شهيد المحراب


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-05

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 تقديم

 
لقد أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله أبناء أمّته بالكثير من الأحداث التي ستجري عليهم من بعده، وحدَّثهم بالعديد من القضايا الغائبة عنهم والتي كان يعلمها بتعليم من الله تعالى، وهي أمور لها أهميّتها الكبيرة والخطيرة، حيث تتعلّق بمصير هذه الأمة وما ستؤول إليه أحداثها.
 
ومن بين هذه الاخبارات، ما أطلع الله رسوله صلّى الله عليه وآله في أهل بيته وذريّته من بعده، وما يجري عليهم من أحداث مؤسفة، بالرّغم من الوصيّة بهم في الكتاب الكريم: ﴿قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، وجَعل النبيّ صلّى الله عليه وآله إيّاهم عِدلَ الكتاب والثقلَ الآخر اللذين لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
 
وقد خصَّ صلّى الله عليه وآله أهل بيته عليهم السلام بإخبارهم - بشيءٍ من التفصيل - عما يجري عليهم من بعده من ظلمٍ واضطهادٍ وقتلٍ وتشريد، حتىّ أنّه كان يبكي لهم أحيان، ويحزن لما يحلّ بهم ويجري عليهم، ويدعو على قاتليهم وظالميهم وسالبي حقوقهم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 النبيّ يخبر علياً بشهادته:

 
وأحد هؤلاء الصفوة من أهل بيته هو أمير المؤمنين عليه السلام، فقد جاء عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال لعلي عليه السلام: يا عليّ مَن أشقى الأولين والآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أشقى الأولين عاقر النّاقة، وأشقى الآخرين الذي يطعُنُك يا عليّ، وأشار إلى حيثُ يُطعن1.
 
وفي آخر خطبته صلّى الله عليه وآله في فضل شهر رمضان، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قام فقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ، ثمّ بكى، فقلت: يا رسول الله ما يُبكيك؟ فقال: يا عليّ أبكي لما يُستحلّ منك في هذا الشهر، كأنّي بك وأنت تصلي لربِّك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضَّب منها لحيتك، قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: صلّى الله عليه وآله: في سلامة من دينك2.
 
 
 

1- ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 3 ص 35.
2- الصدوق: الأمالي ص 155.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

المقدمة

 ما يمنع أشقاها أن يخضبها!:

 
وقد كان عليه السلام أيضاً كثيراً ما يخطب ويحدّث الناس بما يجري عليه، وسمعه الكثيرون على المنبر وهو يقول: ما يمنع أشقاها أن يخضبها من فوقها بدمٍ، ويضع يده على لحيته1.
 
ففي بعض خطبه عليه السلام قال: "أمَاَ والله لوددت أنّ ربّي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، وإنّ المنيّة لترصدني، فما يمنع أشقاها أن يخضبها؟ - وترك يده على رأسه ولحيته - عهد عهده إليَّ النبيّ الأمّي، وقد خاب من افترى، ونجا من اتقى وصدَّق بالحسنى"2.
 
يعرف قاتله!:
 
ونقل الرواة والمؤرِّخون عنه أنّه كان يعرف قاتله ابن ملجم، ويحذِّره من عاقبة أمره.
 
فقد روى الشيخ المفيد أنّ ابن ملجم أتى أمير المؤمنين عليه السلام فبايعه فيمن بايع، ثمّ أدبر عنه، فدعاه أمير
 
 
 

1- المفيد: الارشاد ج1 ص 13.
2- المصدر السابق ج 1 ص 280.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

المقدمة

 المؤمنين عليه السلام فتوثّق منه وتوكّد عليه أن لا يغدر ولا ينكث، ففعل، ثمّ أدبر عنه، فدعاه الثانية فتوثّق منه وتوكّد عليه ألّا يغدر ولا ينكث، ففعل، ثمّ أدبر عنه، فدعاه أمير المؤمنين الثالثة فتوثّق منه وتوكّد عليه أن لا يغدر ولا ينكث، فقال ابن ملجم لعنه الله: والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحدٍ غيري، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: 

 
أريد حباءَه ويريد قتلي                عذيرك من خليلك من مراد
 
امض يا ابن ملجم فَوَالله ما أرى أن تفي بما قلت5.
 
ولتمضي مقادير الله عزّ وجلّ:
 
عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضا عليه السلام: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله، والليلة التي يقتل فيه، والموضع الذي يقتل فيه، وقوله لمّا سمع صياح الإوز في الدار: صوائح تتبعها نوائح، وقول أمّ كلثوم: لو صلّيت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلِّي بالناس، فأبى عليه، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عَرف عليه السلام أنّ ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف، كان هذا مما لم يجز تعرّضه! فقال: ذلك كان، ولكنّه خُيِّرَ في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عزّ وجلّ2.
 
وهكذا... مضت مقادير الله تعالى في وصيّ رسوله صلّى الله عليه وآله، ومضى شهيداً صابراً محتسب، في شهر رمضان، في إحدى ليالي القدر المباركة...
 
 
 

1- المصدر السابق ج 1 ص 12.
2- الكليني: الكافي ج 1 ص 259.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

المقدمة

 وإنَّ من علامة المحبّ لهم عليهم السلام أن يحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم، ويحيي مناسباتهم وأمرَهم فلا يموت قلبه يوم تموت القلوب...


هذا الكتاب:

وحيث احتوى هذا الشهر الكريم على هذه المناسبة الأليمة والفاجعة المحزنة، وكان على المحبّ أن يحييها بإقامة العزاء على سيّد الأوصياء، رأينا من اللازم أن نضع بين يدي الأخوة القرَّاء وخدَّام منبر أهل البيت عليهم السلام، كتاباً يكون معيناً لهم على هذا الأمر، لعلَّنا نكون شركاء لهم في عملهم، ويصلنا بعضٌ من أجرهم...

وقد قمنا بتبويب هذه المجالس بحسب الليالي الثلاث التي جرت العادة على إقامة المجالس فيه، وهي الليلة التاسعة عشر، والليلة العشرون، والليلة الواحدة والعشرون، وخاتمة في بعض المراثي والقصائد التي رثي بها أمير المؤمنين عليه السلام.

وحيث كانت هذه المجالس متزامنة مع ليالي القدر المباركة، فقد ارتأينا وضعها بين يدي الأخوة القراء والخطباء كمتن جاهز صالح لاعتماده في القراءة على نهج قراءة المقتل الحسيني يوم العاشر من المحرّم، ومن هنا لم ندرج ضمن المجلس موضوعاً أو محاضرة معيّنة، وذلك إفساحاً في المجال أمام الأعمال العباديّة الكثيرة الواردة في هذه الليالي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

المقدمة

 والمرجو من الأخوة القرّاء والخطباء أن يزوّدونا بملاحظاتهم وإرشاداتهم البنّاءة لنصل بهذا العمل إلى مستواه الّلائق به.


هذا.. ونسأله تعالى أن يجعل عملنا نافعاً ومقبول، وأن يجعله خالصاً لوجهه، إنّه سميع مجيب..

                                                                معهد سيّد الشهداء عليه السلام

                                                                           للمنبر الحسيني


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

6

ليلة الجرح

 لَبِسَ الإسلامُ أَبرادَ السَّوادِ                   يَومَ أَردى المرتضى سيفُ المُرادي

 
ليلةٌ ما أصبَحت إلّا وقد                     غَلَبَ الغَيُّ على أمرِ الرَشادِ
 
والصّلاحُ انخفضت أعلامُه                  فَغَدَت تُرفَعُ أعلامُ الفسادِ
 
ما رَعَى الغادِرُ شهرَ اللهِ في                 حُجّةِ اللهِ على كُلّ العِبادِ
 
وبِبَيتِ اللهِ قد جَدَّلَهُ                           ساجداً يَنشجُ من خوف المَعاد
 
قَتَلوهُ وهوَ في مِحرابِه                       طاويَ الأحشاءِ عن ماءٍ وَزادِ
 
عاقِرُ الناقةِ مع شِقوَتِه                       ليس بالأشقَى من الرّجسِ المُرادي
 
فلقد عمَّمَ بالسيفِ فتىً                       عمَّ خلقَ اللهِ طُرّاً بالأيادي
 
فبكتهُ الإنسُ والجِنُّ معاً                     وطيورُ الجوِ معَ وَحشِ البَوادي
 
وبكاهُ الملأُ الأعلى دَماً                      وَغَدا جبريلُ بالوَيل يُنادي
 
هُدِّمت واللهِ أركانُ الهُدى                   حيثُ لا مِن مُنذرٍ فينا وَهادِ1
 
 
 

1- القصيدة للسيد جعفر الحلي، أنظر: رياض المدح والرثاء ص 219.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

7

ليلة الجرح

 أبو ذية:

 
إلك مأتم يحامي الجار ينصاب                   ودمعي عليك مثل السيل ينصاب
 
يريت الصابك بالقلب ينصاب                     وسالم تظل يا حامي الحمية
 
نصّاري:
 
نوح يا ناعي اودمعتك سيلها                     اوصيح طاح الليث حامي ادخيلها
 
طاح والدنيا لفقده مظلمه                         أهل بيته تهل مدمعتهم دمه
 
والأملاك اتنوح لأجله بالسمه                    اتبدل ابنوح او بكه تهليلها
 
اتبدل التهليل منها بالعويل                       لاجل ابو الحسنين حماي الدخيل
 
ويلي قلبي من وقع دمه يسيل                    فيض المحراب واشبه سيلها
 
فيض المحراب دمه اوهامته                    غدت نصين او تحنت شيبته
 
وضجت الأملاك كلها الوقعته                   اوصاح اوعول بالسمه جبريلها1
 
 
أمير المؤمنين في منزل ابنته أمّ كلثوم:
 
تقول أمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين صلوات الله عليه: لمّا كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدّمت إليه عند إفطاره طبقاً فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش، فلمّا فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلمّا نظر إليه وتأمّله حرَّك رأسه وبكى بكاءاً شديداً عالياً، وقال:....
 
 
 

1- نصّار الشيخ محمد: النصّاريات: ص 36.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

8

ليلة الجرح

 يا بنيّة أتقدّمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد؟ أتريدين أن يطول وقوفي غداً بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة، أنا أريد أن أتَّبع أخي وابن عمّي رسول الله صلّى الله عليه وآله، ما قُدِّم إليه إدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله، يا بنيّة ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلّا طال وقوفه بين يدي الله عزّ وجلّ يوم القيامة، يا بنيّة إنّ الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، وقد أخبرني حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ جبرئيل عليه السلام نزل إليه ومعه مفاتيح كنوز الأرض، وقال: يا محمّد، السلام يقرؤك السلام ويقول لك: إن شئتَ صيّرتُ معك جبال تهامة ذهباً وفضّة، وخذ هذه مفاتيح كنوز الأرض ولا ينقص ذلك من حظّك يوم القيامة، قال: يا جبرئيل، وما يكون بعد ذلك؟ قال: الموت، فقال: إذاً لا حاجة لي في الدنيا، دعني أجوع يوماً وأشبع يوماً، فاليوم الذي أجوع فيه أتضرّع إلى ربِّي وأسأله، واليوم الذي أشبع فيه أشكر ربِّي وأحمده، فقال له جبرئيل: وفِّقت لكل خيرٍ يا محمّد.


ثمّ قال عليه السلام: يا بنيّة الدنيا دار غرور ودار هوان، فمن قدّم شيئاً وجده، يا بنيّة والله لا آكل شيئاً حتى ترفعين أحد الإدامين، فلمّا رفعته تقدّم إلى الطعام فأكل قرصاً واحداً بالملح الجريش، ثمّ حمد الله وأثنى عليه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

9

ليلة الجرح

 في محراب العبادة:

 
ثمّ قام إلى صلاته فصلّى ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرّعاً إلى الله سبحانه، ويكثر الدّخول والخروج وهو ينظر إلى السماء، وهو قلق يتململ، ثمّ قرأ سورة "يس" حتى ختمها، ثمّ رقد هنيئة وانتبه مرعوباً، وجعل يمسح وجهه بثوبه، ونهض قائماً على قدميه، وهو يقول: "اللهم بارك لنا في لقائك"، ويكثر من قول: "لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم"، ثمّ صلّى حتى ذهب بعض الليل، ثمّ جلس للتعقيب، ثمّ نامت عيناه وهو جالس، ثمّ انتبه من نومته مرعوباً.
 
وعن الحسن عليه السلام أنّه قال: أتيته سَحَراً فجلست إليه، فقال: إنّي بِتُّ الليلة أوقظ أهلي، فملكتني عيناي وأنا جالس، فسَنَح لي رسول الله، فقلت: يا رسول الله، ما لقيتُ من أُمّتك من الأوَد واللَّدَد، فقال لي: ادْعُ اللهَ عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم خيراً لي منهم، وأبدلهم شرّاً لهم منّي1.
 
قالت أمّ كلثوم: كأنّي به وقد جمع أولاده وأهله، وقال لهم: في هذا الشهر تفقدوني، إنّي رأيت في هذه الليلة رؤيا هالتني وأريد أن أقصّها عليكم، قالوا: وما هي؟ قال: إنّي رأيت الساعة رسول الله صلّى الله عليه
 
 
 

1- ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 3 ص 36.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

10

ليلة الجرح

 وآله في منامي وهو يقول لي: يا أبا الحسن إنّك قادم إلينا عن قريب، يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وإنّك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان، فهلمَّ إلينا فما عندنا خيرٌ لك وأبقى، قال: فلمّا سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب وأبدوا العويل، فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا، ثمّ أقبل يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر.


قالت أمّ كلثوم: ولم يزل تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، ثمّ يخرج ساعة بعد ساعة يقلّب طرفه في السماء وينظر في الكواكب، وهو يقول: والله ما كذَّبت ولا كُذِّبت، وإنّها الليلة التي وُعدت بها، ثمّ يعود إلى مصلاّه ويقول: اللهم بارك لي في الموت، ويكثر من قول: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون" "ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم" ويصلّي على النبي وآله، ويستغفر الله كثيراً.

قالت أمّ كلثوم: فلمّا رأيته في تلك الليلة قلقاً متململاً كثيرَ الذِّكر والاستغفار أرقت معه ليلتي...... ثمّ قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقلت: يا أباه مالك تنعى نفسك منذ الليلة؟ قال: يا بنيّة قد قرب الأجل وانقطع الأمل، قالت أمّ كلثوم: فبكيت، فقال لي: يا بنيّة لا تبكين فإنّي لم أقل ذلك إلّا بما عهد إليّ النبي صلّى الله عليه وآله، ثمّ إنّه نعس وطوى ساعة،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

11

ليلة الجرح

 ثمّ استيقظ من نومه وقال: يا بنيّة إذا قرب وقت الأذان فأعلميني، ثمّ رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء والتضرّع إلى الله سبحانه وتعالى.

 
في صحن داره:        
 
قالت أمّ كلثوم: فجعلت أرقب وقت الأذان، فلمّا لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء، ثمّ أيقظته، فأسبغ الوضوء وقام ولبس ثيابه وفتح بابه، ثمّ نزل إلى الدار وكان في الدار إوز قد أهدي إلى أخي الحسين عليه السلام، فلمّا نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه، ولم يصحن قبل تلك الليلة1، فقال عليه السلام: لا إله إلّا الله، صوائح تتبعها نوائح2، وفي غداة غدٍ يظهر القضاء..... فلمّا وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه فتعلَّق الباب بمئزره فانحلّ مئزره حتى سقط، فأخذه وشدَّه وهو يقول:
 
اشدد حيازيمك للموت                    فإنّ الموت لاقيكا 
 
ولا تجزع من الموت                     إذا حلَّ بناديكا 
 
ولا تغترّ بالدهر                          وإن كان يواتيكا 
 
كما أضحكك الدهر                       كذاك الدهر يبكيكا
 
 


1- في البحار: وكان قبل تلك الليلة لم يصحن، وما في المتن أثبتناه من الكوكب الدري للمازندراني ج 2 ص 171.
2- أنظر: الكليني: الكافي ج 1 ص 259.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

 


12

ليلة الجرح

 ثمّ قال: اللهم بارك لنا في الموت، اللهم بارك لي في لقائك، قالت أمّ كلثوم: وكنت أمشي خلفه، فلمّا سمعته يقول ذلك قلت: وا غوثاه يا أبتاه أراك تنعى نفسك منذ الليلة، قال: يا بنّيّة، ما هو بنعاء، ولكنّها دلالات وعلامات للموت تتبع بعضها بعض، فأمسكي عن الجواب، ثمّ فتح الباب وخرج......


يخرج إلى المسجد:

وسار أمير المؤمنين عليه السلام حتى دخل المسجد، والقناديل قد خمد ضوؤها، فصلَّى في المسجد وِردَه وعقَّب ساعة، ثمّ إنّه قام وصلّى ركعتين، ثمّ علا المئذنة ووضع سبّابتيه في أذنيه وتنحنح، ثمّ أذَّن، وكان عليه السلام إذا أذَّن لم يبق في بلدة الكوفة بيت إلّا اخترقه صوته.

وأمّا ابن ملجم فبات في تلك الليلة يفكّر في نفسه، ولا يدري ما يصنع... وبقي عامّة ليله يتقلّب على فراشه.....

فلمّا أذّن عليه السلام نزل من المئذنة وجعل يسبّح الله ويقدّسه ويكبّره ويكثر من الصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله.

يوقظ النائمين:

وكان من كرم أخلاقه عليه السلام أنّه يتفقد النّائمين في المسجد ويقول للنّائم: الصلاة يرحمك الله الصلاة، قم إلى الصلاة المكتوبة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

13

ليلة الجرح

 عليك، ثمّ يتلو عليه السلام: "إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، ففعل ذلك كما كان يفعله على مجاري عادته مع النّائمين في المسجد، حتى إذا بلغ إلى الملعون فرآه نائماً على وجهه، قال له: يا هذا قم من نومك هذا فإنّها نومة يمقتها الله، وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار، بل نم على يمينك فإنّها نومة العلماء أو على يسارك فإنّها نومة الحكماء، ولا تنم على ظهرك فإنّها نومة الأنبياء.


قال: فتحرّك الملعون كأنّه يريد أن يقوم وهو من مكانه لا يبرح، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لقد هممت بشيء تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخر الجبال هدّاً، ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك..

في محراب الشهادة:

ثمّ تركه وعدل عنه إلى محرابه، وقام قائماً يصلّي، وكان عليه السلام يطيل الركوع والسجود في الصلاة كعادته في الفرائض والنوافل حاضراً قلبه، فلمّا أحسّ به نهض الملعون مسرعاً، وأقبل يمشي حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام عليه السلام يصلّي عليها، فأمهله حتى صلّى الركعة الأولى وركع وسجد السجدة الأولى منها ورفع رأسه

فعند ذلك أخذ السيف وهزَّه

ثمّ ضربه على رأسه المكرّم الشريف
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

14

ليلة الجرح

  فوقعت الضربة على الضربة التي ضربه عمرو بن عبد ود العامري 1

 
وا إماماه وا سيّداه وا عليّاه وا مظلوماه
 
ثمّ أخذت الضربة إلى مفرق رأسه إلى موضع السجود، فلمّا أحسّ الإمام بالضربة لم يتأوه وصبر واحتسب، ووقع على وجهه.... قائلاً:
 
"بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله"....
 
"فزت وربِّ الكعبة"2...
 
"قتلني ابن ملجم، قتلني اللعين ابن اليهودية وربِّ الكعبة، أيّها الناس "لا يفوتنّكم الرجل"3...
 
جبرائيل ينادي:
 
واصطفقت أبواب الجامع، وضجّت الملائكة في السماء بالدّعاء، وهبّت ريح عاصف سوداء مظلمة، ونادى جبرئيل عليه السلام بين السماء والأرض بصوت يسمعه كلّ مستيقظ:
 
"تهدَّمت والله أركان الهدى
 
وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى
 
وانفصمت والله العروة الوثقى
 
 
 

1- أنظر: ابن أعثمّ الكوفي: كتاب الفتوح ج 4 ص 278.
2- أنظر: ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 312.
3- أنظر: الطبري: تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 157.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

15

ليلة الجرح

 قُتل ابن عمّ محمّد المصطفى


قُتل الوصيّ المجتبى

قتلُ عليّ المرتضى

قُتل والله سيّد الأوصياء

قَتله أشقى الأشقياء".

أمّ كلثوم تنعاه:

فلمّا سمعت أمّ كلثوم نعي جبرئيل لطمت على وجهها وخدّها.. وصاحت: وا أبتاه وا عليّاه وا محمّداه وا سيّداه...

ثمّ أقبلت إلى أخويها الحسن والحسين... تخبرهما.... فخرجا فإذا الناس ينوحون وينادون: وا إماماه وا أمير المؤمنيناه، قتل والله إمام عابد مجاهد لم يسجد لصنم، كان أشبه الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله...

فلمّا سمع الحسن والحسين عليهما السلام صرخات الناس ناديا: وا أبتاه وا عليّاه ليت الموت أعدمنا الحياة..

هذا ما وعد الله ورسوله:

وسار السمّ في رأس الإمام وبدنه، وثار جميع من في المسجد في طلب الملعون، وماجوا بالسلاح فما كان يُرى إلّا صفق الأيدي على
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

16

ليلة الجرح

 الهامات، وعلّوا الصرخات، وكان ابن ملجم ضربه ضربة خائفاً مرعوباً، ثمّ ولّى هارباً وخرج من المسجد...


وأحاط الناس بأمير المؤمنين عليه السلام وهو في محرابه يشدّ الضربة ويأخذ التراب ويضعه عليها، ثمّ تلا قوله تعالى: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" ثمّ قال عليه السلام: جاء أمر الله وصدق رسول الله صلّى الله عليه وآله....

فلمّا سمع الناس الضجّة ثار إليه كل من كان في المسجد، وصاروا يدورون ولا يدرون أين يذهبون من شدّة الصدمة والدهشة، ثمّ أحاطوا بأمير المؤمنين عليه السلام وهو يشدّ رأسه بمئزره، والدم يجري على وجهه ولحيته، وقد خضبت بدمائه، وهو يقول: هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله.

فلمّا وصل الحسن والحسين عليهما السلام الجامع ودخلا وجدا... جماعة من الناس، وهم يجتهدون أن يقيموا الإمام في المحراب ليصلّي بالناس، فلم يطق على النهوض وتأخّر عن الصفّ وتقدّم الحسن عليه السلام فصلّى بالناس وأمير المؤمنين عليه السلام يصلّي إيماءً من جلوس، وهو يمسح الدم عن وجهه ولحيته، يميل تارة ويسكن أخرى، والحسن عليه السلام ينادي: وا انقطاع ظهراه يعزّ والله عليّ أن أراك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

17

ليلة الجرح

 هكذا، ففتح عينه وقال: يا بنيّ لا جزع على أبيك بعد اليوم، هذا جدّك محمّد المصطفى وجدّتك خديجة الكبرى وأمّك فاطمة الزهراء والحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك، فطب نفساً وقر عيناً وكفّ عن البكاء، فإنّ الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء1.

 
حملوه إلى داره:
 
ثمّ حملوا أمير المؤمنين عليه السلام إلى الدار، وكانت زينب وأمّ كلثوم وباقي العلويات واقفات على باب الدار ينتظرنه.
 
فلمّا رأينه بهذه الحالة بكين وقلن: وا أبتاه، وامصيبتاه2.
 
ونّت اوصاحت يالمقبلين                     هالشايلينه اوياكم امنّين
 
اسمع لطم وصياح صوبين                  خاف انضرب عودي يطيبين
 
لمّن سمعها الحسن واحسين                 صاحو يزينب زيدي الونين
 
ابوكِ انطبر والراس نصّين                 صاحت او هملت دمعة العين
 
                         عقبك يبويه اوجوهنه وين
 
يا له حادث أطلَّ فأضحى                   فيه حبل الله المتين قطيعا
 
أورث المصطفى شجوناً فأمسى            فوق حِجر الأحزان يطوي الضلوعا
 
 
 

1- هذا النص نقلناه ـ بتصرّف ـ عن المجلسي في بحار الأنوار ج 42 ص 276- 281، مع الإشارة في الهامش إلى بعض ما ورد في مصادر أخرى.
2- الشريفي الشيخ محمود: ظلامات ومقتل أمير المؤمنين عليه السلام ص 58.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

18

الوصايا والوداع

 رزءٌ به الدينُ قد هُدَّت قَوآئِمُهُ                           وفي السما نُصِبَتْ حُزناً مآتِمُهُ

 
ومادَت الأرضُ شَجواً والسما انفطرت                  واسْـوَدَّ منقلِباً في الكون عالَمُهُ
 
يا ليلةَ القدرِ جَلَّت فيكِ فاجِـعةٌ                           أوهت قُوَى الدِّين فانهارَت دَعائِمُهُ
 
قضى عليٌّ بمحرابِ الصلاةِ بِبَيتِ                       اللهِ وهو مُصلِّي الفرضِ صائِمُهُ
 
قُل لليتيمِ مضى من كان يُطعِمُهُ                         فمَنْ بهِ بعدَه تَهنى مَطاعِمُهُ
 
لم أنسَه حين باتَ الليلَ مُبتَهِلاً                           يرى الحِمامَ وقد لاحَت علائِمُهُ
 
يَرعى النجومَ ويَدعو الله مُبتَهِلاً                         والليلُ قد طَبَّقَ الآفاقَ فاحِمُهُ
 
ويحَ ابنُ ملجم لِمْ لا شُلّ ساعدُهُ                         رُعباً ولِمْ لا يُنافي الضَّربَ صارِمُهُ
 
لولا الصلاةُ لكانت لا تساعدُه                           رِجلاهُ وامتلأت رُعباً حيازِمُهُ
 
عَجِبتُ للسيف لِمْ لا فُلّ مَضْرَبُه                         وكيف أثْبتَ في يُمناه قائِمُهُ
 
يُرديه في وَسَطِ المِحرابِ مشتغلاً                       بالفرضِ أشقى الورى طُرّاً وغاشِمُهُ
 
قُل للوفودِ اذهبي للأهلِ خائِبةً                          فقد مضى الجودُ وانجابَتْ غَمائِمُهُ1
 
 

1- القصيدة للسيد مهدي الأعرجي، انظر: ديوان شعراء الحسين عليه السلام، ج1، ص149.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

19

الوصايا والوداع

 أبو ذية:


اشلون اللي رسول الله وصابه                      عليه سلّ سيفه المرادي وصابه

على مصابه الدمع سيله وصابه                    مثل ما سال دمّه عالوطيّه

شعبي:

زينب بكت والدمع سال                           اوصاحت بصوت ايصدع الجبال

يحامي الحمى يا خير الأعمال                    ما كنت اظن لنك بها الحال

يريف اليتامى البيك الامثال                       ابعيد البلا من الدار تنشال

او موحش مكانك يظل يهلال                     او يتاماك لفراكك والعيال

عكبك تنوح بدمع همّال                           وياك عزنه والفخر شال

الإمام على فراش الموت:

بعد أن ضُرب أمير المؤمنين عليه السلام قال: احملوني إلى موضع مصلّاي في منزلي، يقول محمّد بن الحنفيّة: فحملناه إليه وهو مدنف والناس حوله، وهم في أمر عظيم باكين محزونين، قد أشرفوا على الهلاك من شدّة البكاء والنحيب، ثمّ التفت إليه الحسين عليه السلام وهو يبكي، فقال له: يا أبتاه من لنا بعدك؟ لا (يوم)كيومك إلّا يوم رسول الله صلّى الله عليه وآله، من أجلك تعلَّمت البكاء، يعزّ والله عليَّ أن أراك هكذا، فناداه عليه السلام فقال: يا حسين يا أبا عبد الله ادن منّي، فدنا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

20

الوصايا والوداع

 منه وقد قُرِحت أجفان عينيه من البكاء، فمسح الدموع من عينيه ووضع يده على قلبه، وقال له: "يا بنيّ ربط الله قلبك بالصبر، وأجزل لك ولإخوتك عظيم الأجر، فسكِّن روعتك واهدأ من بكائك، فإنّ الله قد آجرك على عظيم مصابك"، ثمّ أُدخل عليه السلام إلى حجرته...

 
وأقبلت زينب وأمّ كلثوم حتى جلستا معه على فراشه، وأقبلتا تندبانه وتقولان: يا أبتاه من للصغير حتى يكبر؟ ومن للكبير بين الملا؟ يا أبتاه حزننا عليك طويل، وعبرتنا لا ترقأ،... فضجّ الناس من وراء الحجرة بالبكاء والنحيب، وفاضت دموع أمير المؤمنين عليه السلام عند ذلك، وجعل يقلِّب طرفه وينظر إلى أهل بيته وأولاده، ثمّ دعا الحسن والحسين عليهما السلام وجعل يحضنهما و يقبلهما، ثمّ أغمي عليه ساعة طويلة وأفاق.....
 
وقعدت لبابة عند رأسه، وجلست أمّ كلثوم عند رجليه، ففتح عينيه فنظر إليهما، فقال: الرفيق الأعلى خيرٌ مستقراً وأحسن مقيلاً، ضربةٌ بضربة، أو العفو إن كان ذلك.
 
ثمّ عرق ثمّ أفاق، فقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله يأمرني بالرَّواح إليه عشاءً، ثلاث مرات1.
 
 

1- الطوسي: الأمالي، ص365.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

21

الوصايا والوداع

 يوصي بقاتله:

 
ولمّا أفاق ناوله الحسن عليه السلام قعباً من لبن، فشرب منه قليلاً ثمّ نحّاه عن فيه، وقال: احملوه إلى أسيركم، ثمّ قال للحسن عليه السلام: بحقي عليك يا بنيّ إلّا ما طيبتم مطعمه ومشربه، وارفقوا به إلى حين موتي، وتطعمه ممّا تأكل وتسقيه ممّا تشرب حتى تكون أكرم منه، فعند ذلك حملوا إليه اللبن وأخبروه بما قال أمير المؤمنين عليه السلام في حقّه، فأخذه اللعين وشربه.
 
وكان اللعين قد جيء به مكتوفاً... فقالت له أمّ كلثوم وهي تبكي: يا ويلك، أمّا أبي فإنّه لا بأس عليه، وإنّ الله مخزيك في الدنيا والآخرة، وإنّ مصيرك إلى النار خالداً فيها، فقال لها ابن ملجم لعنه الله: ابكي إن كنت باكية فوالله لقد اشتريت سيفي هذا بألف وسممته بألف، ولو كانت ضربتي هذه لجميع أهل الكوفة ما نجا منهم أحد1!.
 
مع الطبيب:
 
وجُمع له أطباء الكوفة فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني، ولمّا نظر إلى جرح أمير المؤمنين عليه السلام دعا بِرِئة شاة حارّة واستخرج عرقاً منها، فأدخله في الجرح ثمّ استخرجه
 
 
 

1- المجلسي: بحار الأنوار، ج412، ص288-289.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

22

الوصايا والوداع

 فإذا عليه بياض الدماغ، فقال له: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدك فإنّ عدّو الله قد وصلت ضربته إلى أمِّ رأسك1

 
قال محمّد بن الحنفيّة: بتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي، وقد نزل السمّ إلى قدميه، وكان يصلّي تلك الليلة من جلوس، ولم يزل يوصينا بوصايا يعزّينا عن نفسه، ويخبرنا بأمره إلى حين طلوع الفجر2.
 
الوصية العامة:
 
يقول عليه السلام في وصيّته: "بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون، صلّى الله عليه وآله، ثمّ إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
 
ثمّ إنّي أوصيك يا حسن وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربّكم ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقو، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: "صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام"، و"أن المبيرة الحالقة للدّين فساد ذات البين"، ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
 
 
 
 

1- الأصفهاني أبو الفرج: مقاتل الطالبيين، ص23.
2- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص290.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

23

الوصايا والوداع

 انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهوّن الله عليكم الحساب.


الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: "من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار".

الله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به أحدٌ غيركم.

الله الله في جيرانكم فإنّ النبي صلّى الله عليه وآله أوصى بهم، وما زال رسول الله صلّى الله عليه وآله يوصي بهم حتى ظننّا أنّه سيورّثهم.

الله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم تناظرو، وأدنى ما يرجع به من أَمَّهُ أن يغفر له ما سلف.

الله الله في الصلاة، فإنّها خير العمل، إنّها عمود دينكم.

الله الله في الزكاة، فإنّها تطفئ غضب ربّكم.

الله الله في شهر رمضان، فإنّ صيامه جنّة من النار.

الله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معايشكم.

الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنّما يجاهد رجلان: إمام هدى، أو مطيع له مقتدٍ بهُداه.

الله الله في ذرية نبيّكم، فلا يُظلمنّ بحضرتكم وبين ظهرانيكم، وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

24

الوصايا والوداع

 الله الله في أصحاب نبيّكم الذين لم يُحدِثوا حَدثاً ولم يُؤووا مُحدِث، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أوصى بهم، ولعن المُحدِثَ منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدِث.


الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإنّ آخر ما تكلّم به نبيكم عليه السلام أن قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم.

الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفكم الله مَن آذاكم وبغى عليكم، قولوا للناس حُسناً كما أمركم الله عزّ وجل، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي الله أمركم شراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم عليهم، وعليكم يا بنيّ بالتواصل والتباذل والتبار، وإيّاكم والتقاطع والتدابر والتفرّق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثمّ والعدوان، واتّقوا الله إنّ الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيّكم، أستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته1.

الإمام مع حجر بن عدي:

فلمّا أصبح استأذن الناس عليه، فأذن لهم بالدّخول، فدخلوا عليه وأقبلوا يسلّمون عليه، وهو يردّ عليهم السلام، ثمّ قال: أيّها الناس اسألوني

 
 

1 راجع حول هذه الوصية: الكليني: الكافي، ج7، ص49 / الحراني ابن شعبة: تحف العقول، ص197-199 / الطوسي: تهذيب الأحكام، ج9، ص176-178 وغيرهم مما هو كثير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

25

الوصايا والوداع

 قبل أن تفقدوني وخفّفوا سؤالكم لمصيبة إمامكم،....فبكى الناس عند ذلك بكاءاً شديداً، وأشفقوا أن يسألوه تخفيفاً عنه.

 
فقام إليه حجر بن عدي الطائي وقال:
 
فيا أسفي على المولى التقي                           أبو الأطهار حيدرة الزكي 
 
قتله كافرٌ حنثٌ زنيم                                   لعينٌ فاسقٌ نغْلٌ شقي
 
فيلعن ربّنا من حاد عنكم                              ويبرء منكم لعناً وبي 
 
لأنّكم بيوم الحشر ذخري                              وأنتم عترة الهادي النبي 
 
 
فلمّا بصر به وسمع شعره، قال له: كيف لي بك إذا دعيت إلى البراءة منّي، فما عساك أن تقول؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين لو قطّعت بالسيف إرباً إرباً وأضرم لي النار وألقيت فيه، لآثرت ذلك على البراءة منك، فقال: وُفِّقت لكلِّ خيرٍ يا حجر، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيّك1.
 
مع الأصبغ بن نباتة:
 
يقول الأصبغ بن نباتة السعدي: لمّا ضربَ ابنُ ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام غدونا عليه نفرٌ من أصحابنا، أنا والحارث وسويد بن غفلة وجماعة معنا، فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي عليهما السلام فقال: يقول لكم أمير
 
 
 

1- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص288-290.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

26

الوصايا والوداع

 المؤمنين: انصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، فاشتدّ البكاء من منزله، فبكيت وخرج الحسن عليه السلام وقال: ألم أقل لكم انصرفو، فقلت: لا والله يا بن رسول الله، ما تُتابعني نفسي، ولا تحملني رجلي أن انصرف حتى أرى أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

 
قال: وبكيت، فدخل فلم يلبث أن خرج فقال لي: ادخل، فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فإذا هو مستند، معصوب الرأس بعمامةٍ صفراء، قد نزف واصفرّ وجهه، ما أدري وجهه أصفر أم العمامة، فأكببت عليه فقبلته وبكيت، فقال لي: لا تبك يا أصبغ، فإنّها والله الجنّة، فقلت له: جعلت فداك، إنّي أعلم والله أنّك تصير إلى الجنّة، وإنّما أبكي لفقداني إياك، يا أمير المؤمنين، جعلت فداك1....
 
وصاياه لزوّاره:
 
وحفَّ به العوّاد وقيل له: يا أمير المؤمنين أوصِ، فقال: أثنوا لي وسادة، ثمّ قال: الحمد لله حقّ قدره متَّبعين أمره، أحمده كما أحب، ولا إله إلّا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب، أيّها الناس كل امرءٍ لاقٍ في فراره ما منه يفر، والأجل مساق النفس إليه، والهرب منه موافاته، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عزّ ذكره إلّا إخفاءه، هيهات علم مكنون.
 
 
 
 

1- الطوسي: الأمالي ص122-124.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

27

الوصايا والوداع

 أمّا وصيّتي فأن لا تشركوا بالله جلّ ثناؤه شيئاً، ومحمّد صلّى الله عليه وآله فلا تضيعوا سنّته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذمّ ما لم تشردوا، حمل كلّ امرىء منكم مجهوده، وخفف عن الجهلة، ربّ رحيم وإمام عليم ودين قويم.


أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغداً مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذاك المراد، وإن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان، وذرى رياح، وتحت ظل غمامة، اضمحلّ في الجو متلفّقه، وعفا في الأرض مخطّها، وإنّما كنت جاراً جاوركم بدني أياماً، وستعقبون منّي جثة خلاء ساكنة بعد حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي، فإنّه أوعظ لكم من الناطق البليغ.

ودَّعتكم وداع مرصد للتلاقي، غداً ترون أيّامي، ويكشف الله عزّ وجلّ عن سرائري، وتعرفوني بعد خلوّ مكاني وقيام غيري مقامي.

إن أبقَ فأنا وليّ دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، أو يؤديه أيّامه إلى شقوة.

جعلنا الله وإيّاكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة، أو تحلّ به بعد الموت نقمة، فإنّما نحن له وبه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

28

الوصايا والوداع

 ثمّ أقبل على الحسن عليه السلام فقال: يا بنيّ ضربة مكان ضربة ولا تأَثّم1.

 
مع أولاده عليهم السلام:
 
وأقبل على ولديه الحسن والحسين عليهما السلام: "يا أبا محمّد ويا أبا عبد الله كأنّي بكما وقد خرجَت عليكما من بعدي الفتن (من) ههن، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
 
ولمّا رأى كثرة بكاء ولده الحسن عليه السلام، قال: يا بنيّ أتجزع على أبيك وغداً تُقتل بعدي مسموماً مظلوماً؟ ويقتل أخوك بالسيف، هكذ، وتلحقان بجدّكما وأبيكما وأمّكما.
 
وقال مخاطباً الحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله أنت شهيد هذه الأمّة فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه2.
 
"وكأنّي بك تستسقي الماء فلا تسقى، وتنادي فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، وكأنّي بأهل بيتك قد سُبوا، وبثقلك قد نُهب!!! وكأنّي بالسماء قد أمطرت لقتلك دماً ورماداً !!! وكأنّي بالجنّ قد ناحت عليك، وكأنّي بموضع تربتك قد صار مختلَفَ زوّارك من الملائكة والمؤمنين!!!"3.
 
 
 

1- الكليني: الكافي، ج1، ص299.
2- البحراني: عوالم الإمام الحسين عليه السلام، ص153-154.
3- المحمودي: نهج السعادة في مستدركات نهج البلاغة، ج2، ص743 عن كتاب الدر النظيم، ص127.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

29

الوصايا والوداع

 بحراني:

 
ظلت بنات المرتضى كلهم ينوحون                          يقولون ابونا يا حسن متغيّر اللون
 
اتحرّك يويلي المرتضى وبطّل ونينه                         اتحسّر على اولاده وصد الهم بعينه
 
قلهم كلامي يا ولادي تسمعونه                              لازم حسن وحسين من بعدي تطيعون
 
كنّي بشبلي الحسن فوق الترب نايم                          بالسمّ كبده مقطّعه وحوله الهواشم
 
والكل ذابت مهجته والدمع ساجم                           والحسن يتقلّب واخوه حسين محزون
 
وأما المصيبه اللي اتزلزل هالوطيه                         امصيبة عزيزي حسين برض الغاضرية
 
كنّي أشوفه على الثرى نايم رميّه                           من حوله الشبان بالغبره يونون1
 
وأمّا زينب عليها السلام فإنّها قالت:...لمّا ضربَ ابنُ ملجم لعنه الله أبي عليه السلام ورأيت عليه أثر الموت منه، قلت له: يا أبة حدّثتني أمّ أيمن بكذا وكذا (أي ما أخبرهم به النبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا زار منزل فاطمة عليها السلام في يوم من الأيام وحدّثهم بما سيجري عليهم من بعده من قتلٍ وتشريد وخصوصاً الإمام الحسين عليه السلام)، وقد أحببت أن أسمعه منك، فقال: يا بنيّة الحديث كما حدّثتك أمّ أيمن، وكأنّي بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد أذلّاء خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس، فصبراً صبراً، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لله
 
 
 
 

1- الجمري الملا عطية بن علي: الجمرات الودية، ص69.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

30

الوصايا والوداع

 على ظهر الأرض يومئذٍ وليّ غيركم وغير محبّيكم و شيعتكم1.

 
تمشين يا زينب سبيه                         او وياكِ كل الفاطميه
 
يوَدُّونكم لابن الدعية                         واحسين يبقى على الوطيه
 
                      اوعباس علشاطي رميه
 
يعزّ عليك يا أمير المؤمنين أن ترى بناتك لمّا أدخلن إلى الكوفة واجتمع أهلها للنظر إليهم.
 
فصاحت أمّ كلثوم: يا أهل الكوفة، أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم النبي صلّى الله عليه وآله...
 
شمال الناس تتفرج علينه                    عمت عينه اليصد بالعين لينه
 
يخسه القال لن غايب ولينه                  وهو فوق الرمح لينه ايتنظّر
 
وأشرفت عليهنّ امرأة من الكوفيات ورأتهنّ على تلك الحالة، فقالت: من أيّ الأسارى أنتن؟ قلن: نحن أسارى آل محمّد!!!
 
وأخذ أهل الكوفة يناولون الأطفال التمر والخبز، فصاحت بهم زينب عليها السلام: إنّ الصدقة حرام علينا أهل البيت، ثمّ رمت به إلى الأرض2...
 
 
 

1- ابن قولويه: كامل الزيارات هامش، ص444.
2- الشريفي الشيخ محمود: مسير السبايا ويوم الأربعين، ص12-13.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

31

الوصايا والوداع

 ساعد الله قلب بنات رسول الله لمّا لاح لهنّ رأس الحسين عليه السلام على رأس الرمح... كيف نظرن إليه؟! وبأيّ كلمات خاطبنه؟!


رأت الرمح زينب حين مالا                وعليه رأس الحسين تلالا

خاطبته مذ بان يزهو هلالا                 يا هلالاً لمّا استتّم كمالا

                      غاله خسفه فأبدى غروبا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

32

لقاء الله...

 خَطبٌ أَلَمَّ بركنِ الدِّينِ فانهَارَا                                     أَودَى الغَداةَ بِقلْبِ المُصطَفى نَارا 

 
فأيُ حادثةٍ في الدينِ قد وَقَعَت                                     فألبَسَتْه مِن الأشجَان أطْمَارا 
 
هذا عليٌ أميرُ المؤمنينَ لُقىً                                       مُضرَّجاً بِدمٍ مِن رأسِه فَارا 
 
أرْدَى ومِن حَولِه المسلمين ترى                                   من دهشةِ الخَطْبِ إقْبَالاً وإدبَارا 
 
وافَتْ إليهِ بنوهُ الغُرُّ مُسْفِرَةً                                        عن أوجهٍ تملأُ الظَلماءَ أنوَارا 
 
تدعوهُ والعينُ عَبْرَى تَستَهِلُّ دَماً                                   والحُزنُ أجَّجَ في أحشائها نارا 
 
يا نيِّراً غابَ عن أُفْقِ الهُدى فأَرَى                                 أُفْقَ الهُدى لا يُرى للصُبحِ إسْفارا 
 
تَرضَى بِبَطْنِ الثَرَى قَبْراً وقَلَّ عُلاً                                 لو اتّخذتَ بعينِ الشمسِ إقبَارا 
 
وقَبْلَ نعشِكَ ما شاهدتُ نعشَ فَتَىً                                  من فوقِ أعناقِ أملاكِ السَما سَارا 
 
أبكيكَ في الجدبِ مِطْعامَاً سَواغِبَها                                وفي لَظَى الحربِ مِقدَاماً ومِغوَارا 
 
فلا أرَى بعدَ حامِي الجارِ من أحَدٍ                                يُجيرُنا من صُروفِ الدّهرِ لو جارا 
 
فلا بَدى بعدَهُ بَدرٌ ولا طَلعَت                                      شمسٌ ولا فَلَكٌ في أُفقِها دَارا1
 
 

1- القصيدة للشيخ كاظم السبتي الذاكر النجفي رحمه الله، انظر: الأنوار العلوية لجعفر النقدي، ص397.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

33

لقاء الله...

 أبو ذية:


الف وسفه اعله حامي الجار ينصاب                             اودم الراس بالمحراب ينصاب

الماتم اله ابيوم العيد ينصاب                                     الإنس والجان نصبت له عزيّه

شعبي:
 
يحسين خويه شلون ابونه                                         هالليلة اشوفه انخطف لونه

لَوَنكم ياخوتي تقعدونه                                            وجرح لبراسه تشدونه

بِهداي بس لا تِألمونه                                             وبلكن جراحه تعالجونه

يبويه اقعد وبطّل بعد ونّك                                        يبويه نريد نِشبع شوف منك

تفارقنه يبويه تريد كنّك                                           وتِخلّي ديارنه منك خليه

الليلة الأخيرة:

قال الأصبغ بن نباتة: لمّا ضُرب علي عليه السلام الضربة التي مات فيها، كنّا عنده ليلاً فأغمي عليه فأفاق فنظر إلينا، فقال: ما يجلسكم؟ فقلنا: حبّك يا أمير المؤمنين، فقال: أَمَا والّذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام، والإنجيل على عيسى عليه السلام، والزبور على داود عليه السلام، والفرقان على محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله، لا يحبّني عبدٌ إلّا رآني حيث يسره، ولا يبغضني عبدٌ إلّا رآني حيث يكرهه.

إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أخبرني أنّي أضرب في ليلة تسع
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

34

لقاء الله...

 عشرة من شهر رمضان في الليلة التي مات فيها موسى عليه السلام، وأموت في ليلة إحدى وعشرين تمضي من شهر رمضان، في الليلة التي رفع فيها عيسى عليه السلام، قال الأصبغ: فمات والّذي لا إله إلّا هو فيها1.

 
وفي هذه الليلة دعا أمير المؤمنين عليه السلام الحسن والحسين عليهما السلام فقال: "إنّي مقبوضٌ في ليلتي هذه ولاحق برسول الله صلّى الله عليه وآله، فاسمعا قولي وعِياه، أنت يا حسن وصيّي والقائم بالأمر بعدي، وأنت يا حسين شريكه في الوصية، فانصت ما نطق، وكن لأمره تابعاً ما بقي، فإذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالأمر.
 
وعليكما بتقوى الله الذي لا ينجو إلّا من أطاعه، ولا يهلك إلّا من عصاه، واعتصما بحبله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميد"2.
 
وقال لهما: "احبسوا هذا الأسير وأطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فإن عشتُ فأنا أولى بما صنع فيَّ، إن شئتُ استقدتُ وإن شئتُ صالحت، وإن متّ فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به"3.
 
 
 

1- النقدي: الأنوار العلوية، ص384.
2- المحمودي: نهج السعادة في مستدركات نهج البلاغة، ج2، ص740-741.
3- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص206 عن قرب الإسناد.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

35

لقاء الله...

 و"إياكم والمثلة، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نهى عنها ولو بكلبٍ عقور"1.

 
"يا بَني عبد المطلب لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون: قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يُقتلَنَّ بي إلّا قاتلي"2.
 
عن حبيب بن عمرو قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام في مرضه الذي قبض فيه، فحلَّ عن جراحته، فقلت: يا أمير المؤمنين ما جرحك هذا بشيء وما بك من بأس، فقال لي: يا حبيب أنا والله مفارقكم الساعة، قال: فبكيت عند ذلك وبكت أمّ كلثوم وكانت قاعدة عنده، فقال لها: ما يبكيك يا بنيّة؟ فقالت: ذكرتَ يا أبه أنّك تفارقنا الساعة، فبكيت، فقال لها: يا بنيّة لا تبكين، فوَالله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيتِ! قال حبيب: فقلت له: وما الذي ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا حبيب أرى ملائكة السماء والنبيّين بعضهم في أثر بعض وقوفاً إلى أن يتلقّوني، وهذا أخي محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله جالس عندي يقول: أقدم فإنّ أمامك خيرٌ لك ممّا أنت فيه3.
 
قال محمّد بن الحنفيّة: لمّا كانت ليلة إحدى وعشرين وأظلم الليل وهي الليلة الثانية من الكائنة، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودّعهم، ثمّ قال
 
 
 
 

1- نهج السعادة، ج2، ص741.
2- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص239.
3- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص201 عن الأمالي للصدوق.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

36

لقاء الله...

 لهم: الله خليفتي عليكم وهو حسبي ونعم الوكيل، وأوصاهم- الجميع منهم- بلزوم الإيمان والأديان والأحكام التي أوصاه بها رسول الله صلّى الله عليه وآله.

 
فمن ذلك ما نقل عنه عليه السلام أنّه أوصى به الحسن والحسين عليهما السلام "أوصيكما بتقوى الله، و(أن) لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شيء منها زوي عنكما، قولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الضائع، واصنعا للآخرة، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، واعملا بما في كتاب الله، ولا تأخذكما في الله لومة لائم".
 
ثمّ نظر إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة، فقال: يا بنيّ أفهمت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم يا أبة، قال: يا بنيّ أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك وتعظيم حقّهم، (وتزيين) أمرهم، ولا تقطع أمراً دونهما.
 
ثمّ قال للحسن والحسين: وأوصيكما به فإنّه شقيقكما وابن أبيكما، وقد علمتما أنّ أباكما كان يحبّه، فأحبّاه1.
 
لحظات الوداع:
 
قال: ثمّ تزايد ولوج السمّ في جسده الشريف، حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرّتا جميعاً، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه، ثمّ أصبح ثقيلاً،
 
 
 

1- المحمودي: نهج السعادة في مستدركات نهج البلاغة، ج2، ص733-734.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

37

لقاء الله...

 فدخل الناس عليه، فأمرهم ونهاهم وأوصاهم، ثمّ عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب، فنظرنا إلى شفتيه وهما يختلجان بذكر الله تعالى، وجعل جبينه يرشح عرقاً وهو يمسحه بيده، قلت: يا أبتِ أراك تمسح جبينك، فقال: يا بنيّ إنّي سمعت.. رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: إنّ المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلؤ الرطب، وسكن أنينه، ثمّ قال: يا أبا عبد الله ويا عون، ثمّ نادى أولاده كلهم بأسمائهم صغيراً وكبيراً واحداً بعد واحد، وجعل يودّعهم ويقول: الله خليفتي عليكم أستودعكم الله وهم يبكون، فقال له الحسن عليه السلام: يا أبه ما دعاك إلى هذا؟ فقال له: يا بنيّ إنّي رأيت جدَّك رسول الله صلّى الله عليه وآله في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلّل والأذى من هذه الأمّة، فقال لي: ادعُ عليهم، فقلت: اللهم أبدلهم بي شراً منّي وأبدلني بهم خيراً منهم، فقال لي: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث، وقد مضت الثلاث، يا أبا محمّد أوصيك- ويا أبا عبد الله- خيراً، فأنتما منّي وأنا منكما، ثمّ التفت إلى أولاده الذين من غير فاطمة عليها السلام وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة يعني الحسن والحسين عليهما السلام.


ثمّ قال: أحسن الله لكم العزاء، ألا وإنّي منصرفٌ عنكم، وراحلٌ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

38

لقاء الله...

 في ليلتي هذه، ولاحقٌ بحبيبي محمّد صلّى الله عليه وآله كما وعدني، فإذا أنا متّ يا أبا محمّد فغسِّلني وكفِّني وحنِّطني ببقية حنوط جدّك رسول الله صلّى الله عليه وآله فإنّه من كافور الجنّة جاء به جبرئيل عليه السلام إليه، ثمّ ضعني على سريري، ولا يتقدّم أحدٌ منكم مقدّم السرير، واحملوا مؤخّره واتّبعوا مقدّمه، فأيّ موضعٍ وضع المقدّم فضعوا المؤخّر، فحيث قام سريري فهو موضع قبري، ثمّ تقدّم يا أبا محمّد وصلّ عليّ يا بنيّ يا حسن، وكبِّر عليَّ سبعاً، واعلم أنّه لا يحلّ ذلك على أحد غيري إلّا على رجلٍ يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي، من ولد أخيك الحسين، يقيم اعوجاج الحق، فإذا أنت صلّيت عليَّ يا حسن فنَحِّ السرير عن موضعه، ثمّ اكشف التراب عنه، فترى قبراً محفوراً ولحداً مثقوباً وساجة منقوبة، فأضجعني فيها، فإذا أردت الخروج من قبري فافتقدني فإنّك لا تجدني، وإنّي لاحق بجدّك رسول الله صلّى الله عليه وآله، واعلم يا بنيّ ما من نبيّ يموت وإن كان مدفوناً بالمشرق ويموت وصيّه بالمغرب إلّا ويجمع الله عزّ وجلّ بين روحيهما وجسديهما، ثمّ يفترقان فيرجع كلّ واحد منهما إلى موضع قبره وإلى موضعه الذي حطّ فيه، ثمّ أشرج اللحد باللبن، وأَهِل التراب عليّ ثمّ غيِّب قبري1...

 
 

1- وكان غرضه عليه السلام بذلك لئلا يعلم بموضع قبره أحدٌ من بني أمية، فإنهم لو علموا بموضع قبره لحفروه وأخرجوه وأحرقوه، كما فعلوا بزيد بن علي بن الحسين عليه السلام...


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

39

لقاء الله...

 إلى الرفيق الأعلى:


ثمّ أغمي عليه ساعة، وأفاق وقال: هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعمّي حمزة، وأخي جعفر، وأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكلّهم يقولون: عجِّل قدومك علينا فإنّا إليك مشتاقون، ثمّ أدار عينيه في أهل بيته كلّهم، وقال: أستودعكم الله جميعاً سدَّدكم الله جميعاً حفظكم الله جميعاً، خليفتي عليكم الله وكفى بالله خليفة.

ثمّ قال: وعليكم السلام يا رسل ربي، ثمّ قال: "لمثل هذا فليعمل العاملون إنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" وعرق جبينه، وما زال يذكر الله كثيراً ويتشهّد الشهادتين، ثمّ استقبل القبلة وغمَّض عينيه ومدّ رجليه ويديه، وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله، ثمّ قضى نحبه عليه السلام.....

وا إماماه!! واعليّاه!! واسيّداه!!....

نصّاري:

شبح للموت عينه وعدل رجليه             وولاده وبناته داروا عليه

صاح اوداعة الله اومدد ايديه              وقضت روحه العزيزة وغمض العين

فعند ذلك صرخت زينب بنت علي عليه السلام وأمّ كلثوم وجميع نسائه....
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

40

لقاء الله...

 شعبي:


تقلهم يخوتي راح ابوكم                   عزّكم راح يا ويلي عليكم

وخلافه يخوتي شلون بيكم                 كهف هاي الأرامل والمساكين


وارتفعت الصيحة... فعلم أهل الكوفة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قبض، فأقبل النساء والرجال يهرعون أفواجاً أفواجاً، و صاحوا صيحةً عظيمة، فارتجّت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب، وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله......

قال محمّد بن الحنفيّة: ثمّ أخذنا في جهازه ليلاً وكان الحسن عليه السلام يغسّله والحسين عليه السلام يصبّ الماء عليه، وكان عليه السلام لا يحتاج إلى من يقلِّبه، بل كان يتقلَّب كما يريد الغاسل يميناً وشمالاً، وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر، ثمّ نادى الحسن عليه السلام بأخته زينب وأمّ كلثوم وقال: يا أختاه هلمي بحنوط جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله، فبادرت زينب مسرعة حتى أتته به...

ثمّ لفّوه بخمسة أثواب كما أمر عليه السلام، ثمّ وضعوه على السرير، وتقدّم الحسن والحسين عليهما السلام إلى السرير من مؤخّره وإذا مقدّمه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

41

لقاء الله...

 قد ارتفع ولا يُرى حامله، وكان حاملاه من مقدَّمه جبرئيل وميكائيل... فحملا مؤخّره وسارا يتبعان مقدّمه.

 
...فلمّا انتهيا إلى قبره وإذا مقدّم السرير قد وضع، فوضع الحسن عليه السلام مؤخّره ثمّ قام الحسن عليه السلام وصلّى عليه والجماعة خلفه، فكبّر سبعاً كما أمره به أبوه عليه السلام ثُمّ زحزحنا سريره وكشفنا التراب، وإذا نحن بقبرٍ محفورٍ ولحدٍ مشقوقٍ وساجةٍ منقورة مكتوبٌ عليها: "هذا ما ادّخره له جدّه نوح النبي للعبد الصالح الطاهر المطهّر" فلمّا أرادوا نزوله سمعوا هاتفاً يقول: أنزلوه إلى التربة الطاهرة، فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب، فدُهش الناس عند ذلك وتحيّروا، وأُلحد أمير المؤمنين عليه السلام قبل طلوع الفجر1.
 
ولمّا أُلحِد عليه السلام وقف صعصعة بن صوحان العبدي رضي الله عنه على القبر، ووضع إحدى يديه على فؤاده والأخرى قد أخذ بها التراب ويضرب به رأسه، ثمّ قال: بأبي أنت وأمّي يا أمير المؤمنين، ثمّ قال: "هنيئاً لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك، وظفرت برأيك.....".
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج42، ص290-295.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

42

لقاء الله...

 وقال يرثيه عليه السلام:

 
أَلا مَن لي بِأُنسِكَ يا أُخيَّا                       ومَن لي أَن أَبثَّكَ ما لدَيّا
 
طَوَتْكَ خُطُوبُ دَهْرٍ قد تَوالى                   لِذاكَ خُطوبُه نَشْراً وَطَيّا
 
فَلو نشرَتْ قِواكَ ليَ المَنايا                     شكوتُ إليكَ ما صَنَعَتْ إلَيَّا
 
بَكيتُكٌ يا عليُّ بِدُرِّ عَيني                        فَلم يُغنِ البُكاءُ عَليكَ شَيَّا
 
كفى حُزناً بِدفنِك ثُمّ إنّي                         نَفضتُ تُرابَ قَبرِكَ مِن يَدَيّا
 
وكانت في حياتِكَ لي عِظاتٌ                    وأنتَ اليومَ أوْعَظُ مِنكَ حَيَّا
 
فيا أسفَا عليكَ وطولَ شَوقِي                    إليكَ لَوْ اْنَّ ذلكَ رَدَّ شيَّا1
 
ثمّ بكى بكاءً شديداً وأبكى كلّ من كان معه، وعدلوا إلى الحسن والحسين ومحمّد وجعفر والعبّاس ويحيى وعون وعبد الله عليهم السلام فعزّوهم في أبيهم صلوات الله عليه، وانصرف الناس، ورجع أولاد أمير المؤمنين عليه السلام وشيعتهم إلى الكوفة، ولم يشعر بهم أحد من الناس2.
 
بنفسي ومالي ثمّ أهلي وأسرتي                   فداءٌ لمَن أمسى قتيلَ ابنِ مُلجَم
 
عليٌ أميرُ المؤمنين ومَن بكت                   لمقتله البطحاءُ وأكنافُ زمزم
 
 
 

1- ابن شهراشوب: مناقب آل أبي طالب، ج3، ص97.
2- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص295-296.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

43

خاتمة - في المراثي

 (1) ممّا رثى به الإمام الحسن أميرَ المؤمنين عليه السلام:

 
أين مَن كان لعلمِ              المُصطفى في الناسِ بابا 
 
أين مَن كان إذا                ما قَحِطَ الناسُ سحابا 
 
أين مَن كان إذا نُودِيَ         في الحربِ أجابا 
 
أين مَن كان دُعاهُ             مستجاباً ومُجابا
 
(2) وله عليه السلام:
 
خلِّ العيونَ وما أرَدْنَ          من البُكاء على علي 
 
لا تقبَلّنَ من الخلِّي             فليس قلبُك بالخَلِيّ 
 
لله أنت إذا الرِحالُ             تَضَعْضَعَت وَسْط النَدِيّ 
 
فرَّجْتَ غمّتَهُ ولم تركَن        إلى فشلِ وَعَيّ
 
 
(3) وله عليه السلام:
 
خذَلَ اللهُ خاذليه ولا            أغمَدَ عن قاتليهِ سيفَ فناء1.
 
 
 

1- ابن شهراشوب: مناقب آل أبي طالب، ج3، ص96.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

44

خاتمة - في المراثي

  (4) رثاء أمّ كلثوم لمّا سمعت بقتله عليه السلام:


أَلا يا عينُ جودي واسعدِينا        أَلا فابكِي أميرَ المؤمنِينا

وتبكي أمّ كلثوم عليه              بعَبرَتِها وقد رأتِ اليَقينا

أَلا قلْ للخوارجِ حيثُ كانوا      فَلا قَرّت عيونُ الحاسدينا

وابكِي خيرَ مَن رَكِبَ المَطايا    وحَثَّ بِها وأَقْرَى الظاعِنينا

وابكِي خيرَ مَن رَكِبَ المَطايا    وفارِسَها ومَن رَكِبَ السَفينا

ومَن لبِسَ النِّعالَ ومَن حَفَاها     ومَن قَرأَ المَثَانِي والمِئِينا

ومَن صَامَ الهَجِيرَ وقامَ لَيْلاً      وناجَى اللهَ خيرَ الخالقِينا

إمامٌ صادقٌ بَرٌ تَقِيّ              فَقيهٌ قَدْ حَوَى عِلْمَاً وَدِينا

شُجاعٌ أشوَسٌ بَطَلٌ هُمَام        ومِقْدَامُ الأسَاوِدِ في العَرينا

كَمِيٌّ بَاسِلٌ قَرْمٌ هِزْبَرٌ           حَمِيٌّ أَرْوَعٌ لَيْثٌ بَطِينا

فَعمرُوٌ قَادَهُ في الأسرِ لَمّا       طَغا وَسَقَى ابنَ ودٍّ منهُ حِينا 

وَمَرحبُ قَدّهُ بالسيفِ قَدّا        وعَفّرَ ذا الخِمارِ على الجَبِينا

وَبَاتَ على الفِراشِ يَقي أخَاهُ    ولم يَعبَأ بِكيدِ الكافرينا

وَيدعُو للجماعةِ مَن عَصاهُ      ويَقضي بالفرائض مُستَبِينا

وكلُّ مَناقِبِ الخيراتِ فيه        وَحُبُّ رسولِ ربِّ العالمِينا

مضى بعدِ النبيِّ فَدَتْهُ نَفْسِي     أَبو حَسَنٍ وَخيرُ الصالحينا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

45

خاتمة - في المراثي

 إذا استقبَلْتَ وَجهَ أَبي حسينٍ    رَأيتَ البَدرَ فَاقَ الناظرينا

 
وَكُنّا قَبلَ مقتَلِهِ بِخيرٍ             نَرى مولى رسولِ اللهِ فِينا
 
يُقيمُ الحقَّ لا يَرتَابُ فِيه         ويُنهِكُ قَطْعَ أَيدِي السارقينا
 
وليسَ بِكاتمٍ عِلماً لَديهِ           وَلم يُخْلَقْ مِن المُتجبّرِينا
 
أَفي الشهرِ الحَرامِ فَجَعتُمُونا    بِخيرِ الخَلقِ طُرّاً أجمعينا
 
ومِن بعدِ النبيِّ فَخيرُ نَفسٍ       أبو حسنٍ وخيرُ الصالحينا
 
فلو أَنّا سُئلنا المالَ فِيهِ           بَذلنا المالَ فِيهِ وَالبَنينا
 
كأنَّ الناس إذ فَقَدوا عليّاً        نِعامٌ جالَ في بَلَدٍ سِنينا
 
فلا واللهِ لا أنسى عليّاً          وحُسنَ صَلاتِه في الراكعينا
 
لقد علمت قُريشٌ حيثُ كانت   بِأنّك خيرُها حَسَباً وَدِينا
 
ألا فابلغ مُعاويةَ بنَ حَربٍ      فلا قَرَّتْ عُيونُ الشامتينا
 
وقُل للشامتين بِنا رُويداً        سَيلقَى الشامتون كما لقينا
 
قتَلتُم خَيرَ مَن رَكِبَ المَطايا    وذلَّلها ومَن رَكِبَ السَفينا
 
ألا فابلغ مُعاويةَ بنَ حَرْبٍ      بِأنَّ بَقيَّةَ الخُلفاءِ فِينا
 
فلم يبق أحد في المسجد إلّا انتحب وبكى لبكائها، وكلّ من كان حاضراً من عدوٍّ وصديق، ولم أر باكية ولا باكياً أكثر من ذلك اليوم1.
 
 
 

1- المجلسي: بحار الأنوار، ج42، ص298-300. وقيل: إنها لأم الهيثم بنت العربان الخثعمية كما في مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص27. وقيل: لأبي الأسود الدؤلي كما في تاريخ الأمم والملوك للطبري: ج3، ص160 / ابن شهراشوب: المناقب، ج3، ص97.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

46

خاتمة - في المراثي

  (5) رثاء صعصعة بن صوحان: 

 
هلْ خبّرَ القبرُ سائليه                         أَمْ قَرَّ عَينَاً بِزائرِيه 
 
أَمْ هل تَراه أحاطَ عِلماً؟                     بالجسدِ المُستَكِنّ فيه 
 
لو علِم القبرُ مَن يُواري                     تاهَ على كلِّ مَن يِليه 
 
يا موتُ ماذا أردتَ مِنِّي                    حَقَّقْتَ ما كنتُ أَتَّقيه 
 
يا موتُ لو تقبل افتِداءً                      لكنتُ بالرُوح أفتَدِيه 
 
دهرٌ رَمانِي بفقدِ أُلفِي                       أذمُّ دَهرِي وِأَشتَكِيه.
 
(6) رثاء أبي بكر ابن حمّاد التاهرتي:
 
قل لابنِ مُلجمَ والأقدارُ غالِبةٌ                         هَدَّمتَ وَيلَكَ للإسلامِ أَركَانا 
 
قتلتَ أَفضلَ مَن يمشي على قَدَمٍ                      وأَوَّلَ الناسِ إسلاماً وإيمانا 
 
وأعلمَ الناسِ بالقرآنِ ثمَّ بِما                           سَنَّ الرسولُ لنَا شَرعاً وتِبيانا 
 
صِهرُ الرسولِ ومولاهُ وناصرُه                       أضحَتْ مَناقبُهُ نُوراً وبُرهانا 
 
وكان منهُ على رَغمِ الحَسودِ له                       مكانَ هارونَ مِن موسى بن عمرانا 
 
وكان في الحربِ سَيفاً صارِماً ذَكِراً                  لَيثَاً إذا لقِي الأقرانَ أَقرانا 
 
ذكرتُ قاتِلَهُ والدمعُ مُنهَدِرٌ                           فقلتُ سبحانَ ربِّ الناسِ سُبحانا 
 
إنِّي لأحسبُهُ ما كان من بَشَرٍ                         كلا ولكنَّه قد كان شيطانا 
 
أشقى مُرادٍ إذا عُدَّت قبائلُها                         وأخسرَ الناسِ عند اللهِ مِيزانا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

47

خاتمة - في المراثي

 كعاقِرِ النَّاقةِ الأُولى التي جَلَبَتْ                       على ثمودَ بأرضِ الحِجْرِ خُسرانا 


قد كان يُخبرُهُم أنْ سَوف يَخضِبُها                    قبلَ المَنِّيةِ أَزماناً فأزمانا 

فلا عفا اللهُ عنهُ ما تَحَمَّلَه                             ولا سقى قبرَ عِمرانَ بنَ حَطَّانا 

لقولِه في شقيٍ ظَلَّ مُجتَرِماً                           ونالَ ما نالَه ظُلماً وعُدوَانا 

"يا ضربةً من تَقيٍّ ما أرادَ بِها                        إلا ليبلُغَ من ذي العَرْشِ رضوانا" 

كأنَّه لم يُردْ قَصْداً بِضربَتِه                            إلا ليصلَى عذابَ الخُلدِ نِيرانا 


(7) رثاء الحاج محمّد رضا الأزري رحمه الله:

مُصابٌ رَمَى رُكنَ الهُدَى فَتَصَدَّعا                            ونَادى به ناعِي السماءِ فأسمَعا 

وضجَّت له الأملاكُ في ملكوتِها                              وأوشَكَ عرشُ اللهِ أن يتضَعْضَعا 

ومَن يكُ أعلَى الناسِ شَأناً ومَفْخَراً                            يكن رزؤه في الناس أدْهَى وأَفظَعا 

مُصابٌ على الإسلامِ أَلقَى جِرانَه                             وبَرقَع بِالغَيِّ الهُدى فتبَرْقَعا 

فيا ناشدَ الإسلامِ قَوَّضَ سِفْرَهُ                                 وصاحَ به دَاعِي النَفِيرِ فَجَعْجَعا 

ولم ترَ عَقْدَ الدِّينِ إلّا مُبَدَّداً                                    ولم ترَ شَملَ الدِّينِ إلّا مُوَزَّعا 

وإنَّ قَتيلاً شَيَّدَ الدِّينَ سيفُهُ                                     جَديرٌ عليهِ الدِّينُ أَن يَتَصَدَّعا 

فيا هل دَرَى الإسلامُ أنَّ زَعيمَه                               لُقىً حَولَهُ جبريلُ يَنعَى فلا نَعَى 

وأنَّ عِمادَ الدِّينِ بانَ عَميدُها                                   وَوَدَّعَها دَاعِي الهُدى يومَ ودَّعا

ويا هل دَرَى المُختارُ أنَّ حَبيبَه                                بسيفِ عَدوِّ اللهِ أمسَى مُقنَّعا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

48

خاتمة - في المراثي

 وأُقسمُ لوْ أصغَى النعيُ لقبرِهِ                                 بَكاهُ أسَىً في قبرِهِ وتَفَجَّعا 


ومن عَجَبٍ أن ينزِلَ الموتُ دارَهُ                            وقد كان لا يَلفَاهُ إلّا مُروّعا 

لتبكِ الطِوالُ الغُلْبِ من آلِ هاشمٍ                            طويلَ ذَرَى حكَّ السُهَى فتَصَدَّعا 

ليبكِ التُقى منهُ مَنارَ هِدايَةٍ                                   وتنعَى الوَغَى منهُ كَمِيَّاً سُمَيْدَعَا 

وإنْ يبكِه الإسلامُ وَجْدَاً وَحَسْرَة                              فقد كان للإسلامِ حِصْنَاً ومفزَعا 

وإنْ يبكِه البيتُ الحرامُ فطالَما                               به كان مَحمِيَّ الجِوارِ مُمَنَّعَا 

وإنْ يبكِ جبريلُ لهُ فَلَشَدِّ ما                                  بخِدمتِه جبريلُ كان مُمَتَّعَا 

وإنْ يبكِه بدرُ السماءِ فإنَّما                                  بَكَى البدرُ بَدْرَاً منهُ أسنَى وأَرفَعا 

ولو علَّقت شمسُ الضُحى يومَ دفنِه                         لخَطَّت له في عينِها الشمسُ مَضجَعا 

إمامٌ دَعا للهِ حتى انتهَى له                                   ألا هكذا فليدعُ للهِ مَن دَعا 

ولم يمضِ حتى أَنْ شَأَى كلُّ سَابِق                         ولم يبقَ في قوسِ الفَضائِل مَنزَعَا 

وإنْ عُدَّ في نُسْكٍ فلم يَبقَ أورَعا                            وإنْ عُدَّ في فَتْكٍ فلم يَبقَ أروَعا 

لقد طبَق الآفاقَ بَأساً وَنائِلاً                                  فذلَّت له الأعناقُ خَوفاً ومَطْمَعَا 

كأنَّ مقاليدَ السماءِ بِكفِّهِ                                      فلم يكُ إلّا ما أرادَ وأَرفَعا 

أَمَا والهِجانُ القُودُ تُدمَى نُحورُها                            ومَن بمِنَى يَرمِي الجِمارَ تَطوُّعا 

وبالبيتِ ذِي الأستارِ والنفرِ الأُلَى                            بأرجائِه تَهوِي سُجوداً ورُكَّعا 

وبالأبطحِ الأعلَى ومَروَةَ والصَفَا                            وبالحَجَرِ المَلمُوسِ والرُكنِ أجمَعا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

49

خاتمة - في المراثي

 لقد صُرِعَ الإسلامُ ساعةَ قتلِه                            فيا مصرعَ الإسلامِ عُظِّمَتَ مصرَعا 


فكيف وَدَارُ الوَحيِ أمسَتْ رُبوعُها                      خَلاءً وأَمسَى منزِلُ الدِّينِ بَلقَعا 

أجدُّكَ مَن للدِّينِ أبقيتَ كَالِئاً                              ومَن لِعلُومِ الغيبِ أصبَحْتَ مُوَدِّعا 

ويا ربِّ دمعٌ كان صَعْبَاً قِيادُه                            فأصبحَ مُنقَاداً ليومِك طَيِّعا 

وإنْ يغدُ في الأرضِينَ رِزؤُك مُفْظَعاً                    فقد راحَ في أهلِ السماواتِ أفظَعا 

ويومُكَ في الإسلامِ ثُلِّمَ ثَلْمَةً                              وأوسَعَ خَرْقَاً في الهُدى لن يُرقَعا

فلا بطَشتْ إلّا بساعدِ أجذَمٍ                              ولا عطَسَتْ إلّا بِمارِنِ أجدَعا


(8) رثاء السيد صالح النجفي القزويني رحمه الله:

تالله لا أنساهُ في مِحرابِه                            للهِ يسجدُ في الظلامِ ويركَعُ 

وجلا ابنُ مُلجمَ والظلامُ مُجَلَّلٌ                     سيفَ المَنِّيَةِ والبريةُ هُجَّعُ

وقضى عليه به وقنَّع رأسَه                         للهِ رأسٌ بالحُسامِ مُقَنَّعُ 

فهناك أعوَلَ جبرئيلُ مُنادِياً                         فوقَ السَما مَن في البسيطةِ يَسمَعُ 

اليومَ أشقى الأشقيا قد غال                         أتقَى الأتقيَا وله الجميلُ مُضَيَّعُ 

اليومَ منعمرُ الهُدَى مُتهدِّم                          اليومَ مُنهَمِرُ النَدَى مُتَقَشِّعُ 

اليومَ رَوْضُ العِلمِ ألوَى والتُقَى                    أوْدَى وعِرنِينُ المكارِمِ أجْدَعُ 

قُتلَ ابنُ عمِّ المُصطفى قُتِلَ الوَصِيُّ                المُرتضَى قُتِلَ الإمامُ الأورَعُ 

يقضِي إمامُ المُسلمينَ مُخضَّبَاً                       والمسلمونَ لهُم قلوبٌ هُجَّعُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

50

خاتمة - في المراثي

 فمَن المُعزِّي أحمداً بِوَصيِّه                                أرداهُ صِمصَامٌ بِسُمٍ مُنَقَّعُ 


ومَن المُعزِّي فاطِماً بِحَمِيِّها                                قد قَدَّ مِفرَقَهُ الحُسامُ الأقطَعُ 

ومَن المُعزِّي المُجتَبَى بِمُلِمَّةٍ                               كادت له السَبْعُ العُلَى تتصدَّعُ 

ومَن المُعزِّي المُستضامَ بِفارِسِ                            الإسلامِ جَرَّعَهُ الحِمَامَ الأوْضَعُ 

ومَن المُعزِّي جبرئيلَ بمَن به                              جبريلُ سبَّحَ والمَلائِكُ أجمَعُ 

أفَهلْ دَرَتْ آلُ الهُدى أنَّ الهُدى                            أوْدَى ودَكَّ شَمامَهُ المتَرَفِّعُ 

أمْ هلْ دَرَى الدِّينُ المُبينُ بِنَكبَة                            نزَلَتْ فَخَدُّ الدِّينِ منها أضرَعُ 

عَجَبَاً لِقلْبٍ لا يَذوبُ ومُقْلَةٍ                                 جَزَعَاً لهُ بِدِمائِها لا تَدمَعُ 

عَجَبَاً لأرضٍ لا تَمورُ وَلَجّ بَحْرٍ                            لا يغورُ وعارِضٌ لا يُقْلَعُ

عَجَبَاً لِبًدرِ التَمِّ يُسفٍرُ مُشرِقاً                                لِمَ بالسَوادِ عليكَ لا يتَبَرْقَعُ 

عَجَبَاً لعرشِ اللهِ جلَّ جلالُه                                 كيفَ استقامَ ورُكنُه مُتَضَعْضِعُ 

عَجَبَاً لقبرٍ قَد حَواكَ وَلمْ يَضِقَ                              بِنَدَاكَ وهو من البَسيطةِ أوْسَعُ 

لكنْ حَواكَ فقَرَّ فيك وإنّه                                    لولاكَ لَهُوَ الخاشِعُ المُتَصَدِّعُ 

لا كان يومُكَ يا عليٌ فإنَّه                                   يومٌ به الدينُ الحنيفُ مُضَعْضَعُ 

أصمَى مُصابُك قلبَ كلِّ مُوَحِدٍ                              وأَصَمَّ نَعيُكَ كلَّ أُذُنٍ تَسْمَعُ 

ما زلتَ مُضطَهَداً تغُضُ على القَذَى                       جَفْنَاً وقلبُكَ بالنوائِبِ مُوجَعُ 

وهجرتَ للهِ المَضاجِعَ قائِماً                                 فكأنَّما لك في قيامِكَ مَضْجَعُ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

51

خاتمة - في المراثي

 (9) رثاء السيّد حيدر الحلّي رحمه الله:


قُم ناشِدِ الإسلامَ عن مُصابِه                                   أُصيبَ بالنبيِّ أَمْ كِتابِهِ 

أَمْ أنَّ رَكْبَ الموتِ عنه قد سَرَى                             بالروحِ مَحمولاً على رِكابِهِ 

بلى قَضَى نفسُ النبيِّ المُصطفى                             وأُدرِجَ الليلةَ في أَثوابِهِ 

مضَى على اهتضامِهِ بِغُصَّةٍ                                  غَصَّ بها الدَّهرُ مَدَى أعقابِهِ 

عاشَ غَريباً بينها وقَدْ قَضَى                                  بسيفِ أَشقاهَا على اغترابِهِ 

لقدْ أراقوا ليلةَ القدرِ دَمَاً                                      دِماؤهَا انصبَبْنَ في انصِبَابِهِ 

تنزَّلُ الروحُ فَوافَى روحَهُ                                     صاعِدةً شَوقاً إلى ثوابِهِ 

فَضَجَّ والأملاكُ فيها ضَجَّةً                                    منها اقشَعَرَّ الكونُ في إهابِهِ 

وانقلَبَ الإسلامُ للفجرِ بها                                      للحَشرِ إعوالاً على مُصابِهِ 

للهِ نفسُ أحمدَ مَن قَدْ غَدا                                       من نفسِ كلِّ مُؤمنٍ أولى بِهِ 

غادرَهُ ابنُ مُلجمَ ووجهُهُ                                       مُخَضَّبٌ بالدَّمِ في مِحرابِهِ 

وجهٌ لوجهِ اللهِ كمْ عَفَّرَه                                        في مسجدٍ كانَ أَبَا تُرابِهِ 

فاغبَّرَ وَجهُ الدِّينِ لاصفِرارِهِ                                   وخُضِّبَ الإيمانُ لاختضَابِهِ 

ويزعُمونَ حيثُ طَلُّوا دمَهُ                                     في صومِهِم قَد زِيدَ في ثوابِهِ 

والصومُ يدعوُ كلَّ يومٍ صَارِخَاً                                 قَد نَضَّحُوا دَمِي على ثيابِهِ 

قتلتُم الصلاةَ في محرابِهِا                                      يا قاتليِهِ وهوَ في مِحرابِهِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

52

خاتمة - في المراثي

 وَشَقَّ رأسَ العَدلِ سيفُ جورِكُم                               مُذْ شَقَّ منه الرأسَ في ذبابِهِ


فالأمّةُ اليومَ غَدتْ في مَجهَلٍ                                  ضَلَّتْ طريقَ الحقِّ في شِعابِهِ 

فليبكِ جبريلُ له ولْيَنتحِبْ                                      في الملأِ الأعلَى على مُصابِهِ 

نَعَمْ بَكَى والغيثُ من بُكائِهِ                                     يَنْحَبُ والرعدُ من انتحابِهِ 

مُنتدِباً في صرخةٍ وإنَّما                                        يَستصرِخُ المَهديُّ بانتدابِهِ 

يا أيُّها المحجوبُ عن شيعتِهِ                                  وكاشف الغَمِّ على احتجابِهِ 

كَمْ تُغْمِد السَيفَ لقد تقطَّعَت                                   رِقابُ أهلِ الحقِّ في ارتقابِهِ

(10) رثاء الحاج علي البغدادي رحمه الله:

شهرُ الصِّيامِ به الإسلامُ قَد فُجِعَا                              وفي رزيِّتِهِ قلبُ الهُدَى انصدَعا 

شهرَ الصِّيامِ بَكتْ عينُ السَماء دَماً                           فيه وجبريلُ ما بين السماءِ نَعَا 

اليومَ في سيفِ أشقى العالمينَ هَوَى                          شخصُ الوصيِّ وفي مِحرابِهِ صُرِعَا 

اليومَ ماتَ الهُدى والدِّينُ مُنَهَدِّمٌ                              وفي ثِيابِ الأَسَى قد باتَ مُدَّرِعَا 

اليومَ فلتسكُبِ الأَيتامُ عَبرَتَها                                 ولتترُكِ الصبرَ لكنْ تَصحب الجزَعَا 

اليومَ في قتلِهِ الهادي وفاطمة                                مَاتا وعَلْيَا نَزارِ سورُها انصدَعَا 

سَعَتْ بقتلِ وصيِّ المُصطفى فِئةٌ                             على قلوبِهِم الشيطانُ قَد طُبِعَا 

قَد غادروا شملَ دينِ اللهِ مُفْتَرِقاً                              ويَزعَمونَ بقتلِ المرتضى جَمْعَا 

هذا ابنُ مُلجمَ قَد أَردَى أبا حَسنٍ                            أَهَلْ دَرَى اليومَ مَن أَردَى وَمَن صَرَعَا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

53

خاتمة - في المراثي

 ما نالَه سيفُ أَشقاهَا بِضَربَتِهِ                               لكنَّما صَنَعَ المقدورُ ما صَنَعَا 

 
وكيفَ بالسَيفِ ما فُلَّتْ مضاربُهُ                           إذا تَساقَطَ دون المُرتضى قِطَعَا 
 
سيفٌ أٌصيبَ بهِ رأسُ الوصيِّ لقدْ                         أَصابَ قلبَ الهُدَى والعِلمَ والوَرَعَا 
 
ما بالُها هَجَعَتْ عن يومِهِ مُضَرٌ                          وبعدَه الدِّينُ والإسلامُ ما هَجَعَا 
 
فَلتَندُبِ الطُهرَ فِهْرٌ نَدْبَ ثَاكِلَةٍ                            تُساقِطِ الدَّمعَ من أَحشائِها قِطَعَا1
 
 
 

1- النقدي الشيخ جعفر: الأنوار العلوية، ص393-399.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

54
شهيد المحراب