المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي دام ظله

هي جمعية ثقافية تعمل على تحصين وتنمية الروح الإيمانية والجهادية، ورفع المستوى الثقافي، وتعميم القيم والآداب العامة، ونشر الثقافة الأصيلة المواكبة للعصر المستقاة من نهج الإمام الخميني قدس سره معتمدة على كفاءات علمائية، وخبرات فنية وإدارية ، ببرامج جذابة ووسائل متطوِّرة وأساليب عصرية.


الناشر: دار المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2018-01

النسخة: 2017


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


مقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الطاهرين، وبعد...

لقد لحظ الدين الإسلاميّ في تشريعاته المرأة وأعطاها حقوقها كافّة، وحفظها وحماها من كلّ الظلم الذي تعرّضت له عبر التاريخ، فهي المولودة المحترمة والمدلّلة، وهي الفتاة والشابّة العفيفة التي تتلقّى التربية التي تحميها من أيدي الفاسدين، وهي الزوجة ذات الحقوق والواجبات، وهي الأمّ المكرّمة. وبالخلاصة يمكن القول إنّ التشريع الإسلاميّ قد حفظ الحقوق المعنوية والمادية للمرأة، وساواها في الحقوق مع الرجل حيث لا تتعارض مع عفّتها وواجباتها الأخرى.

وإنّ إعداد المرأة وتربيتها تربية أصيلة وواعية تنسجم مع دورها الإنسانيّ والرساليّ الكبير، يتطلّب أوّلاً دراسة النصوص التشريعية والعامّة الخاصّة بالمرأة وتحليلها وبناء الرؤية الفكرية الإسلامية الأصيلة في نظرة الإسلام إلى المرأة على أساسها، ثمّ توضع القوانين والبرامج التي تنظّم الحقوق والواجبات وترتقي بالمرأة 
 
 
 
 
9

1

مقدمة

 في الساحات والميادين المنسجمة مع دورها ووظيفتها. وهذا ما عملنا على بلورته من خلال تتبّعنا لخطاب الإمام الخامنئيّ دام ظله في المرأة والأسرة وتبويبه بشكل موضوعيّ بما يخدم غاية هذا الكتاب وأهدافه.


وينبغي أن نلفت النظر إلى أنّ أغلب نصوص هذا الكتاب مستقى من خطب للإمام الخامنئيّ في مناسبات مختلفة، ولحفظ دلالة النصّ المترجم، لم نتدخّل في إعادة تحريره إلّا في بعض الموارد المحدودة. ونشير أيضاً إلى أن ما وُضع بين معكوفتين ليس من كلام الإمام الخامنئي دام ظله.

والحمد لله رب العالمين
مركز المعارف للتأليف والتحقيق
 
 
 
 
10

2

المرأة في الغرب

 المرأة في الغرب1


حقيقة المرأة ومكانتها في الثقافة الغربية
يعلم المطّلعون على الآداب الغربية والقصص والأشعار والروايات والمسرحيات الأوروبية، أنَّ الثقافة الأوروبية، منذ القرون الوسطى وما سبقها إلى أواخر القرن الحاليّ، كانت تنظر إلى المرأة على أنّها موجود من الدرجة الثانية، وكلّ ادّعاء يخالف هذه النظرة فهو ادّعاء باطل.

أُنظروا إلى المسرحيات الشهيرة للكاتب الانجليزيّ شكسبير لتروا بأيّة لغة وبأيّ نفس وبأيّة لهجة يتحدّث هو وسائر أدباء أوروبا عن المرأة. الرجل في الآداب الأوروبية هو السيّد والمالك لناصية المرأة. وما برح بعض نماذج تلك الثقافة وآثارها ماثلاً حتّى يومنا هذا، فبعدما تتزوّج المرأة تفقد لقبها وتكتسب لقب زوجها، هذه السنّة موجودة
 

1- يشير مصطلح العالم الغربيّ بشكل عامّ إلى دول الاتّحاد الأوروبيّ والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وأوروبا الوسطى وأميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا. والغرب في كلام الإمام الخامنئي دام ظله لا يعني منطقة جغرافية أو صناعيّة أو تكنولوجية معيّنة بل المقصود مدرسة فكرية لها إيديولوجية خاصة بها تعتمد على النظرية العلمانية، والماديّة، والنظرة الميكانيكية للإنسان، حيث تنظر إلى الإنسان كآلة وبدن وتغفل البعد المعنوي والروحي، وتطالب بمنفعته الفردية، وتنادي بالاعتماد على التجربة وكسب الأرباح، والتحرّر وأصالة الفرد...
 
 
 
 
15

3

المرأة في الغرب

 عند الغربيين. وهذا العمل عند الغربيين يعكس ثقافتهم القديمة القائلة بسيادة الرجل.


(و) عندما تتزوّج المرأة، في ظلّ (تلك) الثقافة الأوروبية، لا تصبح هي وحدها ملكاً للزوج، وإنّما تصبح جميع ممتلكاتها وأموالها وكلّ ما لديها من أبيها ومن عائلتها ملكاً للزوج أيضاً! وهذا ما لا يمكن للغربيّين إنكاره لأنّه كان في صلب ثقافتهم. بل وحتّى روح المرأة كانت تحت تصرّف الزوج! ولهذا السبب يلاحظ في القصص والأشعار الغربية أنّ الزوج كثيراً ما يقتل زوجته لأدنى اختلاف يقع بينهما، ولا يمكن لأحد أن يتوجّه إليه باللوم!

كانت العلاقات بين الرجال والنساء عندهم، حتّى في ذلك العصر، مباحة إلى حد ما، بيد أنّ قرار الزواج واختيار الزوج كانَ بيد الأب. وهذا ما يلاحظ في الكتابات المسرحية التي أشرت إليها والتي تشاهد فيها فتاة تُرغم على الزواج، وامرأة تُقتل على يد زوجها، وأُسرة تعاني فيها المرأة العنت والعناء1.

إلى قبل بضع سنوات ـ وليس بعيداً جداً ـ لم تكن النساء في هذه الدول الغربية ذاتها قادرة على الحصول على الوثائق الرسمية لدراستها في المعاهد العليا! في الآونة الأخيرة نشرت إحدى الصحف في بعض البلدان الغربية، ومنها انجلترا ـ ولا أُريد تسمية ذلك البلد،
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
 
 
 
16

4

المرأة في الغرب

 وتلك المجلة ـ عن امرأة عجوز أنهت عام 1917م، أي قبل حوالي ثمانين سنة1، دراستها العليا في مرحلة الدكتوراه، ولكنّها لم تمنح وثيقتها الدراسية. وبعد السؤال عن سبب عدم منحها الوثيقة، قالت: سبب ذلك أنّ النساء في بريطانيا لم يكن يحقّ لهنّ الحصول على وثيقة دراسية حتّى عام 1947م، وكان يقال إنّ المرأة يجب أن لا تمنح وثيقة دراسية.


وحتّى أوائل هذا القرن. أي حتّى العقدين الثاني والثالث من هذا القرن الميلاديّ ـ لم يكن للنساء في البلدان الغربية حقّ التملك بمعناه الحقيقيّ! أي أنّ المرأة إذا تزوّجت لا يجوز لها التصرّف بثروتها بدون إذن زوجها2.

وقد استمرّت الثقافة الغربية تسير على هذه الوتيرة حتّى أواسط القرن الحالي، علماً أنّ حركات تحت عنوان تحرير المرأة قد بدأت نشاطها منذ أواخر القرن الميلاديّ التاسع عشر3.

إنّ أساس الثقافة الغربية (كان ولا زال حتّى عصرنا الحاليّ) مبنياً على جعل المرأة بضاعةً لمتعة الرجل4. (وقد) عرّف (الغربيّون) الشأن
 

1- من تاريخ كلام الإمام الخامنئي في عام 1418ه.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة لرحيل الإمام الخميني قدس سره، في طهران، بحضور جموع غفيرة من أبناء الشعب، بتاريخ 28/01/1418ه.ق.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
4- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركات في المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلامية، بمناسبة المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلاميّة، في طهران، بحضور المشاركات في المؤتمر (من 84 دولة)، بتاريخ 11/07/2012م.
 
 
17
 

5

المرأة في الغرب

 الاجتماعيّ للمرأة بأنَّها كائنٌ يجب أن يكون مورداً لانتفاع الرجل. لهذا لو أرادت المرأة بحسب الثقافة الغربية أن تبرز في المجتمع وتثبت شخصيتها، عليها حتماً أن تُظهر شيئاً من جاذبيّتها الجنسية. وحتّى في المجالس الرسمية يجب أن يكون نوع لباس المرأة مورد استمتاع الرجل الذي هو الجانب المُنتفِع.


في المحيط الاجتماعيّ (الغربيّ) تشكّلت الثقافة التي كانت فيها المرأة كطرف يُنتفع به ويُستفاد منه من جانب الطرف المنتفِع (أي الرجل). وللأسف إنّ هذا موجود اليوم في الثقافة الغربية، والآخرون قلّدوه وساروا على هذا الطريق وصار الأمر هكذا في العالم، ولو تحدّث أحد بخلاف ذلك لقاموا عليه. (لقد) أوجدوا بالتدريج عدم توازن ولا تعادل، فهناك طرفٌ مُنتَفِع وطرفٌ يُستغلّ، والبشرية قُسّمت على هذا الأساس، فالمُنتَفِع هو الرجل والمُستغَلّ هو المرأة. وقد حدث هذا بصورة هادئة وتدريجية وبأساليب مختلفة مع دعايات عديدة على مرّ العقود لعلّها1 تصل إلى 100 سنة أو 150 سنة.

فافترضوا مجتمعاً يدين قضيّة عرض النساء وتبرّجهنّ في الأماكن العامّة، فإنّ الدنيا تقوم عليه ولا تقعد. ولو حصل أمرٌ مقابل هذا، أي أن تُطرح في مجتمعٍ ما، تعرية المرأة فلا يحصل أيّ اعتراض في الدنيا. أمّا عندما يُطرح لباس المرأة وعدم تبرّجها وتزيّنها في المجتمع فإنّ
 

1- لم يجزم الإمام الخامنئي دام ظله بالتاريخ المذكور (من 100-150 سنة)، وذكر في خطابه أنَّها قضية قابلة للتحقيق في المجتمعات الغربية بالدرجة الأولى.
 
 
 
18

6

المرأة في الغرب

 الأجهزة الإعلامية والدعائية المهيمنة في العالم تقوم وتثير الضجيج. وهذا مؤشّرٌ على أنّ هناك ثقافة وسياسة ومخطّطاً يتمّ العمل عليه منذ سنوات متمادية وأساسه تثبيت هذا الواقع وهذا الشأن وهذا الأمر الخاطئ والمهين للمرأة. وللأسف لقد فعلوا ذلك1.


خيانة الثقافة الغربيّة للمرأة2
إنّ الغربيين يتحمّلون المسؤولية الجسيمة أمام المرأة، فلقد خانوا المرأة. وإنّ الحضارة الغربية لم تمنح المرأة شيئاً يذكر. وما حقّقته المرأة من تقدّم علميّ وسياسيّ وفكريّ فإنّما بفضل جهودها وسعيها. وهذا يحدث في كلّ مكان. وقد حدث في إيران الإسلام وفي بلدان أخرى.

لقد كان ذلك بفضل المرأة. وإنّ ما أدّى بالغربيين إلى حافة الهاوية وساق الحضارة الغربية إلى شفا الانهيار هو ما فشا في المحيط النسويّ من انحراف وتحلّل وابتذال. لقد جرّوا المرأة إلى الابتذال وأفسدوها حتّى داخل الأسرة. وها هي الصحف الأمريكية والأوربية تطلع علينا دائماً بارتفاع نسبة تعذيب المرأة ومعاملتها بوحشية.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ويوم المرأة، في طهران، بحضور جمع غفير من الأخوات المسلمات، 20/06/1421ه.
 
 
 
19

7

المرأة في الغرب

 إنّ الثقافة الغربية فيما يتعلّق بالمرأة، وجرّ المرأة إلى الانحلال والابتذال في تلك البلدان، أدّت إلى ضعف الأسرة وزلزلت الكيان العائليّ، ولم يعد يعطي الزوج أو الزوجة كبير أهمّية للخيانة الزوجية. أفليس هذا إثماً؟ أليست هذه خيانة للمرأة؟ ومع مثل هذه الثقافة المنحرفة نجدهم يتبجّحون على كلّ العالم، مع أنّهم مدانون! إنّ الثقافة الغربية تجاه المرأة ينبغي لها أن تقف موقف الدفاع، وعليها أن تدافع عن نفسها، ولا بدّ لها من إعطاء الايضاحات. ولكنّ غلبة وسيطرة الرأسمالية والإعلام الغربيّ المستكبر والتجبّر تقلب الأمور رأساً على عقب، فيتحوّل هؤلاء إلى أصحاب حقوق ومدافعين عن حقوق المرأة كما يقولون ويزعمون! والحال أنّ الأمر ليس كذلك. وبالتأكيد فإنّ بين الغربيين مفكرين وفلاسفة وأشخاصاً صادقين وصالحين، يفكّرون ويتحدّثون بصدق (تجاه المرأة)، وإنّ ما أقوله هو أنّ الاتّجاه الثقافيّ والحضاريّ العامّ في الغرب ليس في صالح المرأة بل ضدّها.


كيف ظلمت المرأة في الغرب؟
تعرّضت المرأة سابقاً1 إلى الظلم. ولكنّ الظلم العامّ والشامل يختصّ بالفترة الأخيرة، وهو ناجم عن الحضارة الغربيّة، حيث اعتبروا المرأة وسيلة لالتذاذ الرجال، وأطلقوا على ذلك اسم حرّية المرأة!
 

1- أُنظر العنوان السابق حيث أشار الإمام الخامنئي دام ظله إلى كيفية ظلم المرأة وموقعية المرأة في الثقافة الغربية.
 
 
 
 
20

8

المرأة في الغرب

 بينما الحقيقة هي أنّ ذلك هو حرّية للرجال الطائشين من أجل التمتّع بالمرأة1.


إنّ الغربيين، وطيلة هذه القرون الثلاثة الأخيرة، قد وضعوا لجميع جرائمهم أسماءً جميلة. فعندما كانوا يقتلون ويستعبدون وينهبون الثروات، وعندما كانوا يفتعلون الحروب المفروضة بين الشعوب وغيرها من الجرائم، كانوا يضعون على كلّ واحدةٍ منها أسماءً برّاقة وخدّاعة، كأسماء الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وأمثالها. إنّ إطلاق اسم الحرية على التوجّه الموجود في الثقافة الغربية للمرأة، هو اسمٌ كاذب، فهذه ليست حرية. إنّ أساس ثقافة الغرب مبنيّ على جعل المرأة بضاعةً لمتعة الرجل في المجتمع (كما ذكرنا مراراً). فالترغيب والحثّ على التعرّي يعود إلى هذه الجهة. إنّ نظرة الغرب إلى المرأة هي نظرة منحطّة وناقصة ومضلَّلة وخاطئة2.

إنّ السياسة الغربية توجِّه أكبر ضربة وإهانة لكرامة المرأة، حتّى هؤلاء النسويون (الفمينيزم)3 والمتشدّدون - ولديهم مستويات وطبقات مختلفة - يوجّهون ضربة للمرأة من حيث لا يشعرون، فهم
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة مولد الصديقة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جموع من أعضاء المراكز والجامعات الثقافية والسياسة وأسر الشهداء، بتاريخ 21/06/1413هـ.ق.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركات في المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلامية، بمناسبة المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلاميّة، في طهران، بحضور المشاركات في المؤتمر (من 84 دولة)، بتاريخ 11/07/2012م.
3- النسوية: هي مجموعة مختلفة من النظريات الاجتماعيّة، والحركات السياسية، والفلسفات الأخلاقية، التي تحرّكها دوافع متعلّقة بقضايا المرأة.
 
 
 
 21

9

المرأة في الغرب

 يتصرّفون من باب حسن الظنّ - أي إنّ العاملين في هذا المجال حسب الظاهر لا يفهمون ماذا يفعلون، ويحتمل أن يكون صنّاع السياسات والمخطّطون للبرامج خلف الكواليس على علم كامل بما يفعلون.


كما أنّ هذا الاحتمال قد ورد في بروتوكولات بني صهيون1 بشكلٍ كامل، حيث إنّ تضييع جنس النساء وجعلهن مظهراً للاستغلال الشهوانيّ للرجال قد ذُكِر في موادّ ذلك الكتاب2

وهنا قد يأتي شخص ويُشكّك في سند واعتبار هذه البروتوكولات، لكن عندما يشاهد الإنسان المؤسّسات الصهيونية والشبكات الإعلانية الصهيونية يُدرك أنّ هذا الأمر يتمّ تنفيذه بشكل عمليّ، فهو وإن لم يصبح واجباً بالنسبة لهم، لكنّهم التزموا بهذا العمل وهم ينفّذونه، يهملون المرأة ويحقّرونها، أي إنّهم قاموا بتثبيت رسوم وأعراف وعادات لا تقبل المخالفة ولا التجرؤ عليها. (فعندهم مثلاً) ينبغي للرجل في أيّ مجلس عامّ (لقاء رسميّ)، أن يرتدي بزّة رسمية، وأن يضع "بابيون" ويقفل ياقة البزّة ويسدل كمّيه حتّى المعصمين، وليس له أن يرتدي بنطلوناً قصيراً ولا قميصاً قصير الأكمام، ولكن على السيدة في ذلك اللقاء الرسميّ نفسه أن تُظهر أقساماً من جسدها بشكل عارٍ، وإذا حضرت بلباس كامل فهذا محلّ إشكال! إن لم تكن متبرّجة ومتزيّنة فهذا محلّ إشكال! لقد أصبح هذا عرفاً، ويفتخرون به أيضاً.
 

1- بروتوكولات حكماء صهيون أو قواعد حكماء صهيون هي وثيقة تتحدث عن خطة لغزو العالم أُعدّت من قِبَل اليهود، وهي تتضمن 24 بروتوكولاً.
2- ورد في البروتوكول الاول من الكتاب: علينا إغواء الناس بالخمر والمجون المبكر عن طريق وكلائنا وتابعينا من المعلمين، والخدم في البيوتات الغنية، والنساء في أماكن اللهو، بالإضافة لمن يُسمّين "نساء المجتمع" والراغبات من زملائهن في الفساد والترف.
 
 
 
 
22

10

المرأة في الغرب

 يوجد في الغرب، وخاصّة في أميركا وفي شماليّ أوروبا - البلدان الإسكندنافية - مراكز مهمّة، عملها الأصليّ هو عرض النساء للرجال، ويتمّ الإعلان عن هذا في الصحف والمجلات، ولا أحد يعترض! أصبح هذا عرفاً وعادة. فأيُّ ضربة أشدّ على النساء من هذا؟! أن يتمّ صناعة نموذج للنساء على تلك الشاكلة - لنسائهم هم وللبلدان التي تتبعهم وليس لنسائنا - فهذا من أشدّ الضربات التي يوجّهونها حالياً. إنّ الغرب في مسألة المرأة والأسرة يعيش في ضياع وضلالٍ عميق، لا الأسرة فقط، بل الأمر يتعلّق بشخصية المرأة وهويّة المرأة، والغرب واقع في ضلالٍ عجيب1.


نتائج ظلم المرأة في الغرب
في الغرب، نجد أنّ عذابات المرأة طيلة القرنين الأخيرين قد ازدادت ولم تقلّ2. (وقد) نتج عن هذه القضية (قضيَّة المرأة) تبعات مؤلمة جداً على صعيد المجتمعات البشرية: كقضية تهاوي بنيان الأسرة، قضية الإحصاءات المبكية المؤسفة المتعلّقة بالمُتاجرة بالنساء3 (وغيرها):
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركات في المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلامية، بمناسبة المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلاميّة، في طهران، بحضور المشاركات في المؤتمر (من 84 دولة)، بتاريخ 11/07/2012م.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبـة ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الشعراء والمدّاحين، بتاريخ 01/05/2013 م.
 
 
 
 
23

11

المرأة في الغرب

 1- تهاوي بنيان الأسرة:

إنّ أُولى، أو ربّما إحدى أوائل النتائج السلبيّة لهذا الأمر( لظلم المرأة في الغرب)، هي تلاشي العائلة، فقد تهاوى بُنيانها، وعندما يتزلزل بُنيان العائلة في مجتمعٍ ما ويتهاوى، تتأصّل المفاسد1.

هذا الفساد والتحلّل، الذي تفشّى في الغرب، بسبب الحرية المفرطة للمرأة على مدى عقود عديدة، بحيث أثار الهلع حتّى لدى المفكّرين الغربيين، وأوجد الرعب والاستياء لدى الحريصين والمُصلحين والعقلاء والخيّرين في البلدان الغربية، إلاّ أنّهم باتوا عاجزين عن الوقوف بوجهه. أولئك كانوا يبتغون تقديم خدمة للمرأة إلاّ أنّهم ألحقوا بها أكبر الضرر، لأنّ إشاعة الفساد والتفسّخ الخُلقيّ والحرية المطلقة في العلاقات بين الرجل والمرأة أدّى إلى زعزعة بناء الأسرة.

الأسرة التي يستطيع الزوج فيها إطفاء لهيب شهوته الجنسية في المجتمع بدون أية قيود، ويُباح للزوجة الاتّصال برجال من شتّى المشارب بلا أية مؤاخذة، لا يكون فيها الزوج زوجاً صالحاً ولا الزوجة كذلك، ومن هنا ينهار صرح الأسرة.

إحدى المعضلات الكبرى التي تعاني منها البلدان الغربية اليوم كثيراً، وأودت بها إلى الوقوع في منحدرات سلبية حادّة، هي مشكلة الأسرة. وهذا ما جعل كلّ من يرفع شعار إصلاح الأسرة شخصاً محبوباً
 

1- م.ن.
 
 
 
 
24

12

المرأة في الغرب

 ويحظى عندهم ـ خاصة بين النساء ـ بمكانة مرموقة. ويُعزى سبب ذلك إلى شدّة ما يكابدونه من عناء جرّاء انهيار العلاقة الأسريّة، ولأنّ الأسرة فقدت هناك، وللأسف، موجبات الأمن والاستقرار لكلا الزوجين وخاصّة المرأة، فتلاشى الكثير من الأسر، وبقيت نساء كثيرات يعشن بمفردهنّ إلى آخر حياتهنّ، ولا يجد أكثر الرجال امرأة يرتضونها وتنال إعجابهم، ويفشل الكثير من حالات الزواج في سنواتها الأولى.


الأسس القوية والجذور العميقة التي تتّصف بها الأسرة في بلداننا قلّما تتوفّر اليوم لدى الأسر في تلك البلدان، ويندر جداً في الغرب وجود الأسرة التي يكون فيها الجدّ والجدّة والأحفاد والأقارب وأبناء العمّ وبنات العمّ وسائر فروع العائلة إلى جانب بعضهم بعضاً ويعرفون بعضهم بعضاً، وليس لدى الزوج والزوجة هناك الإخلاص اللازم أحدهما للآخر1.

2- نزعُ حياء المرأة وكرامتها:
لقد قاموا بأمرٍ، جعلوا فيه إحدى أهمّ وظائف المرأة، إن لم نقل الأهمّ على الإطلاق، التبرّج وإبراز جمالها بهدف تلذّذ الرجال، حتّى أصبحت هذه من الخصائص الحتميّة واللّازمة للمرأة. للأسف هذا هو حال عالمنا اليوم. ففي الوقت الذي يحضر الرجال في أكثر المجالس رسميةً - الاجتماعات السياسية وغيرها - بالبنطال الطويل والثياب
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
 
 
 
25

13

المرأة في الغرب

 المحتشمة، نجد أن لا إشكال في أن تحضر النساء بمزيد من التعرّي وعدم الاحتشام. فهل هذا أمرٌ عاديّ وطبيعيّ؟ هل يتوافق ذلك مع الطبيعة البشريّة؟ أجل لقد فعلوا ذلك. على المرأة أن تعرض نفسها أمام الرجال، لتكون وسيلة لتلذُّذه. فهل من ظلم أكبر من هذا؟ ويطلقون عليه اسم "الحريّة"، بينما يُطلقون على نقيض هذا التوجّه اسم "الأسر" أو (القيد)! في حين أنّ احتجاب المرأة وحجابها، هو تكريم لها، هو احترام وحُرمة لها. لقد حطّموا هذه الحرمة، ويمعنون في تحطيمها يوماً بعد يوم، مُطلقين على ذلك مُسمّيات عدّة1.


3- نموّ ظاهرة المتاجرة بالنساء:
في عالمنا اليوم، وطبق التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، وهو تقرير لمركزٍ رسميّ: إنّ من أكثر التجارات نموّاً في العالم، المتاجرة بالنساء وتهريبهنّ2. وهناك مجموعة من الدول هي من أكثر الدول سوءًا في هذا المجال، ومن جملتها الكيان الصهيونيّ، حيث يجمعون النساء والبنات تحت عنوان إيجاد العمل والزواج وأمثالها، من الدول الفقيرة، من أمريكا اللاتينية، ومن بعض دول آسيا، ومن بعض الدول الفقيرة في أوروبا، ويأتون بهنّ تحت ظروفٍ قاسية جداً إلى مراكز تهزّ الإنسان
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبـة ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الشعراء والمدّاحين، بتاريخ 01/05/2013م.
2- كشف التقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص الذي أعده مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات، لعام 2011م أن ملياري شخص حول العالم مورست عليهم جريمة الاتجار بالبشر دون أن يتعرض الجناة للعقاب، وأشار إلى أن 70% من الضحايا نساء وفتيات.
 
 
 
 
26

14

المرأة في الغرب

 بمجرد تصوّرها وذكر اسمها. وكل ذلك مبنيٌّ على هذه النظرة الخاطئة وهذا اللّاتوازن الظالم الذي يتعلّق بمكانة المرأة في المجتمع1.


4- ارتفاع معدّل الأطفال غير الشرعيين:
إنّ الرقم يبلغ أعلى معدّلاته في أمريكا2، (فظاهرة الأطفال غير الشرعيين هي نتيجة) ظاهرة الحياة المشتركة التي تحصل بدون زواج، أي هي في الحقيقة عبارة عن إبادة لمؤسّسة العائلة والبيئة الحميمة والدافئة للأسرة وبركاتها وحرمان الإنسان من هذه البركات، والتي هي جميعاً ناشئة من المشكلة الأولى (أي جهل الغرب لحقيقة المرأة)3.

5- تحويل الشذوذ الجنسيّ إلى قيمة:
(إنَّ) التحرّر الجنسيّ والتحلّل الجنسيّ في الغرب لم يؤدِّ إلى خمود فوران قدر الشهوة البشرية التي هي غريزية وطبيعية. وكانوا في السابق يعلنون أنّه إذا كان بين المرأة والرجل علاقة حرّة فإنّ الشهوة الجنسية ستضعف، ومن الناحية العملية اتّضح أنّ القضية على العكس من ذلك، فأينما ازدادت حرية العلاقات بين المرأة والرجل
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.
2- ذكر التقرير الذي أعدَّه مكتب الأمم المتحدة لعام 2011م أنَّ حوالي 20 مليون مولود يولدون سنوياً مجهولي النسب في أمريكا.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.
 
 
 
27

15

المرأة في الغرب

في المجتمع بحسب الوضعية التي أوجدوها، فإنّ الميول الشهوانية للبشر تتأجّج أكثر. وفي هذا اليوم فإنّ الغربيين لا يخجلون ويعرضون قضية الشذوذ الجنسيّ كقيمة. فالإنسان الكريم يندى جبينه من الخجل، أمّا أولئك فلا يخجلون1.


1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركات في المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلامية، بمناسبة المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلاميّة، في طهران، بحضور المشاركات في المؤتمر (من 84 دولة)، بتاريخ 11/07/2012م.

 

 

 

28


16

قضيّة المرأة في الغرب

 قضيّة المرأة في الغرب


قضية المرأة ألعوبة بيد المتاجرين1
إنّ قضية المرأة، كسواها من القضايا الأخرى، باتت ألعوبة في يد النفعيين الذين يتاجرون بالقيم الإنسانية كافّة، في العالم وفي وسائل الاعلام العالمية على مرّ السنين، والذين لا يعرفون قيمة للمرأة ولا للبشرية ولا للكرامة الإنسانية سوى ما يهمّهم من المكاسب المادية ـ وللأسف فإنّهم يلعبون دوراً بارزاً على شتّى الأصعدة في إطار الحضارة الغربية الحديثة ـ فجعلوا من قضية المرأة وسيلة لاستدرار الربح المادّيّ، وراحوا ينشئون حولها الأبحاث، ويبتدعون لها التقاليد، وينشرون عنها الدعايات، فزجّوا بعقل الرجل والمرأة معاً في أنحاء العالم كافّة إلى متاهة مظلمة، ودفعوا بهما سوية إلى مفترق طرق من الضياع والضلال.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ويوم المرأة، في طهران، بحضور جمع غفير من الأخوات المسلمات، 20/06/1421ه.
 
 
 
 
29

17

قضيّة المرأة في الغرب

 أصل المشكلة في قضية المرأة1

يرجع أصل مشكلة قضية المرأة في المجتمع إلى أمرين، إلى نقطتين أساسين، فلو تمّ التفكير بهما وقُدّم طرحٌ جديد وتمّ العمل بمثابرة واستمرار، يمكن أن نأمل، مع مرور الزمن، سواءٌ بالمدى المتوسط أم البعيد، أن تُحلّ تلك المسألة التي تُعدّ اليوم أزمة للمرأة في العالم. النقطتان هما:
(النقطة الأولى) عبارة عن النظرة الخاطئة وإساءة فهم موقعية المرأة وشأنها في المجتمع، حيث إنّ هذه النظرة وسوء الفهم بدأت من الغرب، وهي ليست أمراً قديماً ومتجذّراً. أولئك الذين ادّعوا أنّ هذه المسألة موجودة في بروتوكولات حكماء صهيون، يمكن أن نحدس بأنّ ذلك ليس خلاف الواقع. أي إنّنا لو نظرنا لرأينا أنّ هذه الرؤية الخاطئة وهذا الاعوجاج الفكريّ وسوء الفهم، بما يتعلّق بفهم المرأة في المجتمع، لعلّه لا يرجع إلى أكثر من قرنٍ أو قرنٍ ونصف في الغرب حيث تسلّل من الغرب إلى المجتمعات الأخرى ومنها المجتمعات الإسلامية. هذه نقطة.

والنقطة الثانية، أنّ أساس المشكلة هو إساءة فهم قضية الأسرة، وإساءة التصرّف في السلوكيّات داخل الأسرة.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.
 
 
 
30

18

قضيّة المرأة في الغرب

 هاتان المشكلتان، بنظرنا، هما ما أوجد أزمة قضية المرأة التي تُعدّ اليوم مشكلة أساساً في العالم1.


أبرز شعارات القضية في الغرب
1- الحرية2:
الشعار المرفوع في الغرب بالدرجة الأولى هو حرّية المرأة. وكلمة الحرّية هذه لها معنىً فضفاض، قد يقصد به التحرّر من العبودية، وقد يراد به التحرّر من الأخلاق ـ لأنّ الأخلاق أيضاً نوع من القيود والحدود ـ وقد تعني التحرّر من استغلال ربّ العمل الذي يستثمر جهود المرأة بأجور زهيدة، ولربّما يراد بها الانعتاق من القوانين التي تكبّل ارادة المرأة أمام الزوج، كلمة الحرية قد تشمل كلّ هذه المعاني. ناهيك عن أنّ الشعارات المرفوعة التي تطالب بحقوق المرأة تضمّ سلسلة من المطالب التي يتناقض بعضها مع بعضها الآخر، فما معنى هذه الحريّة؟

من المؤسف أنّ أكثر ما يُفهم من (الحريّة) في العالم الغربيّ هو معناها المغلوط والضارّ، أي التحرّر من القيود العائلية، ومن الهيمنة المطلقة للزوج، والتحرّر حتّى من التزامات الزواج وتشكيل الأسرة
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
 
 
 
31

19

قضيّة المرأة في الغرب

وتربية الأولاد في الموارد التي تحصل فيها حالات الشهوة العابرة، ـ وليس هذا معناها السليم.

ولهذا يلاحظ أنّ من جملة ما يثار في العالم الغربيّ مسألة الإجهاض، وهي مسألة خطيرة رغم ما تتّسم به ظاهرياً من بساطة أو عدم أهمية. هذه هي الشعارات والمطالب التي غالباً ما تثار في الغرب.

ولهذا يقال إنّ حركة تحرير المرأة إذا كانت تسير في سياق صحيح وتنادي بمطالب صحيحة وتنتهج أُسلوباً كفاحياً صحيحاً، لا يمكن أن تحمل كلّ هذا المعنى الواسع الذي ينطوي بعضه على أبعاد مضرّة قطعاً، حتّى وإن كانت فيه جوانب مفيدة، وهذا ما يوجب التنقيب عن شعارات أفضل وأقوم وأصحّ وأكثر قدرة على معالجة المشكلة1.

2- المساواة بين الجنسين:
النظرة الغربية للمرأة قائمة أساساً على عدم المساواة. لا تنظروا إلى ظاهر المبادئ التي ينادي بها الغرب، فهي مجرّد شعارات جوفاء ليس فيها أيّ نصيب من الحقيقة. والثقافة الغربية لا يمكن استيعابها عبر إجالة النظر في الشعارات، بل لا بدّ من التنقيب عنها عبر استقراء أعمالهم الأدبية2.

ومن البديهيّ أنّ العدالة غير المساواة. لا يلتبس الأمر عليكم، فقد يكون في المساواة ظلم أحياناً. بينما العدالة تعني وضع كلّ شيء في
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
2- م.ن.
 
 
 
32

20

قضيّة المرأة في الغرب

نصابه، وإعطاء كل شخص حقّه. فقد كان العدل حينذاك عدلاً مطلقاً لا تشوبه شائبة1.

القسط هذا هو معناه، نحن لا نقول بوجوب المساواة بين جميع أفراد المجتمع، فالمساواة مستحيلة بسبب اختلاف بني الإنسان في القوى والعزائم والهمم والجهود، بعضهم يبذل جهداً قليلاً وبعضهم الآخر يبذل جهوداً أكبر، وبعضهم لديه مزيد من الإبداع، والكفاءات على العموم متفاوتة، ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾2, الناس مختلفون في كفاءاتهم، ولا نزاع في ذلك، وإنّما المهمّ هو أن يعمل الجميع على قدر كفاءتهم، ويسعوا على قدر هممهم، ويكسبوا ويحصّلوا على قدر استعدادهم3.

خصائص الشعارات الغربيّة4
(تتميَّز الشعارات الغربيَّة بأنَّها):
1- ذات أصول ماديّة خاطئة:
إنّ أفكارهم (أي الغربيين) قائمة على نظريّة معرفة ماديّة وغير إلهيّة، وهذا أمرٌ خاطئ وباطل. إنّ أيّ جهاز علميّ وفكريّ يُبنى على
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة خطبتا صلاة الجمعة ـ العبادية ـ السياسية، في طهران، بحضور جموع المصلّين، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
2- سورة هود، الآيتان 118-119.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة مراسم المصادقة على حكم رئاسة جمهورية السيد محمد خاتمي، في طهران، بحضور كبار مسؤولي النظام الإسلامي، بتاريخ 28/03/1418ه.ق.
4- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
 
 
 
33

21

قضيّة المرأة في الغرب

 أساس معرفة ماديّة واعتقاد ماديّ، فإنّ نتيجته خطأ وغلط بالتأكيد. ينبغي أن يتمّ النظر إلى حقائق الخلق وفهمها ومتابعتها من خلال النظرة المعرفيّة الإلهيّة، والاعتقاد بوجود الله وقدرته، والحضور الإلهيّ والربوبيّة الإلهيّة. وعليه، فإنّ أساس وأصل وجذور الأفكار الغربيّة خاطئة كونها ماديّة.


2- غير قابلة لهداية المجتمع الإنسانيّ:
إنّ الغربيّين في قضيّة المرأة أساؤوا الفهم، وأساؤوا العمل، ثمّ طرحوا هذا الفهم الخاطئ، والعمل الخاطئ، المضلّ والمهلِك، الخاصّ بهم كعملة رائجة في العالم. وكلّ من ينطق بكلمة تخالف رأيهم، صاروا يهاجمونه بواسطة أجهزتهم الإعلاميّة الواسعة الانتشار ويعرّضونه لأشنع الحملات والتهويل، من دون أن يفسحوا المجال لأحد كي يتكلّم ويُظهر رأيه. إنّ أفكار الغربيّين وآراءهم في مجال قضيّة المرأة لا يمكنها مطلَقًا أن تكون مصدرًا للسعادة، ولهداية المجتمع الإنسانيّ.

دوافع الغرب في طرح القضية
1- إستغلال المرأة:
أ- في العمل:
في أوروبّا حتّى حينما شرّعوا للمرأة حقّ الملكية، فقد كان الدافع إليها ـ وفقاً للدراسات التي أجراها علماء الاجتماع الأوروبيون أنفسهم ـ
 
 
 
 
34

22

قضيّة المرأة في الغرب

 هو حاجة المصانع إلى المزيد من الأيدي العاملة، في وقت كانت فيه التقنية الحديثة والصناعات قد اتّسع مداها وتطوّرت، وكان ذلك الإجراء بمثابة محفّز لاستقطاب هذه الأيدي العاملة التي كانوا يدفعون لها عادة أجوراً أدنى، ولم يشرّع حقّ الملكية هذا إلّا في مطلع القرن العشرين1.


الأوروبيين عندما تقدّموا صناعياً (أوائل القرن التاسع عشر) وفتح الرأسماليون الغربيون مصانع كثيرة، كانوا بحاجة إلى عمّال بأجور زهيدة لا يثيرون العناء، ولذا رفعوا ضجّة حرّية المرأة من أجل سحب المرأة من الأسرة إلى المصانع والاستفادة منها باعتبارها عاملاً زهيد الأجر، فيملؤون جيوبهم، ويسقطونها من كرامتها ومنزلتها2.

ب- في إخماد الشهوة:
المرأة في النظرة الغربيّة هي وسيلة لإخماد الشهوة، وهو أمرٌ لا يمكن إخفاؤه وإنكاره.

2- إشاعة الفساد في البلدان الاسلاميّة:
طوال هذه السنوات التسع عشرة، من أوّل الثورة وإلى يومنا هذا، دأبوا على نسج الأكاذيب حول رؤية الإسلام والجمهورية الإسلامية بشأن المرأة.

الغربيون يريدون أن يبقى الرجل والمرأة، والفتيان والشيوخ،
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة مولد الصديقة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جموع من أعضاء المراكز والجامعات الثقافية والسياسة وأسر الشهداء، بتاريخ 21/06/1413هـ.ق.
 
 
 
35

23

قضيّة المرأة في الغرب

 يساقون ـ كما كان الحال في العهد البهلويّ ـ نحو مهاوي الرذيلة والتحلّل. ويطمحون إلى اتّباع نفس هذا السياق في ظلّ نظام الحكم الإسلاميّ، ويبغون إشاعة نفس ذلك البلاء الذي حلّ بالدول الغربية وأضحى اليوم مثار قلق للحريصين في تلك البلدان ـ وخاصة أمريكا ـ حول انتشار ظاهرة الفساد والتحلّل بين شبّانها، حتّى لم يعد بالامكان السيطرة عليها أو معالجتها.


الغربيون يريدون تفشّي هذا الفساد في البلدان الإسلامية، وفي بلدنا الإسلاميّ. الذي يحكم نظامه وفقاً لاُسس القرآن. ويمارسون ضغوطهم الاعلامية بأساليب الاستهانة والسخرية والدجل واختلاق الأكاذيب في ادّعاء أنّ النساء يتعرّضن للتعذيب، من أجل إيقاع النظام الإسلامي في حالة من الانفعالية وارغام الشعب والمسؤولين على التراجع أمام هذه الأقاويل. ولكن حاشا وكلّا أن يكون هذا1.

3- سلب هويّة المرأة المسلمة:
لقرنٍ من الزمن والثقافة الغربية تسعى مدعومة بالمال والقوّة والسلاح والدبلوماسية من أجل فرض الثقافة الغربية وأسلوب الحياة الغربية على المجتمعات الإسلامية بين النساء. لمئة سنة كان السعي من أجل أن تفقد المرأة المسلمة هوّيتها. فقد استُخدمت جميع العوامل المؤثّرة وعناصر القوّة: المال، والإعلام، والسلاح، والخدع المادية
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة لرحيل الإمام الخميني قدس سره، في طهران، بحضور جموع غفيرة من أبناء الشعب، بتاريخ 28/01/1418ه.ق.
 
 
 
 
36

24

قضيّة المرأة في الغرب

 المختلفة، والغرائز الجنسية الطبيعية للإنسان، كلّ هذه استُخدمت من أجل إبعاد المرأة المسلمة عن هويّتها الإسلامية. واليوم إذا كنتنّ أيّتها السيّدات النخبة1 الإسلامية تسعين لاسترجاع هذه الهوية للمرأة المسلمة، فإنّكنّ تقدّمن أكبر خدمة للأمّة الإسلامية وللصحوة الإسلامية، والعزّة والكرامة الإسلامية. فصحوة النساء، والشعور بالشخصية والهوية بينهنّ، والوعي والبصيرة في المجتمع النسائيّ سيكون لذلك كلّه تأثيرٌ مضاعفٌ على الصحوة الإسلامية والعزّة الإسلامية2.


فشل الغرب في معالجة القضيّة
وقع الغربيّون في مسألة معرفة طبيعة المرأة وكيفية التعامل معها بين موقفين متضادّين من الإفراط والتفريط، والنظرة الغربية للمرأة قائمة أساساً على عدم المساواة. لا تنظروا إلى ظاهر المبادئ التي ينادي بها الغرب فهي مجرّد شعارات جوفاء ليس فيها أيّ نصيب من الحقيقة.

مثل هذا الافراط يُقابل من جهة أُخرى بالتفريط، فحيثما تنبثق نهضة في مثل تلك الأجواء للدفاع عن حقّ النساء فمن الطبيعيّ أن يعتريها مثل هذا التفريط، ولهذا يلاحظ هذا الفساد والتحلّل الذي تفشّي في
 

1- الخطاب موجه للسيدات النخبة المشاركات في مؤتمر الصحوة الإسلامية واليوم المرأة العالمي، من 84 دولة.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركات في المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلامية، بمناسبة المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلاميّة، في طهران، بحضور المشاركات في المؤتمر (من 84 دولة)، بتاريخ 11/07/2012م.
 
 
 
 
37

25

قضيّة المرأة في الغرب

الغرب بسبب الحريّة المفرطة للمرأة على مدى عقود عديدة، بحيث أثار الهلع حتّى لدى المفكّرين الغربيّين، وأوجد الرعب والاستياء لدى الحريصين والمُصلحين والعقلاء والخيّرين في البلدان الغربية. إلاّ أنّهم باتوا عاجزين عن الوقوف بوجهه.

لقد كانت نسخة الدواء الغربية نسخة مغلوطة، ولو لم تكن كذلك لما اضطروا هم بعد سبعين أو ثمانين أو مائة سنة إلى القيام بنهضة جديدة تطالب بحقوق المرأة، وهو ما حصل في السنوات الأخيرة.

ما هو السبب الذي دعاهم إلى إيجاد حركات وتجمّعات منذ عشر سنوات أو عشرين سنة للدفاع عن حقوق المرأة؟ لو كانت الحرية الغربية علاجاً شافياً، وكان الدفاع عن حقوق المرأة إجراءً حقيقياً لما كانت هناك أيّة ضرورة تدعو إلى أن تهبّ جماعة منهم بعد مائة سنة لإنشاء الحركات وإثارة الضجيج حول هذا الموضوع. نستنتج من هذا أنّ علاجهم ذاك كان مغلوطاً وكذا علاجهم الحاليّ، ولا ينطوي إلاّ على التعاسة والشقاء لكلا الجنسين، وللمرأة على وجه الخصوص1.

(ويمكن القول بأنّ) حركة الدفاع عن المرأة في الغرب كانت حركة مضطربة وبعيدة عن المنطق وقائمة على الجهل، ومجرّدة من القيم الإلهية والاستناد إلى الفطرة الطبيعية لكلّ من الجنسين. فلحقت أضرارها، في نهاية الأمر، بالجميع، رجالاً ونساءً، وأكثر ما لحق ضررها بالنساء2.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
 
 
 
 
38

26

قضيّة المرأة في الغرب

 من مشاكل الغرب اليوم، في هذا العصر، تلك القوانين البلهاء والخبيثة التي يُقرّونها في الأمور الجنسيّة. فهي تَسيرُ بهم نحو الهاوية، ولا يمكن وقف هذا الانحطاط. إنّهم في معرض السقوط، وسواء شاءت المدنيّة الغربيّة أم لم تشأ، لم تعد قادرة على منع هذا السقوط، فقد تعطّلت المكابح، والطريق زلق ومنحدر بشدّة. لقد ارتكبوا معصية بتعطيلهم المكابح، ووضعوا أنفسهم على حافّة الهاوية، لذا فقد حُكم عليهم بالهزيمة.


إنَّ زوال الحضارات كظهورها أمر تدريجيّ، وليس بالأمر الدفعيّ والفوريّ. وهذا الزوال التدريجيّ آخذ بالحدوث. ولا أخال أنّ هذا الحدث سيكون بعيداً عن أنظار هذا الجيل أو الجيل الذي سيليه، بل سيرون ما يحصل1.

أنا لستُ من هواة اقتطاع المطالب من الصحف، ولكن أمس الأوّل، رأيتُ مطلبًا في صحيفة، وكان بالغ الأهميّة، فأحضرته كي أقرأه هنا. فقد صدر كتاب للرئيس الأميركي السابق "جيمي كارتر" بعنوان: "طلبٌ بالتحرّك"، تعرّض فيه لموضوع انتهاك حقوق البشر والاعتداءات الوحشيّة ضدّ النساء. يقول جيمي كارتر في هذا الكتاب: "في كلّ عامّ، يتمّ شراء مئة ألف فتاة تمامًا كالإماء والرقيق! في أميركا يستطيع صاحب "بيتٍ للدعارة" أن يشتري فتاة - تكون عادة من أميركا اللّاتينيّة وإفريقيا - بمبلغ ألف دولار"!، كذلك يشير الكاتب إلى
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبـة ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الشعراء والمدّاحين، بتاريخ 01/05/2013م.
 
 
 
39

27

قضيّة المرأة في الغرب

 الاعتداءات الجنسيّة التي تحصل في أجواء الجامعات والكليّات، حيث يتمّ إثبات حالة واحدة فقط من كلّ خمس وعشرين حالة اعتداء. كذلك يذكر "كارتر" أنّه: "في الجيش الأميركيّ تتمّ محاكمة واحد في المئة فقط من المعتدين جنسيًّا.


تدمع عين الإنسان عند قراءة هذه الوقائع، أنتنّ تشاهدن في الصحف الكثير من هذه المعلومات، وأنا كذلك، ولكنّي لا أستند إليها، ولكن حسنٌ، إنّها وقائع وحقائق و"جيمي كارتر" بالنهاية هو شخصيّة معروفة وهذا كتابه. ما هذا الوضع الرائج في العالم؟ ما هذا التكريم للمرأة؟ يَكتبُ روائيّ غربيّ مشهور رواية كي يدلّ على أنّ الدعارة هي عملٌ شريف! وقد تمّ ترجمة روايته هذه إلى اللّغة الفارسيّة. ويشير فيها، بالطبع، كيف أنّ سماسرة الجنس يأتون من أميركا اللّاتينيّة، ويغرون الفتيات بالوعد والوعيد، ويأخذونهنّ ويبيعوهنّ إلى هذه النوادي، هذه الرواية عن أوروبا وليست عن أميركا. ويتمّ في هذا الكتاب إظهار الدعارة على أنّها مهنة شريفة. هذه هي ثقافة الغرب بالنسبة إلى المرأة. وهذا هو الاحترام الذي يكنّونه للمرأة هناك1.

لقد قرأت كتابات وصحفاً ومؤلّفات لمفكّرين غربيّين، بدأوا يشعرون تدريجيّاً بالخوف والاندهاش من هذه الأوضاع، الحقّ معهم، لكنّهم تأخّروا في إدراك ذلك. لقد أثاروا مسألة الشهوة والتي ترتكز على موضوع المرأة، لكن نشاهد اليوم حدوث الأسوأ من ذلك، وهو
 
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
 
 
 
40

28

قضيّة المرأة في الغرب

 موضوع "السُّحاق" و"المثليّة"، والزواج وتشكيل عائلة من زوجين مثليّين، وما شاكل. أمور يبدو التحدّث عنها سهلاً، لكنّها حُفَر عظيمة، سحيقة وخطرة، حُفرت في طريق الحضارة وفي طريق من يُدير تلك الحضارة ويُسيّرُها. منزلق عجيب، سوف يقضي عليهم. إنّهم في منتصف الطريق، منتصف المُنحدر، وبرأيي لم يعودوا قادرين على وقف الانزلاق، فقد تخطّت المشكلة مرحلة المعالجة.


لقد قرأت في صحف الدول الأجنبيّة منذ سنوات عدّة، قبل نحو سبع أو عشر سنوات، أنّ الأمريكيّين يبحثون عن كتب المؤلّف الفلانيّ مثلاً، أو ذلك الروائيّ أو القصصيّ الذي تتمحور كتاباته حول العائلة بغية تحويلها إلى فيلم سينمائيّ وما شابه. حسناً، لقد قاموا بشيء ما، وما زالوا يحاولون، بيد أنّ مساعيهم لا تساوي أكثر من جدولٍ مائيّ صغير، مقابل سيل عظيم صنعوه بأنفسهم، فابتلوا به، ولسوف يبلوهم أكثر فأكثر1.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات، بمناسبـة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات والحوزويات والجامعيات، بتاريخ 11/05/2013م.
 
 
 
41

29

المرأة ومكانتها في الإسلام

 المرأة ومكانتها في الإسلام


المرأة وفق النظرية الإسلاميَّة
ينظر الإسلام إلى المرأة من زاوية الكرامة، وأنّ جميع الخصائص الإنسانية مشتركةٌ بين المرأة والرجل، فالإنسان قبل أن يتّصف بالأنوثة والذكورة فإنّه متّصفٌ بالإنسانية، وفي الإنسانية لا وجود للمرأة والرجل، فالجميع سواسية. هذه هي نظرة الإسلام. لقد جعل الله سبحانه خصائص جسمانية في كلّ من الجنسين، بحيث يكون لكلّ منهما دورٌ في استمرار الخلقة وفي تكامل الإنسان ورقيّه وفي حركة التاريخ. وإنّ دور المرأة أهم، فإنّ أهمّ أعمال الإنسان هو استمرار النسل البشريّ، يعني الإنجاب، وإنّ دور المرأة في هذا المجال، لا يمكن مقارنته بدور الرجل، ومن هذه الناحية كانت أهمية المنزل، وأهمية الأسرة1.

(و) أرجو الالتفات بدقّة إلى أنّ المرأة يمكن النظر إليها من ثلاثة أبعاد، لأجل أن تتّضح الرؤية الإسلامية لها:
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركات في المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلامية، بمناسبة المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلاميّة، في طهران، بحضور المشاركات في المؤتمر من 84 دولة-، بتاريخ 11/07/2012م.
 
 
 
45

30

المرأة ومكانتها في الإسلام

 1- البعد الإنسانيّ والتكامليّ:

(والمُراد هنا) دور المرأة بصفتها إنساناً في طريق التكامل المعنويّ والنفسيّ. وفي هذا البعد لا تفاوت بين الرجل والمرأة، إذ كانت هنالك نساء جليلات وبارزات مثلما كان هنالك رجال كبار وبارزون1. انظروا إلى مسألة التقرّب من الله، هناك نساء - كالزهراء وكزينب وكمريم - مقامهنّ فوق قدرة أمثالنا على الوصف والتصوّر، وفي الآية الشريفة من سورة الأحزاب، لا فرق بين المرأة والرجل، ولعلّ المقصود ضرب التصوّرات الجاهلية حول المرأة ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾2. فهناك فاصلة بين الإسلام (المسلمون والمسلمات) والذكر (الذاكرون والذاكرات) في الآية، إذ توجد سلسلة أوصاف لو دقّق المتأمل فيها يجد هذا: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا3.

فحيثما وُجد الرجل هناك امرأة، رجل خاشع، امرأة خاشعة، رجل متصدّق، امرأة متصدّقة، لا فرق بينهما أبداً. وفي سورة آل عمران المباركة، يقول بعد تكرار "ربّنا": ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
2- سورة الأحزاب، الآية 35.
3- سورة الأحزاب، الآية 35.
 
 
 
 
46

31

المرأة ومكانتها في الإسلام

 عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ1. فلا فرق بين الرجل والمرأة، حتّى أنّه في مورد - ولأجل ضرب تلك الأفكار الجاهلية التي ذكرتها - رَفع من شأن المرأة أكثر من الرجل، حيث إنّ حالة كهذه لا يجدها المرء في القرآن سوى في أشخاص ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ2, كمثالٍ للكفار، هاتان الامرأتان ليستا مثالاً للنساء، بل إنّهما مثالٌ للمرأة والرجل معاً، ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا3 إلى آخر الآية. ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ4 أيضاً سمّى الله للمؤمنين امرأتين. لاحظوا أنتم، على مرّ التاريخ وإلى نهاية العالم، كم عدد المؤمنين، من الكبار الصلحاء الأولياء والأنبياء جاؤوا وذهبوا. عندما يريد الله أن يعرفهم إلى معيار، نموذج، رمز، يعرّفهم إلى امرأتين: الأولى امرأة فرعون ﴿إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾5 إلى آخر الآية، والثانية مريم بنت عمران ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا6, إنّه أمر عجيب7.


1- سورة آل عمران، الآية 195.

2- سورة التحريم، الآية 10.

3- سورة التحريم، الآية 10.

4- سورة التحريم، الآية 11.

5- سورة التحريم، الآية 11.

6- سورة التحريم، الآية 12.

 

7- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.

 

 

47


32

المرأة ومكانتها في الإسلام

 2- البعد الاجتماعيّ:

(حيث يُنظر إلى دور المرأة) في مجال النشاطات الاجتماعيّة والسياسية والعلمية والاقتصادية، فباب هذه النشاطات مشرع أمام المرأة بالكامل. ولو شاء أحد حرمان المرأة من مزاولة النشاط العلميّ والسعي الاقتصاديّ والسياسيّ والاجتماعيّ، فإنّما يتكلّم خلافاً لحكم اللّه. فلا مانع من مزاولة هذه الأعمال بالقدر الذي تبيحه القدرة الجسدية، وتستدعيه الحاجات والضرورات. والشرع المقدّس لا يمانع في بذل الجهود الاقتصادية والاجتماعيّة والسياسية قدر المستطاع. ولمّا كانت المرأة بطبيعة الحال أرقّ جسدياً من الرجل، لذلك فإنّ لهذه الحالة ضروراتها، وفرض العمل الثقيل على المرأة ظلم لها. إنّ الإسلام لا يوصي بهذا، ولكنه في الوقت نفسه لا يمنع ممارسة النشاط العلميّ والجهد الاقتصاديّ والسياسيّ والاجتماعيّ1.

طبعاً هناك رواية منقولة عن نبيّ الإسلام الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قال فيها: "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"2. أي أنّ المرأة زهرة وليست قهرمانة، القهرمان يعني الكادح والخادم المجدّ. والخطاب في هذه الرواية موجّه للرجال، أي أنّ المرأة في داركم لطيفة كالزهرة ويجب
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
2- الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1407ه‏، ط4، ص510. الرضي، السيد محمد بن حسين، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، قم، دار الهجرة، 1414ه‏، ط1، ص405، الرسالة 31.
 
 
 
48

33

المرأة ومكانتها في الإسلام

 معاملتها بمنتهى الرقّة، وهي ليست خادمة لكم فتتوهّمون وجوب فرض الأعمال الثقيلة عليها، وهذا أمر مهمّ1.


إنّ تصوّر أنّ المرأة في البيت موجود من الدرجة الثانية2، وهو مكلَّفٌ بخدمة الآخرين، هو تصوّر رائج بين الكثير منّا - بعضهم يقول علنًا، وبعضهم يستحي ولا يقوله ولكنّه يضمره في قلبه - هذا التصوّر هو تمامًا في النقطة المقابلة والمخالفة لما بيّنه الإسلام3.

وما يشترطه بعضهم ـ حين يريد الزواج ـ في أنّ المرأة يجب أن تعمل ولا بدّ أن يكون لها عمل ودخل، خطأ طبعاً. إنّ هذا الشرط وإن كان لا يتعارض مع الشريعة، إلاّ أنّ الإسلام لا يوصي به أيضاً. فالذي نطرحه ـ استناداً إلى رأي الإسلام ـ بمنع المرأة من ممارسة النشاط الاقتصاديّ والاجتماعيّ، خطأ، فالإسلام لا يقول بمثل هذا. ولكن من الجهة الأخرى، فإنّ إرغام المرأة على مزاولة أعمال ثقيلة وتكاليف شاقّة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، لم يوصِ به الإسلام أيضاً4.

رأي الإسلام رأي وسط، أي أنّ المرأة إذا كان لديها الفراغ والوقت،
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
2- إشارة إلى الرأي المخالف للإسلام وهو الرأي السائد في العالم الغربي حول حقيقة المرأة وموقعيتها في المجتمع الإنساني.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
4- م.ن.
 
 
 
49

34

المرأة ومكانتها في الإسلام

 ولا تمنعها تربية الأطفال، وكانت لديها الرغبة والاندفاع والقوّة والقدرة، وأرادت الدخول في مجال النشاطات الاجتماعيّة والسياسية أو الاقتصادية، فلا مانع من ذلك. ولكن أن تُرغم ويقال لها: يجب أن تتّخذي لك عملاً، وتعملي بهذا القدر يومياً ليكون لك دخل وتشاركي بقسم من دخل الأسرة ونفقاتها، فهذا أيضاً ممّا لم يطلبه الإسلام من المرأة، وهذا يعدّ نوعاً من الفرض عليها1.


ذكرنا إذن في البعد الثاني ـ حيث مجال النشاط العلميّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ والسياسيّ وما شابه ذلك ـ بإيجاز أنّ الإسلام لا يجيز فرض شيء على المرأة أو إرغامها عليه، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي إغلاق الطريق بوجهها2.

إذا أرادت النساء الدخول في النشاطات الاجتماعيّة والسياسية، فلا مانع من ذلك، كما أنّ النشاط العلميّ ـ بطبيعة الحال ـ محمود جداً وله الأرجحيّة. إنّني أوصي العوائل بالسماح لفتياتها بالدراسة. ولا يتوهمنَّ أب أو أمّ ـ من باب التعصّب الدينيّ ـ وجوب منع الفتاة من مواصلة الدراسة العليا، كلّا، فالدين لم يأمر بمثل هذا، وهو لا يفرّق في اكتساب العلم بين البنت والابن. فإذا كان ابنكم يدرس الدراسات العليا، دعوا ابنتكم أيضاً تواصل دراستها العليا. دعوا فتياتنا يدرسن
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
 
 
 
50

35

المرأة ومكانتها في الإسلام

 ويكسبن العلم والوعي ليقفن على شأنهنّ ويعرفن قدر أنفسهنّ وليدركن مدى عقم وتفاهة وخواء دعايات الاستكبار العالميّ حول المرأة. ومثل هذه الأمور يمكن إدراكها في ظلّ الثقافة1.


فأكثر فتياتنا تديناً وثورية وعفّة وإيماناً اليوم، هنَّ من بين الشرائح المتعلمة. أمّا المتعلّقات بشؤون الزينة والبذخ، ومن يبغين الانسياق الأعمى وراء النموذج الغربيّ في نمط الملابس وطراز الحياة، فهنَّ على الغالب فارغات من الثقافة والمعرفة والمعلومات الكافية. ومن لديه معلومات كافية يمكنه التحكّم بسلوكه، والانقياد لكلّ ما هو حقّ وحقيقة وجميل.

وعلى هذا ينبغي أن تكون جميع الطرق مفتوحة في المجال العلميّ ليتاح التعلّم للفتيات حتّى في القرى. أوصي الآباء والأمّهات بالسماح لبناتهم الصغيرات بالذهاب إلى المدرسة للتعلّم، وإذا كان لديهنّ الاستعداد والرغبة فليكملن مراحل أعلى من الابتدائية حتّى يبلغن مراحل الدراسة العليا والدراسة الجامعية ليصبحن من جملة الناس المتعلّمين والمثّقفين في مجتمعنا الإسلاميّ2.

3- البعد الأُسريّ:
يُنظر إلى المرأة بصفتها عضواً في الأسرة، وهو الأهمّ من كلّ ذلك.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
2- م.ن.
 
 
 
51

36

المرأة ومكانتها في الإسلام

 أيّها الأعزّة، لم يعطِ الإسلام الرجل إذناً بالتسلّط على المرأة وفرض شيء عليها. قد جُعلت للرجل حقوق محدودة في الأسرة من باب كمال الحكمة والمصلحة، وكلّ من يتّضح له ذلك يؤمن حتماً أن قد جُعل للمرأة في مقابل ذلك ومن باب المصلحة، حقوق أيضاً.


لكلّ من المرأة والرجل خصائص وطباع وغرائز خاصّة به. ولو استثمرت تلك الطباع الخاصة بالرجل والمرأة بشكل سليم فإنّهما يشكّلان في الأسرة ثنائياً متكاملاً ومتجانساً ومنسجماً. ولكنّ التوازن يختلّ إذا تمادى الرجل، وكذا الحال إذا تمادت المرأة.

الإسلام جعل في الأسرة جزأين شبيهين بمصراعي الباب، أو كالعينين في وجه الإنسان، أو كرفيقي السلاح في خندق صراع الحياة، أو كشريكين في دكّان واحد، لكلّ واحد منهما خصائصه، وطباعه، وخصاله، ولكلّ منهما جسمه، وروحه، وفكره، وغرائزه، وعواطفه الخاصّة به. للمرأة خصائصها، وللرجل خصائصه. ولو عاش هذان الجزءان بتلك الحدود والموازين نفسها التي عيّنها الإسلام فسيشكّلان أسرة خالدة، وعطوفة، ومباركة ونافعة1.

في نهاية الأمر، الرجل هو الواجهة الخارجية داخل الأسرة، والمرأة هي الواجهة الداخلية، وإن شئتم أن تُعبّروا بلطفٍ أكثر، فإنّ الرجل هو غلاف (قشرة) حبة اللوز بينما المرأة هي لبّها. ويمكن
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
 
 
 
52

37

المرأة ومكانتها في الإسلام

 استخدام مثل هذه التعابير، الرجل هو أكثر ظهوراً، بنيته هي هكذا. لقد خلقه الله وجعله لهذا العمل، وخلق المرأة لعمل آخر. بناءً على هذا فإنّ البروز والظهور والعرض والإطلالة هي أكثر عند الرجل لهذه الخصوصيات وليس بمعنى الأفضلية. ففي القضايا الأساسية للإنسان - والتي تتعلّق به - لا فرق بين الرجل والمرأة1.


منطقيّة وعملانيّة الأحكام الإسلاميَّة
الإنسان هو الذي يسير على طريق التكامل والتعالي. ولا فرق بين الرجل والمرأة في الحقوق الاجتماعيّة، كما لا فرق بين الرجل والمرأة في الحقوق الشخصية والفرديّة. ولقد أعطي للمرأة بعض الامتيازات في بعض المسائل الشخصية والخاصّة. وكذا الأمر بالنسبة إلى الرجل. وذلك طبقاً لِما تقتضيه طبيعة كلّ منهما. هذا هو الإسلام، إنّه الأمْتن والأكثر منطقيّة والأكثر قوانينَ عملانيّة وضوابطَ، التي يمكن للإنسان أن يفترضها لكلا الجنسين، من بين القوانين والحدود الموجودة2.

وقد اتّخذ الإسلام موقفاً بارزاً فجعل المرأة في موضعها الحقيقيّ. إنّ جميع المقامات المعنوية والدرجات الإنسانية مقسّمة بين المرأة
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبـة ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الشعراء والمدّاحين، بتاريخ 01/05/2013م.
 
 
 
53

38

المرأة ومكانتها في الإسلام

 والرجل بالسويّة. المرأة في هذه الاُمور مساوية للرجل "من عمل صالحاً من ذكر أو اُنثى فلنحيينّه حياة طيّبة..."1. وفي موارد اُخرى فقد قدّمت المرأة على الرجل، وذلك إذا كانا أبوين لابن، فقُدّمت خدمة الابن لأمّه على خـدمته لأبيه، فحق الأمّ عليه أكبـر ووظيفتـه تجـاه أمّـه أعظم. وهـناك الكثير من الروايات في هذا الباب، فقد ورد أنّه جاء رجل الى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللّه من اَبرُّ؟ قال: "اُمّك"، قال: ثمّ من؟ قال: "اُمّك"! قال: ثمّ من؟ قال: "اُمّك". قال: ثم من: قال: "أباك"!2.


أي أنّ للمرأة ـ في معيار الأسرة وبين الأبناء ـ حقّاً أعظم من الرجل. طبعاً هذا ليس من باب ترجيح قسم على آخر، كلّا بل لأنّ النساء يتحمّلن العناء والمشاقّ أكثر من الرجال، فهذا هو العدل الإلهيّ، فكلّما كان العناء والمشقة أكثر كان الحقّ أعظم. أمّا في الأمور المالية، كحقّ رئاسة الأسرة، ووظيفة إدارة الأسرة، فهذه الاُمور متعادلة في الإسلام، ولم يضع الإسلام قانوناً يظلم فيه المرأة أو الرجل بمقدار ذرة واحدة، جعل حقاً للمرأة وآخر للرجل، جعل ثقلاً في كفّ المرأة وآخر في كفّ الرجل، وعندما يدقّق أصحاب الرأي والتحقيق في هذه الاُمور، يلاحظون ذلك3.
 

1-﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (سورة النحل، الآية 97).
2- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص159، باب بر الوالدين، ح7.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة السيدة زينب الكبرى عليها السلام، في طهران، بحضور حشود من الأخوات، بتاريخ 05/05/1415ه.ق.
 
 
 
54

39

المرأة ومكانتها في الإسلام

 هنا ركّز الإسلام على نقطة رئيسية، فبما أنّ الرجال أكثر خشونة وإرادتهم في مواجهة المشاكل وأجسامهم أقوى، كانت الأعمال المهمة والمسؤوليّات والقدرات المختلفة بأيديهم طوال أدوار التاريخ المختلفة، ممّا أعطاهم إمكانية استغلال الجنس الآخر. انظروا الى بلاط السلاطين ودور الأثرياء والأغنياء وأصحاب القدرة والمال، فمن منهم لم يفكّر ـ لماله أو منصبه أو قوّته ـ في التعرّض أو الاعتداء على المرأة بنحو ما؟ هنا وقف الإسلام بكل قوّته وأعطى الكثير من اهتمامه لبناء الأسرة، فجعل حدّاً بين الرجل والمرأة في المجتمع، فلا يحقّ لأحد تجاوز هذا الحدّ أو إزالته. فعلاقة الرجل بالمرأة في الأسرة تكون بصورة معينة، وعلاقته بها في المجتمع بصورة أخرى، فإذا تحطّمت الضوابط والحدود التي وضعها الإسلام حائلاً بين المرأة والرجل في المجتمع، تهدّمت معها الروابط الأُسريّة أيضاً1.


1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة السيدة زينب الكبرى عليها السلام، في طهران، بحضور حشود من الأخوات، بتاريخ 05/05/1415ه.ق.

 

55


40

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

القضية العالمية للمرأة
إنّ قضية المرأة، والتي ينبغي تسميتها اليوم في العالم "أزمة المرأة"، تُعدّ من أكثر القضايا أهمّية في أيّ مدينة ومجتمع وبلد1.

إنّ تعبير "أزمة المرأة" يثير العجب. وفي يومنا هذا تُطرح قضية أزمة الماء والهواء، وأزمة المياه، وأزمة الطاقة، وأزمة الاحتباس الحراريّ، كقضايا أساس عند البشرية، ولكن لا يُعدّ أيّ منها كذلك.

إنّ أكثر الأشياء التي تُعد مشاكل أساساً للبشرية ترجع إلى تلك القضايا التي ترتبط بالمعنويات والأخلاق والسلوك الاجتماعيّ للبشر بينهم، ومنها قضية الرجل والمرأة وموقعية المرأة وشأنيّتها في المجتمع، حيث يُعدّ هذا في الحقيقة أزمة. غاية الأمر أنّهم لا يتوجّهون إليها ولا يطرحونها، والسياسات المتسلّطة على العالم لا تعتبرها من شأنها، ولعلّهم يعتبرون أنّ طرح هذه القضية مخالفٌ لتطلّعاتهم من الأساس2.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.
2- م.ن.
 
 
 
57

41

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 أسباب وجوب التصدّي لبحث قضية المرأة

ينبري بعض للقول: ما الداعي لمثل هذه الحركة1؟ وما الذي تعوزه المرأة في مجتمعنا؟ من المؤسف أنّ بعض الناس يفكّر بهذا النمط، وهذه نظرة سطحية، فالمرأة في كلّ المجتمعات ـ ومنها مجتمعنا ـ تعاني من الظلم ومن نواقص تفرض عليها. ولا نعني من النقص الذي نرفضه هو ما يعنيه الغربيون، بل المقصود به قلّة ميادين وفرص التعلّم والمعرفة والتربية والأخلاق والتقدّم وتفتّح الطاقات. (فلا بدَّ من السعي لبحث قضية المرأة للأسباب الآتية):
1- بلوغ المرأة الكمالات المعنويّة والأخلاقيّة والمعرفيَّة:
هذا من أهمّ ما يجب التنقيب عنه وضمانه. فإذا استطاع المجتمع الإسلاميّ تربية المرأة وفقاً للأُسوة الإسلامية، اقتداءً بالزهراء وبزينب، وأن ينشئ نساءً عظيمات قادرات على التأثير على العالم وعلى التاريخ، حينذاك تبلغ المرأة مقامها الحقيقيّ والشامخ. وإذا حصلت هي على نصيبها، الذي فرضه اللّه والشريعة الإلهية للناس جميعاً رجالاً ونساء، من العلم والمعرفة والكمالات المعنوية والاخلاقية، فستكون تربية الأطفال عند ذاك أفضل، وأحضان العائلة أكثر دفئاً ونقاءً، والمجتمع أكثر تقدّماً، ومشاكل الحياة أسهل حلاً، بمعنى أنّ
 

1- حركة التصدّي والسعي الثقافي لبحث قضية المرأة.
 
 
 
58

42

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 الرجل والمرأة يذوقان طعم السعادة1. لهذه الغاية يجب أن تُبذل الجهود، وهذا هو الهدف المنشود، وليست الغاية والهدف عملية حشد النساء في خندق في مجابهة الرجال أو لإثارة تنافس عدائيّ بينهم. بل إنّ الغاية هي أن تسلك النساء والفتيات المسار نفسه الذي إذا سلكه الرجل يغدو إنساناً عظيماً وكبيراً، ليصبحن هنّ عظيمات أيضاً. وهذا الأمر يسير المنال وقد وقع في الإسلام2.


2- أهميّة مسألة الأسرة وتأثيرها على المجتمع:
إنّ مسألة الأسرة هي مسألة مهمّة جداً، هي القاعدة الأساس للمجتمع، والخلية الأساس في المجتمع، و(لكن) ليس بمعنى أنّه إذا كانت هذه الخلية سليمة، فإنّ السلامة ستُرى في بقية الأجزاء، أو أنّها إذا فسدت فإن باقي الأجزاء ستفسد بتبعيّتها، بل (بمعنى) أنّها إذا كانت سليمة فإنّ الجسم (سيكون) سالماً، لأنّ الجسم ليس شيئاً آخر غير الخلايا، وكل جهاز هو عبارة عن مجموعة من الخلايا، إذا استطعنا أن نحفظ هذه الخلايا سالمة، فسيكون الجهاز سليماً. المسألة مهمّة إلى هذا الحدّ.

في الأساس، لا يمكن للمجتمع الإسلاميّ أن يتقدّم ما لم ينعم البلد بمؤسسة أسرية سليمة وحيوية ونشيطة. لا إمكان للتقدّم في
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
2- م.ن.
 
 
 
 
59

43

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 المجالات المختلفة، والمجالات الثقافية خاصة، بدون أُسر جيدة، فالأسرة ضرورة، ولا يتناقض ذلك مع القول بأنّه لا يوجد أسرة في الغرب ولكن يوجد تقدّم.


إنّ ما تظهر مؤشّراته بشكل أكبر، يوماً بعد يوم، في خراب مؤسسة الأسرة في الغرب، سوف يلقي بظلاله وآثاره (على الغرب)، لا داعي للاستعجال، فالأحداث العالمية والتاريخية ليست بالأمر الذي تظهر آثاره فوراً وبسرعة، بل تظهر بشكل تدريجيّ، مع أنّه لا تزال تؤثّر حتّى الآن. في الزمن الذي أنتج الغرب هذا التطوّر كانت الأسرة هناك لا تزال محافظة على بنيانها، حتّى مسألة العلاقة بين الجنسين كانت لا تزال مضبوطة من خلال رعاية الأخلاق الجنسية، بالطبع ليس بشكلها الإسلاميّ، وإنّما بأسلوبها الخاصّ.

من لديه اطّلاع على المعارف الغربية، سواء في أوروبا أو في أمريكا، يرى ويشاهد هذا الأمر، حيث كان هناك رعاية للأخلاق بين الجنسين وكان هناك حياء واجتناب للتهم وما شابه. لقد نشأ هذا الفلتان وهذه الإباحية بشكل تدريجيّ، وقد مهّدوا الأرضية لهذا في ذلك الزمن، واليوم وصلوا إلى هذا المستوى. لذلك فإنّ أوضاعهم اليوم ستنتج مستقبلاً مرّاً وصعباً جداً لهم. هذا هو السبب الثاني1.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
 
 
 
60

44

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 3- وجوب الردّ على الاتّهامات الغربيّة:

في هذه الاثنتين والثلاثين عاماً، لطالما كانت مسألة المرأة على رأس لائحة الاعتراض علينا من قبل الأعداء. منذ بداية الثورة، اعترضوا علينا وجعلوها في مستوى الإرهاب ونقض حقوق البشر. يومها لم يكن معلوماً (بالنسبة لهم) كيف سيتعامل المجتمع الإسلاميّ مع جنس النساء. بدأوا بحملتهم: الإسلام ضدّ المرأة، الإسلام هو هكذا وهكذا. وبالطبع فإنّهم لا يزالون مستمرّين في هذا حتّى اليوم.

حسناً، كان علينا أن نواجه وندافع. في المقابل، لا يمكن الاستخفاف بالرأي العامّ العالميّ، فلا يمكن اعتبار الجميع مُغرضين، وليس الكلّ خبيثاً، الخباثة خاصّة بمجموعة معيّنة، من السياسيين وصنّاع السياسة والمخطّطين وأمثالهم، ينبغي لنا أن لا نسمح بأن يصبح عامّة الناس عرضة لهذا التضليل الكبير، لذا ينبغي أن نتصدّى.

علينا أن نذكر أيضاً، أنّ الغرب يتهرّب عمداً من طرح مسألة الأسرة، في جميع الأبحاث التي يجرونها، هناك بحث حول المرأة ولكن لا يوجد أثر لبحث الأسرة. إنّ الأسرة هي نقطة ضعف الغرب. إنّهم يطرحون مسألة المرأة ولكن لا يذكرون حتّى اسم الأسرة، مع أنّ المرأة ليست منفصلة عن الأسرة، وبناءً على هذا، فإنّ التصدّي لهذه المسألة أمر ضروريّ1.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
 
 
 
 
61

45

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 منهجيّة البحث في القضيّة

1- التمسّك بالأحكام والأسس الإسلاميَّة:
لا بدّ من انبثاق حركة في المجتمع الإسلاميّ وفي مجتمعنا لإحقاق حقوق المرأة، ولكن بشرط أن تقوم على أساس إسلاميّ ولأهداف إسلامية1.

ونحن اليوم إذا شئنا إيجاد حركة حقيقية وأساسية للمرأة في بلدنا ليتسنّى لها بلوغ مكانتها المنشودة، لا بدّ من أن نأخذ الأحكام الإسلامية بعين الاعتبار ونستلهم منها ما ينبغي لنا فعله، فأحكام الإسلام هي التي تحدّد لنا مسارنا، كما وأنها تتّسع لكلّ أسلوب عقلائيّ وترتضيه. فإن كانت ثمة تجربة مقبولة في موضع ما، فلا بأس بالاستفادة من تجارب الآخرين، على أن لا يكون فيها تقليد2.

2- تحديد الغاية والهدف والشعارات3:
(السؤال الأول) لا بدّ من استيعاب الهدف الذي نسعى إليه من وراء إحقاق حقّ المرأة، أو توفير الظروف الكفيلة بتكاملها ورفع الظلم عنها أو الحديث عن أوضاعها، وما هي الغاية التي نرمي إليها عبر هذه المساعي والكتابات والأقوال والتشريعات القانونية. هذا سؤال لا مناص من الإجابة عنه.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
2- م.ن.
3- م.ن.
 
 
 
 
62

46

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 السؤال الثاني هو ما هي الشعارات والأدوات الكفيلة بإيصال المرأة إلى مكانتها الحقيقية؟ إنّنا نلاحظ اليوم في البلدان الغربية والبلدان السائرة في ركب الثقافة الغربية شيئاً باسم حركة الدفاع عن حقوق المرأة، فهل ما نشاهده اليوم في إيران الإسلامية هو عين ما يجري هناك، أو مشابه له، أو مغاير له؟ يجب أن يعرض في هذا الصدد سؤال جادّ ويلقى الجواب الجادّ.


(إنّ) الهدف من السعي الثقافيّ والحقوقيّ لإيصال المرأة إلى المرتبة المنشودة على الصعيدين الاجتماعيّ والفرديّ، يمكن أن يُصوّر بأحد الوجهين:
الأول: أن نسعى ونكافح ونكتب من أجل بلوغ المرأة كمالها، أي أن تنال المرأة في المجتمع حقوقها الإنسانية والحقيقية أولاً، وثانياً من أجل ازدهار طاقاتها ولتبلغ نضجها الحقيقيّ والإنسانيّ، لتصل في نهاية المطاف إلى كمالها الإنسانيّ، ولتتّخذ المرأة في المجتمع صورتها الإنسانية الكاملة وتصبح إنسانة قادرة على المساهمة في تقدّم الإنسانية وتقدّم مجتمعها، ولتعمل، في حدود إمكاناتها، لتحويل العالم إلى بناء مزدهر وجميل.

الثاني: أن نرمي من وراء هذا الجهد وهذا العمل إلى خلق حالة من الصراع والتناحر والتنافس العدائيّ بين جنسي الرجل والمرأة، وإيجاد عالم محوره التنافس، وكأنّ الرجال في المجتمع الإنسانيّ في جانب والنساء في الجانب الآخر، وهما يتناحران على المكاسب، وتريد
 
 
 
 
 
63

47

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 المرأة في هذا الحقل التغلّب على الرجل! فهل هذا هو الهدف؟


إذن يمكن تصّور شكلين من الغاية لهذا المسعى ولهذه الحركة، أوّلهما إسلاميّ، وثانيهما محور لرؤية قصيرة النظر، وهو ما نشاهده بشكل أكبر في المساعي الجارية في البلدان الغربية.

فالسؤال الأول الذي يستلزم الإجابة والتوضيح هو: ما الهدف المراد إنجازه عبر الجهود الداعية لضمان حقوق المرأة؟

السؤال الثاني الذي يحظى بنفس القدر من الأهمية، هو أنّنا حينما نتحدّث عن المرأة وندافع عن حقّها، ما هي الشعارات التي نطرحها وبماذا نطالب وما الغاية التي نسعى من أجل بلوغها؟ هذه النقطة لها أهميّتها. وهنا نجد أيضاً أنّ الرؤية الإسلامية ـ أي ما يُستشفّ من الدراسات الإسلامية والمعارف حول المرأة والتعاريف الإسلامية لها ـ تختلف عمّا هو موجود اليوم في الغرب.

3- تجنّب التقليد الأعمى والمواقف الانفعاليَّة1:
كلّ حركة اجتماعية إنّما تكون صحيحة وتحقّق مكاسب سليمة وذات أهمية، فيما لو كانت أُسسها مبنيّة على العقل والتأنّي والتشخيص والمصلحة. ولا بدّ من وجود عين هذه المثل في كلّ حركة يراد بها إحقاق حقّ المرأة، أي أن تتّصف بالرؤية العقلانية المبنيّة أُسسها وفقاً لحقائق الوجود. بمعنى دراسة طبيعة وفطرة
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
 
 
 
 
64

48

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 المرأة وطبيعة وفطرة الرجل والمسؤوليّات والمشاغل الخاصة بكلّ من المرأة والرجل، وكلّ ما هو مشترك بينهما، بعيداً عن المواقف الانفعالية وأُسلوب تقليد الآخرين، إذ إنّ أيّة حركة منشؤها الموقف الانفعاليّ والقرار المتسرّع والتقليد الأعمى، ستكون بدون شكّ حركة ذات ضرر بليغ.


إذا كان بعض الناس في مجتمعنا وفي بلدنا يتحدّث عن المرأة وحقوق المرأة كردّ فعل على ما تشيعه التقارير أو المجلّات الغربية أو بعض الساسة الغربيّين ويتّهمون فيه إيران الإسلامية بعدم مراعاة حقوق المرأة، فموقفهم هذا مغلوط، ويجب عدم الدخول إلى المعترك بمثل هذه الغاية، حيث إنّه سيقود إلى الانحراف والزلل. ولو أنّنا دخلنا معترك الدفاع عن حقّ المرأة بمثل هذه الغاية (والنية)، وبهدف عدم التخلّف عن الركب الغربيّ في هذا المجال، فسنوقع أنفسنا في الزلل. وإذا فعلنا ذلك بهدف أن لا يحملوا عنّا نظرة سلبية، نكون مخطئين. وإذا فعلنا ذلك معتقدين أنّهم قد سلكوا المسار الصحيح نكون مخطئين أيضاً. لا ينبغي أساساً دخول الساحة بمثل هذه الغايات والنوايا المغلوطة.

من دواعي الأسف أنّني أُلاحظ اليوم بعض المقالات التي تكتب بقصد الدفاع عن المرأة، وبعض الأحاديث التي تتداولها الألسن في حقل إحقاق حقوق النساء، نابعة من مواقف انفعالية مؤدّاها أنّ الغربيين قالوا كذا، أو أنّ الأوربيين كتبوا كذا، أو أنّهم نسبوا إلينا كذا.
 
 
 
 
65

49

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 ونحن إذا أردنا في مثل هذه الحالة اتّخاذ موقف دفاعيّ أو سلوك سبيل معيّن فستكون هذه الحالة سبباً للزلل والانحراف. ولهذا السبب يجب علينا النظر إلى الحقائق الموجودة في عالم الكون، وجملة هذه الحقائق تتضمّنها التعاليم الإسلامية1.


4- عدم مجاراة الغربيّين:
يقوم بعض الناس بتبديل وتغيير بعض حقائق وواضحات الأحكام الإسلاميّة كي لا ينزعج الغربيّون! يقول القرآن: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾2. لا ينبغي اتّباع الفكر الرائج في عالم الجهل والخرافة، بل يجب الوصول إلى الفكر الإسلاميّ واتّباعه والسير خلفه، حتّى لو انزعج بعض وقالوا ما قالوا3.

من الخطأ أن نحاول التحدّث عن المرأة بما يتعارض ورأي الإسلام الذي هو مدار عزّتها، من أجل استرضائهم. لماذا يتحدّث بعض الناس عن المرأة أو عن حقوق الإنسان بشكل يوحي وكأنّنا يجب أن نسعى لتقريب أنفسنا إلى آراء الغربيّين ومماشاتهم؟ إنّهم مخطئون، بل اُولئك الذين يجب أن يقرّبوا آراءهم منّا، وهم الذين يفترض بهم أن يصحّحوا آراءهم
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
2- سورة الأنعام، الآية 116.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
 
 
 
66

50

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 المغلوطة والباطلة فيما يخصّ قضية المرأة وحقوق الإنسان، والحرية، والديمقراطية، لتطابق آراء الإسلام1.


المباحث الأوليّة في قضيّة المرأة2
باعتقادي أنّ هناك مسألتين أهمّ من غيرهما(في بحثنا لقضية المرأة)، بل الأولى القول إنّهما عاجلتان أكثر من غيرهما:
الأولى: مسألة إعطاء أهميّة واعتبار أكبر للمنزل والعائلة. أي أن يكون للمنزل شأن أكبر، إذ لا يمكن تصوّر إنسان بدون منزل، بدون مسكنٍ ومأوى، فكلّ إنسان يحتاج إلى المنزل، وإلى بيئة المنزل، والعائلة عبارة عن روح المنزل. ويجب الاهتمام بها، والتفكّر والتدبّر في أمرها.

الثانية: الحيلولة دون ضعف المرأة وظلمها، وفي مختلف المستويات. لدينا في بلادنا نساء ضعيفات، محرومات، نساء مظلومات مقهورات، يجب الحؤول دون هذا الظلم الواقع. ويجب وضع قوانين مهمّة، ولا بدّ من وجود خُلقيّات لازمة، وآداب وأعراف ينبغي أن تتحقّق في شتّى المستويات، لحماية المرأة من التعرّض للاضطهاد في الأمور التالية: المعاشرة، الجنس، الثقافة والفكر. أي من الأمور
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة إقامة مؤتمر إحياء ذكرى 36 ألف شهيد من محافظة طهران، في طهران، بحضور أُسر شهداء محافظة طهران والقائمين على المؤتمر، بتاريخ 29/12/1417ه.ق.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات، بمناسبـة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات والحوزويات والجامعيات، بتاريخ 11/05/2013م.
 
 
 
 
67

51

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 الشخصيّة والخصوصيّة جدّاً كالجنس، الذي يمكن أن تضطهد المرأة فيه، إلى المسائل العامّة، كالمعاشرة والعائلة. ففي مسألة العائلة: الاحترام من قبل الزوج، من الأبناء، من الأب ومن الأخ، فإذا كانت المرأة محترمة ومُكرّمة في محيط العائلة، فإنّ جزءاً مهمّاً من مشاكل المجتمع سيُحلّ. يجب أن نجعل الأبناء يُقبّلون يد الأم. وهذا ما يصبو إليه الإسلام، أن تكون العائلات أكثر تديُّناً وأخلاقاً وقُرباً من المفاهيم الدينيّة. أن تكون العلاقة بين الأبناء والأمّ تكريميّة. وهذا لا يتنافى أبداً مع العلاقات العاطفيّة والحميمة بين الأمّ والأبناء.


بعد هاتين النقطتين، يوجد مسائل مهمّة أخرى: مسألة الزواج والنجاة من العزوبيّة، يجب إحصاء عقبات الزواج، الأمر الذي أشارت إليه السيّدات اللواتي ينْشطن في هذا المجال، وأنا راضٍ جدّاً، لأنّه، وبحمد الله، يجري الخوض في هذه المسائل. مسألة الستر، مسألة المعاشرة، فنحن بحاجة للقيام بعمل أساس في هذا المجال. مسألة الحماية المالية والحقوقيّة للنساء المحرومات أو المظلومات، وكانت المحاكم من الأمور التي تشغل بالي، وقد أشارت السيّدة "خُراساني رضوي" إلى أنّه يتمّ العمل على ذلك في المحاكم، أتمنّى حقّاً أن يتحقّق ذلك بشكل عملانيّ.

ومن الأمور الأخرى التي تشغل بالي وتقلقني، أن لا تمتلك هؤلاء السيّدات القدرة على الدفاع عن أنفسهنّ في المحاكم وأمام القضاء، أن لا يمتلكن المال الكافي لتعيين المحامين الجيّدين،
 
 
 
 
 
68

52

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 مطّلعات على أعمال وإنجازات بعضهنّ بعضاً. حسن، لدينا، والحمد لله، هذا الكمّ من النساء العاقلات والنُخب، في مختلف المجالات، وبآراء مختلفة، فيجب الإفادة من هذه المجموعة العظيمة1.


مسؤوليّاتنا تجاه المرأة وقضيتها
لتقدّم المرأة ثلاثة أبعاد:
الأول: التقدّم الثقافيّ وتفتّح الطاقات.
والثاني: إنضاج وتنظيم العلاقات الأسرية.
والثالث: إبداء وتبيين الرؤية الإسلامية لقضايا المرأة الحقوقية منها والاجتماعيّة وما إلى ذلك...

إذا أريد أن يتحقّق عمل على هذا الصعيد فلا بدّ من أن يتحقّق على هذه الأبعاد الثلاثة2.

نُشير هنا إلى بعض النقاط الأساسية (الأخرى) التي تسترعي الاهتمام وهي3:
1- تنمية الجانب العلميّ والفكريّ للمرأة:
النساء أنفسهنّ مطالبات بالنظر في إشاعة الأفكار السليمة بينهنّ،
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات، بمناسبـة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات والحوزويات والجامعيات، بتاريخ 11/05/2013م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ميلاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الأخوات المؤمنات العاملات في حقل الثقافة والإعلام، بتاريخ 19/06/1419ه.ق.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
 
 
 
70

53

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 والاتّجاه صوب المعارف والمعلومات والمطالعة والشؤون الأساسية في الحياة. لقد كانت التربية الغربية المغلوطة في العهد الطاغوتيّ في هذا البلد هي التي دفعت المرأة نحو التبرّج والزينة والتظاهر الذي لا مبرّر له. وهذه الظاهرة أيضاً من علائم سيادة الرجل، إذ إنّ من جملة علائم سيادة الرجل عند الغربيين هي أنّهم أرادوا أن تكون المرأة للرجل، لذلك تجد نفسها مدعوّة للزينة والتبرّج لأجل أن يلتذ الرجل! وهذا من مظاهر سيادة الرجل، وليس فيه حريّة للمرأة بل يمثّل في الواقع حرّية للرجل الذي يراد له أن يتلذّذ حتّى ببصره، وهو سبب تشجيعهم المرأة على السفور والتبرّج. هذه الانانية تستحوذ على الكثير من الرجال في المجتمعات البعيدة عن دين اللّه منذ العهود القديمة، ولا زالت مستشرية حتّى اليوم، ويعكس الغربيّون أعلى مظاهرها.


إذن لا بدّ من أن تكون النظرة جادّة إلى قضية اتّجاه المرأة نحو المعرفة والعلم والمطالعة والوعي واكتساب المعلومات، وأن تعطى لها الأهمية اللازمة من قبل النساء أنفسهنّ.

2- إصلاح القوانين:
حيث إنّ بعض القوانين التي تتعامل مع الرجل ومع المرأة تتطلّب الإصلاح. وهذا يفرض على ذوي الاختصاص دراسة تلك القوانين واصلاحها.

3- تبيين رأي الإسلام بشأن المرأة:
ومن الأعمال الأُخرى المهمة وجوب تبيين وإيضاح رأي الإسلام
 
 
 
 
71

54

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 بشأن حقوق المرأة وحقوق الرجل. والسيدات أنفسهنّ مطالبات ببذل الجهود في هذا المجال. ولكن العبء الأكبر يقع على عاتق المطلّعين على المعارف الإسلامية، إذ يجب عليهم بيان مواضع التفاوت بين حقوق المرأة وحقوق الرجل، ليدرك الجميع أنّها مسنونة على أساس الفطرة والطبيعة البشرية لكلّ منهما ووفقاً لمصالح المجتمع. ولا شكّ أنّ أعمالاً جيّدة قد أنجزت في هذا المضمار، واليوم يجب أن يُصاغ هذا العمل بلغة العصر، وإلاّ فمن يدقّق النظر في الأعمال التي أنجزت فيما مضى في هذا المضمار يذعن ويصدّق أنّ الأحكام الإسلامية مبنيّة تماماً على جوهر الفطرة والطبيعة البشرية.


4- اجتناب المباحث المضلّلة:
النقطة الأُخرى هي وجوب الابتعاد عن الدراسات المنحرفة في هذا الموضوع. فبعض الناس قد ينزلق إلى بحوث منحرفة تحت مظلّة الدفاع عن حقّ المرأة، كأن يعمد إلى إثارة مسائل من قبيل مسألة الديَة وما يحذو حذوها، لأنّ رأي الإسلام بشأن المرأة والرجل صريح لا لبس فيه. وكما سبقت الإشارة فإنّ رأي الإسلام في شؤون الأسرة صريح أيضاً وواضح. وليس ثمة فائدة تجنى من إثارة أمثال هذه المواضيع، ولا يتمخّض عنها سوى اللفّ والدوران وإيجاد الانحراف في الأذهان، وعمل كهذا لا يوصف بالصواب والمنطق. يجب اجتناب البحوث المضلّة لأنّها لا تصبّ في مسار الاتّجاه السليم لهذا الموضوع.
 
 
 
 
 
72

55

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 5- الدفاع عن المرأة:

ثمّة قضيّة أُخرى تسترعي الاهتمام بها وهي وجوب الدفاع الأخلاقيّ والقانونيّ عن المرأة وخاصّة داخل الأسرة. والدفاع القانونيّ يتمّ عبر إصلاح القوانين ـ كما سبقت الاشارة ـ ومن خلال تشريع القوانين الكفيلة بإنجاز هذه المهمّة. أمّا الدفاع الأخلاقيّ فإنجازه يتيسّر عن طريق مواجهة الأشخاص الذين لا يدركون الحقائق ويعاملون المرأة في البيت كمستخدمَة ويظلمونها ويعتبرونها غير مؤهّلة للرقيّ المعنويّ. ويجب التصدّي لمثل هذه الآراء بشدّة ولكن بشكل منطقيّ وعقلانيّ.

6- التمسّك بعفّة المرأة:
القضية الأُخرى هي الاهتمام بشأن العفاف عند المرأة. وكلّ حركة تنبري للدفاع عن المرأة يجب أن تجعل ركنها الأساس التمسّك بعفاف المرأة. وكما سبق لي القول بأنَّ الغرب وبسبب إهماله لهذا الجانب، آلت الأُمور فيه إلى ما آلت إليه من التفسّخ والتحلّل. فجانب العفاف عند المرأة ـ وهو أهمّ عنصر في شخصيتها ـ يجب أن لا يكون عرضة للإهمال. عفّة المرأة وسيلة لتكريمها ورفع منزلتها في نظر الآخرين، وحتّى في نظر الرجال المتحلّلين وأتباع الشهوات، وهي في الحقيقة جوهر احترامها وتقديرها. وليست مسائل الحجاب والأجنبيّ وغير الأجنبيّ، وإباحة النظر أو تحريمه إلّا لأجل صيانة العفاف.
 
 
 
 
73

56

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 الإسلام يُعنى كثيراً بعفاف المرأة. كما أنّ عفاف الرجل ـ بطبيعة الحال ـ مهمّ أيضاً. لأنّ العفاف لا يختصّ بالمرأة، فالرجل أيضاً يجب أن يكون عفيفاً. ولكن بما أنّ الرجل يتمتّع بقوّة بدنية تفوقها، فهو قادر على الإساءة إليها ومعاملتها بما لا ترضاه. ولهذا كان التأكيد على عفّة المرأة أكثر.


ولو أنّكم نظرتم اليوم إلى العالم لوجدتم أنّ من جملة المشاكل التي تكابدها المرأة في العالم الغربيّ، وخاصة في الولايات المتحدة، هي ركون الرجل إلى قوّته في التجاوز على عفّة المرأة. وقد اطّلعتُ على الاحصائيات الصادرة من جهات رسمية في أمريكا نفسها، كانت إحداها صادرة عن جهات قضائية، والثانية عن جهة أُخرى، كانت الأرقام رهيبة حقّاً، ففي كلّ ستّ ثوان تقع في أمريكا حادثة اعتداء قسريّ (اغتصاب)! لاحظوا مدى أهمية العفّة، وما تؤول إليه الأُمور إذا قوبلت بالاهمال! حادثة اعتداء بالعنف كلّ ستّ ثوان، رغم إرادة المرأة، يقوم بها الرجل الظالم المتسلّط المتهتّك، فيعتدي على حريم عفّة المرأة. الإسلام يلاحظ كلّ هذه الجوانب، وهذا هو سبب تأكيد الإسلام بشدّة على مسألة الحجاب.

إذن الاهتمام بموضوع العفّة والتمسّك بالحجاب من الأمور الأُخرى التي يؤكّد عليها الإسلام.

7- تعليم المرأة:
هناك أيضاً موضوع تربية وتعليم المرأة، وهو ما أكّدت عليه
 
 
 
 
74

57

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 مراراً. ومن حسن الحظ أنّ تعليم وتربية المرأة من الأُمور الشائعة في مجتمعنا. ولكن في الوقت نفسه لا زالت هناك عوائل تمنع بناتها من اكتساب العلوم. فإذا كانت أجواء الدراسة يوماً ما أجواءً موبوءة، فهي ليست كذلك اليوم في عهد النظام الإسلاميّ. يجب على هذه العوائل السماح للفتيات بالتعلّم والدراسة والمطالعة والاطّلاع على المعارف الدينية والإنسانية من أجل تقوية أذهانهنّ. هذا العمل له ضرورة قصوى ولا بدّ من تحقيقه.


8- التصدّي لظاهرة الاعتداء البدنيّ على المرأة:
الموضوع الآخر هو وجوب التصدّي الشديد، قانونياً وأخلاقياً، لمن يبيح لنفسه التجاوز على المرأة. والقانون أيضاً يجب أن يتضمّن عقوبات صارمة لمثل هذه المخالفات. وأُشير ثانية إلى أنّ الدول الغربية ورغم جميع الشعارات التي تنادي بها إلّا انّها لم تستطع حتّى الآن ضمان عدم وقوع هذه التجاوزات. أي أنّ هناك نساءً يتعرّضن للضرب من أزواجهنّ، وفتيات يُضربن وقد يصل (الضرب إلى) حدّ الجرح على يد آبائهنّ. وهناك إحصايئات رهيبة ومثيرة في هذا الخصوص، ناهيك عن شيوع ظاهرة أُخرى هناك وهي القتل، إذ إنّ الدماء هناك تراق بكلّ بساطة. واستقباح القتل في الأجواء الإسلامية ليس موجوداً ـ وللأسف ـ في تلك الأجواء التي لا تعرف شيئاً عن المعارف الإلهية.

وظاهرة قتل النساء التي هي من البلايا المستهجنة والقبيحة
 
 
 
 
 
75

58

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 جداً، أمر شائع في البلدان الغربية ـ خاصة أمريكا ـ ومن حسن الحظّ أنّها ليست كذلك في بلدنا، ولا تقع إلّا في حالات نادرة جداً. ولكن على كلّ الأحوال لا بدّ من التصدّي بشدّة لأي اعتداء بدنيّ على المرأة لكي يتسنّى لمجتمعنا بلوغ المستوى الذي يصبو إليه الإسلام في هذا المجال.


مسؤولية الزوج والأسرة تجاه المرأة
إنّ احترام المرأة وتكريمها اليوم مسألة ينبغي إعطاؤها اهتماماً وعناية خاصَّيْن. على الرجال، سواء رجال العائلة كالآباء والإخوة والأزواج، أو الرجال في محيط عملها ، أن يتصرّفوا معها بكلّ احترام ومحبّة، إلى جانب النجابة والعفّة. لذا يجب وضع الخُطط والبرامج من أجل حفظ قضية تكريم المرأة، ووضوح واجباتها، واجباتنا تجاهها.

ولحسن الحظّ فإنّ يوم المرأة، متزامن1 ويوم مولد سيّدة نساء العالمين السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام. وعليه إذا استطعنا أن نفكّر بشكل صحيح، ونقرّر بشكل صحيح، ونعمل بشكل صحيح، في قضيّة المرأة والعائلة والأمّ والزوجة، فيمكننا حينها أن نطمئنّ إلى مستقبل البلاد2.
 

1- في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبـة ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الشعراء والمدّاحين، بتاريخ 01/05/2013م.
 
 
 
76

59

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 إنّ أيّة امرأة متى نشأت على هذه التربية وحيثما كانت وفي أية أُسرة كانت، يمكنها بلوغ العظمة التي لا تختصّ بعصر صدر الإسلام، بل يتيسّر بلوغها حتّى في عهود الكبت وفي عهود تسلّط الكفر. وكل أُسرة تربّي فتاتها تربية سليمة، تصبح تلك الفتاة أمرأة عظيمة1.


مسؤوليّة المرأة تجاه قضيّتها
أيّتها النساء الكريمات، وخاصّة الفتيات منكنّ، حيث أمامكنّ عمر أطول، ينبغي أن تسخّرن الإمكانات التي خلقها اللّه في هذا العالم من أجل تكامل الإنسان، فيجب معرفتها معرفة دقيقة ومعرفة السبيل المؤدي إليها، فأنتنّ إذن بحاجة إلى التفكير في هذا. وأمامكنّ أيضاً قضية المجاهدة لرفع الحيف عن المرأة، ولا بدّ لكُنَّ من معرفة الآراء المعروضة، وما هو الضروريّ، وما هو الضارّ منها2.

إنّ مسألة المرأة مسألة مهمّة، وأفضل من يستطيع أن يتابع هذه المسألة ويحلّها هم السيّدات أنفسهنّ. ونحن لا نعاني نقصًا أبدًا في تعداد السيّدات المتعلّمات والمثقّفات وذوات الفكر النيّر والاستعداد، وذوات البيان الحسن والقلم المعبّر والحسّ المبادر، بحمد الله، هنّ اليوم كثيرات جدًّا في بلدنا. وكما ذكرت لم يكن لدينا أبدًا، وفي
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
2- م.ن.
 
 
 
 
77

60

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 أيّ مرحلة من تاريخ بلدنا، كلّ هذه النسبة من النساء المتعلّمات والحكيمات، والشخصيّات البارزة، والشاعرات والباحثات والمحقّقات في الفروع المختلفة. لحسن الحظّ، هنّ كثيرات اليوم ببركة النظام الإسلاميّ، وبركة الإسلام، وبركة الجمهوريّة الإسلاميّة، وببركة تلك النظرة الواضحة المنيرة التي تحلّى بها الإمام الخمينيّ قدس سره بالنسبة إلى قضيّة المرأة. ولم نمتلك مثل هذا الوضع أبدًا في السابق في بلدنا.


يجب... النظر إلى الإرشادات الإلهيّة وترك النظر إلى التعاليم الماديّة التي يحملها ويروّج لها الغربيّون والأميركيون حاليًّا، وبالمناسبة، فإنّهم وقحون جدًّا - وكأنّ لهم دَينًا على الآخرين 
يطلبونه - وفارغون جدًّا أيضًا! وإذا خالف أحدٌ أفكارهم وكلامهم، فإنّهم يهاجمونه إعلاميًّا، ولكن ينبغي عدم الاعتناء بهم، يجب أن تتقدّمن، بإذن الله1.

مسؤولية الإعلام تجاه المرأة
من أجل تقدّم وتطوّر ما عرضناه حول المرأة، وما سمعناه منكنَّ، وما يُفكَّرُ فيه، يستوجب أن يكون لمؤسّسة الإذاعة والتلفزيون دور كبير، وهم يستطيعون ذلك. تستطيع مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، أن تقوم بعمل ثقافيّ تجعل فيه السيّدات المؤمنات، الفعّالات،
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
 
 
 
 
78

61

قضيَّة المرأة في الفكر الإسلاميّ

 المجاهدات في سبيل الله، المحجّبات، المتمتّعات بخصائص المرأة المسلمة، محترمات ومُكرّمات في المجتمع. 


بينما يريد الآخرون حصول عكس ذلك. وللأسف فإنّ بعض البرامج في مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون يصب في خانة أولئك الجماعات، ويجب العمل عكس ذلك، أعني أن تكون المؤسّسة 100 % في خدمة هذا الفكر1.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات، بمناسبـة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في طهران، بحضور جمع من السيدات والحوزويات والجامعيات، بتاريخ 11/05/2013م.
 
 
 
 
79

62

المرأة والحياة الزوجيَّة

 المرأة والحياة الزوجيَّة


قداسة الزوج
هناك نقطة أيضاً في مسألة الزواج. إنّ للزواج قداسةً من وجهة نظر الأديان التي أعرفها. وأنا لم أدقّق كثيراً في هذا الخصوص. لا بأس كذلك بأن يقوم بعض الأصدقاء المستعدّين للعمل في التدقيق في هذا المجال. في الغالب، مراسم الزواج هي مراسم دينية يجريها المسيحيّون في الكنيسة، واليهود في معابدهم، المسلمون وإن لم يجروا مراسم الزواج في المساجد، إلّا أنّهم يجرونها حين يقدرون في المشاهد المشرّفة أو في الأيام المباركة وبواسطة علماء الدين، حين يقوم عالم الدين بعقد القران فإنّه يُبيّن بعض التعاليم الدينية. بناءً على هذا، فإنّ الصبغة صبغة دينية. إنّ للزواج بُعداً مقدّساً.

ولا ينبغي نزع هذا البُعد المقدّس عن الزواج. سلب القداسة يتمّ عبر هذه الأعمال القبيحة والتي للأسف أصبحت رائجة في مجتمعاتنا. هذه المهور الباهظة التي يتمّ وضعها، ويتخيّلون أنّها تستطيع أن تدعم الزواج وتحفظ الأسرة، والحال أنّها ليست كذلك. فالحدّ الأقصى أن يقوم الزوج بالامتناع عن دفع المهر، فيؤخذ إلى السجن، ليبقى
 
 
 
 
 
85

63

المرأة والحياة الزوجيَّة

  هناك سنة أو سنتين. وفي هذه الحال لا تستفيد المرأة شيئاً، لا تحظى بشيء سوى أنّ بنيان الأسرة سيتهدّم.


ولهذا حينما يُنقل عن الإمام الحسين عليه السلام
أنّنا لم نزوّج بناتنا وأخواتنا ونساءنا إلاّ على مهر السُنّة، فلأجل هذا الأمر، وإلاّ فإنّه كان يستطيع، لو شاء الإمام، أن يُزوّج بألف دينار لفعل ولم يكن من الضروريّ مثلاً أن يُلزم نفسه بخمسمئة درهم - المعادل لاثنتي عشرة أوقية ونصف. لقد كانوا يستطيعون ذلك لكنّهم قلّلوا المهور. هذا التقليل للمهور كان مدروساً ومحسوباً بدقّة. هذا جيد جداً. وهناك أيضاً المبالغات الزائدة في الزواج ـ صرف المبالغ الطائلة وإقامة الحفلات المتعدّدة ـ والتي يغتمّ قلب الإنسان في الحقيقة عندما يسمع بها. هذه من النقاط التي ينبغي صياغة خطاب لها والترويج لثقافة حولها. حيث إنّ السيدات مؤثّرات والسادة مؤثّرون، وكذلك أساتذة الجامعات وعلماء الدين، وبشكل خاصّ الإذاعة والتلفاز ووسائل الإعلام. إنّ عليهم جميعاً أن يعملوا في هذا المجال، وأن يُخلّصوا الأجواء من هذه الحالة1.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.
 
 
 
86

64

المرأة والحياة الزوجيَّة

 هدف الحياة الزوجية

إنّ للأسرة حدوداً وحقوقاً. وللرجل حقوقه وللمرأة حقوقها، وإنّ حقوق كلّ منهما قد جعلت بشكل عادل ومتوازن. ونحن نرفض كلّ أمر مغلوط يُنسب إلى الإسلام. ورأي الإسلام في هذا الشأن واضح وبيّن ويقرّ حقوقاً متوازنة لكلّ من الرجل والمرأة في إطار الأسرة.

أُنظروا إلى هذه الآية الشريفة وما فيها عن المرأة والرجل ـ في أجواء الأسرة على وجه الخصوص ـ تقول الآية: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا1, أي جعل لكم أيّها الرجال نساءً، وجعل لكُنَّ أيتها النسوة رجالاً، ﴿مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ أي ليس من جنس آخر، ولا من مرتبتين متفاوتتين، بل من حقيقة واحدة ومن جوهر واحد ومن ذات واحدة. ومن الطبيعيّ أنّهما يختلفان في بعض الخصائص بسبب تفاوت وظائفهما.

ثم يقول تعالى: ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ أي جعلت الزوجية في الطبيعة البشرية لهدف أكبر، وذلك هو الاستقرار والسكينة إلى جانب الزوج ذكراً كان أو أُنثى. فالرجل حينما يأوي إلى داره يجد جوّاً آمناً وزوجة عطوفة وأمينة إلى جانبه، وكذا يمثّل الرجل بالنسبة للمرأة ملاذاً تعشقه فتركن إليه وتحتمي به ـ لأنّه أقوى منها بدنياً ـ والأسرة تضمن هذه الأجواء لكلا الجنسين. الرجل يحتاج إلى المرأة ضمن إطار الأسرة
 

1- ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (سورة الروم، الآية 21).
 
 
 
87

65

المرأة والحياة الزوجيَّة

 من أجل توفير السكينة والاستقرار لنفسه، والمرأة بحاجة إلى الرجل ضمن إطار الأسرة من أجل الحصول على الاستقرار والأمن. وكلاهما بحاجة إلى بعضهما بعضاً من أجل تحقيق السكينة والاستقرار.


إنّ أهم ما يحتاجه الإنسان في حياته هو الاستقرار، وسعادته تكمن في أن يكون بمأمن من الاضطراب والقلق. وهذه الأجواء الأمنية تتوفّر له في ظلّ محيط الأسرة، رجلاً كان أو أمرأة. المقطع الآخر من الآية له معنى جميل أيضاً، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً1, وهذه المودّة لا يكتمل معناها بدون المحبّة، ولا الرحمة تصدق فيما إذا رافقها العنف.

الطبيعة التي أودِعت في الرجل والمرأة ـ في ظلّ الجوّ الأُسريّ ـ توجب قيام علاقة محبّة ومودّة فيما بينهما. بيد أنّ هذه العلاقة إذا ما طالها التغيير، كأن يتصرّف الرجل في البيت وكأنّه المالك، أو أن ينظر إلى المرأة بعين الاستغلال والاستخدام فهذا ظلم. وممّا يؤسف له أنّ الكثيرين يمارسون هذا الظلم. وهكذا الحال أيضاً خارج إطار الأسرة2.

معايير الزواج الإيجابيّة والسلبيَّة
الزواج ضروريّ للشباب وهم يطمحون إليه. ولكن ثمّة عقبات في طريقه لا تقتصر على المشاكل الاقتصادية، بل هي جانب من
 

1- سورة الروم، الآية 21.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
 
 
 
88

66

المرأة والحياة الزوجيَّة

 المشكلة، والمشكلة الأساس ثقافية وتتمثّل في الأعراف والتقاليد والتكاثر وحبّ الأبّهة، فهي التي تحول إلى حد ما دون حصول الزواج كما ينبغي. فعليكم أنتم وعوائلكم معالجة هذه المعضلات. وإنّني أشعر بالغبطة والسرور لمراسيم زواج الطلبة التي تقام سنوياً. وإذا درجت العادة على إقامة مراسم الزواج على بساطتها وبعيداً عن البهرجة والتشريفات، فإنّني أتوقّع حلّ الكثير من المشاكل. وأساس الزواج في الإسلام يقوم على البساطة، وهذا ما كان سائداً مطلع انتصار الثورة، غير أنّ ثقافة التكاثر والتفاخر والثراء عقّدت الأمور إلى حدّ كبير1.


أنا شخصياً أوصي بتسهيل أمر الزواج وعدم المبالغة في المهر، وتحاشي تكلّف الأثاث الباهظ الثمن، وأن لا يكون هناك تبذير وإسراف في حفلات الزواج، وهذا أمر جدير بأن تُبذل في إشاعته الجهود. ويا حبّذا (لو توجد) دعاية إعلامية وثقافية بشأنه من أجل أن يتنبّه إليه الناس. وإذا هم تنبّهوا إليه أعتقد أنّ أمر الزواج يصبح أكثر سهولة.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
 
 
 
 
89

أما سنّ الزواج فيجب أن لا يكون فيها إفراط أو تفريط. فقد يرى بعض الناس التعجيل في الزواج. إنّي لا أعارض هذا النمط من الزواج طبعاً، ولا مؤاخذة على من يريد التزويج مبكراً جداً، ولكن لا ضرورة

67

المرأة والحياة الزوجيَّة

 للتأكيد عليه، ولا ينبغي التأخير فيه كما يفعل الغربيّون ويتزوّجون في سنّ الثلاثين أو الأربعين. ثمّ إنّ النزعة الأنانيّة السائدة في ذلك المجتمع تجعل الكثير من الرجال في سنّ الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين يتزوّجون فتيات شابات، فيكون بينهما فاصل في العمر شاسع. وهذا طبعاً من أسباب عدم استقرار الحياة الزوجية. ولهذا نلاحظ كثرة من الناس الذين يقضون أعمارهم بمفردهم في الغرب، وهي لحسن الحظ ظاهرة نادرة في إيران وعموم البلدان الإسلامية.


وعلى كلّ حال يجب التساهل في أمر الزواج وعدم التشدّد في الشكليّات لكي يتسنّى للشباب الزواج بسهولة. ويجب أن يتوفّر العزم والهمّة لدى الأسرة ولدى الفتيان والفتيات أنفسهم، وأن لا يكون هناك إحجام عن الزواج. ويا حبّذا لو تساهم الدولة في تقديم التسهيلات. وأنا أحرص وأحثّ المسؤولين على الدوام ليوفّروا للشباب السكن والسلفة المالية وسائر متطلّبات الحياة، ونحن ننظر إلى هذه الأمور كفرض علينا. ولكن أؤكّد ثانية على أنّ مسؤولية هذا العمل تقع بالدرجة الأولى على الأسرة وهي قضية خاصّة.

وقد قدّمنا في هذا الصدد توصيات كثيرة للمسؤولين الحكوميين ـ بشأن زواج الشباب، وبشأن ما يستلزمه الزواج من متطلّبات ـ ومن جملة ذلك قضية السكن، حيث أوصيت وزارة الإسكان منذ مدّة، وهم حالياً قيد اتّخاذ بعض التدابير لبناء دور مؤقّتة يستأجرها المتزوّجون حديثاً. أتأمّل توفير هذه المقدّمات لتحلّ قضيّة الزواج على نحو ما بإذن الله.
 
 
 
 
90

68

المرأة والحياة الزوجيَّة

 ثمّة معايير معيّنة في ذهني، إلّا أنّها لا تبتعد كثيراً عن المعايير الشرعية المتعارفة لدينا. ولكنّني أؤكّد على رفض بعض المعايير. أي إنّ أكثر ما أؤكّد عليه لا يتعلّق بطرح إطار معياريّ معيّن، لأنّ الإسلام ـ كما تعلمون ـ ترك الميدان مفتوحاً ولم يطرح إلّا قيماً ذات أهمية من الدرجة الأولى، ولم يقيّد الناس ضمن ذلك الإطار تقييداً صارماً. ومعنى كلامي هذا هو أنّني لا أؤكّد على تحديد معايير معيّنة بقدر ما أؤكّد على رفض معايير أخرى.


أمّا المعايير التي أرغب في أن ترفض بشدّة فمنها معيار الغنى. أي حينما يريد الشابّ أو الشابّة الإقدام على الزواج يجب أن لا يضع أيّ منهما نصب عينه ثروة الخطيبة أو الخطيب. 

لأنّ هذا يعتبر في رأيي عنصر إغفال وليس نقطة ايجابية حقيقية، ويجب أن لا تؤخذ بنظر الاعتبار. ونحن لم نأخذه بنظر الاعتبار فيما يخصّ زواج أولادنا الذين تزوّج اثنان منهما.

الجانب الثاني الذي يجب أن لا يُعار له أيّ اهتمام هو جانب البروز الاجتماعيّ. فقد طرق سمعي أن بعض الناس يبحث كي يجد زوجاً لابنته أو زوجة لابنه، ممّن يتّصل بالأسر المشهورة أو أن يكون له منصب رفيع ـ وهذه الظاهرة قلّما توجد، لحسن الحظّ، بين الفتيات والفتيات أنفسهم، وإنّما هي ممّا يهتمّ به الآباء والأمّهات ـ وهذا في رأيي معيار مغلوط ويجب أن لا يؤخذ بنظر الإعتبار. كما وتوجد عوامل جذب ظاهرية تستقطب اهتمام الشبّان، وهذه أيضاً يجب أن
 
 
 
 
 
91

69

المرأة والحياة الزوجيَّة

 لا تُتّخذ ـ حسب رأيي ـ كمعيار للزواج. كأن يبحث الشباب والشّابّات، فإذا وجدوا ما يشدّ أبصارهم، اعتبروه معياراً وافياً. وهذا أيضاً مما نحذّر وننذر منه بشدّة، ولا نريد للفتيان والفتيات التورّط في هذا الفخّ.


وفضلاً عن ذلك، قد تجد فتاة أو فتىً يرغب في أن يكون شريك حياته ذا شهادة دراسية عالية، بينما تجد آخرين لا يعيرون أهمّية لهذا الجانب. وإنّما جئت بهذا المثل لأثبت أنّ المعايير الايجابية والمقبولة غير محدودة. أو على سبيل الفرض يرغب أهالي بعض الأقاليم في أن تكون الزوجة من نفس أهالي ذلك الاقليم. بينما يرغب بعضهم الآخر بالزواج من أُسر مجاهدة في سبيل اللّه أو ممّن قدّمت الشهداء وما إلى ذلك من المعايير الأخرى. ولكن هناك أشخاص آخرون لا يلزمون أنفسهم بمثل هذه المعايير. وأنا لا أريد أن يُطرح معيار إيجابيّ معيّن حتّى لا يكون بمثابة القيد الإلزاميّ، وإنّما أريد فقط تسليط الأضواء على المعايير السلبية. وهذه هي الموازين التي وضعناها نصب أعيننا فيما يخصّ أولادنا.

أرى من اللّازم مراعاة ذوق ورغبة الفتى والفتاة نفسيهما. والحقيقة هي أنّني أقول بنمط آخر من الرضا غير الرضا الذي يتناوله عالم المباحث الحقوقية والذي يشترط رضا الفتى والفتاة كشرط لصحّة عقد الزواج. أمّا الرضا الذي أرغب في وجوده كشرط لتحقّق الزواج فهو أن تكون الظروف على نحو يؤدّي إلى ايجاد المحبّة بينهما، وأن
 
 
 
 
92

70

المرأة والحياة الزوجيَّة

 لا يتمّ الزواج أساساً بدون توفّر عنصر المحبّة. لا بمعنى ضرورة وجود المحبّة قبل الزواج. وإنّما ينبغي على العموم توفّر نوع من الإعجاب والميل، أي أن يكون هناك ميل من الفتاة نحو الفتى، ومن الفتى نحو الفتاة، ليكون هذا الميل بمثابة الأرضية التي تقوم عليها المحبّة الدائمة.


من الطبيعيّ أنّ المحبّة قابلة للزوال، إلا أنّه يمكن أيضاً تكريسها وتعميقها. وهذا منوط بالإنسان ذاته. فمن جملة ما أودعه الباري تعالى في التركيب المعقد للإنسان هو أن جعل المحبّة رهن يديه إلى حدّ بعيد. وبصرف النظر عن بعض أنواع الحبّ الجارف الذي يُقال إنّه حبّ لا إراديّ، وأكثر الشعراء في وصفه، وإذا اعتبرنا هذا النوع من الحبّ ظاهرة استثنائية في حياة الإنسان، فإنّ القاعدة العامّة هي أنّ الشخصين اللذين يوجد بينهما شيء من المحبّة يمكنهما بكل سهولة إرواؤها والتسامي بها وإنماؤها. وعلى كلّ الأحوال هذا شيء ضروريّ ولازم1.

دور المرأة في الحياة الزوجية
إنّ الجنس هو أمر ثانويّ، هو أمر عارض يتجلّى عملياً في الحياة. في السير الأساس للبشر ليس له أيّ تأثير ولا معنى. حتّى
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ميلاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الأخوات المؤمنات العاملات في حقل الثقافة والإعلام، بتاريخ 19/06/1419ه.ق.
 
 
 
 
93

71

المرأة والحياة الزوجيَّة

 إنّ أعمالهم تختلف فيما بينها، "جهاد المرأة حسن التبعلّ"1 لكنّه جهاد، أي إنّ ثواب ذلك الشابّ المجاهد الذي وضع دمه على كفّه وذهب إلى ميدان الحرب يُعطى لهذه المرأة، لأنّ هذا العمل لا يقلّ تعباً عن الجهاد. بالتأكيد إنّ التبعّلَ أمرٌ صعبٌ جداً،... فأنْ تستطيع امرأة مع هذه الظروف المحيطة أن تحافظ على محيط المنزل دافئاً وهانئاً، وحنوناً وفيه سكينة وهدوء، ذلك فنّ كبير- هذا حقاً جهاد - هذا فرع من ذلك الجهاد الأكبر الذي تكلّموا عنه، الجهاد مع النفس.


بالنسبة لموضوع العائلة، يوجد كلام كثير، مسألة الزواج، مسألة الأمومة، كلّها مسائل ينبغي التفصيل فيها. لدى المرأة في الأسرة دورها كزوجة، هذا دور استثنائيّ، حتّى لو لم يكن هناك دور أمومة. افرضوا أنّ هناك امرأة، إمّا أنّها لم ترغب في الإنجاب، أو أنّها ولأيّ سبب آخر لم تنجب، ولكنّها زوجة، لا ينبغي الاستخفاف بدورها كزوجة. إذا أردنا أن يكون الرجل شخصاً مفيداً في المجتمع، ينبغي لهذه المرأة أن تكون امرأة جيّدة في المنزل، وإلّا فلن يحصل هذا. نحن اختبرنا (هذا الأمر) في زمن المقاومة وما بعدها في زمن انتصار الثورة. الرجال الذين كانت ترافقهم زوجاتهم في حركتهم استطاعوا أن يصمدوا في نضالهم، وكذلك استطاعوا أن يتابعوا استقامتهم على الطريق الصحيح. وبالطبع، كانت هناك حالات معاكسة. أحياناً عندما
 
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص507، باب حق الزوج على المرأة، ح4.
 
 
 
 
94

72

المرأة والحياة الزوجيَّة

 كنتُ أقوم بعقد قران لأولئك الشابّات والشباب الذين كانوا يأتون - فيما مضى كنتُ أقوم بهذا ولكن حالياً لا أحظى بهذا التوفيق - كنتُ أقول لهم: إنّ الكثير من السيّدات يجعلن أزواجهنّ من أهل الجنّة، والكثير من السيّدات أيضاً يجعلن أزواجهنّ من أهل النار، هذا رهنٌ بهنّ. وبالتأكيد فإنّ للرجال هذا الدور أيضاً. في مجال الأسرة لا ينبغي تجاهل دور الرجال كذلك. بناءً على هذا، إنّ دور الزوجية هو دور بالغ الأهمّية1.

 


1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.

 

 

95


73

المرأة والحياة الأسرية

 المرأة والحياة الأسرية


الأسرة وموقعيّة المرأة فيها
إنّ نظرة الإسلام لما يختصّ بالأسرة وموقعية المرأة فيها هي رؤية واضحة جداً. "المرأة سيّدة بيتها"1، وهذا مرويّ عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. إنّ موقعية المرأة في الأسرة هي ما ورد في العديد من الروايات عن الأئمّة عليهم السلام: "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"2، وفي تعبير اللغة العربية القهرمان هو العامل، الخادم المحترم، يقولون: إنّ المرأة داخل البيت ليست قهرمانة بل هي ريحانة، هي وردة البيت. والخطاب للرجال: خيركم من يكون صاحب أفضل سلوك مع زوجته3.

هذه هي رؤى الإسلام، ويوجد من هذا القبيل إلى ما شاء الله. لكن في الوقت نفسه إنّ تحقّق ما يريده الإسلام على صعيد الأسرة هو أمرٌ لا يتحقّق بمثل هذه الكلمات ولا يُحلّ، فهو يحتاج إلى دعامة قانونية وتنفيذية وضمانات إجرائية، وهذا العمل يجب أن يتحقّق. وهذا العمل لم يُنجز طيلة السنوات الماضية المديدة. فالأُسر التي كانت
 

1- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير، بيروت ـ لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401هـ ـ 1981م، ط1، ج2، ص288.
2- الشيخ الكليني، الكافي،ج5، ص510، باب إكرام الزوجة، ح3.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.
 
 
 
97

74

المرأة والحياة الأسرية

 متديّنة والرجال الذين تمتّعوا بأخلاقٍ جيّدة، والتزامات شرعية، قدّموا اعتراضات، لكن في الموارد التي لم تكن فيها هذه الخصوصيات، لم تُسجّل هذه الاعتراضات وتعرّضت المرأة داخل الأسرة للظلم.


بالطبع، هذا لا يعني أن نظنّ أنّ الغربيّين متقدّمون علينا في هذا المجال، أبداً. لدى هذا العبد إحصاءات كثيرة، وهذه السيّدة المحترمة أيضاً ذكرت إحصاءات1، وباليقين إنّ الوضع الداخليّ للأسرة الغربية من ناحية مظلومية المرأة وعدم رعاية حقوقها هو أسوأ من وضع الأسر الإسلامية والإيرانية والشرقية، وما لم تكن أسوأ، فهي ليست أفضل، وفي بعض الموارد هي أسوأ. نحن إذاً لا ننظر إليهم وهم ليسوا قدوتنا. نحن لدينا نقائص عديدة على مستوى الأسرة وهذا ما يحتاج إلى دعامات وضمانات قانونية وإجرائية يجب أن تتحقّق. فهذه القضيّة من جملة الميادين التي قليلاً ما تمّ العمل عليها داخل البلد حيث يجب ذلك.

أمّا من ناحية الرؤية الإسلامية والمتون الإسلامية فلا يوجد أيّ نقصٍ في هذا البعد من القضيّة. نحن نرى بعض الأشخاص الذين ينتقدون الأفكار الإسلامية، حيث يُشكِلُون على الإرث والديَة وأمثالهما، في حين أنّ هذه الإشكالات غير واردة، وتوجد عليها أجوبة منطقية وقويّة. أمّا في مجال السلوكيات داخل الأسرة فللأسف قد بقي مغفولاً عنها في الأغلب. في حين أنّه بنظر الإسلام توجد رؤية شديدة الوضوح.
 

1- إحدى السيدات التي عرضت في مستهل اللقاء تقريراً عن واقع المرأة في الغرب.
 
 
 
98

75

المرأة والحياة الأسرية

 يجب أن تكون بيئة الأسرة بالنسبة للمرأة بيئة آمنة عزيزة هادئة لكي تتمكّن من تأدية مسؤوليتها الأساس التي هي الحفاظ على الأسرة على أفضل وجه1.


فرغم أنّ الأسرة تتشكّل من الرجل والمرأة، وكلاهما مؤثّر في تشكيل الأسرة، ولكن استقرار أجواء الأسرة هو ببركة المرأة وطبيعة النساء2.

وظيفة المرأة في الأسرة
1- التدبير المنزليّ:
من أهمّ وظائف المرأة، التدبير المنزليّ. الجميع يعلم أنّني لا أؤمن بفكرة أن لا تعمل المرأة في المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة، لا، لا مشكلة في ذلك، لكن إن قصدنا بذلك تحقير التدبير المنزليّ، فهذا ذنب. فالتدبير المنزليّ عمل عظيم، عمل مهمّ، عمل حسّاس، عمل لبناء المستقبل، فإنجاب الأطفال جهاد عظيم، ونحن للأسف بسبب أخطائنا، أو عدم دقّتنا، غفلنا عنه لمدّةٍ من الزمن، ونشهد مخاطر هذه الغفلة في أيّامنا هذه، لقد ذكرت هذا الأمر مراراً، إنّ هرم البلاد، وانخفاض جيل الشّباب في الأعوام القادمة، سيترك آثاره
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة مولد الصديقة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جموع من أعضاء المراكز والجامعات الثقافية والسياسة وأسر الشهداء، بتاريخ 21/06/1413هـ.ق.
 
 
 
99

76

المرأة والحياة الأسرية

 المستقبليّة السيّئة. حينها لن نتمكّن من معالجة الأمر. لكن يمكننا تداركه1.


2- الإنجاب:
إنجاب الأبناء من أهمّ أشكال الجهاد بالنسبة إلى النساء ووظائف النساء، لأنّ الإنجاب هو في الحقيقة فنّ (صنعة) المرأة، فهي التي تتحمّل مشاقّه ومصاعبه وآلامه، وهي التي منحها الله تعالى أدوات ولوازم تربية الأطفال. والله تعالى لم يعط أداة التربية هذه إلى الرجل، إنّما جعلها لدى السيّدات، فأعطاها الصبر والتحمّل، ومنحها العاطفة والأحاسيس، وأعطاها القامة والتركيب الجسميّ لذلك. في الواقع هذا فنّ المرأة. فإذا لم نغفل عن هذا الأمر في مجتمعنا، عندها سنتقدّم إلى الامام2.

3- تربية الأبناء:
يجب السّير في هذا الطريق إلى نهايته. ومن أهمّ أُسسه، تشكيل العائلة، ومن أهمّ أُسسه حفظ حريم العائلة والأنس بالعائلة وإفشاء المودّة. وهذا ما تتولّاه ربّة البيت. تستطيع الأمّ أن تُربّي أولادها على أفضل نحو. تربية الأمّ لأولادها ليس كالتربية على مقاعد الدراسة،
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبـة ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الشعراء والمدّاحين، بتاريخ 01/05/2013م.
2- م.ن.
 
 
 
 
100

77

المرأة والحياة الأسرية

 بل هو بالتصرّف، بالكلام، بالعاطفة، بالملاطفة، بغناء هدهدة ما قبل النوم، بالعيش. الأمّ تربّي أولادها بالحياة والعيش، فكلّما كانت المرأة أصلح، أعقل، أذكى، كلّما كانت التربية أفضل. لذلك ينبغي البرمجة ووضع الخطط في البلاد، من أجل رفع مستوى الإيمان، والعلم والذكاء لدى السيّدات.


من وصايا الإمام الخامنئي للأسرة المجاهدة
إنّ المجاهد، الرجل المؤمن، الرجل الذي يعمل في سبيل الله، ينبغي أن تكون كلّ ميادين وساحات حياته إلهية. إحدى هذه الساحات هي العلاقة مع العائلة، وبالخصوص مع الزوجة والأولاد. أنتم ينبغي أن تكونوا مظهر الأخلاق. من الممكن أن تُغضبكم حادثة صغيرة خارج المنزل، لكن داخل المنزل لا ينبغي لهذا الغضب أن يظهر.

كونوا رحماء مع زوجاتكم، كونوا آباء لأولادكم بالمعنى الحقيقيّ.

أوصي المسؤولين في المناسبات المختلفة وبالخصوص أنتم، كونوا آباء لأبنائكم، لا تكونوا أجانب معهم. الكثير منكم اليوم لديه أبناء وبنات شباب، وفي يوم من الأيام كنتم - أنتم - في مثل هذا العمر حين خضتم هذا الميدان. أنا قد رأيت بعضكم في سِنِيّ شبابكم - سنيّ الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين. قدمتم إلى هذا الميدان بحماسة واندفاع. في ذلك الوقت كانت حرارة ساحة الثورة، وبالخصوص بعدما نشبت الحرب، تنسيكم كل همّ. كانت أتوناً
 
 
 
 
101

78

المرأة والحياة الأسرية

 يصهر الكل فيه. أمّا اليوم فأبناؤكم يحتاجون إلى أتون محبة، وذلك هو كنف العائلة.


تواصلوا مع أبنائكم وتعاملوا معهم بصداقة وأبوّة. أفضل الآباء هم الذين يصادقون أبناءهم وبناتهم، فمع أنهم يظهرون الهيبة والإرشاد والتوجيه الأبويّ والمحبة، هم أيضاً يتحلّون بإخلاص الصديق.

إن كان لولدكم الشابّ سؤال أو كلام أو هموم، فإن أول أُذُن يجب أن تسمعه هي أذنكم وأذن زوجاتكم.

عليكم أن تتواصلوا مع عائلاتكم. لا تقولوا: "إنّ الأعمال كلّها ملقاة على عاتقي، (أو) تأخّرنا ساعة أو ساعتين، ولم نبدِ البشاشة، الأمر بسيط فهذا ليس كفراً، لم تنزل السماء على الأرض"!!. لا، أنا أوصيت كلّ مسؤولي الدولة بهذا، أنا أقول خصّصوا ساعات من وقت عملكم المتواصل، من أوقات استراحتكم، لعائلتكم، وأفيضوا على زوجتكم وأولادكم من محبّتكم ورعايتكم واهتمامكم وعاطفتكم. يجب أن تكونوا أنتم القدوة.

زوجاتكم اللاّتي هنّ شريكاتكم، إن لم يكنّ متآلفات معكم فلا يحقّ لكم أن تبقوا مكتوفي الأيدي...تريّثوا وسايروهنّ، حدّثوهنّ بشيء ممّا تعرفون من معارف وعلوم، رغّبوهنّ بالصلاة والدعاء.

طالما أحسستم أنّ العمل واجب ولازم فامضوا فيه. هناك بعض الأوقات الضائعة في هذا الخضمّ، قلّلوا هذه الأوقات وأضيفوها إلى وقت المنزل.
 
 
 
 
 
102

79

المرأة والحياة الأسرية

 قد يطرح عليكم ولدكم إشكالاً لا تعرفون حلّه. ما الذي ينبغي فعله ها هنا؟


هل يصحّ أن نقول للشابّ اسكت ونقابله بالعبوس؟ هذا ليس حلاً. إنّه خطأ. هل يصحّ القول له وماذا يعنيك من هذه الأمور؟ هل يحقّ لكم إن لم تكونوا متمكّنين فكرياً من هذا المطلب أن تقدّموا جواباً واهياً وتمزجوا الغثّ بالسمين فتقدّموه غذاء لولدكم؟ هذا كلّه سيّئ، ولكن يمكن التصرّف بنحو سليم، أن تقول لهذا الشاب أو الشابة من أبنائك يوجد لسؤالك جواب ولا بدّ، غير أنّني لا أعرفه. ولكن لأجلك سوف أسأل، واسأل. إن كانت شبهة دينية فارجع إلى شخص ثقة وعالم بالدين، وإن كانت شبهة سياسية فارجع إلى عالم بالسياسة ثقة، اذهب واسأل أنت تتعلّم وكذلك تنوّر ذهن هذا الشابّ وتمنحه الطمأنينة. وإن وجدت أنّ انتقال ونقل المطلب صعب عليك، رتّب الأمر بحيث يصل هذا الشابّ إلى منبع الهداية ذاك- الذي يملك حلّ الشبهة- ليزيل شبهته بيسر.

تواصلوا مع أولادكم. تعاطفوا وتعاونوا مع زوجاتكم. ينبغي أن تشعر هذه السيّدة حقاً أنّك تقدّر جهودها.

لقد تناهى إلى سمعي مرّات أنّ بعض إخوتنا الخيّرين المنشغلين بالخدمة (في الأعمال الجهادية) وتكون أعصابهم مرهقة، يفتقرون إلى حسن المعاشرة مع زوجاتهم داخل المنزل. لا، نحن لا نقبل هذا السلوك. انظروا كم أنّ المسألة مهمّة بحيث إنّ الله تبارك وتعالى
 
 
 
 
 
103

80

المرأة والحياة الأسرية

 يأمر بنحو مطلق ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ1. عندما يكون هذا العناء الذي تتحمّله الزوجة ثقيلاً، تصير مهمتكم أثقل. إنّهنّ مركز العواطف والأحاسيس. ففي وجود المرأة هناك مجموعة من العواطف والمشاعر المرهفة. ولا يحقّ لكم أن تُهملوا هذه العواطف والمشاعر أو أن تتعدّوا عليها لا سمح الله.


أنا أوصيت الأصدقاء مراراً وأوصيكم أنتم كذلك تكراراً:
خصّصوا وقتاً لأبنائكم، واعلموا أنّ الشباب بفضل النورانية والصفاء الموجود في قلوبهم سيقبلون كلامكم.

فلا أسمعنّ والعياذ بالله أنّ أحدكم سيئ الخلُق مع زوجته أو أنّه يسيء التصرّف داخل البيت مع أسرته وأولاده.

يجب أن يكون لديكم كلام مقبول ومنطقيّ مع أبنائكم، حول كلّ مسألة مهمّة بنظركم، حول الدين، حول الثورة، حول الإمام الخمينيّ..، حول المسائل المستجدّة التي تطرح يومياً. ينبغي أن يكون لديكم كلمة في هذا المجال. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ2. هذا مهمّ جداً. نوّروا بصيرتكم وبصيرة أبنائكم.
 

1- سورة النساء، الآية 19.
2- سورة التحريم، الآية 6.
 
 
 
 
104

81

المرأة والحياة الأسرية

 أوصيكم ببعض الوصايا:

وصيّتي الأولى حول الأُسَر. هؤلاء الأخوات العزيزات اللواتي هنّ زوجاتكم وبناتكم، هنّ شريكات لكم في الأجر والثواب المعنويّ، لأنّهنّ يُقاسين ألم البعد والقلق عليكم وعذاب الفراق. وهذه الآلام كلّها لها أجر عند الله. ما من شدّة أو صعوبة إلّا ويقابلها شيء ثمين في خزانة العطاء والرحمة الإلهية. ولا يوجد أعلى من هذا. أنتم حين تخرجون من البيت، هذه السيّدة في المنزل (بأي عمل كانت مشغولة) هي قلقة عليكم. هذا القلق والاضطراب هو محنة كبيرة، وإذا جئتم إلى هنا من محافظات أخرى فإنّ مقاساة المحيط الغريب والمجهول، يضاعف هذا القلق والاضطراب. وهذه المعاناة لها عند الله أجر كذلك. حسنا فحيث إنّ هذه المشقّات التي تعانيها السيّدات، زوجات وبنات وأمهات- إذا كنّ برفقتكم- لها أجر، أفلا يكون عليكم واجب مقابل هذه المشقّات؟ هل ينتهي الأمر بقولنا أجرها على الله؟ كلا. فهناك مهمّة ثقيلة ملقاة على عاتقكم. أنا أريد أن أوصي كلّ واحد منكم فرداً فرداً، أيّها الأعزاء العاملون في مجال الجهاد بشكل خاصّ، إذا كان غيركم1 يتواصلون مع أسرهم ويحسنون العشرة والسلوك بأيّ مقدار كان، أمّا أنتم فينبغي أن يكون تقيّدكم بهذه الأعمال بقدر مضاعف.
 

1- عامة الناس أو غير المتدينين.
 
 
 
 
105

82

المرأة والحياة الأسرية

 أيّها المجاهدون الأعزّاء! أيّها الشباب الأعزّاء! لا بدّ أن بعضكم - يرى نفسه - قد عبر سنوات الشباب، لكن برأينا كلّكم شباب وأعتبركم جميعاً مثل أبنائي، أنتم وزوجاتكم وأبناؤكم.


وأوّل وصيّة أبويّة لكم منّي هي أن تنظّموا سلوكيّاتكم داخل المنزل بتعقّل.

السلوك العقلانيّ كيف يكون؟ إنّه بالرحمة والحضور داخل المنزل بالقدر المتيسّر مع الصدق والتواصل الفعّال، وليس بالإهمال والعبوس.

لا بدّ في وضح النهار، وحين يكون الأولاد مستيقظين، أن توجّهوا أبناءكم حتّى فيما يتعلّق بمشاهدة التلفاز.. هذا الفيلم شاهدوه وذاك الفيلم لا تشاهدوه.

أقول لكم أيّها المجاهدون الأعزّاء: يجب أن تكونوا حتماً الأنموذج في الحياة الزوجيّة.

لا تغرقوا أنفسكم في العمل بحيث لا يبقى وقت كافٍ للمرأة والأولاد.

أعزّائي، افهموا شبّانكم، افهموا زوجاتكم، خصّصوا لهم وقتاً. هذا مهمّ جدّاً.. أولوا شبّانكم العناية وأعطوهم من وقتكم، لا تعودوا إلى بيوتكم متعبين، فحينما تعودون منهكين وبلا حيوية ويطلّ عليكم بناتكم وأبناؤكم ستقابلونهم بالعبوس واللامبالاة. هذا ليس صحيحاً.
 
 
 
 
106

83

المرأة والحياة الأسرية

 أصلحوا هذا الأمر منذ هذه الليلة ولا مجال للتردّد. هذا الأمر قطعيّ، ولذا، فإنّني أصرّ عليه.


اعتنوا بوعي أولادكم وزوجاتكم. اهتمّوا به.

وصيّتي (الأولى) لكم، والتي هي في غاية الأهمية، هي أن تسعوا قدر المستطاع بسلوككم داخل المنزل لجبران آلام البعد والقلق التي تعانيها زوجاتكم وأبناؤكم وأسركم. اعتنوا بأبنائكم الأعزّاء - صغارهم وكبارهم. هذا الجيل الشاب، الذي يسمّى بالجيل الثالث والرابع، هو نفس أولادكم وأعزائكم، يجب أن تنَشِّئوه وفق الفكر السليم.

أولوا شبّانكم الاهتمام. فلو أنّكم، لا سمح الله، لم تولوهم العناية ولم تأخذوا بعين الاعتبار الخطاب ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ1 و ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا2, أنظروا كم أنّ المسألة مهمّة في الواقع. قوا يعني احفظوا، وأنفسكم يعني ذواتكم وأهليكم، أي أهلكم وأبناءكم ونساءكم وعائلتكم، احفظوهم من أي شيء؟ "ناراً"، من نار الضلالة والغضب الإلهيّ، نار جهنّم. لا تتصوّروا أنّ ذاك الشاب فقط هو الذي يفسد ويضلّ ويهلك، كلّا، فهو يترك أثراً بنحو ما، شئتم أم أبيتم، على تفكيركم وتوجيهكم. بالطبع الناس مختلفون لكن يمكن القول بشكل عام إنّه يترك أثرا، قلّ أو كثر.
 

1- سورة الشعراء، الآية 214.
2- سورة التحريم، الآية 6.
 
 
 
107

84

المرأة والحياة الأسرية

 وعليه، أنا اليوم أعتبر أنّ المجاهدة الضرورية والمهمّة لكم - أيّها القادة الأعزّاء، أيّها الرجال المضحّون الشرفاء الذين اتّخذتم نهج الحسين بن عليّ عليه السلام أسوة لطريق حياتكم- هي الرجوع إلى النفس وتهذيبها وتزكيتها على المستوى الشخصيّ وعلى المستوى العمليّ في المؤسّسة وعلى مستوى الأسرة.


وصايا للأخوات الزوجات
أقول للسيدات أيضاً جملة: إعرفن قدر أزواجكّن - وقد قلت هذا سابقاً - إنّهم من أفضل رجالات وطننا اليوم. ولا أقول أفضلهم بل هم جزء من الأفضل. أنتنّ اعرفن قدر هؤلاء الرجال وهذه الأعمال وهذه المشقّات، واعلموا أنّ ذاك الذي ينفض غبار التبعية ويزيل غبار الوضاعة والذلّة عن وجه شعب هو وجود أمثال هؤلاء الرجال في هذا الوطن.. وعلى هذا افتخرن بأزواجكنّ.

إنّ جهاد المرأة هو ببساطة توفير أسباب راحة الرجل، عندما يعود الرجل إلى المنزل متعبا منهكاً وسيّئ الخلق أحياناً، وهذه الأخلاق السيّئة والتعب والتململ الناشئ من محيط العمل تتمظهر داخل المنزل. في هذا الظرف لو أرادت هذه الزوجة الجهاد، فجهادها هو أن تتعامل مع هذه المحن وتتحمّلها قربة إلى الله. هذا هو "حسن التبعّل".

كذلك أوجّه عناية زوجات المجاهدين، انتبهن حتّى لا تقعن في فخّ
 
 
 
 
 
108

85

المرأة والحياة الأسرية

 التنافس والمقارنة الذي يسود في بعض المحافل النسائية وللأسف. إنّ التنافس من أجل الأُبّهة ومن أجل التفاخر وطلب الكماليات هو أقلّ من أن تقع النساء الصالحات رفيعات الشأن في أسره.


كلّ إنسان - رجلاً كان أو امرأة- إذا وقع في فخّ طلب زوائد العيش والكماليات وصار أسيراً لها ستضعف المعنويات الرفيعة في وجوده بالتدريج وستأفل.

عليكنّ أيّتها السيّدات أن تلتفتن إلى نكتة، وهي أنّ أزواجكنّ المجاهدين قد أخذوا على عهدتهم أحد أهمّ وأشرف أعمال هذا العصر، عمل شريف مصاحب بالمسؤولية، مصاحب بالخطر والمشقة،..، عملهم عزيز عند الله، وعليه فإنّ معاضدتهم وخدمتهم تبعث على الفخر. استوعبن هذا واعملن بهذه النيّة. وبما أنّ زوجك المجاهد قد قضى مرحلة شبابه في سبيل الله، فلتكن نيتّكن أن ما تقمن به هو لوجه الله.

إنّ حياتكنّ الزوجية ليست حياة زوجية بسيطة فحسب، بل هي ساحة للخدمة كذلك. ولهذا، كنّ على ثقة بثواب الله وقدّرن أيضاً هذه الفرصة.

أيّتها السيّدات المؤمنات، لا تسعين وراء الترف والكماليات. أنتُنّ بالتأكيد لستنّ كذلك، ولكن أسمع أحيانا أخباراً من هنا وهناك. إنّ تبديل اللباس الفلانيّ طبق الموضة الفلانية أو تغيير زخارف المنزل - وبحسب تعبيركنّ ديكور المنزل - بذاك النحو، وإلقاء مسؤولية تأمين
 
 
 
 
 
109

86

المرأة والحياة الأسرية

 المصروف على الرجل، ليس مدعاة للافتخار. لا يجعلنَ السيدات أنفسهنّ أُسارى التنافس والمقارنة في مجال اللباس والزينة والديكور وأمثالها، هذا يؤذيهنّ ويوقع أزواجهنّ في المتاعب، ولن يحصّلن المقام عند الله بل يتسافلن.


إنّ قيمة المرأة تكمن في قدرتها على تبديل محيط عيشها، من أجلها ومن أجل زوجها وأولادها، إلى جنّة، إلى مدرسة، إلى محيطٍ آمن، إلى معراج نحو المعارف والمقامات المعنوية.

فلنروّج لعادة المطالعة بين الناس، هذا العمل الذي سمعت أنّ الأوروبيين اعتادوه في منازلهم، الأمّ تقرأ لابنها كتاباً وقت النوم، هذه العادة التي لا وجود لها في مجتمعنا.

لا ينبغي للنساء أن تنساق وراء الزينة وزخرف العيش. هذا الخطر، وإن كان يحدق بالرجال أيضاً، غير أنّه في النساء أكبر وأكثر ترجيحاً. علاوة على ذلك، فالرجال في هذه القضيّة، وفي موارد كثيرة، يقعون تحت تأثير زوجاتهم. أنتن واقعاً عليكن أن تحاربن هذه القضية وأن تراقبن أنفسكن.

أنا لست ضد الزخرفة والتزيين في حدّه المعتدل القليل الذي لا مفرّ منه، ولكن إن آلت الأمور إلى مسار إفراطيّ فإنّه يعدُّ شيئاً غير لائق بتاتاً.

يجب على السيّدات أن لا يولين أهمّية كبيرة للّباس والزينة والذهب والمجوهرات، حتّى يستغنين عن هذه الأمور، ويزداد - إن شاء الله - التوجه لمظاهر الجمال، والحُسن الحقيقيّ، أكثر من الجمال الشكليّ.
 
 
 
 
 
110

87

المرأة والعلم

 المرأة والعلم


التعلّم تكليف وضرورة
ليست القراءة والتعلّم اليوم واجباً وطنياً فحسب بل هي واجب دينيّ أيضاً. وعلى الشباب واليافعين الإحساس بهـذا الواجـب المقدّس أكثر من أيّة شريحة اجتماعية أخرى. فإذا استأنس أحد بالكتاب حينها لا تكون القراءة واجباً شرعياً فحسب بل تكون عملاً جميلاً وعذباً وحاجة ماسّة وغير قابلة للتأخير ووسيلة لإصلاح الشخصية الإنسانية، وعندها ليس الشباب فقط، بل سائر الشرائح الاجتماعيّة، سوف تتّجه نحو قراءة الكتاب بكلّ رغبة وشوق1.

(لذا) يجب أن تعتبر النساء أنفسهنّ مكلّفات اليوم كالرجال بالاهتمام بالكتب، والمطالعة، والتحقيق، والدراسة، والخوض في القضايا موضع الابتلاء اليوميّ، والاهتمام بالشؤون الدينية التي هي من جملة الواجبات الحتمية والبديهية. أنتنّ اللاتي تربّين الأولاد الصالحين، وأنتنّ اللاتي تشجعنّ أزواجكنّ على دخول الميادين
 

 1- بيان الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة افتتاح الحفل الخاص بأسبوع الكتاب، في طهران، بتاريخ ‍11/07/1414ه.ق.
 
 
 
 
113

88

المرأة والعلم

 الصالحة، حيث إنَّ الكثير من النساء يجعلن أزواجهنّ من أهل الجنّة ويستنقذنهم من مشاكل الدنيا والآخرة1.


(إنَّ) ظاهرة الدراسة الدينية والحوزوية للأخوات، هي ظاهرة عظيمة جداً ومباركة، فآلاف العالمات والمحقّقات والفقيهات والفيلسوفات يتمّ إعدادهنّ في الحوزات العلمية للنساء. فأيّة حركة عظيمة ستكون هذه؟ انظروا إلى نظرة العالَم المادّي إلى ظاهرة المرأة كم هي نظرة سيّئة واستحقارية ومنحرفة. فحضور العالمات الإسلاميات في الميادين المختلفة ـ كحضور العالمات الصالحات والواعيات الجامعيات اللواتي هنّ من أهل الدين والشرع ـ له آثارٌ عظيمة جداً في العالم وهو يُعدّ سُمعة حسنة للثورة. فعلى النساء أن يدرسن جيّداً. وبالطبع لا ينحصر الهدف النهائي لدراستهنّ في صيرورتهنّ مجتهدات أو فيلسوفات بل يمكن أن يكون الأمر في مجال المعارف الإسلامية والقرآنية التي يمكن أن تكون مفيدة لهنّ ولغيرهنّ2.

اقتران العلم بالأخلاق والقيم المعنوية
إنّ المزج بين العلم والعاطفة الإنسانية أمر مهمّ وضروريّ في كلّ مكان. والسبب الذي جعل هذا العلم المتطور جداً في العالم الغربيّ
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الاجتماع النسوي الكبير في محافظة آذربيجان، بحضور مختلف شرائح نساء محافظة آذربيجان، بتاريخ 04/05/1417ه.ق.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء التعبويين من محافظة قم، بمناسبة الزيارة الخاصة لمدينة قم، في قم، بحضور حشد كبير من التعبويين في محافظة قم، بتاريخ 24/10/2010م.
 
 
 
 
114

89

المرأة والعلم

 عاجزاً عن استنقاذ البشرية، يُعزى إلى عدم اقترانه بالبعد الإنسانيّ، فحيثما وجد علم مجرّد عن الضمير والأخلاق والبُعد المعنويّ والمشاعر الإنسانية، فإنّ البشرية لا تنتفع به. العلم إذا تجرّد عن الأخلاق والقيم المعنوية يصبح قنبلة ذرّية تفتك بالأبرياء، ويصبح سلاحاً يصوّب إلى صدور المدنيّين في لبنان وفلسطين المحتلّة ومناطق العالم الأُخرى، ويتحوّل إلى أسلحة كيمياوية تُلقى على (حلبجة)1 وعلى نقاط أُخرى في العالم، لتقضي على النساء والأطفال والكبار والصغار، والإنسان والحيوان.


من أين جاءت هذه الأسلحة الفتّاكة؟ أنتجتها مراكز العلم. قد جاءت من هذه البلدان الأُوربية، فهم الذين صنعوا هذه الموادّ ووضعوها تحت تصرّف نظام لا يراعي ما ينبغي مراعاته! فكانت النتيجة هي ما شاهدتموه. إنّ الأسلحة وجميع أنواع المنتجات العلمية غير قادرة اليوم على إسعاد البشرية، أو إسعاد الأسرة أو أن تهب الفتيان والأطفال والنساء والرجال لذّة الحياة، لأنها لا تواكبها الاخلاق والقيم المعنوية.

نحن في ظلّ الحضارة الإسلامية، وفي ظلّ نظام الجمهورية الإسلامية المقدّس الذي يتّجه صوب تلك الحضارة، جعلنا نصب أعيننا أن نطوّر العلم جنباً إلى جنب مع القيم المعنوية. وما تلاحظونه من حساسية لدى الغرب إزاء تمسّكنا بالقيم المعنوية، ووصمه التزامنا
 

1- المنطقة الواقع شمال العراق.
 
 
 
115

90

المرأة والعلم

 الدينيّ بالتعصّب والتحجّر، واعتباره توجّهاتنا نحو الأُسس الأخلاقية والإنسانية مناهضة منّا لحقوق الإنسان، إنّما يعود سببه إلى اختلاف مسارنا عن مسارهم. فهم قد طوّروا العلم ـ وقد كان بلا شكّ عملاً عظيماً وعلى درجة من الأهمّية ـ ولكن بمعزل عن الأخلاق والقيم المعنوية، فنتج عن ذلك ما نتج! أمّا نحن فنريد أن يتطوّر العلم إلى جانب الأخلاق. ومثلما تكون الجامعة مركز علم، يجب أن تكون أيضاً مركزاً للدين والقيم المعنوية، وأن يتحلّى خرّيج الجامعة بالتديّن مثل خرّيج الحوزة. وهذا ما لا يحبّذونه ولا يرغبون فيه.


ولهذا السبب استمرّوا سنوات طويلة يلفّقون التهمّ ضدّ الجمهورية الإسلامية ودأبوا على اجترار تلك التهم حتّى باتت تشمئزّ منها نفوس السامعين! هكذا يتّهمون الجمهورية الإسلامية بالتعصّب والتحجّر، وبالأصولية ـ على حدّ تعبيرهم ـ أي الجمود الذي لا مرونة فيه، هكذا يصفون الإسلام، في حين أنّ الجمود عندهم، وحياتهم هي البعيدة عن القيم المعنوية وعن الرحمة والشفقة والإنسانية، حتّى أنّ جوّ الأسرة عندهم غير قادر على احتضان الأطفال! لاحظوا كم يوجد اليوم في الدول المسماة بالدول المتقدّمة صناعياً صبيان وأطفال بلا معيل، أو قد يوجد المعيل إلاّ أنّهم يفرّون من بيوتهم ويتسكّعون في الشوارع ليلاً، ويرتكبون الجرائم ويقتلون، ويعتادون التدخين ويقعون فريسة لأنواع الاعتياد الضارّ. هذا بعض ما لديهم! وهذا هو الجمود الذي يدفع الشبّان هناك إلى العصيان.
 
 
 
 
 
116

91

المرأة والعلم

 الأعمال التي كان يمارسها قبل ثلاثين أو أربعين سنة شبّان بأسماء مختلفة ـ وما شابه ذلك ـ وحتّى هذا اليوم، يعود سببها إلى أنّ تلك المجتمعات غير قادرة على إشباع تلك العواطف الإنسانية، لأنّها مجتمعات جامدة ومتحجّرة وظالمة ومتشدّدة. أمّا الأجواء الإسلامية فهي على الضدّ من هذا، الجوّ الإسلاميّ تملؤه الرحمة والاعتدال، وتشيع فيه القيم المعنوية والتقوى، والتقوى تعني فيما تعنيه أن تكون القلوب منشرحة لجميع العواطف والمشاعر الإنسانية السليمة، ويتوفّر إلى جانبها التعايش والاستقرار المعنويّ وسكينة القلوب1.


ضرورة التقدّم العلميّ
الكيفية مهمّة للغاية. وأنا أرى أيضاً أنّ طالباتنا في المرحلة الجامعية يجب أن يعملن ويدرسن ويطالعن، إذ بدون المشقّة والعمل لا تتحقّق الغاية المرجوّة، وإنّما يتخرّج من الجامعة حفنة من أنصاف المتعلّمين ـ سواء من الذكور أم من الاناث ـ ولكن في الوقت ذاته هناك حقيقة أخرى، وهي أنّ دخول الشباب إلى الجامعة ـ وخاصة دخول الفتيات في أيامنا هذه إلى الجامعة ـ يعدّ بحدّ ذاته شيئاً ايجابياً، وذلك لأنّ الجامعة تمثّل بالنتيجة مكاناً للدرس والمطالعة والثقافة والوعي.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضين، في طهران، بحضور حشود من العاملين في حقل التمريض وطلبة الجامعات الطبية في البلاد، بتاريخ 7/05/1418ه.ق.
 
 
 
117

92

المرأة والعلم

 صحيح أنّ المرء خارج الجامعة قد يطالع ويقرأ في الكتب ويتعلّم ويصبح فاضلاً، إلا أنّ هذه الحالة نادراً ما تحدث.


ومن الطبيعيّ أنّ النساء في الجامعات ـ وأكثر ما ينطبق هذا الوصف على النساء ـ تتفتّح أذهانهنّ وتزدهر طاقاتهنّ ويصبحن أكثر جرأة على تناول المواضيع العلمية. كما وينطبق هذا الوصف على الذكور أيضاً ولا يقتصر على الإناث وحدهنّ.

ولهذا السبب كان دخول الجامعة بحدّ ذاته حالة مطلوبة، وكانت للكم والعدد أهمية خاصة لفترة من الزمن، حتّى أصبح عدد الطلبة في بلدنا لا يُستهان به. وهذه طبعاً ظاهرة إيجابية. وفي الوقت الحاضر أيضاً إذا تحوّلنا إلى شعار المناداة بتحسين الكيفية يجب أن لا نهمل الكمية إهمالاً تامّاً. حتّى وإن كنّا في وقت ما أعطينا الأهمّية للكميّة دون الكيفيّة ـ على حدّ تعبيركم ـ فأنا لا أؤيّد إهمال الكميّة، بل أميل إلى ان تصبح الجامعات أكثر سعة وتستوعب أكبر عدد من الطلبة، طبعاً بالحدّ الذي يتوفّر فيه الأساتذة والأجواء التعليمية والمختبرات وما شابه ذلك1.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ميلاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الأخوات المؤمنات العاملات في حقل الثقافة والإعلام، بتاريخ 19/06/1419ه.ق.
 
 
 
 
118

93

المرأة والعمل

 المرأة والعمل


مشروعيّة عمل المرأة
الإسلام يؤيّد عمل المرأة، بل لعلّه يعتبره لازماً عندما لا يزاحم عملها الأساس، والذي هو أمّ أعمالها، أي تربية الأولاد والمحافظة على الأسرة. ولا يمكن للبلد أن يستغني عن طاقة العمل عند النساء في المجالات المختلفة. ولكنّ هذا العمل يجب أن لا يتنافى مع كرامة المرأة وقيمتها المعنوية والإنسانية.. المعجزة العظيمة التي تصنعها المرأة المسلمة عندما تعود الى فطرتها وأصلها، كما حصل في الثورة والنظام الإسلاميّ، ولله الحمد1.

بالتأكيد نحن لا نخالف عمل المرأة، أنا العبد لله، لا أعارض عمل النساء ولا إدارتهنّ، طالما لم تتعارض وتتنافَ مع المسائل الأصليّة2، إذا تعارضت فالمسائل الأساسيّة مقدّمة3.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة مولد الصديقة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جموع من أعضاء المراكز والجامعات الثقافية والسياسة وأسر الشهداء، بتاريخ 21/06/1413هـ.ق.
2- المقصود من المسائل الأصلية عدم تنافي العمل مع كرامة المرأة وطبيعتها الإنسانية الجسدية والمعنوية إضافة إلى عدم تنافيه مع دورها ومقامها الأُسري.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
 
 
 
119

94

المرأة والعمل

 شروط عمل المرأة

من جملة المسائل التي تُطرح، مسألة عمل السيّدات. إنّ عمل السيّدات هو من جملة الأدوار التي نوافق عليها. إنّني موافق على أنواع المشاركة، سواء كان من نوع العمل الاقتصاديّ أو من نوع العمل السياسيّ والاجتماعيّ والأنشطة الخيرية وأمثالها، فهي جيدة أيضاً. النساء نصف المجتمع، وأمر جيّد جداً أن نتمكّن من الاستفادة من نصف المجتمع هذا في المجالات المتنوّعة. ولكن خلاصة القول: إنّ هناك أصولاً ينبغي رعايتها وعدم تجاهلها.

1- أن لا يتنافى (عمل المرأة) مع كرامة المرأة وقيمتها الإنسانية والمعنوية:
هذا العمل يجب أن لا يتنافى مع كرامة المرأة وقيمتها المعنوية والإنسانية. ويجب أن لا يذلّوا المرأة ولا يدفعوها إلى التواضع والخضوع، فالتكبّر مذموم من جميع الناس إلاّ من النساء أمام الأجانب. فيجب أن تكون المرأة متكبّرة أمام الرجل الأجنبيّ (فلا تخضعن بالقول). وهذا من أجل المحافظة على كرامة المرأة، والإسلام يريد هذا.

2- أن لا يؤثّر عمل المرأة على الدور الأُسريّ:
أن لا يلقي هذا العمل بظلاله على العمل الأساس - والذي هو الدور الأسري والعلاقة الزوجية والأمومة والتدبير المنزليّ - وهذا أمر ممكن.
 
.
 
 
120

95

المرأة والعمل

 أعتقد أن لدينا نماذجَ من سيّدات كنّ يقمن بهذا، ولا شكّ بأنهنّ واجهن بعض الصعوبات، درسن وكذلك درَّسن، أنجزن أعمال البيت، أنجبن أطفالاً، قمنَ بتربيتهم والاهتمام بهم. فإذن نحن موافقون على العمل والمشاركة، على ألّا تؤثّر وتضرّ بهذه المسألة الأصلية، لأنّه لا بديل عنهنّ فيها. فإن لم تقمن بأنفسكنّ بتربية أبنائكنّ في المنزل أو لم تقمن بفكّ عقد خيوط عواطف الطفل الظريفة جداً - والتي هي أنعم من خيوط الحرير - حتّى لا يتعقّد عاطفياً، فلا يمكن لأيّ أحد آخر أن يقوم بهذا العمل، لا أبوه، ولا غيره بطريق أولى، إنّه عمل الأم فقط. أمّا ذلك العمل الذي لديكنّ في الخارج، فإن لم تقمن به أنتن فإنّ هناك عشرة أشخاص آخرين سيقومون به. بناءً على هذا، فإنّ الأولوية هي للعمل الذي لا بديل عنكنّ فيه، هذا هو المطلوب والمتعيّن.


وهنا تقع مسؤولية على عاتق الحكومة. ينبغي القيام بمساعدة تلك النساء اللواتي، ولأيّ سببٍ أو أي حيثية أو ضرورة، يقمن بعمل بدوامٍ كاملٍ أو جزئيّ، كي يتمكّنّ من الاهتمام بشؤون الأمومة وأمور المنزل، من خلال الإجازات وسنّ التقاعد وساعات الدوام اليوميّ، ينبغي للحكومة أن تساعد بشكلٍ ما كي تتمكّن هذه السيدة التي تقوم بالعمل، لأيّ سبب من الأسباب، من متابعة تلك الشؤون.

3- أن يتناسب العمل مع الطبيعة الأنثوية للمرأة:
من الأعمال التي يجب أن تتمّ في هذا المجال الثالث، الذي أشرت له، ملاحظة أيّ أعمال ومهن تتناسب مع هذه الخصوصيّات (للمرأة).
 
 
 
 
121

96

المرأة والعمل

 بعض المهن لا يتناسب مع تركيب المرأة، حسن، لا ينبغي للنساء أن يسعين خلفها.


من الأعمال اللّازمة في هذا المجال أن لا يُفرض على المرأة تلك التخصّصات التي تنتهي عمليًّا بتلك المهن (التي لا تتناسب مع المرأة). وإن ّما أثير حول التخصّصات الجامعية من ضوضاء، وافتعال الأزمات حولها وأنّ هناك تمييزًا (بين الشباب والفتيات في التخصّصات). مثل هذا التمييز ليس سيّئًا دائمًا، فالتمييز عندما يخالف العدالة يكون سيّئًا ومرفوضًا. ولكن افرضوا مثلًا، حين يكون هناك فريق كرة قدم، فيُجعل أحد اللّاعبين مهاجمًا والآخر مدافعًا والثالث حارس مرمى. حسن، إنّ هذا تمييز أيضًا. ولو وُضع المدافع مكان المهاجم، فإنّ الفريق سيخسر المباراة. إذا وُضع المهاجم مكان حارس المرمى وهو لا يتقن هذه المهمّة، فالفريق حينها سيخسر. هذا تمييز، ولكن هذا التمييز هو عين العدالة. يوضع أحدهم هنا، والآخر هناك، وكلٌّ في مكانه.

فلنرَ، والحال هذه، وبالتوجّه إلى الأهداف العليا، ما هي الدروس والتخصّصات المناسبة للسيّدات، ولنقدّم لهنّ هذه الدروس والتخصّصات، ولا نجبرهنّ هكذا: ولأنّكنّ اشتركتنّ في الامتحانات الرسميّة بهذا الشكل وحصلتنّ على هذه العلامات يجب عليكنّ حتمًا أن تدرسن الاختصاص الفلانيّ، بينما هذا الاختصاص لا يتناسب مع طبيعة المرأة الأنثويّة، وكذلك لا ينسجم مع أهدافها العليا، ولا المهنة
 
 
 
 
 
122

97

المرأة والعمل

 التي يفرضها هذا التخصّص تتناسب معها. برأيي، إنّ هذه الأمور يجب أن تراعى في مجال عمل المرأة.


وخلاصة القول، علينا أن لا نعتبر أنّ عدم قيام المرأة بجميع المهن التي يقوم بها الرجل عيبًا أو نقصًا...1

4- أن لا يتنافى العمل مع مراعاة ضوابط الشرعية:
(ينبغي مراعاة) الحدّ الفاصل بين الرجل والمرأة، ولا يعني هذا عدم العمل في محيط واحد وعدم التعامل (بيع وشراء) في محيط واحد، كلاّ، فالجميع يشاهدون ذلك، بل معناه أنّ هناك حدوداً وضوابط للتعامل بينهما2.

الثقافة الإسلاميَّة هي ثقافة عدم الاختلاط
إنّ الثقافة الإسلامية هي ثقافة عدم الاختلاط بين الرجل والمرأة، ومثل هذه الحياة تستطيع ـ برعاية الموازين العقلية ـ أن تحقّق السعادة وأن تتقدّم بصورة صحيحة، وقد شدّد الإسلام عليها.

وهذه الثقافة الإسلامية - بخلاف القضية التي أرادها وعمل لها طلّاب الشهوة وأصحاب السلطة والمال والقدرة من رجالهم ونسائهم ومن تحت سلطتهم - (فقد) رغبوا في إزالة هذا الحاجز الموجود بين
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة السيدة زينب الكبرى عليها السلام، في طهران، بحضور حشود من الأخوات، بتاريخ 05/05/1415ه.ق.
 
 
 
 
123

98

المرأة والعمل

 الرجل والمرأة. وطبعاً هذا شيء يعود بالضرر على حياة المجتمع وعلى أخلاق المجتمع، وهدر لعفة المجتمع، والأسوأ من ذلك أنّه يهزّ أركان الأسرة. إنّ الإسلام يبدي اهتماماً بالأسرة، وهذه هي الثقافة الإسلامية1.

 


1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة السيدة زينب الكبرى عليها السلام، في طهران، بحضور حشود من الأخوات، بتاريخ 05/05/1415ه.ق.

 

 

 

124


99

المرأة والعمل

 الزينة والتجمّل والحجاب

التجمّل أمر فطريّ ومشروع1
إنَّ غريزة النزوع نحو الجمال وحبّ الجمال والزينة تعتبر أمراً فطرياً، إلاّ أنّها قد تتفاوت إلى حدٍ ما مع مفهوم نزعة التجديد الذي يتّسم بطابع من الشمولية. أمّا ما أشرتم إليه في سؤالكم من تجميل وزينة وملبس وما إلى ذلك فله مفهوم خاصّ مؤدّاه أنّ الإنسان ـ والشابّ خاصّة ـ مجبول على حبِّ الجمال والزينة، ويرغب في أن يكون على هيئة جميلة. وهذا ميل طبيعيّ وفطريّ، ولا أعترض عليه ولم يحرّمه الإسلام، وإنّما حرّم الإسلام الفتنة والفساد.

لقد أعار الإسلام قضية الجمال أهمّيتها، وتناهى إلى أسماعنا كثيراً "أنَّ الله جميل يحبّ الجمال"2. ولدينا روايات كثيرة في كتبنا الحديثية حول تحسين الظاهر والهندام. وفي باب النكاح بحث مفصّل يؤكّد على وجوب اهتمام كلّ من الرجل والمرأة بوضعهما الظاهريّ. وقد يتبادر إلى أذهان بعض الناس أنّ الرجل يجب أن يقصّر شعر
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية, في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
2- الشيخ الكليني، الكافي، ج6، ص438.
 
 
 
 
125

100

المرأة والعمل

 الرأس. ولكن ليس كذلك، إذ يستحبّ للشباب إطلاق شعر الرأس، وجاء في حديث شريف: "الشعر الحسن من كسوة الله تعالى فأكرموه"1. ونُقل أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمكان ينظر في إناء فيه ماء، حيث لم تتوفّر المرايا آنذاك كما هي عليه الآن، إضافة إلى فقر مجتمع المدينة آنذاك، ويرتّب ظاهره، عند خروجه من منزله. ولهذا كان ينظر في إناء فيه ماء بدلاً عن المرآة، ليرى وجهه ويرتّب هندامه. ويستشفّ من هذا أنّ الاعتناء بالوضع الظاهريّ والثياب الحسنة والميل إلى الجمال محبّذ شرعاً، إلّا أنّ القبيح والمضرّ فيه هو أن يتحوّل إلى أداة لإشاعة التبرّج والفتنة والفساد، حتّى أن أضرارها تنسحب ـ كما سبقت الإشارة ـ على الأسرة والأجيال اللاحقة2.


حدود التجمّل والتزيّن
يجب أن لا يكون الجمال والزينة مدعاة لتفشّي الفساد والرذيلة في المجتمع، ولا يقود إلى إشاعة التحلّل الخُلقيّ. ولكن كيف يشيع التحلّل الخلقيّ؟ لا شكّ في أنّ أساليب شيوعه واضحة.

فإذا كانت علاقات الرجل والمرأة لا تخضع لحدود أو قيود، فهي تؤدّي تلقائياً إلى نشر الفساد.
 

1- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه‏، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، قم‏، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم‏، 1413ه‏، ط2، ج1،ص129.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
 
 
 
 
126

101

المرأة والعمل

 وكذلك الغلوّ في الاندفاع نحو التجديد (الموضة) في الثياب والملابس ينتهي بإشاعة الفساد، إذا أصبح الاهتمام بالزينة والظاهر الجميل وأمثال ذلك هو الهاجس الأساس والهمّ الرئيس في الحياة، فهو عين الانحطاط والانحراف، كما كان حال النساء من طبقة الأشراف ممن كُنَّ يجلسن خلف طاولة التجميل في عهد النظام البائد. هل تتصوّرون كم ساعة كُنَّ يجلسن على تلك الهيئة؟ كُنَّ يجلسن ستّ ساعات. وهذه حقيقة كانت لدينا معلومات دقيقة عنها حيث كان بعض النساء يستهلك مثل هذا الوقت من أجل تجميل وجهها وتصفيف شعرها وإعداد نفسها للذهاب إلى حفلة زواج مثلاً. فإذا بلغت الأمور هذا الحدّ فهي عين الانحراف والانحطاط. ولكن لا إشكال في ترتيب المظهر والملبس بالشكل المناسب بعيداً عن مظاهر التبرّج والمباهاة1.


لقد حرّم الإسلام التبرّج بما يعنيه من إظهار النساء زينتهنّ أمام الرجال. إنّه من أنواع إثارة الفتنة وعليه مؤاخذات كثيرة لا تقتصر إفرازاتها على وقوع الشابّ والشابّة في الإثم ـ فالإثم أوّلها ـ وإنّما تسري مخلّفاتها إلى كيان الأسرة أيضاً. لأنّ مثل هذه العلاقات المتحلّلة من كلّ القيود ذات أثر مدمّر على كيان الأسرة، فبناء الأسرة قائم أساساً على الحبّ، وإذا توفّر هذا الحبّ - حبّ الجمال وحبّ الجنس الآخر
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
 
 
 
127

102

المرأة والعمل

 في موضع آخر- لا تبقى ثمة دعامة قوية يرتكز عليها بناء الأسرة، ممّا ينتهي إلى ضعضعة كيانها وتصبح على غرار ما هي عليه في البلدان الغربية، وخاصّة في دول أوربا الشمالية وأمريكا.


أخذ الأمريكيون في الآونة الأخيرة يعانون الأمرّين من هذه المشكلة، فالعوائل أخذت تتلاشى حتّى أصبحت هذه الظاهرة معضلة مستعصية لديهم، وتنعكس أضرارها بالدرجة الأولى على النساء، إضافة إلى ما يعانيه الرجال بسببها من متاعب، إلّا أنّ ضررها يصيب النساء أكثر ثمّ يصيب الجيل الوليد. ألا تلاحظون هذا الجيل الضائع الفاسد الموجود في العالم عامّة وفي أمريكا خاصّة؟ فهذا كله نابع أساساً من ذاك. أي أنّ تلك هي المقدّمة والمنفذ الذي تأتي من خلاله بقية الشرور1.

طالعت في إحدى المجلّات الأمريكية مؤخّراً خبراً نقلته عنها صحفنا أيضاً، جاء فيه أنّ تلميذين في العاشرة والثانية عشرة من عمريهما أطلقا النار على التلاميذ والمعلّمين في مدرستهما، وقتلا عدداً منهم.. وكانا أطلقا صفارة الانذار ليحتشد التلاميذ في مكان واحد ثمّ أطلقا النار. والحقيقة أنّ مثل هذا الوضع مؤلم ومدمّر للمجتمع. فمثل هذه الجريمة التي ترتكب بهذا البرود وعدم المبالاة جاءت كنتيجة لسوء التربية النابعة من ذلك التحلّل2.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
2- م.ن.
 
 
 
128

103

المرأة والعمل

 الحجاب مدعاة للحرية والعزة

الحجاب مدعاة لرفعة شخصيّة المرأة وحرّيتها، خلافاً للدعايات البلهاء والسطحية للماديين. ليس الحجاب مدعاة لأسر المرأة. المرأة بتركها حجابها وبتعرية الشيء الذي أراد الله تعالى والطبيعة أن تستره، إنمّا تصغّر نفسها وتحطّ من قدرها وتهين نفسها. الحجاب وقار ورصانة وقيمة للمرأة. إنّه رجحان كفّة سمعتها واحترامها. ينبغي معرفة قدر ذلك حقّ المعرفة، ويجب تقديم الشكر للإسلام على نعمة الحجاب هذه، فهذا من النعم الإلهية1.

إنّ عظمة المرأة لا تكمن في جذب أنظار الرجال وهوس المهووسين إلى نفسها، وليس هذا فخراً للمرأة، وليس هذا تعظيماً لها بل هو تحقير للمرأة. إنّ عظمة المرأة في تمكّنها من الحفاظ على الحجاب والحياء والعفاف الأنثويّ الذي أودعه الله في جبلّتها، فتقوم بجعل هذا كلّه مع العزّة الإيمانية، وتضيف إليه الشعور بالتكليف والمسؤولية، فتُعمل تلك اللطافة في محلّها وذاك الحزم الإيمانيّ في محلّه. فمثل هذا التركيب الدقيق مختصٌّ بالنساء فقط، ومثل هذا العمل الدقيق، من اللطف والحزم، من خصائص النساء2.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران - حسينية الإمام الخميني قدس سره، بحضور جمعٌ من الشعراء والمدّاحين لأهل البيت عليهم السلام، بتاريخ 12/05/2012م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.
 
 
 
129

104

المرأة والعمل

 الحجاب لا يمنع تحقيق التقدّم الاجتماعيّ والعلميّ

يثير بعض الناس أن النساء لا يمكنهنّ كسب العلم إذا حافظن على الحجاب والعفّة وإدارة البيت وتربية الأولاد، ولكنّ الواقع بخلاف هذا الكلام، فكم من النساء العالمات لدينا في مختلف المجالات في مجتمعنا؟ فهناك عدد كبير من الطالبات الجامعيات المجدّات ومن ذوات الأهلية والجدارة، وكذلك من الخرّيجات في مستويات عالية وطبيبات ممتازات من النمط العالي في مجالات علمية متنوّعة1، وقد حافظن على الحجاب والعفة.

واليوم، فإنّ صراع الأبواق الإعلامية الغربية مع المسلمين هو حول هذه النقطة. انظروا إلى مدى حساسيّتهم إزاء الحجاب الإسلاميّ، فإن كان هذا الحجاب يراعى في الجمهورية الإسلامية يعتبرونه قبيحاً، وإن كان في جامعات الدول العربية، والذي اختارته الشابّات والجامعيات الواعيات وذوات المعرفة عن ميل ورغبة، أبدوا حساسيتهم تجاهه، وإن كان بين الأهداف السياسية أبدوا حساسية أيضاً، وإن كان في مدارسهم التي هي تحت سيطرتهم حتّى الابتدائية منها أبدوا حساسيّتهم.

إذاً، هنا تكمن نقطة الصراع، فتراهم يطبّلون في إعلامهم دائماً - وإن كانوا لا يؤمنون به - أنّ حقّ المرأة في الإسلام أو الجمهورية
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة مولد الصديقة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جموع من أعضاء المراكز والجامعات الثقافية والسياسة وأسر الشهداء، بتاريخ 21/06/1413هـ.ق.
 
 
 
130

105

المرأة والعمل

 الإسلامية ينتهك. كلاّ، فحقّ المرأة في الجمهورية الإسلامية لم يُنتهك بل يحترم أكثر من ذي قبل، فهل أنّ عدد الجامعيات والطالبات في المعاهد العليا اليوم أكثر أم في عهد الطواغيت؟ وهل أنّ عدد طالبات الجامعات البارزات والممتازات في العلم اليوم أكثر أم ذاك الزمان؟ وهل عدد العاملات في مجال العمل والتحقيق في المراكز الطبيّة والعلمية المختلفة في أنحاء البلاد اليوم أكثر أم في ذاك الزمان؟ تشاهدون أنّ العدد اليوم أكبر ـ وهل عدد النساء في ميادين سياسة الدولة، وفي ميادين المؤتمرات الدولية، حيث يتواجدن بكلّ قوّة ويدافعن عن حقوق ومعتقدات هذا الوطن وهذا الشعب اليوم أكثر أم سابقاً؟ نعم كانت النساء تسافر في السابق مع الوفود المختلفة لكن كان حضورهنَّ صورياً ولأجل اللهو واللعب، ولإظهار أجسامهنّ للرجال. أمّا المرأة المسلمة اليوم فلها حضور علميّ وسياسيّ وخدماتيّ في المجامع الإسلامية وفي المؤتمرات الدولية المختلفة وفي المراكز العلمية والجامعات. نعم كانوا في السابق ينتزعون الفتيات من حمى وعفاف اُسرهم ليدخلوهنَّ في مستنقع الفساد ويرسموهنَّ في لوحات فنية تحت عنوان المرأة المثالية، طبعاً هذا لا وجود له اليوم1.


وهذا فخر للنظام الإسلاميّ أن تشاهد فيه الكثير من النساء المسلمات المؤمنات الحزب اللهيات ـ بما للكلمة من معنى ـ
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة السيدة زينب الكبرى عليها السلام، في طهران، بحضور حشود من الأخوات، بتاريخ 05/05/1415ه.ق.
 
 
 
 
131

106

المرأة والعمل

 مشغولات بالدراسة أو التدريس في الجامعات في أرقى أنواع العلوم وأعلى مدارج العلم، نساء في أعلى التخصّصات في الطبّ والعلوم المختلفة الإنسانية والتجريبية، نساء قد بلغن في العلوم الدينية أعلى المراتب، فإن كانت في يوم ما أمرأة عظيمة الشأن مجتهدة عارفة فقيهة في أصفهان اسمها (بانو اصفهاني)1، فاليوم يوجد الكثير من الفتيات اللائي سيبلغن في المستقبل القريب المدارج العلمية والفقهية والفلسفية العليا، وهذا معنى تقدّم المرأة2.

 


1- السيدة بانو أمين هي بنت الحاج السيد محمد علي أمين التجار الأصفهاني أحد تجار أصفهان. ولدت سنة 1886م. كانت عالمة مجتهدة معروفة واشتهر اسمها بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، وكان من أشهر أساتذتها الشيخ علي اليزدي وبالأخص آية الله السيد علي النجف آبادي. ومنح السيدة بانو أمين مرتبة الاحتهاد عدة فقهاء مثل العلامة عبد الكريم الحائري مؤسس حوزة قم الحديثة والسيد أبو الحسن الأصفهاني. كما تتلمذ عندها العديد من الفقهاء ومنحت بعضهم أيضاً مرتبة الاحتهاد كالعلامة الأميني وابنة أخيها (أو أختها) عفة الزمان أمين (1912 - 1977م) التي نالت مرتبة الاجتهاد عند السيد محمود الهاشمي الشاهرودي. ألفت السيدة بانو أمين عدة كتب في العلوم الإسلامية منها مخزن العرفان، تفسير للقرآن الكريم في 15 مجلداً، وكتاب أربعين الهاشمية وهو عبارة عن شرح لأربعين حديثاً باللغة العربية، وكتاب جامع الشتات الذي يحتوي على أحكام فقهية باللغة العربية على طريقة السؤال والجواب والعديد من الكتب القيمة الأُخرى.

وأسست السيدة بانو أمين في أصفهان سنة 1965م معهد فاطمة الزهراء والذي أقبلت أكثر من 600 طالبة على دراسة الفقه والأصول والفقه والعرفان فيه.

أنجبت السيدة بانو أمين ثمانية أولاد لم يبق على قيد الحياة منهم إلا السيد محمد علي أمين ورغم ذلك تحلت بالصبر ولم يثنها ذلك عن متابعة علومها. ومن الجدير ذكره أن دراساتها كانت بيتية حيث كان الأساتذة يأتونها إلى البيت ويدرسونها من وراء حجاب. ولكن كانت عندما يصب الأمر في المصلحة الإسلامية تبرز للمجتمع لتؤدي دورها لا سيما في مجال التدريس والوعظ والمحاضرات تلبية لواجبها الإسلامي.

وأكثر ما كان يُعرف عن السيدة بانو أمين عفتها وأخلاقها الرفيعة وحشمتها. توفيت السيد الجليلة بانو أمين سنة 1982م ودفنت في مقبرة تخت فولاد في مسقط رأسها في أصفهان. وقد قال عنها الإمام الخامنئي إنها كانت فيلسوفة وفقيهة كبيرة وأثنى على خدماتها للإسلام ونشر القيم الإسلامية للمرأة.

 

2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة السيدة زينب الكبرى عليها السلام، في طهران، بحضور حشود من الأخوات، بتاريخ 05/05/1415ه.ق.

 

 

132


107

المرأة والعمل

 وجوب مراقبة وضع الحجاب والعفاف والضوابط والالتزام

طبعاً الإنسان معرّض للزلل، الرجال معرّضون للزلل، والنساء معرّضات للزلل، والشباب عرضة للزلل، وكذلك الشيوخ، والعالم والجاهل والكلّ معرضون للزلل... "والمخلصون في خطر عظيم"1. أين المخلص الآن؟ كلّنا سيجري علينا هذا المعيار. حتى لو حقّقنا هذا المعيار وكنّا من المخلصين، فإنّ المخلصين في خطر عظيم أيضاً! لذلك علينا أن نراقب، أعداء دنيانا وأعداء آخرتنا وأعداء عزّتنا وأعداء نظام الجمهورية الإسلامية يستغلّون نقاط ضعفنا: كالميل للشهوات، ومشاعر الغضب، وسعينا للسلطة، وحبّنا للتباهي والتظاهر. لذا يجب أن نراقب أنفسنا، والسيدات العزيزات أيضاً يجب أن يراقبن أنفسهنّ، والفتيات الشابّات أيضاً يجب أن يراقبن أنفسهنّ.

هذه الحياة تنقضي، ملذاتها وصعابها تنقضي بطرفة عين. إنّكم في فترة الشباب لا تدركون هذا الكلام جيداً. الإنسان في فترة الشباب يتصوّر أنّ الدنيا ثابتة وساكنة، وأنّه هكذا هو الأمر دائماً. لكن حينما تصلون إلى أعمارنا وتلقون نظرة تجدون كم الدنيا سريعة الانقضاء، تنقضي بطرفة عين، وفي ذلك الجانب: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾2, الحياة هناك، ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ﴾3 وهناك
 

1- ذكرها سماحته بالعربيّة في سياق خطبته.
2- سورة العنكبوت، الآية 64.
3- سورة الشورى، الآية 23.
 
 
 
 
133

108

المرأة والعمل

 البشارات الإلهية. لذا على النساء أن يراقبن وضع الحجاب والعفاف والضوابط والالتزام، هذا واجب، فالاستعراض والتمظهر بالزينة (يدوم) لحظة واحدة، وآثاره السيئة على البلاد وعلى المجتمع وعلى الأخلاق، وحتى على السياسة، آثار تخريبية دائمة. والحال أنّ مراعاة العفاف والحدود الشرعية في سلوك السيّدات وتحرّكاتهنّ حتّى لو كان فيها صعوبة فهي صعوبة قصيرة الأمد، لكن آثارها عميقة باقية. السيّدات أنفسهنّ يجب أن يراقبن بدقّة قضيّة الحجاب والعفاف. فهذا من واجبهنّ وفخر لهنّ، ويمثّل شخصيتهنّ1.


خلع الحجاب ثقافة غربية
إنّ عالم الغرب الفاسد أراد أن يحشو أذهان العالم حول تعرّي المرأة وشخصيّتها من خلال الأساليب الخاطئة والمنحرفة التي تتلازم مع تحقير جنس المرأة: فلأجل أن تظهر المرأة شخصيتها ينبغي أن تمتّع أنظار الرجال. فهل هذه هي شخصية المرأة؟! وأن تضع حجاب العفاف جانباً وتتظاهر لكي يستمتع الرجال. فهل هذا تعظيمٌ أم تحقيرٌ للمرأة؟ هذا الغرب المستغرق في سكرته وخباله لا يعرف شيئاً ممّا يجري، وتحت تأثير الأيادي الصهيونية رفع ذلك كعنوان لإجلال
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران - حسينية الإمام الخميني قدس سره، بحضور جمعٌ من الشعراء والمدّاحين لأهل البيت عليهم السلام، بتاريخ 12/05/2012م.
 
 
 
 
134

109

المرأة والعمل

 المرأة، وقد صدّق بعض الناس هذا الأمر1.


إنّ الغرب بصدد تصدير ثقافته إلى كلّ البلاد، وإنّ الثقافة الغربية تعني ثقافة الفساد والعُري. هذه الصورة الفظيعة لحياة بعض النساء في المجتمعات الغربية، ليست شاملة ـ وللّه الحمد ـ لجميع النساء هناك، بل إنّ هذه الحالة هي نتيجة للإعلام الخاطئ والمتزايد يوماً بعد يوم. فقبل 40 ـ 50 سنة لم يكن الفساد في المجتمعات الغربية بالصورة التي هو عليها اليوم، والغرب ينوي تصدير هذا الفساد الواقع فيه إلى الدول الإسلامية. إنّنا لا نريد ذلك، فهذا يعود بالضرر على حياتنا الاجتماعيّة وعلى حياتهم الاجتماعيّة أيضاً. إنّ الحياة الإسلامية هي أفضل أسلوب حياة لنا2.

لقد مرّ زمن أغمض (فيه) المبهورون بالغرب عيونهم داعين لاستلهام كلّ شيء من الغرب. فما الذي تعلّمه هؤلاء من الغرب؟ ومن المزايا الجديدة لدى الأوربيين؟، وهي كانت منطلق نجاحاتهم، فهل تعلّم المبهورون بالغرب تلك الميزة وجلبوها إلى إيران؟ هل أصبحت لدى الإيرانيين قابلية المخاطرة؟ ومن مزايا الأوربيين الجيدة أيضاً مثابرتهم وعدم التهرّب من العمل، فهل جاء "المتغرّبون" بذلك إلى إيران؟ لقد كان أكابر العلماء والمخترعين في الغرب وأكثرهم
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة السيدة زينب الكبرى عليها السلام، في طهران، بحضور حشود من الأخوات، بتاريخ 05/05/1415ه.ق.
 
 
 
135

110

المرأة والعمل

 مهارة من أولئك الذين عاشوا حياة قاسية، وانهمكوا سنوات طوالاً في حُجَرهم حتّى أفلحوا في تحقيق الاختراعات. وحينما يتصفّح المرء حياتهم تتّضح أمامه الطريقة التي عاشوا فيها. فهل جاؤوا بهذه الروحية التي لا تعرف الكلل من أجل أن يعرفها الشعب الإيرانيّ فقط؟ هذه جوانب صالحة من الثقافة الغربية لم يأت بها هؤلاء، فما الذي جاؤوا به يا ترى؟! لقد جاؤوا بالاختلاط بين الرجل والمرأة، والحرية الجنسية، والتربّع وراء طاولات العمل، والاهتمام باللذات والشهوات!


لمّا أراد الطاغية رضا خان المجيء لنا بهدايا الغرب كان أوّل ما جلبه خلع الحجاب وفرضه (المنع) بقوّة حرابه وعنجهيته، وفرض أن يكون اللباس قصيراً وأن يكون ارتداء القبّعة وفق طريقة معينة، ثمّ تغيّرت فيما بعد، بل لا بدّ من أن تكون القبّعة على الطريقة الـ"شاپو"! وكل من يتجرّأ ويرتدي غير القبعة البهلوية التي اشتهرت وقتذاك أو يرتدي الملابس الطويلة (من النساء) فإنّه يواجه الضرب والطرد، ولم يكن مسموحاً للنساء بارتداء الحجاب، ليس فقط العباءة التي مُنعت يومذاك، بل حتّى لو غطّت النسوة رؤوسهنّ بالخمار وأخفين مقدّمة شعورهنّ فإنّهن يتعرّضن للضرب، فلم ذاك؟! إنّه نتيجة السفور الذي ظهرت به المرأة في الغرب! وهذا ما جلبوه لنا من الغرب، إنّهم لم يأتوا بما هو ضروريّ للشعب الإيرانيّ، فلم يجلبوا العلم والخبرة والجدّ والاجتهاد والمثابرة والمخاطرة - وبطبيعة الحال فإنّ لكلّ شعب
 
 
 
 
 
136

111

المرأة والعمل

 خصالاً جيدة - إنّهم لم يأتوا بكلّ تلك الخصال، وما جاؤوا به من فكر وعلم تقبّلوه دون تردد بعيداً عن التحليل، قائلين بوجوب تقبّله لأنّه صادر عن الغرب، فلا بدّ من القبول بطريقة الملبس والطعام والتكلّم والمشي لأنّها وصفة غربية ولا مجال في ذلك للنقاش! وهذا بمثابة أخطر سمّ يتناوله أيّ شعب1.

 


1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة زيارة محافظة جيلان، في مدينة رشت، بحضور الآلاف من شباب محافظة جيلان، بتاريخ 08/02/ 1422ه.ق.

 

 

 

137


112

المرأة والدور السياسيّ

المرأة والدور السياسيّ

الدور السياسيّ للمرأة1
إنّ الإسلام يعتبر بيعة المرأة أمراً ضرورياً وقضية حيوية على صعيد القضايا السياسية والاجتماعيّة.

وبإلقاء نظرة على العالم الغربيّ وتلك البلدان الأوربية التي تدّعي جميعها الدفاع عن حقوق المرأة ـ وهي أكاذيب في مجملها ـ فإنّنا نجد أنّ المرأة، وحتّى العقود الأولى من هذا القرن، لم يكن لها حقّ في إبداء الرأي، ولا في الانتخاب، بل وحتّى لم يكن لها حقّ في الملكية، أي أنّها لم تكن أيضاً مالكة لأموالها الموروثة، وإنّما كان المالك هو زوجها! ولكن الإسلام يقرّ بيعة المرأة ومالكيتها ومشاركتها في الساحات الأساسية السياسية والاجتماعيّة، فيقول القرآن الكريم ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ2, فالنساء كنّ يأتين أيضاً لمبايعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل رسول الإسلام الرجال ينوبون عن النساء فيخترن من اختاروا ويقبلن بمن قبلوا، بل قال إنّ النساء
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ويوم المرأة، في طهران، بحضور جمع غفير من الأخوات المسلمات، 20/06/1421ه.
2- سورة الممتحنة، الآية 12.
 
 
 
139

113

المرأة والدور السياسيّ

 يبايعن أيضاً ولهنّ أن يشاركن في القبول بهذه الحكومة وهذا النظام الاجتماعيّ والسياسيّ. فالغربيّون متأخّرون عن الإسلام ألفاً وثلاثمائة سنة في هذا المجال، ولكنّهم يتشدّقون بهذه المزاعم!


ولقد كانت فاطمة الزهراء عليها السلام، هي نفسها، أسوة في ذلك، سواء في مرحلة الطفولة أو في المدينة المنوّرة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليها، وكذلك في الشؤون العامّة كافّة، في ذلك الزمان الذي كان فيه أبوها محوراً لجميع الأحداث السياسية والاجتماعيّة، حيث كان لها عليها السلام حضور واسع، وكانت مظهراً لدور المرأة في النظام الإسلاميّ. وبالطبع فإنّ فاطمة الزهراء عليها السلام كانت قمّة في هذه الأمور، ولكنّ سيّدات أخريات كنّ في صدر الإسلام على قدر كبير من المعرفة والحكمة والعلم، وكان لهنّ حضور في ميادين الحرب، لدرجة أنّ بعض مَن كُنّ يتمتّعن بقوّة بدنية كانت لهنّ صولات وبطولات في المعارك والضرب بالسيف وسوح التضحية. ولكنّ الإسلام لم يوجب ذلك طبعاً على النساء، بل أسقطه عنهنّ لعدم ملاءمته لطبيعتهنّ الجسدية وكذلك لعواطفهنّ.

دور المرأة في التحوّلات الاجتماعيّة والثورات
فيما يتعلّق بدور النساء في التحوّلات الاجتماعيّة وفي الثورات، في هذه الحركة العظيمة للصحوة الإسلامية، لو أنّ النساء لم يشاركن في الحركة الاجتماعيّة لأيّ شعبٍ فإنّ تلك الحركة لن تصل إلى أيّ مكان ولن تنجح. ولو ساهمت النسوة في أيّة حركة مساهمة جادّة
 
 
 
 
 
140

114

المرأة والدور السياسيّ

 وواعية وعن بصيرة فإنّ تلك الحركة ستتقدّم بنحوٍ مضاعف. وفي هذه الحركة العظيمة للصحوة الإسلامية فإنّ دور النساء هو دورٌ لا بديل عنه، ويجب أن يستمرّ. فالنساء هنّ اللواتي يهيّئن أزواجهنّ وأبناءهنّ ويدفعنهم للمشاركة في أخطر الميادين والجبهات.


نحن، وفي زمن النضال ضدّ الطاغوت في إيران، وكذلك بعد انتصار الثورة وإلى اليوم، كنّا نشاهد عظمة الدور النسائيّ بشكلٍ واضحٍ وملموس. فلو لم يكن لنسائنا في هذا البلد أثناء الحرب، التي فُرضت علينا طيلة ثماني سنوات، حضور في ميادين الحرب وفي الساحات الوطنية العظيمة لما انتصرنا في هذا الاختبار الصعب والمليء بالمحن. فالنساء هنّ اللواتي نصرننا، أمّهات الشهداء وزوجاتهم وزوجات المعوّقين والأسرى والأحرار، فبصبرهنّ أشاعت الأمّهات مناخاً في نطاقٍ محدودٍ كان يدفع بالشباب والرجال للحضور بشوق ورغبة عارمة. وقد انتشر هذا في سائر البلد واتّسع. وكانت النتيجة أنّ الجوّ العامّ لبلدنا أضحى دفعةً واحدةً مناخ الجهاد والتضحية والإيثار وبذل النفوس، وانتصرنا. واليوم الوضع هو كذلك في العالم الإسلاميّ، في تونس وفي مصر والبحرين وليبيا واليمن، وفي كلّ منطقة أخرى. لو أنّ النساء استطعن تقوية حضورهنّ في الصفوف الأمامية واستمررن على ذلك ستكون الانتصارات المتلاحقة من نصيبهنّ. ولا شكّ في ذلك1.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركات في المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلامية، بمناسبة المؤتمر العالمي للمرأة والصحوة الإسلاميّة، في طهران، بحضور المشاركات في المؤتمر (من 84 دولة)، بتاريخ 11/07/2012م.
 
 
 
 
141

115

المرأة والدور السياسيّ

 دور المرأة في الثورة عند الإمام الخمينيّ قدس سره

المرأة من بعد انتصار الثورة حظيت بالتكريم، وكان رائد هذا التكريم والسبّاق إليه هو الإمام القائد (الإمام الخمينيّ قدس سره) الذي كان يحترم المرأة الإيرانية المسلمة كل كمال الاحترام، وهذه النظرة هي التي استقطبت النساء لمناصرة الثورة الإسلامية بحيث يمكن القول إنّه لولا مشاركة النساء فيها لكان من المحتمل جداً أن لا يكتب لها النَّصر بتلك الكيفية، أو لا تنتصر أساساً، أو تعترضها مشاكل كبرى. وعلى هذا الأساس أدّى حضور النساء إلى سقوط المعوقات أمام طريق الثورة. وهكذا كان موقفها أيضاً طوال فترة الحرب، وفي قضايا الثورة الأخرى كافّة منذ انطلاقتها ولحدّ الآن1.

لقد أدرك الإمام الخمينيّ قدس سره دور النساء، وأهميَّة مشاركتهنّ في التظاهرات، والحضور في الساحات، على الرغم من الموقف المعارض لبعض العلماء الكبار2.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.
 
 
 
 
142

ذلك الحصن المنيع الذي كان الإنسان يعتمد عليه ويطمئنّ ليقدر على الوقوف في مواجهة مثل هذه الآراء الصادرة عن مراكز هامّة،

116

المرأة والدور السياسيّ

 كان حصنّ رأي الإمام وفكر الإمام وعزمه. رحمة الله تعالى على هذا الرجل العظيم إلى أبد الآبدين1.


أوّل حركة شعبية كانت نسائية
إنّ النساء كان لهنّ دور (مميّز) سواء أكان في بدايات النهضة أم في زمن الثورة، أي في تلك السنة والنصف من التحرّكات الجماهيرية الثورية، كان للنساء دور مؤثّر ولا بديل له حتّى أنّهنّ لو لم يشاركن فقط في هذه التحرّكات والتظاهرات الحاشدة والعظيمة، لما كان لهذه التحرّكات كل ذلك الأثر. بل إنّه في بعض الأماكن - مثلاً عندنا في مشهد - كان انطلاق التظاهرات بواسطة النساء، أي إنّ أوّل حركة شعبية كانت حركة نسائية، وقد تصدّت لهنّ الشرطة، وانطلقت فيما بعد التحرّكات من الرجال. هكذا كان الأمر في الثورة والمواجهات. وكذلك بالنسبة إلى دورهنّ في تشكيل النظام وما جرى بعده بشكل سريع، أي زمن الحرب، زمن المحنة، زمن الامتحان الصعب ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ2. لقد كانت الأوضاع قاسية في زمن الحرب. والحال، فإنّ بعضهم شاهد الحرب عبر التلفاز والإذاعة وما شابه، وبعضهم كان في ميدان الحرب بجسده وروحه، ما يتمّ
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.
2- سورة التوبة، الآية 118.
 
 
 
143

117

المرأة والدور السياسيّ

 عرضه من تقارير وأخبار مفعمة بالحماس والشوق في الحرب، كلّه صحيح وحقيقيّ، حيث إنّني أقرأ الكثير من الكتب المتعلّقة بذكريات المقاتلين وأعلم بأنّها صحيحة، كلّ ذلك الشوق والحرقة والعشق للجهاد والاشتياق للشهادة وعدم الرهبة من الموت وما شابه، هو ما يُعرض في التقارير وهو صحيح، لكنّ النظرة العامة للحرب كانت نظرة مثقلة بالمحنة والحزن...1.


دور أمّهات وزوجات الشهداء والجرحى
لقد كان زمناً صعباً، وفي هذا الزمن الصعب كان دور النساء دوراً استثنائياً، دور أمّهات الشهداء، دور زوجات الشهداء، دور النساء المباشر المتّصل بساحة الحرب مباشرة في أعمال الدعم والمؤازرة، وأحياناً، وبشكل نادر، في الأعمال العسكرية والعمليات. ولقد شاهدتُ عن قرب أعمال الدعم الحربيّ للنساء في الأهواز حيث كان دوراً منقطع النظير. لقد كانت النساء فاعلات حتّى في الأقسام العسكرية. القصة "دا"2 التي كتبتها السيدة حسيني تدلّ على هذا الأمر، لقد شكّلن فريق عمل لا يمكن قياسه بأيّ مقياس ولا ميزان. أن تكون أمّاً، أمّاً لشهيد، أمّاً لشهيدين، لثلاثة شهداء، لأربعة شهداء، ليس
 

1 خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.
2- اسم سلسلة قصص أدبية كتبت حول الجبهة أثناء الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
 
 
 
144

118

المرأة والدور السياسيّ

 الأمر بالطرفة التي يسهل ذكرها على اللسان. إذا تعرّض طفل للزكام وسعل عدّة مرات، كم نقلق عليه؟ فماذا لو ذهب الولد فقُتل، ثم قُتل الثاني، ثمّ الثالث، هل هذه طرفة؟ وهذه الأمّ بكل عواطفها الأمومية المرهفة والملتهبة تؤدّي دورها بشكل تتشجّع معه مئة أمّ أخرى لإرسال أولادهنّ إلى ساحة الحرب، لو أنّ تلك الأمهات - حين وصلتهنّ جثامين أبنائهن أو لم تصل - صدرت عنهنّ آهات وأنين، عتاب وشقّ للجيوب أو اعتراض على الإمام (الخمينيّ قدس سره) وعلى الحرب، فلا شكّ أنّ الحرب كانت ستُشلّ في تلك السنوات والمراحل الأولى للحرب. وهذا هو دور أمّهات الشهداء، وزوجات الشهداء الصابرات. نساء شابّات يفقدن أزواجهنّ في بداية الحياة الجميلة التي كنّ يتمنّينها، أن يرضين أولاً بأن يذهب أزواجهنّ الشباب إلى حيث من الممكن أن لا يرجعوا، ومن ثمّ يتحمّلن شهادتهم، ثمّ يفتخرن بهذا ويرفعن رؤوسهنّ شموخاً، هذه أدوار لا بديل لها ولا مثيل. ثمّ المعاناة المستمرّة حتّى الآن لزوجات المعوّقين من جرحى الحرب. سيّدات تزوّجن بمعوّق جسده ناقص، وفي بعض الأحيان يكون سيّئ الخُلُق بسبب وضعه الجسديّ أو العوارض الناشئة من حالات الصرع والتشنّج العصبيّ، أن تقوم سيّدة بملء إرادتها وبشكل ملتزم ومسؤول وتتحمّل هذا بشكل تطوّعي وبدون أي إجبار تكون قد قامت بعمل فدائيّ كبير. أحياناً قد تَقُلنَ (أيّتها السيّدات) إنّنا نجيء في اليوم لزيارة أحد الجرحى لمدة ساعتين، حسناً في كل مرة تذهبن تُشكرن على تعبكنّ، ولكن أحياناً

 
 
 
145

119

المرأة والدور السياسيّ

 يكون العكس، أنتنّ تخترن أن تكنّ زوجات لهؤلاء الجرحى، تصبحن دائنات! أي إنّ طبيعة الحال أن تقمن أنتنّ بهذا العمل، لكنّ أولئك النسوة قمن بتلك التضحية. وفي الحقيقة إنّ دور النساء لا يمكن أن يُحدّ ويُحسب1.


لقد قلتها مراراً!. إنّني في زياراتي لعوائل الشهداء غالباً ما أجد أمّهات الشهداء أشجع وأكثر مقاومة من آباء الشهداء. وهل يمكن مقارنة محبّة الأم وعاطفتها بعاطفة الأب؟ فالمشاعر النسوية الرقيقة، وخصوصاً تجاه فلذة كبدها بعد أن ربّته وكبّرته وأنشأته كباقة ورد، ثمّ ترضى بأن يتوجّه لساحات الحرب ويستشهد، ثمّ لا تبكي على جنازته من أجل أن لا يفرح أعداء الجمهورية الإسلامية! وقد قلت - أنا العبد - لعوائل الشهداء مراراً ابكوا! لماذا لا تبكون؟ لا عيب في البكاء. لكنّهم لا يبكون، ويقولون نخشى أن يفرح بذلك أعداء الجمهورية الإسلامية. لا تسمّها امرأة بل سمّها صانعة رجال العصر...2. هؤلاء هنّ نساء إيران، وقد خرجن من الامتحان مرفوعات الرؤوس3.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المشاركين في الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة في موضوع المرأة والأسرة، بمناسبة إقامة الملتقى الثالث للأفكار الاستراتيجيّة، في طهران، بحضور جمعٌ من العلماء والمفكّرين والمسؤولين والنخب، بتاريخ14/01/2012م.
2- عمان الساماني، ديوان الأشعار.
3- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران - حسينية الإمام الخميني قدس سره، بحضور جمعٌ من الشعراء والمدّاحين لأهل البيت عليهم السلام، بتاريخ 12/05/2012م.
 
 
 
 
146

120

المرأة والدور السياسيّ

 الحركة النسوية في الثورة الإيرانية حركة زينبية

إنّ ثورتنا هي ثورة زينبية. منذ بداية الثورة قامت النسوة بأحد أبرز الأدوار فيها، سواء في واقعة الثورة الكبرى نفسها أو في تلك الواقعة العظيمة للدفاع المقدّس طيلة السنوات الثماني. ودور الأمهات، ودور الزوجات، وإذا لم يكن أكثر ثقلاً من دور المجاهدين وأكثر إيلاماً وتحمّلاً فهو يقيناً ليس بأقلّ. إنّ الأمّ التي ربّت ولدها وعزيزها طيلة ثماني عشرة أو عشرين سنة حتّى نضج بتلك العاطفة الأمومية، ها نحن نراها ترسله إلى ميدان الحرب حيث لا يَعلم أحد إذا كان جسده سيرجع أم لا، فأين هذا العمل من نفس ذهاب هذا الشابّ؟ إنّ هذا الشاب يتحرّك بحماس مع الإيمان والروحية الثورية. فلو لم يكن عمل هذه الأم أكبر من عمل هذا الشاب فهو ليس بأقلّ. وإذا أرجعوا جسده فإنّها تفتخر بأنّ ولدها شهيد. فهل أنّ هذه الأمور قليلة؟ إنّ هذه الحركة النسوية هي حركة زينبية في ثورتنا.

أعزائي، أخواتي، إخواني! إنّ ثورتنا قد مضت في هذا الطريق قُدُماً. وقدرتها وعظمتها إنّما كانت بهذه الأمور، بالتمسّك بالمعنويات المدعومة من اللطف الإلهيّ. وعندما أراد العدوّ أن يشمت بزينب الكبرى لما جرى عليها قالت: "ما رأيت إلا جميلاً"2،1 فقد قطّعوا
 

1- ذكرها سماحته بالعربيّة في سياق خطبته.
2- المجلسي، العلامة محمد باقر، بحار الأنوار، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403هـ، ط2، ج45، ص116.
 
 
 
 
147

 


121

المرأة والدور السياسيّ

 إخوتها وأبناءها وأعزّاءها وأقرب أنصارها أمام ناظريها إرباً إرباً، وسفكوا دماءهم ورفعوا رؤوسهم فوق الرماح وهي تقول: جميل! فأيّ جميل هو هذا؟ لاحظوا هذا الجميل بما نُقل من أنّ زينب الكبرى لم تترك صلاة الليل حتّى في ليلة الحادي عشر. على طول مرحلة الأسر لم يضعف انقطاعها إلى الله وتوجّهها إليه وتعلّقها به، نعم، لم يقلّ بل ازداد. هذه المرأة هي القدوة.


إنّ تلك الرشحات الربانية التي تنزّلت من هذه الحقيقة في مجتمعنا وفي ثورتنا هي التي أعطت العظمة لهذه الثورة. فهذه الأمور هي التي جعلت شعب إيران في هذا الزمان ـ ورغم كل العداوات ـ ملهماً للشعوب ورغم أنف العدوّ. إنّ شعب إيران اليوم يعدّ شعباً ملهماً بين الشعوب المسلمة. ولا شك بأنّ الأعداء لا يعجبهم هذا الأمر ولهذا يسعون إلى خنق صوته، ولكنّ واقع القضية هو هذا1.

إنّ نساءنا قد أظهرن طوال فترة أحداث الثورة وما تلتها إلى يومنا هذا أنهنّ بمستويات عالية في الأمور التي تعتبر معايير حقيقية للحياة والقيم والعظمة، فأمّ ضحّت بأبنائها للّه وفي سبيل هدف مقدّس، ولا تبالي لذلك، هي امرأة عظيمة حقاً، وهذا شيء عظيم وإن وزن بأيّ ميزان وفي أيّ مكان من هذا العالم، وزوجة شابّة تحافظ مع كامل العفّة والطهارة على حرمة زوجها الأسير لمدة عشر
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.
 
 
 
148

122

المرأة والدور السياسيّ

 أو إحدى عشرة سنة في سجون العدوّ، هذه هي القيم. حضرنَ في سوح الحرب، وفي ميادين البناء والإعمار، وحضرنَ في ميادين الحرب النفسية أكثر من غيرهنّ. فعندما حاولت الأبواق المعادية إضعاف روحية الشعب، واجهت النساء المؤمنات هذه الأبواق، وهنَّ الآن كذلك، فأنتم تشاهدون الإعلام المعادي بأشكاله المختلفة يطرح الانتقاد تلو الانتقاد، ويضخّم الأشياء الصغيرة عشرات الأضعاف، وينقلها في الإذاعات المختلفة وبواسطة الإجراء في الداخل في المنشورات والمنشورات الفلانية. بعضهم يروّج للإشاعات بالبيانات السريّة وبعضهم الآخر علناً في المنشورات المسموح بها قانوناً، يدفعون الأموال للأشخاص للذهاب في الصف الفلاني أو في وسائل النقل العام لتشويه سمعة الدولة، نعم يدفعون الأموال لبعض الناس لإثارة الإشاعات ولخلق البلبلة. إنّ أفضل أناس صمدوا في مثل هذه الأوضاع هم نساؤنا المؤمنات واللواتي أعدادهنَّ ـ وللّه الحمد ـ كبيرة جداً، بل إن أكثر نسائنا هكذا رغم أنف الأعداء، فهذا هو مجتمع المرأة الزينبية، ومجتمع المرأة الفاطمية، وهذه هي التربية الإسلامية وتربية النظام الإسلاميّ، وهذه هي قيمة وعظمة وحرّية المرأة1.


إنّ السيّدات الفعّالات في جبهة الثورة، قمن بدور بارز في يومٍ من الأيّام ـ قبيل انتصار الثورة بقليل، وفي أوائل الثورة، وطوال الحرب
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة السيدة زينب الكبرى عليها السلام، في طهران، بحضور حشود من الأخوات، بتاريخ 05/05/1415ه.ق.
 
 
 
 
149

123

المرأة والدور السياسيّ

 المفروضة - فكان لهنّ حضور فعّال. فلا تَدَعْنَ حضور السيّدات الفعّال في جبهة الثورة يَخْفت، فالآخرون يحاولون، في مواجهة الثورة ومعارضة الثورة، الإفادة من عنصر المرأة الفعّال. بينما للثورة عدد أكبر من النساء الفعّالات، البارزات، الكاتبات، والعالمات. وعلى السيّدات المِقدَامات، المفكّرات، من صاحبات القلم والتأليف والخطابة، من اللواتي يُقدّمنَ الأفكار، أن لا يدعْنَ ساحة الثورة والدفاع عن الثورة1.

 


1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات، بمناسبـة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات والحوزويات والجامعيات، بتاريخ 11/05/2013م.

 

 

 

150


124

الفصل الأول: نساء رساليّات

 كيفية اتّخاذ القدوة1

أُبيّن لكنّ2 أولاً أنّ القدوة يجب أن لا يُعرّف ويُقدّم لنا كقدوة ويقال لنا هذا قدوتكم، فمثل هذا الاقتداء تعاقديّ ومفروض وخالٍ من الجاذبية. فنحن الذين يجب أن نختار قدوتنا بأنفسنا. أي أن ننظر في أُفق رؤانا ومعتقداتنا الحقّة ونلاحظ الصورة التي نرتضيها لأنفسها من بين تلك الصور. هكذا تصبح تلك الصورة وتلك الشخصية قدوة لنا. ولا أعتقد بوجود صعوبة في حصول الشابّ المسلم وخاصة الشابّ المطّلع على حياة الأئمّة وأهل البيت في صدر الإسلام، على قدوة له. الأشخاص القدوة ليسوا قليلين.

أنتِ سيدة تعيشين في عصر طغى عليه التطوّر العلميّ والصناعيّ والتقنيّ وعالمٍ رحب وحضارة مادية زاخرة بمختلف المظاهر الجديدة، فما هي الخصائص التي يتحقّق فيها معنى الاقتداء بشخصية سبقك عهدها بألف وأربعمائة سنة مثلاً؟ هل تتوقّعين في القدوة التي تتأسّين بها أن يكون لها وضع كوضعك تقتفين أثره في حياتك
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية, في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
2- نص الإمام الخامنئي دام ظله إجابة عن سؤال إحدى الطالبات الجامعيات وهو:كيف يمكننا الاقتداء بحياة السيدة الزهراء عليها السلام؟
 
 
 
155

125

الفصل الأول: نساء رساليّات

 الحالية وتفترضين على سبيل المثال كيف كانت تذهب إلى الجامعة، أو كيف كانت تفكر في القضايا العالمية، أو ما شابه ذلك؟


كلّا، ليس الأمر كذلك، والأمور المطلوبة التي يُقتدى بها ليست هذه. بل هناك في شخصية كلّ إنسان خصائص أصيلة يجب تحديدها أوّلاً، ثمّ ينظر إلى القدوة في ضوء تلك الخصائص والميزات. لنفرض على سبيل المثال كيفية التعامل مع وقائع الحياة اليومية المحيطة بالإنسان. فقد تكون هذه الوقائع متعلّقة تارة بعصر انتشار المترو والقطار والطائرة النفاثة والحاسوب، وقد تكون تارة أُخرى متعلّقة بعهد لا وجود لمثل هذه الأشياء فيه. إلّا أنّ الإنسان لا بدّ من أن يواجه وقائع وأحداث الحياة اليومية، وبإمكانه التعامل معها على نحوين متفاوتين ـ من دون فرق بين العصرين.ـ فهو إمّا أن يتعامل معها تعاملاً مسؤولاً، وإمّا أن يقف منها موقفاً غير مبالٍ.

ويتفرّع التعامل المسؤول بدوره إلى عدّة أنواع وأقسام، فبأية روحية وبأية نظرة مستقبلية يكون التعامل؟

فالإنسان يجب أن يبحث عن تلك الخطوط العريضة والأساسية في الشخصية التي يتّخذها قدوة له، من أجل اتّباعها والسير على خطاها.

السيدة مريم عليها السلام والسيدة آسية عليها السلام مثلان للذين آمنوا
لقد أجريت الكثير من الأبحاث حول الرؤية الإسلامية للمرأة. ونحن أيضاً تحدّثنا في المسألة مرّات عدّة. وذكرت أّنّ المرأة قد عُرضت في القرآن كنموذجٍ للإنسان المؤمن والمَرْضيّ عند الله، وكنموذج
 
 
 
 
156

126

الفصل الأول: نساء رساليّات

 للإنسان الكافر المطرود من جنب الله، وهذا أمرٌ ملفتٌ. فالقرآن عندما يريد أن يذكر نموذجاً للإنسان الصالح والإنسان السيئ فإنّه يختار لهما من النساء: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ1, فهاتان المرأتان هما بحسب القرآن مثل أيّ نموذج ومظهر للمرأة السيئة، زوجة نوح وزوجة لوط، وبالمقابل ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ2, كنموذج للمرأة الصالحة والسامية والمؤمنة، فيذكر الاثنين، إحداهما زوجة فرعون والأخرى مريم ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا3, والملفت أنّ كلاً من هؤلاء النساء الأربع صلاحهنّ وسوءهنّ مرتبط بالأسرة. ففي مورد المرأتين السيئتين امرأة نوح وامرأة لوط يقول تعالى: ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾4. فالقضية هي قضية الأسرة. وموضوع المرأتين الأخريين يتعلّق بالأسرة، الأولى زوجة فرعون قيمتها وأهميتها أنّها قد ربّت في حضنها نبياً من أولي العزم، موسى كليم الله وآمنت به وساندته لهذا انتقم فرعون منها. القضية قضية داخل الأسرة مع هذا التأثير والشعاع العظيم للعمل الذي قامت به، حيث ربّت شخصاً كموسى. وبشأن مريم الأمر كذلك: التي أحصنت فرجها فحفظت شأنيّتها وعفّتها. وهذا يدلّ على وجود عوامل متعدّدة

 


1- سورة التحريم، الآية 10.

2- سورة التحريم، الآية 11.

3- سورة التحريم، الآية 12.

 

4- سورة التحريم، الآية 10.

 

 

 

157


127

الفصل الأول: نساء رساليّات

 في البيئة الاجتماعيّة لمريم عليها السلام كان من الممكن أن تهدّد عفّة وشرف امرأة عفيفة، وقد استطاعت أن تواجهها1.


هذا هو الامتياز الذي أعطاه الله تعالى للمرأة. لهذا يضرب في القرآن مثلاً للإيمان ـ ليس نموذجاً لإيمان النساء، بل هو نموذج لإيمان كلّ الناس نساء ورجالاً ـ امرأتين: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾، ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾ فهاتان إشارتان ودلالتان على منطق الإسلام2.

السيدة الزهراء عليها السلام أسوة المرأة المسلمة3
أذكر بضع كلمات حول الزهراء عليها السلام، ولعلّ هذه الكلمات يمكن تعميمها في شأن الأئمّة والأكابر، ويمكن لكم التأمل في هذا المعنى:
1- الزهراء عليها السلام: أمّ أبيها:
لاحظوا أنّ الزهراء عليها السلام كانت في السادسة أو في السابعة من عمرهاـ والتردّد لاختلاف الأخبار في تاريخ ولادتها ـ حينما وقع حصار شعب أبي طالب. وقد مرّت في الشعب على المسلمين فترة عصيبة من تاريخ صدر الإسلام. فبعدما أعلن الرسول دعوته في مكّة بدأ أهالي
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات، بتاريخ 22/05/2011م.
2- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.
3- الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
 
 
 
158

128

الفصل الأول: نساء رساليّات

 مكّة يستجيبون له وخاصّة الشباب منهم والعبيد. أما أكابر الطواغيت من أمثال أبي لهب وأبي جهل فرأوا أنهم لا سبيل أمامهم سوى إخراج الرسول وأصحابه من مكّة. وهكذا أخرجوهم وكان عددهم قد بلغ عشرات العوائل.. وفيهم الرسول وأهل بيته وأبو طالب الذي كان من أكابر قريش ووجوهها.


كان لأبي طالب شِعب - والشِّعب هو الشقّ بين جبلين - على مقربة من مكّة يُسمّى بشعب أبي طالب، عزموا على الذهاب إليه مع ما يتّسم به جوّ تلك المنطقة من حرّ شديد في النهار وبرد قارس في الليل. أي إنّ الظروف كانت صعبة لا تُطاق، إلّا أنّهم مكثوا ثلاث سنين في ذلك الشعب القاحل وتحمّلوا الجوع وتجرّعوا الشدائد والمحن. وكانت تلك الفترة من الفترات العسيرة التي مرّت في حياة الرسول الذي لم تنحصر مسؤوليته حينذاك في قيادة تلك المجموعة وإدارة شؤونها، بل كان ينبغي له أيضاً الدفاع عن موقفه أمام أصحابه الذين وقعوا في تلك المحنة. فأنتم على بيّنة أنّ الجماعة الملتفّة حول القيادة، تبدي ارتياحها ورضاها في حال الرخاء، وتعبّر عن امتنانها. ولكن حينما يعرّضون للبلاء أو يقعون في محنة يبدأ الشك يتسرّب إلى نفوسهم ويلقون على تلك القيادة مسؤولية قيادتهم إلى ذلك المآل الذي لم يكونوا راغبين في الوقوع فيه أبداً.

من الطبيعيّ أنّ أصحاب الإيمان الراسخ يصمدون ويصبرون في مثل هذه الظروف، إلّا أنّ جميع الضغوط تصبّ في نهاية المطاف على كاهل الرسول. وفي تلك الظروف العصيبة والضغوط النفسية
 
 
 
 
159

129

الفصل الأول: نساء رساليّات

 الشديدة التي كان يواجهها رسول اللّه توفّي في أسبوع واحد كلّ من أبي طالب الذي كان أكبر عون وأمل له، وخديجة الكبرى التي كانت خير سند روحيّ ونفسيّ له، فكانت حادثة مريرة بقي الرسول على أثرها وحيداً فريداً.


لا أدري إن كان فيكم مَن تصدّى لرئاسة فريق عمل وعرف معنى المسؤولية. في مثل تلك الظروف يُغلب الإنسان على أمره. ولكن لاحظوا دور فاطمة الزهراءعليها السلام في مثل تلك الظروف، وموقفها الايجابيّ، حيث كانت فاطمة في تلك الظروف بمثابة الأمّ والمستشار والممرّضة بالنسبة للرسول. ومن هنا أُطلق عليها "أُم أبيها". وهذه الصفة تتعلّق بتلك الفترة التي تكون فيها صبية عمرها ست أو سبع سنوات على هذا النحو. ومن الطبيعيّ أنّ الفتاة في الأجواء العربية والأجواء الحارّة تنمو بشكل أسرع روحاً وجسماً بما يعادل نموّ فتاة تبلغ العاشرة أو الثانية عشرة في وقتنا الحاضر. فتكون على هذه الدرجة من الشعور بالمسؤولية.

ألا يمكن لمثل هذه الفتاة أن تكون قدوة للفتيات ليصبح لديهنّ شعور مبكر بالمسؤولية إزاء القضايا المحيطة بهنّ، ويتفاعلن معها بنشاط؟ كان وجه فاطمة ينشرح بوجه أبيها وتنشط قواها وهي تزيل بمنديل العطف والحنان غبار الهمّ والحزن عن وجه أبيها الذي تجاوز حينذاك الخمسين من عمره الشريف ودخل في سنّ الشيخوخة تقريباً، قبل أن تزيله بيدها. ألا يمكن لهذه الفتاة أن تكون قدوة للشابات؟ هذه قضية ذات أهمّية بالغة طبعاً.
 
 
 
 
 
160

130

الفصل الأول: نساء رساليّات

 2- السيدة الزهراء عليها السلام: الزوجة والأمّ:

يتجسّد المثال الآخر في حياتها الزوجية. فقد يتصوّر بعض الناس أنّ الحياة الزوجية - في طرف المرأة - تعني الاهتمام بشؤون المنزل وإعداد الطعام وترتيب غرف البيت وتنظيفها وعندما يأتي الزوج من العمل تقدّم له الوسادة على غرار ما كان يفعله القدماء. الحياة الزوجية ليس معناها هذا فقط. أُنظروا كيف كانت الحياة الزوجية لفاطمة الزهراء.

على مدى السنوات العشرة التي قضاها الرسول في المدينة عاشت الزهراء مع أمير المؤمنين حياة زوجية استمرّت سنوات، وقعت في تلك الفترة معارك متعدّدة صغيرة وكبيرة ـ بلغت نحو ستين معركة ـ وشارك أمير المؤمنين في أغلبها.

أُنظروا إلى حياة هذه الزوجة التي كانت في بيت زوج كان يشارك في المعارك باستمرار، لأنّ نتائجها تتوقّف على مشاركته فيها، ولولاه لما كتب لها النصر ـ إضافة إلى أنّ حياتها المعيشية لم تكن على ما يرام من الرفاهية أو الغنى ولا تتعدّى ما سمعناه عنها في قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ1 بمعنى أنّها كانت تعيش حياة فقر وعوز على الرغم من كونها ابنة الرسول وزعيم الأمّة، وذلك يعني أنّها كانت تحمل كامل الشعور بالمسؤولية.

لاحظوا كم تستلزم وضعية هذه المرأة من صلابة حتّى تفيض بها
 

1- سورة الإنسان، الآيتان 8 و9.
 
 
 
161

131

الفصل الأول: نساء رساليّات

 على هذا الزوج ليكون متفرّغاً من هموم وهواجس الأهل والعيال ومصاعب الحياة، ولتبعث فيه السكينة والطمأنينة، وتربّي الأولاد بتلك التربية العالية التي ربّتهم عليها. فإذا قال قائل إنّ الحسن والحسين إمامان ومجبولان على العصمة، فزينب لم تكن إماماً، لكنّ فاطمة الزهراء ربّتها تربية صالحة خلال تلك السنوات القصيرة.. إذ لم تلبث فاطمة طويلاً من بعد وفاة الرسول.


وهكذا كان دأبها أيضاً في حياتها العائلية وفي إدارتها لشؤون البيت وفي حياتها الأُسرية. ألا يمكن أن يكون كلّ هذا مثالاً تحتذي به الفتاة أو ربّة البيت أو من تشرّفت توّاً وأصبحت ربّة بيت؟ هذه الجوانب مهمّة جداً.

3- السيّدة الزهراء عليها السلام وموقفها السياسيّ:
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قصدت المسجد ذات يوم وألقت فيه خطبة عصماء. وهذا من مواقفها الداعية إلى العجب، ونحن أصحاب الخطابات والكلمات الارتجالية نعرف مدى عظمة مثل هذه الخطبة، وما معنى أن تقدم امرأة في الثامنة عشرة أو العشرين أو الرابعة والعشرين على أغلب الاحتمالات ـ والحقيقة أن عمرها الشريف غير معروف على وجه الدقّة بسبب عدم وجود تاريخ موحّد لولادتها ـ مع كلّ ما كانت تحمله من هموم ومصائب، وتدخل المسجد وتخطب أمام حشد غفير من المسلمين ويسجّل التاريخ كلّ كلمة من تلك الخطبة.

كان العرب مشهورين بقوّة الحفظ، فكان الرجل يأتي ويلقي
 
 
 
 
162

132

الفصل الأول: نساء رساليّات

 قصيدة من ثمانين بيتاً، ثم ترى عشرة رجالٍ ـ مثلاً ـ يسارعون إلى كتابتها عن ظهر قلب. وأغلب الأشعار المنقولة حفظت بهذه الطريقة. وعلى غرار حفظ القصائد كانت تحفظ الأحاديث والخطب. وعلى هذا المنوال دوّنت وحفظت هذه الخطب أيضاً وبقيت حتّى يومنا هذا. والكلمات لا يخلّدها التاريخ اعتباطاً.. وما كلّ كلام يُحفظ، فلطالما قيلت كلمات وأُلقيت خطب وأشعار، إلّا أنّ أحداً لم يأبه لها ولم تحفظ، ولكنّ الشيء الذي يحفظه التاريخ بين جوانحه وحينما ينظر إليه الإنسان بعد ألف وأربعمائة سنة يشعر إزاءه بالخشوع، لا شكّ أنّ فيه دلالة على العظمة.


وخلاصة القول إنّ هذه المرأة خليقة بأن تتّخذها الشابّات قدوة لهنّ1.

بين يوم المرأة وولادة السيّدة الزهراء2
بمناسبة يوم المرأة، قال الإمام الخمينيّ قدس سره في إحدى كلماته مخاطباً النساء: "إنكنّ حين رضيتنّ بأن يكون يوم ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام يوماً للمرأة، فهذا يرتّب على عواتقكنّ مسؤوليّات وتكاليف". يومكم، يوم المرأة ويوم الأم، وهو يوم فاطمة الزهراء عليها السلام، فما معنى هذا؟ إنّها خطوة رمزيّة وعمل
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلامية، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
2- م.ن.
 
 
 
163

133

الفصل الأول: نساء رساليّات

 رمزيّ (شعائريّ). ومعناه أنّ المرأة يجب أن تسير على هذا الصراط، والعظمة والجلالة، وعلوّ المقام والقدر يتحقّق للمرأة في هذا الدرب، الدرب الذي تتوفّر فيه التقوى والعفاف، والعلم والخطابة، والصمود في مختلف الميادين التي تحتاج إلى الصمود، وتربية الأبناء، والحياة العائلية، وفيه الفضائل والجواهر المعنوية كلّها. على النساء السير في هذا الاتّجاه1.


زينب عليها السلام، قدوة الرجال والنساء
هذه المرأة التي تُعدّ قدوة لكلّ الرجال العظماء والنساء العظيمات في العالم. فهي تبيّن أسباب الثورة النبوية والثورة العلوية، وتقول إنّكم لم تتمكّنوا من معرفة الحقّ في الفتنة، ولم تستطيعوا أن تعملوا بتكليفكم، وكانت النتيجة أن يُرفع رأس فلذة كبد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على الرماح.. من هنا يمكن فَهم عظمة زينب2 عليها السلام.
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران - حسينية الإمام الخميني قدس سره، بحضور جمعٌ من الشعراء والمدّاحين لأهل البيت عليهم السلام، بتاريخ 12/05/2012م.
2- م.ن.
 
 
 
 
164

134

الفصل الأول: نساء رساليّات

 زينب عليها السلام ودورها التاريخيّ في كربلاء1

زينب الكبرى أحد نماذج التاريخ البارزة التي تُظهر عظمة حضور امرأة في إحدى أهمّ قضايا التاريخ. عندما يُقال إنّ الدم انتصر على السيف في عاشوراء وفي واقعة كربلاء، وهو كذلك، فإنّ عامل هذا الانتصار هو زينب عليها السلام، وإلّا فإنّ الدم في كربلاء قد انتهى.

واقعة عسكرية تنتهي بهزيمة ظاهرية لقوى الحقّ في ميدان عاشوراء، أمّا ذلك الشيء الذي أدّى إلى تبديل هذه الهزيمة العسكرية الظاهرية إلى انتصار قطعيٍّ دائم فهو زينب الكبرى عليها السلام بمفردها، الدور الذي قامت به زينب عليها السلام، أمرٌ في غاية الأهمّية. وقد دلّت هذه الواقعة على أنّ المرأة ليست موجودة على هامش التاريخ، بل هي في صلب الأحداث التاريخية الهامة.

القرآن أيضاً نطق بهذه المسألة في موارد متعدّدة، لكنّ هذا متعلّق بالتاريخ القريب وليس مرتبطاً بالأمم الماضية، فحادثة حيّة ومحسوسة يشاهد فيها الإنسان زينب الكبرى تظهر بهذه العظمة المحيّرة والساطعة في الميدان، تقوم بعملٍ يذلّ ويحقّر العدوّ الذي بحسب الظاهر قد انتصر في المعركة العسكرية واقتلع المعارضين وقمعهم وجلس على عرش النصر في مقرّ قدرته وفي قصر رئاسته، فتسِم جبينه بوصمة عارٍ أبدية وتبدّل انتصاره إلى هزيمة، هذا هو
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.
 
 
 
165

135

الفصل الأول: نساء رساليّات

 عمل زينب الكبرى. أظهرت زينب عليها السلام أنّها يمكنها أن تحوّل الحجاب وعفاف المرأة إلى العزّة الجهادية وإلى جهاد كبير.


السيدة زينب الكبرىعليها السلام وقوّة بيانها1
ما بقيَ من خطب زينب الكبرى، ممّا هو في متناول الأيدي، يظهر عظمة حركتها. فخطبتها التي لا تُنسى في أسواق الكوفة لم تكن كلاماً عادياً، ولم تكن موقفاً عادياً لشخصية كبرى، بل بيّنت بتحليل عظيم أوضاع المجتمع الإسلاميّ في ذلك العصر بأجمل الكلمات وأعمق وأغنى المفاهيم في مثل تلك الظروف. لاحظوا قوة الشخصيّة، كم هي قوية هذه الشخصيّة. فقدت في تلك الصحراء أخاها وقائدها وإمامها مع كلّ هؤلاء الأعزّاء والشباب والأبناء، وهذا الجمع المؤلّف من بضع عشرات من النساء والأطفال قد أُسروا وأُحضروا على مرأى من أعين الناس وحُملوا على نياق الأسْر، وجاء الناس ينظرون إليهم، وكان بعضهم يهلل وبعضهم كان يبكي، ففي مثل هذه المحنة، تسطع فجأة شمس العظمة، فتستعمل نفس اللهجة التي كان يستعملها أبوها أمير المؤمنين وهو على منبر الخلافة مخاطباً أمّته، تنطق بنفس الطريقة وبنفس اللهجة والفصاحة والبلاغة وبذلك السموّ في المضمون والمعنى: "يا أهل الكوفة، يا أهل (الختر و) الغدر
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.
 
 
 
 
166

136

الفصل الأول: نساء رساليّات

 والختل"1، أيّها المخادعون، أيّها المتظاهرون! لعلّكم صدّقتكم أنّكم أتباع الإسلام وأهل البيت، لقد سقطتم في الامتحان وصرتم في الفتنة عمياً، "هل فيكم إلّا الصَّلف والعُّجب والشَّنِف والكذب ومَلَقُ الإماء، وغمز الأعداء"2؟ إنّ تصرّفكم وكلامكم لا ينسجم مع قلوبكم. لقد غرّتكم أنفسكم، وظننتم أنّكم مؤمنون، وتصوّرتم أنّكم لا زلتم ثوريين، ظننتم أنّكم لا زلتم أتباع أمير المؤمنين، في حين أنّ واقع الأمر لم يكن كذلك. لم تتمكّنوا من الصمود والنجاح في الفتنة، ولم تتمكّنوا من النجاة بأنفسكم ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾3, فقد أصبحتم كالتي بدّلت الحرير أو القطن إلى خيوط، ثم أرجعت تلك الخيوط ونقضتها إلى قطن أو حرير، فبدون بصيرة ووعيٍ للظروف وبدون تمييز بين الحقّ والباطل أبطلتم أعمالكم وأحبطتم سوابقكم. الظاهر ظاهر الإيمان واللسان مليء بالادّعاءات الجهادية، أما الباطن فهو باطنٌ أجوف خالٍ من المقاومة مقابل العواصف المخالفة. فهذا ما يُعدّ تحديداً آفّات تصيب المجتمع.


بهذا البيان القويّ والكلمات البليغة، وفي تلك الظروف الصعبة، تحدّثت زينب الكبرى. فلم يكن الأمر بحيث نرى مجموعة من المستمعين يجلسون أمام زينب ويستمعون إليها وهي تتحدّث
 

1- ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج4، ص115.
2- ابن شهرآشوب المازندراني، محمد بن علي‏، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، قم‏، نشر علامة، 1421ه‏، ط1، ج4، ص115.
3- سورة النحل، الآية 92.
 
 
 
167

137

الفصل الأول: نساء رساليّات

 معهم كخطيب عاديّ، كلّا، فالجماعة هم من الأعداء، وحملة الرماح يحيطون بهم، وكان هناك جماعة في ناحية أخرى كهؤلاء الذين سلّموا مسلم إلى ابن زياد، وأولئك الذين كتبوا الرسائل وبعثوا بها إلى الإمام الحسين عليه السلام وتخلّفوا، ومنهم من كان ينبغي أن يواجه ابن زياد وقد اختبأوا في بيوتهم ـ هؤلاء كانوا في سوق الكوفة ـ وجماعة ظهر منهم ضعف النفوس وهم الآن يشاهدون ابنة أمير المؤمنين ويبكون. لقد كانت زينب الكبرى عليها السلام في مواجهة هذه الجماعات المختلفة التي لا يمكن الثقة بها، ولكنها كانت تتحدّث ببيان مُحكم ورائع. فهي امرأة تاريخية، هذه المرأة لم تعد ضعيفة، ولا يصح عدّها امرأة ضعيفة. فهذا جوهر المرأة المؤمنة حيث تُظهر نفسها في مثل هذه الظروف الصعبة1.

 


1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة، في طهران، بحضور جمع غفير من الممرضات النموذجيات، بتاريخ 21/04/2010م.

 

 

 

168


138

الفصل الثاني: النموذج النسائي المعاصر

السيّدة بنت الهدى

في عصرنا هذا استطاعت امرأة شجاعة عالمة مفكّرة بارعة في مقتبل العمر اسمها السيّدة بنت الهدى ـ أُخت الشهيد الصدر1 ـ أن تترك بصماتها على التاريخ، وأن تؤدّي دوراً في العراق المظلوم إلى أن استشهدت. عظمة مثل هذه المرأة لا تقلّ عن عظمة أيّ من الرجال الشجعان والعظماء. لقد كان موقفها موقفاً نسوياً وموقف ذلك الرجل (أخيها الشهيد محمد باقر الصدر) موقفاً رجولياً، ولكن كلاهما

 


1- ولدت الشهيدة الخالدة آمنة بنت آية الله السيد حيدر الصدر (بنت الهدى) عام 1356ه- 1937م في مدينة الكاظمية، في بيت عريق في العلم والجهاد والتقوى. وكانت أصغر شقيقيها وأختهما الوحيدة.

ولم يختلف حالها عن حال باقي أسرتها في مكابدة الفقر والحرمان، وتحمل الصعاب والمشاق، بروح غمرها الإيمان والقناعة بأدنى ضروريات الحياة.

لم تر بنت الهدى أباها ولا تتذكره وكأنها ولدت يتيمة، إلا أن الله عز وجل عوضها عن ذلك بأخويها المرحوم السيد إسماعيل الصدر والشهيد السيد محمد باقر الصدر - رضوان الله عليهم جميعاً - فقد أغدقا عليها حناناً ومحبة تفوق ما يتوقع اليتامى، وربّياها بما لم يربّ أب فلذة كبده.

تعلمت الشهيدة بنت الهدى القراءة والكتابة في البيت على يد والدتها - رحمها الله - فكانت الأم هي المعلم الأول، وكانت والدتها تثني على ابنتها وقدرتها على التعلم والاستيعاب والفهم، ثم استكملت مراحل تعليمها القراءة والكتابة على يد أخويها، وشمل ذلك علوم العربية في أكثر جوانبها، حتى تمكنت من كتابة الشعر في السنوات المبكرة من عمرها.

 

وكانت الشهيدة بنت الهدى - رحمها الله - حريصة على تثقيف نفسها ثقافة إسلامية رفيعة، سواء في مراحل حياتها الأولى أو فترة ما قبل الاستشهاد. فتمكنت من توسيع أفق ثقافتها توسعاً شاملاً متعدد الأبعاد، وكتاباتها في مجلة الأضواء في تلك الفترة (1966م) تعكس لنا جوانب من تلك الأبعاد، ذلك أن مجلة الأضواء التي كانت تصدرها جماعة العلماء في النجف الأشرف لم تكن منبراً إلا للنتاجات المتميزة فقط، وكانت بنت الهدى ــ رحمها الله ــ من أبرز من كتب فيها بل كانت الرائدة الأولى في الكتابة والتأليف

 

 

 

171

 

 


139

الفصل الثاني: النموذج النسائي المعاصر

  يَنِمّان عن حركة تكاملية ويعبّران عن عظمة وتألّق جوهر هذا الإنسان. وهكذا فلتربَّ النساء.


وفي مجتمعنا أيضاً كان لدينا الكثير من أمثال هذه النساء حتّى في عهود الكبت، وفي عهود المواجهة. ولدينا من بعد قيام النظام الإسلاميّ نساء عظيمات استطعن تربية أبناء مستعدين للبذل والتضحية، وقدّمن أبناءهن وأزواجهنّ للدفاع عن البلد وعن الثورة، وللدفاع عن كيان وكرامة الشعب، ومثل هذا العمل الكبير استطاعت أن تنجزه المرأة. وقد شاهدتُ أنا بنفسي حالات متعدّدة من هذا القبيل1.

المرأة الإيرانية2
آلاف النسوة الشهيدات، اللواتي أدّين دوراً كبيراً في تغيير مسار التاريخ الإسلاميّ. هذا الجيش من الملائكة اللواتي ضحّين بأرواحهنّ المقدسة في سبيل الإسلام، لم يبالين وسرن في طريق العمل وظهرن كبانيات لصرح إيران الجديدة. هنّ نسوة عظيمات قدّمن للشرق والغرب تعريفاً جديداً لـ"المرأة".

فغالباً ما تقدّم المرأة في النظم الشرقية كعنصر هامشيّ لا دور لها في صناعة التاريخ، وفي النظم الغربيّة باعتبارها موجوداً
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران - ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
2- رسالة الإمام الخامنئي دام ظله إلى ملتقى 7000 شهيدة إيرانية، في طهران، بتاريخ 06/03/2013م.
 
 
 
172

140

الفصل الثاني: النموذج النسائي المعاصر

 يتفوّق جنسه على إنسانيته ووسيلة جنسية بيد الرجال، وفي خدمة الرأسمالية الجديدة. فالنسوة الإيرانيات الشجاعات في الثورة والدفاع المقدّس قدّمن نموذجاً ثالثاً جديداً.


لقد فتحت المرأة الإيرانيّة المسلمة تاريخاً جديداً أمام أعين النساء في العالم، وأثبتت أنّه يمكن للمرأة أن تكون امرأة وعفيفة ومحجبة وشريفة، وتمارس في الوقت ذاته دورها في مركز الأحداث. يمكنها أن تحافظ على طهارة خندق العائلة، وأن تبني خنادق جديدة في الميادين السياسية والاجتماعيّة وتحقق الكثير من الفتوحات والإنجازات الكبرى. هنّ نسوة مزجن بين ذروة المشاعر والرقّة والرحمة النسوية وبين روح الجهاد والشهادة والمقاومة، وخضن بشجاعة وإخلاص وتضحية أكثر السوح رجوليّة.

لقد ظهرت في الثورة الإسلاميّة والدفاع المقدّس نسوة يمكنهنّ أن يقدّمن للعالم تعريف المرأة وحضورها في ساحات الرشد والتهذيب وفي ساحة حفظ سلامة المنزل والعائلة المتوازنة، وفي ساحة الولاية الاجتماعيّة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد الاجتماعيّ، ويستطعن تحطيم واقتحام أكبر الطرق المسدودة.

لقد ظهرت حالة جديدة من الاقتدار والهيبة بفضل دماء هؤلاء النسوة المجاهدات في العصر الحديث، تركت تأثيراتها أولاً على المرأة في العالم الإسلاميّ، وسوف تترك تأثيراتها عاجلاً أم آجلاً على مصير مكانة المرأة في العالم.
 
 
 
 
 
173

141

الفصل الثاني: النموذج النسائي المعاصر

 طالما بقيت شمس سيّدتنا خديجة الكبرى المتألّقة، وسيّدتنا فاطمة الزهراء، وسيّدتنا زينب الكبرى ساطعة مشرقة، فإنّ المخطّطات القديمة والجديدة المعادية للمرأة سوف لن تنتج شيئاً.


وإنّ الآلاف من نسائنا الكربلائيات لم يحطّمن الخطوط السوداء للظلم الظاهريّ وحسب، بل وفضحن أيضاً حالات الظلم الحديث ضدّ المرأة، وأثبتن أنّ حقّ المرأة في الكرامة الإلهية هو أعلى حقوق المرأة، وهو حقّ غير معروف بالمرّة في العالم الذي يسمّى بالحديث، وقد آن الأوان اليوم لمعرفته.

وستكون المرأة المسلمة الإيرانية المجاهدة المعلّم الثاني لنساء العالم، بعد المعلّم الأول لهنّ وهو نساء صدر الإسلام.

سلام الله على سيّدة الإسلام العظيمة فاطمة الزهراء، وعلى كلّ نساء صدر الإسلام العظيمات وعلى النسوة المضحّيات في إيران الإسلاميّة1.
 

1- رسالة الإمام الخامنئي دام ظله إلى ملتقى 7000 شهيدة إيرانية، في طهران، بتاريخ 06/03/2013م.
 
 
 
 
174

142
المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي دام ظله