آمال العارفين


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-04

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وسلام على عباده الذين اصطفى؛ محمّد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام ، أنّه قال: "من أُعْطِيَ الدعاء؛ أُعْطِيَ الإجابة... ثمّ قال عليه السلام: أتلوتَ كتابَ الله عزّ وجلّ:... وقال:﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾1"2.
وحقيقة الاستجابة تكمن في الإقبال على الله تعالى بالدعاء بلسان القلب والفطرة، بحيث لا يخيب معها سائل. قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾3
وأمّا علّة مطلوبية الدعاء؛ فلأنّ الدعاء مَظْهَرُ فقر الإنسان إلى الله تعالى واحتياجه إليه. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾4. ومن المعلوم أنّ الفقر صفة دائمة في الإنسان(لأنّه صفة مشبّهة)؛ يعني: كما أنّ الممكن في حدوثه يحتاج إلى المؤثّر؛ فكذلك في بقائه؛ فكلّ شأن من شؤون الممكن
 
 

1- غافر: 60.
2- الكليني، محمد بن يعقوب: الكافي، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط4، طهران، دار الكتب الإسلامية؛ مطبعة حيدري، 1365هـ.ش، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب التفويض إلى الله...، ح6، ص65.
3- البقرة: 186.
4- فاطر: 15.
 
 
 
5

1

المقدمة

  يحتاج إلى مدبّر غني، وما هو إلّا الله تعالى.

ومن هذا المنطلق، ينبغي علينا أن نواظب على قراءة الأدعية المأثورة عن المعصومين عليهم السلام ، وأن نتدبّر مليّاً في مضامينها وحقائقها النورانيّة، حتى تنعكس كمالات ومظاهر جمالية في نفوسنا، وأن نتعلّم منها آداب الكلام مع الله تعالى، وكيف ندعوه، وماذا نطلب منه؟!
ومن الأدعية الهامّة في هذا الصدد: الدعاء الشريف المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام ؛ والمعروف بـ "دعاء كميل"؛ نسبة لراويه: كميل بن زياد النخعي، الذي تعلّمه من الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
وقد اشتهر هذا الدعاء شهرة عند الشيعة الإماميّة بلغت حدّ تسالم كثير من العلماء على قراءته، وممّن ذكره منهم من المتقدّمين:
شيخ الطائفة: محمّد بن الحسن الطوسي قدس سره (385ـ460 هـ.ق) في كتاب: "مصباح المتهجّد"؛ حيث ذكره مرسلاً1 عن كميل بن زياد النخعي عن الإمام علي عليه السلام 2.
السيد عليّ بن طاووس الحلّي قدس سره (589ـ664 هـ.ق) في كتاب "إقبال الأعمال"3.
الشيخ إبراهيم بن عليّ الكفعمي(840ـ905 هـ.ق) في كتابي: "المصباح (جنّة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية)"4، و"البلد الأمين والدرع الحصين"5.
وأمّا راوي الدعاء فهو: كميل بن زياد النخعي: عدّه الشيخ الطوسي قدس سره  في 
 
 

1- إنّ قوّة مضمون الدعاء المذكور وعمق معانيه بمثابة المنبّه على اعتباره وصحّة صدوره عن الإمام المعصوم عليه السلام ؛ فتدبّر.
2- الطوسي، محمد بن الحسن: مصباح المتهجّد، ط1، بيروت، مؤسّسة فقه الشيعة، 1411هـ.ق/ 1991م، دعاء الخضر عليه السلام ، ص844-850.
3- ابن طاووس، علي: إقبال الأعمال، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني، ط1، إيران، مكتب الإعلام الإسلامي، 1416هـ.ق، ج3، ص331-338.
4- الكفعمي، إبراهيم: المصباح(جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية)، ط3، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1403هـ.ق/ 1983م، ص555-560.
5- الكفعمي، إبراهيم: البلد الأمين والدرع الحصين، لاط، طهران، مكتبة الصدوق، 1383هـ.ق، ص188-191. 
 
 
 
6

2

المقدمة

 أصحاب الإمام علي عليه السلام ، وفي أصحاب الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. وعدّه الشيخ البرقي قدس سره  من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من اليمن. وعدّه الشيخ المفيد قدس سره  في كتابه الاختصاص من السابقين المقرّبين من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، عند ذكر السابقين المقرّبين، ونقل في صدده في كتابه الإرشاد: "لمّا وُلِّيَ الحجّاج، طلب كميل بن زياد؛ فهرب منه، فحرم قومه عطاءهم، فلمّا رأى كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير، وقد نفد عمري، ولا ينبغي أن أحرم قومي عطاءهم، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج، فلمّا رآه قال له: لقد كنت أحبّ أن أجد عليك سبيلاً، فقال له كميل: لا تصرف عليّ أنيابك، ولا تهدم عليّ، فوالله ما بقي من عمري إلا مثل كواسر الغبار، فاقض ما أنت قاض، فإنّ الموعد الله، وبعد القتل الحساب، وقد خبّرني أمير المؤمنين عليه السلام أنّك قاتلي، قال: فقال له الحجاج: الحجّة عليك إذاً، فقال له كميل: ذاك إذا كان القضاء إليك، قال: بلى، قد كنت في من قتل عثمان بن عفان! اضربوا عنقه، فضربت عنقه! وهذا أيضاً خبر رواه نَقَلَةُ العامّة عن ثقاتهم، وشاركهم في نقله الخاصّة". أقول: جلالة كميل واختصاصه بأمير المؤمنين عليه السلام من الواضحات التي لا يدخلها ريب1.

ولهذا الدعاء فضل كبير وآثار جمّة تشهد لها الآثار المروية والتجربة؛ من استجابة الدعاء، وقضاء الحاجة، وزيادة الرزق، والأمن من العدو، وشمول المغفرة...: 
ذكر السيد ابن طاووس قدس سره  في كتابه "إقبال الأعمال": "ومن الدعوات في هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ما رويناه، بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي(رضي الله عنه) قال: روي أنّ كميل بن زياد النخعي رأى أمير المؤمنين عليه السلام يدعو بهذا الدعاء في ليلة النصف من شعبان. أقول: ووجدت في رواية أخرى ما هذا لفظها: قال كميل بن زياد: كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد البصرة، ومعه جماعة من أصحابه، فقال بعضهم:
 
 
 

1- انظر: الخوئي، أبو القاسم: معجم رجال الحديث، ط5، لام، لان، 1413هـ.ق/ 1992م، ج15، ص132-133.
 
 
 
7

3

المقدمة

  ما معنى قول الله عزّ وجلّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾؟ قال عليه السلام: ليلة النصف من شعبان، والذي نفس علي بيده؛ إنّه ما من عبد إلا وجميع ما يجري عليه؛ من خيرّ وشرّ، مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة، في مثل تلك الليلة المقبلة، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام إلا أُجيب له. فلمّا انصرف طرقته ليلاً، فقال عليه السلام: ما جاء بك يا كميل؟ قلت: يا أمير المؤمنين! دعاء الخضر، فقال: اجلس يا كميل، إذا حفظت هذا الدعاء فادع به كلّ ليلة جمعة أو في الشهر مرّة أو في السنة مرّة أو في عمرك مرّة؛ تُكفَ، وتنصر، وترزق، ولن تُعدَم المغفرة. يا كميل! أوجب لك طول الصحبة لنا أن نجود لك بما سألت"1

ومن هذا المنطلق، عملنا على شرح معظم مقاطع هذا الدعاء الشريف، ضمن سلسلة من الدروس(اثني عشر درساً)، بحيث يتضمّن كلّ درس: 
• إيراد مقطعٍ من الدعاء.
• تحديد المفاهيم المحوريّة في هذا المقطع.
• شرح أبرز مفردات هذا المقطع(الإرجاع إلى الجذر اللغوي، والاستفادة من الآيات والروايات في شرح المفردات).
• تحديد دلالة المقطع.
وقفة تأمّلية: تتناول بعض الآيات والأحاديث المرتبطة بموضوع من المواضيع المطروحة في المقطع المذكور، وتتوخّى الحثّ على التفكّر والتدبّر في مضامين النصوص المذكورة ومعانيها العميقة. 
نتقدّم من صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف بهذا العمل المتواضع، عسى أن يكون موضع عنايته الشريفة.


مركز نون للتأليف والترجمة 
 

1- ابن طاووس، م.س، ج3، ص331-338.
 
 
 
8

4

أوّل الدعاء المعرفة

 1- أوّل الدعاء المعرفة




اَللّـهُمَّ اِنّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء، وَبِقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيْء، وَخَضَعَ لَها كُلُّ شَيء، وَذَلَّ لَها كُلُّ شَيء، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء، وَبِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ، وَبِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلأَتْ كُلَّ شَيء، وَبِسُلْطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيء، وَبِوَجْهِكَ الْباقي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيء، وَبِأَسْمائِكَ الَّتي مَلأَتْ اَرْكانَ كُلِّ شَيء، وَبِعِلْمِكَ الَّذي اَحاطَ بِكُلِّ شَيء، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي اَضاءَ لَهُ كُلُّ شيء.
 
 
 
 
 
9

5

أوّل الدعاء المعرفة

 المفاهيم المحوريّة:

1. معرفة المدعو شرط في الاستجابة.
2. من صفات المدعوّ:
• الرحمة الواسعة.
• القوّة القاهرة.
• الجبروت.
• العلم المحيط.
 
شرح المفردات:
اللهُمّ: أصلها أَلِهَ: "الهمزة واللام والهاء أصل واحد؛ وهو: التعبّد. فالإله الله تعالى، وسُمِّيَ بذلك؛ لأنّه معبود"1. "قال أَبو إسحق: وقال الخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بعلمهم: اللهمّ؛ بمعنى: يا أَلله، وإنّ الميم المشدّدة عوض مِن يا..."2.
 
 

1- ابن فارس، أحمد: معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، لاط، إيران، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404هـ.ق، ج1، مادّة"أَلِهَ"، ص127.
2- الإفريقي، ابن منظور: لسان العرب، لاط، قم المقدّسة، نشر أدب الحوزة، 1405هـ.ق، ج13، مادّة "أَلِهَ"، ص470.  
 
 
 
11

6

أوّل الدعاء المعرفة

 أسألك: أصلها سَأَلَ: "السين والهمزة واللام: كلمة واحدة. يقال: سأل يسأل سؤالاً ومسألة"1. و"السُّؤَالُ: استدعاء معرفة، أو ما يؤدّي إلى المعرفة... والسُّؤَالُ للمعرفة: يكون تارة للاستعلام، وتارة للتّبكيت، مثال الأوّل قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ﴾(التكوير: 8)... مثال الثاني، قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾(الإسراء: 85)"2.

رحمتك: أصلها رَحِمَ: "الراء والحاء والميم: أصل واحد يدلّ على: الرقّة، والعطف، والرأفة"3. "والرَّحْمَةُ: رقّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، وقد تستعمل تارة في الرّقّة المجرّدة، وتارة في الإحسان المجرّد عن الرّقّة، نحو: رَحِمَ الله فلاناً. وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلَّا الإحسان المجرّد دون الرّقّة... ولا يطلق الرَّحْمَنُ إلَّا على الله تعالى من حيث إنّ معناه لا يصحّ إلَّا له؛ إذ هو الذي وسع كلّ شيء رَحْمَةً، والرَّحِيمُ يستعمل في غيره؛ وهو الذي كثرت رحمته، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(البقرة: 182)، وقال في صفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾(التوبة: 128).
قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾(الأعراف: 156)؛ تنبيهاً أنّها في الدّنيا عامّة للمؤمنين والكافرين، وفي الآخرة مختصّة بالمؤمنين"4.
قهرت: أصلها قَهَرَ: "القاف والهاء والراء: كلمة صحيحة تدلّ على غلبة وعلو. يقال: قهره يقهره قهراً. والقاهر الغالب"5. و"القَهْرُ: الغلبة والتّذليل معاً، ويستعمل في
  

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"سَأَلَ"، ص124.
2- الأصفهاني، الراغب: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، ط2، قم المقدّسة، نشر طليعة النور؛ مطبعة سليمانزاده، 1427هـ.ق، ص437-338.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"رَحِمَ"، ص498.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص346-347.
5- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"قَهَرَ"، ص35.
 
 
 
12

7

أوّل الدعاء المعرفة

  كلّ واحد منهما. قال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾(الأنعام: 18)، وقال: ﴿وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾(الرعد: 16)، ﴿فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾(الأعراف: 127)"1.

خضع: أصلها خَضَعَ: "الخاء والضاد والعين: أصلان، أحدهما: تطامن في الشيء. والآخر: جنس من الصوت. فالأوّل: الخضوع. قال الخليل: خضع خضوعاً؛ وهو الذلّ والاستخذاء. واختضع فلان؛ أي تذلّل وتقاصر"2
ذلّ: أصلها ذلّ: "الذال واللام في التضعيف والمطابقة: أصل واحد يدلّ على الخضوع والاستكانة واللين. فالذل: ضدّ العزّ"3. و"الذُّلُّ: ما كان عن قهر... وقوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾(الإسراء: 24)؛ أي: كن كالمقهور لهما... والذُّلُّ متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه؛ فمحمود، نحو قوله تعالى: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾(المائدة: 54)"4.
جبروتك: أصلها جَبَرَ: "الجيم والباء والراء: أصل واحد؛ وهو: جنس من العظمة والعلو والاستقامة... وذو الجبروت: الله جلّ ثناؤه"5. "والجبّار في صفة الإنسان، يقال: لمن يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التعالي لا يستحقها"6.
عزّتك: أصلها عزّ: "العين والزاء: أصل صحيح واحد يدلّ على شدّة وقوّة وما ضاهاهما من غلبة وقهر. قال الخليل: العزة لله جلّ ثناؤه؛ وهو من العزيز"7. و"العِزَّةُ: حالةٌ مانعة للإنسان من أن يغلب. من قولهم: أرضٌ عَزَازٌ؛ أي: صُلْبةٌ. قال تعالى: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا﴾(النساء: 139)... والعَزيزُ:
  
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"قَهَرَ"، ص687.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج2، مادّة"خَضَعَ"، ص189.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج2، مادّة"ذَلّ"، ص345.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، ص330.
5- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج1، مادّة"جَبَرَ"، ص501.
6- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"جَبَرَ"، ص185.
7- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"عَزَّ"، ص38.
 
 
 
13

8

أوّل الدعاء المعرفة

  الذي يقهُر ولا يُقهَر. قال تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾(العنكبوت: 26)"1.

سلطانك: أصلها سَلَطَ: "السين واللام والطاء: أصل واحد؛ وهو: القوّة والقهر، من ذلك: السلاطة؛ من التسلّط؛ وهو القهر. ولذلك سمّي السلطان سلطاناً. والسلطان الحجّة"2."3.
أحاط: أصلها حوط: "الحاء والواو والطاء: كلمة واحدة؛ وهي الشيء يطيف بالشيء"4
... والإحاطة بالشيء علماً؛ هي: أن تعلم وجوده وجنسه وقدره وكيفيّته، وغرضه المقصود به وبإيجاده، وما يكون به ومنه؛ وذلك ليس إلَّا للَّه تعالى، وقال عزّ وجلّ: ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ﴾(يونس: 39)، فنفى ذلك عنهم... وقوله عزّ وجلّ: ﴿وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾(يونس: 22)، فذلك إحاطة بالقدرة"5.
 
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"عَزَّ"، ص563.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"سَلَطَ"، ص95.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"سَلَطَ"، ص420.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"حَوَطَ"، ص120.
5- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادة"حَيَطَ"، ص265-266.  
 
 
 
14

9

أوّل الدعاء المعرفة

 دلالة المقطع:

1- معرفة المدعوّ شرط في الاستجابة:
إنّ أوّل شرط للداعي إذا أراد أن يُستجاب دعائه يكمن في معرفته بمن يدعوه؛ ولذا، ابتدأت فقرات دعاء كميل ببيان الصفات الإلهيّة التي تشرّع للداعي باب المعرفة بعظمة من يدعوه، وتجذبه نحو الطلب من الله تعالى؛ لما أُلهِم قلبه من حتمية الإجابة؛ بفعل تعرّضه لنفحات هذه الصفات الكمالية الكاشفة عن عظمة المتّصف بها وقدرته وقوّته. وهذا هو حال مَنْ يطلب حاجة من أحد من الناس؛ فإنّه لا يلجأ إلى الطلب إلا ممَّن يعرفه، ويدرك أنّه القادر على استجابة طلبه، وقضاء حاجته.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عزّ وجلّ: من سألني؛ وهو يعلم أنّي أضرّ وأنفع؛ استجبت له"1
وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، قال: "قال قوم للصادق عليه السلام: ندعو فلا يُستجاب لنا، قال: لأنّكم تدعون من لا تعرفونه"2.
ومعرفة الله تكمن في معرفة صفاته؛ وهي حقائق كماليّة تتجلّى في ساحات الكون، ويدركها الإنسان بحسب قابليّته واستعداده ومرتبته الوجوديّة؛ وهي المذكورة في فقرات هذا الدعاء: الرحمة الواسعة، والقوّة، والقدرة الشاملة، والجبروت، والعزّة، والعظمة، والسلطان، والذات الباقية التي لا تُصاب بالفناء.
 
2- من صفات المدعوّ:
أ- الرحمة الواسعة:
إنّ الدعاء باب من أبواب رحمة الله. والإنسان يتوسَّل بصفة الرحمة الإلهيّة؛
  

1- ابن بابويه، محمد بن علي(الصدوق): ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، تقديم محمد مهدي الخرسان، ط2، قم المقدّسة، منشورات الشريف الرضي؛ مطبعة أمير، 1368هـ.ش، ص153.
2- ابن بابويه، محمد بن علي: التوحيد، تصحيح وتعليق هاشم الحسيني الطهراني، لاط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، لات، باب41، ح7، ص288-289.
 
 
 
 
 
15

 


10

أوّل الدعاء المعرفة

 لتشمله؛ فتكتب له النجاة. ولذا، كان السؤال الأوّل توسّلاً بالرحمة الإلهيّة. والرحمة الإلهيّة هي كلّ فيض يفيضه الله تعالى لسدّ حاجات الموجودات، واستكمال نواقصها، حيث إنّها بحسب ذاتها فقيرة ومحتاجة إلى الكامل المطلق.

فالرحمة تشمل حياة الإنسان في عالم الدنيا؛ من الولادة إلى آخر لحظات عمره، وكذلك في عالم الآخرة، حيث يُكتَب له النجاة والفوز بالجنّة: 
عن الإمام زين العابدين عليه السلام - لمّا قيل له: إنّ الحسن البصري قال: ليس العجب ممَّن هلك كيف هلك، وإنّما العجب ممَّن نجى كيف نجى! -: "أنا أقول: ليس العجب ممَّن نجى كيف نجى، وأمّا العجب ممَّن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله"1.
وبما أنّ لكلّ شيء في هذا الكون سبب مُوصِل إليه، فإنّ الوصول إلى رحمة الله يتوقَّف على عدد من الأمور تُعدّ بمثابة مُوجبات لشمول الرحمة الإلهيّة، وهي:
• عدم الإفساد في الأرض.
• الدعاء عن خوف أو عن طمع.
• الإيمان بالله والاعتصام به.
وهذه الثلاثة وردت في آيات كتاب الله: 
قال تعالى: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾2.
وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾3.
  

1- الموسوي، علي بن الطاهر(الشريف المرتضى): الأمالي، تصحيح وتعليق محمد بدر الدين الحلبي، ط1، قم المقدّسة، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1325هـ.ق/ 1907م، ج1، المجلس11، ص113.
2- الأعراف: 56.
3- النساء: 175.
 
 
 
16

11

أوّل الدعاء المعرفة

 الصبر: قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾1.

 
ب- القوّة القاهرة:
إنّ سعة القدرة الإلهيّة جعلت كلّ شيء مقهوراً لها؛ أي لا يملك أمامها حول أو قوّة. ويترتّب على هذا القهر: الخضوع والذلّ. 
والخضوع؛ هو: التسليم، وعدم مقاومة سعة القدرة الإلهيّة. ويكمن ذلك من خلال الإيمان بأنّ القدرة الإلهيّة شاملة لكلّ شيء، ولا يمكن الخروج عنها. وهذا التسليم قد يكون عملاً، وقد يكون مع اليقين والطمأنينة بهذه السعة؛ أي عن اعتقاد وإيمان صحيحين.
وهذا يعني أنّ هذا الخضوع قد لا يكون عن اختيار، وقد يكون عن اختيار؛ فكلّ شيء خاضع له. وفي اختيار طاعة الله عزّ وجلّ خضوع اختياري؛ لأنّ الله لم يُجبِر أحداً على طاعته. وفي الرضا والتسليم بقضاء الله خضوع اختياري؛ لأنّه لا اعتراض، بل تسليم.
وأمّا الذلّ فلا يكون عن قهر؛ لأنّ الذي لا يعيش حالة التسليم الاختياري؛ فإنّه -أيضاً- خاضع للقوّة الإلهيّة، ولكنّه مُجبَر عليها؛ فيكون ذليلاً.
 
ج- الجبروت:
ورد في القرآن الكريم أنّ من الأسماء الإلهيّة هو: اسم الجبّار. والجبّار مبالغة في الذي تنفذ إرادته، ويَجْبِر على ما يشاء.
وهذه الصفة تختصّ بالله عزّ وجلّ. ولذا، ورد عن الإمام علي عليه السلام - في كتابه لمالك الأشتر حين ولّاه على مصر -: "إيّاك ومساماة الله في عظمته، والتشبّه به
  

1- البقرة: 155-156-157.
 
 
 
17

12

أوّل الدعاء المعرفة

في جبروته؛ فإنّ الله يذلّ كلّ جبّار، ويهين كلّ مختال"1.

ويترتّب على الإيمان بأنّ الجبروت لله فقط؛ عدّة فوائد، منها:
• الجبروت: هو صاحب الإرادة الغالبة؛ لأنّ الإرادة الإلهيّة تغلب إرادة كلّ مُرِيد؛ فهو يتمكَّن في أيّ لحظة أن يمنع الإنسان من أن يتصرّف تصرّفاً في أيّ أمر من الأمور؛ حتى تلك الأمور الخاضعة له، والتي تقع تحت سيطرته. 
• يعني: أنّ الإنسان قد يشذّ به الحال، فيريد الخروج عن الإرادة الإلهيّة، ولكنّ الإرادة الإلهيّة غالبة على كلّ شيء. وهذا حقّ الهي؛ لأنّ العباد مملوكون لله عزّ وجلّ، والمالك له حقّ التصرّف في ملكه بما يشاء.
• وصف الله عزّ وجلّ نفسه بهذا الاسم في القرآن، كما نلجأ في الدعاء إلى التوسّل بهذا الاسم الإلهي؛ لأنّ ذلك يُشعِر الإنسان في نفسه الذلّ والمسكنة لربّ العزّة والجلال. فمعرفة الله بصفاته تجعل الإنسان يُحسن اتّخاذ الموقف في هذه الدنيا.
• من الآثار التربوية المترتّبة على التوسّل بهذه الأسماء: حصول الإيمان الثابت في القلب؛ لأنّ الإنسان يعلم من خلالها أنّ الإرادة الإلهية غالبة على كلّ شيء؛ فإذا استشعر الخطر، أو جاءه عدوّ، أو أراد به أحد سوءاً؛ يعلم حينها أنّ جبروت الله غالب على كلّ شيء.
 
د - العلم المحيط:
العلم يعني المعرفة؛ وهو: ضدّ الجهل. ودليل سعة العلم الإلهي: أنّ الله هو الخالق؛ فلا بدّ وأن يكون عالماً بكلّ شيء: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾2
وفي القرآن الكريم آيتان تتحدّثان عن سعة العلم الإلهي، هما: قوله تعالى:
 
 

1- الموسوي، محمد بن الحسين بن موسى(الشريف الرضي): نهج البلاغة(الجامع لخطب أمير المؤمنين عليه السلام ورسائله وحكمه)، شرح محمد عبده،ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش، ج3، كتاب53، ص85.
2- الملك: 14.
 
 
 
18

13

أوّل الدعاء المعرفة

 ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾1.

والعلم الإلهي: هو علم إحاطة؛ أي أنّه يُدرِك الأشياء بتمامها، وبكافّة وجوهها وجزئيّاتها، بل وبما ستصير إليه. 
والاعتقاد بسعة العلم الإلهي له آثاره على الإنسان في هذه الدنيا، ومن هذه الفوائد:
• الامتناع عن الذنب: إنّ الإيمان بالعلم الإلهي المطلق يُولِّد الشعور بالرقابة الدائمة. 
حُكِيَ أنّ بعض الشيوخ كان كثير الميل إلى واحد من جملة المريدين؛ فشقّ على الآخرين ذلك، فأراد أن يُظهر لهم فضيلة ذلك المريد، فأعطى كلّ واحد منهم طائراً، وقال له: اذبح هذا حيث لا يراك أحد، فذهبوا، ثمّ جاؤوا قد ذبح كلّ واحد منهم طائره إلا ذلك المريد؛ فإنّه ردّ طائره حيّاً، فقال الشيخ: ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك؟ فقال: لم أجد موضعاً لا يراني فيه أحد؛ فإنّ الله تعالى يراني في كلّ موضع، فقال الشيخ: لهذا أميل إليه؛ لأنّه لا يلتفت إلى غير الله عزّ وجلّ2.
• الابتعاد عن التفكير بالمعصية: مع اشتداد الإيمان بالعلم الإلهي يحدث تعظيم هيبة الله تعالى في قلب الإنسان، فيصرفه ذلك عن التفكّر بالعصيان: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾3،﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ
 
 

1- الأنعام: 59 60.
2- الكاشاني، محمد بن المرتضى(الفيض الكاشاني): المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط2، قم المقدّسة، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم؛ مطبعة مهر، لات، ج2، ص115-116.
3- غافر: 19.
 
 
 
 
19

14

أوّل الدعاء المعرفة

  تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ﴾1، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾2.

• إدراك المظلوم أنّ حقّه لا يضيع: فإنّه، وإن كان قد لا يتمكّن من إثبات حقّه، ولكنّ الله عزّ وجلّ عالم بحقّه؛ فيأخذه له.
• إدراك الظالم أنّه إن أخفى حقّ غيره في هذه الدنيا؛ فإنّه لن يخفى على الله عزّ وجلّ، وسيأخذه منه في الدنيا أو في الآخرة.
  

1- البقرة: 284.
2- فاطر: 28.
 
 
 
20

15

أوّل الدعاء المعرفة

 موعظة وعبرة

موانع استجابة الدعاء:
لقد ذكرت بعض الروايات ذنوباً متعدّدة، إن ارتكبها الإنسان تحول بينه وبين إجابة دعائه، مثل سوء النية، النفاق، تأخير الصلاة عن وقتها، اللسان البذيء الذي يخشاه الناس، الطعام الحرام، وترك الصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى1.
وفي الاحتجاج، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه سُئل: أليس يقول الله: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾؟ وقد نرى المضطّر يدعوه ولا يجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوّه فلا ينصره!
قال: "ويحك! ما يدعوه أحدٌ إلّا استجاب له، أمّا الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب، وأمّا المحقّ فإذا دعا استجاب له وصرف عنه البلايا من حيث لا يعلمه، أو ادّخر له ثواباً جزيلاً ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيراً له إن أعطاه، أمسك عنه"2.
ما معنى الآيتين؟
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حينما سأله أحدهم، قال: قلت: آيتان في كتاب الله عزّ وجلّ أطلبهما فلا أجدهما!
قال عليه السلام: "وما هما"؟
قلت: قول الله عزّ وجلّ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، فندعوه ولا نرى إجابة.
قال عليه السلام: "أفترى الله عزّ وجلّ أخلف وعده"؟
قلت: لا.
 
 

1- معاني الأخبار، طبقاً لما أورده تفسير نور الثقلين: 4/ 534 وأصول الكافي.
2- تفسير الصافي، ذيل تفسير الآيات 60 63 من سورة مؤمن (غافر).
 
 
 
 
21

16

أوّل الدعاء المعرفة

 قال: "فممّ ذلك"؟

قلت: لا أدري.
قال عليه السلام: "لكنّي أخبرك، من أطاع الله عزّ وجلّ فيما أمره من دعائه من جهة الدعاء أجابه".
قلت: وما جهة الدعاء؟
قال: "تبدأ فتحمد الله وتذكر نِعمه عندك، ثمّ تشكره، ثمّ تصلّي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ تذكر ذنوبك فتُقِرّ بها، ثمّ تستعيذ منها، فهذا جهة الدعاء"1.
 
 

1- تفسير البرهان: 3/ 353.
 
 
 
22

17

أوّل الدعاء المعرفة

 وقفة تأملية

التدبّر في آيات الخلق وأحوال الأمم الغابرة:
حثّ القرآن الكريم على التدبّر في آيات الخَلقِ واستكشاف مظاهر العظمة الإلهيّة الكامنة فيها؛ بوصفها حاكية عن وجود مدبّر حكيم يرجع إليه أمر هذه الآيات الكونية الباهرة: 
وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾1.
وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾2.
قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ *وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾3.
فالتفكّر في هذه الآيات الكونية الزاهية بجمال مبدعها؛ يقود النفس إلى إدراك عظمة هذا الصانع الحكيم والقدير، وجزيل نعمه التي أسبغها على الخلق أجمعين. 
كما حثّ القرآن الكريم على الاستفادة من أحوال الأمم والمجتمعات الغابرة، واستلهام الدروس والعبر من أحوالها الماضية؛ حيث إنّهم انصرفوا عن الاستجابة لدعوة الحقّ تعالى وانقطعوا إلى الأسباب الزائفة؛ فأصابهم ما أصابهم من خزي وعذاب أليم. 
قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾4.
وقال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ﴾5.
 
 

1- آل عمران: 190-191.
2- الجاثية: 13.
3- الغاشية: 17-20.
4- يوسف: 111.
5- آل عمران: 137.
 
 
 
23

 


18

آثار الذنوب

 2- آثار الذنوب



اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ، اَللّـهُمَّ اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ، اَللّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ، اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ الْبَلاءَ، اَللّهُمَّ اغْفِرْ لي كُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ، وَكُلَّ خَطيئَة اَخْطَأتُها.
 
 
 
 
25

19

آثار الذنوب

 مفاهيم محوريّة: الآثار التكوينية والتشريعية لارتكاب الذنوب:

• ذنوب تجرّ ذنوباً.
• ذنوب تنزل النقم وتستوجب العقاب.
• ذنوب تزيل النعم.
• ذنوب تمنع الاستجابة.
• ذنوب تنزل البلاء والمصائب.
• ذنوب تقطع الأمل.
 
شرح المفردات:
اغفر: أصلها غَفَرَ: "الغين والفاء والراء: عظم بابه الستر، ثمّ يشذّ عنه ما يذكر، فالغفر الستر. والغفران والغفر؛ بمعنى. يقال: غفر الله ذنبه؛ غفراً، ومغفرةً، وغفراناً"1. و"الغَفْرُ: إلباس ما يصونه عن الدّنس... والغُفْرَانُ والْمَغْفِرَةُ من الله؛ هو: أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب. قال تعالى: ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾(البقرة: 285)، و﴿مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾(آل عمران: 133)، ﴿وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ 
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، مادّة"غَفَرَ"، ج4، ص385.
 
 
 
27

20

آثار الذنوب

 اللّهُ﴾(آل عمران: 135)... والاسْتِغْفَارُ: طلب ذلك بالمقال والفعال...: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾(نوح: 10)"1.

الذنوب: أصلها ذَنَبَ: "والذَّنْبُ في الأصل: الأخذ بذنب الشيء، يقال: ذَنَبْتُه: أصبت ذنبه، ويستعمل في كلّ فعل يستوخم عقباه اعتباراً بذنب الشيء، ولهذا يسمّى الذَّنْبُ تبعة؛ اعتباراً لما يحصل من عاقبته، وجمع الذّنب ذُنُوب"2.
تهتك: أصلها هَتَكَ: "الهاء والتاء والكاف: أصل يدلّ على شقّ في شيء. والهتك: شقّ الستر عما وراءه. وهتك عرش فلان؛ هدّ وشقّ"3. "وقد هتكته فانهتك؛ أي: فضحته، والاسم: الهتكة؛ وهي: الفضيحة. وهتك الأستار؛ شدّد للمبالغة. وتهتّك: افتضح"4.
العصم: أصلها عَصَمَ: "العين والصاد والميم: أصل واحد صحيح يدلّ على إمساك ومنع وملازمة؛ والمعنى في ذلك كلّه معنى واحد، من ذلك: العصمة أن يعصم الله تعالى عبده من سوء يقع فيه. واعتصم العبد بالله تعالى؛ إذا امتنع. واستعصم؛ التجأ"5. "والاعْتِصَامُ: الاستمساك. قال تعالى: ﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾(هود: 43)؛ أي: لا شيء يَعْصِمُ منه"6.
النقم: أصلها نَقَمَ: "النون والقاف والميم: أصل أصيل يدلّ على إنكار شيء وعيبه"7. و"نَقِمْتُ الشَّيْءَ ونَقَمْتُه: إذا أَنْكَرْتُه، إِمَّا باللِّسانِ، وإِمَّا بالعُقُوبةِ. قال تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ﴾(التوبة: 74)... والنِّقْمَةُ: العقوبةُ. قال:
 
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"غَفَرَ"، ص609.
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"ذَنَبَ"، ص331.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، مادّة"هَتَكَ"، ج6، ص32.
4- الطريحي، فخر الدين: مجمع البحرين، ج5، مادّة"هَتَكَ"، ص298.
5- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، مادّة"عَصَمَ"، ج4، ص331.
6- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"عَصَمَ"، ص569.
7- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، مادّة"نَقَمَ"، ج5، ص464.
 
 
 
28

21

آثار الذنوب

 ﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾(الأعراف: 136)"1.

البلاء: أصلها بَلَوَى: "الباء واللام والواو والياء: أصلان، أحدهما: إخلاق الشيء، والثاني: نوع من الاختبار، ويحمل عليه الإخبار أيضاً... وأمّا الأصل الآخر، فقولهم: بلى الإنسان، وابتلي؛ وهذا من الامتحان؛ وهو الاختبار... ويكون البلاء في الخير والشرّ. والله تعالى يبلي العبد بلاء حسناً وبلاءً سيّئاً؛ وهو يرجع إلى هذا؛ لأنّ بذلك يختبر في صبره وشكره"2.*
 
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"نَقَمَ"، ص822.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، مادّة"بَلَوَى"، ج1، ص292-293.
*-... وسمّي التكليف بلاءً من أوجه: أحدها: أنّ التكاليف كلّها مشاق على الأبدان، فصارت من هذا الوجه بلاء. والثاني: أنّها اختبارات، ولهذا قال الله عزّ وجل: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾(محمد: 31). والثالث: أنّ اختبار الله تعالى للعباد تارة بالمسارّ؛ ليشكروا، وتارة بالمضارّ؛ ليصبروا، فصارت المحنة والمنحة جميعاً بلاء، فالمحنة مقتضية للصبر، والمنحة مقتضية للشكر... قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾(الأنبياء: 35)، ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً﴾(الأنفال: 17)".
 
 
 
29

22

آثار الذنوب

 دلالة المقطع:

الآثار التكوينية والتشريعية لارتكاب الذنوب:
1- ذنوب تجرّ ذنوباً:
لارتكاب الذنوب آثار في هذه الدنيا، ولا يختصّ أثر الذنب بالعقوبة الأخروية. 
ولذا، يبيّن لنا هذا المقطع من الدعاء بعضاً من آثار الذنوب التي يَسأل الداعي الله عزّ وجلّ مغفرتها؛ وأوّلها دعاء بمغفرة الذنوب التي تكون سبباً في زوال مِنْعَة العبد عن الوقوع في المعاصي:
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "والذنوب التي تهتك العصم: شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطى ما يُضحِك الناس؛ من اللغو، والمزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب"1.
وهذه ذنوب تجرّ ذنوباً؛ فشارب الخمر لا يدري ما يفعل، فشربه للخمر يجرّه إلى ارتكاب ذنوب أخرى، وكذلك الحال في الذنوب الأخرى التي وردت في الرواية؛ فإنّ اللغو والمزاح يجرّان إلى أذيّة الناس أو الكذب، ومجالسة أهل الريب تجرّ إلى الانحراف وزوال الإيمان.
والتقوى؛ هي العصمة التي لا بدّ أن يتمسّك بها الإنسان لتحصين نفسه وضمان منعتها؛ فإذا زالت تتالت الذنوب عليه وأقعدته عن المسير في طريق الكمال والسعادة الأبدية.
 
2- ذنوب تنزل النقم وتستوجب العقاب:
إنّ من الذنوب ما يُعاقب عليه الإنسان في الدنيا قبل الآخرة: 
 
 

1- ابن بابويه، محمد بن علي بن الحسين: معاني الأخبار، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، لاط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، 1379هـ.ق/ 1338هـ.ش، باب معنى تفسير الذنوب، ح2، ص271.
 
 
 
 
30

23

آثار الذنوب

 ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "والذنوب التي تنزل النقم: عصيان العارف بالبغي، والتطاول على الناس، والاستهزاء بهم، والسخرية منهم"1.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خمس بخمس: ما نقض قوم العهد؛ إلا سلّط عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله؛ إلا نشأ فيهم الفقر، ولا ظهر فيهم الفاحشة؛ إلا فشا فيهم الموت، ولا طفقوا المكيال؛ إلا مُنِعُوا النبات، وأُخِذُوا بالسنين، ولا مَنَعوا الزكاة؛ إلا حُبِسَ عنهم القطر"2.
 
3- ذنوب تزيل النعم:
إنّ الله عزّ وجلّ يُنعم بكرمه على هذا الإنسان، ولكنّ الإنسان بارتكابه للذنوب يفقد هذه النعم؛ فزوال النعم مرتبط بزوال الاستقامة. والانحراف سبب لزوال النعمة: 
قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾3. وهذه سنّة إلهية ثابتة.
وروي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام بيان تلك الذنوب الُموجِبَة لزوال النعم، حيث يقول: "الذنوب التي تغيِّر النعم: البغي على الناس، والزوال عن العادة في الخير، واصطناع المعروف، وكفران النعم، وترك الشكر. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾"4.
وكما تذكر الرواية، فإنّ أوّلها هو الظلم؛ وأدنى مراتبه منع الحقوق؛ وهو في صورة اشتغال ذمّته بردّ حقوق الناس وعدم وفائه بذلك.
 
 

1- الصدوق، معاني الأخبار، م.س، باب معنى تفسير الذنوب، ح2، ص270-271.
2- المتقي الهندي، علاء الدين علي: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير بكري حياني، تصحيح وفهرسة صفوة السقّا، لاط، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1409هـ.ق/ 1989م، ج16، ح44006، ص79.
3- الأنفال: 53.
4- الصدوق، معاني الأخبار، م.س، باب معنى تفسير الذنوب، ح2، ص270.
 
 
 
31

24

آثار الذنوب

 4- ذنوب تمنع الاستجابة:

إنّ السبب في حبس الدعاء؛ أي عدم استجابة الله للدعاء؛ هو: فعل الإنسان، وإلا فإنّ العطاء الإلهي لا يقف عند حدّ. والغفلة هي الأساس في حبس الدعاء: 
"إنّ الله عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه، فإذا دعوت؛ فأقبل بقلبك"1.
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "والذنوب التي تردّ الدعاء: سوء النيّة، وخبث السريرة، والنفاق مع الإخوان، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرّب إلى الله عزّ وجلّ بالبرّ والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول"2.
فكيف يمكن للقلب الملوَّث بالذنوب أن يقف بين يدي مَنْ أساء إليه واجترأ عليه؛ ليطلب منه الحاجة؟!
وفي دعاء السحر للإمام زين العابدين عليه السلام: "سيدي، لعلّك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحيّتني، أو لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك؛ فأقصيتني، أو لعلّك رأيتني معرضاً عنك؛ فقليتني، أو لعلّك وجدتني في مقام الكاذبين؛ فرفضتني، أو لعلّك رأيتني غير شاكر لنعمائك؛ فحرمتني، أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء؛ فخذلتني، أو لعلّك رأيتني في الغافلين؛ فمن رحمتك آيستني، أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين؛ فبيني وبينهم خلّيتني، أو لعلّك لم تُحب أن تسمع دعائي؛ فباعدتني، أو لعلّك بجرمي وجريرتي؛ كافيتني، أو لعلّك بقلّة حيائي منك؛ جازيتني"3.
 
5- ذنوب تنزل البلاء والمصائب:
البلاء: هو المصاب الذي يُورِث الهمّ والغمّ؛ وهو من فعل الإنسان: ﴿وَمَا أَصَابَكُم 
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب الإقبال على الدعاء، ح1، ص473.
2- الصدوق، معاني الأخبار، م.س، باب معنى تفسير الذنوب، ح2، ص271.
3- الطوسي، مصباح المتهجّد، م.س، دعاء السحر في شهر رمضان، ص588.
 
 
 
32

25

آثار الذنوب

مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾19.

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "والذنوب التي تنزل البلاء: ترك إغاثة الملهوف، وترك معاونة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"20.
 
6- ذنوب تقطع الأمل:
والمراد بها خصوص الذنوب التي تُوجِب اليأس؛ لأنّ الرجاء هو الأمل، فالمذنب يرى نفسه بعيداً عن الله، وكلّما غرق في ذنبه؛ ازداد اليأس فيه. ولذا، كان الحذر من الذنوب بابَ بقاء الرجاء:
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "والذنوب التي تقطع الرجاء: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله، والتكذيب بوعد الله عزّ وجلّ"21.
 
 

1- الشورى: 30.
2- الصدوق، معاني الأخبار، م.س، باب معنى تفسير الذنوب، ح2، ص271.
3- الصدوق، معاني الأخبار، م.س، باب معنى تفسير الذنوب، ح2، ص271.
 
 
 
33

26

آثار الذنوب

 موعظة وعبرة

قصّة العابد (برصيصا):
نقل بعض المفسّرين وأئمّة الحديث روايةً قصيرةً عن عابد إسرائيلي اسمه (برصيصا)، وهذه القصّة في الحقيقة يمكن أن تكون موضع عِبرة وعِظة للبشريّة جمعاء؛ كي يتجنّبوا طريق الهلاك، ويحذروا من الوقوع في مصيدة الشِراك الشيطانيّة النخرة، والتي تكون نتيجتها السقوط في الهاوية حتماً.
 
وخلاصة ما جاء في هذه القصّة الآتي:
إنّه كان في بني إسرائيل عابد اسمه "برصيصا"، قد عبد الله زماناً من الدهر، حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوذهم فيبرؤون على يديه، وإنّه أُتي بامرأة قد جنّت، وكان لها إخوة، فأتوه بها فكانت عنده، فلم يزل به الشيطان يزيّن له حتى وقع عليها فحملت، فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها، فلمّا فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد أخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب، وأنّه دفنها في مكان كذا، ثمّ أتى بقيّة إخوتها، وهكذا انتشر الخبر، فساروا إليه فاستنزلوه فأقرّ لهم بالذي فعل، فأُمِر به فصلب، فلمّا رُفِع على خشبته تمثّل له الشيطان، فقال: أنا الذي ألقيت في قلوب أهلها، وأنا الذي أوقعتك في هذا، فأطعني فيما أقول أُخلّصك ممّا أنت فيه. قال: نعم. قال: اسجد لي سجدة واحدة. فقال: كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة؟! فقال: أكتفي منك بالإيماء. فأومى له بالسجود، فكفر بالله وقُتِل؛ فهو قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ﴾.1
 
نعم، هكذا هو مصير من ابتُلي بوسوسة الشيطان، وسار في خطّه.
 
 

1- تفسير مجمع البيان: 9/ 265، تفسير القرطبي: 9/ 6518، وجاءت هذه القصّة مفصّلة أكثر في تفسير روح البيان: 9/ 446.
 
 
 
34

27

آثار الذنوب

 وقفة تأملية

التدبّر في آثار حسن الظنّ بالله تعالى:
عن بريد بن معاوية، عن الإمام أبي جعفر عليه السلام ، قال: "وجدنا في كتاب علي عليه السلام: أنّ رسول ‏الله صلى الله عليه وآله وسلم قال على منبره: "والذي لا إله إلّا هو ما أُعْطِي مؤمنَ قط خيرُ الدنيا والآخرة إلّا بحسب ظنّه بالله، ورجائه له، وحُسْن خلقه، والكفّ عن اغتياب المؤمنين. والذي لا إله إلّا هو لا يعذّب الله مؤمناً بعد التوبة والاستغفار، إلّا بسوء ظنّه بالله، وتقصير من رجائه له، وسوء خلقه، واغتياب المؤمنين. والذي لا إله إلّا هو لا يحسن ظنّ عبدٍ مؤمن بالله إلّا كان الله عند ظنّ عبده المؤمن؛ لأنّ الله كريم بيده الخير يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ، ثمّ يخلِف ظنّه ورجاءه. فأحسِنوا بالله الظنّ وارغبوا إليه"1.
 
إنّ التدبّر في هذه الرواية يقود الإنسان إلى حقيقة اتّخاذ حسن الظنّ بالله تعالى عوناً في كلّ أمر يعرض عليه؛ فيحسن ظنّه بالله بالمغفرة له حين يستغفره، وبقبول توبته إذا تاب عن معصيته، وبالإجابة إذا دعاه مخلصاً، وبالكفاية إذا استكفاه وتوكّل عليه، وبقبول عمله عند قيامه به.
 
ومن هنا، ينبغي علينا أن نركن إلى حسن الظنّ بالله تعالى في جميع أمورنا، وأن نؤدّي أعمالنا موقنين بالإجابة؛ فإنّ الله تعالى وَعَدَنا بقبول توبتنا إذا كانت صادقة خالصة له: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾2، وإذا كانت توبة نصوحة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾3، وصادرة 
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الظنّ بالله، ح2، ص71-72.
2- الشورى: 25.
3- التحريم: 8.
 
 
 
35

28

آثار الذنوب

 عن جهالة: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾26.

 

1- النساء: 17.
 
 
 
36

29

نعم مجهولة

 3- نعم مجهولة



اَللّهُمَّ مَوْلاي كَمْ مِنْ قَبيح سَتَرْتَهُ وَكَمْ مِنْ فادِح مِنَ الْبَلاءِ اَقَلْتَهُ (اَمَلْتَهُ) وَكَمْ مِنْ عِثار وَقَيْتَهُ، وَكَمْ مِنْ مَكْرُوه دَفَعْتَهُ، وَكَمْ مِنْ ثَناء جَميل لَسْتُ اَهْلاً لَهُ نَشَرْتَهُ.
 
 
 
 
37

30

نعم مجهولة

 مفاهيم محوريّة:

النعم الإلهية: ظاهرة، وباطنة خفية.
من النعم الباطنة: ستر قبائح العباد. والوقاية من البلاء، ومغفرة العثرات، ودفع المكروه، ونشر الثناء.
 
شرح المفردات:
فادح: أصلها فَدَحَ "الفاء والدال والحاء: كلمة فدحه الأمر؛ إذا عاله وأثقله فدحاً؛ وهو أمر فادح"1.
أقلته: أصلها قَلَّ: "القاف واللام: أصلان صحيحان، يدلّ أحدهما: على نزاره الشيء، والآخر: على خلاف الاستقرار؛ وهو الانزعاج... وأمّا الأصل الآخر، فيقال: تقلقل الرجل وغيره؛ إذا لم يثبت في مكان، وتقلقل المسمار؛ قلق في موضعه"2.
عثار: أصلها عَثَرَ: "العين والثاء والراء: أصلان صحيحان، يدلّ أحدهما: على
 
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"فَدَحَ"، ص484.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"قلّ"، ص3.
 
 
 
39

31

نعم مجهولة

  الاطّلاع على الشيء، والآخر: على الإثارة للغبار"1. و"عَثَرَ الرّجلُ يَعْثُرُ عِثَاراً وعُثُوراً؛ إذا سقط، ويتجوّز به فيمن يطَّلع على أمر من غير طلبه. قال تعالى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾(المائدة: 107)"2.

وقيته: أصلها وَقَى: "الواو والقاف والياء: كلمة واحدة تدلّ على دفع شيء عن شيء بغيره. ووقيته: أقيه وقياً. والوقاية: ما بقي الشيء. واتّقِ الله: توقَّه؛ أي اجعل بينك وبينه كالوقاية"3. و"الوِقَايَةُ: حفظُ الشيءِ ممّا يؤذيه ويضرّه"4.
مكروه: أصلها كَرَهَ: "الكاف والراء والهاء: أصل صحيح واحد يدلّ على خلاف الرضا والمحبّة"5. و"قيل: الْكَرْه والْكُرْه واحد، نحو: الضّعف والضّعف، وقيل: الكَرْه: المشقّة التي تنال الإنسان من خارج في ما يحمل عليه بِإِكْرَاه، والكُرْه: ما يناله من ذاته وهو يعافه؛ وذلك على ضربين: أحدهما: ما يعاف من حيث الطَّبع. والثاني: ما يعاف من حيث العقل أو الشّرع... وقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُم﴾(البقرة: 216)؛ أي: تَكْرَهُونَه من حيث الطَّبع... قال تعالى: ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(التوبة: 32)"6.

دفعته: أصلها دَفَعَ: "الدال والفاء والعين: أصل واحد مشهور يدلّ على تنحية الشيء. يقال: دفعت الشيء أدفعه دفعاً. ودافع الله عنه السوء دفاعاً"7.
الثناء: أصلها ثَنَى: "الثاء والنون والياء: أصل واحد؛ وهو: تكرير الشيء مرتين، أو جعله شيئين متواليين أو متباينين؛ وذلك قولك: ثنيت الشيء ثنياً"8. "وقيل:
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"عَثَرَ"، ص228.
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"عَثَرَ"، ص546.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، مادّة"وَقَى"، ص131.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"وَقَى"، ص881.
5- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"كَرَهَ"، ص172.
6- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"كَرَهَ"، ص707-708.
7- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"دَفَعَ"، ص288.
8- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"ثَنَى"، ص319.
 
 
 
40

 


32

نعم مجهولة

 الثُّنْوَى والثَّنَاء: ما يذكر في محامد الناس، فيثنى حالاً فحالاً ذكره، يقال: أثني عليه"1.

 
دلالة المقطع:
1- قبائح مستورة:
قد يتمكّن الإنسان من أن يخفي بعض الذنوب عن الناس؛ كالذنوب التي يرتكبها في السرّ، ولكنّه لا يستطيع أن يخفيها عن الله عزّ وجلّ؛ لأنّه تعالى بكلّ شيء محيط. والله عزّ وجلّ هو الوحيد الذي يستر الذنوب؛ وذلك عندما يبادر الإنسان إلى التوبة: 
روي عن الإمام الصادق عليه السلام - حيث سمعه معاوية بن وهب يقول -: "إذا تاب العبد المؤمن توبة نصوحاً؛ أحبّه الله، فستر عليه في الدنيا والآخرة. قلت: وكيف يستر عليه؟ قال: يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب... فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب"2.
 
2- بلاء مدفوع:
إنّ الإنسان مخلوق ضعيف معرَّض للكثير من الابتلاءات؛ من المرض، والمهانة، والفضيحة، وغيرها، وبعض هذه البلاءات قد يكون فادحاً؛ أي عظيماً وكبيراً؛ بحيث يثقل على الإنسان حمله. والله عزّ وجلّ يُقيل الإنسان منه؛ أي يعفو عنه، ويدرأ عنه الابتلاء به:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "أمّا إنّه ليس من عِرق يضرب، ولا نكبة، ولا صداع، ولا مرض؛ إلّا بذنب؛ وذلك قول الله عزّ وجلّ في كتابه: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ 
 
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"ثَنَى"، ص178-179.
2- ابن بابويه، ثواب الأعمال، م.س، ص171.
 
 
 
41

33

نعم مجهولة

 فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ ، وما يعفو الله أكثر ممّا يؤاخذ به"1.

 
3- زلل ممنوع: 
إنّ النفس الأمّارة تدفع الإنسان لارتكاب الأخطاء والمعاصي، والشيطان يزيّنها للإنسان؛ لكي يجعلها في صورة محبَّبة له. ولذا، كان الإنسان مُعرّضاً في حياته للوقوع في المعاصي. ومتى نظر الإنسان إلى ما يمكن أن يصدر منه من ذنوب أدرك رحمة الله به؛ الذي يصونه ويحفظه عن الوقوع بها:
عن الإمام علي عليه السلام: "كيف يصبر عن الشهوة من لم تعنه العصمة؟!"2.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله سبحانه: إذا عَلِمْتُ أنّ الغالب على عبدي الاشتغال بي؛ نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي، فإذا كان عبدي كذلك؛ فأراد أن يسهو؛ حلت بينه وبين أن يسهو، أولئك أوليائي حقّاً"3.
 
4-مكاره مأمونة:
إنّ الإنسان يكره كلّ ما يخالف الراحة والدعة ويشقّ عليه، وما من إنسان في هذه الدنيا إلا وهو معرَّض للمكاره، ولكنّ الله يدفع عن الإنسان الكثير منها، فيحول بينها وبين الإنسان؛ أي يصرف عنه الابتلاء بها.
والإنسان يُدرِك ذلك متى رأى تلك المكاره تصيب مَنْ حوله من الناس. ولذا، كان عليه إذا رأى ذلك أن يحمد الله على أن وقاه منها: 
روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "تقول ثلاث مرّات إذا نظرت إلى المُبتلى من غير أن تُسمِعُه: الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلاك به، ولو شاء فعل. قال: من قال
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح3، ص269.
2- الليثي الواسطي، علي بن محمد: عيون الحكم والمواعظ، تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، ط1، لام، دار الحديث، لات، ص384.
3- المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار، تحقيق إبراهيم الميانجي؛ محمد باقر البهبودي، ط2، بيروت، مؤسّسة الوفاء، 1403هـ.ق/ 1983م، ج90، ص162.
 
 
 
42

34

نعم مجهولة

  ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبداً"1.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا رأيت الرجل قد ابتُلي وأنعم الله عليك، فقل: اللهمّ إنّي لا أسخر، ولا أفخر، ولكن أحمدك على عظيم نعمائك علي"2.
 
5- صيت حسن:
يحبّ الإنسان أن يكون ذكره بين الناس حسناً؛ فتمدحه الناس وتثني عليه؛ لما هو عليه من الصفات، وقد يكون الإنسان أهلاً لذلك، وقد لا يكون أهلاً له، ومتى وجد أنّ صيته الحسن انتشر بين الناس، واعتقد أنّه ليس أهلاً له؛ فإنّ عليه أنّ يعلم أنّ هذا من عند الله، وعليه أن يشكر الله على ذلك.
والذكر الحسن بين الناس أمر ممدوح؛ شرط أن لا يكون مُوجباً لبطلان العمل؛ أي شرط أن يحذر الإنسان من أن يُبتَلى بالرياء المُبطل له: 
روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "الإبقاء على العمل أشدّ من العمل، قال - الراوي-: وما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة، وينفق نفقة لله وحده لا شريك له؛ فكتب له سرّاً، ثمّ يذكرها؛ فتمحى فتكتب له علانية، ثمّ يذكرها؛ فتمحى وتكتب له رياء"3.
وفي دعاء أمير المؤمنين عليه السلام - لمّا مدحه قوم في محضره -: "اللهمّ إنّك أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهمّ اجعلنا خيراً ممّا يظنّون، واغفر لنا ما لا يعلمون"4.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في وصية له لأمير المؤمنين عليه السلام -: "إذا أثنِيَ عليك في وجهك، فقل: اللهمّ اجعلني خيراً ممّا يظنّون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الشكر، ح20، ص97.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الشكر، ح22، ص98.
3- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح16، ص296-297.
4- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج4، الحكمة100، ص22.
 
 
 
43

35

نعم مجهولة

تؤاخذني بما يقولون"1.

ومن هذا المنطلق، فإنّ صاحب التقوى، والمؤمن حقّاً يخاف من الآثار السلبيّة للمديح، ويواجه ذلك بما وصف به الإمام علي عليه السلام المتقين، حيث قال عليه السلام: "إذا زكّي أحد منهم؛ خاف ممّا يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربّي أعلم بي منّي بنفسي! اللهمّ لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل ممّا يظنّون، واغفر لي ما لا يعلمون"2.
 
 

1- الحرّاني، ابن شعبة: تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقمّ المقدّسة، 1404هـ.ق/ 1363هـ.ش، ص12.
2- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج2، الخطبة193، ص162-163.
 
 
 
44

36

نعم مجهولة

 موعظة وعبرة

أئمّتنا قدوةٌ وأسوة:
 
رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "كان أبي يكره أن يمسح يده في المنديل وفيه شيء من الطعام تعظيماً له، إلّا أنْ يمصّها، أو يكون إلى جانبه صبيٌّ فيمصّها، قال: فإنّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقّده فيضحك الخادم، ثمّ قال: إنّ أهل قرية ممّن كان قبلكم، كان الله قد وسّع عليهم حتى طغوا، فقال بعضهم لبعض: لو عمدنا إلى شيء من هذا النقي، فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة. قال عليه السلام: فلمّا فعلوا ذلك، بعث الله على أرضهم دواباً أصغر من الجراد، فلم تدع لهم شيئاً خلقه الله إلّا أكلته من شجرٍ أو غيره، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به فأكلوه، وهي القرية التي قال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾"1.
 
 

1- الحويزي، تفسير نور الثقلين: 3/ 91 92.
 
.
 
45

37

نعم مجهولة

 وقفة تأملية

التدبّر في مخاطر العُجُب:
 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "أتى عالم عابداً، فقال له: كيف صلاتك؟ فقال: مثلي يُسأَل عن صلاته؟! وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا، قال: فكيف بكاؤك؟ قال: أبكي حتى تجري دموعي، فقال له العالم: فإنّ ضحكك وأنت خائف أفضل من بكائك وأنت مدلّ، إنّ المدلّ لا يصعد من عمله شيء"1.
 
وعنه عليه السلام -أيضاً-: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بينما موسى عليه السلام جالساً إذ أقبل إبليس وعليه برنس ذو ألوان، فلمّا دنى من موسى عليه السلام خلع البرنس، وقام إلى موسى، فسلّم عليه، فقال له موسى: من أنت؟ فقال: أنا إبليس، قال: أنت! فلا قرّب الله دارك. قال: إنّي إنّما جئت لأسلِّم عليك؛ لمكانك من الله، قال: فقال له موسى عليه السلام: فما هذا البرنس؟ قال: به أختطف قلوب بني آدم، فقال موسى: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجَبَتُه نفسه واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه"2.
 
إنّ العجب خُلُق رديء يتسلّل إلى النفس من خلال الطاعات والعبادات؛ حيث إنّ الإنسان بفعل التزامه بادائهما قد يحصل لديه عجب بنفسه؛ بما تؤدّيه من طاعة وعبادة وأفعال حسنة، ويجد من نفسه القوّة والاستقلال في أدائها والاهتداء إليها؛ ما يؤدّي إلى انقطاعه عن ربّه، واحتجابه عن نور الهداية، وسلبه التوفيق، وبطلان عمله وزوال أثره.
 
ويحصل الانتباه من هذا الفخ المُهلِك من خلال التفكّر في النفس، وضعفها، وفقرها، واحتياجها إلى الله تعالى، والتي لولا رحمته ولطفه وعنايته؛ لما تمكّنت من الاهتداء إلى صالح الأعمال.
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب العجب، ح5، ص313.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب العجب، ح8، ص314.
 
 
 
 
46

38

دوافع المعاصي

 4- دوافع المعاصي

 
 
 
اَللّهُمَّ عَظُمَ بَلائي وَاَفْرَطَ بي سُوءُ حالي، وَقَصُرَتْ بي اَعْمالي وَقَعَدَتْ بي اَغْلالى، وَحَبَسَني عَنْ نَفْعي بُعْدُ اَمَلي، وَخَدَعَتْنِي الدُّنْيا بِغُرُورِها، وَنَفْسي بِجِنايَتِها.
 
 
 
 
47

39

دوافع المعاصي

 مفاهيم محوريّة:

1. أعظم البلاء ارتكاب المعاصي والآثام.
2. الإفراط في المعاصي.
3. قصور عمل الإنسان عن الوفاء بحقّ الله تعالى.
4. أبرز دوافع المعاصي:
• إقعاد النفس بأغلال المعاصي.
• طول الأمل.
• الاغترار بالدنيا الخدّاعة.
• اتّباع النفس الأمارة.
• المماطلة والتسويف في التوبة.
 
شرح المفردات:
أفرط: أصلها فَرَطَ: "الفاء والراء والطاء: أصل صحيح يدلّ على إزالة شيء عن مكانه وتنحيته عنه... فهذا هو الأصل، ثمّ يقال: أفرط إذا تجاوز الحدّ في
 
 
 
49

40

دوافع المعاصي

  الأمر. يقولون: إياك والفرط؛ أي لا تجاوز القدر؛ وهذا هو القياس؛ لأنّه إذا جاوز القدر فقد أزال الشيء عن جهته. وكذلك التفريط؛ وهو التقصير؛ لأنّه إذا قصر فيه فقد قعد به عن رتبته التي هي له"1. "قوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ﴾(يوسف: 80)؛ أي ما قصّرتم في أمره..."2.

قصرت: أصلها قَصُرَ: "القاف والصادّ والراء: أصلان صحيحان، أحدهما: يدلّ على ألا يبلغ الشيء مداه ونهايته، والآخر: على الحبس. والأصلان متقاربان.
فالأوّل: القصر خلاف الطول... وقصرت عنه قصوراً؛ عجزت. والأصل الآخر... إذا حبسته؛ وهو مقصور؛ أي محبوس. قال الله تعالى: ﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾"3
قعدت: أصلها قَعَدَ: "القاف والعين والدال: أصل مطّرد منقاس لا يخلف؛ وهو يضاهي الجلوس، وإن كان يتكلّم في مواضع لا يتكلّم فيها بالجلوس... والإقعاد والقعاد داء يأخذ الإبل في أوراكها فيميلها إلى الأرض"4. "ويعبّر عن المتكاسل في الشيء بِالْقَاعدِ نحو قوله: ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ﴾(النساء: 95)"5.
الأغلال: أصلها غَلَّ: "الغين واللام: أصل صحيح يدلّ على تخلّل شيء وثبات شيء؛ كالشيء يغرز"6. و"الغَلَلُ: تدرّع الشيء وتوسّطه... فالْغُلُّ مختصّ بما يقيّد به فيجعل الأعضاء وسطه، وجمعه أَغْلَالٌ، وغُلَّ فلان: قيّد به. قال تعالى: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾(الحاقة: 30)، وقال:﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾(غافر: 71)"7.
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"فَرَطَ"، ص490.
2- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج4، مادّة"فَرَطَ"، ص264.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"قَصُرَ"، ص96-97.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"قَعَدَ"، ص108-109.
5- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"قَعَدَ"، ص678-679.
6- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"غَلَّ"، ص375.
7- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"غَلَّ"، ص610.
 
 
 
50

41

دوافع المعاصي

 حبسني: أصلها حَبَسَ: "الحاء والباء والسين. يقال: حبسته حبساً. والحبس: ما وقف"1. و"الحَبْس: المنع من الانبعاث، قال عزّ وجلّ: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ﴾(المائدة: 106)"2

خدعتني: أصلها خَدَعَ: "الخاء والدال والعين: أصل واحد ذكر الخليل قياسه. قال الخليل: الإخداع إخفاء الشيء"3. و"الخِدَاع: إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه، قال تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللّهَ﴾(البقرة: 9)؛ أي: يخادعون رسوله وأولياءه، ونسب ذلك إلى الله تعالى؛ من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملته"4.
 
غرورها: أصلها غَرَّ: "الغين والراء: أصول ثلاثة صحيحة، الأوّل: المثال، والثاني: النقصان، والثالث: العتق والبياض والكرم"5. و"غَررْتُ فلاناً: أصبت غِرَّتَه ونلت منه ما أريده. والغِرَّةُ: غفلة في اليقظة. والْغِرَارُ: غفلة مع غفوة، وأصل ذلك من الْغُرِّ؛ وهو الأثر الظاهر من الشيء... قال تعالى: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾(الانفطار: 6)"6.
 
جنايتها: أصلها جَنَى: "الجيم والنون والياء: أصل واحد؛ وهو: أخذ الثمرة من شجرها، ثمّ يحمل على ذلك... ومن المحمول عليه: جنيت الجناية؛ أجنيها"7.
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"حَبَسَ"، ج2، ص128.
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"حَبَسَ"، ص216.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"خَدَعَ"، ص161.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"خَدَعَ"، ص276.
5- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"غَرَّ"، ص381.
6- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"غرَّ"، ص604.
7- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"جَنَى"، ص482.
 
 
 
 
51

42

دوافع المعاصي

 دلالة المقطع:

1- أعظم البلاء ارتكاب المعاصي والآثام:
يُقَاس البلاء العظيم عند الناس -عادّة- بالأمور المادّيّة؛ من الفقر، والمرض، ولكنّ البلاء الحقيقي يترتّب على الذنوب التي تصدر من الإنسان؛ ما يستوجب الغضب الإلهي، واستحقاق العذاب الأخروي؛ الذي هو أعظم من كلّ عذابات الدنيا:
عن الإمام علي عليه السلام -في وصية له لابنه الإمام الحسن عليه السلام -: "إنّ من البلاء: الفاقة، وأشدّ من ذلك: مرض البدن، وأشدّ من ذلك: مرض القلب"1.
 
2 - الإفراط في المعاصي:
يحذر الإنسان في حياته ومعاشه الكثير من المضارّ الدنيوية، ولو سوَّلت له نفسه أن يفعل ما فيه الضرر الدنيوي؛ كالتدخين، ونحوه؛ فإنّه يتجنّب الإكثار منه؛ لأنّ ذلك يؤدّي به إلى الموت والهلاك. وكذلك الحال بالنسبة لارتكاب المعاصي؛ فإنّه إفراط بهذه النفس ومورد لهلاكها، فالإنسان يحفظ نفسه من المخاطر الماديّة، ولكنّه هل يفكّر في حفظ نفسه من المخاطر المعنوية؛ التي تنتهي به إلى جهنم؟!
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان أبي عليه السلام يقول: ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة؛ إنّ القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به؛ حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله"2.
 
3 - قصور عمل الإنسان عن الوفاء بحقّ الله تعالى:
إنّ العمل الصالح قاصر عن تدارك الذنوب التي يقع بها العبد؛ فالعمل الصالح يُوجِب رفعة الدرجة، ولكنّ الذنوب تَذْهَب بكلّ ما يأتي به الإنسان من عمل صالح.
 
 

1- الطوسي، محمد بن الحسن: الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية في مؤسّسة البعثة، ط1، قم المقدّسة، دار الثقافة، 1414هـ.ق، المجلس5، ح53، ص146-147.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح1، ص268.
 
 
 
52

43

دوافع المعاصي

  ولو قمنا بمقايسة الأعمال الصالحة التي نقوم بها في هذه الدنيا، مع ثواب الآخرة؛ لأدركنا يقيناً مدى قصور أعمالنا عن استحقاق ذلك الثواب:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -في وصية له لأبي ذر الغفاري-: "لو كان لرجل عمل سبعين نبيّاً؛ لاستقلّ عمله؛ من شدّة ما يرى يومئذ -يعني يوم القيامة-"1.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاًـ: "لو أنّ رجلاً جرى على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في طاعة الله عزّ وجلّ؛ لحقّر ذلك يوم القيامة، ولودّ أنّه يُردّ إلى الدنيا؛ كيما يزداد من الأجر والثواب"2.
 
4- أبرز دوافع المعاصي:
أ- إقعاد النفس بأغلال المعاصي:
الُمقعَد: هو الذي لا يستطيع الحركة، ولكنّ الإنسان القادر على الحركة قد تُقعِدهُ الأغلال؛ وهي: هوى النفس، والنفس الأمّارة بالسوء، والخُلُق السيّئ؛ من أنانية، وغيرها. فهي أغلال نفسية تجعل الشيطان مسيطراً عليه يسوقه حيث ما أراد:
قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾3.
وقال تعالى أيضاًـ: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾4.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بينما موسى عليه السلام جالساً، إذ أقبل إبليس... قال موسى: فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه"5.
 
 

1- الطبرسي، الحسن بن الفضل: مكارم الأخلاق، ط6، لام، منشورات الشريف الرضي، 1392هـ.ق/ 1972م، ص464.
2- المتّقي الهندي، كنز العمّال، م.س، ج15، ح43120، ص788.
3- المجادلة: 19.
4- الزخرف: 36.
5- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب العجب، ح8، ص314.
 
 
 
53

44

دوافع المعاصي

 ولذا، كانت الخطوة الأولى للخلاص تكمن في فكّ هذه الأغلال، والخروج من ولاية الشيطان إلى ولاية الله تعالى: 

قال تعالى:﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾1.
وقال تعالى-أيضاً-: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾2.
 
ب- طول الأمل:
يُعدّ طول الأمل من أكثر الأسباب التي تمنع الإنسان من الانتفاع بعمره في العمل الصالح للآخرة، ويكفي في مضارّه: أنّه يمنع الإنسان من التوبة؛ لأنّ طول الأمل يُوقِع الإنسان في التسويف، فيبدأ بتأخير التوبة إلى أن يقع به الموت، ولا مهلة له؛ لتدارك ما فات. 
وورد في تعاليم أهل البيت عليهم السلام ما يمنع من الوقوع في ذلك:
عن الإمام علي عليه السلام: "أكثر الناس أملاً أقلّهم للموت ذكراً"3؛ فمن لا يذكر الموت كثيراً ينساه، وبهذا يرى النهاية بعيدة؛ فيطول أمله.
وعنه عليه السلام -أيضاً-: "أمّا طول الأمل؛ فينسي الآخرة"4.
ويكفي للاعتبار أن ينظر الناس إلى من يُدرِكُه الموت من حولهم؛ فإذا بهم يخرجون من الدنيا؛ وهم كانوا يعيشون فيها أملاً طويلاً:
روي عن الإمام علي عليه السلام: "اتّقوا خداع الآمال؛ فكم من مؤمَّل يوم لم يدركه،
 
 

1- البقرة: 257.
2- البقرة: 268.
3- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص120.
4- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب اتّباع الهوى، ح3، ص336.
 
 
 
54

45

دوافع المعاصي

  وباني بناء لم يسكنه، وجامع مال لم يأكله"1.

وطول الأمل، كما يجعل الإنسان مقصّراً في العمل الصالح، يدفعه لارتكاب مساوئ الأعمال؛ لأنّه يسوّف نفسه؛ بالتدارك، والجبران: 
روي عن الإمام علي عليه السلام: "أطول الناس أملاً أسوأهم عملاً"2.
 
ج- الاغترار بالدنيا الخدّاعة:
إنّ التعلّق بهذه الدنيا له أسبابه، ومن أهمّ هذه الأسباب: أنّ الدنيا تخدع الإنسان، وتغرّه، وتمنّيه: 
روي عن الإمام علي عليه السلام: "إن أقبلت غرّت، وإن أدبرت ضرّت"3.
ولكن، هل يعني هذا أنّ الإنسان المغترّ بهذه الدنيا معذور؟! لا، بل يمكنه أن يمنع هذا الغرور: 
روي عن الإمام علي عليه السلام: "حقّاً أقول: ما الدنيا غرّتك، ولكن بها اغتررت، ولقد كاشفتك العظات، وآذنتك على سواء، ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنقص(النقض) في قوّتك؛ أصدق وأوفى من أن تكذّبك أو تغرّك"4.
 
د- اتّباع النفس الأمارة:
إنّ النفس الأمّارة من أعدى أعداء الإنسان؛ وهي من أخطر الشياطين؛ لأنّها الأقوى على خداع الإنسان: 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "احذروا أهواءكم؛ كما تحذرون أعداءكم؛ فليس شيء أعدى للرجال من اتّباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم"5.
 
 

1- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص91.
2- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص120.
3- المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج75، باب15، مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام...، ح88، ص23.
4- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج2، الخطبة223، ص215.
5- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب اتّباع الهوى، ح1، ص335.
 
 
 
55

 


46

دوافع المعاصي

 وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أعدى عدوّك؛ نفسك التي بين جنبيك"1.

وعن الإمام علي عليه السلام: "إنّ نفسك لخدوع، إن تثق بها؛ يقتدك الشيطان إلى ارتكاب المحارم"2. 
ومعالجة هوى النفس وأمانيها الخدّاعة تكمن بمخالفتها على الدوام، فمن يُعلِن العصيان التامّ عليها؛ يُكتَب له الفوز: 
روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام -في مناجاة الشاكرين-: "إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة، وإلى الخطيئة مبادرة، وبمعاصيك مُولعة،... كثيرة العلل، طويلة الأمل، إن مسّها الشرّ تجزع، وإن مسّها الخير تمنع، ميّالة إلى اللعب واللهو، مملوة بالغفلة والسهو، تُسرِع بي إلى الحوبة، وتسوّفني بالتوبة"3.
 
هـ - المماطلة والتسويف في التوبة:
قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾4.
إنّ العبد يرتكب الذنب، فإذا بادر إلى التوبة أمكنه ذلك من أن يُمحى هذا الذنب، ولكنّ النفس بخداعها وتسويفها، تمنّي الإنسان بالتأخير، فيماطل ويؤخّر إلى أن يحلّ به الموت. وهذا ما حذّرت منه الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام: 
عن الإمام علي عليه السلام: "لا تكن ممَّن يرجو الآخرة بغير العمل، ويرجي التوبة بطول الأمل... إن عرضت له شهوة؛ أسلف المعصية، وسوَّف التوبة"5.
 
 

1- الإحسائي، ابن أبي جمهور: عوالي اللئالي، تحقيق مجتبى العراقي، ط1، قم المقدّسة، مطبعة سيد الشهداء عليه السلام ، 1405هـ.ق/ 1985م، ج4، ص118.
2- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص151.
3- المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج91، ص143.
4- النساء: 17.
5- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج4، الحكمة150، ص38-39.
 
 
 
56

47

دوافع المعاصي

 موعظة وعبرة
هكذا تتراكم الذنوب:
 
ورد في حديثٍ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزل بأرضٍ قرعاء، فقال لأصحابه: "ائتوا بحطب"، فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرض قرعاء! قال: "فليأتِ كلّ إنسانٍ بما قدر عليه". فجاؤوا به حتّى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "هكذا تجمع الذنوب"، ثمّ قال: "إيّاكم والمحقّرات من الذنوب؛ فإنّ لكلّ شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها يكتب ﴿مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾"1.
 
هذا الحديث المؤثّر صورة معبّرة عن أنّ تراكم صغائر الذنوب والمعاصي يمكنه أن يولّد ناراً عظيمة اللهب.
 
نقرأ في حديثٍ للإمام علي عليه السلام قوله: "أشد الذنوب ما استهان به صاحبه"2.
 
 

1- تفسير نور الثقلين: 4/ 378، ح 25.
2- نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 348.
 
 
 
57

48

دوافع المعاصي

 وقفة تأملية

التدبّر في مخاطر الاغترار بالدنيا وزينتها الفانية:
 
شدّد القرآن الكريم على عدم الاغترار بمتاع الحياة الدنيا وزينتها، حتّى المحلّلة منها، وحذّر الإنسان من الوقوع في شراكها؛ لأنّ الشيطان يدخل في هذه المتاع والزينة؛ فيصرف من خلالها الناس عن المعاد واليوم الآخر، وينسيهم ذكر الله تعالى: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾1،﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾2.
 
وحقيقة الأمر: إنّ هذه الدنيا ليست إلا معبراً لمستقرّ الآخرة، وهي زائلة عمّا قريب: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾3، ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾4؛ فلا ينبغي على الإنسان أن يستغرق فيها وينسى ذكر الله، بل عليه أن يستفيد منها قدر الإمكان للتزوّد في رحلته ومقصده
 
 

1- الأعراف: 51.
2- لقمان: 33.
3- يونس: 24.
4- الحديد: 20.
 
 
 
58

49

دوافع المعاصي

  نحو لقاء الله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾2.

 

1- القصص: 77.
 
 
 
59

50

حالة الداعي

 5- حالة الداعي

 
 
 
 
وَقَدْ اَتَيْتُكَ يا اِلـهي بَعْدَ تَقْصيري وَاِسْرافي عَلى نَفْسي مُعْتَذِراً نادِماً مُنْكَسِراً مُسْتَقيلاً مُسْتَغْفِراً مُنيباً مُقِرّاً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً لا اَجِدُ مَفَرّاً مِمّا كانَ مِنّي وَلا مَفْزَعاً اَتَوَجَّهُ اِلَيْهِ في اَمْري غَيْرَ قَبُولِكَ عُذْري وَاِدْخالِكَ اِيّايَ في سَعَة مِنْ رَحْمَتِكَ.
 
 
 
61

51

حالة الداعي

 مفاهيم محوريّة: حالات الداعي:

1. الاعتراف بالتقصير والإسراف.
2. الاعتذار من الله والندم على ما اقترف.
3. الانكسار أمام الله.
4. الإقالة إلى الله.
5. الإنابة إلى الله.
6. الإقرار بالذنب:
7. الإذعان لله تعالى.
8. الاعتراف بالتقصير.
9. التسليم بأنّه لا مفرّ ولا مفزع إلا إلى الله.

شرح المفردات:
الإسراف: أصلها سَرَفَ: "السين والراء والفاء: أصل واحد يدلّ على تعدّي الحدّ،
 
 
 
63

52

حالة الداعي

  والإغفال أيضاً للشيء"1. و"السَّرَفُ: تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾(الفرقان: 67)..."2.

مستقيلاً: أصلها قَيَلَ: "القاف والياء واللام: أصل كلمه الواو وإنما كتب ها هنا للفظ"3. "ومنه: أقاله الله عثرته؛ والعثرة: الخطيئة"4.
منيباً: أصلها نَوَبَ: "النون والواو والباء: كلمة واحدة تدلّ على اعتياد مكان ورجوع إليه"5. "والإنابة إلى الله تعالى: الرّجوع إليه بالتّوبة وإخلاص العمل. قال تعالى: ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾(ص: 24)،﴿وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا﴾(الممتحنة: 4)، ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾(الزمر: 54)"6.
مقرّاً: أصلها قَرَّ: "القاف والراء: أصلان صحيحان، يدلّ أحدهما: على برد، والآخر: على تمكّن"7. "والإِقْرَارُ: إثبات الشيء... وقد يكون ذلك إثباتاً؛ إمّا بالقلب، وإمّا باللَّسان، وإمّا بهما... قال: ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ﴾(البقرة: 84)"8.
مذعناً: أصلها ذَعَنَ: "الذال والعين والنون: أصل واحد يدلّ على الإصحاب والانقياد"9.
مفزعاً: أصلها فَزَعَ: "الفاء والزاء والعين: أصلان صحيحان، أحدهما: الذعر،
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"سَرَفَ"، ص153.
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"سَرَفَ"، 407-408.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"قَيَلَ"، ص44.
4- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج5، مادّة"قَيَلَ"، ص459.
5- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"نَوَبَ"، ص367.
6- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"نَوَبَ"، ص827.
7- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"قَرَّ"، ص7.
8- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"قَرَّ"، ص662-663.
9- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"ذَعَنَ"، ص355.
 
 
 
64

53

حالة الداعي

  والآخر: الإغاثة"1. و"الفَزَعُ: انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف؛ وهو من جنس الجزع، ولا يقال: فَزِعْتُ من الله، كما يقال: خفت منه. وقوله تعالى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾(الأنبياء: 103)؛ فهو الفزع من دخول النار، ويقال: فَزِعَ إليه: إذا استغاث به عند الفزع، وفَزِعَ له: أغاثه"2.

 
دلالة المقطع:
في هذا المقطع من الدعاء بيان للحالة التي ينبغي أن يكون عليها الداعي عند دعاءه وإقباله على الله؛ وهي: 
1- الاعتراف بالتقصير والإسراف:
على الداعي أن يتوجّه إلى الله تعالى في دعائه بلسان الإقرار بالتقصير، ولسان حاله: أنبت إليك يا إلهي، ورجعت إليك، وأنا معترف بما قمت به من تقصير وإسراف: أمّا الاعتراف بالتقصير؛ فلأنّني كنت أمتلك القدرة على عدم الوقوع في المعصية، ولكنّني قصّرت. وأمّا الإسراف؛ فلكثرة الوقوع في الذنوب، ولكنّ ذلك كلّه لا يمنع من العودة والرجوع إلى الله: 
قال تعالى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾3.
والتعبير في الآية: ب‍على أنفسهم؛ يبيّن أنّ ذنوب الإنسان تعود كلّها إليه. وخطاب هذه الآية من علامات محبّة الله لعباده ورأفته بهم.
 
2- الاعتذار من الله والندم على ما اقترف:
لا يُراد بالاعتذار تبرير المعصية، بل الاعتراف بارتكابها؛ لأنّ الإنسان ليس لديه
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"فَزَعَ"، ص501.
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"فَزَعَ"، ص635.
3- الزمر: 53.
 
 
 
 
65

54

حالة الداعي

  مبرّر لارتكاب المعاصي؛ بعد أن بيّن الله له كلّ شيء، وحذّره من المعاصي، وكشف له عن مخاطرها. 

وأمّا الندم؛ فهو أوّل درجات التوبة، فلا توبة بلا ندم؛ وهو مؤاخذة النفس: 
عن الإمام علي عليه السلام: "الندم أحد التوبتين"1.
وعنه عليه السلام أيضاًـ: "الندم على الذنب يمنع عن معاودته"2.
ولا شكّ في أنّ الندم في هذه الدنيا أفضل من الندم في الآخرة؛ لأنّه ينفع الإنسان بفتح مجال التدارك والرجوع أمامه؛ وهو غير مُتاح في الآخرة؛ لانقطاع العمل.
 
3- الانكسار أمام الله:
الانكسار حالة خضوع وخشوع واعتراف بالعجز والفشل والفقر والحاجة؛ وهي تظهر على الإنسان عندما تكون سِمَته الحزن والهمّ: 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "يصبح المؤمن حزيناً، ويمسي حزيناً، ولا يصلحه إلا ذاك"3.
وعندما ينكسر القلب يجد الإنسان ربّه. ولذا، ورد أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُئِلَ أين الله، فقال: "عند المنكسرة قلوبهم"4.
 
4- الإقالة إلى الله:
وهو طلب الإقالة والعفو؛ أي أن يغفر له عثرته وذلّته؛ بأن لا يحاسبه على ما اقترفت يداه. وهذا هو معنى ما ورد في فقرة أخرى من دعاء كميل: "وأقلني عثرتي، واغفر لي زلّتي".
 
 

1- النوري، حسين: مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط2، بيروت، 1408هـ.ق/ 1988م، ج12، أبواب جهاد النفس...، باب وجوب ستر الذنوب...، ح13674، ص118.
2- النوري، مستدرك الوسائل، م.س، ج12، أبواب جهاد النفس...، باب وجوب ستر الذنوب...، ح13674، ص118.
3- الراوندي، قطب الدين: سلوة الحزين(المعروف بـ "الدعوات")، ط1، قم المقدّسة، مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ؛ مطبعة أمير، 1407هـ.ق، ص287.
4- الراوندي، الدعوات، م.س، ص120.
 
 
 
66

55

حالة الداعي

 5- الإنابة إلى الله:

الإنابة هي الرجوع، فالإنسان عند ارتكابه للمعاصي يخرج من الحظيرة الإلهية، ويصبح من جند الشيطان؛ لأنّ المعصية طاعة للشيطان، فإذا تاب الإنسان رجع إلى عبوديّته لمولاه الحقّ: 
قال تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾1.
 
6- الإقرار بالذنب:
إنّ الإقرار يشمل: الاعتراف بالذنب، والاعتراف بأنّ الله وحده هو الذي يعفو عنه؛ بمعنى: أن ينطق لسانه بذلك. والإقرار بالذنب هو من شروط استجابة الدعاء: 
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما هي المدحة، ثمّ الإقرار بالذنب، ثمّ المسألة"2.
 
7- الإذعان لله تعالى:
الإذعان هو: الانقياد، وعدم الرفض أو المقاومة؛ وهو يرتبط بالمعرفة الصحيحة؛ لأنّ الإنسان متى عرف مَنْ هو ربّه، وأنّ أمره بيده؛ خضع قلبه لذلك وانقاد له. وبهذا، يكون الإذعان أمراً قلبيّاً، وإقراراً بالباطن والنفس: 
عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا والله، ما أراد الله تعالى من الناس إلا خصلتين: أن يقرّوا له بالنعم؛ فيزيدهم، وبالذنوب؛ فيغفرها لهم"3.
 
8- الاعتراف بالتقصير:
إنّ الاعتراف بالتقصير، وإظهاره أمام الله عزّ وجلّ؛ وهو العالم بالخفيات شرط
 
 

1- الزمر: 54.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الثناء قبل الدعاء، ح3، ص484.
3- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الاعتراف بالذنوب...، ح2، ص426.
 
 
 
67

56

حالة الداعي

  أساس في قبول التوبة؛ حيث ورد في كتاب الله تعالى: أنّ الاعتراف هو الذي يمهِّد للإنسان قبول توبته: 

قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾1.
وعن الإمام علي عليه السلام: "حسن الاعتراف يهدم الاقتراف"2.
 
9- التسليم بأنّه لا مفرّ ولا مفزع إلا إلى الله: 
إنّ حالات التسليم بانسداد سبل الخلاص، وأن ليس للإنسان مهرب من الله، وأن لا ملجأ له إلا إليه؛ لأنّ الكلّ عاجز من دون الله تعالى؛ عندما تجمع في نفس الداعي؛ تجعله يعيش حالة التسليم التامّ بأنّ الطريق الوحيد أمامه ينحصر في أن يقبل الله عذره، وأن تشمله الرحمة الإلهية الواسعة. فبعد التوبة، وبعد قبول العذر؛ يحتاج إلى الرحمة الإلهية التي تنقله من الشقاء إلى النعيم.
 
 

1- التوبة: 102.
2- العكبري، محمد بن النعمان(المفيد): الإرشاد، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث، ط2، بيروت، دار النعمان، 1414هـ.ق/ 1993م، ج1، ص299.
 
 
 
68

57

حالة الداعي

 وقفة تأملية

التدبّر في آثار الخوف في توجيه عمل الإنسان:
 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ ممّا حُفِظَ من خطب رسول‏ الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:... ألا إنّ المؤمن يعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه؟ وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه؟ فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، وفي الشيبة قبل الكبر، وفي الحياة قبل الممات؛ فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب، وما بعدها مِن دار إلّا الجنّة والنار"1.
 
إنّ لهاتين المخافتين دور كبير في مساعدة الإنسان على تحقيق كماله المطلوب؛ لأنّ الخوف ممّا مضى يستلزم تصميماً وعزيمة على الرجوع بالتوبة والاستغفار وصالح الأعمال، والخوف ممّا سيأتي من احتمال التقصير يستلزم زيادة الجهد ومضاعفة العزيمة والعمل على تحصين النفس من الأخطار المرتقبة والمتوقّعة مستقبلاً.
 
ومن هنا، كان على الإنسان أن يعدّ العدّة ويتأهّب للتزوّد قدر المستطاع من الطاعات والأعمال الصالحات من هذه الدنيا لآخرته، وأن يسعى لذلك قبل كبره وشيخوخته؛ حتى لا يفوته الفوت أو يصعب عليه التدارك؛ إمّا لضعف عزيمته وهمّته على العمل، أو لرسوخ الملكات الرديئة في نفسه؛ فيصعب عندها إزالتها. وأمّا بعد الممات ومفارقة الحياة الدنيا؛ فلا ينفع حينها عتاب مستعب ولا عمل عامل ولا تدارك متدارك؛ لانقطاع العمل بعد الموت: ﴿وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ﴾2.
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الخوف والرجاء، ح9، ص70.
2- فصلت: 24.
 
 
 
69

58

صفات الناجين من عذاب النار

 6- صفات الناجين من عذاب النار




وَلَيْتَ شِعْرى يا سَيِّدي وَاِلـهي وَمَوْلايَ اَتُسَلِّطُ النّارَ عَلى وُجُوه خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ ساجِدَةً، وَعَلى اَلْسُن نَطَقَتْ بِتَوْحيدِكَ صادِقَةً، وَبِشُكْرِكَ مادِحَةً، وَعَلى قُلُوب اعْتَرَفَتْ بِاِلهِيَّتِكَ مُحَقِّقَةً، وَعَلى ضَمائِرَ حَوَتْ مِنَ الْعِلْمِ بِكَ حَتّى صارَتْ خاشِعَةً، وَعَلى جَوارِحَ سَعَتْ اِلى اَوْطانِ تَعَبُّدِكَ طائِعَةً وَاَشارَتْ بِاسْتِغْفارِكَ مُذْعِنَةً، ما هكَذَا الظَّنُّ بِكَ وَلا اُخْبِرْنا بِفَضْلِكَ عَنْكَ يا كَريمُ يا رَبِّ.
 
 
 
71

59

صفات الناجين من عذاب النار

 مفاهيم محوريّة: صفات الناجين من النار:

1. السجود نتيجة الشعور بالعظمة الإلهيّة.
2. لسان الاعتقاد الصادق المشفوع بالعمل على طبقه.
3. الاعتقاد اليقيني بالألوهيّة.
4. الخشوع والخضوع لله. 
5. انعكاس الاعتقاد القلبي عملاً بالجوارح.
6. الاستغفار من التقصير.
7. حسن الظنّ بالله.
 
شرح المفردات:
ليت شعري: أصلها شَعَرَ: "الشين والعين والراء: أصلان معروفان، يدلّ أحدهما: على ثبات، والآخر: على عِلْم وعَلَم... والثاني...: قولهم شعرت بالشيء؛ إذا علمته وفطنت له. وليت شعري؛ أي ليتني علمت"1. "قوله: ﴿يُشْعِرُكُمْ﴾(الأنعام : 109)
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"شَعَرَ"، ص193-194.
 
 
 
73

60

صفات الناجين من عذاب النار

 ؛ أي يدريكم. وقوله: ﴿لاَّ يَشْعُرُونَ﴾(البقرة: 12)؛ أي لا يفطنون ويعلمون"1.

خرّت: أصلها خَرَّ: "الخاء والراء: أصل واحد؛ وهو: اضطراب وسقوط مع صوت"2. "قال تعالى: ﴿فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء﴾(الحج: 31)، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾(سبأ: 14)، فمعنى خَرَّ سقط سقوطاً يسمع منه خرير... وقوله تعالى: ﴿خَرُّوا سُجَّدًا﴾(السجدة: 15)، فاستعمال الخرّ تنبيه على اجتماع أمرين: السّقوط: وحصول الصّوت منهم بالتّسبيح، وقوله من بعده: ﴿وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾(السجدة: 15)، فتنبيه أنّ ذلك الخرير كان تسبيحاً بحمد الله لا بشيء آخر"3.
حوت: أصلها حَوَى: "الحاء والواو وما بعده معتلّ: أصل واحد؛ وهو: الجمع. يقال: حويت الشيء أحويه حيّاً؛ إذا جمعته"4. "وحويت الشيء أحويه حواية؛ إذا ضممته واستوليت عليه. وحويته ملكته وجمعته، وحوى الشيء إذا أحاط به من جهاته. واحتوى الشيء جمعه واشتمل عليه"5.
خاشعة: أصلها خَشَعَ: "الخاء والشين والعين: أصل واحد يدلّ على التطامن. يقال: خشع؛ إذا تطامن وطأطأ رأسه يخشع خشوعاً. وهو قريب المعنى من الخضوع؛ إلا أنّ الخضوع في البدن، والإقرار بالاستخذاء، والخشوع في الصوت والبصر"6. و"الخُشُوع: الضّراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع في ما يوجد على الجوارح. والضّراعة أكثر ما تستعمل في ما يوجد في القلب... قال تعالى: ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾(الإسراء: 109)، وقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ 
 
 

1- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج3، مادّة"شَعَرَ"، ص346-347.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"خَرَّ"، ص149.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"خَرَّ"، ص277.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"حَوَى"، ص112.
5- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج1، مادّة "حَوَا"، ص112.
6- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"خَشَعَ"، ص182.
 
 
 
74

61

صفات الناجين من عذاب النار

 خَاشِعُونَ﴾(المؤمنون: 2)"1.

الظنّ: أصلها ظَنَّ: "الظاء والنون: أصل أصيل صحيح يدلّ على معنيين مختلفين: يقين، وشكّ"2. "فقوله: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ﴾(البقرة: 46)، وكذا: ﴿يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ﴾(البقرة: 249)؛ فمن اليقين، ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ﴾(القيامة: 28)، وقوله: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ﴾(المطففين: 4)؛ وهو نهاية في ذمّهم، ومعناه: ألا يكون منهم ظَنٌّ لذلك؛ تنبيهاً أنّ أمارات البعث ظاهرة... ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا﴾(يونس: 36)"3.
 
دلالة المقطع:
يشير هذا المقطع إلى حالات الناجين من عذاب النار؛ وهي حالات مُتاحة التحصيل أمام الإنسان في هذه الدنيا، فإذا تمكّن من أن ينالها؛ أَمِنَ من عذاب النار، وهي:
1- السجود نتيجة الشعور بالعظمة الإلهيّة: 
أقرب ما يكون الإنسان من الله في حالات السجود، ولكنّ السجود الذي يتحدّث عنه الإمام عليه السلام هنا؛ هو السجود نتيجة الشعور بالعظمة الإلهية؛ أي سجود المذلّة والخضوع والخشوع. وهو لا يتمثّل فقط في الحالة المعروفة في الصلاة. ولذلك عبّر القرآن بقوله: ﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾4. فقد قرنت الآية سجود هؤلاء بعدم الاستكبار؛ لأنّ سجودهم سجود تذلّل لله. وما تكبَّر عنه إبليس هو السجود، مع أنّ الله أمره بذلك: 
 
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"خَشَعَ"، ص283.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"ظَنَّ"، ص462.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"ظَنَّ"، ص539-540.
4- النحل:48- 49.
 
 
 
75

62

صفات الناجين من عذاب النار

 عن الإمام علي عليه السلام: "أطيلوا السجود، فما مِنْ عمل أشدّ على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً؛ لأنّه أُمِرَ بالسجود فعصى"1.

 
2- لسان الاعتقاد الصادق المشفوع بالعمل على طبقه:
إنّ كلمة التوحيد كلمة مفصليّة في علاقة الإنسان برّبه؛ وذلك إذا كانت صادقة؛ أي مطابقة للاعتقاد القلبي، وناتجة عن معرفة وشعور، وليس مجرّد لقلقة لسان، وغير مقترنة بالشرك الذي قد يكون في بعض مظاهره واضحاً، وفي بعضها خفيّاً؛ أي خالية حتى من الشرك الخفي.
وهذا الموحِّد الحقيقي يتمكّن بالفعل من أن يجعل حياته كلّها في طاعة الله، فالتوحيد الحقيقي يُورِث الإنسان العصمة من ارتكاب الذنوب. 
ولذا، ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "ما من شيء أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأنّ الله عزّ وجلّ لا يعدله شيء، ولا يشركه في الأمر أحد"2.
والموحِّد يتّبع ذلك؛ بالثناء على الله(وبشكرك مادحة)، والقصد من الثناء؛ الشكر لله؛ وهو ينطلق من: الاعتراف بالنعم، وأنّ الله أنعم عليه، وأنّها كلّها من الله. والشكر الحقيقي هذا هو باب الاجتباء والاصطفاء الإلهي. قال تعالى: ﴿شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾3.
كما أنّ الموحِّد يُدرِك تماماً أنّ من النِعَم الإلهية: التوفيق للطاعة، والبعد عن المعصية. ولذا، ورد في الدعاء المروي عن الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف: "اللهمّ ارزقنا توفيق الطاعة، وبعد المعصية"4
 
 

1- ابن بابويه، محمد بن علي بن الحسين: الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، لاط، قم المقدّسة، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية في قم المقدّسة، 1403هـ.ق/ 1362هـ.ش، ج2، حديث أربعمائة، ص616.
2- ابن بابويه، ثواب الأعمال، م.س، ص3.
3- النحل: 121.
4- الكفعمي، المصباح، م.س، ص280.
 
 
 
76

63

صفات الناجين من عذاب النار

3- الاعتقاد اليقيني بالألوهيّة: 

وهو خصوص المعرفة القلبيّة بالألوهيّة التي يعقبها الاعتراف التامّ الذي لا يقبل الشكّ؛ أي الوصول إلى مقام اليقين في المعرفة.
والإيمان الثابت والمستقرّ هو ما كان قلبيّاً؛ لا ظاهريا فقط: 
عن الإمام علي عليه السلام: "فمن الإيمان: ما يكون ثابتاً مستقرّاً في القلوب، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور"1.
 
4- الخشوع والخضوع لله: 
كلّما ازدادت النفس معرفة بالله؛ ازدادت خشوعاً؛ لأنّ المعرفة بحقيقة واجب الوجود باب للخشوع والخضوع لإرادته.
ولهذا الخشوع علامات وردت في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمّا علامة الخاشع، فأربعة: مراقبة الله في السرّ والعلانية، وركوب الجميل، والتفكّر ليوم القيامة، والمناجاة لله"2.
 
5- انعكاس الاعتقاد القلبي عملاً بالجوارح:
إنّ المعرفة تنعكس سلوكاً على جوارح الإنسان؛ فيسعى إثرها إلى كلّ موطن فيه عبادة الله؛ وهو في ذلك طَيِّع منقاد بنفسه؛ نتيجة المعرفة الصحيحة واليقينيّة.
ولذا، وصف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام المعرفة التي يظهر أثرها على الجوارح؛ بأنّها: المعرفة العليا، حيث قال عليه السلام: "أوضع العلم: ما وقف على اللسان، وأرفعه: ما ظهر في الجوارح والأركان"3.
 
 

1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج2، الخطبة189، ص128-129.
2- الحرّاني، تحف العقول، م.س، ص20.
3- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج4، الحكمة92، ص20.
 
 
 
77

64

صفات الناجين من عذاب النار

 6- الاستغفار من التقصير:

ينبغي على الإنسان بعد الإقرار والاعتراف بالذنوب، أن يُذعِنَ بضرورة تدارك الذنب من خلال الاستغفار؛ أي الطلب من الله بأن يغفر له هذه الذنوب.
ولا بدّ من المداومة على الاستغفار، ولا سيّما عند ارتكاب الذنب:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن وُجِدَ في صحيفة عمله يوم القيامة تحت كلّ ذنب: أستغفر الله"1
 
7- حسن الظنّ بالله:
المراد من الظنّ ما نتوقّعه ممَّن يمتاز بصفة الرحمة والرحيميّة (الرحمن الرحيم)، والكرم بالخصوص. ولذا، كان النداء: يا كريم، ليس ظنّنا بك أن تعذِّب من كان حاملاً لهذه الصفات، ولا هذا ما أخبرتنا به في كتابك؛ من سعة رحمتك، وعدلك. 
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "يُؤتَى بعبد يوم القيامة ظالم لنفسه، فيقول الله ألم آمرك بطاعتي؟ ألم أنهك عن معصيتي؟ فيقول: بلى يا رب، ولكن غلبت عليّ شهوتي، فإن تعذّبني؛ فبذنبي لم تظلمني، فيأمر الله به إلى النار، فيقول: ما كان هذا ظنّي بك، فيقول: ما كان ظنّك بي؟ قال: كان ظنّي بك، أحسن الظنّ، فيأمر الله به إلى الجنّة، فيقول الله تبارك وتعالى: لقد نفعك حسن ظنّك بي الساعة"2.
 
 

1- الطبرسي، مكارم الأخلاق، م.س، ص313.
2- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد: المحاسن، تصحيح وتعليق جلال الدين الحسيني، لاط، طهران، 1370هـ.ق/ 1330هـ.ش، ثواب من بلغه ثواب...، ح4، ص25-26.
 
 
 
78

65

صفات الناجين من عذاب النار

 موعظة وعبرة

القلب واللسان:
 
ثمّة قصّة معروفة عن لقمان الحكيم، وهي أنّ مولاه دعاه - يوم كان عبداً - فقال: اذبح شاة، فأتني بأطيب مضغتين منها. فذبح شاة، وأتاه بالقلب واللسان.
 
وبعد عدّة أيّام، أمره أن يذبح شاة، ويأتيه بأخبث أعضائها. فذبح شاة وأتاه بالقلب واللسان، فتعجّب وسأله عن ذلك، فقال: إنّ القلب واللسان إذا طهرا فهما أطيب من كلّ شيء، وإذا خبثا كانا أخبث من كلّ شيء.
 
وننهي هذا البحث بحديثٍ عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال:
"والله ما أُوتي لقمان الحكمة لحسبٍ ولا مال، ولا بسطٍ في جسمٍ ولا جمال، ولكنّه كان رجلاً قويّاً في أمر الله، متورّعاً في الله، ساكتاً سكيناً عميق النظر، طويل التفكّر، حديد البصر.
ولم ينم نهاراً قطّ - أي أوّله - ولم يتّكئ في مجلسٍ قطّ - وهو عرف المتكبّرين - ولم ينقل في مجلس قومٍ قطّ، ولم يعبث بشيء قطّ، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قطّ، ولا على اغتسال لشدّة تستّره وتحفّظه في أمره.
ولم يمرّ بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلّا أصلح بينهما، ولم يسمع قولاً استحسنه من أحد قطّ إلّا سأله عن تفسيره وعمّن أخذه، وكان يُكثر مجالسة الفقهاء والعلماء، ويتعلّم من العلوم ما يغلب به نفسه، ويجاهد به هواه، وكان لا يظعن إلّا فيما ينفعه، ولا ينظر إلّا فيما يعينه، فبذلك أُوتي الحكمة ومنح القضية"1.
 
 

1- تفسير مجمع البيان بتصرّف.
 
 
 
 
79

66

صفات الناجين من عذاب النار

 وقفة تأملية

التفكّر في حقيقة وجود الإنسان:
 
إنّ تفكّرنا في حقيقة وجودنا؛ وأنّه وجود ممكن محتاج فقير في أصل وجوده واستمراره؛ يقودنا إلى معرفة عظمة الله تعالى وقوّته وقدرته وغناه:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من عرف نفسه؛ فقد عرف ربّه"1
 
وأمام ذلك ينبغي أن تخضع نفوسنا وتخشع لله تعالى؛ بمقتضى ما أدركت قلوبنا من عظمة الله تعالى وقدرته وقوّته، وأن نندفع في شكر نعم الله تعالى؛ أداءً لحقّ المنعم؛ باستعمالها في ما يرضيه: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾2، ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾3.
 
 

1- المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج2، باب استعمال العلم...، ح22، ص32.
2- الإنسان: 3.
3- النساء: 147.
 
 
 
80

67

صور من عذاب جهنّم

 7- صور من عذاب جهنّم




يا اِلهي وَرَبّي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ لاِيِّ الاْمُورِ اِلَيْكَ اَشْكُو وَلِما مِنْها اَضِجُّ وَاَبْكي لاِليمِ الْعَذابِ وَشِدَّتِهِ، اَمْ لِطُولِ الْبَلاءِ وَمُدَّتِهِ، فَلَئِنْ صَيَّرْتَنى لِلْعُقُوباتِ مَعَ اَعْدائِكَ وَجَمَعْتَ بَيْني وَبَيْنَ اَهْلِ بَلائِكَ وَفَرَّقْتَ بَيْني وَبَيْنَ اَحِبّائِكَ وَاَوْليائِكَ، فَهَبْني يا اِلـهى وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ وَرَبّي صَبَرْتُ عَلى عَذابِكَ فَكَيْفَ اَصْبِرُ عَلى فِراقِكَ، وَهَبْني صَبَرْتُ عَلى حَرِّ نارِكَ فَكَيْفَ اَصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ اِلى كَرامَتِكَ اَمْ كَيْفَ اَسْكُنُ فِي النّارِ وَرَجائي عَفْوُكَ.
 
 
 
 
81

68

صور من عذاب جهنّم

 مفاهيم محوريّة:

1. خصائص العذاب الأخروي:
• عذاب أليم.
• عذاب طويل المدّة.
1. تنوّع العذاب في جنّهم:
• الجيران هم أعداء الله.
• مفارقة أولياء الله.
• الحرمان من لقاء الله.
• الحرمان من الكرم الإلهي.

شرح المفردات:
أضجّ: أصلها ضَجَّ: "الضادّ والجيم: أصل صحيح يدلّ على صياح بضجر"1. 
________________________________________
1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"ضَجَّ"، ص359.
 
 
 
83

69

صور من عذاب جهنّم

 صيّرتني: أصلها صَيَرَ: "الصاد والياء والراء: أصل صحيح؛ وهو المآل والمرجع"2

صبرت: أصلها صَبَرَ: "الصاد والباء والراء: أصول ثلاثة، الأوّل: الحبس، والثاني: أعالي الشيء، والثالث: جنس من الحجارة"2. و"الصَّبْرُ: حبس النّفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عمّا يقتضيان حبسها عنه، فَالصَّبْرُ لفظ عامّ، وربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النّفس لمصيبة سمّي صبراً لا غير، ويُضَادُّه الجزع، وإن كان في محاربة سمّي شجاعة، ويضادّه الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمّي رحب الصّدر، ويضادّه الضّجر، وإن كان في إمساك الكلام سمّي كتماناً، ويضادّه المذل، وقد سمّى الله تعالى كلّ ذلك صبراً، ونبّه عليه بقوله: ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء﴾(البقرة: 177)"3.
رجائي: أصلها رَجَى: "الراء والجيم والحرف المعتلّ: أصلان متباينان يدلّ أحدهما: على الأمل، والآخر: على ناحية الشيء. فالأوّل: الرجاء؛ وهو الأمل. يقال رجوت الأمر أرجوه رجاء. ثمّ يتّسع في ذلك، فربّما عُبِّرَ عن الخوف بالرجاء. قال الله تعالى: ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾؛ أي لا تخافون له عظمة"4.
 
دلالة المقطع:
1- خصائص العذاب الأخروي:
يشير مقطع هذا الدعاء إلى خصوصيّتين من خصائص هذا العذاب الأخروي، وهما:
أ- عذاب أليم:
إنّ عذاب الآخرة لا يمكن أن تقاس به عذابات هذه الدنيا إطلاقاً: 
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"صَيَرَ"، ص325.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"صَبَرَ"، ص329.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"صَبَرَ"، 474.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"رَجَى"، ص494.
 
 
 
84

70

صور من عذاب جهنّم

 روي عن الإمام الصادق عن أبيه، عن جدّه عن أبيه عليهم السلام: "قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:... فكيف أستطيع الصبر على نار؛ لو قَذَفَت بشرره إلى الأرض؛ لأحرقت نبتها، ولو اعتصمت نفس بقلّة؛ لأنضجها وهج النار في قلتها"1.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ أهل النار يتعاوون فيها؛ كما يتعاوى الكلاب والذئاب؛ ممّا يَلقَون من ألم(أليم) العذاب... كليلة أبصارهم، صمّ، بكم، عمي، مسودّة وجوههم، خاسئين فيها، نادمين"2.
 
ب- عذاب طويل المدّة:
إنّ بلاء النار بلاء يطول ولا يُقاس على الإطلاق بعذابات هذه الدنيا؛ لأنّها تنتهي بالموت الذي يحلّ بالإنسان، وتُقدَّر بعمر هذا الإنسان فقط، وأمّا في الآخرة فـ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾، حيث يجأر الإنسان ويصيح طالباً الموت؛ لكي يتخلّص من العذاب، ولكن يأتيه الجواب: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ﴾3.
 
2- تنوّع العذاب في جهنّم:
عندما تقود زبانيّة جهنّم الإنسان الذي حُكِمَ عليه في محكمة العدل الإلهية بالنار، ويُلقَى به فيها؛ فإنّه سوف يواجه نوعين من العذاب، أحدهما: العذاب الجسماني الحاصل؛ باحتراق جلده وعظمه بنار جهنّم: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾4، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾
 
 

1- ابن بابويه، محمد بن علي بن الحسين: الأمالي، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، ط1، قم المقدّسة، 1417هـ.ق، المجلس90، ح7، ص818-819.
2- ابن بابويه، الأمالي، م.س، المجلس82، ح14، ص651.
3- الزخرف: 77.
4- التوبة: 35.
 
 
 
 
85

71

صور من عذاب جهنّم

 حَكِيمًا﴾10، والآخر: هو العذاب النفسي والمعنوي المتمثِّل بمظاهر عديدة: ﴿الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾1.

 
ويشير هذا المقطع من الدعاء لبعض معالم هذا العذاب المعنوي:
أ- مجاورة أعداء الله:
يتبرّأ الإنسان من أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الدنيا، حيث يعيش الكره لهم، ويدعو عليهم في الليل والنهار، ولا يطيق حتى ذكر اسمهم، ولا يتصوَّر أن يعيش معهم في مكان واحد.
ولكنّه، في يوم القيامة؛ عندما يُحكَم به إلى جهنّم؛ يُحكَم عليه بالاجتماع معهم، ويشارك أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم نار جهنم؛ فيتعذّب كما يتعذّبون. وأيّ ألم نفسي يسبّبه ذلك؛ أن يرى هؤلاء الذين كان يراهم في الدنيا أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وهم بالفعل كذلك، ولكنّه بسوء فعله أصبح جاراً لهم في نار جهنّم؟!
قال الله تعالى مصوِّراً حالة الخصومة بين أهل جهنم: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾2.
 
ب- مفارقة أولياء الله:
إنّ الإنسان يأنس بمَنْ يُحِبّ، والمؤمن يتمنّى في هذه الدنيا أن يجتمع مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمد عليهم السلام في الآخرة، وأن يُحشَر معهم، ولكنّ أصحاب الذنوب سوف يُكتَب عليهم بمفارقة ما يُحبّون؛ لأنّهم حيث يُحكَم بهم إلى جهنّم؛ فلن يروا آل محمد عليهم السلام ولن يجتمعوا بهم، بل إنّ الحسرة على فراقهم ستضيف عذاباً إلى عذابهم.
 
 

1- النساء: 56.
2- الهمزة: 7-8.
3- ص: 62-64.
 
 
 
86

72

صور من عذاب جهنّم

 ج- الحرمان من لقاء الله:

إنّ الوعد الذي قطعه الله لعبادة الصالحين؛ هو: لقاء الله في الآخرة؛ وهو غاية الإحسان الإلهي إليهم، فالإنسان في هذه الدنيا يرجو لقاء الله ويُحبّه، ولكن، لماذا يُحرَم منه في يوم القيامة؟! 
والسبب في ذلك يكمن في أنّ حبّ اللقاء لم ينعكس في حياة هذا الإنسان سلوكاً؛ فهو كمن يُحبّ لقاء إنسان والأبواب مفتوحة أمامه والسبل مشرّعة، ولكنّه لا يسلكها؛ فكيف يتحقّق اللقاء؟! ويظهر ذلك في لحظة المعاينة؛ أي لحظة خروج الروح من الجسد؛ فإنّ مَنْ أحبّ لقاء الله آنذاك لقيه، وإلا حُرِمَ من اللقاء:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام - لمّا سُئِلَ: مَنْ أحبَّ لقاء الله أحبَّ الله لقاءه، ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه؟ -، قال: "نعم. فقلت: فوالله، إنّا لنكره الموت! فقال: ليس ذلك حيث تذهب، إنّما ذلك عند المعاينة، إذا رأى ما يُحبّ؛ فليس شيء أحبّ إليه من أن يتقدَّم، والله يُحبّ لقاءه، وهو يحبّ لقاء الله حينئذ، وإذا رأى ما يكره؛ فليس شيء أبغض إليه من لقاء الله، والله عزّ وجلّ يبغض لقاءه"1.
وعن الإمام علي عليه السلام: "لمّا أراد الله تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم عليه السلام أهبط إليه ملك الموت، فقال: السلام عليك يا إبراهيم، قال: وعليك السلام يا ملك الموت أداعٍ أم ناعٍ؟ قال: بل داعٍ يا إبراهيم؛ فأجب! قال إبراهيم عليه السلام: فهل رأيت خليلاً يُميت خليله؟... فقال الله جلّ جلاله: يا ملك الموت اذهب إليه وقل له: هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه؟ إنّ الحبيب يُحبّ لقاء حبيبه"2
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج3، كتاب الجنائز، باب ما يعاين المؤمن...، ح12، ص134.
2- ابن بابويه، محمد بن علي بن الحسين: علل الشرائع، تقديم محمد صادق بحر العلوم، لاط، النجف الأشرف، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، 1385هـ.ق/ 1966م، ج1، باب32، ح9، ص37.
 
 
 
87

73

صور من عذاب جهنّم

 د- الحرمان من الكرم الإلهي:

يعيش الإنسان في هذه الدنيا في ظلّ النعم الإلهية، ومتى ضاقت عليه الدنيا، ونزل به البلاء؛ اتّجه بقلبه إلى الله عزّ وجلّ، والله تعالى يستجيب له، ويعطيه، ويرفع عنه البلاء. وفي الآخرة عندما يُلقَى بالإنسان إلى جهنّم، يبقى منتظراً للكرم الإلهي، ولكنّ الحرمان هو نصيبه؛ لأنّ حكم العدل يجري عليه، وتزداد الحسرة عندما يطّلع أهل النار على أهل الجنّة، فيرون الكرامة الإلهية تحيط بهم؛ يعيشون في ظلّها، وهم محرومون منها. وهذا من عذابات جهنّم المعنوية، قال تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾1.
وإنّ أوّل طلب يطلبه أهل النار؛ هو: الماء، وهذا أمر طبيعي؛ لأنّ الشخص الذي يحترق في النار المستعرة يطلب الماء قبل أيّ شيء؛ حتّى يبرّد غليله، ويرفع به عطشه.
 
 
 

1- الأعراف: 50.
 
 
 
88

74

صور من عذاب جهنّم

 موعظة وعبرة

قبض روح المؤمن:
 
روي أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام قد سأله قائلاً: جعلت فداك يا ابن رسول الله، هل يكره المؤمن على قبض روحه؟
 
قال: "لا والله، إنّه إذا أتاه مَلَك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك، فيقول له ملك الموت: يا وليّ الله، لا تجزع؛ فوالذي بعث محمّداً، لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والدٍ رحيمٍ لو حضرك، افتح عينيك فانظر. قال: ويمثل له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ذرّيتهم عليهم السلام ، فيُقال له: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام رفقاؤك، قال: فيفتح عينيه فينظر، فينادي روحَه منادٍ من قبل ربّ العِزّة، فيقول: "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (إلى محمّد وأهل بيته) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً (بالولاية) مَرْضِيَّةً (بالثواب) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (يعني محمداً وأهل بيته) وَادْخُلِي جَنَّتِي"، فما شيء أحبّ إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي"1.
 
 

1- أصول الكافي: 3/ 127، باب إنّ المؤمن لا يكره على قبض روحه، الحديث 2.
 
 
 
 
89

75

صور من عذاب جهنّم

 وقفة تأملية

التدبّر في آثار السعي وراء الشهوات: 
 
روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "غالِبِ الشهوةَ قبلَ قوّةِ ضَراوَتِها؛ فإنّها إنْ قَوِيتْ ملكَتْكَ، واستفادتْكَ، ولم تقدر على مقاومتها"1.
 
ينبغي علينا أن نجاهد أنفسنا مجاهدة تتروّض معها قوى النفس، فتعتدل تحت إمرة العقل؛ وذلك قبل أن تتمكّن الشهوات منّا وتأخذ مأخذها؛ فينتج عنها ملكات قبيحة راسخة؛ فلا تعد إزالتها سهلة يسيرة، بل تصبح هي التي تسيّرنا وتتحكّم بأفعالنا الصادرة عنّا.
 
 

1- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص350.
 
 
 
90

76

سعة رحمة الله

 8- سعة رحمة الله




اَفَتُراكَ سُبْحانَكَ يا اِلهى وَبِحَمْدِكَ تَسْمَعُ فيها صَوْتَ عَبْد مُسْلِم سُجِنَ (يُسْجَنُ) فيها بِمُخالَفَتِهِ، وَذاقَ طَعْمَ عَذابِها بِمَعْصِيَتِهِ وَحُبِسَ بَيْنَ اَطْباقِها بِجُرْمِهِ وَجَريرَتِهِ وَهُوَ يَضِجُّ اِلَيْكَ ضَجيجَ مُؤَمِّل لِرَحْمَتِكَ، وَيُناديكَ بِلِسانِ اَهْلِ تَوْحيدِكَ، وَيَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِرُبُوبِيَّتِكَ، يا مَوْلايَ فَكَيْفَ يَبْقى فِي الْعَذابِ وَهُوَ يَرْجُو ما سَلَفَ مِنْ حِلْمِكَ، اَمْ كَيْفَ تُؤْلِمُهُ النّارُ وَهُوَ يَأْملُ فَضْلَكَ وَرَحْمَتَكَ اَمْ كَيْفَ يُحْرِقُهُ لَهيبُها وَاَنْتَ تَسْمَعُ صَوْتَهُ وَتَرى مَكانَه اَمْ كَيْفَ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ زَفيرُها وَاَنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفَهُ، اَمْ كَيْفَ يَتَقَلْقَلُ بَيْنَ اَطْباقِها وَاَنْتَ تَعْلَمُ صِدْقَهُ، اَمْ كَيْفَ تَزْجُرُهُ زَبانِيَتُها وَهُوَ يُناديكَ يا رَبَّهُ، اَمْ كَيْفَ يَرْجُو فَضْلَكَ في عِتْقِهِ مِنْها فَتَتْرُكُهُ فيها هَيْهاتَ ما ذلِكَ الظَّنُ بِكَ وَلاَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ وَلا مُشْبِهٌ لِما عامَلْتَ بِهِ الْمُوَحِّدينَ مِنْ بِرِّكَ وَاِحْسانِكَ.
 
 
 
91

77

سعة رحمة الله

 مفاهيم محوريّة:

1. فعل الإنسان سبب للعذاب.
2. صفات الخارجين من النار:
• الاعتقاد بالتوحيد.
• الإيمان بسعة الرحمة الإلهيّة.
• الإقرار بالعلم الإلهيّ المحيط.
• التسليم بالربوبيّة.
 
شرح المفردات:
أطباقها: أصلها طَبَقَ: "الطاء والباء والقاف: أصل صحيح واحد؛ وهو يدلّ على وضع شيء مبسوط على مثله حتى يغطيه؛ من ذلك: الطبق. تقول: أطبقت الشيء على الشيء؛ فالأوّل طبق للثاني، وقد تطابقا... ويقال لما علا الأرض حتى غطاها؛ هو طبق الأرض"1. "قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾(الملك: 3)؛ أي:
 
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"طَبَقَ"، ص439.
 
 
 
 
93

78

سعة رحمة الله

 بعضها فوق بعض"1.

جرمه: أصلها جَرَمَ: "الجيم والراء والميم: أصل واحد يرجع إليه الفروع. فالجرم القطع... وممّا يرد إليه قولهم: جرم؛ أي كسب؛ لأنّ الذي يحوزه فكأنّه اقتطعه... والجرم والجريمة: الذنب؛ وهو من الأوّل؛ لأنّه كسب والكسب اقتطاع"2
جريرته: أصلها جَرَّ: "الجيم والراء: أصل واحد؛ وهو: مدّ الشيء وسحبه... والجريرة ما يجرّه الإنسان من ذنب؛ لأنّه شيء يجرّه إلى نفسه"3. "والجريرة: هي الجناية والذنب، سمّيت بذلك لأنّها تجرّ العقوبة إلى الجاني"4.
مؤمِّل: أصلها أَمَلَ: "الهمزة والميم واللام: أصلان، الأوّل: التثبّت والانتظار، والثاني: الحبل من الرمل"5. و"الأمل: الرجاء؛ وهو ضدّ اليأس، ومنه قوله تعالى: ﴿وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾(الكهف: 18)... وتأمّل الشيء: نظر فيه ليعلم عاقبته"6.
يتوسَّل: أصلها وَسَلَ: "الواو والسين واللام: كلمتان متباينتان جدّاً، الأولى: الرغبة والطلب... والأخرى: السرقة"7. "وحقيقةُ الوَسِيلَةِ إلى الله تعالى: مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحرّي مكارم الشّريعة؛ وهي كالقربة، والوَاسِلُ: الرّاغب إلى الله تعالى"8.
زفيرها: أصلها زَفَرَ: "الزاء والفاء والراء: أصلان، أحدهما: يدلّ على حمل، والآخر: على صوت من الأصوات"9. "﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾(الأنبياء: 100)؛ فَالزَّفِيرُ: تردّد
 
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"طَبَقَ"، ص516.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"جَرَمَ"، ص445-446.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"جَرَّ"، ص410-411.
4- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج3، مادّة "جَرَرَ"، ص244.
5- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة "أَمَلَ"، ص140.
6- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج5، مادّة "أَمَلَ"، ص310-311.
7- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، مادّة "وَسَلَ"، ص110.
8- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة "وَسَلَ"، ص871.
9- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة "زَفَرَ"، ص14.
 
 
 
94

79

سعة رحمة الله

  النّفس حتى تنتفخ الضّلوع منه، وازْدَفَرَ فلان كذا: إذا تحمّله بمشقّة، فتردّد فيه نفسه"1.

يتقلقل: أصلها قَلَلَ: "القاف واللام: أصلان صحيحان؛ يدلّ أحدهما: على نزاره الشيء، والآخر: على خلاف الاستقرار؛ وهو الانزعاج. وأمّا الأصل الآخر، فيقال: تقلقل الرجل وغيره؛ إذا لم يثبت في مكان، وتقلقل المسمار؛ قلق في موضعه"2.
تزجره: أصلها زَجَرَ: "الزاء والجيم والراء: كلمة تدلّ على الانتهار"3. و"الزَّجْرُ: طرد بصوت، يقال: زَجَرْتُه فَانْزَجَرَ، قال: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾(النازعات: 13)، ثمّ يستعمل في الطَّرد تارة، وفي الصّوت أخرى. وقوله:﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾(الصافات: 2)؛ أي: الملائكة التي تَزْجُرُ السّحاب، وقوله: ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾(القمر: 4)؛ أي: طرد ومنع عن ارتكاب المآثم"4.
برّك: أصلها بَرَّ: "الباء والراء في المضاعف؛ أربعة أصول: الصدق، وحكاية صوت، وخلاف البحر، ونبت. فأمّا الصدق، فقولهم: صدق فلان، وبرّ وبرّت يمينه؛ صدقت، وأبرّها: أمضاها على الصدق. وتقول: برّ الله حجّك، وأبره، وحجّة مبرورة؛ أي: قبلت قبول العمل الصادق"5
إحسانك: أصلها حَسَنَ: "الحُسْنُ: عبارة عن كلّ مبهج مرغوب فيه... والإحسان يقال على وجهين، أحدهما: الإنعام على الغير؛ يقال: أحسن إلى فلان. والثاني: إحسان في فعله؛ وذلك إذا علم علماً حسناً، أو عمل عملاً حسناً... والإحسان أعمّ من الإنعام. قال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ﴾(الإسراء: 7)، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾(النحل: 90)؛ فالإحسان فوق العدل؛
 
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة "زَفَرَ"، ص380.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"قَلَلَ"، ص3-4.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"زَجَرَ"، ص47.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"زَجَرَ"، ص378.
5 ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"بَرَّ"، ص177.
 
 
 
95

80

سعة رحمة الله

 وذاك أنّ العدل هو أن يعطي ما عليه، ويأخذ أقلّ ممّا له، والإحسان أن يعطي أكثر ممّا عليه، ويأخذ أقلّ ممّا له"16.
 
دلالة المقطع:
1- فعل الإنسان سبب للعذاب:
يدفع الإنسان عن نفسه في هذه الدنيا أيّ ضرر قد يلحق به، ويحذر دائماً؛ فيتجنّب المخاطر، ولكنّه يغفل عن مضارّ الآخرة وعذاباتها، بل إنّه باختياره يقود نفسه إلى النار. ولذا، عبّرت الآية الكريمة عن ذلك: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾1.
فالمعصية ومخالفة أوامر الله؛ جرائم تنتهي بالمرء إلى النار، من حيث إنّ الإنسان يخاف في هذه الدنيا من عقوبات سائر الناس؛ ولا يخاف من عقوبات العزيز الجبّار: 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "كتب رجل إلى أبي ذر - (رضي الله عنه) - يا أبا ذر! أطرفني بشيء من العلم، فكتب إليه: أنّ العلم كثير، ولكن إن قدرت أن لا تسيء إلى من تحبّه؛ فافعل، قال: فقال له الرجل: وهل رأيت أحداً يسيء إلى من يحبّه؟! فقال له: نعم، نفسك أحبّ الأنفس إليك، فإذا أنت عصيت الله؛ فقد أسأت إليها"2.
 
2- صفات الخارجين من النار:
ليس أهل النار كلّهم سواء في العذاب؛ فمنهم: المخلَّدون، ومنهم الذين يُكتب لهم الخروج منها، حيث روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يخرج من النار مَنْ كان في قلبه
 
 
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"بَرَّ"، ص235-237.
2- يونس: 44.
3- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب محاسبة العمل، ح20، ص458.
 
 
 
 
96

81

سعة رحمة الله

 مثقال ذرّة من إيمان"1.

فذرّة الإيمان هذه تجعل الإنسان يعيش الأمل بالخروج؛ ولذا يبقى مثل هذا الإنسان يتوسَّل إلى الله عزّ وجلّ؛ لكي يُخرِجَه منها. ويبيّن هذا المقطع من الدعاء بعض صفات هؤلاء الناس:
أ- الاعتقاد بالتوحيد:
إنّ المرء الذي أودت به معاصيه إلى النار يبقى لديه الأمل بأن يشمله العفو الإلهي؛ فهو يدرك سعة الرحمة الإلهية. ولذا، يبدأ بنداء الله، وهذا النداء نداء مفعم بالرحمة؛ سببه ما لديه من إيمان بسعة الرحمة الإلهية.
كما أنّ كونه من الموحِّدين في هذه الدنيا، ولكنّ الشيطان استزلّه بالمعصية؛ فهو ينادي الله باللسان الذي يناديه به أهل التوحيد؛ وهم الذين يعرفون أنّ الأمور كلّها بيد الله؛ فهو ينادي الله فقط لأنّه يعلم أنّ بيده كلّ شيء، ويعرف أيضاً أنّ الربّ المتصرّف في كلّ شيء؛ هو الله وحده. ولذا، يكون توسّله بالربوبيّة الإلهية.
 
ب- الإيمان بسعة الرحمة الإلهيّة:
إنّ اليأس هو الذي يغلق للإنسان الباب أمام الظفر بما يريد؛ ولذا، فإنّ الأمل ما دام موجوداً؛ فاحتمالات النجاة تبقى قائمة، ومن كان يتنعّم بنعم الله في هذه الدنيا؛ سوف يُدرك أنّ العادة الإلهية هي الرحمة والعطاء لعباده. وهذا ما يفتح له باب الأمل في الآخرة: ﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ﴾2.
 
ج- الإقرار بالعلم الإلهيّ المحيط:
عندما يُدرِك الإنسان سعة العلم الإلهي، يمتنع في هذه الدنيا عن ارتكاب الذنوب؛ لأنّه سوف يشعر بالرقابة الإلهية، كما أنّه في حالات البلاء يلجأ إلى الله؛ لإدراكه أنّ
 
 

1- المتّقي الهندي، كنز العمّال، م.س، ج1، ح284، ص72.
2- الحجر: 56.
 
 
 
 
97

82

سعة رحمة الله

  الله عليم بالبلاء المحيط به؛ وهو وحده القادر على رفعه عنه. وكذلك، حال الإنسان في نار جهنم؛ فإنّه إذا كان مُدرِكاً لسعة العلم الإلهي؛ سوف يرى فيه أملاً بالنجاة، فالله مطَّلع على مَنْ يُعذب من عباده في جهنّم؛ ممَّن يحترق بنارها، ولكنّه لم ييأس، بل هو ينادي ربّه، وكما سمع الله نداءه في الدنيا؛ فإنّ الله يسمع نداءه في الآخرة، وكما استجاب له في الدنيا؛ سوف يستجيب له في الآخرة. 

فالإنسان يُدرِك تماماً أنّ هذا العذاب تطهير له من الذنوب؛ لكي تُكتب له النجاة، ولذا يلجأ إلى الله دائماً.
والله عزّ وجلّ عليم بما ينادي به الإنسان، وبالمكان الذي يحلّ فيه، وبضعفه عن تحمُّل العذاب، وبصدقه في الدعاء.

د- التسليم بالربوبيّة:
إنّ أهمّ ما في دعاء الإنسان وقوفه مخاطباً إيّاه خطاباً مباشراً منادياً: "يا ربّاه"؛ وهذه الكلمة فيها استعطاف، ولكي يكون هذا الاستعطاف صادقاً؛ لا بدّ للداعي أن يتوافر على شروط استجابة الدعاء، ونشير هنا إلى بعضها:
معرفة من ندعو: عندما نتّجه إلى الله بالدعاء؛ لا بدّ وأن نستحضر ما نعتقده في الذات الإلهية؛ من أنّها الذات المالكة لنا تماماً، وأنّنا لسنا أمامها سوى عبيد أرقّاء، فينبغي للداعي أن يستشعر المذلّة أمام عظمة الذات الإلهية. وهذا لا يتحقّق إلّا بالمعرفة الصحيحة بعظمة الذات الإلهية. 
التوجّه التامّ: ينبغي على الإنسان عندما يلجأ إلى ربّه أن يكون مُخلصاً في ذلك؛ أي أن لا يجعل في قلبه تعلّقاً بقضاء حاجته من قِبَل أيّ أحد سوى الله، فلا يقع في الشرك في الطلب والدعاء؛ وهذا يتحقّق عندما ينتقل الداعي إلى حالات قلبيّة يمتلك فيها حضوراً تامّاً لله عزّ وجلّ.
في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا اقشعرّ جلدك، ودمعت عيناك، ووجل
 
 
 
 
98

83

سعة رحمة الله

  قلبك؛ فدونك دونك، فقد قصد قصدك"1.

فتحقّق الحاجة متوقِّف على نفوذ الشعور إلى داخل كيان هذا الإنسان. 
نداء المذلّة: نداء "يا ربّاه"؛ نداء يتعلّق فيه الإنسان بصفة الربوبيّة الإلهيّة التي تعني: أنّ الله هو المتصرّف المطلق وحده دون غيره بهذا الإنسان؛ فهو الربّ، ولا ربّ غيره؛ وهذا معنى: أن لا يدعو الإنسان بظهر قلب لاهٍ:
عن الإمام الصادق عليه السلام: " قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يقبل الله عزّ وجلّ دعاء قلب لاهٍ"2.
ولذا، تكتسب صورة الداعي دوراً أساساً في استجابة الدعاء؛ بأن يقف موقف العبد الذليل، ولا عجب من ذلك؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقف بين يدي الله بهذا الموقف؛ ففي الرواية عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا ابتهل، ودعا كما يستطعم المسكين"3.
حسن الظنّ بالله: من الأمور التي ينبغي على الداعي أن يستحضرها؛ وهو ما ورد في هذا المقطع من الدعاء: "ما ذلك الظنّ بك، ولا المعروف من فضلك"؛ أن يكون حَسَنَ الظنّ بالله، فالإنسان إذا أدرك ما أعطاه الله عزّ وجلّ؛ فسوف يُحسِن ظنّه بأنّ الله سيعطيه حاجته التي يسألها، وعندما يكرّر الداعي في بعض الأدعية أو يتوسّل بالاسم المبارك "يا كريم"، فإنّ عليه أن يلتفت إلى أنّ معنى ذلك الإقرار بما جرت عليه العادة الإلهية من العطاء:
روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "وجدنا في كتاب علي عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال - وهو على منبره-: والذي لا إله إلا هو، لا يُحسن ظنّ عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظنّ عبده المؤمن؛ لأنّ الله كريم بيده الخيرات، يستحيي أن يكون
 
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب الأوقات...، ح8، ص478.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب الإقبال على الدعاء، ح2، ص473.
3- الطوسي، الأمالي، م.س، المجلس24، ح16، ص585.
 
 
99

84

سعة رحمة الله

 عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ، ثمّ يخلف ظنّه ورجاءه؛ فأحسنوا بالله الظنّ، وارغبوا إليه"1.

والإنسان إذا أحسن الظنّ بالله لم يطلب شيئاً من غير الله، ومن يطلب الحاجة من غير ربّه؛ فقد أساء الظنّ بالله: 
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "حسن الظنّ بالله: أن لا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلا ذنبك"2.
لقد ذمّ الله في آيات كتابه الكريم من الناس؛ مَنْ كان يظنّ السوء بالله؛ بأن يظنّه ظالماً، بخيلاً لا يعطي مَنْ يدعوه: 
قال تعالى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾3.
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الظنّ بالله، ح2، ص71-72.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الظنّ بالله، ح4، ص72.
3- الفتح: 6.
 
 
 
100

85

سعة رحمة الله

 وقفة تأملية
التدبّر في آثار فعل الغضب الصادر عن الإنسان: 
 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى بعض أنبيائه: يا ابن آدم اذكرني في غضبك؛ أذكرك في غضبي؛ لا أمحقك في من أمحق، وارض بي منتصراً؛ فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك"1.
 
وعنه عليه السلام -أيضاً-: "الغضب مفتاح كلّ شرّ"2.
 
وقد أشارت بعض الروايات إلى بعض الأمور العملية التي يمكن أن يحتكم إليها المرء في كبح جماح الغضب:
عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: "إنّ الرجل ليغضب؛ فما يرضى أبداً حتى يدخل النار، فأيّما رجل غضب على قوم وهو قائم؛ فليجلس من فوره ذلك؛ فإنّه سيذهب عنه رجز الشيطان، وأيّما رجل غضب على ذي رحم؛ فليدن منه فليمسه؛ فإنّ الرحم إذا مست سكنت"3.
 
وعنه عليه السلام -أيضاً-: "إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان تُوقد في قلب ابن آدم. وإنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه؛ فليلزم الأرض؛ فإنّ رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك"4.
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح8، ص303-304.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح3، ص303.
3- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح2، ص302.
4- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الغضب، ح12، ص304-305.
 
 
 
101

86

الرقابة الإلهيّة

 9- الرقابة الإلهيّة





اِلهى وَسَيِّدى فَأَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتى قَدَّرْتَها، وَبِالْقَضِيَّةِ الَّتي حَتَمْتَها وَحَكَمْتَها وَغَلَبْتَ مَنْ عَلَيْهِ اَجْرَيْتَها اَنْ تَهَبَ لى فى هذِهِ اللَّيْلَةِ وَفي هذِهِ السّاعَةِ كُلَّ جُرْم اَجْرَمْتُهُ، وَكُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ، وَكُلَّ قَبِيح اَسْرَرْتُهُ، وَكُلَّ جَهْل عَمِلْتُهُ، كَتَمْتُهُ اَوْ اَعْلَنْتُهُ اَخْفَيْتُهُ اَوْ اَظْهَرْتُهُ، وَكُلَّ سَيِّئَة أمَرْتَ بِاِثْباتِهَا الْكِرامَ الْكاتِبينَ الَّذينَ وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ ما يَكُونُ مِنّي وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَيَّ مَعَ جَوارِحي، وَكُنْتَ اَنْتَ الرَّقيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرائِهِمْ، وَالشّاهِدَ لِما خَفِيَ عَنْهُمْ، وَبِرَحْمَتِكَ اَخْفَيْتَهُ، وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَهُ.
 
 
 
 
103

87

الرقابة الإلهيّة

 مفاهيم محوريّة:

• الاختيار ميّزة الإنسان.
• أصناف الذنوب.
• شهادة الملائكة على أعمال العباد.
• شهادة الجوارح.
• الشاهد الذي لا يخفى عليه شيء.
• الرحمة الإلهية خير ساتر للعباد.
 
المفردات:
قدّرتها: أصلها قَدَرَ: "القاف والدال والراء: أصل صحيح يدلّ على مبلغ الشيء وكنهه ونهايته... والقدر قضاء الله تعالى الأشياء على مبالغها ونهاياتها التي أرادها لها"1. 
حتمتها: أصلها حَتَمَ: "الحاء والتاء والميم: ليس عندي أصلاً، وأكثر ظنّي أنّه أيضاً 
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"قَدَرَ"، ص62.
 
 
 
 
105

88

الرقابة الإلهيّة

 من باب إبدال التاء من الكاف؛ إلا أنّ الذي فيه من إحكام الشيء"1. و"قوله تعالى: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا﴾(مريم: 71)؛ الحتم: الواجب المعزوم عليه... وحتم عليه الأمر حتماً: أوجبه جزماً. 

وحتم الله الأمر: أوجبه. والحتم: إحكام الأمر. والحتم: إيجاب القضاء. والحتم: الأمر"2.
حكمتها: أصلها حَكَمَ: "الحاء والكاف والميم: أصل واحد؛ وهو المنع"3. "والحُكْم بالشيء: أن تقضي بأنّه كذا، أو ليس بكذا؛ سواء ألزمت ذلك غيره أم لم تلزمه، قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾(النساء: 58)"4.
أجريتها: أصلها جَرَى: "الجيم والراء والياء: أصل واحد؛ وهو انسياح الشيء"5.
الرقيب: أصلها رَقَبَ: "الراء والقاف والباء: أصل واحد مطّرد؛ يدلّ على انتصاب لمراعاة شيء. من ذلك: الرقيب؛ وهو الحافظ"6
الشاهد: أصلها شَهَدَ: "الشين والهاء والدال: أصل يدلّ على حضور وعلم وإعلام"7. و"الشُّهُودُ والشَّهَادَةُ: الحضور مع المشاهدة، إمّا بالبصر، وإمّا بالبصيرة، وقد يقال للحضور مفرداً. قال الله تعالى:﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾(السجدة: 6)، لكن الشهود بالحضور المجرّد أولى، والشّهادة مع المشاهدة أولى"8.
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"حَتَمَ"، ص134.
2- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج6، مادّة"حَتَمَ"، ص32.
3- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"حَكَمَ"، ص91.
4- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"حَكَمَ"، ص248.
5- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"جَرَى"، ص448.
6- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"رَقَبَ"، ص427.
7- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"شَهَدَ"، ص221.
8- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"شَهَدَ"، ص465.
 
 
 
106

89

الرقابة الإلهيّة

 دلالة المقطع:

1- الاختيار ميّزة الإنسان:
ميّز الله عزّ وجلّ الإنسان عن سائر المخلوقات، بأن أعطاه العقل، والشهوة، وجعل له الاختيار، فالملائكة لا تتمكَّن من معصية الأوامر الإلهية؛ ولهذا وصفهم الله تعالى، بقوله: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾1. والأنعام لا تملك العقل الذي يتحكَّم بتصرّفاتها، وأمّا الإنسان فهو الموجود المختار، وباختياره هذا قد يكون أفضل من الملائكة، وقد يكون أضلّ من الأنعام: 
روي عن الإمام الصادق عليه السلام - وقد سأله عبد الله بن سنان: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ - قال: "قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: إنّ الله عزّ وجلّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته؛ فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم"2.
 
2- أصناف الذنوب:
ليست الذنوب على حدّ سواء؛ فمن الذنوب: ما يكون عظيماً وكبيراً، ومنها: ما يكون صغيراً، ومنها: ما يتجاهر الإنسان به، ومنها: ما يرتكبه في الخفاء. نعم لكلّ ذنب عقابه، وكلّ ذنب يقترفه الإنسان يُوجِب بُعدَه عن القرب الإلهي. قال تعالى: ﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾3.
نعم، الُمتجَاهِر بالمعصية أشدّ سوءاً ممَّن يخفي المعصية: 
روي عن الإمام علي عليه السلام: "إيّاك والمجاهرة بالفجور؛ فإنّها من أشدّ المآثم"4.
 
 
 

1- التحريم: 6.
2- ابن بابويه، علل الشرائع، م.س، ج1، الباب7، ح1، ص4-5.
3- الأنعام: 120.
4- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص95.
 
 
 
107

90

الرقابة الإلهيّة

 وكذلك الحال في مَنْ يستصغر الذنب؛ أي يرتكبه ولا يدرك خطره، فيوقعه ذلك في تكراره:

روي عن الإمام علي عليه السلام: "أعظم الذنوب عند الله سبحانه ذنب صغر عند صاحبه"1.
 
3- شهادة الملائكة على أعمال العباد:
من المهام التي أوكلها الله للملائكة حفظ أعمال العباد؛ ليكونوا شهوداً عليه في محكمة العدل الإلهي في يوم القيامة. قال تعالى:﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾2
فهؤلاء شهود محيطون بكلّ شيء: 
روي عن الإمام علي عليه السلام: "اعلموا عباد الله أنّ عليكم... حفَّاظ صدق؛ يحفظون أعمالكم، وعدد أنفاسكم، لا تستركم منهم ظلمة ليلٍ داجٍ، ولا يكنكم منهم باب ذو رتاجٍ"3.
ولذا، كان على الإنسان، الذي يظنّ أنّه يتمكّن من ارتكاب المعصية في الخفاء، أن يستحي من الملكين اللّذين يراقبان ما يقوم به حتى في الخفاء. وهذا الحياء إذا وُجِدَ عند الإنسان؛ منعه من ارتكاب الذنب: 
روي عن الإمام الصادق عليه السلام - لمّا سأله زنديق عن علّة الملائكة المُوكَلين؛ والله عالم السرّ، وما هو أخفى! -: "استعبدهم بذلك، وجعلهم شهوداً على خلقه؛ ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة الله مواظبة، وعن معصيته أشدّ انقباضاً، وكم من عبد يهمّ بمعصية، فذكر مكانهما؛ فارعوى وكفّ، فيقول: ربّي يراني وحفظتي عليّ بذلك تشهد، وإنّ الله برأفته ولطفه أيضاً وكّلهم بعباده؛
 
 

1- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص112.
2- ق:17- 18.
3- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج2، الخطبة157، ص52-53.
 
 
 
108

91

الرقابة الإلهيّة

  يذبّون عنهم مردة الشياطين، وهوام الأرض، وآفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله، إلى أن يجيء أمر الله عزّ وجلّ"1.

وورد في الروايات حثّ على المبادرة إلى الاستغفار بعد الوقوع في الذنب؛ لأنّ ذلك يمنع من تسجيله في صحيفة الأعمال: 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "من عمل سيّئة أجّل فيها سبع ساعات من النهار، فإن قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاث مرّات لم تكتب عليه"2.
 
4- شهادة الجوارح:
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ *وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾3.
مشهد غير مألوف ولا معروف في هذه الدنيا؛ أعضاء الإنسان تتكلّم، وتمتثل الأمر الإلهي؛ فتشهد على الإنسان بما فعل، كيف وهي التي كانت إرادة الإنسان تحرّكها لترتكب الذنب؟؛ فهي أعرف ما يكون بما فعل الإنسان. 
ويتّجه الإنسان باللوم عليها، يظنّ أنّها تقف إلى جانبه لتدفع عنه، أو تكون شهادتها شهادة زور، ولكنّه لا يعلم أنّها مطيعة لخالقها، مع كونه قادراً على التحكّم بها في هذه الدنيا؛ فإذا جاء يوم القيامة كان لها حرّيّة التصرّف؛ فامتثلت أمر الله:
روي عن الإمام علي عليه السلام: "خُتِمَ على الأفواه فلا تكلّم، وقد تكلّمت الأيدي،
 
 

1- الطبرسي، الفضل بن الحسن: الاحتجاج، تعليق وملاحظات محمد باقر الخرسان، لاط، النجف الأشرف، دار النعمان، 1386هـ.ق/ 1966م، ج2، في ما احتجّ الصادق عليه السلام...، ص95.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الاستغفار من الذنب، ح2، ص437.
3- فصلت: 20-22.
 
 
 
 
109

92

الرقابة الإلهيّة

  وشهدت الأرجل، ونطقت الجلود؛ بما عملوا، فلا يكتمون الله حديثاً"1.

وهذه الصورة، إذا كانت حاضرة عند الإنسان في هذه الدنيا؛ فإنّه لن يُقدِمَ على ارتكاب الذنب؛ لخشيته من هذا الموقف.
 
5- الشاهد الذي لا يخفى عليه شيء:
كلّما كان الشاهد أقرب؛ كلّما كان أعرف وأكثر علماً. والله عزّ وجلّ هو أقرب ما يكون إلى العباد؛ ولذا كانت الرقابة الإلهية تامّة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾2
وهذا الشاهد على كلّ شيء هو الحاكم في يوم القيامة؛ ولذا كان لا بدّ من توقّي الوقوع في المعصية: 
روي عن الإمام علي عليه السلام: "اتّقوا معاصي الله في الخلوات؛ فإنّ الشاهد هو الحاكم"3.
ومن استشعر الرقابة الإلهية، امتنع من ارتكاب الذنب أولاً، وبادر عند الزلل إلى التوبة: 
روي عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: طوبى لصورة نظر الله إليها تبكي على ذنب من خشية الله عزّ وجلّ، لم يطّلع على ذلك الذنب غيره"4.
 
6- الرحمة الإلهية خير ساتر للعباد:
إنّ الرحمة الإلهية قد تقضي بإخفاء شيء على الملكين؛ لأنّ الله يعلم أنّ الذنب من العبد كان زلّة، وأنّه سيمحوها بالتوبة.
 
 

1- المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج7، ص313.
2- ق: 16.
3- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، الحكمة 324، ص77.
4- ابن بابويه، ثواب الأعمال، م.س، ص167.
 
 
 
 
120

93

الرقابة الإلهيّة

 ومن هنا، تظهر أهمّيّة أن يُراقب الإنسان نفسه؛ فإنّه بذلك يقي نفسه من الوقوف موقفاً لا يحبّه أحد من الناس في يوم القيامة، حيث تكون الفضيحة على رؤوس الأشهاد: 

روي عن الإمام علي عليه السلام: "اجعل من نفسك على نفسك رقيباً، واجعل لآخرتك من دنياك نصيباً"24. نعم، هذا الأمر يمكن أن يتحقّق؛ إذا تعلّمت الناس على ذلك؛ بأن تدرَّجت فيه: 
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عوّدوا قلوبكم الترقّب، وأكثروا التفكّر والاعتبار"25.
 
 

1- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص85.
2- المتّقي الهندي، كنز العمّال، م.س، ج3، ح5709، ص106.
 
 
 
121

94

الرقابة الإلهيّة

 موعظة وعبرة

خطّة الشيطان:
 
وفي أمالي الصدوق بإسناده إلى الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: "لمّا نزلت هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ﴾1، صعد إبليس جبلاً بمكّة يُقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا لم دعوتنا؟ 
قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟
فقام عفريت من الشياطين، فقال: أنا لها بكذا وكذا.
قال: لست لها.
فقام آخر، فقال مثال ذلك.
فقال: لست لها.
فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها.
قال: بماذا؟
قال: أعدهم وأمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار.
فقال: أنت لها.
فوكّله بها إلى يوم القيامة"2.
 
 
 

1- سورة آل عمران، الآية 135.
2- تفسير الميزان، 20/ 557 - تفسير روح المعاني: 26/ 17.
 
 
 
122

95

الرقابة الإلهيّة

 وقفة تأملية

التفكّر في الرقابة الإلهيّة:
 
عن الإمام الصادق عليه السلام - في وصية لإسحاق بن عمّار-: "يا إسحاق، خفِ الله كأنّك تراه، وإن كنت لا تراه؛ فإنّه يراك، وإن كنت ترى أنّه لا يراك؛ فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنّه يراك ثمّ برزت له بالمعصية؛ فقد جعلته من أهون الناظرين عليك"1.
 
تشبيه للرؤية القلبية بالرؤية العينية؛ بهدف الإشارة إلى خاصّيّة بداهة الظهور والوضوح الكامنين في وجود الله تعالى، وإحاطته بالعباد وما يصدر عنهم من أعمال. 
 
والمقصود برؤية الله تعالى بعين الباطن؛ هو لزوم طاعة الله وتقواه على كلّ حال؛ لأنّه لا موضوعية لرؤية الله غير إطاعته؛ حيث يوجَد أفرادٌ كُثُر في العالَم مع كونهم عالمين بوجود الله وقدرته؛ كأنّهم لا يرونه؛ فيعصونه.
 
لذا، فالمطلوب من العبد أن يطيع الله تعالى؛ بالتزام أوامره، وترك معاصيه؛ جاهداً لأن يجعل ذلك ملكة راسخة في نفسه؛ فيكون لله تعالى مراقباً على كلّ حال، متزوّداً بخير الزاد ليوم المعاد: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾2.
 
 
 

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الخوف والرجاء، ح2، ص67-68.
2- البقرة: 197.
 
 
 
113

96

دوام الذكر والعمل الصالح

 10- دوام الذكر والعمل الصالح





يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ وَاَعْظَمِ صِفاتِكَ وَاَسْمائِكَ اَنْ تَجْعَلَ اَوْقاتي مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً، وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً، وَاَعْمالى عِنْدَكَ مَقْبُولَةً حَتّى تَكُونَ اَعْمالي وَاَوْرادى كُلُّها وِرْداً واحِداً وَحالى فى خِدْمَتِكَ سَرْمَداً.
 
 
 
115

97

دوام الذكر والعمل الصالح

 مفاهيم محوريّة:

• التوفيق الإلهي طريق لدوام ذِكْر الله.
• الذِكْر الصادق.
• التوحيد في الذِكْر.
• دوام الاتّصال في خدمة الله.
• شروط قبول العمل.
• الثبات في خطّ الطاعة.
 
شرح المفردات:
معمورة: أصلها عَمَرَ: "العين والميم والراء: أصلان صحيحان، أحدهما: يدلّ على بقاء وامتداد زمان، والآخر: على شيء يعلو من صوت أو غيره. فالأوّل: العمر؛ وهو الحياة"1. و"العِمَارَةُ: نقيض الخراب... قال تعالى: ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾(الطور: 4)"2.
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"عَمَرَ"، ص140.
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"عَمَرَ"، ص586.
 
 
 
117

98

دوام الذكر والعمل الصالح

 أورادي: أصلها وَرَدَ: "الواو والراء والدال: أصلان، أحدهما: الموافاة إلى الشيء، والثاني: لون من الألوان"1.

سرمداً: "السَّرْمَدُ: الدّائم، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾(القصص: 71)"2
 
دلالة المقطع:
1- التوفيق الإلهي طريق لدوام ذِكْر الله:
ما يستوقف الداعي بدعاء كميل في هذا المقطع تلك الأيمان المغلّظة على الله "بحقّك، وقدسك، وأعظم صفاتك وأسمائك"، والمدعوّ به هو أن يوفِّق الله تعالى هذا الداعي؛ ليكون ذاكراً لله عزّ وجلّ على الدوام؛ بأن يجعل كلّ أوقاته عامرة بذكر الله. فهل هو مجرّد قول: الله أكبر، والحمد لله، أو سائر التسبيحات؟! تجيب الرواية عن ذلك بأنّ المطلوب هو الذِكْر القلبي؛ أي أن يكون الله عزّ وجلّ حاضراً في حياة هذا الإنسان في كافّة الأوقات: 
عن الإمام علي عليه السلام: "ما ابتلي المؤمن بشيء هو أشدّ عليه من خصال ثلاث يحرمها، قيل: وما هنّ؟ قال: المواساة في ذات يده، والإنصاف من نفسه، وذكر الله كثيراً. أما إنّي لا أقول لكم: سبحان الله والحمد لله، ولكنّ ذكر الله عند ما أُحلَّ له، وذكر الله عند ما حُرِّم عليه"3.
فهو متى كان في ظلّ حلال الله؛ ذَكَر الله؛ بالتوجّه بالشكر إليه، ومتى رأى محرّماً حرَّمه الله عليه؛ ذكر الله؛ فاجتنبه.
 
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، مادّة"وَرَدَ"، ص105.
2- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"سَرْمَدْ"، ص408.
3- الكليني، الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الإنصاف والعدل، ح9، ص145.
 
 
 
 
118

99

دوام الذكر والعمل الصالح

 2- الذِكْر الصادق:

إنّ ذِكْر الله باب للوقاية من الذنوب، وهو دليل تعلّق قلب الإنسان الذاكِر بالله عزّ وجلّ، والسعي إلى لقائه. ولذا، كان الذِكْر الصادق هو الذي يستتبع العمل على لقاء الله؛ بالنحو الذي يليق وينبغي؛ أي بأن يلقى الله عزّ وجلّ نقي الثوب، طاهراً من الذنوب، وإلّا كان من الاستهزاء أن يطلب الإنسان لقاء الله ولا يستعدّ له: 
روي عن الإمام الرضا عليه السلام: "سبعة أشياء بغير سبعة أشياء من الاستهزاء: من استغفر بلسانه، ولم يندم بقلبه؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله التوفيق، ولم يجتهد؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن استحزم، ولم يحذر؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله الجنّة، ولم يصبر على الشدائد؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن تعوّذ بالله من النار، ولم يترك شهوات الدنيا؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن ذكر الله، ولم يستبق إلى لقائه؛ فقد استهزأ بنفسه"1.
 
3- التوحيد في الذِكْر:
كما تزلّ قدم الإنسان؛ فيشرك بالخالقية، أو الربوبيّة، أو العبوديّة، فإنّه قد تزل قدمه؛ فيشرك في ذِكْر الله، فيتعلّق قلبه بغير الله، وينسى ذِكْر الله. ومن هنا، حذّر القرآن الكريم من بعض المُلهيات المُوجبة لانصراف الإنسان عن ذِكْر الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾2.
هل اختبر الإنسان الموحِّد قلبه؛ في أنّه يأنس بذِكْر الله أكثر ممّا يأنس بأحاديث الناس؟! وهل يرى نفسه في أثناء العبادة والدعاء أشدّ أنساً منه بأوقات مجالسة الأصدقاء والسهر والسمر؟! وفي هذا الصدد يعلّمنا الإمام زين العابدين عليه السلام كيف يستغفر الموحِّد من تلك اللحظات التي يأنس فيها بغير ذكر الله؛ لأنّ من تعلّق
 
 

1- الكراجكي، أبو الفتح: كنز الفوائد، ط2، قم المقدّسة، مكتبة المصطفوي؛ مطبعة غدير، 1369هـ.ش، ص152-153.
2- المنافقون: 9.
 
 
 
119

100

دوام الذكر والعمل الصالح

  قلبه بالله يرى ذلك ذنباً مُوجباً للبعد، فلا بدّ وأن يعقبه الاستغفار: 

عن الإمام زين العابدين عليه السلام - في مناجاة الذاكرين -: "وأستغفرك من كلّ لذّة بغير ذِكْرك، ومن كلّ راحة بغير أنسك، ومن كلّ سرور بغير قربك، ومن كلّ شغل بغير طاعتك"1.
 
4- دوام الاتّصال في خدمة الله:
تتمثّل الخدمة في ما ندركه من علاقات الناس بعضهم مع البعض الآخر في قضاء الحوائج، فإذا كان لأخيك حاجة فقضيتها له؛ فهذا يعني: أنّك قدَّمت له خدمة. وكذلك في الخادم في المنزل؛ فإنّه يقوم بما يحتاج إليه سيّده ومالكه. 
وهذا المعنى من الخدمة؛ أي: قضاء الحوائج؛ هو مستحيل في حقّ الله عزّ وجلّ؛ لأنّه الغني بذاته، والذي لا يحتاج إلى شيء حتى يقضي أحد حاجته. ولذا، يكون المُراد من خدمة الله: الامتثال لطاعة الله على الدوام؛ بأن يكون الإنسان على الدوام في خدمة الله؛ ممتثلاً لأوامره تعالى دائماً. وأهمّ الأوامر الإلهية؛ هي: الصلاة: 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ طاعة الله؛ خدمته في الأرض، فليس شيء من خدمته يعدل الصلاة"2.
كما أنّ خدمة عباد الله وقضاء حوائج الناس؛ هي مصداق لجعل الإنسان في خدمة الله عزّ وجلّ: 
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الخلق عيال الله، فأحبّ الخلق إلى الله؛ من نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيت سروراً"3.
 
 

1- المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج91، ص151.
2- ابن بابويه، محمد بن علي بن الحسين: من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، لات، ج1، ح623، ص208.
3- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الاهتمام بأمور المسلمين، ح6، ص164.
 
 
 
120

101

دوام الذكر والعمل الصالح

 5- شروط قبول العمل:

على الإنسان العمل؛ ومن الله قبول الأعمال، ولكن لا بدّ للإنسان من أن يحقّق شروط قبول العمل عند الله، فلا يُدخِل في العمل ما يكون سبباً لرفضه وردّه. وأهمّ شرط لقبول العمل: الإخلاص فيه: 
روي عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا عَمِلْتَ عملاً؛ فاعمل لله خالصاً؛ لأنّه لا يقبل من عباده الأعمال، إلا ما كان خالصاً"1.
ومن شروط قبول الأعمال: أن يكون الإنسان من أهل التقوى؛ بأن يكون ممَّن يُحافظ على طاعة الله عزّ وجلّ على كلّ حال، وفي هذا نتذكّر قصّة ابني آدم؛ بما حكاه القرآن: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾2.
 
6- الثبات في خطّ الطاعة:
من أشدّ ما يُبتلَى به الإنسان: أن يطيع الله في بعض الأوقات، ويعصيه في أوقات أخرى، أو أن يلجأ إلى الله عند الشدائد وينساه في الرخاء. ولذا، كان القليل من العمل مع المداومة عليه أفضل من الكثير مع الانقطاع: 
روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "ما من شيء أحبّ إلى الله عزّ وجلّ مِنْ عمل يداوم عليه، وإن قلّ"3.
وفائدة المداومة على العمل، ولو كان قليلاً؛ أن لا ينقطع الإنسان عن الله عزّ وجلّ: 
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمّا المداومة على الخير؛ فيتشعب منه: ترك الفواحش، والبعد من الطيش، والتحرّج، واليقين، وحبّ النجاة، وطاعة الرحمن،
 
 

1- الطبرسي، مكارم الأخلاق، م.س، ص453.
2- المائدة: 27.
3- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب استواء العمل...، ح3، ص82.
 
 
 
121

102

دوام الذكر والعمل الصالح

  وتعظيم البرهان، واجتناب الشيطان، والإجابة للعدل، وقول الحقّ؛ فهذا ما أصاب العاقل بمداومة الخير"1.

وكذلك الحال في الدعاء، وطلب الحاجة من الله؛ فإنّ الإنسان المُداوم على ذِكْر الله عزّ وجلّ يحقّق شروط الاستجابة عند الحاجة: 
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من تقدّم في الدعاء؛ استُجِيبَ له إذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة: صوت معروف، ولم يُحجَب عن السماء، ومن لم يتقدَّم في الدعاء؛ لم يُستجَب له إذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة: إنّ ذا الصوت لا نعرفه"2.
ومن الشواهد على كون العمل الصادر من الإنسان بنحو واحد ومتشابه: أن لا يختلف عمله في السرّ عن عمله في العلانية؛ فلا يكون في مرأى الناس أقرب إلى الله منه في الخلوات، أو أشدّ اجتهاداً في العبادة: 
روي عن الإمام علي عليه السلام: "من لم يختلف سرّه وعلانيّته، وفعله ومقالته؛ فقد أدّى الأمانة، وأخلص العبادة"3.
 
 

1- الحرّاني، تحف العقول، م.س، ص17-18.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الدعاء، باب التقدّم بالدعاء، ح1، ص472.
3- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج3، الكتاب26، ص26.
 
 
 
122

103

دوام الذكر والعمل الصالح

 وقفة تأملية

التفكّر في آثار ذِكر الله تعالى:
 
ركّز القرآن الكريم على إدامة حالة الذكر بقسميها اللساني والقلبي في كثير من آياته الكريمة؛ لما لها من آثار وبركات في عروج الإنسان نحو الكمال وقربه من الله تعالى: 
 
قال تعالى: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾1.
 
وقال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾2.
 
وقال تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾3.
 
وقال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾4.
 
والحال: أنّ ذكر المحبوب من أعظم علامات المحبّة؛ لأنّ مقتضى المحبّة أن يبقى المحبوب حاضراً على لسان المحبّ وفي قلبه؛ على كلّ حال. وكلّما تعمّقت هذه الحالة الذِكريّة في نفس الإنسان تجاه الله تعالى؛ كلّما ازداد حضور الله تعالى في قلبه، وازداد بالتالي انقطاعه عمّن سواه تعالى، إلى أن يصل الإنسان إلى مرحلة لا يشاهد فيها غير الله تعالى.
 
 

1- الأحزاب: 41-42.
2- طه: 14. 
3- الزمر: 22.
4- الزمر: 23.
 
 
 
 
123

104

حالات المقرّبين

 11- حالات المقرّبين




يا سَيِّدي يا مَنْ عَلَيْهِ مُعَوَّلي يا مَنْ اِلَيْهِ شَكَوْتُ اَحْوالي يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ، قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحى وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزيمَةِ جَوانِحي وَهَبْ لِيَ الْجِدَّ في خَشْيَتِكَ، وَالدَّوامَ فِي الاْتِّصالِ بِخِدْمَتِكَ، حَتّى اَسْرَحَ اِلَيْكَ في مَيادينِ السّابِقينَ وَاُسْرِعَ اِلَيْكَ فِي الْبارِزينَ (الْمُبادِرينَ) وَاَشْتاقَ اِلى قُرْبِكَ فِي الْمُشْتاقينَ وَاَدْنُوَ مِنْكَ دُنُوَّ الْمخْلِصينَ، وَأخافَكَ مَخافَةَ الْمُوقِنينَ، وَاَجْتَمِعَ فى جِوارِكَ مَعَ الْمُؤْمِنينَ.
 
 
 
125

105

حالات المقرّبين

 مفاهيم محوريّة:

• قوّة البدن وقوّة الروح.
• المسرعون إلى طاعة الله.
• المبادرة لفعل الخير.
• محبّة لقاء الله تعالى.
• الخوف مخافة الموقنين.
• مجاورة الله وأهل الإيمان.
 
شرح المفردات:
مُعوَّلي: أصلها عَيَلَ: "العين والياء واللام: ليس فيه إلا ما هو منقلب عن واو. العيلة: الفاقة والحاجة. يقال: عال يعيل عيلةً؛ إذا احتاج"1. "قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾(التوبة: 28)؛ العيلة والعالة: الفقر والفاقة"2.
الجوارح: أصلها جَرَحَ: "الجيم والراء والحاء: أصلان، أحدهما: الكسب، والثاني:
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة"عَيَلَ"، ص198.
2- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج5، مادّة"عَيَلَ"، ص432.
 
 
 
127

106

حالات المقرّبين

  شقّ الجلد. فالأوّل قولهم اجترح؛ إذا عمل وكسب. قال الله عزّ وجلّ: ﴿أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ﴾(الجاثية: 21)؛ وإنّما سمّي ذلك اجتراحا؛ لأنّه عمل بالجوارح؛ وهي الأعضاء الكواسب"1

الجوانح: أصلها جَنَحَ: "الجيم والنون والحاء: أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الميل والعدوان... والجوانح الأضلاع؛ لأنّها مائلة"2. "وجناحا الإنسان؛ لجانبيه، قال عزّ وجل: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ﴾(طه: 22)؛ أي: جانبك... قال تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾(الأنفال: 61)؛ أي: مالوا"4.
الجدّ: أصلها جَدَّ: "الجيم والدال: أصول ثلاثة، الأوّل: العظمة، والثاني: الحظّ، والثالث: القطع"4. "وسمّي ما جعل الله للإنسان من الحظوظ الدنيوية جَدّاً؛ وهو البخت، فقيل: جُدِدْتُ وحُظِظْتُ. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ"؛ أي: "لا يُتوصَل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة بالجدّ، وإنّما ذلك بالجدّ في الطاعة"5.
أسرح: أصلها سَرَحَ: "السين والراء والحاء: أصل مطّرد واحد؛ وهو يدلّ على الانطلاق"6.
البارزين: أصلها بَرَزَ: "الباء والراء والزاء: أصل واحد؛ وهو ظهور الشيء وبدوّه"7.
أدنو: أصلها دَنَى: "الدال والنون والحرف المعتلّ: أصل واحد يُقاس بعضه على بعض؛ وهو المقاربة. ومن ذلك: الدني؛ وهو القريب؛ من دنا يدنو"8. و"الدّنوّ: القرب بالذّات، أو بالحكم، ويستعمل في المكان والزّمان والمنزلة. قال تعالى: 
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"جَرَحَ"، ص451.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"جَنَحَ"، ص484-485.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"جَنَحَ"، ص206-207.
4- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"جَدَّ"، 406.
5- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"جَدَّ"، ص187-188.
6- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة"سَرَحَ"، ص157.
7- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج1، مادّة"بَرَزَ"، ص218.
8- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج2، مادّة"دَنَى"، ص303.
 
 
 
128

107

حالات المقرّبين

 ﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾(الأنعام: 99)، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾(النجم: 8)؛ هذا بالحكم"1.

الموقنين: أصلها يَقَنَ: "الياء والقاف والنون: اليقن واليقين: زوال الشكّ"2. و"اليَقِينُ من صفة العلم فوق المعرفة والدّراية وأخواتها، يقال: علم يَقِينٍ، ولا يقال: معرفة يَقِينٍ؛ وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم... وقوله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾(النساء: 157)؛ أي: ما قتلوه قتلاً تَيَقَّنُوه، بل إنّما حكموا تخميناً ووهماً"3.
 
دلالة المقطع:
1- قوّة البدن وقوّة الروح:
لا بدّ للإنسان عندما يُقدِم على القيام بعمل ما أن يمتلك قوّةً في البدن وقوّةً في الروح؛ أمّا قوّة البدن؛ فهي قوّة الجوارح؛ أي: أن يمتلك قدرة جسمية تجعله يتحمَّل مصاعب القيام بهذا العمل، وأمّا قوّة الروح؛ فهي قوّة الجوانح؛ أي: قوّة الإرادة التي تجعله عازماً مصمّماً على القيام بالعمل. 
وترك العمل يعود في الحقيقة إلى فقد الإنسان لأحد هذين السببين: إمّا قوّة البدن، وإمّا قوّة العزيمة؛ فإنّ الله فضَّل من أنبيائه عليهم السلام أولوا العزم من الرسل عليهم السلام ؛ لأنّهم أصحاب الإرادة القوّية الثابتة، فقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾4.
فالإنسان، قد يعاهد عهداً، وينوي الوفاء به، ولكنّه لا يصدّق بذلك؛ لضعف عزمه. ولذا، كان الصدق في الوفاء بالعزم، فإنّ النفس قد تسخو بالعزم في الحال؛ حيث لا مشقّة في الوعد، فإذا حان حين العمل بمقتضاه؛ هاجت الشهوات، وتعارضت
 
 

1- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"دَنَى"، ص318.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج6، مادّة"يَقَنَ"، ص157.
3- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة"يَقَنَ"، ص892-893.
4- الأحقاف: 35.
 
 
 
129

108

حالات المقرّبين

  مع باعث الدين، وربّما غلبته؛ بحيث انحلّت العزيمة، ولم يتّفق الوفاء بمتعلّق الوعد، وهذا يضادّ الصدق فيه، ولذلك قال الله سبحانه: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾1، فهؤلاء لم يغلبهم شيء من الهوى، أو التعلّق بالدنيا؛ فلم يبدّلوا أبداً.

 
2- المسرعون إلى طاعة الله:
قال تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾2، وقال تعالى-أيضاً-: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾3.
وعندما تقوم المنافسة بين الناس على أمر، فكلّ من يتعلّق بذلك الشيء أكثر؛ يكون أسرع من غيره للوصول إليه؛ أي: يكون سبّاقاً. وكذلك الحال في التعلّق بالآخرة، وبالجنّة ونعيمها، وبلقاء الله عزّ وجلّ؛ فكلّ من يرغب بذلك أكثر؛ سوف يكون أسرع من غيره إليها. ولذا، ورد التعبير في الآيتين: ﴿وَسَارِعُواْ﴾، و﴿سَابِقُوا﴾.
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "اعلموا أنّه من اشتاق إلى الجنّة؛ سارع إلى الحسنات، وسلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار؛ بادر بالتوبة إلى الله من ذنوبه، وراجع عن المحارم"4.
 
3- المبادرة لفعل الخير:
ليست أيّام الإنسان في هذه الحياة سواء؛ فثمّة أيام بيضاء، وأخرى سوداء؛ أي: أيّام تُتاح فيها الفرصة له للعمل والكسب للآخرة، وأيام لا يتمكَّن من ذلك. والعاقل
 
 

1- الأحزاب: 23.
2- آل عمران: 133.
3- الحديد: 21.
4- الحرّاني، تحف العقول، م.س، ص281.
 
 
 
130

109

حالات المقرّبين

  يبادر ويعجل بالكسب قبل أن يفوته ذلك، ولا سيّما بملاحظة أنّ انتفاء القدرة على العمل لها أسبابها المتعدّدة:

فمنها: الاشتغال بعمل آخر يعيق عمل الإنسان في الطاعات والخيرات؛ فعن الإمام علي عليه السلام: "بادروا بعمل الخير قبل أن تشغلوا عنه بغيره"1. ومنها: أنّ الإنسان قد يغلب عليه الشيطان أحياناً؛ فتكون له فرصة العمل، ولكنّ الشيطان يعيقه عن العمل؛ فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا همّ أحدكم بخير، أو صلة؛ فإنّ عن يمينه وشماله شيطانين، فليبادر لا يكفّاه عن ذلك"2.
 
4- محبّة لقاء الله تعالى:
إنّ الإنسان بعد المسارعة والمسابقة يصبح في مقام المقرّبين: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾3؛ وكلّ ذلك ينبع من الشوق إلى مقام القرب الإلهي.
ومقام القرب هو من المقامات المعنوية الراقية المُتَاحة لهذا الإنسان في هذه الدنيا: 
روي: "أنّ عيسى عليه السلام مرّ بثلاثة نفر؛ قد نحلت أبدانهم، وتغيّرت ألوانهم، فقال لهم: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا: الخوف من النار، فقال: حقّ على الله أن يؤمن الخائف. ثمّ جاوزهم إلى ثلاثة آخرين؛ فإذا هم أشدّ نحولاً وتغيّراً، فقال: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ قالوا: الشوق إلى الجنّة، فقال: حقّ على الله أن يعطيكم ما ترجون. ثمّ جاوزهم إلى ثلاثة آخرين؛ فإذا هم أشدّ نحولاً وتغيّراً؛ كأنّ على وجوههم المرايا من النور، فقال: ما الذي بلغ بكم ما أرى؟ فقالوا: نحبّ الله عزّ وجلّ، فقال: أنتم المقرّبون، ثلاثاً"4.
 
 

1- ابن بابويه، الخصال، م.س، حديث أربعمائة، ص620.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب تعجيل فعل الخير، ح1، ص142.
3- الواقعة: 10-11.
4- الشريف الرضي: نهج البلاغة، شرح ابن أبي الحديد المعتزلي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، لاط، لام، مؤسّسة اسماعيليان، لات، ج10، الخطبة186، ص156.
 
 
 
131

110

حالات المقرّبين

 ومن هنا، تختلف النظرة إلى الموت؛ بين من يُحبّ لقاء الله، ومن يبغضه، فالمحبُ لا يبالي بالموت، بل يشتاق إليه. وترتبط حالة الشوق للقاء الله عزّ وجلّ بدرجة اليقين لدى الإنسان؛ فكلّما زاد يقين الإنسان؛ زاد شوقه إلى لقاء الله؛ فعن الإمام علي عليه السلام: "الشوق شيمة الموقنين"1.

وأصحاب اليقين هؤلاء لا يتحمّلون الانتظار. ولذا، ورد وصفهم في كلام أمير المؤمنين عليه السلام: "لولا الآجال التي كتب الله لهم؛ لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين؛ شوقاً إلى لقاء الله والثواب، وخوفاً من العقاب"2
 
5- الخوف مخافة الموقنين:
كلّما ازداد الإنسان معرفة ويقيناً؛ ازداد إيماناً وعملاً وتسليماً. 
والخوف الذي يعيشه أصحاب اليقين هو من أرقى درجات الخوف؛ فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلّى بالناس الصبح، فنظر إلى شاب في المسجد؛ وهو يخفق ويهوي برأسه؛ مصفرّاً لونه، قد نحف جسمه، وغارت عيناه في رأسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول الله موقناً، فعجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله، وقال: إنّ لكل يقين حقيقة، فما حقيقة يقينك؟ فقال: إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ هواجري، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نُصِبَ للحساب، وحشر الخلائق لذلك؛ وأنا فيهم... فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: هذا عبد نوَّر الله قلبه بالإيمان. ثمّ قال له: الزم ما أنت عليه. فقال الشاب: ادع الله لي يا رسول الله أن أُرزَق الشهادة معك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فاستشهد بعد تسعة نفر؛ وكان هو العاشر"3.
 
 

1- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص32.
2- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج2، الخطبة193، ص161.
3- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب حقيقة الإيمان واليقين، ح2، ص53.
 
 
 
132

111

حالات المقرّبين

 6- مجاورة الله وأهل الإيمان:

حدّد القرآن الكريم والسنّة الشريفة مواصفات الذين هم جيران الله عزّ وجلّ في الآخرة؛ وهم المتّقون الذي وصف الله مكان إقامتهم في الجنّة؛ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾1.
وهؤلاء لم يُدرِكوا ذلك؛ إلا من خلال ما بذلوه من جُهد في هذه الدنيا؛ حتى وصلوا إلى هذا المقام: 
روي عن الإمام الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد، وينادي مُناد من عند الله...: أين أهل الصبر؟... ثمّ ينادي منادٍ آخر... أين أهل الفضل؟... ثمّ ينادي منادٍ من عند الله عزّ وجلّ؛ يسمع آخرهم كما يسمع أولهم، فيقول: أين جيران الله جلّ جلاله في داره؟ فيقوم عنق من الناس، فتستقبلهم زمرة من الملائكة، فيقولون لهم: ماذا كان عملكم في دار الدنيا؛ فصرتم به اليوم جيران الله تعالى في داره؟ فيقولون: كنّا نتحابّ في الله عزّ وجلّ، ونتباذل في الله، ونتوازر في الله، فينادي مناد من عند الله: صدق عبادي، خلّوا سبيلهم؛ لينطلقوا إلى جوار الله في الجنّة بغير حساب"2
فالخيار بيد الإنسان في هذه الدنيا؛ إن أراد أن يصل إلى جوار الله؛ فعن الإمام علي عليه السلام: "جوار الله مبذول؛ لمن أطاعه، وتجنّب مخالفته"3.
 
 

1- القمر: 55.
2- الطوسي، الأمالي، م.س، المجلس4، ح12، ص102-103.
3- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص222.
 
 
 
133

112

حالات المقرّبين

 وقفة تأملية

التدبّر في صفات أحبّ الخلق إلى الله تعالى:
 
عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: "عِبَادَ الله! إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ الله إِلَيْه عَبْداً أَعَانَه الله عَلَى نَفْسِه فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ، وتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ، فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِه، وأَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِه النَّازِلِ بِه، فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِه الْبَعِيدَ، وهَوَّنَ الشَّدِيدَ، نَظَرَ؛ فَأَبْصَرَ، وذَكَرَ، فَاسْتَكْثَرَ، وارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَه مَوَارِدُه، فَشَرِبَ نَهَلًا، وسَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً، قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ، وتَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ، إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِه، فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى، ومُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى، وصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى، ومَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى، قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَه، وسَلَكَ سَبِيلَه، وعَرَفَ مَنَارَه، وقَطَعَ غِمَارَه، واسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا، ومِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا؛ فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ، قَدْ نَصَبَ نَفْسَه لِلَّه سُبْحَانَه فِي أَرْفَعِ الأُمُورِ، مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْه، وتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِه، مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ، كَشَّافُ عَشَوَاتٍ، مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ، دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ، دَلِيلُ فَلَوَاتٍ؛ يَقُولُ فَيُفْهِمُ، ويَسْكُتُ؛ فَيَسْلَمُ، قَدْ أَخْلَصَ لِلَّه؛ فَاسْتَخْلَصَه، فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِه، وأَوْتَادِ أَرْضِه، قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَه الْعَدْلَ؛ فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِه نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِه، يَصِفُ الْحَقَّ، ويَعْمَلُ به، لَا يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلَّا أَمَّهَا، ولَا مَظِنَّةً إِلَّا قَصَدَهَا، قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِه، فَهُوَ قَائِدُه، وإِمَامُه؛ يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُه، ويَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُه"1.
 
 

1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج1، الخطبة87، ص151-153.
 
 
 
 
134

113

التسليم لله عزّ وجلّ

 12- التسليم لله عزّ وجلّ




فَإلَيْكَ يا رَبِّ نَصَبْتُ وَجْهي وَاِلَيْكَ يا رَبِّ مَدَدْتُ يَدي، فَبِعِزَّتِكَ اسْتَجِبْ لي دُعائي وَبَلِّغْني مُنايَ وَلا تَقْطَعْ مِنْ فَضْلِكَ رَجائي، وَاكْفِني شَرَّ الْجِنِّ وَالاِْنْسِ مِنْ اَعْدائي، يا سَريعَ الرِّضا اِغْفِرْ لِمَنْ لا يَمْلِكُ إلاّ الدُّعاءَ فَاِنَّكَ فَعّالٌ لِما تَشاءُ، يا مَنِ اسْمُهُ دَواءٌ وَذِكْرُهُ شِفاءٌ وَطاعَتُهُ غِنىً، اِرْحَمْ مَنْ رَأْسُ مالِهِ الرَّجاءُ وَسِلاحُهُ الْبُكاءُ، يا سابِـغَ النِّعَمِ، يا دافِعَ النِّقَمِ، يا نُورَ الْمُسْتَوْحِشينَ فِي الظُّلَمِ، يا عالِماً لا يُعَلَّمُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَافْعَلْ بي ما اَنْتَ اَهْلُهُ وَصَلَّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَالاْئِمَّةِ الْمَيامينَ مِنْ آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْليماً كَثيراً.
 
 
 
135

114

التسليم لله عزّ وجلّ

 مفاهيم محوريّة:

• التسليم عند الدعاء.
• ذكر الله تعالى وطاعته دواء وشفاء وغنى.
• سلاح الداعي البكاء.
 
شرح المفردات:
نصبت: أصلها نَصَبَ: "النون والصاد والباء: أصل صحيح يدلّ على إقامة شيء، وإهداف في استواء"1.
مناي: أصلها نَوَى: "النون والواو والحرف المعتلّ: أصل صحيح يدلّ على معنيين، أحدهما: مقصد لشيء، والآخر: عجم شيء"2.
سابغ: أصلها سَبَغَ: "قوله تعالى: ﴿اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾(سبأ: 11)؛ أي دروعاً واسعة ضافية... وإسباغ النعمة: توسعتها... والسبوغ: الشمول"3.
 
 

1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"نَصَبَ"، ص434.
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة"نَوَى"، ص366.
3- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج5، مادّة"سَبَغَ"، ص11.
 
 
 
137

115

التسليم لله عزّ وجلّ

 دلالة المقطع:

1- التسليم عند الدعاء:
عندما يتّجه الإنسان إلى ربّه؛ بطلب الحاجة؛ عليه أن يلجأ إليه؛ وهو في حالة من الاستكانة، والتضرّع، والخضوع، والخشوع. وهذا ما يظهر على جسده وبدنه، فيلجأ إلى الله عزّ وجلّ؛ وهو قد رفع رأسه، ينظر إلى وجه ربّه، يمدّ يديه مستعطياً الله: 
روي أنّه أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام -: "يا موسى، كن إذا دعوتني خائفاً مشفقاً وجلاً، وعفّر وجهك في التراب، واسجد لي بمكارم بدنك، واقنت بين يدي في القيام، وناجني حيث تناجيني بخشية من قلب وَجِلْ"1.
وروي عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا ابتهل، ودعا كما يستطعم المسكين"2.
ولمّا كان القنوت؛ أيّ: مدّ اليدين إلى السماء هو من مظاهر التذلّل لله عزّ وجلّ، حيث يكون العبد في صورة السائل الفقير المستعطي؛ كان له صوره، وقد بيّنها الإمام الصادق عليه السلام ؛ لمّا سُئِلَ عن الدعاء ورفع اليدين، فقال عليه السلام: "على خمسة أوجه: أمّا التعوّذ؛ فتستقبل القبلة بباطن كفّيك، وأمّا الدعاء في الرزق؛ فتبسط كفّيك فتفضي بباطنهما إلى السماء، وأمّا التبتّل؛ فإيماؤك بإصبعك السبّابة، وأمّا الابتهال؛ فترفع يديك تجاوز بهما رأسك، وأمّا التضرّع؛ أن تحرّك إصبعك السبّابة ممّا يلي وجهك؛ وهو دعاء الخيفة"3.
 
2- ذكر الله تعالى وطاعته دواء وشفاء وغنى:
إنّ المرض والفقر اللذان يتحدّث عنهما الناس ويريدون بهما -غالباً- المرض
 
 

1- الكليني، الكافي، ج8، كتاب الروضة، ح8، ص44.
2- الطوسي، الأمالي، م.س، المجلس24، ح16، ص585.
3- الكليني، الكافي، ج2، كتاب الدعاء، باب البكاء، ح5، ص480-481.
 
 
 
138

116

التسليم لله عزّ وجلّ

  في الأبدان والفقر في المال، يختلفان عمّا هو متداول في التعاليم الإسلامية التي تؤكّد على وجود أمراض أخرى؛ هي أمراض معنوية، وتطلق عليها أمراض القلوب، حيث وصف الله عزّ وجلّ المنافقين في كتابه بأنّهم مرضى القلوب: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾1. كما تُطلق على نقص الإيمان والعمل الصالح؛ أنّه فقر.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة؛ إنّ القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به؛ حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله"2.
وكما أنّ لمعالجة أمراض الأبدان دواؤها المُوجِب للشفاء منها؛ فكذلك أمراض القلوب وعلاجها بذِكْر الله عزّ وجلّ؛ ففي قراءة القرآن، والأدعية التي وردت عن المعصومين عليهم السلام تُزال أنواع الشكوك والشبهات المعترضة للحقائق والمعارف الحقيقية؛ لِمَا في القرآن من المواعظ الكافية الشافية، والقصص، والعبر، والأمثال، والوعد، والوعيد، والإنذار، والتبشير، وما تنتهي إليه نتائج العلوم الصحيحة، والأحكام الحقّة؛ بما يدفع أمراض القلوب، حيث صرّح القرآن بنفسه عن ذلك، فقال: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾3، وقال -أيضاً-: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء﴾. نعم، مَنْ استعصى به مرض القلب لا يعود قابلاً للشفاء؛ لأنّه لا يتقبّل الدواء؛ ولذا قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾4.
وعن الإمام علي عليه السلام: "إنّ تقوى الله؛ دواء داء قلوبكم، وبصر عمى أفئدتكم،
 
 

1- البقرة: 10.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب، ح1، ص268.
3- الإسراء: 82.
4- فصلت: 44.
 
 
 
139

117

التسليم لله عزّ وجلّ

  وشفاء مرض أجسادكم(أجسامكم)، وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم، وجلاء عشا(غشاء) أبصاركم"1.

كما أنّ معالجة الفقر في العمل الصالح يكون بالطاعة لله عزّ وجلّ؛ لأنّ في طاعته غنى عن كلّ شيء؛ فعن الإمام الصادق عليه السلام -في قوله تعالى: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾: "طاعة الله، ومعرفة الإمام"2.
بل العمل الصالح أفضل تجارة؛ لأنّ ربحه وافر مضمون؛ وهو ما حدّثنا به أمير المؤمنين عليه السلام: "من اتّخذ طاعة الله بضاعة؛ أتته الأرباح من غير تجارة"3.
وصورة الإنسان في طاعة الله صورة يحبّها الله عزّ وجلّ، حيث روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أحبّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ شاب حدث السنّ، في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته؛ ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقّاً"4.
 
3- سلاح الداعي البكاء:
لا يستحي الإنسان من البكاء بين يدي الله عزّ وجلّ، وإن كان يرى ذلك عيباً على أمر من أمور الدنيا. وعليه أن يعتبر ذلك فخراً إذا كان لله عزّ وجلّ: 
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث بين النبي زكريا عليه السلام وابنه النبي يحيى عليه السلام -: "أنّ بين الجنّة والنّار عقبة لا يجوز منها؛ إلا البكَّاؤن من خشية الله"5.
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الله تعالى أخبرني، فقال: "وعزّتي وجلالي ما أدرك
 
 

1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج2، الخطبة198، ص173.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج1، كتاب الحجّة، باب فرض طاعة الأئمّة عليهم السلام ، ص185.
3- الواسطي الليثي، عيون الحكم والمواعظ، م.س، ص458.
4- المتّقي الهندي، كنز العمّال، م.س، ج15، ح43103، ص785.
5- النيسابوري، محمد بن الفتّال: روضة الواعظين، تقديم محمد مهدي الخرسان، مجلس في الزهد والتقوى، لاط، قم المقدّسة، منشورات الشريف الرضي، ص434-435.
 
 
 
 
140

118

التسليم لله عزّ وجلّ

  العابدون درك البكاء عندي شيئاً؛ فإنّي لأبني لهم في الرفيق الأعلى قصراً لا يشاركهم فيه غيرهم"1.

والبكاء سبيل وقاية في يوم القيامة، فمن بكت عيناه في الدنيا لن تبكيان في يوم القيامة:
روي: "ما مِنْ عين إلا وهي باكية يوم القيامة؛ إلا عين بكت من خشية الله، وما اغرورقت عين بمائها من خشية الله؛ إلا حرّم الله سائر جسده على النّار، ولو فاضت على خدّه لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلَّة، وما من شيء إلا وله كيل أو وزن؛ إلا الدمعة؛ فإنّ الله يطفئ باليسير منها بحاراً من النار، ولو أنّ عبداً بكى في أمّة لرحم الله تلك الأمّة؛ ببكاء ذلك العبد"2.
 
 

1- الطوسي، الأمالي، م.س، المجلس19، ح1، ص532.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب اجتناب المحارم، ص482.
 
 
 
141

119

التسليم لله عزّ وجلّ

 وقفة تأملية

التدبّر في صفات المتّقين:
 
عن الإمام علي عليه السلام في وصفه للمتّقين: "فَهُمْ والْجَنَّةُ؛ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وهُمْ والنَّارُ؛ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ، قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ، صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً؛ أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً، تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ، أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا، فَلَمْ يُرِيدُوهَا، وأَسَرَتْهُمْ؛ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا. أَمَّا اللَّيْلَ، فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا، يُحَزِّنُونَ به أَنْفُسَهُمْ، ويَسْتَثِيرُونَ بِه دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ، أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وأَكُفِّهِمْ ورُكَبِهِمْ وأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى الله تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ، وأَمَّا النَّهَارَ؛ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ، قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ، فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى، ومَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ، ويَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا، ولَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ، لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ، ولَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ، فَهُمْ لأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، ومِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ، إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَه، فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي، ورَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي، اللهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، واجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ"1.
 
 

1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج2، الخطبة193، ص161-162.
 
 
 
142

120

الفهرس

 

المقدمة

5

1- أوّل الدعاء المعرفة

9

المفاهيم المحوريّة

11

شرح المفردات

11

 دلالة المقطع

15

1- معرفة المدعوّ شرط في الاستجابة

15

 2- من صفات المدعو

15

 أ- الرحمة الواسعة

15

 ب- القوّة القاهرة

17

 ج- الجبروت

17

 د - العلم المحيط

18

موانع استجابة الدعاء

21

 ما معنى الآيتين؟

21

 التدبّر في آيات الخلق وأحوال الأمم الغابرة     

23

 

 

143


121

الفهرس

 

2- آثار الذنوب

25

مفاهيم محوريّة الآثار التكوينية والتشريعية لارتكاب الذنوب

27

 شرح المفردات

27

 دلالة المقطع الآثار التكوينية والتشريعية لارتكاب الذنوب

30

 ذنوب تجرّ ذنوباً

30

 ذنوب تنزل النقم وتستوجب العقاب

30

 ذنوب تزيل النعم

31

ذنوب تمنع الاستجابة

32

 ذنوب تنزل البلاء والمصائب

32

 ذنوب تقطع الأمل

33

 قصّة العابد (برصيصا)

34

 التدبّر في آثار حسن الظنّ بالله تعالى 

35

3- نعم مجهولة

37

مفاهيم محوريّة

39

 النعم الإلهية ظاهرة، وباطنة خفية

39

 شرح المفردات

39

دلالة المقطع

41

قبائح مستورة

41

 بلاء مدفوع

41

زلل ممنوع

42

مكاره مأمونة

42

صيت حسن

43

أئمّتنا قدوةٌ وأسوة

45

 

 

144


122

الفهرس

 

 التدبّر في مخاطر العُجُب     

46

4- دوافع المعاصي

47

مفاهيم محوريّة

49

شرح المفردات

49

 دلالة المقطع

52

 1- أعظم البلاء ارتكاب المعاصي والآثام

52

 2 - الإفراط في المعاصي

52

 3 - قصور عمل الإنسان عن الوفاء بحقّ الله تعالى

52

 4- أبرز دوافع المعاصي

53

 إقعاد النفس بأغلال المعاصي

53

 طول الأمل

54

 الاغترار بالدنيا الخدّاعة

55

اتّباع النفس الأمارة

55

 المماطلة والتسويف في التوبة

56

 هكذا تتراكم الذنوب

57

التدبّر في مخاطر الاغترار بالدنيا وزينتها الفانية

58

5- حالة الداعي

61

مفاهيم محوريّة حالات الداعي

63

 شرح المفردات

63

دلالة المقطع

65

 1- الاعتراف بالتقصير والإسراف

65

 2- الاعتذار من الله والندم على ما اقترف

65

 3- الانكسار أمام الله

66

 

 

145


123

الفهرس

 

4- الإقالة إلى الله

66

 5- الإنابة إلى الله

67

 6- الإقرار بالذنب

67

 7- الإذعان لله تعالى

67

 8- الاعتراف بالتقصير

67

 9- التسليم بأنّه لا مفرّ ولا مفزع إلا إلى الله

68

التدبّر في آثار الخوف في توجيه عمل الإنسان 

69

6- صفات الناجين من عذاب النار

71

مفاهيم محوريّة صفات الناجين من النار

73

 شرح المفردات

73

دلالة المقطع

75

1- السجود نتيجة الشعور بالعظمة الإلهيّة

75

 2- لسان الاعتقاد الصادق المشفوع بالعمل على طبقه

76

 3- الاعتقاد اليقيني بالألوهيّة

77

 4- الخشوع والخضوع لله

77

 5- انعكاس الاعتقاد القلبي عملاً بالجوارح

77

 6- الاستغفار من التقصير

78

 7- حسن الظنّ بالله

78

القلب واللسان

79

التفكّر في حقيقة وجود الإنسان

80

7- صور من عذاب جهنّم

81

مفاهيم محوريّة

83

  شرح المفردات

83

 

 

146


124

الفهرس

 

 ‏دلالة المقطع

84

 ‏1- خصائص العذاب الأخروي

84

    أ- عذاب أليم

84

 ‏ب- عذاب طويل المدّة

85

‏2- تنوّع العذاب في جهنّم

85

 ‏أ- مجاورة أعداء الله

86

 ‏ب- مفارقة أولياء الله

86

‏ج- الحرمان من لقاء الله

87

 ‏د- الحرمان من الكرم الإلهي

88

 ‏قبض روح المؤمن

89

 ‏التدبّر في آثار السعي وراء الشهوات

90

8- سعة رحمة الله

91

مفاهيم محوريّة

93

شرح المفردات

93

 دلالة المقطع

96

1- فعل الإنسان سبب للعذاب

96

 2- صفات الخارجين من النار

96

 أ- الاعتقاد بالتوحيد

97

ب- الإيمان بسعة الرحمة الإلهيّة

97

 ج- الإقرار بالعلم الإلهيّ المحيط

97

د- التسليم بالربوبيّة

98

التدبّر في آثار فعل الغضب الصادر عن الإنسان

101

 

 

147


125

الفهرس

 

9- الرقابة الإلهيّة

103

مفاهيم محوريّة‏

105

المفردات

105

دلالة المقطع

106

 1- الاختيار ميّزة الإنسان‏

106

 2- أصناف الذنوب

107

3- شهادة الملائكة على أعمال العباد

108

4- شهادة الجوارح

109

5- الشاهد الذي لا يخفى عليه شيء

110

6- الرحمة الإلهية خير ساتر للعباد

110

خطّة الشيطان

112

 التفكّر في الرقابة الإلهيّة  

113

 

 

148


126

الفهرس

 

10- دوام الذكر والعمل الصالح

115

مفاهيم محوريّة

117

 شرح المفردات

117

 دلالة المقطع 

118

1- التوفيق الإلهي طريق لدوام ذِكْر الله

118

2- الذِكْر الصادق

119

3- التوحيد في الذِكْر

119

4- دوام الاتّصال في خدمة الله

120

5- شروط قبول العمل

121

6- الثبات في خطّ الطاعة

121

التفكّر في آثار ذِكر الله تعالى  

123

11- حالات المقرّبين  

125

مفاهيم محوريّة

127

 شرح المفردات‏

127

 دلالة المقطع

129

1- قوّة البدن وقوّة الروح‏

129

2- المسرعون إلى طاعة الله‏

130

3- المبادرة لفعل الخير

130

4- محبّة لقاء الله تعالى

131

5- الخوف مخافة الموقنين‏

132

6- مجاورة الله وأهل الإيمان‏

133

 التدبّر في صفات أحبّ الخلق إلى الله تعالى‏ 

134

 

 

 

149


127

الفهرس

 

12- التسليم لله عزّ وجلّ  

135

مفاهيم محوريّة

137

 شرح المفردات

137

 دلالة المقطع

138

1- التسليم عند الدعاء

138

2- ذكر الله تعالى وطاعته دواء وشفاء وغنى

138

3- سلاح الداعي البكاء

140

التدبّر في صفات المتّقين 

142

الفهرس

143

 

 

150


128
آمال العارفين