كريمة أهل البيت فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليه السلام


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-05

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم

 
 
السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ فَاطِمةَ وخَدِيجَة، السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ أَمِيرِ المُؤْمِنين، السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ الحَسَنِ وَالحُسَين، السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ وَلِيِّ الله، السَّلامُ عَليكِ يَا أُخْتَ وَلِيِّ الله، السَّلامُ عَليكِ يَا عَمَّةَ وَلِيِّ الله السَّلامُ عَليكِ يَا بِنْتَ مُوسَى بنِ جَعْفَر، وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه. السَّلامُ عَليكِ عَرَّفَ اللهُ بَينَنَا وَبَينَكُم فِي الجَنَّةِ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِكُم وَأَوْرَدَنَا حَوْضَ نَبِيِّكُم وَسَقَانَا بِكَأْسِ جَدِّكُم مِنْ يَدِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَواتُ اللهِ عَلَيكُم، أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُرِيْنَا فِيكُمُ السُّرُوْرَ وَالفَرَجَ، وَأَنْ يَجْمَعَنَا وَإيَّاكُم فِي زُمْرَةِ جَدِّكُم مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلهِ، وَأَنْ لا يَسْلُبَنَا مَعْرِفَتَكُم إِنَّه وَلِيٌّ قَدِير1.
 
 
 


1- مقطع من زيارتها عليها السلام الواردة عن الإمام الرضا عليه السلام.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 المقدمة


الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى عترته وأهل بيته المظلومين المعصومين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

ما إن تشرف على مدينة قمّ المقدّسة وأنت قادم إليها من بعيد حتّى تشرق عليك أنوار قبّة حفيدة النبيّ وكريمة أهل البيت عليهم السلام فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام المعروفة بـ "المعصومة" لتضيء سماء هذه المدينة المقدّسة التي تشرّفت باحتضان هذا الجثمان الطاهر.

يقول الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظلّه:
"لا شكّ أنّ دور السيّدة المعصومة عليها السلام في جعل قمّ على ما هي عليه وإضفاء العظمة على هذه المدينة الدينيّة التاريخيّة العريقة هو دور لا كلام فيه فهذه السيّدة المعظّمة والفتاة التي ترعرعت في حضن أهل بيت النبيّ بحركتها بين الأتباع والأصحاب والمحبّين للأئمّة عليهم السلام ومسيرها بين المدن المختلفة ونثر بذور المعرفة والولاية بين الناس على امتداد هذا المسير وبعد وصولها إلى هذه المنطقة ونزولها في قمّ تمكّنت من جعل هذه المدينة تسطع كمركزٍ أساسيّ لمعارف أهل البيت عليهم السلام في ذلك العصر الظلمانيّ والحالك لحكومة المتجبّرين وتتحوّل إلى قاعدةٍ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

2

المقدمة

 تشعّ منها أنوار العلم وأنوار معارف أهل البيت عليهم السلام على أطراف العالم الإسلاميّ بشرقه وغربه"1.

 
وقد حظيت هذه السيّدة الطاهرة باهتمام واحترام كبار العلماء والفقهاء والرواة على مرّ التاريخ وأوصى العديد منهم أن يدفنوا بجوارها فاحتوى مرقدها الطاهر على مجموعة كبيرة من مراجع التقليد والعلماء الأعلام من بينهم القطب الراونديّ الشيخ الفاضل المتبحّر، المدفون في صحن فاطمة المعصومة، وينقل له كرامات آخرها أنّه عند بناء صحن المعصومة الشريف انهدم قبره وظهر بدنه الشريف طريّاً بعد سبعمائة عام وليس فيه أقلّ تغيّر وكأنّه نائم فيه2.
 
وينقل عن المرحوم الملّا صدرا الشيرازيّ أنّه على أثر حوادث عصيبة وقضايا مريرة انتابته في وقته ممّا اضطرّته إلى ترك موطنه شيراز وشدّ الرّحال إلى ضواحي مدينة قمّ المقدسة التي تعتبر عشّ آل محمّد وحرم العترة الطاهرة عليهم السلام حسبما جاء في الحديث: "إذا عمّت الفتن والبلايا فعليكم بقمّ وحواليها فإنّ البلاء مدفوع عنها" فاستوطن إحدى قرى قمّ المسمّاة كَهَك بينها وبين قمّ أربعة فراسخ فكان الشيخ في بعض الأحايين التي تعتريه مسائل علميّة عويصة وقضايا فلسفيّة مبهمة يقصد قبر العقيلة الجليلة فاطمة بنت موسى بن جعفر سلام الله عليها ويستلهم منها حلّ مشاكله العلميّة والفلسفيّة ثمّ يعود إلى مقرّه3.
 
 
 
 

1- المركز الإسلاميّ للتبليغ خطاب الوليّ عند لقائه طلاب وأساتيذ الحوزة العلميّة قمّ المقدّسة - 13ذي القعدة 1431 هـ.
2- أنظر مقدّمة غنائم الأيّام للميرزا القمّي ج 1 ص 34.
3- الحسّون ومشكور: أعلام النساء المؤمنات ص 585.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

3

المقدمة

 كلّ ذلك لعلم هؤلاء بفضل هذه السيّدة الجليلة ومكانتها التي هي من سلالة النبوّة وعبق الرسالة المحمّديّة الذين من تمسّك بهم نجا ومن تخلّف عنهم غرق وهوى.


وإنّ التعرّف على حياة أمثال هذه السيّدة الكريمة وغيرها من بنات النبوّة والرسالة أمر بالغ الأهميّة- في وقتٍ لم تعد تعرف البشريّة من النساء سوى نماذج أسقطت المرأة عن مكانتها التي حباها بها الباري تبارك وتعالى- مكلّلاً لها بتاج العلم والفقه والعفّة والطهارة والقداسة فإنّ هؤلاء النسوة من بيت النبوّة هنّ المصداق البارز في حياة المرأة اللواتي تستحق ّكلّ واحدة منهنّ أن تتعرّف عليها في عصرنا هذا وتجعلها القدوة لها في سيرها وحياتها والذي من شأنه أن يرفع المرأة من حضيض الشهوات إلى مدارج الكمال والرقيّ الحقيقيّ المبنيّ على تعاليم الإسلام الدّين الإلهيّ الحنيف.

ومن هنا قمنا في معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ بتأليف هذا الكتاب ليكون إطلالة صغيرة على حياة هذه السيّدة من أهل بيت النبوّة عليهم السلام حسبما وصلنا عنها من أخبار وروايات- وهو قليل في جانب هذه المرأة العظيمة- علّنا نكون بذلك قد أدّينا بعضاً من حقّها.

عملنا في الكتاب:
اقتصرنا في هذا الكتاب على عرض شيءٍ من حياة هذه السيّدة الجليلة وأشرنا إلى بعض فضائلها ومناقبها وما جرى عليها في المدينة وحين خروجها إلى قمّ ووفاتها ومدفنها هناك، وشيءٍ من فضل قمّ وأهلها وفضل زيارة المعصومة عليها السلام وما قيل من الشعر فيها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

4

المقدمة

 وقد سمّينا هذا الكتاب بـ: "كريمة أهل البيت عليهم السلام فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام".

وكلّنا أمل أن يلقى هذا الكتاب الرضا والقبول وأن يساهم في نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام والتعريف بمنزلتهم ومكانتهم.

هذا ونسأله تعالى أن يتقبّل منّا وأن يرزقنا شفاعة السيّدة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام وشفاعة أبيها وأخيها عليهما السلام وأن يعرّف بيننا وبينهم إنّه سميع مجيب.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

5

لمحة عن حياتها الشريفة

 اسمها ونسبها:

هي السيّدة الجليلة فاطمة بنت موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام بنت وليّ الله وأخت وليّ الله وعمّة وليّ الله - كما جاء في زيارتها -.
 
والدتها:
فاطمة عليها السلام هي الأخت الشقيقة للإمام الرضا عليه السلام تشترك معه في أمّ واحدة1 فأمّها أمّ ولد تكنّى بأمّ البنين وقد ذكر لها العديد من الأسماء كنجمة وأروى وسكن وسمان وتكتم وعليه استقرّ اسمها حين ملكها أبو الحسن موسى عليه السلام وإليها يشير الشاعر بقوله:
 
أَلَا إنَّ خَيْرَ النَّاسِ نَفْساً وَوَالِداً       وَرَهْطاً وَأَجْدَاداً عَليُّ المُعَظَّمُ
أَتَتْنــا بِـهِ لِلْعِلْمِ والحِلْمِ ثَامِنــاً          إِماماً يُؤَدِّي حُجَّةَ اللهِ تَكْتُمُ
 
وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها. تقول السيّدة حميدة المصفّاة لولدها الإمام الكاظم عليه السلام: "يا بنيّ إنّ تكتم جارية ما رأيت جارية قطّ أفضل منها ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيطهّر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك فاستوصِ بها خيراً".
 
ولمّا ولدت الإمام الرضا عليه السلام سمّاها الإمام الكاظم عليه السلام بالطاهرة وقد كانت من العابدات القانتات لربّها2.
 
 
 

1- الطبريّ الإماميّ ابن رستم: دلائل الإمامة ص 309.
2- أنظر: سلسلة مجالس العترة غريب خراسان ص 22- 24.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

6

لمحة عن حياتها الشريفة

 ولادتها ووفاتها:

ولدت في المدينة المنوّرة في غرّة شهر ذي القعدة الحرام سنة 371 للهجرة وقال بعضهم: إنّها سنة 381 للهجرة1 وفي بعض المؤلّفات أنّ الظاهر عدم دقّة هذا الأخير، حيث إنّ سنة 381 هي سنة شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام، وقد كان فيها رهين سجون الظالمين2.
 
وكانت وفاتها في قمّ سنة 102 للهجرة3 وذلك في العاشر من ربيع الثاني4 وقيل: في الثاني عشر منه5 وفيها دفنت فوفاتها قبل أخيها الإمام الرضا عليه السلام ويأتي في أخبار زيارتها عليها السلام الواردة عن الرضا عليه السلام ما يظهر منه ذلك6.
 
قال المحدّث القمّي أعلى الله مقامه: ومزارها في قمّ المقدّسة ذو قبّة عالية وضريح وصحون متعدّدة وخدم وموقوفات كثيرة وهي قرّة عين قمّ وملاذ الناس ومعاذهم بحيث تشدّ إليها الرحال كلّ سنة من الأماكن البعيدة لاقتباس الفيض واكتساب الأجر من زيارتها عليها السلام7.

 

1- الحسّون ومشكور: أعلام النساء المؤمنات ص 576 الشاكريّ الحاج حسين: موسوعة المصطفى والعترة ج 11 ص 28.
2- الشاكريّ الحاج حسين: موسوعة المصطفى والعترة ج 11 ص 28.
3- النمازيّ الشيخ عليّ: مستدرك سفينة البحار ج 8 ص 261.
4- أنظر: مهديّ بور عليّ أكبر: كريمة أهل بيت عليهم السلام ص 99 والشاكريّ الحاج حسين: موسوعة المصطفى والعترة ج 11 ص 28.
5- أنظر: مهديّ بور عليّ أكبر: كريمة أهل بيت عليهم السلام ص 99 وذكر قولاً آخر أيضاً عن بعضهم أنّ وفاتها في الثامن من شعبان ثمّ ذكر ما يرجح القول الأوّل. فلاحظ.
6- التستريّ الشيخ محمّد تقيّ: رسالة في تواريخ النبيّ والآل صلوات الله عليهم الملحقة بقاموس الرجال ج 12 ص 103.
7- القمّي الشيخ عبّاس: منتهى الآمال ج 2 ص 378.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

7

لمحة عن حياتها الشريفة

 فضائلها وصفاتها:

 
قال الشاعر:
يا بِنْتَ مُوسَى وَابْنَـةَ الأَطْهــارِ        أُخْتَ الرِّضـا وَحَبِيبَةَ الجَبَّــار
يـــا دُرَّةً مِنْ بَحْرِ عِلْمٍ قَدْ بَدَتْ        لِلَّهِ دَرُّكِ وَالعُــلُوِّ السَّــــارِي
أَنْتِ الوَدِيعَةُ لِلإمامِ عَلَى الوَرَى      فَخْرِ الكَرِيمِ وَصَاحِبِ الأَسْرارِ
لا زِلْتِ يا بِنْتَ الهُدى مَعْصُومَةً     مِنْ كُلِّ ما يَرْتَضيــهِ البـــارِي
مَنْ زَارَ قَبْرَكِ في الجِنــانِ جَزاؤُهُ      هَذا هُوَ المَنْصُوصُ في الأَخْبارِ1
 
لم يكن في ولد الإمام الكاظم عليه السلام مع كثرتهم بعد الإمام الرضا مثل هذه السيّدة الجليلة2 وقد قيل في حقّها: (إنّها) رضعت من ثدي الإمامة والولاية، ونشأت وترعرعت في أحضان الإيمان والطهارة..تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السلام، لأنّ أباها الإمام الكاظم عليه السلام قد سجن بأمر الرشيد لذلك تكفّل أخوها رعايتها ورعاية أخواتها ورعاية كلّ العوائل من العلويّين التي كان الإمام الكاظم سلام الله عليه قائماً برعايتهم..
 
إنّ هذه العقيلة هي من الدوحة العلويّة النقيّة الطاهرة المطهّرة، ومن حفيدات الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وبناتها الطيّبات العالمات المحدّثات المهاجرات اللاتي اختصهنّ الله تعالى بملكة العقل
 
 
 

1- الأعلميّ الحائريّ الشيخ محمّد حسين: تراجم أعلام النساء ج 2 ص 355, مع إصلاح منا للأبيات.
2- التستريّ الشيخ محمّد تقيّ: رسالة في تواريخ النبيّ والآل صلوات الله عليهم الملحقة بقاموس الرجال ج 12 ص 103.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

8

لمحة عن حياتها الشريفة

 والرشاد والإيمان والثبات، والعزيمة والفداء والتضحية، وأودع فيهنّ العفّة والطهارة، وبواعث القوّة والحقّ والغلبة والكمال مع تجنبهنّ عوامل الذلّ والخذلان، والخوف والاستسلام..

 
تعرف هذه السيّدة بالمحدّثة، والعابدة، والمقدامة، وكريمة أهل البيت عليهم السلام. لقد كانت فاطمة عليها السلام على دين قويم صادق وانقطاع متواصل إلى الله وفي غاية الورع والتقوى والزهد، كيف لا؟ وأبوها الإمام الكبير القدر العظيم الشأن الكبير المجتهد الجادّ في الاجتهاد المشهور بالعبادة والمواظب على الطاعات المشهور بالكرامات يبيت الليل ساجداً وقائماً ويقضي النهار متصدّقاً وصائماً ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً كان يجازي المسيء بإحسانه إليه ويقابل الجاني بعفوه عنه ولكثرة عبادته كان يسمى بالعبد الصالح، ويعرف بباب الحوائج إلى الله1
 
ويظهر من الروايات أنّ فاطمة هذه كانت عابدة مقدّسة مباركة شبيهة جدّتها فاطمة الزهراء عليها السلام, وأنّها على صغر سنّها كانت لها مكانة جليلة عند أهل البيت عليهم السلام. وعند كبار فقهاء قمّ ورواتها، حيت قصدوها إلى ساوة وخرجوا في استقبالها، ثمّ أقاموا على قبرها بناء بسيطاً، ثمّ بنوا عليه قبّة وجعلوه مزاراً، وأوصى العديد منهم أن يدفنوا في جوارها2 كما سيأتي.
 
 
 

1- يراجع هذا في أعلام النساء المؤمنات ص 576.
2- الكورانيّ العامليّ الشيخ عليّ: عصر الظهور ص 214.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

9

لمحة عن حياتها الشريفة

 التسمية بفاطمة:

اهتمّ الأئمّة عليهم السلام باسم فاطمة لأنّه اسم جدّتهم الصدّيقة الكبرى سيّدة نساء العالمين صلوات الله عليها ولذا نراهم سمّوا بناتهم بهذا الاسم وأوصوا بالتسمية به:


فعن سليمان الجعفريّ: قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء1.
 
وعن السكونيّ قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب، فقال لي: "يا سكونيّ ممّ غمّك؟" قلت: ولدت لي ابنة فقال: "يا سكونيّ على الأرض ثقلها وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك". فسرى والله عنّي فقال لي: "ما سمّيتها؟" قلت: فاطمة، قال:"آه آه" ثمّ وضع يده على جبهته..(إلى أن قال:) "أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها"2.
 
ومن هنا كان للإمام الكاظم عليه السلام أربع بنات سمّاهنّ بفاطمة3.
 
 


1- الكلينيّ: الكافي ج 6 ص 19.
2- المصدر السابق ص 48.
3- سبط ابن الجوزيّ: تذكرة الخواص ص 351.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

10

لمحة عن حياتها الشريفة

 فاطمة العابدة:

 
من الطبيعيّ أن تكون هذه السيّدة الجليلة من العابدات القانتات حيث تربّت في أجواء العبادة والطاعة بين أبيها العبد الصالح عليه السلام وأمّها الطاهرة رضوان الله عليها.


والمحراب الذي كانت فاطمة رضوان الله عليها تصلّي فيه في مدينة قمّ موجود إلى الآن في دار موسى بن خزرج ويزوره الناس1 ولا يزال هذا المحراب إلى يومنا هذا يؤمّه الناس للصلاة والدعاء والتبرّك، وهو الآن في مسجد عامر بقمّ المقدسة، وقد جدّدت عمارته أخيراً بشكل يناسب مقام السيّدة فاطمة المعصومة رضوان الله عليها2.
 
فاطمة وسبب شهرتها بالمعصومة:
 
وقد اشتهرت هذه السيّدة الجليلة بلقب المعصومة حتّى باتت تعرف وقد أرجع بعضهم ذلك لأحد سببين:
الأوّل: أنّه لمّا كان عمرها رضوان الله عليها قصيراً- لم يتجاوز الثلاثين على أكثر الروايات -، أطلق عليها الإيرانيّون "معصومة فاطمة" أو "معصومة قمّ"، لأنّ معصوم بالفارسيّة بمعنى البريء ويوصف بها الطفل البريء- فيكون ذلك للإشارة إلى طهارتها وصفاء روحها -.
 
الثاني: أنّ ذلك يعود لطهارتها وعصمتها عن الذنوب، فإنّ العصمة 
 
 
 

1- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 57 ص 219.
2- الشاكريّ الحاج حسين: موسوعة المصطفى والعترة ج 11 ص 29.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

11

لمحة عن حياتها الشريفة

 على قسمين، عصمة واجبة كالتي ثبتت للأئمّة المعصومين عليهم السلام، وعصمة جائزة تثبت لكبار أولياء الله تعالى المقدّسين المطهّرين عن الذنوب1.

 
ولعلّ ما جاء في ثواب زيارتها ممّا ورد التعبير بمثله للأئمّة المعصومين عليهم السلام يؤيّد هذا الوجه كالتعبير بأنّ من زارها فله الجنّة أو وجبت له الجنّة ونحوها ممّا سيأتي..
 
وقد يضاف إلى هذين الأمرين أمر آخر محتمل وإن كنّا لا نملك دليلاً عليه:
أنّه ربّما يكون ذلك بسبب اعتصامها بأهل قمّ فإنّها التجأت إليهم ونزلت عندهم والعصمة في لغة العرب تأتي بمعنى المنع. والله العالم.
 
هذا وقد نسب للإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "من زار المعصومة بقمّ كمن زارني"2.


فاطمة الشفيعة:

ولمنزلتها العظيمة ومقامها الرفيع عند الله تعالى فقد أعطيت الشفاعة فعن القاضي نور الله التستريّ قدّس الله روحه في كتاب "مجالس المؤمنين" عن الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ لله حرماً وهو مكّة، ألا إنّ لرسول الله حرماً وهو المدينة، ألا وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ألا وإنّ قمّ الكوفة الصغيرة
 
 
 

1- الكورانيّ العامليّ الشيخ عليّ: عصر الظهور ص 215.
2- رياحين الشريعة ج 5 ص 35وإن كنّا لم نعثر عليه بهذا النصّ في الجوامع الحديثيّة, فلعلّه من النقل بالمعنى لشهرتها بذلك, فلاحظ.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

12

لمحة عن حياتها الشريفة

  ألا إنّ للجنّة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قمّ، تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنّة بأجمعهم"1.

 
وسيأتي في زيارتها عليها السلام الواردة عن الإمام الرضا عليه السلام: "يا فاطمة اشفعي لي في الجنّة فإنّ لك عند الله شأناً من الشأن".
 
العالمة "فداها أبوها":
ونقل بعضهم عن المرحوم السيّد نصر الله المستنبط عن كتاب كشف اللآلي لابن العرندس الحلّي (المتوفّى حدود سنة 830 هـ)، أنّ جمعاً من الشيعة دخلوا المدينة يحملون بحوزتهم عدّة من الأسئلة المكتوبة قاصدين أحداً من أهل البيت عليهم السلام وصادف أنّ الإمام موسى بن جعفرعليهما السلام كان في سفر والإمام الرضا عليه السلام كان خارج المدينة. وحينما عزموا على الرحيل ومغادرة المدينة تأثّروا وأصابهم الغمّ لعدم ملاقاتهم الإمام عليه السلام وعودتهم إلى وطنهم وأيديهم خالية. 
 
ولمّا شاهدت السيّدة المعصومة غمّ هؤلاء وتأثّرهم- وهي لم تكن قد وصلت إلى سنّ البلوغ آنذاك- قامت بكتابة الأجوبة على أسئلتهم وقدّمتها لهم. وغادر أولئك الشيعة المدينة فرحين مسرورين والتقوا بالإمام الكاظم عليه السلام خارج المدينة، فقصّوا على الإمام عليه السلام ما جرى معهم وأروه ما كتبته السيّدة المعصومة سلام الله عليها فسرّ الإمام عليه السلام بذلك وقال: "فداها أبوها"2.
 
 
 

1- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 57 ص 228.
2- مهديّ بور عليّ أكبر: كريمة أهل البيت عليهم السلام ص 170- 171, وفيه أنّ الكتاب المشار إليه هناك نسخة خطيّة منه في إحدى مكتبات النجف الأشرف, على ساكنه آلاف التحيّة والسلام.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

13

لمحة عن حياتها الشريفة

 كريمة أهل البيت عليهم السلام:

 
وهذا لقب اشتهرت به سلام الله عليها وهناك قصّة منقولة عن السيّد محمود المرعشيّ والد السيّد شهاب الدّين المرعشيّ قدّس سرّهما ورد فيها هذا اللقب وحاصلها: أنّه كان يريد معرفة قبر الصدّيقة الزهراء عليها السلام, وقد توسّل إلى الله تعالى من أجل ذلك كثيراً، حتّى أنّه دأب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كلّ أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظي بشرف لقاء الإمام المعصوم عليه السلام، فقال له الإمام عليه السلام: "عليك بكريمة أهل البيت"، فظنّ السيّد محمود المرعشيّ أنّ المراد بكريمة أهل البيت عليها السلام هي الصدّيقة الزهراء عليها السلام فقال للإمام عليه السلام: جعلت فداك إنّما توسّلت لهذا الغرض، لأعلم بموضع قبرها، وأتشرّف بزيارتها، فقال عليه السلام: "مرادي من كريمة أهل البيت قبر السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قمّ.." وعلى أثر ذلك عزم السيّد محمود المرعشيّ على السفر من النجف الأشرف إلى قمّ لزيارة كريمة أهل البيت عليها السلام 1.
 
فاطمة الراوية والمحدّثة:
 
كانت السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليهما السلام عالمة محدّثة راوية، حدّثت عن آبائها الطاهرين عليهم السلام، وحدّث عنها جماعة من أرباب العلم والحديث، وأثبت لها أصحاب السنن والآثار روايات ثابتة وصحيحة من الفريقين الخاصّة والعامّة، فذكروا أحاديثها في مرتبة الصحاح الجديرة بالقبول والاعتماد.
 
 
 

1- المعلّم محمّد علي: فاطمة المعصومة ص 187.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

14

لمحة عن حياتها الشريفة

 روى الحافظ شمس الدّين محمّد بن محمّد الجزريّ الشافعيّ المتوفّى سنة 318 ه‍، بسنده عن بكر بن أحمد القصريّ، عن فاطمة بنت عليّ بن موسى الرضا، عن فاطمة وزينب وأمّ كلثوم بنات موسى بن جعفر، قلن حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد الصادق، حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن عليّ، حدّثتني فاطمة بنت عليّ بن الحسين، حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليّ، عن أم ّكلثوم بنت فاطمة بنت النبيّ وسلم ورضي عنها قالت: "أنسيتم قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم غدير خمّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه، وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى عليهما السلام".


وبسنده عن بكر بن أحنف قال: حدّثتنا فاطمة بنت عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، قالت: حدّثتني فاطمة وزينب وأمّ كلثوم بنات موسى بن جعفر عليهم السلام، قلن: حدّثتنا فاطمة بنت جعفر بن محمّد عليهما السلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت محمّد بن عليّ عليهما السلام، قالت: حدّثتني فاطمة بنت عليّ بن الحسين عليهما السلام، قالت: حدّثتني فاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن عليّ عليهما السلام، عن أمّ كلثوم بنت عليّ عليه السلام، عن فاطمة بنت رسول الله قالت: "سمعت رسول الله يقول: لمّا أسري بي إلى السماء دخلت الجنّة فإذا أنا بقصر من درّة بيضاء مجوّفة، وعليها باب مكلّل بالدرّ والياقوت، وعلى الباب ستر، فرفعت رأسي فإذا مكتوب على الباب: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله، وإذا مكتوب على الستر: بخٍ بخٍ مَن مثل شيعة عليّ.."الحديث. 

وروى الصدوق في الأمالي عن أحمد بن الحسين المعروف بأبي عليّ بن عبد ربّه، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ السكريّ، قال: حدّثنا محمّد بن زكريا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

15

لمحة عن حياتها الشريفة

  الجوهريّ، قال: حدّثنا العبّاس بن بكار، قال: حدّثني الحسن بن يزيد، عن فاطمة بنت موسى، عن عمر بن عليّ بن الحسين، عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام، عن أسماء بنت أبي بكر، عن صفيّة بنت عبد المطلب، قالت: لمّا سقط الحسين عليه السلام من بطن أمّه وكنت وليتها قال النبيّ: "يا عمّة هلمّي إليّ ابني"، فقلت: يا رسول الله، إنّما لم ننظِّفه بعد، فقال: "يا عمّة أنت تنظّفيه؟! إنّ الله تبارك وتعالى قد نظّفه وطهَّره"1.

 
في سبب عدم زواجها:
لم تكن السيّدة المعصومة متزوّجة من أحد من أبناء زمانها وقد روي أنّ هذا كان حال بقيّة أخواتها فقد ذكر اليعقوبيّ صاحب التاريخ أنّ الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام أوصى ألّا تتزوّج بناته، فلم تتزوّج واحدة منهنّ إلّا أمّ سلمة، فإنّها تزوّجت بمصر، تزوّجها القاسم بن محمّد بن جعفر بن محمّد، فجرى في هذا بينه وبين أهله شيء شديد، حتّى حلف أنّه ما كشف لها كنفاً2، وأنّه ما أراد إلّا أن يحجّ بها3.
 
ويرى بعض المحقّقين أنّ هذه الرواية موضوعة فيقول:
وهذا القول لا يمكن المساعدة عليه بوجه من الوجوه فإنّ وصيّة الإمام عليه السلام..لم تنصّ على منع بناته من الزواج وإنّما جعلت أمر ذلك بيد الإمام الرضا عليه السلام وهذا القول من الغرابة بمكان لم يذكره سواه وهو من 
 
 
 

1- الحسّون ومشكور: أعلام النساء المؤمنات ص 576- 579.
2- الكَنَف: الجانب يعني أنّه لم يقربها.
3- اليعقوبيّ: تاريخ اليعقوبيّ ج 2 ص 415.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

16

لمحة عن حياتها الشريفة

 الموضوعات إذ كيف يمنع الإمام بناته من الاقتران الذي حثّ عليه الإسلام وندب إليه؟!1



لكن تذكر بعض المصادر ما لعلّه يكون سبباً وراء عدم زواجهنّ:
1- فيقول المحدّث القمّي أعلى الله مقامه: وفي تاريخ قمّ ما حاصله: أنّ الرضائيّة لم يزوّجوا بناتهم لعدم الكفؤ لهم (كذا) وكان للإمام موسى الكاظم عليه السلام إحدى وعشرون بنتاً لم تتزوّج إحداهنّ وكان هذا سائراً في بناتهم وقد أوقف محمّد (الجواد) بن عليّ الرضا عليه السلام قرى في المدينة على أخواته وبناته اللاتي لم يتزوجن وكان يرسل نصيب الرضائيّة من منافع هذه القرى من المدينة إلى قمّ2.
 
2- وفيما أجاب به الكاظم عليه السلام هارون الرشيد حينما سأله: فلم لا تزوّج النسوان من بني عمومتهنّ وأكفائهنّ؟ قال: "اليد تقصر عن ذلك" قال: فما حال الضيعة؟ قال: "تعطي في وقت وتمنع في آخر.."3.
 
3- وذكر بعضهم أنّ ذلك جاء نتيجة الضغوطات العنيفة والممارسات التعسفيّة التي كانت السلطة العبّاسيّة تنتهجها تجاه الأئمّة عليهم السلام وشيعتهم فما كان أحدٌ ليجرأ أن يتقدّم من الإمام ليطلب كريمته. بل إنّ الشيعة- في فترات مختلفة من الزمن- ما كانوا ليقتربوا من دار المعصومين عليهم السلام في استفتاءاتهم فما ظنّك بمن يريد مصاهرة الإمام؟!4
 
 
 
 

1- القرشيّ باقر شريف: حياة الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام ج 2 ص 497.
2- القمّي الشيخ عبّاس: منتهى الآمال ج 2 ص 380- 381.
3- الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 85.
4- هاشم السيّد أبو الحسن سيّدة عشّ آل محمّد , ص 47.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

 


17

لمحة عن حياتها الشريفة

 وقد جاء في إحدى وصايا الإمام الكاظم عليه السلام أنّه جعل أمر زواجهنّ للإمام الرضا عليه السلام ففي الرواية عنه عليه السلام: "..وإن أراد رجل منهم أن يزوّج أخته فليس له أن يزوّجها إلّا بإذنه وأمره، فإنّه أعرف بمناكح قومه وأيّ سلطان أو أحد من الناس كفّه عن شيء أو حال بينه وبين شيء ممّا ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممّن ذكرت، فهو من الله ومن رسوله بريء والله ورسوله منه براء وعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقرّبين والنبيّين والمرسلين وجماعة المؤمنين وليس لأحد من السلاطين أن يكفّه عن شيء.." إلى أن يقول: "ولا يزوّج بناتي أحد من إخوتهنّ من أمّهاتهنّ ولا سلطان ولا عمّ إلّا برأيه و مشورته، فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله وجاهدوه في ملكه وهو أعرف بمناكح قومه، فإن أراد أن يزوّج زوّج وإن أراد أن يترك ترك وقد أوصيتهنّ بمثل ما ذكرت في كتابي هذا.."1

وفي وصيّته الأخرى بصدقة أرضه على أولاده عليه السلام:


"..فإن تزوّجت امرأة من ولد موسى فلا حقّ لها في هذه الصدقة حتّى ترجع إليها بغير زوج فإن رجعت كان لها مثل حظّ التي لم تتزوّج من بنات موسى.."2.
 
وبالتأمّل في هذه الروايات ربما يقال: إنّ الإمام الكاظم عليه السلام كان قد أوصى بأن لا تتزوّج إحدى بناته إلّا بإذن الرضا عليه السلام وذلك صيانة لنسل رسول الله أن يقرب منه من ليس كفؤاً له، والذي حثّت الشريعة المقدّسة على ملاحظته في أمر زواج المرأة.
 
 
 

1- الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 317.
2- المصدر السابق ج 7 ص 54.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

18

لمحة عن حياتها الشريفة

 خصوصاً أنّنا نرى هذا الأمر واضحاً في بنات الرسالة اللواتي تربّين في بيت النبوّة والإمامة فها هو الإمام الحسين عليه السلام يقول لابن أخيه الحسن بن الحسن المثنّى لمّا جاءه خاطباً إحدى بنتيه فاطمة أو سكينة وقال: اختر لي إحديهما فقال الحسين عليه السلام: "قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبهاً بأمّي فاطمة بنت رسول الله أمّا في الدّين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار وأمّا في الجمال فتشبه الحور العين وأمّا سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل!"1.

 
ومن المحتمل أن يكون بنو العبّاس قد رغبوا بالتزويج بهن ولعلّ كلام الرشيد وسؤاله الإمام عليه السلام عن سبب عدم تزويجه لبناته من أبناء عمومتهن وأكفائهنّ كان يريد به بني العبّاس والإمام لمكان التقيّة لا يمكن أن يجيبه بأنّ هؤلاء ليسوا أكفاء لهنّ فتعلّل له بما ذكر.
 
كما أنّ من المحتمل أنّ الإمام الكاظم عليه السلام كان يخشى من إخوة الإمام الرضا عليه السلام أن يقوموا بتزويج بناته من بعض الرجال غير الأكفاء فأوصى عليه السلام بأن يكون أمر تزويجهنّ بيد الإمام الرضا عليه السلام خوفاً من قهرهنّ على الزواج بمن لا يرغبن به أو بمن لا يلقن له.
 
وإلى هذا لعلّه الإشارة في وصيّة الإمام عليه السلام المتقدّمة فقد شدَّد فيها على الأخوة والسلطان فلاحظ.
فمن المحتمل أن يكون هذا أو ذاك سبباً لعدم زواجهنّ- والله العالم- ليضيف إلى مأساتهم واحداً من المحن والابتلاءات الكثيرة التي جرت على آل بيت النبوّة صلوات الله عليهم.
 
 


1- القمّي الشيخ عبّاس: الكنى والألقاب ج 2 ص 465.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

19

من المدينة المنورة إلى قم المقدسة

 في المدينة بعد شهادة أبيها عليه السلام:

 
عاشت صلوات الله عليها في أحضان أبيها الإمام الكاظم عليه السلام الذي كان أوصل الناس لأهله ورحمه1 وبعد سجن أبيها عليه السلام ترعرعت في كنف أخيها الإمام الرضا عليه السلام وقد عاصرت جملة من الأحداث التي مرَّت على أبيها الكاظم ومحنه وابتلاءاته العظيمة ومن بعدها ما جرى على أخيها الإمام الرضا عليه السلام.
 
فبعد شهادة أبيها الإمام الكاظم عليه السلام عانت من ظلم الرشيد أيضاً وتعرّضت للخوف والسلب مع باقي العلويّات والمخدّرات وذلك حينما خرج محمّد بن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام بالمدينة في خلافة الرشيد فبعث إليه الجلوديّ وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه وأن يُغِير على دُور آل أبي طالب وأن يسلب نساءهم ولا يدع على واحدة منهن إلّا ثوباً واحداً ففعل الجلوديّ ذلك. فصار إلى باب دار أبي الحسن الرضا عليه السلام وهجم على داره مع خيله فلمّا نظر إليه الرضا عليه السلام جعل النساء كلّهن في بيت ووقف على باب البيت فقال الجلوديّ لأبي الحسن عليه السلام: لا بدّ من أن أدخل البيت فأسلبهنّ كما أمرني أمير المؤمنين! فقال الرضا عليه السلام: "أنا أسلبهن لك وأحلف أنّي لا أدع عليهن شيئاً إلّا أخذته" فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتّى سكن فدخل أبو الحسن الرضا عليه السلام فلم يدع عليهن شيئاً حتّى أقراطهنّ وخلاخيلهنّ وأزرارهنّ إلّا أخذه منهنّ وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير2.
 



1- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 101.
2- الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 172.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

20

من المدينة المنورة إلى قم المقدسة

 ولا بدّ أنّها حزنت على أخيها الرضا عليه السلام-كبقيّة العلويّات- حينما غادر المدينة لمّا استدعاه المأمون إلى خراسان, فعن الوشّاء قال: قال لي الرضا عليه السلام: "إنّي حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتّى أسمع ثمّ فرّقت فيهم اثني عشر ألف دينار ثمّ قلت: أمَا إنّي لا أرجع إلى عيالي أبداً"1.

 
في سبب خروجها من المدينة وسفرها إلى قم:
وبعد أن أخرج المأمون الإمام الرضا عليه السلام من المدينة إلى خراسان واستقدمه لولاية عهده وبعد تولّي الإمام عليه السلام للعهد مكرهاً من قبل المأمون2 قصد الكثير من العلويّين خراسان ولكن أكثرهم لم يصل, خصوصاً بعد استشهاد الإمام عليه السلام وأمر المأمون الحكّام وأمراء البلاد بقتل أو القبض على كلّ علويّ.
 
كما أنّ بعض المصادر التاريخيّة تذكر: أنّ "أحمد بن موسى"3 أخا الإمام
 
 
 
 

1- سلسلة مجالس العترة, غريب خراسان ص 31- 32.
2- أنظر حول هذا الموضوع المصدر السابق.
3- قالوا فيه: كان كريماً جليلاً ورعاً وكان أبو الحسن موسى عليه السلام يحبّه ويقدّمه ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة، ويقال: إنّه رضي الله عنه أعتق ألف مملوك..وكانت أمّه من الخواتين المحترمات، تدعى بأمّ أحمد، وكان الإمام موسى عليه السلام شديد التلطّف بها، ولمّا توجّه من المدينة إلى بغداد، أودعها ودايع الإمامة..ولمّا شاع خبر وفاة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في المدينة اجتمع أهلها على باب أمّ أحمد، وسار أحمد معهم إلى المسجد ولِما كان عليه من الجلالة، ووفور العبادة ونشر الشرايع، وظهور الكرامات ظنّوا به أنّه الخليفة والإمام بعد أبيه فبايعوه بالإمامة، فأخذ منهم البيعة ثمّ صعد المنبر وأنشأ خطبة في نهاية البلاغة، و كمال الفصاحة، ثمّ قال: أيّها الناس كما أنّكم جميعاً في بيعتي فإنّي في بيعة أخي عليّ بن موسى الرضا واعلموا أنّه الإمام والخليفة من بعد أبي، وهو وليّ الله و الفرض عليّ وعليكم من الله ورسوله طاعته، بكلّ ما يأمرنا. فكلّ من كان حاضراً خضع لكلامه، وخرجوا من المسجد، يقدمهم أحمد بن موسى عليه السلام وحضروا باب دار الرضا عليه السلام فجدّدوا معه البيعة، فدعا له الرضا عليه السلام, وكان في خدمة أخيه مدّة من الزمان إلى أن أرسل المأمون إلى الرضا عليه السلام وأشخصه إلى خراسان وعقد له خلافة العهد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

21

من المدينة المنورة إلى قم المقدسة

 الرضا عليه السلام.. لمّا بلغه غدر المأمون بأخيه الرضا، وكان آنذاك في بغداد، خرج من بغداد للطلب بثأر أخيه، وكان معه ثلاثة آلاف من العلويّة. وقيل: اثنا عشر ألفاً. وبعد وقائع جرت بينه وبين "قتلغ خان"، الذي أمره المأمون فيهم بأمره، والذي كان عاملاً للمأمون على شيراز.. استشهد أصحابه، واستشهد هو، وأخوه "محمّد العابد" أيضاً..1.

 
ممّا يجعلنا لا نستبعد أن تكون السيّدة فاطمة عليها السلام قد خرجت في أحد هذه المواكب.., ولعلّه في أوّلها..
وقد روي عن كتاب تاريخ قمّ قصّة قدومها نقلاً عن مشايخ قمّ أنّه لمّا أخرج المأمون عليّ بن موسى الرضا عليه السلام من المدينة إلى المرو في سنة مئتين خرجت فاطمة أخته في سنة إحدى ومئتين تطلبه، فلمّا وصلت إلى "ساوة" مرضت..
 
 
 

وهو المدفون بشيراز المعروف بسيّد السادات، ويعرف عند أهل شيراز بشاه جراغ، وفي عهد المأمون (في الأعيان: وكان ساكناً في دار السلام بغداد ولمّا سمع قضيّة الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام الهائلة حزن كثيراً وبكى بكاءً شديداً وخرج من بغداد لطلب ثاره) قصد شيراز مع جماعة وكان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا عليه السلام فلمّا سمع به "قتلغ خان" عامل المأمون على شيراز توجّه إليه خارج البلد في مكان يقال له: "خان زينان"، على مسافة ثمانية فراسخ من شيراز، فتلاقى الفريقان ووقع الحرب بينهما، فنادى رجل من أصحاب "قتلغ": إن كان تريدون ثمّة الوصول إلى الرضا فقد مات، فحين ما سمع أصحاب أحمد بن موسى ذلك تفرّقوا عنه ولم يبق معه إلّا بعض عشيرته وإخوته، فلمّا لم يتيسّر له الرجوع توجّه نحو شيراز فاتبعه المخالفون وقتلوه حيث مرقده هناك.
وكتب بعض في ترجمته أنّه لمّا دخل شيراز اختفى في زاوية، واشتغل بعبادة ربّه، حتّى توفّي لأجله، ولم يطَّلع على مرقده أحد إلى زمان الأمير مقرّب الدّين مسعود بن بدر الدّين الذي كان من الوزراء المقرّبين لأتابك أبي بكر بن سعد بن زنكيّ فإنّه لمّا عزم على تعمير في محل قبره حيث هو الآن، ظهر له قبر وجسد صحيح غير متغيّر وفي أصبعه خاتم منقوش فيه "العزّة لله أحمد بن موسى" فشرحوا الحال إلى أبي بكر فبنى عليه قبّة..(أنظر: بحار الأنوار ج 48 ص 307 – 309, وهو ما ألحق بهذا الجزء مما اقتبس من كتاب تحفة العالم في شرح خطبة المعالم للسيد جعفر آل بحر العلوم, وانظر أيضاً: الأمين السيّد محسن: أعيان الشيعة ج 3 ص 192).
1- مرتضى السيّد جعفر: الحياة السياسيّة للإمام الرضا عليه السلام ص 428.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

22

من المدينة المنورة إلى قم المقدسة

 ويذكر بعض المحقّقين: أنّ هذه القافلة التي كانت تقصد خراسان، كانت تضمّ 22 علويّاً، وعلى رأسها السيّدة فاطمة أخت الرضا عليه السلام. فأرسل المأمون إلى هذه القافلة شرطته، فقتل وشرّد كلّ من فيها، وجرحوا هارون أخا الرضا عليه السلام، ثمّ هجموا عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه. وأمّا زعيمة القافلة السيّدة فاطمة بنت موسى عليهما السلام فيقال: إنّها هي الأخرى قد دسّ إليها السمّ في ساوة، ولهذا لم تلبث إلّا أيّاما قليلة واستشهدت1..

 
ولا يخلو هذا الكلام من بعد، فإنّ-المأمون-على ما يظهر- لم يتعرّض للعلويّين في حياة الإمام الرضا عليه السلام، وإنّما كان ذلك بعد شهادتهعليه السلام، والسيّدة فاطمة توفّيت قبل أخيها على ما يظهر من الروايات ومنها ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام نفسه في زيارتها وفضلها.
 
وعلى أيّ حال فإنّها في ساوة- على ما في تاريخ قمّ- سألت: كم بيني وبين "قمّ"؟ قالوا: عشرة فراسخ، فأمرت خادمها فذهب بها إلى قمّ وأنزلها في بيت موسى بن خزرج بن سعد.
 
قال: والأصح- من الروايات- أنّه لمّا وصل الخبر إلى آل سعد اتفقوا وخرجوا إليها لأن يطلبوا منها النزول في بلدة قمّ، فخرج من بينهم موسى بن خزرج، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وجرّها إلى قمّ وأنزلها في داره، فكانت فيها ستّة عشر يوماً ثمّ مضت إلى رحمة الله ورضوانه، فدفنها موسى بعد التغسيل والتكفين في أرض له، وهي التي الآن مدفنها وبنى على قبرها سقفاً من البواري إلى أن بَنَت زينب بِنْت الجواد عليه السلام عليها قبّة.
 
 
 

1- المصدر السابق ص 428.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

23

من المدينة المنورة إلى قم المقدسة

 ويروي أيضاً: أنّه لمّا توفّيت فاطمة - رضي الله عنها- وغسّلوها وكفّنوها ذهبوا بها إلى بابلان ووضعوها على سرداب حفروه لها، فاختلف آل سعد بينهم فيمن يدخل السرداب ويدفنها فيه، فاتفقوا على خادم لهم شيخ كبير صالح يقال له: "قادر" فلمّا بعثوا إليها رأوا راكبين سريعين متلثّمين يأتيان من جانب الرملة، فلمّا قربا من الجنازة نزلا وصلّيا عليها ودخلا السرداب وأخذا الجنازة فدفناها، ثمّ خرجا وركبا وذهبا ولم يعلم أحد مَن هما1...

 
ثمّ ماتت أم محمّد بنت موسى بن محمّد بن عليّ الرضا عليه السلام فدفنوها في جنب فاطمة- رضي الله عنها- ثمّ توفّيت ميمونة أختها فدفنوها هناك أيضاً وبنوا عليهما أيضاً قبّة، ودفنتْ فيها أمّ إسحاق جارية محمّد وأمّ حبيب جارية محمّد بن أحمد الرضا وأخت محمّد بن موسى2.
 
في سبب اختيارها قمّ ونزولها فيها:
 
تعتبر قمّ من المدن المعروفة بانتمائها للتشيّع وموالاتها لأهل البيت عليهم السلام3 وقد كان لها دور كبير في الدعوة لأهل البيت عليهم السلام والترويج لتراثهم ومذهبهم على مرّ التاريخ خصوصاً في العصور المتأخّرة حيث تضمّ أضخم حوزة علميّة للشيعة في العالم. بل إنّ الروايات تؤكّد أنّه سيكون
 
 
 

1- يحتمل بعضهم كون هذين الرجلين من المعصومين عليهم السلام, وذلك لما روي من أنّ "الصدّيق لا يغسّله إلّا صدّيق", كما في الكافي ج 1 ص 459: عن المفضّل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من غسّل فاطمة؟ قال: "ذاك أمير المؤمنين"- وكأنّي استعظمت ذلك من قوله- فقال: "كأنّك ضقت بما أخبرتك به؟" قال: فقلت: قد كان ذاك جعلت فداك، قال: فقال: "لا تضيقنّ فإنّها صدّيقة ولم يكن يغسّلها إلّا صدّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسّلها إلّا عيسى".
2- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 57 ص 219- 220.
3- في صورة الأرض لابن حوقل ص 315: وجميع أهل قمّ شيعة لا يغادرهم أحد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

24

من المدينة المنورة إلى قم المقدسة

  لها دور كبير في زمان ظهور صاحب العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. ولعلّه لهذا السبب اختارت السيّدة المعصومة عليها السلام النزول في قمّ, أو قبلت دعوة أهلها للنزول عندهم كما في الرواية الأخرى.

 
ولعلّه لهذا أيضاً مرَّ عليها الإمام الرضا عليه السلام حينما استدعاه المأمون إلى خراسان فإنّ موكب الإمام توجّه من المدينة إلى البصرة ولم يصل الكوفة، ومنها توجّه على طريق الكوفة إلى بغداد، ثمّ إلى قمّ ودخلها وتلقّاه أهلها وتخاصموا فيمن يكون ضيفه منهم. فذكر عليه السلام أنّ الناقة مأمورة فما زالت حتّى بركت على باب وصاحب ذلك الباب رأى في منامه أنّ الرضا عليه السلام يكون ضيفه في غد، فما مضى إلّا يسيراً حتّى صار ذلك الموضع مقاماً شامخاً وهو اليوم مدرسة مطروقة.
 
ونقل أنّ المأمون قال لريّان بن الصلت في حديث: ما أجد أحداً يعينني على هذا الأمر، أي اتخاذ عليّ بن موسى الرضا عليه السلام وليّ عهده. ثمّ قال- أي المأمون-: لقد هممت أن أجعل أهل قمّ شعاري ودثاري. ومن ذلك يُعلم شدّة تصلّبهم في ولاية الأئمّة عليهم السلام1.
 
 
 

1- القمّي المحدّث الشيخ عبّاس: سفينة البحار ج 7 ص 361.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

25

حول قم وفضلها

 حول قم وفضلها

قال ياقوت: قمّ: بالضمّ، وتشديد الميم..وهي مدينة مستحدثة إسلاميّة لا أثر للأعاجم فيها، وأوّل من مصّرها طلحة بن الأحوص الأشعريّ.. ثمّ حكى عن البلاذريّ قوله: لمّا انصرف أبو موسى الأشعريّ من نهاوند إلى الأهواز فاستقراها ثمّ أتى قمّ فأقام عليها أيّاماً وافتتحها، وقيل: وجّه الأحنف بن قيس فافتتحها عنوة، وذلك في سنة 23 للهجرة، وذكر بعضهم أنّ قمّ بين أصبهان وساوة، وهي كبيرة حسنة طيّبة وأهلها كلّهم شيعة إماميّة، وكان بدء تمصيرها في أيّام الحجّاج بن يوسف سنة 83، وذلك أنّ عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بن قيس كان أمير سجستان من جهة الحجّاج ثمّ خرج عليه وكان في عسكره سبعة عشر نفساً من علماء التابعين من العراقيّين فلمّا انهزم ابن الأشعث ورجع إلى كابل منهزماً كان في جملته إخوة يقال لهم: عبد الله والأحوص وعبد الرحمن وإسحاق ونعيم وهم بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعريّ وقعوا إلى ناحية قمّ وكان هناك سبع قرى اسم إحداها كمندان، فنزل هؤلاء الإخوة على هذه القرى حتّى افتتحوها وقتلوا أهلها واستولوا عليها وانتقلوا إليها واستوطنوها واجتمع إليهم بنو عمّهم وصارت السبع قرى سبع محال بها وسمّيت باسم إحداها وهي كمندان فأسقطوا بعض حروفها فسمّيت بتعريبهم قمّاً، وكان متقدّم هؤلاء الإخوة عبد الله بن سعد وكان له ولد قد ربي بالكوفة فانتقل منها إلى قمّ وكان إماميّاً فهو الذي نقل التشيّع إلى أهلها1..
 
وأوّل من انتقل من الكوفة إلى قمّ من السادات الرضويّة كان أبو جعفر 
 
 
 

1- الحمويّ ياقوت: معجم البلدان ج 4 ص 397- 398.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

26

حول قم وفضلها

 موسى بن محمّد بن عليّ الرضا عليهم السلام في سنة ستّ وخمسين ومائتين وكان يسدل على وجهه برقعاً دائماً فأرسلت إليه العرب أن اخرج من مدينتنا وجوارنا، فرفع البرقع عن وجهه فلم يعرفوه فانتقل عنهم إلى كاشان فأكرمه أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجليّ فرحّب به، وألبسه خلاعاً فاخرة، وأفراساً جياداً ووظّفه في كلّ سنة ألف مثقال من الذهب وفرساً مسرجاً. فدخل قمّ بعد خروج موسى منه أبو الصديم الحسين بن عليّ بن آدم ورجل آخر من رؤساء العرب وأنّبهم على إخراجه فأرسلوا رؤساء العرب لطلب موسى وردوه إلى قمّ واعتذروا منه وأكرموه..فأتته أخواته زينب، وأمّ محمّد، وميمونة بنات الجواد عليه السلام ونزلن عنده فلمّا متن دفنّ عند فاطمة بنت موسى عليهما السلام وأقام موسى بقمّ حتّى مات ليلة الأربعاء لثمان ليال بقين من ربيع الآخر سنة ستّ وتسعين ومائتين، ودفن في داره وهو المشهد المعروف اليوم1.

 
وقد وردت في فضل قمّ وأهلها روايات كثيرة نقلها العلّامة المجلسيّ قدّس سرّه في البحار عن كتاب تاريخ قمّ تأليف الحسن بن محمّد بن الحسن القمّي نذكر بعضاً منها:


عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "إذا عمّت البلدان الفتن فعليكم بقمّ وحواليها ونواحيها، فإنّ البلاء مدفوع عنها".


وعنه عليه السلام أيضاً قال: "إذا عمّت البلايا فالأمن في كوفة ونواحيها من السواد وقمّ من الجبل، ونعم الموضع قمّ للخائف الطائف".
 
 
 

1- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 50 ص 160- 161. نقله عن الحسن بن عليّ القمّي في ترجمة تاريخ قمّ نقلاً عن الرضائيّة للحسين بن محمّد بن نصر.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

27

حول قم وفضلها

 وعنه عليه السلام أيضاً قال: "أهل قمّ أنصارنا".

 


وعنه عليه السلام أيضاً قال: "إذا أصابتكم بليّة وعناء فعليكم بقمّ، فإنّه مأوى الفاطميّين، ومستراح المؤمنين وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبّونا عنّا ويبعدون منّا، وذلك مصلحة لهم لكيلا يعرفوا بولايتنا، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم. وما أراد أحد بقمّ وأهله سوءاً إلّا أذلّه الله وأبعده من رحمته".

وعن سليمان بن صالح قال: كنا ذات يوم عند أبي عبد الله عليه السلام فذكر فتن بني عبّاس وما يصيب الناس منهم فقلنا: جعلنا فداك، فأين المفزع والمفرّ في ذلك الزمان؟ فقال: "إلى الكوفة وحواليها وإلى قمّ ونواحيها". ثمّ قال: "في قمّ شيعتنا وموالينا، وتكثر فيها العمارة، ويقصده الناس ويجتمعون فيه حتّى يكون الجمر بين بلدتهم". وفي بعض روايات الشيعة أنّ قمّ يبلغ من العمارة إلى أن يشترى موضع فرس بألف درهم.

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال -في حديث - لرجل: "أهل قمّ مغفور لهم". قال: فوثب الرجل على رجليه وقال: يا ابن رسول الله هذا خاصّة لأهل قمّ؟ قال: "نعم ومن يقول بمقالتهم". 

وعن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: "سلام الله على أهل قمّ. يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدّل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة".

وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "تربة قمّ مقدّسة وأهلها منّا ونحن منهم لا يريدهم جبّار بسوء إلّا عجلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم! فإذا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

28

حول قم وفضلها

  فعلوا ذلك سلّط الله عليهم جبابرة سوء! أما إنّهم أنصار قائمنا ودعاة حقّنا". ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال: "أللهم اعصمهم من كلّ فتنة ونجّهم من كلّ هلكة". 

 
وعن صفوان بن يحيى بيّاع السابريّ قال: كنت يوماً عند أبي الحسن عليه السلام فجرى ذكر قمّ وأهله وميلهم إلى المهديّ عليه السلام فترحّم عليهم وقال: "رضي الله عنهم". ثمّ قال: "إنّ للجنّة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قمّ، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، خمر الله تعالى ولايتنا في طينتهم".
 
وعن أبي الحسن الأوّل (الكاظم) عليه السلام قال: "قمّ عشّ آل محمّد ومأوى شيعتهم...".
وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: "إنّ للجنّة ثمانية أبواب، ولأهل قمّ واحد منها، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، ثمّ طوبى لهم".
 
وتشير بعض الروايات إلى دور قمّ وأهلها أيضاً في بعض الأحداث الهامّة فقد جاء عن أبي الحسن الأوّل (الكاظم) عليه السلام أنّه قال: "رجل من أهل قمّ يدعو الناس إلى الحقّ، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، ولا يملّون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكّلون، والعاقبة للمتّقين".
 
قال بعض المحقّقين: ولم تذكر الرواية متى يكون هذا الرجل المبشّر به وأصحابه، ولكن لم يعهد في تاريخ قمّ وإيران رجل وقومه بهذه الصفات قبل الإمام الخمينيّ وأصحابه1.


وروى بعضهم أنّه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالساً إذ قرأ هذه 
 
 
 
 

1- الكوراني الشيخ علي: عصر الظهور ص 165.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

29

حول قم وفضلها

 الآية ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً﴾ فقلنا: جعلنا فداك، من هؤلاء؟ فقال ثلاث مرّات: "هم والله أهل قمّ"1.

 
قال بعض المحقّقين: وقد وردت في قمّ وفضلها ومستقبلها أحاديث عن أهل البيت عليهم السلام يظهر منها أنّ لقمّ مكانة خاصّة عندهم عليهم السلام بل إنّ قمّاً مشروع أسسه الأئمّة في وسط إيران على يد الإمام الباقر سنة 73 هجريّة، ثمّ رعوها رعاية خاصّة، وأخبروا بما عندهم من علوم جدّهم رسول الله أنّها سيكون لها شأن عظيم في المستقبل، ويكون أهلها أنصار المهديّ المنتظر أرواحنا فداه. وتنصّ بعض الأحاديث على أنّ تسميتها بقمّ جاءت متناسبة مع اسم المهديّ القائم بالحقّ أرواحنا فداه، ومتناسبة مع قيام أهلها ومنطقتها في التمهيد له ونصرته2.
 
فعن عفّان البصريّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: "أتدري لم سمّي قمّ؟" قلت: ألله ورسوله وأنت أعلم. قال: "إنّما سمّي قمّ لأنّ أهله يجتمعون مع قائم آل محمّد- صلوات الله عليه- ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه"3.
 
 
 

1- المجلسي: بحار الأنوار ج 57 ص 216.
2- الكوراني الشيخ علي: عصر الظهور ص 166.
3- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 57 ص 216.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

30

حول قم وفضلها

 حول الأشعريين من أهل قّم وفضلهم:

 
وكان أكثر أهل قمّ من الأشعريّين، وقد روي عن رسول الله أنّه قال في حقّهم: "أللهم اغفر للأشعريّين صغيرهم وكبيرهم".


وعنه: "الأشعريّون منّي وأنا منهم". 
 
ومن مفاخرهم أنّ أوّل من أظهر التشيّع بقمّ موسى بن عبد الله بن سعد الأشعريّ.
 
ومنها أنّه قال الرضا عليه السلام لزكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعريّ: "إنّ الله يدفع البلاء بك عن أهل قمّ كما يدفع البلاء عن أهل بغداد بقبر موسى بن جعفر عليهما السلام".
 
ومنها أنّهم وقفوا المزارع والعقارات الكثيرة على الأئمّة عليهم السلام.
 
ومنها أنّهم أوّل من بعث الخمس إليهم.
 
ومنها أنّهم عليهم السلام أكرموا جماعة كثيرة منهم بالهدايا والتحف والأكفان كأبي جرير زكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم، وعيسى بن عبد الله بن سعد وغيرهم ممّن يطول بذكرهم الكلام، وشرّفوا بعضهم بالخواتيم والخلع..
 
ومنها أنّ الصادق عليه السلام قال لعمران بن عبد الله (الأشعريّ): "أظلّك الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه"1.



1- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 57 ص 212- 221.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

31

قم والحوزة العلمية

 إنّ لبلدة قمّ تاريخاً عريقاً، ومفاخر كبيرة، وخدمات جليلة في مجال العلم والفقه، فقد خرج منها علماء عظماء، ومحدّثون كبار، قاموا بحفظ معالم الدّين، وأسّسوا مسيرته العلميّة والفقهيّة وأحكموها.


وتعتبر مدينة قمّ المقدّسة مركزاً لتحصيل العلوم الدينيّة منذ القرن الهجريّ الأوّل حينما دخلها الأشعريّون وأقاموا بها. ويبرز بين الفترة والأخرى منها علماء عظام وتأسّست فيها مدارس. ومن هؤلاء المحدّثين والفقهاء: أبو جرير، وزكريا بن إدريس، وزكريا بن آدم، وعيسى بن عبد الله، وإبراهيم بن هاشم، وابنه عليّ بن إبراهيم المحدّث والمفسّر الكبير، ومحمّد بن الحسن الصفّار، وعليّ بن إبراهيم القمّي، والشيخ الصدوق، والقطب الراونديّ، والميرزا القمّي. وكان لإبراهيم بن هاشم الدور الكبير في نقل العلوم إلى قمّ، فقد قيل: إنّه أوّل من نشر أحاديث الكوفيّين بقمّ، وكان شيخ القمّيين ووجههم، وقيل:
 
إنّه لقي الرضا عليه السلام. وكذا ابنه عليّ بن إبراهيم القمّي صاحب التفسير، فإنّه من أجلّ رواة أصحابنا، ونقل المشايخ الثلاثة- الصدوق والكلينيّ والطوسيّ-أكثر رواياتهم عنه، ونقل هو الكثير من رواياته عن أبيه، وكان في عصر الإمام العسكريّ عليه السلام عليّ بن بابويه القمّي شيخ القمّيين في عصره، وفقيههم ومتقدّمهم وثقتهم، وبيته في قمّ من أعظم بيوت الشيعة، قد نبغ منه جماعة كثيرة من أساطين العلم، وخرج منه عدّة من روّاد الفضيلة وحملة الحديث والفقه، ومنهم ولده الشيخ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

32

قم والحوزة العلمية

 الصدوق، وابنه الآخر الحسين. ويكفي في تعريفه ما كتب إليه الإمام العسكريّ عليه السلام ما نصّه: "يا شيخي ومعتمدي وفقيهي"1.

 
وفي العهد الصفويّ بنيت فيها مدراس علميّة متعدّدة وكذلك في زمان القاجاريّين حيث كان العالم الكبير الميرزا القمّي أعلى الله مقامه أبرز علماء ذلك الزمان.
 
إلى أن قدم المرحوم الحاج الشيخ عبد الكريم الحائريّ في سنة 1340 هجريّة من مدينة أراك في إيران إلى مدينة قمّ وأسّس الحوزة العلميّة وعرف بأنّه المؤسّس لها في العصر الأخير2. ثمّ استمرّ تدفّق العلماء إليها خصوصاً بعد ضعف الحوزة العلميّة في النجف الأشرف بسبب ما طرأ عليها في العقود المتأخّرة من أحداث مؤسفة.
 
يقول الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظلّه:
"واليوم إنّ مركز المعرفة للعالم الإسلاميّ هو مدينة قمّ فقد أضحت قمّ كما كانت في ذلك العصر قلباً فعّالاً ونشطاً يمكنها أن تضخّ المعرفة والبصيرة واليقظة في كلّ أرجاء جسد الأمّة الإسلاميّة. في ذلك الزمان أصدرت قمّ أوّل الكتب الفقهيّة وكتب معارف الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام. وبواسطة حوزة قمّ أُلّفت الكتب الأساسيّة التي يعتمد عليها الفقهاء والعلماء والمحدّثون مثل كتاب "نوادر الحكمة" لمحمّد بن أحمد بن يحيى وكتاب "بصائر الدرجات" للصفّار وكتاب "الشرائع" لعليّ بن
 
 
 
 

1- أنظر: مقدّمة غنائم الأيّام للميرزا القمّي ج 1 ص 29- 30.
2- الاشتهارديّ محمّد محمّدي: حضرت معصومة عليها السلام فاطمة دوم- فارسي- ص 84.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

33

قم والحوزة العلمية

 بابويه القمّي وكتاب "المحاسن" للبرقيّ وكتب أحمد بن محمّد بن عيسى وعشرات بل ومئات الكتب الأخرى كلّ هذه الكتب أُعدّت وأُنتجت في هذا المركز المعرفيّ. هنا تربّت وترعرت شخصيّات كانت عندما تسافر إلى أقطار العالم الإسلاميّ تحوّل محافلها إلى محافل تفيض بالعلم والمعرفة. كان الشيخ الصدوق رضوان الله عليه من الجيل الثالث والرابع لهذه الحركة العظيمة عندما سافر إلى بغداد- التي كانت مركز الشيعة ومركز الحديث- جلس تحت منبره العلماء والفضلاء ونهلوا منه. لهذا كما تلاحظون إنّ الشيخ الصدوق هو أستاذ المفيد وشيخه رضوان الله عليهما.


لهذا أضحت قمّ مركزاً وهي كذلك اليوم وعلى مرّ الأزمنة هاجر إلى قمّ عشرات الآلاف من طلاب وعاشقي معارف أهل البيت عليهم السلام تعلّموا وتلقّوا المعرفة وواجهوا الكثير من المشاكل بإرادة صلبة وهم يتطلّعون إلى الأهداف العليا والمعنويّة, وتقدّموا على الطريق غير عابئين بالصعاب.

لعلّه لا نجد إلّا القليل من المدن في العالم بل ربما لا نجد مدينة فيها هذا العدد الكبير من الذين يسعون لتحصيل المعارف الدينيّة والعرفان والمعنويّات والسلوك الجماعيّ من النساء والرجال المشغولين في السعي والعمل والمجاهدة المعنويّة والعلميّة والثقافيّة في آناء الليل وأطراف النهار. هذه هي حوزة قمّ اليوم مع ما تتمتّع به من موقعيّة عالميّة ممتازة وهذه أيضاً من سوابق هذه المدينة التي تأسّست فيها أوّل حوزة أساسيّة ومهمّة للتشيّع نهل من نبع فيضها أعاظم العلماء كالشيخ الكلينيّ والشيخ الصدوق
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

34

قم والحوزة العلمية

 وآخرون حيث كانت آثارهم حافظة لمعارف أهل البيت عليهم السلام على امتداد القرون"1.

 
ويوجد في الروايات ما يشير إلى الدور العلميّ لمدينة قمّ في زمان الغيبة, وصيرورتها حجّة على سائر البلاد, فقد روي عن الصادق عليه السلام أنّه ذكر الكوفة وقال: "ستخلو كوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحيّة في جحرها، ثمّ يظهر العلم ببلدة يقال لها قمّ، وتصير معدناً للعلم والفضل حتّى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدّين حتّى المخدّرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قمّ وأهله قائمين مقام الحجّة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حجّة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب، فيتمّ حجّة الله على الخلق حتّى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدّين والعلم، ثمّ يظهر القائم عليه السلام ويصير سبباً لنقمة الله وسخطه على العباد، لأنّ الله لا ينتقمّ من العباد إلّا بعد إنكارهم حجّة"2.
 
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ الله احتجّ بالكوفة على سائر البلاد وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد واحتجّ ببلدة قمّ على سائر البلاد، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجنّ والإنس، ولم يدع الله قمّ وأهله مستضعفاً بل وفّقهم وأيّدهم إلى أن قال: "..إنّ البلايا مدفوعة عن قمّ وأهله، وسيأتي زمان تكون بلدة قمّ وأهلها حجّة على الخلائق، وذلك 
 
 
 

1- المركز الإسلاميّ للتبليغ, خطاب الوليّ عند لقائه طلاب وأساتيذ الحوزة العلميّة, قمّ المقدسة- 13 ذي القعدة 1431 هـ.
2- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 57 ص 213.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

35

قم والحوزة العلمية

 في زمان غيبة قائمنا عليه السلام إلى ظهوره ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، وإنّ الملائكة لتدفع البلايا عن قمّ وأهله، وما قصده جبّار بسوء إلّا قصمه قاصم الجبّارين وشغله عنهم بداهية أو مصيبة أو عدوّ، وينسي الله الجبّارين في دولتهم ذكر قمّ وأهله كما نسوا ذكر الله"1.

 
 
 

1- المصدر السابق ج 57 ص 212- 213.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

36

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 قبّة الحرم:

أول قبة بنيت- بعد المظلّة الحصيرية التي وضعها بن خزرج- على قبر فاطمة المعصومة عليها السلام هي قبة برجيّة الشكل بنتها السيدة زينب بنت الإمام الجوادعليه السلام في أواسط القرن الثالث الهجريّ القمريّ وكانت مصنوعة من اللبن والحجر والجصّ.

وبعد فترة من الزمن دفنت بعض السيّدات العلويّات بجوار فاطمة عليها السلام فبُنيت قبّتان إلى جانب القبّة الأولى.
وبقيت هذه القباب الثلاث حتّى سنة 447هـ حيث بني "المير أبو الفضل العراقيّ" وزير طغرل الكبير- بدل القباب الثلاث- بترغيب من الشيخ الطوسيّ  قدس سره قبّة عالية مزيّنة بالنقوش الملوّنة والطابوق والكاشيّ المزين بدون إيوان وحجرات وتضمّ تحتها قبور جميع العلويّين لا سيّما قبر السيّدة معصومة عليها السلام.

وفي سنة 925هـ تمّ تجديد بناء هذه القبّة باهتمام من الملكة (شاه) بيكي بيكم وزوجة الملك (شاه) إسماعيل وزين السطح الخارجيّ لها بالفسيفساء. وكذلك تمّ بناء ايوان عالٍ مع منارتين في الصحن العتيق.

وفي سنة 1218 هـ، أي في حكم الملك فتح علّي شاه القاجاريّ تمّ تزيين القبّة المطهّرة بالصفائح الذهبيّة وقد بقي ذلك حتّى سنة 1421هـ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

37

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 وفي سنة 1422هـ بسبب ظهور آثار القِدَم على ظاهر القبة أقدام المتولّي للروضة على تجديد بنائها وترميمها بعد أن جُمعت الصفائح الذهبيّة القديمة لكي تُبدل وتغيّر، وكلّف هذا المشروع 15 مليارد ريال إيرانيّ. وتم ذلك في سنة 1426هـ.


الضريح المطهّر:
في سنة 965هـ قام الملك طهماسب الصفويّ ببناء ضريح حول الأطراف الأربعة للقبر المطهّر باللبن المزيّن بالكاشي الملوّن والفسيفساء والقطع المكتوبة بها، وترك في جوانبه منافذ مفتوحة لكي يحظى الزائرون بالنظر الى القبر الشريف ويلقون بنذورهم داخل الضريح.

وبعد عدّة سنوات أمر الملك الصفويّ باستبدال الضريح بالفولاذ الأبيض المصقول والشفّاف وفي سنة 1230 هـ قام الملك فتح علّي شاه بتزيين الضريح المذكور بالفضّة وبعد أن أصابه التلف بمرور الزمان وفي سنة 1280هـ. ق وضع ضريح جديد بلمسات فنيّة جميلة بأمر من المتولّي في سنة 1390هـ وفي الشهر الثاني عشر لسنة 1422 هـ تمّ اصلاحه وترميمه بشكل أساسيّ بأمر من المتولّي للروضة.

إيوان الذهب (إيوان طلا):
كما مرّ تمّ بناء إيوان الذهب وكذا الإيوانين الصغيرين اللذين بجانبه في شمال الروضة المقدسة سنة 925هـ باهتمام من الملكة بيكي بيكم. وفي سنة 1429هـ. ش تم إصلاحه وترميمه وتذهيبه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

38

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 إيوان المرايا (إيوان آيينه):

يسمّى هذا الإيوان بإيوان المرايا لأنّه مزين بالمرايا. وهذه الآثار الفنية الرائعة هي من أعمال الفنان الشهير في العهد القاجاريّ "الأستاذ حسن المعمار القمّي" وقد تمّ إنجازها عند بناء الصحن الجديد بأمر الصدر الأعظم "الميرزا علّي أصغرخان أتابك". وتمّ إصلاحه و ترميمه في سنة 1422هـ.

الصحن الجديد (الأتابكي):
يقع هذا الصحن في جنوب الحرم فهو صحن جميل له أربعة إيوانات:
الإيوان الشماليّ هو المدخل من ميدان الآستانة. والجنوبيّ هو المدخل من طرف القبلة.

والشرقيّ هو المدخل من شارع إرم. والغربيّ هو إيوان المرايا. وقد زيّنت هذه الإيوانات وفيها آثار فنيّة واضحة.
وقد كان لوجود هذه الإيوانات لاسيّما إيوان المرايا وكذلك وجود الحوض في وسط الصحن المطهّر أثر كبير في جمال هذا المكان المقدّس.

وقد بنى هذا الصحن "الميرزا علّي أصغرخان أتابك الصدر الأعظم" وقد استمرّ فيه العمل منذ سنة 1295هـ حتّى سنة 1303هـ.

الصحن العتيق(القديم):
يُعتبر الصحن العتيق. الواقع شمال الروضة المباركة. أوّل بناء بُني في الحرم. ويضم هذا الصحن أربعة إيوانات جميلة:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

39

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 أحدها الإيوان الواسع في الجنوب وهو إيوان الذهب (مدخل الصحن إلى الروضة المطهّرة). والثاني الإيوان في الشمال وهو مدخل المدرسة الفيضية إلى الصحن العتيق للصحن الجديد.


وهذا الصحن مع صغره فإنّه يضم حجرات عديدة في جوانبه. وقد قامت ببنائه الملكة بيكي بيكم سنة 925م.
وقد وقع في سنة 1419 هـ ترميمات أساسيّة في هذا الصحن والمقابر الموجودة في أطرافه بأمر المتولّي للروضة المقدّسة.

مسجد "بالا سر" (الواقع جانب الرأس الشريف):
يعتبر هذا المسجد في العهد الصفويّ بمثابة دار الضيافة في الروضة وقد تمّ تجديد بنائه في العهد القاجاريّ وهو يعدّ أكبر مكان ذي سقف من أماكن الروضة.
وفي سنة 1338 هـ ضمّ إليه الأرض في الجهة الغربيّة من المسجد لما زاد في مساحته. وعندما بني المسجد الأعظم بشكله الواسع لم يكن البناء القديم لهذا المسجد (بين البناء الكبير للحرم المطهر ومسجد الأعظم الجديد) ذا مظهر مناسب فقام المتولي للروضة آنذاك بتجديد بنائه وبنى لمكانه بناء عاليا يعدّ اليوم من أروع الأماكن في الحرم المطهر.

مسجد الطباطبائيّ:
لهذا المسجد قبة ذات خمسين اسطوانة وقد بُني مكان صحن النساء "القديم" جنوب الروضة المطهّرة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

40

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 وقد بناه المرحوم "حجّة الإسلام الحاج محمّد الطباطبائيّ ابن المرحوم آية الله حسين القمّي" وقد استمرّ العمل فيه منذ سنة 1360 هـ حتّى سنة 1370 هـ.


مسجد الشهيد المطهريّ:
بني هذا المسجد مكان المتحف السابق وقد زُيّن بالكاشي الجديد الجميل المظهر وكان في هذا المسجد قبور العلماء والمراجع.

ملاحظة: تسمّى هذه الأماكن بالمساجد من باب إطلاق اسم المسجد عليها فقط، ولا تشملها الأحكام الخاصّة بالمسجد، فهي أروقة للحرم الشريف ولذا دفن في هذه الأروقة العلماء والمراجع.

رواق الإمام الخمينيّ قدس سره:
تبلغ مساحة هذا الرواق 8 آلاف متر مربّع تقريباً مع المداخل من الجهات الأربع، من جهة الشرق يتّصل بشارع إرم ومن جهة الجنوب بشارع جديد الإحداث ومن جهة الغرب بصحن صاحب الزمان ومن جهة الشمال بالحرم المطهّر.

صحن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف:
هذا الصحن مع البيوتات المتعلّقة به، يشكّل مساحة يبلغ حدودها 8 آلاف متر مربّع وله مداخل من الجهات الأربع من ناحية الشرق يتّصل برواق الإمام الخمينيّ قدس سره ومن الغرب بجسر آهنجي (بل آهنجي) ومن الشمال خلف مسجد الأعظم ومن الجنوب بالشارع الجديد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

41

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 رواق السيّدة نجمة خاتون سلام الله عليها:

هذا الرواق يقع في السرداب من صحن الإمام الخمينيّ قدس سره تحديداً بمساحة تبلغ 8 آلاف متر مربّع وظاهر هندسيّ حديث.

والملفت للنظر أنّ سطح هذا الرواق أخفض من سطح النهر المجاور للحرم وذلك لكي يتّصل صفوف الجمعة والجماعة في سطح النهر بجماعة الحرم إذا أقيمت الجماعة فيه يوماً ما. وهذا ما يشير إلى مدى تفكير المهندسين والمسؤولين بالخطّة المستقبليّة للحرم الشريف والاهتمام بالزائرين.

نبذة مختصرة عن المسجد الأعظم:
يعد المسجد الأعظم من الآثار الدينيّة البارزة التي تمّ تأسيسها على يد مرجع الشيعة آية الله العظمى البروجرديّ  قدس سره. ويقع هذا المسجد بجانب الحرم المطهّر للسيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام.

وُضع الحجر الأساس لبناء هذا المسجد في اليوم الحادي عشر من شهر ذي القعدة ذكرى ولادة الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام المصادف للحادي والعشرين من شهر تير سنة 1375هـ.

وفي سنة1382هـ أقيمت فيه صلاة الجماعة والشعائر الأخرى. وتمّ بناء المسجد بطراز العمارة الإسلامية ويضمّ أربعة أروقة وثلاثة إيوانات عالية مزيّنة ويضمّ أيضاً قبّة كبيرة قطرها 30 متراً وارتفاعها 15 متراً عن سطح المسجد و 35 متراً عن أرض الرواق وفيه أيضاً منارات بارتفاع 5 أمتار
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

42

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 وكذلك فيه برج يحمل ساعة جميلة ذات أجراس ويقع البرج في شمال المسجد ويرى من الجهات الأربع:


بعد انتصار الثورة الإسلامية ونظراً لتزايد الإقبال على زيارة قبر السيّدة فاطمة المعصومةعليها السلام والحاجة الماسّة لوجود المكان الأوسع فقد تمّ إلحاق مسجد الأعظم بالحرم المطهّر فأزيل الجدار الحائل بينهما في أواخر شهر رمضان المبارك سنة 1413هـ وأصبح المسجد تابعاً للحرم المطهّر.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه طبقاً لموافقة القائد المعظّم فإنّ المسؤولين في الروضة المقدسة قاموا بحفظ موقوفات المسجد ومتعلّقاته وتأمين رواتب العاملين فيه. ويلقي أكثر مراجع التقليد دروسهم التفسيريّة والفقهيّة والأصوليّة في هذا المسجد خلال أيّام الدراسة، كما تقام فيه صلاة الجماعة والمراسم الأخرى.

بعض الشخصيّات التي دفنت في الحرم المطهر

رواق بالاسر(الرواق جانب الرأس الشريف)
سماحة المراجع: السيّد حسين الطباطبائيّ البروجرديّ- الشيخ عبد الكريم الحائريّ اليزديّ- السيّد محمد تقيّ الخوانساريّ- السيّد صدر الدين الصدر- السيّد محمّد رضا الكلبايكانيّ- الشيح محمّد علّي الأراكيّ- السيّد رضا بهاء الدينيّ- الشيخ جواد التبريزيّ- الشيخ علّي فيض المشكينيّ- الشيخ محمّد فاضل اللنكرانيّ- السيّد أحمد الخوانساريّ- العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ- السيّد أبو الحسن الرفيعيّ القزوينيّ- الشيخ أبو القاسم القميّ- الشيخ محمّد تقيّ البافقي- روح الله كمالوند- ميرزا هاشم 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

43

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 الآمليّ- عبد النبيّ العراقيّ- السيّد مصطفى الخوانساريّ- الشيخ محمّد تقيّ البهجة- شهاب الدين الإشراقيّ- السيّد محمّد الأنكجيّ- السيّد مرتضى بسنديده- السيّد مهدي الحكيم- الشيخ محمّد جواد صافي الكلبايكانيّ- الشهيد أسد الله المدنيّ- السيّد عبّاس المهريّ و...


رواق المطهري
الشهيد مرتضى المطهريّ - السيّد حسين البدلا- محسن الحرم بناهي - أبو الفضل الخوانساريّ- السيّد مهدي الروحانيّ- السيّد محمّد صادق الطباطبائيّ- السيّد عبد الكريم الكشميريّ- إسماعيل الموسويّ - أحمدي الميانجيّ- العلّامة السيّد مرتضى العسكريّ- عبّاس خاتم اليزديّ- مرتضى بني فضل- حسن تهرانيّ- الشيخ علّي سعادات برور(بهلوانيّ)- الشيخ علّي بناه الإشتهارديّ- محمّد هادي المعرفت و....

رواق الطباطبائي
الشهيد ربّاني الآملشيّ- الشهيد الربّاني الشيرازيّ- الشهيد علّي القدوسيّ- غلامرضا القمّي- الشهيد عبّاس الشيرازيّ- إسماعيل الصالحيّ المازندرانيّ- محمد تقيّ ستوده- قدرت الله وجدانيّ فخر- السيّد أبو طالب المدرّسي اليزديّ- الشهيد فضل الله المحلّاتي- الشهيد محمّد المنتظريّ- حسين عليّ المنتظريّ و... 

الصحن الكبير
قطب الدين الراونديّ- فضل الله النوريّ- أحمد الآذريّ القمّي-
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

44

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 عبّاس علّي الطسوجيّ- حسن النوريّ- حسين الحرم بناهي- عبد الرحمن الحيدريّ الإيلاميّ- صادق الخلخاليّ- الشهيد محمّد جواد الديالمه- مصطفى الزمانيّ- محمّد محقّق الداماد- أحمد السيبويه- السيّد أحمد الزنجانيّ- السيّد رضا الصدر- الشهيد مهدي العراقيّ- الشهيد القرنيّ- السيّد محمّد الكوثريّ- السيّد عزيز الطباطبائيّ- الشهيد دكتر مفتّح- الشاعرة بروين الإعتصاميّ و...

 
الصحن العتيق 
الحاج إسماعيل الدولابيّ- علّي الدوانيّ- الفيض القمّي- السيّد مرتضى اللنكروديّ- السيّد مرتضى المرعشيّ النجفيّ- السيّد صدر الدين الحائريّ- السيّد صادق شمس الدينيّ- هاشم التقديريّ و..1
 
 
 

1- أخذنا هذا الفصل من معين الزائر الصادر عن إدارة العلاقات الدولية- الروضة المعصومية المقدّسة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

45

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 زيارتها:

قال العلّامة المجلسيّ قدّس سرّه: "إعلم أنّ المشاهد المنسوبة إلى أولاد الأئمّة الهادية والعترة الطاهرة وأقاربهم صلوات الله عليهم، يستحبّ زيارتها والإلمام بها، فإنّ في تعظيمهم تعظيم الأئمّة وتكريمهم.." ثمّ ذكر من بين المعروفين منهم بالجلالة السيّدة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام1. كما نصّ على استحباب زيارتها أيضاً الشيخ محمّد حسن صاحب الجواهر2.
 
وقد وردت روايات عديدة تحثّ على زيارتها فعن ابن الرضا - الإمام الجواد عليه السلام - أنّه قال: "من زار قبر عمّتي بقمّ فله الجنّة"3.
 
وعن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن زيارة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام، فقال: "من زارها فله الجنّة"4.
 
وعن الحسن بن محمّد بن الحسن القمّي في تاريخ قم: روى عدّة من أهل الريّ، أنّهم دخلوا على أبي عبد الله عليه السلام وقالوا: نحن من أهل الري، فقال عليه السلام: "مرحباً بإخواننا من أهل قمّ"، فقالوا: نحن من أهل الريّ، فأعاد عليه السلام الكلام، قالوا ذلك مراراً، وأجابهم بمثل ما أجاب به أوّلاً، فقال: "إنّ لله حرماً وهو مكّة، وإنّ للرسول حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين 
 
 
 

1- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 99 ص 273.
2 النجفيّ الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج 20 ص 103.
3- ابن قولويه: كامل الزيارات ص 536.
4- الصدوق: عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 299.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

46

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 عليه السلام حرماً وهوالكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قمّ، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنّة". قال الراوي: وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام.

 
وفيه أيضاً: وفي رواية أخرى، عن الصادق عليه السلام: إنّ زيارتها تعادل الجنّة.1
 
وعن سعد عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، قال: قال: "يا سعد عندكم لنا قبر"، قلت: جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى عليهما السلام؟ قال: "نعم، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة، فإذا أتيت القبر فقمّ عند رأسها مستقبل القبلة، وكبّر أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمد ثلاثاً وثلاثين تحميدة ثمّ قل:
 
"اَلسَّلامُ عَلى آدَمَ صَفْوَةِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى نُوحٍ نَبِىِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى اِبْراهيمَ خَليلِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى مُوسَى كَليمِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلى عِيسَى رُوحِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خَيْرَ خَلْقِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صَفِىَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ خاتَمَ النَّبِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ عَلِيَّ بْنَ أبي طالِب وَصِيَّ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ سَيِّدَةَ نِساءِ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا سِبْطَي نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَسَيِّدَيْ شَبابِ اَهْلِ الْجَّنَةِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَليَّ بْنَ الْحُسَيْنِ سَيِّدَ الْعابِدينَ وَقُرَّةَ عَيْنِ النّاظِرينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ باقِرَ الْعِلْمِ بَعْدَ النَّبِيِّ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّد الصّادِقَ الْبارَّ الاْمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُوسَى بْنَ جَعْفَر الطّاهِرَ الطُّهْرَ، اَلسَّلامُ 
 
 
 

1- النوريّ: مستدرك الوسائل ج 10 ص 368.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

47

نظرة سريعة إلى المرقد الفاطمي

 عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضا الْمُرْتَضى، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ التَّقِيِّ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّد النَّقِيَّ النّاصِحَ الاْمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، اَلسَّلامُ عَلَى الْوَصيِّ مِنْ بَعْدِهِ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى نُورِكَ وَسِراجِكَ وَوَلِىِّ وَلِيِّكَ وَوَصِيِّ وَصِيِّك، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ فاطِمَةَ و خَديجَةَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ اَميرِالْمُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ وَلِيِّ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا اُخْتَ وَلِيِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا عَمَّةَ وَلِيِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ مُوسَى بْنِ جَعْفَر وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ عَرَّفَ اللهُ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ فِى الْجَنَّةِ، وَحَشَرَنا فى زُمْرَتِكُمْ وَاَوْرَدَنا حَوْضَ نَبِيِّكُمْ، وَسَقانا بِكَأسِ جَدِّكُمْ مِنْ يَدِ عَلِيِّ بْنِ اَبى طالِب صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكُمْ اَسْأَلُ اللهَ اَنْ يُرِيَنا فيكُمُ السُّرُورَ وَالْفَرَجَ، وَاَنْ يَجْمَعَنا وِاِيّاكُمْ فى زُمْرَةِ جَدِّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاَنْ لا يَسْلُبَنا مَعْرِفَتَكُمْ اِنَّهُ وِلِيٌّ قَديرٌ، اَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ بِحُبِّكُمْ وَالْبَرائَةِ مِنْ اَعْدائِكُمْ، وَالتَّسْليمِ اِلَى اللهِ راضِياًبِهِ غَيْرَ مُنْكِر وَلا مُسْتَكْبِر وَعَلى يَقين ما اَتى بِهِ مُحَمَّدٌ وَبِهِ راض، نَطْلُبُ بِذلِكَ وَجْهَكَ يا سَيِّدى اَللّـهُمَّ وَرِضاكَ وَالدّارَ الاْخِرَةَ، يا فاطِمَةُ اشْفَعي لي فى الْجَنَّةِ فَاِنَّ لَكِ عِنْدَ اللهِ شَأناً مِنَ الشَّأنِ، اَللّـهُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ اَنْ تَخْتِمَ لي بِالسَّعادَةِ فَلا تَسْلُبْ مِنّي ما اَنـَا فيهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ اِلاّ بِاللهِ الْعَلِىِّ الْعَظيمِ، اَللّـهُمَّ اسْتَجِبْ لَنا وَتَقَبَّلْهُ بِكَرَمِكَ وَعِزَّتِكَ وَبِرَحْمَتِكَ وَعافِيَتِكَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ اَجْمَعينَ وَسَلَّمَ تَسْليماً يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ""1.

 
 
 

1- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 99 ص 265- 266.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

48

خاتمة في الشعر

 قال في رثائها الشيخ جمعة الحاوي البحرانيّ:


رِيــاحُ الخُطُوبِ على العَــــالَمِ             تَهُبُّ لِمَوْتِ ابْنَةِ الكَـــــاظِمِ 
وَقَدْ هَيَّجَتْ في القُلُوبِ الشَّجَا        عَلَيْها بِدَمْعِ الأَسَى السَّاجِمِ 
وَتَرْمِي النُّفُوسَ بِجَمْرَاتِهَـــــا               عَلَيْهَا ابْنَةُ الطَّاهِرِ العَالِمِ
وَقَدْ أَصْبَحَتْ جُمْلَةُ الكائِناتِ          تَفِيضُ دُمُوعَـــاً عَلَى فَاطِـمِ
عَلَى عُشِّ آلِ بَني المُصْطَفَى           وَأُخْتِ الإِمَامِ الرِّضَا الفَاهِمِ 
فَجَمْــرُ الفَجِيْعَـةِ في مَوْتِهَــا              يُقَطِّعُ في القَـــلْبِ كَـالصَّـارِمِ 
قَضَتْ وَهْيَ لَمْ تَلْتَقِي بِالرِّضَا           أَخِيهــا حَبِيبِ بَنِي هَـــاشِمِ 
فَعَنْــهُ بَعِيْــدَاً عَـلَى حَسْرَةٍ                تَمُوتُ بِقَـــلْبٍ لَـهُ هَـــائِمِ
فَفِي أَرْضِ قُمٍّ قَضَتْ وَهْوَ في          خُرَاسَانَ يَقْضِي مِنَ الظَّـالِمِ 
وَنِسْوَانُ قُمٍّ لَهَـا أَعْوَلَـتْ                كَدَمْــعٍ كَبَحْرٍ لَهَــا لاطِــمِ 
وَتَنْدُبُهَـــا صـارِخــــاتٌ وَفِي              ضَمَائِرِهَـــا لَسْعَـةُ الشَّـــاتِمِ 
بَكَتْهَــــا المَلائِكُ فِي فَجْعَـةٍ              بِـــأَمْـرِ المُهَيْمِنِ وَالحَـــــاكِمِ 
لَقَدْ نَصَبَتْ فِي السَّما مَأْتَماً             لِيَبْقَى العَزَى لَهــَا فِي المَـأْتَمِ 
فَفِيْهِ النِّياحُ عَلَى فَقْدِهَا                يُعَزُّونَ طَـــــهَ أَبَا القَــاسِمِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

49

خاتمة في الشعر

 يَبُثُّونَ بِالحُزْنِ شَكْوَى لَــهُ             وَلِلآلِ وَالصَّــاحِبِ القـــائِمِ

يَقُولُـونَ فِي قُمَّ بِنْتٌ لَـكُمْ             تَمُـــوتُ بِهَمٍّ بِــــلا رَاحِمِ
فَيَا عَيْنُ سُحِّي عَلَيْها الدُّمُوعَ         بِقَـــــلْبِ المُؤَيِّدِ والنَّـــادِمِ 
 فَــــإِنْ لَمْ تُجِيبِي إِلَى مَطْلَبِي             فَفِيكِ الجَفــــاءُ إِلى الهـاشِمِي
 وَلَمّـا قَضَتْ فــاطِمٌ نَحْبَها             عَلَى جَمْرَةِ الحـــــاسِدِ الآثِمِ
 قَرَارُ الـــوَرَى عَزَّ فِي مِحْنةٍ              وَمِنْ جَمْرَةِ الخَطْبِ كَـالهَــائِمِ
فَطُوبَى لِأَرْضٍ حَوَتْ جِسْمَهَا         وَطُوبَى لِزَائِرِهَـــا القَـــــادِمِ 
جَنَــازَتُها بِالأَسَى مُذْ سَرَتْ            بِجُثَّتِهـــا لِلثَّرَى النَّــــاعِمِ 
ضَجِيجٌ تَعَالَى كَمِثْلِ الحَجِيجِ          يَضِجُّونَ لِلْخَــــالِقِ الدَّائِمِ 
وَقَدْ خَطَّتِ النَّاسُ مِنْ دَمْعِها         عَــلَى الأَرْضِ نَــوْحَ بَنِي آدَمِ
لَقَدْ أَوْصَلُوهَـــا إِلَى رَوْضَةٍ              وَفِيهــا النَّجَــــاةُ إِلَى الَّلاثِمِ
إِذَا جِئْتَ لِلْقَبرِ فِي خَشْعَةٍ             َهِلْ دَمْعَةََ الفــاقِــدِ الحَــائِمِ 
قَضَتْ عُمْرَهَا وَهْيَ مَظْلُومَةٌ           سَــلِيلَـةُ كَـاظِمِنَــا الحَــازِمِ 
سَـــلامٌ عَلَى رُوْحِهـا دائِــماً             بِــلا عَتْبِ فَرْدٍ وَلا لائِــمِ 1 
 
 
 
 

1- الحاوي البحرانيّ الشيخ جمعة:ديوان دم الشهادة،ص 131-132.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

50

خاتمة في الشعر

 وقال في رثائها الشيخ محمّد سعيد المنصوريّ:

 
لَهْفَ نَفْسِي لِبِنْتِ مُوسَى سَقاها      الدَّهْرُ كَأْساً فَزَادَ مِنْهُ بَلاها 
فَارَقَتْ وَالِداً شَفِيقاً عَطُوفاً            حَارَبَتْ عَيْنُها عَلَيْهِ كَراها 
أَوْدَعَتْهُ قَعْرَ السُّجونِ أُناسٌ            أَنْكَرَتْ رَبَّها الَّذِي قَدْ بَراها 
وإِلى أَنْ قَضَى سَمِيماً فَرَاحَتْ          تُثْكِلُ النَّاسَ فِي شَدِيدِ بُكَاها 
وَأَتَى بَعْدَهُ فِراقُ أَخِيها              حِينَ فِي مَرْوَ أَسْكَنَتْهُ عِدَاها 
كُلُّ يَوْمٍ يَمُرُّ كَانَ عَلَيْها              مِثْلَ عَامٍ فَأَسْرَعَتْ فِي شَرَاها 
 أَقْبَلَتْ تَقْطَعُ الطَّرِيقَ اشْتِياقاً         لِأَخِيها الرِّضا وَحَامِي حِماها 
ثُمَّ لَمَّا بِها الظَّعِينَةَ وَافَتْ              أَرْضَ قُمٍّ وَذَاكَ كَانَ مُناها 
قَامَ مُوسَى1 لَهَا بِحُسْنِ صَنِيعٍ          إِذْ وَلَاءُ الرِّضَا أَخِيها وَلَاها 
نَزَلَتْ بَيْتَهُ فَقَامَ بِمَا إسْـ               ـطَاعَ مِنْ خِدْمَةٍ لَهَا أَسْدَاها 
مَا مَضَتْ غَيْرُ بُرْهَةٍ مِنْ زَمانٍ        فَاعْتَرَاها مِنَ الأَسَى مَا اعْتَراها 
وَإلى جَنْبِهِ سَقامٌ أَذَابَ الـ            ـجِسْمُ مِنْها وَثِقْلُهُ أَضْنَاها 
فَقَضَتْ نَحْبَها غَرِيبَةَ دَارٍ             بَعْدَ مَا قَطَّعَ الفِراقُ حَشَاها 
أَطْبَقَتْ جَفْنَها إِلى المَوْتِ لَكِنْ       مَا رَأَتْ وَالِدَ الجَوَادِ أَخَاها
 
 
 
 

1- المراد به موسى بن خزرج الأشعري.  

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

51

خاتمة في الشعر

 وله في الشعر الشعبيّ:

 
من شوكَهــا اتعنّت لخوهـا              او وصلت بلد قمّ او اجوها 
أهـــل المــودة إيتلقوهــا                  او عزّوهــا بالمسموم ابوهـا 
او طلبوا من الله اتشوف اخوها       لكــن بعد مــدة افقدوها 
او للكَبــر لمّــن شيّعوها                 ذكروا امصاب اللي اعصروها 
بالبـاب وامصــاب السبوها             وللشــام ميسـوره خذوها
 
 
وله في الشعر الشعبيّ أيضاً:
 
عقب ما غسّلنها او كفّننها        احتاروا ويل قلبي عدد فنها 
او لن واحد املثمّ كرب منها       اعلى غربتها يون ويهل جفنه 
كَال آنـه الأنزّلهــا اللّحدهـا          وآنه اللّي اوسد الترب خدهـا 
بيده شالها ويبكي الفكدهـا        ويقول اشكثر ظيم او جور شفنه1 
 
 
 

1- المنصوريّ الشيخ محمّد سعيد: ديوان ميراث المنبر ص 313-317.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

52

خاتمة في الشعر

 ويقول فيها الأستاذ معروف عبد المجيد محمّد:

 جَرْحُ الأَحِبَّةِ فاغِرٌ مَا الْتَامَا                يَفْرِي وَلا نَدْرِي لَهُ إِيلَاما
 نَارُ الصَّبابَةِ لا تُحَرِّقُ عَاشِقاً                وَتَكُونُ بَرْداً فَوْقَهُ وَسَلَاما
 أَنا طَائِرٌ فَوْقَ الجِبَالِ مُقَسَّمٌ                إِرْباً فَمَنْ ذَا يَجْمَعُ الأَقْسَاما؟
لَمْ يَمْضِ عَصْرُ المُعْجِزَاتِ فَعَاوِدِي            عَهْدَ الوِصَالِ وَجَدِّدِي الأَيَّاما
بَعْثِي وَنَشْرِي مِنْ يَدَيْكِ وَجَنَّتِي             عَيْنَاكِ طَابا لِلْمُحِبِّ مُقَاما
رَكْبُ الفَوَاطِمِ مَا يَزالُ مُسَافِراً               مَرْواً يُرِيدُ وَرَوْضَةً وَإِماما 
 يِمْضِي فَلا الأَيَّامُ تَقْطَعُ سَيْرَهُ              وَيَزِيدُهُ طُولُ النَّوَى إِقْدَاما 
 وَعَلَيْهِ مِنْ أَلْقِ النُّبُوَّةِ مَسْحَةٌ               أَضْفَتْ عَلَيْهِ المَجْدَ وَالإِعْظَاما
 وَمنَ الحُسَيْنِ بَقِيَّةٌ لِدِمائِهِ                  صَبَغَتْ بِحُمْرَةِ لَوْنِها الأَعْلَاما
 يَا أَيُّها الحَادِي حِدَاؤُكَ هَدَّنِي              لَمَّا ذَكَرْتَ الأَهْلَ وَالأَرْحاما
 عَرِّجْ عَلَى قُمٍّ فَإِنَّ لَنا بِها                  قَبْراً عَلَى كُلِّ القُبُورِ تَسَامَى
شَهِدَ الحَوَادِثَ مُنْذُ أَوَّلِ عَهْدِهِ             وَمِنَ الحَوَادِثِ مَا يَكُونُ جِسَاما 
ظَهَرَتْ بِهِ لِلْعالَمِينَ خَوَارِقٌ                تَسْبِي العُقُولَ وَتُدْهِشُ الأَفْهاما
حُطُّوا الرِّحَالَ فَإِنَّ لِلْثَاوِي بِهِ               عَهْداً يُصَانُ وَحُرْمَةً وَذِمَاما
 يَا قَبْرَ فَاطِمَةٍ بِقُمَّ تَحِيَّةً                   مِنْ مُدْنَفٍ يا قَبْرَها وَسَلَاما
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

53

خاتمة في الشعر

 طَابَ الضَّرِيحُ وَضَاعَ مِنْ شُبَّاكِهِ          أَرَجُ النُّبُوَّةِ يَغْمُرُ الآَكَاما 

وَاصْطَفَّتْ الأَمْلاكُ فِي ظِلِّ الحِمَى        زُمَراً تُسَبِّحُ سُجَّداً وَقِياما 
وَأَتَى الحَجِيجُ مِنَ الفِجاجِ قَوَافِلاً         تَسْعَى إِلَيْهِ وَقَدْ نَوَتْ إِحْراما 
حَرَمٌ أَتَاهُ الخَائِفُونَ فَأَبْدَلُوا                أَمْناً وَنالَ الطَّالِبُونَ مَرَاما 
عُشٌّ لِآلِ مُحَمَّدٍ يَهْفُو لَهُ                 أَهْلُ الوِدَادِ مَحَبَّةً وَغَرَاما 
يَا بِنْتَ مُوسَى وَالمِناقِبُ جَمَّةٌ             لا يَسْتَطِيعُ بِها الوَرَى إِلْمَاما 
أُخْتَ الرِّضَا إِنِّي أَتَيْتُكِ نَاشِراً            صُحُفاً تَفِيضُ خَطِيئَةً وَأَثَاما 
يَا عَمَّةَ الجَوادِ كَفُّكِ وَالنَّدَى             وَأَنا بِبَابِكِ أَسْأَلُ الإِنْعَاما 
أَنَا زَائِرٌ يَرْجُو الشَّفاعَةَ فَاشْفَعِي         لِي فِي الجِنانِ فَقَدْ قَصَدْتُ كِرَاما
 
 
إلى أن يقول:
يَا بِنْتَ مُوسَى إِنَّ فِي قُمِّ الَّتِي            ضَمَّتْكِ عِزّاً شَامِخاً وَسِناما 
مِنْ قُمَّ يَبْتَدِىءُ الكَلامُ وَبَعْدَها          تَغْدُوا الحُروفُ أَسِنَّةً وَسِهاما 
وَيُسَجِّلُ التارِيخُ بِالدَّمِ صَفْحَةً           حَمْراءَ تَقْطُرُ نَهْضَةً وَقِياما 
خَسَأَتْ فَرَاعِنَةُ الزَّمَانِ وَكَمْ هَوَى        عَرْشٌ لِنَرْفَعَ فَوْقَهُ الإِسْلَامَا 1
 
 
 

1- المعلّم محمّد علّي: فاطمة المعصومة قبس من أشعة الزهراء ص209.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

54

خاتمة في الشعر

 ويقول فيها السيّد محمّد بن حمود بن أحمد العمديّ:


سَعِدَتْ لَيَالِيهِ بِخَيْرِ هِيامِ                      فِي مَدْحِ مَنْ وُلِدَتْ لِخَيْرِ إِمامِ 
فِي مَدْحِ مَنْ بَرَقَتْ بِهَاجِرَةِ الجَوَى             أَنْعامُها فَهَدَتْ إِلَى إِنْعامِي 
مَا بَالُ مَنْ نَدْعُو يُلَمُّ بِغَيْرِنَا                  وَكَأَنَّنـــا مِــنْ لَيْسَ لِلإِبْرَامِ 
يُرْجَى وَيُعْطِي السَّاعَ خَيْرَ عَطِيَّةٍ             مِنْ خَيْرِ مَا عَزَبَتْ عَنِ الأَوْهَامِ 
أُلْمُمْ بِنَا يَا صَاحِ إِنَّ عَطَاءَنا                 مَا لَيْسَ يَعْلُوهُ ذَوُو الإِنْعامِ 
نَحْنُ الأُلَى عُقَدَاتُ كُلِّ عَصِيبَةٍ               حُلَّتْ بِنا هَيْهاتَ لَسْتَ بِعَامِي 
أَنَا بِنْتُ مَنْ؟ أَدْعُوكَ إِيتِ جِوَارَنَا            فَتَرُوحُ ثُمَّ تُحَالُ لِلْأَقْزَامِ 
كَمْ معْدَمٍ قَدْ جَاءَ كَادَ لِحُرْقَةٍ                أَنْ يُسْلِمَ الأَعْنَاقَ لِلْإِعْدَامِ 
حَدَرَتْ عَلَى خَدَّيْهِ دَمْعَةُ فَاقِدٍ               لِمُنَاهُ حَتَّى الحُلْمِ فِي الأَحْلامِ 
لَمْ يَرْتَفِعْ طَرْفَاهُ حَتَّى حُمِّلَتْ                  أَرْزَاقُنَا بِيَدَيْهِ مِنْ إِكْرَامِ 
كَمْ سَائِلٍ قَدْ جَاءَ يَطْلُبُ مَنْزِلاً             فَمَنَنْت بِالإِسْكَانِ خَيْر مقامِ 
كَمْ ذِي هُمُومٍ جَاءَ يَطْلُبُ كَشْفَهَا          فَمَضَى قَرِيرَ العَيْنِ صَاحِبَ هَامِ 
كَمْ ذِي حَشىً يَلْتَاعُ جَاءَ وَنَارُهُ            شَبَّتْ بِجِسْمٍ طَاحَ فِي الإِضْرَامِ 
لَمْ يَبْقَ طَرْفُ العَيْنِ إِلَّا وَانْبَرَى              فِي بُرْدِهِ يَخْتَالُ بَعْدَ سَلَامِ 
أَنَا بِنْتُ مُوسَى الكَاظِمِ الغَيْظِ الَّذِي        مَا انْفَكَّ فِي عَنَتٍ مِنَ الظُّلَّامِ 
بَابُ الحَوَائِجِ ذَاكَ وَالِدِيَ الَّذِي             يُعْطِي الفَقِيرَ نَوَالَ كُلِّ مَرَامِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

55

خاتمة في الشعر

 أَنَا فاطِمٌ هَاتِيكَ قَالَتْ إِيتِنَا        إِنْ شِئْتَ فِي حَرَمٍ وَمَنْزِلِ سَامِ 

حَرَمٌ لِعِتْرَتِنَا لِأَهْلِ البَيْتِ مَنْ      يَقْدِمْهُ يَلْقَ الطُّهْرَ صِدْقَ كَلَامِ
 
إلى أن يقول:
يَا بِنْتَ مَنْ وُلِدُوا لِخَيْرِ مُسْوَدٍ                  عَلَمِ الهُدَى الأَوَّاهِ وَالمِقْدَامِ 
يَا أُخْتَ مَوْلَى الكَوْنِ مَوْلَانَا الرِّضَا             سُلْطَانِ طُوسٍ آهِ يَا لَإِمَامِ 
يَا عَمَّةَ المَوْلَى الجَوَادِ المُقْتَدَى                   سَمْحِ العَطَايَا القَرْمِ يَا لَهُمَامِ 
آلُ السَّمَا أَنْتُمْ أَئِمَّةُ قَلْبيَ                      المُضْنَى مِنَ الأَعْيَانِ وَالأَقْوَامِ 
مَوْلَاتِيَ العُلْيَا وَرُؤْيَا جَلْوَتِي                      وَمَلِيكَةُ الأَبْيَاتِ وَالإِلْهَامِ 
يَا قُمُّ لَوْ تَدْرِينَ مَنْ تِيكَ الَّتِي                  سَكَنَتْ بِبَيْتِ النُّورِ عِنْدَ هُمَامِ 
لَبَرزْتِ هَذِي الأَرْضِ عُمْرَكِ كُلَّهُ                وَظَلَلْتِ تَفْتَخِرِينَ عِنْدَ عِظَامِ 
هَذِيكَ بِنْتُ الطُّهْرِ طَاهِرَةُ اللِّوَا                 وَسَلِيلَةُ الأَطْهَارِ وَالعُلَّامِ 
هَذِيكَ مَنْ عُصِمَتْ فَلَيْسَ تَنَفُّلٌ               مَهْمَا يَكُنْ تَنْسَاهُ عِنْدَ جِسَامِ 
هَذِيكَ نُورُ اللهِ أَشْرَقَ فِي رُبَى                   قُمٍّ فَمَا لِلنَّورِ وَالإِظْلَامِ1
 
 
 

1- المصدر السابق:ص 215.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

56
كريمة أهل البيت فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم عليه السلام