المقدمة
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي العزيز:
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، نضع بين يديك المباركة مجموعة من الدروس والعبر محاولين فيها خطاب وجدانك الطاهر وفطرتك الصاخبة التي هي أمانة من اللَّه سبحانه وتعالى فانظر كيف تردها إلى خالقها عند العرض الأكبر "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي اللَّه بقلب سليم" فاحكم سيطرتك على هذه الأمانة واضعاً نصب عينيك قوله تعالى: "فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللَّه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
أخي العزيز:
اجتهد أن تستفيد من هذه الدروس لتهذيب أنفسكم من أجل تحقيق دولة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه .
3
1
المقدمة
إن الدنيا والاخرة شيء واحد ولا يمكن أن تنفك عنها.
مثل هذه الدنيا عبارة عن الوظيفة الدينية.
4
2
الدرس الأول: لا تنس الآخرة
الدرس الأول: لا تنس الآخرة
قصة صغيرة
عبد اللَّه إنسان ولد في أواسط القرن الماضي وعندما ولد عمت الفرحة منزل والديه وخرجت منه حلوى توزع وأفراح وولائم على شرف المولد كلما نبت له سن استبشر أبواه بذلك وفرحا ووزعا الحلوى وكم كانت فرحة الأبوين عظيمة عندما رطن بأول كلمة قائلاً: ماما... لينطلق بعد ذلك لسانه بأعذب الكلمات... إلى أن أصبح أهلاً لدخول المدرسة فعمل أبواه على ادخاله أفضل المدارس وسهرا على تعليمه وكانت الأفراح تعم الحي الذي يسكن فيه كلما أنهى سنة دراسية بالنجاح وغدا عبد اللَّه شاباً ونزل بعد تعلم حرفة إلى ميادين العمل ولكن الحياة لم تكمل معه حلوها فخطفت بداية أباه وجاءه ملك الموت على غير استئذان في ليلة عاصفة من ليالي تشرين وهوت تلك الورقة الخريفية... إنه الموت... لماذا... سؤال... يطرق ذهنه لأول مرة.. ومضت الأيام وتزوج عبد اللَّه وأنجب أول أولاده علي وما إن نطق علي ودرج يمشي متنقلاً بين أحضان أمه وجدته.. حتى أعاد الموت كرته إلى ذلك البيت ليأخذ الجدة منقصاً الفرحة التي أوشكت أن تمحو أسى فقد الجد الذي لم يرَ حفيده.. وعاد السؤال المحير ثانية ومرت السنين عاماً إثر عام وأصبح لعلي اخوة وأخوات... وأبو علي عبد اللَّه يسرع في رأسه الشيب ويلج إلى جسده الضعف... والمرض أخذ يتسلل يوماً بعد يوم... فمرة ينقل إلى الطبيب ليظهر أنه يعاني من ارتفاع في
5
3
الدرس الأول: لا تنس الآخرة
ضغط الدم... وأخرى يدخل إلى المستشفى لمعالجته من جلطة أصابته في إحدى ساقيه... والسؤال بدا جدياً أكثر وتحول إلى استفهام هل يأتي الموت إلى عبد اللَّه فيباغته... عمر قضاه أبو علي يشقى ويتعب في بناء الأسرة وتأمين احتياجاتها هو أب مجد نشيط متفانٍ في خدمة أولاده والعناية بهم... كان يصلي أحياناً ويقطع ويصوم أحياناً ويقصر في ذلك أحياناً... وأخر الحج أكثر من مرة لأنه يريد صرف المال في تأمين مستقبل أولاده... وذات ليلة تأخر أبو علي... ليس من عادته أن يتأخر وساد القلق جو المنزل... واحتار الأبناء... وفجأة رن جرس الهاتف... ألو... منزل أبو علي... علي: أجل... من المتكلم... المستشفى... الرجاء الهدوء وضبط الأعصاب... أبوك أصيب بجلطة قلبية وهو في العناية الفائقة علي: وكيف هي حاله... هل هناك خطر على حياته... يا حبيبي يا والدي وهرع الجميع إلى المستشفى...
وعلى الزجاج أمام غرفة الإنعاش... الأولاد الثلاثة... بكاء... دعاء وسؤال كان يلح على أذهان الأولاد... وعلى كل من يعرف أبا علي... هل سينجو أبو علي ويعود إلى الحياة؟
أما أبو علي فلعل سؤالاً آخر يدوي في كيانه وهو راقد على سرير غرفة الإنعاش... هل من فرصة بعد لتدارك التقصير؟؟
ماذا... لو... وجوم صمت... يقطعه صوت الآلات وحشرجة الأنفاس...
ألم يكن من الأفضل أن يسعى أكثر في تحصيل اخرته؟؟
ألم يكن من الأفضل لو لم يكن مقصراً في صلاته وصومه وحجه؟؟
6
4
الدرس الأول: لا تنس الآخرة
فكل ما عند أبي علي حسن وجيد ألا توانيه في عبادته مع ربه.
الناس كلهم يحبونه ويحترمونه ويمدحون أخلاقه...
ولكن الصلاة...
الصوم...
الحج...
باقي الواجبات...
ها هو شبح الموت يخيم على تلك الغرفة...
فلو جاء إلى أبي علي... ماذا سيقول له...
أمهلني... فهل يمهله...
لو أمهله الموت ما الذي عليه فعله... هل تعرف؟ فلو قال رب ارجعون هل سيستجاب طلبه؟؟!!.
الموت حقيقة:
القصة التي أوردناها هي قصة كل إنسان قصتي، وقصتك، وقصة هذا وذاك الموت حق ولكننا ننساه ولا نحسب له حساباً.
بل نتعامل معه بشك وارتياب كأننا خارجون عن سنة اللَّه التي قهر عباده بها.
ولذا قال الإمام علي عليه السلام: "أصدق شيء الأجل"، وقال كذلك: "أقرب شيء الأجل".
ولكن المشكلة ليست في الموت قال الشاعر:
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيء
7
5
الدرس الأول: لا تنس الآخرة
المشكلة ما بعد الموت أصعب حيث نسأل عن كل نعمة وكل ساعة وكل قوة.
الدنيا تنتهي ولكن ما بعد الدنيا باقٍ ودائم إما النعيم وإما الجحيم وكل منهما يدوم بلا نهاية.
فعن الإمام علي عليه السلام: الاخرة أبد، وعنه عليه السلام: "الاخرة دار مستقركم فجهزوا إليها ما يبقى لكم"1.
حقيقة الموت وما بعده:
على أن الموت أمر فظيع لا يعرف أخاً ولا حميماً ولا قريباً ولا بعيداً يصفه الإمام علي عليه السلام فيقول: "ثم ازداد الموت فيهم ولوجاً فحيل بين أحدهم وبين منطقه وإنه لبين أهله ينظر ببصره ويسمع بأذنه، على صحة من عقله وبقاء من لبه يفكر فيم أفنى عمره وفيم أذهب دهره"2.
أما ما بعد الموت فيحدثنا أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام "إذ قال له: أما تحزن؟ أما تهتم؟ أما تألم؟ قلت بلى واللَّه قال عليه السلام: فإذا كان ذلك منك فاذكر الموت ووحدتك في قبرك وسيلان عينيك على خديك وتقطع أوصالك وأكل الدود من لحمك، وبلاك، وانقطاعك عن الدنيا فإن ذلك يحثك على العمل ويردعك عن كثير من الحرص على الدنيا"3.
1- ميزان الحكمة،1- 33.
2- نهج البلاغة،1-212.
3- ميزان الحكمة،1- 589.
8
6
الدرس الأول: لا تنس الآخرة
ما العمل؟!
في هذه الرواية يصف الإمام الصادق عليه السلام لصاحبه أبي بصير دواءً يساعده على الحياة ومصاعبها. فيها يتضح أن العمل هو طريق النجاة وتذكر الموت وما بعد الموت يصوب لنا عملنا فعنه يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "نعم الدواء الأجل"1، لأننا لم نخلق للخلود في الدنيا بل للاخرة "وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ"2.
وإذا كنا مخلوقين للاخرة فعلينا أن نصحب من الدنيا ما يبقى لنا ويدوم ونحمله إلى ذلك العالم وعلى هذا الرفيق أن يكون حسناً جميلاً تؤنس به. ولا يكون وحشاً بشعاً مرعباً يسكن معنا القبر ويضيقه علينا ويؤذينا منظره ورائحته وسوؤه ويبقى معنا حتى في القيامة...
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لقيس بن عاصم: "يا قيس إن مع العزَّ ذلاً وإن مع الحياة موتاً، وإن مع الدنيا اخرة وإن لكل شيء حسيباً وعلى كل شيء رقيباً وإن لكل حسنة ثواباً ولكل سيئة عقاباً ولكل أجل كتاباً وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه ولا تسأل إلا عنه ولا تجعله إلا صالحاً فإنه إن صلح أنست به وإن فسد لا تستوحش إلا منه وهو فعلك"3.
وعن الإمام علي عليه السلام: "إنك مخلوق للاخرة فاعمل لها، إنك لم تخلق للدنيا فازهد فيها"4.
والعمل للاخرة لا يعني التواني في الدنيا بل لا بد من العمل فيها
1- ميزان الحكمة،2-942.
2- العنكبوت:64.
3- ميزان الحكمة،1-35.
4- البحار،44-139.
9
7
الدرس الأول: لا تنس الآخرة
والأخذ منها واعمارها، "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لاخرتك كأنك تموت غداً"1.
"ولا تنس نصيبك من الدنيا"2.
لكن علينا في كل ذلك أن نراقب الآخرة والعمل لها فكما ترى هذا عبد اللَّه أي أبو علي قصصنا قصته في بضعة أسطر... فما الذي بقي له لو أدركه الموت ألم يكن باستطاعته أن يكون أفضل... لا يبالي إن وقع الموت عليه أو وقع على الموت... ألم يكن باستطاعته أن يؤدي ما عليه من حقوق للَّه فيصلي ويصوم ويحج ويعطي أصحاب الحقوق حقوقهم... فاعتبروا.
انتبه من الآن لأن نهاية الحياة الموت وعن ما بعده يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "وما بعد الموت دار إلا جنة أو نار"3.
1- وسائل الشيعة. 16-83.
2- بحار الأنوار،7-47.
3- البحار،7- 228-229.
10
8
الدرس الأول: لا تنس الآخرة
وصيتي للمجتمع ولا سيما الشباب هي الأنس بالصلاة والالتذاذ بها، أي أن يقيموا الصلاة مع فهم معانيها وشعور بالحضور لدى حضرة الرب المتعال.
12
9
الدرس الثاني: إنتبه لصلاتك
الدرس الثاني: إنتبه لصلاتك
الصلاة وخلق الإنسان
عندما يفتح الإنسان عينيه ويرسل نظره في جولة في ما حوله يرى أين ما حط نظره ايات الدقة والجمال في ما يرى ويشعر كم أن اليد التي أبدعت هذا الكون كانت دقيقة وحاذقة في بناء هذا البنيان الذي اسمه الدنيا فكل شيء في موقعه ومتالف مع باقي المخلوقات ويقوم بالاستفادة من خدمات باقي المخلوقات ويقدم في المقابل خدماته للموجودات الأخرى فلاحظ العلاقة بين توازن الهواء والنبات وبين الزهر والنحل وغير ذلك كل هذا يعمق فينا الإيمان بَأنَّ هناك قدرة أوجدتنا ورزقتنا وأمدتنا بكل ما تحتاجه نفوسنا للحياة في هذه الدنيا.
من الغذاء والجمال وأسباب البقاء الأخرى، بصر وسمع وعقل وقدرة وقوة. وماء وهواء وغذاء من النبات والحيوانات. ونور وظلمة وفيء وغير ذلك مما نعجز عن احصائه وعده.
هذه القدرة الرحيمة الكريمة... هي اللَّه تبارك وتعالى... وهو إضافة إلى كونه كريماً ورحيماً... فهو حكيم... لا يفعل شيئاً بدون هدف ولذا قال لنا مبيناً هدف خلقنا.
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾1.
حيث يعلم اللَّه أن رفعة الإنسان وتكامله ووصوله إلى أرقى المراتب وأعلى المقامات لا يكون إلا بالعبادة.
1- الذاريات:56.
13
10
الدرس الثاني: إنتبه لصلاتك
فالإنسان في هذه الحياة مطلوب منه أن يقطع المسافات التي تبعده عن الهدف ليصل إليه... والهدف هنا هو العودة إلى اللَّه تعالى.
ولذا فإننا في أثناء مسيرنا إلى اللَّه عزَّ وجلَّ لا بد من أن نبقي الهدف النهائي نصب أعيننا، حاضراً حتى لا تضيع وعلينا دائماً الالتفات للَّه وتذكره لتكون كل حركتنا نحوه...
وعلينا مراقبة الهدف لنعرف كم تقدمنا أو تأخرنا في مسيرنا إليه...
فما الذي يذكرنا.. وينبهنا ويلفتنا.. ويصوب سيرنا وسعينا إلى اللَّه.
إنه الصلاة...
فالصلاة هي أهم الأشياء والأفعال التي تقرب الإنسان إلى اللَّه ف"الصلاة قربان كل تقي"1.
و"الصلاة معراج المؤمن"2.
الصلاة ميزان:
إذن فالصلاة من الأمور التي تجعل لحياة الإنسان معنى دونها تغدو تافهة بلا معنى ولا قيمة ولا غاية...
ولذا فإنها تغدو مقياساً فعالاً لحيوية دين الإنسان وفاعليته "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لا صلاة له" وبها يقبل العمل أو يرد:
"الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواه"3.
1- منتهى المطلب،1-193.
2- البحار،79-303.
3- نهج السعادة،4-120.
14
11
الدرس الثاني: إنتبه لصلاتك
فالصلاة إحدى الوسائل بل أعظم الوسائل الموصلة إلى اللَّه ومن أهم أنواع ما يتزود به الإنسان في الطريق إلى اللَّه لأنها ذكر اللَّه الذي يشكل وسيلة للاتصال باللَّه بما يحول دون الضياع ويمنح الإنسان المعنويات العالية ويعطيه الطمأنينة والنشاط ولا يجعله ينزلق منخدعاً بالمظاهر. في زحمة الحياة وهمومها وخداعها وتزينها.
فالصلاة أشبه بجرس انذار ينبه الإنسان في ليله ونهاره ليلتفت إلى نفسه إن الزمن يمضي وإنك تقرب من أجلك وتنبه الإنسان وتلفته إلى ربه حتى لا تأخذه الانشغالات ولا ينسى هدفه وغاية وجود...
وهي كذلك وسيلة تمد الإنسان بما يحتاجه في مواجهة أعباء الحياة من روحانيات ومعنويات تساعده على تحمل هذه الأعباء وتجاوز الصعاب ولذا فإن رعاية الصلاة حق رعايتها تؤدي إلى الفلاح الذي يعني تحقيق الأهداف والنجاح في الوصول إلى المقصود.
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾1.
الصلاة صلاتان:
ليس كل مصل من المفلحين فبالعودة إلى الاية السابقة من قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾2.
تدل على أن الصلاة صلاتان واحدة توصل إلى المقصد وينجح من يؤديها ويكون من المفلحين...
وأخرى يكون صاحبها ومؤديها ضالاً عن الوصول إلى المقصود منها
1- المؤمنون:1-2.
2- الماعون:4-5.
15
12
الدرس الثاني: إنتبه لصلاتك
بل يصل إلى عكس ما يريد فبدل الفلاح يسقط في وادٍ من وديان جهنم وهو "ويل" فللصلاة اداب لخصتها الاية بالخشوع وقد قال النبيصلى الله عليه وآله وسلم: "لا صلاة لمن لا يتخشع في صلاته"1.
وعن أمير المؤمنين: "يا كميل ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق إنما الشأن أن تكون الصلاة فعلت بقلب نقي وعمل عند اللَّه مرضي وخشوع سوي"2.
عاقبة ترك الصلاة:
فيا أيها العزيز يا أيها الحبيب أنت اختر أتكون من المصلين وتكون هادفاً عاملاً أو تكون ضائعاً تائهاً بلا هدف ولا غاية. وعليك اختيار أن تكون صلاتك تجعلك من المفلحين أو من الذين يكون مثواهم جهنم ووديانها.
فاعمل على أن لا تكون من المتهاونين بصلاتهم واسع لتكون من الخاشعين وتدبر ما تقول فيها ففي الحديث "صلاة ركعتين بتدبر خير من قيام ليلة والقلب ساه".
وواظب على أدائها في أول الوقت.
فعن الصادق عليه السلام: "فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الاخرة على الدني"3.
حتى تسعد بصلاتك في الدنيا والاخرة ولا تسحب يوم القيامة على وجهك والناس ينظرون إليك ثم تلقى في نار جهنم.
1- كنز العمال، 7-526.
2- تحف العقول، 174.
3- ميزان الحكمة، 2-1643.
16
13
الدرس الثاني: إنتبه لصلاتك
ومما يروي تعالى عن مصير تاركي الصلاة حين يسألهم المؤمنون من أهل الجنة: "ما سلككم في سقر"1.
ليأتي جواب أهل سقر: "قالوا لم نك من المصلين"2.
إذن فسبب كونهم في سقر هو أنهم لم يكونوا يصلون وهل تدري ما سقر...
سقر واد في جهنم شكا يوماً شدة حره إلى اللَّه فإذن له بأن يتنفس فلما تنفس أحرق جهنم... فهل تطيق حر سقر...
1- المدثر:42.
2- المدثر:43.
17
14
الدرس الثاني: إنتبه لصلاتك
إنكم بمثابة أولادي وأنا أتوجه إليكم بالنصح من موقع الأبوّة وخذوا عني أن رؤى الاباء والأمهات في ما يخص مصلحة أو مضرة لأولادهم، غالباً ما تكون أفضل من رؤى أولادهم وأوضح، واعلموا أنهم عليكم حريصون.
18
15
الدرس الثالث: أدِّ حق والديك
الدرس الثالث: أدِّ حق والديك
قصة وعبرة
يروى أن شخصاً وامرأته تزوجا وعاشا ردحاً من الزمن دون أن يرزقا بولد... وبعد طول انتظار... وبعد أن كاد اليأس يستولي عليهما من أي علاج أو طب... أضاء قنديل الأمل في ذلك البيت وانطلق منه صوت بكاء وليد كأنه الموسيقى في سمع الوالدين... وصوت يقول خذ ابنك مبروك فأخذه الوالد وغمره بكل الود والحنان... ومرت الأيام يسابق بعضها بعضاً والولد في أحضان أبويه يتغذى مع اللبن الحنان والعطف...
لم يشعر الولد يوماً بأنه محتاج إلى شيء... فكل ما يريده حاضر. وجرت الأيام في سنتها على ذلك البيت فانطفأ قنديل الأمومة ليضيء في العالم الاخر... لكن الوالد موجود... ليعوضه بعضاً من حنانها... وتزوج الولد وكبر الوالد وشاخ... ولأن الوالد لا يرفض لولده طلباً فقد وهبه جميع ما يملك... وأخذت معاملة الولد تتغير مع والده ثم رزق الولد بابن رأى فيه جده تعويضاً عما فقده في ابنه فأخذ يرعاه ويعلمه ويروي له الحكايات... وفجأة وبلا مبرر قرر الولد وزوجته نقل سكن الوالد إلى "القبو" لأن البيت لم يعد يتسع لهم جميعاً هكذا قالا... وظل الحفيد يقضي جل وقته مع جده ويرجوه أن يسمح له بالنوم معه والجد يرفض فالمكان رطب وغير صحي!!! لم يعد مسموحاً له الجلوس مع العائلة على نفس المائدة. لأن الزوجة تتقزز من رؤية الجد
19
16
الدرس الثالث: أدِّ حق والديك
يأكل معهما وهو يرتجف اليدين نتيجة ثقل السنين... ولكن الولد صار يبعث الطعام لوالده على طبق أصر الحفيد على أن يكون هو من يحمله...
وفي إحدى المرات وبينما كان الأب يأكل في صحن زجاجي كالعادة... ارتجفت يداه أكثر من أي مرة وهوى الصحن بما فيه إلى الأرض لينكسر تحت مرأى الولد وزوجته والحفيد فهرع الحفيد مطمئناً على جده...
الحمد للَّه لم يصب بأذى فغمر جده وتعانقا وفجأة يعلو صراخ الزوجة موبخاً حماها على كسر الصحن والابن يحاول تهدئة الزوجة التي انهالت بالشتائم على الأب واتهمته بأنه لا يعمل شيئاً سوى إصابة هذا المنزل وأهله بالخسائر ودعت اللَّه أن يأخذه سريعاً... هذا والولد يحاول تهدئة روعها ومواساتها لخسارتها الكبيرة!!!
دون أن ينظر إلى أبيه بأي نظرة تواسيه على ما يقاسي من زوجته ذات اللسان السليط...
وجاء القرار بأنه بعد اليوم لن يقدم الطعام إلى الأب بالانية المنزلية فأخذ الابن يصنع للأب هذا الوعاء من مستوعب(علبة) من التنك كالتي تستعمل لتقديم الطعام للحيوانات كل هذا يجري وعين الحفيد تلتقط المشهد وتسجله في الذاكرة وأشد ما أثر فيه رؤية عيني الجد وقد امتلأت دموعاً الذي تمنى لو أن الموت يأتيه سريعاً ليريح... ويرتاح...
وبعد أيام لم ترق إلى أكثر من شهر...
جاء الولد وزوجته من جولة لهما في الأسواق بعد ظهر أحد الأيام
20
17
الدرس الثالث: أدِّ حق والديك
ودخلا الحديقة وهما يحملان الطعام والشراب والهدايا لولدهما وأخذا يبحثان عن ابنهما متخفيين ليفاجاه بالهدايا... فرأيا الولد يعالج شيئاً بين يديه... فاقترب أبوه وناداه تعال يا بني انظر ماذا أحضرنا لك... مفاجأة... هدايا وألعاب وحلوى...
والولد يخفي شيئاً وراء ظهره.. وقال: أنا أيضاً لدي لكما أنت وأمي مفاجأة... وأخرج ما كان يخفي خلف ظهره وقال: هاه!..
فإذا هي علبة من تنك كالتي صنعها أبوه لجده!!!
الوصية بالوالدين:
تأمل القصة... والان تعالى عزيزي لنرى ما حق الوالدين علينا.
إن اللَّه أكثر في القران الوصية بالوالدين ومما قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾1.
لشدة فضل الوالدين على الولد فهما أصله وسبب كل خير فيه ولولاهما كيف كان سيوجد وماذا تملك كتلة اللحم تلك من أسباب البقاء... فالطفل الرضيع لا يعرف شيئاً ولا يقدر على شيء لولا أن الوالدين يغذيانه ويرعيانه فهما يجوعان أحياناً ليطعماه... ويعريان ليكسواه... ولو أصابه شيء تمنياه لقلب كل منهما دونه، فعن أمير المؤمنين مخاطباً ولده الإمام الحسن عليه السلام: "ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي، حتى كأَن شيئاً لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي"2.
1- الأحقاف:15.
2- نهج البلاغة، 3-38.
21
18
الدرس الثالث: أدِّ حق والديك
حقوق الوالدين:
لا شك أن الذي غاب عن الولد هو معرفته بحق الوالد عليه وغاب عنه قول اللَّه تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾1.
حيث قرن اللَّه النهي عن الشرك به بالنهي عن عقوق الوالدين واساءة معاملتهما لدرجة أن كلمة أف حينها تكون عقوقاً...
فحق والديك أولاً أن تعرف فضلهما عليك حيث يقول الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق: "وحق أبيك أن تعلم أنه أصلك، وإنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد اللَّه واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا باللَّه".
حق الأم:
ومما قاله عليه السلام في حق الأم: "فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى وترويك وتظمى وتظلّك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء".
1- الإسراء:23-24.
22
19
الدرس الثالث: أدِّ حق والديك
على ضوء القصة:
بعدما عرفنا يا عزيزي من فضل الوالدين هل يصح من الولد أن يعامل أباه بمثل ما فعل؟ وهل هكذا يقابل الإنسان من أحسن إليه وأفنى عمره في سبيل سعادته؟ وأليس الولد وزوجته هما من علما ابنهما ودلاه على طريقة تعامله معهما حينما يكبران ويكبر؟
إن حق الوالدين على ابنهما أن يقابل احسانهما بالشكر، وأن يسعى لإرضائهما فلا يعصي لهما أمراً وإلا فما معنى صلاته وعبادته وكل أعماله فعن النبي صلى الله عليه وآله: "بر الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل اللَّه".
وعنه صلى الله عليه وآله: "رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد"1.
وعلى الولد احترام أبويه وتوقيرهما ليكون مرضياً عند اللَّه وموفقاً في حياته ويطيل اللَّه عمره.
فعن الإمام الباقر عليه السلام: "بر الوالدين وصلة الأرحام يزيد في الأجل".
فهذا أحد أصحاب الإمام الصادق إبراهيم بن شعيب يسأله: "إن أبي قد كبر جداً وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة فقال عليه السلام: إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقمه بيدك فإنه جنة لك غداً"2.
خاتمة: فحق والدينا علينا أن نحترمهما ونرحمهما في كبرهما إذ يقول تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾3.
1- المستدرك، 4-152.
2- الكافي، 2-162.
3- الاسراء:24.
23
20
الدرس الثالث: أدِّ حق والديك
علينا أن نقف بين يدي كل من الأم والأب وقفة العبد أمام صاحب النعمة عليه. وحقهما علينا أن لا نصرخ في وجوهما فإذا كانت كلمة "أف" محرمة فما بالك بما هو أكبر وعلينا أن نطيعهما في كل ما يأمرانا به إلا ما كان في معصية اللَّه عزَّ وجلَّ.
وحق الأم والأب كذلك أن لا نتأخر عن عونهما وقضاء حوائجهما وأن نعرف فضلها ونبرهما. حيين وأن لا ننسى برهما ميتين بالترحم عليهما والاستغفار لهما وأداء الحقوق عنهما.
ولو فعلنا كل ذلك علينا أن نثق ونتيقن أننا لا نستطيع أداء حقهما مهما بالغنا في ذلك، وإياك وعقوق الوالدين فقد جاء في الحديث "من نظر إلى أبويه نظر ماقت لهما وهما ظالمان له لم يقبل اللَّه له صلاة"1.
1- وسائل الشيعة، 15-217.
24
21
الدرس الثالث: أدِّ حق والديك
لقد مضى زمن من الأذواق والمشارب المختلفة أننا نعيش عصراً جديداً يتعين فيه على الجميع تخطي الأذواق والمشارب والاراء الذاتية والعبور إلى رحاب التعاون العام.
26
22
الدرس الرابع: إختر صديقك
الدرس الرابع: إختر صديقك
الإنسان والصداقة
الإنسان بطبعه اجتماعي يحن إلى بني جنسه ويحب معاشرتهم بشكل فطري ويأنس إلى أقرانه من البشر ولذا تراه لا يحب الوحدة ويستوحش من الأماكن المقفرة الخالية ويهاب الدخول فيها... بل إن الإنسان مضطر إلى معاشرة أبناء جنسه لتستقيم أمور حياته ومعيشته مادياً لأنه لا يستطيع وحده وبدون اللجوء إلى الاخرين تأمين كل ما يحتاجه لمعيشته وكذلك يحتاجهم في حياته المعنوية والنفسية ليكونوا عوناً له يعينونه بنصيحتهم وارشادهم له وليكونوا عيناً له على نفسه يدلونه على عيوبه ويساعدونه في اصلاحها فعن النبي صلى الله عليه وآله: "المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله..."1.
وقد حث أبو عبد اللَّه عليه السلام على الإكثار من الأصدقاء والإخوان فقال: "استكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة"2 .
والأخوة والصداقة وسيلة لسكون النفس وطمأنينتها.
قال صلى الله عليه وآله: "إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن الظمان إلى الماء البارد"3.
1- مصباح الفقاهة، 1-349.
2- مصادقة الاخوان، 46.
3- مشكاة الأنوار، 316.
27
23
الدرس الرابع: إختر صديقك
خطورة أصدقاء السوء:
لكن بقدر ما يكون الصديق والأخ مفيداً إذا كان صالحاً فكذلك قد يكون خطراً يودي بصاحبه إلى اسوء العواقب بحيث يتلاوم أصدقاء السوء يوم القيامة فيتهم بعضهم بعضاً ويلقي بعضهم على بعض مسؤولية المصير القاتم جهنم ويندمون حين لا ينفع الندم:
يقول تعالى: ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا﴾1.
فالأخلاق السيئة مرض معدِ يتسلل من صاحب الأخلاق السيئة إلى أصحابه وأصدقائه إذ ينقل الإمام الصادق عن أبيه قوله له: "يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم ومن يدخل مداخل السوء يتهم..."2.
فلا أقل من أن يراك الناس مع أهل السوء فيتهمونك لأن من طبع الإنسان أن لا يألف إلا من كان على شاكلته.
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"3.
وحذر الإمام الصادق عليه السلام من صحبة الفاجر فقال عليه السلام: "لا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره"4.
فهل يرضى أحدنا أن يوصف بالفجور، أو الفسق، أو الكذب، أو غير ذلك من صفات السوء والأخلاق الرذيلة الذميمة...
وهل يرضى أحدنا أن يتهم أو يرمى بالكذب، والفحش في القول
1- الفرقان:28-29.
2- البحار، 68-278.
3- الامالي، 518.
4- البحار، 71-191.
28
24
الدرس الرابع: إختر صديقك
والسفاهة والرذالة والنذالة والحقارة فإذا كنا لا نرضى ذلك فكيف نرضى الجلوس على قارعة الطريق مع من يسب ويشتم ولا يلفظ إلا أفحش الأقوال وأكثرها بذاءةً فلو راك أحدهم واقفاً مع هؤلاء وتحدث بأنك على صفتهم هل يحق لك أن تعترض.... طبعاً لا... لأنك أنت أدخلت نفسك في هذه المداخل فلا تلومن إلا نفسك لأن "من يدخل مداخل السوء يتهم"1.
ولو كنت واقفاً مع مجموعة من هؤلاء وصدر عن أحدهم تصرف معيب أو لفظ فاحش أو كلام بذيء بحق فتاة أو شاب.. وظن أنك أنت من فعلها أو قالها هل تستطيع اقناعه واقناع الناس ببراءتك ونزاهتك...
عزيزي إن من يعبث بالقذارات والذي يجلس عليها والذي يجلس بقربها كلهم يحملون رائحتها النتنة ويأنف الناس ويفرون منهم لقبح روائحهم، ولذا فحتى لا يكون أحدنا مغبوناً في من يصادق ويؤاخي أمرنا أمير المؤمنين عليه السلام أن نختبر من نصادق فقال: "قدم الاختبار في اتخاذ الإخوان، فإن الاختبار معيار يفرق بين الأخيار والأشرار"2.
من تصادق؟
الصداقة والأخوة في اللَّه:
بعد معرفة أهمية الأصدقاء وخطورتهم لا بد من الإجابة على سؤال:(من تصادق؟)
1- البحار،68-278.
2- ميزان الحكمة، 1-47.
29
25
الدرس الرابع: إختر صديقك
إن أول ما يفترض في الصداقة أن تكون مبنية على الدين "من اخى في اللَّه غنم، ومن اخى في الدنيا حرم"1.
لأن كل اخوة تنقلب عدواة ما لم تكن في اللَّه فعنه عليه السلام: "الناس اخوان فمن كانت اخوته في غير ذات اللَّه فهي عداوة"2.
وذلك قوله عزّ وجلّ ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾3.
المواسي:
يواجه الإنسان في حياته المصاعب والمصائب ويحتاج إلى من يواسيه بعون أو بكلمة على الأقل عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير إخوانك من واساك وخير منه من كفاك وإذا احتاج إليك اعفاك"4.
المعين على الطاعة والمذكر باللَّه:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "المعين على الطاعة خير الأصحاب"5.
وعن النبي أنه سئل عن خير الجلساء فقال: "من ذكركم باللَّه رؤيته وزادكم في علمكم منطقه، وذكركم بالاخرة عمله"6.
الأخ والصديق القدوة:
كما أن صديق السوء يعدي بسوء خلقه صاحبه أو على الأقل تورده الصحبة موارد التهم فكذلك صحبة واخوة. الخيرين تورث حسن السمعة وحسن ظن الناس من جهة وتعلم الأخلاق الفاضلة.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "وقارن أهل الخير تكن منهم"16.
1- عيون الحكم والمواعظ، 452.
2- كنز الفوائد، 34.
3- الزخرف:67.
4- ميزان الحكمة، 1-46.
5- عيون الحكم والمواعظ، 45.
6- مستدرك الوسائل،5-395.
7- بحار الأنوار،10-75.
30
26
الدرس الرابع: إختر صديقك
وعنه عليه السلام: "خير اخوانك من دعاك إلى صدق المقال بصدق مقاله وندبك إلى أفضل الأعمال بحسن أعماله"1.
خاتمة: ولذا فقد أمرنا النبي وأهل البيت عليهم السلام بمصاحبة أهل الصدق والعلماء والحكماء وكرام الناس وكل ذي خلة حسنة.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك"2.
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "أسعد الناس من خالط كرام الناس"3.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أكثر الصلاح والصواب في صحبه أولى النهي والصواب"4، فأنت وأنا يا عزيزي بالخيار بين أن نكون في زمرة الأخيار وصحبة الأبرار أو في زمرة الأشرار وصحبة الفجار...
لا تصاحب هؤلاء:
1- أهل البدع والضلال
2- من يزين لك الفاحشة والمعصية
3- النمام.
4- بذيء اللسان والفحاش.
5- الفاجر.
6- البخيل.
7- الأحمق.
8- الفاسق.
9- القاطع لرحمه.
10- الجبان.
11- الشرير.
12- كاشف العيوب والمتتبع لها.
13- صاحب اللهو.
14- الخائن والمرتاب.
1- ميزان الحكمة،1-46.
2- عيون الحكم والمواعظ، 223.
3- نهج السعادة، 7-251.
4- ميزان الحكمة، 2-1584.
31
27
الدرس الرابع: إختر صديقك
في جميع قضايا الحياة يجب التفكر والتحرك بارشاد العقل إلا في الموارد التي يأمرك الشارع المقدس بعمل ما،فهناك يكون الميدان ميدان التعبد، ولا يوجد أي عامل آخر له فاعلية حتى ولو كان العقل الانساني.
32
28
الدرس الخامس: أحذر حواسك
الدرس الخامس: أحذر حواسك
يقول تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾1.
مقدمة
تتحدث هذه الاية عن منة الله العظيمة على بني ادم والتي هي الحواس والقوى التي تعينه في حياته المادية والمعنوية وقد علل المولى هذه الهبة وغايتها برجاء مقابلتها من العبد بالشكر.
ومن نافل القول أن الشكر الحقيقي على أي نعمة إنما تكون بالدرجة الأولى بصرفها وتوظيفها حيث يريد المنعم الكريم الله تبارك وتعالى وعدم استعمالها فيما يضاد حكمته وإرادته.
وإلى هذا المعنى يشير الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق: "وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها وإلى بطنك، حقها وإلى فرجك حقه، وتستعين بالله على ذلك".
إذن فللحواس حقوقاً ومعنى حقوق الحواس هو حق الله، وعلى الإنسان فيها والتي تتلخص بعدم استخدامها بخلاف إرادة الله.
فمعنى تهذيب الحواس ببساطة هو مجاهدتها لأجل إدخالها في
1- النحل:78.
33
29
الدرس الخامس: أحذر حواسك
سلك طاعة الله وبمعنى أوضح الغاية من تحمل مسؤولية الحواس جعلها عابدة لله.
الحواس والطاعة
إن اللسان والعين والأذن واليد والرجل والبطن هي أدوات لطاعة الله أو معصيته أو الكفر به وبنعمه.
وبيدنا أن نجعلها عابدة مطيعة أو عاصية متمردة، وبأيدينا أن نجعلها في سلك أهل الولاية أو في سلك أهل المعاندة ومحاربة الله وأوليائه.
فعلى حواسنا يتجلى إيماننا القلبي وبواسطة عملها.
ثم أنا أو أنت مؤمنين حقيقةً أو غير مؤمنين بقدر طاعة هذه الحواس وخضوعها لربها.
الحواس في الدنيا والاخرة
إن الحواس في الدنيا عدا اللسان عمال خرس إلا اللسان فان عمله الكلام فهي في الدنيا إما عاملة في طاعة الله أو عاصية وفي كلا الحالين هي مطيعة لصاحبها يحركها بإرادته في الطاعة أو المعصية وهي في الدنيا في التعبير القراني في حالة رقابة ومسؤولة قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾1.
1- الإسراء:36.
34
30
الدرس الخامس: أحذر حواسك
فالحواس في الاخرة تسأل فالقلب يسأل واللسان والسمع والبصر واليد والرجل... كلها تسأل.
تأمل قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾1.
وقوله عز من قائل: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾2.
ولكن اللسان هو الذي كان يعبر عنهم فماذا يحصل لترجمان القلب والحواس.
﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾5.
فالإنسان في الدنيا يخفي ما يفعل باليد الصماء والرجل العمياء والحواس الخرساء ليتستر بها ولكن هل يستتر من الله؟
﴿ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾4.
وكم يتعجب الإنسان حينما يرى الأخرس يتكلم والأعمى يشهد ويُدين وليأتي جوابها عن هذا التعجب: ﴿أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ..﴾5.
الحواس المؤمنة:
إن تكليفنا هو أن نجعل اللسان والعين واليد والرجل والأذن وكل
1- فصلت:20.
2- النور:24.
3- يس:56.
4- فصلت:22.
5- فصلت:21.
35
31
الدرس الخامس: أحذر حواسك
أعضائنا وحواسنا مؤمنة ومطيعة، ففي الحديث: "لان الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن ادم وقسمه عليها وفرقه فيها فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت بها اختها..."1.
ومما فرض من الإيمان على الأعضاء ما ورد في القران الكريم:
في اللسان:
﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾2.
﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾3 الخ.
وفي السمع:
﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ...﴾4.
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ..﴾5الخ.
وعن البصر والفرج:
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ...﴾6.
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾7.
وكثير من الايات والروايات التي تتحدث عن احكام واداب كل عضو من أعضاء الإنسان.
1- وسائل الشيعة، 11-124.
2- العنكبوت:46.
3- البقرة:83.
4- الزمر:17-18.
5- الفرقان:72.
6- غافر:19.
7- النور:30.
36
32
الدرس الخامس: أحذر حواسك
تنبيه:
من المفروض على كل عاقل قبل العمل على تهذيب حواسه وأعضائه أن يتفكر في هذه النعم وعجيب صنع الله فيها ودقة تدبيره لتؤدي الأغراض المطلوبة منها، هذا التدبير والدقة في الصنع يرشدان إلى عظيم عناية الله عز وجل. هذه العناية التي توجب مقابلتها بدقة شديدة في ادارتها في ساحات عملها وخدمتها.
فالإنسان عليه الحذر من خطورة عينه فلا ينظر بها إلى عورات الناس..
وعليه الحذر من خطورة أذنه فلا يسمع فيها الغيبة، والغناء والموسيقى المحرمة..
وعليه الحذر من خطورة لسانه فلا يذكر فيه عيوب الناس ولا يسب ولا يشتم ولا يقول الكلام الفاحش والبذيء ولا يكفر.
وعليه الحذر من بطنه فلا يأكل المحرمات، ولا يأكل مال الناس بغير إذنهم ولا يأكل الخبائث والنجاسات ولا يدخل إليه الخمور والمسكرات..
وليعود هذه الأعضاء على الإكتفاء بما أحل اللّه لها لمسك زمامها وإلا فستلقيه في جهنم وبئس المصير.
37
33