علم المنطق (الجزء الأوّل)


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2014-09

النسخة: 1


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

المقدّمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى آله الطيبين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وبعد...

 

يُعتبر علم المنطق من العلوم المهمّة للكثير من العلوم الأخرى، ولهذا اعتُبر من العلوم الآليّة التي لا غنى عن دراستها لدارس العلوم الإسلامية، ولا سيّما ما يتعلّق منها بالعلوم العقلية والكلامية ونحوها. ونظراً لوجود مضامين ومصطلحات وعبائر قد تكون جديدة أو معقّدة على الطالب، يبرز دور الأستاذ في تقديم هذه المادّة وتوضيحها بطريقة تعليمية – تعلّمية، تلبّي حاجات الطلاب، خاصّةً بعد أن تظهر لهم أهميّتها في حياتهم العلمية والعملية، ومدى الاستفادة منها في كثير من العلوم وقضايا الحياة.

 

من هنا وضع مركز المعارف للتحقيق والتأليف هذه المادة المختصرة في علم المنطق بإسلوبٍ تعليميٍّ وميسّر، بالاعتماد على منهجية ومضمون كتاب المنطق للمرحوم العلّامة الحجة الشيخ محمد رضا المظفّر قدس سره، بل وفي بعض عباراته أيضاً، إضافةً إلى الآتي:

- تقسيم المادة إلى دروس مستقلّة ومترابطة.

 

- وضع أهداف خاصّة بكلّ درس.

 

- إعداد صفحة مفاهيم رئيسة تتضمّن خلاصةً لكلّ درس، حتّى يسهل على الطالب المراجعة والحفظ.

 

- وضعنا تمارين خاصّةً بكلّ درس، تساهم في فهم المادّة وتحقيق أهدافها.

 

 

11
 


1

المقدمة

- تسهيل العبارة، والابتعاد قدر الإمكان عن العبارات المعقّدة والمغلقة، مع المحافظة على الاصطلاحات الخاصّة بعلم المنطق، إذ لا يمكن تسهيل وتغيير هذه الاصطلاحات أيضاً، فعلى الطالب أن يجدّ ويسعى لتحصيل هذا العلم، وسيرى ما يفيده في مسيرته العلمية والعملية.

 

 

والحمد لله رب العالمين

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

12

 

 


 

2

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

 الدرس الأول:

الحاجة إلى المنطق

 

  أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية الدرس أن:

1. يجد الرغبة في دراسة المنطق.

2. يعرّف المنطق.

3. يبيّن بأسلوبه موضوع علم المنطق.

 

 

13

 

4

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

تمهيد

لا بدّ في كل علم، قبل البدء به، من الإشارة إلى أهمّيّته والحاجة إلى دراسته، وكيف نستفيد منه في الحياة، بل ومدى الاستفادة منه، ثمّ تعريف العلم بشكل صحيح وجيّد، حتّى لا يختلط بسائر العلوم، وبعد ذلك تحديد موضوعه وأهمّ المسائل التي تدور حوله. وهذا ما سنتناوله في هذا الدرس.

 

الحاجة إلى المنطق

خلق الله الإنسان مفطوراً على النطق، وجعل اللسان آلة ينطق بها، ولكن مع ذلك، عندما يتكلّم، يقع في الخطأ، فـيحتاج إلى ما يقوّم وينظّم نطقه، ويصلحه ويصحّحه، ليكون كلامه على طبق اللغة التي يتعلّمها، من ناحية هيئات الألفاظ وموادّها، فيحتاج:

أوّلاً: إلى المدرّب الذي يدرّبه على ممارستها.

 

وثانياً: إلى قانون يرجع إليه يعصم لسانه عن الخطأ، وذلك هو النحو والصرف.

 

وكذلك خلق الله الإنسان مفطوراً على التفكير بما منحه من قوّةٍ عاقلةٍ مفكّرةٍ، لا كالبهائم. ولكن - مع ذلك - نجده كثيرَ الخطأ في أفكاره:

مثلاً: قد يجرّب الإنسان الخشب يطفو على الماء في حوادثَ عدّةٍ متكرّرةٍ، فيعتقد أنّ ذلك خاصيّة في الخشب والماء، فيحكم خطأً أنّ كلّ خشب يطفو على الماء، ولكنّه لو جرّب بعض أنواع الخشب الثقيل الوزن، لوجد أنّه لا يطفو على الماء العذب، بل قد يرسب إلى القعر أو إلى وسط الماء، فإنّه لا شكّ حينئذٍ في زوال اعتقاده الأوّل.

 

15

 


 

5

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

ولو غيّر التجربة في أجسام عدّةٍ غير الخشب، ودقّق في ملاحظته ووزنَ الأجسام والسوائل بدقّة، وقارن وزن بعضها ببعض، لحصل له حكم آخر بأنّ العلّة في طَوْف الخشب على الماء هي أنّ الخشب أخفّ وزناً من الماء، وتحصل له قاعدة عامّة هي: أنّ الجسم الجامد يطفو على السائل إذا كان أخفّ وزناً منه، ويرسب إلى القعر إذا كان أثقل وزناً، وإلى وسطه إذا ساواه في الوزن، فالحديد مثلاً يرسب في الماء، ويطفو في الزئبق، لأنّه أخفّ وزناً منه[1].

 

فيحسب ما ليس بعلّة علّةً، وما ليس بنتيجةٍ لأفكاره نتيجةً، وما ليس ببرهانٍ برهاناً، وقد يعتقد بأمرٍ فاسدٍ أو صحيحٍ من مقدّماتٍ فاسدةٍ... وهكذا. فهو إذاً بحاجةٍ إلى ما يصحّح أفكاره، ويرشده إلى طريق الاستنتاج الصحيح، ويدرّبه على تنظيم أفكاره وتعديلها.

 

وقد ذكروا أنّ "علم المنطق" هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ، وترشده إلى تصحيح أفكاره. فكما أنّ النحو والصرف لا يعلّمان الإنسان النطق، وإنّما يعلّمانه تصحيح النطق، فكذلك علم المنطق لا يعلّم الإنسان التفكير، بل يرشده إلى تصحيح التفكير.

 

إذاً، فحاجتنا إلى المنطق هي تصحيح أفكارنا، وما أعظمها من حاجة!

 

ولو قلتم: إنّ الناس يدْرسون المنطق ويخطئون في تفكيرهم، فلا نفع فيه.

 

قلنا لكم: إنّ الناس يدرسون علمَي النحو والصرف ويخطئون في نطقهم، وليس ذلك إلا لأنّ الدارس للعلم لا يحصل على ملكة العلم، أو لا يراعي قواعده عند الحاجة، أو يخطئ في تطبيقها، فيشذّ عن الصواب.

 

وقد ندرس اللغة الأجنبية، ونمضي وقتاً طويلاً في دراستها، لكن عندما نتكلّم اللغة نخطئ في التحدّث، وما ذلك إلّا لأنّنا لا نراعي القواعد التي درسناها، ولا نطبّقها بشكل صحيح، ولم نحصل على ملكة اللغة الأجنبية.

 

لذلك، لا بدّ من المعرفة بقواعد العلم أوّلاً، ثمّ العمل على مراعاتها وتطبيقها بشكل صحيحٍ وكاملٍ ثانياً، حتّى نصل إلى النتيجة المرجوّة من هذا العلم.


 


[1] هذه الفقرة مأخوذة من بحث التجريبيّات في الجزء الثالث من كتاب المنطق للشيخ محمّد رضا المظفّر رحمه الله، ص 333.

 

16


6

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

تعريف علم المنطق

علم المنطق يُبحث فيه عن القواعد العامّة التي تنظّم عملية الفكر، ليصل إلى نتائج صحيحةٍ.

 

فهو مجموعة من القواعد والضوابط العامّة والكليّة التي ينتج عن تطبيقها أثناء عملية التفكير صيانةُ الذهن عن الوقوع في الخطأ.

 

وممّا تقدّم يمكن تعريف علم المنطق بأنّه "آلة قانونيّة[1] تعصم مراعاتُها الذهنَ عن الخطأ في الفكر".

 

فانظر إلى كلمة "مراعاتها"، واعرف السرّ فيها كما قدّمناه، فليس كلّ من تعلّم المنطق عُصم عن الخطأ في الفكر، كما أنّه ليس كلّ من تعلّم النحو عصم عن الخطأ في الكلام، بل لا بدّ من مراعاة القواعد وملاحظتها عند الحاجة، ليعصم ذهنَه أو لسانَه.

 

والعصمة هنا تعني ملكة العلم التي يحصل عليها الدارس للعلم، والتي من خلالها يطبّق القواعد المنطقية بشكل صحيح، ويراعيها جيداً، فلا يقع في الخطأ.

 

المنطق آلة

وانظر إلى كلمة "آلة" في التعريف، وتأمّل معناها، فتعرف أنّ المنطق إنّما هو من قسم العلوم الآليّة[2] التي تُستخدم لحصول غاية، هي غير معرفة مسائل العلم نفسها، كالعلوم النفسيّة الّتي تُدرس لمعرفة مسائلها نفسها، لا لأجل غاية منها،كعلم الفلسفة وعلم العقيدة، فالمنطق يتكفّل ببيان الطرق العامّة الصحيحة الّتي يتوصّل بها الفكر إلى الحقائق المجهولة...

 

وببيان أوضح: علم المنطق يعلّمك القواعد العامّة للتفكير الصحيح، حتّى ينتقل ذهنُك إلى الأفكار الصحيحة في جميع العلوم[3].


 


[1] وإنّما كان المنطق قانوناً، لأنّ مسائله قضايا كليّة منطبقةٌ على جزئيّات.

[2] وفي اللغة العربية اسم الآلة يبدأ بـحرف الميم، مثلاً: المنجل، المعول، المنخل، المبرد، المدفع، المغسل، و... وكذلك المنطق فهو آلة النطق.

[3] أي العلوم الاستدلاليّة، كالفلسفة والفقه الاجتهاديّ.

 
 
17

7

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

فيعلّمك على أيّ هيئة وترتيب فكريّ[1] تنتقل من الصور والمعلومات الّتي تعلمها والحاضرة في ذهنك إلى الأمور المجهولة والغائبة عنك، ولذا سمّوا هذا العلم "الميزان" و"المعيار" ـ من الوزن والعيار، وسمّوه بـ "خادم العلوم"...، فلا بدّ لطالب هذا العلم من استعمال التمرينات لهذه الأداة، وإجراء عمليّتها أثناءَ الدراسة، شأن العلوم الرياضيّة والطبيعيّة.

 

موضوع علم المنطق

إنّ موضوع المنطق هو: المعرّف والحجّة.

فمسائل المنطق يُبحث فيها عن أحوال التعريف والدليل، والتعريف والدليل لا غنى عنهما للإنسان للتوصّل إلى المجهولات.

 

فمجهولات الإنسان يمكن تقسيمها إلى قسمين:

الأوّل: حقائق الأشياء، مثل حقيقة الإنسان وحقيقة الشجر.

 

الثاني: الحكم على الأشياء (أي الجهل بثبوت شيء لشيء)، مثل الحكم بثبوت قابلية الاحتراق للشجر أو عدم ثبوتها.

 

فالإنسان تارةً يجهل حقيقة الشيء، فيطلب تعريفه ليعلم به ويصبح قادراً على تصوّره، كأن يجهل حقيقة الإنسان، فيسأل: ما هو الإنسان؟ فيقال له: الإنسان: حيوان ناطق. فإذا بحث الإنسان عن حقيقة الشيء ووصل إلى معناه، يكون قد خرج من المجهول التصوّري إلى المعلوم التصوّري، لأنّ هذا البحث أنتج تصوّر معنى هذا الشيء في ذهنه (كالإنسان في المثال)، وهذا الجواب المنتج لتصوّر معنى الإنسان يسمّى (المعرّف).

 

وتارةً يعرف حقيقة الشيء، كأن يعرف حقيقة الشجر، ولكنّه يجهل أنّه قابل للاحتراق أو لا، وهذا النحو من الجهل يسمّى الجهل بالأحكام، أي الجهل بثبوت شيء لشيء، كثبوت الاحتراق للشجر في مثالنا، ويعبَّر عن هذا النحو من الجهل بالمجهول التصديقيّ، فيطلب


 


[1] فيه تلويح إلى أنّ المنطق إنّما يتعرّض لصورة الاستدلال، ويبيّن قواعدها وأحكامها، ولكن الحقّ أنّ المنطق متكفّل لمادّة الاستدلال أيضاً، ويبيّن أنّه من أيّ مادّةٍ وعلى أيّ هيئةٍ يكون التفكير الصحيح.

 
 
18

8

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

إقامة البرهان الذي يثبت له صحّة هذه القضية، وهذا هو الدليل أو الحجّة. والبرهان هو الذي ينتج الخروج من المجهول التصديقيّ إلى المعلوم التصديقيّ.

 

وبذلك يتّضح المراد من (المعرّف) و(الحجّة):

فالمعرّف هو ما يوصل إلى معلوم تصوّري، أي ما ينتج الخروج من الجهل بمفهوم من المفاهيم إلى العلم به. فقولنا: "حيوان ناطق" هو المعرّف لحقيقة الإنسان (مثلاً).

 

والحجّة هي ما يوصل إلى معلومٍ تصديقيٍّ، أي ما ينتج التصديق والإذعان بثبوت حكمٍ لموضوع ما في قضية من القضايا، كقضية: الحديد يتمدّد بالحرارة.

 

فإذا قلنا: الحديد معدن، وكلّ معدن يتمدّد بالحرارة.

إذاً: الحديد يتمدّد بالحرارة.

فهذا القول هو (الحجّة)، لأنه أوجب التصديق والإذعان بثبوت التمدّد بالحرارة (الحكم) للحديد (الموضوع).

 

فالمنطق يبحث في وسائل التعريف، ليحدّد ما يصلح منها للتعريف وما لا يصلح، كما يبحث في وسائل الإثبات (الأدلّة) ليحدّد المنتج منها للغرض من غير المنتج، وأنّ ما ينتج منها للغرض كيف ينبغي ترتيبه لضمان إنتاجه.

 

تقسيم البحث

1. البحث عن الحجّة من ناحيتين: من ناحية هيئة تأليفها، ومن ناحية مادّة قضاياها، وهو بحث الصناعات الخمس.

 

2. لكلٍّ من البحث عن المعرّف والحجّة مقدّمات: مباحث الألفاظ، والكلّي، وهما مقدّمتان لكلٍّ من المعرّف والحجّة.

 

19


9

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

المفاهيم الرئيسة

1. لقد خلق الله الإنسان مفطوراً على التفكير، بما منحه من قوّة عاقلةٍ مفكّرة، ولكن - مع ذلك - نجده كثيرَ الخطأ في أفكاره، فهو إذاً بحاجةٍ إلى ما يصحّح أفكاره، ويرشده إلى طريق الاستنتاج الصحيح.

 

2. "علم المنطق" هو الأداة الّتي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ، وترشده إلى تصحيح الأفكار.

 

3. عرّفوا علم المنطق بأنّه "آلة قانونيّة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر".

 

4. المنطق من العلوم الآليّة الّتي تستخدم لحصول غاية.

 

5. المنطق يعلّمنا على أيّ هيئةٍ وترتيبٍ فكريٍّ ننتقل من الصور الحاضرة في أذهاننا إلى الأمور الغائبة عنّا، ولذا سمّوا هذا العلم "الميزان" و"المعيار"

 

6. لا بدّ لطالب هذا العلم من استعمال التمرينات لهذه الأداة، وإجراء عمليّتها أثناء الدراسة، شأن العلوم الرياضيّة والطبيعيّة.

 

7. إنّ التعرّف إلى المسائل الّتي يتمحور حولها علم المنطق، يساعد على الفهم الدقيق لموضوعه.

 

8. علم المنطق يبحث عن كيفيّة تأليف المعلومات المخزونة عند الإنسان، ليتوصّل بها إلى تحصيل المجهولات وإضافتها إلى ما عنده من معلومات:

أ.  فتارةً يبحث عن المعلوم التصوريّ، ويسمّى المعرّف، للتوصّل به إلى العلم بالمجهول التصوريّ.

ب.  وأخرى يبحث عن المعلوم التصديقيّ، ويسمّى الحجّة، ليتوصّل به إلى العلم بالمجهول التصديقيّ.

 

20

 


10

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

التمارين

 

1. أجب بـ √ أو x، معلّلاً الإجابة:

أ. قوّة العقل والتفكير هي من الأمور التي يكتسبها الإنسان:

 

ب. مَن تعلّم المنطق يصبح قادراً على التفكير بشكل صحيح:

 

ج.علم المنطق يغني عن تعلّم سائر العلوم كالرياضيات والفيزياء:

 

د. نحتاج إلى تعلّم علم المنطق لنفسه وذاته، كما نتعلّم مسائل الفقه:

 

هـ.كلّ من درس المنطق لا يخطئ في التفكير:

 

2. أين الدخيل؟

سبب الوقوع في الخطأ في عملية التفكير حتى ممّن درس المنطق هو:

- عدم الحصول على ملكة العلم

- عدم مراعاة قواعد العلم عند الحاجة

- وقوع الخطأ والاشتباه في تطبيق القواعد

- كونه علماً يونانياً مضى عليه الزمن، ويحتاج إلى تطوير

 

ما هو التعريف الدقيق للمنطق؟

- هو قانون التفكير الصحيح

- هو العلم بالقواعد التي، مع مراعاتها، لا يقع عادة الذهن في الخطأ في الفكر


 
21

11

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

تمهيد

قلنا: إنّ الله - تعالى - خلق الإنسان مفطوراً على التفكير، مستعدّاً لتحصيل المعارف بما أُعطي من قوّةٍ عاقلةٍ مفكّرة، يمتاز بها عن العجماوات (البهائم). ولا بأس ببيان موطن هذا الامتياز من أقسام العلم الذي نبحث عنه، مقدّمة لتعريف العلم، ولبيان علاقة المنطق به.

 

أقسام العلم

العلم الحسّي: أوّل درجات العلم

إذا ولد الإنسان يولد وهو خالي النفس من كلّ فكرةٍ وعلمٍ فعليّ، سوى هذا الاستعداد الفطريّ. فإذا نشأ وأصبح ينظر ويسمع ويذوق ويشمّ ويلمس، نراه يحسّ بما حوله من الأشياء، ويتأثّر بها التأثّر المناسب، فتنفعل نفسه بها، فنعرف أن نفسه الّتي كانت خاليةً أصبحت مشغولةً بحالةٍ جديدةٍ نسمّيها "العلم"، وهو العلم الحسيّ الّذي هو ليس إلا حسّ النفس بالأشياء الّتي تنالها الحواسّ الخمس: الباصرة، والسامعة، والشامّة، والذائقة، واللامسة، وهذا أوّل درجات العلم، وهو رأس المال لجميع العلوم[1] الّتي يحصل عليها الإنسان، ويشاركه فيه سائر الحيوانات الّتي لها جميع هذه الحواس أو بعضها.

 

ومن الطبيعيّ جدّاً أنّ مَن يفقدُ نوعاً من الحواس يفقد العلم بذلك النوع من


 


[1] العلم الحسيّ، وإن كان أوّل درجات العلم، وبه يستعدّ الإنسان لإدراك ما سواه من الدرجات المتعالية، إلا أنّه ليس رأس المال للعلوم الّتي يحصل عليها الإنسان، بل إنّ رأس المال لجميع العلوم إنّما هو البديهيّات، أعمّ من أن تكون بديهيّات تصوّريّة أو تكون بديهيّات تصديقيّة، فإنّ الإنسان إنّما يكتسب العلوم التصوريّة النظريّة بالاستعانة بالتصوّرات البديهيّة، ويكتسب العلوم التصديقيّة النظريّة بالتمسّك بالتصديقيّات البديهيّة.

 

25

 

 

12

الدرس الأول: الحاجة إلى المنطق

المحسوسات، فالأعمى لا يعرف المبصَرات، والأصمّ لا يدرك المسموعات، وهكذا بالنسبة إلى باقي أنواع الحواسّ، ومن هنا قالوا: "إنّ مَن فَقَد حسّاً فَقَد علماً".

 

العلم الخياليّ

إنّ الإنسان عندما ينظر إلى مشهدٍ ما، ثمّ يغمض عينيه، يجد أنّ صورة هذا المشهد ما زالت عالقة للحظات في ذهنه، وكذلك لو سمع صوتاً وانقطع ذلك الصوت، يجد أنّ الصوت نفسه ما زال يتردّد في مسامعه للحظات، وهكذا بالنسبة لباقي الحواسّ بعد الانقطاع عن الحسّ، فالذهن يحفظ صور المحسوسات بعد زوال الاتّصال بالمحسوس الخارجيّ.

 

ثمّ تترقّى مدارك الطفل، فيتصرّف ذهنه في صور المحسوسات المحفوظة عنده، فينسب بعضها إلى بعض: هذا أطول من ذاك، وهذا الضوء أشدّ نوراً من الآخر أو مثله... ويؤلّف بعضها من بعض تأليفاً قد لا يكون له وجود في الخارج، كتأليفه لصور الأشياء الّتي يسمع بها ولا يراها، فيتخيّل البلدة الّتي لم يرها مؤلّفةً من الصور الذهنيّة المعروفة عنده من مشاهداته للبلدان، وهذا هو "العلم الخياليّ" الذي يحصل عليه الإنسان بقوّة (الخيال).

 

وقد يشاركه في هذا العلم بعض الحيوانات.

 

العلم الوهميّ[1]

ثمّ يتوسّع في إدراكه إلى أكثر من المحسوسات، فيدرك المعاني الجزئيّة الّتي لا مادّة لها ولا مقدار، مثل أن يدرك حبّ أبويه له، لا مفهوم حبّ الأبوين فإنّه مفهوم كلّي، أو يدرك عداوة مبغضيه له، وخوف الخائف، وحزن الثاكل، وفرح المستبشر...[2] وهذا هو "العلم الوهميّ"، الذي يحصل عليه الإنسان بقوّة الوهم.


 


[1] ليس المقصود بالوهم هنا المعنى الشائع بين الناس الذي بمعنى الرأي الخاطئ مثلاً، بل المقصود بالعلم الوهمي هو إدراك بعض المفاهيم الجزئية، مثل إدراك حب أمّك لك.

[2] لا يخفى أنّه ليس المراد درك الخائف وجود خوفه وإلا لكان علماً حضوريّاً، بل المراد درك مفهوم الخوف، مضافاً إلى خائفٍ خاصٍّ أعمّ من أن يكون هو نفسه أو غيره، حتى يكون من المفهوم المضاف إلى جزئيّ وهو العلم الوهميّ، وهكذا في حزن الثاكل وفرح المستبشر.

 

26

 

14

الدرس الثاني: العلم وأقسامه

وبعض الحيوانات تمتلك هذا النوع من العلم، فالمعروف في علم الحيوان أنّ اللحظة الّتي يهجم فيها الذئب على القطيع، يشعر فيها الحَمَل بالخوف من الذئب فيهرب منه، فهو يدرك عداوة الذئب له، وهكذا سائر الحيوانات تدرك الخوف عندما يواجهها الخطر، وتدرك السرور عندما تشعر بالطمأنينة والاستقرار.

 

وهذه القوّة موضع افتراق الإنسان عن الحيوان، فيترك الحيوان وحده يدير إدراكاته بالوهم فقط، ويصرفها بما يستطيعه من هذه القوّة المحدودة.

 

العلم الأكمل: العقل

ثمّ يذهب الإنسان في طريقه وحده متميّزاً عن الحيوان بقوّة العقل والفكر،الّتي لا حدّ لها ولا نهاية، فيدير بها دفّة مدركاته الحسيّة والخياليّة والوهميّة، ويميّز الصحيح منها من الفاسد، وينتزع المعاني الكليّة من الجزئيّات الّتي أدركها، فيتعقّلها ويقيس بعضها على بعض، وينتقل من معلوم إلى آخر، ويستنتج ويحكم، ويتصرّف ما شاءت له قدرته العقليّة والفكريّة.

 

فإذا لاحظ العقل أفراد الإنسان فوجد أنَّ:

زيداً فانٍ

عمراً فانٍ

خليلاً فانٍ...

فإنّه يستنج قاعدة كلّية هي: كلّ إنسان فانٍ.

 

ومثلها: كلّ ماء يتبخّر بدرجة حرارةٍ معيّنةٍ.

 

وهذا العلم الّذي يحصل للإنسان بهذه القوّة هو العلم الأكمل الّذي كان به الإنسان إنساناً، ولأجل نموّه وتكامله وُضعت العلوم وأُلّفت الفنون، وبه تفاوتت الطبقات واختلف الناس.

 
 
27

15

الدرس الثاني: العلم وأقسامه

وعلم المنطق وُضع من بين العلوم لأجل تنظيم تصرّفات هذه القوّة، خوفاً من تأثير الوهم[1] والخيال عليها، ومن ذهابها في غير الصراط المستقيم لها.

 

تعريف العلم

وقد تسأل على أيّ نحو تحصل للإنسان هذه الإدراكات وهذه العلوم؟

 

انظر إلى شيء أمامك، ثمّ أطبق عينيك، موجّهاً نفسك نحوه، فستجد في نفسك كأنّك لا تزال مفتوح العينين تنظر إليه.

 

استمع إلى دقّات الساعة - مثلا - ثمّ سُدَّ أذنيك، موجّهاً نفسك نحوها، فستحسّ من نفسك كأنّك لا تزال تسمعها... وهكذا الأمر بالنسبة إلى باقي الحواسّ.

 

إذا جرّبت مثل هذه الأمور ودقّقتها جيّداً، يسهل عليك أن تعرف أنّ الإدراك أو العلم إنّما هو انطباع صور الأشياء في نفسك، ولا فرق بين مدركاتك في جميع مراتبها، ولذلك عرّفوا العلم بأنّه "حضور صورة الشيء عند الذهن، أعمّ من قوّة الحسّ والخيال والوهم والقوّة العاقلة"، أو فقل: "انطباعها في العقل".


 


[1] قال في أسرار الحكم، ص 222: إذا لم يكن الوهم كالكلب المعلم فإنّه يتنازع مع العاقلة، ويحكم بخلافها، ولا يذعن لأحكام العاقلة.

 

28


16

الدرس الثاني: العلم وأقسامه

المفاهيم الرئيسة

 

1. للحصول على تعريف للعلم لا بدّ من بيان موطن امتياز القوّة العاقلة والمفكّرة من أقسام العلم الّذي نبحث عنه، ولبيان علاقة المنطق به.

 

2. أقسام العلم هي:

أ. العلم الحسّي: وهو حسّ النفس بالأشياء الّتي تنالها الحواسّ الخمس: الباصرة، والسامعة، والشامّة، والذائقة، واللامسة. وهذا أولى درجات العلم.

 

ب. العلم الخيالي: وهو العلم بالصور الحسيّة بعد زوال الاتّصال بالمحسوس الخارجيّ.

 

ج. العلم الوهميّ: وهو إدراك المعاني الجزئيّة الّتي لا مادّة لها ولا مقدار، مثل حبّ أبويه له.

 

د. العلم العقليّ الأكمل: يحصل بقوّة العقل والفكر الّتي لا حدّ لها ولا نهاية، يدير الإنسان بها دفّة مدركاته الحسيّة والخياليّة والوهميّة، ويميّز الصحيح منها من الفاسد، وينتزع المعاني الكليّة من الجزئيّات، فيتعقّلها ويقيس بعضها على بعض، وينتقل من معلوم إلى آخر، ويستنتج ويحكم، ويتصرّف ما شاءت له قدرته العقليّة والفكريّة. وبهذا العلم يمتاز الإنسان عن الحيوان.

 

3. وُضع علم المنطق من بين العلوم لأجل تنظيم تصرّفات هذه القوّة، خوفاً من تأثير الوهم والخيال عليها، ومن ذهابها في غير الصراط المستقيم لها.

 

4. تعريف العلم: هو: "حضور صورة الشيء عند الذهن، أعمّ من قوّة الحسّ والخيال والوهم والقوّة العاقلة".

 

 

29

 


17

الدرس الثاني: العلم وأقسامه

التمارين

 

1. أجب بـ √ أو x، معلّلاً الإجابة:

أ. العلم الحسّي هو المشاعر والعواطف، كالشعور بالحبّ.

ب. إدراك أن زيداً أطول من عمروٍ هو من العلم الخياليّ.

ج. الوهم هو تصوّر مفهوم خاطئ.

د. العلم هو مجموعة مسائل تبحث عن موضوع ما كالمنطق.

هـ. العقل يدرك القضايا والقواعد الكليّة.

و. (الخطّان المستقيمان المتوازيان لا يلتقيان) هي قاعدة كلّية.

 

2. عمل مجموعات:

ميّز في هذه الحادثة ما حصل مع المحقّق من أنواع العلم: حسّيّ، خياليّ، وهميّ، عقليّ.

دخل المحقّق الغرفةَ التي حصلت فيها الحادثة، وبدأ بالفحص وتتبّع آثار السارق.

فأوّل ما وقع نظره على النافذة المفتوحة، اقترب منها بهدوء، فرأى آثار أصابع السارق على قبضة النافذة، نظر إلى الأسفل، فرأى آثار أقدام كبيرة على الرمال،فاستنتج أنّ السارق قد هرب من النافذة، وأنّه رجل كبير. وعندما عاد ليسأل صاحبة الدار عن بعض الملابسات، شعر بحالة خوف شديد وذعر لديها،فأخذ يخفف من روعها. وعندما سألها أين كانت أثناء دخول السارق الدار، أجابت بأنّها كانت نائمة، فشعرت بصوت داخلَ الغرفة، فنادت زوجها، لكنّه لم يجبها، وعندما قامت لمحت السارق يركض في الخارج، وما زالت صورته في ذهنها. وبدأ المحقق يسألها عن مواصفاته، وعن بعض الأمور الأخرى... وعندما سألها عن زوجها استنتج أن العلاقة بينهما ليست جيّدة، وشعر منها أنّها تخفي شيئاً عنه،فأخذ يسألها عن ترتيب الغرفة، وهل هي منظّمة ومرتّبة بشكل جيّد، فوجدها من دون شعور تسترق النظر إلى النافذة لتنظر ما في الخارج.

 

 

30

 


18

الدرس الثاني: العلم وأقسامه

أسئلة حول الدرس:

 

1. ميّز بين أقسام العلم (الحسيّ، الخياليّ، الوهميّ)، موضحاً بالأمثلة.

2. عرّف العلم بأسلوبك الخاصّ.

3. ما هو العقل؟ وماذا يدرك؟ أوضِح بمثال.

 

31


19

الدرس الثالث: تقسيمات العلم (1)

الدرس الثالث:

تقسيمات العلم (1)

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يفرّق بين العلم الحصوليّ والعلم الحضوريّ.

2. يميّز بين التصوّر والتصديق.

3. يحدّد دائرة عمل المنطق.

 

33


20

الدرس الثالث: تقسيمات العلم (1)

تمهيد

تقدّم أنّ موضوع علم المنطق هو المعرّف والحجّة. ولمّا كان المعرّف هو المنتج للمعلوم التصوّري، والحجّة هي المنتج للمعلوم التصديقيّ، فإنّ ذلك يوجب علينا الشروع أوّلاً في بيان معنى التصوّر والتصديق.

 

ولمّا كان التصوّر والتصديق قسيمَين لمقسم واحد هو العلم الحصوليّ، كان لا بدّ من بيان معنى العلم أوّلاً، ليكون ذلك طريقاً لبيان معنى التصوّر والتصديق.

 

العلم الحصوليّ والعلم الحضوريّ

العلم الحصوليّ: هو العلم الّذي تقدّم الحديث عنه، وهو المبحوث عنه في علم المنطق، وهو الّذي تقدّم تعريفه بأنّه حضور صورة الشيء عند الذهن، وهو الحاصل في الذهن من قوّة الحسّ أو الخيال أو الوهم أو قوّة العاقلة.

 

العلم الحضوريّ: كعلم النفس بذاتها وبصفاتها القائمة بذاتها وبأفعالها وأحكامها وأحاديثها النفسيّة، وكعلم الله تعالى بنفسه وبمخلوقاته. فلا تدخل فيه الأبحاث الآتية في الكتاب، لأنّه ليس حصوله للعالم بارتسام صورة المعلوم في نفسه، بل بحضور المعلوم نفسه بوجوده الخارجيّ العينيّ للعالم، فإنّ الواحد منّا يجد من نفسه أنّه يعلم بنفسه وشؤونها، ويدركها حقّ الإدراك، ولكن لا بانتقاش صورها، وإنّما الشيء الموجود هو حاضر لذاته دائماً بوجوده نفسه، وكذا المخلوقات حاضرة لخالقها بوجودها نفسها.

 

35

 


21

الدرس الثالث: تقسيمات العلم (1)

الفرق بين الحصوليّ والحضوريّ

1. إنّ الحصوليّ هو حضور صورة المعلوم لدى العالم. والحضوريّ هو حضور المعلوم نفسه لدى العالم.

 

فالواحد منّا عندما ينظر إلى كوبٍ من العصير مثلاً، ويمدّ يده إليه، ويشمّ رائحته، ويشرب منه، ويلتذّ به، تحصل له صورٌ علميّة عدّة ترتسم في ذهنه: صورة الكوب وشكله، وصورة ملمسه، وصورةٍ رائحته، وصورة طعمه، كلّ هذه عبارة عن صورٍ حسّيّة ارتسمت في الذهن ولم تكن موجودةً ثمّ وجدت فيه.

 

لكن عندما يشعر الواحد منّا بالعطش مثلاً، ثمّ عندما يشرب كوب العصير أو الماء، فإنّه يشعر بالارتواء. وهذه صورٌ علميّة وُجدت في النفس أيضاً، لكنّها تختلف عن الصور الموجودة في العلم الحصوليّ، لأنّها موجودة بنفسها لا بصورة عنها، بمعنى أن العطش بذاته موجود في النفس، والارتواء كذلك.

 

2. إنّ المعلوم بالعلم الحصوليّ وجوده العلميّ غير وجوده العينيّ، وإن المعلوم بالعلم الحضوريّ وجوده العلميّ عين وجوده العينيّ، لأنّ وجود صورة كوب العصير، أو ملمسه، أو... غير وجود الكوب في الخارج والملموس في الخارج و.... بينما الصورة الحاضرة بذاتها في النفس عن العطش أو الارتواء هي العطش عينه والارتواء ذاته، لا أنّها صورة مغايرة ومختلفة.

 

3. إنّ الحصوليّ هو الّذي ينقسم إلى التصوّر والتصديق، والحضوريّ لا ينقسم إلى التصوّر والتصديق الآتي شرحهما.

 

فإنّ من أهمّ أبحاث هذا الكتاب وهذا العلم هو مبحث التصوّر والتصديق، والّذي ينقسم على هذين القسمين هو العلم الحصوليّ، لأنّ هذه الصور العلميّة الحصوليّة، يمكن تقسيمها إلى قسمَيْن: قسم يبقى في حيّز التصوّر، وقسم يرقى إلى الحكم والتصديق. وسيأتي التفصيل الدقيق بين هذَين القسمَين من العلم.

 

36

 


22

الدرس الثالث: تقسيمات العلم (1)

بينما العلم الحضوريّ، فهو في النفس دائماً، فلا معنى لتقسيمه إلى تصوّر وتصديق.

 

4. إنّ العلم الحصوليّ يقبل الإصابة والخطأ، والعلم الحضوريّ لا يقبل الخطأ أبداً، بمعنى أنّه مصيب دائماً.

 

وذلك يتفرّع على الفارق الأوّل، لأنّ المعلوم بالعلم الحصوليّ، كما تقدّم، له وجودان: وجود في الخارج، ووجود في النفس. ومن الممكن أن يتطابق هذان الوجودان، فتحصل الإصابة، ومن الممكن أن يختلفا، وإذا اختلفا يحصل الخطأ والاشتباه.

 

بينما لمّا كان للمعلوم بالعلم الحضوريّ وجود واحد، فلا معنى للخطأ والاشتباه به، لذلك لا يصحّ أن نصف الّذي يقول: أنا عطشان، بأنّه كاذب أو صادق، لأنّه إحساس حضوريّ في نفسه، لا يشعر به غيره. نعم يمكن أن يوصف بالصدق أو الكذب لأمور لازمة لهذا الكلام[1]، يأتي الحديث عنه في أبحاث الخبر والإنشاء.

 

التصوّر والتصديق

إذا رسمت مثلّثاً، تحدث في ذهنك صورة له، هي علمك بهذا المثلّث، ويسمّى هذا العلم بالتصوّر، وهو تصوّر مجرّد لا يستتبع جزماً واعتقاداً. وإذا تنبّهت إلى زوايا المثلّث، تحدث لها أيضاً صورة في ذهنك، وهي أيضاً من التصوّر المجرّد.

 

وإذا رسمت خطّاً أفقيّاً وفوقه خطّاً عموديّاً مقاطعاً له، تحدث زاويتان قائمتان، فتنتقش صورة الخطّين والزاويتين في ذهنك، وهي من التصوّر المجرّد أيضاً. وإذا أردت أن تقارن بين القائمتين ومجموع زوايا المثلّث، فتسأل في نفسك: هل هما متساويان؟ وتشكّ في تساويهما، تحدث عندك صورة لنسبة التساوي بينهما، وهي من التصوّر المجرّد أيضاً.

 

فإذا برهنت على تساويهما تحصل لك حالةٌ جديدةٌ، مغايرة للحالات السابقة كلّها، وهي إدراكك لمطابقة النسبة للواقع المستلزم لإذعان النفس وتصديقها بالمطابقة، وهذه الحالة - أي الصورة المطابقة للواقع الّتي تعقّلتها وأدركتها - هي الّتي تسمّى بالتصديق، لأنّها إدراك يستلزم تصديق النفس وإذعانها.


 


[1] قد يوصف بالصدق أو الكذب للإخبار عن الإحساس، فقد يكذب في إخباره، لكن لا يكذب في شعوره وإحساسه.

 

37


23

الدرس الثالث: تقسيمات العلم (1)

إذاً، إدراك زوايا المثلّث، وإدراك الزاويتَين القائمتَين، وإدراك نسبة التساوي بينهما، كلّها تصوّرات مجرّدة لا يتبعها حكمٌ وتصديقٌ.

 

أمّا إدراك أنّ هذا التساوي صحيحٌ واقعٌ مطابقٌ للحقيقة في الأمر نفسه فهو تصديق، وكذلك إذا أدركت أنّ النسبة في الخبر غير مطابقة للواقع، فهذا الإدراك تصديق.

 

وبعبارة أخرى: التصديق هو إدراك وجود النسبة في الأمر نفسه أو عدم وجودها.

 

تنبيه: إذا لاحظت ما مضى يظهر لك: أنّ التصوّر والإدراك والعلم الحصوليّ كلّها ألفاظ لمعنى واحد، وهو "حضور صور الأشياء عند العقل".

 

فالتصديق أيضاً تصوّر، ولكنّه تصوّر يستتبع الحكم وقناعة النفس وتصديقها، وإنّما لأجل التمييز بين التصوّر المجرّد ـ أي غير المستتبع للحكم ـ وبين التصوّر المستتبع له، سُمّي الأوّل تصوّراً، لأنّه تصوّر محضٌ ساذجٌ مجرّد، فيستحقّ إطلاق لفظ “التصوّر” عليه مجرّداً من كلّ قيد، وسمّي الثاني تصديقاً، لأنّه يستتبع الحكم والتصديق.

 

38

 


24

الدرس الثالث: تقسيمات العلم (1)

المفاهيم الرئيسة

 

1. العلم المبحوث عنه في المنطق هو العلم الحصوليّ، في مقابل العلم الّذي يسمّى بالعلم الحضوريّ. ومن هنا كان لا بدّ من التفرقة بين هذين النوعين من العلم.

 

2. إنّ الحصوليّ هو حضور صورة المعلوم لدى العالم، والحضوريّ هو حضور المعلوم نفسه لدى العالم.

 

3. إنّ المعلوم بالعلم الحصوليّ وجوده العلميّ غير وجوده العينيّ، وإن المعلوم بالعلم الحضوريّ وجوده العلميّ عين وجوده العينيّ.

 

4. إنّ الحصوليّ هو الّذي ينقسم إلى التصوّر والتصديق. والحضوريّ لا ينقسم إلى التصوّر والتصديق.

 

5. إنّ العلم الحصوليّ يقبل الخطأ، والعلم الحضوريّ لا يقبل الخطأ.

 

6. من تقسيمات العلم أنّه ينقسم إلى تصوّر وتصديق، فالتصوّر هو العلم الحصوليّ، ويعبّر عنه بالعلم، وهو حضور أو حصول صورة الشيء في الذهن.

 

7. التصديق هو: تصوّر يستتبع حكماً. وليس المعيار مجرد استتباع الحكم، فقد يتحقّق الحكم ولا يوجد تصديق، كما في القضايا المشكوكة أو الموهومة، بل الميزان هو الإذعان.

 

39


25

الدرس الثالث: تقسيمات العلم (1)

تمارين

 

1. عيّن الصحيح من الخطأ فيما يلي:

أ. العلم حضور صورة الشيء في الذهن

ب. العلم قسمان: تصوّر وتحصيل

ج. التصوّر يستتبع دائماً تصديقاً ما

د. التصديق لا يكون إلا في القضايا الخبرية

 

2. ميّز التصور من التصديق، في ما يلي:

- صور الورود جميلة                        

- كتاب زيد

- ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾

- ﴿إِنَّ ٱلۡحَسَنَٰتِ يُذۡهِبۡنَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ﴾

- ﴿فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ﴾

- ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ﴾

 

أسئلة حول الدرس

 

1. برأيك ما الفرق بين ارتسام صورة الشيء في المرآة وارتسامها في الذهن؟

2. ما الفرق بين التصوّر والتصديق؟ أوضح بالمثال.

3. هل يمكن حصول تصديق من دون تصوّر؟

 

 

40

 

 


26

الدرس الرابع: موارد التصوّر والتصديق

الدرس الرابع

موارد التصوّر والتصديق

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يذكر موارد التصديق والتصوّر.

2. يعطي مثالاً لكلّ مورد.

3. يميّز احتمالات النسبة في الخبر.

 

41


27

الدرس الرابع: موارد التصوّر والتصديق

تمهيد

بعد أن ذكرنا في الدرس السابق أنّ العلم ينقسم إلى تصوّر وتصديق، كان من المناسب التعرّض في هذا الدرس إلى موارد التصوّر ومورد التصديق، ليزداد الطالب معرفةً في التصوّر والتصديق.

 

بماذا يتعلّق التصوّر والتصديق؟

مورد التصديق:

لمّا كان التصديق بمعنى الإذعان بوقوع النسبة أو عدم وقوعها، أو بمعنى التصوّر المستتبع للحكم،لذلك ليس له إلّا مورد واحد يتعلّق به، وهو النسبة في الجملة الخبريّة[1] عند الحكم والإذعان بمطابقتها للواقع أو عدم مطابقتها.

 

وبعبارة أخرى يمكن القول: إنّ مورد التصديق هو المركّب التامّ الخبريّ عند الحكم والإذعان.

 

فعندما يقال: "الحديد يتمدّد"، فهذه جملة خبرية تامّة تعبّر عن التصديق والإذعان بثبوت التمدّد للحديد.


 


[1] القضيّة أو الجملة الخبريّة تتألّف من ثلاثة أجزاء، هي:

1. الموضوع، 2. المحمول، 3. النسبة.

مثال: زيد قائم.

الموضوع: زيد.

المحمول: قائم.

النسبة: ثبوت المحمول للموضوع، أي ثبوت القيام لزيد.

 

 

43


28

الدرس الرابع: موارد التصوّر والتصديق

وهذه الجملة تحتوي على ثلاث صور وحكم:

الصورة الأولى: صورة الحديد.

الصورة الثانية: صورة التمدّد.

الصورة الثالثة: صورة النسبة بين الحديد والتمدّد.

الحكم: تصديق النفس وإذعانها بثبوت التمدّد للحديد.

 

موارد التصوّر:

حيث إنّ التصوّر مجرّد عن أيّ حكم (التصوّر الساذج)، فهو يتعلّق بأحد أمورٍ أربعة:

1. المفرد: من اسم وفعل (كلمة)، وحرف (أداة). نحو: محمّد، عليّ، فاطمة، ونحو: ضرب، أكل، ونحو: ما، في، مهما.

 

2. المركّب الناقص: وهو الذي لا يستتبع العلم به تصديقاً وإذعاناً، ويتعلّق بأمورٍ كثيرةٍ نحو:

أ. المضاف والمضاف إليه: طالب العلم، عالم الغيب.

ب. الشبيه بالمضاف، وهو ما اتّصل به شيءٌ من تمام معناه. وهذا الّذي به التمام إمّا أن يكون مرفوعاً به، نحو: يا محموداً فعله، ويا حسناً وجهه، أو منصوباً نحو: يا طالعاً جبلاً، أو مخفوضاً بخافض متعلّق به نحو: يا خيراً من زيدٍ، أو معطوفاً عليه قبل النداء، كقولك: يا ثلاثة وثلاثين، في رجل سميّته ثلاثة وثلاثين. (يا عليماً بضرّي ومسكنتي).

 

ج. الموصول وصلته: ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ﴾[1].

 

د. الصفة والموصوف: رجل عالم

 

هـ. كلّ واحدّ من طرفَي الجملة الشرطيّة: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ﴾ و﴿لَا تُحۡصُوهَآۗ﴾[2]. وأمّا مجموع الجملة فمعلومٌ تصديقيّ.


 


[1] سورة النمل، الآية 40.

[2] سورة النحل، الآية 18.

 

44


29

الدرس الرابع: موارد التصوّر والتصديق

3. النسبة في الإنشاء: من أمرٍ ونهيٍ وتمنٍّ واستفهامٍ.... إلى آخر الأمور الإنشائيّة الّتي لا واقع لها وراء الكلام، فلا مطابقة فيها للواقع خارج الكلام، فلا تصديق ولا إذعان.

 

مثال: "اضرب زيداً"، فإن هذه الجملة تطلب إيقاع الضرب على زيد، وهي لا تحكم على وقوع الضرب على زيد أو عدم وقوعه (لا تحكي عن نسبة بين الضرب وزيد ليُحكم بثبوتها أو عدم ثبوتها، وبصدقها أو كذبها).

 

4. النسبة في الخبر عند الشكّ فيها أو توهّمها حيث لا تصديق: كتصوّرنا لنسبة السكنى في المرّيخ، مثلاً، عندما يقال: "المريخ مسكون"، فلا يحصل لنا تصديق بهذه النسبة، ولا تذعن النفس بها.

 

أقسام التصديق

ينقسم التصديق إلى قسمَين: يقين وظنّ، لأنّ التصديق هو ترجيح أحد طرفَي الخبر -وهما الوقوع واللاوقوع- سواء كان الطرف الآخر محتمَلاً أو لا.

 

- فإن كان هذا الترجيح مع نفي احتمال الطرف الآخر البتّة فهو "اليقين".

 

- وإن كان مع وجود الاحتمال ضعيفاً فهو "الظنّ".

 

وتوضيح ذلك: إنك إذا عرضت على نفسك خبراً من الأخبار، فأنت لا تخلو من إحدى حالات أربع:

إمّا أنّك لا تجوّز إلّا طرفاً واحداً منه، إمّا وقوع الخبر أو عدم وقوعه (الحالة الأولى).

 

وإمّا أن تجوّز الطرفين وتحتملهما معاً.

 

والأوّل هو اليقين (الحالة الأولى).

 

والثاني - وهو تجويز الطرفين - له ثلاث صور:

لأنّه لا يخلو إمّا أن يتساوى الطرفان في الاحتمال، أو يترجّح أحدهما على الآخر.

 

فإن تساوى الطرفان فهو المسمّى بـ‍ " الشكّ" (الحالة الثانية).

 

45


30

الدرس الرابع: موارد التصوّر والتصديق

وإن ترجّح أحدهما:

فإن كان الراجحُ مضمونَ الخبر ووقوعَه فهو "الظنّ" الذي هو من أقسام التصديق (الحالة الثالثة).

 

وإن كان الراجحُ الطرفَ الآخر فهو "الوهم" الذي هو من أقسام الجهل، وهو عكس الظنّ (الحالة الرابعة).

 

فتكون الحالات أربعاً، ولا خامسة لها[1]:

1. اليقين[2]: وهو أن تصدّق بمضمون الخبر ولا تحتمل كذبه، أو تصدّق بعدمه ولا تحتمل صدقه، أي: أنّك تصدّق به على نحو الجزم، وهو أعلى قسمَي التصديق.

2. الظنّ: وهو أن ترجّح مضمون الخبر أو عدمه، مع تجويز الطرف الآخر، وهو أدنى قسمَي التصديق.

3. الوهم: وهو أن تحتمل مضمون الخبر أو عدمه، مع ترجيح الطرف الآخر.

4. الشكّ: وهو أن يتساوى احتمال الوقوع واحتمال العدم.

 

مثال:

قولنا: "مات زيد"، هو خبر يحتمل الصدق والكذب.

 

فإذا صدّقت بمضمون الخبر وأنّ زيداً مات، ولم تحتمل كذبه ولو احتمالاً ضئيلاً، فهذا هو اليقين.

 

وإذا رجّحت موت زيد (صدق الخبر)، مع احتمال كذب الخبر (أي عدم موته)، فهذا هو الظنّ (الظنّ بموت زيد).

 

وإذا احتملت صدق الخبر مع ترجيح كذبه (بأن كان الاحتمال الأكبر الحاصل في نفسك هو عدم موت زيد)، فهذا هو الوهم (أي الوهم بموت زيد).

 

 


[1] هذه الطريقة في التقسيم تسمّى القسمة الثنائية أو المنطقية، أو قسمة الحصر العقلي.

[2] ولليقين معنى آخر في اصطلاحهم، وهو خصوص التصديق الجازم المطابق للواقع لا عن تقليد ، وهو أخصّ من معناه المذكور في المتن، لأن المقصود به التصديق الجازم المطابق للواقع، سواء كان عن تقليد أو لا.

 

46


31

الدرس الرابع: موارد التصوّر والتصديق

وإذا تساوى عندك احتمال موت زيد (صدق الخبر) مع احتمال عدم موته (كذب الخبر)، فهذا هو الشكّ.

 

وبعبارة مبسّطة يمكن القول:

- اليقين: هو الاعتقاد بصدق الخبر أو كذبه 100%.

 

- الظنّ: هو احتمال صدق الخبر أو كذبه أكثر من 50% (51-99%).

 

فإذا احتملت 70% صدق الخبر، يكون قد حصل لك ظنّ بصدقه.

 

وإذا احتملت 70% كذب الخبر، يكون قد حصل لك ظنّ بكذبه.

 

- الوهم: هو احتمال صدق الخبر أو كذبه أقل من 50%.

 

- الشكّ: هو تساوي احتمال صدق الخبر وكذبه، أي أن يُحتمل 50% صدقه و 50% كذبه.

 

تنبيه

يُعرف مما تقدّم أمران:

الأوّل: أنّ الوهم والشكّ ليسا من أقسام التصديق.

 

الثاني: أنّ الظنّ والوهم دائماً يتعاكسان، فإنّك إذا توهّمت مضمون الخبر فأنت تظنّ بعدمه، وإذا كنت تتوهّم عدمه فإنّك تظنّ بمضمونه، فيكون الظنّ لأحد الطرفَين توهّماً للطرف الآخر.

 

47

 


32

الدرس الرابع: موارد التصوّر والتصديق

المفاهيم الرئيسة

 

1. متعلّق التصديق مورد واحد، وهو النسبة في الجملة الخبريّة عند الحكم أو الإذعان بمطابقتها للواقع أو عدمه.

 

2. أمّا التصوّر فموارده متعدّدة:

- المفرد من اسم وفعل (كلمة)، وحرف (أداة).

- المركّب الناقص.

- النسبة في الإنشاء.

- النسبة في الخبر عند الشكّ فيها أو توهّمها، حيث لا تصديق.

 

3. ينقسم التصديق إلى قسمَين:

أ. اليقين: وهو أن تصدّق بمضمون الخبر ولا تحتمل كذبه، أو تصدق بعدمه ولا تحتمل صدقه.

ب.  الظنّ: وهو أن ترجّح مضمون الخبر أو عدمه، مع تجويز الطرف الآخر.

 

4. أمّا غير هذين من احتمالات الخبر فهو من التصوّر، لا من التصديق، وهما: الوهم: وهو أن تحتمل مضمون الخبر أو عدمه مع ترجيح الطرف الآخر، والشكّ: وهو أن يتساوى احتمال الوقوع واحتمال العدم.

 

والملاحَظ أنّ الظنّ والوهم دائماً يتعاكسان.

 

 

48


33

الدرس الرابع: موارد التصوّر والتصديق

التمارين

 

1. حدّد نوع التصوّر في الجمل الآتية:

أ. يا أيها الرجل المعلّم غيره

ب. عبد المطّلب

ج. محمّد

د. رجال الله

هـ. من ذا الذي يشفع عنده

و. النبيّ الأمّيّ القرشيّ التهاميّ المكّيّ

ز. إن جاءكم فاسق بنبأ

ح. يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً

ط. فارجع البصر كرّتين

ي. هل ترى من فطور؟

 

أسئلة حول الدرس

 

1. اذكر الموارد التي يتعلّق بها كلّ من التصوّر والتصديق، وأعطِ مثالاً لكلّ مورد.

2. هل الوهم والشكّ من أقسام التصديق؟ بيّن ذلك.

3. ما المراد من تعاكس الظنّ والوهم؟

 

49

 


34

الدرس الخامس: تقسيمات العلم (2) - العلم الضروريّ والعلم النظريّ

الدرس الخامس

تقسيمات العلم (2) العلم الضروريّ والعلم النظريّ

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يميّز بين العلم الضروريّ والعلم النظريّ.

2. يشرح العلاقة بين الضروريّ والنظريّ.

3. يعرّف الفكر.

 

 

51


35

الدرس الخامس: تقسيمات العلم (2) - العلم الضروريّ والعلم النظريّ

تمهيد

بعد أن عرفنا أنّ العلم ينقسم إلى تصوّر وتصديق، واتّضح لنا الفرق بينهما، لا بدّ من أن نعرف أنّ المناطقة قسّموا العلم (بقسمَيه: التصوّر والتصديق) إلى ضروريّ ونظريّ:

لاحظ الأمثلة الآتية:

أ. تصوّر مفهوم الوجود والعدم.

 

ب. تصوّر مفهوم الشيء.

 

ج. التصديق بقضيّة أنّ الكلّ أعظم من الجزء.

 

د. تصوّر حقيقة الروح.

 

هـ. تصوّر حقيقة الكهرباء.

 

و. التصديق بقضيّة أنّ الأرض ساكنة أو متحرّكة حول نفسها وحول الشمس.

- هل أنّ المعلوم في الأمثلة السابقة بديهيّ لا نحتاج في الوصول إليه إلى تفكير؟

- أو أنّنا نحتاج إلى إجراء عمليات عقلية وفكرية للتوّصل إليه؟

 

الضروريّ والنظريّ

إنّ بعض الأمور يحصل العلم بها من دون إنعام نظر وفكر، فيكفي في حصوله أن تتوجّه النفس إلى الشيء بأحد أسباب التوجّه الآتية من دون توسّط عمليةٍ فكريةٍ، وهذا هو الذي يسمّى ب‍ "الضروريّ" أو "البديهيّ"، سواء أكان تصوّراً أم تصديقاً.

 

وبعضها لا يصل الإنسان إلى العلم به بسهولة ، بل لا بدّ من إنعام النظر وإجراء عملياتٍ عقليةٍ ومعادلاتٍ فكريةٍ كالمعادلات الجبرية، فيتوصّل بالمعلومات عنده إلى العلم

 

 

53


36

الدرس الخامس: تقسيمات العلم (2) - العلم الضروريّ والعلم النظريّ

استماع صوتٍ في المحسوسات... وما إلى ذلك. فإذا احتاج الإنسان للعلم بشيءٍ إلى تجربة طويلة ـ مثلاً ـ وعناءٍ عمليٍّ، فلا يجعله ذلك علماً نظريّاً ما دام لا يحتاج إلى الفكر والعمليّة العقليّة.

 

العلاقة بين الضروريّ والنظريّ

كلّ ما هو نظريّ لا بدَّ من أنْ ينتهي إلى ما هو بديهيّ.

 

فمثلاً: إنَّ ضرب العدد خمسة في مثله ينتج العدد خمسةً وعشرين. هذه قضيَّة نظريَّة، فلو أردنا أنْ نبرهن عليها لكان برهانها أنَّ حاصل تقسيم العدد خمسة وعشرين على خمسة ينتج العدد خمسة، وهذا البرهان قضيَّة نظريّة أيضاً، فلا بدَّ من البرهنة عليها، فلو كان برهانها هو القضية الأولى لزم الدور، ولو كان برهانها هو قضيَّة نظريّة ثالثة لكان ذلك مفتقراً إلى برهان، فلو كان هذا البرهان نظرياً أيضاً لانسحب الكلام إليه، وهكذا كلّما برهنت على قضيَّة نظريّة بقضيَّة أخرى نظريّة، فإن استمرَّ هذا الحال إلى ما لا نهاية تعذّر الجزم بصحة القضايا المبرهَن عليها.

 

وأمَّا إذا أمكن الانتهاء إلى البرهنة بقضية بديهية، فإن البحث ينقطع، وهذا هو حالُ القضية التي مثَّلنا بها، فإنّها وإنْ كانت نظريَّة إلّا أنّها تنتهي إلى قضيَّة بديهيَّة، فما ذكرناه مِن أنَّ البرهان على القضيّة الأولى هو أنَّ حاصل تقسيم العدد خمسة وعشرين على خمسة يُنتج العدد خمسة، وإنْ كان نظريّاً، إلّا أنَّ برهانه ليس نظريّاً، وذلك لأنَّه بالإمكان أنْ نأتي بخمس وعشرين وحدة، وبعد عدِّها نفرز كلَّ خمس وحدات على حدة، وعندئذٍ سنجد أنّ المجموعات التي تكوَّن منها العدد خمسة وعشرون هي خمس مجموعات، وهذا معناه أنَّ العدد خمسة وعشرين ينقسم إلى خمس مجموعات، كلُّ مجموعة مشتملة على خمس وحدات.

 

وبذلك تثبت القضيَّة الثانية ببرهان بديهيّ، وبه يحصل القطع بالقضيَّة الأولى، نظراً لاستنادها إلى القضيَّة الثانية التي تمّ إثبات صحَّتها ببرهان بديهيّ.

 

ما هو الفكر؟

 

56

 


37

الدرس الخامس: تقسيمات العلم (2) - العلم الضروريّ والعلم النظريّ

بعد أن تعرّضنا لكلٍّ من العلم الضروريّ والعلم النظريّ، وقلنا إنّ النظريّ ما يحتاج حصوله في الذهن إلى كسبٍ ونظرٍ وفكرٍ، والضروريّ ما يقابله، يتّضح من ذلك تعريف النظر أو الفكر بأنّه: إجراء عمليّة عقليّة في المعلومات الحاضرة في الذهن لأجل الوصول إلى المطلوب، والمطلوب هو العلم بالمجهول الغائب. وبتعبير آخر أدقّ: الفكر هو: "حركة العقل من المجهول إلى المعلوم، ثمّ بين المعلومات الموجودة، ومنها إلى تحصيل المجهول".

 

وتحليل ذلك: إنّ الإنسان إذا واجه بعقله المشكل المجهول، وعرف أنّه من أيّ أنواع المجهولات هو، فزع عقله إلى المعلومات الحاضرة عنده المناسبة لنوع المشكل، وعندئذٍ يبحث فيها ويتردّد بينها بتوجيه النظر إليها، ويسعى إلى تنظيمها في الذهن، حتّى يؤلّف المعلومات الّتي تصلح لحلّ المشكل، فإذا استطاع ذلك، ووجد ما يؤلّفه لتحصيل غرضه، تحرّك عقله حينئذٍ منها إلى المطلوب، أعني: معرفة المجهول وحلّ المشكل.

 

أدوار العقل

نلاحظ من خلال هذا التحليل أنّ العقل قد مرّ بخمسة أدوار:

1. مواجهة المشكل المجهول.

 

2. معرفة نوع المشكل،فقد يواجه المشكل ولا يعرف نوعه.

 

3. حركة العقل ـ أوّلاً ـ من المشكل إلى المعلومات المخزونة عنده.

 

4. حركة العقل ـ ثانياً ـ بين المعلومات، للفحص عنها وتأليف ما يناسب المشكل ويصلح لحلّه.

 

5. حركة العقل ـ ثالثاً ـ من المعلوم الّذي استطاع تأليفه ممّا عنده إلى المطلوب.

 

وهذه الأدوار الثلاثة الأخيرة ـ أو الحركات الثلاث ـ هي الفكر أو النظر[1].

 

من هنا نلاحظ أنّهم ذكروا في تعريف الفكر أنّه عبارة عن حركة العقل بين المجهول


 


[1] الفكر هو الالتجاء إلى المعلومات، والبحث والفحص فيها، للظفر بالحدّ الأوسط، ثمّ الانتقال منه إلى المطلوب.

والحدس هو تجلّي الحدّ الأوسط للإنسان، وعرضه نفسَه على الإنسان، من دون التجاء إلى المعلومات والبحث عنه فيها، كأنّ مواجهة المشكل شرارة تصيب مصباح العقل، فيضيء ما كان مظلماً.

 

57


38

الدرس الخامس: تقسيمات العلم (2) - العلم الضروريّ والعلم النظريّ

والمعلوم.

 

تنبيهات

1. هذه الأدوار الخمسة قد تمرّ على الإنسان في تفكيره وهو لا يشعر بها، فإنّ الفكر يجتازها غالباً بأسرع من لمح البصر، على أنّها لا يخلو منها إنسان في أكثر تفكيراته الموصلة إلى النتيجة. ولذا قلنا: إنّ الإنسان مفطورٌ على التفكير.

2. من له قوّة الحدس يستغني عن الحركتين الأوليين من أدوار الفكر، وينتقل رأساً بحركةٍ واحدةٍ من المعلومات المخزونة عنده إلى تحصيل المجهول، ولذلك يكون صاحب الحدس القويّ أسرع تلقّياً للمعارف والعلوم، بل هو من نوع الإلهام وأوّل درجاته، ولذلك جعلوا (القضايا الحدسيّة) من أقسام البديهيّات، لأنّها تحصل بحركةٍ واحدةٍ مفاجئة من المعلوم إلى المجهول عند مواجهة المشكل،من دون كسبٍ وسعيٍ فكريٍّ، فلم يحتج للرجوع إلى المعلومات عنده وفحصها وتأليفها.

 

3. إنّ قضيّةً واحدةً قد تكون بديهيّة عند شخصٍ ولكنّها نظريّةٌ عند شخصٍ آخر،وليس ذلك إلا لأنّ الأوّل عنده من قوّة الحدس ما يستغني به عن النظر والكسب، أي ما يستغني به عن بعض حركات الفكر، دون الشخص الثاني، فإنّه يحتاج إلى جميع الحركات لتحصيل المعلوم.

 

 

58


39

الدرس الخامس: تقسيمات العلم (2) - العلم الضروريّ والعلم النظريّ

المفاهيم الرئيسة

 

1. ينقسم العلم بكلا قسميه ـ التصوّر والتصديق ـ إلى قسمين: الضروريّ: وهو العلم الّذي لا يحتاج في حصوله في الذهن إلى كسبٍ ونظرٍ وفكرٍ، ويسمى أيضاً البديهيّ.

2. النظريّ: وهو العلم الّذي يقابل الضروريّ، أي هو ما يحتاج حصوله في الذهن إلى كسبٍ ونظرٍ وفكرٍ.

3. يمكن حصر أسباب التوجّه في أمور خمسة:

أ. الانتباه، فالغافل قد يخفى عليه أوضح الواضحات.

ب. سلامة الذهن، فإنّ من كان سقيم الذهن قد يشكّ في أظهر الأمور.

ج. سلامة الحواسّ: فإنّ الأعمى مثلاً يفقد كثيراً من العلم بالمنظورات.

د. فقدان الشبهة.

هـ. عمليّة غير عقليّة لكثير من البديهيّات، كالتجربة في التجريبيّات.

4. الفكر هو: حركة العقل من المجهول إلى المعلوم، ثمّ بين المعلومات الموجودة، ومنها إلى تحصيل المجهول.

5. وتحليل ذلك يوصلنا إلى معرفة خمسة أدوار للعقل:

أ. مواجهة المشكل المجهول.

ب. معرفة نوع المشكل،فقد يواجه المشكل ولا يعرف نوعه.

ج. حركة العقل ـ أوّلاً ـ من المشكل إلى المعلومات المخزونة عنده.

د. حركة العقل ـ ثانياً ـ بين المعلومات، للفحص عنها وتأليف ما يناسب المشكل ويصلح لحلّه.

هـ. حركة العقل ـ ثالثاً ـ من المعلوم الّذي استطاع تأليفه ممّا عنده إلى المطلوب.

6. وهذه الأدوار الثلاثة الأخيرة ـ أو الحركات الثلاث ـ هي الفكر أو النظر.

 

59


40

الدرس الخامس: تقسيمات العلم (2) - العلم الضروريّ والعلم النظريّ

المفاهيم الرئيسة

 

1. ينقسم العلم بكلا قسميه ـ التصوّر والتصديق ـ إلى قسمين: الضروريّ: وهو العلم الّذي لا يحتاج في حصوله في الذهن إلى كسبٍ ونظرٍ وفكرٍ، ويسمى أيضاً البديهيّ.

2. النظريّ: وهو العلم الّذي يقابل الضروريّ، أي هو ما يحتاج حصوله في الذهن إلى كسبٍ ونظرٍ وفكرٍ.

3. يمكن حصر أسباب التوجّه في أمور خمسة:

أ. الانتباه، فالغافل قد يخفى عليه أوضح الواضحات.

ب. سلامة الذهن، فإنّ من كان سقيم الذهن قد يشكّ في أظهر الأمور.

ج. سلامة الحواسّ: فإنّ الأعمى مثلاً يفقد كثيراً من العلم بالمنظورات.

د. فقدان الشبهة.

هـ. عمليّة غير عقليّة لكثير من البديهيّات، كالتجربة في التجريبيّات.

4. الفكر هو: حركة العقل من المجهول إلى المعلوم، ثمّ بين المعلومات الموجودة، ومنها إلى تحصيل المجهول.

5. وتحليل ذلك يوصلنا إلى معرفة خمسة أدوار للعقل:

أ. مواجهة المشكل المجهول.

ب. معرفة نوع المشكل،فقد يواجه المشكل ولا يعرف نوعه.

ج. حركة العقل ـ أوّلاً ـ من المشكل إلى المعلومات المخزونة عنده.

د. حركة العقل ـ ثانياً ـ بين المعلومات، للفحص عنها وتأليف ما يناسب المشكل ويصلح لحلّه.

هـ. حركة العقل ـ ثالثاً ـ من المعلوم الّذي استطاع تأليفه ممّا عنده إلى المطلوب.

6. وهذه الأدوار الثلاثة الأخيرة ـ أو الحركات الثلاث ـ هي الفكر أو النظر.

 

59


41

الدرس الخامس: تقسيمات العلم (2) - العلم الضروريّ والعلم النظريّ

التمارين

 

1. ميّز العلم الضروريّ من النظريّ، والتصوّريّ من التصديقيّ فيما يأتي:

    

مفهوم الوجود
حقيقة الوجود
مفهوم العدم
الكلّ أعظم من الجزء
حقيقة الروح
مفهوم النقيضَين
الأرض متحرّكة حول نفسها وحول الشمس
الشمس طالعة
النقيضان لا يجتمعان
الواحد نصف الاثنين
تقدُّم الشيء على نفسه باطلٌ

 

 

2. رتّب عمليّة التفكير بحسب الأولويّة من 1 إلى 5:

أ.معرفة نوع المشكل.

ب.حركة العقل بين المعلومات.

ج.مواجهة المشكل.

د.حركة العقل من المعلوم إلى المطلوب.

هـ.حركة العقل من المشكل إلى المعلومات المخزونة عنده.

 

 

60

 


42

الدرس الخامس: تقسيمات العلم (2) - العلم الضروريّ والعلم النظريّ

أسئلة حول الدرس

 

1. ميّز بين العلم النظريّ والعلم الضروريّ، موضحاً بالمثال.

 

2. هل ينقسم النظريّ أو الضروريّ إلى تصوّر وتصديق؟ أعطِ أمثلة.

 

3. هل توجد أيّ علاقة بين الضروريّ والنظريّ؟ اشرح بمثال.

 

61


43

الدرس السادس: مباحث الألفاظ

الدرس السادس

مباحث الألفاظ

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يدرك حاجة المنطقيّ إلى مباحث الألفاظ.

2. يذكر أنحاء الوجود.

3. يشرح العلاقة بين اللفظ والمعنى.

 

 

63


44

الدرس السادس: مباحث الألفاظ

حاجة المنطقيّ إلى مباحث الألفاظ

لا شكّ في أن المنطقيّ لا يتعلّق غرضه الأصليّ إلّا بالمعاني نفسها، ولكنّه لا يستغني عن البحث عن أحوال الألفاظ، ولا سيّما بعض الألفاظ، لسببَين رئيسَيْن:

1- للتفاهم مع الآخرين:

يبحث المنطقيّ عن أحوال الألفاظ توصّلاً إلى المعاني، لأنّه من الواضح أنّ التفاهم مع الناس ونقل الأفكار بينهم لا يكون غالباً[1] إلّا بتوسّط لغةٍ من اللغات. والألفاظ قد يقع فيها التغيير والخلط، فلا يتمّ التفاهم بها، فيحتاج المنطقيّ إلى أن يبحث عن أحوال اللفظ من جهةٍ عامّةٍ، ومن غير اختصاصٍ بلغةٍ من اللغات، إتماماً للتفاهم، ليزن كلامه وكلام غيره بمقياسٍ صحيح.

 

من جهة عامّة:

نؤكّد على التعبير "من جهة عامّة"، لأنّ المنطق علمٌ لا يختصّ بأهل لغةٍ خاصّة دون لغةٍ، نعم قد يحتاج إلى البحث عن بعض الألفاظ الّتي تختصّ باللغة الّتي يستعملها المنطقيّ، كالبحث عن دلالة (لام التعريف) على الاستغراق في لغة العرب، وعن أدوات العموم والسلب والحصر وما إلى ذلك... ولكن مع ذلك نؤكّد أنّه قد يستغني عن إدخال البحث عن هذه الألفاظ في المنطق اعتماداً على علوم اللغة.

 

2. حاجة مع نفسه للتفكير[2]:


 


[1] تلويحٌ إلى أنّه قد يتحقّق التفاهم بغيرها، كإحضار المعاني بأنفسها، أي بوجوداتها الخارجيّة، وكالإشراق والإيحاء، وكالإشارة وغيرها.

[2] لعلّ السبب الحقيقيّ لإدخال هذه الأبحاث في المنطق هو هذه الحاجة.

 

65


45

الدرس السادس: مباحث الألفاظ

وهذه الحاجة أعظم وأشدّ من حاجة المنطقيّ الأولى، بل لعلّها هي السبب الحقيقيّ لإدخال هذه الأبحاث في المنطق. ولتوضيح وجه الحاجة هذه نستعين بذكر أنحاء الوجود، لنصل إلى نحو الوجود اللفظيّ ودوره.

 

أنحاء الوجود

إنّ لكلّ شيء أربعة أنحاء من الوجود: وجودان حقيقيّان ليسا بوضع واضعٍ ولا باعتبار معتبرٍ، ووجودان اعتباريّان جعليّان بوضع واضعٍ وجعل جاعلٍ واعتبار معتبر.

 

1. الوجود الخارجيّ: كوجودنا هذا، ووجود الأشياء الّتي من حولنا ونحوها،من أفراد الإنسان والحيوان والشجر والحجر والشمس والقمر والنجوم... إلى غير ذلك من الوجودات الخارجيّة الّتي لا حصر لها.

 

2. الوجود الذهنيّ: وهو المفهوم الّذي ينطبع في الذهن عن الأشياء، وبتعبير آخر هو علمنا بالأشياء الخارجيّة وغير الخارجيّة من المفاهيم. وقد قلنا سابقاً: إنّ للإنسان قوّة تنطبع فيها صور الأشياء، وهذه القوّة تسمّى "الذهن"، والانطباع فيها يسمّى "الوجود الذهنيّ" الّذي هو العلم.

 

فعلى سبيل المثال، لو نظرنا إلى قلم موجودٍ أمامنا، فإنّ له وجوداً خارجيّاً، تترتّب على هذا الوجود آثاره الخارجيّة من كتابةٍ به مثلاً، وله نحو وجود آخر في أذهاننا، يحكي الوجود الخارجيّ نفسه. ونقول: إنّ الّذي في ذهننا هو نفسه الّذي في الخارج قطعاً، لكن لا تترتّب عليه الآثار الخارجيّة نفسها، هذه الصورة المنطبعة في الذهن عن القلم هي الوجود الذهنيّ للقلم، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأشياء، فإنّه كما لها وجودٌ خارجيّ، لها أيضاً وجوداتٌ ذهنيّة تحاكي وجوداتها الخارجيّة نفسها.

 

تنويه: هذان الوجودان هما الوجودان الحقيقيان. لماذا؟ لأنهما ليسا بوضع واضعٍ ولا باعتبار معتبرٍ.

 

3. الوجود اللفظيّ: ألهم الله تعالى الإنسانَ طريقةً سهلةً سريعةً للتفاهم مع الآخرين، ومنحه قوّة الكلام والنطق بالحروف، ليؤلّف منها الألفاظ للدلالة على المعنى الموجود

 

66

 


46

الدرس السادس: مباحث الألفاظ

في الذهن، ثمّ من الألفاظ أقوالاً، ومن الأقوال جملاً، وهكذا مع مرور الزمن، دعت الحاجة ـ وهي أمّ الاختراع ـ إلى أن يضع الإنسان لكلّ معنىً يعرفه ويحتاج إليه لفظاً خاصّاً به، ليُحضر المعاني بالألفاظ بدلاً من إحضارها بنفسها.

 

فالحاجة إلى وجود الألفاظ هي: ليُحضر المعاني بالألفاظ بدلاً من إحضارها بنفسها.

 

العلاقة بين اللفظ والمعنى:

وهذا الإحضار إنّما يتمكّن الإنسان منه بسبب قوّة ارتباط اللفظ بالمعنى وعلاقته به في الذهن. وهذا الارتباط القويّ ينشأ من العلم بالوضع وكثرة الاستعمال. فإذا حصل هذا الارتباط القويّ لدى الذهن، يصبح اللفظ عنده كأنّه المعنى والمعنى كأنّه اللفظ، أي: يصبحان عنده كالشيء الواحد. فإذا أحضر المتكلّم اللفظ، فكأنّما أحضر المعنى بنفسه للسامع، فلا يكون فرق لديه بين أن يحضر خارجاً المعنى نفسه وبين أن يحضر لفظه الموضوع له، فإنّ السامع في كلا الحالين ينتقل ذهنه إلى المعنى. ولذا، قد ينتقل السامع إلى المعنى ويغفل عن اللفظ وخواصّه كأنّه لم يسمعه، مع أنّه لم ينتقل إليه إلّا بتوسّط سماع اللفظ.

 

وجود اللفظ وجودٌ للمعنى:

إنّ هذا الارتباط يجعل اللفظ والمعنى كالشيء الواحد، ويكون وجودُ اللفظ وجودَ المعنى، ولكنّه وجودٌ لفظيٌّ للمعنى، أي أنّ الموجود حقيقةً هو اللفظ لا غير، ويُنسب وجودُه إلى المعنى مجازاً،وذلك بسبب هذا الارتباط الناشئ من الوضع.

 

شاهد الارتباط:

والشاهد على هذا الارتباط والاتّحاد هو انتقال القبح والحسن من المعنى إلى اللفظ، وبالعكس، فإنّ اسم المحبوب من أعذب الألفاظ عند المحبّ، وإن كان في نفسه لفظاً وحشيّاً ينفر منه السمع واللسان.

 

واسم العدوّ من أسمج الألفاظ وأقبحها، وإن كان في نفسه لفظاً مستملحاً. وكلّما زاد هذا الارتباط زاد الانتقال.

 

 

67


47

الدرس السادس: مباحث الألفاظ

4. الوجود الكتبيّ: حيث كانت الألفاظ وحدها لا تكفي للقيام بحاجات الإنسان كلّها، لأنّها تختصّ بالمشافهين، اضطُرّ الإنسان إلى اختراع وسيلةٍ أخرى لتفهيم الغائبين عنه، فالتجأ إلى صناعة النقوش الخطيّة لإحضار ألفاظه الدالّة على المعاني بدلاً من النطق بها، فكان الخطّ وجوداً للّفظ.

 

وقد سبق أن قلنا: إنّ وجودَ اللفظ وجودُ المعنى.

 

والآن نقول: إنّ وجودَ الخطّ وجودٌ للّفظ ووجود للمعنى تبعاً، ولكنّه وجود كتبيّ للّفظ والمعنى، أي: إنّ الموجود حقيقةً هو الكتابة لا غير، وينسب الوجود إلى اللفظ والمعنى مجازاً بسبب الوضع، كما ينسب وجود اللفظ إلى المعنى مجازاً بسبب الوضع.

 

إذاً، فالكتابة تُحضر الألفاظ، والألفاظ تُحضر المعاني في الذهن، والمعاني الذهنيّة تدلّ على الموجودات الخارجيّة.

 

فاتّضح: أنّ الوجود اللفظيّ والكتبيّ وجودان مجازيّان اعتباريّان للمعنى، بسبب الوضع والاستعمال.

 

الانتقالات الذهنيّة من معنى إلى معنى:

من هنا نفهم كيف يؤثّر هذا الارتباط على تفكير الإنسان بينه وبين نفسه، فأيّ معنىً نحضره في الذهن لا بدّ من أن نحضر معه لفظه أيضاً، بل إنّ الانتقالات الذهنيّة من معنىً إلى معنىً تكون بتوسّط إحضار ألفاظها في الذهن.

 

قال الحكيم العظيم الشيخ الطوسيّ في شرح الإشارات: الانتقالات الذهنيّة قد تكون بألفاظٍ ذهنيّة، وذلك لرسوخ العلاقة المذكورة - يشير إلى علاقة اللفظ بالمعنى - في الأذهان. فإذا أخطأ المفكّر في الألفاظ الذهنيّة، أو تغيّرت عليه أحوالها، يؤثّر ذلك على أفكاره وانتقالاته الذهنيّة، للسبب المتقدّم.

 

 

68


48

الدرس السادس: مباحث الألفاظ

النتيجة:

بعد هذا العرض لأنحاء الوجود، ومعرفة مكانة الوجود اللفظيّ وحقيقته، أصبح من الضروريّ جدّاً لطالب العلوم، لأجل ترتيب الأفكار الصحيحة، أن يحسن معرفة أحوال الألفاظ من وجهة عامّة. ومن هنا كان لزاماً على المنطقيّ أن يبحث عنها، مقدّمةً لعلم المنطق، واستعانةً بها على تنظيم أفكاره الصحيحة.

 

69


49

الدرس السادس: مباحث الألفاظ

المفاهيم الرئيسة

 

لا شكّ في أن المنطقيّ لا يتعلّق غرضه الأصليّ إلّا بالمعاني نفسها، ولكنّه لا يستغني عن البحث عن أحوال الألفاظ لسببين رئيسين:

1. التفاهم مع الآخرين: لأنّ التفاهم مع الناس ونقل الأفكار بينهم لا يكون غالباً إلّا بتوسّط لغةٍ من اللغات. والألفاظ قد يقع فيها التغيير والخلط، فلا يتمّ التفاهم بها، فاحتاج المنطقيّ إلى أن يبحث عن أحوال اللفظ من جهةٍ عامّةٍ، ومن غير اختصاصٍ بلغةٍ من اللغات.

 

2. للتفكير الصحيح: ولتوضيح وجه الحاجة هذه، نستعين بذكر بحث أنحاء الوجود، لنصل إلى نحو الوجود اللفظيّ ودوره.

 

3. إنّ لكلّ شيء أربعة أنحاء من الوجود:

أ. الوجود الخارجيّ: كوجودنا هذا، ووجود الأشياء الّتي من حولنا ونحوها.

 

ب. الوجود الذهنيّ: وهو المفهوم الّذي ينطبع بالذهن عن الأشياء.

 

وهذان وجودان حقيقيّان.

 

ج. الوجود اللفظيّ: دعت الحاجة إلى أن يضع الإنسان لكلّ معنى يعرفه ويحتاج إليه لفظاً خاصّاً به، ليحضر المعاني بالألفاظ بدلاً من إحضارها بنفسها.

 

هذا الإحضار إنّما يتمكّن الإنسان منه بسبب قوّة ارتباط اللفظ بالمعنى وعلاقته به في الذهن. وهذا الارتباط القويّ ينشأ من العلم بالوضع وكثرة الاستعمال، فإذا حصل هذا الارتباط القويّ لدى الذهن، يصبح اللفظ والمعنى كالشيء الواحد، ويكون وجود اللفظ وجود المعنى.

 

د. الوجود الكتبيّ: التجأ الإنسان إلى صناعة النقوش الخطيّة لإحضار ألفاظه الدالّة على المعاني بدلاً من النطق بها، فكان الخطّ وجوداً للّفظ، ووجودُ اللفظ وجودَ المعنى.

 

إذاً، فالكتابة تُحضر الألفاظ، والألفاظ تُحضر المعاني في الذهن، والمعاني الذهنيّة تدلّ على الموجودات الخارجيّة.

 

70


50

الدرس السادس: مباحث الألفاظ

فاتّضح: أنّ الوجود اللفظيّ والوجود الكتبيّ وجودان مجازيّان اعتباريّان للمعنى، بسبب الوضع والاستعمال.

 

- إنّ الانتقالات الذهنيّة من معنىً إلى معنىً تكون بتوسّط إحضار ألفاظها في الذهن.

 

فالنتيجة: من الضروريّ لطالب العلوم أن يبحث عن أحوال الألفاظ، مقدّمةً لعلم المنطق، واستعانةً بها على تنظيم أفكاره الصحيحة.

 

71


51

الدرس السادس: مباحث الألفاظ

التمارين

 

 

1. عيّن الصحيح من الخطأ فيما يأتي:

- تواصل الإنسان مع أبناء نوعه يحتاج إلى نقل أفكاره إلى غيره، وفهم أفكارهم.

- اللغة عبارة عن ألفاظ وكلمات، قد لا تدلّ على مقاصد.

- تواصل الإنسان مع أبناء نوعه لا يتمّ إلا باللغة.

- التواصل السهل والممكن اضْطَرَّ الإنسانَ إلى جعل لفظٍ خاصٍّ لكلّ معنى.

- الارتباط القويّ بين اللفظ والمعنى هو سبب جعل اللفظ للمعنى.

- لا بدّ لتصوّر أيّ معنى في الذهن من أن يحضر لفظه معه.

- خطأ الإنسان في الألفاظ حتّى في ذهنه يؤثّر على أفكاره ومعلوماته.

- سبب العلاقة الذهنية التي تنشأ في الذهن هو العلم بوضع اللفظ للمعنى.

 

 

 

أسئلة حول الدرس

1. ما هو الهدف من البحث عن أحوال الألفاظ في المنطق؟

2. ما هي أنحاء الوجود الأربعة؟

3. كيف تفسّر منشأ العلاقة بين اللفظ والمعنى؟

 

 

72


52

الدرس السابع: الدلالة

الدرس السابع

الدلالة

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع تهاية هذا الدرس أن:

1. يعرّف الدلالة.

2. يرسم مشجّر أقسام الدلالة.

3. يميّز بالمثال بين أقسام الدلالة اللفظية.

 

73


53

الدرس السابع: الدلالة

تمهيد

إنّ المقصود الأوّل للمنطقيّ هو المعاني. ولمّا كانت الألفاظ هي أفضل وسيلة لتفهيم وإيصال المعاني، ناسب البحث عنها، لغرض التعرّف على مقصود المنطقيّ من المصطلحات المستعملة في بحوثه.

 

ولأنّ علاقة اللفظ بالمعنى هي علاقة الدالّ بالمدلول، اقتضى ذلك بيان معنى الدلالة وأنحائها.

 

تعريف الدلالة

إذا سمعت طرقاً على بابك، ينتقل ذهنك ـ بلا شكّ ـ إلى أنّ شخصاً على الباب يدعوك، وليس ذلك إلا لأنّ هذه الطرقة دلّت على وجود شخصٍ يدعوك خلف الباب.

 

فطرقة الباب "دالٌّ".

 

ووجود الشخص الداعي "مدلولٌ".

 

وهذه الصفة الّتي حصلت للطرقة "دلالةٌ".

 

ويتّضح من ذلك أنّ الدلالة هي: "الانتقال من شيءٍ إلى شيءٍ".

 

والتعبير المشهور على ألسن المحصّلين هو: "كون الشيء بحالة إذا علمت بوجوده انتقل ذهنك إلى العلم بوجود شيءٍ آخر".

 

 

75

 


54

الدرس السابع: الدلالة

أقسام الدلالة

ولا شكّ في أنّ انتقال الذهن من شيءٍ إلى شيءٍ لا يكون إلّا بعد رسوخ العلاقة بين الشيئين في الذهن، فالدلالة ذهنيّة عقليّة دائماً وفي جميع الأقسام، ولكن بما أنّ هذه العلاقة الذهنيّة لها أسباب خاصّة ومتعدّدة، قسّموا الدلالة إلى أقسام ثلاثة بحسب منشأ هذه الدلالة وسببها:

1. الدلالة العقليّة الذاتيّة:

وهي فيما إذا كان بين الدالّ والمدلول ملازمة ذاتيّة في وجودهما الخارجيّ، كالأثر والمؤثِّر.

 

فإذا علم الإنسان ـ مثلاً ـ أنّ ضوء الصباح أثرٌ لطلوع قرص الشمس، ورأى الضوء على الجدار، عندها ينتقل ذهنه إلى طلوع الشمس قطعاً، فيكون ضوء الصبح دالّاً على الشمس دلالةً عقليّةً.

 

ومثله إذا سمعنا صوت متكلّم من وراء جدار، فعلمنا بوجود متكلّم ما.

 

وهذه الدلالة لا تختلف من شخصٍ إلى شخص، فهي موجودة عند جميع الناس، ولا تتخلّف عند تحقّقها. ومثالها ما إذا كان الصبح منيراً، فقطعاً تكون الشمس مشرقةً.

 

2. الدلالة الطَّبْعِيَّة:

وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمةً طَبْعِيَّةً، أي الّتي يقتضيها طبع الإنسان، وقد تتخلّف وتختلف[1] باختلاف طباع الناس، نحو اقتضاء طبع بعض الناس أن يقول: (آخ) عند الحسّ بالألم، و(أُف) عند التأسّف والتضجّر، ونحو اقتضاء طبع بعض الناس أن يفرقع أصابعه أو يتمطّى عند الضجر والسأم، أو يعبث بما يحمل من أشياء أو بلحيته عند التفكير، أو يتثاءب عند النعاس، أو يحمرّ وجهه عند الخجل، وغير ذلك من الطباع الإنسانيّة...


 


[1] قد تختلف هذه الدلالات من شخص إلى آخر، فمثلاً قد يقول شخص (آخ) عند التألّم، ويقول الآخر (آي). وقد تتخلّف أيضاً، فليس كلّ من يفرقع أصابع يديه يعني أنّه ضَجِرٌ.

 

76


55

الدرس السابع: الدلالة

فإذا علم الإنسان بهذه الملازمات، فإنّ ذهنه ينتقل من أحد المتلازمَين إلى الآخر. فبسماعه للفظة (آخ)، ينتقل ذهنه إلى أنّ هناك مَن يحسّ بالألم، وإذا رأى شخصاً يعبث بمسبحته أو لحيته، يعلم أنّه يفكّر... وهكذا.

 

3. الدلالة الوَضْعِيَّة:

وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين تنشأ من التواضع والاصطلاح على أنّ وجود أحدهما يكون دليلاً على وجود الثاني، كالألفاظ الّتي جُعلت دليلاً على مقاصد النفس، وكالخطوط الّتي اصطُلح على أن تكون دليلاً على الألفاظ، وكإشارات البُكمِ، وإشارات البرق واللاسلكيّ، والرموز الحسابيّة والهندسيّة، ورموز سائر العلوم الأخرى.

 

فإذا علم الإنسان بهذه الملازمة، وعلم بوجود الدالّ، ينتقل ذهنه إلى الشيء المدلول.

 

والمنطقيّ لا يهتمّ كثيراً بالدلالتين الذاتيّة والطبعيّة، لذلك لا يسعى إلى تقسيمهما إلى لفظيّة وغير لفظيّة، وإنّما يصبّ جلّ اهتمامه هنا على الدلالة الوضعيّة، وذلك لشدّة الحاجة إليها في مباحث الألفاظ.

 

أقسام الدلالة الوضعية:

وهذه الدلالة الوضعية تنقسم إلى قسمين:

1- الدلالة غير اللفظيّة: إذا كان الدالّ الموضوع غير لفظٍ، كالإشارات والخطوط والنقوش، وما يتّصل بها من رموز العلوم، واللوحات المنصوبة في الطرق لتقدير المسافات، أو لتعيين اتّجاه الطريق إلى محلّ أو بلدة... ونحو ذلك.

 

2- الدلالة اللفظيّة: إذا كان الدالّ الموضوع لفظاً.

 

سببها: والسبب في دلالة اللفظ على المعنى هو تلك العلقة الراسخة في الذهن بين اللفظ والمعنى. وتنشأ هذه العلقة من الملازمة الوضعية بين اللفظ والمعنى عند من يعلم بالملازمة.

 

وعليه، يمكننا تعريف الدلالة اللفظية بأنّها: "كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلّم العلمُ بالمعنى المقصود به".

 

77

 


56

الدرس السابع: الدلالة

أقسام الدلالة اللفظيّة:

أيّ لفظ من الألفاظ يدلّ على معناه الموضوع له، ولكن لا تخلو هذه الدلالة من أحد وجوهٍ ثلاثةٍ متباينة، بالمطابقة أو بالتضمّن أو بالالتزام:

1. المُطابَقِيّة: وذلك عندما يدلّ اللفظ على تمام المعنى الموضوع له ويطابقه.

 

كدلالة لفظ "البيت" على تمام معنى البيت، فيدخل فيه جميع غرفه وما فيه من مرافق.

 

وتسمّى هذه الدلالة بـ "المطابقية" أو "التطابقية"، لأنّ اللفظ يطابق المعنى، وهي أصل الدلالات اللفظيّة، ولأجلها وُضعت الألفاظ لمعانيها مباشرةً.

 

2. التَّضَمُّنِيّة: وذلك عندما يدلّ اللفظ على جزء معناه الموضوع له الداخل في ضمنه.

 

كدلالة لفظ "البيت" على غرفة الضيوف وحدها. فلو بعت البيت مثلاً، يفهم منك المشتري دخول غرفة الضيوف في البيت، لذلك لو أردت أن تستثني بعد عمليّة البيع هذه الغرفةَ من البيع، لَما قَبِلَ المشتري، ولاحتجّ عليك بدلالة لفظ "البيت" على دخول غرفة الضيوف فيه.

 

فلفظ البيت يدلّ بالمطابقة على البيت بتمامه، وبالتضمّن على غرفة الضيوف والمطبخ والحمّام...

 

وتسمّى هذه الدلالة بـ "التضمنيّة"، لأنّ الدلالة على الجزء من ضمن الدلالة على الكلّ، وتتحقّق بعد الدلالة على الكلّ، لذلك هي فرع عن الدلالة المطابقيّة.

 

3. الالْتِزَامِيَّة: وذلك عندما يدلّ اللفظ على معنى خارج عن معناه الموضوع له، لازم له، يستتبعه استتباع الرفيق اللازم الخارج عن ذاته، كدلالة لفظ "البيت" على الطريق الموصلة إليه. فلو منعت مشتري البيت من أن يسلك الطريق المؤدّية إليه بحجّة أنّك بعته البيت ولم تبعه الطريق، لما قبِل منك، ولاحتجّ بأنّ لفظ البيت يدلّ بالالتزام على طريقه الموصلة إليه.

 

وكدلالة لفظ "الدواة" على القلم، فلو طلب منك أحد أن تأتيه بدواة، ولم ينصّ على

 

 

78

 


57

الدرس السابع: الدلالة

القلم، فجئته بالدواة وحدها، لعاتبك على ذلك، محتجّاً بأنّ طلب الدواة كافٍ في الدلالة على طلب القلم.

 

وتسمّى هذه الدلالة "الالتزامية"، وهي فرع أيضاً عن الدلالة المطابقيّة، لأنّ الدلالة على ما هو خارج المعنى بعد الدلالة على المعنى نفسه.

 

لكن يشترط في هذه الدلالة أن يكون التلازم بين معنى اللفظ والمعنى الخارج اللازم تلازماً ذهنيّاً، فلا يكفي التلازم في الخارج فقط من دون رسوخه في الذهن، وإلّا لما حصل انتقال الذهن.

 

ويشترط أيضاً أن يكون التلازم واضحاً بيّناً، بمعنى أنّ الذهن إذا تصوّر معنى اللفظ ينتقل إلى لازمه دونَ حاجة إلى توسّط شيء آخر[1].

 

فائدة البحث:

الفائدة التي يهدف إليها علماء المنطق من بحث الدلالة الوضعية اللفظية بأقسامها الثلاثة هي أن نعرف كيف نستفيد نوع الدلالة من اللفظ على معناه عند استعماله في جملة وكلام له علاقة بالتعريف أو الاستدلال أو غيرهما، هل هي بالمطابقة أو التضمّن أو الالتزام.

 

والأصل أن يُحمل اللفظ على المعنى المطابقيّ، ولا يصحّ استعماله في المعنى التضمّنيّ أو الالتزاميّ دون وجود قرينة وعلاقة تدل على مراد المتكلم.

 

فلو قال قائل: "ذهبت إلى البحر"، ندرك أنّه ذهب إلى بحر الماء المعروف. أمّا لو قال: "ذهبت إلى البحر لأستفيد من علمه" نعرف أنّه أراد من لفظ "البحر" العالِم، بقرينة قوله: "لأستفيد من علمه".

 


[1] سيأتي في مباحث الكلّي أن اللازم ينقسم إلى البيّن وغير البيّن، والبيّن إلى بيّن بالمعنى الأخصّ وبيّن بالمعنى الأعمّ. والشرط في الدلالة الالتزامية في الحقيقة هو أن يكون اللازم بيّناً بالمعنى الأخصّ، ومعناه ما ذكرناه أعلاه.

 

79


58

الدرس السابع: الدلالة

المفاهيم الرئيسة

 

الدلالة هي: "كون الشيء بحالة إذا علمت بوجوده انتقل ذهنك إلى وجود شيءٍ آخر".

 

أقسام الدلالة:

1- الدلالة العقليّة الذاتيّة: وهي فيما إذا كان بين الدالّ والمدلول ملازمة ذاتيّة في وجودهما الخارجيّ، كالأثر والمؤثر.

 

2- الدلالة الطَّبْعِيَّة: وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة طَبْعِيَّة، أي الّتي يقتضيها طبع الإنسان، كسماعنا لفظة (آخ) التي ينتقل ذهننا من خلال سماعها إلى أنّ هناك مَن يحسّ بالألم.

 

3- الدلالة الوَضْعِيَّة: وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين تنشأ من التواضع والاصطلاح على أنّ وجود أحدهما يكون دليلاً على وجود الثاني، كالألفاظ الّتي جُعلت دليلاً على مقاصد النفس، وكالخطوط الّتي اصطُلح على أن تكون دليلاً على الألفاظ.

 

والمنطقيّ يصبّ جلّ اهتمامه هنا على الدلالة الوضعيّة، وذلك لشدّة الحاجة إليها في مباحث الألفاظ.

 

وتنقسم الدلالة الوضعية إلى:

أ. الدلالة غير اللفظيّة: وهي فيما إذا كان الدالّ الموضوع غير لفظٍ، كالإشارات والخطوط والنقوش.

 

ب. الدلالة اللفظيّة: وهي فيما إذا كان الدالّ الموضوع لفظاً.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                        

سببها: والسبب في دلالة اللفظ على المعنى هو تلك العلقة الراسخة في الذهن بين اللفظ والمعنى. وتنشأ هذه العلقة من الملازمة الوضعية بين اللفظ والمعنى عند من يعلم بالملازمة.

 

وعليه، يمكننا تعريف الدلالة اللفظية بأنّها: "كون اللفظ بحالة ينشأ من العلم بصدوره من المتكلّم العلمُ بالمعنى المقصود به".

 

وتنقسم الدلالة اللفظيّة إلى:

 

80

 


59

الدرس السابع: الدلالة

1. المطابقيّة: وذلك عندما يدلّ اللفظ على تمام المعنى الموضوع له ويطابقه.

 

كدلالة لفظ "البيت" على تمام معنى البيت، فيدخل فيه جميع غرفه وما فيه من مرافق.

 

2. التضمنيّة: وذلك عندما يدلّ اللفظ على جزء معناه الموضوع له الداخل في ضمنه.

 

كدلالة لفظ البيت على غرفة الضيوف وحدها. فلو بعت البيت مثلاً، يفهم منك المشتري دخول غرفة الضيوف في البيت.

 

3. الالتزاميّة: وذلك عندما يدلّ اللفظ على معنى خارج عن معناه الموضوع له، لازم له، يستتبعه استتباع الرفيق اللازم الخارج عن ذاته، كدلالة لفظ "البيت" على الطريق الموصلة إليه.

 

ويشترط في هذه الدلالة:

أ. أن يكون التلازم بين معنى اللفظ والمعنى الخارج اللازم تلازماً ذهنيّاً، فلا يكفي التلازم في الخارج.

ب. أن يكون التلازم واضحاً بيّناً.

 

81


60

الدرس السابع: الدلالة

أسئلة حول الدرس

 

 

 

1. ماذا نعني بالدلالة؟ اذكر أمثلة.

 

2. اذكر أقسام الدلالة، واذكر مثالاً لكلّ قسم منها.

 

3. بيّن بأسلوبك فائدة البحث في الدلالة اللفظية.

 

84


61

الدرس الثامن: تقسيمات الألفاظ

الدرس الثامن

تقسيمات الألفاظ

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يذكر أقسام الألفاظ.

2. يعطي مثالاً لكلّ قسم.

3. يميّز بين المفرد والمركّب.

 

85


62

الدرس الثامن: تقسيمات الألفاظ

تمهيد

للفّظ المستعمل بما له من المعنى تقسيمات عامّة عدّة، لا تختصّ بلغة دون أخرى، وهي أهمّ مباحث الألفاظ بعد بحث الدلالة. وأهمّ تلك التقسيمات ثلاثة، لأنّ اللفظ المنسوب إلى معناه تارةً يُنظر إليه في التقسيم بما هو لفظ واحد، وأخرى بما هو متعدّد، وثالثة بما هو لفظ مطلقاً، سواء أكان واحداً أم متعدّداً. فالأقسام الثلاثة، هي:

1. دلالة اللفظ على معناه بما هو واحد.

2. دلالة اللفظ على معناه بما هو متعدّد.

3. دلالة اللفظ على معناه مطلقاً، سواء أكان واحداً أم متعدّداً.

 

الأول:  دلالة اللفظ على معناه بما هو واحد

إن اللفظ الواحد الدالّ على معناه بإحدى الدلالات الثلاث المتقدّمة إذا نُسب إلى معناه فهو على أقسام خمسة.

 

لأنّ معناه إما أن يكون واحداً أيضاً، ويسمّى "المختصّ".

 

وإمّا أن يكون متعدّداً.

 

وما له معنىً متعدّد أربعة أنواع، منها: المشترَك، والحقيقة والمجاز.

1. المختصّ: وهو اللفظ الذي ليس له إلّا معنىً واحد، فاختصّ به.

مثل: اسم الجلالة الله، حديد، حيوان، شجر...

 

2. المشترَك: وهو اللفظ الواحد الّذي وُضع لمعانٍ متعدّدة، وقد وُضع للجميع كلّاً على حدة، ولكن من دون أن يسبق وضعه لبعضها على وضعه للمعنى الآخر أو المعاني الأخرى.

 

 

87


63

الدرس الثامن: تقسيمات الألفاظ

مثال: لفظ "عين" الموضوع لحاسّة النظر وينبوع الماء والذهب والجاسوس وغيرها، ولفظ "جون" الموضوع للأسْود والأبيض. والمشترك كثير في اللغة العربية.

 

3. الحقيقة والمجاز: وهو اللفظ الّذي تعدّد معناه، ولكنّه موضوع لأحد المعاني فقط، ويستعمل في غيره لعلاقة ومناسبة بينه وبين المعنى الأوّل الموضوع له، ومن دون أن يبلغ درجة الوضع في المعنى الثاني، فيسمّى حقيقةً في المعنى الأوّل ومجازاً في المعنى الثاني، ويُقال للمعنى الأوّل: معنىً حقيقيّاً، وللثاني معنىً مجازيّاً.

 

مثال: لفظ الأسد، فإنّه موضوع أوّلاً للمعنى الحقيقيّ، وهو ذلك الحيوان المفترس المعروف، ولكنّه يستعمل في الرجل الشجاع أيضاً، لوجود علاقة الشجاعة بينهما.

 

والمجاز دائماً يحتاج إلى قرينة تصرف اللفظ عن المعنى الحقيقيّ، وتعيّن المعنى المجازيّ من بين المعاني المجازيّة، ولولا القرينة لتبادر إلى الذهن خصوص المعنى الحقيقيّ. فلو قال قائلٌ: رأيت أسداً، لفهمنا منه أنّه رأى حيواناً مفترساً، لكن لو قال: رأيت أسداً يرمي، لفهمنا منه أنّه رأى رجلاً شجاعاً، وما ذلك إلا لوجود القرينة (يرمي) الصارفة عن المعنى الحقيقيّ.

 

وهناك قسمان آخران وهما المنقول والمرتجل، نتعرّض لهما في مراحل لاحقة إن شاء الله تعالى.

 

تنبيه: إنّ المشترك اللفظيّ والمجاز لا يصحّ استعمالهما في الحدود والبراهين إلّا مع نصب القرينة على إرادة المعنى المقصود.

 

الثاني: دلالة اللفظ على معناه بما هو متعدّد

إذا نُسب لفظ إلى آخر باعتبار ما يدلّ عليه من معنىً، لا تخرج النسبة بينهما من أن تكون نسبة ترادف أو نسبة تباين:

1. الترادف: وهو "اشتراك الألفاظ المتعدّدة في معنى واحد"، وذلك فيما إذا كانت الألفاظ موضوعة لمعنى واحدٍ، بحيث يكون أحد الألفاظ رديفاً للآخر على معنى واحد.

 

88

 


64

الدرس الثامن: تقسيمات الألفاظ

مثال: أسد وسبع وليث وغضنفر، فإنّها ألفاظ متعدّدة قد وُضعت لمعنى واحد لا غير. وكذلك بالنسبة إلى إنسان وبشر.

 

2. التباين: وهو "أن تكون معاني الألفاظ متكثّرة بتكثّر الألفاظ"، بحيث يكون كلّ واحدٍ من الألفاظ موضوعاً لمعنى مختصّ به.

 

مثال: كتاب، قلم، سماء، أرض، جماد، سيف، صارم، إنسان، ناطق... فإنّها ألفاظ متعدّدة، كلّ واحد منها وُضع لمعنى لا علاقة له بمعنى اللفظ الآخر، لذلك تسمّى هذه الألفاظ بالمتباينة.

 

تنبيه:

إنّ التباين بين الألفاظ هو باعتبار تعدّد معاني هذه الألفاظ، وإن كانت المعاني تلتقي في بعض أفرادها أو في جميعها.

مثلاً السيف يباين الصارم في المعنى، لأنّ المراد من الصارم خصوص القاطع من السيوف، فهما متباينان معنىً، وإن كانا يلتقيان في الأفراد، لأنّ كلّ صارم سيف.

 

وكذا بالنسبة لإنسان والناطق، فإنّهما متباينان معنىً، لأنّ المفهوم من أحدهما غير المفهوم من الآخر، وإن كانا يلتقيان في جميع الأفراد، لأنّ كلّ ناطق إنسان وكلّ إنسان ناطق.

 

الثالث: دلالة اللفظ على معناه مطلقاً

يُقسم اللفظ مطلقاً - أي من دون أن يُعتبر فيه أن يكون واحداً أو متعدّداً – إلى قسمَين:

1. المفرد: ويقصد به المنطقيّون أمرَين:

أوّلاً: اللفظ الّذي لا جزء له، مثل: "الباء" من قولك: كتبت بـالقلم، و"قِ" فعل أمر من وقى يقي.

 

ثانياً: اللفظ الّذي له جزء، إلّا أنّ جزء اللفظ لا يدلّ على جزء المعنى حين هو جزء له، مثل: محمّد، عليّ، قرأ، عبد الله (اسم لشخص).

 

 

89

 


65

الدرس الثامن: تقسيمات الألفاظ

عبد الله: إذا كان اسماً لشخصٍ فأنت لا تقصد بجزء اللفظ "عبد" و"الله" معنىً أصلاً حينما تجعل مجموع الجزأين دالّاً على ذات الشخص، فيكون هذا الجزء مثل حرف "م" من محمّد، وحرف "ق" من قرأ.

 

نعم، في موضع آخر قد تقول: "عبد الله" وتعني ب‍ "عبد" معناه المضاف إلى الله تعالى، كما لو قلت: "محمّد عبد الله ورسوله" وحينئذ يكون نعتاً لا اسماً، ومركّباً لا مفرداً، فأنت لا تقصد بجزء اللفظ "عبد" و"الله" و"الحسين" معنى أصلاً حينما تجعل مجموع الجزأين دالاً على ذات الشخص، وما مثل هذا الجزء إلا كحرف "م" من محمد وحرف "ق" من قرأ.

أما لو قلت: "محمد بن عبد الله" فعبد الله مفرد، وهو اسم أب محمد.

 

ملاحظة: أمّا النحويون: فعندهم مثل "عبد الله" إذا كان اسماً لشخص مركّب لا مفرد، لأنّ الجهة المعتبرة لهم في هذه التسمية تختلف عن الجهة المعتبرة عند المناطقة، إذ النحْويّ ينظر إلى الإعراب والبناء، فما كان له إعراب أو بناء واحد فهو مفرد وإلّا فمركّب، كعبد الله علماً، فإنّ "عبد" له إعراب، و"الله" له إعراب. أمّا المنطقيّ فإنّما ينظر إلى المعنى فقط.

 

2. المركّب: ويسمّى "القول" وهو اللفظ الّذي له جزء يدلّ على جزء معناه حين هو جزء.

مثل: الخمر مضرّ، فالجزآن: "الخمر" و"مضرّ" يدلّ كلّ واحد منهما على جزء معنى المركّب. وكذلك "الغِيبة جهد العاجز" فالمجموع مركّب و"جهد العاجز" مركّب أيضاً...

 

 

90


66

الدرس التاسع: التباين والتقابل

المفاهيم الرئيسة

 

من أهمّ مباحث الألفاظ، بما لها من معنىً، ثلاثة تقسيمات:

الأول: دلالة اللفظ على معناه بما هو واحد:

1 - المختصّ: وهو اللفظ الواحد الّذي وُضع لمعنى واحدٍ لا غير واختصّ به، كاسم الجلالة الله، وأسماء الأعلام.

 

2 - المشترَك: وهو اللفظ الواحد الّذي وُضع لمعانٍ متعدّدة، وقد وُضع للجميع كلّاً على حدة، ولكن من دون أن يسبق وضعه لبعضها على وضعه للمعنى الآخر، كلفظ "عين" الموضوع لحاسّة النظر وينبوع الماء والذهب والجاسوس وغيرها.

 

3 - الحقيقة والمجاز: وهو اللفظ الّذي تعدّد معناه، ولكنّه موضوع لأحد المعاني فقط، ويستعمل في غيره لعلاقة ومناسبة بينه وبين المعنى الأوّل الموضوع له، ومن دون أن يبلغ درجة الوضع في المعنى الثاني، فيسمّى حقيقةً في المعنى الأوّل، ومجازاً في المعنى الثاني،كلفظ الأسد، فإنّه موضوع أوّلاً للمعنى الحقيقيّ وهو الحيوان المفترس، ولكنّه يستعمل في الرجل الشجاع أيضاً، لوجود علاقة الشجاعة بينهما.

 

الثاني: دلالة اللفظ على معناه بما هو متعدّد:

1 - الترادف: هو اشتراك الألفاظ المتعدّدة في معنىً واحد، مثل: أسد وسبع وليث.

2 - التباين: وهو أن تتعدّد معاني الألفاظ بتعدّد الألفاظ، مثل: كتاب، قلم، سماء.

 

الثالث: دلالة اللفظ على معناه مطلقاً:

1 - المفرد: ويقصد به المنطقيّون أمرين:

أوّلاً: اللفظ الّذي لا جزء له،كلفظ "الباء" من قولك: كتبت بـالقلم، و"قِ" فعل أمر من وقى يقي.

 

ثانياً: اللفظ الّذي له جزء، إلّا أنّ جزء اللفظ لا يدلّ على جزء المعنى حين هو جزء له، مثل: محمّد، قرأ، عبد الله، (اسم لا وصف).

 

2 - المركّب: ويسمّى "القول"، وهو اللفظ الّذي له جزء يدلّ على جزء معناه حين هو جزء،مثل: الخمر مضرّ، فالجزءان: "الخمر" و"مضرّ" يدلّ كلّ واحد منهما على جزء معنى المركّب.

 

 

92

 


67

الدرس الثامن: تقسيمات الألفاظ

 

 

أسئلة حول الدرس

 

1. اذكر أقسام اللفظ بما هو واحد، وأعطِ مثالاً لكلّ قسم.

2. ميّز بين الترادف والتباين، موضحاً بالمثال.

3. فرّق بين اللفظ المفرد واللفظ المركّب.

 

 

95


68

الدرس التاسع: التباين والتقابل

الدرس التاسع

التباين والتقابل

 

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يميّز بين أقسام الألفاظ المتباينة.

2. يعطي مثالاً لأقسام التقابل.

3. يميّز بين التناقض والتضادّ.

 

97


69

الدرس التاسع: التباين والتقابل

تمهيد

اتّضح من خلال الدرس السابق أهمّية مبحث دلالة الألفاظ على معانيها، وتعرّضنا فيه لقسمة اللفظ بما هو واحد إلى أقسامه الثلاثة (المختصّ، والمشترك، والحقيقة والمجاز)، وبما هو متعدّد إلى قسمَيه (الترادف والتباين)، وبما هو مطلق إلى قسمَيه (المفرد والمركّب). وفي هذا الدرس نبيّن أقسام التباين، ثمّ نبيّن أقسامَ التقابل.

 

أولاً: قسمة الألفاظ المتباينة

المثلان، المتخالفان، المتقابلان:

تقدّم أنّ الألفاظ المتباينة هي ما تكثّرت معانيها بتكثّرها، أي أنّ معانيها متغايرة. ولمّا كان التغاير بين المعاني يقع على أقسام، كانت الألفاظ أيضاً بحسب معانيها تُنسب لها تلك الأقسام.

 

وهذا التغاير والتباين على ثلاثة أنواع:

1. المثلان: هما المشتركان في حقيقة واحدة بما هما مشتركان، أي لوحظ واعتُبر اشتراكهما فيهما.

 

مثل: محمّد وجعفر، اسمان لشخصين مشتركَين في الإنسانيّة بما هما مشتركان فيها، وكالإنسان والفرس باعتبار اشتراكهما في الحيوانيّة، وإلا فمحمّد وجعفر من حيث الخصوصية الذاتية لكلٍّ منهما، مع صرف النظر عمّا اشتركا فيه، هما متخالفان.

 

والمثلان أبداً لا يجتمعان ببديهة العقل.

 

2. المتخالفان: هما المتغايران من حيث هما متغايران، ولا مانع من اجتماعهما في محلٍّ واحدٍ إذا كانا من الصفات.

 

99

 


70

الدرس التاسع: التباين والتقابل

مثل الذوات: الإنسان والفرس بما هما إنسان وفرس، لا بما هما مشتركان في الحيوانية كما تقدّم. كذلك: الماء والهواء، النار والتراب، الشمس والقمر، السماء والأرض.

 

ومثال الصفات: السواد والحلاوة، الطول والرقّة، الشجاعة والكرم، البياض والحرارة.

 

- والتخالف قد يكون في الشخص مثل محمّد وجعفر، وإن كانا مشتركين نوعاً في الإنسانية، ولكن لم يُلحظ هذا الاشتراك.

 

- وقد يكون في النوع مثل الإنسان والفرس، وإن كانا مشتركين في الجنس وهو الحيوان، ولكن لم يُلحظ الاشتراك.

 

- وقد يكون في الجنس، وإن كانا مشتركين في وصفهما العارض عليهما، مثل القطن والثلج المشتركين في وصف "الأبيض"، إلا أنّه لم يُلحظ ذلك.

 

تنبيه: إنّ مثل محمّد وجعفر يصدق عليهما أنّهما "متخالفان" بالنظر إلى اختلافهما في شخصَيهما.

 

ويصدق عليهما "مثلان" بالنظر إلى اشتراكهما وتماثلهما في النوع وهو الإنسان. وكذا يقال عن الإنسان والفرس.

 

3. المتقابلان: هما المعنَيان المتنافران الّلذان لا يجتمعان في محلّ واحدٍ من جهة واحدة في زمان واحد.

 

مثل: الإنسان واللاإنسان، العمى والبصر، والأبوّة والبنوّة، والسواد والبياض.

 

ثانياً: أقسام التقابل

للتقابل أربعة أقسام:

1. تقابل النقيضَين: أو السلب والإيجاب، مثل : إنسان ولا إنسان، سواد ولا سواد، منير وغير منير.

 

والنقيضان: أمران أحدهما وجوديّ والآخر عدميّ - أي عدم لذلك الوجوديّ -، وهما لا يجتمعان ولا يرتفعان ببديهة العقل، ولا واسطة بينهما.

 

2. تقابل الملكة وعدمها: كالبصر والعمى، والزواج والعزوبة. فالبصر ملكة والعمى عدمها، والزواج ملكة والعزوبة عدمها.

 

100

 


71

الدرس التاسع: التباين والتقابل

ولا يصحّ أن يحلّ "العمى" إلّا في موضع يصحّ فيه "البصر"، لأنّ العمى ليس هو عدم البصر مطلقاً، بل عدم البصر الخاصّ، وهو عدمه في من شأنه أن يكون بصيراً. وكذا العزوبة لا تقال إلّا في موضع يصحّ فيه الزواج، لا عدم الزواج مطلقاً. فهما ليسا كالنقيضَين لا يرتفعان ولا يجتمعان، بل هما يرتفعان، وإن كان يمتنع اجتماعهما. فالحجر لا يقال فيه: أعمى ولا بصير ولا أعزب ولا متزوج، لأنّ الحجر ليس من شأنه أن يكون بصيراً، ولا من شأنه أن يكون متزوجاً.

 

إذاً، الملكة وعدمها: أمران وجوديّ وعدميّ لا يجتمعان، ويجوز أن يرتفعا في موضع لا تصحّ فيه الملكة.

 

3. تقابل الضدّين: كالحرارة والبرودة، والسواد والبياض، والفضيلة والرذيلة، والتهوّر والجُبن، والخِفّة والثقل.

 

والضدّان: هما الوجوديان المتعاقبان على موضوع واحد، ولا يُتصوّر اجتماعهما فيه، ولا يَتوقّف تعقُّل أحدهما على تعقّل الآخر.
 

- ومن كلمة "المتعاقبان على موضوع واحد" يُفهم أنّ الضدّين لا بدّ من أن يكونا صفتين، فالذاتان مثل إنسان وفرس لا يسمّيان بالضدّين، وكذا الحيوان والحجر ونحوهما. بل مثل هذه تدخل في المعاني المتخالفة كما تقدّم .

 

- وبكلمة "لا يتوقّف تعقّل أحدهما على تعقّل الآخر" يخرج المتضايفان، لأنّهما أمران وجوديان أيضاً، ولا يتصوّر اجتماعهما فيه من جهة واحدة، ولكنّ تعقّل أحدهما يتوقّف على تعقّل الآخر، وسيأتي.

 

4. تقابل المتضايفَين: مثل: الأب والابن، الفوق والتحت، المتقدّم والمتأخّر، العلّة والمعلول، الخالق والمخلوق.

 

وأنت إذا لاحظت هذه الأمثلة تجد:

أولاً: أنك إذا تعقّلت وتصوّرت أحد المتقابلين منها، لا بدّ من أن تتعقّل معه مقابلة الآخر، فإذا تعقّلت أنّ هذا أب أو علّة، لا بدّ من أن تتعقّل معه أنّ له ابناً أو معلولاً.

 

101


72

الدرس التاسع: التباين والتقابل

ثانياً: أنّ شيئاً واحداً لا يصحّ أن يكون موضوعاً للمتضايفَين من جهة واحدة، فلا يصحّ أن يكون شخص أباً وابنا لشخص واحد. نعم، يكون أباً لشخص وابناً لشخص آخر. وكذا لا يصحّ أن يكون الشيء فوقاً وتحتاً لذلك الشيء نفسه في وقت واحد، وإنّما يكون فوقاً لشيءٍ هو تحت له، وتحتاً لشيءٍ آخر هو فوقه. . . وهكذا.

 

ثالثاً: أنّ المتقابلَين في بعض هذه الأمثلة المذكورة أوّلاً يجوز أن يرتفعا، فإنّ واجب الوجود لا فوق ولا تحت، والحجر لا أب ولا ابن.

 

وإذا اتّفق في بعض الأمثلة أن المتضايفَين لا يرتفعان -كالعلّة والمعلول - فليس ذلك لأنّهما متضايفان، بل لأمر يخصّهما، لأنّ كلّ شيءٍ موجود لا يخلو: إمّا أن يكون علّة أو يكون معلولاً.

 

وعلى هذا البيان يصحّ تعريف المتضايفَين بأنّهما: "الوجوديّان اللذان يُتعقّلان معاً، ولا يجتمعان في موضوع واحد من جهة واحدة، ويجوز أن يرتفعا".

 

102

 


73

الدرس التاسع: التباين والتقابل

المفاهيم الرئيسة

 

التباين على ثلاثة أنواع:

1. المثلان: هما المشتركان في حقيقة واحدة بما هما مشتركان، أي لوحظ واعتبر اشتراكهما فيهما. نحو: (محمّد وجعفر) اسمان لشخصين مشتركين في الإنسانيّة.

 

2. المتخالفان: هما المتغايران من حيث هما متغايران، ولا مانع من اجتماعهما في محلٍّ واحدٍ إذا كانا من الصفات.

مثل الذوات: الإنسان والفرس، ومثل الصفات: السواد والحلاوة.

 

3. المتقابلان: هما المعنيان المتنافران اللّذان لا يجتمعان في محلّ واحدٍ من جهة واحدة في زمان واحد.

مثل: الإنسان واللاإنسان، العمى والبصر، والأبوّة والبنوّة، والسواد والبياض.

 

للتقابل أربعة أقسام:

الأول: تقابل النقيضَين: أو تقابل السلب والإيجاب.

النقيضان: أمران وجوديّ وعدميّ، أي عدم لذلك الوجوديّ.

مثال: الإنسان واللاإنسان.

أحكامهما: لا يجتمعان ولا يرتفعان ببديهة العقل.

 

الثاني: تقابل الملكة وعدمها:

أمران وجوديّ وعدميّ.

مثال: العمى والبصر، الزواج والعزوبة.

أحكامهما: لا يجتمعان، ويمكن أن يرتفعا.

 

الثالث: تقابل المتضايفَين:

المتضايفان هما: الوجوديّان اللّذان يُتعقّلان معاً.

 

103


74

الدرس التاسع: التباين والتقابل

مثال: الأب والابن، الفوق والتحت.

 

أحكامهما: لا يجتمعان في موضوع واحد من جهة واحدة، ويجوز أن يرتفعا.

 

الرابع: تقابل الضدّين:

الضدّان: هما الوجوديّان المتعاقبان على موضوع واحد، ولا يُتصوّر اجتماعهما فيه، ولا يَتوقّف تعقّل أحدهما على تعقّل الآخر.

 

مثال: السواد والبياض، الحرارة والبرودة.

 

104


75

الدرس التاسع: التباين والتقابل

التمارين

 

1. التغاير والتباين ثلاثة أنواع. بيّن نوع التغاير الموجود بين الألفاظ الآتية:

أ. الشجاعة والكرم -------------------------------------------------------------------------------------------------------

ب. الشجر والحجر ------------------------------------------------------------------------------------------------------

ج. القطن والثلج ---------------------------------------------------------------------------------------------------------

د. الحسن والحسين--------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

2. ما هو نوع التقابل في الأمثلة الآتية؟

أ. العلم والجهل ---------------------------------------------------------------------------------------------------------

ب. مخلوق وغير مخلوق -------------------------------------------------------------------------------------------------

ج. الخفّة والثقل --------------------------------------------------------------------------------------------------------

د. اليمين واليسار -------------------------------------------------------------------------------------------------------

هـ. الخالق والمخلوق ------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

 

 

أسئلة حول الدرس

 

1. هل يمكن أن يصدق على شيئين أنّهما متخالفان ومتماثلان؟ بيّن ذلك من خلال مثال تذكره.

 

2. عرّف أقسام التقابل، مع ذكر مثال لم يرد في الدرس والتمارين لكلّ قسم.

 

3. ما الفرق بين التناقض والتضادّ؟

 

105

 


76

الدرس العاشر: أقسام المركّب والمفرد

الدرس العاشر

أقسام المركّب والمفرد

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يعطي مثالاً لأقسام المركب.

2. يميّز بين الخبر والإنشاء.

3. يذكر أقسام المفرد.

 

107

 


77

الدرس العاشر: أقسام المركّب والمفرد

تمهيد

في مبحث دلالة الألفاظ على معانيها، كان القسم الثالث للألفاظ هو النظر إلى اللفظ لا بما هو، أو قُلْ: بشكل مطلق. وقد ذكرنا أنّه ينقسم إلى مفرد ومركّب. وقد حان الوقت لبيان أقسام المركّب، لنستفيد معنى المركّب التامّ الذي يوصلنا إلى بحث الخبر، وبالتالي نضطرّ إلى تمييزه عن الإنشاء. ولأجل ذلك عُقد هذا الدرس.

 

أقسام المركّب

أولاً: المركب التامّ والمركب الناقص

ينقسم المركّب إلى قسمين:

1. المركّب التامّ: "هو الكلام الذي يصحّ للمتكلّم السكوت عليه"، ومعناه أنّ بعض المركّبات للمتكلّم أن يكتفي به في إفادة السامع، والسامع لا ينتظر منه إضافة لفظ آخر لإتمام فائدته، مثل: الصبر شجاعة، قيمة كلّ امرئ ما يحسنه، إذا علمت فاعمل. فهذا هو "المركّب التامّ".

 

2. المركّب الناقص: "وهو ما لا يصحّ السكوت عليه"، ومعناه أنّ المتكلّم لا يكتفي به في إفادة السامع، كما لو قال "قيمة كلّ امرئ" وسكت، أو قال: "إذا علمت" بغير جواب للشرط، فإنّ السامع يبقى منتظراً، ويجده ناقصاً حتّى يتمّ كلامه، فمثل هذا يسمّى "المركّب الناقص".

 

109

 


78

الدرس العاشر: أقسام المركّب والمفرد

ثانياً: الخبر والإنشاء:

كلّ مركّب تامّ له نسبة قائمة بين أجزائه، تسمّى النسبة التامّة أيضاً، وهذه النسبة:

1. قد تكون لها حقيقة ثابتة في ذاتها مع صرف النظر عن اللفظ، وإنّما يكون لفظ المركّب حاكياً وكاشفاً عنها، مثل ما إذا وقع حادث أو يقع فيما يأتي فأخبرت عنه، كمطر السماء، فقلت: مَطَرَت السماء، أو تمطر غداً، فهذا يسمّى "الخبر"، ويسمّى أيضا "القضية" و"القول".

 

تنبيه: لا يجب في الخبر أن يكون مطابقاً للنسبة الواقعة، فقد يطابقها فيكون صادقاً، وقد لا يطابقها فيكون كاذباً.

 

فقد يقول أحدهم: الشمس مشرقة الآن، فهذا خبر، ويقول آخر: الشمس غير مشرقة الآن، وهذا خبر أيضاً، مع أنّ الواقعَ صدقُ أحد هذين الخبرين وكذب الآخر.

 

فالخبر: "هو المركّب التامّ الّذي يصحّ أن نصفه بالصدق أو الكذب".

 

ملاحظة: الخبر هو ما يهتمّ المنطقيّ به، ويقوم بالبحث عنه، وهو متعلّق التصديق.

 

2. وقد لا تكون للنسبة التامّة حقيقة ثابتة بصرف النظر عن اللفظ، وإنّما اللفظ هو الّذي يحقّق النسبة ويوجدها بقصد المتكلّم. وبعبارة أصرح: إنّ المتكلّم يوجد المعنى بلفظ المركّب، فليس وراء الكلام نسبة لها حقيقة ثابتة يطابقها الكلام تارة ولا يطابقها أخرى، ويسمّى هذا المركّب "الإنشاء".

 

ومن أمثلته:

أ. الأمر، نحو: احفظ الدرس/ قوله تعالى: ﴿خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾[1].

ب. النهي، نحو: لا تجالس دعاة السوء/ قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا﴾[2].

ج. الاستفهام، نحو: هل المريخ مسكون؟/ ﴿أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ﴾؟[3].


 


[1] سورة مريم، الآية 12.

[2] سورة الأعراف، الآية 56.

[3] سورة البقرة، الآية 259.

 

110


79

الدرس العاشر: أقسام المركّب والمفرد

د. النداء، نحو: يا محمّد/ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾[1].

هـ.التمنّي، نحو: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[2].

و. التعجّب، نحو: ما أعظم خطر الإنسان!/ ﴿فَمَآ أَصۡبَرَهُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ﴾[3].

ز. العقد، كإنشاء عقد البيع والإجارة والنكاح ونحوها، نحو "بعت" و"آجرت" و"أنكحت"...

ح. الإيقاع[4]، كصيغة الطلاق والعتق والوقف ونحوها، نحو "فلانة طالق" و"عبدي حرّ"...

وهذه المركّبات كلّها ليس لمعانيها حقائق ثابتة في أنفسها، بغضّ النظر عن اللفظ، تحكي عنها فتطابقها أو لا تطابقها، وإنّما معانيها تنشأ وتوجد باللفظ، فلا يصحّ وصفها بالصدق والكذب.

فالإنشاء: "هو المركّب التامّ الّذي لا يصحّ أن نصفه بصدق ولا بكذب".

 

أقسام المفرد

المفرد: كلمة، واسم، وأداة.

1. الكلمة:

وهي "الفعل" باصطلاح النحاة، مثل: كتب، يكتب، اكتب.

 

فإذا لاحظنا هذه الأفعال أو الكلمات الثلاث نجدها:

أ. تشترك في مادّة لفظية واحدة محفوظة في الجميع هي: الكاف فالتاء فالباء.

 

وتشترك أيضاً في معنىً واحد هو معنى الكتابة، وهو معنى مستقلّ في نفسه.

ب. تفترق في هيئاتها اللفظية، فإنّ لكلّ منها هيئة تخصّها.

 


[1] سورة البقرة، الآية 21

[2] سورة الشعراء، الآية 102.

[3] سورة البقرة، الآية 175.

[4] الفرق بين العقد والإيقاع أنّ العقد يحتاج إلى طرفين، ولا بدّ من إيجاب وقبول، بينما الإيقاع يحتاج إلى طرف واحد، ولا بدّ فيه من إيجاب فقط، ولا يحتاج إلى قبول.

 

111


80

الدرس العاشر: أقسام المركّب والمفرد

وتفترق أيضاً في دلالتها على نسبة تامّة زمانية تختلف باختلافها، وهي نسبة ذلك المعنى المستقلّ المشترك فيها إلى فاعلٍ ما غير معيّن في زمان معيّن من الأزمنة. فـ (كتب) تدلّ على نسبة الحدث - وهو المعنى المشترك - إلى فاعل ما، واقعة في زمان مضى، و (يكتب) تدلّ على نسبة تجدّد الوقوع في الحال أو في الاستقبال إلى فاعلها، و(اكتب) تدلّ على نسبة طلب الكتابة في الأمر دلالة على المستقبل لا على الحال من فاعل ما.

 

ومن هذا البيان نستطيع أن نستنتج أن المادة الّتي تشترك فيها الكلمات الثلاث تدلّ على المعنى الّذي تشترك فيه، وأن الهيئة الّتي تفترق فيها وتختلف تدلّ على المعنى الّذي تفترق فيه ويختلف فيها.

 

وعليه، يصحّ تعريف الكلمة بأنّها: "اللفظ المفرد الدالّ بمادّته على معنى مستقلّ في نفسه، وبهيئته على نسبة ذلك المعنى إلى فاعل لا بعينه نسبة تامّة زمانية".

 

وبقولنا: "نسبة تامّة" تخرج الأسماء المشتقّة - كاسم الفاعل والمفعول والزمان والمكان -، فإنها تدلّ بمادّتها على المعنى المستقلّ، وبهيئاتها على نسبة إلى شيء لا بعينه في زمان ما، ولكن النسبة فيها نسبة ناقصة لا تامّة.

 

2. الاسم:

وهو اللفظ المفرد الدالّ على معنى مستقلّ في نفسه، غير مشتمل على هيئة تدلّ على نسبة تامّة زمانية.

 

مثال: محمّد، إنسان، كاتب، سؤال.

 

نعم، قد يشتمل على هيئة تدلّ على نسبة ناقصة، كأسماء الفاعل والمفعول والزمان ونحوها - كما تقدّم -، لأنّها تدلّ على ذات لها هذه المادّة.

 

3. الأداة:

وهي اللفظ المفرد الدالّ على معنى غير مستقلّ في نفسه، وهي تدلّ على نسبة بين طرفَين، وهي "الحرف" باصطلاح النحاة.

 

مثال: "في" الدالّة على النسبة الظرفية، و"على" الدالّة على النسبة الاستعلائية، و"هل" الدالة على النسبة الاستفهامية. والنسبة دائماً غير مستقلّة في نفسها، لأنّها لا تتحقّق إلّا بطرفيها.

 

112

 


81

الدرس العاشر: أقسام المركّب والمفرد

المفاهيم الرئيسة

 

 

أقسام المركب:

أولاً: المركب التامّ والناقص

1. المركّب التامّ: ما يصحّ للمتكلّم السكوت عليه.

2. المركّب الناقص: ما لا يصحّ السكوت عليه.

 

ثانياً: الخبر والإنشاء:

1. الخبر: هو المركّب التامّ الّذي يصحّ أن نصفه بالصدق أو الكذب.

2. الإنشاء: هو المركّب التامّ الّذي لا يصحّ أن نصفه بصدق ولا بكذب.

 

ومن أمثلته:

أ - الأمر ب - النهي ج - الاستفهام د - النداء هـ - التمنّي و - التعجّب ز - العقد ح - الإيقاع.

أقسام المفرد: كلمة، واسم، وأداة.

 

1. الكلمة: اللفظ المفرد الدالّ بمادّته على معنى مستقلّ في نفسه، وبهيئته على نسبة ذلك المعنى إلى فاعل لا بعينه نسبة تامّة زمانية. وهي "الفعل" باصطلاح النحاة.

 

2. الاسم: وهو اللفظ المفرد الدالّ على معنى مستقلّ في نفسه غير مشتمل على هيئة تدلّ على نسبة تامّة زمانية.

 

3. الأداة: وهي اللفظ المفرد الدالّ على معنى غير مستقلّ في نفسه. وهي تدلّ على نسبة بين طرفين. وهي "الحرف" باصطلاح النحاة.

 

 

114


82

الدرس العاشر: أقسام المركّب والمفرد

التمارين

 

1. ميّز بين المركّب الناقص والمركّب التامّ في الجمل الآتية:

أ. ﴿إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ﴾---------------------------------------------------------------------------------------------------

ب. أكرم العلماء----------------------------------------------------------------------------------------------------------

ج. ﴿في السماء رزقكم﴾------------------------------------------------------------------------------------------------

د. عليّ بن أبي طالب-----------------------------------------------------------------------------------------------------

 

2. بيّن، فيما يأتي، الجمل الخبرية والجمل الإنشائية:

أ. لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله: --------------------------------------------------------------------------------------------

ب. ألا ليت الشباب يعود يوماً: -----------------------------------------------------------------------------------------

ج. العولمة تعني هيمنة الدول الكبرى على الدول الصغرى: ---------------------------------------------------------------

د. ﴿وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ﴾:----------------------------------------------------------------------------------

هـ. الحلم خلق الصالحين: -------------------------------------------------------------------------------------------------

و. ﴿لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ﴾:------------------------------------------------------------------------------------------

ز. ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾:-----------------------------------------------------------------------------------

 

3. صِلِ المصطلح النحويّ بالمصطلح المنطقيّ الموازي له:

 

                                       النحو                               المنطق

                                      

                                      اسم  •                               •  كلمة

                                      فعل   •                              •  اسم

                                     حرف •                                •  أداة

 

115

 

 


83

الدرس العاشر: أقسام المركّب والمفرد

أسئلة حول النص

 

1. لِمَ كان المُركّب الناقص لا يحسن السكوت عليه؟

2. بيّن المراد من الهيئة والمادّة في الكلمة.

3. إدراك الإنشاء من التصوّر أم من التصديق؟ علّل الإجابة.

 

116


84

الدرس الحادي عشر: مباحث الكلّي

الدرس الحادي عشر

مباحث الكلّي

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يميّز بين الكلّيّ والجزئيّ.

2. يطبّق ثلاثة مفاهيم على مصاديقها.

3. يشرح دلالة المفهوم على مصداقه.

 

117


85

الدرس الحادي عشر: مباحث الكلّي

تمهيد

تقدّم أنّ اللفظ ينقسم إلى مفرد ومركّب، ثمّ إنّ اللفظ المفرد ينقسم بحسب معناه إلى قسمَين: كلّيّ وجزئيّ.

 

وينقسم المعنى باعتبار وجوده، في الذهن أو الخارج، إلى قسمَين، هما: المفهوم والمصداق.

 

ومباحث الكليّ، كمباحث الألفاظ، تعدّ مقدّمة للتصوّر والتصديق، فلا يستغنى عنها.

 

أولاً: الجزئيّ

يدرك الإنسان مفهوم الموجودات التي يحسّ بها، مثل : محمد، هذا الكتاب، هذا القلم، هذه الوردة، بغداد، النجف... وإذا تأمّلها يجد كلّ واحد منها لا ينطبق على فرد آخر، ولا يصْدق إلا على ذلك الموجود وحده، وهذا هو "المفهوم الجزئيّ".

 

ويصحّ تعريفه بأنّه: "المفهوم الذي يمتنع صدقه على أكثر من واحد".

 

ثانياً: الكلّيّ

ثمّ إنّ الإنسان إذا رأى جزئيات متعدّدة، وقاس بعضها إلى بعض، فوجدها تشترك في صفة واحدة، انتزع منها صورة مفهوم شامل ينطبق على كلّ واحد منها. وهذا المفهوم الشامل أو الصورة المنتزَعة هو "المفهوم الكليّ".

 

ويصحّ تعريفه بأنّه: "المفهوم الذي لا يمتنع صدقه على أكثر من واحد".

 

مثل مفهوم : إنسان، حيوان، معدن، أبيض، تفاحة، حجر، عالم، جاهل، معترف بذنبه.

 

119


86

الدرس الحادي عشر: مباحث الكلّي

تنبيه:

1. لا يجب أن تكون أفراد الكليّ موجودةً فعلاً، فقد يتصوّر العقل مفهوماً كلّياً صالحاً للانطباق على أكثر من واحد، من دون أن ينتزعه من جزئيات موجودة بالفعل، وإنّما يفرض له جزئيات يصح ّصدقه عليها، بل قد يمتنع وجود حتّى فرد واحد له، مثل مفهوم "شريك الباري" ومفهوم "اجتماع النقيضين"، ولا يضرّ ذلك في كلّيته. وقد لا يوجد له إلّا فرد واحد ويمتنع وجود غيره، مثل مفهوم "واجب الوجود"، لقيام البرهان على ذلك، ولكنّ العقل لا يمنع من فرض أفراد لو وُجدت لَصَدَقَ عليها هذا المفهوم.

 

إذاً، بمقتضى هذا البيان، لا بدّ من إضافة قيد "ولو بالفرض" في تعريفَي الجزئيّ والكليّ، فالجزئيّ: مفهوم يمتنع صدقه على كثير ولو بالفرض. والكلّي: لا يمتنع . . . ولو بالفرض.

 

2. مداليل اللفظ المفرد:

أ. مداليل الأدوات كلّها مفاهيم جزئية.

ب. والكلمات -أي الأفعال- بهيئاتها تدلّ على مفاهيم جزئية، وبموادها على مفاهيم كلّية.

ج. أمّا الأسماء فمداليلها تختلف:

- فقد تكون كلّية كأسماء الأجناس.

- وقد تكون جزئية كأسماء الأعلام وأسماء الإشارة والضمائر ونحوها.

 

ثالثاً: المفهوم والمصداق

1- المفهوم: المعنى نفسه في الذهن، أو الصورة الذهنيّة نفسها المنتزعة من حقائق الأشياء الخارجيّة.

 

2- المصداق: ما ينطبق عليه المفهوم أو المعنى. وبتعبير آخر: هو حقيقة الشيء الّذي تُنتزع منه الصورة الذهنيّة (المفهوم).

 

فالصورة الذهنية لمسمّى "محمّد" مفهوم جزئيّ، والشخص الخارجيّ الحقيقيّ مصداقه.

 

120

 


87

الدرس الحادي عشر: مباحث الكلّي

والصورة الذهنية لمعنى "العدم" مفهوم كلّي، وما ينطبق عليه -وهو العدم الحقيقيّ- مصداقه... وهكذا.

 

لفت نظر:

يُعرف من المثال الأوّل أنّ المفهوم قد يكون جزئياً كما يكون كلّياً.

 

ويعرف من المثال الثاني أنّ المصداق لا يجب أن يكون من الأمور الموجودة والحقائق العينية، بل المصداق هو: كلّ ما ينطبق عليه المفهوم، وإن كان أمراً عدمياً لا تحقّق له في الأعيان.

 

رابعاً: العنوان والمعنوَن (دلالة المفهوم على مصداقه)

إذا حكمت على شيء بحكم، قد يكون نظرك في الحكم مقصوراً على المفهوم وحده، بأن يكون هو المقصود في الحكم، كما تقول: "الإنسان حيوان ناطق"، فيقال للإنسان حينئذ: الإنسان بالحمل الأوّليّ.

 

وقد يتعدّى نظرك في الحكم إلى أبعد من ذلك، فتنظر إلى ما وراء المفهوم، بأن تلاحظ المفهوم لتجعله حاكياً عن مصداقه ودليلاً عليه، كما تقول: "الإنسان ضاحك" أو "الإنسان في خسر"، فتشير بمفهوم "الإنسان" إلى أشخاص أفراده، وتجعلها هي المقصودة في الحكم، وليس ملاحظة المفهوم في الحكم وجعله موضوعاً إلّا للتوصّل إلى الحكم على الأفراد، فيسمّى المفهوم حينئذٍ "عنواناً" والمصداق "معنوَناً"، ويقال لهذا الإنسان : "الإنسان بالحمل الشائع".

 

ولأجل التفرقة بين النظرَين، نلاحظ الأمثلة الآتية:

1. إذا قال النحاة: "الفعل لا يُخبَر عنه" فقد يُعترض عليهم في بادئ الرأي، فيقال لهم: هذا القول منكم إخبار عن الفعل، فكيف تقولون: لا يخبر عنه؟

 

والجواب: إن الذي وقع في القضية مخبراً عنه وموضوعاً في القضية هو مفهوم الفعل، ولكن ليس الحكم له بما هو مفهوم، بل جُعل عنواناً وحاكياً عن مصاديقه وآلة لملاحظتها، والحكم في الحقيقة راجع إلى مصاديق، نحو "ضرب" و"يضرب". فالفعل الذي له هذا الحكم حقيقةً هو الفعل بالحمل الشائع.

 

 

121


88

الدرس الحادي عشر: مباحث الكلّي

2. إذا قلنا: "الإنسان في خسر"، فالحكم هنا ليس على الإنسان بما هو مفهوم، بل على مصاديقه. فمفهوم الإنسان (حيوان ناطق) لا يكون في خسر، وإنّما مصاديقه كـ: بكر وعمر وخالد، هي التي توصف بأنّها في خسر.

 

122


89

الدرس الحادي عشر: مباحث الكلّي

المفاهيم الرئيسة

 

1. مباحث الكليّ كمباحث الألفاظ تُعدّ مقدّمة للتصوّر والتصديق، فلا يستغنى عنها.

2. الجزئيّ: "هو المفهوم الّذي يمتنع صدقه على أكثر من واحد ولو بالفرض"، مثل: محمّد، هذا القلم، هذا اللوح.

3. الكلي: "هو المفهوم الّذي لا يمتنع صدقه على أكثر من واحد ولو بالفرض"، مثل: إنسان، حيوان، معدن.

4. المفهوم هو المعنى نفسه في الذهن، أو الصورة الذهنيّة نفسها المنتزعة من حقائق الأشياء الخارجيّة.

5. المصداق هو ما ينطبق عليه المفهوم أو المعنى، أو حقيقة الشيء الّذي تُنتزع منه الصورة الذهنيّة (المفهوم).

6. إذا حكمت على شيء بحكم، قد يكون نظرك في الحكم مقصوراً على المفهوم وحده، بأن يكون هو المقصود في الحكم، كما لو قلت: "الإنسان حيوان ناطق"، فيقال للإنسان حينئذ: الإنسان بالحمل الأوّليّ.

7. وقد يتعدّى نظرك في الحكم إلى أبعد من ذلك، فتنظر إلى ما وراء المفهوم، بأن تلاحظ المفهوم لتجعله حاكياً عن مصداقه ودليلاً عليه، كما تقول: "الإنسان ضاحك" فيقال للإنسان حينئذٍ: الإنسان بالحمل الشائع.

 

123


90

الدرس العاشر: أقسام المركّب والمفرد

التمارين

 

1. أجب بـ"صح" أو "خطأ" معللاً الإجابة:

أ. إذا قلت لصديقك "أعطني الكتاب"، وكان في يده كتاب، يستطيع إعطاءك أيّ كتاب، لأنّ مفهوم الكتاب كلّي:

التعليل: ----------------------------------------------------------------------------------

 

ب. إذا قلت لصاحب الدار "أعطني قاموساً"، يستطيع إعطاءك أيّ قاموس بأيّ لغة كان:

التعليل: ----------------------------------------------------------------------------------

 

ج. إذا قال البائع: "بعتك صندوقاً من التفاح"، فالمبيع جزئيّ:

التعليل: ----------------------------------------------------------------------------------

 

د. مفهوم اسم الجلالة "الله" كلّي، لأنّه ينطبق على أكثر من مصداق ولو بالفرض:

التعليل: ----------------------------------------------------------------------------------

 

2. عيّن الجزئيّ من الكلّيّ في الأمثلة الآتية:

لبنان – العالم العربيّ – الكرة الأرضية – الكتاب – شاعر – علماء لبنان – سيد الشهداء الجزئيّ – المسجد الكبير - العنقاء - جبل النور – غار حراء – فرزدق – أشعار الفرزدق الشيطان – إبليس – الشمس.

 

 

124

 


91

الدرس الحادي عشر: مباحث الكلّي

3. عيّن الجزئيّ والكلّيّ من مفاهيم الأسماء الموجودة في الأبيات الآتية:

أ. ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

ب. هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحلّ والحرم

 

 

 

 

 

 

 

         

 

أسئلة حول الدرس

 

1. ما الفرق بين الكلّيّ والجزئيّ؟ أعطِ ثلاثة أمثلة لم ترد في الدرس والتمارين لكلّ قسم.

2. كيف يكون مفهوم الغول كلّياً مع أنّه شيء متخيَّل لا حقيقة له؟

3. لو قال المنطقيّ: "الكلّيّ جزئيّ"، فهل كلامه متهافت ومتعارض؟

 

125


92

الدرس الثاني عشر: النِّسَبُ الأربع

الدرس الثاني عشر

النِّسَبُ الأربع

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن

1. يشرح النسب الأربع.

2. يستخرج النسبة بين المفهومَين.

3. يبيّن فائدة مبحث النسب.

 

 

127

 


93

الدرس الثاني عشر: النِّسَبُ الأربع

تمهيد

لا يخفى على الطالب أنّ التباين في المنطق مشترك لفظيّ، يطلق ويراد به معانٍ متعدّدة، كلفظ العين في اللغة العربية.

 

ونحن سنذكر معنيَين للتباين كمقدّمة للدخول في البحث.

 

1. التباين: في مبحث الألفاظ، حيث تقدّم أنّ هناك ألفاظاً مشتركة، كلفظ إنسان ولفظ بشر، وهناك ألفاظاً متباينة، كلفظ إنسان ولفظ حجر، والمتباين في مباحث الألفاظ كان بمعنى تعدّد الألفاظ وتعدّد المعنى، بخلاف المشترك حيث كان بمعنى تكثّر الألفاظ أو تعدّدها واتّحاد المعنى.

 

2. التباين: في مبحث الكلّي، يختلف عن هذا المعنى المتقدّم، حيث إنّ النظر في هذا المبحث متّجهٌ إلى المفهوم باعتبار مصاديقه، وبهذا اللحاظ سوف نذكر أربع نسب، واحدة منها هي التباين، والمراد به التباين بحسب المصداق، لا بحسب اللفظ. والنسب الأربع الآتي ذكرها لا تُتصوّر إلّا فيما لو كانت الألفاظ متباينةً متغايرةً بحسب المعنى الأوّل. وعندها نلحظ النسبة والعلاقة بين مصاديقها، ويكون المحصَّل أربع نسب، واحدة منها التباين بحسب المصداق.

 

النسب الأربع

كلّ معنى ومفهوم إذا نُسب إلى مفهوم ومعنى آخر يباينه ويغايره مفهوماً، فلا بدّ من أن نلحظ العلاقة والنسبة بين أفراد المعنى الأوّل وأفراد المعنى الثاني، وهنا توجد أربع نسب لا غير:

 

129


94

الدرس الثاني عشر: النِّسَبُ الأربع

1. التساوي (=):

تكون بين المفهومَين اللذين يشتركان في تمام أفرادهما، كالإنسان والضاحك، فإنّ كل إنسان ضاحك وكلّ ضاحك إنسان.

 

ونقرّبهما إلى الفهم بتشبيههما بالخطّين المتساويَين اللذين ينطبق أحدهما على الآخر تمام الانطباق. ويمكن وضع نسبة التساوي على هذه الصورة: ب = ح

 

2. العموم والخصوص المطلق (< أو >)

وتكون بين المفهومَين اللذين يصدق أحدهما على جميع ما يصدق عليه الآخر وعلى غيره، ويقال للأول: "الأعمّ مطلقاً" وللثاني "الأخصّ مطلقاً".

 

كالحيوان والإنسان، فكلّ ما صدق عليه الإنسان يصدق عليه الحيوان، ولا عكس، فإنّه يصدق الحيوان بدون الإنسان.

ونقرّبهما إلى الفهم بتشبيههما بالخطين غير المتساويين اللذين ينطبق الأكبر منهما على تمام الأصغر ويزيد عليه. ويمكن وضع هذه النسبة على الصورة الآتية: الحيوان > الإنسان (ب < ح)، أي الحيوان أعمّ مطلقاً من الإنسان، أو الإنسان < الحيوان، أي الإنسان أخصّ مطلقاً من الحيوان.

 

3. العموم والخصوص من وجه، (×)

وتكون بين المفهومَين اللذَين يجتمعان في بعض مصاديقهما ويفترق كلّ منهما عن الآخر في مصاديق تخصّه.

كالطير والأسود، فإنّهما يجتمعان في الغراب، لأنّه طير أسود.

ويفترق الطير عن الأسود في الحمام [الأبيض] مثلاً.

والأسود عن الطير في الصوف الأسود مثلاً.

ويقال لكلّ منهما: "أعمّ من وجه وأخصّ من وجه".

 

130


95

الدرس الثاني عشر: النِّسَبُ الأربع

ونقرّبهما إلى الفهم بتشبيههما بالخطّين المتقاطَعين، هكذا " × "، واللذين يلتقيان في نقطة مشتركة، ويفترق كلّ منهما عن الآخر في نقاط تخصّه. ويمكن وضع النسبة على الصورة الآتية: ب × ح

 

4. التباين (/ /)

ويكون بين المفهومين اللذين لا يجتمع أحدهما مع الآخر في فرد من الأفراد أبداً.

وأمثلته جميع المعاني المتقابلة التي تقدّمت في بحث التقابل، وكذا بعض المعاني المتخالفة مثل الحجر والحيوان.

ونشبّههما بالخطّين المتوازيين اللذين لا يلتقيان أبداً مهما امتدّا. ويمكن وضع التباين على الصورة الآتية: ب / / ح

هي التباين، ونرمز لها بهذا الشكل: الإنسان // الحجر.

 

فائدة البحث

تفيد نتائج هذا البحث في التعريفات:

1. فالمفهوم الأخصّ لا يصلح لأن يكون معرِّفاً للمفهوم الأعمّ.

فيصحّ تعريف الإنسان: حيوان ناطق. فالحيوان أعمّ من الإنسان.

ولا يصحّ تعريف الحيوان، إنسان مثلاً، لأنّ الإنسان أخصّ من الحيوان.

2. كذلك لا يصحّ أن يكون المفهوم المباين معرِّفاً للمفهوم الذي يباينه، فلا يصحّ تعريف "الحيوان: جماد" مثلاً.

 

131

 


96

الدرس الثاني عشر: النِّسَبُ الأربع

المفاهيم الرئيسة

 

للفظ التباين في المنطق معنيان مختلفان:

1. في مباحث الألفاظ بمعنى تعدّد الألفاظ واتّحاد المعنى، بخلاف المشترك حيث هو بمعنى تكثّر الألفاظ أو تعدّدها واتّحاد المعنى.

 

2. في مبحث الكلّي، حيث إنّ النظر في هذا المبحث إلى المفهوم باعتبار مصاديقه، فالمراد به التباين بحسب المصداق، لا بحسب اللفظ.

 

كلّ معنى ومفهوم إذا نَسب إلى مفهوم ومعنى آخر يباينه ويغايره مفهوماً، إذا لاحظنا العلاقة والنسبة بين أفراد المعنى الأوّل وأفراد المعنى الثاني، يوجد عندنا أربع نسب لا غير:

 

1. التساوي (=)، فيما لو كان تمام أفراد المفهوم الأوّل تشارك تمام أفراد المفهوم الثاني.

 

2. التباين (//)، فيما لو كان تمام أفراد الأوّل تباين وتغاير ولا تلتقي أبداً مع تمام أفراد المفهوم الثاني.

 

3. العموم والخصوص المطلق (< أو >)، فيما لو كان يشارك أحدُ المفهومين الآخرَ في جميع أفراده دون العكس.

 

4. العموم والخصوص من وجه (×)، فيما لو كان كلٌّ من المفهومين يشارك الآخر في بعض أفراده، ويفارقه في بعض، بحيث تكون هناك جهة اشتراك وجهة افتراق.

 

 

132


97

الدرس الثاني عشر: النِّسَبُ الأربع

التمارين

 

لاحظ مجموعة المفاهيم الكليّة الآتية:

(الشمس والقمر)، (الغراب والأسْود)، (الكاتب والقارئ)، (المائع والماء)، (المشترك والمترادف)، (اللفظ والكلام).

 

1. أُذكر عدداً من مصاديق المفاهيم المتقدّمة (ولو بالفرض).

 

2. ما هي النسبة بين الكلّيات في الأمثلة المتقدّمة؟

أ. الشمس: ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------

ب.القمر: -----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

النسبة (الشمس والقمر):

أ. الغراب: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

ب.الأسود: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

النسبة (الغراب والأسود):

أ. الكاتب: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

ب. القارئ: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

النسبة (الكاتب والقارئ):

أ. المائع: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

ب. الماء: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

النسبة (المائع والماء):

أ.المشترك: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

ب.المترادف: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

النسبة (المشترك والمترادف):

أ. اللفظ: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

ب. الكلام: --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 

النسبة (اللفظ والكلام):

 

133


98

الدرس الثاني عشر: النِّسَبُ الأربع

3.ارسم الأمثلة السابقة على شكل مجموعات ودوائر توضح النسب بينها:

 

(الشمس والقمر)

 

 

(الغراب والأسود)

(الكاتب والقارئ)

 

 

(المائع والماء)

(المشترك والمترادف)

 

 

(اللفظ والكلام)

 

 

 

 

أسئلة حول الدرس:

1. اشرح كلّاً من النسب الأربع، وأعطِ مثالاً لم يرد في الدرس والتمارين لكلّ نسبة.

2. برأيك لمَ كانت النسب بين الكلّيَين أربعاً، لا خمساً أو ستاً مثلاً؟

3. هل يمكن تصوّر النسب الأربع بين جزئيَّين، لماذا؟

 

134


99

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

الدرس الثالث عشر:

الكلّيّات الخمسة (1)

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يعرّف أقسام الذاتي.

2. يميّز بين أقسام الذاتي.

3. يبيّن أقسام الجنس والفصل.

 

135


100

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

الدرس الثالث عشر:

الكلّيّات الخمسة (1)

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يعرّف أقسام الذاتي.

2. يميّز بين أقسام الذاتي.

3. يبيّن أقسام الجنس والفصل.

 

135


101

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

تمهيد

لكي نفهم التعريف بشكل دقيق يضطرنا البحث إلى ذكر مقدّمة تساعدنا على بحث التعريف، وهي البحث عن الكلّيّات[1].

 

والبحث هنا عن أنحاء الكلّيات الخمسة عندما تُنسب على أفرادها، أي عن تقسيم الكلّي بلحاظ علاقته بأفراده، بعد أن كان البحث السابق عن أنحاء النسب بين الكلّيات.

 

والمفهوم الكلّي خمسة أقسام هي: النوع، والجنس، والفصل، والخاصّة، والعرض العام.

 

وهذه الأنحاء الخمسة من المفاهيم الكلّية تسمّى بالكلّيات الخمسة، أي المفاهيم الكلّية الخمسة.

 

وهي تندرج تحت قسميَن رئيسيَن، هما: الذاتيّ والعرضيّ.

الذاتيّ يندرج تحته: النوع، والجنس، والفصل.

والعرضيّ يندرج تحته: الخاصّة، والعرض العامّ.

 

الكليات الخمسة

لو سأل سائل عن شخص، فإنّه يمكن أن يسأل بطريقتين:

1. مَن هو ؟

2. ما هو ؟


 


[1] إنّ فورفوريوس الصّوريّ ذكر هذا البحث وأسماه "إيساغوجي"، وهي كلمة يونانية تعني المدخل أو المقدّمة، حيث وجد أنّ أرسطو عندما كتب بحث التعريف دخلت هذه الكلّيّات الآتية الذكر في صميم البحث، وهي ركن أساس في فهمه، فكتب فورفوريوس هذه المقدّمة يوضح فيها ما هي الكلّيّات وأقسامها وكيفية التمييز بينها، حتّى يدخل الطالب في بحث التعريف على بيّنة ووضوح. لذلك، يمكن القول إنّ هذا البحث ليس من صميم موضوع علم المنطق، وإنّما هو بحث ضروريّ كمقدّمة لفهم بحث التعريف.

 

137

                                       


102

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

ففي السؤال الأوّل يسأل عن مميّزات هذا الإنسان الشخصيّة، والجواب يكون ببيان الهويّة الشخصيّة، بأنّ هذا الموجود هو فلان ابن فلان، من مدينة كذا، من عائلة كذا و...

 

وأمّا في السؤال الثاني، فالسائل لا يسأل عن الهويّة الشخصيّة، وإنّما يسأل عن حقيقة هذا الموجود الّتي يتّفق بها مع غيره من الموجودات،لذلك لا بُدّ من أن يكون الجواب بتعيين تمام حقيقته بين الحقائق. فلو كان هذا الموجود إنساناً، فلا يصحّ أن تجيب السائل بأنّه هو زيد إبن فلان مثلاً، وإنّما الجواب الصحيح هو: إنسان، ويسمّى الجواب عن هذا السؤال:

"النوع"، وهو أوّل الكليّات الخمسة، وسيأتي قريباً تعريفه.

وقد يسأل السائل عن زيد وعمرو وخالد . . . ما هي.

وقد يسأل السائل عن زيد وعمرو وخالد وهذه الفرس وهذا الأسد ما هي.

 

فهل تجد فرقاً بين السؤالين؟

إذا تأمّلت فيهما، فستجد أنّ الأول سؤال عن حقيقة جزئيات متّفقة في الحقيقة ومختلفة في العدد، والثاني سؤال عن حقيقة جزئيات مختلفة بالحقيقة والعدد.

 

والجواب عن الأول بكمال الحقيقة المشتركة بينها، فتقول: "إنسان" وهو النوع المتقدّم ذكره.

 

وعن الثاني أيضاً بكمال الحقيقة المشتركة بينها، فتقول: "حيوان"، ويسمّى: "الجنس"، وهو ثاني الكليات الخمسة. وعليه يمكن تعريفهما بما يأتي:

1. النوع: "هو تمام الحقيقة المشتركة بين الجزئيات المتكثرة بالعدد فقط [الواقع] في جواب (ما هو؟)".

2. الجنس: "هو تمام الحقيقة المشتركة بين الجزئيات المتكثّرة بالحقيقة [الواقع] في جواب (ما هو؟)".

 

وإذا تكثّرت الجزئيات الحقيقة، فلا بدّ من أن تتكثر بالعدد قطعاً.

 

وقد يسأل السائل عن الإنسان والفرس والقرد . . . ما هي.

 

138

 


103

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

وقد يسأل السائل عن الإنسان فقط، ما هو.

 

لاحظ أنّ الكلّيات هي المسؤول عنها هذه المرّة. فماذا ترى ينبغي أن يكون الجواب عن كلّ من السؤالين؟

 

نقول: أمّا الأوّل ، فهو سؤال عن كلّيات مختلفة الحقائق، فيجاب عنه بتمام الحقيقة المشتركة بينها، وهو الجنس.

 

فتقول في المثال "حيوان". ومنه يُعرف أن الجنس يقع أيضاً جواباً عن السؤال بما هو عن الكلّيات المختلفة بالحقائق التي تكون أنواعاً له، كما يقع جواباً عن السؤال بما هو عن الجزئيات المختلفة بالحقائق.

 

وأما الثاني، فهو سؤال بما هو عن كلّي واحد. وحقّ الجواب الصحيح الكامل أن نقول في المثال: "حيوان ناطق"، فيتكفّل الجواب بتفصيل ماهية الكلّي المسؤول عنه، وتحليلها إلى تمام الحقيقة التي يشاركه فيها غيره، وإلى الخصوصية التي بها يمتاز عن مشاركاته في تلك الحقيقة. ويسمّى مجموع الجواب " الحدّ التامّ" كما سيأتي في محلّه. وتمام الحقيقة المشتركة التي هي الجزء الأول من الجواب هو: الجنس -وقد تقدّم-.

 

والخصوصية المميّزة التي هي الجزء الثاني من الجواب، هي: الفصل، وهو ثالث الكلّيات. ومن هذا يتّضح أن الفصل جزء من مفهوم الماهية، ولكنّه الجزء المختصّ بها الذي يميّزها عن جميع ما عداها، كما أنّ الجنس جزؤها المشترك الذي أيضاً يكون جزءاً للماهيات الأخرى.

 

ويبقى شيء ينبغي ذكره، وهو: أنّا كيف نسأل ليقع الفصل وحده جواباً؟ وبعبارة أوضح: إنّ الفصل وحده يقع في الجواب عن أيّ سؤال؟

 

نقول: يقع الفصل جواباً عمّا إذا سألنا عن خصوصية الماهية التي بها تمتاز عن أغيارها، بعد أن نعرف تمام الحقيقة المشتركة بينها وبين أغيارها.

 

فإذا رأينا شبحاً من بعيد، وعرفنا أنه حيوان، وجهلنا خصوصيته، فبطبيعتنا نسأل، فنقول: "أيّ حيوان هو في ذاته؟". ولو عرفنا أنّه جسم فقط لقلنا: "أيّ جسم هو

 

139

 


104

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

في ذاته؟". وإن شئت قلت بدل "في ذاته": "في جوهره أو حقيقته"، فإنّ المعنى واحد. والجواب عن الأوّل "ناطق" فقط، وهو فصل الإنسان، أو "صاهل"، وهو فصل الفرس، وعن الثاني "حساس" -مثلا-، وهو فصل الحيوان.

 

إذاً، يصحّ أن نقول: إنّ الفصل يقع في جواب "أيّ شيء"، وشيء كنايةٌ عن الجنس الذي عُرف قبل السؤال عن الفصل.

 

وعليه، يصحّ تعريف الفصل بما يأتي:

"هو جزء الماهية المختصّ بها، الواقع في جواب (أيّ شيء هو)".

ملاحظة: يشترك الجنس والفصل بأنّ كلّ واحد منهما هو جزء من الماهيّة.

 

ويفترق كلّ منهما عن الآخر بأنّ:

- الجنس هو جزء من الماهيّة المشترك بين سائر الماهيّات.

- الفصل هو جزء من الماهيّة المختصّ بها، والّذي يميّز بها عن غيرها من الماهيّات. لذلك نجد في تعبير بعض المناطقة والفلاسفة أنّ الجنس محصّل للماهيّة، والفصل مقسّم للماهيّة.

 

نتائج

إذا لاحظنا المسائل السابقة، نستنتج ما يلي:

أ. النوع: يتألّف من الجنس والفصل.

الإنسان (نوع): حيوان (جنس) ناطق (فصل).

 

ب. الجنس: هو الجزء العامّ لحقيقة النوع

الإنسان: حيوان (جنس) ناطق.

الفرس: حيوان (جنس) صاهل.

الأسد: حيوان (جنس) زائر

 

140

 


105

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

ج. الفصل هو الجزء الخاصّ لحقيقة النوع.

                                   مختص

- الإنسان (نوع)  ← ناطق (فصل)

                                  مختص

- الفرس (نوع) ←    صاهل (فصل)

                                 مختص

- الأسد (نوع    ← زائر (فصل).

 

تقسيم الجنس

ينقسم الجنس إلى ما يلي:

1. الجنس القريب، وهو: أقرب جنس إلى نوعه، مثل: (الحيوان) مضافاً إلى الإنسان.

2. الجنس البعيد، وهو: ما يقع بعد الجنس القريب، مثل: (الجسم الحي) مضافاً إلى الإنسان، فإنّه يقع بعد الحيوان (الإنسان  حيوان  جسم حي).

 

تقسيم الفصل

وينقسم الفصل إلى ما يلي:

1. الفصل القريب، وهو: أقرب فصل إلى نوعه، مثل: (الناطق) مضافاً إلى الإنسان.

2. الفصل البعيد، وهو: ما يقع بعد الفصل القريب، مثل: (الحسَّاس المتحرِّك بالإرادة) – الذي هو فصل لنوع الحيوان – مضافاً إلى الإنسان.

 

141

 


106

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

المفاهيم الرئيسة

1 - لا يهتمّ المنطق بالهويّة الشخصيّة، ولا بالبحث عن الجزئيّات.

 

2 - انصبّ البحث على حقيقة أيّ موجود نسأل عنه، والّتي هي مشتركة مع غيره من الموجودات، فلا بُدّ من أن يكون الجواب بتعيين تمام حقيقة بين الحقائق.

 

3 - النوع: هو تمام الحقيقة المشتركة بين الجزئيّات المتكثّرة بالعدد فقط الواقع في جواب ما هو.

 

4 - الجنس: هو تمام الحقيقة المشتركة بين الجزئيّات المتكثّرة بالحقيقة الواقع في جواب ما هو.

 

5 - الفصل: هو جزء الماهيّة المختصّ بها الواقع في جواب أيّ شيء هو في ذاته.

 

6 - إنّ كلاً من النوع والجنس والفصل يعتبر ذاتيّاً للماهيّة، لأنّ كلّ واحد من هذه الثلاثة يعتبر قواماً وأساساً وركناً في الماهيّة، ولا يمكن أن تتحقّق الماهيّة من دونه.

 

 

142


107

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

التمارين

 

1. رتّب الأجناس، والأنواع، والمصاديق في ما يأتي:

مثال: (الإنسان – الحيوان – الفرس – زيد – هذا الفرس).

 

أ. (الصلاة – العبادة - الصوم – صلاة الصبح – الحجّ – صوم يوم عرفة – هذا الحجّ).

 

ب. (الاسم – اللفظة المفردة - ضربَ – الأداة – شجرة – الكلمة – في).

 

 

2. رتّب ما يأتي من الجنس البعيد نزولاً إلى النوع:

 

مثال: (الحيوان – الجسم النامي – الإنسان – الجسم).

 

الجواب: الجسم ¬ الجسم النامي ¬ الحيوان ¬ الإنسان.

 

أ. (النعناع – النبات – الجسم النامي – الجسم).

الجواب: ................................................................................

 

ب. (اللون – الصفة – البياض – الصفة المحسوسة).

الجواب: ................................................................................

 

143

 


108

الدرس الثالث عشر: الكلّيّات الخمسة (1)

ت. (العبادة – التيمّم – الطهارة – الدين).

الجواب: ................................................................................

 

 

أسئلة حول الدرس

 

1. عرّف كلّ واحد من أقسام الذاتيّ، وأعطِ مثالاً.

2. بماذا يُسأل لمعرفة كلٍّ من النوع والجنس والفصل؟ أوضِح بمثال.

3. بيّن أقسام الجنس والفصل، وأعطِ أمثلة.

 

144


109

الدرس الرابع عشر: الكلّيّات الخمسة (2)

الدرس الرابع عشر

الكلّيّات الخمسة (2)

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يميّز بين الذاتيّ والعرَضيّ.

2. يفرّق بين الخاصّة والعرض العامّ.

3. يميّز بين التنويع والتصنيف.

 

145

 


110

الدرس الرابع عشر: الكلّيّات الخمسة (2)

تمهيد

إنّ الكليات الثلاثة في الدرس الماضي كانت من أقسام الذاتيّ، وقد حان دور الحديث عن العرَضيّ، حيث عندما نعجز عن الوصول إلى الذاتيات للتعرف الدقيق، ننتقل إلى التعريف بالعرَضيات، وما أكثر التعريف بها، لعدم معرفة ذاتيات الأشياء.

 

الذاتيّ والعرَضيّ

للذاتيّ والعرضيّ اصطلاحات في المنطق تختلف معانيها، ولا يهمّنا الآن التعرّض إلّا لاصطلاحهم في هذا الباب، وهو الذي يسمّونه بـ‍ "كتاب إيساغوجي"، أي "كتاب الكليات الخمسة" حسب وضع مؤسس المنطق "الحكيم أرسطو". وكان علينا أن نتعرّض لهذا الاصطلاح في أوّل بحث الكليات الخمسة، لولا أنّا أردنا إيضاح المعنى المقصود منه بتقديم شرح الكليات الثلاثة المتقدمة.

 

1. الذاتيّ:

هو المحمول الذي تتقوّم ذات الموضوع به، غير خارج عنها، ونعني بـ‍ "ما تتقوّم ذات الموضوع به" أنّ ماهية الموضوع لا تتحقّق إلّا به، فهو قوامها، سواء أكان هو الماهية نفسها، كالإنسان المحمول على زيد وعمرو، أم كان جزءاً منها كالحيوان المحمول على الإنسان، أو الناطق المحمول عليه، فإنّ الماهية نفسها أو جزءها تسمّى ذاتياً.

 

وعليه، فالذاتيّ يعمّ النوع والجنس والفصل، لأنّ النوع هو الماهية نفسها الداخلة في ذات الأفراد، والجنس والفصل جزآن داخلان في ذاتها.

 

147

 


111

الدرس الرابع عشر: الكلّيّات الخمسة (2)

2. العرضيّ:

هو المحمول الخارج عن ذات الموضوع، لاحقاً له بعد تقوّمه بجميع ذاتياته، كالضاحك اللاحق للإنسان، والماشي اللاحق للحيوان.

 

العرضيُّ قسمان، هما:

الخاصّة: وهو الكلّيّ الخارج المحمول الخاصّ بموضوعه.

 

لأنّ العرضيّ هو خارج عن ذات الموضوع، ومحمول على الموضوع، فإذا كان مختصّاً بالموضوع ولا يُحمل على غيره، سُمّي خاصّة. مثاله:

الضاحك، فإنّه يُحمل على الإنسان بعد تقوّم ذات الإنسان بالحيوانيّة والناطقيّة، لذلك كان الضاحك خارجاً عن الذات، لكن في الوقت نفسه نلاحظ أن هذا الكلّي خاصّ بموضوعه، فلا يُحمل الضاحك على الفرس ولا على الأسد، وإنّما هو مختصّ بالإنسان، ففي الوقت نفسه الّذي هو عرَض، نلاحظ أنّه مختصّ، فلذلك سمّي بالعرضيّ المختصّ، أو بالخاصّة.

 

العرض العامّ: وهو الكلّي الخارج المحمول على موضوعه وعلى غيره.

 

فهو لا يفترق عن الخاصّة إلّا في مسألة واحدة، وهي أنّه غير مختصّ بموضوعه، بل يعمّ موضوعه وغيره، أيّ يُحمل ويُعرض على موضوعه وعلى غيره، كالماشي، فإنّه يُحمل على الإنسان، لكنه غير مختصّ به، بل يُحمل أيضاً على الفرس وعلى الأسد...

 

تنبيهات

1. قد يكون الشيء الواحد خاصّة بالقياس إلى موضوع، وعرضاً عامّاً بالقياس إلى آخر، كـ "الماشي"، فإنّه خاصّة للحيوان، وعرض عامّ للإنسان.

 

2. قد يكون الشيء الواحد عرضياً بالقياس إلى موضوع، وذاتياً بالقياس إلى آخر، كـ‍ "الملوَّن"، فإنّه خاصّة الجسم، مع أنّه جنس للأبيض والأسود ونحوهما.

 

3. كلٌّ مِن الخاصّة والفصل قد يكون مفرداً، وقد يكون مركّباً.

 

مثال المفرد منهما "الضاحك" و"الناطق".

 

ومثال المركب من الخاصّة قولُنا للإنسان: "منتصب القامة بادي البشرة"، ومثال المركّب من الفصل قولُنا للحيوان: "حسّاس متحرّك بالإرادة".

 

148


112

الدرس الرابع عشر: الكلّيّات الخمسة (2)

الصنف

تقدّم أنّ الفصل يقوّم النوع ويميزّه عن أنواع جنسه، أي يقسّم ذلك الجنس، أو فقل: ينوّع الجنس. أمّا الخاصّة فإنّها لا تقوّم الكلّي الذي تختصّ به قطعاً، إلّا أنّها تميّزه عن غيره، أي أنّها تقسّم ما فوق ذلك الكلّي، فهي كالفصل من هذه الناحية في كونها تقسّم الجنس.

 

وتزيد عليه بأنّها تقسّم العرض العامّ أيضاً، كـ‍ "الموجود لا في موضوع"، الذي يقسّم "الموجود" إلى جوهر وغير جوهر.

 

وتزيد عليه أيضاً بأنّها تقسّم كذلك النوع، وذلك عندما تختصّ ببعض أفراد النوع كما تقدّم، كالشاعر المقسّم للإنسان. وهذا التقسيم للنوع يسمّى في اصطلاح المنطقيين تصنيفاً، وكلّ قسم من النوع يسمّى صنفاً.

 

فالصنف: "كلّ كلّيّ أخصّ من النوع، ويشترك مع باقي أصناف النوع في تمام حقيقتها، ويمتاز عنها بأمر عارض خارج عن الحقيقة".

 

والتصنيف كالتنويع ، إلّا أنّ التنويع للجنس باعتبار الفصول الداخلة في حقيقة الأقسام، والتصنيف للنوع باعتبار الخواص الخارجة عن حقيقة الأقسام، كتصنيف الإنسان إلى شرقيّ وغربيّ، وإلى عالِم وجاهل، وإلى ذكر وأنثى إلى ما شاء الله من التقسيمات للأنواع باعتبار أمور عارضة خارجة عن حقيقتها.

 

149

 


113

الدرس الرابع عشر: الكلّيّات الخمسة (2)

المفاهيم الرئيسة

1. الكلّي يقسَّم إلى ذاتيّ وعرضيّ.

- والذاتيّ يقسّم إلى: نوع وجنس وفصل.

- والعرضي يقسّم إلى: خاصّة وعرض عامّ.

 

فالكلّيّات الّتي يتمّ التعريف بها خمس.

 

2. عندما نسأل عن أشياء ونطلب تعريفها، فإذا كان الجواب بأمور من قوام الذّات (النوع أو الجنس أو الفصل) كان الجواب إذاً بالذاتيات، لكن أحياناً نجد الجواب بأمور خارجة عن الذات، لكنّها تعرض عليها، وتُحمل عليها بعد أن تتمّ وتتحقّق الذات، فهذا النوع من الجواب يسمّى بالعرضيّات.

 

3. العرضيّ هو المحمول الخارج عن ذات الموضوع، لاحقاً له بعد تقوّمه بجميع ذاتياته. وينقسم العرضيّ إلى قسمَين هما:

أ. الخاصّة: وهو الكلّي الخارج المحمول الخاصّ بموضوعه.

 

ب. العرض العامّ: وهو الكلّي الخارج المحمول على موضوعه وعلى غيره.

 

4. العرض العامّ لا يفترق عن الخاصّة إلّا في مسألة واحدة، وهي أنّه غير مختصّ بموضوعه، بل يعمّ موضوعه وغيره، أيّ يُحمل ويُعرض على موضوعه وعلى غيره.

 

5. قد يكون الشيء عرضيّاً عامّاً لموضوع، لكنّه عرض خاصّ لموضوع آخر.

 

6. الصنف هو أخصّ الخاصّة، فهو كلّيّ خارج محمول مختصّ بالموضوع، لكن لا بكلّ أفراد الموضوع، بل بجزء أو بقسم منه.

 

150

 


114

الدرس الرابع عشر: الكلّيّات الخمسة (2)

تمارين

 

1. ميّز الخاصّة من العرض العامّ فيما يأتي:

مثال: المشي للإنسان: المشي عرض عامّ.

أ. التدّين للإنسان:

ب. الشهوة للإنسان:

ج. العطش للنبات:

د. حسن الخلق للإنسان:

هـ. الحرارة للنار:

 

2. ميّز بين الذاتيّ والعرضيّ، مع ترتيب الأجناس والفصول من القريب إلى البعيد فيما يأتي:

أ. (الإنسان- جسم نامٍ- حسّاس- حيوان - متحرّك بالإرادة- ناطق).

مع ملاحظة أن تعريف الإنسان: "حيوان ناطق"

 

ب. (الخمر- جسم مائع- مضرّ بالصحة- سالب للعقل- مسكر- محرّم شرعاً- شراب).

مع ملاحظة أن تعريف الخمر: "شراب مسكر".

 

151

 


115

الدرس الرابع عشر: الكلّيّات الخمسة (2)

 

أسئلة حول الدرس

 

1. عرّف كلّ واحد من أقسام العرضيّ، وأعطِ مثالاً.

2. هل تكون الذكر والأنثى نوعَين للإنسان؟

3. هل يمكن أن يكون شيء واحد خاصّة وعرضاً عاماً؟

 

 

152


116

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

الدرس الخامس عشر

الحمل وأنواعه

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يعرف معنى الحمل بنحو مبسَّط.

2. يستخرج عناصر الحمل من مثال معيّن.

3. يميّز بين قسمَي الحمل بالمثال، شارحاً السبب.

 

153

 


117

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

تمهيد

وصفنا كلّاً من الكلّيات الخمسة بالمحمول، وأشرنا إلى أنّ الكلّيّ المحمول ينقسم إلى الذاتيّ والعرضيّ، وهذا أمر يحتاج إلى التوضيح والبيان.

 

معنى الحمل

الحمل هو "نسبة شيء إلى شيء آخر".

 

ففي قولنا: "زيد قائم".

 

نسبنا صفة القيام إلى زيد، وحكمنا عليه باتّصافه بصفة القيام.

 

ومن الواضح أنّ الوصف (قائم) يتّحد مع الذات (زيد)، لأنّ اتّصاف شيء بشيء آخر لا يتمّ إلا إذا حصل الاتّحاد بينهما. ولا يمكن أن يوجد الوصف (قائم) في الخارج بنفسه، بل لا بدّ من أن يتّحد مع الذات، وإن كان ليس من حقيقتها، بل أمراً خارجاً عنها، كما تقدّم في بحث (العرضيّ).

 

نلاحظ ممّا تقدّم أنّ الحمل في مثال: (زيد قائم)، أفاد:

أولاً: اتّصاف (زيد) بـ وصف (قائم).

ثانياً: الاتّحاد بين الموصوف (زيد) والوصف (قائم).

 

لذلك يمكن أن يقال إنّ المراد من حمل شيء على شيء هو: "الاتّحاد بينهما بنحوٍ ما".

 

ففي مثال: (زيد قائم)، حملنا صفة القيام على زيد، ومعنى الحمل هو الاتّحاد بين صفة القيام وزيد.

 

وفي مثال: الإنسان حيوان ناطق، حملنا الحيوان الناطق على الإنسان، ومعناه الاتّحاد بين مفهوم الإنسانية ومفهوم الحيوانية الناطقة.

 

 

155

 


118

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

عناصر الحمل

تبيّن ممّا سبق أنّ الحمل يتقوّم بثلاثة عناصر:

1- الموضوع: وهو المحكوم عليه والمحمول عليه، ويعبَّر عنه بالموضوع، لأنّه موضع الحمل، أي مكانه ومحلّه.

 

2- المحمول: وهو المحكوم به، ويعبّر عنه بالمحمول، لأنّه حُمل على شيء آخر، أي نُسب وأُسند إلى شيء آخر.

 

3- الحمل: وهو الاتّحاد بين المحكوم عليه والمحكوم به، أي النسبة نفسها بين الموضوع والمحمول، فالنسبة بين الموضوع والمحمول هي الاتّحاد.

- ففي مثال: زيد قائم.

الموضوع: زيد (ذات)

المحمول: قائم (وصف).

الحمل: الاتّحاد بين ذات (زيد) ووصف (قائم).

- وفي مثال: الإنسان حيوان ناطق.

الموضوع: مفهوم الإنسان.

المحمول: مفهوم الحيوان الناطق.

الحمل: الاتّحاد بين مفهوم الإنسان ومفهوم الحيوان الناطق، أي أنّ معناهما واحد.

 

شروط صحّة الحمل

يشترط - لكي يقع الحمل صحيحاً - الشرطان الآتيان:

1- الاتّحاد بين الموضوع والمحمول من جهة.

2- التغاير بينهما من جهة أخرى.

لذلك لا يصحّ الحمل بين المفهومَين المتباينَين مثل (الحيوان) و(الحجر)، فلا يصحّ أن يقال: "الحيوان حجر".

 

 

 

156

 


119

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

أنحاء الاتّحاد والتغاير

إنّ الاتّحاد والتغاير بين الموضوع والمحمول يمكن أن يُتصوّر على نحوَين:

1- الاتّحاد المفهوميّ والتغاير الاعتباريّ[1]:

ويقصد به أنّ مفهوم الموضوع هو بعينه مفهومُ المحمول، أي أنّ الموضوع والمحمول معناهما واحد، والتغاير بينهما يكون من جهة من الجهات.

مثل: الإنسان حيوان ناطق

فإنّ مفهوم (الإنسان) ومفهوم (حيوان ناطق) واحد (جهة الاتّحاد)، إلّا أنّ التغاير بينهما بالإجمال[2] والتفصيل، مفهوم (الإنسان) مجمل، ومفهوم (حيوان ناطق) مفصّل.

 

وهذا النوع من الحمل يسمّى بـ(الحمل الذاتيّ الأوّليّ)[3].

 

2- الاتّحاد المصداقيّ والتغاير الحقيقيّ:

أي أنّ الاتّحاد في المصداق، والمغايرة بحسب المفهوم، مثل: الإنسان ضاحك.

 

فإنّ مفهوم (الإنسان) غير مفهوم (ضاحك)، ولكن كلّ ما صدق عليه (إنسان) صدق عليه (الضاحك)،

فيصحّ القول: زيد إنسان    أحمد إنسان

                زيد ضاحك  أحمد ضاحك

 

وهذا النوع من الحمل يسمّى الحمل الشائع الصناعيّ[4].

 


[1] المراد بالتغاير الاعتباري أنّه ليس تغايراً بين الحقيقتين، ولكنّنا اعتبرناه تغايراً في جهة ما.

[2] الإجمال هو عدم التفصيل.

[3] سمّي (ذاتياً) لأنّ مفهوم الموضوع هو ذات مفهوم المحمول نفسه.

وسمّي (أوّلياً) لأنه يرتبط بذات الشيء وحقيقته، فكأنه يشرح حقيقة الشيء ويوضحها، كما في مثال الإنسان حيوان ناطق، والمرحلة الأولى أن نعرف حقيقة الشيء قبل أن نعرف سائر الأوصاف المتعلّقة بحقيقته.

[4] سمّي بالحمل الشائع الصناعي لأنّه هو الحمل الذي شاع وانتشر استعماله بين العلماء (المنطق، الفلسفة، النحو...) في صناعة العلوم.

مثل قول النّحاة: "الفعل لا يُخبَر عنه". فمفهوم الفعل اسم يمكن الإخبار عنه، لذا يصحّ أن نقول، الفعل مرفوع (مثلاً)، فمرفوع هي خبر للمبتدأ (الفعل)، وإنّما الذي لا يصحّ الإخبار عنه هي مصاديق وأفراد (الفعل)، مثل (ضرب – أكل...)، فلا يصحّ أن نقول مثلاً: "أكل مبنيّ" قاصدين الإخبار عن الفعل (أكل). لذلك يقال: الفعل لا يُخبر عنه بالحمل الشائع الصناعيّ، أي لا يصحّ الإخبار عن أفراد مفهوم (الفعل) ومصاديقه. ففي الحمل الشائع الصناعيّ لا أنظر إلى مفهوم الموضوع نفسه بما هو مفهوم، وإنّما أنظر إلى الموضوع بما هو حاكٍ عن أفراده. ففي المثال السابق: الفعل لا يُخبر عنه، حملنا مفهوم (لا يخبر عنه) على مفهوم (الفعل)، ولكن نظرنا ليس إلى مفهوم (الفعل) نفسه، وإنّما نظرنا إلى أفراد مفهوم (الفعل) ومصاديقه، فنحن ننظر إلى (أكل، شرب، ضرب...) وتكون هي المقصودة بقولنا: "لا يخبر عنه".

 

157


120

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

· تبيّن لنا أنّ الحمل - بحسب الاتّحاد بين الموضوع والمحمول والتغاير بينهما - ينقسم إلى قسمَين:

1. الحمل الذاتيّ الأوّليّ: وهو ما كان الاتّحاد فيه بين الموضوع والمحمول في (المفهوم) والتغاير في (الاعتبار)، مثل: الإنسان حيوان ناطق (رقم 1) في العنوان السابق.

 

2. الحمل الشائع الصناعيّ: وهو ما كان الاتّحاد فيه بين الموضوع والمحمول في (المصداق) والتغاير في (المفهوم)، مثل: الإنسان ضاحك (رقم 2).

 

تنبيهات

1. الحمل الذي يستسيغه طبع الناس هو حمل الأعمّ مفهوماً على الأخصّ.

مثل: الإنسان حيوان. فالحيوان أعمّ من الإنسان (ويسمّى بالحمل الطبيعيّ).

- أمّا حمل الأخصّ على الأعمّ فيأباه الطبع ولا يستسيغه.

مثل: الحيوان إنسان (ويسمّى بالحمل الوضعيّ).

 

2. كل محمول هو كلّي حقيقيّ (الكليّات الخمس)، لأنّ الجزئيّ الحقيقيّ لا يُحمل على غيره، فلا يقال: الإنسان محمّد.

3. يصحّ الحمل إذا كان المحمول وصفاً للذات، مثل: الإنسان ضاحك، فإنّ الضاحك وصف للإنسان (ويسمّى حمل مواطاة)[1].

 

- أمّا الوصف المجرّد عن الذات، مثل (الضحك)، فلا يصحّ حمله على الذات.

فلا يصحّ أن نقول: الإنسان ضحك، وإن كان الضحك من خصوصيّات الإنسان.

 

ويصحّ حمله بإضافة لفظ إلى المحمول يعبِّر عن الاختصاص، مثل (ذو) بمعنى صاحب، فيصحّ أن يقال: الإنسان ذو ضحك (ويسمّى حمل اشتقاق)[2].

 


 


[1] المواطاة: الموافقة، من التواطؤ، أي الاتّفاق، أي يوجد بينهما توافق لا تنافر.

[2] سمّي حمل اشتقاق، لأنّه لا يصحّ حمله بنفسه، بل يصحّ حمل ما اشتُق منه، مثل (ضاحك) المشتق من مصدر الضحك، فيُحمل (الضحك) على الذات بواسطة الاشتقاق.

 

158


121

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

المفاهيم الرئيسة

 

1. المراد من حمل شيء على شيء هو: "الاتّحاد بينهما بنحو ما".

 

2. يتقوّم الحمل بثلاثة عناصر: الموضوع، المحمول، الحمل.

 

3. يشترط لكي يقع الحمل صحيحاً، الشرطان الآتيان:

أ. الاتّحاد بين الموضوع والمحمول من جهة.

ب. التغاير بينهما من جهة أخرى.

 

4. ينقسم الحمل - بحسب الاتّحاد بين الموضوع والمحمول والتغاير بينهما - إلى قسمين:

أ. الحمل الذاتيّ الأوّليّ: وهو ما كان الاتّحاد فيه بين الموضوع والمحمول في (المفهوم) والتغاير في (الاعتبار)، مثل: الإنسان حيوان ناطق.

 

ب. الحمل الشائع الصناعيّ: وهو ما كان الاتّحاد فيه بين الموضوع والمحمول في (المصداق) والتغاير في (المفهوم)، مثل: الإنسان ضاحك.

 

159


122

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

تمارين

 

 

اختر الإجابة الصحيحة:

1. حمل شيء على شيء هو:

أ. الاتّحاد بينهما.

ب. التغاير بينهما

ج. الاتّحاد من جهة والتغاير من جهة

 

2. الاتّحاد المفهوميّ والتغاير الاعتباريّ معناه:

أ. الاتّحاد في المصداق والتغاير في المفهوم

ب. الاتّحاد في المفهوم والتغاير في المصداق

ج. الاتّحاد في المفهوم والمصداق، والتغاير في الإجمال والتفصيل

 

3. التغاير الحقيقيّ معناه:

أ. التغاير في المفهوم

ب. التغاير في المصداق

ج. التغاير في الإجمال والتفصيل

 

4. ينقسم الحمل إلى:

أ. ذاتيّ أوّليّ وذاتيّ صناعي

ب. شايع أوّليّ وذاتيّ صناعيّ

ج. ذاتيّ أوّليّ وشايع صناعيّ

 

 

160


123

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

1- صِلْ بين عناصر الحمل ومعانيها:

 

عناصر الحمل                           المعنى

 

المحمول   •                             • المحكوم به

الموضوع  •                             • الحُكم

الحمل      •                             • المحكوم عليه

 

 

161


124

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

3. احمل المفاهيم في الأمثلة الآتية بعضها على بعض حملاً صحيحاً:

أ. حيوان – إنسان: ..................................................................................

ب. حيوان – إنسان – ناطق: ........................................................................

ج. حيوان – زيد – ناطق: ...........................................................................

د. إنسان – ماشٍ: ...................................................................................

د. إنسان – المشي: ..................................................................................

هـ. إنسان – المشي – حيوان: .........................................................................

 

162


125

الدرس الخامس عشر: الحمل وأنواعه

6. هل يصحّ الحمل في الأمثلة الآتية:

أ. زيد أسد: ....................................................................................

ب. قائم زيد: ...................................................................................

ج. مات عمرو: .................................................................................

د. ما أحسن زيداً: ...............................................................................

هـ. الحيوان أسد: .................................................................................

 

1. في حال صحّ الحمل بين الموضوع والمحمول.

 

2. في حال لم يصحّ الحمل، أُذكر السبب.

 

أسئلة حول الدرس:

 

1- ما الفرق بين الحمل الذاتيّ الأوّليّ والحمل الشائع الصناعيّ؟ أُذكر مثالاً.

 

2- بيّن أنحاء الاتّحاد والاختلاف بين الموضوع والمحول، موضحاً بالمثال.

 

3- اشرح المصطلحات الآتية، موضحاً بالمثال:

أ. الاتّحاد الحقيقيّ: .................................................................................

ب. الاتّحاد المصداقيّ: ..............................................................................

ج. التغاير الاعتباريّ: ...............................................................................

 

163


126

الدرس السادس عشر: أدوات التعريف

الدرس السادس عشر:

أدوات التعريف

 

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يميّز بين التعريف اللفظيّ والاسميّ.

2. يتعرّف إلى فروع المطالب.

3. يميّز بين هل البسيطة وهل المركّبة.

 

165

 


127

الدرس السادس عشر: أدوات التعريف

تمهيد

ما تقدّم قبل بحث التعريف كان مقدّمة له، لأنّ بحث التعريف هو البحث الأوّل من موضوع المنطق، وهو يعني تحويل المجهول التصوّريّ إلى معلوم تصوّريّ. وكنّا من خلال الجواب عن السؤال نحدّد هل هو ذاتيّ أم عرضيّ، وأيّ نوع من الذاتيّ هو، وأيّ نوع من العرضيّ.

 

والآن نريد أن نتعرض لكيفيّة السؤال، لا إلى الجواب، وبتعبير آخر: كيف نسأل حتّى نحصل على التعريف الصحيح؟ فهناك أدوات نسأل بها لا يمكن الاستغناء عنها بذكر غيرها، تسمّى بأصول المطالب، وهناك أدوات يمكن الاستغناء عنها بذكر غيرها، تسمّى فروع المطالب. نبدأ بذكر الأدوات الأصول بحسب الترتيب العلميّ:

1. التعريف اللفظي

عندما ترد كلمة نحو "غضنفر" ولا تفهم معناها، فإنّك سوف تسأل عن معنى هذه الكلمة، أو ترجع إلى القاموس لتجد معناها بأنّها "الأسد"، عندها يتحقّق "التعريف اللفظيّ"، وهو تبديل لفظ بلفظ، لفظ غير واضح بلفظ واضح المعنى، وهذا النحو من التعريف تتكفّل به قواميس اللغات، فهو خارج عن البحث المنطقيّ.

 

2. التعريف الاسميّ الحقيقيّ

وعندما يظهر المعنى، تلجأ نفس الإنسان إلى الاسم لتتعرّف إليه أكثر وأكثر، فتسأل ما هو؟ ويُطلب بـ"ما" في السؤال هذا أن تَشرح لنا الاسم وتفصيله، وبيان ماهيته وحقيقته، لذلك تُسمّى "ما" هذه بالشارحة.

 

 

167

 


128

الدرس السادس عشر: أدوات التعريف

وأمّا الجواب فيأتي بالجنس والفصل، أو بالفصل وحده، أو بالخاصّة وحدها. ويأتي تفصيل ذلك، فيقال – مثلاً - ما هو الإنسان؟ والجواب يكون: حيوان ناطق، أو ناطق، أو ضاحك.

 

3. "أيّ" لتحديد الفصل أو الخاصّة

لو سأل شخص: ما النخلة؟ فإنّ (ما) هذه هي "ما" الشارحة، فإذا كان الجواب: شجرة، فإنّ هذا الجواب قد حدّد جنس النخلة وأنّها نوع من أنواع الشجر. لكنّ السائل قد لا يقنع بهذا الجواب، بل يبقى بحاجة إلى أن يميّز نوع هذه النخلة عن سائر الأنواع، فهو يريد أن يسأل سؤالاً آخر ليميّز النخلة عن غيرها، هنا نسأل بـ "أيّ"، فيقول: أيّ شجرة هي في ذاتها؟ أو أيّ شجرة هي في خاصّتها؟ وجواب الأوّل بالفصل: مثمرة التمر، وجواب الثاني بالخاصّة: ذات السعف. إذاً، لكي نحصّل الفصل أو الخاصّة علينا أن نسأل بـ "أيّ".

 

4. هل البسيطة

ونسأل بها لنصدق بوجود الشيء المسؤول عنه، فحقّ النفس بعد أن فهمت المعنى وميّزته عن غيره أن تسأل هل هو موجود؟ لذلك تسمّى "هل" هذه بالبسيطة، لأنّها لا تريد إلّا جواباً واحداً، وهو (نعم موجود) أو (لا غير موجود)، فهي تسأل عن الوجود فقط، فعن الإنسان يأتي الجواب: نعم موجود، وعن الغول مثلاً يأتي الجواب: لا غير موجود.

 

5. ما الحقيقيّة

الجواب نفسه عن ما الشارحة، لذلك لا تختلف عنها إلّا في جهة واحدة فقط وهي العلم بالوجود وعدمه، فإذا لم نكن نعلم بوجود الشيء وسأل بـ: "ما"، كانت هذه شارحة، وإذا كنّا نعلم بوجوده وسألنا بـ: "ما"، كانت الحقيقيّة، وسمّيت حقيقيّة، لأنّها تسأل عن حقيقة ثابتة وموجودة ومتحقّقة.

 

مثلاً، السؤال عن الإنسان الّذي نعلم بأنّه موجود ومتحقّق ما هو؟ فـ"ما" هذه حقيقيّة، والجواب: حيوان ناطق.

 

ولكن لو سألنا عن الأسد ـ ولا نعلم أنّه موجود أم لا ـ بما هو؟ فما هذه الشارحة، والجواب: حيوان مفترس، أو ملك الغابة مثلاً. وإذا سألنا بهل البسيطة هل هو موجود؟ وكان الجواب نعم، ثمّ سألنا ما هو الأسد؟ كانت ما هذه الحقيقيّة، والجواب: حيوان مفترس، أو ملك الغابة مثلاً.

 

168

 


129

الدرس السادس عشر: أدوات التعريف

6. هل المركّبة

هل هذه نسأل بها لأجل التصديق بثبوت صفةٍ ما أو حالٍ ما للشيء الموجود، فعندما نعلم بوجود النار مثلاً، نسأل هل هذه النار كبيرة؟ أو هل هي محرقة؟ لذلك يعبَّر عن هل المركّبة بأنّها نسأل بها عن ثبوت شيء لشيء، بينما هل البسيطة السابقة الذكر كنّا نسأل بها عن ثبوت الشيء وتحقّقه.

 

7. لِمَ؟ وطلب العلّة

"لِمَ" الاستفهاميّة يُسأل بها عن العلّة، علّة الحكم أو علّة الحكم والوجود، فنسأل مثلاً: لِمَ كان الله مريداً؟ لِمَ كان المغناطيس جاذباً للحديد؟

 

تلخيص وتعقيب

تبيّن ممّا تقدّم أنّ:

1. (ما) تستعمل شارحة، وتستعمل حقيقيّة، لأجل معرفة ماهيّة الشيء وحقيقته.

2. (أيّ) تستعمل لتمييز الأنواع، والجواب يكون بالفصل أو بالخاصّة.

3. (هل) تنقسم إلى بسيطة وإلى مركّبة.

4. (لِمَ) يُطلب بها علّة الحكم أو علّة الوجود والحكم معاً.

 

وهذه الأدوات تسمّى أصول المطالب، لأنّه لا يُستغنى عنها ـ كلّها أو بعضها ـ في معرفة الأشياء وفي جميع العلوم. ويُسأل بها أيضاً عن أمور كلّيّة لا جزئيّة.

 

فروع المطالب

هناك أدوات أخرى يمكن أن يُستغنى عنها، وتُستبدل بالأدوات الأصول السابقة، لذلك سمّيت فروع المطالب. ونسأل بها أيضاً عن أمور جزئيّة، نحو: كيف، أين، متى، كم، مَن...

 

فعلى سبيل المثال: كيف هو لون ورق الكتاب؟ أين هو؟ متى طُبع؟…

 

نستبدل هذه الأسئلة بـ: هل لون ورق الكتاب أبيض؟ هل هو في المكتبة؟ هل طُبع هذا العام؟ وهكذا... لذلك كانت هذه الأدوات فروع المطالب. وأمّا الأصول فلا يُستغنى عنها أبداً.

 

169


130

الدرس السادس عشر: أدوات التعريف

المفاهيم الرئيسة

 

بحث التعريف هو البحث الأوّل من موضوع المنطق، وهو يعني تحويل المجهول التصوّريّ إلى معلوم تصوّريّ.

 

هنا نريد أن نتعرض لكيفيّة السؤال، لا إلى جواب، أي كيف نسأل حتّى نحصل على التعريف الصحيح.

 

فهناك أدوات نسأل بها لا يمكن الاستغناء عنها بذكر غيرها، وتسمّى بأصول المطالب.

 

وهناك أدوات يمكن الاستغناء عنها بذكر غيرها، وتسمّى فروع المطالب.

 

وأصول المطالب هي:

1. التعريف اللفظيّ: وهو تبديل لفظ بلفظ، لفظ غير واضح بلفظ واضح المعنى.

 

2. التعريف الاسميّ: ويُطلب بـ"ما" في السؤال هذا أن تشرح لنا الاسم وتفصيله، وبيان ماهيته وحقيقته، لذلك تُسمى "ما" هذه بالشارحة، والجواب يأتي بالجنس والفصل، أو بالفصل وحده، أو بالخاصّة وحدها.

فـ "ما" تُستعمل شارحة، وتُستعمل حقيقيّة، لأجل معرفة ماهيّة الشيء وحقيقته، والجواب عن ما الحقيقية هو الجواب نفسه عن ما الشارحة، لذلك لا تختلف عنها إلّا في جهة واحدة فقط، وهي العلم بالوجود وعدمه.

 

3. "أيّ": لتحديد الفصل أو الخاصّة، فتستعمل لتمييز الأنواع، والجواب يكون بالفصل أو بالخاصّة.

 

4. تنقسم "هل" إلى بسيطة وإلى مركّبة.

فهل البسيطة نسأل بها لنصدّق بوجود الشيء المسؤول عنه، وهل المركبة للسؤال عن ثبوت شيء لشيء.

 

5. "لِمَ": يُطلب بها علّة الحكم أو علّة الوجود والحكم معاً.

وهذه الأدوات تسمّى أصول المطالب، لأنّه لا يُستغنى عنها - كلّها أو بعضها - في معرفة الأشياء وفي جميع العلوم. ويُسأل بها أيضاً عن أمور كلّيّة لا جزئيّة.

أما فروع المطالب التي هي أدوات فيمكن أن يُستغنى عنها، وتستبدل بالأدوات الأصول السابقة، ونسأل بها أيضاً عن أمور جزئيّة، فهي نحو: كيف، أين، متى، كم، مَن...

 

170

 


131

الدرس السادس عشر: أدوات التعريف

التمارين

1. ما الفائدة المرجوّة من التعريف؟

.........................................................................
.........................................................................

 

2. ما الفرق بين ما الشارحة وما الحقيقيّة؟

.........................................................................
.........................................................................

 

3. ما الفرق بين هل البسيطة وهل المركّبة؟

.........................................................................
.........................................................................

 

4. إذا أردنا معرفة الفصل أو الخاصّة لتمييز النوع بعد تحديد جنسه، فأيّ أداة نستعمل؟

.........................................................................
.........................................................................

 

5. حدّد ما يُراد معرفته من خلال طبيعة الأسئلة الآتية:

- هل العنقاء موجودة؟ ......................................................................

- هل الله مشخَّص؟ .........................................................................

- لِم كانت النار محرقة؟ .......................................................................

- أيّ حيوانٍ هو في ذاته؟ .....................................................................

 

6. أعطِ مثالاً لكلٍ من الأدوات الآتية (أيّ، لِم، هل المركّبة).

.........................................................................

 

 

171


132

الدرس السابع عشر: التعريف وأقسامه

الدرس السابع عشر:

التعريف وأقسامه

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يدرك الحاجة إلى مبحث التعريف وأقسامه.

2. يميّز بين الحدود والرسوم.

3. يعرّف مفهوماً بمختلف أقسام التعريف.

 

172


133

الدرس السابع عشر: التعريف وأقسامه

تمهيد

كثيراً ما تقع المنازعات في المسائل العلمية وغيرها، حتى السياسية منها،وذلك لأجل الإجمال في مفاهيم الألفاظ التي يستعملونها، فيضطرب حبل التفاهم، لعدم اتّفاق المتنازعين على حدود معنى اللفظ، فيذهب كلّ فرد منهم إلى ما يختلج في خاطره من المعنى. وقد لا تكون لأحدهم صورة واضحة للمعنى مرسومة بالضبط في لوحة ذهنه، فيقنع ـ لتساهله أو لقصور مداركه ـ بالصورة المطموسة المضطربة، ويبني عليها منطقه.

 

وقد يتبع الجدليون والساسة ـ عن عمد وحيلة ـ ألفاظاً خلّابة غير محدودة المعنى بحدود واضحة، يستغلّون جمالها وإبهامها للتأثير على الجمهور، وليتركوا كلّ واحد يفكر فيها بما شاءت له خواطره الخاطئة أو الصحيحة، فيبقى معنى الكلمة بين أفكار الناس كالبحر المضطرب، ولهذا تأثير سحريّ عجيب في الأفكار.

 

ومن هذه الألفاظ كلمة "الحرية" التي أخذت مفعولها من الثورة الفرنسية وأحداث الانقلابات الجبّارة في الدولة العثمانية والفارسية، والتأثيرُ كلّه لإجمالها وجمالها السطحيّ الفاتن، وإلا فلا يستطيع العلم أن يحدّها بحدّ معقول يُتَّفَق عليه.

 

الحاجة إلى مباحث التعريف

من الواجب على من أراد الاشتغال بالحقائق ـ لئلا يرتطم هو والمشتغل معه في المشاكل ـ أن يُفرغ مفردات مقاصده في قالب سهل من التحديد والشرح، فيحفظ ما يدور في خلَده من المعنى في آنية من الألفاظ وافية به لا تفيض عليها جوانبها، لينقله إلى ذهن السامع أو القارئ كما كان مخزوناً في ذهنه تحديداً، وعلى هذا الأساس المتين يُبنى التفكير

 

174

 


134

الدرس السابع عشر: التعريف وأقسامه

السليم. ولأجل أن يتغلّب الإنسان على قلمه ولسانه وتفكيره، لا بدّ له من معرفة أقسام التعريف وشروطه وأصوله وقواعده، وذلك:

أولاً: ليستطيع أن يحتفظ في ذهنه بالصور الواضحة للأشياء.

ثانياً: لينقلها إلى أفكار غيره صحيحةً.

 

أقسام التعريف

سبق أن ذكرنا التعريف اللفظيّ، ولا يهمنا البحث عنه في هذا العلم، لأنّه لا ينفع إلا لمعرفة وضع اللفظ لمعناه، فلا يستحقّ اسم التعريف إلا من باب المجاز والتوسّع. وإنما غرض المنطقيّ من "التعريف" هو المعلوم التصوّريّ الموصل إلى المجهول التصوريّ الواقع جواباً عن "ما" الشارحة أو الحقيقية. ويقسم إلى حدّ ورسْم، وكلّ منهما ينقسم إلى تامّ وناقص.

 

1. الحدّ التامّ:

هو التعريف بجميع ذاتيات المعرَّف، ويقع بالجنس والفصل القريبَين، لاشتمالهما على جميع ذاتيات المعرَّف.

 

فإذا قيل: ما الإنسان؟

 

فيجوز أن تجيب ـ أوّلاً ـ بأنّه "حيوان ناطق". وهذا حدّ تامّ فيه تفصيل ما أجمله اسم "الإنسان"، ويشتمل على جميع ذاتياته، لأنّ مفهوم "الحيوان" ينطوي فيه كلّ أجزاء وذاتيات الإنسان.

 

ويجوز أن تجيب ـ ثانياً ـ بأنه "جسم نامٍ حسّاس متحرّك بالإرادة، ناطق"، وهذا حدّ تام أيضاً للإنسان، وهو عينُ الأول في المفهوم، إلّا أنّه أكثر تفصيلاً، لأنّك وضعت مكان كلمة "حيوان" حدّه التامّ.

 

ويجوز أن تجيب ـ ثالثاً ـ بأنّه "جوهر قابل للأبعاد الثلاثة نامٍ حسّاس متحرّك بالإرادة، ناطق" فتضع مكان كلمة "جسم" حدّه التامّ.

 

175

 


135

الدرس السابع عشر: التعريف وأقسامه

ظهر من هذا البيان:

أ. أنّ الجنس والفصل القريبَين تنطوي فيهما جميع ذاتيات المعرَّف، لا يشذّ منها جزء أبداً،ولذا سُمّي الحدّ بهما "تامّاً".

 

ب. أن لا فرق في المفهوم بين الحدود التامة المطوَّلة والمختصَرة، إلّا أنّ المطوّلة أكثر تفصيلاً، فيكون التعريف بها واجباً تارة، وفضولاً أخرى.

 

ج. أنّ الحدّ التامّ يساوي المحدود في المفهوم - كالمترادفَين -، فيقوم مقام الاسم بأن يفيد فائدته ويدلّ على ما يدلّ عليه الاسم إجمالاً.

 

د. أنّ الحدّ التامّ يدلّ على المحدود بالمطابقة.

 

2. الحدّ الناقص:

وهو التعريف ببعض ذاتيات المعرَّف، ولا بدّ من أن يشتمل على الفصل القريب على الأقل، ولذا سمّي "ناقصاً".

 

وهو يقع تارة بالجنس البعيد والفصل القريب، وأخرى بالفصل وحده.

 

مثال الأول: تقول لتحديد الإنسان: "جسم نامٍ... ناطق". فقد نقصت من الحدّ التامّ المذكور في الجواب الثاني المتقدم صفة "حساس متحرّك بالإرادة"، وهي فصل الحيوان، وقد وقع النقص مكان النقط بين "جسم نامٍ" وبين "ناطق"، فلم يكمل فيه مفهوم الإنسان.

 

ومثال الثاني: تقول لتحديد الإنسان أيضاً: "ناطق" فقد نقصت من الحدّ التام الجنسَ القريب كلّه، فهو أكثر نقصاناً من الأول.

 

ظهر من هذا البيان:

أ. أنّ الحدّ الناقص لا يساوي المحدود في المفهوم، لأنّه يشتمل على بعض أجزاء مفهومه، ولكنّه يساويه في المصداق.

 

ب. أنّ الحدّ الناقص لا يعطي للنفس صورة ذهنية كاملة للمحدود مطابِقةً له، كما كان الحدّ التامّ، فلا يكون تصوّره تصوّراً للمحدود بحقيقته، بل أكثر ما يفيد هو تمييزُه عن جميع ما عداه تمييزاً ذاتياً فحسب.

 

 

176


136

الدرس السابع عشر: التعريف وأقسامه

ج. أنّه لا يدلّ على المحدود بالمطابقة، بل بالالتزام، لأنّه من باب دلالة الجزء المختصّ على الكلّ.

 

3. الرسم التامّ:

وهو التعريف بالجنس والخاصّة.

كتعريف الإنسان بأنّه حيوان ضاحك، فاشتمل على الذاتيّ والعرضيّ،ولذا سُمّي "تامّاً".

 

4. الرسم الناقص:

وهو التعريف بالخاصّة وحدها.

كتعريف الإنسان بأنه ضاحك، فاشتمل على العرضيّ فقط، فكان ناقصاً.

 

ظهر من هذا البيان:

أن الرسم - مطلقاً - كالحدّ الناقص، لا يفيد إلّا تمييز المعرَّف عن جميع ما عداه فحسب، إلّا أنّه يميّزه تمييزاً عرضياً، ولا يساويه إلّا في المصداق، لا في المفهوم، ولا يدلّ عليه إلا بالالتزام.

 

إنارة

إنّ المقصود الأصليّ من التعريف أمران لا يحصلان إلّا بالحدّ التام، فكان هو الأصل في التعريف. والأمران هما:

الأول: تصوّر المعرَّف بحقيقته، لتتكوّن له في النفس صورة تفصيلية واضحة.

الثاني: تمييزه في الذهن عن غيره تمييزاً تاماً.

 

وإذ يتعذّر الأمر الأول يُكتفى بالثاني، ويتكفّل به الحدّ الناقص والرسم بقسمَيه، وإلّا قُدّم تمييزه تمييزاً ذاتياً، ويُؤَدَّى ذلك بالحدّ الناقص، فهو أولى من الرسم، والرسم التامّ أولى من الناقص.

 

إلّا أنّ المعروف عند العلماء: أنّ الاطّلاع على حقائق الأشياء وفصولها من الأمور المستحيلة أو المتعذّرة، وكلّ ما يُذكر من الفصول إنّما هو خواصّ لازمة تكشف عن الفصول الحقيقية. فالتعاريف الموجودة بين أيدينا أكثرها أو كلها رسوم تشبه الحدود. فعلى من أراد التعريف أن يختار الخاصة اللازمة البيّنة، لأنّها أدلّ على حقيقة المعرَّف، وأشبه

 

 

177

 


137

الدرس السابع عشر: التعريف وأقسامه

بالفصل، وهذا أنفع الرسوم في تعريف الأشياء.

 

التعريف بالمثال

كثيراً ما نجد العلماء ـ لا سيّما علماء الأدب ـ يستعينون على تعريف الشيء بذكر أحد أفراده ومصاديقه مثالاً له، وهذا ما نسمّيه "التعريف بالمثال"، وهو أقرب إلى عقول المبتدئين في فهم الأشياء وتمييزها.

 

وليس التعريف بالمثال قسماً خامساً للتعريف، بل هو من التعريف بالخاصّة، لأنّ المثال ممّا يختصّ بذلك المفهوم، فيرجع إلى "الرسم الناقص". وعليه، يجوز أن يكتفى به في التعريف، من دون ذكر التعريف المستنبَط إذا كان المثال وافياً بخصوصيات الممثَّل له.

 

التعريف بالتشبيه

ويلحق بالتعريف بالمثال التعريفُ بالتشبيه، ويدخل في الرسم الناقص أيضاً:

وهو أن يشبَّه الشيء المقصود تعريفه بشيء آخر، لجهة شبه بينهما، شرطَ أن يكون المشبَّه به معلوماً عند المخاطَب بأنّ له جهة الشبه هذه. ومثاله تشبيه الوجود بالنور، وجهة الشبه بينهما أنّ كلّا منهما ظاهر بنفسه مُظهِر لغيره. وهذا النوع من التعريف ينفع كثيراً في المعقولات الصرفة، عندما يراد تقريبها إلى الطالب بتشبيهها بالمحسوسات، لأنّ المحسوسات إلى الأذهان أقرب، ولتصوّرها آلف.

 

التعريف بالطريقة الاستقرائية

ومن نوع التعريف بالمثال "الطريقة الاستقرائية" المعروفة في هذا العصر، التي يدعو لها علماء التربية لتفهيم الناشئة وترسيخ القواعد والمعاني الكلية في أفكارهم. وهي: أن يكثر المؤلّف أو المدرّس - قبل بيان التعريف أو القاعدة - من ذكر الأمثلة والتمرينات، ليستنبط الطالب بنفسه المفهوم الكلّيّ أو القاعدة. وبعدئذٍ تُعطى له النتيجة بعبارة واضحة، ليطابق بين ما يستنبطه هو وبين ما يُعطى له آخِراً من نتيجة.

 

178

 


138

الدرس السابع عشر: التعريف وأقسامه

المفاهيم الرئيسة

1. من الواجب على من أراد الاشتغال بالحقائق أن يفرغ مفردات مقاصده في قالب سهل من التحديد والشرح، لينقله إلى ذهن السامع أو القارئ كما كان مخزوناً في ذهنه بالضبط.

 

2. لأجل أن يتغلّب الإنسان على قلمه ولسانه وتفكيره، لا بدّ له من معرفة أقسام التعريف وشروطه وأصوله وقواعده، وذلك:

أ. ليستطيع أن يحتفظ في ذهنه بالصور الواضحة للأشياء.

ب. لينقلها إلى أفكار غيره صحيحةً.

 

3. أقسام التعريف:

أ. الحدّ التامّ: وهو التعريف بجميع ذاتيات المعرَّف، ويقع بالجنس والفصل القريبين.

ب. الحدّ الناقص: وهو التعريف ببعض ذاتيات المعرَّف، ولا بدّ من أن يشتمل على الفصل القريب على الأقل.

ج. الرسم التامّ: وهو التعريف بالجنس والخاصّة.

د. الرسم الناقص: وهو التعريف بالخاصّة وحدها.

 

4. إنّ المقصود الأصليّ من التعريف أمران لا يحصلان إلّا بالحدّ التامّ، فكان هو الأصل في التعريف، والأمران هما:

الأول: تصوّر المعرَّف بحقيقته، لتتكوّن له في النفس صورة تفصيلية.

الثاني: تمييزه في الذهن عن غيره تمييزاً تاماً.

 

5. التعريف بالمثال: وهو الاستعانة على تعريف الشيء بذكر أحد أفراده ومصاديقه مثالاً، وهو من التعريف بالخاصة.

 

6. التعريف بالتشبيه: وهو أن يشبّه الشيء المقصود تعريفه بشيء آخر، لجهة شبه بينهما.

 

7. التعريف بالطريقة الاستقرائية: وهو أن يكثر المؤلّف أو المدرّس من ذكر الأمثلة، ليستنبط الطالب بنفسه المفهوم الكلّيّ أو القاعدة.

 

179


139

الدرس السابع عشر: التعريف وأقسامه

التمارين

 

 

1. صِلْ بين أقسام التعريف وما يناسبها:

 

        الحدّ التامّ          •                              •   الجنس والخاصّة

        الحدّ الناقص       •                              •   الخاصّة وحدها

        الرسم التامّ            •                              •   ذكر مصداق من مصاديق الشيء المعرَّف

       التعريف بالمثال     •                              •   استنباط المفهوم من الأمثلة

       الرسم الناقص       •                               •   ذكر ما يشبه الشيء المعرَّف

       التعريف بالتشبيه   •                              •   الجنس والفصل القريبان

       التعريف بالاستقراء •                              •   الجنس البعيد والفصل القريب

 

180

         


140

الدرس السابع عشر: التعريف وأقسامه

2. إلى أيّ قسم من أقسام التعريف ينتمي كلّ مثال من الأمثلة الآتية؟

أ. الحيوان: جسم حساس: .........................................................................

ب. الحيوان: ماشٍ: ...............................................................................

ج. الكلمة: قول مفرد: ............................................................................

د. الدرّ: يشبه البلّور: ..............................................................................

هـ. الخبر: قول يحتمل الصدق والكذب: .............................................................

و. العبادة: مثل الصلاة والصوم والحجّ: ..............................................................

ز. الطهارة: الوضوء والغسل والتيمّم: .................................................................

ح. الحصان: صاهل: ...............................................................................

 

3. عرّف "الخمر" بمختلف أقسام التعريف:

الحدّ التامّ: .........................................................................................

الحدّ الناقص: ......................................................................................

الرسم التامّ: ........................................................................................

الرسم الناقص: ............................................................. ......................

 

 

أسئلة حول الدرس

 

1. اشرح الأقسام الأربعة للتعريف، وأعطِ مثالاً لكلّ قسم.

2. لِمَ صار التعريف المشتمل على الجنس والفصل القريبين تامّاً؟

3. ما الفرق بين التعريف بالمثال والتعريف بالاستقراء؟

 

181

 


141

الدرس الثامن عشر: شروط التعريف

الدرس الثامن عشر:

شروط التعريف

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يذكر شروط التعريف.

2. يصدر حكماً في تعريف معيَّن.

3. يفسّر الدور وبداهة بطلانه.

 

182

 


142

الدرس الثامن عشر: شروط التعريف

تمهيد

بعد أن تبيّن في الدرس السابق أنّ الغرض من التعريف هو تفهيم مفهوم المعرَّف، وتمييزه عمّا عداه تمييزاً دقيقاً، نقوم في هذا الدرس ببيان شروط التعريف وأنّ الغرض لا يتحقّق من دون هذه الشروط الخمسة.

 

شروط التعريف

الأول: أن يكون المعرِّف مساوياً للمعرَّف في الصدق، أي يجب أن يكون المعرِّف جامعاً مانعاً.

 

ومعنى "مانع" أنّه لا يشمل إلا أفراد المعرَّف، فيمنع من دخول أفراد غيره فيه.

 

ومعنى "جامع" أنّه يشمل جميع أفراد المعرَّف، لا يشذّ منها فرد واحد.

 

وعليه، فلا يجوز التعريف بالأمور الآتية:

بالأعمّ: لأنّ الأعم لا يكون مانعاً، كتعريف الإنسان بأنّه "حيوان يمشي على رجلين"، فإنّ عدداً كبيراً من الحيوانات يمشي على رجلين، فهل كل ما يمشي على رجلين إنسان؟!

 

بالأخصّ: لأنّ الأخصّ لا يكون جامعاً، كتعريف الإنسان بأنّه "حيوان متعلّم"، فإنّه ليس كلّ ما صدق عليه الإنسان هو متعلّم، فبعض الإنسان متعلّم وبعضه غير متعلّم.

 

بالمباين: لأنّ المتباينَين لا يصحّ حمل أحدهما على الآخر، ولا يتصادقان أبداً، مثل تعريف الإنسان بأنّه: "حيوان زائر".

 

والنسبة بين الإنسان والزائر هي التباين، فلا يدخل في التعرف أيّ فرد من أفراد الإنسان (غير جامع وغير مانع).

 

184

 


143

الدرس الثامن عشر: شروط التعريف

الثاني: أن يكون المعرِّف أجلى مفهوماً، وأعرف عند المخاطَب من المعرَّف،وإلا فلا يتمّ الغرض من شرح مفهومه. فلا يجوز، على هذا، التعريفُ بالأمرين الآتيين:

1. بالمساوي في الظهور والخفاء: كتعريف الفرد بأنّه "عدد ينقص عن الزوج بواحد"، فإنّ الزوج ليس أوضح من الفرد ولا أخفى، بل هما متساويان في المعرفة. وكتعريف أحد المتضايفَين بالآخر، والإنسانُ إنما يفهم المتضايفين معاً، لا أنّ أحدهما قبل الآخر، كتعريف الأب بأنّه "والد الابن" وكتعريف الفوق بأنّه "مقابل تحت"...

 

2. بالأخفى معرفة: كتعريف النور بأنه "قوة تشبه الوجود"، أو تعريف القمر بأنّه: "جوهر موجود لا في موضوع".

 

الثالث: ألّا يكون المعرِّف عينَ المعرَّف في المفهوم: كتعريف الحركة بالانتقال، والإنسان بالبشر تعريفاً حقيقياً غير لفظيّ، بل يجب تغايرهما إمّا بالإجمال والتفصيل كما في الحدّ التامّ، أو بالمفهوم كما في التعريف بغيره.

 

ولو صحّ التعريف بعين المعرَّف لوجب أن يكون معلوماً قبل أن يكون معلوماً، وللزم أن يتوقّف الشيء على نفسه، وهذا محال. ويسمّون مثل هذا "نتيجة الدَّور" الذي سيأتي بيانه.

 

الرابع: أن يكون خالياً من الدَّور:

وصورة الدور في التعريف: أن يكون المعرِّف مجهولاً في نفسه، ولا يُعرف إلّا بالمعرَّف، فبينما أنّ المقصود من التعريف هو تفهيم المعرَّف بواسطة المعرِّف، وإذ بالمعرِّف في الوقت نفسه إنّما يُفهم بواسطة المعرَّف، فينقلب المعرَّف معرِّفاً. وهذا محال، لأنه يؤول إلى أن يكون الشيء معلوماً قبل أن يكون معلوماً، أو إلى أن يتوقّف الشيء على نفسه.

 

والدور يقع تارة بمرتبة واحدة، ويسمّى "دوراً مصرَّحاً"، ويقع أخرى بمرتبتين أو أكثر، ويسمّى "دوراً مُضمَراً".

 

1. الدور المصرَّح: مثل تعريف الشمس بأنّها "كوكب يطلع في النهار"، والنهار لا يعرّف

 

185

 


144

الدرس الثامن عشر: شروط التعريف

إلا بالشمس، إذ يقال في تعريفه: "النهار: زمان تطلع فيه الشمس"، فتوقّفت معرفة الشمس على معرفة النهار، ومعرفة النهار حسب الفرض متوقّفة على معرفة الشمس، والمتوقّف على المتوقّف على شيء متوقّف على ذلك الشيء، فينتهي الأمر آخِراً إلى أن تكون معرفة الشمس متوقّفة على معرفة الشمس.

 

•        معرفة الشمس

•        متوقّف متوقّف

•        معرفة النهار

 

2. الدور المُضمَر: مثل تعريف الاثنين بأنّهما "زوج أوّل"، والزوج يُعرّف بأنّه "منقسم بمتساويَين"، والمتساويان يعرّفان بأنّهما "شيئان أحدهما يطابق الآخر" والشيئان يعرفان بأنّهما "اثنان"، فرجع الأمر آخِراً إلى تعريف الاثنين بالاثنين.

 

وهذا دور مضمر في ثلاث مراتب، لأنّ تعدّد المراتب باعتبار تعدّد الوسائط حتّى تنتهي الدورة إلى المعرَّف الأول نفسه.

 

والوسائط في هذا المثال ثلاثٌ: الزوج، المتساويان، الشيئان.

 

ويمكن وضع الدور في المثال على صورة الدائرة المرسومة في هذا الشكل: والسهام فيها تتّجه دائماً إلى المعرِّفات ـ بالكسر ـ الاثنان الشيئان، الزوج، المتساويان.

 

186

 


145

الدرس الثامن عشر: شروط التعريف

الخامس: أن تكون الألفاظ المستعملة في التعريف ناصعة واضحة لا إبهام فيها: فلا يصحّ استعمال الألفاظ الوحشية والغريبة، ولا الغامضة ولا المشتركة ولا المجازات بدون القرينة، أمّا مع القرينة فلا بأس كما قدّمنا ذلك في بحث المشترَك والمجاز، وإن كان يحسن ـ على كلّ حال ـ اجتناب المجاز في التعاريف والأساليب العلمية.

 

187


146

الدرس الثامن عشر: شروط التعريف

المفاهيم الرئيسة

 

 

شروط التعريف:

الأول: أن يكون المعرِّف مساوياً للمعرَّف في الصدق: أي يجب أن يكون المعرِّف جامعاً مانعاً.

وعليه، سوف يكون التعريف بالأمور الآتية باطلاً وغير دقيق: 1 ـ بالأعمّ، 2 ـ بالأخصّ، 3ـ بالمباين.

 

الثاني: أن يكون المعرِّف أجلى مفهوماً وأعرف عند المخاطَب من المعرَّف:

 

ولأجل هذا الشرط، لا يجوز على هذا التعريف بالأمرين الآتيين:

أ. بالمساوي في الظهور والخفاء.

ب. بالأخفى معرفة، كتعريف النور بأنّه "قوة تشبه الوجود".

 

الثالث: ألّا يكون المعرِّف عينَ المعرَّف في المفهوم:

ويسمّون مثل هذا "نتيجة الدور".

 

الرابع: أن يكون خالياً من الدور:

وصورة الدور في التعريف: أن يكون المعرِّف مجهولاً في نفسه، ولا يُعرف إلا بالمعرَّف.

والدور يقع تارةً بمرتبة واحدة، ويسمى "دوراً مصرحاً"، ويقع أخرى بمرتبتين أو أكثر، ويسمى "دوراً مضمراً".

 

الخامس: أن تكون الألفاظ المستعملة في التعريف ناصعة واضحة لا إبهام فيها.

 

188

 


147

الدرس الثامن عشر: شروط التعريف

التمارين

 

 

بيّن الخطأ في التعاريف الآتية:

 

أ. الطائر: حيوان يبيض

...................................................................................

 

ب. الماء: سائل مفيد

...................................................................................

 

ج. اللبن: طعام مغذٍّ

...................................................................................

 

د. التحت: الذي فوقه شيء

...................................................................................

 

هـ. الوجود: الثابت العين

...................................................................................

 

و. العلم: عدم الجهل

...................................................................................

 

 

أسئلة حول الدرس

 

1. اذكر شروط التعريف.

2. لماذا لا يصحّ التعريف بـ: الأعمّ، الأخصّ، المباين؟

3. عرّف الدوّر، وبيّن الفرق بين قسمَيه (المضمر والمصرّح).

 

 

189

 


148

الدرس التاسع عشر: أساس القسمة وأصولُها

الدرس التاسع عشر:

أساس القسمة وأصولُها

 

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يعرّف القسمة.

2. يدرك أهمية القسمة في تحصيل الحدود.

3. يبيّن أصول القسمة.

 

 

189

 


149

الدرس التاسع عشر: أساس القسمة وأصولُها

تمهيد

انتهينا في الدروس السابقة إلى أنّ التعريف قد يكون بالحدود وقد يكون بالرسوم. والغرض من التعريف هو تحصيل التصوّر للشيء المعرَّف. ولمّا كان تحصيل التصوّر لا يكون إلا بالوقفوف على حقيقة الشيء وكنهه، أو تمييزه عمّا عداه من الأشياء، فمن المناسب أن نبحث عن الطرق التي يستعان بها لتحقيق هذا الغرض، وتعتبر القسمة من أهم وسائل الوصول لهذا الغرض.

 

تعريف القسمة

قسمة الشيء عبارة عن تجزئته وتفريقه إلى أمور متباينة، وهي من المعاني البديهية الغنيّة عن التعريف، وما ذُكر إنّما هو تعريفٌ لفظيّ ليس إلّا.

 

ويسمّى الشيء "مَقْسَماً".

 

وكلّ واحد من الأمور التي انقسم إليها يسمّى بالقياس إلى المقسم نفسه "قِسْماً"، وبالقياس إلى غيره من الأقسام يسمى "قَسِيماً".

 

فإذا قسمنا العلم إلى تصور وتصديق - مثلاً -، فالعلم مقسم، والتصوّر قسم من العلم وقسيم للتصديق، وهكذا التصديق قسم وقسيم.

 

فائدة القسمة

1. تحصيل الحدود والرسوم: تأسَّست حياة الإنسان كلّها على القسمة، وهي من الأمور الفطرية التي نشأت معه على الأرض. فإنّ أول شيء يصنعه: تقسيم الأشياء إلى سماوية

 

 

192


150

الدرس التاسع عشر: أساس القسمة وأصولُها

وأرضية، والموجودات الأرضية إلى حيوانات وأشجار وأنهار وأحجار وجبال ورمال وغيرها. وهكذا يقسم ويقسم، ويميّز معنىً عن معنىً، ونوعاً عن نوع، حتّى تحصل له مجموعة من المعاني والمفاهيم. وما زال البشر على ذلك حتّى استطاع أن يضع لكلّ واحد من المعاني التي توصّل إليها في التقسيم لفظاً من الألفاظ، ولولا القسمة لما تكثّرت عنده المعاني ولا الألفاظ.

 

ثمّ استعان بالعلوم والفنون على تدقيق تلك الأنواع وتمييزها تمييزاً ذاتياً. ولا يزال العلم عند الإنسان يكشف له كثيراً من الخطأ في تقسيماته وتنويعاته، فيعدّلها، ويكشف له أنواعاً لم يكن قد عرفها في الموجودات الطبيعية، أو الأمور التي يخترعها منها ويؤلفها، أو مسائل العلوم والفنون. وسيأتي كيف نستعين بالقسمة على تحصيل الحدود والرسوم وكسبها، بل كلّ حدّ إنّما هو مؤسَّس من أوّل الأمر على القسمة، وهذا أهم فوائد القسمة.

 

2. تدوين العلوم: وتنفع القسمة في تدوين العلوم والفنون، لتجعلها أبواباً وفصولاً ومسائل متميّزة، ليستطيع الباحث أن يلحق ما يعرض عليه من القضايا في بابها، بل العلم لا يكون علماً ذا أبواب ومسائل وأحكام إلّا بالقسمة. فمدوّن علم النحو - مثلاً – لا بدّ من أن يقسم الكلمة أوّلاً، ثم يقسم الاسم مثلاً إلى نكرة ومعرفة، والمعرفة إلى أقسامها، ويقسم الفعل إلى ماض ومضارع وأمر، وكذلك الحروف وأقسام كلّ واحد منها، ويذكر لكلّ قسم حكمه المختصّ به... وهكذا في جميع العلوم.

 

والتاجر - أيضاً - يلتجىء إلى القسمة في تسجيل دفتره وتصنيف أمواله، ليسهل عليه استخراج حساباته ومعرفة ربحه وخسارته. وكذلك باني البيت، ومركّب الأدوات الدقيقة يستعين على إتقان عمله بالقسمة. والناس من القديم قسموا الزمن إلى قرون وسنين وأشهر وأيام وساعات ودقائق، لينتفعوا بأوقاتهم ويعرفوا أعمارهم وتاريخهم.

 

وصاحب المكتبة تنفعه قسمتها حسب العلوم أو المؤلِّفِين، ليُدخل أيّ كتاب جديد يأتيه في بابه، وليستخرج بسهولة أيّ كتاب يشاء. وبواسطة القسمة استعان علماء التربية

 

 

193


151

الدرس التاسع عشر: أساس القسمة وأصولُها

على توجيه طلّاب العلوم، فقسّموا المدارس إلى ابتدائية وثانوية وعالية، ثمّ كلّ مدرسة إلى صفوف، ليضعوا لكلّ صفّ ومدرسة منهاجاً يناسبه من التعليم. وهكذا تدخل القسمة في كلّ شأن من شؤون حياتنا العلمية والاعتيادية، ولا يستغني عنها إنسان. ومهمّتنا منها هنا أن نعرف كيف نستعين بها على تحصيل الحدود والرسوم.

 

أصول القسمة

والقسمة الحقيقية والمفيدة لا بدّ من أن تقوم على أسس وأصول، ولا تعتبر صحيحة كيفما فرضت، لذلك نحن ذاكرون أصول القسمة على النحو الآتي:

1. لا بدّ من ثمرة: لا تحسن القسمة إلّا إذا كان للتقسيم ثمرة نافعة في غرض المقسِّم، بأن تختلف الأقسام في المميّزات، والأحكام المقصودة في موضع القسمة. فإذا قسّم النحويّ الفعل إلى أقسامه الثلاثة، فلأنّ لكلّ قسم حكماً يختصّ به. أمّا إذا أراد أن يقسم الفعل الماضي إلى مضموم العين ومفتوحها ومكسورها، فلا يحسن منه ذلك، لأنّ الأقسام كلّها لها حكم واحد في علم النحو هو البناء، فيكون التقسيم عبثاً ولغواً، بخلاف مدوِّن علم الصرف، فإنّه يصحّ له مثل هذا التقسيم، لانتفاعه به في غرضه من تصريف الكلمة.

 

2. لا بدّ من تباين الأقسام: ولا تصحّ القسمة إلّا إذا كانت الأقسام متباينة غير متداخلة، لا يصدق أحدها على ما صدق عليه الآخر. ويشير إلى هذا الأصل تعريف القسمة نفسه،فإذا قسّمتَ المنصوب من الأسماء إلى: مفعول، وحال، وتمييز، وظرف، فهذا التقسيم باطل، لأنّ الظرف من أقسام المفعول، فلا يكون قسيماً له. ومثل هذا ما يقولون عنه: "يلزم منه أن يكون قسم الشيء قسيماً له"، وبطلانه من البديهيات. ومثل هذا لو قسمنا سكان العراق إلى: علماء وجهلاء، وأغنياء وفقراء، ومرضى وأصحّاء، فإنها متداخلة في ما بينها، ولم تتباين الأقسام. ويقع مثل هذا التقسيم كثيراً لغير المنطقيين الغافلين ممّن يرسل الكلام على عواهنه، ولكنّه لا ينطبق على هذا الأصل

 

194

 


152

الدرس التاسع عشر: أساس القسمة وأصولُها

الذي قرّرناه، لأنّ الأغنياء والفقراء لا بدّ من أن يكونوا علماء أو جهلاء، مرضى أو أصحّاء، فلا يصحّ إدخالهم مرّة ثانية في قسم آخر. وفي المثال ثلاث قسمات جُمعت في قسمة واحدة.

 

ويتفرّع على هذا الأصل أمور:

أنّه لا يجوز أن تجعل قسم الشيء قسيماً له - كما تقدّم -، مثل أن تجعل الظرف قسيماً للمفعول.

 

ولا يجوز أن تجعل قسيم الشيء قسماً منه، مثل أن تجعل الحال قسماً من المفعول.

 

ولا يجوز أن تقسم الشيء إلى نفسه وإلى غيره.

 

3. أساس واحد للقسمة: فيجب أن يلاحَظ في المقسَم جهة واحدة، وباعتبارها يكون التقسيم، فإذا قسّمنا كتب المكتبة، فلا بدّ من أن نؤسّس تقسيمها: إمّا على أساس العلوم والفنون، أو على أسماء المؤلّفين، أو على أسماء الكتب، أمّا إذا خلطنا بينها، فالأقسام تتداخل ويختلّ نظام الكتب، مثل ما إذا خلطنا بين أسماء الكتب والمؤلّفين، فنلاحظ في حرف الألف مثلاً اسم الكتاب تارةً وأخرى اسم المؤلف.

 

4. جامعة مانعة: ويجب في القسمة أن يكون مجموع الأقسام مساوياً للمقسم، فتكون جامعة مانعة: جامعة لجميع ما يمكن أن يدخل فيه من الأقسام - أي حاصرة لها، لا يشذّ منها شيء -، ومانعة من دخول غير أقسامه فيه.

 

ولا تكون جامعة مانعة إلّا إذا دارت عملية التقسيم بين النفي والإثبات، وتسمّى القسمة العقلية.

 

195

 

 


153

الدرس التاسع عشر: أساس القسمة وأصولُها

المفاهيم الرئيسة

 

1. تعريف القسمة: قسمة الشيء عبارة عن تجزئته وتفريقه إلى أمور متباينة. وهي من المعاني البديهية الغنيّة عن التعريف. ويسمّى الشيء "مَقْسَماً".

 

2. كلّ واحد من الأمور التي انقسم إليها يسمى بالقياس إلى المقسم نفسه "قِسْماً"، وبالقياس إلى غيره من الأقسام "قَسِيْماً".

 

3. فائدة القسمة:

أ. تحصيل الحدود والرسوم

ب. تدوين العلوم:

 

4. أصول القسمة:

أ. لا بدّ من ثمرة نافعة في غرض المقسِّم، بأن تختلف الأقسام في المميّزات والأحكام المقصودة في موضع القسمة.

ب. لا بدّ من تباين الأقسام: لا يصدق أحدها على ما صدق عليه الآخر.

ويتفرع على هذا الأصل أمور:

- أنه لا يجوز أن تجعل قسم الشيء قسيماً له.

- ولا يجوز أن تجعل قسيم الشيء قسماً منه.

- ولا يجوز أن تقسم الشيء إلى نفسه وإلى غيره.

ج. أساس واحد للقسمة: باعتبارها يكون التقسيم.

د. جامعة مانعة: بأن يكون مجموع الأقسام مساوياً للمقسم.

 

 

196


154

الدرس التاسع عشر: أساس القسمة وأصولُها

التمارين

 

 

عيّن القسم والمقسم في الكلمات الآتية:

1. الصفات الذاتية، الخالقيّة، العِلْم، الصفات الفعليّة، الرازقيّة، القدرة، الحياة، التكلّم.

2. واجب، مستحبّ، الحكم الشرعيّ، مكروه، حرام، مباح

3. الاسم، الفعل، الحرف، الكلمة.

4. الظاهر، المؤوَّل، اللفظ القرآنيّ، المجمل، المتشابه، النص.

 

 

أسئلة حول الدرس

 

1. عرّف القسمة.

2. ما هي الفائدة المرجوّة من القسمة؟

3. بيّن أصول القسمة.

 

 

197

 


155

الدرس العشرون: أنواع القسمة

الدرس العشرون:

أنواع القسمة

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يميّز بين أنواع القسمة.

2. يستعمل أسلوبَي القسمة.

3. يشرح معنى التعريف بالقسمة.

 

 

198


156

الدرس العشرون: أنواع القسمة

تمهيد

بعد أن انتهينا من التعريف، نذكر بحث القسمة كملحق لبحث التعريف، لأنّ القسمة أسلوب من أساليب التعريف ألحقه المناطقة به، والإنسان قد لا يَعرف الشيء من خلال ذاتياته وعرضياته، ولكن قد يعرفه من خلال تقسيمه وفصله عن أشياء أخرى. ومنذ القدم وحتّى الآن يقسم الإنسان الأمور لسرعة الوصول إليها عند الحاجة ولكي لا تختلط عليه. وهناك أنواع من القسمة نذكرها في هذا الدرس.

 

أنواع القسمة

1. القسمة الطبيعية، أو قسمة الكلّ إلى أجزائه:

ومثالها قسمة الإنسان إلى جزأيه: الحيوان والناطق بحسب التحليل العقليّ، إذ يحلّل العقل مفهوم الإنسان إلى مفهومَين: مفهوم الجنس الذي يشترك معه به غيره، ومفهوم الفصل الذي يختصّ به ويكون به الإنسان إنساناً، وتسمّى الأجزاء حينئذ أجزاء عقلية.

 

وكقسمة الماء إلى عنصرَين: الأوكسجين والهيدروجين بحسب التحليل الطبيعيّ.

 

ومن هذا الباب قسمة كلّ موجود إلى عناصره الأولية البسيطة، وتسمّى الأجزاء: طبيعية أو عنصرية.

 

وكقسمة السرير إلى الخشب والمسامير بحسب التحليل الخارجيّ إلى الأجزاء غير المتشابهة. ومثله قسمة البيت إلى الآجر والجصّ والخشب والحديد.

 

2. القسمة المنطقية، أو قسمة الكلّيّ إلى جزئيّاته:

ومثالها قسمة الموجود إلى مادة ومجرّد عن المادة، والمادة إلى جماد ونبات وحيوان، وكقسمة المفرد إلى اسم وفعل وحرف... وهكذا.

 

200

 


157

الدرس العشرون: أنواع القسمة

فوارق بين النوعَين:

أ. تمتاز القسمة المنطقية عن الطبيعية بأنّ الأقسام في المنطقية يجوز حملها على المقسم وحمل المقسم عليها.

 

فنقول: الاسم مفرد، وهذا المفرد اسم. ولا يجوز الحمل في الطبيعية عدا ما كانت بحسب التحليل العقليّ، فلا يجوز أن تقول: البيت سقف أو جدار، ولا الجدار بيت.

 

ب. لا بدّ في القسمة المنطقية من فرض جهة وحدة جامعة في المقسم تشترك فيها الأقسام، وبسببها يصح الحمل بين المقسم والأقسام. كما لا بدّ من فرض جهة افتراق في الأقسام على وجه يكون لكلّ قسم جهة تبايِن جهة القسم الآخر، وإلّا لما صحّت القسمة وفرض الأقسام. وتلك الجهة الجامعة إمّا أن تكون مقوّمة للأقسام، أي داخلة في حقيقتها، بأن كانت جنساً أو نوعاً، وإمّا أن تكون خارجة عنها.

 

إذا كانت الجهة الجامعة مقوّمة للأقسام، فلها ثلاث صور:

أ. أن تكون جنساً، وجهات الافتراق الفصول المقومة للأقسام، كقسمة المفرد إلى الاسم والفعل والحرف... فيسمّى التقسيم "تنويعاً" والأقسام "أنواعاً".

 

ب. أن تكون جنساً أو نوعاً، وجهات الافتراق العوارض العامة اللاحقة للمقسم، كقسمة الاسم إلى مرفوع ومنصوب ومجرور، فيسمّى التقسيم "تصنيفاً" والأقسام "أصنافاً".

 

ج. أن تكون جنساً أو نوعاً أو صنفاً، وجهات الافتراق العوارض الشخصية اللاحقة لمصاديق المقسم، فيسمّى التقسيم "تفريداً" والأقسام "أفراداً"، كقسمة الانسان إلى زيد وعمرو ومحمد وحسن... باعتبار المشخّصات لكلّ جزئيّ منه.

 

إذا كانت الجهة الجامعة خارجة عن الأقسام:

فهي كقسمة الأبيض إلى الثلج والقطن وغيرهما، وكقسمة الكائن الفاسد إلى معدن

 

201

 


158

الدرس العشرون: أنواع القسمة

ونبات وحيوان، وكقسمة العالم إلى غنيّ وفقير، أو إلى شرقيّ وغربيّ... وهكذا أساليبُ القسمة. فلأجل أن نقسم الشيء قسمة صحيحة، لا بدّ من استيفاء جميع ما له من الأقسام، كما تقدّم في الأصل الرابع، بمعنى أن تكون القسمة حاصرة لجميع جزئياته أو أجزائه. ولذلك أسلوبان:

أ. طريقة القسمة الثنائية: وهي طريقة الترديد بين النفي والإثبات، والنفي والإثبات - وهما النقيضان - لا يرتفعان (أي: لا يكون لهما قسم ثالث) ولا يجتمعان (أي لا يكونان قسماً واحداً)، فلا محالة تكون هذه القسمة ثنائية، أي: ليس لها أكثر من قسمين، وتكون حاصرة جامعة مانعة.

 

مثال 1: تقسيم الحيوان إلى ناطق وغير ناطق، وغير الناطق يدخل فيه كلّ ما يفرض من باقي أنواع الحيوان غير الإنسان، لا يشذّ عنه نوع.

 

مثال 2: تقسيم الطيور إلى جارحة وغير جارحة، والإنسان إلى عربيّ وغير عربيّ، والعالِم إلى فقيه وغير فقيه... وهكذا.

 

وتنفع هذه القسمة أيضاً فيما إذا أريد حصر الأقسام حصراً عقلياً، كما يأتي. وتنفع أيضاً في تحصيل الحدّ والرسم. وسيأتي بيان ذلك.

 

ب. طريقة القسمة التفصيلية: وذلك بأن تقسم الشيء ابتداءً إلى جميع أقسامه المحصورة، كما لو أردت أن تقسم الكلّي إلى: نوع وجنس وفصل وخاصّة وعرض عامّ.

 

والقسمة التفصيلية نوعان: عقلية واستقرائية:

العقلية: وهي التي يمنع العقل أن يكون لها قسم آخر:

مثال: تقسيم الكلمة إلى ما دلّ على الذات أو لا.

وطرف النفي: يقسم إلى ما دلّ على الزمان أو لا.

 

فنحصل على ثلاثة أقسام: ما دلّ على الذات وهو الاسم، وما دلّ على الزمان وهو الفعل، وما لم يدلّ على الذات والزمان وهو الحرف.

 

202

 


159

الدرس العشرون: أنواع القسمة

ولا تكون القسمة عقلية إلّا إذا بنيتها على أساس النفي والإثبات - القسمة الثنائية -. فلأجل إثبات أنّ القسمة التفصيلية عقلية، يرجعونها إلى القسمة الثنائية الدائرة بين النفي والإثبات. ثمّ إذا كانت الأقسام أكثر من اثنين، يقسمون طرف النفي أو الإثبات إلى النفي والإثبات... وهكذا كلّما كثرت الأقسام، على ما تقدّم في الثنائية.

 

الاستقرائية: وهي التي لا يمنع العقل من فرض قسم آخر لها، وإنما تُذكر الأقسام الواقعة التي عُلمت بالاستقراء والتتبّع، كتقسيم الأديان السماوية إلى: اليهودية والنصرانية والإسلامية، وكتقسيم مدرسة معينة إلى: صفّ أوّل وثانٍ وثالث، عندما لا يكون غير هذه الصفوف فيها، مع إمكان حدوث غيرها.

 

التعريف بالقسمة

إنّ القسمة بجميع أنواعها هي عارضة للمقسم في نفسها، خاصة به غالباً. ولما اعتبرنا في القسمة أن تكون جامعة مانعة، فالأقسام بمجموعها مساوية للمقسم، كما أنّها غالباً تكون أعرف منه.

 

وعليه، يجوز تعريف المقسم بقسمته إلى أنواعه أو أصنافه، ويكون من باب تعريف الشيء بخاصته. وهو التعريف بالرسم الناقص، كما كان التعريف بالمثال من هذا الباب.

 

ولنضرب لك مثلاً لذلك: إنّا إذا قسمنا الماء بالتحليل الطبيعيّ إلى أوكسجين وهيدروجين، وعرفنا أن غيره من الأجسام لا ينحلّ إلى هذين الجزأين، فقد حصل تمييز الماء تمييزاً عرضياً عن غيره بهذه الخاصة، فيكون ذلك نوعاً من المعرفة للماء نطمئنّ إليها. وكذا لو عرفنا أنّ الورق ينحلّ إلى القطن والنورة - مثلاً -، نكون قد عرفناه معرفة نطمئنّ إليها تميّزه عن غيره. وهكذا في جميع أنواع القسمة.

 

203

 


160

الدرس العشرون: أنواع القسمة

المفاهيم الرئيسة

 

 

أنواع القسمة:

1. القسمة الطبيعية، أو قسمة الكلّ إلى أجزائه:

كقسمة الإنسان إلى جزأيه: الحيوان والناطق بحسب التحليل العقليّ، وتسمّى الأجزاء حينئذ أجزاء عقلية، وكقسمة الماء إلى عنصرين: الأوكسجين والهيدروجين بحسب التحليل الطبيعيّ.

 

2. القسمة المنطقية، أو قسمة الكلّيّ إلى جزئياته:

كقسمة الموجود إلى مادّة ومجرّد عن المادّة، والمادّة إلى جماد ونبات وحيوان.

 

فوارق بين النوعين:

أ. إنّ الأقسام في المنطقية يجوز حملها على المقسم وحمل المقسم عليها، ولا يجوز الحمل في الطبيعية عدا ما كانت بحسب التحليل العقليّ.

 

ب. لا بدّ في القسمة المنطقية من فرض جهة وحدة جامعة في المقسم، كما لا بدّ من فرض جهة افتراق في الأقسام.

 

طريقة القسمة الثنائية: وهي طريقة الترديد بين النفي والإثبات، والنفي والإثبات.

 

طريقة القسمة التفصيلية: وذلك بأن تقسم الشيء ابتداء إلى جميع أقسامه المحصورة.

 

والقسمة التفصيلية نوعان: عقلية واستقرائية:

العقلية: وهي التي يمنع العقل أن يكون لها قسم آخر.

 

الاستقرائية: وهي التي لا يمنع العقل من فرض قسم آخر لها، وإنما تذكر الأقسام الواقعة التي علمت بالاستقراء والتتبع.

 

التعريف بالقسمة:

إنّ القسمة بجميع أنواعها هي عارضة للمقسم في نفسها، خاصة به غالباً. ولمّا اعتبرنا في القسمة أن تكون جامعة مانعة، فالأقسام بمجموعها مساوية للمقسم، كما أنّها غالباً تكون أعرف منه.

 

وعليه، يجوز تعريف المقسم بقسمته إلى أنواعه أو أصنافه، ويكون من باب تعريف الشيء بخاصّته، وهو التعريف بالرسم الناقص، كما كان التعريف بالمثال من هذا الباب.

 

204


161

الدرس العشرون: أنواع القسمة

التمارين

 

1. ما هو نوع القسمة في الأمثلة الآتية؟ طبيعيّة أم منطقيّة؟

أ. الكتاب: الغلاف الخارجيّ، الأوراق.......................................................................

ب. الموجود: الموجود الخارجيّ، الموجود الذهنيّ. ..............................................................

ت. الفعل: مبنيّ، معرب. .................................................................................

ث. الحيوان: إنسان، فرس، أسد............................................................................

 

2. فرِّق بين القسمة العقلية وبين الاستقرائية في التقسيمات التفصيلية الآتية:

أ. الأديان السماوية: يهودية، مسيحيّة، إسلامية............................................................

ب. الكلمة: اسم وفعل وحرف...........................................................................

ت. الطائر: أسود وأبيض................................................................................

ث. الصعيد هو: التراب، الحجر، الرمل....................................................................

 

 

 

أسئلة حول الدرس

1. ما الفرق بين القسمة الطبيعية والقسمة المنطقية؟ أعطِ مثالاً.

2. ميّز بالمثال بين القسمة الثنائية والقسمة التفصيلية.

3. تحت أيّ نوع من أنواع التعاريف يندرج التعريف بالقسمة بشتّى أنواعها؟ علّل ذلك.

 

205

 

 


162

الدرس الحادي العشرون: كيف نفكّر لتحصيل المجهول التصوّري؟

الدرس الحادي العشرون:

كيف نفكّر لتحصيل المجهول التصوّري؟

 

 

 

أهداف الدرس

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يدرك الحاجة إلى الكسب والنظر.

2. أن يتعرف إلى الطريقة التي يحوّل بواسطتها المجهولَ التصوّري إلى معلوم تصوّري.

3. يطبّق طريقة التحليل العقليّ في تحصيل المجهول.

 

 

206


163

الدرس العشرون: أنواع القسمة

تمهيد

تقدّم أنّ المعلوم التصوّريّ منه ما هو بديهيّ لا يحتاج إلى كسب ونظر، كمفهوم "الوجود" و"الشيء"، ومنه ما هو نظريّ تحتاج معرفته إلى كسب ونظر.

 

ومعنى الحاجة إلى الكسب والنظر في النظريّ: أنّ معناه مجهول وغير واضح في الذهن، وبعبارة أخرى غير محدّد ومتميّز، أو فقل: غير مفهوم ولا معروف، فيحتاج إلى التعريف وإلى تمييزه عن غيره، والذي يعرفه للذهن هو الحدّ والرسم. ومن الواضح أنّ الحدّ أو الرسم للنظريّ ليس موضوعاً في الطريق وفي متناول اليد، وإلّا لكان بديهياً معروفاً. وعليه، فالنظريّ هو في الحقيقة الذي نجهل حدّه أو رسمه.

 

والمهمّ في الأمر أن نعرف الطريقة التي من خلالها نحصّل الحدّ والرسم.

 

معنى الحاجة إلى الكسب والنظر في النظريّ

وكلّ ما تقدّم من الأبحاث في التعريف هو في الحقيقة أبحاث عن معنى الحدّ والرسم وشروطهما أو أجزائهما. وهذا وحده غير كافٍ ما لم نعرف طريقة كسبهما وتحصيلهما. فليس الغنيّ هو الذي يعرف معنى النقود وأجزاءها وكيف تتألف، بل الغنيّ من يعرف طريقة كسبها فيكسبها، وليس المريض يشفى إذا عرف فقط معنى الدواء وأجزاءه، بل لا بدّ من أن يعرف كيف يحصّله ليتناوله. وقد أغفل كثير من المنطقيين هذه الناحية، وهي أهمّ شيء في الباب، بل هي الأساس، وهي معنى التفكير الذي به نتوصّل إلى المجهولات. ومهمّتنا في المنطق: أن نعرف كيف نفكّر لنكسب العلوم التصورية والتصديقية. وسيأتي في كتاب لاحق أنّ طريقة التفكير لتحصيل العلم التصديقيّ هي الاستدلال والبرهان.

 

208

 


164

الدرس الحادي العشرون: كيف نفكّر لتحصيل المجهول التصوّري؟

كسب التعريف بالقسمة، أو كيف نفكّر لتحصيل المجهول التصوريّ.

 

لا بدّ من أن تكون هذه الطريقة طريقة فطرية يصنعها كلّ إنسان في دخيلة نفسه، يخطىء فيها أو يصيب. ولكن نحتاج إلى الدلالة عليها، لنكون على بصيرة في صناعتها، وهذا هو هدف علم المنطق.

 

الطريق منحصر بنوعَين من القسمة: القسمة الطبيعية بالتحليل العقليّ، وتسمّى طريقة التحليل العقليّ، والقسمة المنطقية الثنائية. وقد أشرنا في الدرس السابق إلى ذلك، وقد جاء وقت بيانه بشكل مفصّل:

1. طريقة التحليل العقلي

مثلاً: لو واجهنا السؤال الآتي: ما هو الماء؟ (إذا كنّا نجهل تعريفه).

 

الدور الأول من أدوار العقل: توجّه النفس نحو المجهول التصوريّ (المشكل).

 

الدور الثاني: لا بدّ من أن نعرف نوعه، أي نعرف أنه داخل في أيّ جنس من الأجناس العالية أو ما دونها، كأن نعرف أن الماء مثلاً من السوائل. وكلما كان الجنس الذي عرفنا دخول المجهول تحته قريباً، كان الطريق أقصر لمعرفة الحدّ أو الرسم.

 

وإذا اجتزنا الدور الثاني - الذي لا بدّ منه لكلّ من أراد التفكير بأيّ طريقة كانت -، ينتقل الذهن إلى الطريقة التي نختارها للتفكير، ولا بدّ من أن تتمثّل فيها الأدوار الثلاثة الأخيرة أو الحركات الثلاث التي تقدّمت للفكر، وهي: الذاهبة والدائرية والراجعة.

 

الدور الثالث: فعندما نجتاز الدور الثاني، ننتقل إلى الدور الثالث وهو "الحركة الذاهبة"، وهو حركة العقل من المجهول (المشكل) إلى المعلومات المخزونة. ومعنى هذه الحركة بطريقة التحليل المقصود بيانها: هو أن ننظر في الذهن إلى جميع الأفراد الداخلة تحت ذلك الجنس الذي فرضنا المشكلَ داخلاً تحته. وفي المثال ننظر إلى أفراد السوائل، سواء أكانت ماء أم غير ماء، باعتبار أن كلّها سوائل.

 

الدور الرابع: وهو "الحركة الدائرية"، أي: حركة العقل بين المعلومات المخزونة. وهو أشقّ الأدوار وأهمّها دائماً في كلّ تفكير، حيث يبدأ في عملية البحث داخل المعلومات

 

209

 


165

الدرس الحادي العشرون: كيف نفكّر لتحصيل المجهول التصوّري؟

الموجودة عنده، فإن نجح المفكّر في عملية البحث، واستطاع أن يجد المشكل ويميّزه عن غيره، فإنّه:

الدور الخامس: ينتقل إلى الدور الأخير الذي به حصول العلم، فيقدّم الجواب الناجع للمشكل، وإلّا بقي في مكانه (الدور الرابع) يدور على نفسه بين المعلومات من غير جدوى، ويبقى حائراً يبحث بين المعلومات عن جواب للمشكل.

 

توضيح الدور الرابع:

وهذه الحركة الدائرية بين المعلومات (الدور الرابع) بهذه الطريقة هي: أن يلاحظ الفكر مجاميع أفراد الجنس الذي دخل تحته المشكل، فيفرزها مجموعة مجموعة، فلأفراد المجهول مجموعة، ولغيره من أنواع الجنس الأخرى، كلّ واحد مجموعة من الأفراد. وفي المثال يلاحظ مجاميع السوائل: الماء، والزئبق، واللبن، والدهن... إلى آخرها. وعند ذلك يبدأ بملاحظتها ملاحظة دقيقة، ليعرف ما تمتاز به مجموعة أفراد المشكل بحسب ذاتها وحقيقتها عن المجاميع الأخرى، أو بحسب عوارضها الخاصة بها. ولا بدّ هنا من الفحص الدقيق والتجربة، ليعرف في المثال الخصوصية الذاتية أو العرضية التي يمتاز بها الماء عن غيره من السوائل: في لونه وطعمه، أو في وزنه وثقله، أو في أجزائه الطبيعة. ولا يستغني الباحث عن الاستعانة بتجارب الناس والعلماء وعلومهم.

 

الثروة العلمية والتجارب السابقة:

والبشر من القديم - كما قلنا في أول مبحث القسمة - اهتمّوا بفطرتهم بتقسيم الأشياء وتمييز الأنواع بعضها عن بعض، فحصلت لهم مع مرور الزمن الطويل معلومات قيّمة هي ثروتنا العلمية التي ورثناها من أسلافنا. وكلّ ما نستطيعه من البحث في هذا الشأن هو التعديل والتنقيح في هذه الثروة، واكتشاف بعض الكنوز من الأنواع التي لم يهتدِ إليها السابقون مع مرور الزمن وتقدّم المعارف.

 

فإن استطاع الفكر أن ينجح في هذا الدور الرابع (الحركة الدائرية)، بأن عرف ما يميّز المجهول تمييزاً ذاتياً - أي: عرف فصله ، أو عرف ما يميّزه تمييزاً عرضياً، أي: عرف خاصته -

 

 

210


166

الدرس الحادي العشرون: كيف نفكّر لتحصيل المجهول التصوّري؟

فإنّ معنى ذلك: أنّه استطاع أن يحلّل معنى المجهول إلى جنس وفصل أو جنس وخاصّة تحليلاً عقلياً، فيكمل عنده الحدّ التامّ أو الرسم التامّ بتأليفه ممّا انتهى إليه التحليل. كما لو عرف "الماء" في المثال بأنّه سائل بطبعه، لا لون له ولا طعم ولا رائحة، أو أنّه له ثقل نوعيّ مخصوص، أو أنّه قوام كلّ شيء حيّ.

 

معنى كمال الحدّ أو الرسم عند الذهن

معنى ذلك أنّ العقل قد انتهى إلى الدور الأخير، وهو "الحركة الراجعة"، أي حركة العقل من المعلوم إلى المجهول. وعندها ينتهي التفكير بالوصول إلى الغاية من تحصيل المجهول.

 

وبهذا يتّضح معنى التحليل العقليّ في القسمة الطبيعية، وهو إنّما يكون باعتبار المتشاركات والمتباينات، أي: أنّه بعد ملاحظة المتشاركات بالجنس، يفرزها ويوزّعها مجاميع، أو فقل: أنواعاً، بحسب ما فيها من المميزات المتباينة، فيستخرج من هذه العملية الجنسَ والفصل (مفردات الحدّ)، أو الجنس والخاصة (مفردات الرسم). فيكون بذلك قد حلّل المفهوم المراد تعريفه إلى مفرداته.

 

2. تحصيل المجهول بالقسمة الثنائية

بعد الانتهاء من الدورَين الأوّلَين - أي: دور مواجهة المشكل، ودور معرفة نوعه -، يمكن الاعتماد على طريقة أخرى من التفكير تختلف عن السابقة. فإنّ السابقة كانت النظرة فيها إلى الأفراد المشتركة في ذلك الجنس، ثم تمييز بعضها عن بعض، لاستخراج ما يميّز المجهول. أمّا هذه، فيتحرّك الفكر إلى الجنس المعروف، ويقوم بتقسيمه بالقسمة المنطقية الثنائية إلى إثبات ونفي:

الإثبات بما يميّز المجهول تمييزاً ذاتياً أو عرضياً، والنفي بما عداه. وذلك إذا كان المعروف الجنس القريب. فنقول في مثال الماء الذي عرف أنه سائل:

 

فنستخرج بذلك الحد التامّ أو الرسم التامّ، وتحصل الحركات الثلاث كلّها.

 

أما لو كان الجنس الذي عرفناه هو الجنس العالي أو المتوسّط، فسنأخذ أوّلاً الجنس

 

211

 


167

الدرس الحادي العشرون: كيف نفكّر لتحصيل المجهول التصوّري؟

العالي - مثلاً -، فنقسمه بحسب المميزات الذاتية أو العرضية، ثم نقسم الجنس المتوسط الذي حصلناه بالتقسيم الأول، إلى أن يصل التقسيم إلى الأنواع السافلة، وبهذا تصير الفصول كلّها معلومة على الترتيب، فنعرف بذلك جميع ذاتيات المجهول على التفصيل.

 

 

212


168

الدرس الحادي العشرون: كيف نفكّر لتحصيل المجهول التصوّري؟

المفاهيم الرئيسة

 

1. معنى الحاجة إلى الكسب والنظر في النظريّ: أنّ معناه مجهول وغير واضح في الذهن، فيحتاج إلى التعريف وإلى تمييزه عن غيره، والذي يعرفه للذهن هو الحدّ والرسم.

 

2. والمهمّ في الأمر أن نعرف الطريقة التي من خلالها نحصّل الحدّ والرسم، وهي الأساس، وهي معنى التفكير الذي به نتوصّل إلى المجهولات.

 

كيف نفكِّر لتحصيل المجهول التصوريّ؟

لا بدّ من أن تكون هذه الطريقة طريقة فطرية يصنعها كلّ إنسان في دخيلة نفسه، ولكن نحتاج إلى الدلالة عليها، لنكون على بصيرة في صناعتها.

 

طريقة التحليل العقليّ:

تتوجّه النفس نحو المجهول التصوريّ، ثمّ نعرف أنّه داخل في أيّ جنس من الأجناس العالية أو ما دونها، ثم ننتقل إلى الحركة الذاهبة، من المجهول إلى المعلومات المخزونة، بمعنى أن ننظر في الذهن إلى جميع الأفراد الداخلة تحت ذلك الجنس الذي فرضنا المشكلَ داخلاً تحته، ثمّ الحركة الدائرية، أي: حركة العقل بين المعلومات المخزونة، وهو أشقّ الأدوار وأهمّها، ثم ينتقل إلى الدور الأخير الذي به حصول العلم، فيقدّم الجواب الناجع للمشكل، وإلّا بقي في مكانه (الدور الرابع)، يدور على نفسه بين المعلومات من غير جدوى.

 

تحصيل المجهول بالقسمة الثنائية:

بعد الانتهاء من دور مواجهة المشكل، ودور معرفة نوعه، يتحرّك الفكر إلى الجنس المعروف، ويقوم بتقسيمه بالقسمة المنطقية الثنائية إلى إثبات ونفي:

الإثبات بما يميّز المجهول تمييزاً ذاتياً أو عرضياً، والنفي بما عداه. فتصير الفصول كلّها معلومة على الترتيب، فنعرف بذلك جميع ذاتيات المجهول على التفصيل.

 

213


169

الدرس الحادي العشرون: كيف نفكّر لتحصيل المجهول التصوّري؟

التمارين

 

حدّد الصحيح من الخطأ في ما يأتي:

أ. النظريّ هو الذي نجهل حدّه أو رسمه.

 

ب. إنّ كسب التعريف يكون عن طريق القسمة بقسمَيها.

 

ج. إنّ تحصيل المجهول بالقسمة الثنائية يكون بالنظر إلى الأفراد المشتركة في ذلك الجنس، ثمّ تمييزها عن بعضها بعضاً، لاستخراج ما يميّز المجهول.

 

د. القسمة بالتحليل العقليّ تعني تقسيم الجنس المعروف إلى إثبات ونفي.

 

هـ. إنّ الدور الأوّل في طريقة التحليل العقليّ هو معرفة الجنس الذي يدخل فيه المجهول.

 

 

أسئلة حول الدرس

 

1. اذكر الأدوار التي تُعتَمد في طريقة التحليل العقليّ لمعرفة المجهول.

2. تحدّث عن الدور الرابع في طريقة التحليل العقليّ.

3. ما المراد من الإثبات والنفي في القسمة الثنائيّة؟

 

 

214

 

 

 

 

 

 


170
علم المنطق (الجزء الأوّل)