البحث العلمي – قواعده ومناهجه


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-11

النسخة: 2016


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الطّيبين الطاهرين عليه السلام وبعد...
 
لا يخفى على من تتبّع النصوص الدينية أهمّية المعرفة والعلم في هدفيّة خلق الله عزّ وجلّ للإنسان، والمعرفة لا تتولّد بطريقة ذاتية عند الإنسان، وإنّما يكتسبها وينتجها بالأدوات والقوى التي وهبها الله تعالى له، وقد حثّت الرؤية الإسلامية الإنسانَ بألسنة مختلفة، كما يظهر من مدلولات العديد من الآيات القرآنية، على التعلّم والتفكّر والتدبّر والتأمّل والنظر والتعقّل...، ورغّبته في إنتاج المعرفة وتوليد العلم، وحمّلته مسؤولية إيصال المعرفة إلى الآخرين، وبثّها وبذلها لهم. عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قرأت في كتاب علي عليه السلام! إنّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم، حتى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال..."1
 
وإنفاق العلم وبذله للآخرين يحصل من خلال أسلوبين: المشافهة والكتابة، والأسلوب الثاني أكثر ديمومة واستمراراً من الأوّل, لأنّ المعرفة تحفظ بامتداد الأزمنة والأمكنة وتتناقلها الأجيال بالكتب والمدوّنات. ولذا، ورد التأكيد على تقييد العلم وكتابته، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "قيِّدوا العلم بالكتاب"2. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "قيّدوا العلم، قيل: وما تقييده؟ قال: كتابته"3.



1 الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، مطبعة حيدري، 1365هـ.ش، ط4، ج 1، ص 41.
2  ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول، تعليق على أكبر الغفاري، بنيد القار - الكويت، مكتبة الأمين، 1425هـ - 2004 م، ط1، ص 36.
3 الشهيد الثاني، منية المريد، تحقيق رضا المختاري، مكتب الإعلام الإسلامي، 1409هـ، ط1، ص340.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

1

المقدمة

 وعن المفَضَّلِ بن عمر، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "اكْتُبْ، وبُثَّ عِلْمَكَ فِي إِخْوَانِكَ، فَإِنْ مُتَّ، فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ، فَإِنَّه يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ، لَا يَأْنَسُونَ فِيه إِلَّا بِكُتُبِهِمْ"1.

 
فضل الكتابة في القرآن
وفي هذا السياق، نلاحظ أنّ الله تعالى قد افتتح عدّة سور من كتابه الكريم بآيات تُظهر فضل البيان والكتاب والقلم والكتابة، فقال عزّ وجلّ: ﴿الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ *عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾2، وقال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم ِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾3، وقال عزّ وجلّ: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾4
 
فهذه الآيات تعظِّم القلم والكتاب لمكان القسم بهما، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "اكتب، فإنّ الله علّم بالقلم... والقلم من الله نعمة عظيمة، ولولا القلم لم يستقم الملك والدين، ولم يكن عيش صالح"5.
 
وتُظهِر الآيات أيضاً، أنّ البيان، أعمّ من الشفهي والخطّي، قد اهتدى إليه الإنسان بتعليم من الله تعالى6، وهو أحد الخصائص التي يتميّز بها الإنسان عن باقي الكائنات المشاركة له في وحدة الحياة. لذا، نلاحظ في بعض الروايات لسان المنّ على الناس بالكتاب، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: "مَنَّ الله عَزَّ وجَلَّ عَلَى النَّاسِ، بَرِّهِمْ وفَاجِرِهِمْ، بِالْكِتَابِ..."7.
 
فضل الكتابة في كلام الإمام الصادق عليه السلام
وعن الإمام الصادق عليه السلام في بيان فضل الكتابة وأهمّيتها في حياة الإنسان وبناء الحضارات المتعاقبة، قال: "تأمّل يا مُفضَّل ما أنعم الله -تقدّست أسماؤه- على الإنسان، 



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 52.
2 سورة الرحمن، الآيات 1-4.
3 سورة العلق، الآيات 1-5.
4 سورة القلم، الآية1.
5 البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، قم، المطبعة العلمية، 1399هـ، ج 18، ص 8.
6 الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1372هـ.ش.، ج 19، ص 376.
7الشيخ الكليني، الكافي، ج 5، ص 155.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

2

المقدمة

 من هذا المنطق الذي يعبّر به عما في ضميره، وما يخطر بقلبه، وينتجه فكره، وبه يفهم عن غيره ما في نفسه. ولولا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة، التي لا تخبر عن نفسها بشيء، ولا تفهم عن مخبر شيئاً. وكذلك الكتابة التي بها تُقيّد أخبار الماضين للباقين وأخبار الباقين للآتين، وبها تُخلّد الكتب في العلوم والآداب وغيرها، وبها يحفظ الإنسان ذكر ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب، ولولاه لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض، وأخبار الغائبين عن أوطانهم، ودرست العلوم، وضاعت الآداب، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم، وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم، وما روي لهم، ممّا لا يسعهم جهله...


 
واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة، فأصل ذلك فطرة الباري جلّ وعزّ، وما تفضّل به على خلقه، فمن شكر أثيب، ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين"1
 
ثواب الكتابة 
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إنّ المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم، كانت الورقة ستراً فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تعالى بكلّ حرف مدينةً، أوسع من الدنيا سبع مرات..."2
 
وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إذا كان يوم القيامة، جمع الله عزّ وجلّ الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء"3.
 
قال الشهيد الثاني في سياق تعليقه على الحديثين السابقين: "إنّ ثواب الكتابة ربما زاد على ثواب العلم في بعض الموارد، بسبب كثرة الانتفاع به ودوامه، ومن هنا جاء تفضيل مداد العلماء على دماء الشهداء"4.



1 الجعفي، المفضل بن عمر، التوحيد، تعليق كاظم المظفر، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1404هـ -4891م، ط3، ص 40.
2 الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، طهران، مؤسسة البعثة، 1417هـ، ط1، ص 91.
3 الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق على أكبر الغفاري، قم، منشورات جماعة المدرسين بقم المقدسة، لا ت، ط2، ج 4، ص 399.
4 العاملي، زين الدين بن علي، منية المريد في أدب المفيد والمستفيد، تحقيق رضا مختاري، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1409هـ، ط1، ص 341.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

3

المقدمة

 وقد خصّص قدس سره في كتابه منية المريد في أدب المفيد والمستفيد1، الباب الرابع تحت عنوان: في آداب الكتابة والكتب التي هي آلة العلم وما يتعلق بتصحيحها وضبطها ووضعها وحملها وشرائطها وعاريتها وغير ذلك، قائلاً: الكتابة من أجلّ المطالب الدينية، وأكبر أسباب الملة الحنيفية من الكتاب والسنة، وما يتبعهما من العلوم الشرعية، و (ما) يتوقفان عليه من المعارف العقلية. وهي منقسمة في الأحكام حسب العلم المكتوب: فإن كان واجباً على الأعيان فهي كذلك... وهي في زماننا هذا بالنسبة إلى الكتاب والسنة موصوفة بالوجوب مطلقاً، إذ لا يوجد من كتب الدين ما يقوم بفرض الكفاية بالنسبة إلى الأقطار، سيما كتب التفسير والحديث، فإن معالمهما قد أشرفت على الاندراس، ورايات أعلامهما قد آذنت بالانتكاس، فيجب على كل مسلم الاهتمام بحالهما كتابة وحفظاً وتصحيحاً ورواية، كفاية"2.

 
انطلاقاً مما تقدّم، على طالب العلم سواء أكان طالباً في الحوزة أم الجامعة، أن يسعى ليكون مشروع باحث، ويكمل رحلته العلمية في الدراسات العليا في إطار البحث والكتابة والتأليف، فإنها من أهم وسائل إنفاق وبذل ما رزقه الله تعالى من العلم على المجتمع لإيصاله إلى الحياة الطيبة في مختلف أبعادها، وعليه أن ينطلق في تعامله مع كتابة الأبحاث من هذا المنهاج الديني في الحث على كتابة العلم وتقييد المعرفة.
 
إتقان الكتابة من القيم الإسلامية في العمل
لقد ركّزت الروايات على قيمة الإتقان والإحكام والإحسان في أي عمل يريد الإنسان أن يقوم به، ومما ورد في ذلك:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن"3.
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "... يحبّ الله عبداً إذا عمل عملاً أحكمه"4.
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "يحبّ الله للعامل إذا عمل أن يُحسن"5.



1 نشير إلى أنّ الشهيد الثاني سلّط الضوء في العديد من أبواب كتابه المذكور على قواعد وأصول كتابة البحث العلمي.
2 العاملي، زين الدين بن علي، منية المريد في أدب المفيد والمستفيد، ص 339.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 263.
4 الصدوق، الأمالي، ص 468.
5 الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق عبد المجيد السلفي، لا م، دار إحياء التراث العربي، 1404هـ-1984م، ط2، ج 19، ص 200.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

 


4

المقدمة

 ولكون الكتابة من أفضل الأعمال، فإنّ الإتقان والإحكام والإحسان فيها يصبح أكثر تأكيداً، ولتكون كتابة البحث متقنة محكمة، وُضعت بعض القواعد العامّة والأصول والضوابط، والتي تُدرّس في عصرنا فيما يعرف بمادّة أصول كتابة البحث العلمي أو منهجية البحث العلمي... وغيرها من الأسماء.


وبناء عليه، إنّ التزام طالب العلم بأصول البحث العلمي أثناء الكتابة لإتقانها وإحكامها هو من مصاديق الالتزام بالقيم الإسلامية في العمل، فضلاً عن الشروط الأكاديمية، وهذا يقتضي أن يبذل الطالب الجهد في دراسة هذه المادّة التي تساعده على جعل بحثه أكثر إتقاناً وإحكاماً، ويعتبر دراسته لهذه المادّة من مقدّمات امتثال الأمر النبوي الموصِل إلى حبّ الله عزّ وجلّ. 

دراسة أصول كتابة البحث العلمي
وقد بدأت الجامعات والحوزات العلمية، وغيرها من المؤسّسات التربوية تستشعر أهمّية دراسة أصول البحث العلمي كمادّة مستقلّة، انطلاقاً من النصف الثاني من القرن العشرين, فقامت باعتماد هذه المادّة في المناهج التعليمية من أجل إعداد الباحث العلمي، إذ لا يمكن أن يكتب الطالب بحثاً - مقالة أو رسالة أو أطروحة - ناجحاً ومطابقاً للمواصفات الأكاديمية، -وكذلك أيّ كاتب ومؤلّف- ما لم يُحِط علماً بالقواعد والأساليب والطرائق والأدوات... التي يستخدمها في كتابة البحث العلمي وجمع المعلومات والبيانات، وتصنيفها، وتحليلها، وتركيبها، والمقارنة بينها، واستخراج النتائج منها... 

مع التنبيه، إلى أنّ مجرّد دراسة هذه المادّة لا يؤهّل الطالب تلقائياً للاتّصاف بسمة الباحث، بل يحتاج، مضافاً إلى دراسة متن هذه المادّة، إلى التطبيق المتكرّر والتمرّس والتدرّب على الكتابة في ضوء تلك القواعد العامّة حتى تصبح ملكة عنده. ولذا، أوردنا في جملة دروس هذا الكتاب العديد من التطبيقات التي تساعد الطالب على إتقان كتابة البحث العلمي.

والحمد لله ربّ العالمين
مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

5

الدرس الأول: البحث العلمي, ماهيّته، أنواعه، غايته

 الدرس الأول: البحث العلمي, ماهيّته، أنواعه، غايته




أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرِّف كلّاً من البحث والمنهج في الاصطلاح.
2- يعدّد أنواع البحوث.
3- يشرح غاية البحث العلمي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

6

الدرس الأول: البحث العلمي, ماهيّته، أنواعه، غايته

 تعريف البحث لغةً

البحث، (وجمعه بحوث)، أصله في اللغة العربية بمعنى طلب الشيء في التراب1، ومنه قوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ﴾2.
 
وتستعمل مفردة البحث أيضاً بمعنى السؤال عن الشيء، والاستخبار عنه، وطلب العلم به3، والتفتيش4، والاستقصاء5، والتنقيب6، والفحص، والتنقير عن الشيء7.
 
تعريف البحث اصطلاحاً
عُرّف البحث اصطلاحاً بتعريفات متعدّدة متناسبة مع المعنى اللغوي، واستقراء مجموعها8 يفيد في المحصّلة:



1 الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، إيران، مؤسسة دار الهجرة، 1409هـ، ط2، ج 3، ص 207.
2 سورة المائدة، الآية 31.
3 ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404هـ، لا ط، ج 1، ص 204.
4 الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح -تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، بيروت، دار العلم للملايين، 1407هـ-7891م، ط4، ج 1، ص 273.
5 الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، أعاد بناءه على الحرف الأول من الكلمة محمود عادل، تحقيق أحمد الحسيني، لا م، مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 1408هـ، ط2، ج 2، ص 235.
6  ابن منظور، محمد بن مكرَّم، لسان العرب، تصحيح أمين محمد عبد الوهاب و محمد الصادق العبيدي، بيروت، دار إحياء التراث العربي و مؤسسة التاريخ العربي، 1417 ه‍- 1997 م، ط2، ج 1، ص 769. ج 2، ص 114.
7 ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1364هـ.ش، ط4، ج 1، ص 99. وج 5، ص 105.
8  يراجع: الشريف، عبد الله محمد، مناهج البحث العلمي دليل الطالب في كتابة الأبحاث والرسائل العلمية، الإسكندرية، مكتبة الشعاع للطباعة والنشر، 1996م، ط1، ص 12-13.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

 


7

الدرس الأول: البحث العلمي, ماهيّته، أنواعه، غايته

 أنّ البحث عبارة عن بذل جهد فكري منظّم، في دراسة مشكلة أو موضوع ما تفتيشاً، وتحقيقاً، واستقصاءً، وتحليلاً، ووصفاً، ومقارنة، وعرضاً، ونقداً...

 
بهدف حلّ المشكلة أو تحصيل المعرفة بأحوال الموضوع، وكشف حقائق جديدة عنه، والتأكّد من صحّتها بالبرهنة عليها، وإسنادها بالشواهد والحجج والأدلّة.
 
ويستخدم بالمعنى الأخصّ في الجامعات، بمعنى التقرير الموضوعي الوافي المسند بالشواهد والأدلّة، الذي يقدّمه الطالب الجامعي، حول موضوع أو مشكلة ما، إلى لجنة متخصّصة، بهدف الحصول على درجة علمية معيّنة: ماجستير، أو دكتوراه1.
 
وفي هذا السياق، يعرّف كول ArthurCole الرسالة بأنّها: تقرير وافٍ يقدّمه باحث عن عمل تعهّده وأتمّه، على أن يشمل التقرير كلّ مراحل الدراسة، منذ كانت فكرة، حتى صارت نتائج مدوَّنة، مرتّبة، مؤيَّدة بالحجج والأسانيد"2.
 
تعريف المنهج لغةً واصطلاحاً
المنهج والمنهاج، وجمعه مناهج، معناه لغة: الطريق الواضح3، ونهج لي الأمر: أوضحه4. واستخدم في القرآن الكريم بهذا المعنى، قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾5.
 
والمعنى الاصطلاحي يناسبه, لأنّ المنهج اصطلاحاً هو طريقة البحث.
 
وبعبارة أخرى: هو مجموعة القواعد والأساليب والأدوات العامّة التي تشكّل خارطة الطريق الواجب على الباحث الالتزام بها والسير عليها في دراسته للموضوع ومعالجته للمشكلة البحثية، من أجل التوصّل إلى النتائج والأجوبة المطلوبة، وإيجاد الحلول المناسبة لها.



1 يراجع: فضل الله، مهدي، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، 1998م، ط2، ص 14.
2 نقلاً عن: شلبي، أحمد، كيف تكتب بحثاً أو رسالة؟ دراسة منهجية لكتابة البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1968م، ط6، ص 5.
3 الفراهيدي، العين، ج 3، ص 392.
4 ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 361.
5 سورة المائدة، الآية 48.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

8

الدرس الأول: البحث العلمي, ماهيّته، أنواعه، غايته

 وقد عُرّف بتعريفات مختلفة، منها: 

- فنّ التنظيم الصحيح لسلسة من الأفكار العديدة, إمّا من أجل الكشف عن الحقيقة، حين نكون بها جاهلين، أو من أجل البرهنة عليها للآخرين، حين نكون بها عارفين"1
 
- الطريق المؤدّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم، بواسطة طائفة من القواعد العامّة تهيمن على سير العقل وتحدّد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة"2.
 
- الطريق الذي يسلكه الباحث في إثبات المحمولات لموضوعات القضايا المبحوث عنها في العلم... والأداة المعتمَدة في الكشف عن أحوال وحقائق الموضوعات قيد الدراسة والمعالجة"3.
 
- الأداة التي يستخدمها الباحث للوصول إلى غرضه أو غايته واكتشاف الحقيقة أو الوصول إلى المعرفة"4.
 
- الأسلوب أو الطريقة التي يتّبعها الباحث أو العالم في معالجة موضوع بحثه، بهدف الوصول إلى نتائج معيّنة"5.
 
أنواع البحوث 
يميّز علماء البحث العلمي بين ثلاثة أنواع من البحوث، وهي:
1- المقالة: 
عبارة عن بحثٍ قصير أو معتدل الطول نسبيّاً، يعالج موضوعاً واحداً على وجه الخصوص، بشكل مركّز ومكثّف. وتصنّف - غالباً - إلى نوعين:
أ- المقالة العلمية، الصادرة عن عالم متخصّص في ميدان من ميادين المعرفة: فلسفة، فقه، أدب، طب، فيزياء...، تسلّط الضوء على موضوع معيّن بشكل مكثّف



1 بدوي، عبد الرحمن، مناهج البحث العلمي، الكويت، وكالة المطبوعات، 1977م، ط3، ص 4.
2 م.ن، ص 5.
3  عجمي، سامر توفيق، نحو بناء المذهب التربوي: قراءة في معالم المنهج، مجلة أبحاث ودراسات تربوية، تصدر عن مركز الأبحاث والدراسات التربوية، بيروت، العدد الثاني، السنة الأولى، شتاء 1437هـ-6102م، ص 17.
4 فضل الله، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق، ص 12.
5 طباجة، يوسف عبد الأمير، منهجية البحث تقنيات ومناهج، بيروت، دار المحجة البيضاء، 1432هـ-1102م، ط2، ص 45.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

9

الدرس الأول: البحث العلمي, ماهيّته، أنواعه، غايته

 ومختصر، بهدف المساهمة في نموّ المعرفة الإنسانية وإثراء التقدّم العلمي. ويتوجّه الباحث فيها عادة إلى قارئ لا يملك وقتاً كافياً لمطالعة الأبحاث المطوَّلة، أو يريد نظرة مختصرة عن الموضوع.


ب- المقالة الصادرة عن الطالب الجامعي في مرحلة الليسانس أو البكالوريوس (بحث جامعي). وهي بحث قصير، يُكلّف الطالب بالقيام به، لتمرينه على أصول البحث العلمي، واكتشاف قدرته على استخدام المراجع المتعلّقة بالبحث، وجمع المعلومات منها، ونقلها بأمانة علمية، وتقميشها، وتبويبها، وترتيبها، والتأليف بينها... 

2- رسالة الماجستير: 
وهي بحث أكاديمي طويل نسبيّاً، يقوم به الطالب لنيل درجة علمية عالية (الماجستير)، بإشراف أستاذ أكاديمي. وتعتبر امتحاناً يعطي فكرة عن مواهب الطالب البحثية، وغالباً ما تتعدّى المدّة الزمنية التي يستغرقها إنجاز البحث، السنة.

3- أطروحة الدكتوراه: 
وهي تسمية تطلق على كلّ بحث مسهب يقدّم لنيل شهادة الدكتوراه. ويستغرق إنجازه مدّة زمنية، تتراوح بين الـ3-5 سنوات. ويتميّز هذا البحث بروحه التوثيقية التي تعتمد على مراجع ومصادر كثيرة، وتظهر فيه الآراء العلمية الشخصية للباحث. لذا، تحتاج إلى براعة في تنظيم المادّة وتحليلها، ودقّة في المنهج، بالإضافة إلى حسن الأسلوب والبيان، ومن المفترض أن يقدّم الباحث فيها شيئاً جديداً يساهم في إثراء المعرفة الإنسانية والترقّي العلمي، كما أنّه يعطي فكرة واضحة عن مدى قدرة الباحث على الاستقلال في البحث والتأليف لاحقاً، بنحو يستغني فيه عن توجيه المشرف.
.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

10

الدرس الأول: البحث العلمي, ماهيّته، أنواعه، غايته

 غاية البحث العلمي

بداية، ننبّه إلى ضرورة التمييز بين نوعين من الغايات للبحث العلمي وهي:
الأولى: الغاية الذاتية والشخصية، وهي تختلف من باحث إلى آخر, فقد يبتغي باحث ما مجرّد النجاح وتجاوز المرحلة الدراسية، وقد يقصد باحث آخر الحصول على المال، وثالث إثبات الذات علمياً، ورابع الوصول إلى مركز معيّن، وخامس... وهكذا. وليس هذا النوع من الغايات هو المراد هنا.

الثانية: الغاية الموضوعية، وهي النتائج العلمية المرجوّ تحقيقها والوصول إليها بعد القيام بالجهد البحثي، والمترتّبة على الأفكار والقضايا التي يعالجها البحث ترتّباً موضوعياً طبيعياً، بحيث تكون تلك القضايا بمنزلة المقدّمات التي توصل إلى الغاية المأمولة والهدف المنشود، والتي لا تختلف باختلاف الغايات الشخصية والأهداف الذاتية.

وللبحث غايات عدّة يجمعها انطلاق الباحث من النقطة المعرفية التي انتهى إليها الآخرون، والمراكمة عليها، والعمل على زيادة المعرفة الإنسانية في المجال المبحوث فيه، ويمكن تلخيص الغايات الموضوعية للبحث العلمي في النقاط الآتية:
- تقديم رؤية تأصيلية وتأسيسية حول موضوع من الموضوعات، خصوصاً تلك التي تشكّل تحدّيات في الواقع المعاصر، أو معالجة موضوع إشكالي مُستحدَث يستحقّ الدراسة لاكتشاف حقائق ونتائج جديدة.

- قراءة جديدة للتراث، وفهمه بطريقة مغايرة للطرائق المعروفة, أي استخدام منهج جديد مختلف عن المناهج المستخدمة في دراسة التراث وفهمه.

- اكتشاف عناصر وعوامل وأسباب جديدة غير معروفة في دراسة موضوعات قديمة, أي المراكمة على نظريات غير مكتملة، والمساهمة في تطويرها.

- خلق وابتكار موضوع جديد، من خلال ترتيب وتنظيم معلومات أو مواد متناثرة في موارد مختلفة. وبعبارة أخرى: المعالجة المنظومية لجملة مسائل متفرّقة ومتمحورة حول موضوع واحد، لكنّها مطروحة في التراث بنحو تجزيئي، وإعادة بنائها في مركّب واحد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

 


11

الدرس الأول: البحث العلمي, ماهيّته، أنواعه، غايته

 - الدراسة المقارنة لتقويم بعض النظريات المطروحة، وتسجيل ملاحظات نقدية عليها، والخروج بنتائج جديدة.

 
- تحقيق إحدى المخطوطات التي تثري المكتبة العلمية.
 
ونلمس بعض هذه الغايات في تصريحات بعض العلماء المسلمين، حيث ذكر أنّ رُتب تأليف الكتب سبعة، هي: استخراج ما لم يُسبق إلى استخراجه، وناقص في الوضع يتمّم نقصه، وخطأ يصحّح الحكم فيه، ومستغلق بإجحاف الاختصار يشرح أو يتمّم بما يوضح استغلاقه، وطويل يُبدّد الذهن طوله يختصر من غير إغلاق ولا حذف لما يخلّ حذفه بغرض المصنّف الأوّل، ومتفرّق يجمع أشتات تبدّده على أسلوب صحيح قريب، ومنثور غير مرتّب يرتّب ترتيباً يشهد صحيح النظر أنّه أولى في تقريب العلم للمتعلّمين من الذي تقدّم في حسن وضعه وترتيبه وتبويبه"1.



1 العلموي، عبد الباسط بن موسى، المعيد في أدب المفيد والمستفيد، دمشق، المكتبة العربية، 1346هـ، ط1، ص 80.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

12

الدرس الأول: البحث العلمي, ماهيّته، أنواعه، غايته

 

 

 

 

 

 

 

 

29


13

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يثمّن الخصائص العلميّة والأخلاقيّة للباحث.
2- يعدّد أربعاً من الخصائص الأخلاقية للباحث.
3- يشرح أهمّية الأمانة العلمية والنزاهة والاستقامة ودورها في البحث.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

14

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

 تمهيد

البحث أثر من آثار الباحث، ونتاج الجهد الذي يبذله، ووليد المهارات والمؤهّلات والصفات التي يتمتّع بها, فهناك تناسب طردي وعكسي بين طبيعة الباحث وطبيعة البحث، ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾1.
 
وفي هذا الدرس سنعرض بعض الصفات والخصائص التي ينبغي أن يتحلّى بها الباحث في عدّة نقاط، والتي تعمّدنا عدم تصنيفها بحسب المتداول والمشهور, لوجود تداخل وارتباط كبير بين هذه الصفات، فأغلب الصفات مثلاً لها بعد أخلاقي...
 
وجود الدافع الذاتي للبحث
من أهمّ الصفات التي ينبغي أن يتحلّى بها الباحث هي حبّ البحث والرغبة فيه. وصحيح أنّ فطرة حبّ المعرفة والاستكشاف أمرٌ مجبول في طينة كلّ إنسان، إلا أنّ تفتّحها ونموّها يحتاج إلى إرادة ذاتية من قبل الباحث. فتنمية الباحث لفطرة حبّ الاستطلاع والمعرفة في نفسه أمر حيوي وبنيوي في سيره على طريق البحث, لأنّ من أحبّ شيئاً سعى إليه بكلّ طاقته، وبذل فيه جميع جهده، وتحمّل كلّ الصعاب والعقبات، وصبر على التحدّيات. 
 
حبّ الاستشارة والمشاركة في العقول
من الخصائص المهمّة أيضاً، أن يمتلك الباحث روح الاستشارة وطلب النصحية من أهل الخبرة والاختصاص, فاستشارة الآخرين ومشاركتهم في عقولهم، بالإضافة إلى عملية التفكير الجماعي والعصف الفكري، أمور ضرورية ينبغي أن ترافق الباحث في جميع مراحل



1 سورة الإسراء، الآية 84.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

 


15

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

  بحثه، خصوصاً أنّ الدائرة البحثية التي يريد أن يتحرّك فيها الطالب قد دخلها غيره من الباحثين والعلماء، فالاستفادة من خبراتهم واختصاصاتهم في هذا المجال يكفي الطالب بذل العناء والجهد وسرف الوقت فيما يمكن للآخرين أن يقدّموه له على طبق من ذهب، فقد يرفدونه بالأفكار والمراجع والمصادر، وينبّهونه إلى مواطن الضعف والخلل أو القوّة أو التحدّيات والصعوبات التي قد يواجهها... 


وهذه الخصلة من القيم التي ركّزت عليها الروايات، منها: 
عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "من استقبل وجوه الآراء، عرف مواقع الخطأ". نهج البلاغة، ج4، ص42.

وقال عليه السلام: "من استبدّ برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها". نهج البلاغة، ج4، ص41.

وعنه عليه السلام: "اضربوا بعض الرأي ببعض، يتولّد منه الصواب". عيون الحكم والمواعظ، ص91.

وعنه عليه السلام في وصيّته لولده الإمام الحسن عليه السلام، قال: "... لتستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة...". نهج البلاغة، ج3، ص41.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

16

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

 الجرأة الأدبية على السؤال

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "وحسن السؤال نصف العلم". الكراجكي، محمد بن علي، كنز الفوائد، تحقيق عبد الله نعمة، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1985م، ص287.
 
ينبغي على الباحث أيضاً التحلّي بالجرأة الأدبية وعدم الحياء والخجل من سؤال أهل العلم عمّا يجهله، وطرح الإشكاليات التي تنقدح في ذهنه، وإثارة الاستفهامات المختلفة عن الأمور المبهمة والغامضة، كمقدِّمة للحصول على الأجوبة، خصوصاً حال الجهل, فإنّ رجوع الجاهل إلى العالم قاعدة عقلائية أرشد إليها الله تعالى في قوله: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾1.
 
يقول الشهيد الثاني في بيان صفات طالب العلم: "أن لا يستحي من السؤال عمّا أُشكِل عليه، بل يستوضحه أكمل استيضاح، فمن رقّ وجهه رقّ علمه، ومن رقّ وجهه عند السؤال ظهر نقصه عند اجتماع الرجال"2
 
وقد أكّدت الروايات على أهمّية السؤال في تحصيل العلم، فعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "إنّ هذا العلم عليه قفل، ومفتاحه المسألة"3
 
فنّ الإصغاء ومهارة الاستماع
من خصائص الباحث الناجح فنّ الاستماع والإنصات ومهارة الإصغاء الجيّد, بأن يستمع إلى الطرف الآخر أثناء مناقشة مشكلة البحث بهدف الفهم والاستفادة لا بغرض الردّ على ما يُقال، وأن يكون إصغاؤه واقعياً، لا أن يتظاهر بالإصغاء من خلال الإيحاء بالرأس أو أيّ إشارة أخرى من دون أن يكون كذلك في الواقع، جعلنا الله من ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾4.



1 سورة النحل، الآية 43.
2 الشهيد الثاني، منية المريد، ص 258.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 40.
4 سورة الزمر، الآية 18.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

17

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

 وقد أكّدت الروايات على أهمّية تعلّم حسن الاستماع وتعوّده، فعن الإمام علي عليه السلام، قال: "إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلّم حسن الاستماع، كما تعلّم حسن القول، ولا تقطع على أحد حديثه"1

 
وعنه عليه السلام: "عوّد أذنك حسن الاستماع"2.
 
وفي هذا السياق، على الطالب أن يصغي بانتباه وتركيز شديدين إلى أيّ نُصح أو إرشاد يوجّهه له أستاذه المشرف، ويتلقّى برحابة صدر أيّ نقد، ويعدّل رأيه بما يناسب ذلك, لأنّ فيه مصلحته في نهاية المطاف، حتى لو لم يدرِ ذلك في بداية الأمر. 
 
كثرة المطالعة والقراءة وإعمال العقل وحسن الفهم 
على الباحث أن يكثر من مطالعته للكتب والدراسات والمقالات العلمية، خصوصاً في هذا الزمن الذي ضعُف فيه الإقبال على القراءة، وأصبح الطالب الجامعي يكتفي بقراءة ودراسة الكتب المقرّرة في المنهاج الدراسي. وعليه أن يمعن النظر فيما يقرأ، ويعمل عقله في جميع ما يطالعه من آراء ومعطيات ووجهات نظر ومعلومات، ويتأمّل فيها بدقّة، ويقارن بينها، ويحلّلها، ويستخلص منها النتائج، حتى يدرك كلّ معاني النصّ التي أرادها المؤلّف. ولا يمرّ على مفردة أو مصطلح مبهم أو غامض بالنسبة إليه من دون أن يرجع إلى المعاجم المتخصّصة في شرحها، وأن لا يتجاوز عن فكرة لم تتّضح له من دون أن يبحث عنها لترتسم معالمها أمامه بنحو جلي.
 
التواضع العلمي
التواضع أمام المعرفة والعلم من أهمّ خصائص الباحث، فمن تواضع أمام العلم ارتفع، فعن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "يا طالب العلم، إنّ العلم ذو فضائل كثيرة، فرأسه التواضع..."3. وعنه عليه السلام: "لا يتعلّم من يتكبّر"4.



1 البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن الأخلاق والآداب-، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1429هـ-2008م، ط1، ج 1، ص 233.
2  الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق وتصحيح حسين الحسني البيرجندي‏، قم، نشر دار الحديث، 1418هـ.، ط1، ص 341.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 48.
4 التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيد مهدي رجائي‏، قم‏، نشر دار الكتاب الإسلامي‏، لا ت، لا ط، رقم 10586.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

18

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

 ونِعم ما قيل:

ملأى السنابلِ تنحني بتواضعٍ         والفارغاتُ رؤوسُهُنّ شوامخُ
 
وعلى الطالب توجيه أصبع الاتّهام العلمي إلى الذات, فإنّ الإفراط في الثقة العلمية بالنفس، والشعور بالاستغناء، يوقع الإنسان في فخّ الخطأ، فعن الإمام علي عليه السلام: "اتّهموا عقولكم, فإنّه من الثقة بها يكون الخطأ"1
 
ومن التواضع عدم ازدراء أيّ رأي مخالف لرأيه، وعدم السخرية أو الاستخفاف بأيّ فكرة، خصوصاً أنّ بعض الباحثين يظنّ أنّ ارتفاع منزلته العلمية يكون بمقدار ما يعارض ويجادل غيره من الباحثين المشهورين، ويكثر الطعن في أفكارهم وآرائهم، وهذا خطأ, لأنّ الباحث الحقيقي هو من يبتعد عن الغرور والتكبّر، ويتواضع أمام العلم والحكمة، عن النبي عيسى عليه السلام، قال: "بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبّر, وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل"2.
 
روح التجديد والإبداع والتحرّر من نزعة التقليد
ذكرنا أنّ الباحث ينبغي أن ينطلق في بحثه من حيث انتهى الآخرون، ولا يكرّر ما قاموا به, لأنّه هدر للجهد ومضيعة للوقت وإسراف للمال...، وللسير في ضوء هذه القاعدة، عليه أن يتمتّع بروح التجديد والابتكار والإبداع، ويكسر صنم التقليد ويتحرّر من قيوده، وعليه أن لا يعيش في دائرة آراء الآخرين والانغلاق في صندوق أفكارهم، بحيث يسلّم تسليماً أعمى للأفكار المتداولة والنتائج السابقة فيما يتعلّق بموضوع بحثه، إلا بلحاظ الدليل، فيكون من أصحاب الدليل كيفما مال يميل، ويتعامل مع الآراء كوجهات نظر واجتهادات قد تخطئ وتصيب، وتقبل النقاش والنقد والتعديل.
 
وهذا لا يعني عدم الاستفادة من آراء الآخرين واجتهاداتهم ووجهات نظرهم, فإنّ البحث لا يبدأ من صفر معلومات، بل يراكم على معارف وخبرات الآخرين. 
 
وقد أكّدت الروايات على ضرورة سعي الإنسان الدائم إلى التطوير والتحديث والتجديد، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: "من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر



1 الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 91.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1, ص 24.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

19

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

 يوميه شرّهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه كان إلى النقصان أقرب، ومن كان إلى النقصان أقرب فالموت خير له من الحياة"1.

 
روح المثابرة وعدم اليأس
على الباحث أن يتحلّى أيضاً بروح الصبر والمثابرة وعدم الاستسلام واليأس من أيّ تحدٍّ أو صعوبة تواجهه قبل البحث وأثناءه وبعده, فإنّ المعرفة تحتاج إلى التعب والعناء والسهر.
 
يقول أرسطو طاليس: "إنّا ما ورثنا عمّن تقدّمنا في الأقيسة إلا ضوابط غير مفصّلة، وأمّا تفصيلها وإفراد كلّ قياس بشروطه وضروبه، فهو أمر كددنا فيه أنفسنا، وأسهرنا أعيننا، حتى استقام على هذا الأمر"2.
 
ويقول ابن سينا: "... ثم توفّرت على العلم والقراءة، فأعدت قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة، وفي هذه المدّة، ما نمت ليلة بطولها، ولا اشتغلت النهار بغيره"3.
 
ورغم توقّد ذهن ابن سينا وذكائه، كان قد عصي عليه فهم كتاب ما بعد الطبيعة" لأرسطو طاليس، فلم ييأس، واستمر بقراءته، حتى بلغ عدد قراءته له أربعين مرّة، إلى أن انفكّت معضلته بقراءة كتاب الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة"4.
 
وكذلك أبو نصر الفارابي المعروف بالمعلّم الثاني، كان قد قرأ كتاب النفس "لأرسطو مئة مرّة، وقرأ كتاب السماع الطبيعي أربعين مرّة، وقرأ كتاب "الخطابة" مئتي مرّة. 
 
فالروح الباحثة المنتجة للمعرفة تحتاج إلى التحلّي بالصبر والجلد، ولا تعرف معنى اليأس والاستسلام.
ولَنعْم ما قال المتنبي:
تُريدينَ لُقيانَ المَعَالي رَخيصَةً       وَلا بُدّ دونَ الشّهدِ من إبَرِ النّحلِ
 
وقال الشافعي:
بقدرِ الكـدِّ تكسـبُ المعالــي        وَمنْ طلبَ العُلا سهرَ الليـالـي



1 الصدوق، الأمالي، ص 766، ح1030.
2 أنظر: ابن سينا، الشفاء، ج4، ص113.
3 أنظر: ابن سينا، الشفاء، ج 4، ص 113.
4 يراجع: بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984م، ط1، ج 1، ص 41.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

 


20

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

 وَمنْ رامَ العُلـا منْ غيـرِ كدٍّ        أضاعَ العمرَ في طلبِ المحالِ

 
وقال أحمد شوقي:
وَمَا نـيلُ الـمـطـالبِ بالتمنّـي        وَلـكـنْ تُــؤخـذُ الـدنـيا غِلابَـا
وَمَا استعـصى على قومٍ منالٌ       إذا الإقـدامُ كـــانَ لــهـمْ رِكابا
 
ويقول خليل مطران:
اعـزمْ وكدَّ فإنْ مضـيتَ فَلا تقفْ       واصبـرْ وثـابــرْ فالنـجاحُ محقَّقُ
لـيـسَ الموفَّقُ منْ تـُواتِيـهِ الـمنَى      لـكـنَّ مـنْ رُزقَ الثبـاتَ مـوفَّــقُ
 
الموضوعية العلمية وروح النقد البنّاء
على الباحث أن يتحلّى بصفة الحيادية والتجرّد عن الهوى الشخصي، فلا يميل مع عاطفته، وتكون نزعته مع الحقّ، فيدور معه كيفما دار، فيقبله من أيّ مصدر خرج، فلا يتعصّب لرأي دون آخر, لأنّ الحقّ لا يقاس بالرجال، بل اعرف الحقّ تعرف أهله، وعن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "إنّ الحقّ والباطل لا يُعرفان بأقدار الرجال، وبإعمال الظنّ، اعرف الحقّ تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله"1.
 
وعليه أن يربّي نفسه على أنّ معيار أحقّية نظرية ما أو عدم أحقّيتها ليس في انتمائها إلى حقل قومي أو جغرافي أو مذهبي...، بل بالسؤال عنها: هل هي حق في ذاتها أم لا؟ بصرف النظر عن منشئها، فعن النبي عيسى عليه السلام، قال: "خذوا الحقّ من أهل الباطل، ولا تأخذوا الباطل من أهل الحقّ، كونوا نقّاد الكلام"2، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "خذ الحكمة، ولا يضرّك من أيّ وعاء خرجت"3.



1 البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق محمد باقر المحمودي، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1394هـ-4791م، ط1،ج 2، ص 238.
2 البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق جلال الدين الحسيني، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1370هـ، لا ط، ج 1، ص 229.
3 الريشهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلامية، تحقيق مركز بحوث دار الحديث، قم، 1425هـ، ط1، ج 2، ص 263. وفي هذا المعنى روايات كثيرة، يراجع: الريشهري، محمد، العلم والحكمة في الكتاب والسنة، تحقيق مؤسسة دار الحديث الثقافية، قم، دار الحديث، 1425هـ، ط1، ص 244 وما بعد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

21

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

 وعليه أن يعرض آراءه مرفقة بالأدلّة، ومستندة إلى الشواهد والحجج المقنعة، وأن يناقش الآراء بروح يتعالى فيها عن التجريح الشخصي والشتم والإهانة، بل يناقش الفكرة بذاتها، وينقدها نقداً بنّاءً، وعليه أن يُحسن الظنّ بالعلماء ويجد لفهمهم محملاً حسناً إن استطاع. 


كما عليه ألا يهمل أيّ رأي أو نظرية أو حجّة أو دليل لا يتّفق ورأيه ومذهبه الذي يذهب إليه, لأنّ الموضوعية العلمية تقتضي منه ذكر كلّ الأدلّة والحجج والآراء والنظريات المتعلّقة بموضوعه، بكلّ دقّة وأمانة وتجرّد ونزاهة, لأنّ غاية البحث هي الكشف عن الحقيقة والوصول إليها. وإذا كان له رأي ما وجاءت نتائج البحث مخالفة أو تدحضه أو تناقضه، فعليه أن يكون مستعدّاً لذلك ويبدّل رأيه, لأنّ الرجوع عن الخطأ فضيلة.

الأمانة العلمية والنزاهة والاستقامة 
 

على الباحث أيضاً أن يكون أميناً في نقله للأفكار أو التعبير عنها، دون أدنى تحوير أو تغيير فيها، ودون أن ينسب لنفسه من الأفكار ما هو في الحقيقة لغيره أو يسرق جهد غيره ممن خاضوا في موضوعه، ولاسيما في اللغات الأجنبية من الباحثين المغمورين وغير المعروفين.

وعليه أن يكون دقيقاً في اقتباسه للمعلومات، فلا يقتبس من النص ما يناسب رأيه، ويهمل ما يخالفه، وألّا يقتبس عن غيره دون التوثيق والإشارة إلى ذلك، متذرّعاً عند السؤال، بالنسيان، أو بوضع الملامة على القائم بعملية الاستنساخ أو الطباعة, لأنّ ذلك لا يعفيه من المسؤولية، وخيانة الأمانة العلمية، ولاسيما عند الإكثار من الاقتباس أو الاقتباس من أكثر من مرجع. وأن يعلم أن الأستاذ المشرف قادر على التمييز بسهولة بين أسلوبه وأسلوب المقتبس عنه، حتى لو لم يكن الأستاذ قد اطّلع بنفسه على هذه المقتبسات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

22

الدرس الثاني: الباحث وخصائصه العلميّة والسلوكيّة والأخلاقيّة

 كما ينبغي على الباحث التحلّي بالاستقامة والنزاهة العلمية وسلوك الطرق القويمة للوصول إلى هدفه أو غايته, لأنّ سلوك الطرق غير الشريفة، لا تخفى على الأستاذ المشرف، ولا على أعضاء لجنة المناقشة يوم الامتحان، وتوقعه في مآزق حرجة هو بغنى عنها. ولذا، فإنّ عليه ألا يستعين بغيره لإنجاز بحثه كلّاً أو بعضاً بالنيابة عنه1




1  يراجع: فضل الله، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق، ص 25-26.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

23

الدرس الثالث: تعدّد مناهج البحث العلمي وتصنيفها

الدرس الثالث: تعدّد مناهج البحث العلمي وتصنيفها


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يفهم ضرورة اختيار المنهج والمشاكلة بين موضوع البحث والمنهج المستخدم فيه.
2- يدرك أنّ المناهج تتعدّد بتعدّد موضوعاتها.
3- يعدّد ستة من أنواع المناهج، ويشرح مفهوم كلّ منها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

24

الدرس الثالث: تعدّد مناهج البحث العلمي وتصنيفها

 تمهيد

يتميّز الإنسان عن باقي الكائنات المشاركة له في وحدة الحياة بأنّه باحث عن الحقيقة وصانع للعلم ومُنتِج للمعرفة.
 
إنّ البحث العلمي والإنتاج المعرفي وليد قوّة التفكير الذهني، المقرونة بفطرة حبّ الاستكشاف، والمتلازمة مع دهشة السؤال عن الحقيقة، فلا معرفة بدون قضايا وأجوبة وتفسيرات، ولا أجوبة بدون أسئلة واستفهامات واستفسارات، ولا أسئلة بدون بحث وفعل التفكير في موضوع ما لاستكشاف خصائصه والاطّلاع على أحواله، والوصول إلى حقيقة صفاته. وللتفكير تجاه الموضوع أنحاء مختلفة للانتقال من المجهول إلى تكوين العلم به، وتبعاً لأنحاء التفكير تتعدّد أساليب وطرق الوصول إلى الحقيقة، وقد وقعت أساليب التفكير الذهني في الموضوع بحدّ نفسها موضوعاً للتفكير والبحث والدراسة، أي التفكير في أساليب التفكير، والعلم الباحث حول ذلك يصطلح عليه اسم: "علم المناهج"1Methodology، وقد احتلّت مسألة البحث عن المنهج ودوره في بناء أيّ منظومة معرفية وإنتاج العلم، حيّزاً مهمّاً في الدراسات الحديثة والمعاصرة، خصوصاً عند المناطقة وفلاسفة العلم2.



1 بدوي، مناهج البحث العلمي، ص 7.
2 يراجع حول هذا الدرس: عجمي، سامر توفيق، نحو بناء المذهب التربوي قراءة في معالم المنهج، مجلة أبحاث ودراسات تربوية، العدد الثاني، السنة الأولى، شتاء 1437هـ-6102م، ص 11-71.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

 


25

الدرس الثالث: تعدّد مناهج البحث العلمي وتصنيفها

 المشاكلة بين موضوع البحث والمنهج المستخدم

 

 
إنّ أهمّ سؤال يجب على الباحث أن يطرحه على نفسه قبل الدخول إلى البحث في أيّ ميدان معرفي هو السؤال عن المنهج، بمعنى: ما هو المنهج الذي ينبغي استعماله في دراسة موضوع ما أو مشكلة ما داخل دائرة هذا الميدان المعرفي أو ذاك؟ ولا نقصد بالانبغاء هنا الوجوبَ بحكم العقل العملي، بل الضرورة الذاتية المتولِّدة من حالة التناسب والتشاكل بين الموضوع والمنهج والغرض المعرفي المترتِّب على استخدام المنهج (أ) في دراسة الموضوع (2)، حيث إنّ دراسة الموضوع من خلال منهج معيّن ليست أمراً اعتبارياً، استنسابياً، جزافياً، ذاتياً، يخضع لاستحسان الباحث وانطباعه الشخصي، بل هو أمر موضوعي، معياري، مقياسي، يتبع طبيعة المحور الذي يدور حوله البحث في أيّ مجال من المجالات، فالمعيار الذي على أساسه يتمّ قياس الصلاحية المعرفية لاستخدام المنهج (أ) في معالجة موضوعات من الميدان المعرفي (2) أو المنهج (ج) في الميدان المعرفي (3) هو طبيعة الموضوع المبحوث عنه1 أوّلاً.
 
وثانياً: يتحدّد المنهج المستخدم في دراسة موضوع أو مشكلة ما، من خلال المصادر الفكرية التي ينتمي إليها الباحث، فإنّ استخدام منهج التمثيل أو القياس الفقهي في دراسة موضوع ما يختلف من الباحث المنتمي إلى مدرسة أهل البيت عن الباحث المنتمي إلى المدرسة الحنفية مثلاً، واستخدام بعض المناهج الألسنية والهيرمونطيقية في فهم النصّ الديني يختلف من باحث إلى آخر باختلاف الانتماء العقائدي والفكري, فدراسة أيّ موضوع 



1 يراجع: اليزدي، محمد تقي مصباح، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ترجمة عبد المنعم الخاقاني، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1990م، ط1، ج 1، ص 109.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

26

الدرس الثالث: تعدّد مناهج البحث العلمي وتصنيفها

 وفق منهج خاص يحتاج إلى أن يكون المنهج مالكاً للمشروعية المعرفية في ضوء النظام الفلسفي للمدرسة التي ينتمي إليها الباحث.


وثالثاً: الهدف والغاية من وراء البحث, فإنّ هدف البحث وغايته تلعب دوراً رئيساً في تعيين طبيعة المنهج الذي يراد استخدامه في دراسة موضوع ما، فمن كان غرضه الوصول إلى الحقيقة في بحث موضوع فلسفي أو عقائدي فإنّه يستخدم المنهج البرهاني مثلاً، أمّا من كان هدفه الدفاع عن رأيه فإنّه يستخدم المنهج الجدلي، ومن كان هدفه إقناع المخاطَب فإنّه يستخدم منهج الخطابة... 

وبناءً عليه، ليس كلّ منهج يملك الصلاحية والفعالية لدراسة أيّ موضوع، وبالتالي للاستعمال في أيّ حقل معرفي، وهذا يعني أنّه ينبغي على الباحث الموضوعي أن لا يكون عنده إيمان بقبليات منهجية. ونقصد بالإيمان بالقبليات المنهجية، أن يعتقد الباحث بالصلاحية المعرفية العامّة والمطلقة لخصوص منهج معيّن حصراً على نحو العموم الاستغراقي في كلّ الميادين المعرفية، كالمنهج الاستنباطي، أو المنهج التجريبي، أو المنهج الديالكتيكي، أو منهج التحليل النفسي مثلاً، ثمّ يحاول أن يطبّق أسس وقواعد هذا المنهج في دراسة أيّ موضوع كان، فإنّ هذا النحو من التفكير الذهني الذي يسبق تحديد طبيعة الموضوع المبحوث عنه، هو خطأ منهجي بحدّ ذاته، يؤدّي إلى العقم المعرفي، فينبغي أن تكون نزعة اللاتحيّز هي سيّدة الموقف في تحديد طبيعة الموضوع قبل تعيين نوعية المنهج المراد استعماله في البحث عنه.

نماذج على مخاطر التحيّز المنهجي قبل تحديد الموضوع
إنّ نحو التفكير الذهني المعتمد على التحيّز المنهجي هو الذي أدّى - ويؤدّي - إلى توليد نظريات معرفية عقيمة في العديد من الحقول البحثية، نطرح بعض النماذج بشكل مختصر لتوضيح المطلوب.

1- نموذج تطبيق المنهج الاستنباطي العقلي في علوم الطبيعيات:
لقد شغف فلاسفة اليونان، منذ أرسطو وكذلك حكماء الإسلام، بالمنهج القياسي العقلي، إلى درجة أنّهم استخدموه في جلّ الحقول المعرفية أو كلّها تقريباً، فلا يكاد يخلو أيّ علم من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

27

الدرس الثالث: تعدّد مناهج البحث العلمي وتصنيفها

 العلوم من بصمات هذا المنهج، فقد استخدم في الفلسفة والطبّ وعلم الفلك وعلم النبات وعلم الحيوان وعلوم اللغة - كالنحو والبلاغة - والفقه الاستدلالي...، وشغفهم هذا بالمنهج القياسي جعلهم يشطحون في استعماله خارج دائرة صلاحيته الابستمولوجية، فقاموا مثلاً بدراسة ظواهر العالم المادّي الجزئية المحسوسة وأسبابها وعللها المادّية من خلال استخدام المنهج الاستنباطي البرهاني1، فخرجوا بنتائج في العلوم الطبيعية فيما يتعلّق بفهم الظواهر والموجودات السماوية أو الأرضية من الكواكب وحركتها والجبال والبحار والمعادن والرعد والبرق والمدّ والجزر والزلازل... أو فيزيولوجيا الحيوان والإنسان... إذا ما قورنت بالنظريات العلمية المعاصرة التي أخضعت ظواهر وموجودات الطبيعة الجزئية للملاحظة الحسّية والاختبارات الاستقرائية، لتمّ تصنيفها على أنّها معارف ساذجة، بل أساطير.

 
وقد تنبّه السيد محمد حسين الطباطبائي وتلامذة مدرسته، كالشيخ مرتضى مطهري2 والشيخ مصباح اليزدي3 وغيرهما، وكذلك السيد محمد باقر الصدر4، إلى هذا الخطأ المنهجي في استخدام البرهان في دراسة ظواهر عالم الطبيعة, لذا قصروا هذا المنهج على دراسة الفلسفة بالمعنى الأخصّ5.



1 يراجع من الفلاسفة المسلمين القدماء منهج ابن سينا في قسم الطبيعيات من كتابه الشفاء. ومن الفلاسفة المسلمين المحدثين منهج الملا هادي السبزواري في قسم الطبيعيات من شرح المنظومة. مع الإشارة إلى أنهم استخدموا المنهجين التجريبي والاستقرائي أيضاً، لكن كان للمنهج القياسي البرهاني حضوراً فاعلاً ونشطاً، ونقدنا موجّه إلى هذه الجنبة.
2  يراجع: مطهري، مرتضى، مدخل إلى العلوم الإسلامية: المنطق-الفلسفة، ترجمة حسن علي الهاشمي، دار الكتاب الإسلامي، 1421هـ-1002م، ط1، ص 80. يقول مطهري: "سبب إخفاق العلماء المتقدمين أنهم استخدموا الأسلوب القياسي الخالص أيضاً بغية اكتشاف الطبيعة كاستعمالهم إياه في مسائل ما وراء الطبيعة".
3  يراجع: اليزدي، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ج 1، ص 109.
4 يراجع: الصدر، محمد باقر، موجز في أصول الدين: المرسِل الرسول الرسالة، تحقيق ودراسة عبد الجبار الرفاعي، مطبعة شريعت، 1422هـ- 2001م، ص 120-123. يقول الصدر: "بدلاً عن أن يجلس مفكر إغريقي كأرسطو في غرفته المغلقة الهادئة، ويفكر في نوع العلاقة بين حركة الجسم في الفضاء من مكان إلى مكان والقوّة المحرّكة، فيقرّر أنّ الجسم المتحرّك يسكن فور انتهاء القوّة المحرّكة، بدلاً عن ذلك يباشر غاليلو تجاربه ويمارس ملاحظاته على الأجسام المتحرّكة ليستنتج علاقة من نوع آخر...".
5  يراجع: مثلاً في تعليقات الطباطبائي على كتاب الحكمة المتعالية لصدر المتألهين محمد الشيرازي، حيث يعلق مثلاً عند حديث ملا صدرا عن فيزيولوجيا الإبصار بقوله: "فالصحيح أن تبنى المسألة على التجارب دون البيان العقلي المحض". الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج 8، ص 197، حاشية رقم 1. ويراجع مثلاً: المصدر نفسه، ص 170، و189، 201. ويراجع: اليزدي، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ج 1، الدرس الثامن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

28

الدرس الثالث: تعدّد مناهج البحث العلمي وتصنيفها

 2- نموذج تطبيق المنهج الحسّي في علم الوجود:

وكذلك الأمر في الاتّجاه المعاكس، إذ لا ريب في أنّ استعمال المنهج الحسي والاختبارات الاستقرائية كما يفهمه ديفيد هيوم، وأوجست كونت، والوضعية المنطقية...1 وغيرهم في البحث عن طبيعة الوجود العامّ والإلهيّات لن يثمر أيّ نتيجة فعلية، بل ستكون مخرجاته كارثية, لأنّه سيؤدّي إلى إنكار الموضوع الذي هو قيد الدراسة رأساً, لأنّ عبارة الوجود العام ومحمولاته الذاتية من العلّة والمعلول والوجوب والإمكان والقدم والحدوث والتجرّد والمادّية و... لا معنى لها وفارغة المضمون، كونها غير قابلة للاختبار الحسّي2
 
يقول مرتضى مطهري: مجانبة البحث العقلي في قضايا ما وراء الطبيعة اتّخذ في عصرنا الحديث طابعاً آخر، وهو طابع الفلسفة الحسّية. نحن نعرف أنّ المنهج الحسّي والتجريبي في اكتشاف الطبيعة انتصر على المنهج القياسي في أوروبا، ثم تعدّى الأمر حدّ الطبيعة بعد هذا الانتصار، فقالوا: إنّ المنهج القياسي العقلي لا قيمة له على الإطلاق، وما يمكن الاتّكاء عليه هو الفلسفة الحسّية وحدها. والنتيجة الحتمية لهذه النظرية هي الشكّ في قيمة أبحاث الإلهيّات، بحكم تعذّر إخضاعها للحسّ والتجربة..."3.
 
3- نموذج تطبيق منهج التحليل النفسي في علم التصوّف والعرفان:
ولو أخذنا نموذجاً ثالثاً4 يتعلّق بالقضايا التي يبحث عنها علم التصوّف والعرفان، نلاحظ أنّ العارف يعتقد بها نتيجة وصوله إليها من خلال منهج خاصّ يعتمد على تزكية النفس, ولذا يعتبر أنّ استخدام المنهج العقلي لن يوصل الفيلسوف إلى تلك الحقائق, لأنّ طورها فوق طور العقل، والفيلسوف الموضوعي لا يسعه إنكار تلك الحقائق ما لم تعارض



1 يراجع حول رؤية أوجست كونت: كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة الحديثة، دار القلم، بيروت، ص 316-328. وحول ديفيد هيوم: المصدر نفسه، ص 172-180.
2 يراجع: الصدر، محمد باقر، فلسفتنا، بيروت، دار التعارف، 1400هـ -0891م، ط10، ص 94-102. والصدر، المرسل الرسول الرسالة، ص 126-130. وأصول الفلسفة والمنهج الواقعي، المجلد الأول، ص 67. والمنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ج 1، الدرس الخامس، التاسع، والسادس عشر.
3 أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، ج 3، ص 206-221.
4 يراجع حول أمثلة أخرى: عجمي، سامر توفيق، قراءة علمية في كتاب التنظير في الاقتصادي الإسلامي - دراسة في إمكانه ومنهجيته، مجلة الحياة الطيبة، مجلة فصلية محكّمة متخصصة تعنى بقضايا الفكر والاجتهاد الإسلامي، تصدر عن جامعة المصطفى العالمية - فرع لبنان، السنة 19، العدد 30، ربيع 1436هـ - 2015م، ص 324 وما بعد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

 


29

الدرس الثالث: تعدّد مناهج البحث العلمي وتصنيفها

 اليقينيات العقلية، بل أقصى ما يمكنه فعله أن يردّد مقولة ابن سينا: "إن أزعجك استنكار ما يُوعاه سمعك، ما لم تبرهن استحالته لك، فالصواب أن تسرح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان"1.

 
فلو أراد محلّل سيكولوجي مثلاً تطبيق منهج التحليل النفسي على ما تدّعيه شخصية عرفانية صوفية من مكاشفات ومشاهدات لأفادت نتائج التحليل أنّه مصاب بهلوسات وأمراض عصابية وعقد نفسية. 
 
يقول مهدي فضل الله في هذا السياق: "إنّ لكلّ ظاهرة معينة منهجاً معيّناً أكثر ملاءمة من غيره للبحث فيها، فلو طبّقنا مثلاً المنهج النفساني على قطاع مهمّ من قطاعات الفلسفة الإسلامية، كالتصوّف، فإنّ النتائج المترتّبة على ذلك ستكون بعيدة كلّ البعد عن أن تكون في صالح التصوّف وأصحابه ومريديه وأنصاره، إذ سيصبح التصوّف كناية عن نكوص، وسلبية، وانهزامية، وتخيّل، وبارانويا، وانفصام شخصية، وعقد نفسية..."2.
 
تعدّد المناهج بتعدّد الموضوعات
وبهذا يتبيّن أنّ المناهج تتعدّد بتنوّع طبيعة الموضوعات المبحوث عنها في الحقول المعرفية المختلفة.
 
يقول الشيخ مرتضى مطهري: "إنّ العلوم والفنون لا تتّبع منهجاً وأسلوباً واحداً, إذ رغم أنّ هذه العلوم نتاج الفكر والفعالية العقلية، لكن سياق التفكير والفعالية العقلية ليس على غرار واحد في كلّ الميادين، فيجب استخدام التجربة والاختبار العلمي في بعض الموارد، ويجب في موارد أخرى الاكتفاء بالمشاهدة الحسيّة، وينبغي في موارد أخرى الاتّجاه صوب المشاهدة الحضورية النفسية، وينبغي استخدام القياس والبرهان العقلي في موارد أخرى، وفي بعض الحالات تتداخل هذه الأساليب بينما يكتفى في حالات أخرى بأسلوب واحد منها"3



1  ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، مع شرح نصير الدين الطوسي، تحقيق سليمان دنيا، بيروت، مؤسسة النعمان، 1413هـ -3991م، ط2، ج 4، ص 160.
2 فضل الله، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق، ص 14.
3 يراجع: أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، ج2، ص23.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

30

الدرس الثالث: تعدّد مناهج البحث العلمي وتصنيفها

 ما هي أنواع المناهج؟

قسّم العلماء المناهج إلى أنواع مختلفة, وأهمّ المناهج المستخدمة في البحث العلمي هي:
1- المنهج العقلي: هو المنهج الذي يستند إلى القواعد العقلية وآليات التفكير المنطقي في إنتاج المعرفة، ويستخدم في البحث الفلسفي والأصولي والكلامي...

2- المنهج النقلي: وهو المنهج الذي يعتمد فيه الباحث على النصوص الدينية من آيات قرآنية أو روايات لإثبات مطلوبه في الميدان المعرفي الذي يستخدمه فيه، كالعقيدة والفقه والأخلاق...

3- المنهج التجريبي: ويتمثّل بالطريقة المعتمدة على الاستقراء العلمي والتجربة في دراسة الظواهر الطبيعية، أو الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية...
 
4- المنهج المقارن: والمراد منه الطريقة التي يتّبعها الباحث في الموازنة بين الأشياء والمقارنة ومقابلة الأحداث والآراء بعضها ببعض لكشف ما بينها من وجوه تشابه أو علاقات. 

5- المنهج الوصفي: يُعرَّف بأنَّه دراسة الواقع كما هو, ووصفه وصفاً دقيقاً والتعبير عنه تعبيراً كيفياً أو كمّياً, تمهيداً لفهم الظواهر وتشخيصها, وتحليليها, وتحديد العلاقات بين عناصرها أو بينها وبين ظواهر أخرى, وصولاً إلى إمكانية التحكّم بها. 

6- المنهج التاريخي: يعتمد المنهج التاريخي على تسجيل الأحداث الماضية والوقائع التاريخية ووصفها وتحليلها وتفسيرها على أسس منهجية علمية ودقيقة. 

وسيأتي البحث عن هذه المناهج بشكل تفصيلي في الفصل الأخير من هذا الكتاب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

31

الدرس الرابع: خطوات البحث العلمي (1) ماهيّة مشكلة البحث ومصادر تحصيلها

 الدرس الرابع: خطوات البحث العلمي (1) ماهيّة مشكلة البحث ومصادر تحصيلها



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف أهمّية مشكلة البحث ويشرح مفهومها.
2- يتعرّف إلى مصادر الحصول على مشكلة البحث.
3- يقرأ ثلاث إشكاليات بحثية ويحلّلها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

32

الدرس الرابع: خطوات البحث العلمي (1) ماهيّة مشكلة البحث ومصادر تحصيلها

 خطوات إعداد البحث

يختلف العلماء والمهتمّون في ميدان البحث العلمي حول تحديد خطوات إعداد البحث العلمي وإجراءات تنفيذه، كما يختلفون حول أولويّات الخطوات في إجرائها وتسلسلها، تبعاً لاختلاف رؤيتهم واجتهاداتهم في مثل تلك الخطوات. ويمكن عموماً تحديد خطوات إعداد البحث العلمي كالآتي:
أوّلاً: اختيار مشكلة البحث وتحديدها.

ثانياً: مراجعة المصادر والأدب النظري والدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع الدراسة.

ثالثاً: اشتقاق فرضيات البحث وصياغتها.

رابعاً: تصميم مخطّط البحث.

خامساً: كتابة البحث.

وفيما يأتي عرض لكلّ خطوة من هذه الخطوات.

اختيار مشكلة البحث
يمثّل اختيار وتحديد مشكلة البحث الخطوة الأولى من خطوات السير على طريق النجاح لإنجاز البحث العلمي في إطار أيّ ميدان معرفي، فلسفي، فقهي، طبّي، فيزيائي، تاريخي...، واختيار المشكلة مهمّة تحتاج إلى بذل جهد وسعي حثيث من قبل الطالب. فما هي مشكلة البحث؟ ومن أيّ مصادر نستمدّها؟
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

33

الدرس الرابع: خطوات البحث العلمي (1) ماهيّة مشكلة البحث ومصادر تحصيلها

 تعريف مشكلة البحث العلمي

هناك عدّة تعريفات لمشكلة البحث العلمي، والنقطة الجامعة هي:
إنّ مشكلة البحث عبارة عن سؤال مركزي ومحوري له علاقة بقضية أو موضوع معيّن، ينبثق منه مجموعة أسئلة فرعية، يحاول الباحث إيجاد إجابة علمية لها، أو موقف غامض يحتاج إلى تفسير يسعى الباحث للحصول عليه.
 
ويمكن عرض مشكلة البحث بشكل تفصيلي، وفق النقاط الآتية:
1- سؤال يحتاج إلى إجابة:
يواجه الإنسان الباحث أثناء رحلته العلمية والدراسية وحياته العملية عدداً من التساؤلات الأساسية والمحورية، التي تحتاج إلى الإجابة عنها، فيشكّل ذلك التساؤل المركزي مشكلة بحثية، وكنماذج لذلك:
أ- ما هو دور المنهج العرفاني في حركة الاستنهاض السياسي عند الإمام الخميني؟ 
 
ب- ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه المنهج الاستقرائي في عملية الاستدلال الفقهي؟
 
ج- ما هي المعالم العامّة للتجديد الكلامي عند السيّد محمد باقر الصدر؟
 
د- هل يعتمد القضاء الإسلامي على معطيات وبيانات تحليل الـ DNA في إثبات النسب؟
 
هـ- إلى مدى يصحّ توظيف النظريات العلمية التجريبية المعاصرة في فهم النصّ القرآني؟
 
و- ما هي الرؤية الإسلامية في استعمال أسلوب العقوبة البدنية في العمليات التربوية؟
 
2- موقف غامض يحتاج إلى تفسير:
لا شكّ في أنّ الباحث يلاحظ أثناء حياته العلمية والعملية العديد من المواقف الغامضة التي تحتاج إلى تفسير وتوضيح, فتشكّل تلك المواقف حافزاً له لإيجاد تفسيرات وشروحات لها. 
نماذج لذلك:
- مشاركة الأحزاب الدينية في السلطة داخل مؤسّسات الدولة العلمانية.
 
- خلق الله تعالى للتشوّهات الخلقية التي تصيب الطفل بسبب سوء خيارات والديه وليست اختياراته هو، في ضوء العدالة والرحمة الإلهية.
 
- بناء الشخصية القيمية للطالب في المؤسّسات التعليمية الإسلامية في ضوء مناهج
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

34

الدرس الرابع: خطوات البحث العلمي (1) ماهيّة مشكلة البحث ومصادر تحصيلها

 التعليم والتدريس الغربية في مضمونها وأفكارها.

 
- ظاهرة لجوء المحجّبات إلى الأطباء (الذكور) في إجراء عمليات التجميل.
 
- ظاهرة لجوء الشباب المتديّن إلى القروض السكنية الربوية.
 
- اعتماد النظام الإدراي المنطلق من الفلسفة البيروقراطية في المؤسّسات الدينية.
 
3- حاجة لم تُلبَّ أو تُشبع، أو توجد عقبة أو عقبات أمام إشباعها:
يحتاج الإنسان في حياته إلى إشباع حاجاته بنحو فطري، وقد يلاحظ الباحث عدم سعي بعض الناس في مجتمع ما إلى تلبية تلك الحاجات، فينطلق في دراسة أسباب ظاهرة عدم إشباع الحاجات أو النتائج المترتّبة عليها، مثال ذلك:
- ما هي أسباب عزوف الشباب في المجتمع الشيعي في لبنان عن الزواج المبكر؟
 
- ما هي أسباب تحديد النسل والإنجاب عند الأسرة الإيرانية بعد نجاح الثورة الإسلامية؟
 
- ما هي الآثار التي يتركها خروج المرأة المتزوّجة إلى سوق العمل على تربية الأطفال؟
 
- هل تجذب برامج الإعلام الديني المشاهدين إلى التعرّف على معالم الدين؟
 
مصادر الحصول على مشكلة البحث
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

 


35

الدرس الرابع: خطوات البحث العلمي (1) ماهيّة مشكلة البحث ومصادر تحصيلها

 هناك مصادر متعدِّدة لحصول الطالب على مشكلة بحثه، ويمكن تلخيصها بالآتي:

1- محيط العيش أو العمل: 
يستطيع الباحث من خلال خبرته الشخصية في المحيط الذي يعيش فيه، أو المؤسّسة التي يعمل فيها، أن يستكشف بعض المواقف والمشكلات المناسبة للبحث. فالشخص الذي يعيش في مجتمع متديّن أو مجتمع قبلي أو مجتمع قروي أو مدني... أو الشخص الذي يدرس في الجامعة أو الحوزة، أو يعمل في مؤسّسة صحّية أو إعلامية أو تعليمية أو مصرفية... أو ينتسب إلى جمعية رياضية أو كشفية أو سياسية أو اجتماعية... يواجه عدداً من المواقف والحالات التي تعكس مشكلات قابلة للبحث والدراسة.

2- سؤال أهل الخبرة والاختصاص: 
إنّ أهل الخبرة والاختصاص قد واجهوا أثناء رحلتهم العلمية ومسيرتهم الشخصية العديد من المشكلات التي تحتاج إلى إيجاد الحلول المناسبة، فاستشارة الطالب لهم هو من أهمّ أبواب الحصول على المشكلة الصالحة لتسليط الضوء عليها بحثياً، حيث قد يرشدونه نتيجة خبرتهم الطويلة إلى اختيار مشكلة بحثية لم يتمّ التطرّق لها من قبل، أو عولجت بطريقة ناقصة تحتاج إلى تتميم.

3- مراجعة المصادر والقراءات الواسعة:
ينبغي على الطالب أن يكون قارئاً نهماً حتى يكون باحثاً ناجحاً، فمن خلال قراءاته ومطالعاته المتعمّقة يواجه سيلاً من الأسئلة والإشكالات والمواقف الغامضة التي تحتاج إلى إجابات وشروحات وتفسير، مثلاً قد يكون لدى الطالب الشاب تمرّس وخبرة واطّلاعات واسعة في مجال التكنولوجيا، فيثير في نفسه التساؤل حول مدى إمكانية الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة في المؤسّسات التعليمية الحوزوية والجامعية وأثرها على التحصيل الدراسي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

36

الدرس الرابع: خطوات البحث العلمي (1) ماهيّة مشكلة البحث ومصادر تحصيلها

 وفي هذا السياق، عليه أن يقوم بعملية مسح نسبي للمصادر والمراجع التي يرغب في معالجة موضوع ما في ميدانها المعرفي، ويتأمّل وينظر ما هو العنوان الإشكالي الذي لم يعالج بشكل وافٍ، أو يمكن أن يقدّم فيه نتائج جديدة تستحقّ بذل الجهد في البحث.


4- البحوث والدراسات السابقة:
إنّ العديد من الباحثين عند معالجة مشكلة بحثية معيّنة, تواجههم بعض الصعوبات والتحدّيات والمشكلات، ولا يجدوا إجابات أو مصادر قد تعرّضت وبحثت عن تلك الأسئلة والمواقف، مع خروج الجواب عن تلك المشكلة عن موضوع بحثهم، أو حاجة تلك المشكلة إلى تفصيل وتعميق، فيضمنون دراساتهم أو يختمونها ببعض التوصيات التي تسلّط الضوء على موضوعات ومشكلات تشكّل عناوين مهمّة صالحة لاختيار الطالب لها كمشكلة للبحث.

5- تكليف من جهة معيّنة: 
تقوم أحياناً بعض الجامعات والمؤسّسات التعليمية بتكليف طلبتها بإجراء دراسات وبحوث تتناول مشكلات تحدّدها لهم مسبقاً، وفقاً لخطّة واسعة تغطّى خلال مدّة زمنية معينة.

وكذلك قد تقوم جهة رسمية أو غير رسمية، كالدوائر والمؤسّسات الإنتاجية والخدمية، بتكليف باحث أو أكثر لمعالجة مشكلة معيّنة، أو ظواهر تتطلّب الدراسة وإيجاد الحلول المناسبة لها، بعد تشخيص دقيق وعلمي لأسبابها، وغالباً ما يكون هذا النوع من البحوث له طابع الدراسات التطبيقية. 

التشاور مع المشرف 
أهمّ نقطة ينبغي الالتفات إليها فيما يتعلّق باختيار الطالب لمشكلة بحثه هي التشاور بين الطالب الباحث والأستاذ المشرف. وكلّما كان اختيار الطالب لمشكلة بحثه معتمداً على المعايير العلمية -ستأتي في الدرس التالي- لاختيار المشكلة، كلّما كان متمكّناً من إقناع المشرف بمشكلة البحث، وإذا اقتنع الأستاذ المشرف بأهمّية الموضوع ومؤهّلات الطالب العلمية وقدرته على البحث، تصبح موافقته مضمونة بالنسبة لخيار الطالب. وإذا لم يقتنع، فإنّ الطالب سيواجه صعوبة في إعادة العمل على اختيار مشكلة بحثية جديدة بعد أن يرشده المشرف نحو تعديل موضوعه بنحو ينال رضاه وموافقته.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

37

الدرس الخامس: خطوات البحث العلمي(2) معايير اختيار مشكلة البحث

 الدرس الخامس: خطوات البحث العلمي(2) معايير اختيار مشكلة البحث



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعدّد معايير اختيار مشكلة البحث فيما يرتبط بالباحث نفسه.
2- يحلّل معايير اختيار مشكلة البحث فيما يرتبط بموضوع البحث.
3- يكتب مشكلة البحث في ثلاثة موضوعات لثلاثة مستويات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

38

الدرس الخامس: خطوات البحث العلمي(2) معايير اختيار مشكلة البحث

 تمهيد

كي يكون اختيار الطالب لموضوع أو مشكلة بحثه جيّداً وموفّقاً، ثمّة معايير يمكن اعتبارها خارطة طريق، إذا سلك في ضوئها يصل إلى النتيجة المرجوّة، وفي هذا الدرس سنعالج تلك الأسس والمعايير التي ينبغي على الطالب اعتمادها في تحديد مشكلة البحث واختيارها. 

ويمكن تقسيم هذه المعايير إلى نوعين: الأوّل يرتبط بالباحث نفسه, والثاني متعلّق بموضوع البحث، نعرضها في جملة نقاط من خلال طرح مجموعة أسئلة.

 

المعايير المرتبطة بالباحث 
أوّلاً: هل تحظى المشكلة باهتمام الباحث وتنسجم مع رغبته؟
على الطالب أن يختار دراسة الموضوع أو حلّ المشكلة اللذين يجد في نفسه رغبة ذاتية واهتمام شخصي للبحث حولهما، فإنّ توفّر عنصر الرغبة والاهتمام في البحث يعطي الطالب شحنة دافعة ومحرّكة له للقيام بالبحث والاستمرار فيه والثبات عليه، فكم من طالب اختار عنوان بحث بسبب التأثّر برأي صديق أو إشارة من أستاذ، من دون أن يتوفّر عنده عنصر الرغبة الشخصية، ثم نراه بعد مضيّ فترة من الزمن يعدل عن رأيه، ويذهب كلّ ما بذله من جهد هباءً منثوراً. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

39

الدرس الخامس: خطوات البحث العلمي(2) معايير اختيار مشكلة البحث

 ثانياً: هل يتناسب البحث مع المؤهّلات العلمية للباحث؟

إنّ أيّ بحث يحتاج إلى مستوى علمي معيّن ليشقّ طريقه نحو النجاح والكمال, لذا يعتبر تناسب مشكلة البحث مع المؤهّلات العلمية للباحث ومدارك أفهامه ووعيه أمر مهمّ في اختيار المشكلة. فإن لم يكن الفرد مؤهلاً لمعالجة المشكلة، لن يكون بحثه جديراً بالثقة، ولن يكلّل بالنجاح. فرحم الله امرءاً عرف حدّه فوقف عنده، فعلى الطالب انتخاب العنوان الذي يوافق المخزون المعرفي الذي يمتلكه, لأنّ البحث هو مخرجات لمدخلات العملية التعلّمية، فإذا كان الطالب يرى أنّ مؤهّلاته العلمية تخوّله للبحث في موضوع فلسفي في ضوء مدرسة الحكمة المتعالية لاطّلاعه على مبانيها وقراءته لأفكارها عند العلّامة الطباطبائي والشهيد مطهّري والشيخ مصباح اليزدي وغيرهم مثلاً، عليه أن يتحرّك في هذه الدائرة، ولا يذهب لاختيار عنوان فلسفي في ضوء مباني فلسفة هيجل أو كانط الفلسفية مثلاً مع عدم اطّلاعه الكافي على مبانيهما وأفكارهما الفلسفية... وهكذا في الحقول والميادين الأخرى.

فطالب الفلسفة، وإن كان لديه معارف عامّة نتيجة دراسته في السنوات المختلفة لمواد متنوّعة (كدراسة مختلف قطاعات الفلسفة من شرقية قديمة، ويونانية، وإسلامية، ووسيطة، وحديثة، ومعاصرة، إضافة إلى مختلف العلوم الفلسفية من منطق، وجماليات، وأخلاق، وعلم نفس، وعلم كلام، وتصوّف...), إلا أنّه عادة ما يكون لديه اهتمامٌ خاص في قطاع من قطاعات الفلسفة، وقراءات جادّة في إحدى موضوعاتها، تساعده في الاختيار والانطلاق. 

وبعبارة أخرى: إنّ الطالب يملك الحرية في اختيار موضوع أو مشكلة بحثه، ولكن هذا لا يعني التحرّر من شرط التناسب مع المؤهّلات العلمية التي يتحلّى بها, لذا حريته في اختيار الموضوع مقيّدة بمعارفه ورصيده العلمي ومخزونه الفكري، وقدرته المعرفية على التصدّي الجادّ لبحثه. 

ثالثاً: هل تتوفّر لدى الباحث المهارات العملية والإمكانات المادّية لبحث المشكلة؟
وعلى الطالب أن يأخذ بعين الاعتبار أيضاً، المهارات اللازمة التي يحتاجها البحث، حتى لو كان مستواه العلمي ومخزونه المعرفي جيّداً, فقد يتطلّب الموضوع المختار للبحث إلماماً واسعاً بلغة أجنبية كالانجليزية أو الفارسية مثلاً، لكثرة المراجع حوله بتلك اللغات دون العربية، أو قد يتطلّب البحث مهارات معيّنة في استخدام برامج الكمبيوتر وتكنولوجيا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

40

الدرس الخامس: خطوات البحث العلمي(2) معايير اختيار مشكلة البحث

 المعلومات كبرنامج SpSS مثلاً أو غيره... فما لم تتوفّر هذه المهارات في الباحث عليه أن لا يختار البحث الذي يحتاجها في إنجازه.


وعليه أيضاً أن يأخذ بعين الاعتبار قدرته المالية على تلبية متطلّبات بحثه وإنجازه في المدّة المحدّدة، حتى لا يعرِّض نفسه لمشاكل مادّية هو بغنى عنها، كأن يكون محتاجاً للسفر إلى الخارج لإنجاز بحثه، أو يحتاج إلى أحدث المصادر والمراجع الباهظة الثمن مع كونها غير متوفّرة في المكتبات العامّة ممّا يضطّره إلى شرائها... 

 

المعايير المرتبطة بالموضوع
1- ما هي أهمّية مشكلة البحث من الناحية العلمية والعملية؟
يواجه المجتمع العديد من المشكلات في ميادين مختلفة: عقائدية، اقتصادية، اجتماعية، سياسية، تربوية، إعلامية...، كما يواجه أيضاً الباحث في عملية فهم النصّ الديني أو التراث أو التاريخ... مشكلات معرفية ومنهجية عديدة، وتختلف هذه المشكلات قوّة وضعفاً من حيث الأهمّية البحثية. وكلّما ترتّب على المشكلة فوائد معرفية وثمار علمية أكثر بلحاظ ما سيحقّقه حلّ تلك المشكلة من نتائج إيجابية على مستوى تطوّر الميدان المعرفي الخاصّة به، كلّما كانت دراسة المشكلة وتسليط الضوء عليها أهمّ، فأهمّية المشكلة تنبع من الدور الذي يلعبه حلّها في تطوّر المعرفة وتقدّم العلم واستفادة المجتمع والمؤسّسات المختلفة من ذلك، كأن تستفيد المؤسّسات التعليمية والتربوية أو الاقتصادية مثلاً من تطبيق النتائج والحلول التي توصّل إليها الباحث في بحثه الاقتصادي أو التربوي، بما يساهم في تطوّر تلك المؤسّسات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

41

الدرس الخامس: خطوات البحث العلمي(2) معايير اختيار مشكلة البحث

 فالطالب يبذل جهداً ذهنياً وجسدياً مضنياً في البحث، وينفق من وقته وماله...، فمن المهم بمكان، أن يأخذ بعين الاعتبار أن لا تذهب جميع تلك الجهود هباءً، بل عليه أن يختار الموضوع الذي يتيح له البحث عنه فرصة للاستثمار الإيجابي فيما بعد لنشر البحث وطباعته، واستفادة بعض الجهات منه، فمّما يؤسف له، أنّ معظم الرسائل والأبحاث التي يتقدّم بها الطلاب لنيل شهاداتهم العالية، تدخل في سبات عميق في أدراج منازلهم ولا تُعمّم الفائدة من نتائجها. وهذا الشرط إنّما يتوفّر فيما لو كان موضوع البحث يحظى بالأهمّية من الناحية العلمية والعملية، وتتوفّر فيه الغايات الموضوعية التي ذكرناها سابقاً، بحيث يقدّم جديداً إلى رصيد المعارف الإنسانية، ويستحقّ الجهد الذي سيبذل فيه على مدى سنوات عدّة.


2- هل تتوافر المعلومات اللازمة عن المشكلة؟
كثيراً ما يحتاج الباحث -خصوصاً في الأبحاث التي لها طابع ميداني- إلى جمع المعلومات والبيانات التي يتوقّف عليها نجاح البحث وإنجازه، وقد لا يتسنّى للباحث الحصول على تلك البيانات والمعلومات لسرّيتها مثلاً، أو لحاجة بعضها إلى أذونات وترخيصات وتسهيلات إدارية من جهات رسمية أو خاصّة، أو إلى مقابلة عاملين في مؤسّسة أو الدخول إلى بياناتها، مع عدم إمكان تحصيلها لسبب أو آخر، وبطبيعة الحال، ستؤثّر جملة تلك العوامل سلباً على البحث، فينبغي على الطالب أن يأخذ بعين الاعتبار وفرة المعلومات والمصادر والبيانات التي تؤهّله لمعاجلة مشكلة البحث، لأنّ ندرة المصادر أو المراجع قد تعيقه عن استكمال بحثه، فيتوقّف عنه. 

3- هل مشكلة البحث جديدة؟ وهل قام باحث آخر بمعالجة هذه المشكلة؟
إنّ جودة البحث وقيمته العلمية تتمثّل بما يضيفه ويراكمه من معلومات على المعرفة البشرية في مجال تخصّص الباحث، لذا فإنّ دراسة ومعالجة مشكلة جديدة لم تبحث بعد، أو مشكلة تمثّل موضوعاً يتمّم حلّ مشاكل وموضوعات أخرى لها علاقة ببعضها أمر مهمّ بالنسبة إلى اختيار المشكلة المناسبة للباحث.

وفي هذا السياق، على الطالب أن يجهد نفسه في التفتيش عمّا إذا كان ثمّة باحثون قد درسوا الموضوع الذي اختاره أو عالجوا المشكلة التي يودّ دراستها، فلعلّه يعثر على من عالج تلك المشكلة بشكل وافٍ فتذهب جهوده هباء منثوراً، كما أنّه من خلال اطّلاعه على الدراسات الأخرى يعرف نقاط تمايزه عنها، ويحدّد ما القيمة المضافة التي سيحدثها في ميدان البحث.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

42

الدرس الخامس: خطوات البحث العلمي(2) معايير اختيار مشكلة البحث

 4- هل طبيعة مشكلة البحث محدّدة في إطار واضح يجعلها قابلة للتثبّت من صحّتها، أم أنّها عامّة تُفقِد الباحث السيطرة على قياسها بدقّة؟

على الطالب اختيار مشكلات بحثية محدّدة الإطار بشكل واضح، ومركّزة ومحصورة في دائرة معيّنة، بنحو يمكّنه من التثبّت من صحّة فرضياته بواسطة الأدلّة والبراهين، وخصوصاً في الدراسات التي لها طابع ميداني من أجل السيطرة على متغيّراتها وقياسها بدقّة. 

وعليه في الوجه الآخر الابتعاد عن البحث في الموضوعات العامّة أو الواسعة التي تتضمّن مباحث فرعية كثيرة، لأنّه مهما بلغت مقدرته على معالجتها، فستبقى قاصرة مبتورة، تحتاج إلى المزيد من الدراسة والتمحيص، وتستغرق منه زمناً طويلاً للاطّلاع على كلّ ما كتب حول موضوعه، قبل أن يستطيع الإدلاء بدلوه. 

فإنّ الطالب الذي يختار للوهلة الأولى موضوعاً عاماً، متوهّماً سهولته، لكثرة المصادر والمراجع حوله، التي قد تبلغ المئات، سرعان ما يضيع في كثرة هذه المصادر والمراجع ودوامتها وضرورة الاطّلاع عليها، وسيجد نفسه تائهاً في خضمّ الآراء والأفكار والنظريات المتعارضة حول موضوعه، ولن يجد المقدرة العلمية والقوّة التي تخوّله المفاضلة بينها، فضلاً عن التفرّد برأي مستقلّ متمايز عنها. 

وكذلك ما يعتقده بعض الطلّاب من أنّ البحث في الموضوعات المحدّدة الدقيقة، مهمّة شاقّة وصعبة، هو توهّم خاطىء، لأنّ البحث في موضوع جزئي معيّن، لا يتطلّب إلا الاطّلاع على عدد محدّد من المصادر والمراجع، أقلّ بكثير ممّا يتطلّبه الموضوع العام، وسيجد لديه المتّسع من الوقت للتعمّق في كلّ ما كتب حول موضوعه، وستتكشف له حقائق جديدة غابت عن أذهان الباحثين الذين يقرأ لهم في موضوعه، وسيكون أقرب إلى النجاح.

مع الإشارة إلى أنّ سعة موضوع البحث أو ضيقه يخضع أيضاً لطبيعة المرحلة والحلقة الدراسية التي يريد الطالب تقديم البحث فيها، فهو يختلف بين مرحلة الإجازة أو الماجستير أو الدكتوراه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

43

الدرس الخامس: خطوات البحث العلمي(2) معايير اختيار مشكلة البحث

 

 

 

 

 

 

 

68


44

الدرس الخامس: خطوات البحث العلمي(2) معايير اختيار مشكلة البحث

 5- هل هناك إمكانية لتعميم النتائج التي سيحصل عليها الباحث في معالجته للمشكلة على حالات مشابهة؟

إنّ أيّ بحث علمي - خصوصاً الميداني - يكون محصوراً في دائرة نماذج وعينات محدودة، فهو يدرس حالة بيئة مجتمعية واحدة مثلاً، وبالتالي فإنّ النتائج التي يصل إليها الباحث من خلال دراسته إذا انحصرت بتلك العينات والحالات ولم يتمّ تعميمها لحالات أخرى مشابهة فلا كثير فائدة فيها، لأنّ الهدف هو أن يكون ما توصّل إليه صالحاً للتطبيق على مشكلات مماثلة، وإلا فإنّ الجهود البحثية المضنية والمستلزمات المالية التي تم توظيفها في إجراء البحث العلمي، لن يترتب عليها ثمرة عملية واسعة. وبالتالي فإن قابلية عينة الدراسة للتعميم يعتبر أساساً عند اختيار مشكلة البحث.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

45

الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث

 الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أهمية (ضرورة) تفحّص المصادر والمراجع والدراسات المختصّة.
2- يعرف معنى فرضيات البحث وأهمّيتها وفوائدها.
3- يصوغ فرضيات البحث وفق الشروط والمعايير المعتمدة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

46

الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث

 تمهيد

تقدّم في الدرسين السابقين بحث الخطوة الأولى من خطوات منهج البحث العلمي، أي الحديث عن اختيار مشكلة البحث. أمّا الخطوة الثانية فهي أن يقوم الباحث في سبيل إنجاز بحثه والنجاح فيه بتكثيف القراءات الاستطلاعية والمراجعة الواسعة للأدبيات في الإطار النظري والكتابات المختلفة المتعلّقة بالميدان المعرفي لموضوع بحثه وتخصصه، لأنّه كلّما زاد اطلاع الباحث ارتفعت نسبة التوفيق في بحثه وصار متمكّناً بنحو أفضل في إيجاد الحلول المناسبة.

وتقع القراءات الاستطلاعية في مرحلتين، الأولى: قبل تحديد مشكلة البحث وصياغتها، لتحديد مسار البحث وعلاقته بالبحوث الأخرى قبل الخوض فيه، والثانية: أثناء مرحلة الإعداد للبحث وكتابته من أجل توسعة معلومات البحث وتعميقها والمقارنة بينها وبين نتائج أخرى تمّ التوصل لها.

فوائد مطالعة المصادر والدراسات
إنّ الباحث مهما بلغ من كمال المعرفة في الموضوع الذي يدرسه، يحتاج إلى توسعة مخزون معرفته ومعلوماته عنه لتكون الصورة عن مشكلة البحث أكثر وضوحاً ودقّة وشمولاً. وهناك العديد من الفوائد المترتّبة على مطالعة وقراءة الطالب للمصادر والدراسات والأدبيات النظرية، يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:
1- بلورة مشكلة البحث وتحديد أبعادها بشكل أكثر وضوحاً، والتأكّد من عدم تناول مشكلة بحثه من قِبل باحثين آخرين، كي لا يكرّر الجهد أو الأجوبة عينها، وينطلق متمّماً ما بُحِث سابقاً. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

47

الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث

 وبعبارة أخرى: تساعده في اختيار أحد البدائل الآتية:

أ- تثبيت مشكلة البحث وبلورتها والتأكّد من صلاحيتها وعدم تكرارها.

ب- تعديل المشكلة بعد التعرّف إلى اتّجاهات البحوث السابقة ومشكلاتها.

ج- إلغاء المشكلة بالكامل واستبدالها بمشكلة أخرى، وذلك لأنّها بُحِثت من آخرين، ولا جدوى من إضاعة الوقت والجهد والمال في تناول مشكلة سبق حلّها.

2- وضع الدراسة الحالية للباحث في موضعها التاريخي أو الزمني بين البحوث والدراسات السابقة المماثلة لها. 

3- التعرّف إلى المنهج البحثي الأكثر فائدة في معالجة مشكلة بحثه، أو في اختيار وسيلة أو تصميم أداة لجمع المعلومات والبيانات ذات الصلة بالدراسة.

4- الحصول على معلومات جديدة ورد ذكرها في البحوث السابقة بخصوص مصادر بحثية لم يستطع تشخصيها بنفسه.

5- تجنّب السلبيات والمزالق التي وقع فيها الباحثون الذين سبقوه في بحوثهم، بالإضافة إلى التعرّف إلى الوسائل التي اتّبعوها في معالجة الصعوبات التي واجهوها وتجنّبها. 

6- الاستفادة من نتائج البحوث السابقة وخلاصاتها وتوصياتها في بناء فرضيات بحثية جديدة.

7- استكمال الجوانب التي وقفت عندها البحوث السابقة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

48

الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث

 وسائل التعرّف إلى الأدب النظري لمشكلة البحث

 

هناك عدد من الطرق والوسائل المساعدة في الاطلاع على البحوث السابقة والأدبيات النظرية المتعلّقة بالموضوع، يمكن تحديد أهمّها بالآتي:
1- مراجعة لائحة فهارس المصادر والمراجع في آخر الكتب التي عالجت نفس عنوان بحثه، وسلّطت الضوء عليه.

2- استشارة أهل الخبرة والاختصاص في الحقل المعرفي والميدان العلمي الذي يريد البحث فيه.

3- مراجعة المكتبات الإلكترونية المتخصّصة بنشر الكتب أو بيعها على الإنترنت والبحث فيها عن عنوان دراسته.

4- مراجعة فهارس المكتبات العامّة التي يستطيع الباحث مراجعتها.

5- مراجعة دليل الأطروحات والرسائل الجامعية المحليّة الموجودة في الجامعات العامّة والخاصّة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

49

الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث

 6- الاطّلاع على دليل الرسائل الجامعية العربية والأجنبية المتوفّرة في قاعدة مستخلصات الأطروحات على شبكة الإنترنت ضمن المواقع الخاصّة.


فرضيات البحث: تعريفها، وكيفية صياغتها
الخطوة التالية لتحديد مشكلة البحث هي العمل على وضع الفرضيات وصياغتها.

وفرضية البحث عبارة عن تخمين أو استنتاج ذكي يتوصّل إليه الباحث ويتمسّك به بشكل مؤقّت قبل تنفيذ البحث، فهي أشبه برأي الباحث المبدئي في حلّ المشكلة.
 
وبعبارة أخرى: إنّ الفرضية هي استنتاج وتفسير مؤقّت يتمسّك به الباحث حتى يتحقّق من صحّته، لقبوله أو رفضه. وعلى هذا الأساس ينبغي على الباحث الاستفادة مهما أمكن من البديهيات أو الحقائق المعروفة في صياغة فرضيات بحثه.

وتعتبر الفرضية ضرورية لأغلب أنواع البحوث التجريبية والوصفية، وكذلك البحوث التي تطبق المنهج التاريخي (الوثائقي)، وقد وقع الخلاف بين الباحثين في علم المناهج في مدى فعاليّة استخدام خطوة فرضيات البحث للبحوث التي لها طابع عقلي محض، كالدراسات الفلسفية والعقائدية مثلاً.

وعلى كلّ حال، عُرِّفت الفرضية بأكثر من نحو، منها:
1- حلّ محتمل لمشكلة البحث.
2- تخمين ذكي لسبب أو أسباب المشكلة.
3- رأي مبدئي لحلّ المشكلة.
4- تفسير مؤقّت للمشكلة.
5- إجابة محتملة عن السؤال الذي تمثّله المشكلة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

50

الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث

 خصائص صياغة الفرضيّة

لا بدّ للباحث من أخذ بعض الخصائص بعين الاعتبار عند صياغته للفرضيات، ويمكن أن نوجزها بالآتي:

 

1- المعقولية، أي أن تصاغ الفرضيات البحثية بنحو تظهر فيه منسجمة مع المبادئ البديهية، وتكون غير مستحيلة في نفسها.

2- الشمولية، أي أن تغطّي الفرضيات كلّ جوانب موضوع البحث، وتقدّم التفسيرات الكافية والشاملة لمشكلة البحث والظاهرة المدروسة. 

3- الموضوعية، أن تكون مصاغة في ضوء معايير علمية مستندة إلى قاعدة المعلومات والبيانات الموثوقة التي تمّ جمعها، لا على أساس انطباعات واستنسابات ذاتية وتفسيرات عشوائية. 

4- الواقعية، أي أن يتمّ صياغة الفرضية بعبارات قابلة للاختبار، وألفاظ قابلة للقياس وإمكانية التأكّد من صحّتها أو تكذيبها في الواقع.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

51

الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث

 5- الاختصار، أي أن لا تكون صياغة الفرضية طويلة، بحيث يصعب التعرّف إلى المتغير المستقلّ والمتغير التابع فيها. 


6- التحديد، أي أن تحدّد بشكل واضح العلاقة بين متغيرات البحث المستقلّة والتابعة.

7- البساطة والوضوح، أي صياغة الفروض باستخدام ألفاظ واضحة، فالفرضية المعقّدة تقود إلى تصميم معقّد يجعل استخلاص الاستنتاجات أمراً عسيراً.

8- عدم التناقض، أي لا يصح وضع صيغة لنفس الفرضية إثباتاً ونفياً، بل تصاغ الفرضية تارة بالإثبات وأخرى بالنفي:
أ- بالإثبات: توجد علاقة إيجابية بين المستوى الاقتصادي لأسرة الطالب وتحصيله العلمي.
ب- بالنفي: لا توجد علاقة بين المستوى الاقتصادي لأسرة الطالب وتحصيله العلمي. 

مكوّنات الفرضية في الأبحاث الميدانية
تشمل الفرضية نوعين من المتغيرات، هما المتغير المستقلّ والمتغير التابع، وتستخدم المتغيرات في البحث العلمي بشكل منتظم. 

ويعرّف المتغير بأنّه سمة أو خاصية تظهر في حالات، نوعية أو كمية، متعددة، فالجنسية متغير، والحالة الاجتماعية متغير، والمستوى التعليمي متغير، والحالة الاقتصادية متغير، والمرحلة العمرية متغير... 

والمتغيِّر المستقلّ هو العامل الذي يؤثّر بالمتغير التابع، والمتغير التابع هو الذي يتأثّر به، ويأتي نتيجة عنه، في حالة العلاقة السببية، فأيّ زيادة أو نقصان في مقدار المتغير التابع تنجم عن زيادة أو نقصان في المتغير المستقلّ. ويُعدُّ المتغير التابع مركز اهتمام الباحث ومحرّكاً مهمّاً لتوجّهاته، إذ يحاول الباحث فهمه والتحرّي عنه، فتحليل المتغير التابع والتحرّي عنه وإيجاد ماهية المتغيرات التي تؤثّر فيه، هو أساس تحرّك الباحث في إيجاد الإجابة المحتملة عن تساؤلاته.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المتغيِّر المستقلّ في بحث معيّن قد يكون متغيِّراً تابعاً في بحث ثانٍ، وكلّ ذلك يعتمد على طبيعة البحث وهدفه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

 


52

الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث

 ومن الأمثلة على بعض الفرضيات ومتغيريها، المستقلّ والتابع، ما يأتي:

- البرامج التلفزيونية التي يزيد وقتها عن نصف ساعة، تتابع من قبل المشاهدين بشكل أقلّ من البرامج التي يكون وقتها عشرين دقيقة أو أقلّ من ذلك.

- عدم الدقّة في فهارس المكتبات الجامعية في لبنان يؤدّي إلى قلّة استخدام مجاميعها.

- التحصيل الدراسي لدى طلبة التعليم الأساسي يتأثّر بالتدريس الخصوصي خارج المدرسة.

فالمتغير المستقلّ في الفرضية الأخيرة مثلاً هو "التدريس الخصوصي"، والمتغير التابع هو التحصيل الدراسي المتأثّر بالتدريس الخصوصي، والذي يحصل نتيجة له. إلا أنّه من الممكن تغيير مواقع المتغيرين، المستقلّ والتابع، في الفرضية المذكورة، ونحصل على المعنى نفسه، مثال ذلك:
- التدريس الخصوصي خارج المدرسة يؤثّر في التحصيل الدراسي لدى طلبة التعليم.

وهكذا بالنسبة للمثالين الآخرين المذكورين.

فوائد الفرضيات وأهمّيتها
لاشتقاق الفرضيات بشكل سليم فوائد كثيرة، نجملها بالآتي:
1- تساعد الفرضيات في تحديد أبعاد المشكلة تحديداً دقيقاً يمكِّن من دراستها وتناولها بعمق. 

2- تعدّ الفرضيات دليلاً للباحث، توجّه خطاه وتحدّد له نوع الملاحظات والإجراءات التي يفترض القيام بها لتنفيذ البحث.

3- توجّه الفرضيات عمليات تحليل وتفسير النتائج بشكل علمي وعلى أساس العلاقات المفترضة بين المتغيرات، المستقلّة والتابعة.

4- تحليل مشكلة البحث إلى عناصرها وتحديد علاقاتها ببعضها، وعزل وربط كلّ المعلومات التي لها علاقة بموضوع البحث ومشكلته، وبعبارة أخرى: إنّ الفرضية تساعد على إعطاء صورة تعكس قدرة الباحث على بلورة المشكلة وتناولها بشكل دقيق.

5- تمثّل الفرضيات القاعدة الأساسية لموضوع البحث، والتي تجعل من السهل اختيار الحقائق المهمّة واللازمة لحلّ المشكلة، وعدم التخبّط، وجمع كميات من المعلومات ليست لها علاقة بموضوع البحث.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

53

الدرس السادس: خطوات البحث العلمي (3) مراجعة الأدب النظري وفرضيّات البحث

 6- تربط الفرضيات الصلة بين التساؤلات والمبادئ والنظريات التي هي غاية البحث العلمي، لذا فإنّها تؤدّي إلى تجسيد النظرية العلمية أو جزء منها في صيغة قابلة للقياس.


7- تؤدّي الفرضية إلى توسيع نطاق المعرفة، باعتبارها أداة فكرية يستطيع الباحث عن طريقها الحصول على حقائق تحفّز باحثين آخرين إلى المزيد من البحوث الجديدة.

8- تساعد الفرضيات على تحديد الأساليب المناسبة لاختبار العلاقات المحتملة بين متغيرات البحث، وذلك من خلال تقديمها تفسيرات وتصورات نظرية للعلاقة بين المتغيرات، المستقلّة والتابعة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

54

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعدّد عناصر خطّة البحث.
2- يملك القدرة على صياغة عنوان البحث وفق الشروط والمعايير المعتمدة.
3- يفهم عناصر خطّة البحث، ويطبّقها في نموذجين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

55

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 ماهيّة خطّة البحث وأهمّيتها

يعتبر تصميم خطّة البحث الخطوة التالية التي تحظى بالأهمّية، وينبغي أن ينتقل إليها الباحث بعد تحديده لمشكلة البحث وصياغة فرضياته. وخطّة البحث عبارة عن تقرير، مبوّب ومنظّم، يعطي المشرف والقارئ فكرة واضحة عن الطريق الذي يريد الباحث سلوكه. فتصميم خطة البحث وصياغة هيكليته يشكّل بوصلة توجّه الطالب في المسار الصحيح لتحقيق الهدف المطلوب، فهو دليل عمل مدوّن للبحث، وأشبه ما يكون بالتصميم الذي يُعدّه المهندس المعماري.

ويكون قابلاً للمناقشة والمراجعة، والقبول أو الرفض، وإجراء التعديلات والتغييرات اللازمة قبل الشروع بتنفيذه، حتى يصبح خطّة مقبولة وصالحة للتنفيذ. 

وعندما ينتهي الباحث من إعداد خطّته، يقوم بعرضها على المشرف ولجنة المناقشة، المتكوّنة من بعض الأساتذة المتخصّصين، حيث يقومون بإبداء آرائهم في الخطّة، وعرض وجهات نظرهم فيما يتعلّق بميدان البحث، والأسلوب البحثي الذي سيتمّ تطبيقه لإنجاز البحث.

وغالباً ما تعقد حلقة نقاش واحدة - وأحياناً أكثر - لمناقشة خطّة البحث مع الطالب، ولا سيما في مرحلة الماجستير أو الدكتوراه. فحلقة النقاش تمثّل مرحلة اختبار مهمّة لمدى وعي الباحث وقدرته على خوض غمار البحث العلمي. وكثيراً ما يضطر الباحث، في ضوء النقد والنقاش، إلى إجراء تعديلات، جزئية أو كلّية، في خطّة بحثه، بل قد تُرفض الخطّة، في موضوعها أو منهجيتها، ليعود الباحث إلى تقديم خطّة أخرى بديلة، فيما بعد.

وبناءً عليه، يمكن القول إنّ التنفيذ الناجح للبحث وجودته يعتمد بشكل كبير على التصميم الجيّد ووضع الهيكلية المتماسكة والمنطقية. وهذا ما يوفّر للمشرف على البحث 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

56

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 أو لجنة مناقشة الخطّة معياراً واضحاً لتقويم مشروع البحث، ومتابعة الإشراف بمراحله المختلفة طيلة المدّة المحدّدة لإنجازه.


وبعد أن يُعدّ الباحث خطّته بشكلها النهائي، يتمّ الاتّفاق مع المشرف والكلّية، أو الجامعة، أو الجهة العلمية الأخرى، المعنية بالبحث، على البدء بتنفيذ البحث، واستكمال خطواته الأخرى. ومن جانب آخر، على الباحث الالتزام بخطّة البحث تماماً، لأنّ الخطّة تمثّل عقداً أو التزاماً، بين الباحث والجهة التي سيقدّم لها بحثه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

57

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 وقد تحتوي خطّة البحث عناصر أخرى، ويختلف ذلك باختلاف الشروط البحثية داخل كلّ مؤسسة تعليمية.


وفيما يلي موجز عن عناصر خطّة البحث.

عنوان البحث
يعتبر عنوان البحث بمنزلة المفتاح إلى عقل القارئ، ويعطي الانطباع الأوّل عن البحث، لأنّ المكتوب يُقرأ من عنوانه، فكلّما كان العنوان مصاغاً بشكل محدّد، ودقيق، ومختصر، واحتوائي وجامع، واضح في الدلالة على المعنون ومضمون البحث، كلّما كان موصوفاً بالحسن والجودة. 

فمن المشكلات التي يتعرّض لها العديد من الطلاب، لدى تقديم بحوثهم للمناقشة أو التقييم، عدم اختيارهم للعنوان الواضح والدقيق والشامل للبحث أو الرسالة، حيث يتلقّى الطالب سيلاً من الانتقادات بسبب ذلك أثناء المناقشات، وكي يصل الطالب إلى النتيجة المأمولة في حسن صياغة عنوان البحث ينبغي عليه طرح جملة الأسئلة الآتية:
1- هل عنوان البحث شامل ويغطّي جميع جوانب الموضوع والمشكلة؟

2- هل عنوان البحث واضح الدلالة عليهما ويحدّدهما تحديداً دقيقاً؟

3- هل ترتسم علامات الفهم أو الغموض على القرّاء والمستمعين أو المناقشين للعنوان عند سماعهم أو قراءتهم له؟

4- هل العنوان موجز ومختصر؟

5- هل يحتاج العنوان الرئيس إلى عنوان ثانوي متمّم وموضّح؟

6- هل تمّ استخدام أو تجاوز بعض العبارات الغامضة والمضلّلة التي لا لزوم لها؟

7- بماذا يختلف عنوان البحث الجديد عن العناوين في الدراسات السابقة التي تعاملت مع موضوع مشابه للبحث، أو مقارب له؟ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

58

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 خصائص عنوان البحث

ولتحقيق هذه الأمور، لا بدّ من مراعاة ثلاثة شروط:
1- التأنّي:
أن يتأنّى في اختيار المفردات والمصطلحات المناسبة لطبيعة بحثه، وأن لا يتسرّع في المبادرة إلى صياغة العنوان مباشرة إلا بعد تحديد مشكلة البحث بجميع أبعادها بشكل واضح ودقيق، وذلك لكي تكون الصورة واضحة عنده حين صياغة العنوان. وفي هذا السياق، عليه أن لا يكتفي بصياغة واحدة للعنوان، بل أن يضع أمامه عدّة خيارات وبدائل، ويقارن بينها، ويعدّل ويغيّر ويضيف ويحذف، حتى يكون اختياره للعنوان مناسباً بعد تأمّل وتأنٍّ وتفكّر. 

2- الشمولية:
أن يشتمل ويحتوي عنوان البحث في مفرداته ومصطلحاته على الموضوع الذي يدرسه الباحث، والميدان المؤسّساتي أو الجغرافي الذي يسلّط البحث الضوء عليه، وتحديد الحلقة الدراسية مثلاً التي يطالها البحث، وتعيين المرحلة العمرية، وتشخيص الوسيلة أو الأسلوب أو المنهج إذا اقتضى الأمر ذلك.

3- وضوح الدلالة:
أن يتفنّن في اختيار مفردات عنوانه، بنحو يجعل القارئ قادراً على فهم طبيعة البحث وميدانه بشكل جليّ بمجرّد قراءته للعنوان، وهذا يستلزم أن يستخدم كلّ المفردات التي لها دخالة في توضيح المعنون والدلالة على مضمونه، وصياغة العنوان بعبارات بسيطة وواضحة ومحدّدة ومحصورة، لا غموض ولا اشتراك لفظياً ولا عموم فيها، وعلى الطالب استخدام بعض الإشارات والرموز، إذا تطلّب الأمر ذلك.

مثلاً:
- أثر التعليم الديني في ترسيخ قيم العيش المشترك لدى تلامذة الصفّ الثاني الثانوي في المدارس الرسمية والخاصة في بيروت وضاحيتها الجنوبية. (أطروحة دكتوراه في العلوم الإنسانية (التربية)، أعدّها غالب ناظم العلي، أشرف عليها د. غسان يعقوب، جامعة القديس يوسف، 2013م). 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

59

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 المقدّمة

بعد الانتهاء من صياغة عنوان البحث ضمن الشروط المذكورة، ينتقل الطالب إلى كتابة المقدّمة التي تُعدّ تمهيداً ضرورياً في تصميم خطّة البحث، وتمثّل مدخلاً عاماً إلى ميدان البحث، وتشتمل على الجوانب والعناوين الأخرى التي ذكرناها في تصميم خطّة البحث، فهي تحتوي:
1- توضيح حول الميدان العام لموضوع البحث.

2- طرح إشكالية البحث، وما يتعلّق بها من أسئلة فرعية. 

3- عرض الفرضيات المرتبطة بوعي مشكلة البحث، وتحديد المتغيرات فيها. 

4- استعراض عام لأهمّية الموضوع الذي اختاره الباحث. 

5- توضيح أسباب ودوافع اختيار الباحث لمشكلة بحثه، حيث يوضّح الباحث المجالات والعوامل التي ساعدته في تبنّي مشكلة البحث، وهل كانت لخبرته ومجال عمله دور في ذلك، أم أنّ هناك أسباب أخرى غير مباشرة هي التي ساعدته في اختيارها. 

6- تحديد الفائدة العلمية المرجوّة والجهات التي يمكن أن تستفيد من نتائج هذا البحث. وتوضيح مدى النقص والضعف الذي يمكن أن ينتج عن عدم القيام بمثل هذا البحث، ثمّ توضيح كيف سيتمكّن مثل هذا البحث في الإسهام في معالجة النقص الموجود.

7- عرض عام لبعض الدراسات السابقة التي تناولت موضوع البحث ومشكلته، وللسياقات العلمية وللمحاولات والجهود التي قام بها الباحثون الآخرون في هذا المجال، ومناقشة محاولاتهم وجوانب القصور في هذه المحاولات، وإظهار التميّز في البحث الذي يعالجه الطالب.

8- الحديث عن المنهج المعتمد في معالجة البحث، وتحديد التقنيات والأدوات التي استند إليها الطالب في جمع المعلومات وتحليلها، ومتطلّبات الموضوع المدروس...

9- بيان حدود البحث، أي الحدود الزمانية (الزمن التنفيذي للموضوع مثلاً)، الحدود المكانية، الحدود البشرية أو مجتمع البحث وعيّنة الدراسة مثلاً.

10- تشخيص الصعوبات التي واجهت الطالب على المستوى النظري والمنهجي واللوجستي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

60

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 11- عرض أبرز المصطلحات المتعلّقة بالدراسة، والتي تشكّل المفردات والمصطلحات الواردة في عنوان البحث، وما يتعلّق بشكل أساسي به.

 
نموذج تطبيقي
وسنسلّط الضوء على بعض هذه النقاط، من خلال اعتماد أطروحة الدكتوراه المذكورة سابقاً كنموذج (بتصرّف).
 
1- المقدّمة:
التعدّد سمة عامّة للمجتمعات، ولبنان يحتضن الكثير من التنوّعات الطائفية، فعاش فيه الشيعة والسنّة والموارنة والدروز... وقامت بينهم روابط اجتماعية وسياسية واقتصادية... وقد قام لبنان كدولة مكوّنة من تلك الطوائف في ضوء تسوية قائمة على مبدأ الاعتراف بالتعدّد، ومشروع الدولة فيه توافقي، وتمحور الميثاق الوطني والدستور اللبناني حول فكرة أساسية هي العيش المشترك، فلا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، فالعيش المشترك قضية مركزية في سير لبنان وضمانة تفاهم جميع مكوّناته واستمراره وعليه، يكون السعي لترسيخ العيش المشترك قضية مهمّة، وفي هذا المجال يُلحظ ما تتبنّاه الدولة من جعل التعليم الديني أمراً إلزامياً في المدارس، وقد أُثير حوله آراء ووجهات نظر مختلفة...
 
2- مشكلة البحث1:
من هو التلميذ الذي يقدّمه التعليم الديني للمجتمع اللبناني التعدّدي؟ هل هو الفرد المنغلق على ذاته الطائفية، المتعصّب لرأيه، الرافض لغيره، الأناني في علاقاته، المتزمّت بالتزامه الديني؟ أم هو الفرد المحبّ لغيره، المنفتح على الآخرين، المستمع لرأي الآخر، والمتفهّم لخصوصياته، والمستعدّ للحوار المنتج معه؟
 
3- الأسئلة الفرعية:
- ما علاقة التعليم الديني بقيمة الاعتراف بالآخر؟



1 راجع: الدرس الخامس.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

 


61

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 - ما علاقة التعليم الديني بقيمة الانفتاح على الآخر؟

 
- هل للتعليم الديني علاقة بقيمة التسامح؟
 
- هل للتعليم الديني علاقة بالتعصّب؟
 
4- فرضيات البحث1:
- الفرضية الأولى: توجد فروق دالّة توضّح تأثير التعليم الديني في توليد اتّجاهات خاصة عند التلامذة نحو الاعتراف بالآخر.
 
- الفرضية الثانية: توجد فروق دالّة في اتّجاهات التلامذة نحو قبول الآخر تُعزى إلى التعليم الديني.
 
- الفرضية الثالثة: توجد فروق دالّة في درجات التعصّب لدى التلامذة تستند إلى التعليم الديني.
 
- الفرضية الرابعة: توجد فروق دالّة بين التلامذة في استعداداتهم للتسامح تُعزى إلى التعليم الديني.
 
5- أهمّية البحث:
بعد أن ينتهي الباحث من كتابة الإشكالية والفرضيات ضمن خطّة البحث، يشرع بالانتقال إلى تبيان أهمّية البحث، حيث يجب على الباحث أن يوضّح أهمّية بحثه في عبارات مقنعة، وتبرز أهمّية البحث عادة بجانبين أساسيين، هما:
- ما هي الأهمّية النظرية للبحث؟ وأين تقع نتائج الدراسة في حلّ المشكلات الخلافية النظرية؟ وماذا سيضيف من حقائق ومعلومات جديدة إلى المعرفة في حقل الاختصاص؟
 
- ما هي الأهمّية التطبيقية للبحث؟ وأين يمكن الاستفادة من النتائج في الواقع الحياتي؟
 
وبالنسبة إلى أهداف البحث، فإنّه على الباحث تحديد ماهية هذه الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها أو إلى تقديمها للقارئ، من خلال الخوض في مثل هذا الموضوع.



1 راجع: الدرس السابع.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

62

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 الدراسات السابقة ذات الصلة

يُقصد بالدراسات السابقة البحوث والدراسات التي سبق أن أجراها باحثون آخرون في هذا الموضوع أو الموضوعات المشابهة، وماهية هذه الدراسات والأهداف التي سعت إلى تحقيقها، وأهمّ النتائج التي توصّلت إليها، ليتمكّن الباحث فيما بعد من تمييز دراسته الحالية عن تلك الدراسات.
 
ومن الضروري النظر إلى الدراسات السابقة وفق منظور تساؤلي يضع في الاعتبار الاستفسارات الآتية:
1- هل تمّ إعداد ملخّص وافٍ لأهمّ الدراسات التي تناولت المتغيرات في موضوع البحث؟
 
2- هل تمّ تقويم الدراسات السابقة، فيما يتعلّق بكفاية عيّناتها وسلامة مناهجها ودقّة استنتاجاتها؟
 
3- هل تمّت معالجة الدراسات السابقة بحيث يتّضح للقارئ أنّ النتائج المتاحة لا تحلّ الإشكالية الراهنة حلّاً كافياً؟
 
4- هل عرضت الدراسات السابقة عرضاً تاريخياً فقط، يرغم القارئ على أن يتمثّل بنفسه الحقائق، ويستنتج العلاقات الموجودة بين البحوث التي تمّ استعراضها وبين المشكلة؟ أم أنّ العرض يجمع الحقائق والنظريات المناسبة مع بعضها، وينسج منها شبكة من العلاقات تكشف عن الفجوات في المعرفة، وتشير إلى القضايا المتضمّنة في البحث، وتمهّد الطريق للانتقال المنطقي لصياغة الفروض؟
 
منهجية البحث 
يُقصد بالمنهجية الأسلوب الذي اختاره الباحث لبحثه، أي ما إذا كان قد اختار المنهج التاريخي، أو المنهج الوصفي، أو المنهج المقارن...1
 
مثلاً، في عنوان الأطروحة المتقدّم، اختار الطالب المنهج الوصفي من خلال جمع المعطيات التي تعلّقت بالظاهرة المدروسة في وضعها الراهن لتحويلها إلى معطيات كمّية قابلة للتحليل، واستخدم أيضاً المنهج المقارن الذي يلاحظ أكثر من نسق اجتماعي واحد، 



1 راجع: الدرس الرابع.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

63

الدرس السابع: تصميم خطّة البحث (1)

 أو يدرس ظواهر مختلفة داخل نسق واحد عبر الزمن بهدف الوصول إلى استخلاص عناصر التشابه أو التباين حول الظاهرة المدروسة، أي التعليم الديني.

 
تعريف المصطلحات 
يُعدّ تعريف الباحث بالمصطلحات التخصّصية والإجرائية المستخدمة في عنوان البحث وفي مضمون البحث كأمّهات الكلمات المفتاحية، أمراً مهمّاً، وعليه أن يلجأ إلى المصادر والمراجع المتخصّصة لاقتباس تعريفاتها، وأن يتأكّد من تطابق هذه التعريفات مع سياق المعالجة الفعلية في البحث.
 
وعلى أساس ما تقدّم فإنّ الباحث يستطيع وضع عدد من التساؤلات المعنية بالمصطلحات نصب عينيه، والتي يمكننا أن نلخّصها بالآتي:
1- هل حلِّلت المصطلحات والمفاهيم المهمّة الواردة في البحث تحليلاً كافياً؟
 
2- هل أُعطيت تعريفات واضحة لهذه المصطلحات والمفاهيم؟
 
3- هل تمّت مراجعة المصطلحات المستمدّة من ميادين خاصة، بالرجوع إلى القواميس والمراجع الفنية المناسبة؟
 
4- هل استخدمت المصطلحات والمفاهيم، كما حدّدت في صلب البحث، بثبات ودون تغيير؟
 
5- هل أعطى الجزء الخاص بـ تحديد المصطلحات" عنواناً مناسباً، وثبت في بداية التقرير؟
 
6- هل تمّ تجنّب الإطالة الغامضة التي لا ضرورة لها في تعريف المصطلحات؟
 
كمثال في العنوان السابق، تعريف مفردات: الدين، التعليم الديني، العيش المشترك...
 
تحديد قائمة المصادر 
ونعني بها قائمة بالمصادر التي ينوي الباحث الاعتماد عليها في كتابة بحثه. ولا بدّ من التأكيد على طريقة ذكر المصادر في تصميم خطّة البحث، ملتزماً بالشروط العلمية للتوثيق1.



1 أنظر: الدرس التاسع، والدرس الخامس عشر.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

64

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يفرّق بين المصادر والمراجع ويوضّح ذلك بالأمثلة.
2- يضبط الآليات المعتمدة في التعرّف على المصادر والمراجع وكيفية التعامل معها.
3- يملك القدرة على توثيق المصادر والمراجع وفق الشروط والمعايير المعتمدة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

65

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 المصادر

المصادر هي الكتب الأساسية والأصلية التي تعالج موضوع ما أو قسم منه بطريقة علميّة، ويعتمد عليها الباحث ويرجع إليها في القراءة والمطالعة وجمع المعلومات والبيانات حول موضوع بحثه.

وكلّما زاد الباحث من مصادره العلمية الموثوقة وتنوّعها وتعدّدها، زادت القيمة التوثيقية والمضمونية والعلمية لبحثه، وتجلّت الحقيقة أمام عينيه بنحو أوضح.

وإذا كان الباحث هو أول من استخدم هذه المصادر في بحثه، أو قرأها قراءة جديدة مغايرة للقراءات السابقة أو المعروفة، فإنّه لا شكّ سيقدّم معلومات جديدة في مجال بحثه.

المراجع
هي الكتب والأبحاث التي عُنيت بموضوع ما، واستمدّت مادّته من المصادر الأصلية، بمعنى أنّها كلّ ما يكتب حول موضوع ما أو جزء منه، بالاستناد إلى المعلومات الأصلية الواردة في المصادر. ولذا، فإنّ كلّ مصدر مرجع، دون العكس.

والمصادر والمراجع كثيرة جدّاً، ومتنوّعة، ومختلفة، من حيث طبيعة الموضوعات التي تعالجها، والمناهج التي تستخدمها، والنظم الفلسفية التي تنتمي إليها، ومن حيث القيمة العلمية والتاريخية... 

كما يختلف تصنيف المصادر والمراجع بحسب طبيعة الموضوع المبحوث عنه، فمثلاً إذا كان الموضوع تاريخياً كانت المخطوطات والمصادر الأقدم زماناً هي الأجدر بالثقة، وإذا كان الموضوع معاصراً كان للكتب الحديثة الأثر البارز في معالجة الموضوع، وهكذا.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

66

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 نماذج من المصادر

ومن المصادر الأساسية والأصلية للبحوث:
1- المخطوطات القديمة: وهي تحظى بقيمة تاريخية وعلمية عالية.

2- معاجم التراجم والسير: تتضمّن ترجمة حياة العلماء المشهورين في حقولهم المختلفة، وذلك وفق النظام الألفبائي. 

مثال على ذلك:
أ- أنساب الأشراف، للبلاذري، أحمد بن يحيى (توفّي سنة 278هـ).

ب- تاريخ حكماء الإسلام، للبيهقي، علي بن زيد (توفّي سنة 565هـ).

ج- وفيّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، أحمد بن محمد (توفّي سنة 681هـ).

د- عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء، لابن أبي أصيبعة، أحمد بن القاسم (توفّي سنة 668هـ).

هـ- روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات، الخوانساري، محمد باقر (توفّي سنة 1313هـ).

و- أعيان الشيعة، الأمين، محسن (توفّي سنة 1952م).

3- المعاجم والقواميس: المعجم كتاب كبير الحجم عادة، يشتمل على مفردات لغة ما، أو مصطلحات علم ما، على صورة محدّدة، (الترتيب الهجائي مثلاً)، مع توضيح تهجئة هذه المفردات أو المصطلحات، وشرح معناها، وذكر مرادفاتها وأضدادها، وتاريخ استعمالها وتطوّرها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

67

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 ما هو المعجم؟ 

ولذا، يعرّف - أي المعجم - بأنّه كتاب مفردات مضبوطة الشكل مع تفسير معناها، لتمييزه عن الموسوعات أو دوائر المعارف التي تهتمّ بإعطاء معلومات موسّعة وأفكار مسهبة عن هذه الألفاظ أو المصطلحات.
مثال على ذلك:
1- المعاجم اللغوية:
- معجم العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي.
- مختار الصحاح، لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري.
- لسان العرب، لمحمد بن مكرم بن منظور.
- القاموس المحيط، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي.

2- المعاجم الفلسفية:
- المعجم الفلسفي، جميل صليبا.
- المعجم الفلسفي، مراد وهبة.
- المعجم الفلسفي، إبراهيم مدكور.
وهناك معاجم وقواميس فقهية، واجتماعية، واقتصادية....

نماذج من المراجع
1- الكتب: التي ترتبط بموضوع البحث أو بجزء منه وتستند في مادّتها إلى أمهات الكتب.

2- الموسوعات ودوائر المعارف: تعتبر دوائر المعارف والموسوعات خزّان معلومات ومعارف ذات قيمة عالية، كما تكشف للباحث عن مصادر ومراجع كثيرة ذات صلة قويّة بموضوعه، وتعتبر من أهمّ المصادر والمراجع للباحثين على اختلافهم، لأنّها نتاج علماء متخصّصين تضافرت جهودهم على إخراجها. وهي كناية عن أبحاث دقيقة، مختصرة أو طويلة، موثّقة غالباً بالمصادر الأصلية والمراجع القيّمة.

وتقسم إلى قسمين:
أ- موسوعات عامّة، تشمل مختلف حقول العلم والفنّ، مثل:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

 


68

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 - دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي (10 مجلدات).

- دائرة المعارف، لفؤاد أفرام البستاني. 
- الموسوعة العربية، لألبرت الريحاني وفريق من الأساتذة. 
- دائرة المعارف، لبطرس البستاني (11 مجلداً).

ب- موسوعات متخصّصة، تتناول علماً واحداً أو فنّاً واحداً، مثل:
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، نقلها عن الإنكليزية: فؤاد كامل، جلال العشري، عبد الرشيد الصادق، راجعها: زكي نجيب محمود.

- الموسوعة الفلسفية، عبد الرحمن بدوي (مجلّدان).

- دائرة المعارف الإسلامية، نقلها إلى العربية: محمد ثابت الفندي، أحمد الشنتناوي، إبراهيم زكي خورشيد، وعبد الحميد يونس (15 مجلّداً).

- دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، لحسن الأمين (3 مجلّدات).

ج. الرسائل الجامعية: وهي كناية عن أبحاث أكاديمية تعالج موضوعاً ما، لم يعالج من قبل، أو ما زال يحتاج إلى المعالجة أو يستحقّها. وتمدّ الباحثين بالمعلومات المتعلّقة بموضوعات أبحاثهم، وتعرّفهم بالنتائج التي توصّل إليها من سبقهم إلى البحث في تلك الموضوعات. وهكذا، فالرسائل تمثّل عنصراً هامّاً من عناصر استمداد المعرفة للباحث، حيث تمدّه بالكثير من المعلومات الدقيقة والهامّة.

د. المجلّات المتخصّصة: وهي التي تُعنى بموضوعات مشابهة لموضوع الباحث، الذي قد يجد فيها مقالات وأبحاث ذات قيمة عالية.

هـ. الدوريات: وهي مطبوعات تصدر في فترات منتظمة، وتنشر آخر ما توصّل إليه الباحثون في مختلف فروع العلم والمعرفة: علوم إنسانية، علوم دينية، علوم نظرية بحتة...
 
وهي أشبه ما تكون بكشّاف للمعلومات والمعارف المطلوبة، وهي على نوعين: عامّة تعالج موضوعات متنوّعة، وخاصّة تختصّ بمعالجة ميدان بحثي خاصّ.

و. الجرائد والمجلّات العامّة: قد يعثر الباحث أحياناً في الجرائد، والمجلات العامّة، على مقالة مهمّة ذات صلة بموضوعه أو مقابلة مع مفكّر يتحدّث في الموضوع الذي يعالجه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

69

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 المواقع والمكتبات الإلكترونية

يمكن للباحث استخدام الإنترنت في إعداده للمصادر والمراجع، وهناك آليات عديدة يمكن للطالب اعتمادها في التعرّف إلى المصادر والمراجع، ذكرنا بعضها في الدرس السادس - فقرة وسائل التعرّف على الأدب النظري لمشكلة البحث - ونعرض في هذه الفقرة بعض عنواين المواقع الإلكترونية المفيدة:
- http://www.free-ebooks.net/
- http://www.ebookbusiness.org/
- http://bookboon.com/
- http://www.freebookspot.es/
- http://vnuki.org/library/
- http://libgen.info/index.php
- http://www.scribd.com/

وهناك مواقع متخصّصة ببيع الكتب على الإنترنت، مثل:
- www.neelwafurat.com
ويمكن للطالب أن يقوم بتحميل بعض المصادر والمراجع من المكتبات الإلكترونية على الروابط الآتية أو غيرها:
1- http://www.narjes-library.com/
2- http://www.almaaref.org/books
3- https://www.4shared.com
4- http://moamenعليه السلامuraish.blogspot.com/
5- http://www.al-mostafa.com/
6- http://books.rafed.net/
7- http://shamela.ws/
8- http://waعليه السلامfeya.com/
9- https://uعليه السلامu.edu.sa/
10- http://www.hadaraweb.com/news.php
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
99

70

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 ويمكن البحث عبر موقع غوغل (Google) ضمن الآلية الآتية: وضع اسم الموضوع بين علامتي التنصيص "......." بعد كتابة: filetype:pdf أو filetype:doc.


وباستطاعة الطالب في بعض المكتبات الرقمية قراءة الكتب دون تحميلها، مثل: Googlebooks وغيره.

وعند عثور الطالب على المصادر والمراجع يستحسن أن يتمّ وضعها في جدول يسهّل لاحقاً معرفة أماكن تواجدها، مثل:
 

اسم الكتاب

اسم المؤلف

دار الطباعة

مكان توفّره

رقم الهاتف

ملاحظة


 كيفية التعامل مع المصادر والمراجع 
من أكثر الخطوات أهمّية ودقّة في سلسلة مراحل كتابة البحث العلمي، كيفية تعامل الطالب والباحث مع المصادر والمراجع التي يستند إليها ويعتمد عليها في إنجاز بحثه، ولكي يملك الطالب مهارة التعامل مع تلك المصادر والمراجع، نضع بين يديه خارطة طريق لذلك في عدّة نقاط:  
1- على الطالب التفتيش والتنقيب عن أمّهات الكتب والمصادر والمراجع المرتبطة بموضوع البحث، كخطوة من أهمّ خطوات كتابة البحث العلمي. والعمل على إعداد قائمة كبيرة مسبقة بالمصادر والمراجع، من خلال عدّة آليات تحدّثنا عنها، وهذه الخطوة تختصر على الطالب تكرار الجهد المبذول بالمعالجة الوافية في كتب سابقة للموضوع الذي اختاره، كما تمدّه بالقدرة على المقارنة بين بحثه والدراسات الأخرى من حيث القيمة المضافة والجديد الذي قد يقدّمه في معالجة موضوع بحثه.

2- التفحّص الأولي السريع للمصادر والمراجع، وتصنيف المصادر حسب الأولية والأهمّية، واختيار ما يناسب طبيعة بحثه بنحو يجعله أكثر قيمة، فمثلاً على الطالب مهما أمكن أن يبحث في المصادر قبل المراجع، فإنّ اعتماد المصادر أولى من اعتماد المراجع، وعليه التنبّه إلى اسم القيمة العلمية للمؤلّف الذي يكتب في موضوع بحثه، أو النظر إلى القيمة التاريخية للكتاب من حيث قربه أو بعده الزماني عن
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

71

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 الحدث، موضوع الدراسة... أو عدم الاعتماد على المصادر والمراجع البعيدة عن الدقّة والموضوعية والأمانة العلمية، لكون أصحابها ذوي أهواء وميول متعصّبة مثلاً، أو أن تكون تلك الكتب لا تذكر مصادرها ولا توثّق مادّتها، فلا يعتدّ بها من حيث القيمة العلمية...


3- على الطالب الاعتماد على المصادر المباشرة دون المصادر الوسيطة، بمعنى أنّ موضوع بحثه لو كان عن عصمة النبي عند الإمامية الاثني عشرية، فيعتمد على مصادر علمائهم في فهم نظرية العصمة عندهم، لا أن يعتمد على مصادر أشعرية أو معتزلية أو وهّابية مثلاً، وكذا العكس. 

4- بعد اختيار المناسب من المصادر والمراجع، يقوم الطالب بقراءة استطلاعية سريعة فيها، تهدف إلى معرفة مواطن استخراج الأسئلة والاستفهامات ومعرفة رؤوس أقلام المحاور ومواضع الاقتباسات وغيرها من المعلومات التي يصلح أن تشكّل نقاطاً للدراسة والمعالجة في البحث.

5- مطالعة وقراءة المصادر والمراجع بشكل معمّق ودقيق، والتقميش والاقتباس منها.

6- يستحسن أن تكون القراءة والمراجعة باستخدام نفس المصدر عند تعدّد طبعاته. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
101

72

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 توثيق المصادر والمراجع

إنّ الحديث عن توثيق مصادر ومراجع البحث يُنظر إليه من زاويتين:
- الأولى: فهرس المصادر والمراجع المطبوع في آخر البحث.

- الثانية: قواعد التوثيق وكتابة المراجع في حواشي فصول وأقسام البحث.

وسنتعرّض لاحقاً للزواية الثانية، فنحصر الحديث في هذا الدرس عن الزاوية الأولى.

ينبغي على الباحث جمع البيانات الشاملة وتدوينها عن كلّ مصدر في نهاية البحث، والتي تشتمل على اسم المؤلّف (أو المؤلّفين) الكامل، وعنوان المصدر (الكتاب، المقالة، التقرير...)، وذكر الطبعة (في حالة وجود طبعة ثانية أو أكثر)، مكان النشر، والناشر، وسنة النشر. أمّا بالنسبة للمقالات والدراسات، فيذكر عنوان المجلّة أو الدورية، ثمّ المجلّد والعدد والسنة. وفيما يلي نذكر أهم شروط وقواعد توثيق المصادر:
1- المدخل الرئيس لأيّ مصدر يوثّق هو اسم المؤلف، ويبدأ بعائلته، وإذا كان هناك مؤلّفان، فيذكران معاً، أمّا في حالة وجود ثلاثة مؤلّفين فصاعداً، فيذكر اسم المؤلّف الأول فقط، ثم تضاف عبارة (وآخرون) بين قوسين. 

2- ترتّب المصادر والمراجع هجائياً على أساس اسم العائلة مع إهمال (أل) التعريف في الترتيب لها.

3- في حالة عدم وجود اسم المؤلّف فإنّ المدخل الرئيس يكون اسم هيئة معنوية (وزارة، مؤسّسة...)، وبذلك تكون هذه الهيئة هي المدخل.

4- يذكر اسم المؤلّف مجرّداً من الألقاب العلمية والمهنية... فتحذف كلمة مهندس أو دكتور أو أستاذ أو معالي أو ما شابه ذلك.

5- يبدأ بذكر المصادر العربية، ثم المصادر الأجنبية.

6- المصادر الأجنبية لا تترجم، بل تذكر كما هي في لغتها الأم.

7- يضع المواقع الإلكترونية في نهاية فهرس المصادر.

8- إذا كان هناك مراجع متعدّدة لمؤلّف واحد، تذكر على نحوين: إمّا بتراتبية تاريخ صدورها، وإمّا بتراتبية الأحرف الهجائية لعناوين الكتب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

73

الدرس الثامن: تصنيف المصادر والمراجع، وكيفية توثيقها

 مثال:

عجمي، سامر توفيق، عقوبة الطفل في التربية الإسلامية، 2015م.

9- يذكر اسم الكتاب كما هو في عنوانه المطبوع وليس المشهور، مثلاً لا يقال: وسائل الشيعة، بل: تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة... ولا يقال: تفسير الميزان، بل: الميزان في تفسير القرآن... ولا يقال: تفسير الفخر الرازي، بل: التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب مثلاً... وهكذا.

10. لا يتمّ إغفال أيّ مصدر في الفهرس، وتوضع كلّ المصادر والمراجع (موسوعات، معاجم، كتب، مقالات، أطروحات، مواقع إلكترونية...) التي تمّ الاعتماد عليها والاستناد إليها في فهرس المصادر والمراجع. 

11- لا يذكر في لائحة المصادر أيّ مرجع أو مصدر لم يرد ذكره في متن البحث.

ملاحظة: تختلف شروط التوثيق باختلاف المؤسّسات التربوية والتعليمية، لذا على الطالب مراعاة شروط المؤسّسة التي ينتسب إليها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

74

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 الدرس التاسع: التقميش والاقتباس



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف كيفيّة التقميش المنظّم، وتصنيف المادّة المقمّشة ورقياً وإلكترونياً.
2- يشرح أنواع قراءة المصادر والمراجع.
3- يفرّق بين الاقتباس المضموني والاقتباس الحرفي. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

75

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 ما هو التقميش؟

التقميش، من القَمْش، ويعني لغةً: "جمع الشيء من ها هنا وهنا"1. والتقميش جمع ما يتفرّق على وجه الأرض من فتات الأشياء2.
 
والمعنى الاصطلاحي يناسبه، وهو عبارة عن جمع مادّة البحث والمعلومات والبيانات في بطاقات وملفّات خاصّة، من خلال قراءة مختلف المصادر والمراجع المعتمدة لدراسة المشكلة ومعالجة موضوع البحث.
 
إعداد البطاقات (الفيشات)
بعد أن يضع الطالب مخطّطاً تفصيلياً أولياً بعناصر بحثه، عليه تحضير وإعداد البطاقات الخاصة التي سيقوم بتدوين المعلومات والملاحظات عليها عند البدء بعملية القراءة للمصادر والمراجع المختلفة.
 
وفي هذا السياق، نشير إلى أنّ عملية التقميش تتمّ من خلال اعتماد إحدى طريقتين:

 
الأولى: التقميش الورقي: الذي يعتمد على تدوين المعلومات في بطاقات ورقية خاصّة



1 ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 27.
2 الفراهيدي، العين، ج 5، ص 47.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

76

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 يتمّ شراؤها من المكتبات، واستخدامها يؤمّن للطالب سهولة جمع وتدوين وتصنيف المعلومات لتيسير الاطّلاع عليها.


ومن الأفضل أن يلجأ الطالب إلى استعمال الملف المقسّم إلى أقسام، يماثل في العدد أبواب أو فصول البحث المقدّم من قبله، مع إضافة قسم احتياطي لكتابة بعض المعلومات الهامّة فيه، حول موضوعه، والتي قد تستدعي إضافة فصل آخر إلى البحث.

ومن المستحسن تقسيم البطاقات إلى مجموعتين:
1- مجموعة البطاقات المتعلّقة بالمعلومات المقمّشة (المجمّعة) أو المقتبسة من المصادر والمراجع المختلفة.

2- مجموعة البطاقات المتعلّقة بملاحظاته الشخصية على المعلومات المقمّشة أو المقتبسة من المصادر المختلفة.

الثانية: التقميش الإلكتروني: حيث لا يستخدم الطالب الطريقة التقليدية في التقميش، بل يلجأ إلى استخدام برامج كمبيوترية محدّدة, مثل برنامج OneNote المتوفّر ضمن Microsoftoffice، وهو برنامج مخصّص لحفظ المعلومات وتدوين الملاحظات المختلفة، المكتوبة أو الصوتية، حيث يقدّم البرنامج إمكانية إنشاء العديد من الدفاتر Notebooks، وفي كلّ دفتر يمكن إنشاء أقسام عديدة بأقسام فرعية. ويتمكّن الباحث باستخدامه من الوصول الى المعلومات بشكل أسرع.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108

77

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 أنواع قراءة المصادر والمراجع

أهمّ خطوة في التقميش هي القراءة والمطالعة، حيث يجهّز الطالب بطاقاته الخاصة التي سيجمع فيها مادّة بحثه، ويبدأ بقراءة المصادر والمراجع بعد استكمال قوائمها.

والقراءة، سواء أكانت في البيت أم في المكتبات العامّة أو أيّ مكان آخر، تكون عادة على ثلاثة أنواع:

 

1- القراءة السريعة:
وهي عبارة عن الاطّلاع على فهرس الكتاب للتعرّف إليه، واختيار الموضوعات أو الفصول أو الأبواب التي تتعلّق بموضوع البحث. وبعد تحديد الموضوعات التي لها صلة بالبحث، تبدأ مرحلة تفحّص هذه الموضوعات بصورة سريعة، لتحديد مدى قيمتها, إذ كثيراً ما تكون عناوين الموضوعات جذّابة، ويكون محتواها ليس له قيمة علمية، فيصار إلى استبعادها من قائمة المصادر والمراجع.

2- القراءة العادية المتأنّية:
وهي الاطّلاع على الموضوعات التي لها صلة بالبحث، وفهم معانيها ومغازيها، والاقتباس منها، وتدوين ذلك على البطاقات الخاصة.

3- القراءة المتعمّقة الفاحصة:
وهي قراءة المصادر والمراجع المهمّة التي لها صلة وثيقة ومباشرة بالبحث، قراءة نقدية دقيقة. وفي هذه المرحلة يفكّر القارئ ملياً فيما يقرؤه، فيحلّل ويركّب ويقابل ويستنتج...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

78

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 وقد يحدث في هذه المرحلة أن تتوضّح في ذهن الباحث أو الطالب، حقائق عن فكرة ما ونظرة خاصة عنها، تشكّل جزءاً أو فصلاً من بحثه، يرى من المناسب أن يعالجها مباشرة، كي لا تغيب تفاصيلها ورأيه الخاص بها، عن ذهنه، إذا ما تأخر في ذلك, فلا بأس في هذا، حتى ولو عدّل في رأيه لاحقاً، بعد استكمال مراجعه.


كيفية تدوين المعلومات المقمّشة
عند الخوض في مرحلة القراءة، يختار الطالب والباحث ما يراه مناسباً من معلومات مفيدة للبحث، ويتعامل معها وفق الخطوات الآتية:
1- يدوّن المعلومات على البطاقات الموزّعة وفق موضوعات البحث.

2- يكتب على رأس كل بطاقة اسم الموضوع الذي تعود إليه البطاقة.

3- يكتب اسم المصادر والمراجع التي استخرج المعلومات أو اقتبس منها، مع الإشارة إلى الجزء ورقم الصفحة وتاريخ الطبع والمكان... فكثيراً ما يغفل الباحث عن ذكر المرجع ورقم الصفحة، لانشغاله الشديد في البحث، مع حاجته الماسّة إلى ذلك فيما بعد، فتكون النتيجة أنّه سيعيد بذل الجهد في البحث والفحص للعثور على ضالّته.

تنبيه: يستحسن أن يكتب الطالب على وجه واحد من البطاقة، حتى يتسنّى له تدوين أيّ معلومة إضافية متعلّقة بمضمون ما هو مدوّن على البطاقة في الوجه الآخر منها.

ويفضّل أيضاً، أن يُفرد الطالب لكلّ كتاب مجموعة من البطاقات الخاصّة به، توضع في مغلّف كبير يكتب على ظهره: اسم المؤلّف، وعنوان الكتاب، وطبعته، ومكان وتاريخ نشره.

طرق تدوين المعلومات المقمّشة
لتدوين المعلومات المقمّشة على البطاقات، عدّة طرق:
1- الاقتباس الحرفي من النصّ.

2- الاقتباس المضموني من النصّ.

3- شرح وتفسير مضمون النصّ، وتحليله، ومناقشته بلغة الباحث.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

79

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 تصنيف المادة المقمّشة

بعد أن يستكمل الباحث قراءة كلّ المصادر والمراجع المتعلّقة بموضوع بحثه، وينقل ما يريد نقله إلى البطاقات الخاصة بذلك، يبدأ من جديد بقراءة دقيقة ومتفحّصة للبطاقات، من أجل تجميع البطاقات المتشابهة في موضوعها، وفرز بعضها عن بعض، بغية توزيعها على أبواب الرسالة أو فصولها، أو أبوابها وفصولها معاً. وهذا الفرز يوضّح للباحث أو للطالب مدى قصور أو كفاية المعلومات المجمّعة واللازمة لموضوعاته المبوّبة. وقد يحمله ذلك في حالة القصور، إلى استكمال بحثه في مراجع أخرى، أو التخلّي عن بعض الأبواب أو الفصول أو المباحث.

ويمكن أن نطلق على هذه العملية، اسم التصنيف, أي تصنيف المعلومات بحسب موضوعاتها، وتوزيعها على أبواب الرسالة وفصولها. ولذا، فإنّ المادة المجمّعة أو المقمّشة هي التي تحدّد في نهاية المطاف هيكلية البحث ومساره.

تعديل مخطّط البحث أو الرسالة
بعد الاطّلاع الدقيق على البطاقات، وتوزيعها على الأبواب والفصول، قد يجد الطالب أنّه من الضروري إضافة بعض الأبواب أو الفصول أو المباحث إلى موضوع بحثه، أو بالعكس، الاستغناء عن بعض الأبواب أو الفصول أو المباحث، أو التعديل في تبويب الأبواب أو الفصول، فيقدّم باباً على باب وفصلاً على آخر، أو يؤخّره. وفي هذه الحالة يجد نفسه مضطراً إلى إجراء تعديل في مخطّط البحث أو الرسالة، وهذا ما يحصل غالباً مع الطلاب الباحثين.

ومثل هذا التعديل قد يؤثّر على تسمية البحث نفسه أو عنوانه، ممّا يستدعي أخذ موافقة الأستاذ المشرف على ذلك، وإجراء عملية التغيير رسمياً في إدارة الكلية التي ينتسب الطالب إليها.

مع الملاحظة بأنّ كلّ تعديل، سواء في عنوان البحث أو موضوعاته الداخلية، يجب أن يحظى بقبول الأستاذ المشرف، والذي قد يعطي موافقته على ذلك، ويرحّب به، إذا كان التعديل منطقياً وموضوعياً نتيجة قراءات الطالب واجتهاده. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
111

80

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 نماذج وأشكال بطاقات التقميش


1- نموذج بطاقة بحثية للمحاضرات: 
عنوان المحاضرة: ........................... اسم المحاضر: ........................................
مكان المحاضرة: ......................... زمن وتاريخ المحاضرة: ..................................
الموضوع:
النص:

2- نموذج بطاقة جمع المعلومات من الكتاب:
اسم المؤلف: ................ عنوان الكتاب: ................................................. 
دار النشر: ...................... رقم الطبعة: ............... بلد الناشر: ...............................
تحقيق: ................................ ترجمة: ...................................
الجزء: ....................... الصفحة: ........................ سنة النشر: ............... 

موضوع البطاقة:
3. نموذج بطاقة جمع المعلومات عن الدوريات: مجلات وصحف:
عنوان الدورية: .................................................. عنوان الموضوع: ............................................... 
اسم المؤلف: ...................................... رقم المجلّد (......) رقم العدد: ...................................... 
رقم الصفحات: ............................................. سنة النشر والسنة: ............................................. 
ملاحظة: من المناسب ترقيم البطاقات أو ترميزها في زاوية البطاقة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

81

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 الاقتباس

من الأمور المرتبطة عضوياً بالتقميش مسألة الاقتباس, ولذا نورده بعده مباشرة، وإن كان حقّه التأخير حسب مراحل إنجاز البحث إلى حين الحديث عن كتابة البحث، ولتكن المسألة من باب تقديم ما حقّه التأخير.
 
ما هو الاقتباس؟
الاقتباس لغةً من القبس، أي شعلة من نار، ويقال قبست منه ناراً، أي أعطاني منه قبساً، ويقال اقتبست من فلان علماً، أي استفدت منه1
 
والمعنى الاصطلاحي مناسب للمعنى اللغوي, لأنّ الاقتباس عبارة عن شكل استفادة الباحث من المصادر والمراجع التي يقرؤها بهدف تجميع المادة العلمية التي يستخدمها في بحثه.
 
ويقوم الاقتباس على الاستشهاد بآراء الباحثين الآخرين المتخصّصين، والذين يعتبر لآرائهم قيمة علمية عالية من أجل تدعيم وجهة النظر التي يعرضها الباحث أو يتبنّاها.
 
والاقتباس نوع من التفاعل مع وجهات نظر الآخرين فما يتعلّق بالموضوع الذي يعالجه الباحث، وهو أمر طبيعي في الأبحاث العلمية والحقول المعرفية المختلفة, لأنّ طبيعة المعرفة الإنسانية تراكمية تنمو وتتطوّر من خلال تلاقح الأفكار واستفادة العلماء والباحثين بعضهم من بعضهم الآخر, فتواصل الجهود وترابطها في المجال البحثي يؤدّي إلى تعزيز المعرفة والعلم. بل يؤدّي خلوّ البحث من الاقتباس إلى ضعف القيمة الأكاديمية والعلميّة له.



1  الجوهري، الصحاح، ج 3، ص 960.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
113

82

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 أنواع الاقتباس

الاقتباس على نوعين:
أولاً: الاقتباس الحرفي:
وهو عبارة عن استفادة الطالب حرفياً من المصدر والمرجع، ضمن الخطوات الآتية:
1- أن ينقل النصّ بدقّة وأمانة كما هو مكتوب في متن المصدر المنقول عنه حرفاً بحرف، وبشكل تامّ من دون تغيير أو حذف في الأحرف والكلمات والكيفية.
 
2- يوضع الكلام المقتبس حرفياً بين ظفرين أو علامات التنصيص "..."، مثال: "إنّ موضوع التربية هو الإنسان، بجميع جوانبه وأبعاده. وهدف التربية - بالمعنى الأعمّ - صناعة هذا الإنسان وإعداده للحياة الطيّبة".
 
3- تشترط بعض المؤسَّسات التعليمية، إذا تعدّى الاقتباس حجم بعض الأسطر إلى صفحة أو أكثر، أن يوضع بصورة مميّزة، وذلك بحرف أصغر من الحرف المعتمد في البحث1، وعلى سطر جديد، على أن يُترك هامش أو فسحة من الفراغ بينه (أي بين الاقتباس) وبين آخر سطر قبله وأول سطر بعده, وكذلك هامش من الفراغ على يمين وشمال الاقتباس يكون أوسع ممّا هو متّبع في بقية البحث أو الرسالة.
 
ومن ناحية أخرى، يجب أن يكون الفراغ بين أسطر الاقتباس أقلّ ممّا هو موجود بين الأسطر العادية في النصّ. 



1 نشير إلى أن شروط التخريج الفني للنصوص المقتبسة تختلف من جامعة إلى أخرى، فبعض الجامعات تعتمد أسلوب الشولتين " " في تخريج كلّ النصوص المقتبسة حرفياً، وبعضها يعتمد الأسلوب الثاني المذكور في المتن.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
114

83

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 4- عدم تصحيح الخطأ الوارد في النصّ لفظاً أو معنى. فقد يكون ثمّة خطأ لفظي في النصّ، كأن ينقل الباحث آية أو حديثاً مع أخطاء إملائية أو نحوية، فتكتب الآية كما وردت في المصدر من دون تصحيح، أو أن يكون ثمّة خطأ معنوي، كأن يقول المؤلّف صاحب المصدر: يقول الطوسي (شيخ الطائفة): "وكلّ قادرٍ عالمٍ، حيٌّ بالضرورة"، ويشير في الحاشية إلى أنّ المصدر هو تجريد الاعتقاد.

 
وهناك طريقتان للإشارة إلى الخطأ: الأولى: وضع علامة (*) بعد الخطأ الوارد في النصّ، والقيام بتصحيح الخطأ اللفظي أو المعنوي في الحاشية، ويقول في الحاشية: الصحيح كذا. 
 
والثانية: وضع كلمة (كذا) بعد الخطأ الوارد في النص، ويصحّح في الحاشية.
 
5- أن لا يخلط كلامه وتوضيحاته وشروحاته في متن النصّ من دون الإشارة إلى ذلك. وإذا اضطر الطالب إلى إضافة كلمة أو بعض الكلمات في النصّ المقتبس لربط الاقتباس بما يسبقه من مضامين أو ليوضّح لبساً في النصّ المقتبس، كتوضيح عودة الضمير أو الفاعل أو المفعول... فإنّ عليه أن يضع ذلك بين قوسين مركنين ()، ويصطلح عليهما أيضاً المعقوفتين.
 
6- إذا اضطر الطالب إلى أن يجتزىء من النصّ الذي يقتبسه، كلمة أو عبارة أو فقرة لا يحتاجها، فيمكنه ذلك، بشرط أن يضع ثلاث نقط أفقيه (...) في الموضع الذي تمّ حذفه من النصّ، مثال: استدلّ علماؤنا (كذا) على كراهة سؤر الجلالة بحديث هشام (بن سالم)، ودلالته بيّنة... وعلى كلّ حال، فضعف الدلالة منجبر بأحاديث ما لا يؤكل لحمه"1
 
ويشترط أن لا يؤدّي الحذف من النصّ إلى الإخلال بالمعنى الذي يريده المؤلّف وتشويه الفكرة.
 
ثانياً: الاقتباس المضموني:
وهو عبارة عن استفادة الطالب من مضمون النصّ وروح معناه، والاستشهاد بالفكرة الواردة في النصّ بنحو غير حرفي، كأن يستعين الباحث بأفكار وآراء عرضها المصدر، ثمّ 



1  الجواهري، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق وتعليق عباس القوجاني، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365هـ.ش.، ط 2، ج 1، ص 372. قوله: علمائنا، الصحيح: علماؤنا لأنها فاعل مرفوع، فتكتب الهمزة على الواو.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
115

84

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 يقوم بصياغتها بأسلوبه الخاصّ ولغة جديدة من دون تشويش المعنى الذي يقصده الكاتب الأصلي، فحينها لا يوضع الكلام ضمن الظفرين أو الشولتين " "، ويتمّ الإشارة إلى المصدر بعبارات مثل: أنظر، راجع... 


شروط الاقتباس وقواعده
1- يشترط أن يكون الاقتباس منسجماً ومرتبطاً بالمعلومات والتحليلات التي تقدّمته أو ستليه.

2- على الباحث أن لا يقتبس نصوصاً طويلة جداً، كأن يتجاوز عددها 3 صفحات مثلاً.

3- على الباحث أن لا يكثر ويسرف من الاقتباس، لأنّه يعتبر من دلائل الوهن في البحث, حيث تنطمس معها شخصية الباحث وتغيب هويّته العلمية، في حين أنّ المطلوب في البحث هو إبراز موهبة الباحث وقدراته العلمية. ولذا، ترفض عادة الأبحاث أو الرسائل التي يكثر فيها أصحابها من الاقتباسات بصورة غير مألوفة.

نعم، إذا كانت الرسالة، كلّها أو معظمها، تنصبّ تحديداً على مناقشة رأي محدّد لمفكّر معيّن، كأن تعالج الرسالة موضوعاً في فكر الشيخ المفيد أو الطوسي أو الإمام الخميني أو الشهيد الصدر... فعندها ينبغي إيراد نصّ الرأي المراد الاستشهاد به والاستدلال عليه أو مناقشته، حتى ولو كان أكثر من صفحة.

4- لا بدّ قبل الاقتباس أو بعده - وفق ما تقتضيه طبيعة تسلسل الأفكار في البحث - من وجود بصمة شخصية للباحث بالتحليل والشرح والمناقشة والنقد.

5- على الطالب التأكّد من أن صاحب الكتاب الذي يقتبس منه، لم يغيّر رأيه في طبعة جديدة للكتاب، أو فيما نشره من أبحاث.

6- وعلى الطالب التنبّه إلى أنّه قد يعتمد على مصدر أو مرجع ذات قيمة عالية، ولكن لو كان هذا المصدر أو المرجع قد اقتبس واستمدّ معلوماته من مراجع معينة تحيل قارئها إلى مصادرها، أن يعود إلى المراجع الأصلية لتحقيق المعلومات المستفادة من المراجع حال الاقتباس, إذ يمكن أن تكون هذه المراجع قد أساءت فهم المعلومات الواردة في المصادر الأصلية، أو حرّفتها، أو أضافت إليها، أو أنقضت منها...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
116

85

الدرس التاسع: التقميش والاقتباس

 بين الاقتباس والقرصنة

من شرائط البحث العلمي الأمانة العلمية وحفظ الحقوق الفكرية لمن يُنقَل عنه، فعلى الطالب الإشارة في الحاشية بنحو تفصيلي إلى المصدر والمرجع الذي تمّت استفادة النصّ منه, أي عرض اسم الكتاب والمؤلّف ورقم الصفحة...، وبذلك يكون الاقتباس تبادلاً علمياً مشروعاً بين الباحثين. أمّا إذا اقتبس الطالب أو الباحث من نصوص مؤلّفين آخرين، ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى أنّه استفادها من مصادر ومراجع أخرى، فيعتبر ذلك قرصنة وسرقة وانتحالاً، وهو موضع محاسبة أكاديمية، وفي بعض الدول يكون المنتحل قيد المتابعة القضائية, لأنّه تعدى على حقوق الملكية الفكرية للكاتب. 

نعم، الحقائق المتعارف عليها والمعلومات المتسالمة التي يأخذها الطالب من بعض المصادر لا تحتاج إلى توثيق وذكر المصدر أو المرجع حولها. مثل: صدر المتألهين الشيرازي مؤسّس مدرسة الحكمة المتعالية، أرسطو هو الواضع الأوّل لعلم المنطق...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

86

الدرس العاشر: كتابة البحث (1)

 الدرس العاشر: كتابة البحث (1)



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى كيفية الاستفادة الصحيحة من المادّة المقمّشة خلال كتابة البحث.
2- يفهم قواعد أسلوب الكتابة الناجح ويطبّقها.
3- يعرف كيفية التحقّق من نجاح أسلوب كتابة البحث. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
119

87

الدرس العاشر: كتابة البحث (1)

 تمهيد

بعد أن يستكمل الطالب كلّ قراءاته المفيدة في المصادر والمراجع، ويقمّشها أو يجمعها في البطاقات الخاصّة بها، وينجز فرزها بحسب الموضوعات، ويوزّعها على الفصول والأبواب العائدة لها (التجميع والتصنيف)، تبدأ مرحلة جديدة من عمله، هي مرحلة البدء بكتابة البحث, وتلعب القدرات الخاصّة للباحث المتفاعلة مع المادّة المقمّشة والمبوّبة، دوراً عظيم الشأن في عملية إبداع البحث، ينتج عنها التفاوت الكبير بين باحث وآخر، وبحث وآخر.

والطالب الباحث الحاذق الموهوب، المتذوّق للّغة وأساليبها وقواعدها، والمتمرّس فيها، هو الذي يحلّق في ميدان بحثه، وينسج من المادّة المقمّشة بين يديه، بحثاً خلَّاقاً. فكما أنّ الصائغ، الذي يبدع من لآلئه عقداً يخطف الأبصار بجماله وبريقه، فكذلك الباحث المبدع هو الذي يحسن صناعة البحث ويجيده ويحقّق النتائج والأهداف المرجوّة, مع أنّ المواد الأولية والمصادر مشتركة بينه وبين الباحثين الآخرين.

انتقاء المعلومات
تعدُّ مرحلة انتقاء المعلومات اللازمة من المادّة المقمّشة، من أهمّ المراحل وأكثرها دقّة في البحث العلمي, وعلى الطالب فيها أن يحسن الاختيار، فينتقي المعلومات التي تتعلّق مباشرة بموضوع بحثه، ويُهمل غيرها لعدم لزومه. فينبغي للباحث أن يتجنّب الاستطراد ما وسعه ذلك، كإضافة فصل أو مبحث لا لزوم له، أو مناقشة لا ضرورة لها, لأنّ الاستطراد يحدث اضطراباً في ذهن القارىء وتفكّكاً في أجزاء البحث.

وقد يجد الطالب نفسه في الكثير من الأحيان في مأزق الاختيار، وصعوبة التخلّي عن جزء ولو يسير من المادّة المجمّعة، التي كلّفته جهداً ليس باليسير، فيعمد إلى حشرها في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
121

88

الدرس العاشر: كتابة البحث (1)

 ثنايا البحث، بطريقة أو أخرى، وعليه هنا أن يعلم أن الحفاظ على ما بذله من جهد لا يعني حشو المعلومات المجمّعة كيفما كان في البحث عند كتابته، بل عليه أن يتنازل عن قدر من المعلومات المجمّعة, لأنّ التخلّي عن بعض ما يجمعه من مادّة، حاصل حتماً, وهو شيء طبيعي بالنسبة إلى كلّ طالب باحث، فالمعلومات الزائدة قد تؤدّي إلى إيقاع الخلل في مجمل البحث، فتُفقده وحدته وتناسقه، وقد تجعله يتجاوز السقف المطلوب.


وعليه عند وجود معلومات متمركزة حول محور واحد تمّ استخراجها من أكثر من مصدر أن يعمد إلى الأخذ بالأهمّ فالأقلّ أهمّية، ويقيّم ذلك بحسب طبيعة المصدر والمؤلّف وموثوقية المعلومات... إلى آخره من المعايير.

وعليه أن يختار أيضاً المعلومات المتجانسة والمتناسقة والتي تخلو من التعارض والتناقض والتضارب فيما بينها. 

كتابة البحث
بعد انتهاء الباحث من انتقاء المعلومات اللازمة يبدأ بالخطوة الأخيرة من خطوات إعداد البحث العلمي، وهي كتابة البحث، حيث يسير الباحث وفق الخطوات الآتية: 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

89

الدرس العاشر: كتابة البحث (1)

 1- المسوّدة:

هي الصحيفة أو الصحائف تكتب أوّل كتابة، ثمّ تنقّح وتحرّر وتبيّض"1.
 
وهي أوّل ما يبدأ الباحث به, ويبدأ بكتابة أبواب بحثه وفصوله، أو موضوعاته، ويرجئ كتابة المقدّمة والخاتمة حتّى الانتهاء من كتابة الأبواب, وأوّل ما يبدأ به من الأبواب الباب التمهيدي, وبعد أن ينتهي من كتابة موضوعات البحث ينتقل إلى كتابة الخاتمة فالمقدّمة.
 
2- التعليق:
وهو كتابة التعليقات، والتعليقة: ما يذكر في حاشية الكتاب من شرح لبعض نصّه، وما يجري هذا المجرى"2.
 
ويراد بالحاشية - هنا - أسفل صفحة الكتاب أخذاً من حاشية الثوب3.
 
3- المبيّضة:
وهي الصورة النهائية أو الشكل الأخير لكتابة البحث.
 
وفيها ينتهي الباحث من كلّ مستلزمات البحث، مراعياً قواعد وشروط الكتابة الناجحة التي سنتناولها بشكل تفصيلي ضمن الفقرات اللاحقة. 
 
أوراق البحث وكيفية استخدامها في كتابة البحث
يستحسن من الطالب أن يكتب على أوراق مسطّرة كبيرة الحجم، ذات هوامش واضحة، وأن يترك فراغاً بين كلّ سطر وسطر، وألّا يكتب إلّا على وجه واحد من الورقة، وأن يترك في أسفلها ما يكفي لكتابة المراجع والتعليقات (الحواشي).
 
وإذا طرأت لديه معلومة يريد إضافتها، فبإمكانه أن يفعل ذلك، إمّا على الفراغ القائم بين السطر والآخر، إذا كان يكفي ذلك، وإما بوضع علامة (سهم) ← يبدأ من المكان الذي يجب أن تبدأ الزيادة عنده، ويمتدّ إلى نهاية السطر، كإشارة إلى أنّ الإضافة ستكون على ظهر الصفحة.




1 مجمع اللغة العربية بالقاهرة, المعجم الوسيط, القاهرة، 1972م, ط2, مادّة (سود).
2 م.ن, مادّة (علق).
3 راجع: الدرس 15.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
123

90

الدرس العاشر: كتابة البحث (1)

 وإذا كان هناك أكثر من إضافة، يمكن أن يضاف إلى السهم الأوّل، رقم (1)، فيصبح: ← (1)، وإلى الثاني رقم (2) فيصبح: ← (2)، وهكذا دواليك.


وإذا تعدّدت الإضافات بحيث لا يكفي ظهر الورقة لاستيعابها كلّها، فيحسن عندها إلغاء الورقة وإعادة كتابتها من جديد، وإدخال الإضافات بصورة طبيعية، ولا سيما أنّ كثرة الإضافات تربك القراءة، وقد تجعلها متعسّرة.

وإذا كانت الإضافة واحدة كبيرة، فيمكن كتابتها على ورقة مستقلّة، ثم يصار إلى قطع الورقة الأولى من المكان الذي يراد إلحاق الإضافة به، حتى تبدو المعلومات متسلسلة، ثم تثبت الورقة الإضافية في المكان المراد، سواء بواسطة الصمغ، أو بواسطة ورق لاصق على ظهر الصفحة.

من هنا تبرز أهمّية اتّباع الأسلوب الجيّد والسليم في كتابة البحث, فأسلوب الكتابة هو البصمة الخاصّة بكلّ باحث, إن أجاده الباحث, واتبّع قواعده الصحيحة حقّق نجاحاً في بحثه.

قواعد أسلوب الكتابة الناجح
من أهمّ نقاط نجاح كتابة البحث من حيث الأسلوب، أن يكون متميّزاً بعدّة صفات:

 

1- الوضوح والبساطة, أي أن تكون الألفاظ واضحة في الدلالة على المعنى، وخالية من التعقيد والإبهام، فلا تستخدم الكلمات الغامضة، أو المشتركة لفظاً من دون قرينة، أو المجملة التي تحتمل أكثر من معنى، أو الغريبة البعيدة عن الأنس الذهني لأهل اللغة... وتدرس هذه الشروط عادة في ما يعرف بعلم البيان.

2- الصحّة: أي أن يكون اللفظ موصلاً للمعنى بشكل صحيح وسليم إلى ذهن المخاطَب، وخالياً 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
124

91

الدرس العاشر: كتابة البحث (1)

 من الأخطاء اللفظية والمعنوية، مراعياً قواعد الإملاء والنحو والصرف وعلم المعاني.

 
3- الحسن: أي أن يكون الكلام عذباً تتذوّقه الباصرة والسامعة بجمال عند قراءته، مراعياً شروط علم البديع.
 
ولذا، عبّر عن العلوم الثلاثة (البيان، المعاني، البديع) التي يدرس كلّ واحد منها أحد تلك الصفات والخصائص بعلم البلاغة, لأنّ معنى البلاغة في اللغة هو الوصول والانتهاء, وفي التعبير الشفهي أو الكتبي معنى البلاغة وصول القول إلى غايته في وضوح الدلالة وحُسن المعنى وجودته وصحّته وسلامته. وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام، أنّه قال: "البلاغة ما سهُل على المنطق وخفَّ على الفطنة"1. وعنه عليه السلام: "ثلاثة فيهنّ البلاغة: التقرّب من معنى البُغية، والتبعّد عن حشو الكلام، والدلالة بالقليل على الكثير"2.
 
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: "ليست البلاغة بحدّة اللسان، ولا بكثرة الهذيان، ولكنّها إصابة المعنى وقصد الحجّة"3.
 
4- التماسك والترابط المنطقي والتسلسل الهندسي بين العبارات والفقرات: وبعبارة أخرى: الألفاظ قوالب تصبّ فيها المعاني والأفكار, وكما أنّ للأفكار قوانين لتعقّلها وإدراك العلاقات القائمة بينها، لتجنّب الوقوع في الخطأ والزلل، فكذلك للألفاظ قوانين خاصّة من حيث هي ألفاظ، ومن حيث دلالتها على معانٍ محدّدة. وهذه القوانين تحكمها علوم قواعد اللغة العربية كما يحكم الأفكار علم المنطق.
 
وحتى تُدرك بوضوح العلاقات القائمة بين الأفكار والألفاظ، لا بدّ للباحث أن يستخدم أسلوباً علمياً دقيقاً، واضحاً بسيطاً، لا لبس فيه ولا غموض، ولا تكرار، ولا إطناب مخلّ، ولا إسهاب مملّ، سواء كان ذلك في الألفاظ أو في الأفكار, فقد تكون الأفكار مشوّشة مضطربة، لا تماسك فيها ولا وضوح، ويكون التعبير عنها، مفكّكاً، مضطرباً، غامضاً. وأحياناً قد تكون الأفكار واضحة في ذهن الباحث، لكنّه يُعبِّر عنها بأسلوبٍ غامض،



1 الآمدي، غرر الحكم، ح1881.
2 الحراني، تحف العقول، ص 317.
3 م.ن.، ص 312.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
125

92

الدرس العاشر: كتابة البحث (1)

 ومفكّك, لعدم قدرته اللغوية على التعبير عن أفكاره بصورة صحيحة وسليمة, فالأسلوب المُتبّع في البحوث كافة سواء كانت فلسفية, أو أدبية, أو تاريخية, أو فقهية... يؤدّي إلى إنجاح أو إفشال البحث.


توصيات حول أسلوب الكتابة الناجح
يمكن أن نوجز أهمّ التوصيات المساعدة في تحقيق أسلوب ناجح بالآتي:
1- الالتزام بخطّة البحث والعناوين المقرّر علاجها، دون الخروج عنها مطلقاً.

2- عدم تكرار الأفكار الواردة، ولو بأسلوب آخر، إلّا لدواعٍ توضيحية.
3- عدم إغفال أيّ نقطة من المقرّر مناقشتها والحديث عنها.

4- اعتماد الجمل القصيرة، وتحاشي الفصل الطويل بين الفعل والفاعل، أو بين المبتدأ وخبره.

5- الابتعاد عن الألفاظ الصعبة أو الغريبة، واعتماد الكلمات السهلة والبسيطة، دون اللجوء إلى الكلمات السطحية.

6- التزام قواعد اللغة العربية الصحيحة، وضوابط الإملاء.

7- تجنب استخدام ضمير المتكلّم ما أمكن، أو استخدام عدّة ضمائر بشكل مضطرب بما ينسّف تناسق النصّ ووحدته.

كيفية التحقّق من نجاح أسلوب كتابة البحث 
يمكن للتحقّق من نجاح أسلوب كتابة البحث طرح التساؤلات المساعدة الآتية:
1- هل الجمل طويلة جدّاً أم قصيرة؟ وهل هناك استطراد أم إيجاز؟ وأيّ منهما المفيد أو المخلّ من حيث إيصال المعنى المراد؟

2- هل الجمل بسيطة وواضحة في الدلالة على المعنى أم أنّها مبهمة وغامضة ومعقّدة؟

3- هل ترتبط الجمل عضوياً داخل الفقرة الواحدة بنحو متناسق ومنسجم؟ 

4- هل ترتبط الفقرات فيما بينها بنحو يشعر بوحدة النصّ وانسجامه؟

5- هل الفقرة كافية في عرض التفاصيل والأمثلة الموضّحة، أم أنّها قاصرة عن بيان المراد؟
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
126

93

الدرس العاشر: كتابة البحث (1)

 6- هل تحوي كلّ فقرة على فكرة جديدة، أم أنّها مكررة؟


7- هل استخدمت بعض العبارات أو المصطلحات أو الكلمات بشكل مملّ يتعارض مع ضرورة التجديد والتنويع في الأسلوب؟

8- هل الأسلوب المستخدم سردي أو حواري أو بطريقة ترقيم الأفكار؟ 

9- هل الزمن المستخدم في الأفعال، من ماضٍ أو مضارع، مناسب للكتابة؟

10- هل المبتدأ والخبر متناسقان إعرابياً من ناحية الرفع؟

11- هل الضمائر التي تشير إلى أشخاص أو أحداث واضحة؟

12- هل الصفات مناسبة لموصوفاتها من حيث العدد والنوع؟

وستأتي الأجوبة عن بعض هذه الأسئلة في الدرس اللاحق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

94

الدرس الحادي عشر: كتابة البحث (2)

 الدرس الحادي عشر: كتابة البحث (2)



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يراعي قواعد اللغة العربية في صياغة البحث وحسن اختيار العبارات والربط الصحيح بينها.
2- ينظّم أفكار البحث ومضامينه وفق الترتيب المتسلسل والمنطقي للفقر.
3- يلتزم بقواعد الترقيم الصحيح.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
129

95

الدرس الحادي عشر: كتابة البحث (2)

 تمهيد

أشرنا في الدرس السابق إلى بعض القواعد المتعلّقة بالكتابة الناجحة، ونتابع بيان بعض القواعد بشكل أوضح. وقبل ذلك، ننبّه الطالب إلى أنّ أقرب الطرق إلى استعمال الأسلوب الناجح يتحقّق من خلال مداومة الطالب على مطالعة الكتب التي يُشهد لكتّابها بأسلوبهم البلاغي والحسن والصحيح، وتذوّق أساليبهم، والتمرّس على الكتابة والصياغة... 

حُسن اختيار الألفاظ
من أهمّ قواعد أسلوب الكتابة الناجحة حسن اختيار الألفاظ، ويتمّ ذلك من خلال اتّباع عدّة توصيات:
1- انتقاء الألفاظ والكلمات والمصطلحات المناسبة لنوع البحث وطبيعته, أي الألفاظ التي تستعمل عادة في اللغة العلمية لميدان البحث الذي يكتب الباحث عنه.

2- اختيار الألفاظ التي تعبّر مباشرة عن المعنى المقصود بشكل مختصر وواضح. 

3- الإشارة إلى المعنى الصريح المقصود من اللفظ عند تعدّد معاني اللفظ الواحد.

4- الابتعاد عن الألفاظ الغريبة والغامضة والتي لا يستأنسها المخاطَب, لأنّها تؤدّي إلى تعقيد المعنى وعدم فهمه.

وباختصار: اللفظ جسم روحه المعنى. وارتباط اللفظ بالمعنى كارتباط الجسم بالروح، وللدقة في اختيار الألفاظ، والتناسق فيما بينها، شأن بالغ في عملية التأثير على القارئين والسامعين.

والتناسق بين الألفاظ يحصل عندما يحتلّ كلّ لفظ مكانه المناسب في الجملة، التي تقوم بتأدية وظيفتها التعبيرية عن المعنى المراد أو الفكرة المقصودة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
131

96

الدرس الحادي عشر: كتابة البحث (2)

 حسن اختيار العبارات والربط الصحيح بينها

وعلى الطالب أن يراعي في العبارات والجمل الشروط الآتية:
1- أن تكون العبارات في الكتابة العلمية على قدر المعاني بدون زيادة أو نقصان, أي اعتماد الجمل القصيرة مهما أمكن، فما يمكن التعبير عنه بكلمات معدودات يجب ألّا يتجاوزها إلى أكثر من ذلك، وإلا عُدّ لغواً وحشواً مسيئاً إلى المعنى.

2- أن يُحسن الربط بين الجمل, لأنّ الربط المنظَّم بين الجمل يساعد على توضيح الأفكار وإيصالها إلى القارىء. 

3- أن يبتعد عن الجمل الإنشائية وزخرفة الألفاظ، التي لا معنى لها سوى زخرفة الأسلوب من دون فائدة علمية.

4- أن يتجنّب تكرار العبارات في بيان مضمون الفكرة. 

5- أن يتجنّب استخدام العبارات المسيئة، والتي تحتوي على التهكّم والسخرية من بعض الآراء. 

الابتعاد عن العبارات التي قد توحي بالغرور والإعجاب
يلجأ بعض الطلاب للتعبير عن آرائهم إلى استعمال صيغة المفرد للمتكلّم, التي قد تظهر فيها مظاهر القوّة والاعتداد بالنفس، مثال ذلك: وأنا أرى، أمّا أنا فأرى، ورأيي أنا، أمّا الرأي الذي أراه، أمّا أنا فأعتقد، أمّا أنا فأظنّ...

ويلجأ بعض آخر من الطلاب إلى استعمال صيغة الجمع للمتكلم, في بحوثهم، ظناً منهم أنّ في ذلك تخفيفاً لمظاهر الإعجاب والاعتداد والثقة بالنفس، مثل: ونحن نرى، أمّا نحن فنرى، ونحن نظنّ، ونحن نميل، ونحن نعتقد، ونحن لا نوافق... 

لكن، يُنصح الطالب بتجنب استعمال الضمائر بنوعيها: ضمائر المتكلم وضمائر الجمع، والاستعاضة عنها بأساليب علمية مجردة من كلّ مظاهر الغرور أو الاعتداد بالنفس, وأحسن وقعاً على القارىء، مثل: (يمكن القول)، (يبدو أن)، (ويظهر أنّ)، (ولعلّ الرأي الأقرب إلى الصواب)، (يتّضح ممّا سبق ذكره)، (بيد أنّ الرأي الغالب)، (علماً بأنّ)، (على أنّ)، (مع العلم بأنّ)، (ولذا)، (ولهذا)، (وهكذا)، (بيْدَ أنّ)، (فضلاً عن أنّ)، (ولكنّ)، (وبالإضافة إلى)، 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

97

الدرس الحادي عشر: كتابة البحث (2)

 (ومن ناحية أخرى)، (مع الملاحظة بأنّ)، (مع الإشارة إلى أنّ)، (والجدير بالذكر)، (ومن المستحسن)، (ويستحسن)، (ويفضّل)... 


تشكيل الآيات القرآنية وبعض الألفاظ 
على الطالب أن يشكّل الآيات القرآنية كما وردت تماماً، وذلك لتيسيير قراءتها. كما يستحسن منه تشكيل الكلمات النادرة الاستعمال، وكذلك الألفاظ التي يمكن أن يلتبس لفظها على القارىء، أو بالأحرى تشكيل الحرف الذي يجعل قراءتها أيسر، بوضع شدّة أو كسرة أو ضمّة عليه... 

مثال على ذلك:
- من كذَب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار".
- شرْعُ مَنْ قَبْلَنا".
- إنا كنّا نحدِّث عن رسول الله إذ لم يكن يُكذب عليه...".
- يجوز، يجوِّز. يكون، يكوِّن. ويَردُّ، ويُردُّ... 

تجنّب التدليل على الآراء المسلّمة
على الباحث ألا يغرق نفسه في الاستدلال على الآراء البديهية ووجهات النظر المسلّمة والتي تلقى عموم الاعتراف بصحتها ولا خلاف عليها, لأنّ ذلك من قبيل تحصيل الحاصل. 

وعليه ألا يقحم نفسه في تسليط الضوء على بعض المسائل أو المشكلات التي يمكن أن تفتح عليه باباً واسعاً من النقاش والجدل الذي لا طائلة منه.

أمّا في حال الضرورة للمناقشة والجدال، فعليه الالتزام بآداب البحث والمناظرة، التي تحتّم عليه التواضع العلمي واحترام آراء الغير، وعدم الاستخفاف بها, وإن كانت صادرة عن باحث مبتدىء أو غير مشهور.

الترتيب المتسلسل والمنطقي للفقر
الفقرة كناية عن مجموعة من الجمل المترابطة فيما بينها لإبراز فكرة ما، أو لإيضاح حقيقة ما. وهي تؤلّف مع غيرها من الفقرات، بحثاً في فصل، أو فصلاً في باب. ومن المستحسن ألّا تطول الفقرة كثيراً، وأن يكون طولها مقبولاً. ويشترط في ترتيب الفقرات، 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
133

98

الدرس الحادي عشر: كتابة البحث (2)

 التسلسل المنطقي فيما بينها، بحيث تكون الصلة بينها صلة جوهرية عضوية، كلّ منها تنبثق عن الأخرى، بحيث إذا قطعت أو بترت إحداها، ضاع المعنى العامّ منها، وحصل التشتّت في ذهن القارئ. وباختصار، ينبغي أن تكون الفقرات متماسكة مترابطة في جسد واحد.


وبما أنّ كلّ فقرة تعبّر عن فكرة، فيجب البدء على سطر جديد عند بداية كلّ فقرة ويُستحسن ترك جزء أو فسحة من الفراغ، بين كلّ فقرة وأخرى، أوسع حجماً من الفراغ الكائن بين السطرين العاديين، كما هو الحال في هذا الكتاب.

حُسن تقسيم العناوين أو تفريعها
قد يضطر الطالب إلى أن يقسّم عنواناً رئيساً إلى أقسام، وهذه الأقسام إلى أقسام أخرى، أو أبحاث، وهكذا... وفي هذه الحال، فإنّ عليه أن يجعل بداية سطور الأقسام الأولى، داخلة قليلاً عن بداية سطور الأصل، وأن يجعل بداية سطور الأقسام "الثانية"، داخلة قليلاً عن بداية سطور الأقسام الأولى.

مثال على ذلك:
حديث الآحاد: وهو يقسم إلى قسمين:
1- حديث الآحاد المشهور.

2- حديث الآحاد غير المشهور، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ- الحديث الصحيح.

ب- الحديث الحسن.

ج- الحديث الضعيف، وهو على أنواع كثيرة، منها:
- الحديث المرسل.
- الحديث المضطرب.
- الحديث المنقطع أو المقطوع.
- الحديث الشاذّ.
- الحديث المعضل.
- الحديث المنكر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

99

الدرس الحادي عشر: كتابة البحث (2)

 الالتزام بقواعد الترقيم الصحيح

هناك ثلاثة أساليب يمكن للباحث اتّباع أحدها في عملية الترقيم في المتن والسند، هي:
1- الترقيم المستقلّ لكلّ صفحة:
ويكون بوضع الطالب أرقاماً متسلسلة متشابهة: (1) (2) (3) (4) (5)... في كلّ من المتن والحاشية أو السند، وذلك لكلّ صفحة من صفحات الرسالة أو البحث، بحيث يتساوى عدد الأرقام المطلوب توثيقها في المتن، مع عدد الأرقام الموثّقة فعلاً في السند أو الحاشية.

ويفصل عادة بين المتن والحاشية والسند، بخطّ أفقي، وبفسحة من الفراغ، لتمييز أحدهما من الآخر. مع الإشارة إلى أنّه يجب أن يوضع الترقيم في المتن، بين قوسين صغيرين ( ) في مكان أعلى قليلاً من كلمات النصّ أو السطر، كما يجب أن يوضع كل سند أو مرجع، بين قوسين ( )، وعلى سطر مستقلّ في الحاشية، وأن تكون الأسانيد مرتّبة بعضها تحت بعض بصورة تامّة.

ويفضّل استعمال هذا الأسلوب، الذي تستقلّ فيه كلّ صفحة من صفحات البحث أو الرسالة، بأرقامها ومراجعها, لأنّ القارىء يتعرّف فيه مباشرة وبسهولة إلى مرجع المعلومة أو الفكرة المساقة في المتن.

2- الترقيم الفصلي:
ويكون بوضع الطالب أرقاماً متسلسلة لكلّ فصل من فصول البحث أو الرسالة على حدة، بحيث يبدأ الترقيم في المتن من بداية الفصل إلى نهايته. ويوضع في سند أو حاشية كلّ صفحة، المراجع العائدة لها، أو توضع الحواشي كلّها بالتسلسل، بعد نهاية الفصل، في صفحة أو صفحات مستقلّة.

3- الترقيم التامّ:
ويكون بوضع الطالب أرقاماً متسلسلة لكامل البحث، يبدأ معه الترقيم مع بداية البحث، وينتهي بانتهائه. ويوضع في حاشية كلّ صفحة، ما يتعلق بها من مراجع لازمة، أو توضع الحواشي كلّها متسلسلة في نهاية البحث.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

100

الدرس الحادي عشر: كتابة البحث (2)

 


حُسن الاقتباس
قد يجد الطالب نفسه ، للتدليل على رأيه ، مضطراً للاستشهاد بمصدر أو مرجع هامّ موثوق به، وفي هذه الحالة عليه مراعاة شروط الاقتباس التي تقدّم بحثها في الدرس العاشر. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

101

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف علامات الوقف وأهميّتها في فهم النصّ وقراءته.
2- يتقن استخدام علامات الوقف في المواضع المناسبة وضبطها.
3- يكتب نصّاً يطبّق فيه جميع علامات الوقف.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

102

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 حسن استخدام علامات الوقف

من شروط البحث الناجح التفات الباحث لعلامات الوقف وحسن استخدامها في المواضع المناسبة, لذا كان لا بدَّ لنا أن نتعرّف إلى ماهية علامات الوقف وعددها وكيفية استخدامها في كتابة البحث العلمي.

ماهيّة علامات الوقف
علامات الوقف كناية عن رموز اصطلح علماء اللغة عليها، توضع بين أجزاء الكلام أو الجمل والكلمات، لتيسير عملية القراءة والفهم على القارىء.

ويمكن تعدادها على الشكل الآتي:

.

النقطة أو الوقفة

،

الفصلة أو الفاصلة أو الفارزة

,

الفصلة المنقوطة أو الفاصلة المنقوطة أو القاطعة

 :

النقطتان العموديتان

...

النقط الأفقية الثلاث أو علامة الحذف

-

الشرطة أو الوصلة

/

الشرطة أو الوصلة المائلة

- -

الشرطتان

" "

الشولتان المزدوجتان، أو علامة التنصيص

( )

القوسان أو الهلالان

[  ]

القوسان المركنان أو المعقوفتان

؟

علامة الاستفهام

!

علامة الانفعال أو التأثير

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
139

103

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 أهميّة علامات الوقف

كثيراً ما يتوقّف فهم النصّ وقراءته قراءة صحيحة، على علامات الوقف، التي تقوم بأداة الربط بين أجزائه، وتبيّن أماكن الفصل والوصل فيه.
 
وكما أنّ المعنى يضطرب ويختلف إذا أسيء الرسم الإملائي للكلمة، فكذلك الحال، فيما إذا أسيء استعمال إحدى علامات الوقف، أو وُضعت إحداها مكان الأخرى.
 
ولذا، فإنّ على الطالب أن يُحسن استخدام علامات الوقف في بحثه أو رسالته، وفاقاً للأصول التي سنبيّنها لاحقاً. والطالب الذي لا يقوم بذلك خير قيام، يتعرّض للنقد. وغالباً ما تُردّ الرسائل الخالية تماماً من علامات الوقف، أو التي تسيء استخدامها إساءة فادحة.
 
النقطة أو الوقفة (.)
وهي توضع:
1- بعد انتهاء الجملة الخبرية المفيدة، أو الكلام الذي تمّ معناه، لتلفت نظرنا إلى ابتداء جملة جديدة أو كلام جديد، مثال على ذلك: رأسُ كلِّ خطيئةٍ حبّ الدنيا1.
 
2- بعد بيانات النشر المتعلّقة بالكتاب والصفحة المقتبس منها، مثال على ذلك: فضل الله، مهدي، آراء نقدية في مشكلات الدين والفلسفة والمنطق، بيروت، دار الأندلس، 1981، ص 203.
 
الفصلة أو الفاصلة (،)
وهي تستعمل لفصل بعض الجمل عن بعض، التي يتكوّن من مجموعها، كلام تامّ المعنى، في موضوع معيّن، فيقف القارىء عندها وقفة وجيزة.
 
وتوضع في الأحوال الآتية:
1- بعد اسم المنادى: مثل: يا داوود, كما أنَّ أقرب النَّاس من الله المتواضعون, كذلك أبعد من الله المتكبّرون2.
 
3- بين الجملة الشرطية وجوابها، مثل: من أنصف النَّاس من نفسه, رُضيَ به حكماً لغيره3



1 الشيخ الكليني، الكافي, ج 2, ص 495.
2 م.ن.، ص 399.
3 م.ن.، ص 411.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

104

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 4- بين الجمل المتعاطفة المرتبطة بالمعنى في الفقرة الواحدة، مثل: إنَّ الله تبارك وتعالى جعل لكلّ أهل بيتٍ حجةً يحتجُّ بها على أهل بيته في القيامة, فيُقال لهم: ألم ترَوا فلاناً فيكم, ألم ترَوا هَديَهُ فيكم, ألم ترَوا صلاته فيكم, ألم ترَوا دينه, فهلاّ اقتديتم به, فيكون حجَّةً عليهم يوم القيامة1.

 
5- بين الكلمات المتعاطفة في الجملة الواحدة أو الفقرة الواحدة، مثل: إنَّما شيعة عليًّ الحلماء, العلماء, الذُبُل الشفاه, تُعرف الرهبانيَّةُ على وجوههم2.
 
6- بعد القسم، مثل: والله, لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله3.
 
7- بعد الإجابة بـِ نعم أو لا، على سؤال ما، شرط أن يتبع ذلك، جملة خبرية.
مثال على ذلك: سُئِل أبو جعفر عليه السلام: أيجوز أن يُقال إنَّ الله شيء؟ قال: "نعم, يُخرجه من الحدَّين: حدِّ التعطيل وحدِّ التشبيه4.
 
8- بين الجمل المعترضة، ما قبل ابتداء الجملة المعترضة، وما بعدها.
مثال على ذلك: حدّثتني حكيمة ابنة محمد بن عليّ, - وهي عمَّةُ أبيه -, أنَّها رأتهُ ليلة مولده ومن بعد ذلك5.
 
9- بين اسم المؤلف، وعنوان الكتاب، ومكان النشر، وتاريخ النشر، وذلك عند تدوين المراجع في الحواشي:
مثال على ذلك: عجمي، سامر، عقوبة الطفل في التربية الإسلامية، ط1، بيروت، دار البلاغة، 2015م، ص40.
 
10- بين ترقيم الصفحات في الإسناد، مثال على ذلك:
فضل الله، مهدي، من أعلام الفكر الفلسفي الإسلامي، ط 2، بيروت، الدار العالمية، 1985، ص 117، 122، 176، 215، 223، 276، 313.



1 الشيخ الكليني، الكافي ج2، ص 711.
2 م.ن.، ص 458.
3 م.ن.، ج 1, ص 238.
4 م.ن., ج 1, ص 51.
5 م.ن.، ص 193.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
141

105

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 الفاصلة المنقوطة أو القاطعة (,)

وهي توضع بين الجمل لتشعر القارىء بأنّ عليه الوقوف عندها وقفة أطول قليلاً من وقفة الفاصلة. وتوضع:
1- بعد جملة يستتبعها سبب أو تعليل أو توضيح أو تفصيل، مثال على ذلك: 
أحسنوا الظنَّ بالله, فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: أنا عند حُسن ظنِّ عبدي المؤمن, إن خيراً فخيراً, وإن شرّاً فشّراً.
 
2- بين جملتين تكون أولاهما سبب الثانية، مثال على ذلك:
لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله, فإنَّ الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله قاسيةٌ قلوبهم، ولكن لا يعلمون1.
 
3- بين جمل طويلة يتألّف من مجموعها كلام تامّ المعنى (فقرة كاملة المعنى)، أو بين أجزاء الجملة الواحدة المركّبة، التي تعبّر كلّ منها عن معنى شبه تامّ، مثال على ذلك:
يا من علا فقهر, وبطن فخبر, يا من ملك فقدر, ويا من يحيى الموتى وهو على كلِّ شيءٍ قدير, صلِّ على محمدٍ وآله، وافعل بي ما أنت أهله, ولا تفعل بي ما أنا أهله, يا أرحم الراحمين.
 
4- بين مكانين مختلفين لكتاب واحد منشور، مثال على ذلك:
بدوي، عبد الرحمن، مدخل جديد إلى الفلسفة، بيروت، دار القلم، 1975, الكويت، وكالة المطبوعات، 1979.
 
النقطتان العموديتان (:)
وهما تستعملان للتوضيح والتبيين، وتوضعان:
1- بعد لفظ القول أو القائل مباشرة، مثال على ذلك:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: ما من رجلٍ تكبَّر أو تجبَّر إلاَّ لذلَّةٍ وجدها في نفسه2.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج 2, ص 394.
2 م.ن., ج 2, ص 494.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

106

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 2- لإلقاء الضوء على كتاب ما أو التأكيد عليه ولفت الانتباه إليه، وكذلك، التأكيد على عنوان ما، في معرض القول، مثال على ذلك:

يقول الفارابي في كتابه: آراء أهل المدينة الفاضلة، تحت عنوان: القول في احتياج الإنسان إلى الاجتماع والتعاون".

3- قبل إيراد الأمثلة التي توضح فكرة ما أو رأياً ما، مثال على ذلك:
أدخل أبو حنيفة النعمان في أصول مذهبه، بعض القواعد المنطقية، مثل: الدلالة بأنواعها: المطابقية، والتضمنية، والالتزامية.

4- قبل إيراد الحجج أو البراهين على أمر أو شيء ما، مثال على ذلك:
أشهر البراهين أو الحجج على وجود الله، أربع:
أ- البرهان الوجودي. 
ب- البرهان الكوني.
ج- البرهان الغائي.
د- البرهان الأخلاقي.

5- قبل البدء بتعريف شيء ما، مثال على ذلك:
تعرّف الكلمة بأنّها: لفظ دالّ على معنى مفرد.

6- بعد العنوان الفرعي الذي يكون في أول السطر، مثال ذلك:
صراع جنود الرحمان مع جنود الشيطان:
- إنَّ للنفس الإنسانية مملكة ومقاماً آخر, وهي مملكتها الباطنية...

7- بين الشيء وأنواعه وأقسامه (تفصيل أنواع الشيء وأقسامه).
مثال على ذلك:
الدلالة نوعان: لفظية وغير لفظية. والدلالة اللفظية ثلاثة أقسام:
أ- طبيعية ب. وضعية ج. عقلية. 

والدلالة غير اللفظية ثلاثة أقسام:
أ- طبيعة ب. وضعية ج. عقلية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
143

107

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 النقط الأفقية الثلاثة (...)

وتسمى أيضاً بعلامة الحذف، وهي توضع:
أ- عند حذف جزء يسير أو كبير من النصّ المقتبس.
 
مثال على ذلك:
يقول الإمام الخميني في كتابه الأربعون حديثاً: "الشرط الأوَّل... هو إمساك طائر الخيال.... من الممكن أن تسيطر على خيالك... إصرفه نحو أمور أخرى كالمباحات... فإذا رأيت أنَّك حصلت على نتيجة فاشكر الله تعالى..."1.
 
ب- عند الانتهاء أو شبه الانتهاء من الكلام، ولم يزل بعدُ إمكانية للاسترسال فيه.
مثال على ذلك: 
عندما تكون الأعمال الصورية - الصلاة, الصوم, الحجّ... ناقصة وغير متجسّدة على ضوء أوامر الأنبياء, لحصل حجاب في القلب وكدورة في الروح...
 
الشرطة (-)
وهي توضع:
1- بين الأرقام المتسلسلة، مثال على ذلك:
المرجع نفسه، ص 13 - 14 - 17 - 19 - 135 - 137.
 
2- بين تاريخ الحياة والوفاة للأشخاص، وكذلك بين تاريخ نشأة الدول وزوالها، مثال على ذلك:
الدولة العباسية (121 - 645هـ).
 
3- عند التعداد في أول السطر، مثال على ذلك:
يرى الفارابي أنّ أفلاطون وأرسطو متفقان بينهما في الباطن، وإن بدا أنّهما مختلفان في الظاهر... وهو يدلّل على رأيه هذا بأدلة ثلاثة:
أ- إنّ الناس ظنّوا أنّ هناك خلافاً بينهما بالنسبة إلى طبيعة الجوهر...
 
ب- إنّ الناس ظنّوا أنّ هناك خلافاً بينهما بالنسبة إلى المعرفة...



1 الإمام الخميني, السيد روح الله, الأربعون حديثاً, إيران - قم المقدسة, دار زين العابدين, 2007م, ط1, ص 45.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
144

108

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 ج- إنّ الناس ظنّوا أنّ هناك خلافاً بينهما بالنسبة إلى الاستعدادات الفطرية والميول الطبيعية...

 
4- في ابتداء السطر، عند الحديث أو الحوار بين شخصين والاستغناء عن تكرار ذكر اسميهما، مثال على ذلك:
أتى عالمٌ عابداً، فقال العالم له: كيف صلاتك؟
- العابد: مثلي يُسألُ عن صلاته وأنا أعبد الله منذ كذا, وكذا؟!
- العالم: فكيف بكاؤك؟
- أبكي حتى تجري دموعي.
- إنَّ ضحكك، وأنت خائف، أفضل من بكائك وأنت مُدّلّ, إنَّ المُدِّلّ لا يصعد من عمله شيء1.
 
5- بين الكلمات التي تؤلّف جملة مركبة، لزيادة التوضيح أو الإيجاز:
مثال على ذلك:
مهدي فضل الله: أستاذ بالجامعة اللبنانية - كلية الآداب - الفرع الأول - قسم الفلسفة.
 
الشرطة المائلة ( / )
وتستخدم في بيان التاريخ الميلادي بالنسبة إلى التاريخ الهجري، وبالعكس.
 
مثال على ذلك:
قامت الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية، سنة 121هـ/ 750م.
 
الشرطتان ( - - )
وتوضع بينهما:
الجمل المعترضة، والكلمات الشارحة أو المفسّرة للنصّ، التي تصل ما قبل الجملة المعترضة بما بعدها، مثال على ذلك:
بعد الاطّلاع على رسالة الطالب... وقيامه، - كما أكّد لي -، بإجراء التصحيحات 



1 الشيخ الكليني, الكافي، ج 2, ص 494.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
145

109

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 والتصويبات اللازمة، والعمل بمقتضى الملاحظات المعطاة له، إن من حيث الشكل أو المضمون, لا أرى مانعاً من إعطائه إذناً بالطباعة.

 
الشولتان المزدوجتان (" ") أو بعلامتا التنصيص
ويوضع بينهما:
1- النص المقتبس حرفياً بما فيه من علامات الوقف، أو العبارات أو الألفاظ المقتبسة حرفياً, وذلك لتمييز الكلام المقتبس من كلام الباحث، مثال على ذلك:
يقول ابن مسكويه: لقد اخترت هذا الكتاب، جاويدان خرد - أي الحكمة الأبدية-، لأقول للقارىء، إن العقول في جميع الأمم هي واحدة في جوهرها. فهي لا تختلف بعضها عن بعض بالنسبة إلى اختلاف البلدان، وهي لا تتغير بالنسبة إلى تغير الزمان، وهي لا تشيخ ولا توهن"1.
 
2- عناوين الأبحاث أو المقالات، لإبرازها وإلقاء الضوء عليها، سواء كان ذلك في المتن أو السند.
 
يقول الإمام الخميني في مبحثه الذكر في كتاب الأربعون حديثاً: "اعلم أنَّ التذكّر من نتائج التفكّر"2.
 
القوسان أو الهلالان ( )
وهما يوضعان:
1- حول الأرقام:
مثال على ذلك: الفارابي (257 - 339هـ/ 870 - 950م).
 
2- حول إشارة استفهام (؟) أو إشارة (كذا) بعد كلمة أو معلومة مشكوك في صحّتها أو نسبتها، أو حديث مشكوك في صحته، مثال على ذلك: ولد ابن سينا 270هـ (؟).
 
3- حول تفسير أو شرح كلمة صعبة أو قديمة نادرة الاستعمال، وردت في سياق النص: 
مثال على ذلك: الطُّور (الجبل). القرؤ (الطهر). الطينة (المادّة أو الهيولى).



1 ص 147. نقلاً عن كتاب: مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، ص 19-.
2 الإمام الخميني, الأربعون حديثاً, ص 339.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

110

الدرس الثاني عشر: كتابة البحث (3) علامات الوقف

 4- حول عنوان فرعي بغاية التأكيد عليه، مثال على ذلك:

أبحاث في الفلسفة الإسلامية (الكندي - الفارابي - ابن سينا).
 
5- حول صفة ما، من شأنها أن تميّز مؤلّفاً من آخر، يحمل الاسم نفسه:
مثال على ذلك:
نجيب محفوظ (الطبيب)، الذي من مؤلفاته: أمراض النساء العملية، الطب النسوي عند العرب... 
 
القوسان المركنان، أو المعقوفتان ( )
وهما يوضعان حول كلّ زيادة أو إضافة يدخلها الباحث في النصّ المقتبس من قبله، وكذلك، حول كلّ تقويم فيه، مثال على ذلك:
عن الحلبي, عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾1, (قال): قُلتُ: ما السّلم؟ قال: "الدخول في أمرنا"2.
 
علامة الاستفهام (؟)
وهي توضع بعد الاستفهام أو الاستفسار أو السؤال عن شيء ما، سواء أكانت أداة الاستفهام ظاهرة أو مقدّرة. ومن أدوات الاستفهام: حرفا: الهمزة، وهل والأسماء الآتية: مَنْ، ما، ماذا، متى، أي، كيف، لَم، لم، أي...، مثال على ذلك:
عن المُفضل, عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنَّ المؤمن ليُتحِفَ أخاه التُحفة". قلتُ: وأيُّ شيءٍ التُحفة؟ قال: "مِن مجلِسٍ ومُتّكأ وطعامٍ وكسوةٍ وسلام"3.
 
علامة الانفعال أو التأثير أو التعجّب (!)
وهي توضع بعد الجمل التي تعبر عن الحالات أو الانفعالات النفسية، كالفرح، والحزن، والتأسّف، والترفّع، والتعجب، والدهشة، والدعاء، والاستغاثة، والتهديد...
 
مثال على ذلك: "هيهات هيهات! لا والله, لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتَّى تُميَّزوا, لا والله, لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتى تُمحَّصوا!"4



1 سورة الانفال، الآية 61.
2 الشيخ الكليني, الكافي، ج1, ص247.
3 م.ن.، ج 2, ص444. م.ن.، ج 2, ص444.
4 م.ن.، ج 1, ص219.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
147

111

الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي

 الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف مفهوم حاشية البحث وماذا تتضمّن.
2- يتقن توثيق المراجع على أنواعها في الهوامش.
3- يعرف معنى المختصرات وموارد استخدامها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
149

112

الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي

 تمهيد

إنَّ حسن التوثيق وكتابة حاشية البحث يّعدُ من أبرز الشروط التي تحقّق النجاح والكمال للبحث.

ما هي الحاشية؟
الحاشية عبارة عن الجزء الأسفل من صفحات البحث، حيث يدوّن الباحث فيها كافّة التوثيقات، أو يذكر فيها بعض الشروحات والتوضيحات للمعلومات الواردة ضمن مادّة البحث، والتي لا يمكن إثباتها في سياق النص.

ماذا تتضمّن الحاشية؟
على الطالب أو الباحث أن يذكر الأمور الآتية ضمن الحاشية:
1- اسم المصدر أو المرجع أو المخطوط... الذي اقتبس منه أو استفاد منه المعلومات أو الأفكار، وذلك لكي يتيح الفرصة للآخرين كي يتحرّوا عن صدق هذه المعلومات أو الأفكار بأنفسهم، ولكي يتوسعوا في الاطّلاع عليها.

2- عنوان المحاضرة (عامّة، خاصّة)، التي استند إليها، ومكان وزمان تلك المحاضرة، إضافة إلى ذكر اسم المحاضر.

3- مكان وتاريخ المقابلة أو المراسلة التي تمّت مع بعض الأشخاص فيما إذا استند إليه.

4- توضيح بعض الأمور الواردة في المتن، والتي لا يمكن إثباتها في سياق النصّ، لأنّ ذلك غير ضروري أو جوهري. كتفسير بعض الألفاظ القديمة، أو التعريف ببعض الأشخاص ( علماء، شعراء، ملوك، قادة)، والأماكن (قم، وكربلاء)، والمعارك (النهروان، وصفين)... 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
151

113

الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي

 ويستحسن إذا كان الأمر يتعلّق بتوضيح ما، أن يشار إلى ذلك في متن النص، بعلامة (*) لتمييز التوضيح عن المرجع، الذي يشار إليه عادة بالترقيم العددي: (1) (2) (3). وإذا تعدّت الحاجة إلى التوضيح لأكثر من مرة في الصفحة الواحدة، كانت الإشارة إلى ذلك بتعدّد الحاجة. فإذا كان التوضيح للمرّة الثانية، وضع مقابلة: نجمتان (**). وإذا كان التوضيح للمرة الثالثة، وضع مقابلة: ثلاث نجمعات (***) وهكذا...


كيف توثّق المراجع في الحواشي؟
يوجد عدّة طرق لكيفية توثيق البحث العلمي، تختلف باختلاف الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، إذ كلّ جامعة لها شروطها الخاصّة في هذا المجال، وإذا اعتمد الطالب آلية للتوثيق، عليه توحيدها في جميع صفحات بحثه. 

وعلى كلّ حال، الذي يجمع بين الطرق المختلفة للتوثيق أنّ هناك عدّة أمور لا بدّ من ذكرها في توثيق الكتاب... وهي: اسم المؤلف، اسم الكتاب (العنوان الرئيس والفرعي)، دار الطباعة، رقم الطبعة، سنة الطبع، تاريخ النشر، مكان النشر، الجزء، والصفحة.

ونعرض أسلوباً منها: 
1- توثيق الكتاب العربي:
لتوثيق الكتاب العربي يذكر الباحث اسم الكاتب، ثم يذكر اسم الكتاب، تليه فاصلة، ثم مكان النشر، تليه فاصلة، ثم دار النشر، تليها فاصلة، ثم تاريخ النشر، تليه فاصلة، ثم رقم الصفحة، تليها نقطة.

وإذا كان للكتاب عدّة مجلّدات أو أجزاء، فيذكر رقم المجلّد أو الجزء بعد اسم الكتاب مباشرة، أو مع الصفحة، مثل ج5، ص 365. وإذا كان للكتاب عدّة طبعات، فيذكر رقم الطبعة بعد ذكر اسم الكتاب، ورقم المجلد أو الجزء.

مثال على ذلك: ابن عربي، محيي الدين، تفسير القرآن الكريم، ج 2، تحقيق وتقديم مصطفى غالب، بيروت، دار الأندلس، 1981، ط3.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
152

114

الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي

 2- توثيق المرجع المخطوط:

يجب على الباحث الإشارة إلى أنّ المرجع عبارة عن مخطوط، مع ذكر اسمه، ومكان وجوده، ورقمه. مثال على ذلك:
نجم الدين القزويني، الشمسية في القواعد المنطقية، (مخطوط، 22 ص، دار المكتبة الوطنية في باريس، رقم 313.

3- توثيق الكتاب المترجم:
إذا كان المرجع مترجماً، فيجب أن يكتب الباحث اسم المؤلف الحقيقي، ثم اسم الكتاب، ثم اسم المترجم، ثم مكان ودار النشر، ثم تاريخ النشر، ثم رقم الصفحة، مثال:
فان دالين، مناهج البحث في التربية وعلم النفس، ترجمة محمد نبيل نوفل وآخرين، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1977، ص...

4- توثيق المجلّة العامّة أو المتخصّصة أو الصحيفة:
فيجب ذكر اسم صاحب المقالة أو البحث، وكذلك، عنوان المقالة أو البحث، واسم المجلّة أو الصحيفة، ورقم عددها، ومكان وتاريخ نشرها، على أن يوضع عنوان البحث بين شولتين صغيرتين، وأن يكتب اسم المجلة أو الدورية أو الصحيفة بحرف أسود نافر، أو يوضع تحته خط. مثال على ذلك:
أحمد محمد، الزواج الناجح"، مجلَّة بقيّة الله، المجلّد العاشر، (231: 2011)، ص 56.

سامر توفيق عجمي، الإنسان في الرؤية العرفانية الإسلامية"، مجلّة الحياة الطيبة، العدد 22، لبنان، خريف 2015م/1437هـ.

5- توثيق المرجع المحاضرات الخاصّة: 
ينبغي للباحث ذكر اسم صاحب المحاضرة، وعنوانها، ومكان وتاريخ إلقائها. مثال على ذلك:
مهدي فضل الله، مناهج البحث العلمي، كلية الآداب - الجامعة اللبنانية، 1990م.

6- توثيق المحاضرة العامّة، أو الرسالة الخاصّة، أو المقابلة: 
يذُكر ذلك، مع التاريخ والمكان، والإذن بالاعتماد عليها، مثال على ذلك:
- رئيف خوري، الأديب والمجتمع، (محاضرة عامّة)، بيروت، 1965، أُذِن بالاعتماد عليها.

- عثمان أمين، (رسالة شخصية)، 1975، أُذن بالاعتماد عليها.

- عثمان أمين، (مقابلة شخصية)، 1977، أُذن بالاعتماد عليها. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
153

115

الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي

 7- توثيق الرسائل العلمية باللغة العربية: 

يذكر اسم الباحث (المؤلّف)، ثم موضوع الرسالة أو البحث، ويضعه بين مزدوجين " "، يليه درجة الرسالة، واسم الجامعة، ثمّ يذكر السنة التي قدّم فيها الرسالة ورقم الصفحة. وتجدر الإشارة إلى أنّه عندما لا يوضع خط تحت اسم الرسالة فهذا يعني أنَّ الرسالة غير منشورة في كتاب. مثال: 
محمد أبو جودة، "إدارة الموارد البشرية في المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة"، رسالة ماجستير الجامعة اللبنانية بيروت، 2010، ص113.

8- توثيق المراجع الأجنبية: 
إذا كان المرجع باللغة الأجنبية، يُكتب باللغة الأجنبية أسفل كلّ صفحة من جهة اليسار. ويُكتب أولا اسم الكاتب، ثم اسم المرجع، يليه الناشر ومكان النشر، وتاريخ النشر ثم الصفحة. مثال على ذلك:Gilson، Etienne، Linguistique et philosophie، Ed. Vrin، paris، p

9- توثيق المواقع الإلكترونية: 
يذكر أولاً اسم كاتب الموضوع، يليه عنوان المقال، ثم يضع تاريخ كتابة الموضوع بين قوسين، ويضع تاريخ الاطّلاع على المعلومة بين قوسين، ثم يكتب "من" ويذكر الرابط الإلكتروني بالتفصيل، مثال:
مركز نون للتأليف والترجمة، المعرفة العقلية والقلبية، (2013-01-01)، تاريخ الاطّلاع (2013-02-14) على الرابط الآتي:
http://almaaref.org/books/book.php?idbook=539&selected=1

ملاحظات هامة حول التوثيق
1- إن كان ثمّة أكثر من مؤلّف لمرجع ما، فينبغي ذكرهم جميعاً بشرط أن لا يتجاوز عددهم الثلاثة، مثال:
السيوطي، جلال الدين، والمحلى، جلال الدين، تفسير الجلالين، تحقيق الشيخ محمد الصادق القمحاوي، مصر، مطبعة الأنوار المحمدية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
154

116

الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي

 حتي، فيليب، وجرجي، إدوارد، وجبور، جبرائيل، تاريخ العرب، بيروت، دار غندور، 1974، ط5.


2- لو تجاوز عدد المؤلّفين الثلاثة، يذكر الباحث اسم من اشتهرت صلته بالمرجع أكثر من غيره، وأضيف إلى اسمه وآخرون... مثال:
عمارة، محمد، وآخرون، علي بن أبي طالب: نظرة عصرية جديدة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980، ط3.

3- إذا كان المرجع مجهول المؤلّف أو مجهول الناشر، أو مجهول المؤلّف والناشر معاً، كتب: 
(مجهول المؤلّف) أو: م.م. أو: لا.م.
(مجهول الناشر) أو: م. ن. أو: لا. ن. أو: د.ن.
(مجهول المؤلّف والناشر). م م. ن. أو: لا. م. ن. أو: د. م. ن.
مثال على ذلك:
بداية الهداية ونهاية الدراية، (مجهول المؤلّف والناشر)، 1965، ص...

4- إذا ذكر اسم المؤلّف في المتن، فلا داعي لإعادة ذكر اسمه في السند أو الحاشية، وإنّما يكتفى بذكر اسم الكتاب فقط، يليه ذكر الطبعة، ومكان ودار وتاريخ النشر، ثم رقم الصفحة...

5- إذا ذكر اسم المؤلّف والكتاب في المتن، فلا داعي لإعادة ذكرهما في الحاشية، وإنّما يكتفى بذكر رقم الطبعة، ومكان ودار وتاريخ النشر، ثم رقم الصفحة.

6. إذا تكرّر المصدر أو المرجع نفسه في الصفحة الواحدة دون أن يكون هناك فاصل (أي مرجع آخر) بين التكرار، وجب ذكر المصدر أو المرجع كاملاً في المرة الأولى. أمّا في المرة الثانية، فيذكر فقط، عبارة: المصدر نفسه أو المرجع نفسه.

7- إذا وجد فاصل (مرجع آخر) بين المرجع المتكرر، فيذكر فقط اسم المؤلّف، متبوعاً بكلمة، مرجع سابق، ص...

إذا كان المؤلف شخصاً معروفاً، وكذلك كتابه، فليس من الضروري كتابة اسم المؤلّف والكتاب كاملاً.

مثال على ذلك: الطبري، تاريخ الطبري...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
155

117

الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي

 بدلاً من: أبو جعفر بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك...


8- إذا كان المرجع المقتبس منه أو المعتمد عليه، يقتبس هو نفسه من مرجع آخر يتعذّر الحصول أو الاطّلاع عليه، فيجب الإشارة إلى ذلك.

مثال على ذلك:
كتاب: الجمع بين رأيي الحكيمين، ص 99 (نقلاً عن: عبد الرحمن مرحبا، من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية، بيروت، منشورات عويدات، 1981، ط2، ص 385).

ما معنى المختصرات؟
وهي كناية عن رموز عامّة أو خاصّة، جرى العرف على استخدامها، لكثرة تردّدها في الكتب أو الرسائل أو الأبحاث، ومعظمها يستخدم في الحواشي فقط، ومنها:
 

المختصرات العربية

الاختصار

الكلمة

 ص

صفحة

ص ص

صفحات، وهي تعني من صفحة كذا إلى صفحة كذا

ص. ن

الصفحة نفسها

ن. ص

نفس الصفحة

(ض)، (رضه(

رضي الله عنه

 م. ن

المصدر نفسه، المرجع نفسه

م، مج

مجلّد

ج

جزء

ط

طبعة

مط

مطبعة

د. ت

دون تاريخ

لا. ت

لا تاريخ

د. م

دون مكان

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
156

118

الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي

 

المختصرات العربية (تابع)

الاختصار

الكلمة

 لا. م

لا مكان

د. ز

دون زمان

لا. ز

لا زمان

لا. ن

لا ناشر

مخ

مخطوطة

تحق

تحقيق

تر

ترجمة

الخ

إلى آخره

هـ

التاريخ الهجري

ق. ه

قبل الهجرة

م

التاريخ الميلادي

ق. م

قبل الميلاد

ب. م

بعد الميلاد

ت

توفي، الوفاة

با: الباب

الباب

ف

الفصل

 فها

الفهارس

( - 345هـ):

توفي سنة 345هـ

 

 

 

 

 

 

 

157


119

الدرس الثالث عشر: كتابة البحث (4) حاشية البحث العلمي

 خاتمة البحث

مكانها آخر البحث يعرض فيها الباحث باختصار النتائج المستخلصة والمستنبطة. كما قد تتضمّن الخاتمة توصيات الباحث بضرورة متابعة البحث في قضية من قضاياه لعدم تمكّنه أو لقصوره. ولابد من اجتناب التكرار، فلا تكون الخاتمة تكراراً لما ورد في المقدمة أو استنساخاً لبعض مفاصل البحث.

فخاتمة البحث أهمّ جزء فيه، والبحث كلّه لا يعني للقارئ شيئاً حتى يقدّم له الباحث النتيجة أو النتائج التي توصّل إليها بعبارة علميّة موجزة ومختصرة. وهي مساهمة علميّة أصيلة تنسب للباحث، والدليل الواضح على قيمة البحث والدراسة، والمرآة الحقيقية لمستوى الباحث ومقدار فهمه للمادة العلمية التي بحثها فيها وقام بعرضها. وهي أيضا آخر ما يلامس نظر القارئ فلا بد من إحكامها فكراً، وأسلوباً، وصياغة، وترتيباً حتى يكون الانطباع الأخير ذا أثر بالغ في نفس القارئ. 

وخلاصة ما يجب أن تتضمّنه الخاتمة العناصر الآتية:
1- عنوان البحث وعرض أو ذكر فصول البحث أو أقسامه أو أجزائه.

2- تقديم النتائج التي انتهى إليها الباحث بشكل متسلسل حسب أسئلة البحث، أو حسب تسلسل فروضها أو حسب ورود القضايا والمحاور الرئيسة في البحث.

3- تحليل أسباب تلك النتائج التي توصل إليها الباحث وبيانها، وبيان علاقتها بالمتغيّرات المختلفة.

4- وضع مقترحات وتوصيات لإكمال الموضوع أو فروعه أو متعلّقاته على يد باحث آخر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
158

120

الدرس الرابع عشر: أدوات البحث العلمي (1) العيّنة – المقابلة

 الدرس الرابع عشر: أدوات البحث العلمي (1) العيّنة – المقابلة



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف مفهوم العيّنة وخطوات اختيارها.
2- يفهم خطوات الطريقة العلمية لتنفيذ العيّنة.
3- يملك القدرة على الإعداد للمقابلة وتنفيذها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
159

121

الدرس الرابع عشر: أدوات البحث العلمي (1) العيّنة – المقابلة

 تمهيد

تُعدُّ أدوات البحث العلمي من أهمّ الوسائل المتّبعة في اختبار الفرضيات التي توصّل إليها الباحث، وأبرز الأدوات المعتمدة في البحث العلمي: اختيار العيّنة، المقابلة، الملاحظة، والاستبيان.

ويعتبر اختيار الباحث للعيّنة من الخطوات والمراحل الهامة للبحث، ولا شكّ في أنّ الباحث يفكّر في عيّنة البحث منذ أن يبدأ في تحديد مشكلة البحث وأهدافه، لأنّ طبيعة البحث وخطّته تتحكّم في خطوات تنفيذه واختيار أدواته، وليس من السهل عادة عند دراسة ظاهرة معينة في مجتمع أصلي أن يقوم بدراسة جميع أفراد ذلك المجتمع، لذا يلجأ الباحث إلى اختيار عيّنة من المجتمع الأصلي، ويكون اختيار العيّنة بناءً على قواعد علمية محدّدة.

العيّنة وخطوات اختيارها
إنّ استخدام العيّنات في البحوث يتطلّب الانتباه إلى عدّة نقاط نظامية تتعلّق بأطر ووحدات وأنواع وأحجام العيّنات والمناطق الجغرافية التي تُنتقَى منها، إضافة إلى تحديد درجة تمثيلها لمجتمع البحث الذي اختيرت منه، والأخطاء المعيارية الداخلة فيها، فتصميم العيّنة يعتمد على دقّة المعلومات التي يقوم الباحث بتحقيقها في بحثه. إضافة إلى طبيعة مجتمع الدراسة، أي كونه متجانساً أو كبيراً أو صغيراً من ناحية حجمه. وأخيراً يعتمد على الإمكانات المادية والبشرية والزمنية المتوفّرة للباحث.

وعليه، يمكن أن نحدّد الخطوات التي ينبغي للباحث اتّباعها في اختياره للعيّنة بالآتي: 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
161

122

الدرس الرابع عشر: أدوات البحث العلمي (1) العيّنة – المقابلة


الطريقة العلمية لتنفيذ العيّنة
لا بدّ للباحث من اعتماد الطريقة العلميّة في تنفيذ العَيِّنة، ويتمثَّل ذلك في:
1- التحديد الواضح والدقيق للمجتمع الأصلي، فمثلاً إذا كان البحث عن أثر الوضع الاجتماعي (الزواج/العزوبية) على التحصيل الدراسي لطلاب العلوم الدينية في حوزات بيروت، فإنّ المجتمع الأصلي هو الطلّاب الذّكور في بيروت، فلا يصحّ أن تشمل العيِّنة الإناث، ولا ذكور الحوزات في البقاع أو جنوب لبنان، ولا طلّاب الجامعات، وهكذا.

2- تحديد أفراد المجتمع الأصلي، وذلك من خلال إعداد قائمة بالأسماء أو الصّفات لجميع أفراد المجتمع الأصلي.

3- اختيار عيِّنة ممثِّلة للمجتمع الأصلي، فلا بدَّ للعيّنة التي سيختارها الباحث من أن تطابق المجتمع الأصلي، ولكن بعدد أفراد أقلّ، فالعيّنة هي صورة مصغَّرة عن المجتمع الأصلي، فإذا كان جميع الأفراد متجانسين ولا فروق معتد بها بينهم، يمكن للباحث اختيار أي عدد منهم بدون شروط، أمّا في حال وجود فروق معتدّ بها بين أفراد المجتمع الأصلي، فلا بدّ للباحث من اختيار العيِّنة وفق شروط ذلك سيتمّ تبيانها في أنواع العيّنات، أمّا فيما يختصّ بنسبة العيِّنة إلى المجتمع الأصلي وكيفية تحديدها، فإنّ ذلك يعود للباحث تحديده بلحاظ العديد من العناصر وأهمّها.

4- تجانس أو تباين المجتمع الأصلي: إنّ المجتمع الأصلي المتجانس يسهّل عمليّة اختيار العيِّنة، لأنّ أيّ عددٍ من أفراده مهما كان قليلاً يمثّل المجتمع الأصلي كلّه، أمّا إذا كان المجتمع الأصلي متبايناً فإنّ ذلك يعني صعوبة في اختيار العيِّنة الممثّلة، كما يعني زيادة في حجم العيِّنة حتى تمثّل المجتمع الأصل المتباين كلّه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
162

123

الدرس الرابع عشر: أدوات البحث العلمي (1) العيّنة – المقابلة

 5- أسلوب البحث المستخدم: فالباحث الذي يريد الحصول على نتائج دقيقة لا بدّ أن يعتمد على عيِّنة كبيرة الحجم تعطيه الثِّقة لتعميم نتائجه على المجتمع الأصلي. 


6- درجة الدقّة المطلوبة في البحث: فالباحث الذي يريد الحصول على نتائج دقيقة لا بدّ أن يعتمد على عيِّنة كبيرة الحجم تعطيه الثّقة لتعميم نتائجه على المجتمع الأصلي.

ولكي يتجنّب الباحث المشاكل التي قد تنتج عن الاختيار عليه أن:
- يكون عالماً بجميع أنواع العيّنات وخصائص كلّ منها.
- يحسن اختيار نوع العيِّنة المناسبة لبحثه.
- ينفِّذ المسح على جميع أفراد العيِّنة.
- يراعي الدقّة في استقاء المعلومات قدر الإمكان.

المقابلة
 

فعلى سبيل المثال، تعتبر المقابلة من أنسب الأدوات استخداماً في المنهج الوصفي، ولاسيّما فيما يتعلّق ببحوث دراسة الحالة، إلّا أنّ أهمّيتها تقلّ في دراسات المنهج التاريخي والمنهج التجريبي. وإذا كان الباحث شخصاً مدرّباً ومؤهّلاً فإنّه سيحصل على معلومات هامّة تفوق أهمّيتها ما يمكن أن يحصل عليه من خلال استخدام أدوات أخرى مثل الملاحظة أو الاستبيان، لأنّ المقابلة تمكِّن الباحث من دراسة وفهم التعبيرات النفسية للمفحوص والاطّلاع على مدى انفعاله وتأثّره بالمعلومات التي يقدّمها. كما أنّها تمكّن الباحث من إقامة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
163

124

الدرس الرابع عشر: أدوات البحث العلمي (1) العيّنة – المقابلة

 علاقات ثقة ومودّة مع المفحوصين، ممّا يساعده على الكشف عن المعلومات المطلوبة. ويستطيع الباحث من خلال المقابلة أيضاً أن يختبر مدى صدق المفحوص ومدى دقّة إجاباته عن طريق توجيه أسئلة أخرى مرتبطة بالمجالات التي شكّ الباحث بها.


وعلينا أن نميّز بين المقابلة كأداة للبحث العلمي وبين المقابلات العرضية التي يمكن أن تتمّ بين شخصين صدفة، فالمقابلة كأداة بحث تتطلّب تخطيطاً وإعداداً مسبقاً، كما تتطلّب تأهيلاً وتدريباً خاصّاً.

كيفية إجراء المقابلات
يتطلّب استخدام المقابلة كأداة بحث أن يكون الباحث قادراً على استخدام تقنيات خاصّة بإجراء المقابلات، يتعلّق بعضها بالإعداد للمقابلة مثل اختيار المفحوصين وإعداد المكان المناسب وتوفير الوقت المناسب، وإعداد الأسئلة اللازمة، ويتعلّق بعضها بالتدريب التطبيقي والميداني على إجراء المقابلة وتوجيه الأسئلة وتهيئة المناخ الآمن والهادئ للمقابلة، كما يتعلّق بعضها بتسجيل المعلومات التي يحصل عليها الباحث، وفحصها بتأنٍ ودقّة للتأكّد من سلامتها، وفي ما يأتي توضيح لبعض هذه التقنيات.

1- الإعداد للمقابلة:
يتطلّب الإعداد للمقابلة تحديد أهداف المقابلة والمعلومات التي يريد الباحث الحصول عليها من المصادر البشرية، كما يتطلّب تحديد المصادر البشرية القادرة على إعطاء المعلومات المطلوبة. ويتمّ الإعداد للمقابلة وفق الخطوات الآتية:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
164

125

الدرس الرابع عشر: أدوات البحث العلمي (1) العيّنة – المقابلة

 أ- تحديد أهداف المقابلة:

تهدف المقابلة أساسا إلى الحصول على معلومات وبيانات وآراء ضرورية للإجابة عن أسئلة الدراسة أو حلّ مشكلة الدراسة، وعلى الباحث تحديد أهداف المقابلة وطبيعة المعلومات التي يحتاج إليها، ويصوغ هذه الأهداف بشكل سلوكي محدد حتى يتمكّن من إعداد الوسائل المناسبة وتوجيهها للحصول على معلومات وآراء وفق هذه الأهداف.

ب- تحديد الأفراد الذين سيقابلهم الباحث:
يحدّد الباحث المجتمع الأصلي للدراسة، ويختار من هذا المجتمع عيّنة ممثّلة تحقّق له أغراض دراسته، ويشترط أن تتوفّر عند أفراد هذه العيّنة الرغبة في إعطاء المعلومات المطلوبة والتعاون مع الباحث في هذا المجال، ذلك لأنّ عدم توفر هذه الرغبة يحرم الباحث من الحصول على المعلومات المناسبة.

ج- تحديد أسئلة المقابلة:
سبق القول بأن المقابلة العلمية تحتاج إلى إعداد مسبق، ويتطلّب هذا الإعداد أن يكون الباحث مهيّئاً لطرح الأسئلة اللازمة للحصول على المعلومات المطلوبة بحيث تتوفّر في هذه الأسئلة المزايا العلمية مثل الوضوح، الموضوعية، التحديد، كما يعيّن الباحث طريقة توجيه الأسئلة وترتيب توجيهه.

د- تحديد مكان المقابلة وزمانها:
يحدّد الباحث مكان المقابلة وزمانها مراعياً في ذلك أن يكون المكان مريحاً ومقبولاً من قبل المفحوص، وأن يكون وقت المقابلة مناسباً للمفحوص بحيث لا يتعارض مع أعمال هامّة أخرى له.

2- تنفيذ المقابلة:
بعد أن ينتهي الباحث من الإعداد للمقابلة ويحدّد أهدافها وأسئلتها ومكانها وزمانها، ويحدّد الأفراد الذين سيقابلهم يبدأ بالمرحلة التالية، وهي التنفيذ الفعلي للمقابلة، وهذا التنفيذ يتطلّب من الباحث أن يقوم بما يأتي:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
165

126

الدرس الرابع عشر: أدوات البحث العلمي (1) العيّنة – المقابلة

 أ- التدريب على إجراء المقابلة:

يختار الباحث عيّنة صغيرة جداً من زملائه ليجري معهم مقابلات تجريبية، يختبر فيها قدرته على إقامة الجوّ الودّي في المقابلة وقدرته على طرح الأسئلة وتوجيه النقاش، كما يختبر قدرته على الإصغاء وتشجيع المفحوصين على الاستمرار في الحديث.

إنّ فترة التدريب التجريبية تساعد الباحث على تنظيم نفسه والاستعداد لبدء العمل وزيادة ثقته بنفسه، كما تساعده على اختيار طريقة مناسبة لفحص الإجابات وتسجيلها. فإذا كان الباحث قد حدّد الإجابات المحتملة لكلّ سؤال بدل توجيهه، فإنّه من خلال المقابلات التجريبية قد يحصل على إجابات محتملة إضافية.

ب- التنفيذ الفعلي للمقابلة:
يبدأ الباحث بإجراء مقابلاته مع العيّنة التي تمثّل المجتمع الأصلي بعد استكمال الإعداد للمقابلة والتدرّب على إجرائها مراعياً في ذلك ما يأتي:
- البدء بحديث مشوّق غير متكلّف والتقدّم التدريجي نحو توضيح أهداف المقابلة وتوضيح الدور المطلوب من المفحوص.

- إظهار الاحترام والودّ نحو الطرف الآخر بحيث يشعر بالأمن والطمأنينة، ممّا يشجّعه على الإجابة عن أسئلة الباحث.

- البدء بمناقشة الموضوعات المحايدة التي لا تحمل صيغة انفعالية أو شخصية حادّة لدى المفحوص، ثم الانتقال التدريجي -المتزامن مع تطوّر العلاقة الودّية- نحو الموضوعات والأسئلة ذات الطابع الانفعالي الخاص.

- يوجّه الباحثُ المفحوصَ نحو الالتزام بالسؤال وحصر الحديث بالاتّجاه الذي يريده الباحث، كما يحاول الباحث منع المفحوص من الاستطراد في سرد معلومات مواقف غير هامّة أو مطلوبة. 

- يصيغ الباحث أسئلة بشكل واضح، ويقوم بشرح السؤال وتوضيحه للمفحوص إذا وجد أنّ هذا ضرورياً.

- يعطي الوقت الكافي للمفحوص لتقديم الإجابة، كما يبقى الباحث مصغياً طوال 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
166

127

الدرس الرابع عشر: أدوات البحث العلمي (1) العيّنة – المقابلة

 وقت الإجابة، ويقوم بحركات أو إشارات معيّنة تساعد المفحوص على الاستمرار في الحديث. 


- يفترض أن لا يقوم الباحث بأيّة تصرّفات تظهر دهشته لسماع معلومات معيّنة أو استنكاره لحدوث موقف معين خوفاً من أن يشجّع هذا الموقف المفحوص على المبالغة في تصوير المواقف أو حجب المعلومات. 

- لا يجوز إحراج المفحوص واتّهامه وتوجيه أسئلة هجومية عليه تضطره للدفاع عن نفسه، وتؤثّر على الجوّ الودّي للمقابلة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
167

128

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف مفهوم الملاحظة وخطوات إجرائها.
2- يفهم شروط الملاحظة العلمية. 
3- يعرف معنى الاستبيان وأنواعه وخصائصه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
169

129

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 الملاحظة

الملاحظة هي مشاهدة مقصودة دقيقة ومنظّمة وموجّهة وهادفة وعميقة، حيث يوجّه الباحث حواسه وعقله إلى طائفة خاصّة من الظواهر، لكي يحاول الوقوف على صفاتها وخواصّها، سواء أكانت هذه الصفات والخواصّ شديدة الظهور أم خفيّة يحتاج الوقوف عليها إلى بعض الجهد.

وتُعدُّ الملاحظة إحدى الوسائل المهمّة في جمع البيانات والمعلومات. وتبرز أهمية هذه الوسيلة في الدراسات الاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصادية والتعليمية وجميع المشكلات التي تتعلّق بالسلوك الإنساني ومواقف الحياة الواقعية.

وتستخدم الملاحظة في جمع البيانات التي يصعب الحصول عليها عن طريق المقابلة أو الاستفتاء، كما تستخدم في البحوث الاستكشافية والوصفية والتجريبية.

خطوات إجراء الملاحظة
هناك عدد من الإجراءات الضرورية لاستخدام طريقة الملاحظة كأداة لجمع البيانات، ومن هذه الإجراءات ما يأتي:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
171

130

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 1- الإعداد المسبق للملاحظة:

أ- تحديد الهدف، حيث من الضروري أن يحدّد الباحث الهدف الذي يسعى للوصول إليه باستخدامه طريقة الملاحظة.

ب- تحديد الظاهرة أو الأشخاص الذين سيخضعون للملاحظة، وعددهم، (شخص واحد، اثنان أو أكثر). ومن هنا، لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة الاختيار الجيّد والملائم للعناصر والأفراد المعنيّين بالملاحظة.

ج- تحديد الفترة الزمنية التي تخصّص للملاحظة، كما ينبغي تحديد الوقت الذي تجري فيه الملاحظة، لأنّ أنماط السلوك قد تتغيّر من وقت لآخر.

د- ترتيب الظروف المكانية والبيئية المطلوبة لإجراء الملاحظة.

هـ- تحديد المجالات والنشاطات المعنية بالملاحظة.

2- تحديد وحدات الملاحظة:
إنّ الباحث لا يستطيع ملاحظة كلّ ما يجري في الميدان، لذلك عليه أن يركّز على أمور محدّدة يضعها على قائمة معدّة مسبقاً تتضمّن وحدات الملاحظة للمتغيّر المقاس وتحديد السلوك بدقّة بحيث يسجّل الباحث بموضوعية ووضوح ما يجري في كلّ وحدة.

على سبيل المثال، حاول باحث أن يلاحظ ما يجري في الاجتماعات أثناء انعقاد اللجان العلمية في الحوزة العلمية، فوضع القائمة الآتية لملاحظة تصرّفات المشاركين في الاجتماع:
أ- المشاعر والانفعالات الشخصية:
هل يبدي الغضب أو العدوانية؟ أم يبدي القلق أو عدم الشعور بالأمان؟ أم يبدي الانتباه أو الاستعداد؟ هل يبدي روح التعاون أم يتصرّف بسلبية؟...

ب- المبادرة وتقديم الاقتراحات:
هل يعبّر عن رأيه ويشخّص الموقف، أو يطرح تفسيرات معيَّنة؟ هل يطالب الآخرين بإبداء الرأي؟ وهل يوافق على مقترحات الآخرين أو يستحسن كلامهم؟ هل يبادر بخطوات نحو حلّ المشكلة ويتابع ذلك الحلّ؟...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
172

131

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 ج- المجادلة والنزاع مع الآخرين:

هل يجادل الآخرين؟ وهل يُشعر الآخرين بالفشل؟ هل هو حادّ في كلامه وعنيف في طريقة الجدال مع الآخرين؟...

د- ممارسة القيادة:
هل يقدّم المعلومات حول كيفية تنفيذ المهمّة؟ هل يحدّد دور الأفراد ويشرح لهم المهام بدقّة؟ هل يمدح الآخرين، ويستحسن تصرّفاتهم ويمنحهم الإثابة؟... 

3- تسجيل الملاحظات:
بعد أن يحدّد الباحث قوائم الملاحظة عليه، يقوم بتسجيل الملاحظات مع الأخذ في الاعتبار الأمور الآتية: 
أ- المدّة التي يستغرقها السلوك: يحدّد الباحث المدّة التي يستغرقها المبحوث في ذلك السلوك، مثال: كم من الوقت يقضي مدير لجنة في إقناع الآخرين للقيام بمسألة معيّنة؟ 

ب- تكرار السلوك: يستعمل هذا النوع من التسجيل عندما يستغرق السلوك الملاحظ فترة قصيرة فقط، مثال: كم عدد المرات التي يقاطع فيها مدير لجنة الآخرين أثناء النقاش؟

ج- تحديد الفترات الزمنية لتسجيل السلوك: لو فرضنا أنّنا نحاول أن نصف ما يجري في الاجتماع من تفاعلات، فنسجّل ما يجري كلّ خمس دقائق من أحداث، كأن يسأل رئيس اللجان أو يجيب المدير أو يبادر... 

د- الملاحظة المستمرّة: يقوم الباحث بمراقبة سلوك الشخص مراقبة مستمرّة إلى أن ينتهي ذلك السلوك. ويجري تسجيل الأحداث المهمّة التي تستحقّ الملاحظة والتسجيل.

هـ- العيّنات الزمنية: يقرّر الباحث فترات زمنية معيّنة عشوائياً، ثم يلاحظ مجريات الأمور خلال تلك الفترات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
173

132

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 4- شروط الملاحظة العلمية:

تعتمِد الملاحظة بالدرجة الأولى على مهارة الملاحِظ في إجراء الملاحظة من جهة ومدى دقّة الوحدات في قوائم الملاحظة.

ويعدّ التحيّز مهدّداً خطيراً للملاحظة، لذا لا بدَّ للباحث أن يُحسن اختيار الملاحظين الذين يساعدونه ويحسن تدريبهم. ولعلّ أفضل أسلوب هو قيام أكثر من ملاحظ واحد بمشاهدة الحدث نفسه وتحليله، ثم مقارنة ما جاء به كلٌّ من الملاحظين، كما يستحسن أن لا يعلم الملاحظ شيئاً عن فرضيّات البحث أو أهدافه.

وأبرز شروط الملاحظة العلمية:
أ- موضوعية الملاحظة، أي البعد عن الذَّاتية، وحتَّى يتحقَّق ذلك ينبغي أن يبتعد الباحث عن أهوائه وميوله وأفكاره لكي يلاحِظ الظَّواهر كما تبدو.

ب- كُلِّيَّة الملاحظة، أي عدم إهمال أيّ عنصر من عناصر الموقف المُلاحَظ.

ج- استخدام الأدوات العلمية في الملاحظة بعد التأكّد من سلامتها وكفاءتها.

د- تمسُّك الملاحِظ بالرُّوح العلميّة والصِّفات العقليَّة والخُلُقُيَّة من حيث التَّحلِّي بروح النَّقد والتدقيق والشَّجاعة مع الإيمان بالمبادئ العلمية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
174

133

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 الاستبيان

يعتبر الاستبيان أحد تقنيّات البحث العلمي المستعملة على نطاق واسع من أجل الحصول على بيانات ومعطيات ومعلومات تتعلّق بأحوال الناس أو ميولهم أو اتّجاهاتهم، ويحتاج من الباحث إلى وقت وجهد أقلّ، مقارنةً مع المقابلة والملاحظة، فالاستبيان يتألّف من استمارة تحتوي على مجموعة من الفقرات، يقوم كلّ مشارك بالإجابة عنها بنفسه، دون مساعدة أو تدخّل من أحد.

أنواع الاستبيان
يمكن تصنيف الاستبيان بحسب نوعية الإجابة المطلوبة الى أربعة أنواع هي:
 

 

1- الاستبيان المغلق: يحتوي على أسئلة تليها إجابات محدّدة، بمعنى تكون فيه الإجابة مقيّدة، فما على المشارك إلا اختيار الإجابة بوضع إشارة عليها. ومن حسنات هذا النوع أنّه يشجّع المشاركين على الإجابة عليه، لأنّه لا يتطلّب وقتاً وجهداً كبيرين، كما أنّه يسهّل تصنيف البيانات وتحليلها إحصائياً. ومن عيوبه أنَّ المشارك قد لا يجد جوابه المطلوب بين الإجابات الجاهزة.

2- الاستبيان المفتوح: يحتوي على عدد من الأسئلة يجيب عنها المشارك بطريقته ولغته الخاصّة، كما هو الحال في الأسئلة المقالية، أي تكون فيه الإجابة حرّة مفتوحة، حيث يهدف هذا النوع إلى إعطاء المشارك فرصة لأن يكتب رأيه ويذكر تبريراته للإجابة بشكل كامل وصريح. ومن عيوبه أنّه يتطلّب جهداً ووقتاً وتفكيراً جاداً من المشارك ممّا قد لا يشجّعه على المشاركة بالإجابة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
175

134

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 3- الاستبيان المغلق - المفتوح: يحتوي على عدد من الأسئلة ذات إجابات جاهزة ومحدّدة، وعلى عدد آخر من الأسئلة ذات إجابات حرّة مفتوحة، أو أسئلة ذات إجابات محدّدة متنوّعة، 

تتطلّب تفسير سبب الاختيار. ويعتبر هذا النوع أفضل من النوعين السابقين، لأنّه يتخلّص من عيوب كلّ منهما.

4- الاستبيان المصوّر: وتقدّم فيه أسئلة على شكل رسوم أو صور عوضاً عن العبارات المكتوبة، وقد تكون تعليمات شفهية، ويقدّم هذا النوع من الاستبيانات إلى الأطفال أو الأميّين.

الخطوات الأولى لإعداد الاستبيان
حتى تصمّم استبياناً سليماً جاهزاً للتطبيق لا بدّ من أن تقوم بالخطوات الآتية:
1- تحديد الموضوع العام للبحث.

2- تقسيم الموضوع العام إلى عدد من الموضوعات الفرعية حتى يتسنّى للباحث تغطية كلّ فرع بمجموعة من الأسئلة التي تشكّل في مجموعها العام الأسئلة التي يتألّف منها الاستبيان عند التطبيق.

3- تقويم الأسئلة بمراجعة أولية لها، والتأكّد من تغطيتها لكافّة الموضوعات الفرعية والعامة.

4- عرض الأسئلة على مجموعة من الأفراد لتلقّي المزيد من الملاحظات. 

5- طباعة الأسئلة بشكلها النهائي في نموذج خاصّ، ثم توزيعها على المشاركين في البحث.

6- جمع الاستبيان والبدء بتحليل المعلومات الموجودة به وتصنيفها وتفسير نتائجها للخروج بتوصيات مناسبة تتعلّق بمشكلة البحث.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
176

135

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 خصائص الاستبيان الناجح

1- الأمور التي يجب مراعاتها في موضوع الاستبيان:
- أن يكون الموضوع مميّزاً ومهمّاً، بحيث يدرك الشخص أهميَّته ولا يتردّد في المشاركة بالاستبيان.

- أن يبحث في المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها من مصادر أخرى.

- أن يتضمّن إرشادات واضحة وكاملة تبيّن الغرض منه بدقّة.

- تحديد المصطلحات المستخدمة وثباتها ووضوحها.

- سهولة الجدولة والمقارنة والتحليل والتفسير لاستخلاص النتائج بدقّة.

2- الأمور الواجب مراعاتها في أسئلة الاستبيان: 
- قصيرة قدر الإمكان.

- صياغة الكلمات بوضوح في الدلالة على المطلوب بشكل لا غموض فيه، وبحيث لا تحتمل التأويل والحمل على عدّة معانٍ غير مقصودة.

- البدء بالأسئلة السهلة التي تتناول الحقائق الأولية الواضحة المتعلّقة بالسنّ والعمل والحالة الاجتماعية والدخل الشهري وغير ذلك.

- ترتيب الأسئلة بشكل منطقي متسلسل، فلا يجوز أن ينتقل المفحوص من موضوع إلى موضوع، ثم يعود إلى الموضوع نفسه مرة أخرى، بل يحرص الباحث على أن يضع الأسئلة الخاصّة بموضوع معيّن في وحدة واحدة متسلسلة في الاستبيان، وبعد انتهاء هذه الأسئلة يبدأ بالانتقال إلى أسئلة أخرى مرتبطة بموضوع آخر.

- أن تكون الأسئلة موضوعية، بمعنى خلوّها من الاقتراحات الموحية بالإجابة المطلوب ذكرها. 

- أن تصاغ الأسئلة ذات الطابع الكمّي "الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة رقمية" بشكل دقيق ومباشر، مثال: ما تاريخ ولادتك؟ كم يبلغ مصروفك الشهري؟

- أن يحوي السؤال الواحد فكرة واحدة فقط، فلا يجوز حشد أكثر من فكرة في السؤال الواحد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
177

136

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 نموذج استبيان
وفيما يلي نموذج استبيان موجّه إلى المشاركين في ورشة تدريبية بهدف إجراء دراسة لتعزيز نقاط القوّة ومعالجة نقاط الضعف في عناصر الدورة:

- مسمّى الورشة

- مدرّب الورشة

التقويم

المقيّم


الرقم

 

ممتاز

جيد جدّاً

جيّد

وسط

ضعيف

. I المدرّب

 

 

 

 

 

إلمامه وإحاطته بجوانب المحتوى المطروح

1

 

 

 

 

 

إيصاله المعلومات بشكل مباشر ودقيق

2

 

 

 

 

 

جذبه لانتباه المتدرّب

3

 

 

 

 

 

تقديم أمثلة ملائمة وواقعية

4

 

 

 

 

 

التحفيز والتشويق في أسلوب عرضه

5

 

 

 

 

 

بقاؤه في صلب الموضوع وعدم الاستطراد

6

 

 

 

 

 

صياغته الأسئلة بشكل واضح ومثير

7

 

 

 

 

 

إدارته الورشة (جدل - وقت - خلاف -....)

8

 

 

 

 

 

إصغاؤه للمشاركين وإعطاء الوقت الكافي للنقاش

9

 

 

 

 

 

إشراكه المتدرّب في النقاش

10

 

 

 

 

 

 

 

178

 


137

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 

التقويم

المقيم

الرقم

ممتاز

جيد جدّاً

جيّد

وسط

ضعيف

. II المادّة والورشة

 

 

 

 

 

 

أهمّية الموضوع المطروح

1

 

 

 

 

 

تحقيق الورشة للأهداف المرسومة

2

 

 

 

 

 

تحقيق الورشة لأهدافك وتوقّعاتك

3

 

 

 

 

 

الفائدة التي حصلت عليها والتي ستخدم عملك الحالي

4

 

 

 

 

 

انجذابك للورشة

5

 

 

 

 

 

كفاية الوقت الذي خُصِّص للورشة

6

 

 

 

 

 

مناسبة الورشة لطبيعة عملك

7

 

 

 

 

 

تيسير الجوّ العام للورشة من تفاعلي وتحصيلي

8

 

 

 

 

 

جودة الخدمات التسهيلية المقدّمة في الورشة (مكان - إضاءة - تهوئة - تدفئة...)

9


ملاحظات حول المادّة والورشة: 


مزايا الاستبيان

1- قلّة التكاليف والنفقات اللازمة لجميع البيانات.

2- توفير الوقت والجهد وعدد الباحثين اللازمين لعملية جمع البيانات.

3- المساعدة في الحصول على بيانات قد يصعب على الباحث الحصول عليها إذا ما استخدم وسائل أخرى.



 

 

 

 

179

 


138

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 4- يوفّر وقتاً للفرد للإجابة عن أسئلة الاستمارة أكثر ممّا لو سئل مباشرة وطلب منه الإجابة عقب توجيه السؤال.


عيوب الاستبيان
1- إنّ كثرة أسئلة الاستبيان وطوله يدعو للملل وعدم الإجابة، وقلّة أسئلته قد لا تفي بالغرض المطلوب، ولذلك لا يصلح عندما يحتاج البحث إلى قدر كبير من الشرح.

2- يفتقر الباحث إلى اتّصاله الشخصي بأفراد الدراسة، وهذا يحرمه من ملاحظة ردود فعل الأفراد واستجابتهم لأسئلة البحث.

3- لا يمكن استخدام الاستبيان (المفتوح أو المغلق، أو المغلق- المفتوح) إلا في مجتمع غالبية أفراده يجيدون القراءة والكتابة.

4- لا يمكن للباحث التأكّد من صدق استجابات الأفراد والتحقّق منها بشكل تام.

5- يفتقد الاستبيان إلى المرونة، فإذا أخطأ المستجيب في فهم أو طريقة إجابة السؤال فإنّه لا يجد من يصحّح له إجابته أو يعدّل له طريقة الفهم، وخاصّة في الاستبيان البريدي.

الخطوات التي تحفّز على ملء الاستمارة
خطوات مهمة تساعد على ملء الاستمارة هي:
1- مراعاة الوقت المناسب للمبحوثين أثناء توزيع الاستمارة.

2- عدم كتابة الاسم على استمارة الاستبيان.

3- توضيح الأهداف الأساسية للمبحوثين من إعداد الاستمارة.

4- إحساس المبحوثين بأهمّية الاستبيان.

5- عدم تحمّل المبحوثين أيّة تكاليف مادّية أو بريدية أو غيرها.

قواعد تراعى لضمان صدق الإجابات
يراعي الباحث القواعد الآتية كوسائل تساعده على التأكّد من أنّ المفحوصين يجيبون إجابات جادّة وصادقة على أسئلة الاستبيان:
1- وضع الأسئلة بنحو واضح لا تحتمل أكثر من إجابة، لتكون الإجابة فيه واضحة وتبرز 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
180

139

الدرس الخامس عشر: أدوات البحث العلمي (2) الملاحظة – الاستبيان

 مدى صدق المفحوص.


2- وضع أسئلة خاصّة ترتبط إجاباتها بإجابات أسئلة أخرى موجودة في الاستبيان، فوجود خلل أو تقاطع في إجابات هذه الأسئلة قد يكشف عن عدم دقّة المفحوص في الإجابة، فالمفروض أن تكون إجابات هذه الأسئلة منطقية.

وهناك وسائل أخرى يمكن أن يستخدمها الباحث للتأكّد من صدق إجابات المفحوص، مثل: مقارنة بعض الإجابات التي حصل عليها الباحث من الاستبيان بمعلومات أخرى موجودة في السجّلات والوثائق... 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
181

140

الدرس السادس عشر: طباعة البحث ومناقشته

 الدرس السادس عشر: طباعة البحث ومناقشته



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف خطوات طباعة البحث وشروطها.
2- يعدّد مستلزمات مناقشة البحث وواجباته.
3- يعرف أهمّ المعايير المعتمدة لدى اللجنة المناقشة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
183

141

الدرس السادس عشر: طباعة البحث ومناقشته

 قراءة البحث

عند اكتمال البحث في المضمون والشكل خارجياً وداخلياً، تتمّ إحالته إلى الطباعة، ولكن على الطالب التنبّه إلى أنّه قبل طباعته عليه أن يلقي نظرة أخيرة عليه، وإعادة قراءته قراءة دقيقة متعمّقة متفحّصة ناقدة، بغية إقراره نهائياً، أو التعديل، فيضيف ما يجب إضافته، ويحذف ما يجب حذفه، ويوضح ما يجب توضيحه، لأنّ الإنسان مهما بلغ من الإتقان في كتابة بحثه سيعثر على بعض الثغرات عند القراءة المجموعية للبحث حين إنجازه.

كما قال أحد العلماء: "إنّي رأيت أنّه لا يكتب أحد كتاباً في يومه، إلا قال في غده: لو غيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدِّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر". أنظر: كشف الظنون، لحاجي خليفة، ج1، ص1042، معجم الأدباء لياقوت الحموي، مقدّمة الجزء الأول.

طباعة البحث وشروطها 
بعد أن تصبح الرسالة جاهزة للطباعة، يقوم الطالب بطباعتها، مراعياً الأمور الآتية:
1- أن يستخدم أوراقاً بيضاء غير مسطّرة متساوية الحجم، طولها: ثمانية وعشرون سنتيمتراً، وعرضها: اثنان وعشرون سنتيمتراً، أو أوراقاً، طولها: ستة وعشرون سنتيمتراً، وعرضها: عشرون سنتيمتراً.

2- أن يطبع على وجه واحد من الورقة، وأن يترك إلى يمين الصفحة ويسارها وفي أعلى الصفحة وأسفلها قدراً معيّناً من الفراغ. وتحديد قدر الفراغ، فيه عدّة آراء أحدها:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
185

142

الدرس السادس عشر: طباعة البحث ومناقشته

 ترك فراغ إلى يمين الصفحة قدره ثلاثة سنتيمترات، يمكِّن من تجليد الرسالة فيما بعد، وكذلك فراغاً قدره سنتيمتران على يسار الصفحة لتيسير عملية التجليد، فضلاً عن فراغ قدرة ثلاثة سنتيمترات في أعلى الصفحة يستعمل للترقيم، وفراغ مماثل في أسفل الصفحة بعد كتابة الحواشي، لإحلال التناسق في مظهر الصفحة.


3- أن يعمل على أن تكون الطباعة خالية من الأخطاء ويصحّح الصفحات التي يتخلّلها أخطاء في الطباعة، لأنّ حسن الإخراج من شروط البحث.

4- أن يراعي إشارات الوقف الواردة في الرسالة بدقّة متناهية، لما يحدثه الإخلال في مراعاتها من اضطراب في فهم المعنى.

5- أن يرقِّم الصفحات ترقيماً متسلسلاً في منتصف أعلى الصفحة أو وفق ما تفرضه الجامعة المنتسب إليها.

النسُخ المطلوبة
يختلف عدد النسخ المطلوبة من الطالب باختلاف نوع البحث المُقدَّم: ماجستير، دكتوراه. وكذلك باختلاف المعاهد والجامعات، مثال: بعض الجامعات - كما هو الحال في مصر - تطلب خمس عشرة نسخة، للماجستير والدكتوراه، والبعض الآخر من الجامعات، يطلب عشراً، والبعض الثالث، يطلب سبعاً... وتفرض الجامعة اللبنانية على طالب الدكتوراه، تقديم ثماني نسخ عن رسالته إلى الكلية التي ينتسب إليها، تُحوَّل خمسٌ منها إلى الأساتذة الخمسة، أعضاء لجنة المناقشة، وتوضع الثلاث الباقية في مكتبة الكلية.

وللحصول على العدد المطلوب من النسخ، ينصح الطالب بطباعة الرسالة على ورق خاص، والاحتفاظ بنسخته الخاصّة، وتصوير العدد المطلوب من النسخ، بحيث تأتي كلّ النسخ في حالة واحدة من الوضوح والجودة.

تجليد الرسالة
بعد إعداد النسخ المطلوبة من الطالب، عليه أن يعمد إلى تجليدها قبل التقدّم بها إلى الجامعة. ويجب أن يكون التجليد محكماً وجيداً، وأن يوضع على الغلاف الخارجي المقوّى للرسالة، وبحرف عريض كبير، اسم الجامعة والكلية والقسم الذي ينتمي الطالب إليه، 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
186

143

الدرس السادس عشر: طباعة البحث ومناقشته

 وكذلك عنوان الرسالة المقدّمة من قبله، واسمه، واسم الأستاذ المشرف، كما هو مبيّن سابقاً.


مناقشة البحث
إنَّ مناقشة البحث بحدّ ذاتها، تكون بصورة عامّة، علنية، ومفتوحة أمام الراغبين في حضورها. بيْد أنّها في بعض الجامعات، لا تكون علنية. وثمّة جامعات لا تجري فيها المناقشة أصلاً، وإنّما تكتفي فقط بالتقارير المقدّمة إليها من قبل الأعضاء المكلّفين بالنظر في الرسالة. وبناء على هذه التقارير، تصدر الجامعة قرارها، إمّا سلباً وإمّا إيجاباً.

وعملية المناقشة تتمّ وفق مراحل عدّة: بدءاً بتقديم البحث إلى الجامعة، مروراً بإلقاء الطالب كلمته أمام لجنة المناقشة، وصولاً إلى ملاحظات لجنة المناقشة، والرد على أسئلتها، وانتهاءً بإعلان نتيجة المناقشة.

مراحل مناقشة البحث
1- تقديم البحث إلى الجامعة للمناقشة:
بعد أن ينجز الطالب طباعة وتجليد البحث، ويُعلم أستاذه المشرف بذلك، عن طريق تقديم نسخة له عن رسالته، يجب عليه أن يتقدّم من إدارة الجامعة بالنسخ المطلوبة منه، مرفقة بطلب لتحديد موعد المناقشة. وعادة، يقوم الأستاذ المشرف بمهمّة الإعداد للمناقشة بالتنسيق مع الإدارة، بعد إبداء الطالب رغبته بذلك، فتعيَّن لجنة المناقشة ويتمّ تحديد الموعد وإعلام الطالب بذلك، وأحياناً يؤجَّل موعد المناقشة المحدّد إلى تاريخ لاحق، فيما إذا رأت لجنة المناقشة أو أحد أعضائها ذلك، كأن يُكتشف نقص فادح في الرسالة، أو معالجة موضوعها من قبل باحث آخر، أحْسَنَ المعالجة، وأخذ عنه صاحب الرسالة كثيراً دون أن يشير إليه... وقد يحدث أن تُرد الرسالة يوم المناقشة، لعدم صلاحيتها، ولإجراء التعديل اللازم فيها، أو لإعادة كتابتها من جديد وفق الملاحظات المعطاة له.

2- أعضاء لجنة المناقشة:
يختلف عدد أعضاء اللجنة المناقشة للبحث بين جامعة وأخرى، فالجامعة اللبنانية مثلاً 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
187

144

الدرس السادس عشر: طباعة البحث ومناقشته

 تشترط أن تتألّف لجنة المناقشة من ثلاثة أعضاء، بينهم المشرف لدرجة الدبلوم وما دون (الحالة العملية والجدارة)، وخمسة أعضاء بينهم المشرف لدرجة الدكتوراه، على أن يكون اثنان منهم على الأقل برتبة أستاذ، وأن يكون في اللجنة أساتذة ذوو اختصاص وخبرة في موضوع البحث واللغة والمنهجية. 


3- الوقت المخصَّص للمناقشة:
يختلف الوقت الذي تستغرقه المناقشة، باختلاف نوع الرسالة، وباختلاف طبيعتها: فلسفة، أدب، تاريخ، طب، رياضيات... وكذلك باختلاف الجامعة التي ينتسب الطالب إليها.

فالرسالة المقدّمة لنيل شهادة الماجستير قد تستغرق بشكل عام مدّة ساعتين. والرسالة المقدّمة لنيل شهادة الدكتوراه الحلقة الثالثة قد تتجاوز الثلاث ساعات. 

4- مداخلة الطالب:
بعد أن يتمّ تعيين لجنة المناقشة، ويحدّد مكان ويوم وساعة المناقشة، يقوم رئيس لجنة المناقشة بإدارة جلسة المناقشة، ويطلب من الطالب أن يعرض بإيجاز، خلاصة عمله البحثي. وعلى الطالب أن يكون مستعدّاً لمثل هذا الأمر، فيقوم بذلك بمنتهى الدقّة والوضوح. ويبدأ بالحديث عن موضوعه وأهمّيته في المجال الذي ينتمي إليه، والأسباب التي دفعته إلى اختياره، والصعوبات التي واجهته، والمشكلات الرئيسة والفرعية التي تنبثق عنه، والنتائج التي توصّل إليها، والمعطيات والحقائق التي تكشفت عنها تلك النتائج، والآفاق التي تفتحها أمام الآخرين للمتابعة والاستزادة.

ولدقّة اللغة، وحسن الإلقاء، من تنوّع النغمات والنبرات، بالإضافة إلى حسن المظهر، والظهور بمظهر التواضع وهدوء الأعصاب ورزانة الحركات، كبير الأثر والوقع في نفوس أعضاء لجنة المناقشة.

5- اللجنة وكيفية الردّ:
بعد أن ينتهي الطالب من تقديم عرضه أمام اللجنة، يستعدّ للإجابة والردّ على ملاحظات اللجنة، فيردُّ بلباقة وبألفاظ رقيقة وعبارات فصحية واضحة، ويجيب عن كلّ الأسئلة المتعلّقة بموضوع رسالته، والتي قد تطرح عليه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
188

145

الدرس السادس عشر: طباعة البحث ومناقشته

 وينبغي للطالب أن يتقبَّل بهدوء وسعة صدر كلّ نقد يوجّه إليه، فلا يضعف ولا يغتاظ، ولا يعاند، لأنّ أخلاق العلماء أبعد ما تكون عن المكابرة والعناد في مجال العلم والحق.


6- محور المناقشة:
يدور محور المناقشة حول ثلاث نواحي أساسية، هي:
أ- الناحية الشكلية:
تعني الشكل من حيث جمال الإخراج، ونظافة الطباعة وإتقانها بخلوها من الأخطاء، والكتابة الصحيحة من حيث جمال الأسلوب وسلاسته، وسلامة قواعد اللغة والإملاء، والتسلسل والانسجام بين الأفكار، ورشاقة التعبير، وترتيب الفقرات، والترابط بينهما، وحسن استخدام علامات الترقيم والوقف.

وعليه، فإنّ إساءة إخراج البحث، تنظيماً وترتيباً للمعلومات والأفكار، ينعكس على أهمّية البحث ومستواه الأكاديمي، نظراً للفوضى التي تؤدّي إلى التناقض الذي يقلّل من جدّية البحث وأهمّيته.

ب- الناحية المنهجية:
وتعني حسن تقسيم البحث وفق الخطّة المتّبعة إلى أبواب وفصول، ومدى ربط أو ترابط الأبواب والفصول ببعضها، وتسلسلها المنطقي لبلوغ النتائج، والبراعة في اختيار العناوين الرئيسية والثانوية، وحسن التوثيق والاقتباس، والدقّة في التعامل مع المصادر والمراجع، وترتيب الهوامش والفهارس وضبطها، وحسن العرض عموماً وفق المنهج الذي اتّبعه الباحث ومدى ملاءمته للموضوع المدروس.

ج- الناحية الموضوعية (المضمون العلمي):
وتعني المضمون من حيث عمق الأفكار، وحسن الإحاطة بالموضوع، ودقّة النقد، والتحليل المدعم بالوثائق والأسانيد، والإضافات الجديدة التي قدّمها للمعرفة الإنسانية، ذلك أنّ الناحية الموضوعية هي الأهمّ وهي الهدف الأساسي من البحث، لأنّ البحث المعتمد على الوصف السطحي، أو السردي الخالي من النقد والتحليل، أو غير المدعم بالوثائق والأسانيد، هو في الميزان العلمي دراسة إنشائية، وليس بحثاً علمياً أكاديمياً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
189

146

الدرس السادس عشر: طباعة البحث ومناقشته

 7- النتيجة:

بعد أن يجيب الطالب عن جميع الأسئلة المباشرة وغير المباشرة الموجّهة إليه، والمتعلّقة بموضوع رسالته، وبعد أن يدافع عن جملة آرائه وأفكاره التي ضمَّنها رسالته، يقوم أعضاء لجنة المناقشة، بالتداول فيما بينهم، حول أهمّية الرسالة، ومستواها، وقدرة الطالب على الدفاع عن آرائه، فضلاً عن أجوبته على الاستيضاحات والأسئلة الموجّهة إليه. وبعد مضي ربع ساعة من الوقت، تقريباً، وبعد أن يكون أعضاء لجنة المناقشة قد توصّلوا إلى قرار موحّد فيما بينهم يعلن رئيس لجنة المناقشة نتيجة المداولة، والدرجة الممنوحة للطالب.

وتتفاوت الدرجة التقديرية الممنوحة للطالب بين جامعة وأخرى:
مثال: في الجامعة اللبنانية تعلن النتيجة وفق الشكل الآتي:
- مقبول: العلامة تكون من 10 إلى 11، أو من 50 إلى 59.

- حسن: العلامة تكون من 11 إلى 12، أو من 60 إلى 69.

- جيّد: العلامة تكون من 13 إلى 15، أو من 70 إلى 79.

- جيّد جداً: من 16 إلى 18 او من 80 إلى 90.

- ممتاز: العلامة تكون من 19 إلى 20، أو من 90 إلى 100، وهي درجة الشرف. مع التوصية بنشر البحث ضمن منشورات الجامعة وعلى نفقتها، تقديراً للمتفوّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
190

147

الدرس السادس عشر: طباعة البحث ومناقشته

 

 

 

 

 

 

 

 

191


148

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرِّف المنهج الوصفي وأنواعه.
2- يفهم خطوات المنهج الوصفي.
3- يطبّق نموذجاً مختصراً، مراعياً خطوات المنهج الوصفي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
195

149

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 ما هو المنهج الوصفي؟

يعدُّ المنهج الوصفي من أكثر المناهج انتشاراً واستخداماً في الميدان البحثي للعلوم الطبيعية، كعلم الفلك والفيزياء والبيولوجيا... وكذلك في حقل العلوم الإنسانية، كالتربية وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها. 

ويُعرَّف بأنَّه دراسة الظاهرة كما هي في الواقع، ووصفها وصفاً دقيقاً، وجمع المعلومات عنها، والتعبير عنها كميّاً وكيفياً، تمهيداً لفهم الظواهر وتشخيصها، وتحليليها، وتحديد العلاقات بين عناصرها أو بينها وبين ظواهر أخرى، وصولاً إلى إمكانية التحكّم بها.

فالبحث الوصفي، إذاً، لا يقف عند حدود وصف الظاهرة، إنَّما يذهب إلى أبعد من ذلك، فيحلّل ويفسّر ويقارن ويقيّم.

المنهج الوصفي وأنواعه
هناك اختلافات بين الباحثين في تصنيف أنماط البحوث الوصفية وأنواعها، سنسلّط الضوء على ثلاثة أنواع مهمّة منها، وهي:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
197

150

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 1- الدراسات المسحية أو المنهج المسحي: 

وهو عبارة عن دراسة الظاهرة في بيئة محدّدة ومجتمع معيّن في الزمن المعاصر لإجراء الدراسة، بهدف جمع الوقائع والمعلومات والبيانات، والكشف عن الحقائق، من أجل استخلاص النتائج، وإيجاد الحلول المناسبة التي تدخل في وضع خطط الإصلاح والنهوض بالمجتمع.

والدراسات المسحية على أنواع، منها:

 

أ- الدراسة المسحية التعليمية:
وهي الدراسات التي تتمركز حول دراسة العملية التعليمية والتعلّمية بكافّة أبعادها، بهدف رسم خطط مؤدّية لرفع مستوى التعليم وزيادة كفاءته.

والدراسات المسحية التعليمية يمكن أن تغطّي بعض أو كلّ الجوانب الآتية:
- الجانب التنظيمي والقانوني والإداري الخاص بالتعليم.

- الجانب المالي والنفقات والموازنات.

- الأساتذة والمعلّمين وخصائصهم ومهاراتهم ومؤهّلاتهم وتخصّصاتهم والدورات التي خضعوا لها...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
198

151

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 - أحوال الطلبة ومستوياتهم العقلية والصحية والاجتماعية، والفروقات الفردية بينهم...


- المناهج التعليمية وطرائق التدريس...

- الإطار الاجتماعي والثقافي للتعليم.

ب- الدراسة المسحية المرتبطة بتحليل الوظائف:
وهي عبارة عن جمع البيانات والمعلومات المتعلّقة بواجبات العاملين ومسؤولياتهم والنشاطات الخاصة أثناء دوام العمل ومراكزهم وعلاقتهم داخل التنظيم الإداري، وكثيراً ما يتّجه التحليل إلى تحديد مطالب العمل وظروفه والمواصفات التي ينبغي أن تتوافر في العامل، ويمكن لهذه الدراسة أن تشمل الجوانب الآتية:
- الكشف عن نواحي الضعف والتكرار في إجراءات العمل وظروفه.

- تصنيف الوظائف.

- تقدير الأجور والرواتب.

- تحديد شروط المرشح.

- وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.

- وضع برامج التدريب.

- اتّخاذ القرارات الخاصّة بنقل الموظفين.

- توفير الأساس النظري لدراسة المهن والوظائف المختلفة.

ج- الدراسة المسحية المرتبطة بتحليل المضمون ومحتوى الوثائق:
تتميّز الدراسات المسحية في ضوء أسلوب تحليل المضمون عن غيرها من الدراسات الوصفية بأنّها لا ترتبط بالواقع مباشرة، بل هي عبارة عن دراسة الواقع بطريقة غير مباشرة من خلال مسح مضمون الوثائق والسجلات والتقارير والمطبوعات والكتب والدوريات والقوانين والبرامج والاتّفاقيات والسير الذاتية والأفلام والصوتيات والرسائل... من المواد التي تحتوي على معلومات تخدم الباحث في دراسة موضوع بحثه ومعالجة المشكلة البحثية.

وينطلق منهج تحليل المضمون من مسلّمة أنّ أفكار واتّجاهات وصفات وخصائص أيّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
199

152

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 جماعة أو أفراد تظهر بوضوح في الكتابات والصحف والأقوال... الصادرة عن تلك الجماعة أو الأفراد، وهذا ما نلمسه في قول أمير المؤمنين عليه السلام: "... قلمك أبلغ من ينطق عنك"1 وقوله عليه السلام: "ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه"2.

 
فمثلاً إذا أردنا دراسة أفكار وعقائد واتّجاهات وميول العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي أو الشهيد مرتضى مطهري أو السيد محمد باقر الصدر وغيرهم من العلماء، يتمّ ذلك من خلال عملية منهج تحليل المضمون، عبر دراسة محتوى كتبهم ورسائلهم ونصوصهم والأشرطة الصوتية والمقابلات والحوارات... مثلاً بالنسبة للعلامة الطباطبائي يمكن الدراسة المسحية لمحتوى كتبه: الميزان في تفسير القرآن، ونهاية الحكمة، وحواشيه على الحكمة المتعالية وبحار الأنوار، ورسالة البرهان، ورسالة الاعتباريات، وأصول الفلسفة والمنهج الواقعي، وحواراته مع هنري كوربان... وغيرها، وتحليل تلك المضامين والقيام بعملية مقارنة بينها، ومناقشتها للخروج بخلاصات ونتائج.
 
وعند استخدام الطالب لمنهج تحليل المضمون، عليه الالتفات إلى عدّة خطوات:
1- السعي وبذل الجهد للحصول على الوثائق المتعلّقة بموضوع الدراسة.
 
2- أن لا يُغفل أيّ وثيقة لها علاقة بدراستها، لأنّه قد يوجد فيها قرائن توجّه البحث باتجاه دون آخر.
 
3- التحقّق والتثبّت من مدى موثوقية المضمون الذي ينصبّ تحليله عليه.
 
4- أن يخضع التحليل والاستنتاج للشروط العلمية والموضوعية التي تفرضها الوقائع كما هي، دون التعصّب والهوى والميول الشخصية.
 
د- الدراسة المسحية المرتبطة بالرأي العام:
الرأي العام: هو تعبير الجماعة أو الجمهور عن رأيه ومعتقداته واتّجاهاته وميوله وعواطفه في وقت معيّن بالنسبة لموضوع يخصّه أو قضية مهمّة أو مشكلة يعاني منها.
 
ويتّبع الباحث وسائل متنوّعة للحصول على المعلومات، كالاستبيان أو المقابلة، بل حتى 



1 الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث، ط1، ص 269.
2 السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ج 4، ص 7.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
200

153

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 رصد المظاهرات والاضطرابات... ولا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار العوامل المؤثّرة في تحديد الإجابة، كالمركز الاجتماعي أو الاقتصادي للعيّنة أو الجنس... 


2- دراسة العلاقات والروابط المتبادلة:
إنّ دراسة الظواهر في ضوء المنهج المسحي تكتفي بوصف الظاهرة وتفسيرها دون الدخول في عملية دراسة العلاقات بين الظواهر المختلفة، أمّا المنهج الوصفي في ضوء دراسات العلاقات فيتجاوز دارسة الظاهرة وفهمها إلى دراسة العلاقات بين مختلف الظواهر والوقائع، والقيام بعملية ربط بينها، بهدف الوصول إلى فهمها بصورة أعمق، ولهذا تعتبر دراسة العلاقات ذات مستوى متقدّم على الدراسات المسحية. وتصّنف دراسة العلاقات إلى ثلاثة أنواع، وهي:

 

أ- دراسة الحالة:
يُقصد منها دراسة حالة معيّنة لشخص أو مجموعة من الأشخاص عبر فترة زمنية محدّدة بقصد الكشف عن السلوك الفردي أو الجماعي. وتختلف دراسة الحالة عن الدارسة المسحية في عدّة أمور، منها:
- تحرص دارسة الحالة على استخدام أكبر عدد من وسائل البحث، في حين يمكن إجراء الدراسة المسحية بأقلّ ما يمكن من أدوات البحث.

- يغلب على دراسة الحالة الأسلوب النوعي، في حين يغلب على الدراسة المسحية الأسلوب الكمّي.

- تكون العيّنة في دراسة الحالة صغيرة، بينما تكون العيّنة في الدراسات المسحية كبيرة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
201

154

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 ب- الدراسة المقارنة للأسباب:

تهدف هذه الطريقة إلى اكتشاف الأسباب الممكنة لنموذج معيّن من السلوك، وذلك عبر إجراء مقارنة بين مجموعة من الأشخاص تتبّع سلوكاً معيناً ومجموعة أخرى مشابهة لها لكنَّها لا تتبّع نفس السلوك.

ج- الدراسات الارتباطية:
هذا النوع من الدراسات يفيد في تقدير العلاقة بين متغيّر أو أكثر من ناحية وفي التعرّف على مدى هذه العلاقة بينهما من ناحية أخرى.

3- الدراسات التطويرية:
هي دراسات تتناول الوضع القائم للظواهر والعلاقات المتداخلة في بعضها، وتتناول أيضاً التغيّرات التي تحدث للظواهر عبر الزمن. ويوجد نوعان من هذه الدراسات، هما:

 

أ- دراسات النمو:
مثل دراسة النمو العقلي واللغوي والانفعالي والاجتماعي... لِعيِّنة محدّدة، كتلامذة الحلقة الأولى...

و يوجد طريقتان في دراسات النمو:
- الأولى: الطريقة الطولية أو العمودية: وهي عبارة عن اختيار عيّنة من تلامذة الصف الأول مثلاً، ثم الاستمرار في ملاحظتهم وهم ينتقلون من صف إلى صف، وسنة بعد أخرى.

- الثانية: الطريقة العرضية أو الأفقية: وهي دراسة مجموعة من الصف الأول، ومجموعة من الصف الثاني مثلاً...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
202

155

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 ب- دراسة الاتّجاه:

يعتمد هذا النمط من الدراسات على جمع المعلومات عن الظاهرة في وقتها الحاضر ومتابعة دراستها في فترة زمنية قادمة (وأحياناً سابقة)، أي دراسة الظاهرة في أوقات مختلفة، لاستقراء اتّجاهاتها وتوقّع ما يُنتظر حدوثه في المستقبل.

لقد زاد الاهتمام بهذا النوع من الدراسات نتيجة الاهتمام بالتخطيط المعتمد على الوعي بالاتّجاهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...

ومع هذا، فإنّ هذا النوع من الدراسات له محاذيره، إذ إنّ التوقّعات لهذه الدراسات وبخاصة تلك التي تكون على المدى الطويل كثيراً ما يثبت عدم صدقها في الواقع بسبب وقوع حوادث مفاجئة.

خطوات المنهج الوصفي
يتحرّك المنهج الوصفي ضمن الطرق المعهودة لمناهج البحث العلمي، في ضوء الخطوات الآتية:
1- الشعور بالمشكلة من خلال الجواب عن مجموعة أسئلة: ماذا؟ لماذا؟ أين؟ متى؟ كيف؟ كم؟ 

2- تحديد المشكلة التي يريد الباحث دراستها وصياغتها بشكل سؤال محدّد أو أكثر من سؤال.

3- وضع مجموعة من الفروض كحلول مبدئية للمشكلة ليتّجه بموجبها الباحث للوصول إلى الحلّ المطلوب.

4- وضع المسلّمات التي سيبني عليها الباحث دراسته.

5- تحديد حجم العيّنة وأساليب اختيارها، والقيام بعملية اختبار العيّنة التي ستجري عليها الدراسة.

6- اختيار أدوات البحث واستخدمها في الحصول على المعلومات، كالاستبيان أو المقابلة أو الاختبار أو الملاحظة، وفقاً لطبيعة مشكلة البحث وفروضه، وتقنين هذه الأدوات لمعرفة صدقها وثباتها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
203

156

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 7- القيام بجمع المعلومات المطلوبة بطريقة دقيقة ومنظمة.

 
8- الوصول إلى نتائج البحث وتنظيمها وتصنيفها.
 
9- تحليل النتائج وتفسيرها. 
 
10- استخلاص التعميمات والاستنتاجات منها1.

 


1 طباجة، يوسف عبد الأمير، منهجية البحث تقنيات ومناهج، ص 388.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
204

157

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 مثال تطبيقي على خطوات المنهج الوصفي

يشعر أحد المشرفين التربويين أنّ مديري المدارس تتفاوت علاقتهم مع المعلّمين في مدراسهم، فيقرّبون بعض المعلمين ويثقون بهم ويعملون معهم، بينما يهملون معلّمين آخرين. ولمس هذا المشرف أنّ بعض المعلمين يتذمّرون من المدير، بينما يدافع معلّمون آخرون عن المدير، فحاول البحث عن الصفات التي تتوفّر في المعلّمين الذين يثق بهم المديرون والصفات التي تتوفّر في المعلمين الآخرين.

كيف يدرس الباحث هذه المشكلة وفق خطوات الأسلوب الوصفي؟
1- تحديد المشكلة: يقوم الباحث بتحديد مشكلته وصياغتها بشكل سؤال أو أكثر على النحو الآتي:
ما الصفات التي يفضّل مديرو المدارس الابتدائية توفّرها لدى المعلّمين؟

ما هي الصفات التي يفضّل مديرو المدارس عامّة توفّرها لدى المعلمين؟

ما هي اتّجاهات المعلمين نحو مديري مدارسهم؟

2- وضع الفروض: يفكّر الباحث في حلول مبدئية أو إجابات مبدئية لأسئلة البحث، ويعرضها في ما يأتي:
الفرض الأوّل: ينزعج مديرو المدارس من المعلّمين الذين يتملّقون للادارة.

الفرض الثاني: يظهر المعلّمون اتّجاهات إيجابية نحو المديرين الذين يمارسون حُسن الإدارة، واتّجاهات سلبية نحو المديرين المتسلّطين إدارياً.

إنّ هذه الفروض هي حلول مبدئية يضعها الباحث ليجمع معلومات عنها، ويختبر صحّتها أو عدم صحّتها.

3- وضع الافتراضات والمسلّمات: يضع الباحث بعض الافتراضات التي يؤمن بها أو يسلّم بصحّتها:
المسلّمة الأولى: العلاقات الإيجابية بين المعلّمين والمديرين ضرورية لخلق جوّ عمل إيجابي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
205

158

الدرس السابع عشر: المنهج الوصفي

 المسلّمة الثانية: وجود التوتر في العلاقات يمكن أن يقلّل من فعالية المدرسة.


المسلّمة الثالثة: تؤثّر اتّجاهات المعلمين على أدائهم لأعمالهم.

4- اختيار العيّنة التي سيجري عليها الدراسة: يقوم الباحث بتحديد نوع العيّنة وحجمها وأسلوب اختبارها، كما هو مبين فيما يأتي:
يختار الباحث عيّنة عشوائية من عشرين مدرسة ابتدائية يبلغ حجمها 300 معلم، أي ما يعادل 8% من المجتمع الأصلي للمعلّمين.

- اختبار أدوات البحث: يقرّر الباحث الأدوات التي سيستخدمها لاختبار الفروض التي وضعها، كما يتّضح ممّا يأتي:
- استبيان يُوزّع على مديرين ومعلمين. 

- إجراء مقابلات مع عدد من المديرين.

- جمع المعلومات والبيانات: يقوم الباحث بتوزيع الاستبيانات وإجراء المقابلات على العيّنة التي اختارها، والبالغ عددها 300 معلم.

- يصنِّف المعلومات التي يجمعها وينظّمها، ويحدّد النتائج التي تساعده في الحكم على الفروض التي وضعها.

- يصف النتائج ويفسّرها ويوضّح أسبابها، ويقدّم عدداً من التوضيحات لتحسين الواقع الحالي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
206

159

الدرس الثامن عشر: المنهج المقارن

 الدرس الثامن عشر: المنهج المقارن


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف معنى المنهج المقارن وأنواع المقارنة.
2- يفهم خطوات المنهج المقارن ودوره.
3- يطبّق نموذجاً مختصراً، مراعياً خطوات المنهج المقارن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
207

160

الدرس الثامن عشر: المنهج المقارن

 ما هو المنهج المقارن؟

لغةً: المقارنة لغةً تعني شدّ الشيء إلى الشيء وربطه به، وجمع الأشياء بعضها إلى البعض الآخر، والموازنة بين الأشياء1.
 
اصطلاحاً: المنهج المقارن عبارة عن أسلوب المقابلة والمقايسة بين الأحداث والظواهر المختلفة، وموازنة بعضها ببعضها الآخر، بهدف الكشف عمّا بينها من علاقات ووجوه شبه أو اختلاف وتباين.
 
المقارنة وأنواعها
تنقسم المقارنة إلى:
1- المقارنة الاعتياديّة: وهي مقايسة بين ظاهرتين أو أكثر، تكون قاعدة أوجه الشبه بينهما أكثر من أوجه الاختلاف، وغالباً ما تكون أوجه الاختلاف تدور حول شكل الظاهرتين المقارَنَتين.
 
2- المقارنة المغايرة: وهي مقارنة بين ظاهرتين أو أكثر تكون أوجه التشابه بينهما أقلّ من أوجه الاختلاف، ويكون الاختلاف بينهما جوهريٌ. 
 
3- المقارنة الداخلية: تدرس حادثة واحدة فقط في زمان ومكان معيّنين، بإجراء المقارنة بين أسباب هذه المشكلة، للتوصّل الى الأسباب الأكثر ترجيحاً، والتي يمكن أن تكون هي الأسباب الرئيسية. 
 
4- المقارنة الخارجية: وهي مقارنة حوادث اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية... متباعدة عن بعضها مكانياً أو مختلفة بشكل كلّي، مثال: المقارنة بين دولة تطبّق 



1 راجع: كتاب العين، ج5، ص141، لسان العرب، ج13، ص336.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
209

161

الدرس الثامن عشر: المنهج المقارن

 النظام الاشتراكي وأخرى النظام الرأسمالي الحرّ، من جهة تأثير كلّ منهما على التنمية الاقتصادية.

 

 
دور المنهج المقارن 
يكمن دور البحث المقارن في إنشاء رؤية ثاقبة ونظرة متكاملة إلى الموضوع من مختلف الزوايا والجوانب. وكما في الحسن لا يظهر حسنه إلا الضدّ، فالاتّجاه الآحادي في دراسة الموضوع وإن كان له أهمّيته، إلا أنّ الإحاطة بمختلف أبعاد موضوع البحث من خلال مقارنته بغيره، تجعل الباحث أقرب إلى النجاح وتحقيق أهدافه المعرفية.
 
وفي هذا السياق، نلاحظ أنّ القرآن الكريم، يستخدم أسلوب المقارنة بين الأشخاص بهدف إيجاد تحوّل في الرؤية وبلورة البصيرة، كما في قوله تعالي: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾1. ومن النّماذج الأخري، مقارنة القرآن بين أهل الإيمان والعمل الصالح، والمفسدين في الأرض، والتدليل علي التباين بين المتّقين والفجّار، ممّا جاء في الآية: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾2.



1 سورة الزمر، الآية 9.
2 سورة ص ، الآية 28.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
210

162

الدرس الثامن عشر: المنهج المقارن

 خطوات المنهج المقارن

إنّ عمليّة البحث المقارن تقع ضمن خمس خطوات، وفق الشكل الآتي:
1- تحديد موضوع الدراسة المقارنة: 
لا بدّ للباحث الذي يعتمد المنهج المقارن أن يحدّد مسائل بحثه علي وجه الدّقة، ويحدّد موضوع المقارنة تحديداً دقيقاً، فالبحث المقارن في العقيدة، على سبيل المثال، يتطلّب تحديداً دقيقاً لموضوعي المقارنة فيه، فهل المقارنة - (فرضاً بين الأشاعرة والمعتزلة) - في موضوع العدل، أم في موضوع العصمة؟ وهل المقارنة ستقوم بناءً على مبادىء النظريات أم على نتائجها، وآثارها العملية؟... 

2- تحديد نطاق المقارنة:
ثمّة عوامل متعدّدة تلعب دورًا في تحديد نطاق المقارنة، نظير المؤهّلات الشخصيّة، وإمكانيّات البحث، وقابليّة المقارنة...

وتعدّ قابلية المقارنة بين موضوعي البحث من العوامل التي تلعب دورًا مهمّاً في تحديد ذلك النطاق. ويوجد اتّجاهان في تحديد قابلية الأمور للمقارنة: الاتّجاه الأوّل يعتبر أنّ التباين الكامل بين الموضوعين يشكّل مانعاً من إمكانية المقارنة بينهما، أمّا الاتّجاه الثاني فيعتبر أنّ التّباين لا ينفي إمكانيّة المقارنة بين الموضوعين. 

لكنّ الصحيح أنَّ مقياس المقارنة يتبلور من خلال ملاحظة الهدف من البحث المقارن. فلو كان الهدف هو الكشف عن المساحات المشتركة بين موضوعي المقارنة، فإنّ مقياس المقارنة يتمثّل بعدم وجود تباين جذري بينهما، أمّا لو كان هدف البحث الفهم والاستيعاب الأعمق لمختلف الأبعاد والجوانب المتعلّقة بموضوعي المقارنة، فإنّ التّباين الكامل بينهما لا يشكّل مانعاً أمام الدراسة المقارنة.

3- تتبّع مستويات الاشتراك والتّباين الشكلية: 
لا بدَّ للباحث أن يتتبّع الحدّ الأقصى من مستويات الاشتراك والتباين، فيبدأ بالشكلية منها، ليصل فيما بعد إلى الجوهرية، إذ لا يمكننا تجاوز الشّكل والتوصّل إلي الاشتراك والتباين الجوهري والحقيقي مباشرة، والأمور الشكلية تتمثّل باللغة والألفاظ... وكلّما قمنا بإثراء القائمة التي تحصي جوانب الشّبه والتّباين، تضاعف مستوي نّجاح البحث. 

4- تتبّع مستويات الاشتراك والتّباين الجوهرية:
تتمثّل المرحلة الأهمّ في البحث المقارن في الانتقال من مساحة الاشتراك والتّباين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
211

163

الدرس الثامن عشر: المنهج المقارن

 الشكليّة إلي الجوهرية، والانتقال إلي ما وراء اللّفظ والجسم، ويمكن الوصول للمقارنة الجوهرية عبر الأساليب الآتية:

أ- طرح الإشكالية الرئيسة والإشكالات الثانوية والفرضيات المتعلّقة بموضوعي الدراسة المقارنة، ممَّا يتيح للباحث تجنّب المقارنات الجزافيّة غير المبرّرة.

ب- مقارنة الأطر التاريخية والمعرفية لموضوعي المقارنة.

ج- مقارنة المبادئ التصوريّة والتصديقيّة لموضوعي الدراسة.

د- مقارنة الأدلّة، والاتّجاهات والمناهج.

هـ- مقارنة اللوازم والآثار والنتائج.

و- مقارنة البدائل، والنّظائر والنّقائض حين يتعذّر الفهم المباشر لموضوع مّا، يمكن أن تجد سبيلًا آخر للمعرفة من خلال فهم ضدّه أونظيره، أو وبديله.

ز. مقارنة المنظومة الفكريّة أو النّطاق الفكري الذي ينتمي إليه موضوع البحث فقد يصل الباحث إلى نتائج خاطئة وغير دقيقة نتيجة مقارنة موضوعي الدراسة علي نحو جزئي منعزل دون ملاحظة المنظومة الكلية.

5- تفسير حالات التّباين والاشتراك: 
وهي أصعب خطوات البحث المقارن وأكثرها تعقيدًا، حيث يحاول الباحث توظيف القوانين المعرفيّة والتاريخيّة وغيرها... ليقدّم نظرية تفسيريّة لحالات التباين والاشتراك.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
212

164

الدرس الثامن عشر: المنهج المقارن

 

مثال تطبيقي على خطوات المنهج المقارن

- تحديد موضوع المقارنة:
يعيّن الباحث أنّه سيقوم بدراسة الاختلاف في كيفية الوضوء بين المسلمين وفق المنهج المقارن.

بعد تعيين الموضوع، يسير الباحث في تطبيقه للمنهج المقارن وفق الخطوات الآتية:
1- تحديد نطاق المقارنة: 
نطاق المقارنة هو النطاق الفقهي، مقارنة الأحكام الفقهية بين مذهب الشيعة الإمامية والمذاهب الأربعة الأخرى: الحنابلة والأحناف والشافعية والمالكية.

2- تتبّع مستويات الاشتراك والتّباين الشكلية:
اتّفق المسلمون على أنّ الصلاة لا تصحّ إلاّ بطهور، والطهور هو الوضوء والغسل والتيمّم واختلف المسلمون حول حكم الأرجل في الوضوء من حيث المسح والغسل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
213

165

الدرس الثامن عشر: المنهج المقارن

 3- تتبّع مستويات الاشتراك والتّباين الجوهرية:

وذلك من خلال طرح:
أ- الإشكالية الرئيسية:
ما هو سبب الاختلاف في كيفية الوضوء بين الشيعة والمذاهب الأخرى؟
 
ب- الإشكاليات الثانوية:
ما هي الأدلّة التي يستند إليها كلا الفريقين؟ وما هي مصادر وأسباب الخلاف؟
 
ج- الفرضيات: 
الأدلّة التي يستند إليها الفريقين أدلّة نقلية.
 
سبب الخلاف هو اختلاف القراءة في لفظة ﴿وَأَرْجُلَكُم﴾1 بالفتح والجرّ في آية الوضوء.
 
سبب الخلاف هو التمسّك بروايات الغسل المنسوخة.
 
سبب الخلاف هو إشاعة الغسل بكيفية معيّنة من قبل السلطة الحاكمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
 
د- مقارنة أدلّة الفريقين وتحليلها: 
يتمّ عرض الأدلّة الروائية والدليل القرآني لكلا الفريقين، ويقوم الباحث بنقد الأدلّة وتحليلها، والتأكّد من صحّة الروايات سنداً ومضموناً.
 
هـ- تفسير موارد التّباين والاشتراك: 
بعد عرض الأدلّة ومقارنتها ونقدها يصل الباحث إلى النتيجة النهائية للبحث، حيث يقوم بتفسير موارد التباين بين الحكم بغسل الأرجل والحكم بمسحها في الوضوء، وكذلك تفسير موارد اتّفاق الفريقين على وجوب الطهارة وشرطيّتها في بعض العبادات. 



1 سورة المائدة، الآية 6.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
214

166

الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)

 الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف المراد من المنهج الاستدلالي العقلي.
2- يعدّد خطوات المنهج الاستدلالي العقلي.
3- يفهم وظيفة المنهج الاستدلالي العقلي ومراحله.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
215

167

الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)

 تمهيد

المنهج الاستدلالي العقلي أهمّ المناهج العامّة للتفكير البشري، وهو أسلوب تفكير يستند إلى قوانين المنطق العقلي كأداة لبناء المعرفة وتوليد العلم، وبعبارة أخرى: هو طريقة التفكير المعتمدة على القواعد العامّة التي يدركها العقل البشري في دراسة موضوع ما، من أجل الكشف عن محمولاته والوصول إلى الحقيقة. 
 
وقد استخدم الفلاسفة اليونانيون والمسلمون هذا المنهج في جميع ميادين المعارف المتضمّنة في خارطة الفلسفة بالمعنى الأعمّ وفق التصنيف الأرسطي، أي الرياضيات، والفلسفة العامّة، والإلهيات، وعلم الفلك، وعلم الحيوان، وعلم النبات... وفي الحقيقة، إن هذا المنهج لا يقتصر استخدامه على ميدان معرفي خاص، بل له دائرة واسعة من التوظيف في حقول معرفية وعلمية مختلفة.
 
بعد بدء رحلة انفصال العلم الطبيعي عن الفلسفة تدريجياً في الحضارة الغربية بفعل تنشيط حضور المنطق الاستقرائي والتجريبي، أصبح المنهج الاستدلالي العقلي يصنّف في دائرة تقابل دائرة المنهج العلمي، أي الاستقرائي والتجريبي، بعد أن كان يشمل التجربة في مباحثه المنطقية كعنصر في المنهج العقلي، وما زال.
 
ونعرض في المقدّمة خلاصة عن المنهج العقلي، ثم نعمد إلى بيانه بشكل أكثر تفصيلاً.
 
وسنعمل على توضيح هذا المنهج من خلال طرح عدّة تساؤلات: 
ما هو العقل؟
يخرج الإنسان من بطن أمّه جاهلاً غير مزوّد بأيّ لون من ألوان المعرفة1. وكما يعبّر



1 يراجع: الحلّي، الحسن بن يوسف، الأسرار الخفيّة في العلوم العقلية، ص 7.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
217

168

الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)

 السيد محمد باقر الصدر: "إنّ الإنسان لحظة وجوده على وجه الأرض لا توجد لديّه أية فكرة، مهما كانت واضحة وعامّة في الذهنية البشرية"1

 
وقد زوّد الله تعالى الإنسانَ باستعداد فطري خاصّ وأدوات معرفية محدّدة يتمكّن بواسطة استخدامها من تحصيل العلم بنحو تدريجي تراكمي2، ورئيس تلك الأدوات المعرفية هو العقل، أي قوة التفكير وإدراك الكليات والتحليل والتركيب والاستنتاج الذهني... وبهذه القوة يتميّز الإنسان عن سائر الكائنات المشاركة له في وحدة الحياة، حيث إنّ الإنسان - استقرائياً - هو الكائن الوحيد القادر على إنتاج المعرفة والنظريات العلمية والاستدلال عليها وصياغتها لفظياً وتدوينها في الكتب ونقلها بالتعليم من جيل إلى جيل والمراكمة عليها...
 
ما هو التفكير العقلي؟
إذاً، الإنسان قادر بواسطة العقل على الانتقال من حال الجهل إلى حال العلم، وهذا الانتقال لا يمكن أن ينطلق من صفر معلومات، لأنّ الجهل لا يصلح أن يكون مولِّداً للعلم، ففاقد الشيء لا يعطيه، بل لا بدّ من أن يكون الإنسان مزوّداً برأس مال علمي3 يراكم عليه في إنتاج المعرفة، فما لم يكن لدى الذهن البشري أيّة معلومات مخزونة فيه لا يمكن الوصول إلى معلومات أخرى. 
 
ولا يمكن أن تكون كلّ المعارف والعلوم التي يحصل الإنسان عليها محتاجة إلى علوم أسبق منها تستند إليها وتقوم عليها، وإلا لتسلسلت المعارف في حركة مستقيمة غير متناهية إلى الخلف أو دائرية من دون أن يحصل أيّ علم من العلوم عند الإنسان، ومن هنا يعتقد المنهج العقلي بوجود مجموعة من المعارف البشرية الأوّلية التي تحصل في النفس بالاضطرار من دون اعتمادها على معلومات أسبق منها، يطلق عليها اسم البديهيات العقلية، مثل:



1 الصدر، السيد محمد باقر، فلسفتنا، دار الكتاب الإسلامي، الأمير، 1425 - 2004م، ط 3، ص 56.
2 يراجع: الشيرازي، محمد صدر الدين، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان، لا.مط، 1981م، ط 3، ج 4، ص 515. والطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 12، ص 312.
3 يحصل رأس المال العلمي بالتراكم في مرحلة الطفولة قبل الوصول إلى مرحلة الإدراك العقلي، فيصل الطفل إلى مرحلة الإدراك العقلي مزوّداً بعدة تصورات وتصديقات تصلح أن تشكل أرضية للتفكير العقلي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
218

169

الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)

 قانون التناقض، وقانون السببية العام، وقانون التضادّ، وقانون الأمثال، وقانون نفي تكرّر الصدفة1... 

 
وتشكّل هذه القوانين العقلية البديهية البناء المعرفي التحتي الذي ينطلق منه الإنسان لإنتاج المعارف الأخرى، وهي صنف معارف تنتهي إليها كلّ المعارف الأخرى، التي يطلق عليها اسم المعارف النظرية والكسبية، والتي تحتاج من أجل الوصول إليها لإجراء عملية عقلية ينتقل فيها الذهن البشري من المعلومات الحاضرة فيه والمخزونة في أوعيته الحافظة إلى معرفة المجهول، ويطلق على هذه العملية اسم التفكير العقلي.
 
ما هي خطوات عملية التفكير العقلي؟
تمرّ عملية التفكير العقلي عند الإنسان ضمن خمس خطوات، تمثّل الثلاثة الأخيرة منها حقيقة التفكير العقلي، وهي:
1- أول خطوة يعيشها الإنسان في حياته كما ذكرنا هي مواجهة المجهول، فيقوم بطرح جملة أسئلة ينتظر الجواب عنها، مثلاً يسأل: ما هي حقيقة الإله؟ وهل الإله موجود؟ وإذا كان الإله موجوداً، ما هي صفاته؟ هل هو عالم بكلّ شيء؟ هل هو قادر على كل شيء؟ هل هو صادق؟ هل هو عادل؟...
 
2- يقوم الإنسان بتحديد نوع المجهول من أيّ صنف المجهولات هو. مثل تعيين أنّه من القضايا الفلسفية أو العقائدية...
 
3- حركة العقل الذاهبة نحو أرشيف المعلومات المخزّنة في الذهن المناسبة لنوع المجهول، أي الفلسفية أو العقائدية مثلاً حسب فرض الأسئلة السابقة، وهنا إمّا أن يعثر العقل على المعلومات التي تفيد في الجواب، وإمّا أن لا يجد المعارف التي تشكّل الأرضية الصالحة لكشف الحقيقة، فإن لم يعثر على المعارف اللازمة لا بدّ من البحث عنها عند أهل العلم والاختصاص، وإن عثر على المعارف تنطلق الخطوة الرابعة.
 
4- حركة عقلية دائرة باحثة داخل تلك المعلومات الفلسفية لترتيبها وتنظيمها بطريقة معيّنة. 



1 نشير إلى وجود خلاف حول قانون نفي تكرر الصدفة بين المدرسة العقلية ومدرسة المذهب الذاتي للمعرفة، حيث تعتبر هذه القضية استقرائية في ضوء منطق المذهب الذاتي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
219

170

الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)

 5- حركة عقلية راجعة باستخراج النتيجة والجواب عن الأسئلة المطلوبة وتحصيل المعرفة بما كان مجهولاً.

 
ما هو منهج الاستدلالي العقلي؟ 
إنّ العلم بلحاظ الإضافة إلى موضوعه، حيث يقال: علم الوجود، علم النفس... عبارة عن مجموعة قضايا متمحورة حول موضوع واحد لدراسته ومعرفة خصائصه والكشف عن صفاته وأحواله1.
 
والقضايا النظرية لا تثبت في العلم الباحث عنها إلا بواسطة إجراء عملية استدلالية. ولذا، عرّف المناطقة مسائل العلوم بأنّها القضايا التي يشكّ في انتساب محمولاتها إلى موضوعاتها، ويطلب في العلم الباحث عنها إقامة البرهان والاستدلال عليها لإثبات محمولاتها لموضوعاتها، بحيث تصبح نظريات بعد أن كانت فرضيات ومطالب قبل البرهان.
 
يقول العلامة الحلّي: :المسائل في كلّ علم هي القضايا الخاصّة بذلك العلم التي يشكّ في انتساب محمولاتها إلى موضوعاتها، ويطلب في ذلك العلم البرهان عليها إن لم تكن بيّنة"2.
 
وهذه العملية الاستدلالية يطلق عليها اسم المنهج الاستدلالي. فالمنهج العقلي هو الأسلوب الذي يعتمد الباحث فيه على العقل لإثبات المحمولات لموضوعات القضايا المبحوث عنها في 
العلم3.



1 يراجع: العراقي، ضياء الدين، مقالات الأصول، تحقيق محسن العراقي ومنذر الحكيم، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1414هـ، ط1، ص 31 وما بعد. ويراجع: الخميني، روح الله، مناهج الوصول إلى علم الأصول، تحقيق مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم، 1415هـ، ط1، ج 1، ص 35. ويراجع: اليزدي، محمد تقي مصباح، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ترجمة عبد المنعم الخاقاني، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1990م، ط1، ج 1، ص 54.
2 الحلّي، حسن بن يوسف، الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد، قم، انتشارات بيدار، 1413هـ، ط5، ص 214.
3 يراجع حول المنهج: لالاند، أندريه، موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة خليل أحمد خليل، بيروت - باريس، منشورات عويدات، 1996م، ط1، المجلد الثاني، ص 803. وبدوي، مناهج البحث العلمي، ص 7. النشار، علي سامي، مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي، بيروت، دار النهضة العربية، 1404هـ -4891م.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
220

 


171

الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)

 مراحل المنهج الاستدلالي العقلي

تقسّم مدرسة المنطق العقلي مراحل منهج الاستدلال العقلي إلى أربع:

 

المرحلة الأولى: أول مهمّة ينبغي على الباحث أن يقوم بها هي السؤال عن معنى مفهوم الموضوع أو المحمول الذي تتكوّن منه الفرضية بـ: ما هو؟ وتسمّى هذه المرحلة: ما الشارحة أو ما الحقيقية، والجواب عنها يسمّى التعريف بالحدّ أو الرسم.

المرحلة الثانية: بعد أن يتّضح تصوّر المفهوم في ذهن الباحث بشكل واضح، ينطلق إلى المرحلة الثانية، وهي السؤال عن أصل ثبوت الشيء وتحقّقه، أي عن وجوده بـ: هل هو موجود؟ 

وتسمّى هذه المرحلة: الهليّة البسيطة، والجواب عنها يسمّى: مفاد كان التامة، لأنّ موضوع العلم أو المسألة ما لم يكن له ثبوت وتحقّق لا معنى للبحث عنه، فيكون البحث سالباً بانتفاء الموضوع.

المرحلة الثالثة: بعد الجواب بالإيجاب عن السؤال السابق وتحصيل ثبوت الشيء، يأتي السؤال عن صفاته وأحواله وخصائصه التي يمكن إثباتها له، بـ: هل هو كذا؟ أو كذا؟ أي عن ثبوت شيء لشيء، في ضوء ما يعرف بقاعدة الفرعية، أي إنّ ثبوت شيء لشيء فرع لثبوت المثبت له، وتسمّى هذه المرحلة: الهليّة المركّبة، والجواب عنها يسمّى: مفاد كان الناقصة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
221

172

الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)

 المرحلة الرابعة: مرحلة السؤال عن الشيء بـ: لِمَ؟ أي السؤال عن علّة التصديق والاعتقاد بأصل ثبوت الشيء، أو إثبات صفة له، وهي المرحلة الأخيرة التي تعبّر عن الاستدلال. 


فالاستدلال هو الجواب عن علّة التصديق بالفرضية لتصبح قضية نظرية بعد الانتهاء من عملية الاستدلال. 

الخطوات الأولى للمنهج العقلي
ذكرنا أنّ أول خطوة من خطوات المنهج الاستدلالي العقلي تبدأ من التعريف بالمفهوم، لأنّ التصديق بالقضية فرع التصوّر لأطرافها التي تتكوّن منها، لكي يَنصبّ الإثبات أو النفي على معنى واحد بين الباحث والمخاطَب، - وكثيراً ما يكون التصوّر الصحيح للمسألة هو نصف الحلّ- وهو ما يسمّى بالاصطلاح تحرير محلّ النزاع.

وحركة الذهن البشري إن حصلت داخل المعلومات التصوّرية والمفاهيم المخزونة في الذهن للانتقال منها إلى معرفة المفهوم المجهول وتحديد معناه يطلق عليها اسم التعريف أو التحديد.

1- المفهوم في المنهج الاستدلالي العقلي:
المفهوم في المنهج الاستدلالي العقلي على نوعين:
الأوّل: التصوّر البديهي والضروري، ذكرنا سابقاً أنّه لا بدّ من وجود بعض المفاهيم الواضحة لدى الذهن بنحو لا يسأل عن حقيقتها وماهيتها، ومثل هذه المفاهيم البيّنة بحد ذاتها والتي ترتسم في النفس ارتساماً أولياً من دون حاجة إلى تحليل منطقي، يطلق عليها اسم المفاهيم البديهية، مثل مفهوم: الوجود، فكلّ إنسان يعرف معنى الوجود في قوله: أنا موجود، وحينها، إذا تمّ شرح تلك المفاهيم، فلا يصطلح على شرحها اسم التعريف المنطقي، بل يسمّى شرحها تعريفاً لفظياً، والتعريف اللفظي عبارة عن إبدال لفظ بلفظ آخر أوضح منه في ذهن المخاطَب، فيما لو لم يكن يعرف المخاطَب لأيّ معنى من المعاني قد وضع اللفظ لغة أو اصطلاحاً، كأن يقال مثلاً: مفهوم الوجود يطلق على الشيء الذي له واقعية وتحقّق في عالم الخارج.

والثاني: التصوّر النظري والكسبي، أي أن يكون المفهوم بحدّ ذاته غير واضح وبيّن لدى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
222

173

الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)

 الذهن البشري، وإنما يحتاج للتعرّف عليه إلى عملية تحليل عقلي إلى عناصره وأجزائه التي يتكوّن منها، بمعنى أنه لا يحصل في الذهن بالبداهة، ويطلق عليه اسم المفهوم النظري، ومثل هذه المفاهيم هي التي تحتاج إلى تعريف منطقي. 


والتعريف المنطقي هو القول الدالّ على شرح مفهوم الشيء، ليميّزه الذهن عن غيره من المفاهيم تمييزاً ذاتياً أو عرضياً.

2- شروط التعريف:
ويشترط فيه:
- أن يكون التعريف أوضح من المعرَّف في ذهن المخاطَب، فلا يصحّ التعريف بالأخفى مفهوماً والمبهم.

- أن يكون المعرِّف مساوياً للمعرَّف من حيث دائرة الصدق على الأفراد، فلا يصحّ التعريف بالأعم، لأنّه غير مانع من دخول أفراد غريبة، كأن يقال في تعريف الإنسان مثلاً بأنّه: كائن حيّ حسّاس، لأنّ هذا التعريف يشمل أنواع الحيوانات، ولا يدلّ على حقيقة الإنسان. ولا يصحّ التعريف بالأخصّ، لأنّه غير جامع لكلّ الأفراد الداخلة في المفهوم المعرَّف، كأن يقال في تعريف الإنسان بأنّه: كائن حيّ مؤمن بالله، لأنّه ليس كلّ إنسان مؤمنٌ بالله.

- أن لا يكون التعريف مبايناً للمعرّف، أي لا يتصادق معه في الأفراد مطلقاً، كأن يعرّف الإنسان بأنّه: نبات، أو ماء... 

- أن لا يكون التعريف دورياً يتحرّك في حلقة مفرغة، بمعنى أن يعرّف المفهوم بما يتوقّف في تصوّره على المفهوم المعرَّف.

3- كيف يقوم الذهن البشري بالتعريف؟
يستطيع الذهن البشري أن يقوم بالتعريف من خلال عملية التحليل والتقسم والتصنيف وإعادة التركيب، بمعنى إذا أراد الإنسان مثلاً أن يعرّف الإنسان، يبدأ من أعلى المفاهيم العامّة، وهو الوجود، ثم ينزل من فوق إلى أسفل في تقسيم الوجود إلى واجب وممكن، ثم يقسّم الإمكان إلى جوهر وعرض، فيلاحظ أنّ الإسان واقع ضمن مقولة الجوهر، ثم يقسّم الجوهر إلى كائنات سماوية وأرضية، فيرى أن الإنسان داخل في الموجودات الأرضية، ثم يقسّم 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
223

 


174

الدرس التاسع عشر: المنهج الاستدلالي العقلي (1)

 الموجودات الأرضية إلى كائنات جامدة وكائنات نامية وكائنات سائلة مثلاً، فيصنّف الإنسان داخل الكائنات النامية، ثم يقسّم النامي إلى متحرّك وغير متحرّك، فيرى أنّ الإنسان متحرّك، ثم يقسّم المتحرّك إلى حسّاس وغير حسّاس، ثم يقسّم الحسّاس إلى مفكّر وغير مفكّر، فيصل إلى تعريف نفس الإنسان من خلال إعادة التركيب فيقول مثلاً: موجود ممكن جوهر نامٍ متحرّك حسّاس مفكّر. 


ونلاحظ في كتابات جميع العلماء أنّهم يبدؤون من شرح المصطلح وتحديد معناه جواباً عن السؤال: ما هو؟ فمنهجية البحث تقتضي أولاً بلغة منطقية بيان المبادئ التصوّرية لموضوع القضية ومحمولها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
224

175

الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)

 الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يقارن بين الاستدلال المباشر وغير المباشر.
2- يفهم وظيفة المنهج القياسي الاستدلالي. 
3- يميّز بين الاستدلال البرهاني والاستدلال الجدلي. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
225

176

الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)

 ما هو الاستدلال؟

بعد انتهاء الباحث من الخطوة الأولى، ينطلق إلى الخطوات اللاحقة، بالسؤال عن النفس الإنسانية مثلاً: هل هي موجودة؟ فيأتي الجواب فرضاً بـ: نعم. ولكن هذا الجواب غير استدلالي، لذا يعقبه سؤال: لِمَ النفس موجودة؟ أي ما الدليل على وجود النفس؟
 
ثم يسأل: هل هي مجرّدة أم مادية؟ يأتي الجواب فرضاً بأنّها مجرّدة. فيعقبه سؤال: لِمَ النفس مجرّدة؟ أي ما الدليل على تجرّد النفس؟
 
وهذه الخطوة التي تنطلق داخل المعلومات التصديقية بانتقال الذهن منها إلى تحصيل المعرفة بالقضية المجهولة، بعد تحصيل الجواب عن أسئلة الهليّة البسيطة أو المركّبة، بطرح سؤال: لِمَ؟ تشكِّل حقيقة الاستدلال.
 
الاستدلال إجراء عملية عقلية ينتقل بواسطتها الذهن البشري من العلم بقضية أو قضايا إلى العلم بقضية أخرى ملازمة لها في الصدق (أو الكذب) على نحو الضرورة.
 
التصديق البديهي والنظري
في ضوء المنطق العقلي لا بدّ من وجود بعض التصديقات الواضحة لدى الذهن البشري من دون أن يُطالب الإنسان بالدليل عليها1



1 بمعنى أن يكون التصديق بها بديهياً مستغنياً عن البرهنة والاستدلال، حيث إنّ النفس الإنسانية بمجرّد تصوّرها الموضوع والمحمول وتصوّر النسبة بينهما تحكم على القضية إثباتاً أو نفياً، كقانون التناقض وقانون السببية العام وقانون التضاد وقانون الأمثال وقانون نفي الصدفة وقانون الهوهوية... وغيرهما من القوانين البديهية الأولية التي تكون علّة التصديق بها داخلية من ذات القضية، وقد تكون علّة التصديق بالقضية البديهية خارجية، لكن بنحو تكون الواسطة الخارجية مقترنة بالقضية إلى درجة أنّها لا تغيب عن الذهن حتى تحتاج إلى إجراء عملية فكرية وطلب للاعتقاد بها، كجميع القضايا الفطرية والتجريبية والمتواترة والحدسية في ضوء المنطق الأرسطي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
227

177

الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)

 فالقضايا البديهية تتميّز بأنّها: 

- بيّنة بذاتها للنفس بنحو تصدّق بها تلقائياً بدون برهان.
 
- أنّها غير مستخرجة من قضايا أخرى في ضوء النظام الاستدلالي.
 
- وأنّ التصديق بها عام يشمل عقول جميع البشر.
 
وكلّ دليل يقام لإثبات مثل هذه القضايا لا يسمّى باللغة العلمية استدلالاً، بل تنبيهاً. فالتنبيه هو إقامة الدليل على شيء حاضر في الذهن البشري، ولكنّ الإنسان غافل عنه لأيّ سبب من أسباب عدم توجه النفس إلى مضمون القضية، كما لو كان لديه شبهة مقابل البديهة، أو فقدان النباهة والتركيز، أو عدم سلامة الحواس، أو التأثّر بتربية فكرية خاصة...
 
هذا هو القسم الأوّل من القضايا التصديقية، ويطلق على هذه القضايا البديهية اسم مبادئ الاستدلال العقلي. 
 
والقسم الثاني: أن يكون التصديق بمضمون القضية لا يكفي فيه مجرّد تصوّر الموضوع والمحمول والنسبة، ولا تكون القضية مقترنة بدليلها، بل يكون الدليل ممّا يغيب عن القضية عادة فيحتاج إلى طلب وبحث فكري، وهنا يتموضع الاستدلال العقلي بالمعنى المنطقي1.
 
الأصول المتعارفة والأصول الموضوعة
إنّ ثبوت المحمول للموضوع على قسمين: 
الأول: "أن تكون القضية بديهية"، وإذا تمّت الاستفادة من هذه القضايا البديهية العامّة في أيّ علم من العلوم يطلق عليها اسم الأصول المتعارفة"، وهي أصول وقواعد لا يبحث عنها في أيّ علم لأنّها بديهيات عامّة. 
 
والثاني: أن يكون تحصيل العلم بمضمون القضية ناتج عن جهد عقلي استدلالي، ويطلق على القضية بهذا اللحاظ اسم القضية النظرية"، وتختلف العلوم فيما بينها بالبحث عن القضايا النظرية، وهذا لا يلغي وجود مساحة بروتوكول التعاون بين العلوم المختلفة، فغالب العلوم تستفيد من قضايا بعضها بعضاً، واستفادة علم (1) للقضية (ب) من العلم (2) لا يعني أنّ البحث عن القضية (ب) هي من اختصاص العلم (1)، بل يأخذها هذا العلم على



1 يراجع: الطباطبائي، محمد حسين، كتاب البرهان، (المطبوع ضمن:) مجموعة رسائل العلامة الطباطبائي، تحقيق صباح الربيعي، لا م، مكتبة فدك لإحياء التراث، 1428هـ-7002م، ط1، ص 227-228.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
228

178

الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)

 نحو القضية المسلّمة في مقدّمات الاستدلال على سبيل الثقة بأهل الاختصاص الباحث عنها، ويطلق عليها اسم الأصول الموضوعة".

 
مثال: قد يثبت علم الفلك أنّ الكرة الأرضية لو كانت في محورها بمسافة أقرب إلى الشمس لاحترق كلّ ما عليها ولما استقام العيش فيها، ولو ابتعدت بمسافة أكثر عن الشمس لبردت كلّها إلى درجة لا تستقيم الحياة عليها لأيّ كائن، فهذا دليل دقّة وإحكام وإتقان، وقد يُثبِت مثلاً علم التشريح والفيزيولوجيا أنّ عين الإنسان مركّبة من آلاف الخلايا الدقيقة التي تعمل بنظام محكم متقن... فالقضية الأولى مبحوث عنها في علم الفلك والثانية في علم التشريح، وقد يأتي الباحث في علم العقيدة ليستفيد من هذه القضايا في استدلالاته العقائدية، فيشكّل من هذه القضايا كمقدمة صغرى في برهان النظم للاستدلال على وجود الله تعالى1، أو يستفيد من هذه المقدمات في صغرى تشكيل قياس البرهنة على إثبات العلم لله تعالى بتوسط الإتقان والإحكام، فيقول مثلاً: الله يفعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكلّ من يفعل الأفعال المحكمة المتقنة عالم، فالله عالم. وهذا هو الدليل الذي استعمله العلامة الحلي، حيث يقول: إنّه تعالى عالم، لأنّه فعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكلّ من فعل ذلك فهو عالم بالضرورة"2
 
أنواع الاستدلال
ينقسم الاستدلال العقلي إلى قسمين:



1  يراجع: العاملي، حسن مكي، الإلهيات في هدى الكتاب والسنة والعقل (محاضرات الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني)، بيروت، الدار الإسلامية، 1410هـ -9891م، ط2، ج 1، ص 34.
2 السيوري، المقداد بن عبد الله، النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، بيروت، دار الأضواء، 1417هـ -6991م، ط2، ص 37.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
229

179

الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)

 وأهم نقطتين في أيّ عملية استدلال عقلي هما: 

1- فهم كيفية تحويل القضايا الأصل الملزومة إلى قضايا لازمة عنها ( مُقابِلة أو مُعاكِسة أو منقوضة أو متضمنة...).
 
2- إدراك نوع العلاقات التلازمية صدقاً وكذباً بين القضايا الأولى المستدَل بها والقضايا الثانية المطلوب الاستدلال عليها لإثباتها أو نفيها، لأنّ حقيقة الاستدلال تتقوّم بمعرفة كيفية الانتقال من صدق أو كذب قضية إلى صدق أو كذب قضية أخرى.
 
1- الاستدلال المباشر:
الاستدلال المباشر على أنواع، هي: 
أ- القضايا المتقابلة: التناقض، التضادّ، التداخل، الدخول تحت التضادّ، نوضحها من خلال مربّع التقابل.
 
ب- القضايا المتعاكسة: عكس المستوي، عكس النقيض الموافق1، عكس النقيض المخالف.
 
ج- القضايا المنقوضة: نقض المحمول، نقض الموضوع، النقض التامّ.


 

1 يقول العلامة الطباطبائي: "ما لوجوده قوّة، فوجوده سيّال تدريجي وهناك حركة، وأنّ ما ليس وجوده سيّالاً تدريجياً - أي كان ثابتاً - فليس لوجوده قوّة - أي لا مادّة له -، وأنّ ما له حركة فله مادّة، وأنّ ما لا مادّة له فلا حركة له...". نهاية الحكمة، ص 253. ويقول الدكتور عبد الكريم سروش: "إنّ اقتران العلّة والمعلول دائمي بالضرورة, لذا فكل اقتران غير دائمي ليس عليّاً". الأسس المنطقية للاستقراء في ضوء دراسة الدكتور سروش، السيّد عمار أبو رغيف، ص 23. وقد استخدم في كلا النصّين الاستدلال بطريقة عكس النقيض الموافق.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
230

180

الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)

 2- الاستدلال غير المباشر:

الاستدلال غير المباشر على ثلاثة أقسام حصراً:
أ- التمثيل: أن ينتقل الذهن من العلم بجزئي إلى العلم بجزئي، وهو القياس الفقهي. 

ب- الاستقراء: أن ينتقل الذهن من العلم بمجموعة قضايا شخصية مخصوصة إلى العلم بقضية كلّية محصورة، أي من الخاصّ إلى العام.

ج- القياس أو الاستنباط: أن ينتقل الذهن من العلم بالقانون العام والكلي إلى العلم بأحكام جزئيّاته.

والتمثيل لا يستخدم في العلوم العقلية، لأنّ المطلوب فيها بناء قواعد كلّية. أمّا الاستقراء فهو في ضوء المنطق العقلي لا يفيد اليقين إلا إذا دخل ضمن قياس تجريبي، فيبقى مركز البحث حول القياس الذي يعبّر أرسطو عنه بأنه أمر كددنا فيه أنفسنا، وأسهرنا أعيننا، حتى استقام على هذا الأمر.


 

وظيفة المنهج القياسي الاستدلالي 
عُرّف القياس بتعريفات متعدّدة ترجع إلى مضمون واحد، وهو أنّه استدلال مؤلّف من قضيتين (مقدّمتين) ينتج عنهما قضية ثالثة بنحو اللزوم.

وتتألّف كلّ مقدّمة من مقدّمتي القياس من طرفين وحدّين، والحدّ هو الجزء الذاتي للقضية، أي الموضوع أو المحمول، مثلاً: تتركّب الصغرى من: الحدّ الأصغر + الحدّ الأوسط. 

وتتركّب الكبرى من: الحدّ الأوسط+ الحدّ الأكبر. أمّا النتيجة: فهي القضية التي تنتج عن المقدّمتين بنحو اللزوم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
231

181

الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)

 ووظيفة القياس: إثبات المحمول للموضوع، أي إثبات الأكبر في الأصغر، بمعنى أن يصبح الأكبر محمولاً في النتيجة والأصغر موضوعاً، فيتمّ تشكيل قضية موضوعها ما كان حدّاً أصغر في المقدّمة الصغرى ومحمولها الحدّ الأكبر في المقدّمة الكبرى.


والحدّ الأوسط هو عنصر الربط بين الأصغر والأكبر، وهو الذي يجعل الأكبر يحمل على الأصغر ويثبت له. ويقوم الحدّ الأوسط بهذه الوظيفة من خلال علاقتين لزوميتين:
أولاً: لا بدّ من وجود علاقة لزومية بين الحدّ الأوسط والحدّ الأصغر في القضية الأولى، كأن يكون الأصغر من مصاديق الأوسط.

ثانياً: لا بدّ من وجود علاقة لزومية بين الموضوع والمحمول في القضية الثانية، أي بين الحدّ الأوسط والأكبر، كأن يكون الأوسط من مصاديق الأكبر.

ثم بسبب هاتين العلاقتين اللزوميتين بين الأوسط والأصغر من جهة، والأوسط والأكبر من جهة ثانية، تنشأ علاقة لزومية ثالثة، وبعبارة أدقّ: يتمّ اكتشاف علاقة لزومية ثالثة ما بين الأصغر والأكبر، حيث إنّ مصداق مصداق الشيء هو مصداق لذلك الشيء، أي إنّ مصداق مفهوم ما، هو مصداق لمفهوم مفهومه.

المحمول= الحدّ الأوسط

الموضوع= الحدّ الأصغر

الشكل الأول

يفعل الأفعال المحكمة المتقنة

الله

القضية الأولى (المقدّمة الصغرى(

المحمول= الحدّ الأكبر

الموضوع= الحدّ الأوسط

 

هو عالم

كلّ من يفعل الأفعال المحكمة المتقنة

القضية الثانية (المقدّمة الكبرى)

المحمول= الحدّ الأكبر

الموضوع= الحدّ الأصغر

 

هو عالم

الله

القضية الثالثة (النتيجة)



وفي ضوء المنطق المادّي لأرسطو في تحديد طبيعة القضية وتصنيفها (يقينية، ظنية، مشهورة، مسلّمة، متخيلة، موهومة...) تنشأ خمسة أنواع من المنهج الاستدلالي القياسي: البرهان، الجدل، الخطابة، الشعر، المغالطة. والنوعان المهمّان في العلوم هما: البرهان والجدل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
232

 


182

الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)

 ما هو الاستدلال البرهاني؟

البرهان هو استدلال قياسي مؤلّف من قضايا يقينية ينتج قضية يقينية بالضرورة.

ويستعمل في إنتاج المعرفة بهدف الوصول إلى الحقيقة كما هي في الواقع، وأيّ نتيجة يصل إليها الباحث في سياق البرهان يجب أن يلتزم بها حتى لو لم يكن ثمّة من يتبنّى الرأي الذي وصل إليه ولم يسبقه إليه أحد.

وينقسم البرهان إلى قسمين: لميّ وإنّي.
1- البرهان اللمي أو الاستدلال السببي: عبارة عن حركة العقل من العلم بالعلّة إلى تحصيل العلم بالمعلول الملازم لها في وجوده، كأن ينتقل الذهن من العلم بوجود الحرارة إلى العلم بوجود التمدّد في الحديدة. ويستخدم هذا البرهان في الفلسفة وعلم الكلام لإثبات طبيعة الأفعال الإلهية في الكون، بواسطة معرفة سنخ الصفات الإلهية، كأن يجعل العدل واللطف والحكمة كصفات لله تعالى حدوداً وسطى في القياس الفلسفي أو الكلامي لإثبات النبوّة أو الإمامة أو المعاد... 

2- البرهان الإنّي أو الاستدلال المسبّبي: هو عملية انتقال العقل البشري من العلم بالمعلول إلى العلم بالعلّة، أي بطريقة معاكسة للبرهان اللمّي، كانتقال الذهن من العلم بغليان الماء على مستوى سطح البحر إلى العلم بارتفاع درجة حرارته إلى مئة.

ويستخدم في الفلسفة وعلم الكلام مثلاً لإثبات الذات الإلهية والصفات التي تتحلّى بها كالعلم والقدرة والحياة. فبرهان النظم، والحركة، والإمكان، والحدوث... كلّها براهين إنّيّة.

ما هو الاستدلال الجدلي؟
هو الاستدلال المؤلّف من مقدّمات مسلّمة بين طرفين متحاوريين ومتجادلين من أجل الدفاع عن نظرية يعتقد بها المستدِلّ لإثباتها للطرف الآخر المستدَلّ له، وخصوصاً في وجه الخصم لإلزامه بقبول نتائج الاستدلال وللدفاع عن وجهة النظر التي يتبناها المستدِل.

ويتميّز عن الاستدلال البرهاني أنّ الجدلي لا يهدف إلى الوصول للحقيقة كما هي أولاً، بل غرضه الدفاع عن رأي وإلزام الآخر به، بخلاف البرهان المقتصر في غرضه على الوصول إلى الحقيقة، وثانياً: الجدل يكون بين طرفين، في حين أنّ البرهان قد يستعمل من أجل أن 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
233

183

الدرس العشرون: المنهج الاستدلالي العقلي (2)

 يصل الإنسان إلى الحقيقة ليقتنع بها هو ويشفي غريزة حب المعرفة حتى لو لم يكن مراده إثباتها للآخرين وإقناعهم بها.

 
ولذا، لا يعتمد الجدل على القضايا والمقدّمات اليقينية، بل ينطلق من قضايا مسلّمة بين الطرفين حتى لو لم تكن حقّاً من وجهة نظر المستدِلّ.
 
ولذا، يعتبر المنطق العقلي أنّ الاستدلال الجدلي ينفع في الكثير من المجالات كعلم الكلام والدفاع عن الدين، والسياسة، والتربية، والتعليم... 
 
التركيب والتحليل
يعتقد علماء المنطق العقلي أنّ أيّ عملية استدلال عقلية تتمّ من خلال استخدام القوّة المتصرّفة، والقوّة المتصرّفة هي الأداة التي يتمكّن الإنسان بواسطتها من القيام بعملية التحليل والتركيب داخل المعلومات المخزونة عنده في الذهن من أجل الخروج بنتائج على مستوى التعريفات والاستدلالات، فكلّ عملية استدلال فكري تتوقّف على عملية مزاوجة وتوأمة بين التحليل والتركيب.
 
وكنّا قد أشرنا لذلك سابقاً عند البحث عن كيفية استخراج التعريف من التصوّرات الحاضرة في الذهن، أمّا فيما يتعلّق بالاستنتاج الاستدلالي، يقول العلامة الطباطبائي: إنّ استنتاج نتيجة بالفكر لا يكون إلا بتحليل وتركيب معاً، إذ عند الفحص عمّا يوجب وضعاً معلوماً إنّما نفحص عن جهاته المعلومة المناسبة له، فإن كانت الجهات معلومة فقط ركّبت وأنتجت، وإن كانت معلومة من وجهة ومجهولة من أخرى، فحصنا عن جهاته المعلومة أيضاً، وهكذا إلى حين ينتهي إلى جهات معلومة من كلّ وجه، والكلام في التركيب بعكس الكلام في التحليل حتى يستنتج وضع مطلوب"1.
 
وقد كتب العلامة الطباطبائي رسالتين2 تحت عنوان: رسالة التركيب في ما يقارب الـ25 صفحة، ورسالة التحليل في ما يقارب الـ15 صفحة، ومن المهمّ للباحث مراجعتهما لفهم كيفية قيام العقل بدوره في عملية التعريف والاستدلال تحليلاً وتركيباً، لذا لن نفصّل فيهما ونحيل الباحث إلى المصدر المذكور.



1 الطباطبائي، كتاب البرهان، ص 222.
2 طُبِعتا في مجموعة رسائل العلامة الطباطبائي، مصدر سابق، يراجع: ص 305 و ص 326.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
234

184

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف تحدّيات الباحث في ضوء المنهج التاريخي.
2- يفهم خطوات منهج البحث التاريخي.
3- يملك القدرة على الاستفادة البحثية من أدوات منهج البحث التاريخي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
235

185

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 ما هو علم التاريخ؟

يرتبط البحث عن المنهج التاريخي بتحديد معنى التاريخ وعلم التاريخ بشكل دقيق، لأنّ المنهج التاريخي هو الأسلوب الذي يستخدمه الباحث في دراسة التاريخ الإنساني.
 
وقد كان علم التاريخ في السابق معنيّ بتدوين الوقائع والحوادث البشرية كما حصلت في وعاء الزمن الماضي، ثم تطوّر علم التاريخ ليصبح هو المتكفّل بالإضافة إلى وصف الأحداث وتدوينها، بتفسير الوقائع وتحليلها وتعليلها وكشف العلاقات والروابط بينها، وفي العصر الحديث شهد تطوّراً في مدلول هذه المصطلح فاتّسع ليشمل كلّ شيء في الطبيعة والحضارة: "الأرض، والمعادن، والنباتات، والحيوان، والأفكار، والعلوم... وغير ذلك إلى جانب الفعاليّات الإنسانية"1، وبعبارة أخرى: لم يعد علم التاريخ منحصراً بدراسة الوقائع البشرية التي حدثت في الزمن الماضي فقط، بل اتّسع ليشمل ميادين المعارف والعلوم والأديان والفلسفات البشرية، وتاريخ الأرض وما يعيش عليها من مخلوقات وتحويه من كائنات وظواهر... فهناك تاريخ الأنبياء والملوك... وتاريخ الدول والإمبراطوريات... وتاريخ المؤسّسات والأحزاب... وتاريخ العلوم والفلسفة... وتاريخ المذاهب والأديان...
 
وبدأ العلماء يميّزون بين أنواع من التاريخ: كالتاريخ النقلي، والتاريخ العلمي، وفلسفة التاريخ2... وأصبح علم التاريخ متداخلاً مع العديد من العلوم، كالأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والنفس... لذا، أصبح من الواجب على الباحث التاريخي أن يحيط بالظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والفنية والفلسفية و... التي تتّصل بالعصر الذي يريد دراسته.



1 شمس الدين، محمد مهدي، التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام، ص 13.
2 أنظر: ياسين، كاظم، منهجية البحث في تاريخ الإسلام، مركز المصطفى العالمي للدراسات والترجمة والنشر، بيروت، جامعة المصطفى العالمية- فرع لبنان، 1434هـ-2013م، ط1، ص 49.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
237

186

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 تحدّيات الباحث في ضوء المنهج التاريخي

هناك العديد من التحدّيات التي يواجهها الباحث في ضوء المنهج التاريخي لا نجدها عند الباحثين في ميادين العلوم الأخرى، نعرض أهمّها:
1- التاريخ من أنباء الغيب:
أوّل تحدٍ يواجه الباحث أنّ التاريخ من أنباء الغيب، فهو غائب عن الملاحظة الحسّية والمشاهدة، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قصّة نبي الله زكريا ومريم عليهما السلام، حيث قال مخاطباً النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾1، وكذلك في قصة نوح2، ويوسف3، وغيرها.
 
2- العلاقة بين تدوين علم التاريخ والسلطة:
إنّ البحث عن العلاقة بين السلطة والمعرفة بشكل عام، وبين السلطة والمؤرّخ بشكل خاصّ واسع جداً، حتى قيل: إنّ ما لدينا - في الأكثر - تاريخ الحكّام والسلاطين... لأنّ المؤرّخ كان لا يسجّل إلا ما يتوافق مع هوى الحاكم، وينسجم مع ميوله، ويخدم مصالحه4، فمن الضروري أن يلتفت الطالب إلى أن المدوّن عن التاريخ العام والتاريخ الإسلامي ليس حيادياً، فمثلاً أورد أبو الفرج الأصفهاني أنّ خالد بن عبد الله القسري، حاكم العراقيين في عهد هشام بن عبد الملك، طلب من المحدّث المشهور محمد بن شهاب الزهري أن لا يكتب شيئاً من سيرة علي عليه السلام، حيث سأله الزهري: إنّه يمرّ بي الشيء من سير علي بن أبي طالب، أذكره؟ فقال له: لا، إلا أن تراه في قعر الجحيم5.
 
3- الكذب والتزوير والتحريف للحقائق التاريخية:
إنّ كتبة التاريخ ليسوا كلّهم أمناء وثقاة وعدول، بل منهم الوضّاعون والكّذابون الذين عملوا على اختلاق الوقائع والشخصيات، وتزويرها، وتحريفها، لمآرب شخصية وعقائدية



1 سورة آل عمران، الآية 44.
2 سورة هود، الآية 49.
3 سورة يوسف، الآية 102.
4 مرتضى، جعفر، المدخل لدراسة السيرة النبوية، بيروت، دار المصطفى العالمية، 1437هـ-6102م، ط1، ص 7.
5 الأصفهاني، الأغاني، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ج 22، ص 11.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
238

187

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 و... إذ "كان للمنازعات والاضطرابات، والعصبيات القبلية، وظهور الفرق والتيارات الدينية والمذهبية والسياسية، والأحداث التي عصفت بالدولة الإسلامية في الصدر الأول، دور في وقوع التحريف في كتابة التاريخ النقلي الإسلامي... وكان القصّاصون والمحدّثون كذّابين خلال هذه الفترة التي قاربت القرن من الزمان، قد استفردوا بعقلية العامّة والخاصة من الناس فزيّفوا ما شاء لهم التزييف، خصوصاً أنّهم كانوا موظّفين في هذه المهنة عند البلاط الحاكم"1.

 
وقد أحصى العلامة الأميني سبعمئة شخص من سلسلة الكذّابين والوضّاعين، وفيهم من كان يقوم إلى صلاة الليل، ويعرف بالزهد والعبادة2.
 
4- تبعيض نقل التاريخ: 
إنّ التاريخ حافل بالأحداث والوقائع والمواقف، ففي كلّ يوم هناك عشرات بل مئات وآلاف الأحداث والوقائع التي تحصل، ومع ذلك لا ينقل لنا المؤرّخ من تلك الوقائع إلا بعضها، ممّا يجعل العديد من الحوادث والقرائن تغيب عن الباحث التاريخي وتصعّب عملية فهم التاريخ، مثلاً لو أخذنا بعين الاعتبار المرحلة الزمنية لحياة أئمّة أهل البيت عليهم السلام، منذ عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتي تجاوزت ثلاثة قرون، والمؤكّد أنّها كانت مليئة بالأحداث والوقائع اليومية على المستوى المعرفي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي... فإذا قارنّاها بما هو مدوّن عن مجموع حياتهم في بضع مجلدات لا تتجاوز مئات الصفحات لما كانت تغطّي إلا مساحة ضئيلة من حياة أحدهم  عليهم السلام.
 
5- ندرة المصادر والمراجع وبعدها عن عهد الحادثة:
من التحدّيات التي تواجه الباحث في التاريخ أيضاً، ندرة المصادر والمراجع التي دوّنت للمراحل التاريخية مع قرب عهدها بها، فلو أخذنا حادثة مهمّة في تاريخ الإسلام كواقعة كربلاء على رغم خطورتها وحساسيتها وأهمّيتها، لوجدنا أن المصادر القريبة العهد بتلك الواقعة تكاد تكون معدومة إن لم تكن كذلك فعلاً، وقس عليه وقائع تاريخية أخرى.



1 كاظم ياسين، منهجية البحث في تاريخ الإسلام، ص 14.
2 أنظر: الأميني، عبد الحسن أحمد، الغدير في الكتاب والسنة، بيروت - لبنان، دار الكتاب العربي، 1397 هـ - 1977م، ط 4، ج 5، ص 209-275.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
239

188

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 6- إتلاف وحرق التراث:

لقد تعرّض التراث الإسلامي إلى الإتلاف والحرق المتعمّد من قبل السلطة الداخلية والقوى الخارجية، فقد تلف الكثير من الأصول التاريخية بسبب ممارسات السلطة الأموية والعباسية وغيرهما، كما أنّ الغزو الصليبي أو التتري الخارجي وغيرهما قد عمل على إحراق وإتلاف مئات آلاف الكتب في المكتبات الإسلامية1.
 
هذا، بالإضافة إلى العديد من العوامل الأخرى.
 
منهجية البحث التاريخي
تمرّ منهجية البحث التاريخي أو ما يعرف بالمنهج التاريخي بعدّة خطوات:
1- استقصاء وجمع الوثائق والمصادر:
المرحلة الأولى، هي قيام الباحث بعملية استقصاء وجمع الوثائق والمصادر المرتبطة بالوقائع والأحداث التاريخية، بمختلف أنواعها: المادّية، والمكتوبة، والمرئية، والمسموعة. ثم تصنيف تلك الوثائق بحسب ارتباطها بالواقعة، موضوع الدراسة.
 
وعلى الباحث أن يدرك منذ البداية، أنّه لا يستطيع أن يجمع كلّ الأصول والمصادر 



1 أنظر: تاريخ التمدّن الإسلامي، ج 3، ص 51. والتراتيب الإدارية، ج 2، ص 453-455.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
240

189

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 والوثائق التي تتعلّق بموضوع بحثه بنسبة 100%، لأنّها كثيرة جداً تتجاوز الآلاف، وفيها من نفائس المخطوطات التي لا يمكن الوصول إليها بسهولة. وثانياً، لأنّ الوقت المتاح لإنجاز البحث لا يسمح له بأن يقرأها ويطالعها جميعاً.

 
وتختلف نوعية الوثائق والمصادر باختلاف بعد الحادثة أو قربها عن زمن الباحث، فإن كان بحثه يتعلّق بحادثة تاريخية قديمة فإنّه سيعتمد على الوثائق التاريخية القديمة، التي تشمل كل المواد التي حفظها الإنسان، من الكتب والمدوّنات والمخطوطات والرسائل، وما يعرض عادة في المتاحف كالثياب والأسلحة والرسوم والمصنوعات الخشبية والمعدنية... بالإضافة إلى الملاحظة الحسّيّة بمعاينة جغرافية الحدث وطبيعة معالمه وتضاريسه... وكذلك مشاهدة الآثار الباقية من الأمم السابقة.
 
وعلى الباحث أن لا يُغْفِل أيّ مادة مهما بدا له للحظة الأولى أنّه لا قيمة علمية لها، ونضرب مثالين على ذلك: الأول: النقود المسكوكة، حيث إنّ دراستها تقدّم الكثير من الإيضاحات ذات الصلة الوثيقة بالنظام والاتّجاهات الدينية والمذهبية وتقاليد الأسر الحاكمة، وذلك لأنّ ما هو منقوش عليها من كتابات، وما يزيّنها من زخارف أو صور تشتمل على أسماء الحكّام وألقابها وفترات حكمهم وبعض مبادئهم المذهبية، فضلاً عمّا لأوزانها ونوعية المعادن المسكوكة منها من قيمة تعرّفنا بالحالة الاقتصادية للدولة التي أصدرتها1.
 
والثاني: نقش خواتيم النبي والأئمّة عليهم السلام، حيث يعتبر بعض المؤرّخين أنّها تعبّر عن الشعار السياسي والنضالي والاجتماعي... للمرحلة التي يعيشها المعصوم عليه السلام، فدراستها تعني تلمّس التحليل الموضوعي والمقبول لطبيعة المرحلة والظروف التي واجهها الأئمة عليهم السلام في فترات مختلفة2.
 
أمّا إذا كان موضوع البحث يتعلّق بحادثة قريبة العهد من زمان الباحث، كالثورة الإسلامية في إيران، فإنّه يتمكن من اعتماد الأدوات الآتية:
- التراث الشفوي، والذاكرة الشعبية، والمقابلة والاستماع من الشهود العيان الذين عايشوا الحدث بأنفسهم أو شاركوا في صناعته.



1 كاظم ياسين، منهجية البحث في تاريخ الإسلام، ص 56.
2 مرتضى، جعفر، نقش خواتيم النبي والأئمة، لا.ن، لا.ط، لا.ت، ص 10-12.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
241

190

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 - السجلّات الصوتية والمصوّرة، من أشرطة فيديو، وأشرطة تسجيل، وصور...


- السجلّات والوثائق والتقارير والمعاهدات والمراسلات والمحاضر الرسمية وغير الرسمية (قضائية، أمنية، سياسية، مالية، تعليمية...).

- الصحف والمجلّات اليومية والأسبوعية والشهرية المعنية بتغطية ومتابعة الأحداث.

- المذكّرات الشخصية، والمقابلات، والخطابات، والمنشورات.

- معاينة الآثار المادّية: المباني، والمرافق، والأثاث والمعدّات، والآلات، والأسلحة...

إشارات وتنبيهات حول مصادر تاريخ الإسلام:
هناك العديد من المصادر التي يمكن أن يعتمد عليها الطالب في دراسة تاريخ الإسلام، وتنبغي الإشارة في هذا المجال إلى عدّة نقاط:
- اعتماد أسلوب التحقيب الزماني للمصادر التاريخية، بمعنى أنّه كلّما كان المصدر التاريخي أقرب زماناً للوقائع التي يدوِّن لها، كلّما كان أكثر قيمة من الناحية المنهجية.

- التنبّه إلى أنّ المصادر الأصلية التاريخية ليس من الضروري أن يكون مؤلّفها قد عاين الحدث وشاهد الواقعة أو عاصرها وعايشها، بل يمكن أن تكون بعيدة زماناً عن حدوث الواقعة.

- ليس من الضروري أن تكون المصادر التي يستفاد منها في البحث التاريخي كتب تاريخ، بل قد تكون مصادر جغرافية ورحلات وروايات وأدب وشعر وفقه ورجال... والتي يطلق عليها اسم المصادر المساعدة.

2- نقد وتقويم الوثائق والمصادر:
الخطوة الثانية، البدء بتقويم ونقد الوثائق والمصادر والموادّ التاريخية التي تمّ تجميعها، كالتثبّت من نسبة الكتب إلى مؤلّفها والعصر المدّعى تأليفها فيه، أو التأكّد من صحّة الوثائق والرسائل... ولو بالاعتماد على أهل الخبرة والاختصاص في العلوم المتخصّصة بذلك،  
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
242

191

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 كعلم الدبلومات1 وعلم الرنوك2 وعلم التعرّف إلى أدوات ووسائل الكتابة، كنوع الحبر وفحص الورق والخطّ... من العلوم المعتمدة.

 
وينقسم نقد الوثائق والأصول التاريخية إلى مرحلتين: الخارجي والداخلي.
 
المرحلة الأولى: النقد الخارجي:
الغرض من النقد الخارجي هو التأكّد من الوثيقة أو المخطوطة3، أو أيّ أثر آخر، حيث يتطلّب من الباحث الإجابة عن جملة الأسئلة الآتية:
أ- هل هذه النسخة التي بين الأيدي هي النسخة الأصلية أم الثانوية؟
 
ب- هل الاسم المدوّن عليها للمؤلّف هو مؤلّفها حقّاً؟ 
 
ج- هل ظلّت النسخة على حالها أم تطرّق إليها الفساد أو التحوير والتزوير؟
 
د- هل تطابق لغة الوثيقة وأسلوبها وهجاؤها وخطّها أو طباعتها أعمال المؤلّف الأخرى، والفترة الزمنية التي كتبت فيها؟
 
هـ- هل يظهر من خلال الوثيقة جهل المؤلّف لمسائل، من البديهي أن يعرفها، وفقاً لمستواه العلمي والاجتماعي؟
 
و- هل تتحدّث الوثيقة عن أشياء لم تكن معروفة في ذلك العصر؟
 
ز- هل تغَّير المخطوط - عن عمد أو غير عمد - وذلك بنسخه بغير دقّة، أو الإضافة إليه، أو حذف فقرات منه؟
 
ح- هل هذه هي النسخة الأصلية للكتاب، أو المسوّدة؟ أو هي نسخة منقولة؟ وإن كانت نسخة منقولة عنها، فهل تتطابق مع النسخة الأصلية؟
 
ط- إذا كان المخطوط غير مؤرّخ، أو مؤلّفه مجهولاً، فهل توجد في الوثيقة دلائل داخلية قد تكشف عن أصولها؟



1 علم الدبلومات Diplomatique: علم دراسة المخطوطات والوثائق والتثبّت من صحّتها أو زيفها بدراسة لغتها ومصطلحاتها وأصولها المرسومة...
2 علم الرنوك Heralcry: الرنوك عبارة عن العلامات المميزة والشعارات التي تظهر على المخطوطات والدروع والأختام...
3 يستفيد الطالب ممّا تمّ عرضه في دروس تحقيق المخطوطات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
243

192

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 المرحلة الثانية: النقد الداخلي:

بعد إجراء النقد الخارجي، وإثبات أنّ الأصول والجوامع التاريخية أصلية وغير مزيّفة، يشرع الباحث بالنقد الداخلي، والذي يهتمّ بالتحقّق من مدى أحقّية مضمون المادّة الموجودة في الوثيقة وصدقها من حيث الموضوع، إذ ليس بالإمكان قبول أقوال المؤرّخين كما هي، وليس من الموضوعية العلمية الاعتماد عليهم بنفس الدرجة من الموثوقية، لاختلاف ميولهم وانتماءاتهم ومعارفهم وخبراتهم...

وفي عملية النقد الداخلي على الباحث الإجابة عن جملة الأسئلة الآتية:
أ- هل يعتبر المؤلّف من أهل الثقة؟
ب- هل يسّرت له إمكاناته العلمية والمادّية والاجتماعية، ملاحظة الأحوال التي يذكرها؟
ج- هل كتب الوثيقة بناء على ملاحظة مباشرة أو رواية مسموعة أو مادّة علمية مقتبسة؟
د- هل كتب الوثيقة وقت الملاحظة أو خلال فترة زمنية بعيدة عن وقت الملاحظة؟
هـ- هل اعتمد في كتابته على مذكرات دقيقة؟ أم كتب عن الذاكرة؟
و- هل هناك ما يشير إلى عدم موضوعية كاتب الوثيقة؟
ز- هل قُدمت للمؤلّف مساعدات مالية لكتابة الوثيقة بهدف الحصول على نتائج في قضية معيّنة؟
ح- هل كتب المؤلّف في ظلّ ظروف اقتصادية أو سياسية، أو دينية، أو اجتماعية دفعته إلى إهمال حقائق معيّنة، أو إساءة تفسيرها، أو تشويه طريقة عرضها؟
ط- هل كان غرض المؤلّف كسب عطف الأجيال الآتية، أو إرضاء جماعة معيّنة أو إغضابها؟
ي- هل شوّه المؤلف الحقيقة؟ 
ك- هل يوجد تناقض في محتويات الوثيقة؟
ل- هل تتّفق الوثيقة في معلوماتها مع وثائق أخرى صادقة؟

لذا، ينبغي دراسة خصوصيات المؤرّخ وميّزاته الشخصية وميوله السياسية وطبيعة علاقته مع السلطة أو المعارضة، وخلفيته العقائدية والمذهبية، ومدى إحاطته بالواقعة، وبظروف عصره... لأنّ المؤرّخ يشكل الواسطة التي تربط الباحث بالوقائع التاريخية، فكلّما كان عالماً ورعاً ثقة عدلاً منصفاً بعيداً عن الأهواء بقدر المستطاع، كانت معلوماته أقرب إلى الموثوقية ويمكن الأخذ بها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
244

193

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 أقسام النقد الداخلي:

النقد الداخلي على قسمين:
أ- النقد الداخلي الإيجابي، ويتعلّق بتفسير النصّ، والوقوف على معانيه، وتحديد مراد المؤرّخ منه، وفهمه بشكل دقيق، ومن شروطه: 
- الإحاطة بأساليب التعبير الشائعة في عصر كتابة النصّ التاريخي.
 
- عدم اتّخاذ موقف مسبق من الظاهرة في ضوء الحدس والتخمين، لأنّه سيؤدّي بالباحث إلى محاولة رفضها أو الانتقاء منها أو شطب بعضها.
 
- دراسة ظروف النصّ، لأنّها تؤثّر على فهمه.
 
- دراسة طبيعة الانفعالات النفسية للمؤرّخ في النصّ ومدى تأثيرها على تدوين الواقعة.
 
ب- النقد الداخلي السلبي: بعد معرفة مراد المؤرّخ وطبيعة تصوره عن الوقائع والأحداث، على الباحث معرفة مدى مطابقة آراء وتصورات المؤرّخ لفعلية ما حدث في الواقع، لاحتمال كذبه، واشتباهه، أو خلطه بين المعلومات والتحليلات، أو إغفاله بعض المعلومات... وهذا ما يقوم به النقد السلبي.
 
وفي هذا السياق، على الباحث التنبّه إلى مانع النقد السلبي، وهو الاعتقاد القطعي بصحّة أصل أو وثيقة تاريخية ما بنحو لا يحتمل خلاف المعلومات الواردة فيه، لأنّ مجرّد إثبات موثوقية أصل لصدق الراوي وأمانته لا تعني الصحّة الحتمية تلقائياً لجميع معلوماته، وبالتالي فكلّ أصل تاريخي هو قابل للنقد. وبناء عليه، أهمّ طريقة لتطبيق النقد السلبي هي الانطلاق من منهج الشكّ العلمي كطريق للوصول إلى المعلومات الصحيحة والدقيقة.
 
وأيضاً يتعرّف النقد السلبي إلى المصادر التي اعتمدها المؤرّخ في كتابه ومدى قيمتها العلمية. فمثلاً، عند مراجعة تاريخ الطبري، نلاحظ أنّه اعتمد على أصل سيف بن عمر (ت 170هـ) في الجمل ومسير علي وعائشة، وفرَّقها على أبواب كتابه، وكذلك في مقتل الإمام الحسين اعتمد على مقتل الحسين لأبي مخنف (ت157هـ)، وفي صفين اعتمد على كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري (ت212هـ). وبناء عليه، "طبيعي أن يكون اهتمام الباحث بادئ ذي بدء منصبّاً على دراسة حال الناقلين للنصّ، لتحصيل درجة من الوثوق والاعتماد"1.



1 السيد جعفر مرتضى، المدخل إلى دراسة السيرة النبوية، ص 277.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
245

194

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 ومن أدوات النقد السلبي المقارنة والمقايسة بين مصادر وأصول مختلفة حول الواقعة أو الشخصية موضوع الدراسة، من أجل الوصول إلى أكبر قدر ممكن من المعلومات السليمة والخالية من العيوب، حيث يعتبر ذكر الموضوع في أكثر من مصدر وتجميع القرائن المختلفة حول محور واحد رافعاً من مستوى صدقية معطياته، كما أنّ المقارنة والمقايسة تؤدّي إلى تتميم نقص ما عرض في مصدر من خلال ما عرض في مصدر آخر.

 

 
تعارض النصّ التاريخي مع ثوابت العقيدة
من أدوات النقد الداخلي السلبي للنصّ هو تعارض النصّ التاريخي مع ثوابت العقيدة، وهذا يعني أنّ الثوابت العقائدية للباحث التاريخي لها دور في عملية تقويم النصوص التاريخية، مثلاً: إذا اعتقدنا بأنّ فاطمة الزهراء بنت محمد عليهما السلام محصّنة من وسوسات الشيطان لعصمتها وطهارتها ونقائها... ثم لاحظنا رواية تتحدّث عن أنّ فاطمة عليها السلام تعرّض لها شيطان أراها رؤيا1 مؤذية في منامها، اغتمّت بسببها، ورتّبت عليها أثراً عملياً في حياتها، سنضرب بهذه الرواية عرض الحائط.
 
وفي هذا المجال، على الباحث التاريخي أن يعمد إلى تأسيس وتقعيد المباني العقائدية، كأن يرسم الشخصية النبوية ويحدّد معالمها، وما لها من مميّزات وخصائص، فإذا ثبت لديه بالدليل أنّ هذه الشخصية في أعلى درجات الحكمة، والعصمة، والشجاعة، والطهر، والحلم... فلا بدّ من جعل كلّ ذلك معياراً لأيّ نصّ يرد عليه2.



1 يراجع: القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم السيد طيب الموسوي الجزائري، قم - ايران مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، 1404هـ، ط 3، ج 2، ص 
356.
2 السيد جعفر مرتضى، المدخل إلى السيرة النبوية، ص 279.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
246

195

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 تعارض النصّ التاريخي مع ما هو معلوم الثبوت 

إذا كانت ثمّة معلومات ثابتة من مصادر تاريخية على نحو القطع واليقين، فإنّ أيّ معلومة تتعارض معها تعتبر ساقطة عن الاعتبار، فمثلاً لو ثبت بالأدلة أنّ الإسراء والمعراج حصل قبل الهجرة، ثمّ وجدنا نصاً عن عائشة تقول فيه: "ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن الله أسرى بروحه"1، فإنّه لا يمكن تصديق هذه الرواية، لأنّ عائشة انتقلت إلى بيت النبي بعد الهجرة.
 
يقول العلّامة الطباطبائي تعليقاً على هذه الرواية: يكفي في سقوط الرواية اتّفاق كلمة الرواة وأرباب السير على أن الإسراء كان قبل الهجرة بزمان، وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم بنى بعائشة في المدينة بعد الهجرة بزمان، لم يختلف في ذلك اثنان2.
 
وفي هذا السياق أيضاً، على النصّ التاريخي أن لا يعارض ما هو ثابت من النصوص الدينية القطعية في الكتاب والسنة، أو الوقائع الجغرافية المحسوسة، أو البديهيات العقلية، أو الأجواء والمناخات والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامّة والسائدة في عصر الواقعة...
 
كتابة تقرير البحث 
بعد أن ينتهي الباحث من متطلّبات الخطوات السابقة، يكون المصدر جاهزاً لاستخراج المعلومات منه، وتقميشها، لكتابة مادّة البحث.
 
وأهمّ خطوة في هذه المرحلة التي امتلك فيها الباحث التفصيلات والحوادث التاريخية المتفرّقة، ووجد نفسه أمام كم هائل متراكم من الحوادث والوقائع والأقوال المبعثرة، مع اختلافها في الزمان والمكان، والعموم والخصوص، واليقين والظن... أن يعمد أولاً، وبسبب كثرة التفاصيل وعدم قدرته على عرضها كلّها في موضوع بحثه، إلى أن يفرّق بينها من حيث الأهمية أو الموثوقية أو الصلة بالموضوع أو الفرادة والتميّز... فينتخب ويختار المعلومات الأكثر أهمّية وموثوقية وتميّزاً...
 
ثم يبدأ باستخدام المنهج التركيبي في فهم المعلومات، أي إعادة بناء تصوّر الواقع التاريخي، وصياغة ما حصل من وقائع وأحداث بضمّ بعضها إلى بعض، بنحو متسلسل،



1 السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت، دار المعرفة، لا ت، لا ط، ج 4، ص 157.
2 الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 13، ص 24.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
247

196

الدرس الواحد العشرون: المنهج التاريخي

 مترابط، منسجم ومتّسق، كاشفاً عمّا بين الوقائع من علاقات سببية تبيّن كيفية تتابع الأحداث، أي يظهر لماذا حدثت؟ ولماذا سارت في طريق دون آخر؟ فلا يكتفي بمجرد سرد الوقائع، بل يفسّر ويحلّل ويقارن ويعلّل... 

 
وبعبارة أخرى: على الباحث أن يعرض التاريخ في ضوء النظرة التاريخية التي تدرك امتداد الزمن التاريخي وتتابع أحواله جيلاً بعد جيل بنحو تبدو فيه الأحداث متعاقبة ومتسلسلة1.
 
وعلى الباحث أن يعرض في بحثه نوعين من القضايا: القضايا العامّة التي تتعلّق بالعقائد والنظم والعادات والتقاليد والأحوال العامّة في المجتمع للمرحلة الزمنية التي يدرسها، والتي يبنيها في ضوء الأمثلة الجزئية بالطريقة الاستقرائية. والقضايا الخاصّة، أي الأمور الفردية والقضايا الجزئية التي يعيشها الأشخاص المؤرّخ لهم في حياتهم وطبيعة هؤلاء الأشخاص وسماتهم وطبائعهم... خصوصاً أنّ التاريخ قد صنع بعين أشخاص كبار كان لهم دور إيجابي أو سلبي في خلق الأحداث والأديان والمذاهب والفرق والآداب والفلسفات.
 
وبسبب ضياع العديد من الأحداث والوقائع عن التسجيل من جهة، ووجود الكذب والتزوير من جهة ثانية... سيجد الباحث فجوات وثغرات في حياكة الأحداث والوقائع، وفي هذا الحال، عليه أن يعيد النظر في الفروض، ويجترح فروضاً جديدة يعمل على التحقّق من صدقها، وعليه أن يلجأ إلى عنصر الاستنباط الحدسي التاريخي، أي استخدام الفروض التي تسدّ النقص الموجود في الوثائق والمصادر التاريخية، لكي يتمكّن من تصوير الوقائع بنحو مترابط وغير مبعثر، وهو وضع لا يحسد عليه، لأنّه يحتاج إلى مخيّلة ذهنية عالية وتمرّس وتدرّب في ذلك، وليس المقصود الخيال المطلق، بل الخيال المقيّد بالنتائج والوقائع التي تمّ تجميعها، ولكن، عليه عرض تلك الفروض بأسلوب تظهر فيه أنّها فروض وتخمينات وليست حقائق ووقائع، أي عدم الخلط بين المعلومات والتحليلات والاستدلالات الحدسية.



1 أنظر: كوثراني، وجيه، التأريخ ومدارسه في الغرب وعند العرب - مدخل إلى علم التاريخ، بيروت، الأحوال والأزمنة للطباعة والنشر، 2001م، لا ط، ص 39.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
248

197

الدرس الثاني والعشرون: المنهج النقلي: المنهج الاستدلالي القرآني (1)

 الدرس الثاني والعشرون: المنهج النقلي: المنهج الاستدلالي القرآني (1)


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف مفهوم المنهج الاستدلالي القرآني.
2- يقارن بين التفسير التجزيئي والموضوعي للقرآن.
3- يبيّن آليّات الفهم الموضوعي للمتن القرآني.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
249

198

الدرس الثاني والعشرون: المنهج النقلي: المنهج الاستدلالي القرآني (1)

 ما هو المنهج النقلي؟

المنهج النقلي، أو الدليل السمعي أو المنهج الوحياني، هو أسلوب بحثي يعتمد على النصوص الدينية في دراسة موضوع البحث وفهم خصائصه وأحواله أو معالجة المشكلة البحثية وإيجاد الحلّ المناسب لها.

وبعبارة أخرى: هو المنهج الذي يعتمد على القرآن والسنّة في إثبات مسائل العلم المستخدم فيه، سواء في أصل ثبوت الموضوع أو إثبات محمولاته له.

وقبل الدخول في عرض المنهج، نمهّد له بعدّة نقاط تساهم في فهم طبيعة المنهج النقلي.

المنهج الاستدلالي القرآني
نقصد بالمنهج الاستدلالي القرآني، اعتماد الباحث على آيات القرآن الكريم ومدلولاته في مقدّمات الاستدلال المُستخدَم داخل ميدان معرفي معيّن لدراسة الموضوع والكشف عن أحواله وخصائصه، وإثبات قضايا العلم. 

ونمهّد للمنهج بعدّة مقدّمات:
أولاً: تعريف القرآن: عُرّف القرآن بأنّه كلام الله تعالى المُنزل على قلب النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لفظاً ومعنى، للإعجاز، وقد بلّغه النبيُّ الناسَ بالتدريج خلال ثلاث وعشرين سنة، وكُتِب في المصاحف باللغة العربية، ونُقل إلينا عن طريق التواتر.

وعليه، فإنّ ترجمة القرآن ليست قرآناً، وبالتالي لا يصحّ الاعتماد عليها في عملية الاستدلال وإنتاج المعرفة في أيّ مجال من المجالات.

ثانياً: إنّ القرآن الكريم كتاب لهداية الإنسان نحو الكمال، وليس كتاباً تخصصياً في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
251

199

الدرس الثاني والعشرون: المنهج النقلي: المنهج الاستدلالي القرآني (1)

 أيّ ميدان معرفي خاصّ، كالتاريخ، والفقه، والعقيدة، والأخلاق، والاجتماع، والاقتصاد... والأسلوب القرآني، كما هو عليه، يحقّق ذلك الهدف المقصود1.

 
وقد سلّط القرآن الضوء على مختلف شؤون حياة الإنسان وأبعادها، فعرض مواضيع كثيرة العدد، متباعدة الأغراض من الإلهيات والمعارف، وبدء الخلق والمعاد، وما وراء الطبيعة من الروح والملك وإبليس والجن، والفلكيات، والأرض، والتاريخ، وشؤون فريق من الأنبياء الماضين، وما جرى بينهم وبين أممهم، وللأمثال والاحتجاجات والأخلاقيات، والحقوق العائلية، والسياسات المدنية، والنظم الاجتماعية والحربية، والقضاء والقدر، والكسب والاختيار، والعبادات والمعاملات، والنكاح والطلاق، والفرائض، والحدود والقصاص وغير ذلك"2.
 
وقد دعانا الله تعالى للاسترشاد المعرفي بالقرآن واعتباره المرجعية الفكرية لإنتاج الرؤى والتصوّرات في مختلف نواحي الحياة التي للدين فيها مدخل3، لأنّ القرآن كما يصفه لنا الإمام علي عليه السلام: "ينابيع العلم وبحوره... جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء"4
 
وفي هذا السياق، جاء تشديد الإمام الخامنئي دام ظله على تأسيس العلوم الإنسانية في ضوء البحث القرآني5.
 
ثالثاً: القرآن قطعي السند: ذكرنا أنّ أول مهمّة ينبغي أن يقوم بها الباحث للاعتماد على القرآن كمصدر في البحث وإنتاج المعرفة، هي إثبات كون الواصل إلينا من القرآن هو عينه الصادر عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذه النقطة لم يختلف المسلمون في أنّ القرآن ينحصر طريق ثبوته والحكم عليه بأنّه كلام الله تعالى بواسطة النقل المتواتر، وفعلاً قد نَقل القرآنَ جماعةٌ كثيرة من المسلمين جيلاً بعد جيل، بنحو يمتنع اتّفاقهم وتواطؤهم على الكذب، لاختلاف اتّجاهاتهم وميولهم وانتماءاتهم العقائدية والمذهبية، وبالغوا في



1 الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، ص 93.
2 الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، ص 68. ويراجع: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 5، ص 271-272.
3 يراجع: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 5، ص 276.
4 السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، قم، دار الهجرة، 1414هـ.، الطبعة الأولى، ص 316.
5 من خطاب له بتاريخ: 20/10/2009م.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
252

200

الدرس الثاني والعشرون: المنهج النقلي: المنهج الاستدلالي القرآني (1)

 الاهتمام به حفظاً وضبطاً وكتابةً، فدوّنوه في المصاحف، بنحو يفيد نقلهم اليقين بأنّ القرآن الموجود بين أيدي المسلمين اليوم هو عينه الذي بلّغه النبي الأعظم للناس1.

 
وبناء عليه، لم يتعرّض القرآن لجملة العوامل البشرية التي تؤثّر سلباً على سلامة متنه من حيث التحريف والتزوير والدسّ والكذب والنقل بالمعنى والسهو والخطأ... خصوصاً أنّ الله تعالى قد وعد بحفظه من أيّ تغيير وتبديل، يقول تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾2، ويقول تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾3.
 
رابعاً: لا تاريخيّة للقرآن الكريم: من المقدّمات الأساسية في الاعتماد على القرآن كمصدر استدلالي لتشكيل المعرفة هو الإيمان بخلود القرآن واستمرارية صلاحتيه ككتاب مقدّس في عمود الزمان، بمعنى الاعتقاد بأن القرآن ليس كتاباً خاصاً بمخاطبة الفئات التي عاصرت البيئة الثقافية التي نزل فيها بنحو يمنحه الزمان تاريخه، فلا تصلح للاستناد عليها في الواقع المعاصر الذي تغيّر وتبدّل عمّا كان عليه في مختلف نواحي الحياة، فمثلاً قوله تعالى: ﴿فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾4، له علاقة بطبيعة النظام الاقتصادي والمالي الذي كان سائداً في الجزيرة العربية، أمّا مع تغيّر وتبدّل النظم الاقتصادية فلا يبقى لتلك الأحكام أثر ولا عين. 
 
وفي هذا السياق، نلاحظ أنّ الروايات قد شدّدت على عدم تاريخيّة القرآن، وأكّدت على أنّه كتاب حيّ لا يموت، فعن الإمام محمد الباقر عليه السلام، قال: "إنّ القرآن حيٌّ لا يموت، والآية حيّة لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا فمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين"5.
 
وعنه عليه السلام: "... لو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية إذاً ما 



1 الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، ص 124.
2 سورة الحجر، الآية 9.
3 سورة فصلت، الآيتان 41-42.
4 سورة النساء، الآية 176.
5 العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، تصحيح هاشم الرسولي المحلاتي، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، لا ت، لا ط، ج 2، ص 203.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
253

201

الدرس الثاني والعشرون: المنهج النقلي: المنهج الاستدلالي القرآني (1)

 بقي من القرآن شيء، إنّ القرآن يجري أوله إلى آخره وآخره إلى أوله ما قامت السماوات والأرض، فلكلّ قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شرّ"1.

 
إلى غير هذه من الروايات الواردة في المقام.
 
مناهج فهم القرآن
ذكرنا أنّ القرآن الكريم كتاب هداية لجميع البشر، وهذا لا يعني أنّ باب الدخول إلى دار فهم متن القرآن مفتوح أمام كلّ أحد، بل لذلك جملة أصول وقواعد وآليات تحكم عملية الاستدلال بالقرآن.
 
وفي هذا السياق، أسّس علم التفسير، للبحث عن المتن القرآني من حيث الدلالة على المعنى المراد لله عزّ وجلّ في كلامه وفق أصول وقواعد خاصة.
 
وثمّة خارطة طريق عامّة ينبغي على الباحث في المتن القرآني أن يسلكها ويسير عليها لفهمه واستخراج النتائج المعرفية منه، وقبل بيان تلك الآليات العامّة، نشير إلى لابديّة التمييز بين نوعين من عمليات فهم المتن القرآني:
الأوّل: الفهم التجزيئي أو ما يعرف بالتفسير التجزيئي.
والثاني: الفهم الموضوعي أو ما يعرف بالتفسير الموضوعي أو المنظومي أو التوحيدي... إلى آخره من التعبيرات المختلفة2.

 
 


1 الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي، تحقيق محمد كاظم، طهران، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزراة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1410 هـ -0991م، ط1، ص 17. 
ويراجع: الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 192. والقمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج 1، ص 21.
2 يراجع حول التفسير التجزيئي والموضوعي: الصدر، محمد باقر، المدرس القرآنية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
254

202

الدرس الثاني والعشرون: المنهج النقلي: المنهج الاستدلالي القرآني (1)

 ويقصد بالتفسير التجزيئي النظر إلى القرآن آية آية بالتدريج، حسب تدوينها في المصحف، والقيام بعملية شرح مفرداتها لفهم المراد منها، بمعنى أنّ المقصود الأصلي للمفسِّر هو فهم مدلول هذه الآية بعينها، وهذا هو النحو المعهود من التفسير في البيئة الإسلامية قديماً، وقد مورس هذا النوع من التفسير في إطارين: الأول: الموسوعات التفسيرية التي شرحت جميع آيات القرآن الكريم، والثاني: الكتب الفقهية والأصولية والعقائدية والأخلاقية والفلسفية وغيرها، التي استشهدت بالآيات في سياق البحث عن قضايا العلم الخاصّ بها.

 
أمّا التفسير الموضوعي، فهو عبارة عن أخذ عنوان ما كموضوع بحثي، كتزكية النفس أو التوحيد أو عصمة النبي أو الطلاق... والبحث عنه في القرآن الكريم من جميع جوانبه في ضوء كافّة الآيات التي تتحدّث عن هذا الموضوع، وسبكها في منظومة واحدة، للخروج بنتائج حول الرؤية القرآنية العامة لتزكية النفس أو التوحيد...
 
والباحث الإسلامي يحتاج إلى كلا اللونين من التفسير، فإن أراد البحث عن الرؤية القرآنية تجاه أيّ موضوع فالمنهج التفسيري الموضوعي هو المتعيّن، أمّا إذا أراد الاستشهاد بالقرآن من خلال التوقّف عند تحليل آية محدّدة لاستفادة قضية ما من مضمونها، فالمنهج التفسيري التجزيئي هو المتعيّن.
 
آليّات الفهم الموضوعي للمتن القرآني
يمكن تلخيص آليات الفهم الموضوعي للمتن القرآني وفق النقاط الآتية:
1- على الباحث أن يجمع كلّ الآيات التي تتمحور حول موضوع واحد، من خلال البحث عن العنوان الذي اختاره للبحث، كتزكية النفس مثلاً، ويمكنه ذلك من خلال الاعتماد على المعجم المفهرس للقرآن الكريم، حيث يبحث عن المفردة نفسها وما يرتبط بها من أفعال ومشتقّات، مثل: ويزكّيهم، زكّاها، تزكّوا، زكّى، تزكّى، يزّكّى، يتزكّى... 
 
2- جمع الآيات التي تدخل في علاقة ترادف أو تضمن أو تقارن... مع مفردة التزكية، مثل: التطهير ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم﴾1، التعليم ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ﴾2، التربية، المجاهدة...
 
3- جمع الآيات التي تدخل في علاقة ضدّ مع موضوع الآيات السابقة، مثل: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾3...
 
4- استظهار معاني الآيات والكشف عن المراد الجدّي منها في ضوء قواعد النظام اللغوي العربي العامّ.
 
5- استنطاق الآيات بعضها في ضوء بعضها الآخر، والاستعانة بالآية على فهم أختها والاسترشاد بالقرآن لإدراك معاني آياته.



1 سورة التوبة، الآية 103.
2 سورة آل عمران، الآية 164.
3 سورة الشمس، الآيتان 9-10.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
255

203

الدرس الثاني والعشرون: المنهج النقلي: المنهج الاستدلالي القرآني (1)

 6- العمل على معالجة التعارض البدوي الذي قد يظهر بين الآيات في ضوء النظام اللغوي ودراسات علم أصول الفقه... بردّ المتشابه إلى المحكم، وتقييد المطلق، وتخصيص العام...

 
7- العودة إلى الروايات التفسيرية الواردة في مقام تفسير تلك الآيات الوارد فيها عنوان التزكية مثلاً، وكذلك الروايات العامة التي تتحدّث عن التزكية لفهم الآيات بنحو أكثر تفصيلاً في ضوء منهج النبي وأهل البيت عليهم السلام.
 
8- ىمراجعة الآراء التفسيرية حول الآيات المذكورة.
 
9- مراجعة آراء العلماء فيما يتعلّق بموضوع الآية، كمراجعة آراء علماء الأخلاق المسلمين حول التزكية مثلاً.
 
10- النظر إلى المدارس التربوية والأخلاقية1 المعاصرة والتجارب الفكرية المختلفة التي تعالج الموضوع المذكور، أي التزكية، وتسلّط الضوء عليه. والقيام بعملية مقارنة بين النظرة القرآنية وبينها، أو الاستفادة من تلك المعارف البشرية في تسليط الضوء على بعض الجوانب المهمّة تربوياً حول تزكية النفس.
 
11- القيام بعملية ربط كلّ تلك المفاهيم بعلاقة مفهومية في شبكة معنائية ومنظومة دلالية واحدة، لتكوين نظرية قرآنية عامّة فيما يتعلّق بالموضوع المبحوث.
 


1 وإن كان الموضوع فلسفياً أو اقتصادياً أو سياسياً تراجع آراء علماء المسلمين والغربيين المتخصّصين في كلّ حقل من تلك الحقول.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
256

204

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعدّد قواعد فهم القرآن وفق المنهج الاستدلالي القرآني.
2- يعرف منهج تفسير الآيات بعضها في ضوء بعضها الآخر.
3- يملك القدرة على تطبيق المنهج الاستدلالي القرآني.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
257

205

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 تمهيد

أشرنا سابقاً إلى وجود عدّة آليّات وقواعد لفهم المتن القرآني واستخراج النتائج المعرفية منه، نعرضها ضمن النقاط الآتية:
الإحاطة العلمية بقواعد اللغة العربية
من القواعد الأساسية لفهم المتن القرآني الإحاطة العلمية بقواعد اللغة العربية، نحواً وصرفاً وإملاءً وبلاغة واشتقاقاً وحقلاً معجمياً...
 
لقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم باللغة العربية، يقول تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾1. معتمداً في التعبير عن أغراضه ومراداته على قواعد النظام اللغوي العربي العامّ وأسلوبه الألسني، ولم يبتدع طريقة جديدة لنفسه على خلاف المتعارف، وإلا لأعلَم الناس بها وبيّنها لهم حتى يتّبعوها، ولو كان، لنقل إلينا، لأنّه ظاهرة فريدة، تتوفّر فيها دواعي النقل بكثرة2.
 
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "البحث القرآني غير ممكن من دون التعرّف إلى مقدّمات فهم القرآن ومبادئه، كالمعرفة باللغة، ودقائقها، وأحوالها"3.
 
لذا، على الباحث الذي يريد اعتماد المنهج الاستدلالي القرآني أن يدرس قواعد النظام اللغوي العربي، ويتمرّس فيه، ويتذوّقه نثراً وشعراً ونحواً واشتقاقاً وصرفاً وبلاغة... ويراعي تطبيق تلك القواعد العامّة أثناء العملية البحثية. 



1 سورة الشعراء، الآيات 192-195.
2 الحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر، 1979م، ط2، ص 102.
3 من كلمة له قدس سره في ذكرى ولادة السيدة المعصومة 20/10/2009م.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
259

206

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 وفي هذا السياق، نلاحظ العديد من المستشرقين، لعدم استئناسهم بالنظام اللغوي العربي، قد وقعوا في أخطاء لا تحصى في فهمهم للنص القرآني، فمثلاً المستشرق جوستافس فلوجل مؤلّف كتاب "نجوم الفرقان في أطراف القرآن" زعم أنّ قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾1 مأخوذ من قَرَن، مع أنّه مأخوذ من قرَّ، كما زعم أنّ المرضى في قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى﴾2 مأخوذ من رضي، مع أنّه مأخوذ من مرض...3

 
والكتب العامّة التي يمكن الاستفادة منها في فهم المدلول التصوّري لمفردات القرآن كثيرة، أهمّها: 
- كتاب العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي. 
- والصحاح -تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن حماد الجوهري.
- معجم مقاييس اللغة، لأحمد بن فارس بن زكريا. 
أما الكتب الخاصّة بمفردات القرآن، هي: 
- مفردات ألفاظ القرآن، للحسين بن محمد الراغب الأصفهاني. 
- التحقيق في كلمات القرآن الكريم، لحسن المصطفوي.
 
تفسير الآيات بعضها في ضوء بعضها الآخر
إنّ القرآن الكريم بمنزلة الجملة الواحدة، لأنّه صادر عن متكلّم عالم حكيم واحد، فتعتبر الإحاطة بالآيات الأخرى التي تشكّل قرائن متصلة لفهم المراد الجدي لمدلولات القرآن الكريم أمراً في غاية الأهمّية في عملية الاستدلال القرآني، فلا يمكن الاقتصار على آية واحدة للاستدلال على المطلوب، لأنّ الآية الواحدة قد تتعرّض لجانب من المسألة التي يراد الاستدلال عليها، في حين أنّ الجوانب الأخرى للمسألة قد وردت في آيات أخرى، فيتمّ رفع إجمال وإبهام آية في آية أخرى، ويحصل شرح وتفصيل آية في آية أخرى، وتقييد



1 سورة الأحزاب، الآية 33.
2 سورة التوبة، الآية 91.
3 يراجع: السبحاني، جعفر، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، قم، مؤسسة الإمام الصادق، 1426هـ، ط3، ص 25.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
260

207

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 أو تخصيص آية بآية أخرى...1 ، ويسمى هذا الأسلوب بمنهج تفسير القرآن بالقرآن، وقد أكّدت عليه الروايات، فعن الإمام علي عليه السلام، قال: "كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض"2

 
ويمكن توضيح ذلك من خلال حادثة حصلت بين أحد أئمّة المعتزلة وأئمّة الأشاعرة فيما يتعلّق بالجبر والتفويض، حيث دخل القاضي عبد الجبار داراً للصاحب بن عبّاد فرأى الأستاذ أبا إسحق الإسفرائيني، فقال: سبحان من تنزّه عن الفحشاء، فقال الأستاذ على الفور: "سبحان من لا يجري في ملكه إلا ما يشاء"3. فكلّ منهما تمسك بفهم مضمون آية بنحو منعزل عن فهم مجموع الآيات في منظومة نسقية واحدة يفسر بعضها بعضاً، فخرج رأي بالتفويض، ورأي آخر بالجبر، في حين أنّه لو قرأ القرآن بطريقة منظومية في موضوع القضاء والقدر لتمّ الخروج بنتيجة أفادها الإمام الصادق عليه السلام في قوله: "لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين"4.
 
المحكم والمتشابه:
وهذه النقطة تحيلنا إلى الحديث عن مفهوم المحكم والمتشابه، فمن أهمّ آليّات فهم أسلوب القرآن هو التمييز بينهما، ومعرفة كيفية إرجاع المتشابه إلى المحكم. 
 
والمراد من المتشابه كون الآية مردّدة الدلالة على المراد، غير متعيّنة المعنى المقصود بنحو واضح في فهم الباحث، بحيث لا يتشخّص معناها إلا في ضوء الرجوع إلى المحكم.
 
والمحكم هو إتقان الآية ووضوحها في نفسها بنحو لا يشتبه على الباحث المعنى المقصود منها، ولذا وصفت المحكمات بأنّها أمّ الكتاب، والأمّ بحسب أصل معناه ما يرجع إليه الشيء، وليس إلا أنّ الآيات المتشابهة ترجع إليها، فالبعض من الكتاب، وهي المتشابهات، ترجع إلى بعض آخر وهي المحكمات5



1 الإتقان في علوم القرآن، ج 2، ص 1197.
2 السيد الرضي، نهج البلاغة، ص 192.
3 التفتازاني، شرح المقاصد في علم الكلام، باكستان، دار المعارف النعمانية، 1401هـ - 1981م، ط 1، ج 2، ص 145.
4 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 160.
5 الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 3، ص 20.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
261

208

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 يقول العلامة الطباطبائي: كما أنّ قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾1، يشتبه المراد منه على السامع أول ما يسمعه، فإذا رجع إلى مثل قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾2، استقرّ الذهن على أنّ المراد به التسلّط على الملك والإحاطة على الخلق دون التمكّن والاعتماد على المكان المستلزم للتجسّم المستحيل على الله سبحانه، وكذا قوله تعالى: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾3، إذا أُرجِع إلى مثل قوله: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾4، علم به أنّ المراد بالنظر غير النظر بالبصر الحسي...5

 
الإحاطة بالروايات التفسيرية والروايات عامّة
من ضمن الآليات المهمّة في فهم القرآن وتفسيره البحث في الروايات العامّة عموماً والروايات التفسيرية خصوصاً، حيث إنّ القرآن لم يتناول القضايا العقائدية والفقهية والأخلاقية والتاريخية وغيرها إلا بنحو الإشارات الإجمالية العامّة من دون أن يدخل في التفاصيل، وترك مهمّة تعليم القرآن وشرح وبيانه إلى النبي والإمام، يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾6،... ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾7.
 
وعن الإمام علي عليه السلام، قال: "... ثم اختار سبحانه لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم لقاءه... وخلّف فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها إذ لم يتركوهم هملاً، بغير طريق واضح، ولا علم قائم: كتابَ رَبِّكم، مبيّناً حلالَه وحرامَه، وفرائضَه، وفضائلَه وناسخَه ومنسوخَه، ورُخَصَه وَعَزَائمَه، وخاصَّه وعامَّه، وعِبَره وأمثالَه، ومُرسَلَه وَمَحْدوده، ومُحْكَمه ومتشابهه، مفسِّـراً مجمله، ومبِّيناً غوامضه..."8.



1 سورة طه، الآية 5.
2 سورة الشورى، الآية 11.
3 سورة القيامة، الآية 23.
4 سورة الأنعام، الآية 103.
5 الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 3، ص 41.
6 سورة الجمعة، الآية 2.
7 سورة النحل، الآية 44.
8 السيد الرضي، نهج البلاغة، ص 44.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
262

209

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 فهناك علاقة وطيدة بين الآية والرواية في عملية تشابك الفهم للنصّ الديني بنحو لا يمكن فهم الآية بمعزل على الرواية الواردة في سياق تفسيرها، فضلاً عن الروايات العامّة الواردة في سياق موضوع الآية1.

 
وهذا ما يفيده قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فتمسّكوا بهما لئلا تضلّوا"2.
 
خصوصاً أنهم عليهم السلام هم الراسخون في العلم، وعندهم علم الكتاب، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّا أهل البيت، لم يزل الله يبعث منّا من يعلم كتابه من أوله إلى آخره"3.
 
نماذج تطبيقية:
- يقول تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾4، ودخول الألف واللام على الربا تفيد العموم، أي إنّ عامّة ما يصدق عليه الربا حرام، ولكن هذا العام ورد في السّنّة ما يخصصه5، أي ما يخرجه عن دائرة الحكم بالحرمة وإن كان هو رباً مصداقاً، فعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال أمير المؤمنين عليه السلام: ليس بين الرجل وولده ربا..."6 ، وكأنّ مدلول الآية يصبح حرّم الله الربا إلا بين الوالد وولده.
 
- ويقول تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾7، حيث اقتصر أهل السنّة على فهم الغنيمة بالغنائم الحربية، لكن ورد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ما يفيد حمل لفظ الغنيمة على عمومه اللغوي الشامل لكلّ ربح وفائدة،



1 عن دور رواية النبي وأهل البيت عليهم السلام في عملية التفسير يراجع: التفسير والمفسرون، محمد هادي معرفة، ج 1، المرحلة الرابعة.
2 م.ن، ص 279.
3 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 222.
4 سورة البقرة، الآية 275.
5 بغض النظر عن النقاش العلمي في المسألة أنها من باب التخصيص بمعنى دخول الربا بين الوالد وولده في الربا موضوعاً وخروجه عنه حكماً من حيث الحرمة، أم أنها من باب الحكومة أي خروج هذا النوع من الربا موضوعاً وبالتالي حكماً.
6 الشيخ الكليني، الكافي، ج 5، ص 147.
7 سورة الأنفال، الآية 41.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
263

210

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 حيث ورد عن الإمام الجواد عليه السلام في تفسير قوله تعالى السابق: "... والغنائم والفوائد فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب..."1.

 
- ويقول تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾2، وقد اختلف علماء أهل السنة في موضع القطع، فقال بعضهم من الزند، وقال آخرون من المرفق... وقد حصل هذا الاختلاف في محضر المعتصم العباسي بحضور الإمام الجواد عليه السلام حيث سأله عن رأيه، فقال: "... إنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكفّ"3
 
ولا بدّ للباحث أثناء عملية الاستفادة من الروايات في فهم القرآن من الالتفات إلى عدة نقاط مهمّة:
1- أن يتعامل مع الروايات في ضوء المنهج الاستدلالي الروائي من حيث السند، والذي سنتعرّض له في الدرس اللاحق.
 
2- على الباحث التمييز في الروايات التفسيرية بين التطبيق والجري على المصداق من جهة وبين التفسير. مثلاً: ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: في قوله عزّ وجلّ: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ *  الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾4، قال: "من أقرّ بقيام القائم عليه السلام أنّه حقّ"5، فحمل الغيب على قيام القائم هو من باب المصداق وليس من باب الحصر.
 
وهذا ما يمكن أن يستفاد من قول الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾6: "نزلت في رحم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تكون في قرابتك. ثم قال: فلا تكوننّ ممّن يقول للشيء: إنّه في شيء واحد"7.



1 الطوسي، محمد بن الحسن، الاستبصار، ج 2، ص 61.
2 سورة المائدة، الآية 38.
3 الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1414ه، ط2، ج 28، ص 253.
4 سورة البقرة، الآية 2.
5 الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق على أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1405هـ، ج 1، ص 17.
6 سورة الرعد، الآية 21.
7 الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 156.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
264

211

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 3- أن يحذر الباحث من الروايات التي تخالف الروح العامّة للقرآن وتعارض مدلول آياته، ويتنبّه إلى أنّه لا يمكنه الاعتماد عليها في فهم القرآن، خصوصاً ما يعرف بالإسرائيليات1

 
معرفة القواعد العقلية البديهية
إن القواعد العقلية البديهية القطعية بمنزلة القرائن المتّصلة أو المنفصلة لفهم النصّ القرآني تحدّثنا عن العقل ومعناه بشكل تفصيلي في الدرس السابق، وقلنا إنّ العقل حجّة باطنة لله تعالى على الإنسان، ولديه القدرة بشكل مستقلّ على تحصيل العلم اليقيني والقطع بالكثير من القضايا، وهذه القضايا المدركة بالعقل على قسمين: نظرية وبديهية.
 
وقد صرّح العديد من المفسرين المعاصرين، كالسيد الطباطبائي، باعتمادهم على القضايا العقلية البديهية والفطرية في تفسير القرآن، وصرّح بعض العلماء بأنّ القواعد العقلية بمنزلة القرينة المتّصلة أو المنفصلة لفهم المتن القرآني في ضوئها2
 
ولكنّ العديد من المفسرين قد سرّى هذه الأمر إلى مطلق القواعد العقلية حتى النظرية، حيث قرأ القرآن في ضوئها، وجعلها حاكمة على فهم القرآن، خصوصاً بالنظر إلى ما تقدّم من ظنية المتن القرآني، حيث سَهُل التصرّف في القرآن الكريم بحجج عقلية أو علمية بحجّة أنّ دلالة القرآن ظنية لا تقاوم الحجج الفعلية والبراهين العلمية"3
 
في حين قد نقد العلامة الطباطبائي هذه الطريقة، قائلاً عن منهجه في التفسير: اجتنبنا فيها عن أن نركن إلى حجّة نظرية فلسفية أو إلى فرضية علمية، أو إلى مكاشفة عرفانية. واحترزنا فيها عن أن نضع إلا نكتة أدبية يحتاج إليها فهم الأسلوب العربي أو مقدّمة بديهية أو عملية لا يختلف فيها الأفهام4.
 
وبناء عليه، لا بد من التمييز بين التفسير بالعقل الفطري، كما يصطلح عليه بعض



1 يراجع: معرفة، هادي، التفسير والمفسرون، ج 2. ويراجع: السبحاني، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، ص 12.
2 يراجع: اللنكراني، فاضل، مدخل التفسير، ص 189-190.
3 السبحاني، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، ص 12.
4 الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 12.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
265

212

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 العلماء كالسيد الخوئي، -حيث يقول في بيان منهجه التفسيري: وسيجد القارئ أنّي لا أحيد في تفسيري هذا عن ظواهر الكتاب ومحكماته وما ثبت بالتواتر أو بالطرق الصحيحة من الآثار الواردة عن أهل بيت العصمة من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وما استقلّ به العقل الفطري الصحيح الذي جعله الله حجّة باطنة كما جعل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام حجّة ظاهرة"1 وبين التفسير بالعقل في مقابل النقل الشامل للقواعد الدارجة في المدارس الكلامية، أو بتأويلات الباطنية، أو الصوفية، أو التفسير حسب العلوم الحديثة. 

 
التفسير بين الإسقاط والاستكشاف: 
كلّ باحث عندما يدرس الآيات القرآنية ليستخرج منها النظريات، يأتي بطبيعة الحال وهو مزوّد بمجموعة من الأفكار والتصوّرات والمعارف والمؤثّرات البيئية والثقافية... وعملية فهم النصّ الوحياني حول أيّ موضوع من الموضوعات قد تنطلق من منظار قوالب معرفية وأطر فلسفية أو كلامية أو صوفية أو فقهية أو أخلاقية أو علمية... جاهزة مسبقاً، تريد أن ترى في القرآن ما يؤيّدها ويناصرها، بمعنى أنّها قراءة إسقاطية للقرآن أو كما يسمّيها السيد محمد حسين الطباطبائي قراءة تطبيقية، وليست قراءة تأسيسية تنطلق لتستكشف القضية في ضوء الفهم الموضوعي والمنظومي لآيات القرآن، وهناك فرق كبير بين هاتين القراءتين (الإسقاطية والاستكشافية) للنصّ الديني، وقد أشار العلامة الطباطبائي إلى هذه النقطة الحسّاسة في منهجية التعامل مع القرآن، حيث يقول بعد استعراضه للمدارس التفسيرية المتعدّدة: وأمّا المتكلمون فقد دعاهم الأقوال المذهبية على اختلافها أن يسيروا في التفسير على ما يوافق مذاهبهم بأخذ ما وافق وتأويل ما خالف على حسب ما يجوّزه المذهب، "معتبراً أنّ هذا المنهج من البحث أحرى به أن يسمى تطبيقاً لا تفسيراً"، ثم يعقّب قائلاً: ففرق بين أن يقول الباحث عن معنى آية من الآيات: ماذا يقول القرآن؟ أو يقول: ماذا يجب أن نحمل عليه الآية؟ فإنّ القول الأول يوجِب أن ينسى كلّ أمر نظري عند البحث، وأن يتّكئ على ما ليس بنظري، والثاني يوجِب وضع النظريات في المسألة وتسليمها وبناء البحث عليها، ولا تختص القراءة الإسقاطية أو التطبيقية للقرآن من وجهة نظر



1 الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، ص 13.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
266

213

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 الطباطبائي بالمتكلمين، بل تشمل الفلاسفة، لذا يقول: "وأما الفلاسفة، فقد عرض لهم ما عرض للمتكلّمين من المفسّرين من الوقوع في ورطة التطبيق وتأويل الآيات المخالفة بظاهرها للمسلّمات في فنون الفلسفة"1، معتبراً أنّ الأمر عينه مارسته مدرسة الصوفية ومدرسة الحديث والمدرسة العلمية التجريبية... 

 
ولذا، على الباحث عند استخدام منهج الاستدلال القرآني أن لا يتعامل مع القرآن كمؤيّد وشاهد لنظريته الجاهزة مسبقاً، بل عليه أن يستكشف النظرية من خلال القرآن نفسه.
 
التفسير بالرأي:
وهذا ينقلنا للحديث عن التفسير بالرأي، الذي حذّر منه النبي وأئمّة أهل البيت، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب"2. وغيرها من الروايات الكثيرة الواردة في كتب الشيعة والسنّة.
 
والتفسير بالرأي يشمل عدّة معانٍ:
1- التفسير من غير رجوع إلى الأئمّة والروايات، وهو ما احتمله السيد الخوئي3.
 
2- أن يتّخذ المفسِّر رأياً خاصاً في موضوع بدليل ما، ثمّ يرجع إلى القرآن كي يجد له دليلاً يؤيّده، فهو ليس في مقام فهم الآية، وإنّما بصدد إخضاع الآية لرأيه وفكره.
 
وباختصار: المراد من التفسير بالرأي هو أن يكون الرأي والعقيدة المسبقة هو الملاك للتفسير، فالمفسّـر، مكان أن يتجرّد عن الآراء المسبقة ويوطِّن نفسه على ما توحيه الآية حسب الأُصول والقواعد، يُخضع القرآن لعقيدته، ويعرضه عليها. مع أنّ القرآن حجّة اللّه على خلقه وعهده إلى عباده فيجب أن يُحتكم إليه ويصدر عن حكمه لا بالعكس4
 
كتفسير بعض العرفاء مدّ الظلّ في قوله سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾5 ببسط الوجود على الماهيات... 



1 الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 4.
2 الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 257.
3 الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، ص 269.
4 السبحاني، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، ص 12.
5 سورة الفرقان، الآية 45.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
267

214

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 الإحاطة بتاريخ صدر الإسلام

من قواعد فهم المتن القرآني الأساسيّة الإحاطة بتاريخ صدر الإسلام والبيئة الحضارية والثقافية لعصر النصّ ومعرفة أسباب النزولفقد بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيئة لها عقائدها وعاداتها وتقاليدها التي صحّحها النبي وعمل على تغييرها، و الاطّلاع على تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده يوضح مفاد كثيرمن الآيات ويكشف النقاب عنها1
 
كما في فهم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾2، مع أن الطواف بهما ليس عزيمة بل واجب، فكيف يجتمع الوجوب مع قوله تعالى: فلا جناح... أجاب بعض المفسّرين عن ذلك بأنّ هذا القول هو في مقام رفع توهّم الحظر، حيث إنّ المسلمين كانوا يرون أنّ الصفا والمروة ممّا ابتدع أهل الجاهلية، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
 
يقول الطبرسي: "وإنّما قال ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ وهو واجب...، لأنّه كان على الصفا صنم يقال له أساف، وعلى المروة صنم يقال له نائلة، وكان المشركون إذا طافوا بهما مسحوهما، فتحرّج المسلمون عن الطواف بهما، لأجل الصنمين، فأنزل الله تعالى هذه الآية"3.
 
الإحاطة بالتوراة والإنجيل
من قواعد فهم المتن القرآني الأساسية أيضاً والمهمة، الإحاطة بالتوارة والأنجيل وعقائد اليهودية والمسيحية لكونها قرائن لفهم ما يريد القرآن تصحيحه لقد تعرّض القرآن الكريم إلى تصحيح الكثير من عقائد النصارى واليهود، كما تحدّث عن القصص التي سردها العهد القديم (التوارة) حول الأنبياء، فما لم يتمّ مراجعة عقائد هذه الأديان ووجهة نظرهم التي عرضوها حول الأنبياء يبقى الباحث قاصراً عن إدراك أهداف الآيات القرآنية والمجالات التي تريد تصحيحها من عقائد الأديان الأخرى.



1 السبحاني، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، ص 12.
2 سورة البقرة، الآية 158.
3 مجمع البيان، ج1، ص445.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
268

215

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 الإحاطة بتاريخ صدر الإسلام

من قواعد فهم المتن القرآني الأساسيّة الإحاطة بتاريخ صدر الإسلام والبيئة الحضارية والثقافية لعصر النصّ ومعرفة أسباب النزولفقد بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيئة لها عقائدها وعاداتها وتقاليدها التي صحّحها النبي وعمل على تغييرها، و الاطّلاع على تاريخ العرب قبل الإسلام وبعده يوضح مفاد كثيرمن الآيات ويكشف النقاب عنها1
 
كما في فهم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾2، مع أن الطواف بهما ليس عزيمة بل واجب، فكيف يجتمع الوجوب مع قوله تعالى: فلا جناح... أجاب بعض المفسّرين عن ذلك بأنّ هذا القول هو في مقام رفع توهّم الحظر، حيث إنّ المسلمين كانوا يرون أنّ الصفا والمروة ممّا ابتدع أهل الجاهلية، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
 
يقول الطبرسي: "وإنّما قال ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ وهو واجب...، لأنّه كان على الصفا صنم يقال له أساف، وعلى المروة صنم يقال له نائلة، وكان المشركون إذا طافوا بهما مسحوهما، فتحرّج المسلمون عن الطواف بهما، لأجل الصنمين، فأنزل الله تعالى هذه الآية"3.
 
الإحاطة بالتوراة والإنجيل
من قواعد فهم المتن القرآني الأساسية أيضاً والمهمة، الإحاطة بالتوارة والأنجيل وعقائد اليهودية والمسيحية لكونها قرائن لفهم ما يريد القرآن تصحيحه لقد تعرّض القرآن الكريم إلى تصحيح الكثير من عقائد النصارى واليهود، كما تحدّث عن القصص التي سردها العهد القديم (التوارة) حول الأنبياء، فما لم يتمّ مراجعة عقائد هذه الأديان ووجهة نظرهم التي عرضوها حول الأنبياء يبقى الباحث قاصراً عن إدراك أهداف الآيات القرآنية والمجالات التي تريد تصحيحها من عقائد الأديان الأخرى.



1 السبحاني، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، ص 12.
2 سورة البقرة، الآية 158.
3 مجمع البيان، ج1، ص445.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
268

216

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 الوقوف على الآراء المطروحة حول الآية 

إنّ الآراء الموروثة من الصحابة والتابعين ثمّ علماء التفسير إلى يومنا هذا ثروة علمية ورثناها من الأقدمين، وهم قد بذلوا في تفسير الذكر الحكيم جهوداً كبيرة، فألّفوا مختصرات ومفصّلات وموسوعات حول القرآن الكريم، فالإحاطة بآرائهم والإمعان فيها وترجيح بعضها على بعض بالدليل والبرهان من أُصول التفسير، شريطة أن يبحث فيها بحثاً موضوعياً بعيداً عن كلّ رأي مسبق1.
 
التخصّص في ميادين موضوعات الآيات
ذكرنا أنّ القرآن كتاب متعدّد الأبعاد المعرفية. وبناء عليه، على المفسّر أن يجري مع الآية حيث تجري، ويكشف معناها حيث تشير، ويوضح دلالاتها حيث تدلّ. عليه أن يكون حكيماً حين تشتمل الآية على الحكمة، وخلقياً حين ترشد الآية إلى الأخلاق، وفقيهاً حيث تتعرّض للفقه، واجتماعياً حين تبحث في الاجتماع..."2. وهذا يستدعي أن يحيط المفسّر والباحث علماً بالأدبيات النظرية لهذه العلوم بنحو أو آخر لتساعده في عملية فهم الآيات.



1 السبحاني، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، ص 12.
2 الخوئي، أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، ص 12-13.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
269

217

الدرس الثالث والعشرون: المنهج الاستدلالي القرآني (2)

 

 

 

 

 

 

 

270


218

الدرس الرابع والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (1)

 الدرس الرابع والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (1)



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف المراد من المنهج الاستدلالي الروائي وأهمّ مقدّماته التأسيسية.
2- يدرك دوائر العلاقة بين الروايات الصادرة والواصلة.
3- يعرف كيف نثبت صدور الخبر والرواية عن المعصوم بطريق موثوق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
271

219

الدرس الرابع والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (1)

 تمهيد

المنهج الاستدلالي الروائي هو القسم الثاني من أقسام المنهج النقلي، وهو عبارة عن اعتماد الباحث على الأحاديث والروايات الصادرة عن النبي وأئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في إثبات أصل موضوعات قضايا المعارف الدينية، أو إثبات خصائص الموضوع وأحواله وصفاته. وفيما يلي نذكر مجموعة مقدمات تأسيسية للمنهج النقلي قبل بيان قواعد المنهج الروائي وخطواته.

حاجة العقل إلى الوحي
إنّ مجالات إدراك العقل البشري على نوعين:
الأولى: المستقلّات العقلية، حيث إنّ الله تعالى زوّد العقل بقدرة إدراك بعض القضايا بشكل مستقلّ عن أيّ استلهام من مصدر خارجي، سواء أكانت تلك القضايا بديهية كقانون التناقض وقانون السببية العام، أم نظرية كقضايا الفلسفة والعقيدة وعلم النفس الفلسفي وفلسفة الأخلاق وغيرها... وبهذا اللحاظ كان العقل رسولاً من الداخل وحجّة باطنية. 

الثانية: غير المستقلّات العقلية، وهي قضايا يعجز العقل على إدراكها من تلقاء نفسه وتحصيل المعرفة بها بنحو مستقلّ، فيحتاج إلى مصدر خارجي يرشده ويوجّهه نحوها ويكشفها له، وهو الوحي السماوي، وبهذا اللحاظ يحتاج الإنسان إلى رسول من الخارج وحجّة ظاهرة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
273

220

الدرس الرابع والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (1)

 

عصمة الوحي في مقام الثبوت

لا ريب في أنّ الوحي السماوي كمشكِّل أساس للنصّ الديني معصوم عند نزوله من الله تعالى مباشرة، أو بواسطة جبريل، على قلب النبي المُبعوث من قبله تعالى، لتنزّه الحضرات والمراتب التي يتنزّل فيها الوحي من خزائن علم الله تعالى عن أيّ لون من ألوان الخطأ والاشتباه والنسيان والغفلة والتحريف... خصوصاً أنّها ليست من سنخ العلوم الحصولية.

ويقوم النبي بتبليغ الوحي الإلهي إلى الناس كما أنزل إليه من الله تعالى وجبرئيل بدون زيادة أو نقصان، لأنّه معصوم في مقام التبليغ باتّفاق جميع علماء المسلمين. وكذلك حال الإمام المعصوم عند الشيعة الإمامية، في جميع أخباره وأحاديثه. 

دخول الوحي إلى الدائرة البشرية
عندما يصل الوحي الإلهي إلى مسامع الناس، ويتلقّونه عن المعصوم، يدخل إلى حيّز الدائرة البشرية غير المعصومة، فيقع الناس في الاشتباه والغفلة والسهو في سماع كلمات الوحي، ويعيشون في نطاق الخطأ والنسيان في نقلهم الألسني المشافهي أو الكتبي التدويني لما صدر عن المعصوم من شخص إلى آخر ومن جيل إلى آخر، كما تعرّضت معطيات الوحي عمداً إلى الوضع والتحريف والتزوير والكذب... وهذا ما كشفت عنه الروايات بشكل واضح، منها:
عن الإمام علي عليه السلام، قوله: إنّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً... وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول الله على عهده، حتى قام خطيباً، فقال: "أيها الناس، قد كثرت عليّ الكذابة، فمن كذب علي متعمّداً فليتبوّء مقعده من النار"، ثم كذب عليه من بعده وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
274

221

الدرس الرابع والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (1)

 - رجل منافق يظهر الإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله متعمّداً...

 
- ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمّد كذباً، فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه، فيقول: أنا سمعته من رسول الله...
 
- ورجل ثالث سمع من رسول الله شيئاً أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ...
 
- وآخر رابع لم يكذب على رسول الله، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه..."1
 
اهتمام أصحاب المعصوم عليه السلام بتدوين الوحي
إنّ مجموع هذه العناصر الذهنية والنفسية التي يعيشها البشر عن قصور أو تقصير، دعت النبي وأهل البيت عليهم السلام إلى التأكيد على أهمّية الصدق في الإخبار والأمانة في النقل والدقّة في الاستماع والحفظ للوحي والعمل على الكتابة والتدوين له، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام، قَالَ: "الْقَلْبُ يَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابَةِ"2، وعنه عليه السلام: "اكْتُبُوا، فَإِنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ حَتَّى تَكْتُبُوا"3. وأكّدوا على إسناد الحديث إلى قائله، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام، قَالَ: "قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: إِذَا حَدَّثْتُمْ بِحَدِيثٍ فَأَسْنِدُوه إِلَى الَّذِي حَدَّثَكُمْ، فَإِنْ كَانَ حَقّاً فَلَكُمْ، وإِنْ كَانَ كَذِباً فَعَلَيْه"4.
 
وفي هذا السياق، نهضت نخبة من أصحاب المعصوم عليه السلام إلى الاهتمام بحفظ الحديث وضبطه وتصحيحه والتدقيق فيه والتورّع عن التغيير والتبديل ولو بكلمات مرادفة... ومع ذلك، تعرّض نقل الحديث من قبلهم إلى بعض المسارات التي لعبت دوراً في إيجاد خلل في النقل، منها: تصرّف الرواة في كلام المعصوم عبر نقلهم إياه بالمعنى دون اللفظ.



1 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 63.
2 م.ن.، ص 52.
3 م.ن.
4 م.ن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
275

222

الدرس الرابع والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (1)

 والأئمّة عليهم السلام قد أقرّوا هذا النوع من النقل، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: "قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام: أَسْمَعُ الْحَدِيثَ مِنْكَ فَأَزِيدُ وأَنْقُصُ؟ قَالَ عليه السلام: "إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مَعَانِيَه فَلَا بَأْسَ"1. وعَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ، قَالَ: "قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام: إِنِّي أَسْمَعُ الْكَلَامَ مِنْكَ فَأُرِيدُ أَنْ أَرْوِيَه كَمَا سَمِعْتُه مِنْكَ فَلَا يَجِيءُ؟ قَالَ عليه السلام: "فَتَعَمَّدُ ذَلِكَ"؟ قُلْتُ: لَا. فَقَالَ: "تُرِيدُ الْمَعَانِيَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَلَا بَأْسَ"2.

 
ومنها: اختلاف دواعي الناقلين في نقل تمام القضية وإسقاط بعضها3. وقد أقرّ الأئمة عليهم السلام بعض أنواع هذا النقل، فعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: "قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام: يَجِيئُنِي الْقَوْمُ فَيَسْتَمِعُونَ مِنِّي حَدِيثَكُمْ فَأَضْجَرُ ولَا أَقْوَى؟ قَالَ: "فَاقْرَأْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِه حَدِيثاً ومِنْ وَسَطِه حَدِيثاً ومِنْ آخِرِه حَدِيثاً"4.
 
فضلاً عن عوامل أخرى كظاهرة التدرّج في تبليغ الأحكام، والنسخ كما تقدّم في رواية الإمام علي عليه السلام، والغفلة والسهو عن بعض التفاصيل في النقل، أو فصل الحديث عن سياقه الوارد فيه، أو التقية... من العوامل التي سلّط الضوء عليها علماء الحديث والدراية وأصول الفقه وعالجوها في كتبهم التخصّصية5. وهذه العوامل مجتمعة أدّت إلى وجود حالة التعارض بين النصوص، والاضطراب، والقلب6... 
 
دوائر العلاقة بين الواصل والصادر
يتلخّص ممّا تقدّم، أنّ ما وصل إلينا، نحن البعيدون عن عصر صدرو النصّ، يصنّف ضمن خمس دوائر: 
الأولى: أن يكون ما وصل إلينا هو عين ما صدر عن المعصوم لفظاً، حرفاً بحرف. 
 
والثانية: أن يكون ما وصل إلينا قد نقل بالمعنى والمضمون دون اللفظ بعينه. 



1 الشيخ الكليني، الكافي، ص 51.
2 م.ن.
3 الخميني، روح الله الموسوي، الرسائل، مع تذييلات لمجتبى الطهراني، مؤسسة اسماعيليان - للطباعة والنشر والتوزيع، مؤسسة اسماعيليان، 1385هـ.ش.، لا.ط، ج 1، ص 15.
4 الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 51.
5 الهاشمي، محمود، بحوث في علم الأصول، تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام، 1426هـ - 2005م، ط 3، ج 7، ص 28 وما بعد.
6 يراجع: بركات، أكرم، دورس في علم الدراية، ص 89 وما بعد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
276

223

الدرس الرابع والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (1)

 والثالثة: أن يكون ما وصل إلينا صدر عن المعصوم، لكن نُقِل سهواً أو عمداً مع زيادة أو نقصان أو تحريف أو تصحيف... 


والرابعة: أن يكون ما وصل إلينا لم يصدر أصلاً عن المعصوم، وإنّما هو موضوع مكذوب عليه جملة وتفصيلاً. 

والخامسة: أن يكون ما صدر عنه لم يصل إلينا أصلاً، بسبب تلفه وغيابه وضياعه، حيث فقد العديد من الأحاديث والروايات والقرائن المتّصلة والمنفصلة، لمنع كتابة الحديث وإتلاف الكتب... من العوامل المذكورة في محلّها.

النتيجة: التثبت من مطابقة الواصل للصادر، بحيث تصبح أوّل مهمّة للباحث الذي يريد الخوض في ميدان المعارف الدينية هي التثبّت والتأكّد من المطابقة بين عالم الإثبات وعالم الثبوت، بمعنى أن يتحقّق من كون الواصل إليه من النصوص الدينية هو عينه الصادر عن المعصوم عليه السلام.

وبما أنّ الوحي المبلّغ ينقسم إلى قسمين: الكتاب والسنّة، يقع البحث عن النصّ الديني من جهتين: الأولى: من حيث كونه قرآناً. والثانية: من حيث كونه حديثاً ورواية.

كيف نثبت صدور الخبر والرواية عن المعصوم بطريق موثوق؟
إنّ أوّل مهمّة تقع على عاتق الباحث هي العمل على إثبات كون الواصل إليه هو حديث أو رواية صادرة عن المعصوم عليه السلام، أي التثبّت والتأكّد من أنّ الواصل هو عينه الصادر من خلال طريق موثوق به، لأنّ الخبر الحجّة الذي له شأنية تجعله صالحاً للاعتماد عليه في عملية الاستدلال على المعارف الدينية، هو ليس مطلق الخبر الواصل عن المعصوم، بل خصوص الخبر الذي ثبت كونه صادراً عن المعصوم بطريق موثوق، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود الدسّ والتزوير والكذب والتحريف... ممّا تقدّم ذكره. 

وقد قسّم علماء الحديث والدراية وعلماء أصول الفقه الخبر الصادر عن المعصوم إلى قسمين: الخبر المتواتر، وخبر الواحد.

والخبر المتواتر: هو كلّ خبر تنقله جماعة كثيرة يمتنع اتّفاقهم على الكذب، بنحو يفيد لدى الباحث القطع والجزم بصدوره عن المعصوم بدرجة يزول عن النفس احتمال أن لا يكون كذلك. وبناء عليه، إنّ الخبر الثابت بطريق التواتر هو مرويّ بطريق موثوق علمي، 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
277

224

الدرس الرابع والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (1)

 فيمكن الاعتماد عليه في عملية الاستدلال على المعارف الدينية في جميع الميادين العقائدية والأخلاقية والفقهية والتاريخية... باتّفاق العلماء.


أما خبر الواحد: فهو كلّ خبر لا يبلغ حد التواتر، وإن كان المُخبِر أكثر من واحد، بمعنى أنّه خبر من شأنه أن يفيد الظنّ بالصدور دون العلم والقطع، بحيث يبقى احتمال المخالفة قائماً وموجوداً. وبما أنّ خبر الواحد لا يفيد إلا الظنّ، فليس كلّ خبر ظنّي حجّة، بل خصوص الخبر الظنّي الثابت بطريق موثوق، لأنّه هو الذي قام الدليل القطعي على جواز الاعتماد عليه.

1- ضرورة التحقيق في أحوال الرواة:
فتتأكّد الحاجة في مثل هذا النوع من الأخبار للتدقيق في أحوال الرواة للسند المنقولة الرواية بواسطتهم، وعلم الرجال هو العلم المتكفّل بدراسة القواعد العامّة لمعرفة أحوال الرواة والبحث عن صفاتهم والتعرّف إليهم من حيث كونهم عدولاً وموثقين أو مذمومين ومهملين ومجهولين... لقبول روايتهم وجواز الاعتماد على قولهم أو عدمه.

وفي هذا السياق، وانطلاقاً ممّا تقدّم، ننبّه الباحث، إلى أنّه ليس كلّ خبر أو رواية يمكن الاعتماد عليه في عملية الاستدلال على المعارف الدينية، بل لا بدّ من التحقّق من أمرين:
الأول: أنّ الكتاب الواردة الرواية فيه، هو كتاب حديثي يعتمد عليه العلماء، لأنّه ليس كلّ كتاب فيه رواية يمكن الاستناد إليه، وليس كلّ كتاب روائي يمكن الاعتماد عليه، بل هناك كتب مخصوصة لأخذ الرواية منها.

الثاني: التدقيق في سند الرواية نفسها الواردة في الكتاب، حتى لو كان معتمداً عليه، لأنّه لا يوجد عند علماء الشيعة كتاب صحيح من أوّله إلى آخره، بل كلّ كتاب في التراث الحديثي الشيعي فيه الصحيح وغيره. وبناءً عليه، تحتاج كلّ رواية رواية للتأكّد من سندها الخاصّ. 

2- خطوات تحقيق سند الرواية:
ولأجل تحقيق هذا الهدف هناك عدّة خطوات على الباحث أن يسلكها:
أ- كما قلنا، التأكّد من كون الكتاب الذي يراد الاستناد إليه من الكتب المعتمدة في أخذ الأخبار منها والرجوع إلى المصادر الأساسية.

ب- العمل على إثبات صحّة نسبة الكتاب المدوّنة فيه الأحاديث إلى مؤلّفه، أي التحقّق
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
278

225

الدرس الرابع والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (1)

 مثلاً من صحّة نسبة النسخة الموجودة من كتاب الكافي إلى الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، أو النسخة الموجودة من كتاب التوحيد للشيخ محمد بن علي الصدوق... كما في اعتماد بعض الباحثين مثلاً على النسخ الإلكترونية مجهولة المصدر.

 
ج. بعد إثبات صحّة نسبة النسخة إلى المؤلّف، يبدأ الباحث بالتحقّق من سلسلة إسناد الحديث، أي دراسة أحوال الرجال الواقعة أسماؤهم في سند الحديث من حيث الجرح والتعديل.
 
مثال: ينظر الباحث في كتاب الكافي، فيجد أنّ محمد بن يعقوب الكليني يروي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: "عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً، لم تُرَ كاشرة1 ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرّتين: الاثنين والخميس..."2.
 
فيدرس شخصيات السند من خلال مراجعة أسمائهم في كتب الرجال، فيجد أنّهم من العدول والثقات والممدوحين، فيحكم باعتبار السند وحسنه، وتصبح الرواية لها شأنية الاعتماد عليها في عملية الاستدلال على مشروعية زيارة قبور الشهداء.
 
3- مصادر تعيين حال الراوي:
ومن الكتب المعتمدة عند الشيعة في تعيين حال الرواي:
- فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة المشتهر برجال النجاشي، للشيخ أحمد بن علي النجاشي الكوفي.
- اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي، للشيخ محمد بن الحسن الطوسي.
- الفهرست، أيضاً للشيخ محمد بن الحسن الطوسي.
- جامع الرواة، لمحمد بن علي الأردبيلي.
- معجم رجال الحديث، للسيد أبو القاسم الخوئي.
... وغيرها.



1 كاشرة: من الكشر، أي التبسم.
2 الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 228.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
279

226

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)



أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف ميادين حجّية الأخبار في المعارف الدينية.
2- يفهم قواعد المنهج النقلي وخطواته.
3- يطبّق أهمّ قواعد المنهج النقلي في نموذج بحثي مختصر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
281

227

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 قواعد وخطوات المنهج النقلي

مع أنّ قواعد وخطوات وشروط هذا المنهج كثيرة ومسهبة، فإنّنا سنكتفي بتسليط الضوء على أهمّ هذه القواعد بما ينسجم مع مستوى هذا الكتاب:

 

اعتماد منهج التحقيب التاريخي في استخراج الروايات
قلنا: من النقاط الرئيسة في المنهج النقلي الاعتماد على الكتب المعتبرة، وفي هذا السياق ينبغي على الباحث أن يتحرّك في ضوء منهج التحقيب التاريخي للكتب الحديثية، بمعنى أن يبدأ من الكتب الأقرب إلى زمان المعصوم، لأنّها أكثر موثوقية، ثم يتدرّج في الزمان صعوداً وصولاً إلى الموسوعات الحديثية المعاصرة.

فمثلاً إذا استطاع الباحث تخريج الرواية من كتاب الكافي للكليني، عليه أن لا يقوم بتخريجها من كتاب الاستبصار للطوسي إذا كانت موجودة في الكافي، وإذا استطاع تخريجها من كتاب الاستبصار للطوسي عليه أن لا يقوم بتخريجها من كتاب وسائل الشيعة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
283

228

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 للحرّ العاملي، وإذا استطاع تخريجها من الوسائل عليه أن لا يخرّجها من كتاب جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي... وهكذا.

 
وبناءً عليه، على الباحث إذا وجد رواية في كتاب من الكتب المعاصرة أو المتأخّرة، أن لا ينقلها من هذا الكتب، بل يرجع إلى المصادر الأولى التي تمّ نقل الرواية منها، لأنّه قد تكون الرواية في المصدر الأصلي مختلفة عمّا هي عليه في المصدر الناقل لها. وفيما يلي نماذج من الكتب الروائية (انظر الهامش)1



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
284

229

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 ميادين حجّية الأخبار في المعارف الدينية

ذكرنا سابقاً، أنّ العلماء اتّفقوا على صلاحية الخبر المتواتر للاستدلال به في كافّة ميادين المعارف الدينية للعلم بصدوره عن المعصوم، لكن يبقى النقاش حول الخبر المتواتر من جهة ثانية، وهي جهة الدلالة الظنّية لمتنه أولاً، كما يبقى النقاش حول صلاحية الاعتماد على الخبر الواحد، كونه ظنّي السند والدلالة.
 
حيث تنقسم دلالة الجملة على المعنى في اللغة العربية إلى ثلاثة أقسام:
1- النصّ: وهو أن تفيد الجملة الكشف التامّ العلمي في دلالتها على المعنى الذي يريده المتكلِّم بشكل جدّي، بحيث ينسد باب احتمال إرادة معنى آخر من الكلام.
 
2- الظاهر: أن تفيد الجملة الكشف الناقص الظنّي في دلالتها على المعنى المراد للمتكلّم، بحيث يبقى احتمال المعنى المغاير والمخالف موجوداً، إلا أنّ المعنى الأول له الأرجحية على الثاني.
 
3- المجمل: أن لا تفيد الجملة ترجيح أحد المعنيين (أو المعاني) على الآخر، بل تتساوى نسبة دلالة الجملة على المعاني المرادة في ذهن المخاطَب. 
 
والروايات المتواترة، بل القرآن الكريم أيضاً، رغم كونه قطعي السند والصدور، إلا أنّ أغلب دلالته من حيث المتن ظنّية، بمعنى أنّ الباحث في المتن الروائي أو القرآني لتفسيره واستخراج المعاني منه، يصل إلى الكشف الظنّي عن المراد الجدّي لله والمعصوم في كلامه. ويشهد على ذلك، تعدّد الآراء التفسيرية واختلاف الاجتهادات في فهم مدلولات الآيات والروايات حتى بين علماء المدرسة العقائدية والفقهية والتفسيرية الواحدة.
 
والنقطة السابقة تطرح أمام الباحث إشكالية منهجية، انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾1، وقوله عزّ وجلّ: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾2، وهي كيف يعتمد الباحث على المنهج الاستدلالي النقلي في حين لا يفيد متنه إلا الظن بالنتيجة؟! وكيف يمكن للمدلول الظنّي أن يمتلك المشروعية الاستدلالية في إنتاج قضايا المعرفة الدينية في أيّ مجال من المجالات؟!



1 سورة يونس، الآية 36.
2 سورة الإسراء، الآية 36.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
285

230

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 حجية الظهور عند الأصوليين

وقد عالج علماء أصول الفقه هذه الإشكالية في أبحاثهم بنحو وافٍ، مقررين أنّ الظهور حجّة، استناداً إلى سيرة أصحاب النبي والأئمّة عليه السلام، الذين كانوا يستدلّون بالآيات القرآنية والروايات على مختلف المطالب المعرفية، على مرأى ومسمع من النبي والإمام، من دون أن يبدي المعصوم أيّ موقف سلبي من هذا السلوك الإسلامي العام، ولو لم يكن هذا السلوك مرضيّاً لنهى عنه المعصوم وبيّن موقفه الرافض له1.
 
وانطلاقاً مما تقدّم، اتّفق الأصوليون على مشروعية الاعتماد على الظهور في ميدان الاستدلال الفقهي والأخلاقي والتاريخي... لكن، وقع النقاش في الاعتماد على الظهور في عملية الاستدلال العقائدي خاصّة، ومرجعيّة الخلاف في هذه النقطة إلى أنّ الظهور كشف ظنّي عن مراد المتكلم وبالتالي، بما أنّ أصول العقيدة يطلب فيها تحصيل العلم والمعرفة، فلا يصلح استخدام الظهور الظنّي في عملية الاستدلال العقدي المطلوب فيه تحصيل اليقين بالنتيجة.
 
وقد أجاب العديد من علماء مدرسة الأصول المعاصرين عن الإشكالية المطروحة، من خلال التمييز بين ثلاث دوائر للدراسات العقائدية:
الأولى: قضايا عقائدية يجب تحصيل المعرفة واليقين فيها بحكم العقل، مثل وجود الله تعالى وصفاته الثبوتية الكمالية والنبوّة...
 
الثانية: قضايا عقائدية يجب تحصيل المعرفة فيها انطلاقاً من حكم الشرع بذلك، مثل المعاد الجسماني.
 
والثالثة: قضايا عقائدية لا يجب تحصيل المعرفة فيها، بل يكفي الوصول إلى الظنّ، مثل تفاصيل عالم ما بعد الموت...
 
وبناءً على هذا التقسيم المنهجي، تصبح مشروعية البحث الاستدلالي من خلال الظهور على المسائل المطروحة في القسم الثالث بغاية الوضوح. ويبقى الكلام في القسمين الأول والثاني، وقد أجابوا عن القسم الأول بأنّ ما يطلب فيه الاعتقاد عقلاً، تكون وظيفة النقل فيه توجيهية وإرشادية وليست تأسيسية، لأنّ العقل يستقل بإدراك تلك المطالب العقائدية من تلقاء نفسه، أما القسم الثاني فينظر إليه من ثلاث زوايا: 



1 يراجع: الهاشمي، بحوث في علم الأصول، ج 4، ص 284.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
286

231

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 الأولى: أن تكون الآيات القرآنية أو الروايات قد ذكرت الاستدلال على المطلب العقائدي، فحينها لا يكون الاعتقاد بمضمون الآية تعبّدياً محضاً، بل هو اعتقاد وليد الدليل الذي ذكرته الآية أو الرواية، كما في برهان التمانع في إثبات صفة الوحدانية لله تعالى، أي قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾1، وكما يلاحظ أيضاً في العديد من خطب أمير المؤمنين في نهج البلاغة. 

 
والثانية: أسّس بعض علماء أصول الفقه قاعدة مفادها أنّ تراكم الظنون حول محور واحد يفيد القطع بالنتيجة، بمعنى أنّه لو كانت كلّ آية أو رواية بحدّ نفسها تفيد الظنّ بالمطلب العقائدي، إلا أنّ ضمّ المدلولات الظنّية النقلية بعضها إلى بعضها الآخر وتجميعها حول محور واحد يفيد العلم بالنتيجة، وبذلك يمكن الاستدلال بالظهورات المتراكمة حول محور واحد لإفادتها العلم بالنتيجة.
 
والثالثة: أنه غالباً ما يحيط بالآية أو الرواية مجموعة من الشواهد العقلية والنصوص الروائية الأخرى التي تعتبر قرائن تحتف بالآية لإفادة العلم بالمطلوب في إثبات القضية العقائدية.
 
هل يمكن الاستدلال بالنقل على العقائد؟
نعم، يبقى أن نشير إلى أنّه لا يمكن الاستدلال بالنقل -كتاب وسنّة- على مطالب عقائدية تتوقّف صحّة القرآن والسنّة وعصمتهما عليها، لأنّه تستلزم الدور في الاستنتاج، وهو ممتنع.
 
القضايا العقلية التجويزية ودور النقل في إثباتها
أشرنا في الدروس السابقة إلى أنّ العقل قادر بنحو مستقلّ على إدراك القضايا الوجودية والمعرفية والأخلاقية والرياضية والمنطقية والسياسية... وهذه القضايا التي يملك العقل قدرة ذاتية على إدراكها من دون الاستعانة بأيّ مصدر خارجي يمكن أن نصطلح عليها اسم: المستقلّات العقلية، ويمكن تصنيفها إلى قسمين أو ثلاثة:
1- القضايا الإيجابية: أي إنّ العقل يدرك من تلقاء نفسه ضرورة ثبوت المحمول للموضوع، مثل: الله موجود، النبي معصوم...



1 سورة الأنبياء، الآية 22.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
287

232

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 2- القضايا السلبية: أي إنّ العقل يدرك من تلقاء نفسه ضرورة سلب المحمول عن الموضوع، مثل: الله ليس له شريك في ذاته، الله ليس ظالماً...

 
3- والقسم الثالث، هو القضايا التجويزية: أي إنّ العقل يدرك جواز الشيء دون الحكم عليه سلباً أو إيجاباً، وهذه القضايا على نحوين:
الأول: أن يلتفت العقل بشكل مستقلّ إلى أطراف القضية، ويدرك من تلقاء نفسه تساوي نسبة الوجوب والسلب فيها، من دون ترجيح لأحد الطرفين على الآخر في نظره استقلالاً، أي يحكم العقل بأنّها ممكنة من دون أن يوجبها أو يمنعها.
 
والثاني: أن لا يدرك العقل من تلقاء نفسه تعادل طرفي القضية، لعدم التفاته الاستقلالي لها، ولكن إذا عرضت القضية عليه من مصدر خارجي يحكم بجوازها، من دون أن يرى وجوبها أو امتناعها.
 
وفي هذا النوع من القضايا تكون وظيفة النقل -كتاب وسنّة- إرفاد العقل بالمعطيات الوحيانية التي تخرج القضية من حدّ التجويز إلى حدّ الوجوب أو الامتناع مثلاً.
 
نماذج تطبيقية على القضايا التجويزية:
- يقول ابن سينا: يجب أن يُعلَم أنّ المعاد منه ما هو منقول من الشرع ولا سبيل إلى إثباته إلا عن طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة وهو الذي للبدن عند البعث... ومنه ما هو مدرك بالعقل والقياس البرهاني، وقد صدّقته النبوّة، وهو السعادة والشقاوة الثابتتان بالقياس اللتان للأنفس...1.
 
- ويقول المحقّق الطوسي في تجريد الاعتقاد: وعذاب القبر واقع لإمكانه، وتواتر السمع بوقوعه. وسائر السمعيات من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب ممكنة، دلّ السمع على ثبوتها فيجب التصديق بها2.
 
- ويقول الشيخ حسن زاده آملي: البحث عن تكامل النفوس بعد انقطاعها عن هذه 



1 أبو علي سينا، الشفاء - الإلهيات، راجعه وقدم له: الدكتور ابراهيم مدكور، تحقيق الأستاذين: الأب قنواتي و سعيد زايد، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، لا.مط، 1404هـ، لا.ط، ص 423.
2 العلامة الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق آية الله حسن زاده الآملي، قم، مؤسسة نشر الإسلامي، 1417هـ، ط 7، ص 424.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
288

233

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 النشأة في برازخها... إنّما كان من قبل الشرائع الإلهية، وإلّا فالعقل وحده لا يحكم بذلك، وبعدما نطق به الشرع تصدّى العقل لإقامة البرهان عليه وتعرّض بوجدان السبيل إلى دليله1.

 
وانطلاقاً مما تقدّم، على الباحث في الأدلّة النقلية لإثبات موضوع ما، أن يثبت في البداية على المستوى المنهجي الجواز العقلي لمضمون القضية المراد الاستدلال عليها، وإلا لو حكم العقل بامتناعها لا تصل النوبة إلى عملية الاستدلال النقلي، لأنّ ما يحكم العقل باستحالته يمتنع إقامة الدليل النقلي على وقوعه كما سيأتي.
 
التثبّت من سلامة متن الرواية
من أهمّ النقاط في عملية الاستدلال النقلي الروائي، التثبّت من سلامة متن الرواية، والمقصود بمتن الرواية ألفاظ الحديث التي يتقوّم بها معناه، لأنّ التأكّد من سند الرواية لا يغني عن التثبّت من سلامة متنها، إذ قد تكون الرواية منقولة بسند صحيح، ولكن مع ذلك قد يوجد بعض الخلل أو التحريف أو الإسقاط... في متنها، وقد تكفّل علم الدراية بالبحث عن متن الرواية، ولذا عرّف بأنّه: علم يبحث فيه عن سند الحديث2 ومتنه..."3، بمعنى أنّ هناك حالات تعتري متن الحديث، مثل الاضطراب، كأن يروى متن الحديث مرّة على وجه، وأخرى على وجه آخر مخالف للأول، وكالقلب كأن يقلب بعض متن الحديث إلى بعض آخر، كأن يجعل الصدر ذيلاً أو الذيل صدراً، والموضوع وهو الحديث المختلق والمفترى الذي لا أصل له ولم يقله المعصوم عليه السلام... 
 
فعلى الباحث التأكّد من سلامة المتن من العيوب حتى يصلح التمسّك به في عملية الاستدلال، وهناك عدّة آليّات للتأكّد من سلامة المتن، كمقارنة متن الحديث في أكثر من مصدر أو في أكثر من نسخة لمصدر واحد، أو من خلال مخالفته للقرائن السياقية، أو لقواعد اللغة العربية... 



1 الآملي، الشيخ حسن زاده، سرح العيون، ص 821.
2 ويختلف علم الدراية في بحثه عن سند الحديث عن علم الرجال، بأنّ الأوّل يبحث عن تصنيف الحديث بعد معرفة أحوال الرجال، فإن كانوا عدولاً مثلاً، يقول علم الدراية: الحديث صحيح...
3 البهائي، محمد بن الحسن، الوجيزة في علم الدراية، قم، منشورات مكتبة بصيرتي، ص 4.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
289

234

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 مثال: ونضرب نموذجاً لتوضيح الفكرة، فقد يعثر الباحث مثلاً على رواية في كتاب معاصر، ككتاب: الأسرة وقضايا الزواج، من تأليف الدكتور علي القائمي، ص24، بالنصّ الآتي: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "قول الرجل لزوجته إنّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً". فيقوم بتخريج تلك الرواية من المرجع المذكور، وقد خرّجها من كتاب وسائل الشيعة، وإذا بحثنا عن هذه الرواية بهذا النصّ نجد ما هو قريب منها في الترجمة العربية لكتاب حلية المتقين للعلامة محمد باقر المجلسي، ص189، ونجد أن محقّق الكتاب ومترجمه قد ذكر في تخريجه لمصدر الحديث في الحاشية رقم (3) أنّ المصدر هو وسائل الشيعة، ج14، ص10، باب3، من أبواب مقدّمات النكاح، ح9. ولكن، إذا رجعنا إلى كتاب وسائل الشيعة، وجدنا نصّ الرواية على النحو الآتي: قول الرجل للمرأة إنّي أحبك، لا يذهب من قلبها أبداً"، وهناك فرق بين اللفظين: لزوجته" و للمرأة" فبينهما عموم وخصوص مطلق، هذا مع الإشارة إلى أنّ العلامة المجلسي أقدم زماناً من الحرّ العاملي، فكيف يتمّ تخريج الرواية من مصدر متأخر زماناً، وعلى كل حال، إذا لاحظنا المصدر الذي اعتمد عليه الحرّ العاملي في تخريج الرواية نجده كتاب الكافي، وإذا رجعنا إلى الكافي نجد في ج5، ص569، كتاب النكاح، باب النوادر، ح59، نصّ الوسائل مطابقاً للمصدر أي الكافي، وهو الصحيح.


عدم مخالفة متن الرواية للأدلّة العقلية القطعية
من الأمور التي ينبغي أن يلاحظها الباحث لمحاكمة المتن ونقده، هو أن لا يكون متن الرواية معارضاً لما ثبت من القواعد العقلية اليقينية، فمثلاً قد ثبت بالأدلّة العقلية القطعية أنّ الله تعالى مجرّد تام وليس جسماً ولا جسمانياً، فإذا كان هناك رواية فيها تشبيه وتجسيم صريح لله تعالى كوصفه بالضحك أو البكاء أو القيام أو القعود، فإنّ هذا المتن يسقط عن الاعتبار.

وبعبارة أخرى: ذكرنا سابقاً أنّ متن الرواية قد يكون نصّاً في الدلالة على المطلوب، وقد يكون ظنّيّاً، فإذا كان متن الرواية قطعياً فلا يمكن أن يعارضه دليل قطعي آخر نقلي أو عقلي، أما إذا كان متن الرواية ظنّيّاً فيمكن أن يعارضه دليل عقلي، وحينها يقدّم الدليل العقلي. يقول السيد محمد باقر الصدر: الدليل اللفظي القطعي لا يمكن أن يعارضه دليل برهاني أو
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
290

235

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 استقرائي قطعي، لأنّ دليلاً من هذا القبيل إذا عارض نصّاً صريحاً من المعصوم عليه السلام أدّى ذلك إلى تكذيب المعصوم عليه السلام وتخطئته، وهو مستحيل...

 
وهذه الحقيقة لا تفرضها العقيدة فحسب، بل يبرهن عليها الاستقراء في النصوص الشرعية ودراسة المعطيات القطعية للكتاب والسنّة، فإنّها جميعاً تتّفق مع العقل ولا يوجد فيها ما يتعارض مع أحكام العقل القطعية إطلاقاً...
 
(و) إذا عارض الدليل اللفظي غير الصريح دليلاً عقليا قطعياً برهانيا أو استقرائياً قدّم العقلي على اللفظي... ونحن هنا على ضوء الدليل العقلي القطعي نعلم بأنّ الدليل اللفظي لم يرد المعصوم عليه السلام منه معناه الظاهر الذي يتعارض مع دليل العقل، فلا مجال للأخذ بالظهور"1.
 
عدم مخالفة متن الرواية للقرآن الكريم2
من الأصول التي ينبغي على الباحث الالتفات إليها في ضوء المنهج الاستدلالي الروائي أنّ القرآن الكريم هو معيار وميزان للتثبّت من صحة متن الرواية، وهذا موضع اتّفاق جميع العلماء حتى المحسوب منهم على التيار الأخباري - بالمعنى الأعم - كالشيخ الصدوق، حيث يقول: من قال بالتشبيه فهو مشرك، ومن نسب إلى الإمامية غير ما وُصِف في التوحيد فهو كاذب، وكلّ خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل، وإن وُجِد في كتب علمائنا فهو مدلّس"3.
 
والمعصوم نفسه عليه السلام قد أرشد الناس إلى التمسّك بالقرآن واعتبره مرجعية فوقانية تُعرض عليها النصوص الدينية الروائية للتثبّت من صحّتها بموافقتها للقرآن4. منها: 
عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى فقال: أيّها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب اللَّه فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب اللَّه فلم أقله".



1 الصدر، السيد محمد باقر، المعالم الجديدة للأصول، مكتبة النجاح - طهران، مطبعة النعمان - النجف الأشرف، 1395 هـ - 1975م، ط 2، ص 175.
2 نشير إلى وجود بحث واسع عند علماء أصول الفقه حول مفهومي موافقة ومخالفة الأحاديث والروايات للقرآن الكريم.
3 الشيخ الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية، عصام عبد السيد، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، لا.مط، 1414 هـ - 1993م، ط 2، ص 22.
4 يراجع: الهاشمي، بحوث في علم الأصول، ج 4، ص 284.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
291

236

الدرس الخامس والعشرون: المنهج الاستدلالي الروائي (2)

 وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "... وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله تعالى فهو زخرف"1.

 
نكتفي بهذا المقدار من بيان المعالم العامّة للمنهج النقلي القرآني والروائي، مع الإشارة إلى وجود قواعد عامّة كلّية وتفصيلات جزئية كثيرة في هذا المجال، أهمّها التعارض بين الأدلّة النقلية وكيفية معالجته، وجميعها يُظهِر أن عملية إنتاج المعارف الدينية في ضوء الأسلوب الاستدلالي ليست أمراً بسيطاً، بل تحتاج إلى دراسة العديد من العلوم.



1 الكليني، الكافي، ج1، ص69.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
292

237

المبحث الأول: أصول تحقيق المخطوطات (1)

 ماهية المخطوط والتراث

المخطوط، وجمعه مخطوطات، عبارة عن كتاب أو رسالة مكتوبة بخطّ مؤلّفها الأصلي أو النساخ، أي لم تطبع بعد، ويقابله المطبوع وهو الكتاب المنسوخ بالمطبعَة1.
 
والتراث، لغةً، هو كلّ ما يرثه الإنسان من أسلافه من مادّيات ومعنويات2. وحينما يقال "تحقيق التراث" يراد من كلمة "التراث" في هذه العبارة الكتب المخطوطة التي ورّثها السلف للخلف. وتحقيق التراث، هو العلم الذي يبحث فيه عن قواعد نشر المخطوطات. بمعنى آخر: هو دراسة قواعد نشر المخطوطات.
 
المراحل التطوّرية لتحقيق المخطوطات
بدأت دراسة المخطوطات في القرن الخامس عشر الميلادي، في أوروبا وكانت في طور نشأتها الأولى صناعة تحترف للكسب المعيشي وعملاً يمارس لإحياء التراث الثقافي، ثم تحوّلت من خلال ما مرّت به من تجارب عملية إلى علم له أصوله وقواعده، بدءاً من جمع نسخ المخطوط ومقابلتها، وصولاً إلى تدوين الاختلافات بين النسخ في الهوامش.
 
ثم أدرجت دراسة وتحقيق المخطوطات، فيما بعد، كمقرّر دراسي في مناهج الدراسات الجامعية.
 
والجدير بالذكر، أن العلماء المسلمين، قد عرفوا معظم القواعد المتعلّقة بعلم تحقيق المخطوطات، إذ كانوا يتحرّون عن صحّة نسبة النصّ إلى صاحبه، ويهتمّون بضبطه وتوثيقه، ويقابلون بين أوجه روايات النصّ المختلفة، لانتقاء أوثقها.



1 مجمع اللغة العربية بالقاهرة, المعجم الوسيط, القاهرة، 1972م, ط2, ص 224. والمطبعة - بكسر الميم - آلة الطباعة للكتب وغيرها ج- مطابع. والمطبعة - بفتح الميم - المكان المعدّ لطباعة الكتب وغيرها... ومجتمع الآلات المستعملة في الطباعة ج- مطابع.
2 يراجع: ابن منظور, لسان العرب, ج 2, ص 199.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
297

238

المبحث الأول: أصول تحقيق المخطوطات (1)

 شروط التحقيق

 
1- الشروط المتعلّقة بالمحقِّق:
أ- الشروط العامّة:
لا بدّ لمن يريد ممارسة عمل تحقيق المخطوطات1، أن يتحلّى بالأوصاف الآتية، وهي:
- أن يكون عارفاً باللغة العربية معرفة وافية (إذا كان المخطوط باللغة العربية).
 
- أن يكون على علم بأنواع الخطوط العربية وأطوارها التاريخية.
 
- أن يكون على دراية كافية بالبيبليوجرافيا2 العربية وفهارس وقوائم الكتب العربية.
 
- أن يكون عارفاً بقواعد تحقيق المخطوطات وأصول نشر الكتب.
 
- أن يكون ملمّاً بعلامات الترقيم3 والاختصارات4 التي تُعتمد في المؤلّفات القديمة، والتي تُعرف بالرجوع إلى مقدّمة الكتاب.
 
- أن يكون صاحب ثقافة عامّة.
 
ب- الشروط الخاصّة:
على المحقّق أن يكون عالماً متخصّصاً بموضوع المخطوط أو النصّ الذي يريد تحقيقه.
فمن يريد - مثلاً - تحقيق ونشر مخطوط في علم النحو العربي عليه:
- أن يكون من المتخصّصين بعلم النحو العربي.
 
- أن يكون ذا ثقافة واسعة باللغة العربية، علومها وآدابها وتاريخها.



1 المقصود هنا هو المخطوط العربي، وإلا إن كان المخطوط بغير اللغة العربية , فلا بدَّ للمحقق إتقان اللغة المتعلّقة بالمخطوط.
2 البيبليوغرافيا: كلمة يونانية معرّبة، وتعني وصف الكتاب, أي تحديد البيانات المتعلّقة به كعنوان الكتاب وعدد الصفحات وتاريخ النشر...
3 راجع الدرس 17-: علامات الترقيم.
4 الاختصارات هي: الخ إلى آخره, ح حينئذ, فلانم فلا نسلم, أهـ انتهى, هف هذا خلف, مم ممنوع, تع تعالى, ص صلّى الله عليه وآله وسلّم, صلم صلّى الله عليه وآله وسلّم, صلع صلّى الله عليه وآله وسلّم, صلعم صلّى الله عليه وآله وسلّم, ع عليه السلام, رض رضي الله عنه, رضه رضي الله عنه, رح رحمه الله, رحه رحمه الله, ثنا حدثنا, قثنا قال حدثنا, أنا أخبرنا, أنبا أنبأنا, س سؤال, جـ جواب, جـ جزء, جـ جمع, مجـ مجلّد, م مفرد, فح فحينئذ, عم عليه السلام, ص أصل, ش شرح, المص المصنف, الظه الظاهر, وظـ وظاهر, المقصـ المقصود, للشـ للشارح, صحـ صحح, ق. م قبل الميلاد, م التاريخ الميلادي, هـ التاريخ الهجري, ص صفحة, س سطر, خ ل نسخة بدل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
298

239

المبحث الأول: أصول تحقيق المخطوطات (1)

 - أن يكون ذا دراية بتاريخ النحو والنحاة.

 
- أن يكون ذا معرفة مجزية بالعلوم الأخرى التي دخلت الدراسات النحوية وتفاعلت مع علم النحو أخذاً وعطاءً، كالمنطق والفلسفة والفقه وأصوله وعلم الكلام وما إليها.
 
- أن يكون ذا إلمام كافٍ بالمكتبة النحوية المطبوعة والمخطوطة.
 
- أن يكون ذا خبرة بلغة النحاة وأساليبهم في مؤلّفاتهم والمنقول عنهم.
 
وهكذا في باقي الميادين المعرفية والحقول التخصّصية.
 
2- الشروط الواجب توفّرها في مخطوط الرسالة:
أ- أن يكون المخطوط موضوع الدراسة، لم يحقّق من قبل تحقيقاً علمياً، ولم ينشر أو يُطبع1، أو نُشر من قبل لكنّ تحقيقه كان غير مستوفٍ لشروط التحقيق، فيمكن للباحث حينها إعادة تحقيقه بالشكل العلمي المطلوب، لإخراجه إلى النور.
 
ب- أن يكون للمخطوط قيمة علمية في المجال الذي ينتمي إليه، إذ إنّ هناك الكثير من المخطوطات التي لا تستحقّ أن تكون موضوعاً للتحقيق والدراسة، إمّا لقلة أهميّة المخطوط وفائدته العلمية، وإمّا لاقتباس مضمون المخطوط واستهلاكه، من قبل الباحثين المعروفين في مصنفاتهم.
 
مقدّمات التحقيق
بعد التأكّد من استيفاء المخطوط لشروط التحقيق، وتوفّر الشروط العامّة والخاصّة في المحقّق، يشرع المحقّق بتنفيذ خطوات التحقيق، ويقوم قبل ذلك بإعداد بعض المقدّمات التي تجعل عمله التحقيقي متقناً ودقيقاً، وهذه المقدّمات هي كالآتي: 
1- جمع النسخ:
عادة ما يكون للمخطوط نسخ متعدّدة منتشرة في أماكن متفرقة، فعلى المحقّق أن يبذل أقصى الوسع لتحديد أماكن تواجد نسخ المخطوط الذي يراد تحقيقه ونشره، ليتمّ جمع النسخ لاحقاً، ويمكن للمحقّق أن يتعرّف إلى أماكن النسخ من خلال قيامه بالخطوات الآتية:



1 لمعرفة أن المخطوط مطبوع أو غير مطبوع نرجع إلى مظان الكتب المطبوعة من فهارس ودوريات وسلاسل تُعنى بالمخطوطات.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
299

240

المبحث الأول: أصول تحقيق المخطوطات (1)

 أ- مراجعة المصادر التي تُعنى بفرسهة المخطوطات، مثل كتاب: الذريعة إلى تصانيف الشيعة للآغا بزرك الطهراني، أو كتاب كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون لحاجي خليفة...

 
ب- مراجعة فهارس المكتبات الوطنية المختلفة، مثل: دار الكتب الوطنية في بيروت، مكتبة جامعة الأزهر بالقاهرة، المكتبة المركزية بجامعة طهران، مكتبة المرعشي النجفي في قم...

ج- الاتّصال بالمكتبات، عامّة وخاصّة، عن طريق المراسلة أو غيرها، والاستفسار عن المطلوب، إذ ربّما لم يدرج اسم المخطوط المطلوب أو لم يشر إلى جميع نسخه في الفهرس الذي أصدرته المكتبة.

د- الاستفسار من ذوي التخصّص والخبرة بشؤون المخطوطات، إذ قد توجد نسخة المخطوط أو نسخ منه في بعض المكتبات الخاصّة غير المشهورة أو غير المعروفة لدى الكثيرين.

2- اعتماد النسخ:
بعد الفحص عن نسخ المخطوط وجمعها، ينتهي الباحث إلى إحدى النتائج الآتية:
- العثور على نسخة واحدة فقط، لأنّها النسخة الفريدة.

- العثور على مسوَّدة الكتاب فقط، لأنّ الكتاب لم يخرج إلى المبيضة.

- العثور على نسخ متعددة متفاوتة في الأهمّية، ويمكن تصنيفها وترتيبها وفق ما لها من اعتبار.

- العثور على نسخ متعدّدة غير متفاوتة في الأهمية، فلا يمكن ترتيبها.

أ- النسخة الفريدة:
إذا كنّا بعد مراجعتنا لمكان وجود نسخ المخطوط الذي نريد تحقيقه لم نعثر له إلّا على نسخة واحدة، فتعتبر تلك النسخة هي الأصل أو الأم، وتعتمد في التحقيق والنشر.

ب- النسخ المتفاوتة في الأهميَّة:
إذا عثرنا بعد الفحص عن نسخ المخطوط على أكثر من نسخة وكانت متفاوتة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
300

241

المبحث الأول: أصول تحقيق المخطوطات (1)

 في خصوصيات المفاضلة بينها، فيلزمنا هنا تصنيف وترتيب النسخ وفق ما لها من أهمّية، فتعتبر النسخة الأهمّ أصلاً وما سواها ثانوية مساعدة.

 
وتصف النسخ وترتّب من حيث الأهمّية كما يأتي:
- نسخة خطّ المؤلّف.
- النسخة التي أملاها المؤلّف على تلميذه أو تلاميذه.
 
- النسخة التي قرأها1 المؤلّف بنفسه وكتبها بخطّ يده ما يثبت قراءته لها.
- النسخة التي قرئت على المؤلّف وأثبتَ بخطّ يده سماعه2 لها.
 
- النسخة المنقولة عن نسخة المؤلّف.
- النسخة المقابلة على نسخة المؤلّف.
 
- النسخة المكتوبة في عصر المؤلّف، وعليها سماعات من العلماء مثبتة بخطوطهم.
- النسخة المستنسخة في عصر المؤلّف، وليس عليها سماعات.
 
- النسخة المكتوبة بعد عصر المؤلّف، وليس عليها سماعات.
 
أضف إلى ذلك بعض القواعد:
- النسخ الكاملة أفضل من النسخ الناقصة.
- الواضحة أحسن من غير الواضحة.
- القديمة أفضل من الحديثة3.
- النسخ التي قوبلت بغيرها أحسن من التي لم تقابل.
 
وكلّ هذا إذا كانت النسخة أو النسخ مؤرّخة، أمّا إذا كانت النسخة أو النسخ غير مؤرّخة فيرجع إلى فحص النسخ نفسها ليعرف تاريخها عن طريقه، وذلك بإجراء ما يأتي:
- اختبار الورق.



1 الإقراء أو القراءة-: هي أن يقرأ الكتاب على المؤلّف أو غيره من دون أن يكون هناك شخص آخر يستمع أو أشخاص آخرون يستمعون للقراءة.
2 السماع: هو أن تكون القراءة للكتاب بمحضر آخرين يستمعون إضافة إلى وجود القارىء والمقروء عليه. والسُماع والإقراء نوعان لإجازة المخطوط, والمقصود من الإجازة هو توثيق نسخة المخطوط المجازة.
3 إذا تعارضت نسختان إحداهما قديمة كثيرة التصحيف والنقصان والأخرى حديثة سالمة صحيحة، الاعتماد يكون على الحديثة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
301

242

المبحث الأول: أصول تحقيق المخطوطات (1)

 - اختبار الحبر.

- اختبار الخطّ.
 
أ- محاولة العثور على قرائن أخرى تضمّنها الكتاب، كاسم الناسخ، أو عبارة تشير إلى عصر نسخها في أولها أو في آخرها أو في هوامشها.
 
ب- النسخ غير المتفاوتة في الأهميَّة، وفي حالة عدم وجود مرجّحات ذات أهمّية أو اعتبار لترتيب وتصنيف النسخ، تعتمد جميع النسخ، ويسلك المحقّق في عملية التحقيق طريقة الاختيار. وتتلخّص طريقة الاختيار بأن يقوّم النص بالتلفيق وفق ما يتطلّبه السياق، شكلاً ومضموناً.

 
ج- النسخة المسودة للكتاب، تعرّف المسوّدة "بما يشيع فيها من اضطراب الكتابة واختلاط الأسطر وترك البياض والإلحاق بحواشي الكتاب وأثر المحو والتغيير، إلى أمثال ذلك"1.
 
فقد لا يعثر المحقّق إلّا على مسوّدة الكتاب الذي يريد تحقيقه، يستطيع أن يتأكّد من عدم خروج الكتاب من المسوّدة إلى المبيضة عن طريق الرجوع إلى الفهارس وأمثالها من الكتب الأخرى التي تذكر الكتاب أو مؤلّفه، فإنّها قد تنصّ على عدم تبييض الكتاب من قبل مؤلّفه بعد وضعه له بصورة مسوّدة. في هذه الحالة يكون الاعتماد في الدراسة على مسودة الكتاب.
 
3- كتابة النسخة المسوّدة الخاصّة بالمحقّق:
قبل البدء بالخطوة الأولى من خطوات التحقيق ينبغي للمحقّق أن يكتب النسخة المسوّدة الخاصّة بالمحقّق والتي سيجري عليها عمله التحقيقي. ويفضّل أن تكون على الوجه الآتي:
أ- أن يفارق بين الأسطر في الكتابة ليتسنى له أثناء عمله التحقيقي كتابة ما يريد كتابته في السطر الفارغ من زيادات وتصويبات وعلامات وغيرها.
 
ب- أن يترك فراغاً من طرفي اليمين والشمال للورقة ليتسنى له كتابة بعض الملاحظات فيها.
 
ج- أن يترك فراغاً كافياً من أسفل الورقة لكتابة الهوامش فيها، إن شاء التهميش المباشر.
 
د- أن يستعمل الورقة من وجه واحد فقط.



1 تحقيق النصوص ونشرها 30.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
302

243

المبحث الأول: أصول تحقيق المخطوطات (1)

 

 

 

 

 

 

 

303


244

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 تنفيذ خطوات التحقيق

بعد استكمال مقدّمات التحقيق يبدأ المحقّق بمرحلة تنفيذ خطوات العمل التحقيقي أو ما يُصطلح عليه بالتحقيق الابتدائي، فيتأكّد الباحثُ في الخطوة الأولى من نسبة الكتاب إلى مؤلّفه، ثم يضبط عنوان الكتاب ويتأكّد من صحته، يليه ضبطه لاسم المؤلّف أيضاً، وبعد تنفيذ الباحث لتلك الخطوات يشرع في مقابلة النسخ المتعدّدة للمخطوط (إن كان المخطوط ذو نسخ متعدّدة)، ثم يُقوّم نص الكتاب المخطوط في الخطوة الأخيرة: 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
307

245

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 1- توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلّفه:

نعني بذلك التأكّد من صحّة نسبة الكتاب إلى مؤلّفه، وسبب ذلك أنّ من الكتب ما نسب إلى غير مؤلّفه بسبب عوامل طبيعية كالرطوبة والأرضة أو غير طبيعية، كحذف اسم المؤلّف ووضع اسم آخر موضعه تعمّداً لغاية تجارية أو نفسية، أو اشتباهاً أو غفلة أو جهلاً أو غيرها.

وللتأكّد من صحّة النسبة يقوم الباحث بقراءة نصّ الكتاب المخطوط، ليعثر على ما يهديه إلى اسم المؤلّف الحقيقي أو عصره، أو ليجد ما ينفي نسبة الكتاب إلى صاحب الاسم المذكور عليه.

كما يمكن للباحث توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلّف من خلال الرجوع إلى فهارس المؤلّفين والكتب، وكتب التراجم والطبقات، وفهارس المكتبات العامّة والخاصّة. 

2- ضبط عنوان الكتاب:
الخطوة الثانية من خطوات التحقيق هي التأكّد من عنوان الكتاب وضبطه، وذلك لأنّ بعض المخطوطات قد تُفقد أو تتغيَّر عناوينها وفي كلتا الحالتين لا بدّ من محاولة معرفة العنوان الأصلي للكتاب، وذلك باتباع الطرق الآتية:
أ- قراءة الكتاب، إذ ربّما يعثر على اسم الكتاب في غضون سطوره.

ب- الرجوع إلى فهارس الكتب للوقوف على العنوان عن طريق موضوع الكتاب أو مؤلّفه.

وقد يقع الاختلاف في عنوان الكتاب أو اسمه بين نسخه المختلفة. وفي مثل هذه الحالة، على المحقّق أن يوازن بين الاسمين أو الأسماء للكتاب، ثم يختار ما ترجّحه القرائن والأدلّة.

3- ضبط اسم المؤلّف:
الخطوة الثالثة من خطوات التحقيق هي ضبط اسم المؤلّف، فقد نجد في بعض المخطوطات وقوع خطأ في اسم المؤلّف، ينتج هذا عن أحد السببين الآتيين:
أ- اشتباه اسم المؤلّف باسم آخر، إمّا لاتفاقهما بالاسم واسم الأب معاً، أو لاتّفاقهما في الكنية، أو لاتّفاقهما باللقب.

ب- الخطأ في كتابة ونسخ الاسم.

وفي هذه الحالة على المحقق أن يتأكّد من اسم المؤلّف، وذلك بالرجوع إلى كتب الفهارس والتراجم، وخاصّة الكتب التي عنيت بذكر مواضع الاشتباه في أسماء المؤلّفين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
308

246

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 4- مقابلة النسخ:

الخطوة الرابعة من خطوات التحقيق1 هي مقابلة النسخ، وهنا نرجع إلى ما ذكرناه سابقاً من أن النسخ المتعدّدة للمخطوط قد تكون متفاوتة في الأهمّية والاعتبار، وقد تكون غير متفاوتة.
 
إذا كانت النسخ متفاوتة في الأهمية والاعتبار، وقد رتّبها الباحث وفق أهمّيتها، واعتبارها، واعتمد أهمّها وأعلاها قيمة أصلاً، والبواقي نسخاً ثانوية، فإنّ طريقة المقابلة تأتي على النحو الآتي:
أ- اعتماد النسخة الأصل هي النصّ الأساسي للمخطوط.
 
ب- وضع رمزاً خاصاً بالنسخة الأصل مثل ( آ ) أو (أصل)، أو أيّ رمز آخر يشير لها الباحث كنسبة النسخة إلى ناسخها أو إلى المدينة الموجودة فيها، أو إلى المكتبة المحفوظة فيها، وما شاكل هذا، ووضع رموز خاصة بالنسخ الثانوية.
 
ج. كتابة الفروق2 بين النسخة الأصل والنسخ الأخرى في الهامش أو في الأصل مسبوقة بالرمز للنسخ:
- فإن كانت الفروق زيادة، وكانت تلك الزيادة في الأصل فقط، أو في الأصل وبعض النسخ، يرقّم الباحث أمام الزيادة، ويكتب هذه الزيادة في الهامش أمام الرقم الهامشي، بين الخطين العموديين المتوازيين، ويشير إلى عدم وجودها في النسخ الأخرى.
 
- وإن كانت الزيادة في غير الأصل، بمعنى أنّها كانت ناقصة في الأصل، وكان سياق النص يقتضيها، فتوضع في الأصل بين الخطين، ويرقّم بعدهما، ويهمّش بالإشارة إلى النسخة التي فيها هذه الزيادة. أمّا إذا كان سياق النص لا يقتضيها، فيرقّم في موضعها، ويهمّش بذكر الزيادة، والإشارة إلى النسخة أو النسخ الموجودة فيها.
 
- إن كان الفرق في الخطأ أو التحريف أو التصحيف، فسيأتي الحديث عنه في الخطوة التالية، وهي (تقويم النصّ).



1 تطبق هذه الخطوة إذا كانت النسخ التي عثر عليها الباحث متعدّدة.
2 الفروق بين النسخ تأتي بالزيادة والنقصان، أو بالخطأ أو التحريف أو التصحيف أنظر: تقويم النصّ -.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
309

247

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 إن كانت النسخ غير متفاوتة فعلى الباحث اتّباع ما يأتي:

أ- في الزيادة1 والنقصان: ينظر الباحث إن كانت الزيادة مما يقتضيه سياق النص، فعليه أن يذكرها في النصّ محصورة بين خطي الزيادة، ومرقّمة برقم التهميش، ثم يهمّش لها بالإشارة إلى النسخ التي وجدت فيها.
 
ب- في الخطأ والتحريف والتصحيف وسنتحدّث عنه في الفقرة التالية: تقويم النص.
 
5- تقويم النصّ:
أ- ما معنى التقويم؟
يراد بالتقويم معناه اللغوي الدالّ على تعديل الشيء وإصلاحه، وإزالة العوج، ويقال: قوّم الشيء تقويماً، أي عدّله تعديلاً. ويقال: قوّمته فهو قويم ومستقيم، أي عدّلته فهو معتدل. ويقال: أقامه إقامة فهو مستقيم2.
 
أما النصّ فيُراد به: متن الكتاب.
 
وتقويم النصّ يعني إبراز الكتاب كما وضعه مؤلّفه، وذلك بإصلاح ما طرأ عليه من تغيير وتبديل، وتعديل ما لحقه من درء وعوج.
 
ويُعرَّف تقويم النص أيضاً بأنَّه "تحرير النص في شكل يجعله أقرب ما يكون إلى الصورة التي كتبها مؤلّف الكتاب"3.
 
عادة ينشأ الفساد الطارئ على النصّ بحيث يصبح بحاجة إلى الإصلاح، من سهو المؤلّف، أو من غفلة الناسخ، أو جهله، أو تعمّده لغاية ما.
 
ب- الزيغ وأنواعه:
يتمثّل الزيغ الذي قد يقع في النص بالأمور الآتية:
1- التصحيف.
2- التحريف.



1 الزيادة هنا وجود الفرق في كلمة أو سطر وما شاكل في بعض النسخ، وعدم وجودها في بعضها الآخر.
2 يراجع: ابن منظور، لسان العرب، ج 12، ص 497.
3 عبد الوهاب عبد السلام أبو النور تكشيف كتب التراث -، مجلّة عالم الكتب، ج1، ص 150.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
310

248

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 - التصحيف: التصحيف مأخوذ لغة من (الصحيفة)، والصحيفة في اللغة: (الكتاب)، ومعنى التصحيف لغةً: الخطأ في الصحيفة، والمقصود الخطأ في قراءتها.


- التحريف: يُمكن أن نحدّد معنى التحريف (وفق القول بوجود فرق بينه وبين التصحيف أو عدمه) على الشكل الآتي:
الرأي الأوَّل (وجود فرق): التحريف هو التغيير في الحرف إلى حرفٍ آخر.

الرأي الثاني (عدم التفرقة): التحريف يرادف في معناه معنى التصحيف الواسع، وهو التغيير في النقط والحروف.

- الخطأ: التغيير في الكلمة أو الجملة الذي يأتي مخالفاً لقواعد الإملاء أو قواعد الصرف أو قواعد النحو أو الضوابط المعجمية، وما إلى ذلك.

ج- كيفية تحديد نوع الزيغ في النص
إنَّ معرفة وتحديد كل من التصحيف أو التحريف أو الخطأ يتطلّب الآتي:
- قراءة النص عدّة مرات بتأنٍّ وانتباه وتركيز.

- معرفة لغة المؤلّف وأسلوبه من خلال النصّ.

- مراجعة كتب المؤلّف الأخرى، إن وجدت وكانت تشارك النصّ في مادّته كلّاً أو بعضاً.

- مراجعة نصّ المؤلّفات الأخرى لغير مؤلّف المخطوط التي تشارك المخطوط في موضوعه.

وعند تعيين مواضع التصحيف والتحريف والخطأ، يقوم المحقّق بإصلاحها وفق الطريقة التي اعتمدها.

د- طريقة تقويم النصّ
يمكن للباحث أن يعتمد في كتابة التصويبات طريقتين، هما:
- الطريقة الأولى: تتمثّل بإبقاء الكلمة في النصّ على ما هي عليه من تصحيف أو تحريف أو خطأ، وترقم ويذكر التصويب في الهامش. وتستعمل هذه الطريقة في المخطوطة المنسوخة بخطّ المؤلّف، وكذلك المقروءة عليه.

- الطريقة الثانية: هي أن تصحّح الكلمة في النصّ (متن الكتاب) وترقم، وتذكر في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
311

249

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 الهامش على هيئتها من التصحيف أو التحريف أو الخطأ. وتستعمل هذه الطريقة في غير نسخة المؤلّف المخطوطة بيده أو المقروءة عليه. وربّما رفضها بعضهم وفضّل الطريقة الأولى بحجّة احترام الأصل، وعدم التدخّل في ما هو من حقّ المؤلّف لا المحقّق.


ومن الأفضل أن يشار في كلتا الطريقتين إلى نوعية التغيير الحادث للكلمة تصحيفاً أو تحريفاً أو خطأ.

مكمِّلات التحقيق ومرحلته النهائية
بعد قيام الباحث بخطوات تنفيذ تحقيق المخطوط، لا بدَّ أن يستكمل عمله بعدة أمور هي: التخريج أو إرجاع النصوص المنقولة إلى مصادرها، والتعليق على نصّ المخطوط، والتنقيط والتشكيل والترقيم، والتهميش، وإلغاء التصحيف، ووضع الفهرس في نهاية البحث، وهذه المراحل هي: 

 

1- التخريج:
التخريج عبارة عن إرجاع النصوص المنقولة إلى مصادرها التي استقاها المؤلّف منها. 

وهو مأخوذ من تخريج الحديث الذي يعني ذكر إسناده إلى مصدره... على سبيل التوسّع في الاستعمال الاصطلاحي، وخاصّة في مجال تحقيق التراث، حتى أصبح يشمل إرجاع كلّ نصّ ،حديثاً كان أو غير حديث، إلى مصدره الذي نقل عنه أو أخذ منه.

وذلك أنّ القدماء عادة لا يذكرون في تدوين مؤلّفاتهم وكتابة أبحاثهم المصادر والمراجع
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
312

250

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 التي ينقلون عنها النصوص التي يستشهدون بها أو يستخدمونها بشكلٍ ما في مادّة كتبهم.

 
ومن هنا يأتي التخريج للنصوص المنقولة1 ضرورة منهجية يفرضها واجب استكمال البحث أو مادّة الكتاب.
 
2- التعليق:
التعليق لغةً من علَّق، وعلّق على كلام غيره، أي يتعقّبه بنقد أو بيان أو تكميل أو تصحيح أو استنباط2.
 
و"تعليقة: ما يدون أو يعلّق على حاشية الكتاب من شرح أو إضافة أو استدراك أو فائدة. بمعناها: تهميشة، حاشية"3.
 
وفي ضوء ما تقدم، فالتعليقة ترادف ما كان يعرف قديماً بالحاشية.
 
وأهمّ ما يعلّق عليه هو أمثال: الكلمات اللغوية الغريبة، أو المصطلحات العلمية غير المشهورة، أو الأعلام، وخاصّة المغمورة أو المشتبهة، أو المواضع الغامضة، وإشارات المؤلّف التاريخية والأدبية والدينية وغيرها، إذا كانت غير مشهورة.
 
ومن التعليق أيضاً إكمال ما ينبغي إكماله من عبارات الكتاب، والإشارة إلى المواضع التي يحيل إليها المؤلّف في كتابه.
 
وينبغي أن لا يطيل في التعليق، وإنّما يؤتي به في حدود الضرورة والافتقار إليه، وذلك لئلّا يخرج إلى الشرح.
 
3- التنقيط والتشكيل:
 
أ- التنقيط:
لا بدّ للباحث الانتباه إلى تنقيط الحروف المعجمة، ذلك أنَّ بعض المؤلّفين القدامى لا يعتنون كفايةً بتنقيطها، والمقصود من التنقيط وضع النقاط على الحروف.



1 النصوص المنقولة تتضمّن الآيات القرآنية, والقراءات القرآنية, الأحاديث النبوية, الأقوال المأثورة, الخطب والوصايا, والأمثال, والأشعار والأرجاز, والآراء والأقوال.
2 مجمع اللغة العربية بالقاهرة, المعجم الوسيط, مادّة: علق.
3 المعجم الأدبي, ص 73.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
313

251

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 ب- التشكيل:

كما ينبغي الاهتمام بتشكيل النصّ، أي وضع الشكلة (الحركة) في موضعها من الحرف وفق قواعد العربية، وخاصّة في الآيات القرآنية الكريمة، والكلمات الغريبة، والأعلام المشتبهة من أسماء الأناسي والمواقع الجغرافية.
 
أو في المواضع التي يؤدّي فيها ترك التشكيل إلى إغلاق المعنى أو قلبه إلى معنى آخر.
 
وهناك مواضع في النصّ تتطلّب استعمال علامة المدّ ( آ ) أو استعمال علامة الإدغام ( ّ) المعروفة بالشدّة، خاصّة إذا كان تركها يوقع في اللبس واستغلاق المعنى.
 
4- الترقيم:
ويعني بالترقيم استخدام علامات الترقيم في الكتابة، ذلك لأنّ الترقيم يساعد القارىء في تيسير فهم مقاصد الكتاب ومعانيه، ولأنّ إهماله قد يؤدّي إلى شيء من الصعوبة في فهم مضامين الكتاب.
 
ولوضع أرقام صفحات الكتاب يتبع الباحث إحدى الطرق الآتية:
أ- وضع الرقم في أعلى الصفحة وسطاً.
ب- وضع الرقم في أسفل الصفحة وسطاً.
ج- وضع الرقم في أعلى الصفحة يميناً وفي الصفحة المقابلة شمالاً.
د- وضع الرقم في أسفل الصفحة يميناً وفي الصفحة المقابلة شمالاً.
 
وفي حالة اتّباع طريقة الترقيم الأعلى تترك صفحة العنوان العام بلا ترقيم.
 
- وفي ترقيم (مقدّمة المحقّق) تتبع إحدى الطرق الآتية:
أ- توحّد مع بقيّة صفحات الكتاب في الترقيم.
ب- ترقّم بأرقام تخصّها، وباتّباع إحدى الطرق المذكورة في أعلاه.
ج- ترقّم بالحروف الأبجدية فوقاً أو تحتاً.
 
5- إلغاء التصفيح:
من عادة الأقدمين أن لا يرقّموا الصفحات، فيستعيضون عن الأرقام بـ (التصفيح)، والمقصود من التصفيح هو أن يثبت الكاتب في بدء الصفحة التالية الكلمة الأخيرة من الصفحة التي قبلها"1. وهكذا، وبهذا التصفيح تتسلسل صفحات الكتاب، فعلى المحقّق أن يتنبه لذلك ويستعيض عن التصفيح بالأرقام، ويشير في مقدّمته إلى ذلك.



1 خزائن الكتب العربية لداغر 36.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
314

252

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 6- التهميش:

التهميش: مصدر الفعل (همّش) - بالتشديد - وهمّش الكتاب: علّق على هامشه... والهامش: هو حاشية الكتاب1.
 
وهي تعني عمل هوامش للكتاب، بأن يضع المحقّق رقماً أو أيّ رمز آخر أمام ما يريد تخريجه أو التعليق عليه من كلام المؤلّف، ويضع مادّة التخريج أو التعليق في الهامش.
 
7- التكشيف أو الفهرسة:
هو عمل الكشافات والفهارس، والكشّاف هو قائمة أبجدية تظهر عادة في آخر الكتاب المطبوع، وبها أسماء الأشخاص أو أماكن أو موضوعات أو غير ذلك ممّا ورد في نصّه، وأمام كلّ رقم الصفحة التي ورد بها2.
 
والفهرس هو الكتاب الذي تُجمع فيه الكتب. معرّب (فهرست)3.
 
المرحلة النهائية لتحقيق المخطوط: (بعد التحقيق)
يختتم الباحث عمله التحقيقي بكتابة المقدّمة وتدوين المصادر والمراجع التي اعتمدها، ويمكنه أن يضع مستدركاً لما قد فاته أثناء البحث والتحقيق، إن دعته الحاجة لمثل ذلك: 
1- مقدمة المحقّق.
2- المصادر والمراجع.
3- الاستدراك.



1 مجمع اللغة العربية بالقاهرة, المعجم الوسيط, باب الهاء, ص 994.
2 معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، ص 170.
3 الفيروز آبادي، القاموس المحيط، لا.ن، لا.مط، لا.ط، لا.ت، فصل الفاء, باب السين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
315

253

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 مقدّمة المحقّق

وهي آخر ما يكتبه المحقّق ليتيح لنفسه الزمن الكافي في تدوين جميع المعلومات التي ينبغي أن تدوّن فيها.
 
والمقدّمة لغةً هي الأول من كلّ شيء، ومن هنا قالوا: مقدّمة الجيش الطائفة التي تسير أمامه، ومنها أخذت مقدّمة الكتاب، وكان موضعها في أوّله.
 
وعرّفت بأنها فصل يعقد في أول الكتاب ويمهّد لمضمونه"1.
 
والنقاط التي ينبغي أن تشتمل عليها مقدّمة المحقّق للمخطوط الذي انتهى من تحقيقه وأعدّه للنشر، فهي:
أ- تعريف عامّ بموضوع الكتاب.
 
ب- مقارنة الكتاب بما قبله وما بعده من مؤلّفات مماثلة له لإبراز أهمّيته العلمية والمنهجية.
 
ج- تعريف بالمؤلّف تعريفاً وافياً مع ذكر مصادر ترجمته.
 
د- بيان مضامين الكتاب.
 
هـ- وصف النسخة أو النسخ المخطوطة المعتمدة (أماكن حفظها، مقاس صفحاتها، عدد أسطر الصفحة، عدد كلمات السطر، عدد صفحات الكتاب أو أوراقه، نوع الخطّ، نوع الحبر ولونه، نوع الورق، اسم الناسخ، التعريف بالناسخ، تاريخ النسخ، القراءات والسماعات والتملّكات، وما إليها...)
 
و- وصف النقص والتغيّرات في النسخة أو النسخ.
 
ز- وصف الزيادة والإضافات في النسخة أو النسخ.
 
ح- وصف الاختلافات بين النسخ.
 
ط- ذكر أشياء أخرى تتعلّق بالنسخة أو النسخ وقف عليها المحقّق.
 
ي- بيان طريقة التقويم التي انتهجها المحقّق.
 
ك- ذكر الصعوبات التي مرّ بها المحقّق أو مرّت به.



1 المعجم الأدبي: كملة مقدمة -.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
316

254

المبحث الثاني: أصول تحقيق المخطوطات (2)

 ل- ذكر أمور أخرى يرى المحقّق من المستحسن أن تذكر هنا.


م- وينبغي للمحقّق أن يُصحب المقدّمة - في أثنائها أو بعدها - بصور للصفحة الأولى والأخيرة من كلّ نسخة من النسخ التي اعتمدها في التحقيق، وفي الغالب يكتب تحتها: صورة الصفحة (...) من النسخة (...).

المصادر والمراجع
نظراً لأهمّية تدوين أسماء الكتب التي استقى منها المحقّق مادّة تحقيقه وتعليقه ومقدّمته، لا بدّ له من عمل فهرس أو ثبت لها يلحق بالكتاب... وذلك لمساعدة الباحثين في معرفة مصادر البحث ومراجعه.

الاستدراك
الاستدراك هو المجال الذي يضيفه المحقّق ملحقاً بالكتاب ليستدرك به ما قد فاته ممّا يرتبط بالمخطوط أو بعمله فيه، وكان ينبغي عليه أن يتداركه في موضعه من الكتاب، ولكن انتهاء الكتاب من الطبع حال بينه وبين ذلك، وممّا يذكر في المستدرك:
أ- تصويبات الأخطاء.
ب- صور صفحات المخطوط الأولى والأخيرة التي تضاف للمخطوط لتأكيد توثيقه.
ج- تدارك سطر أو أسطر سقط أثناء الطبع.
د- الفروقات الواقعة بين نسخة جديدة لم يُعثر عليها سابقاً والنسخة المحققَّة للمخطوط.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
317

255

مصادر الكتاب ومراجعه

 1- ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، قم، مؤسسة إسماعيليان، 1364هـ-ش، ط4.


2- ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، مع شرح نصير الدين الطوسي، تحقيق سليمان دنيا، بيروت، مؤسسة النعمان، 1413هـ - 1993م، ط2.

3- ابن سينا، الشفاء - الإلهيات، راجعه وقدم له: الدكتور ابراهيم مدكور، تحقيق الأستاذين: الأب قنواتي و سعيد زايد، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، لا- مط، 1404هـ، لا- ط.

4- ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مكتبة الأمين، الكويت، 1425هـ - 2004م، ط1.

5- ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404هـ، لا ط.

6- ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات، بيروت، دار المرتضى، 1429هـ - 2008 م، ط1.

7- ابن منظور، محمد بن مكرَّم، لسان العرب، تصحيح أمين محمد عبد الوهاب و محمد الصادق العبيدي، بيروت، دار إحياء التراث العربي و مؤسسة التاريخ العربي، 1417 هـ - 1997 م، ط2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
319

256

مصادر الكتاب ومراجعه

8- الأحسائي، محمد بن علي بن إبراهيم، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق مجتبى العراقي، مطبعة سيد الشهداء، قم، 1403هـ - 1983م، ط1.

9- الأصفهاني، الأغاني، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

10- الأميني، عبد الحسن أحمد، الغدير في الكتاب والسنة، بيروت - لبنان، دار الكتاب العربي، 1397 - 1977م، ط 4.

11- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن (الأخلاق والآداب)، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1429هـ - 2008م، ط1.

12- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق جلال الدين الحسيني، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1370هـ، لا ط.

13- البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، المطبعة العلمية، قم، 1399هـ.

14- البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق محمد باقر المحمودي، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1394 - 1974م، ط1.

15- البهائي، محمد بن الحسن، الوجيزة في علم الدراية، قم، منشورات مكتبة بصيرتي.

16- التفتازاني، شرح المقاصد في علم الكلام، باكستان، دار المعارف النعمانية، 1401 - 1981م، ط 1.

17- التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيد مهدي رجائي‏، قم‏، نشر دار الكتاب الإسلامي‏، لا ت، لا ط.

18- الجعفي، المفضل بن عمر، التوحيد، تعليق كاظم المظفر، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1404هـ - 1984م، ط3.

19- الجواهري، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق وتعليق عباس القوجاني، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365هـ-ش-، ط 2.

20- الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح -تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، بيروت، دار العلم للملايين، 1407هـ - 1987م، ط4.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
320

257

مصادر الكتاب ومراجعه

 21- الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1414هـ، ط2.


22- الحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر، 1979م، ط2-.

23- الحلّي، حسن بن يوسف، الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد، قم، انتشارات بيدار، 1413هـ، ط5.

24- الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق آية الله حسن زاده الآملي، قم، مؤسسة نشر الإسلامي ، 1417هـ، ط 7.

25- الخميني، السيد روح الله، الأربعون حديثاً، إيران- قم المقدسة، دار زين العابدين، 2007م، ط1.

26- الخميني، روح الله الموسوي، الرسائل، مع تذييلات لمجتبى الطهراني، مؤسسة اسماعيليان - للطباعة والنشر والتوزيع، مؤسسة اسماعيليان، 1385، لا-ط.

27- الخميني، روح الله، مناهج الوصول إلى علم الأصول، تحقيق مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، قم، 1415هـ، ط1.

28- الريشهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلامية، تحقيق مركز بحوث دار الحديث، دار الحديث، 1425هـ- ط1.

29- السبحاني، جعفر، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، قم، مؤسسة الإمام الصادق، 1426هـ، ط3.

30- السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، قم، دار الهجرة، 1414هـ-، ط 1.

31- السيوري، المقداد بن عبد الله، النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، بيروت، دار الأضواء، 1417هـ - 1996م، ط2.

32- السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت، دار المعرفة، لا ت، لا ط، ج 4.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
321

258

مصادر الكتاب ومراجعه

 33- الشريف الرضي، نهج البلاغة، مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، شرح محمد عبده، تخريج المصادر حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1413هـ - 1993م، ط1.


34- الشريف، عبد الله محمد، مناهج البحث العلمي دليل الطالب في كتابة الأبحاث والرسائل العلمية، الإسكندرية، مكتبة الشعاع للطباعة والنشر، 1996م، ط1.

35- الشيخ الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية، عصام عبد السيد، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، لا-مط، 1414 - 1993م، ط 2.

36- الشيرازي، محمد صدر الدين، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان، لا-مط، 1981م، ط 3.

37- الصدر، السيد محمد باقر، المعالم الجديدة للأصول، مكتبة النجاح - طهران، مطبعة النعمان - النجف الأشرف، 1395 - 1975م، ط 2.

38- الصدر، السيد محمد باقر، فلسفتنا، بيروت، دار التعارف، 1400هـ - 1980م، ط10.

39- الصدر، السيد محمد باقر، فلسفتنا، دار الكتاب الإسلامي، الأمير، 1425 - 2004م، ط 3.

40- الصدر، السيد محمد باقر، موجز في أصول الدين: المرسِل الرسول الرسالة، تحقيق ودراسة عبد الجبار الرفاعي، مطبعة شريعت، 1422هـ - 2001م.

41- الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، طهران، مؤسسة البعثة، 1417هـ، ط1.

42- الصدوق، محمد بن علي، التوحيد، تحقيق علي أكبر غفاري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1427هـ - 2006م، ط1.

43- الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، تصحيح وتعليق حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1431هـ - 2010م، ط6.

44- الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع، تقديم محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1386هـ - 1966م، لا ط.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
322

259

مصادر الكتاب ومراجعه

 45- الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق على أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1405هـ، لا ط.


46- الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق على أكبر الغفاري، قم، منشورات جماعة المدرسين بقم المقدسة، لا ت، ط2.

47- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1372هـ-ش- لا ط.

48- الطباطبائي، محمد حسين، كتاب البرهان، (المطبوع ضمن:) مجموعة رسائل العلامة الطباطبائي، تحقيق صباح الربيعي، لا م، مكتبة فدك لإحياء التراث، 1428هـ - 2007م، ط1.

49- الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق عبد المجيد السلفي، لا م، دار إحياء التراث العربي، 1404هـ - 1984م، ط2.

50- الطبرسي، الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضي، 1392هـ - 1972م، ط6.

51- الطبرسي، علي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق مهدي هوشمند، دار الحديث، 1418هـ- ط1.

52- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، أعاد بناءه على الحرف الأول من الكلمة محمود عادل، تحقيق أحمد الحسيني، لا م، مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 1408هـ، ط2.

53- الطوسي، محمد بن الحسن، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، تعليق حسن الموسوي الخرسان، درا الكتب الإسلامية، طهران، 1390هـ-ق- لا ط.

54- الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، تحقيق حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ-ش-، ط4.

55- العاملي، حسن مكي، الإلهيات في هدى الكتاب والسنة والعقل (محاضرات الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني)، بيروت، الدار الإسلامية، 1410-1989م، ط2.

56- العاملي، زين الدين بن علي، منية المريد في أدب المفيد والمستفيد، تحقيق رضا مختاري، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1409هـ، ط1.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
323

260

مصادر الكتاب ومراجعه

57- العراقي، ضياء الدين، مقالات الأصول، تحقيق محسن العراقي ومنذر الحكيم، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1414هـ، ط1.

58- العلموي، عبد الباسط بن موسى، المعيد في أدب المفيد والمستفيد، دمشق، المكتبة العربية، 1346هـ، ط1.

59- العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، تصحيح هاشم الرسولي المحلاتي، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، لا ط.

60- الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، إيران، مؤسسة دار الهجرة، 1409هـ، ط2.

61- الفيروز آبادي، القاموس المحيط، لا-ن، لا-مط، لا-ط، لا-ت.

62- الفيض الكاشاني، محمد بن المرتضى، الوافي، تحقيق مركز التحقيقات الدينية والعلمية في مكتبة الإمام علي، 1416هـ-، ط1.

63- القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم السيد طيب الموسوي الجزائري، قم - ايران مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، صفر 1404، ط 3.

64- الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، مطبعة حيدري، 1365هـ-ش، ط4.

65- الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي، تحقيق محمد كاظم، طهران، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزراة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1410-1990م، ط1.

66- الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق وتصحيح حسين الحسني البيرجندي‏، قم، نشر دار الحديث، 1418هـ-، ط1.

67- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تحقيق ابراهيم الميانجي ومحمد باقر البهبودي، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
324

 


261

مصادر الكتاب ومراجعه

 68- النشار، علي سامي، مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي، بيروت، دار النهضة العربية، 1404هـ - 1984م، لا ط.


69- النوري، حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1408هـ - 1987م، ط1.

70- الهاشمي، محمود، بحوث في علم الأصول، تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام، 1426 - 2005م، ط 3.

71- الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث، 1431هـ - 2010 م، ط1.

72- اليزدي، محمد تقي مصباح، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، ترجمة عبد المنعم الخاقاني، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1990م، ط1.

73- بدوي، عبد الرحمن، مناهج البحث العلمي، الكويت، وكالة المطبوعات، 1977م، ط3.

74- بدوي، عبد الرحمن، موسوعة الفلسفة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984م، ط1.

75- شلبي، أحمد، كيف تكتب بحثاً أو رسالة؟ دراسة منهجية لكتابة البحوث وإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1968م، ط6.

76- طباجة، يوسف عبد الأمير، منهجية البحث تقنيات ومناهج، بيروت، دار المحجة البيضاء، 1432هـ - 2011م، ط2.

77- عجمي، سامر توفيق، قراءة علمية في كتاب التنظير في الاقتصادي الإسلامي- دراسة في إمكانه ومنهجيته، مجلة الحياة الطيبة، مجلة فصلية محكّمة متخصصة تعنى بقضايا الفكر والاجتهاد الإسلامي، تصدر عن جامعة المصطفى العالمية-فرع لبنان، السنة 19، العدد 30، ربيع 1436هـ - 2015م.

78- عجمي، سامر توفيق، نحو بناء المذهب التربوي: قراءة في معالم المنهج، مجلة أبحاث ودراسات تربوية، تصدر عن مركز الأبحاث والدراسات التربوية، بيروت، العدد الثاني، السنة الأولى، شتاء 1437هـ - 2016م، لا ط.

79- فضل الله، مهدي، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، 1998م، ط2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
325

262

مصادر الكتاب ومراجعه

 80- كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة الحديثة، دار القلم، بيروت، لا ط.


81- كوثراني، وجيه، التأريخ ومدارسه في الغرب وعند العرب - مدخل إلى علم التاريخ، بيروت، الأحوال والأزمنة للطباعة والنشر، 2001م، لا ط.

82- لالاند، أندريه، موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة خليل أحمد خليل، بيروت - باريس، منشورات عويدات، 1996م، ط1.

83- مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، القاهرة، 1972م -، ط2.

84- مرتضى، جعفر، المدخل لدراسة السيرة النبوية، بيروت، دار المصطفى العالمية، 1437هـ  - 2016م، ط1.

85- مطهري، مرتضى، مدخل إلى العلوم الإسلامية: المنطق - الفلسفة، ترجمة حسن علي الهاشمي، دار الكتاب الإسلامي، 1421هـ - 2001م، ط1.

86- ياسين، كاظم، منهجية البحث في تاريخ الإسلام، مركز المصطفى العالمي للدراسات والترجمة والنشر، بيروت، جامعة المصطفى العالمية - فرع لبنان، 1434-2013م، ط1.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
326

263
البحث العلمي – قواعده ومناهجه