتفاع شأنهم على شأنك، مع أنّك وهُم في دار خسيسة، وعيشة دنيئة زائلة عما قليل، ولا يكاد يطّلع على نقصك من الخارجين عنك إلّا القليل، فكيف ترضى لنفسك إن كنت عاقلاً بأن تكون غداً في دار البقاء عند اجتماع جميع العوالم من الأنبياء والمرسلين، والشهداء، والصالحين، والعلماء الراسخين، والملائكة المقرّبين، ومنازلهم في تلك الدار على قدر كمالاتهم التي حصّولها في هذه الدار الفانية، والمدّة الزائلة في موقف صفّ النعال، وأنت الآن قادر على درك الكمال، ما هذا إلّا قصور في العقل أو سبات. نعوذ بالله من سنة الغفلة وسوء الزلّة.


وهذا كلُّه على تقدير سلامتك في تلك الدار من عظيم الأخطار وعذاب النار، وأنّى لك بالأمان من ذلك؟! وقد عرفت أن أكثر هذه العلوم واجب إمّا على الأعيان أو الكفاية، وأنّ الواجب الكفائي إذا لم يقم به من فيه كفاية يأثم الجميع بتركه، ويصير حكمه في ذلك كالواجب العيني.

واعتبر أيضاً أن امتيازك عن سائر جنسك من الحيوانات ليس "إلّا بهذه القوّة" العاقلة التي قد خصّك الله بها من بينها، المميّزة بين الخطأ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

54

الفصل الرابع: الإمام الخامنئي دام ظله يُجيب على مسائل الابتلاء

  والصواب، والموجبة لتحصيل العلوم النافعة لك في هذه الدار وفي دار المآب، فقعودك عن استعمالها فيما خُلقت له، ومشاركتك سائر الحيوانات مثل الديدان، والخنافس، فإنّها تأكل، وتشرب، وتجمع القوت، وتتوالد، مع أنّك قادر على أن تصير من جملة الملائكة المقرّبين،- بل أعظم من الملائكة-، باستعمال قوّتك في العلم والعمل، وقعودك عين الخسران المبين.


فتنبّهوا معشر إخواني وأحبائي، - أيقظنا الله وإياكم من الغفلة -، واغتنموا أيّام المهلة، وتلافوا التفريط قبل زوال الإمكان، وفوت الأوان، والحصول في حَيِّزِ كان، فيالها حسرة لا يُتدارك فارطها، وندامة تخلد محنتها.

نبّهنا الله وإيّاكم من مراقد الطبيعة، وجعل ما بقي من أيّام هذه المهلة مصروفاً على علوم الشريعة، وأحلّنا جميعاً في دار كرامته بمنازلها الرفيعة، إنه أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

55
ثلاثون أدباَ للمتعلَم