الِاقْتِصَاد ُ1, ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ, غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ, ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ, نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاء2ِ, ولَولَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ, وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ.
عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ, فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا3 فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ, وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ. قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ, وشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ, وأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ4, وحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ, وأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ.
صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً, أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً, تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ5 يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ. أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا, وأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا. أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا, يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ ويَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِم6ْ. فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً, وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ
1- ملبسهم الخ, أي أنّهم لا يأتون من شهواتهم إلّا بقدر حاجاتهم في تقويم حياتهم فكان الإنفاق كثوب لهم على قدر أبدانهم لكنّهم يتوسّعون في الخيرات.
2- نزلت الخ, أي أنّهم إذا كانوا في بلاء كانوا بالأمل في الله كأنّهم كانوا في رخاء لا يجزعون ولا يهنون, وإذا كانوا في رخاء كانوا من خوف وحذر النقمة كأنّهم في بلاء لا يبطرون ولا يتجبّرون.
3- أي هم على يقين من الجنّة والنّار كيقين من رآهما, فكأنّهم في نعيم الأوّلى وعذاب الثانية رجاء وخوفاً.
4- نحافة أجسادهم من الفكر في صلاح دينهم والقيام بما يجب عليهم له.
5- يقال أربحت التجارة إذا أفادت ربحاً.
6- استئثار الساكن هيجه, وقارئ القرآن يستشير به الفكر الماحي للجهل فهو داؤوه.
122