دليل القراء إلى أطوار العزاء


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-07

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 المقدمة



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الرحمة محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين.
 
"إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً"1
الرسول الأكرم صلى الله عليه وإله وسلم
 
تلك الحرارة التي جعلت من الفاجعة مدرسة، ومن الدّماء كلمة تستنهض كلّ المظلومين والمضطهدين في العالم للخروج من ذلّ العبوديّة إلى كنف الحريّة، لقوله عليه السلام :"لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً"2 ، هذه الحريّة التي كتبها الإمام الحسين عليه السلام من دم نحره الشريف على قرطاس أرض كربلاء، ورسمها بأحرف من نور، ليوضّح للعالم أنّ من كان ينشد الحريّة والعيش بسعادة، عليه أن يسلك الدرب الذي سلكته والطريق التي شققتها بتضحياتي.
 
 
 

1- مستدرك الوسائل - ج10 ص319.
2- نهج البلاغة ص37.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 ولمّا كان الباعث على استمراريّة بثّ روح الثورة في نفوس الأحرار في العالم هو الدأب على ذكر هذه السيرة الخالدة والتضحيات العظيمة، كان لأهل البيت عليهم السلام الدور البارز في إقامتها، والتشجيع على استمراريّتها بالتواصل مع الشعراء والأدباء والخطباء من أجل إبراز هذه الفاجعة الأليمة كما كان إمامنا الصادق عليه السلام يصنع مع الخارجين إلى منى في مواسم الحجّ, هذا بالإضافة إلى الأجر العظيم والثواب الجزيل المترتّب على ذكر هذا الخطب الجلل والمصاب الأليم. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ما من أحد قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى إلّا أوجب الله له الجنّة وغفر له"1. ومن هنا كان لعلمائنا العظام الدور البارز في الاهتمام بإقامة هذه الشعائر والحثّ على استمراريّتها باعتبارها ركناً أساسيّاً من أركان التوعية في المجتمع, وأعطوها قسطاً وافراً من مؤلفاتهم, وأولوها بحثاً وتحقيقاً حول أهداف هذه الثورة والدوافع التي أدّت إليها, والنتائج المترتّبة عليها, ونظموا في ذلك الدواوين وعقدوا المؤتمرات.

 
وكانت لهم العناية الكبرى في مدّ يد العون لخطباء هذا
 
 


1- وسائل الشيعة ج14 ص593

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

المقدمة

  المنبر الحسينيّ الكربلائيّ العظيم عبر تأليف مجموعة وافية من الكتب التي تحوي العديد من المجالس المعدَّة, ولم يهملوا في كتاباتهم أهميّة إسالة الدّمع وإثارة العواطف وما لهما من أثر في الدنيا والآخرة, مستوحين ذلك من الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام : "من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"1.

 
والرواية النبويّة عنه صلى الله عليه وإله وسلم : "ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين رحمة وشفقة"2.
 
ومجالس العزاء هي الطريق والوسيلة لتغيّير واقع الأمّة نحو المستقبل الأوحد كما حصل في إيران الإسلام التي عبَّر مفجّر ثورتها المباركة الإمام الخميني قدس سره عن سرّ نجاحها "إنّ كلّ ما عندنا هو من مجالس عاشوراء".
 
لذا كانت قراءة التعزية من أفضل الشعائر الحسيني ة ومن أعظم القربات, لأجل ذلك كانت خطوة معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ بإعداد هذا المتن التدريسيّ في الأطوار لإعداد
 
 
 

1- وسائل الشيعة ج14 ص500.
2- بحار الأنور ج44 ص300.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

المقدمة

  الخطباء الحسينيّ ين باسم "دليل القرّاء إلى أطوار مجالس العزاء" وهو يطرق باباً من أبواب الخدمة لخطباء هذا المنبر الحسينيّ, وهو يعتني بكيفيّة تمكين الخطيب من محاكاة المجتمع بهذه القصائد والروايات، وما هي الطريقة التي ينبغي على الخطيب اتباعها في استدرار هذه الدّمعة وسيلانها, وإثارة عواطف الناس وتفاعلها مع هذه المصيبة حتى يكون ممن أوجب الله له الجنّة وغفر له، فكان لا بد من إلقاء الضوء على العديد من الطرق التي تمكّن الخطيب من امتلاك قدرة تقديم هذه المجالس بطريقة مشجية حزينة.


وفي الختام، لا يفُوتُنا أنْ نَتَقَدَّم بالشُكْر الجَزيل منْ الخطيب الحسيني فضيلة الشَيْخ حسن البدوي عَلَى جُهُوده المُبَاركة في تأليف وإعداد هذا الكتاب سائلين المولى أن يوفّقنا لخدمة هذا المنبر الحسينيّ العظيم.

معهد سيّد الشهداء عليه السلام
للمنبر الحسيني
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

المقدمة

 من توجيهات الإمام الخمينيّ قدس سره


يجب التذكير بالمصائب والمظالم التي يرتكبها الظالمون في كلّ عصر ومصر، وإيرادها في القصائد والشعائر التي ينظمها الشعراء في مدح ورثاء أئمة الحقّ عليهم السلام بشكل حماسي.

ليهتمّ خطباء المنابر (أيّدهم الله) وليسعوا في دفع الناس إلى القضايا الإسلامية، وإعطائهم التوجيهات اللّازمة في الشؤون السياسيّة الإسلامي ة والاجتماعيّة الإسلامي ة، وليتمسكوا بالمراثي والخطابة، فنحن أحياء بهذه المراثي.
على الخطباء أن يتلوا المراثي كما كانوا يفعلون في السابق، وليعدّوا الناس للتضحية والفداء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

الفصل الأوّلّ: المنبر الحسيني ومزاياه

 المنبر الحسيني ومزاياه

 
يحتلّ المنبر الحسيني أعلى مراتب التأثير والتوعية في الناس قياساً إلى بقيّة الوسائل المتاحة وذلك لتميّزه عن غيره من وسائل التوعية بمزايا كثيرة أهمّها:
 
1- يستخدم المنبر الحسيني الأُسلوب الخطابيّ في عرض العقائد والأفكار والآراء، وهذا الأُسلوب يمتاز باستعمال سلاح البيان وأداة الكلام.
 
ويعتبر حُسن البيان أقوى وسيلة وأمضى سلاح للتأثير في النفوس، وإقناع الجمهور وتثقيف وتوعية المجتمع ورفع مستواهم الفكريّ والثقافيّ، ومن هنا كان الأنبياء والمرسلون عليهم السلام يستخدمون سلاح البيان كوسيلة فعّالة في التبليغ والدعوة إلى الله عزّ وجلّ. قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام : ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ (طه: 43-44)، كما قال تعالى لموسى عليه السلام : ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

6

الفصل الأوّلّ: المنبر الحسيني ومزاياه

 * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾(طه: 24-28).

 
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إعلم أنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث رُسُله حيثُ (حين) بعثها ومعها ذهب ولا فضّة، ولكن بعثها بالكلام، وإنّما عرَّف اللهُ نفسه إلى خلقه بالكلام والدلالات عليه والأَعلام"1.
 
وعن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحُججَ بالعقول، ونصر النبي ين بالبيان"2.
 
فالأنبياء والرُسُل استخدموا وسيلة الكلام والبيان في دعوتهم الناس إلى الله تعالى، وكانوا أعظم الخطباء وأبلغهم، وكان نبيّنا الكريم صلى الله عليه وإله وسلم أخطب الخطباء وأبلغ البلغاء على الإطلاق، فقد أُوتي الحكمة وفصل الخطاب، ولا تزال خطبه العظيمة في شتّى نواحي الحياة والدعوة إلى الله منهلاً يستقي منه الخطباء والبلغاء، ونوراً يهدي السائرين في درب الحقّ، وبعد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يأتي أهل بيته الأطهار عليهم السلام أئمة الخطباء وأساتذة البلغاء، وفي مقدّمتهم
 
 
 

1- روضة الكافي، 130.
2- أصول الكافي، 1:10، الحديث 12.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

7

الفصل الأوّلّ: المنبر الحسيني ومزاياه

 الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أمير الفصاحة والبيان، وهو القائل: "وإنّا لأُمراء الكلام وفينا تنشَّبت عروقه وعلينا تَهدّلت غصونه"1.

 
2- إنّ المنبر الحسيني هو اللسان المعبّر عن مبادئ الإمام الحسين عليه السلام والمُدافع عن مواقفه وأهدافه.
 
فهو يستعرض خلفيّات الثورة الحسينيّ ة ودوافعها وأهدافها، كما يستقرئ معطياتها ونتائجها وتداعياتها، ويستجلي المواقف البطوليّة الواعية التي قام بها سيّد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأنصاره في الدفاع عن الحقّ والوقوف في وجه الباطل.
 
3- يُكلّم خطيبُ المنبر الحسيني الجماهيرَ بصورة حيّة، ويخاطبها بشكل مباشر وجهاً لوجه، وهما يتفاعلان معاً. والكلام المباشر له تأثير عظيم في نفوس المستمعين؛ إذ تتلاقى بين الخطيب والمستمعين الأنفاس والنظرات والقلوب. وقد ثبت بالتجربة أنّ المستمعين يفضّلون الاستماع إلى الخطيب مباشرة مع النظر إلى وجهه وحركاته.
 
فهو بذلك يليّن القلوب ويرقّقها عند الموعظة، ويثير حميّة الجماهير عند الحاجة.
 
 
 

1- نهج البلاغة، الخطبة 233.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

8

الفصل الأوّلّ: المنبر الحسيني ومزاياه

 فكم من عاصٍ تراجع عن غيّه من ذنبه ورجع إلى طاعة ربّه عند سماعه موعظة من خطيب حسيني ! وكم من شخص جاد بالمال عندما استعرض الخطيب مضرّات وعقاب البخل، وفوائد وثواب السخاء والإنفاق! وكم من إنسانٍ اعترته الشبهات حول قضايا الدّين، فتبدّدت شبهاته بفضل استماعه إلى حديث من خطيب حسينيّ! وكم من جاهل لم يرجع في معرفة أحكام دينه إلى مرجع دينيّ ولكنّه بفضل حضوره في مجلس الحسين عليه السلام واستماعه إلى محاضرة عن ضرورة تقليد العاميّ للمجتهد، قام بتقليد فقيه جامعٍ للشرائط وسار وفق فتاواه، فنجا من الهلكة! وكم من شابّ خامل، دفعته كلمات خطيب حسينيّ إلى ساحات الجهاد!.

 
4- يمتاز المنبر الحسيني بأُسلوب خاصّ، فالخطبة الحسيني ة تحتوي على مزيج من العلوم والمعارف المتنوّعة: التفسير، الحديث، الفقه، الكلام، الأخلاق، التاريخ، الأدب، القصّة، النادرة، النكتة، كما تشتمل على فكرة وعاطفة وعظة وعبرة.
 
كما ويعتمد المنبرُ الحسيني بالدرجة الأُولى على علم وفكر أهل البيت عليهم السلام في فهم المصدرين الرئيسيّين للمعارف الدّينيّة الإسلامي ة، وهما القرآن الكريم وسنّة الرسول صلى الله عليه وإله وسلم ، وذلك لأسباب أبرزها:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

9

الفصل الأوّلّ: المنبر الحسيني ومزاياه

 أ- لأنّ أهل البيت عليهم السلام أعلم الناس بكتاب الله تعالى: تنزيله وتأويله، محكمه ومتشابهه، مطلقه ومقيّده، عامّه وخاصّه، ناسخه ومنسوخه، وكذلك بالنسبة إلى سنّة الرسول صلى الله عليه وإله وسلم. روى الشيخ الكلينيّ بإسناده عن الصيرفيّ، قال: سمعتُ أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: "إنَّ عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وإنّ الناس ليحتاجون إلينا، وإنّ عندنا كتاباً إملاء رسول الله وخطّ عليّ، صحيفة فيها كلّ حلال وحرام"1.

 
لهذا لا يمكن للمنبر أن يكون متنوّعاً إلّا إذا اعتمد على أحاديثهم، فإنّك تجد ضالّتك في كلامهم عليهم السلام إن في السياسة، أو الفقه، أو العقائد، أو الأخلاق، أو الاقتصاد، أو التاريخ....
 
قال الشيخ كاظم الأُزريّ في حقّهم:
 
كَمْ لَهُمْ أَلسُنٌ عَن الله تُنْبي              هيَ أَقْلامُ حكْمَةٍ قَدْ بَرَاهَا
وَهُمُ الأَعْيُنُ الصَّحيحَاتُ تَهْدي         كُلَّ نَفْسٍ مَكْفُوفَةٍ عَيْناهَا
عُلَمَاءٌ أَئمَّةٌ حُكَمَاءٌ                     يَهتَدي النَّجْمُ باتّباع هُدَاهَا
قَادَةٌ علْمُهُمْ وَرَأْيُ حجَاهُمْ             مَسْمَعا كُلّ حكْمَةٍ مَنْظَرَاهَا
 
 
 

1- الفصول المهمّة في أصول الأئمّة ج1 ص480.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

10

الفصل الأوّلّ: المنبر الحسيني ومزاياه

 وَرِثُوا منْ مُحَمَّدٍ سَبْقَ أُولَا            ها وَحَازُوا مَا لَمْ تَحُزْ أُخْرَاهَا

مَنْ يُبَاريهمُ وَفي الشَّمْس مَعْنىً        مُجْهدٌ مُتْعبٌ لمَنْ بَارَاهَا1
 
 
ب ولأنّ الرسول صلى الله عليه وإله وسلم قال فيهم كما في رواية ابن حجر الهيثميّ عن أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم : "إنّي أوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله عزّ وجلّ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا ب مَ تخلفوني فيهما؟"2. وأضاف ابن حجر: وفي رواية صحيحة: "إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن تبعتموهما وهُما: كتاب الله وأهل بيتي عترتي". ثمّ قال: زاد الطبرانيّ: "إنّي سألتُ ذلك لهما، فلا تَقَدَّموهما فتهلكوا، ولا تُقَصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم"3.
 
لذا يتحدّث المنبر الحسيني عن فضائل ومناقب النبيّ الكريم صلى الله عليه وإله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام ، ومكانتهم في الدّين، وما ورد في حقّهم،
 
 
 

1- الأزريّة ص34.
2- مسند أحمد، مجلّد 4:48، الحديث 11148.
3- الصواعق المحرقة: 148.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

 


11

الفصل الأوّلّ: المنبر الحسيني ومزاياه

 ووجوب مودّتهم وطاعتهم والتمسّك بهم؛ وذلك لتعريف المسلمين بمقامهم ومنزلتهم، ولتثبيت نهجهم في المجتمع الإسلاميّ.


ويعرج بعد ذلك على ذكر المآسي والمصائب التي وردت على آل الرسول صلى الله عليه وإله وسلم في يوم عاشوراء وفي أيام السبي والأسر، ويعمّق ذلك في النفوس بالشعر الرثائي الحزين المهيّج للعواطف والمثير للمشاعر مستخدماً فنّ الخطابة، ومستعيناً بالألحان المشجية، والكلمات المحزنة، والإيقاعات المؤثّرة، فيرقّق القلوب ويستدرّ الدموع جمعاً بين الفكر والعاطفة.

ولم يحصر المنبرُ الحسيني حديثَه في الإمام الحسين عليه السلام وثورته المباركة، بل استوعب حياة جميع أهل البيت عليهم السلام ، فهو يعكس موقفهم من القضايا المختلفة، ويسلّط الأضواء عليها، ويبيّن مذهبهم عليهم السلام في المواقف السياسيّة والاجتماعيّة والعقائديّة، ويقوم بتوعية الجماهير في هذه المجالات وغيرها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

12

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 تنقسم المآتم الجماعيّة إلى قسمين: المآتم التلقائيّة العفويّة والمآتم المعدّ لها المنصوبة.


المآتم المنصوبة:

ولهذه المآتم شواهد كثيرة في التاريخ نذكر منها عدّة أمثلة:

1- إذا استقرأنا التاريخ نجد أن كربلا قد شهدت المأتم الأوّل للإمام الحسين بعد استشهاده عليه السلام أقامته الحوراء زينب عليها السلام وبنات الرسالة من العلويات ونساء الأصحاب، وبحسب التقدير أنّ هذا المأتم المهيب نُصب حول جسد الإمام الحسين عليه السلام ، وكان مأتماً جماعيّاً بامتياز، ولم يكن تلقائيّاً أو عفويّاً وإنّما كان مأتماً منصوباً معدّاً له.

2- المأتم الثاني الجماعيّ شهدته قاعات قصر الخضراء في الشام، لمّا رأت هند زوجة يزيد (لع) الرأس الشريف مصلوباً على باب دارها، والأنوار العلويّة تتصاعد إلى عنان السماء، وشاهدت الدم يتقاطر، ويُشم منه رائحة طيبة، (كما يقول
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

13

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 المقريزيّ في الخطط) عند ذلك عظم مصابه في قلبها، فلم تتماسك دون أن دخلت على يزيد مجلسه مهتوكة الحجاب وهي تصيح: رأس ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم مصلوب على دارنا، (وكما يقول الطبري ) قام إليها وغطّاها، وقال لها: اعولي على الحسين، فإنّه صريخة بني هاشم، عجّل عليه ابن زياد1. فنصب المجلس.

 
ويذكر بعض المؤرّخين أنّ النساء الأمويّات شاركن فيه. وبعبارة أخرى تداعين إلى القصر الأمويّ فأقمن مجلساً للبكاء على أبي عبد الله عليه السلام ، وجليّ أنّ هذا المأتم لم يكن عفويّاً وتلقائيّاً بل أُعدّ له إعداداً.
 
3- في مدينة رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم.
 
وذلك لمّا أنفذ يزيد بن معاوية عبد الملك بن أبي الحارث السلميّ إلى المدينة، يحمل إلى عامله عليها عمرو بن سعيد بن العاص نبأ قتل الحسين عليه السلام ، قال عبد الملك: "لمّا دخلت على عمرو بن سعيد قال: ما وراءك؟ قلت: ما يسرّ الأمير، قتل الحسين بن عليّ؛ فقال: أخرج فناد بقتله.
 
 
 

1- المقتل للخوارزميّ، ج2، ص74.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

14

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 فناديت، فلم أسمع قطّ واعية مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي عليه السلام ، حين سمعوا النداء بقتله".


وبهذا أقيمت مآتم جماعيّة في منازل الهاشميّين، وفي الشوارع، والساحات العامّة كما توحي بذلك بعض الروايات.

وبلغت ذروة هذه المآتم عندما وصل الركب الحسيني إلى المدينة. وقد حفظ لنا التاريخ مأتم عبد الله بن جعفر كما ينصّ الطبريّ، وكذلك مجالس السيّدة أمّ البنين عليها السلام في البقيع، ولكن أهمّ المآتم الجماعيّة التي نصبت في المدينة، هي التي نصبتها السيّدة زينب عليها السلام فأعدّت لذلك العدّة ومنعت أحداً أن يدخل عليها الدار للمشاركة بهذا المأتم إلّا من فقدت عزيزاً، وقيل: إنّ أمّ البنين دخلت عليها وشاركتها في المأتم.

وقد أدّى هذا المأتم وما ولّده من ردود فعلٍ ضدّ الأمويّين في المدينة، حافزاً لعامل المدينة عمرو بن سعيد الأشدق إلى أن يكتب إلى يزيد بن معاوية ما هذا نصّه:

"إنّ وجود زينب بين أهل المدينة، مهيّج للخواطر، وإنّها فصيحة، عاقلة، لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

15

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 المآتم التلقائيّة:

 
هذه المآتم عفويّة ولم يكن مُعدّاً لها مسبقاً وهي كانت تحصل عند مرور قافلة السبايا والرؤوس في المدن والتجمّعات السكانيّة في طريقها، وأهمّها مأتمان:
 
1- في الكوفة حين وصلت قافلة السبايا خرجت الجماهير لاستقبالها, وتوالى على الخطابة كلّ من الإمام زين العابدين عليه السلام والسيّدة زينب والسيّدة أمّ كلثوم والسيّدة فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام ، ويصف لنا التاريخ حالة الكوفيّين بقوله: "وضجّ الناس بالبكاء والعويل ونشر النساء شعورهنّ ووضعن التراب على رؤوسهنّ وخمشن الوجوه ولطمن الخدود ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال فلم يُر باكٍ وباكية أكثر من ذلك اليوم"1.
 
2- في المدينة لمّا أمر الإمام زين العابدين عليه السلام بشير [بشر] بن حذلم أن يدخل المدينة وينعى الحسين عليه السلام وبعد أن أنشد فيهم:
 
 
 

1- لواعج الأشجان ص205.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

16

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 يَا أَهْلَ يَثْربَ لَا مُقامَ لَكُمْ بهَا          قُتلَ الحُسَيْنُ فَأَدْمُعي مدْرَارُ

أَلْجسْمُ منْهُ بكَرْبَلَاءَ مُضَرَّجٌ             وَالرَّأْسُ منْهُ عَلَى القَنَاة يُدَارُ

قال بشير [بشر] بن حذلم: فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلّا برزن من خدورهنّ وهنّ يدعين بالويل والثبور ولم يبق في المدينة أحد إلّا خرج وهم يضجّون بالبكاء. وهكذا تحوّلت المدينة كلّها بعد وصول موكب السبايا عليهم السلام إليها من كربلاء إلى مأتم كبير.

إنّ هذه المآتم الجماعيّة سواء المنصوب منها أو التلقائيّ حيث التجمّعات التي أدّى إليها الانفعال العفويّ بالمأساة ممّا لا شكّ فيه شكّلت النواة التي بزغ منها المأتم الحسيني ، وفيما بعد، فإنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام هم الذين دفعوا بهذه التجمّعات إلى أن تأخذ هذا الاتّجاه المنظّم، بحيث تحوّل المأتم الحسيني إلى مؤسّسة ثقافيّة كبرى لها أعرافها وتقاليدها، وأوّل من أطلق هذا التوجيه بعد واقعة الطفّ هو الإمام السجّاد عليه السلام ، كما ورد في كامل الزيارات قوله عليه السلام : "أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين دمعةً حتى تسيل على خدّه بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

17

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خدّه فينا لأذىً مسّنا من عدونا في الدنيا بوّأه الله بها في الجنّة مُبَوَّأ صدق"1.

 
فالإمام عليه السلام أوجد بهذا التوجيه الأرضيّة المتماسكة لانطلاق المآتم، واستمرارها في التحفيز على الاجتماع الدائم لأجل البكاء، وقد ورد عن حفيده الإمام الباقر عليه السلام توجيهاً عامّاً يكرّس فيه التجمّع العامّ، والتذاكر في أمر أهل البيت عليهم السلام بدون تحديد زمان أو مكان حيث قال عليه السلام : "رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكروا في أمرنا فإنّ ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلّا باهى الله بهما الملائكة. فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذّكر فإنّ في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا"2.
 
وهذا النصّ يدلّ أنّ المأتم الحسيني في عهد الإمام الباقر عليه السلام بدأ يأخذ شكل المجلس الهادف، الذي لا يخضع نشاطه لتحديد زمنيّ معين وإنّما ينتشر في الزمان والمكان بحيث لم يأت عهد الإمام الصادق عليه السلام إلّا وقد غدا التجمّع المخصّص لذكر أهل
 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج10، ص393، حديث (3).
2- أمالي الطوسي 1:228، وبشارة المصطفى: 110.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

18

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 البيت عليهم السلام وخصوصاً الإمام الحسين عليه السلام أمراً مألوفاً في أوساط الشيعة.

 
ومن هنا رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله للفضيل بن يسار:
 
"يا فضيل! تجلسون وتتحدّثون؟ قال: نعم، جعلت فداك.
 
قال عليه السلام :"يا فضيل هذه المجالس أحبّها. فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا"1.
 
ولا يخفى أنّ عصر الإمام الصادق عليه السلام ، خصوصاً نهاية الدولة الأمويّة، وبداية الدولة العباسي ة، شهد فترة غنيّة بالنشاط والحريّة وكثرة التجمّعات للشيعة ممّا ساعدهم على تطوير نشاطاتهم الثقافيّة وفي مقدّمتها المأتم الحسيني.
 
وإن شهد هذا التطوّر خمولاً في فترات لاحقة بحسب الظروف السياسيّة، ثمّ شهد المأتم الحسيني تطوّراً شكليّاً آخر عندما غدا له وقت ثابت، فبعد أن كان يوم العاشر (يوم الواقعة) هو الموعد الزمنيّ غدت في تلك الفترة أيام محرّم الحرام من اليوم الأوّل إلى اليوم العاشر هي الموعد الزمنيّ، وهذا يعني أنّ المساحة الزمنيّة لأعمال المأتم ومظاهر الحزن قد اتسعت عمّا كانت عليه
 
 
 

1- قرب الإسناد: 36.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

19

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 لتصل إلى الأيّام الأخرى التي وردت النصوص عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بزيارة الإمام الحسين عليه السلام فيها، مثلاً: يوم عرفة، ليلة الفطر، أوّل يوم من شهر رجب ومناسبات أخرى، فإنّ هذه الأيّام كانت مناسبات جامعة للمآتم الحسينية إلى جانب كونها مواسم للزيارة، ولم يكن هذا الأمر محصوراً عند مرقد أبي عبد الله الحسين عليه السلام بل كان يتعدّى ذلك إلى دُور الشيعة القريبة والبعيدة عن المشهد المقدّس وفي أصقاع الأرض.


إلّا أنّ النياحة بما فيها المآتم الحسيني ة تطوّرت أيضاً في أيّام الدولة العباسية، وخصوصاً في زمن البويهيّين الذين دامت دولتهم 133 سنة في أواسط الحكم العباسيّ في العراق، إذ أنّ السلطة الفعليّة سقطت من يد العباسيّين إلى يد البويهيّين. والبويهيّون هم أوّل من أخرج هذه المآتم إلى الأسواق والمتاجر ووسّعوها. وأوّل من أحدث المواكب العزائيّة في ذلك العصر معزّ الدولة البويهيّ، واستمرّ إلى عهد السلاجقة، وكان أوّل مأتمٍ مركزيّ أقيم في بغداد بأمر معزّ الدولة.

كلّ هذا كان على مستوى شكل المأتم الحسيني وتطوّره.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

20

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 مراحل تطوّر مضمون المآتم الحسينيّة:

 
فقد مرّت المآتم الحسيني ة بعدّة مراحل نذكر أهمّها:
 
المرحلة الأولى:
 
فنقول: كانت المآتم في البداية عبارة عن شعر رثائيّ يقوم بإنشائه وإنشاده أحد الشعراء.
 
وقد لخّص لنا الإمام الصادق عليه السلام طرق إحياء الذكرى والمضمون الذي يحمله المأتم الحسيني كما ورد في كامل الزيارات عن عبد الله بن حمّاد البصريّ متحدّثاً عن قبر سيّد الشهداء الحسين عليه السلام ، حيث قال له الإمام الصادق عليه السلام : "بلغني أنّ قوماً يأتونه (أي قبر الإمام الحسين عليه السلام ) من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ونساء يندبنه وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ وقاصٍّ يقصّ ونادب يندب، وقائل يقول (المراثي)"1.؟!
 
إذاً هناك من يقرأ الشعر الرثائيّ وهناك من يندب، ولا يخفى أنّ معنى الندب هو البكاء على الميت مع تعداد محاسنه كما في أقرب
 
 
 

1- كامل الزيارات، 539، الباب 108، الحديث 1.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

21

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 الموارد، بالإضافة إلى هؤلاء المنشدين للشعر، وجد فريق آخر من رجال المآتم الحسيني ة في ذلك العصر، وهم القصّاصون الذين يقصّون سيرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، ويذكرون ما جرى عليه و على أهل بيته عليهم السلام من البداية إلى النهاية، وما يتعارف عليه اليوم بـ "المقتل".


واللّافت أنّ كلّ فئة من هؤلاء الذين ذكرهم النصّ كان يختصّ بعمله، بحيث أنّ الشاعر كان يقتصر على الشعر، والنادب على الندب، والقاصّ على ذكر السيرة والمقتل، والراثي يردّد المرثيّات الشعريّة، وفيما بعد، اجتمعت هذه الأدوار كلّها في شخص واحد وهو الخطيب الحسيني ، ولدينا هناك نصّان وردا عن الأئمة عليهم السلام يظهران لنا بوضوح كيفيّة تتطوّر قراءة العزاء في المآتم الحسينية.

الأوّل: ما جرى مع أبي هارون المكفوف الذي كان شاعراً بارعاً رقيق الشعر مختصّاً بأبي عبد الله عليه السلام ، يدخل عليه فيقرأ عليه شعره فيبكي ويبكي من خلف الستر أهلُ بيته الأطهار عليهم السلام.

روى ابن بابويه في ثواب الأعمال بسنده عن صالح بن عقبة، عن أبي هارون المكفوف، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام : "يا أبا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

22

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 هارون أنشدني في الحسين عليه السلام "، قال: فأنشدته فبكى، فقال: "أنشدني كما تنشدون" يعني بالرقّة قال: فأنشدته:

 
أُمْرُرْ عَلَى جَدَث الحُسَيْـ            ـن وَقُلْ لأَعْظُمه الزَّكيَّهْ
 
قال: فبكى، ثمّ قال: "زدني"، قال: فأنشدته القصيدة الأُخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر، قال: فلمّا فرغت قال لي: "يا أبا هارون، مَن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى عشرة كُتبت لهم الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنّة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنّة، ومن ذُكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله عزَّ وجلَّ، ولم يرض له بدون الجنّة"1.
 
الثاني: وروى ابن قولويه في كامل الزيارات بسنده عن صالح بن عقبة عن أبي هارون المكفوف، قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: أنشدني "أي في الحسين عليه السلام "، فأنشدته، فقال: "لا، كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره"، -أي وبالرقّة-، قال: فأنشدته:
 
.
 

1- ثواب الأعمال للصدوق: 111، وكامل الزيارات: 208، الباب 33، الحديث 1.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

23

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 أُمْرُرْ عَلَى جَدَث الحُسَيْـ              ـن وَقُلْ لأَعْظُمه الزَّكيَّهْ


قال: فلمّا بكى أمسكت أنا، فقال: مُر، فمررت، قال أبو هارون: ثمّ قال عليه السلام : "زدني زدني"، قال: فأنشدته:

يا مَرْيَمٌ قُومي انْدُبي مَوْلاك        وَعَلَى الحُسَيْن فَأَسْعدي ببُكَاك

قال: فبكى وتهايج النساء، قال: فلمّا أن سكتن قال لي: "يا أبا هارون، مَن أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى عشرة فله الجنّة"، ثمّ جعل ينقص واحداً واحداً حتّى بلغ الواحد، فقال: "مَن أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنّة"، ثمّ قال: "من ذكره فبكى فله الجنّة".

أقول: نفس تأكيد الإمام عليه السلام على أبي هارون وحثّه على ترقيق الصوت عند إنشاد الشعر الحسيني وقراءته باللّحن المؤثّر لا بالتلاوة؛ فهذا يعتبر تطوّراً.

كما نلحظ هذا التطوّر النوعيّ في زمن الإمام الصادق عليه السلام للقراءة في المآتم الحسينيّ ة، بحيث صار الشعر يُنشد بطريقة خاصّة فيها مؤثّرات صوتيّة تخدم هدف البكاء الذي هو من أهداف المأتم الحسينيّ ، وكذلك في زمن الإمام الرضا عليه السلام حيثُ القصيدة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

24

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 المعروفة لدعبل الخزاعيّ، وهذان الزمانان من أفضل الفترات التي أنعشت المآتم الحسينية.


ويمكننا أن نعتبر هذه المرحلة من يوم سقوط شهيد الطفّ عليه السلام إلى عصر الغيبة الصغرى هي المرحلة الأولى من عمر المأتم الحسيني وتطوّره.

المرحلة الثانية

بدأت مع ظهور الدول الشيعي ة حيث سيطر آل بويه على مقاليد الأمور في بغداد سنة (334 هجريّة)، وسيطر الفاطميّون على القاهرة سنة (362 هجريّة)، فيما سيطر الحمدانيّون على حلب وأماكن أخرى سنة (333 هجريّة).
لذا فإنّ بروز هذه الدول الشيعي ة الثلاث قد أسهم في توسيع دائرة المأتم الحسيني ، إن على مستوى الشكل، أو المضمون كما ألمحنا إلى ذلك، ولكن بعد نهاية الحكم الفاطميّ بمصر (567 هجريّة)، لم نجد أثراً لهذه المآتم التي كانت منتشرة في البلاد المصريّة آنذاك إلى حدّ أنّ المرأة العجوز تقف على باب المسجد العتيق وتنشد على الإمام الحسين عليه السلام قصائد رثائيّة، ويبدو أنّ الأيوبيّين الذين حكموا مصر بعد ذلك واجهوا تلك المآتم وقمعوها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

25

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 بينما في بغداد استمرّت إقامة المآتم حتّى مع زوال حكم البويهيّين (447 هجريّة) الذين تركوا بصماتهم على المأتم الحسيني ، وأمّا الحمدانيّون الذين لم يتسنّ لهم الحكم طويلاً (333 إلى 394 هجريّة) ظلّت المآتم مستمرّة بعد زوال ملكهم لا أقلّ في أطراف مدينة حلب الحاليّة.


المرحلة الثالثة:

من أبرز مظاهر هذه المرحلة بروز دولة شيعيّة وهي الدولة الصفويّة في إيران، والتي امتدّ نفوذها ليشمل العراق، بالخصوص المراقد المقدّسة فيه، والتي تجلّت فيها المآتم أكثر من غيرها في زمن الصفويّين الذين أعلنوا المذهب الشيعيّ مذهباً رسميّاً للبلاد، وكان اهتمامهم بالتشيّع بالغاً بحيث أنفقوا أموالاً ضخمة على عمارة المراقد المقدّسة للأئمّة عليهم السلام ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد شجّعوا إحياء المراسم الدينيّة بالأخصّ الحسينيّ ة، واستمرّت تلك الفترة (914 إلى 1114 هجريّة) وفي هذه المرحلة ألّف المولى حسين بن علي الكاشفيّ المتوفّى سنة (910 هجريّة) كتاب روضة الشهداء، وهو يحتوي على عشرة أبواب وخاتمة يذكر فيه المؤلّف فضائل أهل البيت عليهم السلام وأموراً أخلاقيّة مطعّمة بشواهد أدبيّة، ثم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

26

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 يعرّج فيها على المصيبة الحسينيّ ة، وهو أوّل مقتل فارسي شاعت قراءته بين الفرس حتّى عُرف قاريه بـ"روضه خوان" - أي قارئ الروضة- فكان الكتاب مادّة معتمدة للخطباء الإيرانيّين.


المرحلة الرابعة:

هذه المرحلة واكبت بدايات القرن العشرين، وفيها لمع خطباء مبرّزون، أعطوا المأتم الحسيني حقّه، وكان ذلك في خضمّ الهجمة الشرسة التي واجهت المسلمين، من أفكار مسمومة، تتحدّى العقيدة، وكان المأتم الحسيني من أبرز وسائل الدفاع والذود عن الدّين، فلم يعد المأتم الحسيني عبارة عن سرد قصّة كربلاء مع ذكر الرثاء فقط، ولم يعد المأتم يعقد لذكر الفضائل والأخلاق فقط، بل قفز قفزات نوعيّة حينها، ومن أبرزها اعتناء بعض خطباء تلك الحقبة بمناقشة الأفكار الوافدة، وردّ الشبهات التي كانوا يلصقونها بالإسلام.

فالمآتم شهدت تطوّراً على صعيد المضمون في نوعيّة الموضوعات، والأبحاث التي يطرحها الخطيب وتطوّراً على صعيد الأطوار والمصيبة، بحيث في هذه المرحلة تكرّست فكرة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

27

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 "الگوريز"1 والربط بين الموضوع والمصيبة، بحيث يقوم الخطيب في آخر المحاضرة بإعداد نفوس المستمعين للانتقال بهم إلى مصيبة الإمام الحسين عليه السلام بطريقة انسيابيّة وبدون قفزة، أو طفرة مفاجئة في تسلسل الحديث وله عدّة تسميات الربط التخلّص النقلة التعريج "الگوريز" وهي كلمة فارسيّة (گريز زدن) معناها الخروج عن الموضوع.

 
وينقل الخطيب جواد شبّر في "أدب الطفّ" كلمة للإمام المصلح الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، يترجم فيها للخطيب كاظم سبتيّ، يقول فيها: وكان المنبريّون قبله لا يحسنون أكثر من أن يتناول الواحد منهم كتاب روضة الشهداء ويقرأه نصّاً، ثمّ تطورت إلى حفظ ذلك الكتاب، ورواية ما فيه فقط.
 
وُيشهَد للخطيب كاظم سبتيّ ليس فقط بالگوريز، بل بالأبحاث والموضوعات، فيقول عنه كاشف الغطاء في نفس
 
 
 

1- يمكن أن يقال: إنّ أوّل من وضع أساسها الشيخ جعفر التستريّ(ره) توفّي عام (1303 هـ) والذي كان من أعاظم العلماء في عصره، وكتبه تشهد على ذلك، فمنها كتابه مجالس الوعظ والبكاء في أيّام عاشوراء وهو عبارة عن مجالس ألقاها الشيخ في أيّام محرّم عام(1298هـ) في العراق، حيث استخدم فيها النقلة والربط بشكل مكثّف. وكذلك كتابه الخصائص الحسينيّة الذي ذاع صيته بحيث لا يستغني عنه خطيب حسينيّ إلى يومنا هذا.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

28

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 المصدر: فساعدته لياقته، وحسن نبراته، على تعاهد الخطابة، وارتقاء الأعواد، وكان المنبريّ ذلك اليوم لا يتعدّى غير رواية قصّة الإمام الحسين عليه السلام ومقتله يوم عاشوراء، وإذا بهذا المتكلّم، يروي خطب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن ظهر غيب، فعجب الناس واعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة. وكانت وفاته سنة (1340هجريّة).


وهكذا تألّق في هذه المرحلة مجموعة من الخطباء وكانوا علماء بحقّ، أمثال السيّد صالح الحليّ، الذي كان من المجتهدين، فأثرى المأتم الحسيني بسعة اطلاعه، وإحاطته بفنون الأدب، والثقافة، فكان قبلة الجماهير، ومقصد رواد المآتم الحسينية، حتّى قال عنه السيّد محسن الأمين: هو أحسن خطيب عرفته المنابر الحسيني ة. وكانت وفاته (1359 هجريّة).

وكذلك حظيت المآتم الحسيني ة بخطيب مفوّه، وشاعر رفيع، وعالم نحرير، فكان شيخ الخطباء، وأحد أمراء الكلام، والشعر، والخطابة، والتحقيق، فكان مجلسه معهداً علميّاً متنقلاً، وهو الشيخ محمّد علي اليعقوبيّ, وكانت وفاته سنة (1385 هجريّة).

وأبرز خطيب في عصرنا، نختم به هذه المرحلة هو الشيخ الدكتور
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

29

الفصل الثاني: مآتم العزاء عبر التاريخ

 أحمد الوائلي رحمه الله وهو غني عن التعريف، فإنّ مؤسسة المأتم الحسيني تشهد له بأنّه أمير المنابر وكانت ولادته (1346هـ ووفاته 1424هـ).


ولا يخفى أنّ تطوير المأتم الحسيني لم يحدث طفرة، إنّما نتيجة تراكمات كلّ من أضاف شيئاً خلاقاً، حتّى وصل اليوم إلى ما وصلنا إليه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

30

الفصل الثالث: حسن الصَّوت وأهميّته

أهميّة الصوت الجميل
 
روى الكلينيّ في الكافيّ عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وإله وسلم أنّه قال:
"إنّ من أجمل الجمال: الشعر الحسن، ونغمة الصوت الحسن"1.
 
وروى الحرّ العامليّ في الوسائل عن النبيّ صلى الله عليه وإله وسلم أنّه قال: "حسّنوا القرآن بأصواتكم، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً"2.
 
وروى صاحب مستطرفات السرائر عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام :"الرجل لا يرى أنّه صنع شيئاً في الدعاء والقراءة حتّى يرفع صوته؟ فقال عليه السلام : لا بأس، إنّ علي بن الحسين عليه السلام كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان إذا قام من الليل وقرأ رفع صوته فيمرّ به مارّ الطريق من السقّائين وغيرهم فيقومون (فيقفون) فيستمعون إلى قراءته"3.
 
 
 

1- الكافي ج2 ص615 ح8.
2- وسائل الشيعة، 6: 212.
3- مستطرفات السرائر 97.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

31

الفصل الثالث: حسن الصَّوت وأهميّته

 إنّ هذه الأحاديث والروايات الشريفة تدلّنا على أنّ الصوت الحسن والجميل يجمّل التلاوة والقراءة، سواء كان دعاءً، أو قرآناً، أو شعراً، وهذا أمر وجدانيّ يدركه المرء بأحساسيه ووجدانه، فيزيد الصوت الحسن في التأثير, كما وأنّ الصوت الخشن ينفر منه الطبع، لأنّ الأسماع بطبعها تمجّ الرنّة المزعجة.

 
وينقل آية الله مطهريّ عليه الرحمة في الملحمة الحسينيّة قصّة عن الشاعر الإيرانيّ المشهور سعديّ, أنّه قال: "كان هناك مؤذّن في إحدى المدن يتميّز بنشاز صوته وبشاعته، ومرّت الأيّام عليه، وإذا بيهوديّ قد أقبل إليه يوماً وقال له: هل تقبل منّي هذه الهديّة البسيطة؟ فقال له: ولماذا؟ قال له اليهودي: لأنّك قد خدمتني خدمة كبيرة، فسأله المؤذّن: وما هي الخدمة؟ فأنا لم أخدمك بشيء، فقال اليهودي: إنّ لي بنتاً كانت قد بدأت منذ مدّة تميل إلى اعتناق الدّين الإسلاميّ ولكنّها منذ أن بدأتْ تسمع صوت آذانك عادت إلى رشدها وبدأت تشمئزّ من الإسلام، وأنا الآن بدوري فرح لأنّك ساهمت بعودة ابنتي إلى دينها، فجئت لك بهذه الهديّة! وهذا شيء يؤلم في الواقع"1.
 
 
 

1- الملحمة الحسينيّة 1: 168.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

32

الفصل الثالث: حسن الصَّوت وأهميّته

 فالخطيب الحسينيّ لا بدّ أن يحوز على صوتٍ إن لم يكن جميلاً فعلى الأقل يكون مقبولاً، ليساعده على أداء المهمّة، لأنّ من أبرز الأمور التي ميّزت الخطابة الحسينيّة عن غيرها تضمّنها لجزء واسع من الأداء الصوتيّ.

 
ولذا يقول الشيخ المظفّر في كتابه المنطق: "حُسن الصوت وحسن الإلقاء والتمكّن من التصرّف بنبرات الصوت وتغييره حسب الحاجة من أهمّ ما يتميز به الخطيب الناجح، وذلك في أصله موهبة ربانيّة يختصّ بها بعض البشر من غير كسب، غير أنّها تقوى وتنمو بالتمرين والتعلّم كجميع المواهب الشخصيّة، وليس هناك قواعد عامّة مدوّنة يمكن بها ضبط تغييرات الصوت ونبراته حسب الحاجة، وإنّما معرفة ذلك يتبع نباهة الخطيب في اختياره للتغيّرات الصوتيّة المناسبة التي يجدها بالتجربة والتمرين مؤثّرة في المستمعين؛ ولأجل هذا يظهر لنا كيف يفشل بعض الخطباء، لأنّه يحاول المسكين تقليد خطيب ناجح في لهجته وإلقائه فيبدو نابياً سخيفاً، إذ يظهر بمظهر المتصنّع الفاشل، والسرّ أنّ هذا أمرٌ يدرك بالغريزة والتجربة قبل أن يدرك بالتقليد للغير"1.
 
 
 

1- المظفر: المنطق ج3 ص429 .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

33

الفصل الثالث: حسن الصَّوت وأهميّته

 تأثير الصوت:


إنّ للأصوات أثراً كبيراً في حسن وقع الكلام أو قبحه، وليس المرجع في ذلك جمالها وقبحها. ولكن عمقها وركوزها وقدرتها على تصوير المعاني وجودة نقل الخواطر، فإنّ الألفاظ والأصوات تشترك في الدلالة على المعاني النفسيّة، فألفاظ التألّم والحزن والغمّ مثلاً إذا سمعتها مجرّدة ما أثارت في نفسك شيئاً، أمّا إذا سمعتها من متألّم، واشترك صوت متأثّر بالآلام مع اللفظ، أثارت في نفسك خواطر الأسى ومواضع الحزن، وأحسست بالألم العميق، تتفاعل فيه مع من حكى لك آلام نفسه في نغمات صوته.

وليعلم الخطيب أنّه لا شيء كالصوت يعطي الألفاظ قوّة حياةٍ، فإذا كان الصوت ضعيفاً فعلاجه بتقوية الرئتين بالصياح كما فعل (ديموستين) فقد كان ضعيف الصوت فلمّا أراد أن يصبح خطيباً راض نفسه، فصعد على الجبال الوعرة ووقف قرب ساحل البحر، محاولاً أن يكون صوته أعلى من صخب أمواج البحر. وقد كان له ما أراد بتلك المحاولات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

34

الفصل الثالث: حسن الصَّوت وأهميّته

 التحكّم في الصوت:


هناك أمران ينبغي مراعاتهما في التحكّم بالصوت:

أ- أن يجعل الخطيب صوته مناسباً لسعة المكان ولعدد السامعين فلا ينخفض حتّى يصير همساً في آذانهم، ولا يعلو حتّى يكون صياحاً بل يكون بين هذا وذاك.

ب- وعند الابتداء يبتدأ بصوت منخفض ثمّ يعلو شيئاً فشيئاً. فإنّ العلو بعد الانخفاض سهل ووقعه على السامعين مقبول.

وإن أراد أن يتحكّم بذلك فعليه أن يراعي هذين الأمرين:

أ- أن يتقن أطوار الخطابة الحسينيّة المختلفة، ويستفيد منها بحسب أذواق الحاضرين، فإنّ لكلّ جماعة ذوقاً ينبغي مراعاته والقراءة على طبقه. فإنّ ذلك ضامن لامتلاك نفوسهم وعواطفهم.

ب- إنَّ المنبر الحسينيّ كما أنّه وسيلة للهداية والإصلاح، فهو عبرة تمتزج بالعواطف مع أهل البيت عليهم السلام تعبيراً عن الولاء والإخلاص لهم. ولهذا فإنّ غالبيّة الناس لا يفرّطون بهذه الدموع، فيرجّحون غالباً المنبر الذي فيه ذلك وإن كان بسيطاً
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

35

الفصل الثالث: حسن الصَّوت وأهميّته

 في موضوعه على المجلس الذي يخلو من ذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام ، وإن كان المتحدّث يأتي بالجديد والغريب. إضافة إلى ذلك إنّ الناس يرجّحون الخطيب الذي يتمتّع بصوت حسن وأداء جيّد على الخطيب الذي ليس لديه حظّ من ذلك؛ لأن الخطيب مهمّته تقريب القلوب من صاحب المصاب، فعلى الخطيب الذي ليس لديه ما ترغب به الناس أن لا يقحم نفسه معهم، فإنّ النتيجة سوف لا تكون بصالحه، والتجربة شاهد على ذلك، إلّا إذا علم توافقهم مع ما عنده.

 
كيفيّة المدّ والترجيع
 
المدّ لغة: هو الجَرّ، ومنه المدّة للوقت الممتدّ ومدّ النظر تطويله، وقال تعالى في سورة طه (131): ﴿ولا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ وامتدّ الشيء انبسط، والمادّة هي الزيادة المتصلة.
 
وفي مصطلحنا: إخراج الصوت بصورة ممدودة، وتطويله دون أن يصدر ما يقطع هذا التطويل.
 
الترجيع لغة: ترديد القراءة.
 
وفي مصطلحنا: الترجيع هو كناية عن قطع المدّ، بل قطع
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

36

الفصل الثالث: حسن الصَّوت وأهميّته

 التطويل في الصوت بطريقة تردديّه، ومعنى أن يقال رجّع صوته: أي ردّده في حلقه.


والترجيع له مصدران: الأوّل: الحنجرة. الثاني: الفك الأسفل.

ولا يخفى أنّ جزءًا واسعاً من مساحة جمال الصوت يعتمد على الترجيع، فمن ليس لديه سلطة على تحريك أوتاره بشكل مناسب ولا يقدر على الترجيع والترديد فبإمكانه أن يستخدم الفك الأسفل في الترجيع، نحو:

آي واي يوي واو هاو هاي ياي.

فقول أي بشكل مكرّر يحدث عندنا (ياي ياي ياي).

وقول واي واي واي واي واي (واى واى واى).

وقول يوي يوي يوي يوي يوي (يوى يوى يوى).

وقول واو واو واو واو واو (واو واو واو).

وقول هاو هاو هاو هاو هاو (واو واو واو).

والأقدر على المدّ والترجيع بدون نشاز في اللحن هو الذي يعتمد على كليهما معاً كلّما اقتضت الحاجة.

ويمكنك أن تدرّب صوتك عند كلّ مدّ على الترجيع التالي: هاو واي ياو واو هاو واو واي ياو.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

37

الفصل الثالث: حسن الصَّوت وأهميّته

 خصائص الصوت:


وهي ثلاثة:

أ- القوّة: شدّة الصوت.

هي سعة اهتزازات الآلة الصوتيّة، وهي تتعلّق بالقوّة التي تطرد الهواء من الرئتين. كما إنّ قوّة الصوت الخارج من أوتار العود مرجعها قوّة ضرب الأنامل.

ب- النبرة: درجة الصوت.

وهي في درجة شدّ الأوتار، أو ما ينجم عنها من تغيّر في مدى الاهتزاز، وهذا الشدّ تقوم به عضلات الحنجرة التي تشدّ، أو ترخى، والتي قد يصيبها الشلل كما في بعض الأمراض العصبيّة فيبح الصوت أو ينطفئ.

ج- الرنّة: نوع الصوت.

وهي التي تميّز الأصوات بعضها عن بعض، لأنّها تتعلّق بتجويف الفم، وتختلف في كلّ واحد باختلاف هذا التجويف، إذ لا علاقة للرنّة في قوّة الصوت ونبرته، وقد يصل الإنسان بالتمرين إلى تبديل رنّة صوته كما يفعل المقلّدون في محاكاة غيرهم من الناس أو محاكاة أصوات الحيوانات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

38

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 يتألّف المجلس الحسينيّ من ستّة أركان وهي:


1- المقدّمة 2- القصيدة 3- الموضوع 4- الربط أو ما يسمى "بالگوريز" 5- المصيبة مع أبيات الختام 6- الدّعاء.

الركن الأوّل المقدّمة:

لا بدّ للخطيب الحسينيّ أن يبدأ مجلسه بتقديم مقدّمة، مسبوقة بالتسمية، لأنّ كلّ عملٍ لم يبتدئ بالبسملة فهو أبتر.

والمقدّمة على نوعين: مختصرة، وطويلة، ويمكن للخطيب أن يستعمل كلّاً منهما حسب ما يمليه عليه المقام. فالمختصرة مثلاً: أن يبدأ بالقول بعد التسمية والحمد والتسليم فيقول: "صلّى الله عليكَ يا رسول الله، وعلى آلك المظلومين، صلّى الله عليكَ يا أبا عبد الله، صلّى الله عليك وعلى الشهداء بين يديك، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً".

أمّا المقدّمة المطوّلة: كأن تضيف في مطاوي المقدّمة فقرات إضافيّة مقتبسة من النصوص، كالجملة المقتبسة من الزيارة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

39

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 الجامعة: "فاز من تمسّك بكم وأمن من لجأ إليكم".


أو كالجملة المقتبسة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في حقّ الإمام الحسين عليه السلام : "عبرة كلّ مؤمنٍ ومؤمنة". أو الجملة المقتبسة من إحدى الزيارات الحسينيّّة: "وعلى الأرواح التي حلّت بفِنائك وأناخت برحلك".

ومن الخطأ فنيّاً أن نغيّر الجملة المقتبسة من كلامهم عليهم السلام إلى جملة نصوغها بأنفسنا، إذ أنّ المقتبسة أوقع في النفس لأنّها أبلغ، كمن يبدّل: "يا ليتنا كنّا معكم" بقول: "يا ليتنا نسير على دربكم" إذ أنّ الأولى كلام المعصوم، ويترتّب عليه ثواب كما ورد في بعض المضامين، بينما الثانية فمهما بلغت فصاحتنا بها فإنّها لن تعطي نفس الرونق.

وينبغي أن تكون المقدّمة مناسبة لصاحب الذكرى فيجب أن توجد فقرة خاصّة به، مع الحفاظ على جوّ المقدّمة العامّ، مثلاً إن قلت: "صلّى الله عليك يا رسول الله" فإن كانت المناسبة استشهاد الإمام علي عليه السلام تقول: وعلى ابن عمّك أمير المؤمنين وسيّد المظلومين، وكذا إذا كانت المناسبة عن السيّدة الزهراء عليها السلام ، أو الإمام الحسن عليه السلام فتذكر صاحب المصيبة، وفي كلّ الأحوال يكون محور المقدّمة ذكر الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

40

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 الركن الثاني القصيدة:


لا بدّ أن تكون قراءة القصيدة بنفس الصوت الهادئ والرزين، مع مسحة حزنٍ إضافيّة. والقصيدة لا يمكن تحديد أبياتها بشكلٍ ثابت، لأنّ المقام هو الذي يفرض عليك عدد الأبيات. فربّما احتاج المجلس إلى ثمانية أبيات وربّما احتاج إلى عشرين بيتاً وربّما أكثر، ولا يوجد رقماً ثابتاً لعدد الأبيات بل هناك شريحة من الخطباء ينتمون إلى منهج المرحوم الشيخ الوائلي في الخطابة الحسينيّة لا يقرأون القصيدة أبداً في أغلب مجالسهم أو يقتصرون على ثلاثة أبيات منها، وهذا المنهج يلقى رواجاً في كثير من الأوساط المثقّفة ولكن المتعارف عند أغلب من يقرأ القصيدة حدّاً وسطيّاً هو ثلاثة عشر بيتاً أو يزيد بيتاً أو ينقص بيتاً تقريباً.

الركن الثالث الموضوع:

ويمكن تقسيمه إلى قسمين:

الأوّل: مجرّد سرد السيرة، والأفضل أن يصاحب هذا السرد شيءٌ من التعليق تارة، والشرح أخرى، لتتمّ الفائدة للمستمعين.

وهذا القسم يناسب المبتدئين، كما ويناسب غيرهم أيضاً إذا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

41

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 كان المجلس مختصراً، ولا مجال فيه لطرح موضوع مفصّل، أو خطبة وافية.


الثاني: تختلف موضوعاته باختلاف الظروف والمناسبات، فتارة يفرض المقام عليك أن يكون المجلس مجلس بركة فيكتفي الخطيب بذكر بعض المناقب ومصائب سيّد الشهداء عليه السلام لأنّ الهدف من إقامة مجلس البركة التبرّك بذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام وعندها لا يحتاج الخطيب إلى البحث العلميّ.

وأخرى يكون المجلس للمعرفة، فيبسط الخطيب الشرح عندئذٍ، فيعالج فكرةً ما ليصل من خلالها إلى غايته الفضلى وهدفه المنشود. وحتّى يكون الموضوع ناجحاً لا بدّّ أن يتوفر فيه خمسة شروط:

1- الفكرة الهادفة، 2ـ جمع المعلومات والموادّ المطلوبة التي يتألّف منها الموضوع، 3- صياغة المعلومات وسبكها بطريقة منظّمة، 4- ضبط وحفظ المعلومات المنسّقة عن ظهر قلب، 5- التدرّب عليها ثمّ إلقاؤها.

وأبرز ميّزات الخطبة الحسينيّة أن تُصدَّر بنصّ يُفتتح به الموضوع سواء كان آية قرآنيّة أو حديثاً شريفاً أو مقطوعة شعريّة. ويمكن أن يُقرأ بترجيع ومدّ على نسق قراءة المقدّمة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

42

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 الركن الرابع النُقلة الربط (الگوريز)


لقد مرَّ فيما مضى التعريف بالگوريز بشكل إجماليّ، ونعود للحديث عنه لأنّه بمثابة الجسر الذي يعبر عليه الخطيب فينتقل من المحاضرة أو الموعظة إلى المصيبة، وينقل معه أحاسيس المستمعين بشكل انسيابيّ بعد أن كانت إحساسات المستمعين في غير ضفّة الأحزان، وبهذه النقلة يتحوّلون إلى ضفّة الأحزان.

خصائص الربط (الگوريز)

يمتاز الربط بعدّة خصائص:

أ- أن يكون الربط مؤثّراً يستطيع أن يحوّل الأحاسيس إلى الحزن، وكلّما استبطن هذا التأثير كانت المصيبة أنجح وأشجى، وإذا كان الربط عادياً لا يستطيع أن ينهض بالأحاسيس إلى ضفّة الأحزان، فسيدخل الخطيب على المصيبة وليس فيها حرارة بل ستقع باردةً على المستمع، وبالتالي لن تؤدي دورها في عمليّة الإبكاء، ممّا يسبّب فشلاً للخطيب، حتّى ولو كان ذا صوت رخيم وحزين، لأنّ هدف الخطيب من ذكر المصيبة استدرار الدّمعة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

43

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 ب- ينبغي على الخطيب الناجح أن يهتم بتحضير فقرة الگوريز تحضيراً جيّداً، وهذا يستلزم منه إلماماً بواقعة الطفّ بحيث يستطيع أن يستحضر فصولها، وعندها يسهل عليه الانتقال إلى واقعة الطفّ ليدخل من أي باب شاء، كما ويستلزم منه مطالعات في كتب الأخبار والتاريخ والمقاتل، لانتقاء الكلمات والأخبار، والأشعار المناسبة لهذه النُقلة الفنيّة، وفي هذا المجال يمكن الاعتماد على خبرات الخطباء بالإكثار من الاستماع إليهم.


ج الهدف من الربط أو النقلة أو الگوريز هو تهيئة الجمهور للبكاء، وهذه النقلة ضروريّة عندما يكون الموضوع أو الموعظة من غير سنخ المصيبة، أمّا لو كانت المحاضرة هي سرد تاريخيّ كقصّة مسلم بن عقيل، فإنّ الأحداث المتسلّسلة ستكفيه المؤونة، وتوصله تلقائيّاً إلى المصيبة، وهنا ينبغي على الخطيب، أن يعتمد في تحضير الجمهور للبكاء على رنّة صوته التي يجب أن تمتاز بعدّة أمور:

1- الغصّة التي تحدث عند التأثر.

2- التحزّن: إذا أراد أن يظهر التأثّر، فما عليه إلّا أن يتحزّن فيفعل فعل الحزين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

44

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 3- التوقّف عند المقطع الفاصل بين المصيبة وما انتهى إليه من سرد السيرة، بحيث لا يكون الصوت نمطيّاً على وتيرة واحدة، بل لا بدّ من التغيير في رنّة الصوت، وحتّى في تقاسيم الوجه، والتباطؤ في الإلقاء، وبهذا يكون المستمع استعدّ في مشاعره، وعند ذلك يبدأ قراءة المصيبة بصوت حزين مع مدّ وترجيع.


وهذا التغيّير الصوتيّ يجب على الخطيب أن يعتمده مع نهاية الخطبة، عند التحوّل إلى المصيبة على كلّ حال، ومهما كان موضوع الخطبة، سواء كان الموضوع من سنخ المصيبة أم لا.

د يمكن استعمال النقلة أثناء المصيبة، عندما تكون المصيبة لأحد الأئمّة عليهم السلام ، وتريد أن تنتقل منها إلى مصيبة الإمام الحسين عليه السلام ، فينبغي عندئذٍ الوصول إلى نقطة تفتح لك باباً إلى مصيبته صلوات الله وسلامه عليه لذكر ما هو أفجع وأشجى.

وهذا يحدث في حالتين:

الأوّلى: عندما يحدث تشابه في المصيبتين، كما لو ذكرت مصيبة الإمام الجواد عليه السلام ، (بأنّه بقي جسده في داره ثلاثة أيّام لم يدفن) وهنا تنتقل إلى الإمام الحسين عليه السلام ، (بأنّه بقي على
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

45

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 رمضاء كربلا ثلاثة أيّام) فالتشابه موجود.


الثانية: عندما تكون الحالة معاكسة كما لو ذكرت مصيبة الإمام الهادي عليه السلام ، وعندما تصل إلى أنّهم (رفعوا جنازته على الأكفّ باحترام وتقدير)، فهنا تنتقل إلى الإمام الحسين عليه السلام بأنّه (ما غسّلوه، ولا لفّوه في كفنٍ، وظلّ مطروحاً على التراب).

ملاحظة: إذا لم يكن لديك صورة مماثلة، أو معاكسة من واقعة الطفّ، فعليك أن تجيد المدخل إلى المصيبة، بحيث تنتقل إلى السيرة الحسينيّّة من خلال الشعر أو صورة قريبة ممّا انتهيت إليه.

إليك أربعة نماذج لذلك:

1- إذا كان الحديث عن الكرم والسخاء يستشهد بالشعر الذي قاله الإمام الحسين عليه السلام :

إِذَا جَادَتْ الدُّنْيَا عَلَيْكَ فَجُدْ بِهَا             عَلَى الخَلْقِ طُرّاً قَبْلَ أَنْ تَتَفَلَّتِ
فَلا الجُودُ يُفنِيهَا إِذَا هِيَ أَقْبَلَتْ             وَلا البُخْلُ يُبْقِيها إِذَا هِيَ وَلَّتِ

أو يذكر كرم سيّد الشهداء عليه السلام وسخاءه وهباته وصِلاته، وأنّ داره كانت تستقبل الضيوف وذوي الحاجات أيّام وجوده في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

46

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 المدينة المنوّرة، ولكنّها أُغلقت وأُوحشت بعد رحيله واستشهاده.


2- إذا كان الحديث عن الشهادة فيمكنه أن يستشهد بقول الإمام الحسين عليه السلام :

فَإِنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تُعَدُّ نَفِيسَةً                  فَدَارُ ثَوَابِ اللهِ أَعْلَى وَأَنْبَلُ
وَإِنْ تَكُنِ الأَبْدَانُ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ           فَقَتْلُ امْرِئٍ بِالسَّيْفِ فِي اللهِ أَفْضَلُ
وَإِنْ تَكُنِ الأَمْوَالُ لِلتَّركِ جَمْعُهَا           فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ المَرْءُ يَبْخَلُ
وَإِنْ تَكُنِ الأَرْزَاقُ قَسْماً مُقَدَّراً            فَقِلَّةُ حِرْصِ المَرْءِ فِي الكَسْبِ أَجْمَلُ

3- إذا كان الحديث عن وفاء النساء لأزواجهنّ يستطيع أن يذكر وفاء الرباب لزوجها الإمام الحسين عليه السلام وما قالته في رثائه، كقولها:

إِنَّ الَّذِي كَانَ نُوراً يُسْتَضَاءُ بِهِ           بِكَرْبَلاءَ قَتِيلٌ غَيْرُ مَدْفُونِ
سِبْطَ النَّبِيِّ جَزَاكَ اللهُ صَالِحَةً            عَنَّا وَجُنِّبْتَ خُسْرَانَ المَوَازِينِ
قَدْ كُنْتَ لِي جَبَلاً صَعْباً أَلُوذُ بِهِ          وَكُنْتَ تَصْحَبُنا بِالرَّحْمِ والدِّينِ
مَنْ لِلْيَتَامَى وَمَنْ لِلسَائِلينَ وَمَنْ          يُغْنِي وَيَأْوِي إِلَيْهِ كُلُّ مِسْكِينِ
واللهِ لا أَبْتَغِي صِهْراً بِصِهْرِكُمُ          حَتَّى أُغَيَّبَ بَيْنَ الرَّمْلِ وَالطِّينِ

أو قولها عندما أَخَذَتِ الرأسَ الشريف ووضعتهُ في حجرها وقبّلته وقالت:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

47

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 وَاحُسَيْناً فَلا نَسِيتُ حُسَيْناً               أَقْصَدَتْهُ أَسِنَّةُ الأَعَدَاءِ

غَادَرُوهُ بِكَرْبَلاءَ قَتِيلاً                   لا سَقَى اللهُ جَانِبَيْ كَرْبَلاءِ

4 إذا كان الموضوع عن مصائب الدنيا وغدر الزمان يمكنه أن يستشهد بقول السيّد محسن الأمين رحمه الله:

لا تَأْمَنِ الأَيَّامَ يَوْماً بَعْدَما               غَدَرَتْ بِعِتْرَةِ أَحْمَدَ المُخْتَارِ
فَجَعَتْ حُسَيْناً بِابْنِهِ مَنْ أَشْبَهَ            المُخْتارَ فِي خُلُقٍ وَفِي أَطْوَارِ...

أو قول عليّ بن حمّاد العبديّ:

لا تَأْمَنِ الدَّهْرَ إنَّ الدَّهْرَ ذُو غِيَرٍ            وَذُو لِسَانَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَوَجْهَيْنِ
أَخْنَى عَلَى عِتْرَةِ الهَادِي فَشَتَّتَهُمْ             فَمَا تَرَى جَامِعاً مِنْهُمْ لِشَخْصَيْنِ
بَعْضٌ بِطَيْبَةَ مَدْفُونٌ وَبَعْضَهُمُ                بِكَرْبَلاءَ وَبَعَضٌ بِالغَرِيَّيْنِ...

وإليك هذا النموذج التطبيقيّ للصورة المعاكسة:
إذا كنت تتحدّث عن معركة صفيّن مثلاً: فلمّا اصطفّ الطرفان أمر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أن يصافّوهم ولا يبدأوهم ولا يرموهم بسهم، ولا يضربوهم، ولا يطعنوهم برمح، حتّى جاء عبد الله بن بديل بن ورقاء من الميمنة بأخ له قد قتله جيش الشام، وجاء قوم من الميسرة برجل قد رمي بسهم فقتل.

فقال الإمام عليّ عليه السلام : "اللَّهمَّ اشهد".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

48

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 وتواتر عليه الرمي فقال عمّار بن ياسر: ماذا تنتظر يا أمير المؤمنين؟ فقام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فقال: "أيّها الناس: إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح، ولا تقتلوا أسيراً، ولا تتّبعوا مولّياً، ولا تهتكوا ستراً، ولا تمثّلوا بقتيل، ولا تقربوا من أموالهم إلّا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع"1.

 
ولقد يعزّ عليك يا أمير المؤمنين ما فعله القوم الظالمون يوم عاشوراء من تسابقهم على نهب بيوت آل الرسول، وقرّة عين الزهراء البتول، يسلبونهنّ وينتزعون الملاحف عن ظهورهنّ ثمّ يضرمون النار في خيامهنّ، ففررن بنات رسول الله في البيداء. ثمّ تدخل المصيبة بطريقة النعي.
 
 
 

1- مروج الذهب ج2 ص371.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

49

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 الركن الخامس المصيبة:

 
تتكوّن المصيبة من ثلاثة عناصر:
 
العنصر الأوّل: اختيار المقاطع الحزينة من السيرة
 
وهذه المقاطع قد تكون نصّاً عن المعصوم، وهو أفضل ما يمكن ذكره أثناء المصيبة، لأنّه أوثق في النفس، وقد تكون نصوصاً تاريخيّة، وهنا يأتي دور الخطيب فيعتمد طريقة الاختزال، بحيث لا يذكر إلّا المؤثّر من المقطع، لأنّ النصّ التاريخيّ في بعض الأحيان يحمل في طيّاته مقاطعاً غير مؤثّرة قد تذهب بحرارة المجلس، فعليه أن يختار منها المؤثّر فقط، بشرط أن يحافظ على تسلّسل الأحداث والترابط بين فقرات النصّ، بحيث لا يتغيّر المضمون.
 
أمّا كيفيّة قراءة المصيبة:
 
فلا بدّ أن يعتمد الخطيب فيها على المدّ والترجيع في تلاوة المصيبة بشكل نياحة، وأن يقرأها بدون عجلة، حتّى تأخذ أثرها في المستمع.
 
العنصر الثاني: الشعر الفصيح والشعبيّ
 
تلاوة الشعر أثناء المصيبة، تختلف كمّاً وكيفاً باختلاف
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

50

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 الظروف، فيجب بالدرجة الأولى أن نختار الشعر الواضح حتّى يتفاعل الجمهور معه، ففي بعض البلاد كالخليج مثلاً يأنسون بالإكثار من الشعر أثناء المصيبة، خصوصاً الشعبيّ، فينبغي على الخطيب أن لا يكثر من ذكر نصوص السيرة أثناء المصيبة على حساب الشعر، ممّا قد يسبّب الفشل، أمّا في لبنان فالعكس هو المطلوب، خصوصاً إذا لم يكن الشعر واضحاً لبعضهم، ممّا يسبّب برودة في المجلس. لذا ننصح الخطيب، أثناء تحضيره للمصيبة أن يحضّر شرحاً للأبيات المنوي تلاوتها بطريقة فنيّة حزينة كأنّه يقرأ مصيبة.


وأمّا كيفيّة تلاوة الشعر أثناء المصيبة:

فعلى الخطيب أوّلاً: أن يختار الأطوار التي تتناسب مع المصيبة، وثانياً: أن يختار الأطوار التي يتفاعل معها الجمهور. ففي بلاد الخليج مثلاً يتفاعلون مع الفايزي، أو مع الأطوار التي فيها ونّة، بينما في لبنان تفاعلهم مع الفايزي أقلّ من غيره كالدرج، والهادي، والحدي.

العنصر الثالث: المؤثّرات الفنيّة

الخروج عن النصّ أثناء القراءة سواء أكان شعراً أو نثراً وقراءة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

51

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 بعض الكلمات المؤثّرة والتي لها علاقة بمعنى النصّ المقروء، مما يعطي الجمهور شحنات إضافيّة، وبما لا يخرجنا عن جوِّه العامّ ثمّ العود إلى حيث كان الخروج.


ويأتي الخطيب بهذا المؤثّر بعد أن يسمع أصوات البكاء من الجمهور، أو يرى في وجوههم التأثّر والحزن.

والإتيان به في موضعين:

الموضع الأوّل: أثناء القصيدة:

نحو:

رَحَلُوا وَمَا رَحَلُوا أُهَيْلُ وِدَادِي          إِلّا بِحُسْنِ تَصَبُّرِي وَفُؤَادِي
سَارُوا وَلَكِنْ خَلَّفُونِي بَعْدَهُمْ حَزَناً        أَصُوبَ الدَّمْعَ صَوْبَ عِهَادِي
وَسَرَتْ بِقَلْبِي المُسْتَهامِ رِكَابُهُمْ           تَعْلُو بِهِ جَبَلاً وَتَهْبِطُ وَادِي
وَلَقَدْ وَقَفْتُ بِها وُقُوفَ مُوَلَّهٍ              وَلِمُهْجَتِي بِالوَجْدِ قَدْحُ زِنَادِ
أَبْكِي بِها طَوْراً لِفَرْطِ صَبَابَتِي           وَأَصِيحُ فِيها تَارَةً وَأُنَادِي

(هنا، يعلّق الخطيب الحاذق بما يستدرّ دمعة الجمهور بقوله، لمن أنادي، وقد رحل الأحبّة، فالدار من بعدهم موحشة، ألا لا تزان الدار إلّا بأهلها، فأسألكِ يا دار: أين رحلوا عنك،..)؟
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

52

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 يَا دَارُ أَيْنَ مَضَى ذَوُوكِ؟ أَمَا لَهُمْ                 بَعْدَ التَّرَحُّلِ عَنْكِ يَوْمَ مَعَادِ


(هنا يعلَّق، يا دار، هل يعودون إليك؟)
يَا دَارُ قَدْ ذَكَّرْتِنِي بِعِراصِكِ الـ                  قَفْرَى عِرَاصِ بَنِي النَّبِيِّ الهَادِي

وهنا يجدر بالخطيب أن يأتي بطور التخميس أو الركباني بأبيات وداعيّة مثال:

بِالأَمْسِ كَانُوا مَعِي وَاليَوْمَ قَدْ رَحَلُوا                وَخَلَّفُوا فِي سُوَيْدَا القَلْبِ نِيرَانَا

الموضع الثاني: أثناء المصيبة:

نحو:

لمّا أمر عمر بن سعد بحمل النساء على الجمال يوم الحادي عشر من المحرّم ولمّا لم يبق إلّا السيّدة زينب من بني هاشم فهنا يعلّق الخطيب بقوله: أين السادة؟! ليساعدوا عمّتهم زينب أين الغيارى؟! أين إخوتكِ يا زينب؟! أين الحسين؟! أين أبو الفضل العباس؟! أين عليّ الأكبر؟! يا زينب! أين سيوف بني هاشم؟!.. وبعد هذا التعليق تصيح ببعض الأبيات من وحي المناسبة بما لا يعتبر خروجاً عن النصّ.. والأبيات على نوعين: اللغة الشعبيّة نحو:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

53

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 أنا منين أبو فاضل أجيبه                  يطفّي نار دلّالي ولهيبه

يا بن حامي الحما وليث الحريبه          أنا ظليت من عگبك غريبه
يا عباس ترضى تصير اختك سليبه

أو بالقريض: باستعمال طور التخميس مثلاً, نحو:

لَا وَالِدٌ لِي وَلا عَمٌّ أَلُوذُ بِهِ                وَلا أَخٌ لِي بَقِي أَرْجُوهُ ذُو رَحِمِ
أَخِي ذَبِيحٌ وَرَحْلِي قَدْ أُبِيحَ وَبِي           ضَاقَ الفَسِيحُ وَأَطْفَالِي بِغَيْرِ حَمِي

ملاحظات عدّة حول المصيبة:

1- على الخطيب أن يعتمد في المصيبة مهما أمكن على الأخبار الصحيحة والموثوقة المذكورة في الكتب المعتبرة، وأن يتجنّب الأخبار التي يعلم كذبها.

2- على الخطيب عدم اختلاق مصائب وحوادث لا أساس لها بُغية استدرار الدموع، فإنّ الكذب حرام، والغاية السامية لا تبرّر الوسيلة الباطلة، ولا يُطاع الله من حيث يُعصى.

3- على الخطيب أن يتجنّب الأخبار التي قد تقلّل من شأن أهل البيت عليهم السلام ، أو قد تحطّ من منزلتهم عليهم السلام.

4- يمكن للخطيب أن يستفيد في المصيبة من الأخبار المُرسَلة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

54

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 المُثبتة في بعض كتب المقاتل والتاريخ، وكذا المسموعات من الخطباء الثُقات، شريطة أن لا تخالف الشرع والعقل، ولا يعلم بكذبها ووضعها، والأحسن أن ينسبها إلى راويها، فيقول: روى فلان أو يُروى، أو ذَكروا، أو يُذكر، أو قال بعض الذاكرين أو الخطباء، أو سمعت بعضهم يقول، أو رأيت في الكتاب الفلانيّ، أو ما شابه ذلك، وأن لا ينسبها إلى المعصوم مباشرة. قال أمير المؤمنين عليه السلام : "إذا حَدَّثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حَدّثكم، فإن كان حقّاً فلكم، وإن كان كذباً فعليه"1.

 
فمن الأخبار المُرسَلَة المُثبتة في بعض الكتب ونَظَمها الشعراء: خبر زيارة هند لسبايا أهل البيت عليهم السلام في خربة الشام. وقصّة أولاد مسلم، وخروج الرباب عليها السلام في طلب رضيعها وكذلك خروج الحوراء عليها السلام في طلب طفلة الحسين عليه السلام ليلة الحادي عشر من المحرّم.
 
5- يمكن للخطيب أن يعتمد في المصيبة على بيان الحال المستفاد من أجواء المصيبة والقرائن الحاليّة، وقد أقرّ الإسلام هذه الطريقة فقال تعالى: ﴿وّيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً
 
 
 

1- الأصول من الكافي 1: 42، الحديث 7.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

55

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عًبُوساً قَمْطَرِيراً﴾1.

 
فأهل البيت عليهم السلام عندما أطعموا المسكين واليتيم والأسير لم يتكلّموا بشيء من هذا، ولكنّ القرآن الكريم بيّن حالهم، وتكلّم عن لسانهم.
 
وقد استعمل شعراء الطفّ هذه الطريقة خصوصاً في أشعارهم الرثائيّة، قال السيّد رضا الهنديّ:
 
حَرَّ قَلْبِي لِزَيْنَبٍ إِذْ رَأَتْهُ                  تَرِبَ الجِسْمِ مُثْخَناً بِالجِرَاحِ
أَخْرَسَ الخَطْبُ نُطْقَها فَدَعَتْهُ             بِدُمُوعٍ بِمَا تَجِنُّ فِصَاحِ
يَا مَنَارَ الضّلاَّلِ وَالَّليْلُ دَاجٍ               وَظِلالَ الرَّمِيضِ وَاليَوْمُ ضَاحِي
كُنْتَ لِي يَوْمَ كُنْتَ كَهْفاً مَنِيعاً          سَجْسَجَ الظِّلِ خَافِقَ الأَرْوَاحِ
 
وقال السيّد حيدر الحليّ:
 
نَعَمْ لَوَتْ جِيدَهَا بِالعَتْبِ هَاتِفَةً              بِقَوْمِها وَحَشَاهَا مِلْؤُهُ ضَرَمُ
عَجَّتْ بِهِمْ مُذْ عَلَى أَبْرَادِهَا اخْتَلَفَتْ        أَيْدِي العَدُوِّ وَلَكِنْ مَنْ لَهَا بِهِمُ
نَادَتْ وَيَا بُعْدَهُمْ عَنْهَا مُعَاتِبَةً               لَهُمْ وَيَا لَيْتَهُمْ مِنْ عَتْبِها أَمَمُ
قَوْمِي الأُلَى عُقِدَتْ قِدْمَاً مَآزِرُهُمْ          عَلَى الحَمِيَّةِ مَا ضِيمُوا وَلا اهْتُضِمُوا
 
 
 

1- سورة الإنسان، الآيات: 8-10.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

56

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 عَهْدِي بِهِمْ قِصَرُ الأَعْمَارِ شَأْنُهُمُ           لا يَهْرَمُــونَ وَلِلْهَيَّابَـةِ الهَرَمُ

مَا بَالُهُمْ لَا عَفَتْ مِنْهُمْ رُسُومُهُمُ            قَرُّوا وَقَدْ حَمَلَتْنَا الأَيْنُقُ الرُّسُمُ

فيستطيع الخطيب أن يبيّن حال أهل البيت عليهم السلام ، وأن يتكلَّم عن لسانهم بشرط أن لا ينسب الكلام إليهم مباشرةً، فيقول مثلاً: كأنّي بالحوراء زينب عليها السلام تخاطب أخاها بلسان الحال فتقول:

يَا مَنَارَ الضُّلاَّلِ وَالَّليْلُ دَاجٍ             وَظِلالَ الرَّمِيضِ وَاليَوْمُ ضَاحِي

أو يقول كأنّي بالحوراء عليها السلام تهتف بقومها بلسان الحال فتقول:

عَجَّتْ بِهِمْ مُذْ عَلَى أَبْرَادِهَا اخْتَلَفَتْ       أيْدِي العَدُوِّ وَلكِنْ مَنْ لَهَا بِهِمُ...

أو إنّ الحوراء زينب عليها السلام خاطبت أخاها الحسين عليه السلام بلسان الحال قائلة:

إِنْسِانَ عَيْنِي يَا حُسَيْنُ أُخَيُّ يَا             أَمَلِي وَعِقْدَ جُمَانِيَ المَنْضُودَا

6- لا ينبغي للخطيب أن يذكر الأرقام التي قد يشمّ منها رائحة المبالغة والغلو إلّا إذا كان معتمداً في ذلك على الأدلّة المتينة والنصوص الصريحة فلا يقول مثلاً: (قتل عليّ الأكبر عشرة آلاف من الأعداء) نعم يمكن الإشارة إلى كثرة من قتله بدون ذكر الأرقام كأن يقول: (فقتل منهم مقتلة عظيمة) أو حتّى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

57

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 (سقى الأرض من دمائهم)، أو (قلب الميمنة على الميسرة).

 
يمكن في المصيبة تهويل القضايا كنايةً عن عُظمها وشدّتها، كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الشقشقيّة: "أما والله لقد تقمّصها فلان وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى. ينحدر عنّي السيل، ولا يرقى إليّ الطير. فسدلتُ دونها ثوباً، وطويتُ عنها كشحاً، وطفقتُ أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه. فرأيتُ أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذىً، وفي الحلق شجاً، أرى تراثي نهباً"1.
 
ويقول عليه السلام في خطبة أُخرى: "فأغضيتُ على القذى، وجرّعتُ ريقي على الشجا، وصبرتُ من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم، وآلم للقلب من وخز (حزّ) الشفار"2.
 
وكما قالت الصدّيقة فاطمة عليها السلام : "أتقولون: مات محمّد، فخطبٌ جليل استوسع وهنُه، واستنهر فتقُه، وانفتق رتقُه، وأظلمّتِ
 
 


1- نهج البلاغة ج1 ص30.
2- نهج البلاغة ج2 ص202.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

58

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 الأرضُ لغيبته، وكُسفت النجوم لمصيبته، وأَكْدَتِ الآمال وخشعت الجبال"1.

 
فعلى هذا الأساس يستطيع الخطيب أن يقول مثلاً: أظلَمت الدنيا يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، واهتزّت الأرض، وذابت القلوب وسالت العيون، فبكاه العالم العُلويّ والسفليّ، كما قال السيّد ابن طاوس عند ذكر وصول خبر استشهاد مسلم بن عقيل(رض) إلى سيّد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في زرود: "قال الراوي: وارتجّ الموضع بالبكاء والعويل لقتل مسلم بن عقيل، وسالت الدموع كلّ مسيل".
 
وقال السيّد رضا الهنديّ:
 
أَوْقَفَ الطِّرْفَ يَسْتَرِيحُ قَلِيلاً             فَرَمَاهُ القَضَا بِسَهْمٍ مُتَاحِ
فَهَوَى العَرْشُ لِلثَّرَى وَادْلَهَمَّتْ         بِرَمَادِ المُصَابِ مِنْهُ النَّوَاحِي
 
وقال الشيخ محمّد حسين الغرويّ الأصفهانيّ في الطفل الرضيع:
 
مِنْ دَمِهِ الزَّاكِي رَمَى نَحْوَ السَّمَا           فَمَا أَجَلَّ لُطْفَهُ وَأَعْظَمَا
لَوْ كَانَ لَمْ يَرْمِ بِهِ إِلَيْهَا                      لَسَاخَتْ الأَرْضُ بِمَنْ عَلَيْهَا
 
 
 

1- بحار الأنوار ج29 ص215.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

59

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 الركن الخامس أبيات الختام


أو ما يسمّى (بالتخلّص)

يختتم الخطباء عادة المصيبة ببيت أو أكثر من الشعر المناسب للمقام، فمثلاً إذا كانت المصيبة تدور حول كلام السيّدة زينب عليها السلام مع أخيها الإمام الحسين عليه السلام يقول الخطيب حينئذ:

أَأُخَيَّ مَا عَوَّدْتَنِي مِنْكَ الجَفَا            فَعَلامَ تَجْفُوُنِي وَتَجْفُو مَنْ مَعِي
أنْعِمْ جَوَاباً يَا حُسَيْنُ أَمَا تَرَى          شِمْرَ الخَنَا بِالسَّوْطِ أَلَّمَ أَضْلُعِي

أو ما شابه ذلك من الأبيات المناسبة.

وإذا كانت مصيبة عليّ الأكبر عليه السلام يقرأ:

يَا كَوْكَبَاً مَا كَانَ أَقْصَرَ عُمْرَهُ               وَكَذَا تَكُونُ كَوَاكِبُ الأَسْحَارِ

أو يقرأ عن لسان الإمام الحسين عليه السلام أو عن لسان ليلى عليها السلام :

بُنَيَّ اقْتَطَعْتُكَ مِنْ مُهْجَتِي                  عَلامَ قَطَعْتَ جَمِيلَ الوِصَالِ

وأمثال ذلك.

وإن كانت مصيبة عبد الله الرضيع عليه السلام يقول:

لَهْفَ نَفْسِي عَلَى الرَّضِيعِ الظَّامِي               فَطَمَتْهُ السِّهامُ قَبْلَ الفِطَامِ

وإذا كانت مصيبة العبّاس عليه السلام يقرأ عن لسان الإمام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

60

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 الحسين عليه السلام :


عَبَّاسُ كَبْشُ كَتِيبَتِي وَكِنَانَتِي             وَسَرِيُّ قَوْمِي بَلْ أَعَزُّ حُصُونِي
يَا سَاعِدِي فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ بِهِ            أَسْطُو وَسَيْفَ حِمَايَتِي بِيَمِينِي
لِمَنِ اللِّوا أُعْطِي وَمَنْ هُوَ جَامِعٌ        شَمْلِي وَفِي ضَنْكِ الزِّحَامِ يَقِينِي

وهكذا في المصائب الأُخرى يقرأ الشعر المناسب للمقام.

ومن عادة بعض الخطباء أن تكون أبيات الختام من الشعر المخمّس, فمثلاً إذا كان الحديث عن مصيبة الزهراء عليها السلام بأبيها صلى الله عليه وإله وسلم يقول الخطيب حينئذٍ:

أَهوّتْ علَى قَبْرِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ             شَوْقاً تَشَمُّ أَشْرَفَ مَرْقَدِ
وَتَقُولُ وَالِهَةً بِقَلْبٍ مُكْمَدٍ              مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ
               أَنْ لا يَشَمَّ مَدَى الزَّمانِ غَوَالِيا

والجدير بالذّكر: أنّ الشطر الثاني من البيت الأخير الذي يختتم به الخطيب خطبته يُقرأ عادة بصوت منخفض، علامة على الانتهاء من المصيبة والبعض من الخطباء لا يأتي أصلاً على ذكر الشطر الثاني.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

61

الفصل الرابع: أركان المجلس الحسينيّ

 الركن السادس - الدّعاء:


وهو الركن الأخير من المجلس الحسينيّ، وبه ينهي الخطيب المصيبة، وهو يشتمل على عدّة فقرات.

الأولى: الابتهال إلى الله، والدّعاء لمولانا صاحب الزمان بالفرج عجل الله فرجه الشريف .

الثانية: الدّعاء للمسلمين ومجاهديهم.

الثالثة: لعموم الحاضرين، بالمغفرة، والعافية، وحسن العاقبة.

ويخصّ المؤسّسين والباذلين أموالهم بدعاء خاصّ، وإذا كان في المجلس شخص بارز ومميّز من العلماء يحسن ذكره بالاسم في الدّعاء.

الرابعة: إهداء ثواب الفاتحة إلى أموات هؤلاء وعموم المؤمنين وبالخصوص الشهداء.

وإذا كان المجلس معقوداً عن روح شخص ما، فيحسن ذكر اسمه عند إهداء ثواب الفاتحة بعد تخصيصه بالدّعاء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

62

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الشعر الفصيح


1- الدرج الدرج الفارسي الدرج الجنوبي.
2- المثكل المتّصل المثكل المنفصل.
3- التخميس العراقيّ التخميس الإحسائيّ.
4- الحدي.
5- الدشتي.
6- القزويني الخفيف القزويني الثقيل.
7- الركباني.
8- النعي العاملي.
9- الزُريجي.
10- الكعبي.
11- الهادئ.
12- الملاّئي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

63

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 دور الخطيب في ترتيب أطوار القصيدة


لا بدّ أن ينوّع الخطيب في استعمال الأطوار من طورين إلى أربعة أطوار على حسب عدد الأبيات. إلّا أنّ الغالب في الحدّ الوسطي الذي هو ثلاثة عشر بيتاً أن ينوّع فيه من واحد إلى ثلاثة أطوار وترتيبها، وهو ما اصطلح عليه أهل الفن العزائيّ بأطوار القصيدة.

وهذه الأطوار مثل: التخميس، والدرج، والقزويني، والحدي، والدشتي، والركباني وغيرها، ممّا سنعرض له من أطوار القريض (أي الفصيح) وأطوار الشعر الشعبيّ إن شاء الله تعالى.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

64

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور الأوّل: الدرج


كيفيّته: يُقرأ بطريقة هادئة لا يستعمل فيها المدّ إلّا بحدّه الأدنى. فيتدرّج الخطيب بقراءة الأبيات بلا تطويل ويستعمل فيها من حنجرته، طبقة القرار في البداية، ثمّ يرتقي شيئاً فشيئاً إلى الأعلى مع مدّ وترجيع وتحزّن.
ولكلّ خطيب طريقته التي تتلاءم مع صوته في قراءة طور الدرج كما في جميع الأطوار.

والدرج: رثائيّ، وملحمي.

أ-الرثائيّ:

لَمْ أَنْسَ زَيْنَبَ بَعْدَ الخِدْرِ حَاسِرَةً            تُبْدِي النِّيَاحَةَ أَلْحَانَاً فَأَلْحَانَا
مَسْجُورَةَ القَلْبِ إلَّا أَنَّ أَعْيُنَها               كَالمُعْصِراتِ تَصُبُّ الدَّمْعَ عِقْيانا
تَدْعُو أَبَاهَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ أَلَا              يَا وَالِدِي حَكَمَتْ فِينَا رَعَايَانَا
وَغَابَ عَنَّا المُحَامِي وَالكَفِيلُ فَمَنْ          يَحْمِي حِمَانا وَمَنْ يُؤْوِي يَتَامَانَا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

65

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 ب- الملحمي:


وهو الشعر الملحميّ الذي له طابعُ الخلود وطابع الشجاعة، حيث يبيّن عظمة الإمام الحسين عليه السلام ، مثال: قصيدة محمّد مهدي الجواهريّ: وهذا اللون من الشعر لا يحتاج إلى ترقيق الصوت بل يُقرأ بوتيرة واحدة غير عاطفية لأنّه لو قرأ بطريقة مهيّجة للعاطفة لانتفى الغرض منه، إذ أن غرضه الحماس في النفوس، ولذا لا يناسب أن يُقرأ أثناء المصيبة، بل تقتصر قراءته في مقدّمة المجلس.

فِدَاءً لِمَثْوَاكَ مِنْ مَضْجَعِ            تَنَوَّرَ بِالأَبْلَجِ الأَرْوَعِ
بِأَعْبَقَ مِنْ نَفَحَاتِ الجِنَا             نِ رَوْحَاً، وَمِنْ مِسْكِهَا أَضْوَعِ
وَرَعْيَاً لِيَوْمِكَ يَوْمِ الطُّفُوفِ         وَسَقْيَاً لِأَرْضِكِ مِنْ مَصْرَعِ
وَحُزْنَاً عَلَيْكَ بِحَبْسِ النُّفُوسِ        عَلَى نَهْجِكَ النَّيِّرِ المَهْيَعِ
وَصَوْنَاً لِمَجْدِكَ مِنْ أَنْ يُدَالَ        بِمَا أَنْتَ تَأْبَاهُ مِنْ مُبْدِعِ
فَيَا أَيُّهَا الوَتْرُ فِي الخَالِدِيـ          ـنَ فَرْدَاً، إِلَى الآنَ لَمْ يُشْفَعِ
وَيَا عِظَةَ الطَّامِحِينَ العِظَامِ         ل هِينَ عَنْ غَدِهِمْ قُنَّعِ
تَعَالَيْتَ مِنْ مُفْزِعٍ لِلْحُتُوفِ          وَبُورِكَ قَبْرُكَ مِنْ مَفْزَعِ
تَلُوذُ الدُّهُورُ فَمِنْ سُجَّدٍ             عَلَى جَانِبَيْهِ وَمِنْ رُكَّعِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

66

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 ويُقرأ في موضعين:


1- الموضع الأوّل: في مقدّمة القصيدة:

الشاهد الأوّل: الرثاء.

حَرَّ قَلْبِي لِزَيْنَبٍ إِذْ رَأَتْهُ              تَرِبَ الجِسْمِ مُثْخَنَاً بِالجِرَاحِ
أَخْرَسَ الخَطْبُ نُطْقَهَا فَدَعَتْهُ         بِدُمُوعٍ بِمَا تَجِنُّ فِصَاحِ
يَا مَنَارَ الضُّلَّالِ وَاللَّيْلُ دَاجٍ          وَظِلَالَ الرَّمِيضِ وَاليَوْمُ ضَاحِي
كُنْتَ لِي يَوْمَ كُنْتَ كَهْفَاً مَنِيعَاً         سَجْسَجَ الظِّلِّ خَافِقَ الأَرْوَاحِ

2 الموضع الثاني: في أثناء المصيبة:

كانت فاطمة عليها السلام إذا جنّ عليها الليل تأتي إلى أمير المؤمنين عليه السلام تقول له: يا بن العمّ كم مضى من الليل؟ يقول الإمام: ثلثه، تقول: يا ابن العمّ، أريد أن أخرج إلى قبر والدي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ، كانت تخرج، حسن عن يمينها، حسين عن شمالها، أمير المؤمنين أمامها، تقوم تارة وتقعد أخرى، وهي تنادي: وا أبتاه وا محمّداه، قال لها أمير المؤمنين عليه السلام ، يا ابنة العمّ، أقلي من البكاء وتعزي بالعزاء، إني أخشى عليكِ أن تكوني من الهالكين. قالت: يا بن العمّ، لا تلمني، واعذرني، إنّ الفراق مرّ المذاق خصوصاً فراق أبي سلطان الرسل وعصمة أمري، إلى أن
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

67

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 تصل إلى قبره الشريف ترمي بنفسها عليه ثمّ تأخذ قبضة من تراب القبر تشمّها وتدنيها على عينيها، وهي تقول:


مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ         أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا          صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا

ويمكن أن تكون أبيات الختام في نهاية المجلس مقروءة بطور الدرج.

مثال:

قَدْ كَانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَهَنْبَثَةٌ           لَوْ كُنْتَ شَاهِدَها لَمْ تَكْثُرِ الخُطَبُ
إِنَّا فَقْدْنَاكَ فَقْدَ الأَرْضِ وَابِلَهَا        وَاخَتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَقَدْ نُكِبُوا

وهناك أنواع أخرى من الدرج منها:

الدرج الجنوبيّ: نسبة إلى جنوب العراق وإيران.

ويُقرأ بحزن ورقّة وترجيع خفيف في أغلب كلمات البيت..

مثلاً:

عَجَبَاً لِحِلْمِكَ كَيْفَ قَرَّ وَدَامَا                وَفَظِيعُ رُزْئِكَ يَنْسِفُ الأَعَلَامَا
فَمَتَى نَرَاكَ عَلَى العِدَى مُتَطَلِّعَاً            تُرْدِي الكَمِيَّ وَتَعْقِرُ الضِّرْغَامَا
وَمَتَى تَشُبُّ لَظَى الحُرُوبِ بِدُورِهِمْ         فَتُبِيدُ مِنْها أَشْيُبَاً وَغُلَّامَا
وَتَبِيحَ حَوْزَتَهَا وَتَنْهَبَ رَحْلَهَا               وَتَذُودَ مِنْهَا الأَشْوَسَ المِقْدَامَا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

68

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 مَاذَا يُهِيجُكَ إِنْ صَبَرْتَ لِمِحْنَةٍ          مَلَأَتْ قُلُوبَ المُسْلِمِينَ ضِرَامَا

أَنَسِيتَ مَا فَعَلَتْ بَنُو حَرْبٍ وَقَدْ          سَبَوُا النِّسَاءَ وَصَفَّدُوا الأَيْتَامَا
وَسَرَوْا بِهِنَّ عَلَى النَّجَائِبِ حُسَّراً        وَدُمُوعُهَا تَحْكِي الحَيَا سِجَامَا

وقد جرت عادة أهل الجنوب العراقيّ أو الإيرانيّ أن يكرّروا كلمة وا سيّداه أو إماماه وما شاكل ذلك أثناء القراءة وفي الموضع المناسب.

مثال: ماذا يهيجك إن صبرت لمحنة "يا صاحب الزمان".

وفي كلّ الأحوال يُقرأ الدرج من القصيدة بحسب عدد الأبيات، وفي الأغلب الأعمّ أن طور الدرج له الحصّة الكبرى من مساحة القصيدة بالنسبة للأطوار الأخرى، فإن كانت ثلاثة عشر بيتاً، وأردت أن تنوّع الأطوار فيها فمن المناسب أن تقرأ الأبيات الخمسة الأولى بطور الدرج والباقي بأطوار مختلفة.

ومنها:الدرج الفارسي: وقد جرت عادة خطباء الفرس أن يقرؤوا به لأنّه طورهم، حيث تظهر فيه النغمة الفارسيّة جليّة.

مثال على ذلك:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

69

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 البِدَارَ البِدَارَ آلَ نِزَارِ                   قَدْ فُنِيتُمْ مَا بَيْنَ بِيضِ الشِّفَارِ

قَوِّمُوا السُّمْرَ كَسِّرُوا كُلَّ غِمْدٍ          نَقّبُوا بِالقَتَامِ وَجْهَ النَّهَارِ
لا تَمُدُّوا لَكُمْ عَنِ الشَّمْسِ ظِلَّا          إِنَّ فِي الشَّمْسِ مُهْجَةَ المُخْتَارِ
حَقَّ أَنْ لا تُكَفِّنُوا عَلَوِيَّاً                  بَعْدَمَا كَفَّنَ الحُسَينَ الذَّارِي
لا تَشُقُّوا لِآلِ فِهْرٍ قُبُوراً                 فَابْنُ طَهَ مُلْقَىً بِلا إِقْبَارِ
هَتِّكُوا عَنْ نِسَائِكُمْ كُلَّ خِدْرٍ             هَذِهِ زَيْنَبٌ عَلَى الأَكَوَارِ
شَأْنُهَا النَّوْحُ لَيْسَ تَهْدَأُ آناً              عَنْ بُكًى بِالعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ
أَيْنَ مِنْ أَهْلِهَا بَنُو شَيْبَةِ الحَمْـ          ـدِ لُيُوثُ الوَغَى حُمَاةُ الذِّمَارِ

يُقرأ أثناء المصيبة في بيتين أو ثلاثة نحو:
وَاللهِ إِنْ قَطَعْتُمُ يَمِينِي                إِنِّي أُحَامِي أَبْدَاً عَنْ دِينِي
وَعَنْ إِمَامٍ صَادِقِ اليَقِينِ             نَجْلِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِ الأَمِينِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

70

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور الثاني: المثكِل


وهو على قسمين: منفصل ومتّصل.

الأوّل: المثكِل المنفصل

كيفيّته: المدّ والترجيع الخفيف من بداية الشطر الأوّل والإسراع في القراءة عند بداية الشطر الثاني. ويمتاز بالونّة على حرف العلّة الساكن في أواخر البيت الشعريّ. بأن يقرأ الخطيب صدر البيت وقبل إكمال عجزه يقطع الكلام.
يُقرأ المثكل من موضعين الأوّل في القصيدة والثاني أثناء المصيبة ولا يُقرأ في أبيات الختام.

الموضع الأوّل: في القصيدة

تَاللهِ لَا أَنْسَى ابْنَ فَاطِمَ وَالعِدَى               تُهْدِي إِلِيْهِ بَوَارِقَاً وَرُعُودَا
قَدْ كَانَ بَدْرَاً فَاغْتَدَى شَمْسَ الضُّحَى         مُذْ أَلْبَسَتْهُ يَدُ الدِّمَاءِ لُبُودَا
قَتَلُوا بِهِ بَدْرَاً فَأَظْلَمَ لَيْلُهُمْ                     فَغَدَوْا قِيَامَاً فِي الضَّلَالِ قُعُودَا
لِلَّهِ مَطْرُوحٌ حَوَتْ مِنْهُ الثَّرَى                 نَفْسَ العُلَا وَالسُؤْدُدَ المَعْقُودَا
وَمُجَرَّحٌ مَا غَيَّرَتْ مِنْهُ القَنَا                  حُسْنَاً وَلا أَخْلَقْنَ مِنْهُ جَدِيدَا
وَثَوَاكِلٌ فِي النَّوْحِ تُسْعِدُ مِثْلَهَا               أَرَأَيْتَ ذَا ثُكْلٍ يَكُونُ سَعِيدَا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

71

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 إِنْ تَنْعَ أَعْطَتْ كُلَّ قَلْبٍ حَسْرَةً                 أَوْ تَدْعُ صَدَّعَتِ الجِبَالَ المِيدَا

عَبَرَاتُها تُحْيِي الثَّرَى لَوْ لَمْ تَكُنْ                زَفَرَاتُهَا تَدَعُ الرِّيَاضَ هُمُودَا

الموضع الثاني:المثكل أثناء المصيبة

لمّا وصلت مولاتنا زينب عليها السلام إلى كربلاء، راجعة من الشام، ولاح لها قبر أخيها الحسين بن علي عليه السلام الذي قتلوه عطشاناً، ورأت نساء أهل السواد مجتمعات حول القبر قالت - بلسان الحال-:

مَا حَالُ جُثَّةِ مَيِّتٍ فِي أَرْضِكُمْ              بَقِيَتْ ثَلَاثَاً لَا يُزَارُ مَقَامُهَا

ملاحظة: يُقرأ في أثناء المصيبة فيما لو تضمّنت أبياتاً من الشعر القريض.

يستحسن أن لا تكون الونّة في وسط الكلمة، حتّى لا يضيع فهمها على الجمهور، كما ويستحسن أن تكون الونّة في آخر الحرف ما قبل الكلمة الأخيرة، أو أوّل الكلمة الأخيرة، بما لا يحدث خللاً في معناها عند السامع.

وحينما يصل الخطيب إلى قوله سعيداً مثلاً، يمدّ الياء في (سعيداً) مدّاً مناسباً مع هذا الطور ثمّ يقطع الصوت كلّياً ليأخذ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

72

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 نفساً، ومن ثمّ يكمل الياء والدال ويمدّ الألف مدّاً مناسباً مع الطور، وهنا ينبغي على الجمهور أن يواكب الخطيب في المدّ قبل أن يقطع الخطيب صوته، بحيث إذا انقطع صوته واختفى لا يبقى إلّا صوت الجمهور يدوّي في المجلس، وكذلك عندما يكمل من حيث قطع لا بدّ أن يرتفع صوت الجمهور مع صوته فيتابعونه على نفس الوتيرة والحركة، فإذا كانت ونّته "وا" أكمل الجمهور ذلك، وإن كانت "عي" أكملوا ذلك مما يضفي على المجلس روحانيّة خاصّة وتأثيراً حزيناً.


ويمكن أن يستعيض الخطيب عن حرف العلّة - مع عدم وجوده - بالحركات الفتحة والضمّة والكسرة.

الثاني: المثكل المتّصل

وكيفيّته: لا يختلف عن المنفصل بشيء إلّا بأنّه لا قطع للصوت فيه بل يبقى في عمليّة مدٍّ خاصّة مناسبة جدّاً مع الطور وهذه الونّة التي في آخر الكلمة تتناسب مع الجمهور الذي لا يونّ, ومن هنا تكون الونّة واحدة في آخر الكلمة بخلاف المنفصل ففيه ونّتان.

وعلى أيّ حال لا يُقرأ المثكل المتّصل في بداية القصيدة ولا في خاتمة المجلس عادة بل لا بدّ له من تمهيد بأربعة أبياتٍ في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

73

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 مطلع القصيدة أو أكثر بحسب عدد أبيات القصيدة.


مثال:

ذِكْرُ الطُّفُوفِ وَيَوْمُ عَاشُورَاءِ               مَنَعَا جُفُونِي لَذَّةَ الإِغْفَاءِ
وَتَذَكُّرِي رُزْءَ الحُسْينِ بِكَرْبَلا                أَغْرَى دُمُوعَ العَيْنِ بِالإِجْرَاءِ
لَمْ أَنْسَهُ لَمَّا سَرَى مِنْ يَثْرِبٍ                بِعِصَابَةٍ مِنْ رَهْطِهِ النُّجَبَاءِ
حَتَّى أَتَى البَيْتَ الحَرَامَ مُلَبِّياً                وَالقَلْبُ فِي هَمٍّ وَفَرْطِ عَنَاءِ
فَقَضَى مَنَاسِكَ حَجِّهِ ثُمَّ انْثَنَى               يَبْغِي العِرَاقَ بِأَهْلِهِ السُّعَدَاءِ
حَتَّى أَتَوْا أَرْضَ الطُّفُوفِ فَدَتْهُمُ             أَرْضُ الطُّفُوفِ وَأَرْضُ كُلِّ بَلاءِ
وَيْلاهُ، إِذْ وَقَفَ الجَوَادُ وَلَمْ يَسِرْ              فَغَدَا يَقُولُ لِصَحْبِهِ الخُلَصَاءِ
يَا قَوْمُ مَا اسْمُ الأَرْضِ قَالُوا نَيْنَوَى          قَالَ افْصِحُوا عَنْهَا بِغَيْرِ خَفَاءِ
قَالُوا تُسَمَّى كَرْبَلا فَتَنَفَّسَ الـ                ـصُّعَدَا وَقَالَ هُنَا حُلُولُ فَنَاءِ
حُطُّوا الرِّحَالَ فَذَا مَحَطُّ خِيَامِنَا              وَهُنَا تَكُونُ مَصَارِعُ الشُّهَدَاءِ
حُطُّوا الرِّحَالَ فَذَا مَنَاخُ رِكَابِنَا               وَبِهَذِهِ وَاللهِ، سَبْيُ نِسَاءِ
وَبِهَذِهِ الأَطْفَالُ تُذْبَحُ وَالنِّسَا                تَعْلُو عَلَى قَتَبٍ بِغَيْرِ وِطَاءِ
وَبِهَذِهِ تَتَفَتَّتُ الأَكْبَادُ مِنْ                 حَرِّ الظَّمَا وَحَرَارَةِ الرَّمْضَاءِ
وَبِهَذِهِ وَاللهِ يَسْلُبُنِي العِدَى                  وَتَجُولُ خَيْلُهُمُ عَلَى أَعْضَائِي
وَبِهَذِهِ نَهْبُ الخِيَامِ وَحَرْقُهَا                 وَبِهَذِهِ حَرَمِي تُقِيمُ عَزَائِي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

74

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 مثال آخر يمكن الاستفادة منه للمثكل المتّصل:


قِفْ بِالطُّفُوفِ وَجُدْ بِفَيْضِ الأَدْمُعِ             إِنْ كُنْتَ ذَا حُزْنٍ وَقَلْبٍ مُوْجَعِ
يِا سَعْدُ سَاعِدْنِي عَلَى طُولِ البُكَا             وَأَذِلْ دُمُوعَكَ بَيْنَ تِلْكَ الأَرْبُعِ
وَالْبَسْ ثِيَابَ الحُزْنِ سُوداً وَاكْتَحِلْ            إِنْ كُنْتَ مُكْتَحِلاً بِحُمْرِ الأَدْمُعِ
أَيَبِيتُ جِسْمُ ابْن ِالنَّبِيِّ عَلَى الثَّرَى             وَتَبِيتُ مِنْ فَوْقِ الحَشَايَا أَضْلُعِي
تَبَّاً لِقَلْبٍ لَا يُقَطَّعُ بَعْدَهُ                          أَسَفَاً بِسَيْفِ الحُزْنِ أَيُّ تَقَطُّعِ

ملاحظة: لا يُقرأ المثكل المنفصل، ولا المتّصل، إلّا في الشعر الرثائيّ، ولا يُقرأ شعر الحماسة والشجاعة، الذي يهدف إلى عرض مواقف الشجاعة، والبطولة، لا الإبكاء، بينما المثكل يُقرأ بغرض الأنين والنوح.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

75

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور الثالث: التخميس


للتخميس طريقتان: العراقيّة والإحسائيّة.

الأولى: التخميس العراقيّ

كيفيّته: مدُّ كلّ شطرٍ من البيت ثلاث مرات مع انخفاض ولا بدّ أن يكون المدّ على حرف العلّة أو على الحركات الإعرابيّة التي تستعيض بها عن حرف العلّة، عند فقده في كلّ موضع يجب فيه المدّ.

وإنّما سمي تخميساً، لأنّه في الغالب يُقرأ هذا الطور على المخمسيّات وهي التي يضاف فيها ثلاثة أشطر من الشعر أيّ بيت ونصف إلى أصل البيت المؤلف من شطرين، فيصبح المجموع خمسة أشطر. ويمتاز التخميس العراقي بالمدّ الأطول.

مثال: أصل البيت:

أَنْعِمْ جَوَاباً يَا حُسَيْنُ أَمَا تَرَى                شِمْرَ الخَنَا بِالسَّوْطِ كَسَّرَ أَضْلُعِي

فيضيف إليه الشاعر ثلاثة أشطر فيقول:

جَرَتِ المَدَامِعُ يَوْمَ شِمْرٌ شَمَّرَا               عَنْ سَاعِدَيْهِ وَمَتْنَ زَيْنَبَ أَثَّرَا
صَرَخَتْ وَنَادَتْ وَالفُؤَادُ تَفَطَّرَا              أَنْعِمْ جَوَابَاً يَا حُسَيْنُ أَمَا تَرَى
                    شِمْرَ الخَنَا بِالسَّوْطِ كَسَّرَ أَضْلُعِي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

76

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 مثال آخر أصل البيت:


فَأَجَابَهَا مِنْ فَوْقِ شَاهِقَةِ القَنَا                     قُضِيَ القَضَاءُ بِمَا جَرَى فَاسْتَرْجِعِي

بعد الإضافة أصبح على النحو التالي:

غَدَرَ الزَّمَانُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَا جَنَى             وَأَنَا العَقِيلَةُ أَنْتَ تَعْلَمُ مَنْ أَنَا
أَمَرَ الدَّعِيُّ بِأَنْ يَسِيرَ بِنَا فَأَجَابَهَا             مِنْ فَوْقِ شَاهِقَةِ القَنَا
                    قُضِيَ القَضَاءُ بِمَا جَرَى فَاسْتَرْجِعِي

لكنّه وممّا لا شكّ فيه فإنّ طور التخميس أضحى يُقرأ في كلّ شعرٍ حتّى ولو لم يكن مخمّساً.
ويُقرأ التخميس في ثلاثة مواضع: في ختام القصيدة بعد المثكل، وأثناء المصيبة، وفي ختام المجلس.
الموضع الأول: التخميس بعد المثكل
مثال:
وَسَرَوْا بِنِسْوَتِهِ عَلَى عَجَفِ المَطَا                 تَطْوِي سُهُولاً بِالفَلا وَحُزُوناً

تخميس:
أَوَ مِثْلُ زَيْنَبَ وَهْيَ بِنْتُ مُحَمَّدٍ                 بَرَزَتْ تُخَاطِبُ شَامِتَاً مَلْعُونَاً
وَغَدَا بِمَحْضَرِهَا يُقَلِّبُ مَبْسِماً                  كَانَ النَّبِيُّ بِرَشْفِهِ مَفْتُوناً
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

77

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 نَثَرَتْ عَقِيقَ دُمُوعِهَا لَمَّا غَدَا                 بِعَصَاهُ يَنْكُتُ لُؤْلُؤاً مَكْنُوناً


الموضع الثاني: التخميس أثناء المصيبة

لمّا وقف الحسينُ عليه السلام على أصحابه رآهم على الثرى، ما بين من صافح التراب جبينه، وقطع الحمام أنينه، فناداهم: يا زهير بن القين، يا حرّ الرياحيّ، يا حبيب بن مظاهر، يا عليّ الأكبر، يا عبّاس بن عليّ...

لَمَّا رَأَى السِّبْطُ أَصْحَابَ الوَفَا قُتِلُوا              نَادَى أَبَا الفَضْلِ أَيْنَ الفَارِسُ البَطَلُ
أَيْنَ الَّذِي دُونَهُ الأَرْوَاحُ تُبْتَذَلُ                    بِالأَمْسِ كَانُوا مَعِي وَاليَوْمَ قَدْ رَحَلُوا
وَخَلَّفُوا فِي سُوَيْدَا القَلْبِ نِيرَانَاً

الموضع الثالث: في ختام المجلس بعد الشعر الشعبيّ

نقدّم في الخاتمة بيتين من الشعر الشعبيّ ثمّ نختم بطور التخميس.

مثال: حال السيّدة الزهراء عليها السلام عند خروجها لقبر أبيها صلى الله عليه وإله وسلم :

شعبيّ:

آه طبّت دارها وظلّت عليله               وجفنها من الولم ما غمض ليلة
تروح لقبر أبوها تشتكيله                  وهو بقبره على الزهره يتولم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

78

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 تخميس: ماذا قالت السيّدة الزهراء عليها السلام :


أَبْدَتْ لِيَ الأَيَّامُ بَغْيَاً ضِغْنَهَا              وَعَلَيَّ تَابَعَتِ المَصَائِبُ حُزْنَهَا
قَسَماً بِمَنْ شَرَعَ الفُرُوضَ وَسَنَّهَا         صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا
صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا

الثانية: التخميس الإحسائيّ

وكيفيّته: يمتاز عن التخميس العراقيّ بعدم المدّ في آخر كلّ شطر مع إدخال بعض الكلمات أثناء القراءة مثل يا أبا عبد الله مثال:

مَنْ لِي حِمَىً بَعْدَ الحُسَيْنِ وَمُعْتَصَمْ                   إِنْ جَلَّ خَطْبٌ فَادِحٌ وَبِنَا أَلَمّْ
نَادَيْتُ يَا أبَا عَبْدِ اللهِ يَا حُسَيْنُ نَادَيْتُ ـ              لَمَّا غَابَ بَدْرُ سَمَا الكَرَمْ يَا غَائِباً
يَا غَائِبَاً عَنْ أَهْلِهِ أَتَعُودُ أَمْ                           تَبْقَى إِلَى يَوْمِ المَعَادِ مُغَيَّبَا

ملاحظة: لا يُقرأ التخميس إلّا بعد المثكل، أو الدرج أو الدشت، وكذلك يُقرأ التخميس في خاتمة المجلس إيذاناً بانتهائه، كما ويُقرأ بعد الانتهاء من الگوريز وعند الوصول إلى المصيبة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

79

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور الرابع: الحدي


وكيفيّته: وهو النطق بحروف الكلمات ببطء كأنّها تخرج من فم صاحبها رغماً عنه، كما يحدى للنّاقة عندما تمشي مشياً وئيداً، وميزة هذا الطور المدُّ في آخر صدر البيت كما في آخر عجزه بشكل متقطّع حزين.

ويُقرأ في موضعين:في القصيدة وأثناء المصيبة.

الموضع الأوّل: في القصيدة وذلك بعد تمهيد ومقدّمة من طور الدرج, أو الدشتيّ:

مثال:

لَهْفِي لِرَأْسِكَ فَوْقَ مَسْلُوبِ القَنَا           يَكْسُوهُ مِنْ أَنْوَارِهِ جِلْبَابَا
تَرِبَ الجَبِينِ وَعَيْنُ كُلِّ مُوَحِّدٍ              وَدَّتْ لِجِسْمِكَ لَوْ تَكُونُ تُرَابَا
صَلَّتْ عَلَى جِسْمِ الحُسَيْنِ سُيُوفُهُمْ        فَغَدَا لِسَاجِدَةِ الظُّبَى مِحْرَابَا
وَقَضَى لَهِيفاً لَمْ يَجِدْ غَيْرَ القَنَا              ظِلَّاً وَلا غَيْرَ النَّجِيعِ شَرَابَا
ظَمْآنَ ذَابَ فُؤَادُهُ مِنْ غُلَّةٍ                 لَوْ مَسَّتِ الصَّخْرَ الأَصَمَّ لَذَابَا
لَهْفِي لِجِسْمِكَ فِي الصَّعِيدِ مُجَرَّداً            عُرْيَانَ تَكْسُوهُ الدِّمَاءُ ثِيَابَا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

80

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الموضع الثاني: أثناء المصيبة


مثال:

يروى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان في كلّ ليلة يذهب إلى قبر الزهراء عليها السلام وينادي: وا حبيبتاه، فلم يجبه أحد.. فلمّا كان بعد ستّة أشهر اشتدّ شوقه جدّاً فبكى على القبر وجعل يقول:

مَالِي وَقَفْتُ عَلَى القُبُورِ مُسَلِّماً                 قَبْرَ الحَبِيبِ فَلَمْ يَرُدَّ جَوَابِي
أَحَبِيبُ مَا لَكَ لا تَرُدُّ جَوَابَنَا                 أَنَسِيتَ بَعْدِي خُلَّةَ الأَحْبَابِ

فأجاب عن نفسه، وقيل بل أجابه هاتف:

قَالَ الحَبِيبُ وَكَيْفَ لِي بِجَوَابِكُمْ             وَأَنَا رَهِينُ جَنَادِلٍ وَتُرَابِ
أَكَلَ التُّرَابُ مَحَاسِنِي فَنَسِيتُكُمْ              وَحُجِبْتُ عَنْ أَهْلِي وَعَنْ أَصْحَابِي

كما يستحسن إضافة بعض الكلمات أثناء قراءة الحدي مثل: (وا إماماه، وا حسيناه) إذا كان موضوع الشعر هو الحسين، وإلّا فممّا يتناسب من كلمات مع الشعر، وإليك هذا المثال:

وَمُجَرَّحٌ مَا غَيَّرَتْ مِنْهُ القَنَا (وَا إِمَامَاه)                     حُسْناً وَلا أَخْلَقْنَ مِنْهُ جَدِيدَا

ويمكن أن تترك للمستمع فرصة ليجيبك بقوله: و(إماماه) أو يكمل آخر كلمة من البيت.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
99

81

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 مثال:


قَوَاعِدُ بَيْتِ اللهِ فِيكَ تَدَافَعَتْ             وَجَانِبُ طُورِ المَجْدِ فِيكَ تَصَدَّعَا
فَيَا دَهْرُ أَرْدَيْتَ الَّذِي بِنَوَالِهِ            إِذَا العَامُ أَكْدَى مُجْدِباً عَادَ مُمْرِعَا

ملاحظة: لا يُقرأ الحدي في بداية القصيدة، بل لا يبتدأ بأيّ من الأطوار ذات الونّة أو التي تحتاج إلى جواب من الجمهور، لأنّه غير مستعدّ بعد، كما لا تصلح الإطالة بهذا الطور لئلّا يصاب الجمهور بالملل, ولذلك يستحسن أن يُقرأ بيتين أو ثلاثة من القصيدة بهذا الطور بعد المثكل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

82

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور الخامس: الدشتي


وهو طور تطغى عليه النغمة الفارسيّة ويكثر الإيرانيّون من استخدامه حتّى في الآذان والدّعاء وزيارة الأئمّة عليهم السلام.

كيفيّته: يُقرأ النصف الأوّل من كلّ شطر مع مدّ وترجيع خفيفين وفي النصف الثاني يُقرأ مع مدّ وترجيع بوتيرة مرتفعة قليلاً. وهو طور حزين، يُقرأ على وتيرة واحدة.

ويُقرأ في موضعين: في القصيدة وأثناء المصيبة.

الموضع الأوّل: أثناء القصيدة

مثال:

رَحَلُوا وَمَا رَحَلُوا أُهَيْلُ وِدَادِي             إِلّا بِحُسْنِ تَصَبُّرِي وَفُؤَادِي
سَارُوا وَلَكِنْ خَلَّفُونِي بَعْدَهُمْ                 حَزِناً أَصُوبُ الدَّمْعَ صَوْبَ عِهَادِي
وَسَرَتْ بِقَلْبِي المُسْتَهامِ رِكَابُهُمْ               تَعْلُو بِهِ جَبَلاً وَتَهْبِطُ وَادِي
وَلَقَدْ وَقَفْتُ بِها وُقُوفَ مُوَلَّهٍ                 وَلِمُهْجَتِي بِالوَجْدِ قَدْحُ زِنَادِ
أَبْكِي بِها طَوْراً لِفَرْطِ صَبَابَتِي               وَأَصِيحُ فِيها تَارَةً وَأُنَادِي
يَا دَارُ أَيْنَ مَضَى ذَوُوكِ أَمَا لَهُمْ             بَعْدَ التَّرَحُّلِ عَنْكِ يَوْمُ مَعَادِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
101

83

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 ويُقرأ في القصائد الوعظيّة كقصيدة الموت:


أَرَى عُمْرِي مُؤْذِنَاً بِالذَّهَابِ             تَمُرُّ لَيَالِيهِ مَرَّ السَّحَابِ
وَتُفْجِعُنِي بِيضُ أَيَّامِهِ                    فَتَسْلَخُ مِنِّي سَوَادَ الشَّبَابِ
فَمَنْ لِي إِذَا حَانَ مِنِّي الحِمَامُ          وَلَمْ أَسْتَطِعْ مِنْهُ دَفْعَاً لِمَا بِي

الموضع الثاني: أثناء المصيبة

مثال:

خرج الإمام الحسين عليه السلام من منزله تلك الليلة وأقبل على قبر جدّه صلى الله عليه وإله وسلم ، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبيّ الله، أنّهم خذلوني وضيّعوني، ولم يحفظوني. فلمّا كانت الليلة الثانية، خرج إلى القبر وصلّى ركعات عند قبر جدّه، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول: أللهم هذا قبر نبيّك محمّد صلى الله عليه وإله وسلم ، وجعل يبكي عند القبر حتّى إذا كان قريباً من الصبح، وضع رأسه عند القبر فغفا، وإذا هو برسول الله ينادي: حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

84

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 سَتَذُوقُ المَوْتَ ظُلْمَاً ظَامِئاً فِي كَرْبَلا                  وَسَتَبْقَى فِي ثَرَاهَا ثَاوِيَاً مُنْجَدِلاً

وَكَأَنِّي بِلَئِيمِ الأَصْلِ شِمْرٍ قَدْ عَلَا                       صَدْرَكَ الطَّاهِرَ بِالسِّيْفِ يَحُزُّ الوَدَجَيْنِ
وَكَأَنِّي بِالأَيَامَى مِنْ بَنَاتِي تَسْتَغِيثُ                      لُغُباً تَسْتَعْطِفُ القَوْمَ وَقَدْ عَزَّ المُغِيثُ
قَدْ بَرَى أَجْسَامَهُنَّ الضَّرْبُ وَالسَّيْرُ الحَثِيثُ            بَيْنَها السَّجَّادُ فِي الأَصْفَادِ مَغْلُولَ اليَدَيْنِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

85

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور السادس: القزويني


وهو على نوعين: الثقيل والخفيف.

الأوّل: القزوينيّ الثقيل

يُقرأ بطريقة صعبة وعرة إلى حدٍّ ما، ويخيّل لك أنّ قارئه يبكي.

وكيفيّته: الترجيع من بداية الشطر إلى آخره مع مدٍّ متقطّع بطريقة متقاربة جدّاً مع الحدي.

يُقرأ في مواضع ثلاثة هي: القصيدة، وأثناء المصيبة، الخاتمة.

الموضع الأول: في القصيدة بعد تمهيد، نحو:

إِنْ لَمْ أَقِفْ حَيْثُ جَيْشُ المَوْتِ يَزْدَحِمُ                    فَلَا مَشَتْ بِي فِي طُرْقِ العُلا قَدَمُ
مَنْ حَامِلٌ لِوَلِيِّ الأَمْرِ مَأْلُكَةً                              تَطْوِي عَلَى نَفَثَاتٍ كُلُّهَا ضَرَمُ
يَا بْنَ الأُلَى يُقْعِدُونَ المَوْتَ إِنْ نَهَضَتْ                    بِهِمْ لَدَى الرَّوْعِ فِي وَجْهِ الظُّبَا الهِمَمُ
أُعِيذُ سَيْفَكَ أَنْ تَصْدَا حَدِيدَتُهُ                            وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ تُجْلَى هَذِهِ الغُمَمُ
فَحَمْلَ أُمِّكَ قِدْمَاً أَسْقَطُوا حَنَقَاً                           وَطِفْلَ جَدِّكَ فِي سَهْمِ الرَّدَى فَطَمُوا
وَحَائِرَاتٍ أَطَارَ القَوْمُ أَعْيُنَهَا                               رُعْبَاً غَدَاةَ عَلَيْهَا خِدْرَهَا هَجَمُوا
فَغُودِرَتْ بَيْنَ أَيْدِي القَوْمِ حَاسِرَةً                          تُسْبَى وَلَيْسَ تَرَى مَنْ فِيهِ تَعْتَصِمُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

86

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الموضع الثاني: أثناء المصيبة، نحو:


لمّا هجم القوم على دارها لاذت عليها السلام خلف الباب فعصروها بين الحائط والباب.

يَا بَابَ فَاطِمَ لا طُرِقْتَ بِخِيفَةٍ                 وَيَدُ الهُدَى سَدَلَتْ عَلَيْكَ حِجَابَا
أَوَلَسْتَ أَنَتَ بِكُلِّ آنٍ مَهْبِطَ الْـ                أَمْلاكِ فِيكَ تُقَبِّلُ الأَعْتَابَا
نَفْسِي فِدَاكَ أَمَا عَلِمْتَ بِفَاطِمٍ                 وَقَفَتْ وَرَاكَ تُنَاشِدُ الأَصْحَابَا..
أَوَمَا رَقَقْتَ لِضِلْعِهَا لَمَّا انْحَنَى                   كَسْراً وَمِنْهُ تَزْجُرُ الخُطَّابَا

الموضع الثالث: في الخاتمة بعد الشعر الشعبيّ عوضاً عن التخميس، نحو:

شعبيّ:

يبويه عليّ الليل هوّد                وانا حرمه وغريبه وما لي أحد
بيمن يا يابا القلب يضمد            بالحسين هل عندي امّدد

قزويني:

آه وَمَدَّتْ إِلَى نَحْوِ الغَرِيّيْنِ طَرْفَهَا             وَنَادَتْ أَبَاهَا خَيْرَ مَاشٍ وَرَاكِبِ
أَيَا وَالِدِي لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا جَرَى             عَلَيْنَا جَمِيعاً بَعْدَ تِلْكَ المَصَائِبِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

87

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الثاني: القزوينيّ الخفيف


وكيفيّته: تكون البداية عاديّة في الشطر الأوّل مع ترجيع خفيف وفي الشطر الثاني يكثر من الترجيع مع التوقّف عند بعض الكلمات.

1- يُقرأ القزوينيّ في ثلاثة مواضع من مجلس العزاء: في القصيدة، في المصيبة، في الختام.

الموضع الأوّل:في القصيدة

مثال:

كَأَنِّي بِالحُسَيْنِ غَدَا يُنَادِي              عَلَيْنَا يَا لَيَالِي الوَصْلِ عُودِي
رَجَوْتُكَ يَا عَلِيُّ تَعِيشُ بَعْدِي           وَتُوَسِّدُ جُثَّتِي رَمْسَ اللُّحُودِ
وَتَمْشِي بَاكِياً مِنْ خَلْفِ نَعْشِي          كَمَا يَبْكِي الوَلِيدُ عَلَى الفَقِيدِ

الموضع الثاني:في المصيبة

مثال:

خرجت مولاتنا فاطمة عليها السلام إلى قبر أبيها ذات ليلة، ومعها أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا تراءى لها القبر الشريف، أنّت أنّة، وبكت ولمّا وصلت إليه انحنت عليه، وأخذت قبضة من ترابه، وضعتها على عينيها وأنفها وشمّتها وأنشأت تقول:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
106

88

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ             أَنْ لا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا              صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا

وهكذا الحال في الموضع الثالث.

ملاحظات حول قراءة الطور القزوينيّ:

أ- يُقرأ القزوينيّ بعد الدرج، أو بعد الدرج والمثكل، أو بعد الدشتيّ والمثكل، ولا تُقرأ القصيدة به ابتداءً لأنّه نشاز.

ب- القزوينيّ من الأطوار الحزينة فلا يستحسن قراءته إلّا في الشعر الرثائيّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

89

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور السابع: الركباني

 
هو مقام عراقيّ يحتاج إلى طبقة صوت عالية جدّاً(جواب الجواب), وكلّما ازدادت حدّة الطبقة أُعطي هذا الطور رقّة وجماليّة, ويجب أن لا يُكثر الخطيب من قراءته حتّى لا يبعد المتلقّي عن المطلوب.
 
وكان العربيّ يقرأه وهو في المسير, وهو ينسجم مع حدي الإبل وسير القافلة.
 
وهو أشبه بطور الحدي إلّا أنّه أطول، ويُقرأ في مناسبات خاصّة، مثل الوداعيّات.
 
كيفيّته: المدّ في الصدر في موضعين والمدّ في العجز كذلك في موضعين مع الترجيع. ويكون المدّ والترجيع في بداية كلّ شطر وقبل نهاية كلّ شطر مع الونّة الخفيفة في نهاية كلّ شطر, ويحتاج إلى مدّ بطبقة عالية مع ترجيع ويمكن أن يقتصر على المدّ في وسطه.
 
ويُقرأ في ثلاثة مواضع: أواخر القصيدة، أثناء المصيبة، ختام المصيبة1.
 
 
 

1- وبعضهم يرى أنّ الركباني لا يُقرأ في ختام المصيبة, لأنّ طبقته عالية والختام يحتاج إلى طريقة هادئة تُنبّه المستمع إلى الانتهاء.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108

90

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الموضع الأوّل: أواخر القصيدة، نحو:


يَا رِاكِبَاً مَهْرِيَّةًّ شَأَتِ الصَّبَا                     كَأَنَّ لَهَا بَرْقُ الغَمَامِ زِمَامُ
إِذَا جُزْتَ فِي وَادِي قِبَا قُلْ بِعَوْلَةٍ                 أَهَاشِمُ قُومِي فَالقُعُودُ حَرَامُ
لَقَدْ حَلَّ فِيكُمْ حَادِثٌ أَيُّ حَادِثٍ               هَوَتْ فِيهِ لِلدِّينِ الحَنِيفِ دِعَامُ
وَبَيْنَا بَنَاتُ الوَحْيِ فِي الخِدْرِ إِذْ بِهَا              تَنَاهَتْ لِسَلْبِ الطَّاهِرَاتِ طَغَامُ
تُجِيلُ بِطَرْفٍ لِلْحُمَاةِ فَلا تَرَى                    سِوَى جُثَثٍ قَدْ غَالَهُنَّ حِمَامُ
أَيَا سَائِقَ الأَظْعَانِ قِفْ لِي هُنَيْهَةً                فَذَا إِخْوَتِي فَوْقَ الصَّعِيدِ نِيَامُ
أُغَسِّلُ أَجَسَاداً لَهُمْ بِمَدَامِعِي                     أُكَفْكِفُهَا بِالرَّاحِ وَهْيَ سِجَامُ

ملاحظة: لا بدّ له من تمهيد بلحن مناسب قبله.

الموضع الثاني: أثناء المصيبة، نحو:

لمّا وقف أمير المؤمنين عليه السلام على قبر فاطمة عليها السلام بعد أن دفنها وأهال على قبرها الثرى جلس يخطّ القبر بأنامله وهو يقول:

أَرَى عِلَلَ الدُّنْيَا عَلَيَّ كَثِيرَةً           وَصَاحِبُهَا حَتَّى المَمَاتِ عَلِيلُ
لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ         وَكُلُّ الَّذِي دُونَ الفِرَاقِ قَلِيلُ
وَإِنَّ افْتِقَادِي فَاطِمَاً بَعْدَ أَحْمَدٍ          دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

91

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الموضع الثالث: في الختام بعد أبيات من الشعر الشعبيّ يتبعها أبيات من القريض بطور الركبانيّ، نحو:


شعبيّ:

آنا اللي فجعني البين              ياهلي وصرت مفجوعة
آنا الْ شاهدت كفين               للعباس مقطوعة
آنا الْ شفت اخوي حسين          كلها مكسرة ضلوعه

ركباني:

آه وَتَنْثَنِي تَارَةً تَدْعُو عَشِيرَتَهَا                 مِنْ شَيْبَةِ الحَمْدِ أَشْيَاخَاً وَشُبَّانا
قُومُوا غِضَابَاً مِنَ الأَجْدَاثِ وَانْتَدِبُوا           وَاسْتَنْقِذُوا مِنْ يَدِ البَلْوَى بَقَايَانَا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

92

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور الثامن: النعي العاملي


هذا الطور معروف في جبل لبنان وهو من مجزوء الرمل، وفي الأصل يُقرأ في رثاء الميّت، بالخصوص عند الافتجاع بعزيز، وهو حزين ومشجٍ، ويمتاز بأنّه أربعة أشطر على وزن فاعلاتن فاعلاتن، والأشطر الثلاثة الأولى على نفس القافية والرابع (القفلة) تختلف فيه القافية عن سابقاتها.

كيفيّته: الشطران الأوّلان فيهما مدّ وترجيع خاصّان، والشطران الآخران يكون المدّ والترجيع على كلّ كلمة منهما مع تباطؤ وتوقّف، يُقرأ الفصيح منه أثناء المصيبة وبعد القصيدة، وكذا العاميّ كما سيأتي في أطوار الشعر الشعبيّ.

مثال الأوّل: لمّا مرّ النبيّ صلى الله عليه وإله وسلم على بيت إحدى عمّاته وكان الحسين عليه السلام عندها رضيعاً، سمع صوت الحسين عليه السلام وهو يبكي، فقال: لها ألم تعلمي أنّ بكاه يؤذيني؟ أقول: يا رسول الله ليتك حاضر، يوم كربلا لترى ولدك الحسين:

كَانَ يُؤْذِيهِ بُكَاهُ              وَهْوَ فِي المَهْدِ رَضِيعُ
بِابْنِهِ قِدْمَاً فَدَاهُ               قَبْلَ حَزِّ الوَدَجَيْنْ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
111

93

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 لَيْتَهُ الآنَ يَرَاهُ             وَهْوَ فِي التُّرْبِ صَرِيعُ

يَتَلَظَّى بِظَمَاهُ             فَاحِصَاً لِلْقَدَمَيْنْ

ومثال الثاني:

قَوِّضِي يَا خِيَامُ عَلْيَا نِزَار           ِ فَلَقَدْ قُوِّضَ العِمَادُ الرَّفِيعُ
وَامْلَئِي العَيْنَ يَا أُمَيَّةُ نَوْماً           فَحُسِيْنٌ عَلَى الصَّعِيدِ صَرِيعُ


فَتُنَادِي أَيْنَ خَلَّـفْـ                   ـتَ حُسَيْنَاً يَا جَوَادْ
كُنْ خَبِيرِي أَيُّ أُرْضٍ              ضُمِّنَتْ جِسْمَ الحُسَيْنْ
مَا دَرَتْ أَنَّ أَخَاهَا                 عَافِراً فِي بَطْنِ وَادْ
وَدَمُ المَنْحَرِ جَارٍ                   خَاضِباً لِلْمَنْكِبَيْنْ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

94

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور التاسع: الزريجيّ


نسبة إلى خطيب يلقّب بالزريجيّ, وهو طور قديم من الأطوار الحسينيّة المقروءة، وكان المرحوم الخطيب الشيخ عبد الزهراء الكعبيّ الكربلائيّ (ره)، يكثر من القراءة به في الشعر الفصيح والشعبيّ.

كيفيّته: يُقرأ بوتيرة واحدة وليس فيه مدّ ولكن فيه ترجيع خفيف.

مثال:

تَقُولُ أَخِي يَا شِقَّ رُوحِي وَمُهْجَتِي              وَيَا وَاحِداً مَا لِي سِوَاهُ مُؤَمَّلُ
أَخِي كَيْفَ تَنْسَانَا وَتَعْلَمُ أَنَّنَا                      لِبُعْدِكَ لا نَقْوَى وَلا نَتَحَمَّلُ

يُقرأ الزريجيّ في موضعين: في نهاية القصيدة، وفي المصيبة.

وأفضل قراءاته ضمن المصيبة، لاسيّما أثناء المصارع.

الموضع الأوّل:في نهاية القصيدة: المثال:

بِأَبِي أَبِيَّ الضَّيْمِ صَالَ وَمَا لَهُ                 إِلَّا المُثَقَّفَ وَالحُسَامَ نَصِيرُ
حَتَّى إِذَا نَفَذَ القَضَاءُ وَقُدِّرَ الـ                  مَحْتُومُ فِيهِ وَحُتِّمَ المَقْدُورُ
زَجَّتْ لَهُ الأَقْدَارُ سَهْمَ مَنيَّةٍ                     فَهَوَى لُقَىً فَانْدَكَّ مِنْهُ الطُّورُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
113

95

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 وَتَعَطَّلَ الفَلَكُ المُدَارُ كَأَنَّمَا                 هُوَ قُطْبُهُ وَعَلَيْهِ كَانَ يَدُورُ

وَالشَّمْسُ نَاشِرَةُ الذَّوَائِبِ ثَاكِلٌ              وَالأَرْضُ تَرْجُفُ وَالسَّمَاءُ تَمُورُ
بِأَبِي القَتِيلَ وغَسْلُهُ عَلَقُ الدِّمَا              وَعَلَيْهِ مِنْ أَرَجِ الثَّنَا كَافُورُ
ظَمْآنَ يَعْتَلِجُ الغَلِيلُ بِصَدْرِهِ                 وَتُبَلُّ لِلْخَطِّيِّ مِنْهُ صُدُورُ
وَتَحَكَّمَتْ بِيضُ السُّيُوفِ بجِسْمِه            وَيْحَ السُّيُوفِ فَحُكْمُهُنَّ يَجُورُ
وَغَدَتْ تَدُوسُ الخَيْلُ مِنْهُ أَضَالِعاً            سِرُّ النَّبِيّ بِطَيِّهَا مَسْتُورُ

الموضع الثاني: أثناء المصيبة: المثال:

أقبل شمر إلى أبي عبد الله الحسين عليه السلام وهو يلوك بلسانه من شدّة العطش، وكانت أخته زينب عليها السلام عنده فصاحت بشمر: يا شمر دعني أقبّله، دعني أودّعه، دعني آتيه بابنته سكينة، فإنّه يحبّها وتحبّه، فأغار اللعين عليها فخرّت مغشيّاً عليها:

وَمَضَى يَحُزُّ النَّحْرَ غَيْرَ مُرَاقِبٍ                 مِنَ اللهِ لا يَخْشَى وَلا يَتَوَجَّلُ
وَزُلْزِلَتِ الأَرَضُونَ وَارْتَجَّتِ السَّمَا              وَكَادَتَ لَهَا أَفْلاكُهَا تَتَعَطَّلُ

ملاحظات حول قراءة الطور الزريجيّ:

1- يمكن قراءة الزريجيّ في القصيدة على أن تكون قراءته في آخر بيتين أو ثلاثة منها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
114

96

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 2- يُقرأ الطور الزريجيّ أثناء قراءة المقتل يوم عاشوراء ومسير السبايا أو مقاتل الأئمّة عليهم السلام.


3- لا يختم بهذا الطور لأنّ الختام به نشاز.

4- يُقرأ بهذا الطور شعر الرثاء فقط، ولا يُقرأ به الشعر الملحميّ والوعظيّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
115

97

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور العاشر: الكعبيّ


وهو من الأطوار الحسينيّة الذي اشتهر في العقود الأخيرة وعُرف بطور (المقتل), وقد كان يقرأه الشيخ عبد الزهراء الكعبيّ, فسمي بالكعبيّ نسبة إليه.

كيفيّته: ليس فيه مدّ ولا ترجيع، وهو أشبه بطور الدرج في بداية قراءته.

وكما يُقرأ الشعر بهذا الطور كذلك يُقرأ به نصّ السيرة.

مثال الأوّل:

بِأَبِي مَنْ شَرَوْا لِقَاءَ حُسَيْنٍ               بِفِرَاقِ النُّفُوسِ وَالأَرْوَاحِ
وَقَفُوا يَدْرَؤُنَ سُمْرَ العَوَالِي                عَنْهُ وَالنَّبْلَ وَقْفَةَ الأَشْبَاحِ
فَوَقَوْهُ بِيضَ الظُّبَى بِالنُّحُورِ الـ           ـبِيضِ وَالنَّبْلَ بِالوُجُوهِ الصِّبَاحِ
فِئَةٌ إِنْ تَعَاوَرَ النَّقْعُ لَيْلاً                  أَطْلَعُوا فِي سَمَاهُ شُهْبَ الرِّمَاحِ
وَإِذَا غَنَّتِ السُّيُوفُ وَطَافَتْ              أَكْؤُسُ المَوْتِ وَانْتَشَى كُلُّ صَاحِ
بَاعَدُوا بَيْنَ قُرْبِهِمْ وَالمَوَاضِي               وَجُسُومِ الأَعَدَاءِ وَالأَرْوَاحِ
أَدْرَكُوا بِالحُسَيْنِ أَكْبَرَ عِيدٍ                فَغَدَوْا فِي مِنَى الطُّفُوفِ أَضَاحِي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
116

98

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 مثال الثاني:


وحملت النساء على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء، مكشّفات الوجوه بين الأعداء، وهنّ ودائع الأنبياء، وساقوهن كما يساق سبي الترك والروم، فمرّوا بهنّ على الحسين عليه السلام وأصحابه وهم صرعى سائلةً دماؤهم، مقطّعةً أعضاؤهم معفّرين بالثرى، مرمّلين بالدماء، وصحن: واحسيناه...

- يعتبر هذا الطور من أنسب الأطوار لقراءة المصارع نثراً وشعراً، لأنّه سهل وحزين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

99

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور الحادي عشر: الهادئ


وهو من الأطوار الحسينيّة الرقيقة، والمعبّرة عن فداحة الخطب، وعظم المصيبة والرزيّة بآل محمّد صلى الله عليه وإله وسلم.

سمّي بالهادئ لقراءته بطبقة الصوت المنخفضة ولعدم احتياجه كثيراً إلى ترجيع الصوت، ولأنّ الخطيب يكون هادئاً أثناء القراءة به.

كيفيّته: فيه مدّ خفيف، الترجيع فيه كذلك خفيف ويغلب عليه الهدوء.

يُقرأ الهادئ في ثلاثة مواضع: في المقدّمة، المصيبة، أبيات الختام.

الموضع الأوّل: في المقدّمة.

يُقرأ الهادئ خصوصاً في الأبيات الأخيرة التي تتناول مقاتل أهل البيت عليهم السلام.

مثال:

أَأُخَيَّ مَا عَوَّدْتَنِي مِنْكَ الجَفَا           فَعَلامَ تَجْفُونِي وَتَجْفُو مَنْ مَعِي
أَنْعِمْ جَوَاباً يَا حُسَيْنُ أَمَا تَرَى         شِمْرَ الخَنَا بِالسَّوْطِ كَسَّرَ أَضْلُعِي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
118

100

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الموضع الثاني: في المصيبة.


يُقرأ في المواضع التي يبدو فيها الشخص مفجوعاً، كمن فقد القدرة على الصراخ والعويل بصوت مرتفع.

مثال:

لمّا وقفت مولاتنا زينب ونساء الحسين عليه السلام وأطفاله، ورأينه مقطّع الأوصال، جثّة بلا رأس، قالت: بلسان الحال ـ

أَخِي يَا قَتِيلَ الأَدْعِيَاءِ كَسَرْتَنِي                   وَأَوْرَثْتَنِي حُزْناً مُقِيماً مُطَوَّلا
أَخِي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَكُونَ لَكَ الفِدَا              فَقَدْ خِبْتُ فِيمَا كُنْتُ فِيهِ مُؤَمِّلا
أَخِي لَيْتَنِي أَصْبَحَتُ عَمْيَا وَلا أَرَى              جَبِينَكَ وَالوَجَهَ الجَمِيلَ مُرَمَّلا

الموضع الثالث: يُقرأ به بيت الختام:

مثال:

بِالأَمْسِ كَانُوا مَعِي وَاليَوْمَ قَدْ رَحَلُوا             وَخَلَّفُوا فِي سُوَيْدَا القَلْبِ نِيرَانَا
نَذْرٌ عَلَيَّ لَئِنْ عَادُوا وَإِنْ رَجَعُوا                 لَأَزْرَعَنَّ طَرِيقَ الطَّفِّ رَيْحَانَا

ملاحظة: لا يُبتدأ بالهادئ، بل هو بحاجة لتمهيد ولو بأحد الأطوار الأخرى.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
119

101

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 الطور الثاني عشر: الملّائيّ


هو من الأطور الحسينيّة الشهيرة التي قرأ بها العمالقة من الخطباء في الشعر الشعبيّ.

كيفيّته: يُقرأ بالطبقة الصوتيّة العالية ويبتدأ بقوّة وينتهي بمثلها وبينهما مدّ وترجيع مع ترقيق الصوت.

يُقرأ الملّائيّ في ثلاثة مواضع: القصيدة، المصيبة، الخاتمة.

الموضع الأوّل: القصيدة:

أَأَنْسَى حُسَيْناً بِالطُّفُوفِ مُجَدَّلاً               عَلَى ظَمَإٍ وَالمَاءُ يَلْمَعُ طَامِيَا
وَوَاللهِ لا أَنْسَى بَنَاتِ مُحَمَّدٍ                   بَقَيْنَ حَيَارَى قَدْ فَقَدْنَ المُحَامِيَا
إِذَا نَظَرَتْ فَوْقَ الصَّعِيدِ حُمَاتَهَا             وَأَرْؤُسَهَا فَوْقَ الرِّمَاحِ دَوَامِيَا
هُنَاكَ انْثَنَتْ تَدْعُو وَمْنْ حَرَقِ الجَوَى        ضَرَامٌ غَدَا بَيْنَ الجَوَانِحِ وَارِيَا
أُنَادِي وَلا مِنْكُمْ أَرَى مِنْ مُجَاوِبٍ            فَمَا بَالُكُمْ لا تَرْحَمُونَ صُرَاخِيَا
وَلَمْ أَنْسَ حَوْلَ السِّبْطِ زَيْنَبَ إِذْ غَدَتْ         تُنَادِي بِصَوْتٍ صَدَّعَ الكَوْنَ عَالِيَا
أَخِي لَمْ تَذُقْ مِنْ بَارِدِ المَاءِ شَرْبَةً            وَأَشْرَبُ مَاءَ المُزْنِ بَعْدَكَ صَافِيَا
أَخِي لَوْ تَرَى السَّجَّادَ أَضْحَى مُقَيَّداً           أَسِيراً يُعَانِي مُوجَعَ الضَّرْبِ قَاسِيَا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
120

102

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 أَخِي صِرْتُ مَرْمىً لِلْحَوَادِثِ وَالأَسَى              فَلَيْتَكَ حَيَّاً تَنْظُرُ اليَوْمَ حَالِيَا

عَلَيَّ عَزِيزٌ أَنْ أَرَاكَ مُعَفَّراً                        عَلَيْكَ عَزِيزٌ أَنْ تَرَى اليَوْمَ مَا بِيَا
فَحَاشَاكَ أَنْ تَرْضَى نَرُوحُ حَوَاسِراً                 سَبَايَا بِنَا الأَعْدَاءُ تَطْوِي الفَيَافِيَا

الموضع الثاني: أثناء المصيبة:

لمّا أقبل الحسين إلى مصرع أخيه أبي الفضل ورآه على تلك الحالة مفضوخ الرأس، السهم نابت في العين، مقطوع اليسار واليمين

وَهَوَى عَلَيْهِ مَا هُنَالِكَ قَائِلاً              اليَوْمَ بَانَ عَلَى اليَمِينِ حُسَامُهَا
اليَوْمَ سَارَ عَنِ الكَتَائِبِ كَبْشُهَا           اليَوْمَ غَابَ عَنِ الصَلاةِ إِمَامُهَا

الموضع الثالث: في الخاتمة:

لمّا عاد الحسين عليه السلام إلى المخيّم بعد شهادة أخيه أبي الفضل العبّاس أقبلت إليه ابنته سكينه، وقالت له: أين عميّ العبّاس، أراه أبطأ بالماء علينا؟ فقال لها: إنّ عمّك قد قتل، فصرخت ونادت: وا عمّاه وا عبّاساه.. وسمعتها العقيلة زينب، فصاحت: وا أخاه، وا عبّاساه، وا ضيعتنا بعدك أبا الفضل..

عَبَّاسُ تَسْمَعُ زَيْنَباً تَدْعُوكَ مَنْ                لِي يَا حِمَايَ إِذَا العِدَى نَهَرُونِي
أَوَلَسْتَ تَسْمَعُ مَا تَقُولُ سَكِيْنَةٌ                 عَمَّاهُ يَوْمَ الأَسْرِ مَنْ يَحْمِينِي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
121

103

الفصل الخامس: أطوار القريض- الشعر الفصيح

 ملاحظة:


1- إذا أردت (الونّة) وأنت تقرأ الملّائيّ فعليك بالانتقال، ولو بشطر واحد إلى طور آخر تصحّ الونّة فيه.

2- يحتاج الملّائيّ إلى صوت قويّ ذي طبقة عالية، ولذا ننصح الذين لا تتوفرّ أصواتهم على الشروط المطلوبة بعدم القراءة به.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

104

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 يمهر حسين گلي عن وليي

                 بعد فيّه يخايب بيش افيي
چـم اجراح گلي بقلب أخي
                ومن يا جرح دمّه يفوّر أكثر

ملاحظة: يُقرأ الدشتيّ بأغلب الأوزان الشعريّة، ولا ونّة فيه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
120

105

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الشعر الشعبيّ


1- النعي
2- الزريجي
3- الجنوبي
4- العراقي
5- الركباني
6- الحدي
7- الفايزي
8- العاشوري
9- الأبوذيّة
10- الدشتي
11- الموّال
12- النايلي
13- الهادئ
14- المُلّائي
15- العاملي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
125

106

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الأوّل: النعي


وهو من أشهر الأطوار، ويعتبر الأساس لكلّ الأطوار.

يُقرأ بكيفيّتين:

الأولى: المدّ والترجيع في الكلمات وخصوصاً في الكلمة الثانية والكلمة الأخيرة من كلّ شطر إلّا الشطر الرابع (القفلة) مع ترقيق الصوت.

الثانية: المدّ والترجيع في الكلمات وخصوصاً في الكلمة الثانية وما قبل الأخيرة من كلّ شطر مع تكرار الكلمة الأخيرة ووصلها بالشطر الذي يليها.

وتقرأ بطور النعي كلّ الأوزان تقريباً كالنعيّ والنصاريّ، والدكسنيّ، تجليبه أبوذيّة موشّح، بحر طويل، فايزي. وإليك الأمثلة التالية:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

107

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 مثال النعيّ بالكيفيّة الأولى:


يا عباس حس احسين يمّك             يبكي وخلط دمعه ويا دمّك
وسكنه تسلّي الطفل باسمك          تقلّه ساعة ويجيب الماي عمّك

مثال النصّاريّ بالكيفيّة الأولى:

يا جدي مات ما حد وقف دونه           ولا نغّار غمّضله عيونه
يعالج بالشمس من خطف لونه        ولا واحد بحلقه ماي قطر
يا جدّي السهم بفّاده تثنّه              يا جدّي وبالوجه للسيف ونّه
يا جدّي وشيبه بدمه تحنّه               يا جدّي وبالترب خدّه تعفر

مثال للمجرّدات بالكيفيّة الأولى:

خويَ أنا جيتك بهدوة الليل              أشرب دمع وأقبع بالعويل
واتعثر ابين المقاتيل                       تميل الرزايا منين ما ميل

مثال للدكسنيّ بالكيفيّة الثانية:

قعدن يم ابو اليمّه ينحبن سكنه تعددلهن وهن يبكن
                                       الرباب تصيح حيل الطمن انت يا سكنه لا تفتِرين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
128

108

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 مثال الأبوذيّة بالكيفيّة الثانية:


گلبي بمأتمك يحسين ينصاب               وذكرك من يمر الدّمع ينصاب
گلبي بدال گلبك ريت ينصاب                وخدي دون خدك على الوطيه

مثال التجليبة:

عجيب الشرب ماي ابشربته اتهنى
                          او مات احسين ضامي او لا شرب منّه
منهو الشاف مثل احسين وامصابه
                       ابچبد انصاب وايده انشلت الصابه

مثال الموشّح:

امن الضرب ورمن يويلي المتون
                       يويلي اوتنخه بيكم يا عجبي ما تنتخون
شلون تمشي والغرب تبري الظعون
                          ما تجون الكربلا تبارونها

مثال البحر الطويل:

يا تالي هلي يحسين يا سلوة هلي يحسين
                             سهم الصابك بگلبك ترى صوب الگلب الدّين
لا بعدك يجف دمعي ولا يهده او تنام العين
                             ليل نهار آنه ابهمك اوهمك لا بعد ينزاح
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
129

109

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 مثال الفايزيّ:


گلبي يبو حمزة تراه تفطر وذاب
                          مثل المصيبة اللي دهتني ما حد نصاب
ذيك البدور اللي بمنازلهم يزهرون
                          والليل كله من العبادة ما يفترون

ملاحظات حول قراءة طور النعيّ:

تتمّم هذا الطور وتحسّنه (الونّة) وهو بدونها يكون متعباً للخطيب، ومملّاً للسامع، كما أنّ الونّة تشعر السامع بالمشاركة. وهذا لا ينطبق على كلّ البلدان والجماهير، بل تختلف من جمهور إلى آخر.

مثال:

يبويه گول لا تخفي عليّه                  هاذي روحتك يو بعد جيه
يبويه انچان راح هاي هيّه                 اخذني اوياك عنك مگدر اصبر

طور النعيّ يُقرأ في كلّ المواضع من المجلس، وبكلّ الأوزان الشعريّة - كما بيّنا - مع ضرورة تغيير الأطوار من مجلس إلى مجلس أو في أثناء المجلس الواحد، وفقاً للشعر المقروء أو لنوع المصيبة أو لرغبة الحضور في التغيير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
130

110

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الثاني: الزريجيّ

وهي طريقة قديمة تعرف بالطور الزريجيّ وصارت اليوم تعرف بطور الشيخ عبد الزهراء الكعبيّ. وإن كان هذا الطور مسموعاً ممّن سبقوه.

وغالباً ما يُقرأ هذا الطور أثناء المصيبة، كما يُقرأ بعد المصرع لأنّه يُظهر قارئه كأنّه منهدّ الركن من الحزن والمصائب.

كيفيّته: يُقرأ بوتيرة متأرجحة مع مدّ وترجيع خفيفين مع صعود ونزول خفيف بنبرة الصوت، ولا ونّة فيه, بل إذا أراد أن يئنّ فعليه الانتقال إلى طورٍ آخر.

يا خويه بيا كتر طاحن ازنودك                      يا خويه العلم وينه اوين جودك
يا بو فاضل زماني هم يعودك                      وشملي اللي تشتت بيك يلتم

أو:

فرّن واحدة تندب ولدها                      اوحده تندب اخوتها وسعدها
اوحده للولي تخمش بخدها               اوحده تصيح يا عمي المشكّر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
131

111

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الثالث: الجنوبيّ


وهو طور مفجع، وغالباً يُقرأ في أثناء المصيبة وبعد القصيدة, وفي غالب الأوزان الشعريّة.

وكيفيّته: المدّ والترجيع من الكلمة الأولى أو المقطع الأوّل من كلّ شطر وكذلك في آخر كلّ شطر.

مثال:

اهنا يا مغسّل الشبّان بهداي              ابهيدا من تصبّ عليهم الماي
                       ترى ونينهم هل ذوّب حشاي

أو: لمّا رأت زينب أخاها على الرمضاء، كأنّي بها:

نايم خيّي شلون نومه                   وحرّ الشمس غيّر رسومه
                     وعقب الذبح سلْبَوْا هدومه

أو: لمّا رجعت زينب إلى المدينة، نظر محمّد بن الحنفيّة إليها وقد غيّرها السبي والحزن، فقال من هذه؟ زينب الهاشميّة! قالت: أنا زينبُ المسبيّة:

آنا اللي عقب عزي ودلالي                  وعقب اخوتي وذيك الليالي
                    يا خويه الشمر صاير الوالي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

112

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 أو: ليلة العاشر من المحرّم، ودّع الحسين عليه السلام أخته زينب وصبّرها وأوصاها بوصايا، وقال لها فيما قال: إنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، ولي ولكلّ مسلم برسول الله أسوة حسنة، فأيقنت أنّه ينعى نفسه.


مثل:

أثاري حسين الليلة عدنا خُطّار               وعايف منازلنا ولديار (يا بويه)
                          ترى وينه الليوصل حامي الجار

أو: لمّا وقف الحسين على مصرع عليّ الأكبر، يقولون: خرجت زينب شابكة عشرها على رأسها ولسان حالها يخاطب الحسين عليه السلام :

تگله خويه وين ابنك تقنطر               دليني خويه على المشكّر
أنا شفت المهر ذبه او تعوّر                يگلها يا زينب راح الأكبر

ملاحظة: يستحسن قراءة الجنوبيّ عند الفجيعة بالولد، لأنّ له تأثيراً قويّاً، كما ويستحسن إضافة كلمات ذات صلة بالفاجعة أثناء القراءة بالطور الجنوبيّ مثل (يمّه) (بويه) (خويه).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
133

113

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الرابع: العراقيّ

 
وهو من الأطوار القديمة وهو من البحر الطويل.
 
كيفيّته: مدّ الكلمة الأخيرة من كلّ شطر مع إحداث (ونّة) خفيفة لإفساح المجال لمشاركة الجمهور1.
 
يُقرأ العراقيّ في موضعين: بعد القصيدة، أثناء المصيبة.
 
الموضع الأوّل: بعد القصيدة:
 
طحت يا حسين بلحومه                  وخيمتنا عمدها طاح
عگبك لا نشف دمعي                     ولايرضى القلب يرتاح
عگبك لا نشف دمعي                    ولاترضى العيون تنام
ولا طيفك يفارقني                         ولا تنسّيني الأيّام
وحشه تاكُل بقلبي                       ودمع ما ينقطع سجّام
ونين أهلك يذوّبني                       ويهزّني من الأيتام صياح
ان كان تريدني أنسى                   وبطّل النوح وونيني
اخذ ذكراك من قلبي                     واخذ صورتك من عيني
أيام ال كنت وياك                         اناغيك وتناغيني
 
 
 

1- حيث يقوم الجمهور في بعض الأماكن بالمشاركة مع الخطيب بالونّة الخفيفة, وإن كان هناك من الجمهور من لا يشارك بها أيضاّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

114

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 اشبيدي عايشه وياي                 من ذيك الأيّام اشباح

عمر ما فارگيتك بيه                    تذكر يوم احنا زغار
من حضن امنه الزهرا                  الجوانح حيدر الكرار
بسماتك بوجهي نور                   وصوتك بالسمع صداح
(خويه) شلون تريدني أنسى        وبطل النوح لو ارتاح
يا ثغر اللي ارضعت ويّاه                الأخوّة من ثداي أمي
ويا وجه العلى ملكاه                   يزول وينجلي همي
ويا جسم الذي برداه                  ريحة والدي وعمي

الموضع الثاني:المصيبة:

مثال:

قال الراوي: لمّا جاء الحسين عليه السلام إلى الخيمة يحمل على صدره ابن أخيه القاسم، وهو مفلوق الهامة، أقبلت إليه أمّه تقبّله وتنادي: وا ولداه، وا ثمرة فؤاداه، وكأنّي بها:

آيبني شگول اعليك آيبني                    دولبني زماني بيك دولبني
دولبني زماني بيك يا سلوه                  اشلون انساك وانسه ايامك الحلوه
اشهل بلوه المثلها ما جرت بلوه             آيبني لعند الموزمه اتذبني
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

115

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 ملاحظة:


1. لا ونّة في العراقيّ سوى الونّة الخفيفة التي تكون في الكلمة الأخيرة من كلّ شطر.

2. لا تختم بالعراقيّ وعليك بالتحوّل عنه إلى طور آخر كالنعي مثلاً، سواء كنت في نهاية المقدّمة أو كنت في نهاية المصيبة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

116

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الخامس: الركبانيّ


وهو كما يُقرأ بالقريض يُقرأ بالشعبيّ وغالباً ما يُقرأ في الوداعيّات.. وهو يحتاج إلى طبقة صوت عالية.

كيفيّته: كما مرّ في أطوار الفصيح أنّ فيه مدّ في موضعين من الصدر في وسطه ونهايته وكذلك من العجز مع قليل من الترجيع مع الإسراع في بداية الشطر, وهو يشتمل على ونّة خفيفة في آخره.

وقراءته في موضعين: بعد القصيدة، أثناء المصيبة.

الموضع الأوّل: بعد القصيدة:

مثال:

ودعتك الله يا ذبيح الما شرب ماي                 وعنّك يا نور العين سافرت بيتاماي
يا مقطّع الأوصال لو يحصل على هواي            ما فارقت جسمك يا سلطان المدينه
راس احسين يمشي                                  اوياچ للكوفة تشوفينه
اوجسمه بكربلا                                          عريان يا زينب تعوفينه
اشعندچ من بصيره او راي                              خلّي عينچ ابعينه
چتاله الذي ايباريچ                                      
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

117

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الموضع الثاني:أثناء المصيبة:


مثال:

لمّا وقفت على مصرع أخيها ورأته على تلك الحالة عزّ عليها ذلك وكأنّي بها:

تقله يا رسول الله                        حبيبك بالحر مطروح
يجدي واعلى صدره الخيل             بالرمضا تجي واتروح
وانا بقيت مدهوشه                     بيتامى والحريم اتنوح
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
138

118

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور السادس: الحدي


وهو التمايل كما تتمايل الإبل عند سيرها, وهو من الأطوار الشهيرة التي يقرأها الخطباء, ويُقرأ في القريض كما يُقرأ باللغة الدارجة الشعبيّة.

كيفيّته: النطق بحروف الكلمات ببطء كأنّها تخرج من فم صاحبها رغماً عنه، وميزته المدّ في آخر صدر البيت كما في آخر عجزه بشكل متقطّع حزين, ويُقرأ في موضعين: بعد القصيدة، أثناء النعي وهو على أنواع نذكر منها ثلاثة:

النوع الأوّل:

عندك يا بو فاضل يا خويْ اشتكي حالي                 حرمه بلا والي والشمر يبرالي
والليحدي للناقة زجر عباس يا عيوني                    ترضى يذلوني وللشام يهدوني
خويه الفواطم بالدرب منه اللييباريها                      عگبك يا واليها يا ويلي عليها
وتروح تاليها بيسر عباس يا عيوني                        ترضى يذلوني وللشام يهدوني

النوع الثاني:

من هجمت خيول العدا                  ولحدود المخيم دنت
طلعت من الخيمة اتعدي                زينب على التل اوقفت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
139

119

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 صاحت يا بو اليمه عدل            يو روحك الطيبه اظهرت

ان كانّك حي انتهض               لينا ترى سكينة انسبت

النوع الثالث:

قومي تلگي ابنك يا ليله              لامت حرب شايل ثقيله
اومن العطش ذايب دليله

وجميع ما مرّ يصلح للقراءة بعد القصيدة وأثناء النعي.

ومثال آخر أثناء النعي:

لمّا أمر ابن سعد بأن تحمل النساء على الأقتاب بلا غطاء, فقدّمن النياق إلى بنات رسول الله وقد أحاط القوم بهن، فلمّا نظرت زينب إلى ذلك، قالت: يا ابن سعد، سوّد الله وجهك في الدنيا والآخرة... وقيل لهن: تعالين واركبن, فأُرْكبن وانطلق موكب السبايا خارجاً من كربلاء يحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد... وكأنّي بزينب تخاطب الحادي:

لمن حدى الحادي بودايع الهادي
                     لن زينب اتنادي ابهونك يحادينه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

120

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 لا وين بينه تريد گاطع افجوج البيد

                        خاف الطريق ابعيد والتعب ياذينه
واحنه حرم واطفال ما ضلت النه ارجال
                        نمشي اعلى هذا الحال مو هين اعلينه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
141

121

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور السابع: الفايزي


وهو نفسه يعبّر عنه بالطور البحرانيّ ويُقرأ بعدّة طرق منها الطريقة العراقيّة. ومنها الطريقة القطيفيّة.

الطريقة العراقيّة:

كيفيّته: الإسراع في بداية الشطر حتّى الكلمة الثالثة فإنّها تُمدّ وترجَّع ثمّ الإسراع بقراءة الكلمات بعدها حتّى الكلمة الأخيرة فإنّها تمدّ وترجّع مع إفساح المجال بالونّة قبل الحرف الأخير منها.

يُقرأ في موضعين: بعد القصيدة، أثناء المصيبة.

الموضع الأوّل: بعد القصيدة:

صاحت يا وادي كربلا عنك مشينا                   بليّه غسل واكفان خلّينا ولينا
غصبن عليّ سافرت يا مهجة حشاي             يا حسين يلماذاق من قبل الذبح ماي

المثال الثاني:

نوحي على الأولاد يا زهرا الحزينة                  في كربلا واحد اواحد بالمدينه
وتفرقوا عنك اوصار الشمل تبديد                    واحد من جعيده قضى اواحد من يزيد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

122

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 المثال الثالث: لسان حال الزهراء عليها السلام


دهري رماني بالرزايا بكل غالي                       اوشتت اولادي عن يميني وعن شمالي
او ما شوف ساعة من الحزن مرتاح بالي           واصعب عليّ لو نعى الناعي على حسين

الموضع الثاني: أثناء المصيبة:

يروى أنّ أبا حمزة الثماليّ قال للإمام السجّاد عليه السلام : أما آن لحزنك أن ينقضي, فإنّ القتل لكم عادة وكرامتكم من الله الشهادة، فقال له: شكر الله سعيك يا أبا حمزة, كما ذكرت، القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة، ولكن يا أبا حمزة هل رأت عيناك أم هل سمعت أذناك أنّ امرأة منّا سبيت قبل يوم عاشوراء.

گلبي يبو حمزة تراهو اتفتت أوذاب                       مثل المصيبة اللي دهتني محد انصاب
ذيچ الأقمار اللي ابمنازلنه يزهرون                        والليل كله امن العباده ما يفترون
سبعه أو عشره عاينتهم كلهم اغصون                   فوگ الوطيه امطرحين ابحر التراب
لو شفت جسم اللي على المسناة مطروح            أو ذاك الشباب اللي بصيح العرس مذبوح
أولو شفت الاگبر ما لمتني ابكثرة النوح                 ما خلّت النه كربلا شيخ ولا شاب
ابعيني نظرت احسين بيده الطفل                       وامه الرباب اتعاينه وادموعها اتفور
واگلوبنه فتها ابونينه اوعينه اتدور                         اوكلما طلع منه بدر بالمعركة غاب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
143

123

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 وامصيبة اللي هيجت حزني عليه                  عاينت صدر احسين تحت الأعوجيه

حرگوا خيمنه او سيّروا زينب سبيه                 شحچي يبو حمزه او شعدد من هلمصاب
ما نكست راسي لجل ذبح الصناديد               ما گصروا بالغاضريه زلزلوا البيد
نكس الراسي ادخول زينب مجلس ايزيد          حسرى أو من نوح اليتامى راسها شاب

وكما نلاحظ هذا الطور يبتدأ به بقوّة إلى نهايته.

الطريقة القطيفيّة:

فإنّه بحرانيّ على طريقة أهل القطيف، وقد سمّي باسمهم لكثرة قراءتهم به, وهو أكثر الأطوار البحرينيّة إدراراً للدمعة وعُبِّر عنه بالمثكل البحرانيّ.

كيفيّته: هذا الطور يبدأ وينتهى به بهدوء وتستعمل فيه الونّة في آخر كلّ شطر.

مثال:

يبني ضعيفه وذوب قليبي امصابك                   بعدك شباب وما تهنيت ابشبابك
عريس يبني ومن دمى راسك اخضباك             وشخصك قبالي يلوح كل صبح او مسيّه

ويُقرأ في ثلاثة مواضع الأوّل: بعد القصيدة، الثاني: في أثناء المصيبة، الثالث: في ختامها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
144

124

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الموضع الأوّل بعد القصيدة:


وَنَحَا العِرَاقَ بِفِتْيَةٍ مِنْ غَالِبٍ                كُلٌّ تَرَاهُ المُدْرِكَ الغَلَّابَا
صَيْدٌ إِذَا شَبَّ الهِيَاجُ وَشَابَتِ الـْ            ـأَرْضُ الدِّمَا وَالطِّفْلُ رُعْباً شَابَا
رَكَزُوا قَنَاهُمْ فِي صُدُورِ عِدَاتِهِمْ             وَلِبِيضِهِمْ جَعَلُوا الرِّقَابَ قِرَابَا

الشاهد:

طوح الحادي والظعن هاج بحنينه               وزينب تنادي سفرة الگشرة علينه
صاحت بكافلها شديد العزم والباس             شمِّر اردانك وانشر البيرق يا عباس
گلها يا زينب هاج عزمي لا تنخيّن               ما دام انه موجود ياختي لا تذلّين

الموضع الثاني والثالث أثناء المصيبة وختامها:

أقبل محمّد بن الحنفيّة قال: أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال: بلى. قال: ما الذي حملك على الخروج؟ قال: أخي قد أتاني جدّي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم في المنام، وقال لي: ولدي حسين، أخرج إلى العراق فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً مخضّباً بدمائك، فقال محمّد: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

الشاهد: للموضع الثاني

لاوين عازم بالسفر يابن الأماجيد                اگضيه لحجك يا عضيدي وعيِّد العيد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
145

125

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 گله ودمع العين بالخد تبديد                              حجي يخويه في طفوف الغاضرية

حجي ما هو بالحَج حجي بيوم عاشور                 صدري الكعبة والحجر نحرّي المنحور
وحِجر النبيّ إسماعيل ذبح ابني المبرور                  أما طوافي حول إخيامٍ خليه

ثمّ التفت إلى زينب وناداها بصوت حزين ودموعه جارية.

الشاهد: للموضع الثالث

گلها يزينب سفرتك تصعب عليه                مرتاب قلبي من طفوف الغاضريه
وعگب الخدر خوفي يودونك سبية                وتمشين حسرة ميسرة للفاجر يزيد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

126

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الثامن: العاشوري


طور حسينيّ اشتهر في السنين الأخيرة حتّى أصبح من أشهر الأطوار الحسينيّة.

وكيفيّته: يكون المدّ فيه في آخر البيت، ويكون طويلاً مع تخفيفه من حيث الصوت وقطعه، لمشاركة المستمعين بالونّة وقول (آه) مرّتين أو ثلاث حسب الكيفيّة التي يقرأ بها الخطيب.

ويُقرأ كغيره من الأطوار في ثلاثة مواضع بعد القصيدة وأثناء المصيبة وختامها قبل التخميس: أو مطلق أبيات الختام.

الموضع الأوّل: بعد القصيدة:

فَرَأَتْ سَرْجَهُ خَلِيَّاً فَنَادَتْ                      تِلْكَ وَاوَالِدِي وَذِي وَاعِمَادِي
وَغَدَتْ وُلَّهاً بِغَيْرِ شُعُورٍ                         نَحْوَ مَثْوَى بَقِيَّةِ الأَمْجَادِ
فَرَأَتْ فِي الصَّعِيدِ مُلْقَىً حِمَاهَا             هَشَّمَتْ صَدْرَهُ خُيُولُ الأَعَادِي
فَدَعَتْ وَالْجُفُونُ قَرْحَى وَفِي القَـلْـ          ـبِ لَهِيبٌ مِنَ الأَسِى ذُو اتِّقَادِ
أَحِمَى الضَّائِعَاتِ بَعْدَكَ ضِعْنَا                  فِي يَدِ النَّائِبَاتِ حَسْرَى بَوَادِي
أَوَ مَا تَنْظُرُ الفَوَاطِمَ فِي الأَسْـ                 ـرِ وَسِتْرُ الوُجُوهِ مِنْهَا الأَيَادِي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
147

127

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الشاهد:


يا عباس ما أنت اللي جبتني آه آه                  أو بيدك يا خويه ركَّبتني آه آه
خويه بس ما رحت عني وعفتني                    خلافك بنو اميه ولتني آه آه
دگعد يا خويا وشوف متني                            ترى سياط زجر الورمتني

الموضع الثاني: أثناء المصيبة:

فأقبلت زينب تتفقّد الظعن وتنادي كلّ واحدة باسمها، فلمّا نادت فلانة لم تجبها، فرمت زينب بنفسها من على ظهر الناقة، وجعلت تنادي: بنيّه أين أنت؟! وتلك الطفلة هامت على وجهها في ذلك الليل البهيم وهي تنادي:

يهلي مشيتو ولا دريتو اشصار يهلي
                             يبه الحادي ما رحم بالظعن يهلي
انادي اوما سمعتوا انداي يهلي
                            وأُوقع بالترب واومي بديه

مثال آخر: لمّا مرّت زينب بقبور إخوتها بعد عودتها من الشام صارت تقوم من قبر وتجلس عند قبر حتّى إذا عزمت على الرحيل وقفت عند قبر أخيها أبي عبد الله...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
148

128

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 تگله:


يحسين لو بيدي الأمر چان                  ابنيت اعله گبرك بيت الأحزان

يوسفه تموت يا                                بن امي يعطشان

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
149

129

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور التاسع: الأبوذيّة


وهو ليس له طريقة خاصّة وإنّما يُقرأ حسب نغمات صوت الخطيب، والأبوذيّة هو الذي تتشابه فيه الكلمات لفظاً لكنّها تختلف معنى(المعبر عنه بالجناس التامّ في علم البلاغة). وهي أشبه شيء بالعتابا اللبنانيّة, ولا تختلف عنها إلّا في الشطر الأخير حيث إنّ العتابا تختم بالألف والياء والأبوذيّة تختم بالياء والتاء المربوطة.

وكيفيّته: تكرار الكلمة الأخيرة من بداية الأبوذيّة كلمة (ولاخواي) مع مدّ وترجيع خفيف من كلمات كلّ شطر إلّا من الكلمة الأخيرة فإنّه مطلوب المدّ والترجيع أكثر, وقد يتكرّر فيه الشطر الأخير مع ونّة في آخره.

مثال:

گتلني الحزن يا محمّد ولاخواي                وجمر يسعر بدلالي ولاخواي
انا جيتك لا ولد عندي ولاخواي                 عفتهم جثث بأرض الغاضريه

تقرأ الأبوذيّة في مواضع ثلاثة: بعد القصيدة، وفي أثناء المصيبة، وفي ختامها قبل التخميس أو أبيات الختام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
150

130

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الموضع الأوّل: بعد القصيدة:


المثال:

أَخِي صِرْتُ مَرْمَىً لِلْحَوَادِثِ وَالأَسَى             فَلَيْتَكَ حَيَّاً تَنْظُرُ اليَوْمَ حَالِيَا
أَخِي لَوْ تَرَى السَّجَّادَ أَضْحَى مُقَيَّداً               أَسِيراً يُعَانِي مُوجَعَ الضَّرْبِ قَاسِيَا
عَلَيَّ عَزِيزٌ أَنْ أَرَاكَ عَلَى الثَّرَى                     عَلَيْكَ عَزِيزٌ أَنْ تَرَى اليَوْمَ مَا بِيَا
فَحَاشَاكَ أَنْ تَرْضَى نَرُوحُ حَوَاسِراً                   سَبَايَا بِنَا الأَعْدَاءُ تَطْوِي الفَيَافِيَا

الشاهد:

أنا بسهام الحب رموا قلبي وخلوا                     دليلي والعگل سلبوا وخلوا
أمس كانوا معي رحلوا وخلوا                        سويدا القلب نيرانه سريه
وناصيح وحگك ما شفت راحم وناصيح             العدو كل ساع يضربني وناصيح
لون حاضر يبو الغيرة وناصيح                     أبد ما كان يتجاسر عليّه

الموضع الثاني: أثناء المصيبة:

حينما أقبل الإمام الحسين عليه السلام بابن أخيه القاسم وضعه في خيمة إلى جنب ولده عليّ الأكبر فصار تارة ينحني على ولده وينادي: واعليّاه وتارة ينحني على ابن أخيه القاسم وينادي: واقاسماه.

أقبلت رملة استأذنت من الإمام دخلت على ولدها رمت بنفسها عليه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
151

131

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الشاهد:


تگله يا بني أنا ردتك ما ردت دنيا ولا مال                تحضرني لو وگع حملي ولا مال
يا جاسم خابت ظنوني والآمال                             عند الضيج يا بني اگطعت بيَّه
خُضِبُوا وَمَا شَابُوا وَكَانَ خِضَابُهُمْ                          بِدَمٍ مِنَ الأَوْدَاجِ لا الحنّاء

الموضع الثالث: قبل التخميس في نهاية المجلس:
ما تم لولاك الفرض يحسين                            ماتم وحكً چـبدك المنّه ثلث
ماتم الك بقلوبنا منصوب                               ماتم نذكرك يا غريب الغاضريه


أَبْكِي عَلَيْكَ بِعَبْرَةٍ مَسْكُوبَةٍ                  وَمَدَامِعٍ بِدَمِ الفُؤادِ مَشُوبَةٍ
وَلِمَا أَصَابَكَ مِنْ عَظِيمِ مُصِيبَةٍ              تَبْكِيكَ عَيْنِي لا لِأَجْلِ مَثُوبَةٍ
                         لَكِنَّمَا عَيْنِي لِأَجْلِكَ بَاكِيَه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
152

132

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور العاشر: الدشتيّ

 
و هو طور فارسيّ ولكن استعمله العرب، لذا يمتاز بنغمته الفارسيّة2.
 
وكيفيّته: رفع الصوت وخفضه مع الترجيع والمدّ وإظهار الحروف بنغمة فارسيّة خفيفة.
 
يُقرأ الدشتيّ بعد القصيدة بأبيات من الشعر الشعبيّ. وكذا يُقرأ أثناء المصيبة.
 
الموضع الأوّل: بعد القصيدة:
 
المثال:
 
نَادَتْ فَقَطَّعَتِ القُلُوبَ بِشَجْوِهَا
                           لَكِنَّمَا انْتَظَمَ البَيَانُ فَرِيدَا
إِنْسِانَ عَيْنِي يِا حُسَيْنُ أُخَيُّ يَا
                         أَمَلِي وَعِقْدَ جُمَانِيَ المَنْضُودَا
مَا لِي دَعَوْتُ فَلا تُجِيبُ وَلَمْ تَكُنْ
                         عَوَّدْتَنِي مِنْ قَبْلِ ذَاكَ صُدُودَا
 
 
 

1- وهي كلمة فارسيّة تعني: الهضبة أو الصحراء, ولعلّ سبب تسميته بـ»الدّشت» هو انبعاثه من حناجر الصحراويّين أو أنّ الغناء به هو الغالب لديهم.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
153

133

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 ألِمِحْنَةٍ شَغَلَتْكَ عَنِّي أَمْ قِلىً

                     حَاشَاكَ أَنَّكَ مَا بَرِحْتَ وَدُودَا
انهض يا عزي وشوف حالي
                     حال الغريبة بغير والي
أنا تَوني ذكرت عزّي ودلالي
                   من قوضت ذيك الليالي
بيت وبگى من الزلم خالي

الموضع الثاني: أثناء المصيبة:

المثال:

لمّا رجع الجواد إلى المخيّم يصهل صهيلاً عالياً خرجت زينب، رأت السرج مقلوباً والجواد خالياً من راكبه

صاحت بلسان الحال:

يمهر حسين وين حسين گلي
                   اشــــوفك جيتني تصهل بذلي
انا خلاف حسين قلي وين اولي
                      ومالك روعت قلبي يمگدر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
154

134

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الحادي عشر: الموّال


يتألّف الموّال من سبعة أشطر أوّل ثلاثة أشطر تكون متّحدة القافية وبالجناس اللفظيّ التامّ وبوزن موحّد. أمّا الأشطر الثلاثة الأخرى تكون برويّ آخر على قافية واحدة، أمّا الشطر السابع وهو -القفلة - فيكون على وزن وقافية الأشطر الثلاثة الأولى.

وكيفيّته: أن تقطّع الشطر الواحد إلى مقطعين ولهذا السبب وضعنا فواصل في منتصف كلّ شطر.

يُقرأ الموّال بعد القصيدة وكذلك أثناء المصيبة.

الموضع الأوّل بعد القصيدة:

المثال:

يا لهادي جمر الحزن بحشاشتي ياجد
                          حزن البقلبي حزن مثله فلا ياجد
المصاب شبلك تظن دمع الجفن ياجد
                        لا يجدي دمعي ولا تبري العلل وتصيح
اغبرت سمانة ولا تصفه بعد وتصيح
                       هاذي بناتك إجت من كربلا وتصيح
يا جدي گطعوا نحر ريحانتك يا جد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
156

135

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الموضع الثاني: أثناء المصيبة:


ورد في زيارة الناحية عن لسان الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف : لأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكيّن عليك بدل الدموع دماً حسرة على ما دهاك وتلهّفاً حتّى أموت بلوعة المصاب وغصّة الاكتئاب، إلى متى يا صاحب الزمان؟

يا يوم تروي ظمانه، من عذبَ منهلك
                       وتشد على اعداك، للثار او تكرَ من هلك
تعتب عليك النواعي، والعتبَ منهَّلك
                            ماتعِن غوجك، او تلبَس للحرب لامَته
تبگه اعلى هذا الصبر، يا سيديّ لامته(إلى متى يا صاحب الزمان)
                                   لتلوم ناس الجنابك، بالعتب لامته
يوچـتل يوسم، ياهو الماگضه من هلك

ملاحظة: يمكن قراءة وزن الموّال بأطوار متعدّدة، كالركبانيّ والدرج والدشتيّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
157

136

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الثاني عشر: النايلي


هو من الأطوار الحزينة والمشجية، وهذا الطور يحتاج إلى جهد، وكان يُقرأ به عمالقة المنبر، وميزته استعمال الطبقة الصوتيّة العالية من بداية الشطر وهو ما يسمى (بالجواب) ويُقرأ بأغلب الأوزان الشعريّة سيّما الأبوذيّة والمجّردات والنصّاري، ولا ونّة فيه، وعندما تقرأ الونّة فلا بدّ من تغييره إلى طور آخر يتناسب مع الونّة.

وكيفيّته: التطويح والترجيع بالصوت في أغلب الكلمات وهو أشبه بالنعي ولكن يمتاز عنه بالمدّ الأكثر والأطول من كلّ شطر، أو التطويح في الصدر أكثر منه في العجز.

ويُقرأ في موضعين: بعد القصيدة وأثناء المصيبة.

الموضع الأوّل: بعد القصيدة:

المثال:

أَلا لا تُزَانُ الدَّارُ إِلَّا بِأَهْلِهَا
                  عَلَى الدَّارِ مِنْ بَعْدِ الحُسَيْنِ سَلامُ
مَنَازِلُ كَانَتْ نَيِّرَاتٍ بِأَهْلِهَا
                  فَأَضْحَتْ عَلَيْهَا غَبْرَةٌ وَقَتَامُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
158

137

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الشاهد:

يا دار انشدچ، عن أهاليـچ                 يا دار عزيني وعزيـچ
يا دار وين احسين، راعيـچ                او وين البطل عباس أحاچـيـچ
چـم گاصد او وافد، اليلفيـچ                عگب البدور اللي ازهرت بيـچ
تالي اغراب البين ناعيـچ

الموضع الثاني أثناء المصيبة:

المثال:

روي لمّا سقط العبّاس عليه السلام إلى الأرض منادياً: يا أخي أدرك أخاك، أقبل الحسين إليه، ولمّا أحسّ العبّاس بوقع خطوات، ظنّ أنّ أحداً من الأعداء جاء ليحتزّ رأسه، فقال: يا هذا بالله عليك أمهلني هنيهة حتّى يأتي ابن والدي فأودّعه ويودعّني فناداه الحسين: أنا أخوك الحسين.

يعباس حس احسين يمك
                       يبكي وخلط دمعه ويا دمك
او حاير يبو فاضل بلمك
                      وسكنه تسلي الطفل باسمك
تگله ساعه ويجيب الماي عمك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
159

138

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الثالث عشر: الهادئ


سمّي بالهادئ لهدوء القارئ أثناء القراءة به، وهو من الأطوار الحسينيّّة المعروفة.

وكيفيّته: يعتمد على المدّ على وتيرة واحدة مع ترجيع خفيف.

يُقرأ الهادئ في ثلاثة مواضع: بعد القصيدة وأثناء المصيبة خصوصاً أثناء المصرع لشدّة تأثيره, وفي بيت التخلص, ولا يُبتدأ به بل لا بدّ له من تمهيد.

الموضع الأوّل: بعد القصيدة:

المثال:

مَا لِي أَرَاكَ وَدَمْعُ عَيْنِكَ جَامِدٌ            أَوَ مَا سَمِعْتَ بِمِحْنَةِ السَّجَّادِ
وَيَصِيحُ وَاغَوْثَاهُ أَيْنَ عَشِيرَتِي             وَسُرَاةَ قَوْمِي أَيْنَ أَهْلُ وِدَادِي
مِنْهُمْ خَلَتْ تِلْكَ الدِّيَارُ وَبَعْدَهُمْ             نَعَبَ الغُرَابُ بِفُرْقَةٍ وَبُعَادِ
وَكَرَائِمُ السَّادَاتِ سَبْيٌ لِلْعِدَى              يَعْدُو عَلَيْهَا لِلزَمَانِ عَوَادِي
هذا يصيح عمه وين عمي                وذاك يصيح فارقني ابن أمي
يهيج لوعتي ويزيد همي                 عليلك من يدير العين ليّه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
160

139

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الموضع الثاني أثناء المصيبة:


المثال:

لمّا وقف الحسين عليه السلام على أخيه أبي الفضل، ورآه مقطوع اليدين ورأى السهم نابتاً في العين، وعمود الحديد هشّم رأسه صاح: الآن انكسر ظهري، الآن قلّت حيلتي الآن شمت بي عدوّي:

يخويه انكسر ظهري اولا اگدر اگوم
                       اوصرت مركز يخويه الكل الهموم
يخويه استوحدوني بعدك القوم
                       ولا واحد عليّه بعد ينغر

الموضع الثالث: بيت التخلّص:

المثال:

أَحِمَى الضَّائِعاتِ بَعْدَكَ ضِعْنا                    فِي يَدِي النَّائِباتِ حَسْرَى بَوَادِي

ملاحظة: يناسب هذا الطور أصحاب الأصوات الضعيفة، ولا ونّة فيه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
161

140

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الرابع عشر: طور الملّائي


كيفيّة الملّائي: التوقّف والترجيع الخفيف على كلّ كلمة ويكون التوقّف والترجيع أكثر في آخر كلمة من كلّ شطر.

يُقرأ الملّائي في موضعين: بعد القصيدة وأثناء المصيبة.

الموضع الأوّل: بعد القصيدة:

يَا أَيُّهَا النَّبَأُ العَظِيمُ إِلَيْكَ فِي                  أَبْنَاكَ مِنِّي أَعَظَمَ الأَنْبَاءِ
إِنَّ الَّذَيْنِ تَسَرَّعَا يَقِيَانِكَ الْـ                   ـأَرْمَاحَ فِي صِفِّينَ بِالهَيْجَاءِ
ذَا قَاذِفٌ كَبْداً لَهُ قِطَعاً وَذَا                   فِي كَرْبَلاءَ مُقَطَّعُ الأَعْضَاءِ
مُلْقَىً عَلَى حَرِّ الصَّعِيدِ مُجَرَّداً               فِي فِتْيَةٍ بِيضِ الوُجُوهِ وِضَاءِ
تِلْكَ الوُجُوهُ المُشْرِقاَتُ كَأَنَّهَا                 الأَقْمَارُ تَسْبَحُ فِي غَدِيرِ دِمَاءِ
خَضَبُوا وَمَا شَابُوا وَكَانَ خِضَابُهُمْ            بِدَمٍ مِنَ الأَوْدَاجِ لا الحَنَّاءِ
وَمُغَسَّلِينَ وَلا مِيَاهَ لَهُمْ سِوَى                 عَبَرَاتِ ثَكْلَى حَرَّةِ الأَحْشَاءِ
أَصْوَاتُهَا بُحَّتْ وَهُنَّ نَوَائِحٌ                    يَنْدُبْنَ قَتْلاهُنَّ بِالإِيمَاءِ

الشاهد:

يهلنه احسينكم رضوا اضلوعه               وذاق الموت روعه بعد روعه
تعالوا لبنكم غسلوه                           والكفن وياكم دجيبوه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
162

141

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الموضع الثاني: أثناء المصيبة:


لمّا أقبلت زينب إلى مصرع أخيها ورأته على تلك الحال تصهره أشعّة الشمس.

صاحت خويه أنا لفييلك بديه
                           دنهض يعز الهاشمية
يخوتي اسباع الثنيّة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
163

142

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الطور الخامس عشر: النعي العاملي


يعتبر النعيّ العامليّ من التراث، وهو مشهور بلهجته العاميّة، وقد أصبح اليوم شبه مهجور، حيث جرت العادة أن يُقرأ عند فقد الأحبّة، ولم يكن مألوفاً قبل كتابة هذه الصفحات أن يُقرأ في مراثي سيّد الشهداء عليه السلام ، ولكن باعتباره حزيناً، ارتأينا أن نضيفه إلى أطوار العزاء الحسينيّ.

وهو مؤلّف من أربعة أشطر، ثلاثة منها على روي واحد والرابع مختلف، بحيث يختار الشاعر أيّ قافية تكون مختلفة عن سابقاتها، وقد يكون ذا القافية المختلفة في الشطر الثالث، أو الرابع، ولا يكون في الشطرين الأوّلين.

وهو على وزن فاعلاتن فاعلاتن، وهو من مجزوء الرمل.

كيفيّته: الشطران الأوّلان فيهما مدّ وترجيع، والشطران الآخران يكون المدّ والترجيع على كلّ كلمة منهما مع تباطؤ وتوقّف.

ويُقرأ في موضعين الأوّل: بعد القصيدة ، الثاني: أثناء المصيبة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
164

143

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 الموضع الأوّل: بعد القصيدة:


المثال:

أَيُّ يَوْمٍ أَدْمَى المَدَامِعَ فِيهِ               حَادِثٌ رَائِعٌ وَخَطْبٌ جَلِيلُ
يَوْمُ عَاشُورٍ الَّذِي لا أَعَانَ الْـ            ـَصحْبُ فِيهِ وَلا أَجَارَ القَبِيلُ
يَا بْنَ بِنْتِ النَّبِيِّ ضَيَّعَتِ العَهْـ           ـدَ رِجَالٌ وَالحَافِظُونَ قَلِيلُ
يَا حُسَاماً فَلَّتْ مَضَارِبُهُ الْهَا             مَ وَقَدْ فَلَّهُ الحُسَامُ الصَّقِيلُ
يَا جَوَاداً أَدْمَى الجَوَادَ مِنَ الطَّعْـ        ـنِ وَوَلَّى وَنَحْرُهُ مَبْلُولُ
أَتُرَانِي أَلَذُّ مَاءً وَلَمَّا                      يُرْوَ مِنْ مُهْجَةِ الإِمَامِ الغَلِيلُ
يَا غَرِيبَ الدِّيَارِ صَبْرِي غَرِيبٌ          وَقَتِيلَ الأَعْدَاءِ نَوْمِي قَتِيلُ

الشاهد:

يا غريب الدار مالك               رايح اوتارك اطفالك
سكـنـــه نادت بالفجيعـــه          حيف سهم الموت غالك
رايحه عنك سبيه                   امشي واتستر بديه
او فارقـــت جسمـك معفر         فوق رمل الغاضريه

الموضع الثاني أثناء المصيبة:

المثال:

لمّا دخل السبايا إلى المدينة بعد رجوعهم من الشام كانت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
165

144

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 فاطمة العليلة تنتظر أباها الحسين عليه السلام علّها تجده بين القادمين.


هلعليله خبروها                   بموت هلغالي أبوها
وراية السودا ارفعوها            فوق جدران الولايي
خبروها عا مصابو               من دمى نحرو شرابو
سهم المثلث اصابو               ليتو نابت في حشايي

ملاحظة: لا يختتم المجلس بالنعي العاملي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
166

145

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 تنبيه مهمّ


هناك مجموعة من الأوزان الشعريّة المعتمدة لدى شعراء الشعر الشعبيّ العراقيّ نشير إلى أسماء بعضها:

ـ (النصّاري) للشيخ محمّد بن نصّار وكان أوّل من نظم على هذه الطريقة فعرفت باسمه، وهي ثلاثة أشطر على نفس الرويّ، والرابع ينتهي بالرّاء. نحو:

هذا الرمح بفاده تثنه                         أو هذا بيه للنشاب رنه
أو هذا الخيل صدره رضرضنّه             أو هذا أو ذاك بالهندي موذر

ـ (الأبوذيّة) وهي أربعة أشطر، ثلاثة منها ينتهي كلّ شطر بلفظ واحد متّحد لفظاً مختلف معنى، والرابع ينتهي بالياء والتاء المربوطة وهي معروفة كالعتابا اللبنانيّة والسوريّة.

ـ (مجاريد)، (المجرّدات) أو (المهداد) أو (النعي) كلّها أسماء لوزن واحد، فنطلق عليه تارة نعي مهداد وأخرى نعي مجردات وثالثة نعي مجاريد ورابعة نعي فقط.

وميزته أنّ كلّ أشطره بنفس الرويّ صدراً وعجزاً..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
167

146

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 نايم يبعد أختك أو ممدود              فوگ النهر وبگترك الجود

والعلم طايح يم الزنود                 والراس خويه ابعمد ممرود

ـ (البحر الطويل) كأبيات عبد الحسين الشرع في منهل الشرع.

ـ (الركبانيّ) أيضاً من أوزان الشعر الشعبيّ العراقيّ.

ـ (الفايزيّ) هذه الطريقة أوّل من كتب فيها ابن فايز البحرانيّ.

ـ (الهجريّ).

ـ (النايلي) من الأوزان العراقيّة.

ـ (وزن الحدي) كقصيدة "لمّن حدى الحادي".

-(الموّال).

ـ (التجليبة).

ـ (الموشّح).

ـ (الشيعتيّ).

وكما ترى فهناك تداخل في الأسماء بين الأوزان وبين الأطوار، وهذه الأوزان كلّها ليس لها طريقة حصريّة في طريقة قراءتها، فربّما تقرأ وزن الركبانيّ بطور الركبانيّ وربّما بطور آخر، المهم أن يلائم الوزن..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
168

147

الفصل السادس: أطوار الشعر الشعبيّ

 وقد اختلط الأمر على بعضهم فسمّى الوزن باسم الطور.


نعم، هناك أسماء مشتركة بين الوزن والطور، مثل الركبانيّ، النعيّ، الحديّ، الموال، النايليّ، الفايزيّ..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
169

148

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 النموذج الأوّل


وَلَيْسَ كَيَوْمِ الطَّفِّ يَوْمٌ فَإِنَّهُ                     أَسَالَ مِنَ العَيْنِ المَدَامِعَ عَنْدَمَا
غَدَاةَ اسْتَفَزَّتْ آَلُ حَرْبٍ جُمُوعَهَا               لِحَرْبِ ابْنِ مَنْ قَدْ جَاءَ بِالْوَحْيِ مُعْلِمَا
هَوَى فَهَوَى الطَّوْدُ الأَشَمُّ فَزُلْزِلَتْ               لَهُ الأَرَضُونَ السَّبْعُ وَاغْبَرَّتِ السَّمَا
فَأَضْحَى لُقَىً فِي عَرْصَةِ الطَّفِّ شِلْوُهُ            تَرُضُّ العَوَادِي مِنْهُ صَدْراً مُعَظَّمَا
وَيُهْدَى عَلَى عَالِي السِّنانِ بِرَأْسِهِ                لِأَنْذَلَ رِجْسٍ فِي أُمَيَّةَ مُنْتَمَا
وَلَهْفِي لِآلِ اللهِ بَعْدَ حُمَاتِهَا                      وَقَدْ أَصْبَحَتْ بَيْنَ المُضِلِّينَ مَغْنَمَا
إِذَا اسْتَنْجَدَتْ فِتْيَانَهَا الصَّيْدَ لَمْ تَجِدْ             بِرُغْمِ العُلَى غَيْرَ العَلِيلِ لَهَا حِمَى
حَوَاسِرَ مِنْ بَعْدِ التَّخُدِّرِ لا تَرَى                 لَهَا سَاتِراً إِلَّا ذِرَاعاً وَمِعْصَمَا
وَزَيْنَبُ تَدْعُو وَالشَّجَا يَسْتَفِزُّهَا                   أَخَاهَا وَدَمْعُ العَيْنِ يَنْهَلُ عَنْدَمَا
أَخِي يَا حِمَى عِزِّي إِذَا الدَّهْرُ سَامَنِي             هَوَاناً وَلَمْ يَتْرُكْ لِيَ الدَّهْرُ مِنْ حِمَى
لَقَدْ كَانَ دَهْرِي فِيكَ بِالأَمْسِ مُشْرِقاً             فَهَا هُوَ أَمْسَى اليَوْمَ بَعْدَكَ مُظْلِما
عَدِمْتُ حَيَاتِي بَعْدَ فَقْدِكَ إِنَّنَي                   أَرَى بَعْدَكَ العَيْشَ السَّعِيدَ مُذَمَّمَا
رَحَلْتَ وَقَدْ خَلَّفْتَنِي بَيْنَ صِبْيَةٍ                   خِمَاصِ الحَشَى حَرَّى القُلُوبِ مِنَ الظَّمَا
أَرَى كُلَّ رُزْءٍ دُونَ رُزْئِكَ فِي الوَرَى                 فَلِلَّهِ رُزْءٌ مَا أَجَلَّ وَأَعْظَمَا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
173

149

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 يهلنه احسينكم رضوا اضلوعه             وذاق الموت روعه بعد روعه

تعالوا لبنكم غسلوه والكفن وياكم         دجيبوه وجيبوا ماى لحسين واسقوه

الموضوع: معاجز وكرامات النبيّ الأكرم صلى الله عليه وإله وسلم

ذكر المجلسيّ في البحار: لمّا قدم النبيّ صلى الله عليه وإله وسلم إلى المدينة تعلّق الناس بزمام النّاقة، فقال صلى الله عليه وإله وسلم : دعوها فإنّها مأمورة فعلى باب من بركت فأنا عنده. فأطلقوا زمامها وهي تهفّ في السير، فبركت على باب أبي أيّوب خالد بن زيد الأنصاريّ رضي الله تعالى عنه، ولم يكن في المدينة أفقر منه، فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبيّّ صلى الله عليه وإله وسلم ، ونادى أبو أيوب: يا أُمّاه افتحي الباب، فقد قدم سيّد البشر، وأكرم ربيعة ومضر، ففتحت الباب وقالت: واحسرتاه، ليت لي عيناً أبصر بها وجه سيدي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وكانت عمياء، فكانت أوّل معجزة للنبيّ صلى الله عليه وإله وسلم في المدينة وضع كفّه الشريفة أمام وجه أُمّ أيّوب فانفتحت عيناها.

وروي بسند معتبر أنّ أبا أيّوب أتى بشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم في عرس فاطمة عليها السلام فنهاه جبرئيل عن ذبحها، فشقّ ذلك على أبي أيوب، ثمّ أمر بذبحها، فذبحها ابن جبير الأنصاريّ بعد يومين،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
174

150

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 فلمّا طبخت أمر رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أن لا تأكلوا إلّا بسم الله، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم إنّ أبا أيّوب رجل فقير، إلهي أنت خلقتها وأنت أمتّها، وإنّك قادر على إعادتها فأحيها يا حيّ لا إله إلّا أنت، فأحياها الله تعالى، وجعل فيها بركة لأبي أيّوب، وشفاء المرضى في لبنها، وسمّاها أهل المدينة: المبعوثة.


وفي خبر سلمان (رضوان الله عليه): أنّه صلى الله عليه وإله وسلم لمّا نزل دار أبي أيّوب لم يكن له سوى جدي وصاع من شعير، فذبح له الجدي وشواه، وطحن الشعير وعجنه وخبزه وقدّمه بين يدي النبيّ صلى الله عليه وإله وسلم ، فأمر صلى الله عليه وإله وسلم بأن ينادي: من أراد الزاد فليأت إلى دار أبي أيّوب، فجعل أبو أيّوب ينادي والناس يهرعون إلى داره حتّى امتلأت الدار، فأكل الناس بأجمعهم والطعام باقٍ، فضجّ الناس بالشهادتين.

معجزته في الغار

وعن علي بن إبراهيم: ما زال أبو كرز الخزاعيّ يقفو أثر النبيّ صلى الله عليه وإله وسلم يوم خروجه إلى الغار حتّى وقف على بابه وقال: هذه قدم محمّد، وهذه قدم ابن أبي قحافة ما جاوزا هذا المكان.

وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس فوقف على باب الغار
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
175

151

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 وهو يقول: اطلبوه في هذه الشعاب فليس ها هنا. وتبعه القوم وكانوا دهاة العرب، وأمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار، وأمر العنكبوت فنسجت، وأمر حمامتين بفم الغار. ولمّا قربوا منه تقدّم بعضهم لينظر، ثمّ رجع فقال: رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أنّه ليس فيه أحد.


أمّا معجزته عندما خاطب الشجرة أن تأتي إليه ففي نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة القاصعة أنّ النبيّّ صلى الله عليه وإله وسلم قال:

أيّتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يدي، فو الّذي بعثه بالحقّ لانقلعت بعروقها، وجاءت ولها دويّ شديد، وقصف كقصف أجنحة الطير حتّى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم مرفوفة، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وببعض أغصانها على منكبه، وكنت على يمينه، فلمّا نظر القوم إلى ذلك قالوا علوّاً واستكباراً: فمرها فليأتك نصفها. فأمرها بذلك، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشدّه دويّاً، وكادت تلتفّ برسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ، فقالوا كفراً وعلوّاً: فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه، فأمره فرجع.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
176

152

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 الربط:


لحا الله أهل العناد، كم رأوا من رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أمثال ذلك، فلم يقلعوا عن عنادهم، وكذا رأى جيش يزيد يوم الطفّ من الحسين عليه السلام كرامات باهرة، ولكن كما قال الشاعر:

قَسَتِ القُلُوبُ فَلَمْ تَمِلْ لِهِدَايَةٍ             تَبَّاً لِهَاتِيكَ القُلُوبِ القَاسِيَهْ

ولقد وقف الحسين عليه السلام متّكئاً على سيفه، ووعظهم فلم يتّعظوا، وذكّرهم فضل جدّه وأبيه عليه السلام فلم يذّكروا، فكان من جملة كلامه يومئذٍ:

أنشدكم (الله) هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؟ قالوا: أللَّهمَّ نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ أمّي فاطمة الزهراء بنت مُحَمَّدٍ المصطفى؟ قالوا: أللَّهمَّ نعم.

إلى أن قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أنا متقلّده؟ قالوا: أللَّهمَّ نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أنا لابسها؟ قالوا: أللَّهمَّ نعم.

قال: فبم تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض، ولواء الحمد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
177

153

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 بين يديه يوم القيامة؟ قالوا: قد علمنا ونحن غير تاركيك حتّى تذوق الموت عطشاً.


التمهيد الصوتي للنعي

فلمّا سمعت بناتُه وأخواتُه ذلك بكين ولطمن وارتفعت أصواتهنّ، فوجَّه إليهنّ أخاه العبّاس وابنه عليّاً وقال: سكتاهنّ فلعمري ليكثر بكاؤهن.

أمّا ليلة عاشوراء

فقد رُوي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال:

"إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قُتِلَ أبي في صبيحتها، وعندي عمّتي زينب تُمرّضُني، إذ اعتزَل أبي في خِباءٍ له، وعنده (جَون) مولى أبي ذرّ وهو يُعالج سيفه ويُصلحه وأبي يقول:

يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيلِ          كَمْ لَكَ بِالإِشْرَاقِ وَالأَصِيلِ
مِنْ صَاحِبٍ أَوْ طَالِبٍ قَتِيلِ         وَالدَّهْرُ لا يِقْنَعُ بِالبَدِيلِ
وَإِنَّمَا الأَمْرُ إِلَى الجَلِيلِ                 وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيلِي

فأعادها أبي مرتين أو ثلاثاً حتّى فهمتُها، فعرفتُ ما أراد، فخنقتْني العَبرة، فرددتُ دمعتي، ولزمتُ السكوت، وعلمتُ أنّ البلاءَ قد نزل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
178

154

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 وأمّا عمّتي زينب فإنّها لمّا سمعتْ ما سمعتُ فلم تَملِكْ نفسَها دون أن وَثبتْ تجُرّ أذيالَها، وهي حاسرة، حتّى انتهتْ إليه وهي تنادي: وآثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة، اليومَ ماتتْ أمّي فاطمة، وأبي عليّ، وأخي الحسن، يا خَليفة الماضين، وثِمالَ الباقين.


فنظر إليها الحسين عليه السلام نظَر رأفةٍ ورحمة وقال:
يا أخيّة، لا يَذْهبنَّ بحلمكِ الشّيطان.

قالت: بأبي أنت وأمّي، استقتلت؟ نفسي فداك.

فردّ الحسينُ عليه السلام غُصّتَه، وترقرقتْ عيناه بالدموع.

فقالت: ردّنا إلى حرَم جدّنا رسول الله.

فقال: هيهات، لو تُرك القَطا ليلاً لغفا ونام.

فقالت: يا وَيلتاه!! أفتغتصب نفسَك اغتصاباً؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي.

ثمّ لطمتْ وجهَها، وأهوتْ إلى جَيبها فشقّته، وخرّت مغشيّاً عليها

انا مقدر بعد علهظم مقدر              لوني انخطف والقلب فرفر
لون قلبي يخويه صخر مرمر          من هالمصايب چا تفطر

فلمّا أفاقتْ، قال لها: "يا أخيّة، تَعزَّي بعزاء الله، واعلَمي أنّ أهل الأرض يموتُون، وأنّ أهلَ السماءلا يَبقَون، وأنّ كل شيء هالك إلّا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
179

155

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 وجهُ الله تعالى، أبي خيرٌ منيّ، وأمّي خيرٌ منّي، وأخي خيرٌ منّي، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله أسوة.


فعزّاها بهذا ونحوه، ثمّ قال لها:
يا أختاه، إنيّ أقسمُ عليك، فأَبرّي قَسمي، إذا أنا قُتلتُ فلا تشقّي عليّ جيباً، ولا تَخمِشي عليّ وجهاً، ولا تَدعيْ علي بالويل والثبُور إذا أنا هلكت".

ومن أحداث هذهِ الليلة، أنّه جاء حبيب بن مظاهر إلى خيمة زينب عليها السلام مطأطئاً برأسه إلى الأرض ودموعه تجري على خدّيه وهو يقول: آهٍ لوجدكِ يا زينب يوم تُحملين على بعيرٍ ضالع ورأس أخيك الحسين على رأس الرمح تحفُّ به رؤوس أهل بيته وأصحابه، وكأنّي برأسي هذا معلَّق بعنق الفرس يضربه بركبتيه، لمّا سمعت زينب كلامه قالت: يا حبيب لقد أخبرني أخي الحسين بهذهِ المصائب وَلَوَددتُ أنّي عمياء حتّى لا أرى هذهِ المصائب.

تدرون بيه هاشميه                وكلمه عدو تصعب عليه
             انا منين إجتني الغاضريه

جَادُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِ سَيِّدِهِمْ                 وَالجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ الجُودِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
180

156

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 النموذج الثاني


يَا وَقْعَةَ الطَّفِّ كَمْ عَيْنٍ بِكِ انْذَرَفَتْ                    وَكَمْ إِلَى الدِّينِ مِنْ رُكْنٍ بِكِ انْهَارَا
تَزَلْزَلَتْ فِيكِ أَرْضُ اللهِ وَانْسَكَبَتْ                      عَيْنُ السَّمَاءِ دَماً وَالعَرْشُ قَدْ مَارَا
أَفِيكِ يَقْضُونَ آلُ المُصْطَفَى عَطَشاً                    وَالمَاءُ طَامٍ فَلَيْتَ المَاءَ قَدْ غَارَا
وَيُصْبِحُ السِّبْطُ شِلْواً فِيكِ تَصْهَرُهُ                      شَمْسُ الهَجِيرِ عَلَى الرَّمْضَاءِ إِصْهَارَا
تَذْرِي الرِّيَاحُ عَلَيْهِ ثُمَّ تُلْبِسُهُ                           ثَوْباً مِنَ التُّرْبِ غُدْوَاناً وَإِبْكَارَا
لِمَنْ ظُعُونٌ بِأَرْضِ الطَّفِّ سَائِرَةٌ                      تَنْحُو الشَّآمَ فَلَيْتَ الرَّكْبَ لا سَارَا
وَمِمَّنْ النُّسْوَةُ الآتِي يُسَارُ بِهَا                          تَخَالُهُنَّ عَلَى الأَقْتَابِ أَقْمَارَا
حَوَاسِراً سَلَبَ الأَعْدَا بَرَاقِعَهَا                         وَابْتَزَّهَا القَوْمُ أقَرَاطاً وَأَطْمَارَا
لَهْفِي لِزَيْنَبَ إِذْ قَالَتْ مُوَدِّعَةً                          وَالحُزْنُ بَادٍ وَدَمْعُ العَيْنِ قَدْ فَارَا
هَلَّا تَمُرُّونَ بِالقَتْلَى نُوَدِّعُهُمْ                           وَنَقْضِي مِنْ تَرِبِ الخَدَّيْنِ أَوْطَارَا
سَقَطْنَ مِنْ حَلَسِ الأَقْتَابِ بَاكِيَةً                       وَجِئْنَ يَلْثِمْنَ أَثْغَاراً وَأَنْحَارَا
يَمْسَحْنَ تُرْبَ الفَلا عَنْ فَيْضِ مَنْحَرِهِ                  طَوْراً وَتَلْثِمُهُ طَوْراً وَأَطْوَارَا
تَقُولُ يَا نَائِياً شَطَّتْ زِيَارَتُهُ                            بُعْدَ النَّوَى لَيْتَنَا كُنَّا لَكُمْ جَارَا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
181

157

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 أُنْظُرْ فَدَيْنَاكَ أَطْفَالَاً شَكَوْا ظَمَأً                   نَائِينَ مَا أَلِفُوا مَأْوَى وَلا دَارَا

وَاْنْظُرْ مَرِيضَكَ مَغْلُولاً أَضَرَّ بِهِ                 ثِقْلُ الحَدِيدِ أَسِيرا أَيْنَمَا سَارَا

انا مشيت درب المامشيته              وذباح اخيي رافقيته
                 انا لو ينشره الموت اشتريته

ومن وصيّة لأمير المؤمنين عليه السلام أوصى بها عسكره قبل لقاء العدو بصفيّن:
"لا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْد اللهِ على حُجَّةٍ وَترككم إِيّاهُمْ حتّى يبْدؤُوكُمْ حُجةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَلا تُصِيبُوا مُعْوِراً وَلا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذى وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ...".

بأبي أنت وأميّ يا أمير المؤمنين ليتك شاهدت العقيلات يوم العاشر من المحرّم حين تسابق القوم إلى نهب بيوتهن وتزاحموا على سلبهن وضربهن وانتزعوا الملاحف عن ظهورهن، فبرزن وهنّ كريماتُ رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم حاسرات حافيات مدهوشات حائرات في أسْر الذلّة ووثاق السبي، وإذا بهذه المخدّرات أسارى على نياق هزّل أدخلوها إلى الكوفة، يقول السيّد ابن طاووس: أشرفت امرأة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
182

158

الفصل السابع: تطبيقات عامّة

 من الكوفيّات من على سطح دارها وقالت: من أي الأسارى أنتن؟ فأجابتها زينب: نحن أسارى آل بيت رسول الله فنزلت المرأة إلى صحن دارها فجمعت لهنَّ أُزراً ومقانع.


عزّ ذلك على زينب

تتصدق الوادم علينه              وعطايا الخلگ كلهه امن ادينه
ما خاب ظنّه اليعتنينه             ايظل كل سنة إيروح ويجينه

ويروى أنّ الأعداء صاروا يخلّصون كلّ من ينتمي إلى عشائرهم من النساء من السبي، فصاروا ينادون بين السبايا: أين فلانة الأسديّة؟ فلتخرج فلانة العامريّة؟ أين فلانة الثقفيّة؟ حتّى لم يبق إلّا بنات رسول الله، إلّا سيّدتنا زينب وأخوات زينب، فكأنّي بزينبِ تلتفت يميناً شمالاً، ألا من ينادي أين زينب الهاشميّة؟ أين بنات فاطمة الزهراء؟ أين بنات عليّ؟

صاحت بويه يحيدر ما تجينه                 واتشوفنه اشلون انسبينه
                      واتشوف احسين الذابحينه

وَمَدَّتْ إِلَى نَحْوِ الغَرِيَيْنِ طَرْفَهَا               وَنَادَتْ أَبَاهَا خَيْرَ مَاشٍ وَرَاكِبِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
183

159

ملحق

 عيوب الصوت وعلاجها


لدينا ثلاثة عيوب في الصوت في الأغلب الأعمّ.

الأوّل: في رنّة الصوت.

الثاني: في قوّة الصوت.

الثالث: قصور النفس.

العيب الأوّل: في رنّة الصوت:

أن تكون رنّات الصوت مزعجة خشنة أو ما يعرف بـ(خامة الصوت) وهذه المشكلة إمّا أن تكون قائمة بالأصل، وإمّا بالعارض وكذلك العيبان الآخران (في قوّة الصوت وقصور النفس) فإن كانت قائمة بالأصل ( أي بحسب الخلقة) فإنّ علاجها ليس مستحيلاً، ولكن نسبة تحسّن رنّات الصوت لن تكون عالية بشكل عامّ.

وأمّا إن كانت المشكلة عرضيّة، فإنّ علاجها أيسر وأسهل، ونسبة تحسّن رنّات الصوت ستكون عالية، اللهم إن التزمنا بالعلاج المطلوب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
187

160

ملحق

 العيب الثاني: في قوّة الصوت:


إنّ مصدر حدوث الصوت في الإنسان هما الحبلان الصوتيان في الحنجرة، والحبلان الصوتيان غشاءان عضليان مثبتان بين الغضروف العلويّ والخلفيّ للحنجرة، وبينهما فتحة ضيّقة، ويتحكّم في شدّ وارتخاء هذين الغشاءين عضلات خاصّة، فإذا كان الإنسان صامتاً فإنّ الحبلين الصوتيّين يكونان مرتخيين، وإذا تحدّث الإنسان فإنّ الحبلين الصوتيّين يصبحان مشدودين وتضيق الفتحة بينهما، وعندما يندفع الهواء بين الحبلين الصوتيّين فإنّهما يهتزّان، وبمساعدة الحلق واللسان والشفتين والأسنان يتشكّل الصوت وتُسمع الكلمات.

فقوّة الصوت مرجعها القوّة التي تطرد الهواء من الرئتين عبر الحبلين الصوتيّين المشدودين، وعضلات الحنجرة المشدودة كما أنّ قوّة الصوت الخارج من أوتار العود مرجعها قوّة ضرب الأنامل على الأوتار المشدودة.

العيب الثالث: قصور النفس:

قد يؤدّي ضيق النفس إلى أن يتكلّم الخطيب بكلمات غير مفيدة بحيث يقطع هذا العيب على الخطيب بيانه ويفسد عليه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
188

161

ملحق

 استرساله، وهذا من أهمّ العيوب الخطابيّة فضلاً عن قراءة العزاء وهذا العيب يسمّونه بالبُهُر أي انقطاع النفس والإعياء، حتّى جمع أحدهم عيوب الخطابة ببيت من الشعر ونصّ فيها على البُهُر بقوله:


مَلِيءٌ بَبُهْرٍ وَالتِفَاتٍ وَسُعْلَةٍ                وَمَسْحَةِ عُثْنُونٍ وَتَلِّ الأَصَابِعِ

والعثنون هو اللحية.

ولا يخفى أنّ ركيزة الخطيب الحسينيّ أن يعتمد على الصوت، وقصور النفس يتنافى مع المهمّة الملقاة على عاتقه، فإن لم يكن الخطيب ذا نفس طويل، فلا أقلّ أن لا يكون نفسه قصيراً ضيّقاً حرجاً وإلّا سيحرم من أداء الكثير من الأطوار فضلاً عن الوصول إلى الطبقات العالية.

- بعض الأسباب التي تؤدّي إلى مشاكل في الصوت:

1 التهاب الجهاز التنفسيّ العلويّ.

2 التهاب بسبب ارتداد أسّيد المعدة أثناء النوم مما يسبّب البحّة.

3 استعمال خاطئ للصوت أو إجهاد زائد له.

4 عُقد على الأوتار الصوتيّة.

5 سرطان الحنجرة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
189

162

ملحق

 - العناية بالصوت ورفع مستواه

العناية بالصوت تعتمد على أمور عدّة أهمّها:

1- الأطعمة 2- الأشربة 3- تمارين رياضيّة 4- وضعيات جسميّة معيّنة 5- عقاقير وأدوية.

وهذه الأمور تتعاطى معها على سبيل التخلية تارة والتحلية أخرى وللعناية برنّة الصوت أوّلاً إليكم النصائح التالية:

التخلية:

1- تجنّب الصياح بصوت عال، فأهم عامل في العناية بالصوت هو كيفيّة استخدامه، فإرهاق الصوت باستخدامه بطريقة خاطئة يضرب الأوتار.

2- تجنّب النوم الغير منتظم.

3- تجنّب النوم بعد الأكل مباشرة، حتّى لا تصعد عصارات المعدة إلى الحلق وتضرّ الحنجرة والأحبال الصوتيّة.

4- تجنّب تناول المشروبات الساخنة بعد التلاوة أو خلالها والاكتفاء بالماء الفاتر لأن الأحبال تكون وقتها متجرّحة ومنهكة.

5- تجنّب المأكولات والمشروبات الباردة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
190

163

ملحق

 6- تجنّب المأكولات الحارّة والبهارات.


7- تجنّب المأكولات والمشروبات الاصطناعيّة كالمشروبات الغازيّة.

8- تجنّب الكلام قدر المستطاع.

9- تجنّب المكسّرات والمأكولات التي تترك بقايا خشنة في الحلق.

10- تجنّب القهوة والشاي والكافيّين بشكل عامّ لأنّه يعتبر مع المشروبات الغازيّة من أهمّ المجفّفات للأوتار ويتأكّد الاجتناب عنها قبل ما يقارب الساعة من الإنشاد أو التلاوة.

11- تجنّب التدخين مطلقاً لأنّه يترك أثراً سيئاً على الأوتار.

12- تجنّب المقالي بالزيوت.

التحلية:

1- العسل مطلوب أكلاً وشرباً (عند مزجه) بماء دافئ.

2- المشروبات الدافئة كاليانسون والنعناع والأعشاب الطبيعيّة الأخرى الموصوفة لدى العطّارين بائعي الأعشاب العلاجيّة.

3- الإكثار من شرب الماء ولكن بكميّات ثابتة.

لأنّ الأوتار الصوتيّة مغطّاة بطبقة من المخاط وذلك لتأمين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
191

164

ملحق

 ارتجاجها، وأفضل مليّن لهذه الأوتار هو شرب كميّات وافرة من الماء. وكقاعدة (إن لم يكن لديك مشاكل في القلب والكلى) هو أن تشرب 8 12 كوباً من الماء، وذلك لأنّ الماء الذي شربته أولاً يذهب إلى أنحاء الجسم عامّةً والفائض منه هو ما يستفاد منه لتليين الأوتار لذلك فإنّ كميّة الماء يجب أن تكون أكثر من الحاجة العادية للإنسان العادي. ولا تستخدم الثلج والماء المثلّج.


استعمل المرطّبات للحنجرة مثل سكّر النبات بشكل دائم أو بعض العقاقير الموصوفة طبيّاً مثل TRachisan (حبّة مص كلّ 4 ساعات).

عندما يصاب الحلق بجفاف ينصح الأخصائيّون بالغرغرة بهذه التركيبة: 2/1 ملعقة طعام من الملح + 2/1 ملعقة من بيكربونات الصوديوم (الكربونة) + 2/1 الملعقة من زيت الذرة + 4/3 كوب من الماء الدافئ المقطّر. تغرغر بدون إصدار أيّ صوت وبنعومة لمدّة دقيقتين لا تغسل بعدها، واستعملها مكرراً كلّما أحسست بجفاف في الحلق أو تقرّح.

طريقة تنظيف الأوتار من البلغم:

إنّ بعض الأدوية والمأكولات وإرجاع أسّيد المعدة تؤدّي إلى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
192

165

ملحق

 إفراز للبلغم ممّا يضطرّك إلى إخراجه، وهذه العادة هي من أكثر ما يمكن أن يؤذي الأوتار، لذلك ننصح باتباع الطريقة التالية: اشرب قليلاً من الماء، واخرج المخاط (البلغم) بدون إصدار أيّ صوت أو الفظ حرف الهاء مخرجاً كميّة كبيرة من الهواء دون إحداث أيّ صوت.


ما يتعلّق بضيق النفس:

التخلية:

تجنّب أن تكون المعدة ممتلئة بالطعام:

1 لأنّ ذلك يضغط على الحجاب الحاجز فيقصر النفس عن مراده.

2 تجنّب التدخين مطلقاً سيكارة أركيلة وقد ذكرنا أنّه يؤثر على الأوتار كذلك يؤثر على الجهاز التنفسي بحيث يدع النفس قاصراً.

التحلية:

1- رياضة السباحة والغطس قدر الإمكان في الماء بقطع النفس.

2- تعوّد تلاوة القرآن بصوت مرتفع إلى حدّ ما بدون تجديد النفس قبل انقطاعه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
193

166

ملحق

 3- الركض السريع والمواظبة عليه شيئاً فشيئاً.


4- حبس النفس بعد شهيق يملئ الرئتين أثناء المشي السريع ثمّ زفير بطيء فإنّه يقوّي الحجاب الحاجز.

5- إذا كان هناك حالات مرضية يمكن استخدام البخاخ الموصوف من الطبيب عندما تعرض مشكلتك عليه.

نصائح عامّة:

1- المداومة على الرياضة وخصوصاً السباحة والجري.

2- المداومة على التدريبات الصوتيّة بشكل منتظم، وخصوصاً في بداية اليوم.

3- إعطاء الصوت فترات راحة بين وقت وآخر، هذا يؤثر كثيراً في استرداد الصوت لقوّته وجماله.

4- المحافظة على نظافة الفم بتنظيف الأسنان واستخدام المسواك.

5- التنويع في الطبقات حين التلاوة، وعدم الاقتصار على الطبقات العالية فقط.

6- تجنّب التدريبات الصوتيّة العشوائيّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
194

167

ملحق

 7- تجنّب التلاوة حين يكون الصوت مجهداً أو الحنجرة ملتهبة أو في حال إصابة الجهاز النطقيّ أو التنفسيّ.


8- تجنّب التدخين بأنواعه.

9- تجنّب التعرّض المباشر لأجهزة التكييف.

10- تجنّب الأغبرة والأدخنة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
195

168

ملحق

 سلوكيّات الخطيب الناجح


إنّ شخصيّة الخطيب الأخلاقيّة لها دور كبير في التأثير على المحيط الذي يخاطبه، وما لم تتوفرّ فيه المواصفات الأخلاقيّة المطلوبة، فلن يكون لكلامه وقع في نفوس السامعين، وسوف يفتقد إلى عنصر النجاح والتوفيق حينئذٍ. وأهمّ هذه المواصفات:

1- التوكّل على الله تعالى وطلب التوفيق منه.

2- الإخلاص في خدمة أهل البيت عليهم السلام ، وأن يكون هدفه هو التقرّب إلى الله تعالى قبل كلّ شي‏ء.

3- تقوى الله تعالى، فإنّ تقوى الله تعالى هي الأساس في شخصيّة الخطيب الناجح.

4- إحراز رضا أهل البيت عليهم السلام والجدّ والاجتهاد في خدمتهم، ليرتقي منبرهم عن رضا منهم عليهم السلام بذلك، فإنّ رضاهم رضا الله تعالى.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
197

169

ملحق

 5- التعظيم الدائم للنبيّ صلى الله عليه وإله وسلم ولأهل البيت عليهم السلام ولكلّ ما يرتبط بالدّين.


6- الاستعانة ظاهراً وباطناً بالإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف ويبرز ذلك في خطابه المنبريّ, ليربط الناس بصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف .

7- التخلّق بالأخلاق الحسنة، كالتواضع والوقار والصدق والصبر وصفاء النفس, ليكون نموذجاً فاضلاً في سلوكه وقدوة حسنة في أعماله.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
198

170
دليل القراء إلى أطوار العزاء