أولئك حزب الله


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-05

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا أبي القاسم محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، وبعد..
 
فإنّ الصفات الّتي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز لمن شرّفهم وحباهم سمة حزب الله متحقّقة في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾، وفي قوله سبحانه: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1.
 
فالولاية لله ولرسوله ولآل بيته، والإنصاف وعدم العصبيّة، والحبّ في الله والبغض في الله تعالى، والرضا عن الله ورضا الله عنهم، والتأييد الإلهي، وقوّة الإيمان وثباته، والتواضع للمؤمنين والرحمة لهم، والتعزّز على الكافرين وجهادهم، وعدم الخوف من لومة اللائم, وصفات أخرى كلّها يتّصف بها أبناء حزب الله.
 
فإذا كنّا نريد أن نكون من حزب الله حقيقة وواقعاً وكما أراد الله سبحانه فعلينا أن نتّصف بهذه الصفات.
 
إنّها صفات المؤمنين، إنّها صفات أبناء دولة الحقّ، وصفات أهل الآخرة، ولئن كان 

1- سورة المجادلة، الآية: 21.
 
5
 

1

المقدمة

 الاتصاف بها صعباً في بداية الأمر، لكن لا يعني ذلك عدم السعي للتحلّي بها واحدة تلو الأخرى، حتّى تتجلّى بشكل كاملٍ في كلّ مجاهد وطالب لرضا الله سبحانه.
لقد سعى مركز نون للتأليف والترجمة ضمن هذه السلسلة الماثلة بين يدي القارئ الكريم للإطلالة على أهمّ هذه الصفات، لتكون داعية لنا للتحلّي بها عسى أن نكون ممّن وصفهم الله في كتابه ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ ويجعلنا من الّذين يمهّدون لدولة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكما قال الشاعر:

وتشبّهوا إن لم تكونوا       مثلهم إنّ التشبّه بالعظام عظيم


مركز نون للتأليف والترجمة
 
6
 

2

الدرس الأول: الولاية لله تعالى

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾1 

1- سورة المائدة، الآية: 56.
 
7
 

3

الدرس الأول: الولاية لله تعالى

 تمهيد
 
من صفات حزب الله الولاية لله تعالى فما معنى الولاية لله، وكيف يكون العبد وليّاً لله تعالى؟
إنّ وليَّ الله هو من بلغ درجة من الإيمان ترتفع فيها الموانع والمبعدات والحجب فيما بينه وبين مولاه وخالقه.
 
الوليّ لله في أيّ درجة من الإيمان
 
فالوليّ لله هو المؤمن ولكن بدرجة راقية من الإيمان. ولكي نتصوّر تلك المرتبة من الإيمان والدرجة من اليقين الّتي يصل إليها الوليّ نبيّن مراتب الإيمان الّتي أشار إليها كتاب الله الكريم علَّنا نعلم بنحوٍ من العلم مرتبة الوليّ ودرجته في الإيمان: 
 
مراتب الإيمان في القرآن
 
إنّ المرء يتلفّظ بالشهادتين لدخوله في الإسلام ظاهراً، سواء وافقه القلب، أم خالفه، قال تعالى:
 
﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾1.

1- سورة الحجرات، الآية: 14.
 
9
 

4

الدرس الأول: الولاية لله تعالى

 1- ثمّ تأتي المرتبة الأولى من مراتب الإيمان وهي الإذعان القلبيّ الإجماليّ بمضمون الشهادتين. وهذا يجعل من الإنسان ملتزماً غالباً بالفروع, وإن كان لم يسلِّم قلباً لبعضها تسليماً تفصيلياً. ويعقب هذه المرتبة الدرجةُ الثانية للإيمان وهي:
 
2-التسليم والانقياد القلبيّ لجلّ الاعتقادات الحقّة التفصيلية وما يتبعها من الأعمال الصالحة, يقول تعالى:
 
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾1.
 
وهؤلاء قد يحصل منهم التجاوز في بعض الموارد وإن قلّت..
 
3- ثمّ إنّ النفس إذا وصلت إلى هذه المرتبة من الإيمان واستقرّت عليها تخلّقَت بكلّ الأخلاق الفاضلة وسيطرت على القوى الخيالية والغضبية والشهوية, وحصلت لها ملكات: العدالة, والعفّة، والشجاعة، والحكمة، وأصبح حال الإنسان مع ربّه حال العبد المملوك مع مولاه, فكلّه انقياد للأوامر والنواهي الإلهية, ولا محلّ في نفسه وقلبه للاعتراض والسخط على قضاء الله تعالى وقدره وأحكامه سواء في التكوين أم التشريع:
 
﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمً﴾2
 
﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾3.
 
فإذا تمحّض العبد بالعبودية ونالته جذبة إلهيّة ومَنّ الله تعالى عليه بحقيقة كونه عبداً وانتقش ذلك في نفسه، فإنّه سيشهد ويذعن ويقرّ بأنّ المُلكَ للهِ وحده, وما

1- سورة الحجرات، الآية: 15.
2- سورة النساء، الآية: 65.
3- سورة البقرة، الآية: 131.
 
10
 

5

الدرس الأول: الولاية لله تعالى

 يملكه غيره ملكاً ظاهراً هو تخويلٌ منه تعالى وليس ملكاً حقيقياً، فلا مالك على التحقيق سواه ﴿وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ﴾1عندها سيصل إلى مرتبة أولياء الله المستجمعة لكلّ المقامات المعنوية العرفانية والأفعال.
 
ومن قصص اليقين الّتي تروى قصّة معبّرة تشير إلى مدى تأثير اليقين على الإنسان وأنّ اليقين ليس كلمة على اللسان، بل له علامات وآثار، فليس كلّ من ادّعى اليقين هو من أصحابه.
عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلّى بالناس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرّاً لونه، قد نحف جسمه، وغارت عيناه في رأسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا رسول الله موقناً، فعجب رسول الله من قوله وقال له: إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال: إنّ يقيني يا رسول الله هو الّذي أحزنني، وأسهر ليلي وأظمأ هواجري، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب للحساب، وحشر الخلايق لذلك، وأنا فيهم، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون على الأرائك متّكئون، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذّبون مصطرخون، وكأنّي الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي. فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: هذا عبد نوّر الله قلبه بالإيمان، ثمّ قال له: الزم ما أنت عليه، فقال الشابّ: ادعُ الله لي يا رسول الله أن أرزق الشهادة معك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر"2.

1- سورة الأنعام، الآية: 94.
2- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 67، ص 159.
 
11
 

6

الدرس الأول: الولاية لله تعالى

 الأمور الموصلة إلى القرب الولائيّ
 
1- الأعمال القربيّة
 
إذا كانت الولاية ناتجَ القرب فلا بدّ من بحث الأمور الّتي تقرِّب إلى الله تعالى قرباً يتيح هذه المنحة الربانية العظيمة.
 
عن حمّاد بن بشير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عزّ وجلّ: "من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي وما تقرّب إليّ عبد بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضت عليه وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به وبصره الّذي يبصر به ولسانه الّذي ينطق به ويده الّتي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته..."1 فالطريق إذاً هو الأعمال القربيّة المقبولة. وقد أوضحت الآثار الشرعية أركان القربات الموصلة إذا اجتمعت فيها شرائط القبول:
 
فعن إمامنا الرضا عليه السلام قال: "الصلاة قربان كلّ تقي"2.
 
وعن أمير المؤمنين عليه السلام:"إنّ الزكاة جعلت مع الصلاة قرباناً"3.
 
ويقول تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾4.
 
فالعبادة سلّم اليقين..
 
2- الزهد والورع
 
فإنّه للوصول إلى القرب الولائيّ لا بدّ من هذين الأمرين المهمّين (الزهد والورع): 
 
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي ذرّ (رض): يا أبا ذرّ: "إنّ أهل الورع والزهد في هذه

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 2،ص 352.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج 3، ص 266.
3- نهج البلاغة، الخطبة:190.
4- سورة الحجر، الآية: 99.
 
12
 

7

الدرس الأول: الولاية لله تعالى

  الدنيا هم أولياء الله حقّاً"1
 
3- قصر الأمل, وعدم نسيان الموت, والحياء من الله تعالى حقّ الحياء
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال أيضاً لأبي ذرّ(رض): يا أبا ذرّ أتحبّ أن تدخل الجنّة؟ قال: نعم فداؤك أبي. قال صلى الله عليه وآله وسلم: فاقصر من الأمل, واجعل الموت نصب عينيك, واستحِ من الله حقّ الحياء. قال: يا رسول الله كلّنا يستحي من الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء من الله أن لا تنسى المقابر والبلى، والجوف وما وعى, والرأس وما حوى. ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: ومن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا, فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله"2.
 
أوصاف الأولياء على ألسِنَة المعصومين عليهم السلام
 
اتّضح إذاً أنّ أولياء الله تعالى هم الخلّص من المؤمنين الّذين أخلصوا قلوبهم للباري عزّ وجلّ، فهل لهم أوصاف يُعرفون بها؟
من الطبيعيّ أن يكون الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام قد بيّنوا تلك الأوصاف لأولياء الله تعالى، وهذا بعض ما رشح عنهم عليهم السلام:
 
التذكير بالله من صفات الأولياء
 
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه سئل عن أولياء الله، فقال: "هم الّذين يذكِّرون الله برؤيتهم" يعني في السمت والهيئة3
 
التّحابّ في الله
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا سئل عن قوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ قال: "هم الّذين يتحابّون في الله"4.
 
الإخلاص ونظرهم العميق الى الدنيا

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 74، ص 87.
2- م. ن، ج 74، ص 83.
3- التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 409.
4- ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج 4، ص 3699.
 
13
 

8

الدرس الأول: الولاية لله تعالى

 عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه لأولياء الله سبحانه: "هم قوم أخلصوا لله تعالى في عبادته، ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، فعرفوا آجلها حين غرّ الناس سواهم بعاجلها، فتركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم، وأماتوا منها ما علموا أنّه سيميتهم"1 
 
الذكر, والشكر، والصبر
 
وعنه عليه السلام -: "إنّ أولياء الله لأكثر الناس له ذكراً, وأدومهم له شكراً, وأعظمهم على بلائه صبراً"2.
 
كثرة العمل، وقلّة الزلل
 
وعنه عليه السلام: "إنّ أولياء الله تعالى كلّ مستقرِبٍ أجلَه, مكذّبٍ أملَه, كثير عمله, قليل زللـه"3
 
نظر العبرة، ونطق الحكمة، ومشي البركة
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكراً, ونظروا فكان نظرهم عبرة, ونطقوا فكان نطقهم حكمة, ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة, لولا الآجال الّتي قد كُتبت عليهم لم تقرّ أرواحهم في أجسادهم خوفاً من العذاب وشوقاً إلى الثواب"4
 
الثقة بالله، والغنى بالله، والافتقار إلى الله
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاث خصال من صفة أولياء الله: الثقة بالله في كلّ شيء, والغنى به عن كلّ شيء, والافتقار إليه في كلّ شيء"5 

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 66، ص 319.
2- ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج4، ص 3699.
3- عيون الحكم والمواعظ, للواسطي، ص 157.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 237.
5- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 20، ص 103.
 
 
14

9

الدرس الأول: الولاية لله تعالى

 ولعلوّ هذه المرتبة من الإيمان واليقين تجد أنّ الأولياء هم قلّة من لدن آدم عليه السلام وإلى منتهى البشريّة! عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ أولياء الله لم يزالوا مستضعفين قليلين منذ خلق الله آدم عليه السلام"1
 
ولعلّ رواية الإمام الصادق عليه السلام:"...والمؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر"2 تشير إليهم. و(أعزّ) أي أقلّ وأندر, وهنا المقصود بالمؤمن المؤمن الوليّ.
 
وطبعاً هذه الدرجة للمؤمن تزيد كرامته عند الله تعالى إلى حدّ أنَّ من أهانه فقد بارز الله تعالى بالمحاربة كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 
 
عن جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى: "من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة"3
 
انتظار القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف من صفات الأولياء
 
في الإكمال: عن الصادق عليه السلام: "طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته, والمطيعين له في ظهوره, أولئك أولياء الله الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"4.
 
فعلى كلّ من يريد أن يكون من حزب الله بحسب النظر القرآنيّ أن يسعى لتحقيق الولاية وما يكون موصلاً إليها من صفات بالمقدار الّذي يطيقه ويقدر عليه.
 
﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾.

1- م.ن، ج65، ص 154.
2- انظر: م. ن، ج 64، ص 159.
3- م. ن، ج 16، ص 70.
4- انظر: تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج 2، ص 309.
 
15
 

10

الدرس الأول: الولاية لله تعالى

 للمطالعة
 
أولياء الله بوصف أمير المؤمنين عليه السلام
 
روى ابن عبّاس قال: سُئِل أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فقيل له: من هؤلاء الأولياء؟ 
 
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: 
 
"قوم أخلصوا لله في عبادته, ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، فعرفوا آجلها حين غرّت الخلق سواهم بعاجلها، فتركوا ما علموا أنّه سيتركهم, وأماتوا منها ما علموا أنّه سيميتهم". 
 
ثم قال: "أيّها المعلّل نفسه بالدنيا الراكض على حبائلها المجتهد في عمارة ما سيخرب منها ألم ترَ إلى مصارع آبائك في البلاد ومصارع أبنائك تحت الجنادل والثرى؟ كم مرضت ببدنك وعللت بكفنك تستوصف لهم الأطباء, وتستغيث لهم الأحبّاء فلم تغن عنهم غناءك, ولا ينجع عنهم دواؤك؟"1
 
وفي نقل آخر:
 
"... ورأوا استكثار غيرهم منها استقلالاً، ودركهم لها فوتاً, أعداء ما سالم الناس, وسلم ما عادى الناس, بهم علم الكتاب وبه علموا, وبهم قام الكتاب وبه قاموا, لا يرون مرجوّاً فوق ما يرجون, ولا مخوفاً فوق ما يخافون"2.

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 66، ص 319.
2- نهج البلاغة، الحكمة: 424.
 
16
 

11

الدرس الثاني: الولاية لأولياء الله تعالى محمّد

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾1

1- سورة المائدة، الآيتان: 55 ـ 56.
 
17
 

12

الدرس الثاني: الولاية لأولياء الله تعالى محمّد

 التلازم بين ولاية الله تعالى وولاية أوليائه
 
ولاية أولياء الله تعالى الأبرار الأخيار الّذين أوجب سبحانه علينا حقوقهم وفرض طاعتهم والتبرّي من أعدائهم, من أجلِّ الصفات الإيمانية الّتي من دونها سوف لا يلتحق المؤمن بحزب الله، وولاية الله تعالى لا تُنَال إلّا بالتولّي لأوليائه, الّذين اختارهم لنا أئمّةً، وأمرنا بالاقتداء بهم, فهم شجرة النبوّة, وموضع الرسالة, ومختلف الملائكة, ومعدن العلم, وأهل بيت الوحي، وأمرنا بالتبرّي من مناوئيهم وأعدائهم والظالمين لهم والجاحدين لحقّهم في القول والفعل.
 
فمن صفات حزب الله الّتي اهتمّ بها القرآن الكريم وخصَّها بالذكر, وأكّدَت عليها روايات أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام: الولاية لأولياء الله تعالى الّذين اصطفاهم للإمامة، وخصّهم بالكرامة، وحدّدهم بأعيانهم وميّزهم بأشخاصهم, وسمّاهم رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم, وقد انتجبهم الله تعالى واصطفاهم وأورثهم الكتاب  ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾1، وولايتهم متّصلة بولاية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأوّلُهُم بعده صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم مهديّ الأمّة ومنجيها ومنقذها من الظلم والزيغ والضلالة الإمام المهديّ 

1- سورة فاطر، الآية: 32.
 
19
 

13

الدرس الثاني: الولاية لأولياء الله تعالى محمّد

 الحجّة ابن الحسن العسكريّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. 
 
فمن يتولّى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبعده الّذين آمنوا (الإمام علياً عليه السلام والأئمّة من ولده عليهم السلام) فهو من حزب الله، ومن يعادِهم أو يعادي بعضهم فهو ليس فقط خارجاً عن حزب الله بل هو كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم داخل في حزب الشيطان: "يا عليّ أنت المحجور بعدي أُشهد الله تعالى ومن حضر من أمّتي أنّ حزبك حزبي وحزبي حزب الله, وأنّ حزب أعدائك حزب الشيطان"3. 
 
الولاية شرط قبول الأعمال
 
قال تعالى:
 
نزلت هذه الآية في الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام حين تصدّق وهو راكع في الصلاة4. وقد جعلت الولاية بعد ولاية الله تعالى للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وللإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فالولاية الذاتية هي للخالق تعالى, وهو تعالى يجعلها لمن يشاء من عباده ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.
 
إنّ ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام من أنّ أيّ عمل لا يقبل بدون الولاية كثيرٌ.
 
وهذه بعض النصوص الدالّة على ذلك: 
 
عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام, ثمّ ذبح كما يذبح الكبش، ثمّ أتى الله ببغضنا أهل البيت لردَّ الله عليه عمله"5
 
وعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ أوّل ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جلّ جلاله عن الصلوات المفروضات, وعن الزكاة المفروضة, وعن الصيام 

1- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 9.
2- تفسير الطبري، ج 6, ص 288 - 289.
3- المحاسن, أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، ج 1، ص 168.
 
20
 

14

الدرس الثاني: الولاية لأولياء الله تعالى محمّد

 المفروض، وعن الحجّ المفروض، وعن ولايتنا أهل البيت, فإنّ أقرّ بولايتنا ثمّ مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجّه, وإن لم يُقرّ بولايتنا بين يدي الله جلّ جلاله لم يقبل الله عزّ وجلّ منه شيئاً من أعماله"1. 2
 
توجيه كون الولاية شرطاً لقبول الأعمال
 
بعد أن ثبت بالنقل المستفيض اشتراط الولاية في قبول الأعمال نذكر التوجيه لذلك:
 
1- إنّ الله تعالى يريد أن يُعبد من حيث يشاء لا كيفما أراد العبد 
 
وقد دلّت على ذلك نصوص عدّة نذكر منها:
 
عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال: "مرّ موسى بن عمران عليه السلام برجل رافع يده إلى السماء يدعو فانطلق موسى في حاجته فغاب عنه سبعة أيّام، ثمّ رجع إليه وهو رافع يديه يدعو ويتضرّع ويسأل حاجته, فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا موسى لو دعاني حتّى يسقط لسانه ما استجبت له حتّى يأتيني من الباب الّذي أمرته به"3.
 
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "عبَدَ اللهَ حبرٌ من أحبار بني إسرائيل حتّى صار مثل الخلال فأوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّ زمانه: قل له: وعزّتي وجلالي وجبروتي لو أنّك عبدتني حتّى تذوب كما تذوب الإلية في القدر ما قبلت منك حتّى تأتيني من الباب الّذي أمرتك"4
 
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ عن العالم عليه السلام قال: "قال إبليس: يا ربّ اعفني من السجود لآدم عليه السلام وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. قال الله تبارك وتعالى: لا حاجة لي إلى عبادتك إنّما أريد أن أُعبد من حيث أريد لا من حيث تريد، فأبى أن يسجد فقال الله 

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 72، ص 167.
2- م.ن، ج 72، ص 194.
3- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 72، ص 180. 
4- م.ن، ج 72، ص 176. 
 
21
 

15

الدرس الثاني: الولاية لأولياء الله تعالى محمّد

 تعالى: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾1"2.
 
2- الولاية هي باب الله الّذي منه يؤتى
 
من الأدب العقلائيّ للورود في الأمور إتيانها من أبوابها، وبذلك يأمر القرآن الكريم: ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ فإذا كان هذا أدب ورود البيت فكيف بورود الدِّين الّذي هو عصمة أمر المرء (اللّهم أصلح لي ديني فإنه عصمة أمري)؟
 
لا بدّ أن يكون للدِّين باب يعيّنُهُ الربُّ الكريم اللطيف بعباده, فإذا عيّنَه يتعيَّن على العبد أن يدخله منه, وإلّا فإنّه سيُحرَم من استحقاقه الثواب على الله, حيث إنّ الله تعالى هو الّذي جعل على نفسه حقّاً لمن دخل في طاعته من الباب الّذي عيَّنه, أن يعطيه ثواباً على هذه الطاعة. وهذا الباب الّذي اختاره الله تعالى وامتحن به عباده هو اتّباعُ الأولياء الّذين شخّصهم وحدَّدهم تبارك وتعالى، وأمر بأخذ الدِّين والحقائق عنهم، فهم باب لنيل رضاه تعالى, وواسطة في امتثال أحكامه, فإذا انتفى الشرط ولم يعمل به العبد أي تمّت العبادة من باب آخر غير الباب الّذي عيّنه الله تعالى فإنّه سينتفي استحقاق المثوبة. 
 
وقد أشار مرجع عصره الشيخ الجواهري قدس سره إلى ذلك: " ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾3 والبيوت هي بيوت العلم الّذي استودعه الله عند الأنبياء, وأبوابها أوصياؤهم, فكلّ عمل من أعمال الخير يجري على يد غير الأصفياء وعهودهم وحدودهم وشرائعهم وسننهم مردود غير مقبول.. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لعليّ عليه السلام: "أنا مدينة العلم وأنت بابها, فمن أتى من الباب وصل, يا علي أنت بابي الّذي أُوتَى منه, وأنا باب الله تعالى, فمن أتاني من سواك لم يصل إلى الله تعالى"،"إلى غير ذلك من النصوص الّتي هي فوق عدد التواتر, بل لعلّه من 

1- سورة الحجر، الآيتان: 34 ـ 35.
2- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 60، ص 274.
3- سورة البقرة، الآية: 189.
 
22
 

16

الدرس الثاني: الولاية لأولياء الله تعالى محمّد

 ضروريّ مذهب الشيعة"1.
 
وأمّا قوله تعالى ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ فهو يدلّ على أنّ من يتولّى الأولياء الّذين جعل الله ولايتهم حقّاً في أعناق العباد فهو غالب؛ لأنّه من حزب الله وحزب الله هم الغالبون. 
 
والغلبة مطلقة وهي الغلبة على الشقاء والباطل في الدنيا والآخرة, أمّا في الدنيا فبالحياة الطيّبة الّتي يعيشها الأولياء ملؤها التقوى، والإنسانية, والطهارة من كلّ رذيلة, وأمّا في الآخرة فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾2
 
الولاية لأهل البيت عليهم السلام ليست ادّعاءاً
 
هذا وإنّ الولاية لأهل البيت عليهم السلام ليست ادعاءاً كلاميّاً ومظهراً خارجيّاً بل يقينٌ واستعداد للتضحية وبذل المهج.
 
عن مأمون الرقّي قال: "كنت عند سيّدي الإمام الصادق عليه السلام إذ دخل سهل بن الحسن الخراساني فسلّم عليه ثمّ جلس فقال له: يا ابن رسول الله لكم الرأفة والرحمة، وأنتم أهل بيت الإمامة ما الّذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه !؟ وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف !؟ فقال له عليه السلام: اجلس يا خراساني رعى الله حقّك، ثمّ قال: يا حنيفة اسجري التنّور فسجّرته حتّى صار كالجمرة وابيضّ علوّه، ثمّ قال: يا خراساني ! قم فاجلس في التنّور، فقال الخراساني: يا سيّدي يا ابن رسول الله لا تعذّبني بالنار، أقلني أقالك، الله قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكّي، ونعله في سبّابته فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله، فقال له الصادق عليه السلام: "ألق النعل من يدك، واجلس في التنّور، قال: فألقى النعل من سبّابته ثمّ جلس في التنّور، وأقبل

1- راجع: جواهر الكلام, الشيخ الجواهري، ج 33، ص 229.
2- سورة يونس، الآية:62.
 
23
 

17

الدرس الثاني: الولاية لأولياء الله تعالى محمّد

 الإمام عليه السلام يُحدّث الخراساني حديث خراسان حتّى كأنّه شاهد لها، ثمّ قال: قم يا خراساني وانظر ما في التنّور قال: فقمت إليه فرأيته متربّعاً، فخرج إلينا وسلّم علينا، فقال له الإمام عليه السلام: كم تجد بخراسان مثل هذا؟ فقال: والله ولا واحداً فقال عليه السلام: لا والله ولا واحداً، فقال: أما إنّا في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت"1.
 
للمطالعة
 
حزب عليّ عليه السلام هو حزب الله، وحزب أعدائه هو حزب الشيطان
 
عن الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام: يا عليّ أنت حجّة الله, وأنت باب الله, وأنت الطريق إلى الله، وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراط المستقيم, وأنت المثل الأعلى.
 
يا عليّ أنت إمام المسلمين, وأمير المؤمنين، وخير الوصيين، وسيد الصدّيقين. يا عليّ أنت الفاروق الأعظم وأنت الصدّيق الأكبر. 
 
يا عليّ أنت خليفتي على أمتي وأنت قاضي دَيني وأنت منجز عداتي. 
 
يا عليّ أنت المظلوم بعدي.
 
يا عليّ أنت المفارق بعدي.
 
يا عليّ أنت المحجور بعدي أُشهِدُ الله تعالى ومَن حضَرَ من أمّتي أنّ حزبك حزبي وحزبي حزب الله وأنّ حزب أعدائك حزب الشيطان"2
 
وفي البحار عن الإمام الصادق عليه السلام:
 
"نحن وشيعتنا حزب الله وحزب الله هم الغالبون"3.

15- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج47،ص123-124.
16- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 9.
17- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 4، ص25.
 
24
 

18

الدرس الثالث: يحبهم ويحبونه

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾1

1- سورة المائدة، الآية:54.
 
25

19

الدرس الثالث: يحبهم ويحبونه

 تمهيد
 
الكلام عن المدخل الحقيقيّ للولاية، فإنّ ولاية الله تعالى لا تتحقّق إلّا بعد نيل المؤمن مقام الحبّ لربّه تعالى, وبعد تحقّق حبّ الله تعالى لعبده يثمر هذا الحبّ المقدّس الولاية. فالمؤمنون في حزب الله بحسب التعريف القرآنيّ يحبّون الله حبّاً, من لوازمه إيثارهم ربّهم على كلّ شيء سواه, ممّا تتعلّق به نفس الإنسان من مال، أو جاه، أو عشيرة، أو غيرها, ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾1.
 
﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾2.
 
فهؤلاء لا يوالون أحداً من أعداء الله سبحانه, وإنّما يوالون أولياء الله بولاية الله تعالى, هذه درجة حبّهم لخالقهم.
 
فإذا حصلوا على مرتبة المحبّة للخالق واتّبعوا الرسول حقّ الاتّباع نالوا بعد ذلك وسام محبّة الله لهم ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾3، فإذاً حبّ من جانب العبد، واتّباعٌ للرسول، ثمّ محبّة وعناية من الله تعالى، هذه مراحل ومقامات متتالية.

1- سورة البقرة، الآية: 165.
2- سورة التوبة، الآية: 24.
3- سورة آل عمران، الآية: 31.
 
27
 

20

الدرس الثالث: يحبهم ويحبونه

 فإنّ محبّة الله تعالى لا تنال بالأمنيات والدعاوى، بل هناك أمور يجب على الساعي المريد أن يطردها عن نفسه, وأمور يلزم تحصيلها في النفس, ومن دون ذلك لا يرتفع العبد إلى تلك الدرجة الراقية للولاية والمحبّة لله, ولا ينال محبّة الله تعالى له.
 
صفات من يحبّهم الله تعالى
 
سنذكر فيما يلي بعض الآيات الّتي تتناول أولئك الّذين يحبّهم الله تعالى:
 
كن تقياً يحبّك الله: ﴿فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾1 .
 
وقد فسّر الإمام الصادق عليه السلام التقوى: "بأن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك"2
 
والتقوى لها مراتب تبدأ من الاستقامة في جادّة الشرع بأن يفعل العبد ما فُرض عليه ويترك ما نُهي عنه، وتنتهي بالتنزّه عمّا يشغل قلبه عن الحقّ وهو أعلى المراتب.
 
كن من الّذين يقاتلون في سبيل الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾3
 
كن متوكّلاً على الله: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾4.
 
والتوكّل: أن تعتمد على الله وتجعله نائباً عنك.
 
كن توّاباً متطهّراً: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾5.
 
التوبة هي: الرجوع إلى الله سبحانه بالندم على الذنب والعزم على عدم العود والتدارك للتفريط. 

1- سورة آل عمران، الآية: 76.
2- شرح أصول الكافي، المولى محمّد صالح المازندراني،ج1،ص 118.
3- سورة الصف، الآية: 4.
4- سورة آل عمران، الآية: 159.
5- سورة البقرة، الآية: 222.
 
28
 

21

الدرس الثالث: يحبهم ويحبونه

 كن محسناً: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾1.

 
الإحسان: فوق العدل, وذاك أنّ العدل هو أن يُعطي ما عليه ويأخذ ما له. والإحسان أن يعطي أكثر ممّا عليه ويأخذ أقلّ ممّا له, فالإحسان زائد على العدل فتحرّي العدل واجب وتحرّي الإحسان ندب وتطوّع, ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾2 ، ولذلك عظّم الله تعالى ثواب المحسنين فقال تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾3.
 
كن صابراً: ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾4.
 
كن عادلاً مقسطاً: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾5.
 
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الّذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"6.
 
صفات من لا يحبّهم الله تعالى
 
كما أنّه تعالى بيّن صفات من يحبّ, فإنّه أيضاً بلطفه بيّن صفات من لا يحبّ، لكي يطوي سالك طريق المحبّة طريقه على بصيرة وفهم ومعرفة ودراية فيمتثل ما يحبّه خالقه, ويفرّ ويبتعد عمّا لا يحبّه، فينال بذلك غاية مراده ويصل إلى منتهى أمنيته وهو حبّ الله سبحانه له. 

 
لا تكن ظالماً: قال تعالى: ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾7.
 
فلا تظلم نفسك بعصيانها لخالقها، ولا تظلم غيرك من الناس، فإنّ الظلم ظلماتٌ يوم القيامة.

1- سورة البقرة، الآية: 195.
2- سورة النحل، الآية: 90.
3- سورة العنكبوت، الآية: 69.
4- سورة آل عمران، الآية: 146.
5- سورة المائدة، الآية: 142.
6- تفسير القرطبي، القرطبي، ج5، ص 258.
7- سورة آل عمران، الآية: 57.
 
29

22

الدرس الثالث: يحبهم ويحبونه

 لا تظلم أجيرك، ولا زوجك، ولا جارك، ولا أخاك، ولا أولادك، ولا أحداً من الناس، قريباً كان أم بعيداً، فإنّك مسؤول عن ذلك كلّه.
 
لا تكن مسرفاً: قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾1.
 
لا ريب في أنّ النعم الموجودة على الكرة الأرضية كافية لساكنيها، بشرط أن لا يبذّروا هذه النعم بلا سبب، بل عليهم استثمارها بشكل معقول وبلا إفراط وإسراف. 
 
لا تكن مفسداً: قال تعالى: ﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾2.
 
الله تعالى يحبّ الإصلاح لا الإفساد، والأنبياء عليهم السلام دعوتهم الإصلاح ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾2.
 
والأولياء والأوصياء كذلك وظيفتهم الإصلاح كما أعلن ذلك سيّد الشهداء الحسين عليه السلام في نهضته "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي".
 
فعوِّد نفسك في كلّ حياتك على أن تكون مصلحاً أينما حللت تصلح بك الأمور, ويتصالح بك المختلفون، ويلتقي بك المفترقون, ويتقارب بك المتباعدون, ولا تكن من الّذين يفسدون وتفسد بهم الأمور فإنّ الله لا يحبّ الفساد ولا المفسدين.
 
لا تكن معتدياً: قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾20.
 
الحرب في الإسلام لله وفي سبيل الله، ولا يجوز أن يكون في سبيل الله اعتداء. لذلك يوصي الإسلام برعاية كثير من الأصول الخلقية في الحرب، وهو ما تفتقر إليه حروب عصرنا أشدّ الافتقار. يوصي مثلاً بعدم الاعتداء على المستسلمين وعلى من فقدوا القدرة على الحرب، كالشيوخ والنساء والأطفال، وهكذا يجب عدم التعرُّض للمزارع والبساتين، وعدم اللجوء إلى المواد السامة لتسميم مياه شرب

1- سورة الأنعام، الآية: 41.
2- سورة المائدة، الآية: 64.
3- سورة هود، الآية: 88.
4- سورة البقرة، الآية: 190.
 
30
 

23

الدرس الثالث: يحبهم ويحبونه

 العدو كالسائد اليوم في الحروب الكيمياوية والجرثومية. 
 
يقول الإمام عليّ عليه السلام لأفراد جيشه قبل شروع القتال في صفّين: "لا تقاتلوهم حتّى يبدؤوكم فإنّكم بحمد الله على حجّة، وترككم إيّاهم حتّى يبدؤوكم حجّة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً ولا تصيبوا معوراً ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم"1.
 
لا تكن مستكبراً: قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾2.
 
فالمؤمن لا يستكبر عن قبول الحقّ ولا يتكبّر على الخلق. ومن وجد في نفسه شيئاً من ذلك عليه أن يعلم أنّ هذا مُهلِك، وليبادر لاقتلاعه من نفسه, وإلّا فسوف يكون بعيداً عن محبّة الله له.
 
لا تكن خائناً: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾3
 
الخيانة في الأصل معناها: الامتناع عن دفع حقّ أحد مع التعهّد به، وهي ضدّ الأمانة، والأمانة وإن كانت تطلق على الأمانة المالية غالباً، لكنّها في منطق القرآن ذات مفهوم أوسع يشمل شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية كافة، ولذلك جاء في الأحاديث: "المجالس بالأمانة"4. ومن ذلك تكون أرض الإسلام أمانة إلهية بأيدي المسلمين وأبنائهم أيضاً. وفوق كلّ ذلك فإنّ القرآن المجيد وتعاليمه كلّ ذلك يعدّ أمانة إلهية كبرى. والخيانة لله ورسوله، هي وضع الأسرار العسكرية للمسلمين في تصرُّف أعدائهم، أو تقوية الأعداء أثناء محاربتهم، أو بصورة عامّة ترك الواجبات والمحرّمات والأوامر الإلهية، قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ﴾5

1- نهج البلاغة، الخطبة: 123.
2- سورة النحل، الآية: 23.
3- سورة الأنفال، الآية: 58.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج2،ص660.
5- سورة الأنفال،الآية:27.
 
31
 

24

الدرس الثالث: يحبهم ويحبونه

 لا تكن مختالاً ولا فخوراً: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا﴾1.
 
الخيلاء: الكبر. تقول: اختال فهو ذو خيلاء, أي ذو كبر.
 
والفخر: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال أوالجاه أو النسب.
 
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّ المفاخرة قد تكون محرّمة وقد لا تكون، فإنّ أخذ في عنوانها نفي الفضيلة عن المخاطب وإثبات منقصة ورذيلة عليه فلا ريب في الحرمة, وقد تكون الرواية التالية عن النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم مشيرة إليه: "أربع في أمّتي من أمر الجاهلية.. الفخر في الأحساب"2.
 
وأمّا إن لم تستلزم ذلك ولم تمسّ كرامة أحد وإنّما أراد المفاخِر من خِلالها أن يثبت لنفسه فضيلة أو ينفي عنها رذيلة من دون تعريض بمؤمن آخر أو مساس بكرامته، فلا بدّ من إخراجها عن المفاخرة الممنوعة لعدم احتمال حرمة هذا النحو من المفاخرة، فمجرّد الافتخار ما لم يستوجب منقصة على أحد من المؤمنين لا محذور فيه شرعاً3. طبعاً هذا من الناحية الفقهية, وأمّا من الناحية الأخلاقية فقد يكون مرجوحاً ساعتئذ وإن لم يصل إلى مرتبة التحريم.
 
روي عن البزنطي قال:"...قلت له (أي للإمام الرضا عليه السلام): يا ابن رسول الله أشتهي أن تدعوني إلى دارك في أوقات تعلم أنّه لا مفسدة لنا من الدخول عليكم من أيدي الأعداء، قال: ثمّ (إنّه) بعث إليّ مركوباً في آخر يوم فخرجت وصلّيت معه العشائين، وقعد يملي عليّ العلوم ابتداء وأسأله فيجيبني إلى أن مضى كثير من الليل ثمّ قال للغلام: هات الثياب الّتي أنام فيها لينام أحمد البزنطي فيها. قال: فخطر ببالي: ليس في الدنيا من هو أحسن حالاً منّي بعث الإمام مركوبه إليّ وجاء وقعد إليّ ثمّ أمر لي بهذا الإكرام، وكان قد اتّكأ على يديه لينهض، فجلس 

1- سورة النساء، الآية: 36.
2- تفسير القرطبي, القرطبي، ج 71, ص 255.
3- راجع كتاب الحج, السيد الخوئي، ج 4, ص 158.
 
32
 

25

الدرس الثالث: يحبهم ويحبونه

 وقال: يا أحمد لا تفخر على أصحابك بذلك، فإنّ صعصعة بن صوحان مرض فعاده أمير المؤمنين عليه السلام وأكرمه ووضع يده على جبهته، وجعل يلاطفه، فلمّا أراد النهوض قال: يا صعصعة لا تفخر على إخوانك بما فعلت، فانّي إنّما فعلت جميع ذلك لأنّه كان تكليفاً لي"1.
 
لا تكن فرحاً أشراً بطراً: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾2.
 
الفرح: انشراح الصدر بلذّة عاجلة. وأكثر ما يكون ذلك في اللذّات البدنيّة، فلهذا قال تعالى: ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾3. ﴿وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾4.
 
﴿ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ﴾5. ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ﴾6. ﴿فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾7. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾8ولم يرخّص تعالى في الفرح إلّا في قوله ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ﴾9. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾10, والمنهي عنه هو الفرح الّذي يكون مع البطر للأهواء الباطلة11.
 
فلكي تحصل على محبّة الله تعالى لك، عليك أن تجتنب تلك الصفات الّتي لا يحبّها الله, وأن تتحلّى بالصّفات الّتي يحبّها، فعندها تكون من السعداء بحبّ الله تعالى لك، وهي والله سعادة الدنيا والآخرة وتكون قد نلت درجة حزب الله لأنّ: من صفات حزب الله في القرآن: يحبّهم ويحبّونه...

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 49، ص 48- 49.
2- سورة القصص، الآية: 76.
3- سورة الحديد، الآية:23.
4- سورة الرعد، الآية:26.
5- سورة غافر، الآية:75.
6- سورة الأنعام، الآية44.
7- سورة غافر، الآية:83.
8- سورة القصص، الآية:76.
9- سورة يونس، الآية: 58.
10- سورة الروم، الآية: 4.
11- انظر: مفردات غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص 375.
 
33
 

26

الدرس الثالث: يحبهم ويحبونه

 للمطالعة
 
من مناجاة المحبّين للإمام زين العابدين عليه السلام:
 
إلهي من ذا الّذي ذاق حلاوة محبّتك فرام منك بدلاً, ومن ذا الّذي أنس بقربك فابتغى عنك حولاً. إلهي فاجعلنا ممّن اصطفيته لقربك وولايتك, وأخلصته لودّك ومحبّتك, وشوّقته إلى لقائك, ورضّيته بقضائك, ومنحته بالنظر إلى وجهك, وحبوته برضاك, وأعذته من هجرك وقلاك, وبوّأته مقعد الصدق في جوارك, وخصصته بمعرفتك, وأهّلته لعبادتك وهيّمت قلبه لإرادتك, واجتبيته لمشاهدتك, وأخليت وجهه لك, وفرّغت فؤاده لحبّك, ورغّبته فيما عندك, وألهمته ذكرك وأوزعته شكرك, وشغلته بطاعتك, وصيّرته من صالحي برّيتك واخترته لمناجاتك, وقطعت عنه كلّ شيء يقطعه عنك. اللّهم اجعلنا ممّن دأبهم الارتياح إليك والحنين, ودهرهم الزفرة والأنين, جباهم ساجدة لعظمتك, وعيونهم ساهرة في خدمتك، ودموعهم سائلة من خشيتك, وقلوبهم متعلّقة بمحبّتك, وأفئدتهم منخلعة من مهابتك. يا من أنوار قدسه لأبصار محبّيه رائقة, وسبحات وجهه لقلوب عارفيه شائقة. يا منى قلوب المشتاقين, ويا غاية المحبّين. أسألك حبّك, وحبّ من يحبّك, وحبّ كلّ عمل يوصلني إلى قربك. وأن تجعلك أحبّ إليّ ممّا سواك, وأن تجعل حبّي إيّاك قائداً إلى رضوانك, وشوقي إليك ذائداً عن عصيانك, وامنن بالنظر إليك عليّ وانظر بعين الودّ والعطف إليّ, ولا تصرف عنّي وجهك, واجعلني من أهل الاسعاد والحظوة عندك, يا مجيب يا أرحم الراحمين1.

1- الصحيفة السجّادية للإمام زين العابدين عليه السلام، أبطحي، ص 413.
 
34
 
 

27

الدرس الرابع: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾1.

1- سورة المائدة، الآية: 54.
 
 
35
 

28

الدرس الرابع: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

 معنى الذلّة على المؤمنين والعزّة على الكافرين
 
من صفات حزب الله, الرحمة بالمؤمنين, والشدّة على الكافرين. فالمؤمن صاحب قلب رقيق ملؤه الحنوّ على عباد الله المؤمنين, وبالمقابل هو أسد هصور على أعداء الله والدِّين والإنسانية، فهي صفة قلبية لها انعكاس خارجيّ على السلوك: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾
 
أي: رحماء على المؤمنين, غلاظ شداد على الكافرين.
 
﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾1.
 
فهو من الذلّ: الّذي هو اللين, لا من الذلّ الّذي هو الهوان. قال ابن عبّاس: "تراهم للمؤمنين كالولد لوالده, وكالعبد لسيّده, وهم في الغلظة على الكافرين كالسبع على فريسته"2.
 
قال القرطبيّ: أي يرأفون بالمؤمنين ويرحمونهم ويلينون لهم, من قولهم: دابّة ذلول أي تنقاد سهلة, وليس من الذلّ في شيء. ويغلظون على الكافرين ويعادونهم3.

1- سورة الفتح، الآية: 29.
2- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج3، ص357.
3- تفسير القرطبي، القرطبي، ج 6، ص 220.
 
37
 

 


29

الدرس الرابع: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

 والأذلّة والأعزّة جمعا الذليل والعزيز, وهما كنايتان عن خفضهم الجناح للمؤمنين تعظيماً لله الّذي هو وليّهم وهم أولياؤه, وعن ترفّعهم عن الاعتناء بما عند الكافرين من العزّة الكاذبة الّتي لا يعبأ بأمرها الدِّين كما أَّدّب الله تعالى بذلك نبيّه الكريم في قوله عزّ وجلّ: ﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾1.
 
فالمؤمن ذو حنان على المؤمنين يليّن جانبه معهم ويرفق بهم, وبالمقابل هو شديد على الكافرين وأعداء الله غليظ عليهم, لا تأخذه بهم رأفة ولا رحمة لأنّهم حادّوا الله ورسوله, وأرصَدُوا لأحكام شريعته تعالى، ودينه, وللمؤمنين.
 
قال تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ *أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة﴾2. ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾3 ، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة﴾4.
 
كيفية علاقة المؤمن بإخوانه
 
إنّ علاقة المؤمن الحقيقيّ - (الداخل في عداد حزب الله بحسب الإطلاق القرآنيّ)- بإخوانه المؤمنين ينبغي أن تكون على أساس لين العريكة وخفض الجناح، والتواضع، والرحمة, لا الجفاء، والشدّة والغلظة, والفظاظة، والخشونة, إلى درجة التعبير القرآنيّ بقوله تعالى ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾. وهذا جوّ أكّدَ عليه أهل البيت عليهم السلام كثيراً، وسنعرض غيضاً من فيض الروايات الّتي تقوّي الداعي إلى التعاطف والتراحم بين المؤمنين, وتدفع الجفاء وقساوة القلب فيما بينهم، لعلّه يكون دافعاً لهم نحو نبذ الخلافات والتخاصمات على أمور جزئية لا قيمة لها بالقياس لأصول العقائد الّتي يدينون الله تعالى بها.

1- سورة الحجر، الآية: 88.
2- سورة البلد، الآيتان: 17 – 18.
3- سورة المائدة، الآية: 45.
4- سورة البلد، الآية: 17.
 
38

30

الدرس الرابع: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

 عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام أودّعه فقال: "يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيُّهُم على فقيرهِم، وقويُّهُم على ضعيفهِم، وأن يشهد حيُّهُم جنازَةَ ميتهم, وأن يتلاقوا في بيوتهم, فإنَّ لُقيَا بعضهِم بعضاً حياةٌ لأمرنا, رحم الله عبدا أحيا أمرنا, يا خيثمة أبلغ موالينا أنّا لا نغني عنهم من الله شيئاً إلّا بعمل، وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلّا بالورع، وأنّ أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره"9.
 
وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حدّثني جبرئيل عليه السلام أنّ الله عزّ وجلّ أهبط إلى الأرض ملَكاً, فأقبل ذلك الملك يمشي حتّى وقع إلى باب عليه رجل يستأذن على ربِّ الدار, فقال له الملَك: ما حاجتُك إلى ربِّ هذه الدار؟ 
 
قال: أخٌ لي: مسلمٌ زرتُه في الله تبارك وتعالى.
 
قال له الملَك, ما جاءَ بكَ إلّا ذاك؟ 
 
فقال: ما جاء بي إلّا ذاك. 
 
فقال: إنّي رسولُ الله إليك وهو يقرئُك السلام ويقول: وجَبَت لك الجنّة10
 
وقال الملَك: إنّ الله عزّ وجلّ يقول: أيّما مسلم زار مسلماً فليس إيّاه زار, إيّايَ زار وثوابُه عليَّ الجنّة".
 
حقّ المؤمن على المؤمن
 
عن المعلّى بن خنيس قال:
 
"سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: ما حقّ المؤمن على المؤمن؟ فقال: إنّي عليك شفيق أخاف أن تعلم ولا تعمل وتضيّع ولا تتحفّظ. قال: قلت: لا حول ولا 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 175.
2- م.ن، ج 2، ص 176.
 
39
 

31

الدرس الرابع: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

 قوّة إلّا بالله. قال عليه السلام: للمؤمن على المؤمن سبع حقوق واجبات ليس منها حقّ إلّا واجب على أخيه، إن ضيّع منها حقّاً أخرج من ولاية الله ويترك طاعته ولم يكن له فيها نصيب:
 
أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك وأن تكره له ما تكره لنفسك. 
 
والثاني: أن تعينه بنفسك, ومالك, ولسانك, ويدك, ورجلك. 
 
والثالث: أن تتّبع رضاه, وتجتنب سخطه, وتطيع أمره. 
 
والرابع: أن تكون عينه ودليله ومرآته. 
 
والخامس: أن لا تشبع ويجوع وتروى ويظمأ, وتلبس ويعرى.
 
والسادس: إن كان لك خادم وليس له خادم ولك امرأة تقوم عليك, وليس له امرأة تقوم عليه, أن تبعث خادمك يغسل ثيابه ويصنع طعامه, ويمهد فراشه.
 
والسابع: أن تبرّ قسمه, وتعود مريضه, وتشهد جنازته, وإن كانت له حاجة فبادر إليها مبادرة, ولا تكلّفه أن يسألك, فإذا فعلت ذلك وصلت بولايتك ولايته وولايته بولايتك"11
 
عظمة حرمة المؤمن عند الله تعالى وعظم حقّه
 
وعن أبان بن تغلب قال: كنت أطوف مع أبي عبد الله عليه السلام فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إليَّ، فكرهت أن أدع أبا عبد الله عليه السلام وأذهب إليه، فبينا أنا أطوف إذ أشار إليّ، أيضا فرآه أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا أبان إيّاك يريد هذا؟ قلت: نعم. قال: فمن هو؟ قلت: رجل من أصحابنا. قال: هو على مثل ما أنت عليه؟ قلت: نعم, قال: فاذهب إليه, قلت: فأقطع الطواف؟ قال: نعم. قلت: وإن كان طواف الفريضة؟ قال: نعم. قال: فذهبت معه.
 
ثمّ دخلت عليه بعد فسألته, فقلت: أخبرني عن حقّ المؤمن على المؤمن فقال: يا أبان دعه لا ترده, قلت: بلى جعلت فداك فلم أزل أردّد عليه, فقال: "يا 

11- الدعوات، قطب الدِّين الراوندي، ص 226. 
 
40
 

32

الدرس الرابع: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

أبان تقاسمه شطر مالك, ثمّ نظر إليّ فرأى ما دخلني, فقال: يا أبان أما تعلم أن الله عزّ وجلّ قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟ قلت: بلى جعلت فداك, فقال: أمّا إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد, إنّما أنت وهو سواء إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر"1
 
فما أعظم التراحم والتعاطف والتحابّ في الله تعالى، ففي الواقع من يطالع هذه الروايات يعلم أنّ ذلك من أعظم القربات عند المولى تبارك وتعالى فإذا سألت نفسك يوماً أنا أريد التقرّب إلى الله تعالى وليس لديّ إقبال على كثرة صلاة مستحبّة، أو صوم نافلة، فما أصنع كي أقوم بعمل يكون ذا بال يقرّبني من خالقي؟ 
 
تذكّر أنّ من القربات العظيمة أن ترحم مؤمناً، وتقضي حاجته، وتسدّ خلّته، وتنفّس غمّه وكربته, وتغيث لهفته, وتدخل سروراً على قلبه, وقد ورد أنّه: "من كفّارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب"2.
 
الرحمة بالمؤمنين هي من موجبات رحمة الله تعالى
 
إذا أردت أن تشمَلك الرحمة الإلهية - الّتي هي منى القلوب - فمن موجباتها أن ترحم المؤمنين. 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ارحم من دونك, يرحمك من فوقك, وقس سهوه بسهوك ومعصيته لك بمعصيتك لربّك, وفقره إلى رحمتك بفقرك إلى رحمة ربّك"3.
 
وروي أنّه قال رجل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أحبّ أن يرحمني ربّي. فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: "ارحم

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 171. 
2- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج72، ص 21.
3- عيون الحكم والمواعظ، الواسطي، ص 77.
 
41
 

33

الدرس الرابع: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

 نفسك وارحم خلق الله يرحمك الله"1
 
وبالمقابل عدم الرحمة بالمؤمنين يعرِّض العبد لسلب الرحمة الالهية (نعوذ بالله تعالى):
 
فعن النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم يَرحم لا يُرحَم"1
 
"من لا يَرحَم من في الأرض لا يَرحَمه من في السماء"2.
 
ومن قصص الرحمة بالناس قصّة تروى عن مالك الأشتر الّذي كان صحابيّاً للإمام عليّ عليه السلام قائداً في جيشه، شجاعاً في المعارك والحروب مجابهاً للظالمين،إلّا أنّه رحيماً بالناس شفيقاً في موضع الرحمة والشفقة.
 
فقد "حكي أنّ مالكاً الأشتر كان مجتازاً بسوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السُّوْقة فازدرى بزيّه؛ فرماه ببندقة تهاوناً به، فمضى ولم يلتفت، فقيل له: ويلك! أتدري بمن رميت؟ فقال: لا، فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين عليه السلام، فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر منه، فرآه وقد دخل مسجداً وهو قائم يصلّي، فلمّا انفتل أكبّ الرجل على قدميه يقبّلهما، فقال: ما هذا الأمر؟! فقال: أعتذر إليك ممّا صنعت، فقال: لا بأس عليك، فوالله ما دخلت المسجد إلّا لأستغفرنّ لك"3
 
فإذا كنت تسعى لتحصيل مرتبة تسمو بك إلى نيل وسام حزب الله القرآنيّ ما عليك إلّا أن تُخرِج من قلبك القسوةَ وتجعل مكانها رحمة وعطفاً ورقّة على إخوانك المؤمنين, وتحبّ لهم ما تحبّ لنفسك وتشفق عليهم كما تشفق على أهلك.

1- كنز العمال، المتّقي الهندي، ج 16، ص 129.
2- ميزان الحكمة، محمّد الريشهري، ج2، ص 1044.
3- م.ن، ج 2، ص 1044.
4- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج42،ص157.
 
42
 

34

الدرس الرابع: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

 للمطالعة
 
المرجع السيّد البروجرديّ قدس سره 
 
لا يأكل من كباب استنشق رائحته الفقراء
 
يقول الشيخ فاضل الموحّدي: لقد رافقت المرجع الدِّينيّ الكبير السيّد البروجرديّ  قدس سره إلى مدينة محلّات, ولمّا علم الناس بوجود مرجعهم أقبلوا إليه زرافات وكان أكثرهم من الفقراء, فأمر السيّد بشراء عدد من الأغنام وذبحها وتوزيع لحمها على أولئك الفقراء، وعزلوا شيئاً من اللحم لطعام الظهر يعملون منه كباباً للسيّد، ولكنّ السيّد لم يمدّ يده إلّا على الخبز واللبن والخيار دون أن يأكل من اللحم!!
 
فقالوا: سيّدنا لقد أخذ الفقراء حصصهم فهذا الكباب من حقّكم فلماذا لا تتناولونه؟!
 
فقال قدس سره: من المستحيل أن آكل من كباب استنشق رائحته الفقراء!
 
فعزفت أنفسنا عن أكل ذلك الكباب احتراماً للسيّد وصار الكباب كلّه من نصيب الفقراء في المنطقة1.
 
المرجع الشيخ محمّد حسن الكاظمي قدس سره
 
لا يأكل بوجبة واحدة طعاماً يُشترى بأجرة عامل نهاراً كاملاً
 
ذهب قدس سره لزيارة الإمام الحسين عليه السلام وبعد عنت شديد ونصب وصل إلى كربلاء وقصد الضريح الشريف قبل أن يأخذ نصيبه من الراحة. وبعد الزيارة كان قد أخذ منه الجوع مأخذه فجيء له بطعام شهيّ خبز وكباب ساخن فلمّا تناول لقمة رفع يده عن الطعام وسأل عن ثمنه, وبعد أن سمع الإجابة صاح قائلاً: خذوه عنّي فلست آكلاً في وجبة واحدة طعاماً يشترى بأجر عامل يعمل جاهداً النهار كلّه!2.

1- مردان علم در ميدان عمل، ص212, بتصرف.
2- قصص وخواطر، الشيخ المهتدي، ص94، بتصرف.
 
43
 

35

الدرس الخامس: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾1.

1- سورة المائدة، الآية: 54.
 
45
 

36

الدرس الخامس: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ

 الجهاد في سبيل الله
 
من صفات حزب الله: "الجهاد في سبيل الله"، فلا يكون المؤمن صادقاً في دينه مكتملاً في إيمانه, إن لم يكن مجاهداً في سبيل الله فعلاً, إن كان الجهاد تكليفه الفعليّ، أو محدّثاً نفسه بالجهاد حالما تتوفّر شروط فعليّته, فيوطّن نفسه على أنّه إذا دعاه الدِّين الحنيف إلى مناجزة أعداء الله والإنسانية فإنّه سيكون حاضراً في ميدان الكفاح والدفاع عن شرعة ربّ العالمين تبارك وتعالى من دون أيّ تلكّؤ وتثاقل, أو يكون مساعداً للمجاهدين، يجهّزهم، ويودُّهم, ويدعو لهم، ويرجو لهم النصر والظفر على أعدائهم، فيما لو كان من ذوي الأعذار.
 
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات ولم يغزُ, ولم يحدّث نفسه بالغزو, مات على شعبة من نفاق"1.
 
وهذا طبيعيّ إذ إنَّ مَن أحبّ الله تعالى أحبّ دينَه وشريعته وأحكامه, وعليه فإن كان حبّه صادقاً قوياً مخلصاً لا يستطيع إلّا أن يكون مدافعاً عن بيضة الإسلام وذائداً عن حياضه, فإنّه لا يطيق السكوت على انتهاك حرمات الله، وأحكام دينه، وشرعته المقدّسة, بل لا بدّ أن ينشد إحقاق الحقّ وإنفاذ أحكام الله, وإلّا فأين يذهب حبُّه لله وشرعه إن لم يكن في عداد المدافعين عن حمى دينه؟!

1- جواهر الكلام،الشيخ الجواهري،ج21، ص 9.
 
47
 

37

الدرس الخامس: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ

 عظمة الجهاد في روايات المعصومين عليهم السلام
 
لقد عظَّمَت السنَّة الشريفة في روايات مستفيضة أمرَ الجهاد في سبيل الله تعالى بما يجعل المجاهد المخلِص في عداد الخواصّ من خلق الله تعالى:
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه, وهو لباس التقوى, ودرع الله الحصينة, وجنّته الوثيقة"1.
 
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة"2
 
وإنّ رجلاً أتى جبلاً ليعبد الله فيه, فجاء به أهله إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فنهاه عن ذلك, وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ صبر المسلم في بعض مواطن الجهاد يوماً واحداً خير له من عبادة أربعين سنة"3
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ لكلّ أمّة سياحة, وسياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله"4
 
ذمّ أذى المجاهدين 
 
يجب على المؤمن أن يعين المجاهدين وأن يتجنّب أذاهم فأذية المؤمن من الكبائر فكيف إذا كان هذا المؤمن من الباذلين أنفسهم، المتحمّلين لأنواع المشقّة في سبيل الله تعالى؟ فانّ الله تعالى ينتقم لهم ممّن يؤذيهم.
 
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من اغتاب غازياً أو آذاه أو خلفه في أهله بخلافة سوء نصب له يوم القيامة عَلَم, فيستفرغ حسابه ويركم في النار"5
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "اتّقوا أذى المجاهدين في سبيل الله, فإنّ الله يغضب لهم كما يغضب للرسل, ويستجيب لهم كما يستجيب لهم"6.

1- نهج البلاغة، الخطبة: 27.
2- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 281.
3- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 11، ص 21. 
4- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 286. 
5- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص 23.
6- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 314. 
 
48
 

38

الدرس الخامس: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ

 فمن لم يوفّق للغزو في سبيل الله تعالى, فعلى الأقلّ ليجتنب أذى المجاهدين, ولا يُعيقَنَّ طريقهم, ولا يفتّ في عضدهم، وإلّا فسيكون قد عرّض نفسه للغضب الإلهيّ, نعوذ بالله تعالى من غضبه وحلول سخطه.
 
ثواب تجهيزِ المجاهدين وإعانتهم
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من جهّز غازياً بسلك أو إبرة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر"1.
 
فهذا طريق رائع يفتحه الإسلام لكي لا يُستثنى أحد من أفراد الأمّة من البذل في سبيل الله تعالى، والجهاد بضرب من ضروبه, فالجبان لا عذر له بعدم الإنفاق وإن ضرب الصفح عن حضوره في الميدان، فليكن جهاده إذن بماله إذا لم يستطع الخدمة في ساحة المعركة والقتال, طبعاً مع حفظ مرتبة وفضيلة المجاهد بنفسه في سبيل الله: ﴿وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمً﴾2
 
المرابطة في سبيل الله وثوابها العظيم
 
المرابطة: وهي الإرصاد لحفظ الثغر. وهي مستحبّة ولو كان الإمام غائباً, لأنّها لا تتضمّن قتالاً, بل حفظاً وإعلاماً. 
 
ومن لم يتمكّن منها بنفسه, يستحبّ أن يربط فرسه هناك3
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾4
 
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها"5
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "رباط يوم خير من صيام شهر وقيامه"6

1- ميزان الحكمة،ج1،ص446.
2- سورة النساء،الآية:95.
3- شرائع الإسلام، المحقق الحلي، ج 1، ص 234. 
4- سورة آل عمران، الآية: 200.
5- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 283.
6- م.ن، ج 4، ص 284. 
 
49
 

39

الدرس الخامس: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ

 فضل الحراسة 
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حرس ليلة في سبيل الله عزّ وجلّ أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها"1
 
عاقبة ترك الجهاد
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلّاً في نفسه, وفقراً في معيشته, ومحقاً في دينه. إنّ الله تبارك وتعالى أعزّ أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها"2
 
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "فمن تركه - يعني الجهاد - رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلّ, وشمله البلاء, وديث بالصغار والقماءة, وضرب على قلبه بالإسهاب (بالأسداد), وأديل الحقّ منه بتضييع الجهاد"3
 
فلسفة الجهاد في الإسلام 
 
الإسلام دين التوحيد الّذي دعت إليه كلّ الديانات السماوية وكلّ الأنبياء والرسل عليهم السلام، والإنسانية لا تحيا مع الشرك, وإنّ الحرص على التوحيد والتحفّظ على قيامه من أهمّ ما تستوجبه الإنسانية منّا، فهو روحها وجوهرها فبدونه لا يبقى للإنسانية باقية.
 
والله تعالى أوصى أنبياءه الكرام ورسله العظام بإقامة الدِّين والمحافظة عليه، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾4.
 
فوصيّة الله تعالى للأنبياء إقامة الدِّين, وأساسه الأوّل هو التوحيد.
 
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا

1- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 4، ص 297.
2- الأمالي الشيخ الصدوق، ج 8، ص 462.
3- نهج البلاغة، الخطبة: 27. 
4- سورة الشورى، الآية: 13.
 
 
50

40

الدرس الخامس: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ

 يُحْيِيكُمْ﴾1. فالاستجابة لله وللرسول إنّما تتحقّق بالتوحيد بأقسامه, وعليه تترتّب الحياة، وإلّا فالحكم بالإعدام على الإنسانية.
 
والمحافظة على التوحيد وإجراؤه وإنفاذ أحكامه في الأرض يحتاج إلى دفع أعدائه الموجودين في كلّ زمان, الّذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم, وهذا الدفاع عنه وبالتّالي الدفاع عن الإنسانية يقتضي الجهاد:
 
﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾2.
 
﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾3.
 
فالدفاع هو أداء حقّ الإنسانية بالحياة, ولولاه لسادَ الشرك الّذي هو موت الإنسانية.
 
فالجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه, وهو لباس التقوى, ودرع الله الحصينة, وجنّته الوثيقة4 ، فضّله الله عزّ وجلّ على الأعمال, وفضّل عامله على العمّال تفضيلاً في الدرجات والمغفرة, وبه ظهر الدِّين, وبه يدفع عن الدِّين, وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنّة بيعاً مفلحاً منجحاً5 ، وهو سياحة أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم6 الّتي قد جعل الله عزَّها بسنابِكِ خيلها ومراكزِ رماحها7. وفوقَ كلِ برٍّ برّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ 8. والخير كلّه في السيف, وتحت السيف، وفي ظلّ السيف, ومعقود في نواصي الخيل 9. هذا ما نطقت به روايات وأحاديث أهل البيت عليهم السلام.

1- سورة الأنفال، الآية:24.
2- سورة الحج، الآية: 40.
3- سورة البقرة، الآية: 251.
4- نهج البلاغة، الخطبة: 27.
5- الكافي، الشيخ الكليني، ج5،ص3.
6- انظر: بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج40، ص 328.
7- الكافي، الشيخ الكليني ، ج5، ص3.
8- الكافي، الشيخ الكليني،ج2، ص 348.
9- م.ن،ج5، ص 9.
 
51
 

41

الدرس الخامس: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ

 للمطالعة
 
القتال ليس مطلوباً لذاته
 
عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام:
 
"فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلّا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي, وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها"1. فالحرب لم تكن لأسد الله الغالب يوماً هي الهدف، مع أنّه سيّد المعامع، وفارس المجامع, وإمام الجهاد، الّذي كان يحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقاتل بين يديه, ولم تخلُ منه واقعة, وإنّما كانت الغاية لديه هي هداية الضالّين ورجوعهم عن طريق الغواية إلى نور الحقّ والولاية. 
 
والشهادة أيضاً ليست هي المطلوبة بالذات للمجاهد لكي يقال أنتم ترغبون في الموت, والحياة أفضل من الموت فلماذا تحبّون الموت, ويصوّرون ثقافة الشهادة كأنّها ثقافة الموت، استمع إلى الإمام السجاد عليه السلام كيف يبيّن في دعائه لأهل الثغور الهدف من الجهاد فيقول عليه السلام:
 
"اللّهم وأيّما غاز غزاهم من أهل ملتك, أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك ليكون دينك الأعلى, وحزبك الأقوى وحظّك الأوفى.."2.
 
فالهدف إعزاز الدين ونصر الحقّ، والشهادة وسامٌ وليست هدفاً.
 

1- شرح نهج البلاغة، خطب الإمام عليه السلام، شرح الشيخ محمّد عبده، ج 1، ص 104.
2- الصحيفة السجاديه الكاملة، الإمام زين العابدين عليه السلام، ص 146.
 
52
 

42

الدرس السادس: لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾1

1- سورة المائدة، الآية: 54.
 
53
 

43

الدرس السادس: لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

 رضا الله تعالى
 
إنّ المؤمن إذا كان هدفه وما يرمي إليه في حياته الدنيا هو كسب مرضاة الله تعالى, فإنّه من الضروريّ أن يتعارض هذا الهدف السامي مع نيل رضا الناس في بعض الحالات, فالله تعالى يريد أن يطهِّرَنا بالتوبة والرجوع إلى القيم والمبادئ والأخلاق، ويريد كثير من الناس لنا أن نتّبع الشهوات وأن نميل ميلاً عظيماً: 
 
﴿وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا﴾1
 
وإذا أراد المؤمن أن يتطهّر ويصل إلى نيل رضا الله تعالى لا بدّ أن يطبّق أحكامه تعالى من غير اجتزاء.
 
والمداهنة للخلق ستؤدّي إلى الاجتزاء في إجراء أحكام الله تعالى وعدم نيل المراد وهو رضا الله تعالى, ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾2.
 
فبعضهم ممّن ضعف إيمانه يترك تطبيق حكم الله تعالى خوفاً من ملامة الناس له, فيقدِّم مرادَ الخلق على مراد الخالق مداهنة ً، فيكون ممن أرضى الناس بسخط

1- سورة النساء، الآية: 27.
2- سورة القلم، الآية: 9.
 
 
55

44

الدرس السادس: لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

 الله تعالى, وأرضى المخلوق بسخط الخالق!!
 
وهذا بالطبع لا يتطابق مع موقف المؤمن الصادق بحال من الأحوال، فالمؤمن من حزب الله من يقدّم رضا الخالق على رضا المخلوق عند التعارض بينهما..
 
أوّلاً: لأنه ينظر إلى العاقبة, وإلى واقع الدنيا وأنّها لا تستحقّ أيّ اعتبار لزوالها وزوال كلّ اعتباراتها فهي ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾1 ، فاعتباراتها وهميّة سرابيّة, ومنها الإحساس برضا الناس وميلهم ومحبّتهم له, فما ينفعه هذا إذا كان قد اسخط ربه عند معاينة ملك الموت، والنزول في القبر, والوقوف بين يدي الله تعالى؟!
 
وثانياً: لأنّه يعلم أنّه من طلب رضا الناس بسخط الله تعالى استوجب سخط الله دون أن يصل إلى مرضاة الناس، لأنّ رضا الناس غاية لا تدرك, كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "رضا الناس غاية لا تدرك, فتحرَّ الخير بجهدك, ولا تبالِ بسخط من يرضيه الباطل"2.
 
ويقول الشاعر: 
 
وما أحد من ألسن الناس سالماً        
                              ولو أنّه ذات النبيّ المطهّر
فإن كان مقداماً يقولون أهوجٌ  
                             وإن كان مفضالاً يقولون مبذرُ
وإن كان سكّيتاً يقولون أبكمٌ         
                             وإن كان منطيقاً يقولون مهذرُ 
 

1- سورة النور، الآية: 39.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 2، ص 305.
 
56
 

45

الدرس السادس: لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

 وإن كان صوّاماً وبالليل قائماً        
                             يقولون زوّار يرائي ويمكر 
فلا تكترث بالناس في المدح والثنا 
                            ولا تخشَ إلّا الله والله أكبر1.
 
وروي أنّ النبيّ موسى عليه السلام قال: "يا ربّ احبس عنّي ألسنة بني آدم، فإنّهم يذمّوني, وقد آذوني - وقد أشار تبارك تعالى إلى ذلك في محكم الكتاب العزيز بقوله: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾2 قيل: فأوحى الله جلّ جلاله إليه: يا موسى هذا شيء ما فعلته مع نفسي, أفتريد أن أعمله معك؟! فقال: قد رضيت أن يكون لي أسوة بك"3.
 
فإذا كان أمر الناس هكذا كيف إذاً يطلب المؤمن العاقل رضاهم, تاركاً رضا خالقه تعالى؟! بل إنّه والحالة هذه سيشتغل بما يُرضِي ربَّه وإن تعارض مع هوى الخلق واستوجب سخطهم, فليس ذلك ممّا يهمّه:
 
فليتك تحلو والحـياة مريرة
                         وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الّذي بيني وبينك عامر
                        وبـيني وبين العالمـين خراب
إذا صحّ منك الودّ فالكلّ هيّن
                       وكلّ الّذي فوق التراب تراب

1- نهج السعادة، الشيخ المحمودي، ج 8، ص 45.
2- سورة الأحزاب، الآية: 69.
3- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 68، ص 362.
 
57
 

46

الدرس السادس: لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

 طلب رضا الله يكفي أمور الناس
 
وبالعكس من اعتقاد المداهنين المُرائين, فإنّ طالب رضا الله تعالى سيلمَس تأييد الله له عندما يؤثِر مرادَ خالقه على مراد الناس. 
 
فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام, عن أبيه, عن جدّه عليه السلام قال: 
 
كَتَبَ رجل إلى الحسين بن عليّ عليه السلام: يا سيّدي أخبرني بخير الدنيا والآخرة، فكَتب إليه عليه السلام:
 
"بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد فإنّه مَن طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام"9
 
رضا الناس غاية لا تدرك
 
واعلم أنّ رضا الناس غاية لا تدرك، فإنّ أردت راحة الدنيا قبل الآخرة فانظر إلى رضا الله تعالى ولا تأخذ بالاً لكلام الناس، فالناس أمزجة مختلفة كلٌّ يريد ما يناسبه. 
 
روي أنّ لقمان الحكيم قال لولده في وصيّته: "لا تعلّق قلبك برضا الناس ومدحهم وذمّهم، فإنّ ذلك لا يحصل ولو بالغ الإنسان في تحصيله بغاية قدرته، فقال ولده ما معناه: أحبّ أن أرى لذلك مثالاً أو فعالاً أو مقالاً، فقال له: أخرج أنا وأنت، فخرجا ومعهما بهيم فركبه لقمان وترك ولده يمشي وراءه فاجتازوا على قوم فقالوا: هذا شيخ قاسي القلب، قليل الرحمة، يركب هو الدابّة وهو أقوى من هذا الصبيّ، ويترك هذا الصبيّ يمشي وراءه، وإنّ هذا بئس التدبير، فقال لولده: سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك؟ فقال: نعم فقال: اركب أنت يا ولدي حتّى أمشي أنا، فركب ولده ومشى لقمان فاجتازوا على جماعة أخرى فقالوا: هذا 

9- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 68، ص 208.
 
58
 

47

الدرس السادس: لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

 بئس الوالد، وهذا بئس الولد. أما أبوه فإنّه ما أدّب هذا الصبيّ حتّى يركب الدابّة ويترك والده يمشي وراءه، والوالد أحقّ بالاحترام والركوب، وأمّا الولد فلأنّه عقّ والده بهذه الحال فكلاهما أساءا في الفعال، فقال لقمان لولده: سمعت؟ فقال: نعم، فقال: نركب معاً الدابّة فركبا معاً فاجتازوا على جماعة فقالوا: ما في قلب هذين الراكبين رحمة، ولا عندهم من الله خبر، يركبان معاً الدابّة يقطعان ظهرها، ويحملانها مالا تطيق، لو كان قد ركب واحد ومشى واحد كان أصلح وأجود، فقال: سمعت؟ فقال: نعم، فقال: هات حتّى نترك الدابّة تمشي خالية من ركوبنا، فساقا الدابّة بين أيديهما وهما يمشيان فاجتازوا على جماعة فقالوا: هذا عجيب من هذين الشخصين يتركان دابّة فارغة تمشي بغير راكب ويمشيان، وذمّوهما على ذلك كما ذمّوهما على كلّ ما كان فقال لولده: ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال، فلا تلتفت إليهم واشتغل برضا الله جلّ جلاله، ففيه شغل شاغل، وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال"1
 
مثال من يطلب رضا الناس بسخط الله
 
ومثال من يطلب رضا الناس بسخط الله تعالى كرجل مسجون ينتظر حكم السلطان عليه دون أن يدري ماذا سيصدر بشأنه هل الإعدام أم العفو, وكان حكم السلطان مرهوناً بتصرّفاته وأقواله في السجن. وقد وكَّل السلطان به رجلين يراقبان تصرّفاته وحركاته وسكناته وكل ما يتفوه به من منطق وكلام ويحصيانه عليه, فحياتُه رهينة لما يُنقل للسلطان من قبل المراقبين، وهو مع ذلك مشغول بتحصيل رضا من معه في السجن من المساجين وكسب مدحهم, مهموم لذمّهم وعدم ميلهم إليه، غافل, أو غير مكترث لما يصدر عنه, من أفعال، وأقوال تسخط السلطان، سينقلها إليه الحارسان قطعاً, وستكون محدِّدَة لما سيؤول إليه أمره, من موت أو حياة!

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 68، ص 361.
 
59
 

48

الدرس السادس: لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

 ماذا يحكم العقل على مثل هكذا شخص؟
 
هل يعتبره عاقلاً؟! بالطبع لا. 
 
هكذا حال الإنسان في الدنيا حيث يتوق لمدح الناس, وينفر، ويتألّم, ويهتمّ، ويغتمّ من مذمّتهم، مشغولاً بذلك عمّا يُنقَل إلى سيّده ومولاه, ممّا يحدّد مصيره في دار البقاء والخلود, بل الأمر أشقّ وأدقّ من ذلك بكثير, حيث إنّ الله تعالى لم يجعل عليه فقط حافظين ما يلفظ من قول إلّا كتباه عليه، بل جعل جوارحه شاهدة عليه، بل حتّى ما يخفيه في نفسه سيعلمه الله تعالى: 
 
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾1
 
﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ﴾2.
 
فهل يبقى له أن يشتغل بغير ما يحقّق مراد خالقه, ورضاه, وإن باين مراد الخلق أجمعين؟!
 
فالمؤمن الموقن إذاً هو الّذي يعمل بالحقّ إذا ظفر به, وإن كثر المختلف معه والطاعن عليه, ويشتغل بشكر الله جلّ جلاله على ما هداه إليه, فإنّ الله تعالى قد مدح قوماً على هذا المقام وجلّلهم بوسام عظيم وهو نسبتهم إلى حزبه, فقال عزّ وجلّ:﴿وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ... أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾.
 
أعظم مصداق لمن لا يخاف في الله لومة اللائم
 
انظر إلى إمامك أمير المؤمنين عليه السلام وهو أبرز مصداق لمن لا يخاف في الله لومة لائم, من قريب أو بعيد, ومن عدوّ أو صديق, انظر إليه كيف لا يراعي أحداً في إنفاذ حكم الله، ولا يخاف في إجراء حدّه لومة لائم: 
 
روي في البحار أنّه عليه السلام أخذ رجلاً من بني أسد في حدّ, فاجتمع قومه ليكلّموه 

1- سورة غافر، الآية: 19.
2- سورة البقرة، الآية: 284.
 
60
 

49

الدرس السادس: لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

 فيه, وطلبوا إلى الحسن عليه السلام أن يصحبهم. فقال الحسن عليه السلام: ائتوه (أي أمير المؤمنين) فهو أعلى بكم عيناً, فدخلوا على الإمام عليه السلام وسألوه. فقال عليه السلام: لا تسألوني شيئاً أملكه إلّا أعطيتكم, فخرجوا يرون أنّهم قد أنجحوا, فسألهم الحسن عليه السلام فقالوا: أتينا خير مأتي, وحكوا له قوله. فقال: ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم؟ فأصغوه (أي نقصوه), فأخرجه عليّ عليه السلام فحدَّه (أي أقام عليه الحدّ)، ثمّ قال: هذا والله لست أملكه1
 
فهو عليه السلام قال لا تسألوني شيئاً أملكه إلّا أعطيتكم، ومسألة الحدّ هي بيد الله تعالى هو غير مفوَّض فيها ولا يملكها, فلو كانت له يملكها ومفوَّض فيها لأعطاهم إيّاها وأسقط الحدّ عن صاحبهم!!.
 
فالخلاصة: إنّ المؤمن من حزب الله القرآنيّ لا يخاف في تطبيق حكم الله تعالى ملامة اللائمين, وعذل العاذلين، فأمير المؤمنين لم يعطِّل حدّاً من حدود الله تعالى وإن خاطبه بعض محبّيه وأنصاره بما خاطبه كما مرّ وذكرنا, فلا مداهنة في أمر الدِّين وإجراء أحكامه وحدوده، وبالمقابل في الأمور الّتي لا يكون فيها كذب ولا تزوير بمدح ظالم أو إعانة متعدٍّ, وليس فيها تساهل في أحكام الله تعالى, ولا تضييع لشيء من أمر الدِّين, فإنّه يكون مدارياً مجاملاً فيها. 
 
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش"2

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 14، ص 9.
2- م. ن، ج 2، ص 864.
 
61
 

50

الدرس السادس: لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ

 للمطالعة
 
لا تتزيّن للناس وتبارز الناس بالمعاصي
 
يقول نوف البكاليّ: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "يا نوف إيّاك أن تتزيّن للناس وتبارز الله بالمعاصي فيفضحك الله يوم تلقاه"1.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتب بعضهم بعضاً كتبوا بثلاث ليس معهنّ رابعة: من كانت الآخرةُ همَّه كفاه الله همّه من الدنيا, ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته, ومن أصلح فيما بينه وبيّن الله عزّ وجلّ أصلح الله له فيما بينه وبين الناس"2.
 
وعنه عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام:"من كان ظاهره أرجح من باطنه خفّ ميزانه"3
 
وروي أنّ رجلاً من بني إسرائيل قال: "والله لأعبدنّ الله عبادة أُذكَرُ بها,فكان أوّل داخل في المسجد وآخر خارج منه, لا يراه أحد حين الصلاة إلّا قائماً يصلّي, وصائماً لا يفطر, ويجلس إلى حلق الذكر, فمكث بذلك مدّة طويلة وكان لا يمرّ بقوم إلّا قالوا فعَل الله بهذا المرائي وصَنَع, فأقبل على نفسه وقال: أراني في غير شيء لأجعلنّ عملي كلّه لله, فلم يزد على عمله الّذي كان يعمل قبل ذلك إلّا أنّه تغيّرت نيّته إلى الخير فكان ذلك الرجل يمرّ بعد ذلك بالناس فيقولون: رحم الله فلاناً الآن أقبل على الخير"4.

1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 126.
2- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 22.
3- م.ن، ص 294.
4- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج86 ص 369.
 
62

51

الدرس السابع: الحبّ في الله والبغض في الله

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾1

1- سورة المجادلة،الآية22
 
63
 

52

الدرس السابع: الحبّ في الله والبغض في الله

 أفضل الأعمال
 
ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله"1.
 
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم لأصحابه: أخبروني بأوثق عرى الإسلام, فبعضهم قال: الصلاة, وبعضهم قال الزكاة, وبعضهم قال الجهاد.. فقالوا: يا رسول الله, فأخبرنا, قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الحبّ في الله والبغض في الله"2
 
نقل جعفر بن أحمد القمّيّ في كتاب الغايات: عن النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: أيّ الأعمال أفضل؟ قالوا: الصلاة. فقال: "إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر, وما هي بالصلاة". قالوا: الزكاة. قال: "إنّ الزكاة تمحيص, وما هي بالزكاة". قالوا: الحجّ. قال: "إنّ الحجّ كفارة, وما هو بالحجّ".
 
قالوا: الجهاد. قال: "إنّ الجهاد جُنَّة, وما هو بالجهاد". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "الحبّ في الله والبغض في الله"3.

1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 12، ص 219.
2- م. ن، ج 12، ص 221. 
3- م. ن، ج 12، ص 221.
 
65
 

53

الدرس السابع: الحبّ في الله والبغض في الله

 هل الدِّين إلّا الحبّ؟!
 
عن بريد بن معاوية العجليّ قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام, إذ دخل عليه قادم من خراسان ماشياً, فأخرج رجليه وقد تفلقتا (تشقّقتا) وقال: أما والله ما جاءني من حيث جئت إلّا حبّكم أهل البيت, فقال أبو جعفر عليه السلام: "والله لو أحبّنا حجرٌ حشره الله معنا, وهل الدِّين إلّا الحبّ!؟ إنّ الله يقول: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾1  وقال: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾2 وهل الدِّين إلّا الحبّ!"3.
 
وعن ربعيّ بن عبد الله قال: قيل لأبي عبد الله عليه السلام: إنَّا نسمِّي بأسمائكم وأسماء آبائكم, فينفعنا ذلك؟ فقال عليه السلام: "إي والله, وهل الدِّين إلّا الحبّ؟ " قال الله تعالى: ﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾4
 
وروي: "أنّ الله تعالى قال لنبيّه موسى عليه السلام: هل عملت لي عملاً قطّ؟ قال: صلّيت لك وصمت وتصدّقت. قال الله تبارك وتعالى له: أمّا الصلاة فلك برهان, والصوم جنّة, والصدقة ظلّ, والزكاة نور, فأيّ عمل عملت لي؟ قال موسى عليه السلام: دلّني على العمل الّذي هو لك. قال: يا موسى, هل واليت لي ولياً؟ فعلم موسى أنّ أفضل الأعمال الحبّ في الله والبغض في الله"5.
 
الدرجة العظيمة في الآخرة للمتحابّين في الله
 
عن النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ من عباد الله لأُناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء لمكانهم من الله, فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الّذين يتحابّون بروح الله من غير أرحام

1- سورة آل عمران، الآية: 31.
2- سورة الحشر، الآية: 9.
3- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 12، ص 219.
4- م. ن، ج 12، ص 219.
5- م.ن، ج 12، ص 220.
 
66
 

54

الدرس السابع: الحبّ في الله والبغض في الله

 بينهم, ولا أموال يتعاطون بينهم, وإنّ على وجوههم لنوراً, وإنّهم لعلى منابر من نور, لا يخافون إذا خاف الناس, ولا يحزنون إذا حزنوا, ثمّ تلا هذه الآية:﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾1
 
غاية الإيمان
 
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "غاية الإيمان الموالاة في الله, والمعاداة في الله, والتباذل في الله.."2.
 
وقال عليه السلام: "من أعطى في الله, ومنع في الله, وأحبّ في الله, وأبغض في الله, فقد استكمل الإيمان"3.
 
المؤمن من حزب الله يحبّ في الله، ويوالي في الله
 
فالقرآن الكريم يصف المؤمنين الّذين هم حزبه وأنصاره بقوله تعالى: 
 
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾
 
أي لا يوالون من خالف الله ورسوله وإن قربت لحمتهم، لأنّ ولايتهم ومحبّتهم لله وفي الله تعالى, فلا تجتمع مع موالاة الكفّار ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ أي حتّى وإن كانوا أقرب الناس, فإنّهم لا يوالونهم إذا خالفوهم في الدِّين وكانوا محادّين لله ورسوله. فعن إمامنا الباقر عليه السلام:
 
"من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ, وما تُنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع"4.
 
فالمقياس لدى المؤمن من حزب الله في حبّه وبغضه, وولايته وعداوته، هو رضا الله تعالى وطاعته, وليس القرابة والنسب، ولا القبيلة والعائلة، ولا العنصر والعرق. 

1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج12، ص224.
2- غرر الحكم، الآمدي، ج 2، ص 505.
3- م.ن، ج 2، ص 706.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 75.
 
67
 

55

الدرس السابع: الحبّ في الله والبغض في الله

 فمهما كانت الظروف لا يوالي أعداء الله, ولا الفاسقين الفجّار، بخلاف ما روي عمّا حصل مع حاطب بن بلتعة, حيث ورد أنّ الآية المذكورة1 نزلت فيه، فرويَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أراد أن يصير إلى مكّة, قال: "اللّهمّ أخفِ العيون والأخبار على قريش, حتّى نبغتها في دارها". وكان عيال حاطب بمكّة، فبلّغ قريشاً ذلك فخافوا خوفاً شديداً، فقالوا لعيال حاطب اكتبوا إلى حاطب ليعلمنا خبر محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فإنّ أرادنا لنحذره, فكتب حاطب إليهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريدكم, ودفع الكتاب إلى امرأة فوضعته في قرونها. فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأعلمه الله ذلك, فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أميرَ المؤمنين عليه السلام والزبير بن العوّام, فلحقاها بعسفان ففتّشاها فلم يجدا معها شيئاً, فقال الزبير: ما نجد معها شيئاً فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "والله ما كذبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا كذب جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لتظهرنّ الكتاب".
 
وفي رواية:"قال عليّ عليه السلام: والله ما كذبنا ولا كذّبنا, وسلّ سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلّا والله لأضربنّ عنقك, فأخرجته من عقيصتها فردّه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". فقال رسول الله لحاطب: "ما هذا؟" فقال: يا رسول الله, والله ما غيّرت ولا بدّلت, ولا نافقت, ولكن عيالي كتبوا إليّ فأحببت أن أداري قريشاً ليحسنوا معاش عيالي ويرفقوا بهم2
 
وفي رواية: "أحببت أن أتّخذ عندهم بكتابي إليهم مودّة, ليدفعوا عن أهلي بذلك" فنزلت الآية.
 
حقيقة الحبّ في الله 
 
لا بدّ من تسليط الضوء على معنى الحبّ في الله كي يتّضح هذا المفهوم بما لا شبهة فيه ولا إجمال, ويتّضح بالمقابل معنى البغض في الله.

1- ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَاالْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾سورة المجادلة، الآية: 22.
2- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 98، ص 69.
 
68
 

 


56

الدرس السابع: الحبّ في الله والبغض في الله

فالحبّ في الله يتحقّق في عدّة صور ولعدّة أسباب
 
الأوّل: أن تحبّ شخصاً في الله لكونه قريباً من الله تعالى ومنسوباً إليه, ففي الدعاء: "اللّهم ارزقني حبّك وحبّ من يحبّك".
 
وكلّما كان تدرّجُهُ في القرب من الله وترقّيه في طاعته أكثر كان حبُّك له في الله أعظم, إلى أن يصل الأمر إلى حبِّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، والأولياء, فإنّه حبٌّ عظيم قد لا تستوعبه بعض النفوس والعقول, فإنّه حبّ أكبر من حبّ النفس والذرّية والولد!!
 
ففي الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يؤمن عبدٌ حتّى أكون أحبَّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله, وعترتي أحبّ إليه من عترته, وذاتي أحبّ إليه من ذاته"1.
 
الثاني: أن تُحبّ من يكون معيناً لك على قربك من ربّك, فإذا أحببت المؤمن لأنّه يساعدك في إنفاذ الأعمال الخيرية مثلاً الّتي فيها لله رضا, كتوزيع المعروف على الفقراء, أو في إحياء الشعائر الإلهية, وإقامة المراسم لترويج الدِّين والشريعة المقدّسة بتهيئة مقدّماتها من مال أو تجهيز، ويسعى في إنجاحها وقوّة تأثيرها في المؤمنين وإيصالها إلى أهدافها. فحبّك لهذا الشخص حبّ في الله لأنّه يساعدك ويعينك على القرب من الله تعالى.
 
الثالث: كلّ من يعينك في رفع حوائجك الدنيوية الّتي لا بدّ منها, كالمسكن والغذاء والملبس إذا كان يفرِّغُكَ بذلك لطاعة الله تعالى من عبادة, وعلم, وعمل بحيث يكون قد قطع عن نفسك تلك العلائق والاهتمام بها, فإنّها تؤدّي إلى صرف الهمّة عن ذلك كلّه، وخاصّة فيما يتعلّق بتحصيل العلم، حيث يحتاج إلى خلوّ الذهن من الشواغل:

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 72، ص 76.
 
69
 

57

الدرس السابع: الحبّ في الله والبغض في الله

 "اللّهم.. واكفني ما يشغلني الاهتمام به, واستعملني بما تسألني غداً عنه, واستفرغ أيّامي فيما خلقتني له".
 
حبّ الزوجة قد يكون في الله, إذا كانت النيّة أنّها عنصر مساعد للقرب من الله تعالى، حيث إنّها تكون أنساً, وسكناً, ومستراحاً يأنس بها الزوج، وترجع نفسُه من خلالها إلى الراحة والدّعة، بعد الخوض في شؤون الحياة وضغوطاتها, لتستجمّ بعد ذلك مجدّدة نشاطها عائدة من جديد إلى ميدان الجدّ, وحقل النتاج والعمل.
 
وهي سبب للقرب من الله أيضاً, لأنّه بوسيلتها يعفّ نفسه وبصره عن الحرام, ويدفع الخيالات والأوهام عن داخله, الّتي هي بمثابة الحجب المانعة له من العروج في سماء المعرفة, وصفاء الروح, أضف إلى ذلك ما تقوم به الزوجة من قضاء حوائج الزوج، وتهيئة أموره، من مطعم وملبس وغيره, فإنّه أدعى للتفرّغ للطاعة, والعبادة، وطلب العلم. 
 
وقس على ذلك كلّ الأمور المماثلة, فإنّ الحبّ في موردها سيكون حبّاً في الله تعالى, لأنّه حبّ لمن يرفع عوائق طيّ طريق التكامل من أمامك, لتصل إلى شاطئ محبّة الله تعالى ورضاه. 
 
البغض في الله
 
أمّا البغض في الله, فهو أن يبغضَ المؤمنُ إنساناً لأجل عصيانه لله ومخالفته لإرادته تعالى, فإنّ من يحبّ في الله لا بدّ وأن يبغض في الله, فإنّك إن أحببت إنساناً لأنّه مطيع لله ومحبوب عنده, لا بدّ في المقابل أنّك ستُبغِضُ من يعصيه ويكون ممقوتاً عنده, ومبغوضاً لديه, ورد عن النبيّ عيسى عليه السلام: 
 
"تحبّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي, وتقرّبوا إلى الله بالتباعد منهم, والتمسوا رضاه بسخطهم"1.

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج14،ص330.
 
70
 

58

الدرس السابع: الحبّ في الله والبغض في الله

 روي أنّ الله أوحى إلى بعض عبّاد بني إسرائيل وقد دخل قلبه شيء: "أمّا عبادتك لي فقد تعزّزت بي، وأمّا زهدك في الدنيا فقد تعجّلت الراحة، فهل واليت لي وليّاً أو عاديت لي عدوّاً؟"1.
 
ثمّ للمعصية درجات مختلفة, فإنّها قد تكون بالاعتقاد, كالكفر والشرك والبدعة, وقد تكون بالقول والفعل. ولأنّ الكفر والشرك هما الظلم العظيم ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾فإنّ البغضَ في الله للكافر المشرك أعظمُ بُغض. 
 
وأما المَعاصي في القول والفعل من المسلم فإنّ منها الكبير، ومنها الأكبر، ومنها الصغير، وقد يكون العبد مبتلىً بشيء واحد منها, وقد يكون مصرّاً على أكثر من ذنب, وقد يكون مستتراً وقد يكون متجاهراً..
 
فإنّ البغض في الله تعالى لمن يقيم على معاصيه يكون بحسب تلك المعاصي الّتي يصرّ عليها، ويجاهر فيها، ويبارز الله بها, كمّاً وكيفاً. 

1- م. ن، ج27، ص57.
2- سورة لقمان، الآية: 13.
 
71
 

59

الدرس السابع: الحبّ في الله والبغض في الله

 للمطالعة
 
الميرزا القمّيّ والسلطان فتحعلي شاه
 
يروى أنّ ورود الميرزا القمّيّ قدس سره إلى قم كان أيّام السلطان فتحعلي شاه القاجار, وكان السلطان كثير العناية به, وكان يعظّمه أشدّ تعظيم, ويجلّه أكبر إجلال, وكان يكثر زيارته والكلام معه, حتّى قيل: إنّه في بعض المرّات الّتي جاء فيها السلطان إلى قم, فاستقبله أهلها على بوابة المدينة, وجاء الميرزا القمي لاستقباله وهو راكب على حماره, والسلطان في موكبه وفي عربته الملوكية, فنزل منها ولم يدع الميرزا ينزل من حماره, بل أخذ زمامه واقتاده إلى باب حرم المعصومة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم السلام, فلمّا سأله عن ذلك, أجابه بأنّه إنّما فعل ذلك لكي يعلم الناس قدر العلماء. 
 
لكن يبدو أنّ الميرزا القميّ قدس سره كان يأخذ جانب الحذر والاحتياط في التعامل مع النظام والسلطان, وما زال يبتعد عنه, ويتخوّف من الخوض في دنيا السلاطين. 
 
كان فيما قال له في بعض المرّات: اعدل أيّها السلطان ولا تظلم لأنّي أتخوّف ومن جرّاء محبّتي لك ومع الالتفات إلى قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾أن أستحقّ عذاب النار وغضب الجبّار.
 
فأجابه السلطان: بأنّه مع الأخذ بنظر الاعتبار ما ورد في الروايات: 
 
"أنّ من أحبّ حجراً حشره الله معه يوم القيامة فإنّي أرجو ومن جرّاء محبّتي إيّاك أن أحشر معك".
 
ونقل أنّهما دخلا معاً يوماً الحمَّام, فلمّا سلَخَا عنهما ثيابهُما قال له الميرزا: إنّا سوف نُقبَر أنا وأنت على هذا الحال, فإنّي سأصحب علمي, وما الّذي ستصحبه أنت معك؟ فتأثّر السلطان وامتعض2 .

1- سورة هود، الآية: 113.
2- غنائم الأيّام، الميرزا القمّي، ج 1، ص 43.
 
72
 

60

الدرس الثامن: عدم العصبية

 عدم العصبية
 
يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1

1- سورة المجادلة، الآية: 22.
 
73
 

 


61

الدرس الثامن: عدم العصبية

 ما هي العصبيّة؟
 
العصبيّة أن يتّخِذَ المرءُ لنفسِه جانباً معيّناً, يتبنّى نصرتَه والدفاعَ عنه, ويراه دائماً على الصواب، وذلك لصفة خاصّة موجودة فيه, سواء كان ذاك الجانب شخصاً, أم جهةً, أم جماعةً, دون أن يبحث عن الحقّ ويجعله دليلَه إلى الصواب, بل يجعل تلك الصفة الخاصّة الّتي لأجلها تبَنّى ذلك الجانب هي المقياس للتبنِّي والتولِّي والنصرة, كصفة القرابة, أو العائلية, أو القومية, أو العِرقيَّة...إلخ.
 
وأمّا المؤمن الصادق بإيمانه, فإنّه يشنأ تلك الصفة, ويسترذِلُها ويباينها في اعتقاده وسلوكه مباينة المشرق للمغرب, فهو منصف في حكمه, مستقيم في سلوكه, غير متعصّب في نفسه, يتبع الحقّ ولو استلزم مقارعةَ أقربِ الناسِ إليه, إن لم يرجعوا إلى الصواب ويفيئوا إلى أمر الله. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ولقد كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا. ما يزيدنا ذلك إلّا إيماناً وتسليماً ومضيّاً على اللقم 1 وصبراً على مضض الألم وجدّاً في جهاد العدوّ.."2

1- اللقم بالتحريك: معظم الطريق أو جادته.
2- شرح نهج البلاغة، الشيخ محمّد عبده، ج1،ص104.
 
75

62

الدرس الثامن: عدم العصبية

 والتعصّب قد يكون لأيّ شيء من متعلّقات الإنسان وملابساته وما يتّصل به، فقد يتعصّب إنسان لبلده, أو لمدرسته، أو لأستاذه، أو لمسؤوله، أو لحزبه وتنظيمه،أو لعشيرته، أو لقريته، أو لحيّه، أو للغته، أو لعرقه وقوميّته، أو للونه...إلخ.
 
فمن أعانَ جماعتَه أو قرابتَه وقومَه على ظُلمٍ, وقوَّاهم وشجّعهم على ما هم عليه من الباطل وعدم الحقّ، دون أن يردَعَهم وينهاهُم عنه، فهو متعصّب.
 
وهنا لا بدّ من التنبيه على أنّ هذا لا يعني أن لا تحبّ الخير لأبناء قومك وجلدتك, بل العصبيّة هي أن تأخذ دائماً جانبهم وإن كانوا على الباطل, وتعينهم وتنصرهم على ظلمهم وباطلهم، دون أن تبحث عن الحقّ وتجعله معياراً لتأييدهم ونصرتهم.
 
وقد سئل الإمام السجَّادُ عليه السلام عن العصبيّة, فقال: "العصبيّة الّتي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجلُ شرارَ قومِهِ خيراً مِن خيارِ قومٍ آخرين, وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه، ولكن من العصبيّة أن يعين قومَه على الظلم"1.
 
مقوّمات نفي العصبيّة
 
الإنصاف ونفي التعصّب لهما مقوّماتٌ وأسس وهي جدّاً شريفةٌ، وهذه بعض تلك المقوّمات: 
 
1-أن يكون الهدف الأساس هو الحقّ 
 
﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ﴾2, ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾3
 
وهذا يحتاج إلى تطلّع نحو العلا لنيل الهدف الأسمى وهو مرضاة الله تعالى.
 
ولأنّ مقياسَ رضا الله تعالى هو الإنصاف والحقّ، يقول تعالى مبيّناً للطريقة الّتي يرتضيها ويأمر بها للحكم والقضاء:

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 308.
2- سورة يونس، الآية: 32.
3- سورة الحج، الآية: 62.
 
76
 

63

الدرس الثامن: عدم العصبية

 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾1.
 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾2.
 
2- الزهد
 
هذا المقوّم الثاني لنفي العصبيّة, فإذا كان نفي العصبيّة يحتاج إلى الإنصاف, فإنّ كلًّا من الإنصاف وعدم التعصّب يحتاج إلى الزهد في متاع الدنيا الزائل، وفي حظوظ النفس إذا تعارضت مع حكم العقل, والمنطق, والحقّ.
 
3- الوعي
 
وذلك للأمن من الضلال والغواية, فلا بدّ من معرفة الحقّ، إذ كيف يحكم بالحقّ من يجهله؟!
 
"اعرف الحق تعرف أهله"3, فبعض الناس قد يتعصّب ويرى أنّ ما يفعله هو الحقّ, أي يرى أنّ التعصّب هو الحقّ, حتّى إذا لمته تعجّب منك: ألا يجب أن أنصر أخي أو ابن عمّي، أو ابن مدينتي وبلدتي, أو ابن قوميتي أو ابن جماعتي؟! إلخ.. 
 
4- عدم الغضب
 
من الأمور الّتي تساعد على نفي العصبيّة التحكّم بالقوة الغضبية، فلا ينبغي للإنسان المؤمن أن يمشي مع غضبه كيف كان، فإنّ الغضب يؤدّي إلى عواقب وخيمة.

1- سورة النساء، الآية: 135.
2- سورة المائدة، الآية: 8.
3- روضة الواعظين، الفتّال النيسابوري، ص 31.
 
77
 

64

الدرس الثامن: عدم العصبية

 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رجل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله علّمني، قال: اذهب ولا تغضب، فقال الرجل: قد اكتفيت بذلك، فمضى إلى أهله فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح، فلمّا رأى ذلك لبس سلاحه ثمّ قام معهم، ثمّ ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تغضب، فرمى السلاح ثمّ جاء يمشي إلى القوم الّذين هم عدوّ قومه فقال: يا هؤلاء ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر فعليّ في مالي أنا أوفيكموه، فقال القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب1.
 
المؤمن العاقل لا يمكن أن يتعصّب 
 
المؤمن لا يتعصّب لأنّه يذعن بزوال كلّ هذا العالم الماديّ الدنيويّ بكلّ علائقه وارتباطاته وعصبيّاته، فهي نِسَبٌ وملابسات عرَضيَّة، وليست أموراً ثابتة حقيقية, والعلاقة الوحيدة الذاتية الثابتة هي علاقة المخلوق مع الخالق تعالى, فهي فقط الّتي سيتّضح بعد ذلك أنّها ليست سراباً بل هي واقع حقيقيّ, وهي الّتي ينبغي للمؤمن أن يسعى لتوثيقها وتعميقها في النفس.
وإن شئت فعبِّر عن هذه العلاقة بين المخلوق وخالقه بالنَّسَب الروحانيّ المعنويّ, فإنّه الّذي سوف لا ينقطع يوم القيامة حيث تتجلّى الحقائق على ما هي, وتنقطع وتبور كلّ العلائق العرضية الاعتبارية غير الذاتية:يقول تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ﴾2.
 
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "كلّ حسب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي"3

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ،ج22، ص85.
2- سورة المؤمنون، الآية: 102.
3- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج14، ص 168.
 
78
 

 


65

الدرس الثامن: عدم العصبية

 لأنّه النسب الروحانيّ المعنويّ الّذي يتّصل بإرادة الله وطاعته, والّذي مقياسه الحقّ والإنصاف، فهو غير منقطع وهو بعيد عن كلّ عصبية وجاهلية.
 
فإذا أدرك المؤمن العاقل عدم انتفاعه بأيّ نسبة يتعصّب لها إلّا الحقّ فإنّه سوف يرفض التعصّب لغير الحقّ ويبغضه ويبعده عن ذاته بكلّ تصميم وقوّة، وخاصّة بعد أن يدرك خطر العصبيّة على الإيمان.
 
خطورة العصبيّة على الإيمان
 
إذا فسّرنا العصبيّة بأنّها أخذُ جانب معيّن والحكم لصالحه دائماً وفي كلّ الأحوال، فمعنى ذلك أنّنا سننصر ذاك الطرف المتعصَّب له في بعض الأحيان وهو على الباطل, وهذا يعني أنّ العصبيّة ستصادم الحقّ وتعاكسه في تلك الموارد. أي إنّها ستتعارض مع الإيمان, لأنّ الإيمان هو الاستقامة في جادّة الشرع والعمل, والسير على مقتضى الحقّ والإنصاف, فحلول العصبيّة في القلب ينفي الحقّ والإيمان, لأنّ المتعصِّب سيأخذُ جانباً معروفاً مسبقاً ويدافع عنه حتّى وإن لم يكن على الحقّ! 
 
وقد نصَّت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام على ذلك: "من تَعصَّب أو تُعُصِّبَ له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه"1.
 
فالعصبيّة خطرةٌ على الإيمان لأنّها قد تستقرّ وتترسّخ في الإنسان وتستعر في قلبه بحيث يصبح عدواً للحقّ جهاراً، دون أن يكون مجبراً على ذلك بل بكامل إرادته وملء اختياره ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾2.
 
ويَخرج من الدنيا وقد تمكَّنت هذه الصفة الخبيثة من نفسه وصارت ملكةً راسخةً في قلبه, وهنا يكمن الخطر حيث إنّ الإنسان يُحشر يوم القيامة على هيئة ملكاته وصورها، كما ورد في بعض الروايات3.

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 307.
2- سورة الجاثية، الآية: 23.
3- انظر: بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ،ج7، ص89.
 
79
 

66

الدرس الثامن: عدم العصبية

 وعليه فإذا كانت الملَكَة المتمكِّنَة من النّفس هي ملكةٌ شيطانية فإنّ صاحبها معاذ الله يُحشر على صورة شيطانية, والتعصُّب في الحقيقة هو صفة شيطانية، فهو الّذي ميَّزَ الشيطان عن الملائكة وأخرجه من الجنَّة وفضَحَه، ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم, وكان في علم الله أنّه ليس منهم. فاستخرج ما في نفسه بالحميّة والغضب فقال خلقتني من نار وخلقته من طين"1
 
ولأنّ أعظم الناس تعصّباً كانوا هم أعراب الجاهلية فإنّ المتعصّب يُحشَرُ يومَ القيامَة معهم كما في الرواية: "من كان في قلبه حبّة خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية"2.
 
خطران عظيمان محدقان بالمتعصِّب
 
1- خروج الإنسان عن الحقّ والإيمان بالعصبيَّة قبل الموت أو عند الموت. 
 
2- أن يحشَرَ على صورة الشياطين مع أعراب الجاهلية يوم الحشر, ويوم تبلى السرائر وتظهر صور النفوس على حقيقتها.
 
فيا أيُّها الأخ العزيز, ما أعظمهما من خطرين!! فكّر في نفسك، هل تَجعل إيمانك الّذي هو ضمانةُ نَجَاتك يومَ القيامة في مهبّ ريحِ العصبيّة الجهنميّ الشيطانيّ الجاهليّ، أم تلتفت لنفسك وتُخرِج منها كلّ عَصبيَّة وتكون منصفاً متّبعاً الحقّ أينما وجدتَّه، وتُنصِف النّاسَ حتّى من نفسك لتفوز في الدارين, في الدنيا يبارك الله للمنصفين في أمورهم ويكونون موردَ رعايته وألطافه, وفي الآخرة تُحشر مع الصَّادقين المنصفين محمّدٍ وآله الأبرار الطيّبين؟
 
فالمؤمن من حزب الله لا يتعصّب, ولا يوادّ أولئك الّذين حادّوا الله ورسوله 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 308.
1- م. ن، ج2، ص 307.
 
80
 

67

الدرس الثامن: عدم العصبية

 وخالفوا أحكام المولى عزّ وجلّ، ومشَوا على غير هَدي رسولِه وأهل بيته, ولو كانوا أقرب الناس إليه.﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾1.
 
للمطالعة
 
ترويض النفس على طلب الحقّ
 
لا بدّ من تعويد النفس وترويضها على طلب الحقّ, والحكم به, مهما كلّّف الأمر, وهذا يحتاج إلى عدّة مقوّمات أيضاً منها:
 
أ- عدم الحكم قبل نضوج كلّ ملابسات القضية, وعناصرها، الّتي منها السماع من كلّ أطرافها, دون إهمال السماع لأيّ طرف. 
ب- قول الحقّ إذا اتّضح حتّى ولو كان هناك لائم يلوم، أو منتقد ينتقد.
 
ج - عدم التأثّر في الحكم بأيّ عنوان من العناوين البرّاقة, والأسماء المتداولة الّتي قد تكون بحسب الصيت عملاقة, بل يجب أن يكون الهمّ الأساس هو الإجابة عن سؤال: أين الحقّ في القضية المطروحة بكلّ تجرّد, "لا يعرف الحقّ بالرجال, اعرف الحقّ تعرف أهله"2.
 
د- عدم التأثّر في تقريب الآخرين، وتوليتهم للأمور، وإعطائهم المقامات, بأيّ واسطة وشفاعة إلّا إذا كانت أمينة منصفة تقيّة وذات خبرة وكفاية، يقول عليه السلام في عهده لمالك الأشتر:
 
"لا تقبلنَّ في استعمال عمَّالك وأمرائك شفاعةً إلّا شفاعةَ الكفايةِ والأمانة"3.

1- سورة المجادلة، الآية: 22.
2- روضة الواعظين، الفتّال النيسابوري، ص31.
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 2، ص 276.
 
81
 

68

الدرس الثامن: عدم العصبية

 هـ - الحكم بالحقّ إذا اتّضح, حتّى وإن كان يستتبع حجبَ منفعة شخصية عن الحاكم, أو عن بعض متعلّقاته وأقاربه، وهذا ما تشير إليه الآية المباركة: ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾1. 

1- سورة النساء، الآية: 135.
 
82
 

69

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
وعدم كونه مُعَاراً..
 
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1.

1- سورة المجادلة، الآية: 22.
 
83
 

70

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 معنى كتب في قلوبهم الإيمان
 
﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾: "أي ثبَّت الله في قلوبهم الإيمان بما فعل بهم من الألطاف, فصار كالمكتوب"2.
 
فالإيمان منه مستقرّ ومنه مستودَع, وليس إيمانهم حالة عارضة تزول بأدنى ملابسة من فقدان منفعة، أو تغيّر حال, كما يصف أمير المؤمنين عليه السلام بعضهم بقوله: ".. لقناً غير مأمون عليه, مستعملاً آلة الدِّين للدنيا, ومستظهراً بنعم الله على عباده, وبحججه على أوليائه, أو منقاداً لحملة الحقّ لا بصيرة له في أحنائه, ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة"3.
 
بل هو إيمان مستقرّ ثابت عن عقيدة ووعي, ونور بصيرة, وبما ظهر لهم من ألطاف، بحيث جعل إيمانهم يرتقي إلى مرتبة اليقين الّذي لا يزول ولا يتزعزع, وهو أقوى من الجبل, لأنّ الجبل يستقلّ منه بالمعاول, والمؤمن لا يستقلّ من دينه شيء، كما ورد في الرواية، وكما وصفهم إمام المتّقين عليه السلام: "هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة, وباشروا روح اليقين, واستلانوا ما استوعره المترفون, وأنسوا 

1- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج9، ص422.
2- شرح نهج البلاغة، الشيخ محمّد عبده، ج 4، ص 36. 
 
85
 

71

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 بما استوحش منه الجاهلون, وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى"1.
 
الإيمان الثابت والإيمان المعار
 
ما معنى أنّ إيمانهم ثابت؟ فهل يوجد إيمان ثابت وآخر متزلزل؟
 
الجواب: إنّ الروايات عن أهل البيت عليهم السلام نصّت على أنّ بعض الناس يكون الإيمان عندهم عارية قابلة للرد، أي يُعارُون الإيمانَ لفترةٍ من الزمن ثمّ يُسلَبونَه بعد ذلك إمّا حال حياتهم، أو عند الموت، وسمّتهم بالمُعَارين. 
 
فعن أبي بصير, عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: ﴿هو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقرّ ومستودع﴾2 قال عليه السلام: ما يقول أهل بلدك الّذي أنت فيه؟ قال: قلت: يقولون مستقرّ في الرحم, ومستودع في الصلب. فقال عليه السلام: "كذبوا، المستقرّ ما استقرّ الإيمان في قلبه, فلا ينزع منه أبداً، والمستودع الّذي يستودع الإيمان زماناً ثمّ يسلبه, وقد كان الزبير منهم"3
 
وقد أشارت الروايات إلى أقسام ثلاثة للقلوب كما في رواية أبي حمزة الثماليّ, عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: "القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعي شيئاً من الخير وهو قلب الكافر, وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشرّ فيه يعتلجان فأيّهما كانت منه غلب عليه, وقلب مفتوح فيه مصابيح تزهر, ولا يطفأ نوره إلى يوم القيامة وهو قلب المؤمن"4
 
وهؤلاء تمضي فترة من أعمارهم, قد يكون ظاهرهم فيها الصلاح وشعارهم الهدى, وسمتهم التقوى, ولكن بسوء اختيارهم ينحدرون إلى أن يصلوا إلى مرتبة سحيقة، (أعاذنا الله) يفقدون فيها أصل الإيمان, أمثال بلعم بن باعوراء وأشباهه.

1- شرح نهج البلاغة، الشيخ محمّد عبده، ج4، ص37.
2- سورة الأنعام، الآية: 98.
3- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 66، ص 222. 
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 423.
 
86
 

72

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 شرط الإيمان الثابت
 
إقامة الدليل القطعيّ والبرهان اليقينيّ، ومن ثمّ إسماع القلب ما قام عليه البرهان من اعتقاد حتّى يذعن به, عندها يتحقّق الإيمان الحقيقيّ الّذي من شأنه أن يكون ثابتاً بمعونة الواحد الأحد سبحانه.
 
فإذا لم يقرعِ الدليلُ البرهانيّ بابَ القلب, بل ظلّ واقفاً على اصطلاحات منقوشة في لوح العقل النظريّ, فإنّ هذا العلم سيتحوّل إلى مستودع, وسيكون معرَّضاً للتزلزل عند عصف الأهواء, وهزاهز اللأواء, وعندها سيدخل العبد في دائرة الخطر والخوف على الإيمان.
 
ألا ترى أنّه يمكن لشخص أن يتلقَّّى درساً من دروس التوحيد مثلاً بمقدّماته العقلية ويُتقنُهُ نظرياً ويحفظه ثمّ يكون قادراً على تدريسه للآخرين, ولكن مع ذلك لا يكون هو نفسه موحِّداً توحيداً أفعالياً, بل ينقدح الشكّ إلى قلبه عند أول اختبار له, كما لو تباطأ الرزق إليه مثلاً, فإنّه يجزع ويتقلقل مع أنّه يحفظ قوله تعالى ﴿وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾8 !
 
فإذاً لا بدّ من:
 
1- قيام البرهان في الاعتقاد لكي لا ينقدح الشكّ في النفس بعد ذلك.
 
2- من ثمّ إسماع القلب والوجدان ما أقرّ به العقل. 
 
3- لا بدّ من ترتيب الأثر العمليّ على العلم في ميدان التطبيق والعمل. 
 
وعندها تكون النجاة بثبوت الإيمان, ودفع الخوف من تزلزل الإيقان. 
 
وقد بيَّن الإمام ذلك بأبلغ بيان وأجزل عبارة في هذه الرواية:يقول الراوي: (قلت له (أي للإمام الصادق عليه السلام): فبما يعرف الناجي من هؤلاء جعلت فداك؟

1- سورة الذاريات، الآيتان: 22-23.
 
87
 

73

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 قال عليه السلام: "من كان فعله لقوله موافقاً فأثبت له الشهادة بالنجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً فإنّما ذلك مستودع"9.
 
إخلاص النيّة
 
وبقي شيء في غاية الأهمية لا بدّ من توفّره لكي يأمل الإنسان الخاتمة الحسنة، ويضمن بمشيئة الله تعالى الثبات وعدم الزيغ وهو سلامة القلب وصلاح النيّة وخلوصها, فمن لم يخلص نيّته لخالقه عزّ وجلّ وكانت مآربه دنيوية ومقاصده راجعة لحظوظ النفس الأمّارة بالسوء، فإنّ الخطر يبقى محدقاً به إلى أن يتخلّص من الداء الوبيل الّذي هو رأس كلّ خطيئة وهو حبّ الدنيا وعلائقها.
 
اختيار الإنسان
 
هل للإنسان اختيار في ذلك, أم هنالك شائبة جبر؟
 
قد يلوح من ظاهر بعض الروايات في هذا الباب شيء من اللااختيار، كما قد يخال المرء من رواية الإمام أبي الحسن عليه السلام: "إنّ الله خلق النبيّّين على النبوّة فلا يكونون إلّا أنبياء، وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلّا مؤمنين, وأعار قوماً إيماناً, فإنّ شاء تمّمه لهم وإن شاء سلبهم إيّاه, قال: وفيهم جرت: "فمستقر ومستودع"1.
 
وفي أخرى: "والمستودع المعار أتستطيع أن تهدي من أضلّ الله" 2
 
فقد يقول قائل إذا كان الأمر هكذا بيد الله, وطبقاً لمشيئته وإرادته وخَلقه، فأين الاختيار إذاً لدى الإنسان؟! وما يكون ذنبه إذا كان الله قد اختاره ممّن لا يثبت الإيمان في قلبه وجعله من المُعَارين؟!

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 2، ص 31.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 8.
3- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 66، ص 222. 
 
88
 

74

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 والجواب: إنّ الله سبحانه ربط الأمور بإرادة الإنسان وحسن أو سوء الاختيار منه، فلا يوجد أيّ جبر في البين لأنّ الله تعالى قد أتّم الحجّة ﴿قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾1، فقد أرسل الله الأنبياء ليهدونا إليه وأعطانا عقلاً وإرادة، فأيّ إنسان يمكن له إذا استمسك بالعروة الوثقى أن ينال النجاة, وأن يثبت الإيمان في قلبه, وإن كان الأمر عند بعض الناس هو أشقّ منه عند بعضهم الآخر, إلّا أنّ الجميع بوسعهم الوصول إلى العاقبة الحسنة إن جاهدوا أنفسهم واتّبعوا الحقّ ورفضوا الباطل في العقيدة والأحكام والأخلاق والسلوك, ثمّ بعدها ينالون ألطاف الله تعالى الخاصّة.
 
للتوفيق والخذلان أسباب
 
الدعاء من أسباب التثبيت
 
إنّ الرواية التالية تثبت بوضوح أنّ التوفيق والخذلان مرتبطان بشكل وثيق وإلى حدّ كبير باختيار الإنسان وبعمله الّذي منه دعاؤه وتضرُّعُه:
 
عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "إنّ الله جبل النبيّّين على نبوّتهم, فلا يرتدّون أبداً, وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدّون أبداً, وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدّون أبداً, ومنهم من أُعير الإيمان عارية, فإذا هو دعا وألحّ في الدعاء مات على الإيمان"2
 
فوجّه عنايتَك إلى المقطع الأخير من الرواية الشريفة: "فإذا هو دعا وألحَّ في الدعاء مات على الإيمان".
 
ستجد حثّاً على الدعاء "الّذي هو أمر اختياريّ" للتثبيت على الدِّين كدعاء: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾، ودعاء "يا ألله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك". فإنّه سيكون سبباً لموت المرء على الإيمان وعدم استرداده منه.

1- سورة الأنعام، الآية: 149.
2- الكافي، الشيخ الكليني, ج2، ص 419.
 
89
 

75

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 الكذب على أهل البيت عليهم السلام سبب لسلب الإيمان
 
وانظر إلى هذه الرواية كيف تبيّن أنّ أحدهم كان مستودعاً, فلمّا كذب على أهل البيت عليهم السلام بسوء اختياره سُلِبَ الإيمان، عن أبي الحسن صلى الله عليه وآله وسلم قال:"... وأعار قوماً إيماناً, فإنّ شاء تمّمه لهم وإن شاء سلبهم إياه, قال: وفيهم جرت: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ وقال لي: إنّ فلاناً كان مستودعاً إيمانه, فلمّا كذب علينا سلب إيمانه ذلك"1
 
فقوله عليه السلام: "فلمّا كذب علينا سلب إيمانه ذلك" يشير إلى أمر خطير وهو أنّ الإنسان ربّما تعرّض لمضلّات الفتن فسقط, وكانت فتنته كبيرة ولم يستدرك بالتوبة والاستغفار عن قريب، فإنّه قد يتعرّض لما ذكرنا, أجارنا الله من سوء العاقبة, وخاصّة مع التمادي والاستخفاف والتهاون بأمر الدِّين بأن يتبع الذنب بذنب والخطيئة بمثلها وهكذا، أو الاستخفاف بأمر أولياء الدِّين وأئمّته عليهم السلام.
 
فإيداعه الإيمان كان مراعَى بما سيفعل من عمل في الخارج، فإنّ أقبل على الحقّ والدِّين والتقوى, ثبت الإيمان في قلبه, وإن هو أعطى نفسه هواها, وتمنّى على الله الأماني، سلب منه ما كان فيه.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "يا كميل إنّه مستقر ومستودع واحذر أن تكون من المستودعين. يا كميل إنّما تستحقّ أن تكون مستقرّاً إذا لزمت الجادّة الواضحة الّتي لا تخرجك إلى عوج ولا تزيلك عن منهج ما حملناك عليه و هديناك إليه"2
 
ولقد كان أصحاب الأئمّة عليهم السلام المخلصين من الثابتين على الإيمان والولاية والذين صدقوا مع أهل البيت عليهم السلام رغم الترهيب والترغيب، وهذا نموذج منهم

1- الكافي، الشيخ الكليني , ج2، ص 418.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج74، ص 272.
 
90
 

76

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 ميثم التّمار الّذي كان من خواص أمير المؤمنين عليه السلام فإنّه ما زال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحدّث بفضائل أهل البيت عليهم السلام وأمير المؤمنين عليه السلام ومثالب أعدائهم أمثال ابن زياد، حتّى أمر الأخير بإحضاره فأُدخل عليه فقيل: هذا كان من آثر الناس عند عليّ. قال: ويحكم هذا الأعجمي؟! قيل له: نعم. قال له عبيدالله: أين ربّك؟ قال: بالمرصاد لكلّ ظالم وأنت أحد الظلمة. قال: إنّك على عُجمتك لتبلغ الّذي تريد، ما أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك؟ قال: أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، أنا أقصرهم خشبةً وأقربهم من المطهرة. قال: لنخالفنّه.
 
قال: كيف تُخالفه؟! فوالله ما أخبرني إلّا عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء!؟ ولقد عرفت الموضع الّذي أُصلب عليه أين هو من الكوفة، وأنا أوّل خلق الله أُلجم في الإسلام1.
 
وأمر ابن زياد بميثم أن يصلب، فأُخرج فقال له رجل لَقِيَه: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم! فتبسّم وقال وهو يومئ إلى النخلة: لها خُلقت ولي غُذّيت. فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد. فقال: ألجموه. فكان أوّل خلق الله أُلجم في الإسلام.
 
مراعاة القلوب وتفقّدها
 
إنّ الثبات عند الترغيب أو الترهيب يحتاج منّا إلى المراقبة الدائمة لنفوسنا وأعمالنا، فلنراقب قلوبنا وسلوكنا ودرجة ورعنا عن محارم الله, ولنُشعِر أنفسنا دائماً بهذا الخطر، فما الّذي يؤمننا, ومن الّذي أعطانا صك البراءة؟! فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان!
 
فميثم التمّار لم يملك اليقين والثبات في ليلة وضحاها بل كان لهذا الثبات مقدّمات ومجاهدات ورياضات روحية ومراقبات وعبادات. 

1- انظر: بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج42، ص124- 125.
 
91
 

77

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 قال العالم الجليل المازندرانيّ قدس سره: "فلا بدّ للعبد من مراعاة قلبه فإن رآه مقبلاً إليه عزّ وجلّ شكر وبذل جهده ويطلب منه الزيادة لئلّا يستدبر: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾3، وإن رآه مدبراً زائغاً عن الحقّ تاب واستدرك ما فرّط فإنّ لم يفعل ربّما سلط الله عليه العدوّ ورفع عنه التوفيق وهو يموت مدبراً مسلوب الإيمان كما قال الله تعالى ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾نعوذ بالله من الإزاغة"3
 
فإذاً إذا كان الإيمان منه مستقرّ ومستودع, ثابت ومتزلزل، فحزب الله هم الطائفة من المؤمنين الّذين استقرّ الإيمان في قلوبهم, ونقش في لوح صدورهم حتّى كأنّه كُتب دون أن يقبل المحو والزوال, وذلك لإخلاصهم, وشدّة استقامتهم, وتفانيهم في إطاعة مولاهم, فليسوا من الشكّاكين, ولا المرائين, ولا الجهلة, ولا السفلة, ولا الحمقى, بل هم عقلاء، واعون, على يقين قويّ وبصيرة نافذة, لذلك هم ليسوا من المعارين الّذين أعيروا الإيمان، وإنّما إيمانهم هو الإيمان المستقرّ الثابت ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾.

1- سورة آل عمران، الآية: 8.
2- سورة الصف، الآية: 5.
3- شرح أصول الكافي، المولى محمّد صالح المازندراني، ج1، ص 137. 
 
92
 

78

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 للمطالعة
 
من نماذج المُعَارين: أبو الخطّاب 
 
عن الإمام أبي الحسن عليه السلام: "إنّ الله خلق خلقاً للإيمان لا زوال له، وخلق خلقاً للكفر لا زوال له، وخلق خلقاً بين ذلك أعارهم الإيمان يسمّون المعارين, إذا شاء سلبهم وكان أبو الخطّاب ممّن أعير الإيمان"1.
 
أبو الخطّاب كان في أوّل حاله ظاهراً من أجلّاء أصحاب الصادق عليه السلام وقد روى عن الإمام عليه السلام ولكنّه فسدت عقيدته ولم يثبت على الإيمان والحقّ, بل زاغ وضلَّ، فكان من المُعَارين. 
 
أسباب خذلان أبي الخطّاب وكونه من المعارين:
 
1- حبّ الرياسة و الترؤّس والاتّباع 
روي أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال: سمعت أبي يقول إنّ شيطاناً يقال له المذهب يأتي في كلّ صورة, إلّا أنّه لا يأتي في صورة نبيّ, ولا وصيّ نبيّ, ولا أحسبه إلّا وقد تراءى لصاحبكم (أي لأبي الخطّاب) فاحذروه.
 
2- الجهل وعدم العلم
كتب أبو عبد الله الصادق عليه السلام إلى أبي الخطّاب: "بلغني أنّك تزعم أنّ الزنا رجل، وأنّ الخمر رجل, وأنّ الصلاة رجل, وأنّ الصيام رجل، وأنّ الفواحش رجل, وليس هو كما تقول, أنا أصلُ الحقّ, وفروع الحقّ طاعة الله, وعدوّنا أصل الشرّ، وفروعهم الفواحش, وكيف يطاع من لا يعرف3.

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 418.
2- راجع: بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 66، ص220.
3- م. ن، ج24، ص299.
 
93
 

79

الدرس التاسع: ثبات الإيمان

 فعبارة "وكيف يطاع من لا يعرف" إشارة واضحة إلى أنّ أهل الاتباع هم أهل الذكر وأهل العلم وهم الأوصياء المعصومون عليهم السلام، ومن دونهم مترئِّس بغير حقّ وهالك وضالّ ومضلّ, وأبو الخطّاب كذلك.
 
3- الحمق
روى يونس بن عبد الرحمان, عن رجل, قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "كان أبو الخطّاب أحمق, فكنت أحدّثه فكان لا يحفظ, وكان يزيد من عنده"1.

1- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج 51، ص 260. 
 
94
 

80

الدرس العاشر: التأييد الإلهي للمؤمن

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1

1- سورة المجادلة، الآية: 22.
 
95
 

81

الدرس العاشر: التأييد الإلهي للمؤمن

 تمهيد
 
إنّ لطف الله تعالى ورحمته بالعباد يكون على نحوين:
 
اللّطف العامّ وهو الأمور العامّة الّتي تقرّبهم من النجاة والفوز في الدنيا والآخرة, وهو عامّ لكافّة العباد ومطلوب منهم التمسّك به باختيارهم، كالأنبياء والرسل والشرائع الّتي أرسلوا بها، وكالعقل, فإنّها رحمات إلهيّة عامّة لجميع من يعقل.
 
واللّطف الخاصّ وهو التأييد الإلهيّ الّذي يخصّ به الله تعالى عبده المؤمن الّذي أخذ باللّطف العامّ وتمسّك به، وهو ما يحبّ بعضهم أن يسمّيه بالألطاف الخفيّة, وهو من قبيل التوفيق الخارج عن إطار الحسابات المادّية الرقميّة البحتة الّتي يحسبها الحاسبون ويحلّل بها المحلّلون ويعتادها المعتادون.
 
معاني التأييد الإلهي
 
وهذا التأييد المخصوص يكون بأحد معانٍ ثلاثة:
 
1- إنّ الله تعالى يقوّي المؤمن الّذي وصل إلى نيل مقام حزب الله القرآنيّ ويهديه إلى السبل الصحيحة, ويمدّه بالفيوضات الغيبية, والألطاف الخفيّة، الّتي هي خارج عالم الشهادة. لذلك فسّرت الآية بأنّه تعالى أيّدهم بجبرائيل في كثير من المواطن, ينصرهم ويدفع عنهم.
 
 
97

82

الدرس العاشر: التأييد الإلهي للمؤمن

 وهذا أمر من مهمّات الأمور الإيمانيّة ينبغي لكلّ مؤمن أن يتنبّه إليه, وله مبتنيات وأسس عقائديّة ملخّصها: أنّ الّذي آمن بالخالق العظيم المطلق في كلّ كمال، القويّ العزيز ذي الجلال، الرؤوف الرحيم الكريم, القادر ذي الخير العميم, الّذي إذا أراد شيئاً إنّما يقول له كن فيكون, الّذي يرعى عباده وهو بهم خبير بصير ﴿إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾1 ، ويتلطّف بهم ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾2 ، الّذي يدافع عن المؤمنين به, ولا يتركهم وإن اختبرهم, ولا ينساهم من فضله وإن امتحنهم.
 
إنّ من يؤمن بذلك لا بدّ له أن لا يقتصر في شؤونه على الأسباب الظاهرية فحسب متناسياً الأسباب الغيبية والألطاف الخفية, فمعادلة المؤمن بالغيب تختلف عن معادلة من لا يرى إلّا ظاهر الأسباب ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾3 .
 
وعليه فإنّ المؤمن بالغيب يمتلك قوّة لا يضاهيها أيّ قوّة مادية, لأنّها مستقاة من مسبّب الأسباب, ذي القوّة المتين والقدرة المطلقة.
 
ومن ناحية أخرى فإنّ المؤمن لا يحصل له يأس ولا قنوت، لأنّ الألطاف الإلهيّة الخفية الّتي لا يتصوّر منتهى لأمدها ستكون دائماً حادية له نحو الأمل بالنجاة والفوز والنصر والنجاح, وإن طالت مدّة المحنة والبلاء, وسيكون الظفر حليفه إلى أن يصل إلى مبتغاه، "لا يعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان"4
 
والقرآن الكريم يزخر بالآيات الّتي تريد تثبيت هذا المفهوم, وترسيخ هذا المعتقد في نفوس المؤمنين، يقول تعالى:
 
﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ 

1- سورة فاطر, الآية: 31.
2- سورة الشورى, الآية: 19.
3- سورة الروم، الآية: 7.
4- نهج البلاغة، الحكمة: 153.
 
98
 

83

الدرس العاشر: التأييد الإلهي للمؤمن

 وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾1
 
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * ِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ *بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾2 .

2- يعتمد على أنّ الروح في قوله تعالى ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾: هي نور الإيمان، أي قوَّاهم بنور الإيمان. 
 
ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾3.
 
وهذا يرجع إلى المعنى الّذي ذكرناه سابقاً، من تثبيت الإيمان في قلب المؤمن إذا وصل إلى مقام حزب الله, فإنّ نور الإيمان إذا قوي في قلب امرئ فإنّه سيكون ثابتاً لا يتزلزل.
 
3- إنّه تعالى قوّاهم بنور الحجج والبراهين, حتّى اهتدوا للحقّ, وعملوا به. ومؤدّاه أنّ المؤمن من حزب الله هو مؤمن عقائديّ وليس تقليدياً, فهو مسلَّحٌ بالأدلّة والحجج في عقيدته, ويقيم البراهين على معتقداته, وليس مُقلِّدا في عقيدته ولا عامياً في تفكيره واستدلاله, فعندما يطالَب بدليل على معتقده لا يعجز عن إقامة الحجّة والبرهان, بل حجّته دامغة وبرهانه قويّ.
 
وهذا يستلزم أن يكون ذا ثقافة وعلم وبصيرة في دينه, فلا يحصل ذلك ولا 

1- سورة البقرة، الآية: 249.
2- سورة آل عمران، الآية: 126.
3- سورة الشورى، الآية: 52.
 
99
 

84

الدرس العاشر: التأييد الإلهي للمؤمن

 يصدر عن الجاهل الّذي لا باع له في مسائل العلم, ولا ميل له ولا رغبة في تحصيله، فمن أراد أن يكون من حزب الله بحسب القرآن عليه ببذل قصارى جهده في طلب العلم ليحصل له التفقّه في الدِّين، والعلم بالبراهين, كلّ ذلك عن وعي ودراية ويقين في شؤون كلا الدارين. 
 
ومن أبرز العلوم الّتي يلزم أن يحصّلها علم القرآن, لذلك ورد عن الربيع كما في المجمع في تفسير قوله تعالى ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾ أنّه تعالى قوّاهم بالقرآن الّذي هو حياة القلوب من الجهل. 
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "..فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن..."1.
 
فإذا أردت التكامل في شخصيّتك الإيمانيّة عليك بطلب علوم القرآن, ففيه تبيان لكلّ شيء، وكذلك العلوم الشرعيّة والإنسانيّة الأخرى النافعة، وأخرج نفسك من ظلمات الجهل.. 
 
وإلّا فلا تطمعنّ بالترقّي في إيمانك, بل نعوذ بالله من مداحض الزلل, ومضلّات الفتن, وظلمات الشبهات, فإنّها مهلكة, وكلّها تتغذّى على الجهل, والعلم هو وحده الطارد للجهل الّذي هو سببها، ومنشؤها.
 
عن إمامنا الصادق عليه السلام: "لوددت أنّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتّى يتفقّهوا"2.
 
وعنه عليه السلام: "تفقّهوا في الدِّين فإنّه من لم يتفقّه منكم في الدِّين فهو أعرابيّ" إنّ الله يقول: ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾4.3

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 598.
2- م. ن، ج1، ص 31.
3- م. ن ،ج1، ص: 31.
4- سورة التوبة، الآية: 122.
 
100
 

 


85

الدرس العاشر: التأييد الإلهي للمؤمن

 وعنه عليه السلام أيضاً: "عليكم بالتفقّه في دين الله ولا تكونوا أعراباً فإنّه من لم يتفقّه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملاً"1.
 
شرط التأييد بروح الله ونصره 
 
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾2 ..
 
﴿ ِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾3.
 
الآيات واضحة جدّاً في كون المعادلة الإلهيّة الغيبية دخيلة بشكل أساس وأصيل في تحقّق النصر. ومن يتجاهل ذلك فإنّه ينكر حقيقة قرآنية جليّة.
 
فالبدء من المكلّف المؤمن نفسه الّذي يجب أن ينصر الله تعالى أوّلاً، فإذا فعل يكون قد حقّق شرط التدخّل الإلهيّ الّذي نتيجته الحتميّة هي النصر ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾4 .
 
فيجب التركيز على العمل الّذي ينصر دين الله بكلّ إخلاص. هذا هو المطلوب، وأمّا الباقي فلا يرجع إلينا وإنّما هو إلى الله تعالى، والنتيجة حتمية لأنّها وعد منه تعالى والله لا يخلف الميعاد.
 
جهاد النفس
 
والنصر لله تعالى يبدأ من الانتصار على أنفسنا الأمّارة بالسوء, وذلك بتهذيبها وتزكيتها بالجهاد الأكبر الّذي هو مقدّم على الجهاد الأصغر, وهذا لا يكون إلّا بإخراج حبّ الدنيا من قلوبنا لأنّه هو رأس كلّ ذنب وخطيئة, وأهمّ ما يجب إخراجه من القلب حبّ المال وحبّ الجاه فإنّهما كالذئبين الضاريين اللّذين أرسلا في زريبة 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص: 31.
2- سورة محمد، الآية: 7.
3- سورة الحج، الآية: 40.
4- سورة آل عمران، الآية: 160.
 
101
 

86

الدرس العاشر: التأييد الإلهي للمؤمن

 معز كما ورد في الرواية, وإنّهما لينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل كما في رواية أخرى.
فمع حبّ الدنيا لا تتحقّق النصرة للآخرة والدِّين, فمع طلب الرئاسة والمنصب والجاه يكون الإنسان مبتعداً عن الآخرة بقدر ذلك الحبّ لأنّ الدنيا والآخرة كالضرّتين وكالمشرق والمغرب كلّما اقتربت من إحداهما ابتعدت عن الأخرى.

ومع عدم تحقّق النصرة لله لا نصر من السماء, فيكون الإنسان قد خسر العنصر الّذي يتميّز به عن العدوّ الكافر, ومع الأخذ بالاعتبار التفوّق المادّيّ في العدّة والعتاد الّذي هو عند الأعداء فإنّ المعادلة ستكون نتيجتها بالحسابات المادّية الموضوعية هي انتصار الأقوى والأقوى مادّياً هو العدوّ.

فالواجب الأكبر هو العمل على الميّز الّذي نمتلكه ولا يمتلكه العدوّ والّذي هو سرّ الانتصار بحسب الرؤية القرآنية, وهو الإخلاص لنصر دين الله تعالى بالانتصار على النفس والشيطان فإنّه هو الضمانة للنصر الإلهيّ لنا.

فمن صفات حزب الله في القرآن ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾
 
 
102

87

الدرس العاشر: التأييد الإلهي للمؤمن

 للمطالعة
 
من آداب العالم والمتعلّم
 
قال الشهيد الثاني قدس سره في كتابه الجليل منية المريد:
 
روى شيخنا المتقدّم محمّد بن يعقوب الكلينيّ قدّس الله روحه بإسناده إلى الحسين بن علوان قال: كنّا في مجلس نطلب فيه العلم, وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار, فقال لي بعض أصحابنا: من تؤمّل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلاناً, فقال: إذن والله لا تسعف حاجتك, ولا يبلغك أملك, ولا تنجح طلبتك. قلت: وما علمك رحمك الله؟ قال: إنّ أبا عبد الله عليه السلام حدّثني أنّه قرأ في بعض الكتب: أنّ الله تبارك وتعالى يقول: وعزّتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لأقطعنّ أمل كلّ مؤمّل غيري باليأس, ولأكسونّه ثوب المذلّة عند الناس, ولأنّحينّه من قربي, ولأبعدنّه من وصلي, أيؤمّل غيري في الشدائد, والشدائد بيدي, ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقه, وبابي مفتوح لمن دعاني؟ فمن الّذي أمّلني لنوائبه فقطعته دونها؟! ومن الّذي رجاني لعظيمة فقطت رجاءه مني؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة, فلم يرضوا بحفظي, وملأت سماواتي ممّن لا يملّ من تسبيحي, وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي, فلم يثقوا بقولي, ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنّه لا يملك كشفها أحد غيري, إلّا من بعد إذني, فما لي أراه لاهياً عنّي؟! أعطيته بجودي ما لم يسألني, ثمّ انتزعته عنه, فلم يسألني ردّه, وسأل غيري! أفيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة, ثمّ أسأل فلا أجيب سائلي؟! أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟! أوَليس الجود والكرم لي؟ أوَليس العفو والرحمة بيدي؟ أوَليس أنا محل الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟ أفلا يخشى المؤمّلون أن يومّلوا غيري؟ فلو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعاً, ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة, وكيف ينقص ملك أنا قيّمه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي, ويا بؤساً لمن عصاني ولم يراقبني1.

1- منية المريد، الشهيد الثاني، ص 159.
 
103
 

88

الدرس الحادي عشر: رضا الله تعالى عن المؤمنين ورضاهم عنه

 يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1

1- سورة المجادلة، الآية: 22.
 
105
 

89

الدرس الحادي عشر: رضا الله تعالى عن المؤمنين ورضاهم عنه

 رضَا الله عن المؤمنين
 
﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾
 
تشير الآية الكريمة إلى رضاءين بنوع من العلاقة بينهما: رضا الله تعالى عن العبد, ورضا العبد عن الله تبارك وتعالى. والمؤمن من حزب الله محقّقٌ لكليهما, ولكن كيف ننظر إلى هذا الانسجام بين الرضاءين وكيف نفسره ونقرأه؟
 
موجبات رضا الله تعالى
 
هناك موجبات لنيل رضا المعبود قد بُيّنَت من خلال الشريعة المقدّسة عن طريق كتاب الله وأهل العصمة والطهارة عليهم السلام.
 
تقوى الله وإطاعته
 
والتقوى هي الكلمة الجامعة الّتي توجب رضاه سبحانه، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "وأوصاكم بالتقوى, وجعلها منتهى رضاه وحاجته من خلقه"1 ، وعنه عليه السلام: "هيهات! لا يخدع الله عن جنّته, ولا تنال مرضاته إلّا بطاعته"2.
 
وفي الواقع إنّ المتأمّل يجد أنّ تقوى الله تعالى هي الجامع لكلّ موجبات رضاه

1- نهج البلاغة، شرح الشيخ محمّد عبده، ج 2، ص 112.
2- م. ن، ص 12.
 
107
 

90

الدرس الحادي عشر: رضا الله تعالى عن المؤمنين ورضاهم عنه

 تعالى, وهو ما صرّح به الإمام عليه السلام بقوله: "وجعلها منتهى رضاه وحاجته من خلقه", فلا بدّ لمن أراد نيل رضا الله تعالى من التعرّف إلى سمات المتّقين ثمّ التحلّي بها وتجسيدها في شخصيّته وقلبه وسلوكه, عندها سيجد نفسه قد حقّق ما يريده المولى عزّ وجلّ, ويكون قد أصبح محلّاً قابلاً لفيض ما يقتضيه رضا الله تعالى عليه, وعندها يكون قد دخل في سلك حزب الله النجباء الّذين يصفهم الله تعالى بقوله: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾1.
 
فإذاً التقوى تؤدّي إلى منتهى رضا الله تعالى عن الخلق, وهذا يتطلّب من العبد بذل قصارى الجهد وتمام الوسع، فرِضَا الله تعالى عن عبدٍ ليس منحةً مجّانية يقدّمها المولى تعالى بلا ثمن وبلا سعي وجهد من العبد. كيف؟ وقد صرح القرآن الكريم بوجوب السعي لنيله ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾2 ﴿  فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾3.
 
أمور توجب الرضا
 
عن الإمام عليّ عليه السلام: "ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله:
 
كثرة الاستغفار، وخفض الجانب، (أي التواضع, ومجانبة الترفّع، والتفاخر, والتعالي على عباد الله)، وكثرة الصدقة4.
 
وممّا يوجب رضا الله تعالى، "إسخاط النفس والبدن".
 
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من أسخط بدنه أرضى ربّه, ومن لم يسخط بدنه عصى ربّه"5.

1- سورة المجادلة، الآية 22.
2- سورة النجم، الآية: 39.
3- سورة الزلزلة، الآيتان: 7-8.
4- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 75، ص 81.
5- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج 2، ص 1098.
 
108
 

91

الدرس الحادي عشر: رضا الله تعالى عن المؤمنين ورضاهم عنه

 وقال لقمان عليه السلام لابنه: "يا بنيّ من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيراً, ومن لا يسخط نفسه لا يرضي ربّه"1.
وهذا يعني أنّ الإنسان إذا أعطى نفسه هواها, وأرضاها بكلّ ما تشتهي, لا بدّ أن تقوده إلى المعصية, والمعصية بدورها ستقوده إلى سخط المولى عزّ وجلّ. تأمَّل بالتوصيفات الّتي يذكرها الإمام السّجاد عليه السلام للنفس الإنسانية فإنّها كافية لتعلَم أنّ النفس لا ينبغي أن تُعطَى سؤلها, بل لا بدّ من ترويضها لمن أراد أن يأمن غوائلها ليصل إلى مرضاة ربّ العالمين تبارك وتعالى, يقول عليه السلام:
 
"الهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة, وإلى الخطيئة مبادرة, وبمعاصيك مولعة، ولسخطك متعرّضة, تسلك بي مسالك المهالك, وتجعلني عندك أهون هالك, كثيرة العلل, طويلة الأمل، إن مسَّها الشرّ تجزع، وإن مسّها الخير تمنع، ميّالة إلى اللعب واللهو, مملوءة بالغفلة والسهو، تسرع بي إلى الحوبة, وتسوّفني بالتوبة"2.
 
ولا بدّ من الالتفات إلى أن تعويد النفس ولو على الأهواء المباحة قد يجرّ الإنسان إلى ما لا تحمد عقباه, لأنّه من طاف حول الحمى كاد أن يدخل فيه، فاتّباع هوى النفس لإرضائها لا يؤمن غوائله ولا تضمن عواقبه.
 
وهنا أمر في غاية الأهمّية لا بدّ من الإشارة إليه، وهو أنّ بعضَ غيرِ الواعين قد يخفَى عليهم بعض الجوانب في الحكم الشرعيّ والتكليف, فيؤدّي ذلك إلى أنّهم يُغضِبُون الله تعالى من حيث يريدون إرضاءه، ويخرجون بذلك عمّا رسمه الله تعالى في كتابه لحزبه وأوليائه، وإليك بعض النماذج لذلك:
 
أ- أذيّة الوالدِّين بحجج واهية
 
فمثلاً إنّ الله تعالى لا يرضى عن من أسخط والديه, فقد يزيّن الشيطان لشخصٍ

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 67، ص 78.
2- مناجاة الشاكين، الصحيفة السجادية.
 
109
 

92

الدرس الحادي عشر: رضا الله تعالى عن المؤمنين ورضاهم عنه

 عمله فيراه حسناً, فيوحي إليه أنّه مَرضِيّ عنه وان كان والداه ساخطين عليه, بحجّة أنّ والديه مثلاً لم يكونا على درجة من الالتزام فلا يكترث لبرّهما، ولا لصحبتهما بالمعروف، ولا يعبأ بسخطهما عليه!
 
بل قد يتمادى إلى حدّ أن لا يكترث بدعائهما عليه, ظنّاً منه بأنّه مثلاً هو مجاهد، ورائد في العمل الإسلاميّ، وهما يريدان الحدّ من نشاطاته وطموحاته في هذا السبيل, فيسيء التصرّف معهما ويكون عاقّاً لهما, وهذا قد يؤدّي إلى سخط الله عليه, فلا يوفَّق في عمله, ولا في جهاده, وقد يصدّه عقوقُه عن نيل الشهادة لأنّها مرتبةُ من آمن واتّقى, ولا ينبغي عقوق والديه حتّى وإن كانا غيرَ مسلمين!
 
فقد ورد في الحديث عن أبي جعفر عليه السلام قال: "ثلاث لم يجعل الله لأحد فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر, والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر, وبرّ الوالدِّين برّين كانا أو فاجرين"1.
 
وعن زكريا بن إبراهيم قال: كنت نصرانياً فأسلمت وحججت فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت: إنّي كنت على النصرانية وإنّي أسلمت, فقال: وأيّ شيء رأيت في الإسلام؟ قلت: قول الله عزّ وجلّ: ﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء﴾2. فقال: لقد هداك الله, ثمّ قال: اللّهمّ اهده، ثلاثاً, سل عمّا شئت يا بنيّ. فقلت: إنّ أبي وأمّي على النصرانية وأهل بيتي, وأمّي مكفوفة البصر فأكون معهم وآكل في آنيتهم؟ قال عليه السلام: يأكلون لحم الخنزير؟
 
فقلت: لا, ولا يمسّونه, فقال عليه السلام: لا بأس, فانظر أمّك فبرّها, فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك.
 
فلمّا قدمت الكوفة ألطفت لأمّي, وكنت أطعمها وأفلّي ثوبها ورأسها وأخدمها, فقالت لي: يا بنيّ ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني, فما الّذي أرى منك منذ 

1- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 15، ص 207.
2- سورة الشورى، الآية: 52.
 
110
 

93

الدرس الحادي عشر: رضا الله تعالى عن المؤمنين ورضاهم عنه

 هاجرت فدخلت في الحنيفية؟ فقلت: رجل من ولد نبيّنا أمرني بهذا, فقالت: هذا الرجل هو نبيّ؟ فقلت: لا ولكنّه ابن نبيّ, فقالت: يا بنيّ هذا نبيّ, إنّ هذه وصايا الأنبياء, فقلت: يا أمه إنّه ليس بعد نبيّنا نبيّ, ولكنّه ابنه, فقالت: يا بنيّ دينك خير دين, اعرضه علي, فعرضته عليها, فدخلت في الإسلام وعلّمتها, فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة, ثمّ عرض لها عارض في الليل.فقالت: يا بنيّ أعد عليّ ما علّمتني, فأعدته عليها فأقرّت به وماتت, فلمّا أصبحت كان المسلمون الّذين غسلوها وكنت أنا الّذي صلّيت عليها ونزلت في قبرها1.
 
نعم هذا هو ديننا الحنيف, دين الإنسانيّة, دين الأخلاق والوجدان, الدِّين الّذي يوصي بالإحسان إلى الوالدِّين وإن لم يكونا مسلمين, ونصّ القرآن: ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾2.
 
من يقوم بالفعل المحزن لوالديه متهاوناً بمشاعرهما غير مكترث بأحاسيسهما كيف يطمئنّ إلى رضا الله عنه؟ وقد ورد في الرواية: "من أحزن والديه فقد عقّهما"3
 
ب- ظلم الناس بأعذار واهية
 
ومثال ثان فيمن يظلم الناس ويقصّر في أداء حقوقهم, ويُخلِفُ مواعيدَهم، ويخون أماناتهم, ويستخفّ بحرماتهم وكراماتهم،..الخ, بحجج متعدّدة ربّما يكون منها ضغط العمل وانشعاباته المتكثّرة, وكثرة الأعباء الاقتصادية والمعيشية, مع أنّ عمله قد يكون تحت عنوان العمل الإسلاميّ!!
 
ج- عدم الالتزام بشروط الطاعة وآدابها
 
نموذج ثالث بعض الّذين يرتادون المساجد ليعقدوا فيها مجالس اللغو والكلام 

1- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 15، ص 207. 
2- سورة لقمان، الآية: 15.
3- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج15، ص123.
 
111
 

94

الدرس الحادي عشر: رضا الله تعالى عن المؤمنين ورضاهم عنه

 الدنيويّ مع أنّ المسجد له حرمته والكلام فيه بغير ذكر الله غير مستحسن، وقد يجرّ إلى ما هو محرّم فيما لو زاحم المصلّين, أو الّذين يتلون القرآن ويدعون الله تعالى, أو أثر على الجماعة إلى غير ذلك من المحذورات.
 
الإسباغ على العيال 
 
هذا ومن الأمور الّتي توصل إلى رضاه تعالى الإحسان إلى العيال, ورحمتُهم, والتوسعةُ عليهم، وقد ورد الكثير من الروايات في الحثّ على هذا الأمر الإنسانيّ الأخلاقيّ.
 
فقد روي عن النبيّّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:"خيرُكم خيركم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"1
 
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام:"إنّ أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله"2.
 
وبعض الناس يقصّر في حقّ زوجته وأطفاله وعياله بحجّة الانشغال التامّ في العمل الإسلاميّ، ممّا يؤدّي إلى ضياع الأسرة، وتفكّك عراها، وتشتّت الأولاد لفقدانهم الرعاية الأبوية, وربّما ضياع الزوجة، مع أنّ الله تعالى قد جعل على الرجل حقّ الزوجة, وحقّ الأولاد, كما جعل عليه حقّ العمل الاجتماعيّ والجهاديّ، فإنّ لزوجك عليك حقاً, وإنّ لولدك عليك حقاً, ولا بدّ من التنسيق والجمع بين الحقوق دون تضييع لبعضها على حساب بعضها الآخر, بقدر الوسع والإمكان.
 
رضا العبد بقضاء الله 
 
ومن أهمّ موجبات رضا اللّه تعالى عن العبد رضاه بقضاء الله، فإنّ مقصود المؤمن الأصيل وغايته القصوى الوصول إلى رضا الله تعالى كما يصرّح بذلك القران الكريم بقوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّه﴾3.
 
فهو يتّبع كلّ ما يحقّق له هذا الهدف المقدّس.

1- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 14، ص 122.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج 2، ص 1098. 
3- سورة آل عمرن، الآية: 174.
 
112
 

95

الدرس الحادي عشر: رضا الله تعالى عن المؤمنين ورضاهم عنه

 ففي كلّ شؤونه يكون رضا الله تعالى قبلةَ آماله, ومنتهى طموحاته, والعمدة في ذلك معرفة الموصِل إلى هذه الغاية المقدّسة, ثمّ سلوك طرق الوصول إليها ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾1.
 
وإنّ من أهمّ الطرق والموجبات لرضا المولى عن عبده كون العبد قد وصل إلى مقام الرضا بالقضاء كيفما وقع, سرّاء كان أم ضرّاء, أكان من ناحية الرزق بأن يرضى بما قسم الله له من رزق في الدنيا سواء بما يرجع إلى الظاهر والبدن، أم إلى المال, والمواهب، والقابليات، أم من ناحية ما يصيبه من بلايا ومكروهات, وقد قال الله تعالى للنبيّ موسى عليه السلام: "فإنّ رضاي في رضاك بقضائي"2.
 
فما معنى الرضا بالقضاء؟وكيف يُعرَف العبدُ بأنّه راضٍ بالقضاء؟
 
قد تعرّضت الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام إلى معنى كون العبد راضياً عن الله, وهو مقام سامٍ أرقى من مقام الصبر:
 
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لجبرئيل عليه السلام: فما تفسير الرضا؟ قال "جبرئيل": "الراضي لا يسخط على سيّده أصاب من الدنيا أم لم يصب"3.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "اعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحبّ وكره"4.
 
فهذه الروايات الشريفة موضِّحَة لمعنى الرضا بالقضاء, بأنّه رضا في كلّ الأحوال, سرّاء كانت أم ضرّاء.
 
وهذا الأمر ثمرة اليقين والإيمان القويّ، والعلم, والمعرفة، والمحبّة لله تعالى، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "الرضا بالمكروه أرفع درجات المتّقين"5.

1- سورة آل عمران، الآية: 162.
2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 2، ص 412.
3- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 11، ص 152.
4- م. ن.
5- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج 2، ص 1093. 
 
113
 

96

الدرس الحادي عشر: رضا الله تعالى عن المؤمنين ورضاهم عنه

 للمطالعة
 
أطلب السمعة والذكر الحسن من الله تعالى
 
أيُّها العزيز، اطلب السمعة والذكر الحسن من الله، التمس قلوب الناس من مالك القلوب، أعمل أنت لله وحده فستجد أنّ الله تعالى ـ فضلاً عن الكرامات الأخروية ونعم ذلك العالم ـ سيتفضّل عليك في هذا العالم نفسه بكرامات عديدة، فيجعلك محبوباً، ويعظم مكانتك في القلوب، ويجعلك مرفوع الرأس ـ وجيهاً ـ في كلتا الدارين. ولكن إذا استطعت فخلّص قلبك بصورة كاملة بالمجاهدة والمشقّة، من هذا الحبّ أيضاً، وطهِّر باطنك، كي يكون العمل خالصاً من هذه الجهة، ويتوجّه القلب إلى الله فقط حتّى تطهّر الروح، وتزول أدران النفس. فأيّة فائدة تجني من حبّ الناس الضعاف لك، أو بغضهم، أو من الشهرة والصيت عند العباد وهم لا يملكون شيئاً من دون الله تعالى؟ وحتّى لو كانت له فائدة ـ على سبيل الفرض ـ فإنّما هي فائدة تافهة ولأيام معدودات، ومن الممكن أن يسوق هذا الحب عاقبة عمل الإنسان إلى الرياء، وأن يجعل الإنسان ـ لا سمح الله ـ مشركاً ومنافقاً وكافراً. وأنّه إذا لم يفتضح في هذا العالم، فسيفتضح في ذلك العالم في محضر العدل الرباني، عند عباد الله الصالحين وأنبيائه العظام وملائكته المقربين، ويهان ويصبح مسكيناً. إنّها فضيحة ذلك اليوم، وما أدراك ما تلك الفضيحة، والله يعلم أيّ ظلمات تلي تلك المهانة في ذلك المحضر! إنّ ذلك اليوم ـ كما يقول الله تعالى في كتابه ـ يتمنّى الكافر فيه قائلاً: ﴿يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾1، ولكن لا جدوى لهذا التمنيّ.
أيّها المسكين، إنّك ولأجل محبّة بسيطة، جزئيّة، ومنزلة عديمة الفائدة بين العباد، تجاوزت تلك الكرامات وفقدت رضا الله، وعرّضت نفسك لغضب الله 2.

1- سورة النبأ، الآية: 40.
2- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني، ج1، ص41.
 
114
 

97

الدرس الثاني عشر: التسليم والصبر على عظيم البلاء

يقول الله تعالى في محكم كتابه:
 
﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾1

1- سورة البقرة، الآيتان: 249-250.
 
115
 

98

الدرس الثاني عشر: التسليم والصبر على عظيم البلاء

 بين القلّة والكثرة
 
القلّة من الناس هم الّذين يتحمّلون الجهد، ويصبرون على عظيم البلاء, ويفوزون في عسير الاختبار، ويسلمون وينقادون إلى الحكم الإلهيّ والقائد الربّانيّ بكلّ طمأنينة وثبات، من دون أدنى تزلزل أو ارتياب، هذه سمات لحزب الله تتّضح من المقطع القرآنيّ المقدّس التالي:
 
﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ *وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾1.
 
ذكر المجلسيّ  في تفسير هذا المقطع النورانيّ من كلام الله تعالى في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام:
 
".. وقال لهم نبيّهم: يا بني إسرائيل: إنّ الله مبتليكم بنهر في هذه المفازة,

1- سورة البقرة، الآية: 249-250.
 
117
 

99

الدرس الثاني عشر: التسليم والصبر على عظيم البلاء

 فمن شرب منه فليس من حزب الله, ومن لم يشرب فهو من حزب الله إلّا من اغترف غرفة بيده, فلمّا وردوا النهر أطلق الله لهم أن يغرف كلّ واحد منهم غرفة بيده, فشربوا منه إلّا قليلاً منهم, فالّذين شربوا منه كانوا ستين ألفاً, وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله"1
 
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: القليل الّذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً, فلمّا جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الّذين شربوا: "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده "وقال الّذين لم يشربوا: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾2
 
من خصال حزب الله
 
ويستفاد من الآيتين الكريمتين وما ورد في تفسيرهما عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام عدّة خصال مهمّة, يمتاز بها حزب الله بالنظر القرآنيّ وهي كالتالي:
 
1- أنّه لا بدّ من الامتحان والاختبار للمؤمنين من حزب الله ﴿إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم﴾، فهو قانون الافتتان الإلهيّ ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ 3.
 
فمن الاشتباه الكبير أن يظنّ المؤمن بأنّه في الحياة الدنيا يمرّ بلا امتحان وبلا اختبار، وطبعاً الاختبارات متعدّدة ومتنوّعة, وقد تشتدّ وقد تضعف، إلّا أنّه لا بدّ منها ليعلم الله الّذين صدقوا ويعلم الكاذبين، وليميز الخبيث من الطيب: ﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾4

1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 13، ص 441.
2- م.ن، ج 13، ص 440.
3- سورة العنكبوت، الآيتان: 2-3.
4- سورة آل عمران، الآية: 179.
 
118
 

100

الدرس الثاني عشر: التسليم والصبر على عظيم البلاء

 2- إنّه قد يشتدّ البلاء فيكون تحمّله شاقّاً يحتاج إلى الإيمان القويّ واليقين العظيم لكي يجتازه المؤمن بسلام ونجاح, وهذا ما يتوفّر لدى من سمّاهم الإمام عليه السلام (حزب الله), كما مرّ عن إمامنا الرضا عليه السلام في تفسيره للآية، فإنّهم يصبرون على العطش الشديد دون أن يتعدّوا حدود الله الّتي رسمها وبيّنها على لسان نبيّه الكريم، مع أنّ الماء يترقرق أمامهم, يرونه بأعينهم، ويتحسّسون برودته بأيديهم وأقدامهم، إلّا أنّهم ممنوعون عن تذوّقه والشرب منه, لا لشيء عدا الابتلاء والامتحان والاختبار! ﴿فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾.
يا له من اختبار شديد, ولكن بمعونة الله تعالى وتسديده انتصروا على أنفسهم، وخرجوا مفلحين منجحين من البلاء المبين, وارتفعوا إلى مقامات شامخة عند ربّ العالمين, ونالوا وسام حزب الله عند أئمّة الدِّين وأولياء المؤمنين.

وهذا الفوز كان على صعيد الجهاد الأكبر ومحاربة النفس والشيطان, وكان مقدّمة للفوز في معركة الجهاد الأصغر, وحربهم ضدّ أعداء الله, وبالمقابل من أخفق في الاختبار وانهزم في ميدان جهاد النفس, فإنّه جبن ووهن في ميدان القتال ومجالدة الأعداء، وقال: ﴿لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ﴾، فتأمّل في ذلك جيداً فإنّ فيه درساً بليغاً.

3- الالتزام الدقيق بالحكم والتكليف بحيثياته التفصيلية ﴿إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ (غرفة واحدة فحسب) نعم.. إنّ الدقّة في امتثال التكليف الإلهيّ لهي أدلّ دليل على العبوديّة الحقّة لله تعالى, الناتجة عن تعظيم المولى وتوقيره واحترام إرادته. 

4- الجانب التعبّديّ حيث الالتزام من دون اعتراض على الحكم الإلهيّ بأنّه غير مقنع مثلاً، أو بافتقاده الجانب المنطقيّ، أو بأنّه مجحف ويوجب الأذيّة لهم، والعذاب والألم والضعف عن قتال الأعداء من دون فائدة مرجوّة.. إلخ.
 
 
119

101

الدرس الثاني عشر: التسليم والصبر على عظيم البلاء

 فهكذا المؤمن في التعبّديات الثابتة من دون ظهور عللها وحكمها, يمتثلها منقاداً, وقلبه مطمئنّ بالإيمان مسلِّم تسليماً.
 
5- الثقة بالقيادة الإلهيّة, دون حصول تردّد أو تشكيك أو ارتياب, مع أنّ المقام شديد والامتحان عسير. 
 
6- الطمأنينة والثبات، والأمل بالنصر والفوز، بمعونة الله تعالى وتسديده، دون ان يكون التعويل على العدد والعتاد والأسباب المادّية فحسب - وإن كانوا قد اعدّوا ما استطاعوا منها -, فنظرهم كان إلى مسبّب الأسباب عزّ شأنه وجلّ ثناؤه, فالنصر والغلبة من عنده، وهذا سمُوٌّ في التوحيد الأفعاليّ. ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾1
 
7- التعويل على الصبر الّذي يستمدّونه من الله تعالى، فهم يعلمون أنّ بصبرهم يكون الله معهم, ويمدّهم بألطافه الخفية ونصره العزيز ﴿وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
 
8- إنّ الفائزين في الاختبار الإلهيّ الّذي يمحّص الله به عباده هم القلّة القليلة, وهم حزب الله: ﴿فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾, والأكثر يضعفون ويتهاوون تحت وطأة الضغوط المتوالية, بل صريح الآية الشريفة أنّ الأصل كان فيهم هو مخالفة التكليف، والإخفاق في الاختبار, وكان الفوز هو الاستثناء ﴿فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾ وقد تقدّم عن الإمام الرضا عليه السلام: "فالّذين شربوا منه كانوا ستين ألفاً, وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله". 
 
والقليل الّذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً, كما عن إمامنا الصادق عليه السلام. وقد سمّاهم نبيّهم عليه السلام حزب الله عند قوله لهم: "ومن

1- سورة البقرة، الآية: 249.
 
120
 

102

الدرس الثاني عشر: التسليم والصبر على عظيم البلاء

 لم يشرب فهو من حزب الله".
 
فالفرق شاسع والبون بعيد, بين الستّين ألفاً, وهم الّذين سقطوا, وأخفقوا، ولم يثبتوا, وبين الثلاثمائة وثلاثة عشر وهم الّذين صدقوا وثبتوا وفازوا. 
 
فلا تبتئس إذا كنت في القلّة القليلة مع كونك على الحقّ, "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله"1, فالحقّ ثقيل ولا يطيق حمل الثقيل إلّا الأقوياء، والأقوياء قلّة.
 
9- إنّ عاقبة عدم الالتزام بالتكليف هي الوهن والشعور بالعجز والضعف في مقابلة الأعداء ﴿لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾، فالقوّة الروحيّة يستمدّها المرء من الطاعة, وبالمقابل لا تجني مخالفة الأوامر الإلهيّة إلّا الخزي والمذلّة, والخوف, والوهن، يقول الإمام السّجاد عليه السلام في الدعاء:
 
"إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلّتي، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتي، وأمات قلبي عظيم جنايتي"2.
 
ويقول عليه السلام في مورد آخر: "فإنّ الشريف من شرّفته طاعتك والعزيز من أعزّته عبادتك"3.
 
نعم هذه عاقبة المعصية أن يفقد الإنسان ثقته بربّه, ويصبح خائفاً من الخلق، فعن إمامنا أبي عبد الله عليه السلام قال: 
 
"من أخرجه الله من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى, أغناه الله بلا مال, وأعزّه بلا عشيرة, وآنسه بلا بشر, ومن خاف الله, أخاف الله منه كلّ شيء, ومن لم يخف الله, أخافه الله من كلّ شيء"4.

1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص 319.
2- الصحيفة السجادية، مناجاة التائبين.
3- الصحيفة السجادية، دعاء الرضا بالقضاء.
4- مستطرفات السرائر، ابن إدريس الحلي، ص 593. 
 
121
 

103

الدرس الثاني عشر: التسليم والصبر على عظيم البلاء

 ويقول تعالى: ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ  * لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ  ﴾1.
 
وكذلك تُضرَب عليه الذلّة والمسكنة ويبوء بغضب من الله تعالى:
 
﴿وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ *ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴾2
 
فعاقبة معصية أوامر الله, والاعتداء على حرمات الله إذاً هي الذلّة والمسكنة والغضب من الله.
 
10- الاعتماد على الله والتوجّه إليه دائماً بالدعاء في نجاح الطلبات والإمداد بالصبر والتثبيت والنصر على الأعداء ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾.
 
فمن صفات حزب الله: "التسليم والصبر على عظيم البلاء, والثقة باللّه والاطمئنان إلى النصر الإلهيّ".

1- سورة الحشر، الآية: 13.
2- سورة آل عمران، الآيتان: 111- 112.
 
122
 

104

الدرس الثاني عشر: التسليم والصبر على عظيم البلاء

للمطالعة
 
شدّة الفتن وتعاظم الاختبار في عصر الغيبة
 
يقول أبو حمزة الثماليّ: قلت: وكيف يكون النداء؟. قال الإمام الصادق عليه السلام: ينادي مناد من السماء أوّل النهار يسمعه كلّ قوم بألسنتهم: ألا إنّ الحقّ في عليّ وشيعته. ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إنّ الحقّ في عثمان وشيعته فعند ذلك يرتاب المبطلون1.
 
وعن عميرة بنت نفيل, قالت: سمعت الحسن بن عليّ عليه السلام يقول: "لا يكون هذا الأمر الّذي تنتظرون حتّى يبرأ بعضكم من بعض, ويلعن بعضكم بعضاً, ويتفل بعضكم في وجه بعض, وحتّى يشهد بعضكم بالكفر على بعض. قلت: ما في ذلك خير؟. قال: الخير كلّه في ذلك, عند ذلك يقوم قائمنا, فيرفع ذلك كلّه"2.
 
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "يا أبا حمزة لا يقوم القائم عليه السلام إلّا على خوف شديد, وزلازل, وفتنة, وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك, وسيف قاطع بين العرب, واختلاف شديد بين الناس, وتشتّت في دينهم, وتغيّر من حالهم حتّى يتمنّى المتمنّي الموت صباحاً ومساءً من عظم ما يرى من كَلَب الناس, وأكل بعضهم بعضاً, وخروجه إذا خرج عند الأياس والقنوط 3.

1- الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 435. 
2- م. ن، ص 436.
3- كتاب الغيبة، النعماني، ص 235.
 
123
 

105
أولئك حزب الله