جلاء القلوب


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-05

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

المقدمة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف السفراء وأفضل الأنبياء أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.

 

يقول تعالى في كتابه المجيد: ﴿وَمَا أَصَابَكم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكمْ وَيَعْفو عَن كَثِيرٍ1

 

 

المعصومون عليهم السلام معدودون بأسمائهم، أما نحن فليس أحد منا لا يقع في الذنب، وتجدنا نهتم بأجسامنا لكي نتجنب الأمراض ونحافظ عليها، وهذا ما يؤكد عليه ديننا القويم، لكنه يؤكد أيضاً على شيء أهم من الجسد وهي الروح، وهي التي بها يكون الإنسان إنساناً، يؤكد على الروح من أن تتلوث بالمعاصي، وتتأثر بالذنوب، المهلكات، فلماذا لا نهتم بها؟ 

 

نعم، نحن قد أعطينا الفرصة في هذه الأيام المحدودة التي نعيشها، وما زالت مفتوحة أمامنا. لكن تعالوا نتعرف على آثار الذنوب، في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة. عسى أن تكون المعرفة مانعة لنا من اقترافها، أو من التفكير بها والحذر منها، لأن المعرفة أحد أهم الأسباب التي ينبغي توفرها في طريق الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، فإذا تعرفنا إلى الذنب وآثاره وما يترتب عليه بعدنا عنه، ونكون بذلك قد تحلينا بالصفات التي يجب توفرها في الإنسان الذي جعله الله خليفة له في الأرض وفضله على كثيرٍ من الملائكة.

 


1- سورة الشورى: 30.

 
 
 
5

 


1

المقدمة

 هذا ما نتعرض له في هذا الكتاب، الذي عمل عليه مركز نون للتأليف والترجمة، عسى الله أن يتحف به الأساتذة الكرام والقراء الأعزاء، والاستفادة منه قبل حلول أشهر النور، على أمل أن يكون موعدنا فيها مع كتابٍ جديد حول شرحٍ وتعليقٍ لأهم فقرات دعاء أبي حمزة الثمالي، بما يتناسب مع الموعظة الأخلاقية، ضمن سلسلة كتب المواعظ، الموسومة بـ"حياة القلوب". 


ونسأله أيضاً أن يتقبل منا أجمعين، ويجعلنا من العاملين، ويعجل فرج وليه صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه إنه نعم المولى ونعم المجيب.

مركز نون للتأليف و الترجمة
 
 
 
6
 

2

آثار الذنوب

 1-     آثار الذنوب

 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
"فأما أهل الطاعة فأثابهم بجواره وخلدهم في داره، حيث لا يظعن النزال(1)، ولا تتغير بهم الحال ولا تنوبهم الأفزاع(2)، ولا تنالهم الأسقام ولا تعرض لهم الأخطار، ولا تشخصهم الأسفار(3).
وأما أهل المعصية فأنزلهم شر دار، وغل الأيدي إلى الأعناق، وقرن النواصي بالأقدام، وألبسهم سرابيل(4) القطران، ومقطعات(5) النيران في عذابٍ قد اشتد حره وبابٌ قد أطبق على أهله، في نارٍ لها كَلَبٌ(6) ولَجَبٌ(7)، ولهبٌ ساطعٌ، وقصيفٌ هائلٌ، لا يظعن مقيمها، ولا يفادى أسيرها، ولا تفصم كبولها(8)، لا مدة للدار فتفنى، ولا أجل للقوم فيقضى".1
 
1-لا يغادروا مكان إقامتهم.
2- لا تحل بهم مصائب الفزع والخوف.
3-لا تزعجهم الأسفار.
4-قمصان القطران.
5- كل ثوب يقطع الجبة وغيرها، وما لا يقطع كالإزار والرداء.
6-هيجان وصياح كالكلاب عندما تهوج.
7- الجلبة وارتفاع الأصوات.
8- قيودها وحبائلها.
 
 

1-لمن خطبة له عليه السلام في تمجيد الله سبحانه ج1 ص214.
 
 
 
 
7

 


3

آثار الذنوب

 هدف وجود الإنسان:

 

 

﴿وَالذِينَ جَاهَدوا فِينَا لَنَهْدِيَنهمْ سبلَنَا وَإِن الله لَمَعَ الْمحْسِنِينَ1

 

 
لا بد للإنسان السالك إلى الله أن يعلم أنه لم يخلق لأجل هذه الدنيا الدنية، وإنما هو مخلوقٌ شريفٌ، أكرمه الله وشرفه بالعديد من المنازل والمقامات، فخلقه في أحسن تقويم، وزينه بالعقل، واستخلفه في الأرض، ليكون مثالاً لله في أسمائه وصفاته، سالكاً سبيل أوليائه وأنبيائه عليهم السلام. وطالباً منه الرجوع إليه بنفسٍ مطمئنة وقلب سليمٍ؛ ليدخل في جملة عباده وليسكنه الفسيح من جنانه، التي أعدها للمحسنين والمتقين ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مقْتَدِرٍ2، مجاوراً لقربه الذي هو غاية الغايات والهدف الأسمى لخلق الإنسان ووجوده.

 

ومن هنا كان ابتلاؤنا بعالم الدنيا ووساوس الشيطان والنفس الأمارة، والطريق طويل طويل، والبحر عميق عميق، فلا بد من تهيئة الزاد والوسيلة، من أجل هذا السفر الشاق والمليء بالمخاطر والمصاعب، قال تعالى: ﴿يَا أَيهَا الْإِنْسَان إِنكَ كَادِحٌ إِلَى رَبكَ كَدْحًا فَملَاقِيهِ3.

 

ولذا فقد عبر علماؤنا في الأخلاق والسلوك عن الطريق إلى الله؛ بأنها طريق ذات الشوكة، وعن عملية التربية والتهذيب للنفس؛ بأنها "رياضة"، يروض الإنسان فيها نفسه الجامحة الأمارة بالسوء، ليكبح جماحها وطغيانها، وليتحرر من أسرها وأغلالها ورق العبودية لها، ولشيطانها الذي: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعدَن لَهمْ صِرَاطَكَ الْمسْتَقِيمَ 
 
 

1- سورة العنكبوت: 69.
2- سورة القمر: 55.
3- سورة الإنشقاق: 6.
 
 
 
 
9

 


4

آثار الذنوب

 * ثم لَآَتِيَنهمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِد أَكْثَرَهمْ شَاكِرِينَ1.

 

 
طريق النجاة:
 
ومن أجل الوصول إلى مقام العبودية والتقرب إلى الله وتحصيل رضوانه الأكبر، لا بد من الجهاد في سبيله عن مجاهدة النفس وبذل الوسع في تزكيتها، الذي هو الجهاد الأكبر، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال لأصحابه بعد أن رجعوا من ميدان جهاد أعداء الله: ﴿مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، فقيل يا رسول الله ما الجهاد الأكبر، قال:جهاد النفس2.

 

 
وجهاد النفس: هو تزكيتها وتطهيرها بتخليتها من الرذائل والأخلاق القبيحة، وتحليتها بالفضائل والصفات والأخلاق الحسنة، وذلك ما يحقق السعادة الدنيوية والأخروية، إذ لا نجاة إلا بالطاعة لله وعدم معصيته، ولا يتيسر ذلك إلا من خلال التفقه بالدين وطلب العلم، قال الإمام الكاظم عليه السلام: "لا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد (يعتقل)، ولا علم إلا من عالمٍ رباني ومعرفة العلم (العالم) بالعقل"3.
 
ومن هنا تأتي أهمية التعرف على الذنوب، وآثارها الخطيرة المهلكة للإنسان في الدنيا والآخرة، والمانعة له من النجاة ودخول الجنة، والسالكة به إلى النار أعاذنا الله منها.
 
الذنوب
 
1- الذنب لغة: الإثم والجرم والمعصية.
2- اصطلاحاً: ترك المأمور به من الله، وفعل المنهي عنه، وبعبارة أخرى أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن لا يفتقدك حيث أمرك.
 
 

1- سورة الأعراف: 16 ـ 17.
2- وسائل الشيعة، ج15، ص161.
3- الكافي، ج1، ص17.
 
 
 
 
10

5

آثار الذنوب

 والمأمور به من قبل الله عز وجل إما أن يكون واجباً أو مستحباً، والمنهي عنه من قبله أيضاً إما أن يكون محرماً أو مكروهاً، والمراد منهما في مقام الذنب، هو ترك الواجب وفعل المحرم، وهذا في حده الأدنى مرتبة العوام، وأما الذنب الذي ينسب إلى الأنبياءعليهم السلام والأولياء سواء في القرآن الكريم أو الروايات الشريفة أو الأدعية، فهو مرتبة أخرى أحد تفاسيرها ترك الأولى، لأنهم يعتبرون أي التفاتٍ عن معبودهم وساحة قدسه ذنباً يستغفرون الله منه.

 
ولا بد من الإشارة إلى أن معصومين مخلصون من قبل الله عز وجل، وقد حصنهم بملكة نفسانية قوية تمنعهم باختيارهم من ارتكاب المعصية، بل والتفكير بها أيضاً لعلمهم بقبحها ومدى خطورتها وتأثيرها.
 
ورغم ابتلاء الإنسان بالشيطان الذي أقسم ﴿قَالَ فَبِعِزتِكَ لَأغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ1، إلا أن الحق تعالى أجابه بأن لا سبيل لك على من تقرب إلي، واعتصم بي، ﴿إن اللهَ مَعَ الذِينَ اتقَوْا وَالذِينَ همْ محْسِنونَ2، وقال تعالى ﴿إِن اللهَ يدَافِع عَنِ الذِينَ آَمَنوا إِن اللَهَ لَا يحِب كل خَوانٍ كَفورٍ3.

 

 
آثار الذنوب
 
إن من يلاحظ القرآن الكريم والروايات الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام يجد بوضوح آثاراً مهلكةً وخطيرةً للذنوب والمعاصي، في العوالم الثلاثة:عالم الدنيا، وعالم البرزخ، وعالم الآخرة.
 
وقبل الإشارة إلى بعضها لا بد من التذكير بأن الذنب بمثابة السم القاتل أو دون ذلك، والخطير في هذا المجال هو عدم ارتباط التأثير والهلاك بمسألة العلم والجهل، ولذا فإن من يرتكب الذنب يترتب عليه الأثر الوضعي والتكويني، ويؤثر ذلك على قلبه 
 
 

1- سورة ص: 82.
2- سورة النحل: 128.
3- سورة الحج: 38.
 
 
 
 
11

6

آثار الذنوب

 وجسمه وماله وولده وغير ذلك، حتى لو كان جاهلاً بأثر الذنب، تماماً كمن يجهل بأثر السم، وهذا ما يدعونا للابتعاد عن المعصية والحذر من آثارها.

 
أ - الآثار الدنيويـة:
 
إن عالم الدنيا هو عالم الابتلاء والتكليف لعباد الله، الذي يعد أحد أهداف خلق الإنسان ﴿الذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلوَكمْ أَيكمْ أَحْسَن عَمَلًا وَهوَ الْعَزِيز الْغَفور1، ولا يخلو حال الإنسان غير المعصوم عن الطاعة والمعصية، وقد وعدنا الله وتوعدنا، بأن لكلٍ منهما آثاره الخاصة في الدنيا، فللطاعة آثارها وبركاتها العظيمة، التي تبعث الأمل في نفوس المؤمنين، وترغبهم في العمل الصالح والإكثار منه. وفي مقابل ذلك فإن للمعصية والذنوب آثارها المهلكة أيضاً في الدنيا، لعل المطلع عليها يحذر منها ويخاف من تبعاتها، فيحجم عنها ولا يقدم عليها.

 

 
وقد قسم علماؤنا الأجلاء آثار الذنوب الدنيوية إلى:
 
آثار عامة تترتب بحسبها على فعل الذنب، وهذا ما سنتعرض له في هذا الدرس، وآثار خاصة لبعض الذنوب ترتبط بإتيانها خاصة، كآثار الكذب والغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وغيرها، نتعرض لها لاحقاً إن شاء الله تعالى.
 
الآثار العامـة:
 
وقد أحصى علماء الأخلاق أكثر من ستين أثراً مهلكاً وخطيراً للذنوب في الدنيا، من جملتها
 
1- غضب الله
 
وهذا من الآثار المهلكة في الدنيا والآخرة كما سيأتي، والغضب هنا بمعنى عقاب الله وعذابه، كما ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام عندما سأله عمرو بن عبيد
 
 

1- سورة الملك: 2.
 
 
 
 
12

7

آثار الذنوب

  عن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى"ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفر عليه السلام هو العقاب".2

 

 
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "مجاهرة الله بالمعاصي تعجل النقم".3
 
2- الدخول في ولاية الطاغوت
 
فإن عصيان الله وإطاعة الشيطان توجب دخول العبد العاصي في ولايته وخروجه من ولاية الله، وقد يودي به إلى خروجه من الإيمان إلى الكفر بالله عز وجل. ﴿إِن عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلْطَانٌ إِلا مَنِ اتبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ4.

 



3- قسوة القلب
 
والمراد بالقلب ذلك الجوهر الذي تتقوم به إنسانية الإنسان، وقد أودعه الله فينا مفطوراً على التوحيد والعبودية والطاعة، وطاهراً أبيضاً سليماً رقيقاً شفافاً ليس فيه أي نقصٍ وفسادٍ، لكن بارتكاب المعاصي والذنوب والابتعاد عن الله يقسو شيئاً فشيئاً، حتى يصبح أشد قسوة من الحجارة: ﴿ثم قَسَتْ قلوبكمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَد قَسْوَةً...5.

 

 
ويتحول إلى قلب أسود لا يفلح بعدها أبداً، ففي الخبر عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "ما من عبدٍ إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض، فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خيرٍ أبداً، وهو قول الله عز وجل: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قلوبِهِمْ مَا كَانوا يَكْسِبونَ"6، "وما من شيء أفسد للقلب من الخطيئة"7،
 
 

1- سورة طه: 81.
2- الكافي، ج1، ص110.
3- غرر الحكم، ص100.
4-سورة الحجر:42.
5- سورة البقرة: 74.
6- الكافي، ج2، ص273.
7- الأمالي للطوسي، ص438.
 
 
 
 
13

8

آثار الذنوب

 و"ما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب"1 كما ورد في الأخبار عن المعصومين عليهم السلام.

 
4- حرمان الرزق
 
قد يكون الرزق معنوياً كالتسديد والحفظ والتأييد والشهادة في سبيل الله. وقد يكون مادياً ـ كما هو المتبادر عند عامة الناس ـ كالمال والطعام وغير ذلك.
 
يقول الله عز وجل: ﴿إِن الذِينَ تَعْبدونَ مِنْ دونِ اللهِ لَا يَمْلِكونَ لَكمْ رِزْقًا فَابْتَغوا عِنْدَ اللهِ الرزْقَ وَاعْبدوه وَاشْكروا لَه إِلَيْهِ ترْجَعون2.

 

 
وفي الخبر: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"3.
 
وورد أيضاً: "إن العبد ليذنب الذنب فيزوي عنه الرزق"4.
 
والظاهر أنه حرمان الزيادة في الرزق، لأن بعض الرزق مضمونٌ من قبل الله لكل مخلوق حي حتى الفساق والكفرة والعصاة، ﴿وَمَا مِنْ دَابةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقهَا5، لا حرمان أصل الرزق لهؤلاء لأنه يعني قطع أصل الحياة وقبض أرواحهم.

 

 
وقد يكون الحرمان في رفع البركة من أرزاقهم وأموالهم وطعامهم كما ورد في رواية الزهراء عليها السلام: "ويرفع الله البركة من رزقه"6.
 
5- نقصان العمر
 
إن رأسمال الحياة الدنيا عند أهلها هو العمر الطويل والرزق الوفير، ولذا نرى أن غايتهم في هذا الزمان هو المحافظة على أبدانهم وصحتهم ومأكلهم ومشربهم، ظناً في إطالة أعمارهم. أليست الأعمار والأرزاق بيد الله عز وجل؟! وقد دلنا سبحانه على ما يوجب زيادة العمر والرزق ونقصانهما وعدم البركة فيهما، نحو بر الوالدين 
 
 

1- وسائل الشيعة، ج16، ص45.
2- سورة العنكبوت: 17.
3- مستدرك الوسائل، ج5، ص178.
4- الكافي، ج2، ص270.
5- سورة هود: 6.
6- بحار الأنوار، ج80، ص22.
 
 
 
 
14

9

آثار الذنوب

 وعقوقهما، وصلة الرحم وقطيعتها....

 
ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام: "مَن يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال"1.
 
ويخبرنا الله عز وجل في القرآن الكريم عن هلاك الأمم السابقة، الذين ظلموا أنفسهم وعصوا الله، وطغوا في الأرض وقتلوا أنبياء الله، ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقرونَ مِنْ قَبْلِكمْ لَما ظَلَموا وَجَاءَتْهمْ رسلهمْ بِالْبَينَاتِ وَمَا كَانوا لِيؤْمِنوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمجْرِمِينَ2.

 

 
6- زوال النعم وحلول النقم
 
يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَن أَهْلَ الْقرَى آَمَنوا وَاتقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذبوا فَأَخَذْنَاهمْ بِمَا كَانوا يَكْسِبونَ3.

 

 
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ما أنعم الله على عبد نعمةً فسلبها إياه حتى يذنب ذنباً يستحق بذلك السلب"4.
 
7- المرض
 
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "أما إنه ليس من عرقٍ يضرب ولا نكبةٍ ولا صداعٍ ولا مرضٍ إلا بذنبٍ، وذلك قول الله عز وجل في كتابه ﴿وَمَا أَصَابَكمْ مِنْ مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكمْ وَيَعْفو عَنْ كَثِيرٍ5 قال، ثم قال عليه السلام: وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به"6.

 

 
8- نسيان العلم
 
وهو آفة كبرى تعيد الإنسان إلى الجهل والغفلة، بعد أن كان عالماً ذاكراً، وما ذلك إلا لذنب ارتكبه، فقد روي عن النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال: "اتقوا الذنوب فإنها ممحقة 
 
 

1- بحار الأنوار، ج5، ص140.
2- سورة يونس: 13.
3- سورة الأعراف: 96.
4- الكافي، ج2، ص274.
5- سورة الشورى: 30.
6- الكافي، ج2، ص269.
 
 
 
 
15

10

آثار الذنوب

 للخيرات، إن العبد ليذنب الذنب فينسى به العلم الذي كان قد علمه..."1.

 
9- عدم استجابة الدعاء
 
الذنب من موانع استجابة الدعاء، فقد ورد في بعض الروايات أنه لا يسمع ولا تستجاب الحاجة، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، أو إلى وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً، فيقول الله تبارك وتعالى للملك لا تقضِ حاجته، واحرمه إياها؛ فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني"2.
 
10- عدم التوفيق للعبادة
 
قد يحرم المذنب من ثواب العبادة وبركاتها، سيما تكفير السيئات، وتضاف سيئته إلى سجل أعماله، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم صلاة الليل، وإن العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم"3.
 
11- فوات الغرض
 
وقد يجترئ البعض على الله فيسعى نحو المعصية ويهم بها، لكنه لا يقدر على ذلك، ولا ينال مبتغاه، قيل إن رجلاً كتب إلى الإمام الحسين عليه السلام قائلاً له: "عِظني بحرفين، فكتب إليه: من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوتَ لما يرجو، وأسرع لمجيء ما يحذر"4.
 
 

1-بحار الأنوار، ج70، ص377.
2-الكافي، ج2، ص271.
3- م. ن، ص272.
4- وسائل الشيعة، ج16، ص153.
 
 
 
 
16

11

آثار الذنوب

 المفاهيم الأساس

 
1- إن الطريق إلى الله تعالى وهو طريق ذات الشوكة، لا يكون إلا من خلال عملية تربوية تهذيبية للنفس الأمارة بالسوء.
2-إن ارتكاب الذنوب، وما يترتب عليها من آثار، هو بمثابة السم القاتل، والحاجز المانع للوصول إلى الله تعالى.
3- إن عالم الدنيا هو عالم الابتلاء والتكليف لعباد الله، فالإنسان إما أن يكون مطيعاً لله، وهذا له آثاره وبركاته في بعث الأمل في نفوس المؤمنين، وإما يكون عاصياً لله وهذا له أيضاً آثاره المهلكة، في الدنيا والآخرة.
4-من الآثار العامة التي تترتب على فعل الذنب، هو قسوة القلب، والدخول في ولاية الطاغوت، وحرمان الرزق ونقصان العمر وغيرها.
 
 
 
 
17

12

آثار الذنوب

 للمطالعة 

 
سبع خصال للشهيد
 
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: "للشهيد سبع خصال من الله:
أول قطرة من دمه مغفورٌ له كل ذنب.
والثانية: يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، وتمسحان الغبار عن وجهه وتقولان مرحباً بك، ويقول هو مثل ذلك لهما.
والثالثة: يكسى من كسوة الجنة.
والرابعة: يبتدره خزنة الجنة بكل ريحٍ طيبة، أيهم يأخذه معه.
والخامسة: أن يرى منزلته.
والسادسة: يقال لروحه أسرح في الجنة حيث شئت.
والسابعة: أن ينظر في وجه الله، وإنها لراحة لكل نبي وشهيد"35.
ويؤيده ما روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: "إن للشهيد عند الله ست خصال:
أن يغفر له في أول دفقة من دمه.
ويرى مقعده في الجنة.
ويحلى حلة الإيمان.
ويزوج من الحور العين.
ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، مرصع بالدر والياقوت، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه"1.
 
 

1- وسائل الشيعة، ج15، ص16 - (36) تفسير ابن كثير، ج4، ص187 
 
 
 
 
18

13

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 2-  الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 
 
كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر
 
"يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته... يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة، وأجسادكم الناعمة الرقيقة، التي يكفيها اليسير، تضعف عن هذا فإن إستطعنم أن تجزعوا لأجسادكم وأنفسكم بما لا طاقة لكم به، ولا صبر لكم عليكم، فاعملوا بما أحب الله، واتركوا ما كره الله"1
 

1- بحار الأنوار، ج6، ص218.
 
 
 
 
19

14

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 ب - الآثار البرزخيـة

 

 

﴿إِنا نَحْن نحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتب مَا قَدموا وَآثَارَهمْ وَكل شَيْءٍ أحْصَيْنَاه فِي إِمَامٍ مبِينٍ1.

 

 
تقدم في الدرس السابق إحدى عشر ذنباً دنيوياً للذنوب، وفي هذا الدرس نتعرض للآثار البرزخية والأخروية لها.
 
ما هو البرزخ؟
 
البرزخ هو الحاجز والحد الفاصل بين الشيئين، قال تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ2 فقد فسرت هذه الآية بأنه الحاجز بين الماء المالح والماء العذب.

 

 
وقيل إن البرزخ هو الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة، أو بين الموت والبعث، قال تعالى: ﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يبْعَثونَ3، وفي تفسير هذه الآية قال الإمام السجاد عليه السلام: "هو القبر، وإن لهم فيه لمعيشة ضنكاً، والله إن القبر لروضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار..."4.

 

 
وقيل إنه الحاجز لهم من الرجوع إلى الدنيا والإمهال إلى يوم القيامة، وكل هذه المعاني متقاربة ترجع إلى معنى واحد ظاهراً.
 
 

1- سورة يس، الآية: 12.
2- سورة الرحمن، الآيتان: 19 و20.
3- سورة المؤمنون، الآية: 100.
4- بحار الأنوار، ج6، ص159.
 
 
 
 
121

 


15

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 وقد تحدثت الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الهداة عليهم السلام عن أحوال البرزخ وأهوال القبر وسوف نشير إلى أهمها

 
1- ضغطة القبر
 
ولا ينجو منها إلا القليل القليل من عباد الله المؤمنين الصالحين. يروي أبو بصير قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: فقال عليه السلام: نعوذ بالله منها، ما أقل ما يفلت من ضغطة القبر ... وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في جنازة سعد وقد شيعه سبعون ألف ملك، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه إلى السماء، ثم قال: مثل سعد يضم!..."1.
 
وورد في وصف شدتها أن الأرض تضم الميت ضمة تفري اللحم، وتطحن الدماغ، وتذيب الدهون، وتخلط الأضلاع، غير أن الشدة والضعف فيها يدور مدار قوة الإيمان وضعفه أو عدمه عند الميت.
 
ويروي الصادق عن آبائه عليهم السلام قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم"2، وسيأتي إن شاء الله في مكفرات الذنوب أن المؤمن إذا لم تكفر جميع ذنوبه في الدنيا، فإن ضغطة القبر تكون بمثابة الرحمة له لتكفر عنه ما بقي من سيئاته.
 
وأهم أسبابها سوء الخلق مع الأهل، كما ورد في الخبر عن سبب ضغطة سعد المتقدم، والنميمة وكثرة الكلام والتهاون في الطهارة.
 
وهذه الضغطة لا تنحصر بالأرض فقط، بل ورد أن الهواء له ضغطة، والماء له ضغطة أيضاً.
 
 

1- الكافي، ج3، ص236.
2- بحار الأنوار، ج6، ص221.
 
 
 
122

16

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 2- سوء العذاب في القبر

 
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِن لَه مَعِيشَةً ضَنكًا1، ويروى في تفسيرها عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "وإن المعيشة الضنك التي حذر الله منها عدوه عذاب القبر..."2.

 

 
وهذا العذاب يختص بغير المؤمنين المقربين، لأن قبر المؤمن روضة من رياض الجنة، وأما الكافر فهو الذي قبره حفرة من حفر النيران، ينال فيه سوء العذاب يقول الإمام الصادق عليه السلام: ﴿فَأَما إِن كَانَ مِنَ الْمقَربِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ، قال في قبره، ﴿وَجَنة نَعِيمٍ، قال في الآخرة، ﴿وَأَما إِن كَانَ مِنَ الْمكَذبِينَ الضالينَ * فَنزلٌ منْ حَمِيمٍ، في القبر ﴿وَتَصْلِيَة جَحِيمٍ، في الآخرة"3.

 

 
3- قرين السوء
 
وهو العمل السيئ الذي يرافق الإنسان العاصي في قبره، ويكون معه إلى يوم حشره وحسابه.
 
يروى عن قيس بن عاصم أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: "... يا قيس لا بد لك من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تحشر إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، ولا تبعث إلا معه، فلا تجعله إلا صالحاً، فإنه إن كان صالحاً لم تأنس إلا به، وإن كان فاحشاً لم تستوحش إلا منه، وهو عملك..."4.
 
وتروي الزهراء عليها السلام عن أبيها صلى الله عليه وآله وسلم في رواية التهاون في الصلاة إن من آثارها في القبر ثلاثة: "وأما اللواتي تصيبه في قبره فأولاهن يوكل الله به ملكاً يزعجه في
 

1- سورة طه، الآية: 124.
2- بحار الأنوار، ج6، ص218.
3- م. ن، ج6، ص217.
4- م. ن، ج74، ص177.
 
 
 
 
23

 


17

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 قبره، والثانية يضيق عليه في قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره"1.

 
4- الندم وطلب الرجوع
ويا لها من حسرة ما بعدها حسرة، أن يستيقظ الإنسان من نومته وغفلته، فيرى نفسه ميتاً قد أخذ إلى قبره "الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا"2.
 
فيتحسر على ما فرط في جنب الله، ويسأل الله الرجعة إلى الدنيا ﴿حَتى إِذَا جَاء أَحَدَهم الْمَوْت قَالَ رَب ارْجِعونِ * لَعَلي أَعْمَل صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت كَلا إِنهَا كَلِمَةٌ هوَ قَائِلهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يبْعَثونَ3.

 

قال في إرشاد القلوب: "إنه يقول هذه الكلمة لما شاهده من شدة سكرات الموت، وأهوال ما عاينه من عذاب القبر وهول المطلع، ومن هول سؤال منكر ونكير، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ ردواْ لَعَادواْ لِمَا نهواْ عَنْه وَإِنهمْ لَكَاذِبونَ"4" 5.

 

 
لمَ القيامة؟
 
وقبل الحديث عن آثار الذنوب الأخروية، لا بأس بالحديث عن الآخرة ويوم القيامة، وما أدراك ما يوم القيامة ﴿يَوْمَ يَقوم الناس لِرَب الْعَالَمِين6، ويحشرون في ساحتها، وهو يوم عظيم مهول، بشر الله فيه المؤمنين الصالحين بالأمن والأمان، وتوعد الظالمين المجرمين سوء الحساب، يوم ﴿يَجْعَل الْوِلْدَانَ شِيبًا7، ﴿يَا أَيهَا الناس اتقوا رَبكمْ إِن زَلْزَلَةَ الساعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَل كل مرْضِعَةٍ عَما أَرْضَعَتْ وَتَضَع كل ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى الناسَ سكَارَى وَمَا هم بِسكَارَى وَلَكِن عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ8.

 

 
 

1- مستدرك الوسائل، ج3، ص23.
2- بحار الأنوار، ج4، ص43.
3- سورة المؤمنون، الآيتان: 99 و100.
4- سورة الأنعام، الآية: 28.
5- إرشاد القلوب، ج1، ص56.
6- سورة المطففين، الآية: 6.
7- سورة المزمل، الآية: 17.
8- سورة الحج، الآية: 1.
 
 
 
 
24

18

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 لقد شدد الله عز وجل في القرآن الكريم على مسألة المعاد في عشرات السور القرآنية، حتى قيل إن ثلث القرآن يرتبط بأحوال الآخرة وما بعدها...

 
نذكر بعضاً مما قاله في كتابه الكريم ﴿أَفَحَسِبْتمْ أَنمَا خَلَقْنَاكمْ عَبَثًا وَأَنكمْ إِلَيْنَا لَا ترْجَعونَ1، ﴿قلْ إِن الْأَولِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْموعونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ معْلومٍ2.

 

 
وخلاصة الكلام؛ إنه بعد طي منازل الآخرة وعقباتها وصراطها، فإن المصير إما إلى الجنة أو إلى النار، وبيد الإنسان تحديد المصير، ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كفْره وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفسِهِمْ يَمْهَدونَ3.

 

 
ج - الآثار الأخرويـة
لقد أشار الله في القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام إلى آثار كثيرة للكفر والعصيان والطغيان والذنوب في الآخرة، تحذيراً لنا من مغبة الوقوع فيها، لعلنا نرشد أو نعقل، فلا نكون من أصحاب السعير، سنقتصر على ذكر أهمها
 
1-الافتضاح
 
إن الله يستر برحمته على المذنب في الدنيا، لعله يتوب ويرجع إلى ربه، ولكن الفضيحة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وأمام الخلق أجمعين، سيما أمام معارفه وأقربائه، ورد في مناجاة أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إلهي قد سترت علي ذنوباً في الدنيا وأنا أحوج إلى سترها علي منك في الآخرة، إلهي قد أحسنت إذ لم تظهرها لأحدٍ من عبادك الصالحين فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد..."4.
 
يقول العلامة المجلسي: وفي قوله سبحانه ﴿وَيَوْمَ يَقوم الْأَشْهَاد شاهد، وهم الذين يشهدون بالحق للمؤمنين وعلى المبطلين والكافرين يوم القيامة، وفي ذلك

 

 
 

1- سورة المؤمنون، الآية: 115.
2- سورة الواقعة، الآيتان: 49 و50.
3- سورة الروم، الآية: 44.
4- مقطع من المناجاة الشعبانية.
 
 
 
 
125

19

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 سرور للمحق وفضيحة للمبطل في ذلك الجمع العظيم ..."1.

 
ولذا ينبغي على العاقل أن يخاف هذا اليوم، وأن يخاف الفضيحة أمام الله عز وجل وأمام الأنبياء والأئمة والأولياء عليهم السلام، وأمام الناس أجمعين، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "وأما علامة الموقف فستة
أيقن بالله حقاً فآمن به.
وأيقن بأن الموت حق فحذره.
وأيقن بأن البعث حق فخاف الفضيحة.
وأيقن بأن الجنة حق فاشتاق إليها.
وأيقن بأن النار حق فظهر سعيه للنجاة منها.
وأيقن بأن الحساب حق فحاسب نفسه"2.
 
2- المذلة
 

 

﴿ثم يَوْمَ الْقِيَامَةِ يخْزِيهِمْ وَيَقول أَيْنَ شرَكَائِيَ الذِينَ كنْتمْ تشَاقونَ فِيهِمْ قَالَ الذِينَ أوتوا الْعِلْمَ إِن الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ3.

 

 
بدءاً من أخذ أرواحهم: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفتْهم الْمَلَائِكَة يَضْرِبونَ وجوهَهمْ وَأَدْبَارَهمْ4.

 

إلى الوقوف في المحشر أذلاء، سكارى غارقين في الحياء، يتصبب العرق من وجوههم، ﴿وَوجوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ5، و﴿تَرْهَقهَا قَتَرَةٌ6، ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارهمْ تَرْهَقهمْ ذِلةٌ7.

 

 
 

1- بحار الأنوار، ج7، ص162.
2- تحف العقول، ص18.
3- سورة النحل، الآية: 27.
4- سورة محمد، الآية: 27.
5- سورة عبس، الآية: 40.
6- سورة عبس، الآية: 41.
7- سورة المعارج، الآية: 44.
 
 
 
 
26

20

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 الى دخول النار: ﴿ذقْ إِنكَ أَنتَ الْعَزِيز الْكَرِيم1، ﴿وَلَعَذَاب الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهمْ لَا ينصَرونَ2.

 

 
3- الحسرة والندامة
يتحسر الظالم على الفترة والمهلة التي أعطيت له في الدنيا ولم يغتنمها، بل أعرض وتولى وكذب بآيات ربه ورسله واليوم الآخر، وها هو اليوم أيقن به عين اليقين ولات حين مناص، فيقول: ﴿يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرطت فِي جَنبِ اللهِ3﴿يَوْمَ يَعَض الظالِم عَلَى يَدَيْهِ يَقول يَا لَيْتَنِي اتخَذْت مَعَ الرسولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتخِذْ فلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلنِي عَنِ الذكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشيْطَان لِلْإِنسَانِ خَذولًا4.

 

 
4- العمى

 

﴿وَنَحْشره يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَب لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كنت بَصِيرًا5.

 

 
وبكل بساطة فإن الجواب لحاضر لقد كنت أعمى البصيرة في الدنيا، لذلك تحشر يوم القيامة على ما كنت عليه ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَل سَبِيلاً6.

 

 
5- نسيان الله له

 

﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تنسَى7، فلم تتذكر أوامر الله ونواهيه، بل ونسيت وغفلت عن لقائه ﴿الْيَوْمَ نَنسَاكمْ كَمَا نَسِيتمْ لِقَاء يَوْمِكمْ هَذَا وَمَأْوَاكمْ النار وَمَا لَكم من ناصِرِينَ8.

 

 
 

1- سورة الدخان، الآية: 49.
2- سورة فصلت، الآية: 16.
3- سورة الزمر، الآية: 56.
4- سورة الفرقان، الآيات: 27 ـ 29.
5- سورة طه، الآيتان: 124 و125.
6- سورة الإسراء، الآية: 72.
7- سورة طه، الآية: 126.
8- سورة الجاثية، الآية: 34.
 
 
 
 
 
27

 


21

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 6- عدم التشرف بلقاء الله

 
حيث إن الآيات والروايات تشير إلى تشرف المؤمن يوم القيامة بلقاء الله، ومحاسبة الله الرحيم بنفسه لعبده المؤمن، وأما غير المؤمنين من الكفار والعاصين، فإن الله لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ويوكل بهم ملائكة ﴿غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصونَ اللهَ مَا أَمَرَهمْ وَيَفْعَلونَ مَا يؤْمَرون1.

 

 
ومن الآثار الأخروية أيضاً: غضب الله، اللعنة، سوء الحساب، طول الوقوف في المحشر، العذاب الأليم، تجسيم الأعمال، الحشر بصور قبيحة بشعة، دخول النار، الخلود في النار، ومن تدركه في آخر المطاف رحمة الله فتأخر دخوله إليه، مضافاً إلى صور ومشاهد وحالات العذاب في جهنم التي لا يعجز عن وصفها الفكر البشري.
 
المحكمة الإلهية وشهود الآخرة
 
هناك محاكم عديدة تحاكم الإنسان في الدنيا، بدءاً من محكمة النفس أو الضمير، ثم محكمة القانون ومحكمة المجتمع، ومحكمة التاريخ، إلا أن الإنسان الطاغية والداهية الماكر باستطاعته التملص والتخلص منها جميعاً، بأساليبه الخداعة والمال والرشوة وشراء الشهود وتزوير الوقائع وإخفاء الأدلة وغير ذلك ... .
 
لكن يقدم في الآخرة ليحاكم أمام الله سبحانه، في محكمة العدل الإلهي، حيث يكون القاضي والحاكم هو الله، والشهود كثر، والأدلة حاضرة (تجسم الأعمال).
 
والحاجة إلى الشهود والأدلة والجواب عند إنكار الطغاة والعصاة، وأما المؤمن فلا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه يعترف أمام ربه ويقر له، فيقول له ربه يا عبدي فعلت كذا. فيقول المؤمن: نعم يا رب، ويتكرر منه الاعتراف حتى يقول له الله قد غفرتها لك، وينقلب إلى أهله مسروراً.
 
 

1- سورة التحريم، الآية: 6.
 
 
 
 
28

22

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 وأما غير المؤمن فإن له سوء الحساب ﴿وَوضِعَ الْكِتَاب فَتَرَى الْمجْرِمِينَ مشْفِقِينَ مِما فِيهِ وَيَقولونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يغَادِر صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدوا مَا عَمِلوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِم رَبكَ أَحَدًا1.

 

 
من هم الشهود
 
الشاهد الأول والأخير هو الله
 

 

﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعهمْ ثم الله شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلونَ2﴿قلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا3.

 

 
يروى أن الإنسان العنيد الظلوم يحاجج الله يوم القيامة، ويكذب بكل الشهود ويقول لله عز اسمه: إن هذه الجوارح والجوانح أنت أنطقتها، وهؤلاء الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة عليهم السلام جميعاً يأتمرون كلهم بأمرك. فيقول الله له: إني أنا الله الذي لا إله إلا أنا أشهد عليك بأنك فعلت كذا وفعلت كذا, ولات حين مناص.
 
وفي الخبر الشريف: "اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم"4.
 
النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام
 
قال تعالى: ﴿وَيَكونَ الرسول عَلَيْكمْ شَهِيدًا5﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كل أمةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤلاء شَهِيدًا6.

 

 
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "نحن الشهداء على شيعتنا، وشيعتنا شهداء على الناس، وبشهادة شيعتنا يخبرون ويعاقبون"7.
 
 

1- سورة الكهف، الآية: 49.
2- سورة يونس، الآية: 46.
3- سورة الإسراء، الآية: 96.
4- وسائل الشيعة، ج15، ص239.
5- سورة البقرة، الآية: 143.
6- سورة النساء، الآية: 41.
7- بحار الأنوار، ج7، ص325.
 
 
 
 
29

 


23

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 وقال عليه السلام في قوله تعالى ﴿لِيَكونَ الرسول شَهِيدًا عَلَيْكمْ1: "فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهيد علينا بما بلغنا عن الله عز وجل، ونحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه يوم القيامة"2.

 

 
الملائكة
 

 

﴿إِذْ يَتَلَقى الْمتَلَقيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشمَالِ قَعِيدٌ3.

 

 
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "هما الملكان، وسألته عن قول الله تبارك وتعالى "هَذَا مَا لَدَي عَتِيد" قال عليه السلام: هو الملك الذي يحفظ عليه عمله..."4.
 
وفي دعاء كميل "وكل سيئة أمرت بإثباتها الكرام الكاتبين، الذين وكلتهم بحفظ ما يكون مني، وجعلتهم شهوداً علي مع جوارحي، وكنت أنت الرقيب علي من ورائهم، والشاهد لما خفي عنهم ...".
 
الجوارح والجوانح
 
وهي الجلود والأيدي والأرجل والألسن، والسمع والبصر والفؤاد، قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يحْشَر أَعْدَاء اللهِ إِلَى النارِ فَهمْ يوزَعونَ * حَتى إِذَا مَا جَاؤوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعهمْ وَأَبْصَارهمْ وَجلودهمْ بِمَا كَانوا يَعْمَلونَ5.

 

 

 

﴿وَمَا كنتمْ تَسْتَتِرونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكمْ سَمْعكمْ وَلَا أَبْصَاركمْ وَلَا جلودكمْ وَلَكِن ظَنَنتمْ أَن اللهَ لَا يَعْلَم كَثِيرًا مما تَعْمَلونَ * وَذَلِكمْ ظَنكم الذِي ظَنَنتم بِرَبكمْ أَرْدَاكمْ فَأَصْبَحْتم منْ الْخَاسِرِينَ﴿وَلَهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ7.

 

 
 

1- سورة الحج، الآية: 78.
2- الكافي، ج1، ص190.
3- سورة ق، الآية: 17.
4- بحار الأنوار، ج5، ص323.
5- سورة فصلت، الآيتان: 19 و20.
6- سورة فصلت، الآيتان: 22 و23.
7- سورة النور، الأيتان: 23 و24.
 
 
 
 
30

 


24

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 وعن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿إِن السمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفؤَادَ كل أولـئِكَ كَانَ عَنْه مَسْؤولاً1 قال عليه السلام: "يسأل السمع عما سمع، والبصر عما نظر إليه، والفؤاد عما عقد عليه"2.

 

 
الأرض
 
تشهد للمؤمن بما قام عليها من الطاعات والصلاة، وتشهد على العاصين بما عصوا على ظهرها.
 
عن أبي عبد الله عليه السلام في جواب من سأله: "يصلي الرجل نوافله في موضع أو يفرقها؟، قال عليه السلام: لا بل ها هنا وها هنا؛ فإنها تشهد له يوم القيامة"3.
 
الأيام
 
وهي عمر الإنسان الذي ينقضي يوماً بعد يوم، ليلاً ونهاراً، وأيام الإنسان ثلاثة كما ورد في الرواية: يوماً مضى لن يعود، ويومٌ يأتي وقد يأتي وأنت لست فيه، ويوم أنت فيه فانظر ماذا تفعل.
 
والإنسان مسؤول عن عمره يوم القيامة فيما أمضاه، وبالتالي فإن الأيام ستشهد عليه كما ورد الخبر الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل في خيراً واعمل في خيراً، اشهد لك به يوم القيامة، فإنك لست تراني بعدها أبداً. قال عليه السلام وكان علي عليه السلام إذا أمسى يقول مرحباً بالليل الجديد والكاتب الشهيد، اكتبا على اسم الله، ثم يذكر الله عز وجل"4.
 
 

1- سورة الإسراء، الآية: 36.
2- الكافي، ج2، ص37.
3- وسائل الشيعة، ج5، ص186.
4- الكافي، ج2، ص523.
 
 
 
 
31

25

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 المفاهيم الأساس

 
1- إن عالم البرزخ هو الحد الفاصل بين الدنيا والآخرة، وهو عالم فيه أثار لذنوبنا منها
- ضغطة القبر وسوء العذاب فيه.
- قرين السوء (العمل السيئ).
- الندم والحسرة.

2- وإن عالم الآخرة هو يوم الحساب والميزان وهول الموقف، وهو عالم أيضاً فيه أثار لذنوبنا، منها
ـ افتضاح الذنوب المذنبين بعد سترها في الدنيا.
ـ المذلة وتصبب العرق من الوجوه.
ـ ينساه الله بعدما نسي العبد ربه في الدنيا.

3- إن العاصي المتكبر والطاغوت في الدنيا، قد يهرب من المحاكمة بقدراته الشيطانية، ولكن يوم القيامة لا مفر، ويكون الله تعالى شاهد على جرائمه، هذا فضلاً عن شهادة جوارحه وأعضاء جسده التي ارتكب بها أفظع الجرائم والآثام.
 
 
 
 
 
32

26

الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

 للمطالعة

 
المبادرة إلى صالح الأعمال

من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام في المبادرة إلى صالح الأعمال قال

"فاتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، وترحلوا فقد جد بكم، واستعدوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فإن الله سبحانه لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدى، وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به، وإن غايةً تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة، وإن غائباً يحدوه الجديدان، الليل والنهار، لحري بسرعة الأوبة، وإن قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة، لمستحق لأفضل العدة، فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غداً، فاتقى عبدٌ ربه، نَصَحَ نفسه وقدم توبته وغلب شهوته، فإن أجله مستورٌ عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يزين له المعصية ليركبها، ويمنيه بالتوبة ليسوفها، إذا هجمت منيته عليه أغفل ما يكون عنها، فيا لها حسرة على كل ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجة، وأن تؤديه أيامه إلى الشقوة. نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحل به بعد الموت ندامةٌ، ولا كآبة".

نهج البلاغة، الخطبة 64، ص95
 
 
 
 
33

27

الاستخفاف بالذنوب

 3-  الاستخفاف بالذنوب

 
من دعاء أبي حمزة الثمالي للإمام زين العابدين عليه السلام

"إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد، ولا بأمرك مستخف، ولا لعقوبتك متعرض، ولا لوعيدك متهاون، ولكن خطيئة عرضت لي وسولت لي نفسي، وغلبني هواي، وأعانني عليها شقوتي، وغرني سترك المرخى علي..."
 
 
 
 
 
35

28

الاستخفاف بالذنوب

 عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال:

"أشد الذنوب (عند الله) ذنب استهان به راكبه"1 وقال عليه السلام: "أشد الذنوب ما استخف به صاحبه"2.
 
لقد شدد الله في القرآن الكريم على مسألة الطاعة والمعصية، فأولاهما اهتماماً كبيراً في العديد من الآيات القرآنية، تارة من جهة الترغيب بفعل الطاعات واكتساب الحسنات، وأخرى من جهة الترهيب والتحذير عن فعل المعاصي والموبقات واكتساب السيئات. هذا وقد حدد القرآن أيضاً نوعية العلاقة مع الله الخالق الموجد لهذا الإنسان.
 
كيف ينظر الإنسان إلى هذه العلاقة؟
 
هل هي علاقة العبد مع سيده وخالقه؟ أم أنها علاقة العبد الآبق مع مولاه؟ وهل هي علاقة العبودية لله أم العبودية للهوى والشهوات والشيطان؟ وهل هي علاقة المعترف بحق سيده ووجوب شكر نِعمه، أم المستخف به وبالنعم التي أنعمها الله عليه؟
 
فالله عز وجل الذي هو أرحم الراحمين هو أيضاً شديد العقاب. قد حذر من قهاريته وسطوته وغضبه، والجرأة على معاصيه والاستخفاف بحقه، وارتكاب نواهيه مهما كبرت ومهما صغرت، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا إلى مَن اجترأتم"3.
 
 

1- وسائل الشيعة، ج15، ص312.
2- نهج البلاغة، ص 559، الرقم 477.
3- بحار الأنوار، ج74، ص170.
 
 
 
 
37

29

الاستخفاف بالذنوب

 ولذا ينبغي على العبد المؤمن التقي المعترف بحق العبودية والطاعة، أن لا يستخف بأي ذنبٍ مهما صغر في عينه، لأن ذلك سيكون مدعاة أيضاً للمداومة عليه، وارتكاب ما هو أكبر منه.

 
ولقد شددت الروايات الشريفة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارةعليهم السلام على خطورة هذا المرض، وحذرت منه وذكرت آثاره الخطيرة، التي تزيد الإنسان غرقاً في أوحال الغفلة وسكرة الابتعاد عن الله.
 
روي عن أبي أسامة زيد الشحام قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام
"اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر. 
 
قلت: ما المحقرات؟ 
 
قال: الرجل يذنب فيقول: طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك"1.
 
وقد يصاب الإنسان بمرض الاستخفاف ويعتاد على ذلك إما غفلة وجهلاً، وإما عناداً وتعنتاً، وهذا ما يؤدي إلى الهلاك والخسران في الدنيا والآخرة.
 
وبناءً على الروايات الشريفة، فإن مفهوم الاستخفاف مفهوم عام له العديد من المصاديق سواء من حيث حال المستخف، أم من حيث مراتب الاستخفاف. وسوف نشير بنحو إجمالي لا على سبيل الحصر إلى بعض هذه المراتب:
 
فالمستخف تارة يكون مستخفاً بنفسه ظالماً لها لا يؤدي حقها، وتارة أخرى يستخف بعمله أو بنوع الذنب الذي يرتكبه سواء من حيث ترك بعض الطاعات، أم فعل بعض المعاصي. والأعظم من كل ذلك هو استخفاف الإنسان بربه وخالقه، فيتخذ آيات الله وما أنذر به هزواً. 
 
وقد أشار القرآن إلى هذه الطائفة في قوله تعالى:

 

﴿ثم كَانَ عَاقِبَةَ الذِينَ أَسَاؤوا السوأَى أَن كَذبوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانوا بِهَا يَسْتَهْزِؤون2.

 

 
 

1- الكافي، ج2، ص287.
2- سورة الروم، الآية: 10.
 
 
 
 
38

 


30

الاستخفاف بالذنوب

 وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إياكم والتهاون بأمر الله عز وجل، فإنه من تهاون بأمر الله أهانه الله يوم القيامة"1.

 
أنواع الاستخفاف
 
1- الاستخفاف بأمر الله وآياته
يقول الله تعالى: ﴿وَيجَادِل الذِينَ كَفَروا بِالْبَاطِلِ لِيدْحِضوا بِهِ الْحَق وَاتخَذوا آيَاتِي وَمَا أنذِروا هزوًا2.

 

 
1-التهاون في العبادة
 
سواء من حيث أصل القيام بها أم من حيث الاتيان ببعض العبادات وترك البعض الآخر: كالاتيان بالصلاة والصوم وترك الحج والخمس مثلاً. أو من حيث الاستخفاف في أداء حق بعض العبادات بذاتها: كالاستخفاف بالصلاة سواء أيضاً من حيث الأجزاء والشرائط أو حضور القلب والخشوع فيها... الخ وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بصلاته"3.
 
2- التهاون في أكل المال الحرام والنجاسات
 
يروى أن رجلاً أتى إلى الإمام الباقر عليه السلام فقال له: "وقعت فأرة في خابية4 فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟.
 
فقال له أبو جعفر عليه السلام: لا تأكله.
فقال له الرجل: الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها.
 
 

1- بحار الأنوار، ج69، ص227.
2- سورة الكهف، الآية: 56.
3- بحار الأنوار، ج79، ص227.
4- الخابية: هي الجرة الكبيرة لتخزين السمن وما شابه.
 

 
 
 
39

31

الاستخفاف بالذنوب

 فقال له أبو جعفر عليه السلام: إنك لم تستخف بالفأرة وإنما استخففت بدينك..."1.

 
ولذا لا بد للمؤمن من عدم الاستخفاف بطعامه ولا سيما اللحوم، من حيث الطهارة والنجاسة، لأن لها آثاراً تكوينية روحية على جسمه وقلبه، وأثاراً تكليفية تشريعية من حيث الحرمة والعقاب.
 
وكذلك لا بد من مراعاة المال الحرام والمشتبه؛ لأنه سيسأل عنه يوم القيامة، من أين جيء به؟ وفي أين تم صرفه؟
 
عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة من بين يدي الله حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك من أين كسبته، وأين وضعته، وعن حبنا أهل البيت عليهم السلام"2.
 
4- التهاون في عباد الله
 
عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المناهي قال: "ومن استخف بفقير مسلمٍ فقد استخف بحق الله، والله يستخف به يوم القيامة إلا أن يتوب"3.
 
وعن الإمام علي عليه السلام قال: "لا تحقرن عبداً آتاه الله علماً فإن الله له يحقره حين آتاه إياه"4.
 
5-احتقار صغائر الذنوب
 
وعن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ألا لا تحقرن شيئاً وإن صغر في أعينكم، فإنه لا
 
 

1- التهذيب، ج1، ص420
2- بحار الأنوار، ج7، ص259.
3- وسائل الشيعة، ج12، ص266.
4- بحار الأنوار، ج2، ص44.
 
 
 
 
40

32

الاستخفاف بالذنوب

  صغيرة بصغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة بكبيرة مع الاستغفار، ألا وإن الله سائلكم عن أعمالكم..."1.

 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "لا تحقرن صغائر الآثام فإنها الموبقات، ومن أحاطت به محقراته أهلكته"2.
 
 
آثار الاستخفاف والتهاون
 
للاستخفاف والتهاون بأمر الله ودينه وآياته، وللذنوب والمعاصي آثارٌ خطيرة في الدنيا والآخرة، سوف نشير إلى أهمها
1 ـ تورث الغفلة عن ذكر الله.
2 ـ قساوة القلب وأسوداده.
3 ـ الخروج من ولاية الله والدخول في ولاية الشيطان.
4 ـ طريق إلى ارتكاب الكبائر.
5 ـ أهانه الله وافتضاحه يوم القيامة.
6 ـ نقصان العمر والرزق.
7 ـ بغض الله له.
8 ـ نسيان الله له في الآخرة.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِن لَه مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشره يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَب لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كنت بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تنسَى3.

 

9 ـ العذاب في الآخرة.

 

﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتخَذَهَا هزوًا أوْلَئِكَ لَهمْ عَذَابٌ مهِينٌ4.

 

 
 

1- وسائل الشيعة، ج5، ص111.
2- غرر الحكم، ص186، الحديث 3569.
3- سورة طه، الآيات 124 إلى 126.
4- سورة الجاثية، الآية: 9.
 
 
 
 
41

33

الاستخفاف بالذنوب

 10 ـ الحرمان من الشفاعة.

11ـ الخلود في النار.

 

﴿ذَلِكم بِأَنكم اتخَذْتمْ آيَاتِ اللهِ هزوًا وَغَرتْكم الْحَيَاة الدنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يخْرَجونَ مِنْهَا وَلَا همْ يسْتَعْتَبونَ1.

 

 
الاستخفاف بالصلاة
 
يقول الله عز وجل في حكم كتابه: ﴿وَإِذَا نَادَيْتمْ إِلَى الصلاَةِ اتخَذوهَا هزوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنهمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلونَ2.

 

لا يخفى ما للصلاة من الأهمية والفضل عند الله عز وجل، فهي الصلة والرابطة بين العبد ومولاه، وقد أمرنا بإقامتها، وإتيانها، والمحافظة عليها، والاستعانة بها. وفي المقابل نهانا عن تركها والاستخفاف بها، أو الاشتغال عنها بالبيع واللهو.
 
وهي آخر وصايا الأنبياء والأولياء عند مماتهم عليهم السلام، وهي قرة عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأفضل الأعمال والفرائض بعد المعرفة. وأن الاستخفاف بها يؤدي إلى حرمان شفاعتهم عليهم السلام. وفي المقابل فهي أبغض الأعمال إلى الشيطان واتباعه، حيث ينادي عند الصلاة ورؤية عباد الله يصلون بالويل والثبور، ويقول: أطاعوا فعصيت، وسجدوا فأبيت، وقد استنفر جنوده ليرى ما يفعل بهؤلاء العباد، وكان قرارهم وما اجتمع عليه أمرهم هو اتيانهم من ناحية الصلاة وصرفهم عنها إما بتركها، أو إلهائهم عنها، وعدم الخضوع والخشوع فيها، وإذا فعل العبد ذلك استحوذ عليه الشيطان فأصبح من جنوده وأعوانه والعياذ بالله.
 
مراتب الاستخفاف بالصلاة
 
1 ـ الاستخفاف بأصل الصلاة: بمعنى عدم اتيانها وتركها كلياً، ومثل هذا الإنسان يموت يهودياً أو نصرانياً كما ورد في الخبر.
 
 

1- سورة الجاثية، الآية: 35.
2- سورة المائدة، الآية: 58.
 
 
 
 
42

34

الاستخفاف بالذنوب

 2- اتيانها تارة وتركها أخرى: حيث أن بعض الناس مثلاً لا يصلي إلا في شهر رمضان.

3ـ اتيان بعضها وترك الباقي منها.
كترك صلاة الصبح مثلاً.
4- الاتيان بها لا في وقتها ووقت فضيلتها بل عند التذكر.
5ـ الاشتغال بالعمل والبيع والتجارة في وقتها ولا سيما صلاة الجمعة.
6ـ عدم الاتيان بها جماعة مع القدرة عليها.
7- عدم الاهتمام بأجزائها وشرائطها كالوضوء، والقراءة، وحسن الركوع والسجود فيها.
8ـ عدم حضور القلب فيها.

رواية الزهراء عليها السلام

عن فاطمة سيدة النساء وابنة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، أنها سألت أباها محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فقالت

"يا أبتاه، ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء، ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة: ست منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في يوم القيامة إذا خرج من قبره.

فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا

فالأولى: يرفع الله البركة من عمره، والثانية يرفع الله البركة من رزقه، والثالثة يمحو الله عز وجل سيماء الصالحين من وجهه، والرابعة كل عملٍ يعمله لا يؤجر عليه، والخامسة لا يرتفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين.
 
 
 
 
43

35

الاستخفاف بالذنوب

 وأما اللواتي تصيبه عند موته
 
فأولاهن أنه يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه.
 
وأما اللواتي تصيبه في قبره:فأولاهن يوكل الله به ملكاً يزعجه في قبره، والثانية يضيق عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره.
 
وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره:
 
فأولاهن أن يوكل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية يحاسبه حساباً شديداً، والثالثة لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم"1.
 
المفاهيم الأساس
 
1- إن الاستخفاف بالذنوب (كبيرها وصغيرها) هي من أشد الذنوب عند الله تعالى.
2- إن الاستخفاف بأحكام الله تعالى والتهاون في عبادته له آثار كثيرة، منها قساوة القلب والغفلة عن ذكر الله تعالى، والأعظم هو الخروج من ولاية الله والدخول في ولاية الشيطان.
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج3، ص23؛ بحار الأنوار، ج80، ص21.
 
 
 
 
44

36

الاستخفاف بالذنوب

 للمطالعة

 
استخفاف ثعلبة

قيل أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أدع الله أن يرزقني مالاً. 
فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ويحك يا ثعلبة اذهب واقنع بما عندك، فإن الشاكر أحسن ممن له مال كثير لا يشكره، فذهب ورجع بعد أيام، وقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أدع الله تعالى أن يعطيني مالاً. 
فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أليس لك بي أسوة فإني بعزة عرش الله لو شئت لصارت جبال الأرض لي ذهباً وفضة.
فذهب ثم رجع فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سل الله تعالى أن يعطيني مالاً فإني أؤدي حق الله وأؤدي حقوقاً وأصل به الرحم.
فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم أعطِ ثعلبة مالاً.
وكان لثعلبة غنيمات فبارك الله فيها حتى تتزايد كما تزايد النمل، فلما كثر ماله كان يتعاهده بنفسه، وكان قبله يصلي الصلوات الخمس في المسجد مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فبنى مكاناً خارج المدينة لأغنامه فصار يصلي الظهر والعصر مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصلاة الصبح والمغرب والعشاء في ذلك المكان، ثم زادت الأغنام فخرج إلى دار كبير بعيدٍ عن المدينة، فبنى مكاناً فذهبت منه الصلوات الخمس والصلاة في المسجد والجماعة والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يأتي المسجد يوم الجمعة لصلاة الجمعة فلما كثر ماله ذهب منه صلاة الجمعة، فكان يسأل عن أحوال المدينة ممن يمر عليه.
 
 
 
 
 
45

37

الاستخفاف بالذنوب

 فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ما صنع ثعلبة؟

قالوا: يا رسول الله إن له أغناماً لا يسعها واد، فذهب إلى الوادي الفلاني وبنى فيه منزلاً وأقام فيه. 
فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة...".
وتتمة القصة إنه نزلت آية الصدقة "خذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تطَهرهمْ وَتزَكيهِم بِهَا" فأرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رجلين إلى ثعلبة لأخذ الصدقة منه، ولما أخبراه مقالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال لهما: هذه أخت الجزية. وامتنع عن دفعها، فرجع الرجلان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآهما قال لهما: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ما فعل ثعلبة.

مستدرك الوسائل، ج13، ص256
 
 
 
 
 
46

38

المجاهرة بالإثم

 4- المجاهرة بالإثم

 

من دعاء أبي حمزة الثمالي للإمام سيد الساجدين عليه السلام

"أنا يا رب الذي لم أستحيك في الخلاء ولم أراقبك في الملإ، أنا صاحب الدواهي العظمى، أنا الذي على سيده اجترأ، أنا الذي عصيت جبار السماء، أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشى، أنا الذي حين بشرت بها خرجت إليها أسعى، أنا الذي عصيت جبار السماء، أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشى، أنا الذي بشرت بها خرجت إليها أسعى، أنا الذي أمهلتني فما ارعويت، وسترت علي فما استحييت.."
 
 
 
 
47

39

المجاهرة بالإثم

﴿وَمَنْ أَظْلَم مِمن ذكرَ بِآيَاتِ رَبهِ ثم أَعْرَضَ عَنْهَا إِنا مِنَ الْمجْرِمِينَ منتَقِمونَ1.

 

 
من الصفات القبيحة، التي قد يتصف بها بعض العصاة والفساق الذين خرجوا من ولاية الله ودخلوا في ولاية الطاغوت، صفة الطغيان والمجاهرة بالإثم والفجور.
 
إذ أن هناك بعض الأفراد ممن يرتكب المعاصي، لكنه يستتر بها خوفاً من افتضاحه بين الناس، وهذا الإنسان مع جرأته على مولاه، إلا أنه لا يجرؤ على المجاهرة بما يقوم به.
 
وهناك بعض آخر من العصاة، أكثر جرأةً من غيره؛ فهو مع جرأته على الله فإنه يتجرؤ عليه طغياناً وعلواً واستكباراً في الأرض، بارتكابه المعاصي سراً وعلانية، استهتاراً واستخفافاً بربه وبنفسه وبغيره، وهو لا يبالي بما قال وبما فعل ولا بما قيل فيه.
 
وبعض من هؤلاء قد يرتكب المعصية العلنية جهلاً وغفلةً، إلا أن البعض الآخر منهم يرتكبها مع علمه بذلك عمداً وقصداً وعن سابق إصرارٍ وتصميم، كما هو حال فرعون الذي بارز الله بالمحاربة، وادعى الربوبية وأظهر الفسوق والفجور، وهذا ما ينطبق على معاوية ويزيد وفراعنة هذا العصر الصهاينة لعنهم الله.
 
وقد حذرنا الله في كتابه العزيز وعلى لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام من الطغيان مطلقاً، والمجاهرة بالإثم والمعصية والفسوق والفساد في الأرض، وقد توعد الله على ذلك بالانتقام والهلاك والخذلان والعذاب الأليم.
 
فعلى الإنسان العاقل أن لا يذنب بتاتاً إمتثالاً لأمر ربه القائل: ﴿وَذَرواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ
 
 

1- سورة السجدة، الآية: 22.
 
 
 
 
49

40

المجاهرة بالإثم

 وَبَاطِنَه إِن الذِينَ يَكْسِبونَ الإِثْمَ سَيجْزَوْنَ بِمَا كَانواْ يَقْتَرِفونَ1، ﴿وَلاَ تَقْرَبواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ2.

 

 
لأن المعصية معصيةٌ سواء كانت صغيرة أم كبيرة، وسواء كانت سرية أم علنية، لأن العبد العاصي بمعصيته قد تعرض لسخط ربه وغضبه.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إتقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم"3.
 
إلا أن التتبع في القرآن والروايات يشير إلى أن حال العالِم بالمعصية يختلف عن حال الجاهل بها.
 
وكذلك فإن المختار في تركها أو فعلها يختلف حاله عن المضطر إليها.
 
وأيضاً فإن حال المستتر بالمعصية ورغم طغيانه واستحقاقه للعقاب أهون حالاً من المعلن بها، لأن المستتر قد يستر الله عليه فلا يفضحه، ويمهله حتى يستغفر، ويتوب من ذنبه إلى ربه فيتوب الله عليه.
 
وأما المعلن للمعصية وخاصة مع علمه بها فقد ورد التحذير بنزول النقمة عليه حين ارتكابه للمعصية، وأنه لا أمل له بالنجاة، وأن فعله مانع من التوبة، وأن فعله أشد وأعظم ظلماً، وأن عذابه أكبر، وأنه يخلد في النار...
 
آثار المجاهرة بالذنب
 
للمجاهرة بالذنب آثاره الخاصة به، وقد ذكرت في القرآن الكريم، والروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، مما يؤكد على خطورتها ووجوب الحذر منها والابتعاد عنها، نذكر منها
 
 

1- سورة الأنعام، الآية: 120.
2- سورة الأنعام، الآية: 151.
3- وسائل الشيعة، ج15، ص239.
 
 
 
 
50

41

المجاهرة بالإثم

 تعجيل النقم

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "مجاهرة الله سبحانه بالمعاصي تعجل النقم"1.
 
أشد المآثم
"إياك والمجاهرة بالفجور فإنها من أشد المآثم"2.
 
عدم العافية
"كل أمتي معافة إلا المجاهرين الذين يعملون العمل بالليل فيستره ربه، ثم يصبح فيقول: يا فلان إني عملت البارحة كذا وكذا..."3.
 
الخذلان
عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "المذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بالسيئة مغفور له"4.
 
عدم النجاة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة، إلا لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن، ثم تلا: ﴿قلْ إِن كنتمْ تحِبونَ اللهَ فَاتبِعونِي يحْبِبْكم الله"5.

 

 
الإبتهاج بالذنوب والمعاصي
 
يشاهد أن بعض العصاة مضافاً إلى ارتكابهم الذنب والمجاهرة به علناً يظهرون طغيانهم وتبجحهم أمام الآخرين بأنه كذب وسرق وزنى ونظر... الخ، مبتهجاً بذلك ومتلذذاً بما قام به، فرحاً مسروراً بذنبه، وهذا من أقبح الصفات التي قد يتصف بها العبد العاصي، وقد ورد التحذير والنهي عنها وذكر بعض آثارها.
 
 

1- غرر الحكم، ص100.
2- مستدرك الوسائل، ج11، ص368.
3- ميزان الحكمة، ج2، ص988.
4- بحار الأنوار، ج70، ص356.
5- الكافي، ج8، ص128.
 
 
 
 
51

 


42

المجاهرة بالإثم

 روي عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال: "إياك والإبتهاج بالذنب، فإن الإبتهاج به أعظم من ركوبه"1.

وعنه أيضاً: "لا وزر أعظم من التبجح بالفجور".
 
من آثار الإبتهاج بالذنب
 
الخسران
عن الإمام علي عليه السلام قال: "لا يفلح من يتبجح بالرذائل".
 
الذل
وعنه عليه السلام أيضاً: "من تلذذ بمعاصي الله أورثه الله ذلا".
 
العذاب الأليم
وقال عليه السلام: "حلاوة المعصية يفسدها أليم العقوبة".
 
دخول النار
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من أذنب ذنباً وهو ضاحك دخل النار وهو باكٍ".
 
 
الركون إلى الظالمين
 
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنواْ إِلَى الذِينَ ظَلَمواْ فَتَمَسكم النار وَمَا لَكم من دونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثم لاَ تنصَرونَ2.

 

 
من المسائل الهامة المرتبطة بالمجاهرة بالفسق والفجور والطغيان، عدم الركون إلى هؤلاء الظلمة الطغاة، وإعانتهم على إثمهم ومعاصيهم؛ لئلا تمسنا النار بإتباعهم، وعدم نهيهم عن المنكر، والدخول فيما دخلوا فيه، ومحبة بقائهم، وبالتالي بقاء الفساد والظلم في المجتمع وشيوعه.
 
لذا فإن أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تدل على لزوم الوقوف في
 
 

1- ميزان الحكمة، ج2 ص99.
2- سورة هود، الآية: 113.
 
 
 
 
52

43

المجاهرة بالإثم

 وجه العصاة والظلمة، وردعهم عن ظلمهم، وعدم إعانتهم في إثمهم ومعاصيهم.

 
وهذا ما قام به الأنبياء العظامعليه السلام والأئمة الطاهرون عليه السلام ومن بعدهم العلماء المجاهدون والمؤمنون الأتقياء، إذ نهضوا بكل ما أوتوا من قوة وعزم، مستعينين بالله، لا يخشون معه أحداً، ولا يخافون في الله لومة لائم، لتبليغ رسالات الله وإعلاء كلمة التوحيد وإقامة العدل في الأرض.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك... وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون على الفروج والدماء، والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين، البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قومٍ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة"1.
 
وها هو الإمام الحسين عليه السلام، سيد الشهداء، ورمز التضحية والإباء، والشجاعة والعزة، يقف في وجه يزيد الفاسق الظالم، قائلاً له بعد طلب البيعة منه:
"إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا فتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله..."2.
 
وقال عليه السلام في جمعٍ من أصحابه وأهل بيته، مستنهضاً لهم للقيام في وجه يزيد
"فإنكم إلا تنصرونا وتنصفونا، قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، وحسبنا الله وعليه توكلنا، وإليه أنبنا وإليه المصير"3.
هؤلاء هم قدوتنا في الحياة، نتعلم منهم دروس القيام بالتكليف، والتضحية بالنفس
 
 

1- شرح نهج البلاغة، ج8، ص263.
2- بحار الأنوار، ج44، ص225.
3- تحف العقول، ص239.
 
 
 
 
53

44

المجاهرة بالإثم

 والولد، وهو معنى الحياة العزيزة لا الذليلة، ونتعلم الوقوف في وجه الظالم الطاغية المجترئ على الله وعباده، وتكليفنا اليوم تلبية نداء النصرة لله والأئمة الطاهرين عليه السلام، للوقوف في وجه الطاغوت الأكبر وأعوانه، رغم قلة الناصر وتعاظم الجائر.


المفاهيم الأساس
 
1- إن أسوداد قلب الإنسان بالذنوب لا يجعله يغرق فقط في وحل المعاصي والآثام، بل يدفعه ذلك إلى المجاهرة بما يقوم به.
2-لقد حذر المولى عز وجل من المجاهرة بالمعصية والإثم، ووعد بالانتقام والهلاك والخذلان لكل من يتجرئ على ذلك.
3- إن من أبرز مصاديق المجاهرة بالإثم هو الركون إلى الظالمين والطغاة، وإعانتهم على إثمهم وطغيانهم.
 
 
 
 
54

45

المجاهرة بالإثم

 للمطالعة

 
روي عن صفوان الجمال

قال: دخلت على الإمام الكاظم عليه السلام.
فقال عليه السلام لي: يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً. 
قلت: جعلت فداك أي شيء؟ 
قال عليه السلام: إكراؤك [إعارتك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون 
قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو، ولكني أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة، ولا أتولاه بنفسي، ولكن ابعث معه غلماني.
فقال عليه السلام لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم ؟ 
قلت: نعم جعلت فداك، 
قال: فقال عليه السلام لي : أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ 
قلت: نعم، 
قال عليه السلام : من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار. 
قال صفوان : فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي : يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك، 
قلت: نعم، 
قال: ولم؟ 
قلت: أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال؟ 
 
 
 
 
55

46

المجاهرة بالإثم

 فقال: هيهات هيهات، إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر.

قلت: ما لي ولموسى بن جعفر؟ 
فقال: دع هذا عنك فو الله لولا حسن صحبتك لقتلتك.
 

وسائل الشيعة،ج17، ص182-183
 
 
 
 
 
56

47

التواجد في مواضع التهم

 5- التواجد في مواضع التهم



 
في وصية الإمام زين العابدين عليه السلام لولده الباقر عليه السلام قال له 

" يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقلت: يا أبه من هم؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب.
وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو أقل من ذلك.
وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.
وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.
وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع.."
 
 
 
 
 
57

48

التواجد في مواضع التهم

 تمهيد

 
إذا كانت المستحبات سياجاً للواجبات، بحيث إن الإنسان المؤمن إذا حافظ عليها، وأتى بها مهتماً بالقيام بما استطاع منها، فإنه بطريق أولى لن يقصر في أداء الواجبات، كذلك فإن المكروهات سياج المحرمات، وبالتالي إذا هتك الإنسان المؤمن ستر المكروه، ولم يبالِ بفعله فلربما تزل قدمه أحياناً، فيبادر إلى ارتكاب بعض المحرمات.
 
ومن المسائل الخطيرة والابتلائية عند بعض المؤمنين، كما هو مشاهد في زماننا الحاضر، تواجدهم ووضع أنفسهم في مواضع وأماكن وحالات لا ينبغي لهم التواجد فيها، تارةً من ناحية شخصية، وأخرى بما يحمله من عنوانٍ ومسؤولية، وقد عبرت الروايات الشريفة عنها بمواضع التهمة، وها هو أمير المؤمنين عليه السلام يوصي ولده الحسن عليه السلام بقوله: "إياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء"1، وربما يعود السبب في توقي مواضع الشبهة والتهمة إلى أمور منها
 
1-الانجرار للمعصية
إن هذه الأماكن قد تدفع هذا الإنسان بسبب وجود الشبهات والمحرمات أحياناً إلى الوقوع فيما لا يحمد عقباه، وبالتالي فلا يلومن إلا نفسه كما ورد في الخبر الشريف.
 
2- اتهامه بالمعصية
أنها مدعاة لاتهامه من قبل من يراه وشيوع ذلك بين الناس، وحينئذٍ لن ينفع التبرير والإعتذار.
 
 

1- وسائل الشيعة، ج12، ص37.
 
 
 
 
59

49

التواجد في مواضع التهم

 فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "اتقوا مواقف الريب، ولا يقض أحدكم مع أمه في الطريق؛ فإنه ليس كل أحدٍ يعرفها"1.

 
وما ذلك إلا لدفع التهمة والقيل والقال، فيرحم نفسه ويرحم غيره، بعدم استغابته والإساءة إليه وفضحه.
 
وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهمة"2.
 
3- سوء الظن
 
إن هذا التواجد سيؤدي إلى إساءة الظن به، ولو من الناحية القلبية فقط، من دون أن يبرز إلى الخارج بالكلام، ولا سيما الغيبة وغيرها.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء الظن به"3.
 
لقد أشرنا فيما سبق وفيما سيأتي، إلى أن الإنسان المؤمن العاقل، لا بد له أن يصبغ كل أفعاله وأعماله بالصبغة الإلهية، أي أن تكون كل أحواله الظاهرية والباطنية، موافقة للشرع المقدس، وما أمر به الله عز وجل ورسوله وأولي الأمر سلام الله عليهم.
 
وبعبارة أخرى أن تكون أفعاله نابعة من التقوى، التي تحمي الإنسان وتحصنه من الوقوع في الشبهات، لأنه إذا نظر من منظار التقوى، فسوف يقيس كل فعلٍ أو عملٍ ينوي القيام به بميزان رضا الله وغضبه، ومن ثم يقدم أو لا يقدم عليه.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المَثلات حجزته التقوى عن تقحم الشبهات"4، والشرط الأساس لحصول مثل هذه التقوى، هو التفقه في الدين، وتعلم أحكام الحلال والحرام، وسلوك طريق الإحتياط، فإن به النجاة.
 
 

1- وسائل الشيعة، ج12، ص37.
2- مستدرك الوسائل، ج8، ص340.
3- وسائل الشيعة، ج12، ص37.
4- نهج البلاغة، ج1، ص47.
 
 
 
 
60

50

التواجد في مواضع التهم

 مواضع التهمة

 
نشير ها هنا إلى بعض مواضع التهمة التي ينبغي الحذر منها أو الدخول فيها، وهي
 
1- الأماكن المحرمة
وهي من أوضح مصاديق التهمة للأخ المؤمن إذا تواجد فيها، كنوادي السهر وأماكن الدعارة والمسابح المختلطة، التي لا يتورع فيها عن ارتكاب الحرام...
 
2- الأماكن المختلطة
كالأعراس التي لا يراعى فيها حرمة الاستماع إلى الغناء، والموسيقى، والنظر المحرم.
 
3-التواجد في الطرقات
وهي من العادات القبيحة عند بعض الأفراد، وقد تلازم النظر المحرم إلى الفتيات، وتسبب الحرج لبعض الأخوات بالمرور من ذلك الطريق.
وقد نهانا أهل البيت عليهم السلام عن الجلوس في الطرقات، كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قبيل وفاته أنه قال عليه السلام: "إياك والجلوس في الطرقات"1.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأصحابه: "إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد؛ نتحدث فيها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أبيتم إلا المجلس فاعطوا الطريق حقها.
قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..."2.
 
 

1- بحار الأنوار، ج72، ص465.
2- نيل الأوطار، ج6، ص59.
 
 
 
 
61

51

التواجد في مواضع التهم

 4- زيارة الأشخاص المشبوهين

الذين تدور حولهم بعض علامات الاستفهام، لا سيما مع انفلات الوضع الأمني ووجود شبكات العملاء والمخبرين.
 
5- فضول الكلام والتطفل
ورد في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر قوله: "يا أبا ذر أترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك"1.
 
6- صحبة الأشرار والفساق
ولا سيما شارب الخمر ومتعاطي المخدرات.
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "صحبة الأشرار تكسب الشر، كالريح إذا مرت بالنتن حملت نتناً"2.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لا تصحب الفاجر فإنه يعلمك من فجوره"3.
 
الخـَلوة بالأجنبية
 
من أوضح المصاديق البارزة لمواضع التهمة وجلب إساءة الظن بالأخ المؤمن، وما يؤدي به للوقوع بالحرام أمران
 
أ- الخلوة بالأجنبية
أي الجلوس مع إمرأة محرمة عليه في مكان مشبوه، وقد ورد النهي المؤكد عن ذلك في أقوال الأئمة عليهم السلام والعلماء، لما في ذلك من المفاسد ولا أقلها النظر المحرم وفوران الشهوة والتلذذ.
ففي دعائم الإسلام: "عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن محادثة النساء يعني
 
 

1- وسائل الشيعة، ج12، ص188.
2- غرر الحكم، ص431.
3- بحار الأنوار، ج71، ص191.
 
 
 
 
62

52

التواجد في مواضع التهم

 غير ذوات الأرحام وقال: "لا يخلون رجل بإمرأة، فما من رجلٍ خلا بإمرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".

وعن جعفر بن محمد عليه السلام قال: "حديث النساء من مصائد الشيطان".

ب ـ العقد على المشهورة بالزنا

وهذه من المصائب التي قد يبتلي بها البعض، ولها مفاسد أخلاقية وصحية واجتماعية.

إذ أن بعض الشباب يسعى وراء شهوته فيفتش عن هذه وتلك، ويسأل عن هذه وتلك، فيقع في النظر المحرم والسؤال المحرم المستتبع للأذى. وقد تصل به الحال إلى إرضاء شهوته مع أوسخ النساء وأحقرهن وأرذلهن، وهي المشهورة بالزنا. وقد يؤدي به إلى الوقوع في الزنا المحرم والعياذ بالله، وهذا ما يسيء للمذهب وللخط والنهج. سيما إذا كان هذا الإنسان المؤمن يشكل رمزاً أو شعاراً للخط أو للمذهب، أو يحمل مسؤولية، وبذلك يسيء إلى أهل البيت عليهم السلام ويجلب لهم الشنعة والعياذ بالله.

المفاهيم الأساس
 
1- إن من صفات المؤمن عدم وضع نفسه في مواضع الشبهة والتهمة وما شابه.
2- لقد نبه الإسلام العزيز إلى تجنب مواضع الشبهة والتهمة، وذلك لعدة أسباب:
أ- إن مثل هذه المواضع قد تدفع بالإنسان للوقوع في الحرمة والمنكر.
ب- تكون إنطباع سيء عند الناس حول تواجد الإنسان في هكذا مواضع، فضلاً عن إساءة الظن به.
3- من مصاديق مواضع التهمة والشبهة، أماكن ارتكاب المحرمات والمنكر وعدم مراعاة الضوابط الشرعية، فضلاً عن التواجد في الطرقات وصحبة الأشرار.
 
 
 
 
63

53

التواجد في مواضع التهم

 للمطالعة

 
الزهد في الدنيا

من خطبة لأمير المؤمنين يعظ فيها ويزهد في الدنيا، قال عليه السلام: "نحمده على ما أخذ وأعطى وعلى ما أبلى وابتلى. الباطن لكل خفية، والحاضر لكل سريرةٍ، العالِم بما تكِن الصدور وما تخون العيون ونشهد أن لا إله غيره وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نجيبه وبعيثه. شهادةً يوافق فيها السر الإعلانَ والقلب اللسانَ...
فإنه واللهِ الجِد لا اللعب والحق لا الكذب، وما هو إلا الموت أسمع داعيه وأعجل حاويه، فلا يغرنك سواد الناس من نفسك، وقد رأيت من كان قبلك ممن جمع المال، وحذر الإقلال، وأمِن العواقب، طول أمل واستبعاد أجل، كيف نزل به الموت فأزعجه عن وطنه وأخذه من مأمنه محمولاً على أعواد المنايا يتعاطى به الرجال الرجالَ، حملاً على المناكب وإمساكاً بالأنامل، أما رأيتم الذين يأملون بعيداً ويبنون مشيداً ويجمعون كثيراً كيف أصبحت بيوتهم قبوراً وما جمعوا بوراً وصارت أموالهم للوارثين، وأزواجهم لقومٍ آخرين، لا في حسنة فيزيدون، ولا من سيئة يستعتبون. فمن أشعر التقوى قلبه برز مهله (أي التعدم في الخير) وفاز عمله فاهتبلوا هبلها (أي اغنموا خير التقوى) واعملوا للجنة عملها، فإن الدنيا لم تخلق لكم دار مقام بل خلقت لكم مجازاً لتزودوا منها الأعمال إلى دار القرار، فكونوا منها على أوفازٍ وقربوا الظهور لِلزيَالِ".

نهج البلاغة، الخطبة 132، ص189
 
 
 
 
64

54

الغيبة

 6- الغيبة

 
 
قال أمير المؤمنين عليه السلام في النهي عن عيب الناس
 
"وإنما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السلامة، أن يرحموا أهل الذنوب والمعصية، ويكون الشكر هو الغالب عليهم والحاجز لهم عنه.
 
فكيف بالعائب الذي عاب أخاه وعتيره ببلواه، أما ذكر موضع ستر اللع عليه من ذنوبه ما هو أعظم من الذنب الذي عاب به، فكيف يذمه بذنبٍ في ركِبَ مثله، فإن لم يكن ركب ذلك الذنب بعينه فقد عصى الله فيما سواه مما هو أعظم منه. وأيم الله لو لم يكن عصاه في الكبيرلقج عصاه في الصغير ولجرأته على عيب الناس أكبر.
 
يا عبد الله لا تعجل في عيب عبدٍ بذنبه فلعله مغفور له، ولا تأمن على نفسك صغير معصية فلعلك تعذب عليه، فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه، وليكن الشكر شاغلاً له على معافاته مما ابتلي به غيره".1
 
 

1- وسائل الشيعة، ج15، ص291.
 
 
 
 
65

55

الغيبة

 تمهيد

 

 

﴿يَا أَيهَا الذِينَ آمَنوا اجْتَنِبوا كَثِيرًا منَ الظن إِن بَعْضَ الظن إِثْمٌ وَلَا تَجَسسوا وَلَا يَغْتَب بعْضكم بَعْضًا أَيحِب أَحَدكمْ أَن يَأْكلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتموه وَاتقوا اللهَ إِن اللهَ تَوابٌ رحِيمٌ1.

 

 
أشرنا فيما مضى إلى الآثار العامة لارتكاب الذنوب مطلقاً. إلا أن هناك بعض الذنوب لها آثارها الخاصة دنيوياً وآخروياً، وعلى الفرد والمجتمع أيضاً وبالتالي لا بد من الإشارة إليها، والاطلاع على تبعاتها؛ لعلنا نحذر منها فلا نقدم على ارتكابها.
 
الغيبة وآثارها
 
الغيبة مرض نفسي واجتماعي قاتل، أصبح في أيامنا فاكهة المجالس لا يتورع الكثيرون عنه جهلاً وغفلة وتهاوناً عند بعض، وعمداً عند البعض الآخر، ولقد ورد النهي المؤكد والمشدد عن الغِيبة في القرآن الكريم والروايات الشريفة، لذلك يقول الإمام الخميني قدس سره: "اعلم أن حرمة الغيبة محل اتفاقٍ اجمالا، بل تعد من ضروريات الفقه ومن المعاصي الكبيرة والموبقات المهلكة"2.
 
وقال بعضهم: "أدركنا السلف لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة، ولكن في الكف عن أعراض الناس"3.
 
ويقول العلامة المجلسي قدس سره: "واعلم أن السبب الموجب للتشديد في أمر الغيبة وجعلها أعظم من كثيرٍ من المعاصي الكثيرة، اشتمالها على المفاسد الكلية المنافية 
 
 

1- سورة الحجرات، الآية: 12.
2- الأربعون حديثاً، ص283.
3- بحار الأنوار، ج72، ص222.
 
 
 
 
67

56

الغيبة

 لغرض الحكيم سبحانه بخلاف باقي المعاصي فإنها مستلزمة لمفاسد جزئية"1.

 
ولهذا فإن سلوك سبيل الله إنما يكون بسائر وجوه الأوامر والنواهي، لا باتيان بعضها وترك بعضها الآخر؛ لأن هذا موجبٌ للتهاون بأوامر الله ونواهيه وبالتالي التهاون بالله عز وجل وجعله في حد أهون الناظرين والمراقبين، بل إن البعض قد لا يخاف من خالقه بقدر ما يخاف من مخلوقاته.
 
تعريف الغيبة
 
ذكرت تعاريف كثيرة للغيبة أشهرها "ذكر الإنسان حال غيبته بما يكره نسبته إليه، مما يعد نقصاناً في العرفِ بقصد الانتقاص والذم".
 
وقد عرفها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لأبي ذر عندما سأله: "قلت يا رسول الله ما الغيبة؟
 
قال صلى الله عليه وآله وسلم: ذكرك أخاك بما هو فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته"2. وقال بعضهم في تعريفها: "ذكرك أخاك بما يسؤوه في ظهر الغيب".
 
القيود المأخوذة في أكثر التعاريف، هي
أ- تحديد الشخص المغتاب.
ب- أن يكون أخاً في الدين.
ج- أن لا يكون متجاهراً بالفسق.
د- قصد التنقيص لا المصلحة (عند البعض).
هـ- أن يكون موجوداً فيه (لا يكذب في قوله).
و- أن يكشف أمراً مستوراً لا ظاهراً.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "المستفاد من أخبار الغيبة أن كشف ستر المؤمنين حرام، بمعنى أنه يحرم إظهار عيوب المؤمنين المستورة من دون فرق بين أن تكون
 
 

1- م.س. البحار، ج72، ص223.
2- وسائل الشيعة،ج12،ص281.
 
 
 
 
68

 


57

الغيبة

 هذه العيوب خَلقية أو خلقية أو سلوكية... وسواء كان هناك قصد انتقاص أم لا، ولكن يستفاد من مراجعة عدة روايات في المقام أن لقصد الانتقاص والطعن دور في حرمة الغيبة..."1.

 
ولكن لا بد من الإشارة والتنبيه إلى أن عدم توفر قيود الغيبة، قد لا يرتب عنوانها وحرمتها، إلا أنه موجبٌ لحرمات أخرى كالهتك والإيذاء والإهانة وإشاعة الفاحشة.
 
أسباب الغيبة في رواية الإمام الصادق عليه السلام
 
قال سلام الله تعالى عليه: أصل الغيبة يتنوع بعشرة أنواع
1 ـ شفاء غيظ: فيغتاب أحدهم ويقع فيه وفي عرضه ليروي غليله ويشفي حقده وينفس قلبه.
2ـ  ومساعدة قومٍ: في غيبتهم وتعرضهم لأعراض الناس، فلا يرد عليهم غيبة المغتاب ويدافع عنه، وقد يشاركهم القول مؤيداً لهم ولو بالإشارة ونحوها.
3ـ وتهمة: بلا أي سبب ومبرر، ومن دون أي دليل على قوله.
4ـ وتصديق خبرٍ بلا كشفه: دون تبين وتثبتٍ وقد أمر بذلك.
5 ـ وسوء ظن: بالآخرين وقد أمر بحسن الظن بهم، وأن يحملهم على العمل الحسن.
6ـ وحسدٍ: لغيره مما هم عليه من النعمة.
7ـ وسخريةٍ: منهم.
8ـ وتعجبٍ: مما فعلوه وقالوه.
9ـ وتبرمٍ: إظهار الانزعاج مما فعله فلان.
10ـ وتزينٍ: بأنه لا يفعل ما فعله أو ما قاله فلان.
ثم يقول عليه السلام: "فإذا أردت السلامة فاذكر الخالق لا المخلوق، فيصير لك مكان
 
 

1- الأربعون حديثاً، ص283.
 
 
 
 
69

58

الغيبة

 الغيبة عبرة ومكان الإثم ثواباً"1.

 
آثار الغيبة الخاصـة دنيوياً وأخرويـاً
 
الغيبة ذنبٌ وكبيرة من الكبائر تشملها آثارهما بشكل عام، ولها آثارها الخاصة، كما هو الوارد في الآيات والروايات، وسنشير إلى بعضها.
أ - الآثار الدنيويـة للغيبة
 
1- بغض الله: بغض الناس وإحباط الأجر
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إياك والغيبة فإنها تمقتك إلى الله والناس وتحبط أجرك"2.
وعنه أيضاً قال: "أبغض الخلائق إلى الله المغتاب"3.
2- اللعنة
والمراد منها الطرد من رحمة الله، روى عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "ملعون ملعون من اغتاب أخاه"4.
3- أقبح اللؤم
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "من أقبح اللؤم غيبة الأخيار"5.
4- تأكل دين الرجل
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه"6.
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج9، ص118.
2- غرر الحكم، ص221.
3- مصدر سابق،غرر الحكم،ص122.
4- وسائل الشيعة، ج12، ص231.
5- غرر الحكم، ص221.
6- الكافي، ج2، ص356.
 
 
 
 
70

59

الغيبة

 5- أشد من الزنا

عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الغيبة أشد من الزنا، قلت ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تغفر حتى يَغفرها صاحبها"1.
 
6- تورث غيبة المغتاب
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لا تَغتب فتغتب ولا تحفر لأخيك حفرة فتقع فيها، فإنك كما تدين تدان"2.
 
7- الخروج من ولاية الله
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من روى على مؤمنٍ رواية يريد بها شينه وهدم مرؤته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله عز وجل من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان"3.
 
8- عدم قبول الصلاة والصوم
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من اغتاب مسلماً أو مسلمة لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلا أن يغفر له صاحبه"4.
 
ب - الآثار الأخرويـة للغيبة
1- دخول النار
روي أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: "من مات تائباً من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصراً عليها فهو أول من يدخل النار" 5.
 
 

1- وسائل الشيعة، ج12، ص280.
2- بحار الأنوار، ج72، ص248.
3- الكافي، ج2، ص358.
4- مستدرك الوسائل، ج9، ص122.
5- نفس المصدر، ص126.
 
 
 
 
71

60

الغيبة

 2- إدام كلاب النار

عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته إلى نوف البكالي قال: "اجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار"1.
 
3ـ محو الحسنات
عن الباقر عليه السلام قال: "إذا كان يوم القيامة أقبل قوم على الله عز وجل فلا يجدون لأنفسهم حسنات، فيقولون إلهنا وسيدنا ما فعلت حسناتنا، فيقول الله عز وجل أكلتها الغيبة، إن الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحلفاء"2.
 
4ـ أنتن من الجيفة
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... ونهى عن الغيبة وقال: من اغتاب امرأً مسلماً بطل صومه ونقض وضؤوه، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة، يتأذى بها أهل الموقف3.
 
المفاهيم الأساس
 
1- إن أسوء فواكه المجالس هي فاكهة الغيبة، بل هو مرض نفسي واجتماعي له آثاره المدمرة للمجتمع وأخلاقياته.
2- الغيبة تعني ذكر إنسان غائب عنا بما يكره نسبته إليه ويعد إنقاصاً له وذم بحقه.
3- إن من آثار الغيبة في الدنيا: الخروج من ولاية الله، وأما من آثارها الأخروية فدخول النار.
 
 

1- وسائل الشيعة، ج12، ص283.
2- مستدرك الوسائل، ج9، ص124.
3- وسائل الشيعة،ج12،ص283.
 
 
 
72

61

الغيبة

 للمطالعة

 
أقسام الذنوب
 
صعد أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
"أيها الناس إن الذنوب ثلاثة، ثم أمسك1. قال له حبة العرني: يا أمير المؤمنين قلت الذنوب ثلاثة ثم أمسكت! فقال: ما ذكرتها إلا وأنا أريد أن أفسرها ولكن عرض لي بهرٌ حال بيني وبين الكلام.
نعم الذنوب ثلاثة: فذنب مغفورٌ، وذنبٌ غير مغفورٍ، وذنبٌ نرجو لصاحبه ونخاف عليه.
قال: يا أمير المؤمنين فبينها لنا؟
قال: نعم, أما الذنب المغفور فعبدٌ عاقبه الله على ذنبه في الدنيا، فالله أحلم وأكرم من أن يعاقب عبده مرتين، وأما الذنب الذي لا يغفر، فمظالم العباد بعضهم لبعضٍ، إن الله تبارك وتعالى إذا برز لخلقه أقسم قسماً على نفسه فقال: وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كفٌ بكف ولو مسحةٌ بكف ولو نطحةٌ ما بين القرناء إلى الجماء2، فيقتص للعباد بعضهم من بعض حتى لا تبقى لأحدٍ على أحدٍ مظلمة ثم يبعثهم للحساب. وأما الذنب الثالث فذنب ستره الله على خلقه (عبده) ورزقه التوبة منه، فأصبح خائفاً من ذنبه راجياً لربه، فنحن له كما هو لنفسه، نرجو له الرحمة ونخاف عليه العذاب".
 
الكافي، ج2، ص443
 
 
 

1- أمسك أي توقف عن الكلام.
2- القرناء أي التي لها قرن والجماء التي لا قرن لها.
 
 
 
 
73

62

النميمة

 7- النميمة

 

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

" أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى، يسقون من الحميم والجحيم، ينادون بالويل والثبور.
يقول أهل النار بعضهم لبعضٍ: ما بال هؤلاء الأربعةِ قد آذونا على ما بنا من الأذى.

1- فرجل معلق عليه تابوت من جمر.

2- ورجلٌ يجر أمعائه.

3- ورجل يسيل فوه قيحاً ودماً.

4- ورجلٌ يأكل لحمه
 
 
 
 
75

63

النميمة

 فيقال لصاحب التاوبت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى فيقول: إن الأبعد مات وفي عنقه أموال الناس لم يجد لها أداءً ولا وفاء.


ثم يقال للذي يجر أمعائه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده.

ثم يقال للذي يسيل فوه قيحاً ودماً: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان يحاكى فينظر إلى كل كلمة خبيثة فيسندها فيحاكي بها.

ثم يقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة، ويمشي بالنميمة".1
 
 

 
1- وسائل الشيعة، ج 12، ص 307.
 
 
 
 
76

64

النميمة

 قال الله تعالى: ﴿وَلَا تطِعْ كل حَلافٍ مهِينٍ * هَمازٍ مشاء بِنَمِيمٍ * مَناعٍ للْخَيْرِ معْتَدٍ أَثِيمٍ* عتل بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ1.

 



اللسان: نعمة ونقمة

من النعم الإلهية التي أنعم الله بها على الإنسانِ من جملة خلقِه الذي خَلقه في أحسن تقويم، نعمة اللسان والبيان والنطق، التي تميزه عن باقي المخلوقات، قال تعالى: ﴿الرحْمَن * عَلمَ الْقرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلمَه الْبَيَانَ2، وكذلك قوله: ﴿أَلَمْ نَجْعَل له عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ3.

 


وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة ممثلة أو بهيمة مهملة"4.

ولذا لا بد لنا من شكر الله على هذه النعمة وإعطائها حقها، بتسخيرها والاستفادة منها فيما يرضي الله عز وجل ولا يسخطه، فبهذا اللسان يصل الإنسان إلى أعلى المراتب والمقامات عبر ذكر الله، وإتيان الطاعات والإصلاح بين الناس والدعوة إلى الله، وبهذا اللسان أيضاً يهبط الإنسان إلى أسفل السافلين ودرك الجحيم إن سخره في معصية الله.

ومن هنا كان للسان حق لا بد من أدائه، قال الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق:
 

 
1- سورة القلم، الآيات: 10-13.
2- سورة الرحمن، الآيات: 1 ـ 4.
3- سورة البلد، الآيتان: 8 و9.
4- غرر الحكم، ص209.
 
 
 
 
77

65

النميمة

 فيقال لصاحب التاوبت: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى فيقول: إن الأبعد مات وفي عنقه أموال الناس لم يجد لها أداءً ولا وفاء.

 
ثم يقال للذي يجر أمعائه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده.
 
ثم يقال للذي يسيل فوه قيحاً ودماً: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان يحاكى فينظر إلى كل كلمة خبيثة فيسندها فيحاكي بها.
 
ثم يقال للذي يأكل لحمه: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة، ويمشي بالنميمة".
 
1- وسائل الشيعة، ج 12، ص 307.
"وحق اللسان إكرامه عن الخنا1، وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبر بالناس وحسن القول فيهم"2
 
 
المعيار هو العقل
 
والمعيار في تقييم اللسان هو العقل والجهل، فبالعقل ترجح كفته وبالجهل يسقط ويهوي.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "اللسان معيارٌ أرجحه العقل وأطاشه الجهل"3.
 
وبهذا اللسان يفتح الإنسان أبواب الخير وبه أيضاً يفتح أبواب الشر، لكن العبرة فيما يتكلم وفيما لا يتكلم، ومتى يتكلم ومتى لا. ورد في الحديث الشريف عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "كان أبو ذر يقول في عظته: يا مبتغي العلم، إن هذا اللسان مفتاح كل خيرٍ ومفتاح كل شرٍ، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وفضتك"4.
 
مساوئ اللسان
 
إن مساوى‏ء اللسان كثيرة وعواقبه وخيمه، وهو سبب هلاك أكثر الناس ودخولهم النار.
 
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا رسول الله أوصني، قال صلى الله عليه وآله وسلم: احفظ لسانك، قال يا رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال صلى الله عليه وآله وسلم: احفظ لسانك، قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصني، قال صلى الله عليه وآله وسلم: احفظ لسانك، ويحك وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم"5.
 
وبالرغم من أن المحرك لارتكاب المعاصي اللسانية هي النفس الأمارة بالسوء، وما اللسان إلا آلة لإظهار ما في النفوس خيرها وشرها، إلا أن ما ورد في القرآن الكريم هو
 
 

1- الخنا: أي الفحش في الكلام.
2- وسائل الشيعة، ج15، ص172.
3- غرر الحكم، ص211.
4- مستدرك الوسائل، ج9، ص24.
5- الكافي، ج2، ص115.
 
 
 
 
78

66

النميمة

 التأكيد على أن الألسن، هي من تشهد يوم القيامة على أفعال الإنسان في الدنيا: ﴿ييَوْمَ تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجلهم بِمَا كَانوا يَعْمَلونَ1.

 


بل يعذب اللسان عذاباً شديداً كما في الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح.

فيقول: يا رب عذبتني بعذابٍ لم تعذب به شيئاً.

فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام، وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام. وعزتي وجلالي لأعذبنك بعذابٍ لا أعذب به شيئاً من جوارحك"2.

النميمة وآثارها

النميمة مرض نفسي لساني قاتل وخطير وهي تعني: "نقل قول الغير إلى المقول فيه سواء بالتكلم أو الكتابة أو الإشارة أو الرمز"3.

وهي المصداق البارز لإشاعة الفاحشة في المجتمع المؤمن، لما فيه من الفساد والإفساد.

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "من قال في مؤمنٍ ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال الله عز وجل "إِن الذِينَ يحِبونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَة فِي الذِينَ آمَنوا لَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" 4.- 5

وعنه عليه السلام قال: "وإن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب العداوة على المتصافين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور ويكشف بها الستور، والنمام أشر من وطى‏ء الأرض بقدمٍ"6.
 
 
 

 
1- سورة النور، الآية: 24.
2- الكافي، ج2، ص115.
3- مجمع البحرين، ج6، ص180.
4- سورة النور، الآية: 19.
5- الكافي، ج2، ص357.
6- مستدرك الوسائل، ج9، ص151.
 
 
 
 
79

67

النميمة

 وينبغي لكل من حملت إليه النميمة:


1- عدم التصديق: لقوله تعالى: ﴿وَلَا تطِعْ كل حَلافٍ مهِينٍ * هَمازٍ مشاء بِنَمِيمٍ1.

 

2- التبين قبل ترتيب الأثر لقوله تعالى: ﴿يَا أَيهَا الذِينَ آمَنوا إِن جَاءكمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَينوا أَن تصِيبوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتصْبِحوا عَلَى مَا فَعَلْتمْ نَادِمِينَ2.

 

3- أن ينهاه عن ذلك لقوله تعالى: ﴿وَأْمرْ بِالْمَعْروفِ وَانْهَ عَنِ الْمنكَرِ3.

 

4- أن يبغضَ في الله‏ إذا علم منه معرفته بعمله وإصراره على فعله، لأنه ملعون بعيدٌ عن الله. ورد في الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتبعد عن الله"4.
5 - أن لا تظن بأخيك السوء: ﴿اجْتَنِبوا كَثِيرًا منَ الظن إِن بَعْضَ الظن إِثْمٌ5.

 

6 - أن لا يحملك القول فيك على التجسس ﴿وَلَا تَجَسسوا6.

 

7 - أن لا ترضى لنفسك ما نهيت عنه، فتقع فيما وقع فيه غيرك.

ومن الجميل أن نتعلم من أهل البيت عليهم السلام كيفية التعاطي مع النمام.

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أتاه رجل يسعى إليه برجلٍ، فقال له عليه السلام: "يا فلان نحن نسأل عما قلت، فإن كنت صادقاً مقتناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك، قال: أقلني يا أمير المؤمنين"7.

 

 
1- سورة القلم، الآيتان: 10 و11.
2- سورة الحجرات، الآية: 6.
3- سورة لقمان، الآية: 17.
4- غرر الحكم، ص222.
5- سورة الحجرات، من الآية: 12.
6- سورة الحجرات، من الآية: 12.
7- بحار الأنوار، ج72، ص270.
 
 
 
 
80

 


68

النميمة

 آثار النميمة الدنيويـة والآخرويـة

1- الحقد والضغينة
عن الإمام علي عليه السلام: "إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة"1.
وعن الإمام جعفرعليه السلام: "إياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال"2.
2- غضب الله وهتك الستر
من كتاب الصادق عليه السلام إلى عبد الله النجاشي والي الأهواز، قال له: "إياك والسعاة وأهل النمائم، فلا يلتزقن بك أحدٌ منهم، ولا يراك الله يوماً وليلة وأنت تقبل منهم صرفاً ولا عدلاً، فيسخط الله عليك ويهتك سترك"3.
3- شرار خلق الله‏
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "ألا أخبركم بشراركم، قالوا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء العيب"4.
4- عذاب القبر
عن الإمام علي عليه السلام قال: "عذاب القبر يكون من النميمة"5.
5- عدم دخول الجنة
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يدخل الجنة نمام"6.
 
 

1- غرر الحكم، ص222.
2- بحار الأنوار، ج75، ص202.
3- وسائل الشيعة، ج17، ص207.
4- بحار الأنوار، ج72، ص212.
5- وسائل الشيعة، ج1، ص339.
6- بحار الأنوار، ج72، ص268.
 
 
 
 
81

69

النميمة

 عبد نمـام‏

 
باع أحدهم عبداً وقال للمشتري ما فيه عيب إلا النميمة قال رضيت به.
 
فمكث الغلام أياماً ثم قال لزوجة مولاه: إن زوجك لا يحبك ويريد أن يتسرى1 عليك فخذي بعض الشعر منه لأسحره لك.
 
ثم قال للزوج: إن امرأتك اتخذت خليلاً، وتريد أن تقتلك فتناوم2 لها حتى تعرف.
 
فتناوم فجاءته امرأته تحمل سكيناً فظن أنها تقتله فقتلها، وجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج، ووقع القتال بين القبيلتين.
 
المفاهيم الأساس
 
1- إن اللسان الذي هو جزء من أجسامنا، وهو نعمة إلهية نؤدي حقها حين ينطق بما يرضي الله سبحانه ويصمت عما يسخطه.
2- إن للسان أمراض عديدة، منها مرض (النميمة) ذو الآثار الفاسدة والمفسدة في المجتمع.
3- إن من آثار النميمة في الدنيا شيوع الفاحشة، وتنامي الحقد والضغينة بين المؤمنين، أما في الآخرة لا يدخل النمام الجنة.
 
 

1- يتسرى: أي السرية وهي الزوجة الجارية مقابل الزوجة الحرة.
2- فتناوم: تصنع النوم.
 
 
 
 
82

70

النميمة

 للمطالعة

 
من وصية لقمان لابنه قال له
 
"يا بني لا يكن الديك أكيس منك وأكثر محافظة على الصلوات، ألا تراه عند كل صلاة يؤذن لها وبالأسحار يعلن بصوته وأنت نائم.
وقال: يا بني من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن يصاحب صاحب السوء لا يَسلم، ومن يجالس العلماء يغنم.
يا بني: لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة.
يا بني اجعل غناك في قلبك، وإذا افتقرت فلا تحدث الناس بفقرك فتهون عليهم، ولكن أسأل الله من فضله.
يا بني: كذب من يقول إن الشر يقطع بالشر، ألا ترى أن النار لا تطفأ بالنار، ولكن بالماء، وكذلك الشر لا يطفأ إلا بالخير.
يا بني: لا تشمت بالمصاب، ولا تعير المبتلى، ولا تمنع المعروف فإنه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة.
يا بني: ثلاثة تجب مداراتهم: المريض، والسلطان، والمرأة. وكن قانعاً تعش غنياً، وكن متقياً تكن عزيزاً.
يا بني: من حين سقطت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة، وأنت في كل يومٍ إلى ما استقبلت أقرب منك إلى ما استدبرت، فتزود لدار أنت مستقبلها، وعليك بالتقوى فإنه أربح التجارات، وإذا أحدثت ذنباً فاتبعه بالاستغفار والندم والعزم 
 
 
 
 
83

71

النميمة

 على ترك العود لمثله. واجعل الموت نصب عينيك والوقوف بين يدي خالقك، وتمثل شهادة جوارحك عليك بعملك، والملائكة الموكلين بك؛ تستحي منهم ومن ربك الذي هو مشاهدك. وعليك بالموعظة فاعمل بها فإنها عند العاقل أحلى من العسل الشهد، وهي على السفيه أشق من صعود الدرجة على الشيخ الكبير، ولا تسمع الملاهي فإنها تنسيك الآخرة، ولكن احضر الجنائز. وزر المقابر وتذكر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك.

يا بني: استعذ بالله من شرار النساء، وكن من خيارهن على حذر. يا بني: لا تفرح على ظلم أحدٍ بل احزن على ظلم من ظلمته.
يا بني: الظلم ظلمات ويوم القيامة حسرات، وإذا دعتك القدرة على ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك.
يا بني: تعلم من العلماء ما جهلت، وعلم الناس ما علمت؛ تذكر بذلك في الملكوت.
يا بني: أغنى الناس من قنع بما في يديه، وأفقرهم من مد عينيه إلى ما في أيدي الناس. وعليك يا بني باليأس عما في أيدي الناس، والوثوق بوعد الله واسع فيما فرض عليك، ودع السعي فيما ضمن لك، وتوكل على الله في كل أمورك يكفيك، وإذا صليت فصل صلاة مودع تظن أن لا تبقى بعدها أبداً، وإياك ما تعتذر منه، فإنه لا يعتَذر من خير. وأحب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك، ولا تقل ما لم تعلم. واجهد أن يكون اليوم خيراً لك من أمس وغداً خيراً لك من اليوم؛ فإنه من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون. وارضَ بما قسم الله لك؛ فإنه سبحانه يقول: أعظم عبادي ذنباً من لم يرض بقضائي، ولم يشكر نعمائي، ولم يصبر على بلائي".

إرشاد القلوب، ج1، ص72
 
 
 
 
84

72

الذنوب التي تعجل عقوبتها

 8- الذنوب التي تعجل عقوبتها

 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
 
 " أقبح المعاصي قطيعة الرحم والعقوق"1
 
وفي الدعاء: اللهم إني أعوذ بك من الذنوب التي تعجل النقم... اللهم إني أعوذ بك من الذنوب التي تعجل الفناء..."
 
 

1- غرر الحكم، ص 406.
 
 
 
 
85

73

الذنوب التي تعجل عقوبتها

 تمهيد


من الآثار الدنيوية الخطيرة لبعض الذنوب ولا سيما قطيعة الرحم والعقوق، هو تعجيل العقوبة في الدنيا وتعجيل الفناء.

وقبل الحديث عن هذين الذنبين وآثارهما، لا بد من الإشارة إلى أن تعجيل العقوبة بوجه خاص قد يكون رحمة للمؤمن ليكفر سيئاته, وليحذر مما هو فيه فيستأنف بعد أن يتوب إلى ربه من ذنبه.

وأما لغير المؤمن فهو بلاء وسخط ونقمة وعقوبة في الدنيا قبل الآخرة.

أ - قطيعة الرحم‏

وهو من الأمراض الاجتماعية الخطيرة التي تقصم ظهر العائلة والمجتمع، وقد حذرنا الله وأولياؤه عليهم السلام من عواقبها والوقوع في حبائلها.

لأن غاية إرسال الأنبياءعليهم السلام هو إصلاح الفرد والمجتمع وتنظيم أمور العباد والبلاد، ليتجه الإنسان إلى عبادة ربه دون أي شاغلٍ يشغله، وبالتالي فإن عدم الاكتراث بدعوتهم الإصلاحية سوف يؤدي إلى الهرج والمرج في النظام، وحلول غضب الله ونقمته، وشمول البلاء والفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.

لقد جاء الإسلام لمحو الآثار الجاهلية عن المجتمع، ونبذ قيمها وإرساء قيمه المبنية على معايير يرتضيها الله عز وجل لتتحقق السعادة لكل أفراد المجتمع.

إن شيوع هذه الأمراض الأخلاقية الاجتماعية، سوف تؤدي إلى تفكك المجتمع، وإشغال عقول الناس وقلوبهم بالخلافات والنزاعات، وملئها بالأحقاد والضغائن والتي قد تستمر إلى أمدٍ طويل وربما تبقى إلى الموت. فهل هذا يرضي الله أم يغضبه؟ ألا
 
 
 
 
87

74

الذنوب التي تعجل عقوبتها

 يسعى الإنسان لأن يسر الله بتطبيق أوامره والاستجابة لدعوته؟ أم أنه يصر على تجاهل نداء ربه الآمر لنا بعدم قطيعة أرحامنا بل وصلها والتآلف فيما بينها؟

 
إن قطيعة الرحم من الذنوب العظيمة التي سيحاسب عليها الإنسان في الآخرة حساباً شديداً، فقد ورد أنها من أبغض الأمور إلى الله بعد الشرك ولهم اللعنة وسوء الدار، قال تعالى: ﴿وَالذِينَ يَنقضونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يوصَلَ وَيفْسِدونَ فِي الأَرْضِ أوْلَئِكَ لَهم اللعْنَة وَلَهمْ سوء الدارِ1.

 

 
ويروى أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: "أي الأعمال أبغض إلى الله عز وجل فقال صلى الله عليه وآله وسلم: الشرك، قال ثم ماذا؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: قطيعة الرحم..."2.
 
آثار قطيعة الرحم‏
 
لقطيعة الرحم آثارٌ خطيرة لا يموت الإنسان حتى يرى وبالها, كما ورد في كتاب علي عليه السلام، وهي:
 
1- تعجيل الفناء
خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال: "أعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء، فقام إليه عبد الله بن الكواد الشكري، فقال: يا أمير المؤمنين أوَتكون ذنوب تعجل الفناء؟ فقال: نعم ويلك، قطيعة الرحم، إن أهل البيت ليجتمعون ويتواسون وهم فجرة فيرزقهم الله وإن أهل البيت ليتفرقون ويقطع بعضهم بعضاً فيحرمهم الله, وهم أتقياء"3.
 
2- تورث الفقر
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "قطيعة الرحم تورث الفقر"4.
 
 

1- سورة الرعد، الآية: 25.
2- الكافي، ج2، ص289.
3- م. ن، ص347.
4- وسائل الشيعة، ج15، ص347.
 
 
 
 
88

75

الذنوب التي تعجل عقوبتها

3-زوال النعم‏

وعنه سلام الله عليه قال: "قطيعة الرحم تزيل النعم"1.
 
4- حجب الدعاء
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "قطيعة الرحم تحجب الدعاء"2.
 
5- حلول النقم‏
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "في قطيعة الرحم حلول النقم"3.
 
6- خراب الديار
عن أبي جعفر عليه السلام قال: "في كتاب علي عليه السلام... وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذرانِ الديار بلاقع من أهلها, وتنقل الرحم، وإن نقل الرحم انقطاع النسل"4.
 
7- تعجيل العقوبة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما من ذنبٍ أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما ادخره في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم"5.
 
8- من أشراط الساعة
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من أشراط الساعة: سوء الجوار، وقطيعة الرحم، وتعطيل الجهاد"6.
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج15، ص186.
2- نفس المصدر، ص185.
3- غرر الحكم، ص406.
4- الكافي، ج2، ص347.
5- مستدرك الوسائل، ج15، ص183.
6- م. ن، ج8، ص420.
 
 
 
 
89

76

الذنوب التي تعجل عقوبتها

 ب- عقوق الوالدين‏

 
قال الله عز وجل: ﴿وَقَضَى رَبكَ أَلا تَعْبدواْ إِلا إِياه وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِما يَبْلغَن عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدهمَا أَوْ كِلاَهمَا فَلاَ تَقل لهمَآ أف وَلاَ تَنْهَرْهمَا وَقل لهمَا قَوْلاً كَرِيمًا1.

 

 
للوالدَين منزلة عظيمة عند الله عز وجل ،حيث قرن طاعته وعبادته وشكره ورضاه بذكرهما، وأوصانا بهما خيراً، وجعل لهما حقوقاً واجبة في رقابنا، وحذرنا من عقوقهما، والذي عد في الروايات الشريفة من الكبائر الموجبة لدخول النار، وأن العاق قد جعله الله سبحانه وتعالى جباراً شقياً. وورد أن أدنى العقوق أن يقول لهما أف، فكيف بضربهما وسبهما وإلحاق الأذى بهما والهجران والقطيعة وترك الانفاق عليها، بل والأسوأ من كل ذلك قتلهما، أعاذنا الله من ذلك. وقبل الإشارة إلى آثار العقوق لا بأس بالإشارة إلى حق الأب وحق الأم، كما ورد في رسالة الحقوق لإمامنا زين العابدين عليه السلام، حيث قال: 
 
"وأما حق أبيك فأن تعلم أنه أصلك فإنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله"2.
 
وقال عليه السلام: "وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ أحداً. وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحداً. ووقتك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلك وتهجر النوم لأجلك، ووقتك الحر والبرد لتكون لها فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه"3.
 
 

1- سورة الإسراء، الآية: 23.
2- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص621.
3- م. ن.
 
 
 
 
90

77

الذنوب التي تعجل عقوبتها

 معنى العقوق وعلة تحريمه‏

 
العق لغة، كما ورد في لسان العرب هو "شق عصا الطاعة، وعق والديه، قطعهما ولم يصل رحمهما"1.
 
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن معنى عقوق الوالدين فقال: "يأمران فلا يطيعهما، ويسألانه فيحرمهما، وإذا رآهما لم يعظهما بحق ما يلزمه لهما"2.
 
وأما علة تحريمها كما ورد في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "وحرم الله عز وجل عقوقَ الوالدين لما فيه من الخروج عن التوقير لطاعة الله عز وجل، والتوقير للوالدين وتجنب كفر النعمة، وإبطال الشكر وما يدعو من ذلك إلى قلة النسل وانقطاعه، لما في العقوق من قلة توقير الوالدين والعرفان بحقهما، وقطع الأرحام والزهد من الوالدين في الولد، وترك التربية لعلة ترك الولد برهما..."3.
 
آثار العقوق وتبعاته‏
 
1- من الكبائر الموجبة لدخول النار
 
ورد عن أبي الحسن الرضاعليه السلام في جواب من سأله عن الكبائر كم هي قال: "الكبائر: من اجتنب ما وعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمناً. والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف"4.
 
2- لا يشم العاق ريح الجنـة
 
عن أبي جعفر عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كلامٍ له: إياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، ولا يجدها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شيخ
 
 

1- لسان العرب، ج10، ص256.
2- مستدرك الوسائل، ج15، ص193.
3- بحار الأنوار،ج71،ص75.
4- الكافي، ج2، ص276.
 
 
 
 
91

78

الذنوب التي تعجل عقوبتها

 زان، ولا جار إزاره خيْلاء. إنما الكبرياء لله رب العالمين"1.

 
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لا يدخل الجنة العاق لوالديه..."2.
 
3- تعجيل العقوبة في الدنيا
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ثلاث من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر إلى الآخرة: عقوق الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الإحسان"3.
 
4- عدم قبول الأعمال‏
 
روي أن النبي موسى عليه السلام قال: "يا رب أين صديقي فلان الشهيد؟ قال: في النار، قال: أليس وعدت الشهداء الجنة. قال: بلى، ولكن كان مصراً على عقوق الوالدين وأنا لا أقبل مع العقوق عملاً" 4.
 
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من نظر إلى والديه نظر ماقتٍ، وهما ظالمان له لم تقبل له صلاة"5.
 
5- رد الدعاء
 
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "الذنوب التي تغير النعم البغي، والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم، والتي تهتك الستور شرب الخمر، والتي تحبس الرزق الزنا، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم، والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين"6.
 
 

1- م. س. الكافي، ص349.
2- وسائل الشيعة، ج9، ص454.
3- م. ن، ج16، ص312.
4- مستدرك الوسائل، ج15، ص193.
5- م. ن، ص195.
6- علل الشرائع، ج2، ص584.
 
 
 
 
92

 


79

الذنوب التي تعجل عقوبتها

 6- القلة والذلة

 
روي عن الإمام أبي الحسن الثالث عليه السلام قال: "العقوق يعقب القلة ويؤدي إلى الذلة"1.
 
المفاهيم الأساس
 
1-إنما لبعض الذنوب آثار خطيرة، منها تعجيل العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، منها كقطيعة الرحم وعقوق الوالدين.
2- إن تعجيل العقوبة في الدنيا، منها للمؤمن رحمة وتكفير لذنوبه. بينما لغير المؤمن بلاء وسخط ونقمة في الدنيا قبل الآخرة.
3- من أثار قطيعة الرحم
ـ الفقر والفاقة.
ـ زوال النعم.
ـ حلول النقم.
وأما آثار عقوق الوالدين منها:
ـ لا يشم العاق ريح الجنة ومصيره النار.
ـ رد الدعاء وعدم قبول الأعمال.
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج15، ص195.
 
 
 
 
93

80

الذنوب التي تعجل عقوبتها

 للمطالعة

 
روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لبعض تلاميذه: أي شي‏ءٍ تعلمت مني قال له: يا مولاي ثمان مسائل، قال عليه السلام: قصها علي لأعرفها قال:
الأولى: رأيت كل محبوب يفارق محبوبه عند الموت فصرفت همي إلى ما لا يفارقني بل يؤنسني في وحدتي، وهو فعل الخير. قالعليه السلام: أحسنت والله.
الثانية: قد رأيت قوماً يفخرون بالحسب وآخرين بالمال والولد، وإذا ذلك لا فخر فيه ورأيت الفخر العظيم في قوله تعالى: ﴿إِن أَكْرَمَكمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكمْ، فاجتهدت أن أكون عند الله كريماً قال عليه السلام: أحسنت والله.
الثالثة: قد رأيت الناس في لهوهم وطربهم، وسمعت قوله تعالى: ﴿وَأَما مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبهِ وَنَهَى النفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِن الْجَنةَ هِيَ الْمَأْوَى، فاجتهدت في صرف الهوى عن نفسي حتى استقررت على طاعة الله تعالى. قال: أحسنت والله.
الرابعة: رأيت كل من وجد شيئاً يكرَم عنده اجتهد في حفظه، وسمعت قوله تعالى ﴿مَن ذَا الذِي يقْرِض اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيضَاعِفَه لَه وَلَه أَجْرٌ كَرِيمٌ، فأحببت المضاعفة ولم أر أحفظ مما يكون عنده؛ فكلما وجدت شيئاً يكرم عنده وجهت به إليه ليكون لي ذخراً إلى وقت حاجتي. قال: أحسنت والله.
الخامسة: قال رأيت حسد الناس بعضهم لبعض، وسمعت قوله تعالى: "نَحْن قَسَمْنَا بَيْنَهم معِيشَتَهمْ فِي الْحَيَاةِ الدنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتخِذَ بَعْضهم بَعْضًا سخْرِيا وَرَحْمَت رَبكَ خَيْرٌ مما يَجْمَعونَ"، فلما عرفت أن رحمة الله خير مما يجمعون ما حسدت أحداً، ولا أسفت على ما فاتني قال: أحسنت والله.
 
 
 
 
94

81

الذنوب التي تعجل عقوبتها

 السادسة: قال: رأيت عداوة الناس بعضهم لبعضٍ في دار الدنيا، والحزازات التي في صدورهم، وسمعت قول الله تعالى ﴿إِن الشيْطَانَ لَكمْ عَدو فَاتخِذوه عَدوا، فاشتغلت بعداوة الشيطان عن عداوة غيره. قال: أحسنت والله.

السابعة: قال: رأيت كدح الناس واجتهادهم في طلب الرزق، وسمعت قوله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْت الْجِن وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبدونِ * مَا أرِيد مِنْهم من رزْقٍ وَمَا أرِيد أَن يطْعِمونِ * إِن اللهَ هوَ الرزاق ذو الْقوةِ الْمَتِين، فعلمت أن وعده حق، وقوله تعالى صدق فسكنت إلى وعده ورضيت بقوله، واشتغلت بما له علي عما لي عنده. قال أحسنت والله.
الثامنة: قال: رأيت قوماً يتكلون على صحة أبدانهم وقوماً على كثرة أموالهم وقوماً على خلق مثلهم، وسمعت قوله تعالى ﴿وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل له مَخْرَجًا * وَيَرْزقْه مِنْ حَيْث لَا يَحْتَسِب وَمَن يَتَوَكلْ عَلَى اللهِ فَهوَ حَسْبه إِن اللهَ بَالِغ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الله لِكل شَيْءٍ قَدْرًا، فاتكلت على الله وزال اتكالي عن غيره.
قال عليه السلام له: "والله إن التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وسائر الكتب ترجع إلى هذه المسائل".

إرشاد القلوب، ج1، ص187
 
 
 
 
 
95

82

بركات اجتناب الذنوب

 9- بركات إجتناب الذنوب

 
 
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
 
"ألا إن مثل هذا الدين كمثل شجرة نابتة ثابتة، الإيمان أصلها، والزكاة فرعها، والصلاة ماؤها، والصيام عروقها، وحسن الخلق ورقها، والإخاء في الدين لقاحها، والحياء لحاؤها، والكف عن محارم الله ثمرتها، فكما لا تكمل الشجرة الا بثمرة طيبة، كذلك لا يكمل الإيمان إلا بالكف عن محارم الله"1.
 
 

1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص279، ح15.
 
 
 
97

83

بركات اجتناب الذنوب

 تمهيد

 

 

﴿الله وَلِي الذِينَ آمَنواْ يخْرِجهم منَ الظلمَاتِ إِلَى النورِ وَالذِينَ كَفَرواْ أَوْلِيَآؤهم الطاغوت يخْرِجونَهم منَ النورِ إِلَى الظلمَاتِ أوْلَـئِكَ أَصْحَاب النارِ همْ فِيهَا خَالِدونَ1.

 

 
إن من نعم الله علينا أنْ شرفنا بالوجود بعد العدم، فخلقنا وألبسنا لباس الحياة، فقال في محكم كتابه:
 

 

﴿أَوَلَا يَذْكر الْإِنسَان أَنا خَلَقْنَاه مِن قَبْل وَلَمْ يَك شَيْئًا2، ومن علينا أيضاً بنعمة العقل، الذي قال له: اقبل فأقبل، وادبر فأدبر، فقال: ما خلقت خلقاً أفضل منك بك أعاقِب وبك أثيب، وبواسطة هذا العقل يريد الإنسان ويختار سلوك السبيل إما شاكراً وإما كفوراً.

 

 
هدف الأنبياء عليهم السلام
 
وقد فطرنا الله على توحيده وشكر نعمه، إلا أن هذه الفطرة قد تتلوث، فينحرف الإنسان عما أراده الله أنْ يصل إليه من الهدف لخلقه، وكذلك قد تتعطل العقول، نتيجة الهوى والغفلة، والغرق في الذنوب والضلال، والابتعاد عن الله عز وجل. ولذا مَن الله علينا بإرسال الأنبياءعليهم السلام من أجل هدايتنا، وتصحيح مسارنا وإيقاظنا من الغفلة، وكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام
 
"واصطفى سبحانه من ولد آدم أنبياء، أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقه واتخذوا الأنداد
 
 

1- سورة البقرة، الآية: 257.
2- سورة مريم، الآية: 67.
 
 
 
 
99

84

بركات اجتناب الذنوب

 معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبيائه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا فيهم دفائن العقول"1.

 
التحذير من اتباع الشيطان
 
ومع هذا فقد طغى الإنسان، وكفر بالله وأنبيائه ورسله عليهم السلام، واتخذ عدو الله أي الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس والجن أولياء له من دون الله، فضل عن الطريق، وهوى في هذه الدنيا، قبل أن يهوي في الآخرة.
 
وقد حذرنا الله من اتباع خطوات الشيطان، قائلاً لنا ﴿وَلاَ تَتبِعواْ خطوَاتِ الشيْطَانِ إِنه لَكمْ عَدو مبِينٌ2، والعجب كل العجب ممن يستبدل طاعة الرحمن بطاعة الشيطان، ﴿أَفَتَتخِذونَه وَذريتَه أَوْلِيَاء مِن دونِي وَهمْ لَكمْ عَدو بِئْسَ لِلظالِمِينَ بَدَلًا3.

 

 
ها هو الشيطان قد نصب نفسه لغوايتنا وإضلالنا، يمنينا ويعدنا كذباً وغروراً وباطلاً، وغداً يوم القيامة سيعلن براءته منا،﴿وَقَالَ الشيْطَان لَما قضِيَ الأَمْر إِن اللهَ وَعَدَكمْ وَعْدَ الْحَق وَوَعَدتكمْ فَأَخْلَفْتكمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكم من سلْطَانٍ إِلا أَن دَعَوْتكمْ فَاسْتَجَبْتمْ لِي فَلاَ تَلومونِي وَلومواْ أَنفسَكم ما أَنَاْ بِمصْرِخِكمْ وَمَا أَنتمْ بِمصْرِخِي إِني كَفَرْت بِمَآ أَشْرَكْتمونِ مِن قَبْل إِن الظالِمِينَ لَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ4.

 

 
وأما إلهنا وخالقنا رغم معصيتنا وابتعادنا عنه ضمن لنا أرزاقنا بعد أنْ خلقنا وأعطانا المهلة بعد المهلة، ولا يزال يتلطف بنا ويتحبب إلينا، ويدعونا للعودة إلى ساحته، ويعدنا صدقاً بقبولنا والمغفرة لنا، ومن أصدق من الله قيلاً ومن أوفى من الله عهداً:
 
 

1- بحار الأنوار، ج11، ص60.
2- سورة البقرة، الآية: 168.
3- سورة الكهف، الآية: 50.
4- سورة إبراهيم، الآية: 22.
 
 
 
 
100

85

بركات اجتناب الذنوب

 

﴿الشيْطَان يَعِدكم الْفَقْرَ وَيَأْمركم بِالْفَحْشَاء وَالله يَعِدكم مغْفِرَةً منْه وَفَضْلاً وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ1.

 

 
وقال لنا أيضاً: ﴿إِنمَا يرِيد الشيْطَان أَن يوقِعَ بَيْنَكم الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصدكمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصلاَةِ فَهَلْ أَنتم منتَهونَ2.

 

 
وها هو الشيطان يعلن أنه يخاف من رب العالمين، فلِما نطيعه في معصية الله والجرأة عليه، أفلا نخاف نحن من الله أيضاً؟
 

 

﴿كَمَثَلِ الشيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفرْ فَلَما كَفَرَ قَالَ إِني بَرِيءٌ منكَ إِني أَخَاف اللهَ رَب الْعَالَمِينَ3.

 

 
فرصة العمر
 
ولذا لا بد للإنسان أن يعلم أن الفرصة سانحة، والمهلة قائمة، وليس علينا سوى التفكير قليلاً، والتأمل في كتاب الله، والتدبر في آياته، وأن نستحضر أمامنا تلك المشاهد الأخروية، لبراءة الشيطان منا وتخليه عنا.
 
ولنفكر ونعلم من يريد الخير لنا، ومن يريد بنا شراً: هل هو الله الرحيم أم الشيطان الرجيم؟ هل نتخذ الله ولياً وناصراً ومعيناً؟، أم نتخذ الشيطان الذي أعلن العداوة لنا، إلهاً نعبده من دون الله؟، أو هل نكون من حزب الله المفلحين، أم من حزب الشيطان الخاسرين؟ القرار لك والخيار بين يديك ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِم الشيْطَان فَأَنسَاهمْ ذِكْرَ اللهِ أوْلَئِكَ حِزْب الشيْطَانِ أَلَا إِن حِزْبَ الشيْطَانِ هم الْخَاسِرونَ4.

 

 
آثار اجتناب الذنوب
 
وبناءً عليه وبعد هذه المقدمة، فإن من أهم آثار اجتناب الذنوب وبركات الطاعة لله:
 
 

1- سورة البقرة، الآية: 268.
2- سورة المائدة، الآية: 91.
3- سورة الحشر، الآية: 16.
4- سورة المجادلة، الآية: 19.
 
 
 
 
101

86

بركات اجتناب الذنوب

 1- الدخول في ولاية الله والخروج من ولاية الشيطان

 

﴿الله وَلِي الذِينَ آمَنواْ يخْرِجهم منَ الظلمَاتِ إِلَى النورِ وَالذِينَ كَفَرواْ أَوْلِيَآؤهم الطاغوت يخْرِجونَهم منَ النورِ إِلَى الظلمَاتِ1.

 

﴿وإِن الظالِمِينَ بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالله وَلِي الْمتقِينَ2.

 

 
 
2- الهداية الإلهيـة
الهداية على قسمين: هداية تكوينية تشمل جميع المخلوقات، وقد أشار الله إليها في كتابه الكريم بقوله: ﴿رَبنَا الذِي أَعْطَى كل شَيْءٍ خَلْقَه ثم هَدَى3.

 

 
والمراد منها أن كل موجود قد أودع الله فيه ما يصل به إلى الهدف من وجوده وخلقه.
 
ويمتاز الإنسان عن بقية الموجودات مضافاً إلى هذه الهداية بهداية أخرى، يعبر عنها بالهداية التشريعية، وهي هداية الإنسان إلى الهدف من خلقه، بمعونة من الوحي والرسل عليهم السلام، وتنقسم هذه الهداية إلى قسمين: هداية عامة، تشمل جميع الناس لتتميم الحجة عليهم، وهداية خاصة، لبعض عباد الله المخلَصين والمخلِصون، الذين استجابوا لنداء الله وتوحيده، فتفتحت أنوار البصيرة في قلوبهم، وازدادوا إيماناً وتقوى، وحفظاً وتسديداً برعاية من الله وفضله وتوفيقه، يقول الله تعالى في محكم كتابه:﴿وَالذِينَ جَاهَدوا فِينَا لَنَهْدِيَنهمْ رسبلَنَا وَإِن اللهَ لَمَعَ الْمحْسِنِينَ4.

 

 

 

﴿أوْلَـئِكَ الذِينَ هَدَى الله فَبِهدَاهم اقْتَدِهْ5.

 

 

 

﴿وَمَن يؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَه وَالله بِكل شَيْءٍ عَلِيمٌ6.

 

 
 

1- سورة البقرة، الآية: 257.
2- سورة الجاثية، الآية: 19.
3- سورة طه، الآية: 50.
4- سورة العنكبوت، الآية: 69.
5- سورة الأنعام، الآية: 90.
6- سورة التغابن، الآية: 11.
 
 
 
 
102

 


87

بركات اجتناب الذنوب

 وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل

 
"يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاسألوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من اغنيته، فاسألوني الغنى أرزقكم، وكلكم مذنب إلا من عاقبته، فاسألوني المغفرة أغفر لكم..."1.
إذاً هذه الهداية من الله، وهي مشروطة بالإيمان والتقوى، واتيان الطاعات، والدعاء والتضرع إلى الله الخ، وفي المقابل فإن الله لا يهدي القوم الظالمين والكافرين والفاسقين، ومن هو مسرف كذاب.
 
3- التوفيق في الحياة الدنيا
 
وأي توفيق أكبر من أنْ يعيش الإنسان طاعة الله وعدم معصيته؟، والتي من خلالهما يصل الإنسان إلى ولاية التصرف في التكوين بإذن الله، ويصبح مثالاً لله في الأرض:
في الحديث القدسي يقول الله عز وجل: "يا ابن آدم أنا حي لا أموت، أطعني فيما أمرتك، حتى أجعلك حياً لا تموت، يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون، أطعني فيما أمرتك، أجعلك تقول للشيء كن فيكون"2.
 
ويقول أيضاً في محكم كتابه: ﴿وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل له مِنْ أَمْرِهِ يسْرًا3.

 

 
وفي الحديث الشريف عن أبي جعفرعليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقول الله عز وجل: "وعزتي وجلالي، وعظمتي وكبريائي، ونوري وعلوي، وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبدٌ هواه على هواي، إلا شتت عليه أمره، ولبست عليه دنياه، وشغلت قلبه بها، ولم أؤته منها إلا ما قدرت له.
 
وعزتي وجلالي، وعظمتي ونوري وعلوي، وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه، إلا استحفظَتْه ملائكتي، وكفلت السموات والأرضين رزقه، وكنت له من وراء
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج5، ص163.
2- م. ن، ج11، ص258.
3- سورة الطلاق، الآية: 4.
 
 
 
 
103

88

بركات اجتناب الذنوب

تجارة كل تاجرٍ، وأتته الدنيا وهي راغمة"1.

 
4 ـ رضا الله:
 
وهذا المقام من المقامات العالية، التي يسعى عباد الله العارفون من خلال التقوى والعمل الصالح إلى نيله وتحصيله، فيرضى الله عنهم ويرضون عنه.
 

 

﴿قلْ أَؤنَبئكم بِخَيْرٍ من ذَلِكمْ لِلذِينَ اتقَوْا عِندَ رَبهِمْ جَناتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مطَهرَةٌ وَرِضْوَانٌ منَ اللهِ وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ2.

 

 
ويقول أيضاً في آية أخرى:

 

﴿قَالَ الله هَذَا يَوْم يَنفَع الصادِقِينَ صِدْقهمْ لَهمْ جَناتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضِيَ الله عَنْهمْ وَرَضواْ عَنْه ذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم3.

 

 
5- الثواب الأخروي
 
التقوى طريق إلى التوفيق والكمال، وهي من أهم الطرق الموصلة إلى رضوان الله والتوفيق والكمال، ولها آثارها الدنيوية والأخروية العظيمة. "وهي قوة داخلية وقدرة نفسية، تمتلك من خلالها النفس القدرة على إطاعة الأوامر الإلهية، وعلى مقاومة ميولها وأهوائها، ومنشؤها الخوف من الله، وأثرها تجنب معصيته، وهي تساعد الإنسان على تجنب حبائل الشيطان، وإغراء الدنيا"4.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: 
 
"يا عباد الله إن تقوى الله حمت أوليائه محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته، حتى أسهرت لياليهم، وأظمأت هواجرهم، فأخذوا الراحة بالنصب، والري بالظمأ، واستقربوا الأجل فبادروا العمل، وكذبوا الأمل فلاحظوا الأجل..."5.
 
 

1- الكافي، ج2، ص335.
2- سورة آل عمران، الآية: 15.
3- سورة المائدة، الآية: 119.
4- تزكية النفس، جمعية المعارف الإسلامية، الدرس السابع، ص43.
5- شرح نهج البلاغة، ج7، ص250.
 
 
 
 
104

89

بركات اجتناب الذنوب

 وإذا امتلك الإنسان هذه الملكة، فإنه سيصبغ كل أعماله بالصبغة الإلهية فلن يفعل إلا ما يرضي الله، ولن يقوم بما يسخط الله، وسيجهد في فعل المستحبات، وترك المكروهات والوقوع في الشبهات.

 
وعنه عليه السلام "إن من صرحت له العبر عما بين يديه من المَثلات، حجزته التقوى عن تقحم الشبهات"1.
 
وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرتبة، فإن الله سيكون حسبه، ويجعل له من أمره فرجاً ومخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويسكنه جناته وينال رضوانه.
 
وهو مقتضى عدل الله، الذي وعد عباده المحسنين، بأن لهم عند الله أجراً وثواباً على طاعتهم وصبرهم، على أداء التكاليف في الحياة الدنيا.
 

 

﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَه لِلهِ وَهوَ محْسِنٌ فَلَه أَجْره عِندَ رَبهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ همْ يَحْزَنونَ2.

 

 
وكذلك قوله تعالى: ﴿إِن اللهَ لاَ يضِيع أَجْرَ الْمحْسِنِينَ3

 

 

 

﴿وَالذِينَ آمَنواْ وَعَمِلواْ الصالِحَاتِ سَندْخِلهمْ جَناتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللهِ حَقا وَمَنْ أَصْدَق مِنَ اللهِ قِيلاً4.

 

 
وفي المقابل ذلك فإن المجرمين لهم عذاب أليم، خالدين في جهنم، ولهم صغار عند الله، أي ذلة وعذاب شديد، والافتضاح والخزي والمهانة، والندم والخسران المبين.
 
 

1- وسائل الشيعة، ج27، ص161.
2- سورة البقرة، الآية: 112
3- سورة التوبة، الآية: 120.
4- سورة النساء، الآية: 122.
 
 
 
 
105

90

بركات اجتناب الذنوب

 المفاهيم الأساس

 
1- لقد فطرنا الله على توحيده وشكر نعمه، إلا أن هذه الفطرة قد تتلوث فينحرف الإنسان عما أراده الله أنْ يصل إليه من الهدف لخلقه. ولذا من الله علينا بإرسال الأنبياء عليهم السلام من أجل هدايتنا وإيقاظنا من الغفلة.
2-إن اجتناب الذنوب والمعاصي له أثار وبركات كبرى، منها:
- الدخول في ولاية الله.
- الهداية الإلهية.
- التوفيق في الحياة الدنيا.
-الفوز برضا الله تعالى ورضوانه الأخروي.
 
 
 
 
106

91

بركات اجتناب الذنوب

 للمطالعة

 
عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي حمزة عن عقيل الخزاعي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا حضر الحرب يوصي للمسلمين بكلمات فيقول:
تعاهدوا الصلاة وحافظوا عليها واستكثروا منها وتقربوا بها فإنها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، وقد علم ذلك الكفار حين سئِلوا ﴿مَا سَلَكَكمْ فِي سَقَرَ * قَالوا لَمْ نَك مِنَ الْمصَلينَ وقد عرف حقها من طرقها وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم عنها زين متاع ولا قرة عين من مالٍ ولا ولد، يقول الله عز وجل: ﴿رِجَالٌ لا تلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصلَاة. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منصباً لنفسه بعد البشرى له بالجنة من ربه فقال عز وجل ﴿وَأْمرْ أَهْلَكَ بِالصلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا الآية، فكان يأمر بها أهله ويصبر عليها نفسه.

ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قرباناً لأهل الإسلام على أهل الإسلام ومن لم يعطِها طيب النفس بها؛ يرجو بها من الثمن ما هو أفضل منها، فإنه جاهل بالسنة مغبون الأجر ضال العمر طويل الندم بترك أمر الله عز وجل والرغبة عما عليه صالحو عباد الله، يقول الله عز وجل ﴿وَمَن يشَاقِقِ الرسولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَينَ لَه الْهدَى وَيَتبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمؤْمِنِينَ نوَلهِ مَا تَوَلى من الأمانة فقد خسر من ليس من أهلها وضل عمله، عرضت على السماوات المبنية والأرض والمهاد والجبال المنصوبة فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم لو امتنعت من طولٍ أو عرضٍ أو عظمٍ أو قوة أوعزةٍ امتنعن ولكن أشفقن من العقوبة.

 

 
 
 
 
 
107

92

بركات اجتناب الذنوب

 ثم إن الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم مع العزة والمنعة، وهو الكره فيه الحسنات والبشرى بالجنة بعد الشهادة، وبالرزق غداً عند الرب والكرامة، يقول الله عز وجل ﴿وَلاَ تَحْسَبَن الذِينَ قتِلواْ فِي سَبِيلِ اللهِالآية، ثم إن الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد، والمتوازرين على الضلال ضلال في الدين وسلب للدنيا مع الذل والصغار، وفيه استيجاب النار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال، يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيهَا الذِينَ آمَنواْ إِذَا لَقِيتم الذِينَ كَفَرواْ زَحْفاً فَلاَ توَلوهم الأَدْبَارَ فحافظوا على أمر الله عز وجل في هذه المواطن التي الصبر عليها كرم وسعادة ونجاة في الدنيا والآخرة من فظيع الهول والمخافة، فإن الله عز وجل لا يعبأ بما العباد مقترفون ليلهم ونهارهم لطف به علماً وكل ذلك ﴿فِي كِتَابٍ لا يَضِل رَبي وَلَا يَنسَى فاصبروا وصابروا وأسألوا النصر ووطنوا أنفسكم على القتال واتقوا الله عز وجل فإن ﴿اللهَ مَعَ الذِينَ اتقَواْ والذِينَ هم محْسِنونَ".


الكافي، ج‏5. ص 36؛ بحارالأنوار، ج‏33، ص 447
 
 
 
 
108

93

دواء القلوب

 10-دواء القلوب

 
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
 
"ألا أنبئكم بدائكم من دوائكم، قلنا بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: داؤكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار"1.
 
 

1- بحار الأنوار، ج90، ص282.
 
 
 
 
109

94

دواء القلوب

 تمهيد

 
بعد أن تعرفنا على أمراض الذنوب وآثارها المهلكة، لا بد أن نتعرف أيضاً على الدواء والعلاج المناسب لها؛ لأن لكل داء دواء كما ورد في الخبر، لكن الأهم من معرفة الداء هو معرفة الدواء وكيفية العلاج، وقد أرشدنا الله عز وجل في محكم كتابه وكذلك أهل البيت عليهم السلام في الروايات الشريفة إلى ذلك، وما علينا إلا وضع الأمور في مواضعها والاستفادة منها.
 
ومقدمة لا بد للإنسان أنْ يعرف أن له بعداً مادياً وهو الجسم، وبعداً معنوياً وهو الروح، وكما يهتم كل واحد منا بجسمه فإن عليه أن يهتم بروحه أيضاً، لأن كلا منهما له حق لا بد من أدائه.
 
لذا، وكما تهتم بصحتك وأكلك وشربك، وتسعى جاهداً من أجل المحافظة على جسمك، فتسارع إلى مداواته عند المرض وحلول السقم خوفاً من الموت والهلاك، كذلك لا بد وبطريق أولى من الاهتمام بقلبك وروحك، وغذائه، لئلا تمرض أيضاً، فيقسو قلبك ويختم عليه، فتعجز حينئذٍ عن علاجه، وبالتالي يؤدي إلى الهلاك الدنيوي والأخروي.
 
ويا للعجب من أقوامٍ يهتمون بأبدانهم، وهذه الأبدان زائلة فانية يأكلها الدود وتصبح رميماً وتراباً، ولا يهتمون بأرواحهم الخالدة الباقية، إما في الجنة أو في النار.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "عجبت لأقوامٍ يحتمون الطعام مخافة الأذى، كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار"1.
 
 

1- بحار الأنوار، ج75، ص46.
 
 
 
 
111

95

دواء القلوب

 كيف نعالج أمراضنا الأخلاقيـة


لنفترض أننا أصبنا بأي مرضٍ أخلاقي، كالكذب والغيبة والسرقة وغيرها.

فالخطوة الأولى في طريق العلاج والشفاء، هو التشخيص الصحيح لنوع المرض، ومدى تجذره في قلوبنا.

وثانياً: لا بد من معرفة سبب المرض؛ لأن العلاج قد يكون بعلاج السبب فيزول المسبب عنه. مثلاً لماذا أكذب؟ هل هو لنقصٍ في شخصيتي، أم لأجل مصلحة دنيوية أم لأجل... الخ. ولماذا أغتاب؟ ولماذا أسرق؟...

وثالثاً: استعمال الدواء بشكل صحيح ومتابعة العلاج.

رابعاً: التفقه في الدين، والمراد منه ها هنا اطلاع الإنسان على خطورة الذنب وآثاره الدنيوية والأخروية. فإذا التفت إلى خطورة الكذب مثلاً، وأنه باب الكبائر، وأنه ينسلخ عن الإيمان حين كذبه، وأنه سيعاقب عليه، فأي عاقلٍ سيقدم بعدها على الكذب والعياذ بالله؟!.

علاج آخر للذنوب

وهذا العلاج ينقسم إلى شقين أحدهما: العلاج العلمي، والثاني هو العلاج العملي.
أ- العلاج العلمي
وقد نصطلح عليه بالعلاج النفسي ويقوم على عدة أمور: التفكر والتذكر والعزم.
1- التفكر:
يقول الإمام الخميني قدس سره في هذا المجال: "والتفكر في هذا المقام، هو أن يفكر الإنسان بعض الوقت، في أن مولاه الذي خَلقه في هذه الدنيا، وهيأ له كل أسباب الدعة والراحة، ووهبه جسماً سليماً... ومن جهة أخرى أرسل جميع هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، وأنزل كل الكتب والرسالات... فما هو واجبنا تجاه هذا المولى مالك الملوك؟..
 
 
 
 
 
112

96

دواء القلوب

 هل أن وجود جميع هذه النعم هو فقط لأجل هذه الحياة الحيوانية واشباع الشهوات... أم أن هناك هدفاً وغاية أخرى... إن الإنسان إذا فكر للحظةٍ واحدةٍ عرف أن الهدف من هذه النعم هو شيء آخر، وأن الغاية من هذا الخلق أسمى وأعظم، وأن هذه الحياة الحيوانية ليست هي الغاية بحد ذاتها"1.

 
وبعبارةٍ أخرى لا بد أن تجلس مع نفسك، تتأمل في وضعك وحياتك، ودنياك وآخرتك، وأن تقوم بجردة حسابية لمسير حياتك: أين كنت؟، وإلى أين أسير؟، وكيف أسير؟، هل أنا راضٍ عن حياتي وعلاقتي مع ربي؟، وهل أنا أسير من الحسن إلى الأحسن أم إلى الأسوأ؟، هل أنا إن مت الآن إلى الجنة أذهب، أم إلى النار التي سجرها جبارها لغضبه؟، كل هذه الأسئلة سوف تؤدي إلى جوابٍ، يدعو هذا الإنسان إلى الاستئناف، وإعادة فتح حسابٍ جديدٍ مع ربه وخالقه.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "رحم الله امرأً نظر فتفكر، وتفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر، وأبصر فأقصر، فقد أبصر أقوام ولم يقصروا، ثم هلكوا فلم يدركوا ما طلبوا، ولا رجعوا إلى ما فارقوا..."1.
 
2- العزم
والمراد به ها هنا هو "أن يوطن الإنسان نفسه، ويتخذ قراراً بترك المعاصي وبأداء الواجبات، وتدارك ما فاته في أيام حياته"3 
 
وبعبارة ثانية: لا بد لك أن تقرر وتريد السير نحو الله وإطاعته، وترك اطاعة الشيطان، والسعي في سبيل ذلك والتحرك إليه، ببدء المسير من يومك هذا، لأن غداً قد لا يأتي.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إنما الدنيا ثلاثة أيام: فيومٌ مضى بما فيه فليس بعائد، ويومٌ أنت فيه يحق عليك اغتنامه، ويوم لا تدري هل أنت من أهله ولعلك راحلٌ 
 
 

1- الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، ص23.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي حديد، ج5، ص147.
3- الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، ص25.
 
 
 
 
113

 


97

دواء القلوب

 فيه... وإن يك يومك هذا آنسك بقدومه، فقد كان طويل الغيبة عنك، وهو سريع الرحلة عنك، فتزود منه وأحسن وداعه، خذ بالبقية في العمل وإياك والاغترار بالأمل..."1.

 
4- التذكر:
 
أ- تذكر خَلقنا ووجودنا، والنعم التي أنعمها الله عليها فيما نستعملها.
ب- تذكر العقاب الدنيوي، وحلول سخط الله علينا في أبداننا وأموالنا وأولادنا، وقلة المطر ونقصان الرزق والعمر، وتسلط الأشرار علينا...
ج- تذكر العقاب الأخروي.
ووقوفنا بين يدي الله عز وجل وافتضاحنا، ودخول النار وأليم عذابها وشدته وطول مدته...
 
5- الشعور بالرقابة الإلهيـة
 
يقول الله تعالى: ﴿وَهوَ مَعَكمْ أَيْنَ مَا كنتمْ وَالله بِمَا تَعْمَلونَ بَصِيرٌ2، فإذا فكر الإنسان وتيقظ من غفلته، وعلم أن الله معه أينما كان، سواء في السر أو في العلن، في الليل أو في النهار، فلعله يستحي من اطلاع ربه عليه، ونظره إليه فيرعوي ويقلع عن ارتكاب ما يسخطه ويغضبه.

 

 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "العالم محضر الله، فلا تعص الله في محضر الله".
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "يا إسحاق أحد أصحاب الإمام عليه السلام خفِ الله كأنك تراه، وإن كنت لا تراه فإنه يراك، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك"3.
 
وروي أن الإمام الحسين بن علي عليه السلام جاءه رجلٌ فقال له: "أنا رجل عاصٍ ولا أصبر على المعصية، فعظني بموعظة، فقال عليه السلام: إفعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت:
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج12، ص149.
2- سورة الأنعام، الآية: 94.
3- الكافي، ج2، ص67.
 
 
 
 
114

 


98

دواء القلوب

 فأول ذلك: لا تأكل رزق الله، وأذنب ما شئت.

والثاني: أخرج من ولاية الله، وأذنب ما شئت.
والثالث: أطلب موضعاً لا يراك الله، وأذنب ما شئت.
والرابع: إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك، فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت.
والخامس: إذا أدخلك مالكٌ في النار، فلا تدخل في النار وأذنب ما شئت"1.
 
ب - العلاج العملي
 
وهذا العلاج ينقسم إلى علاج عام وعلاج خاص.
 
العلاج العام: هو لكل الذنوب والأمراض وذلك بمعرفة سبب الابتلاء بها، والوقوع فيها، وهو إما الجهل أو الغفلة أو ضعف الإرادة، وحينئذٍ لا بد من المبادرة إلى رفع الجهل بالعلم والتفقه، ورفع الغفلة بالاستيقاظ والتذكر، وعلاج ضعف الإرادة أمام الشهوات بتقوية العزم وبذل الجهد في مقاومة الذنوب وتركها.
 
العلاج الخاص: وهو أن يبادر الإنسان عملياً إلى معالجة الذنب الذي وقع فيه، فإذا التفت مثلاً إلى أنه وقع في الغيبة، فيتوقف ويستغفر ربه، ويسعى للتحلل من صاحبها، ويترك الغيبة مدة من الزمن، ولا يجلس في مجلس الغيبة، ولا يشارك مع أحد في غيبة ولو بسكوته، وليتعود على لجم لسانه والتفكير قبل كلامه..
.
يقول الإمام الخميني قدس سره في كيفية علاج المفاسد الأخلاقية
 
"ابحث عن العلاج واعثر على الدواء، لإزالة تلك الأخلاق الفاسدة والقبيحة... وأفضل علاج... هو ما ذكره علماء الأخلاق وأهل السلوك، وهو أن تأخذ كل واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك، وتنهض بعزمٍ على مخالفة النفس إلى أمدٍ، وتعمل عكس ما ترجوه وتتطلبه منك تلك الملكة الرذيلة. وعلى أي حال اطلب
 
 

1- بحار الأنوار، ج75، ص126.
 
 
 
 
115

99

دواء القلوب

 التوفيق من الله تعالى لاعانتك في هذا الجهاد، ولا شك في أن الخلق القبيح سيزول بعد فترة وجيزة..."1.

 
 
جلاء القلوب
 
من نعم الله علينا بعد أن خلقنا وابتلانا، وهو أعلم بما صنع، وقد علم أن بعضنا سيفسد في الأرض ويطغى، فينحرف عن صراطه المستقيم، فتنكس القلوب وتقسو وتمرض، أرشدنا إلى الدواء على لسانه ولسان أهل البيت عليهم السلام، وسوف نشير ها هنا إلى جملة من أدوية القلب كما وردت عنهم عليهم السلام:
 
1- ذكر الله
 
يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم ﴿الذِينَ آمَنواْ وَتَطْمَئِن قلوبهم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِن الْقلوب2.

 

ويروى عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لأحد أصحابه: "يا أبا أسامة إرعوا قلوبكم بذكر الله عز وجل، واحذروا النكت"3.
ومن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام عند تلاوته: ﴿رِجَالٌ لا تلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِقال: "إن الله سبحانه جعل الذكر جلاء القلوب"5.

 

قال الشاعر الوراق6:
 
وإذا مرضتَ من الذنوب فداوها             بالذكر إن الذكر خير دواء
والسقم في الأبدان ليس بضائرٍ              والسقم في الأبدان شر بلاء
 
 

1- الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، ص39.
2- سورة الرعد، الآية: 28. 
3- الكافي، ج8، ص167.
4- سورة النور، الآية: 37.
5- بحار الأنوار، ج66، ص325.
6- شرح نهج البلاغة، ج7، ص81.
 
 
 
 
116

100

دواء القلوب

 2- الاستغفار

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ألا أنبئكم بدائكم من دوائكم: داؤكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار"1.
 
3- قراءة القرآن
 
وهو دواء وشفاء للقلوب والأبدان.
يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيهَا الناس قَدْ جَاءتْكم موْعِظَةٌ من ربكمْ وَشِفَاء لمَا فِي الصدورِ وَهدًى وَرَحْمَةٌ للْمؤْمِنِينَ2.

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن وذكر الموت"3.
وعنه عليه السلام قال: "إن الله سبحانه لم يعظ أحداً بمثل هذا القرآن، فإنه حبل الله المتين وسببه الأمين, وفيه ربيع القلب وينابيع العلم, وما للقلب جلاء غيره..."4.
 
4- قلة الأكل
 
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "وليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل, وهي مورثة لشيئين قسوة القلب وهيجان الشهوة".
وقال عيسى روح الله عليه السلام: "ما مرض قلب بأشد من القسوة"5.
 
5-استماع الموعظة
 
عن الإمام علي عليه السلام قال: "المواعظ صقال النفوس وجلاء القلوب"6.
وقيل: "الموعظة حرز من الخطأ، وأمنٌ من الأذى وجلاءٌ للقلوب من الصدأ".
 
 

1- مستدرك الوسائل، ج12، ص123.
2- سورة يونس، الآية: 57.
3- شرح نهج البلاغة، ج10، ص144.
4- م. ن، ص31.
5- مستدرك الوسائل، ج12، ص94.
6- غرر الحكم ودرر الكلم، ص224.
 
 
 
 
 
117

 


101

دواء القلوب

 6- الحديث

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "تذاكروا وتلاقوا وتحدثوا؛ فإن الحديث جلاء القلوب"1.
 
7- قيام الليل
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين، وإن قيام الليل قربة إلى الله وتكفير السيئات، ومنهاة عن الإثم ومطرودة الداء عن أجسادكم..."2.
 
المفاهيم الأساس
 
1-كما يهتم الإنسان بصحته وطعامه ومشربه، والمسارعة إلى مداواة الأمراض التي يتعرض لها جسده. كذلك لا بد وبطريق أولى، أن يهتم الإنسان بغذاء الروح، وعلاج أمراض القلب المعنوية.
 
2- ينقسم علاج أمراض الروح والقلب إلى قسمين:
أ- العلاج النفسي، ويتضمن ثلاث خطوات:
- التفكر في عظمة مخلوقات الله.
- العزم على ترك المعاصي وأداء الواجبات.
- تذكر العقاب الإلهي واستشعار رقباته لنا.
ب- العلاج العملي، ويتضمن خطوتان:
- علاج عام لكل الذنوب والأمراض، كمعرفة أسباب ارتكابها جهلاً أو غفلة... الخ.
-علاج خاص لكل ذنب، بشكل مستقل كعلاج ذنب الغيبة فقط، وهكذا.
 
3- وصفات تربوية لعلاج أمراض القلوب:
- ذكر الله تعالى واستغفاره.
 
 

1- بحار الأنوار، ج2، ص152. 
2- مستدرك الوسائل، ج6، ص331.
 
 
 
 
118

102

دواء القلوب

 - قراءة القرآن الكريم.

- التقليل من الطعام والشراب والنوم.
- الاستماع للموعظة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام.
- أداء صلاة الليل فهي دأب الصالحين.

للمطالعة
 
صلاة الزهراء عليها السلام

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمَتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار".

بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 28، ص 38
 
 
 
 
 
119

103

مكفرات الذنوب

 11- مكفرات الذنوب

 
 
في الحديث القدسي
 
"أهل طاعتي في ضيافتي، وأهل شكري في زيادتي، وأهل ذكري في نعمتي، وأهل معصيتي لا أوسعهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن دعوا فأنا مجبيبهم وإن مرضوا فأنا طبيبهم أداويهم بالمحن والمصائب، لأطهرهم من الذنوب والمعاييب"1
 
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص42.
 
 
 
 
121

104

مكفرات الذنوب

 تمهيد

 
يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم:
 

 

﴿وَمَن يَتقِ اللهَ يكَفرْ عَنْه سَيئَاتِهِ وَيعْظِمْ لَه أَجْرًا1.

 

 
لا بد للإنسان المؤمن أن لا يصاب باليأس والقنوط من روح الله ورحمته التي وسعت كل شيء؛ لأن ذلك من أكبر الكبائر كما ورد في الرواية الشريفة.
 
وفي مقابل ذلك لا بد أن لا يستهين بغضب الله وقهره فيأمن مكره وعقابه بتسويف من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
 
ولذا لا بد أن يعيش العبد بين حالتي الخوف من العقاب، والرجاء لعفو الله ورحمته ومغفرته.
 
إننا رغم ابتلائنا بالذنوب والمعاصي وابتعادنا عن الله وإدبارنا عنه، واطاعة الشيطان والكفر بالنعم الإلهية، إلا أن الله برحمته الواسعة الرحمانية والرحيمية ما زال ولا يزال يتلطف بعباده ويتحبب إليهم ويدعوهم إلى العودة والإنابة والتوبة والاستغفار، وأعطانا الأمل بقبولها وهيأ لنا أعمالاً إن نحن قمنا بها استوجبنا بتفضله ولطفه كفارة ذنوبنا وسيئاتنا، وما قصرنا في جنبه وحقه. وهي كثيرة ومتعددة إلا أنه سنقتصر على بعضٍ منها:
 
1- الطاعات والحسنات
ولا سيما الصلاة التي هي عمود الدين "إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما
 
 

1- سورة الطلاق، الآية: 5.
 
 
 
 
123

105

مكفرات الذنوب

 سواها"1، وهي أفضل الأعمال والفرائض بعد المعرفة2 وهي التي رحمنا الله بها لتردعنا عن الفحشاء والمنكر:

 

 

﴿وَأَقِمِ الصلَاةَ إِن الصلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمنكَرِ3.

 

 
وهذه قاعدة ذهبية لا بد من اغتنامها والظفر بها؛ إذ إن أي مؤمن يرتكب الفحشاء والمنكر والمعاصي لا بد له أن يفتش عن الخلل في صلاته سواء من ناحية الإجزاء أو القبول.
 
وبناءً عليه لو صلى العبد الصلاة المطلوبة والمقبولة، فسوف يحصل مغانمها وآثارها الهامة في الدنيا والبرزخ والآخرة.
 
روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأصحابه:
"لو كان على باب دار أحدكم نهرٌ فاغتسل في كل يوم منه خمس مرات أكان يبقى في جسده من الدرن شيءٌ، قلنا: لا.
قال: فإن مثل الصلاة كمثل النهر الجاري؛ كلما صلى صلاة كفرت ما بينهما من الذنوب"4.
 
أرجى آية في القرآن
 
روي أن علياً عليه السلام أقبل على الناس فقال لهم:
 
"أية آيةٍ في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم: ﴿إِن اللهَ لاَ يَغْفِر أَن يشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِر مَا دونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء، قال: حسنة وليست إياها، وقال بعضهم: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَه.. الآية، قال: حسنة وليست إياها، وقال بعضهم: ﴿وَالذِينَ إِذَا فَعَلواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمواْ أَنْفسَهمْ ذَكَرواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرواْ لِذنوبِهِمْه، قال: حسنة وليست إياها، قال: ثم أحجم الناس، فقال عليه السلام: ما لكم يا معشر المسلمين قالوا: لا والله ما عندنا
 
 

1- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص34.
2- الكليني، الكافي، ج3، ص264.
3- سورة العنكبوت، الآية: 45.
4- الطووسي التهذيب, ج2, ص237.
 
 
 
 
124

 


106

مكفرات الذنوب

 شيء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أرجى آية في كتاب الله: ﴿وَأَقِمِ الصلاَةَ طَرَفَيِ النهَارِ وَزلَفًا منَ الليْلِ وقرأ الآية كلها1، وقال: يا علي والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن أحدكم ليقوم إلى وضوئه فيتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل عن صلاته وعليه من ذنوبه شيءٌ؛ كما ولدته أمه، فإن أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عد الخمس"2.

 
ولكن عليكم الحذر، فليس معنى ذلك أن يعصي الإنسان ربه اتكالاً على الصلاة، وإلا أصبحت الصلاة وسيلة شيطانية للوقوع في الذنوب.
 
2-تعجيل العقوبة في الدنيا
 
وهذا بابٌ من أبواب لطف الله بعباده في الدنيا، لأن العقوبة الدنيوية مهما بلغت فهي بمثابة الرحمة والفضل على العبد أمام عقوبات الآخرة وأهوالها ونارها، والتي ورد أن حلقة من تلك الحلقات التي طولها سبعون ذراعاً لو أنزلت إلى الدنيا لاحترقت بما فيها. وقد ورد في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إن الله إذا أراد بعبدٍ خيراً فأذنب ذنباً أتبعه بنقمةٍ ويذكره الاستغفار..."3.
 
أولاً: قد يصل العبد العارف العاقل إلى البكاء والطلب والدعاء من ربه ولسان حاله يقول: يا رب أنا واثق من رحمتك وعفوك ومغفرتك وإلا تغفر لي فقد هلكت، فعجل لي العقوبة في الدنيا لتكفر سيئاتي وأتخلص من ذنوبي لئلا يشملني غضبك ونقمتك في الآخرة.
 
وثانياً: إن الله إذا عاقبنا تفضلاً ورحمة في هذه الدنيا فلن يعاقبنا بما لا نطيق، ولكن العياذ بالله مما لا يطاق من عذاب الآخرة وأهوالها: "يا رب وأنت تعلم ضعفي عن قليلٍ من بلاء الدنيا وعقوباتها، وما يجري فيها من المكاره على أهلها على أن ذلك
 
 

1- "إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" سورة هود، الآية: 164.
2- مستدرك الوسائل، ج3، ص39.
3- الكافي، ج2، ص452.
 
 
 
 
 
125

107

مكفرات الذنوب

 بلاء ومكروه، قليل مكثه يسير بقاؤه قصير مدته، فكيف احتمالي لبلاء الآخرة وجليل وقوع المكاره فيها؛ وهو بلاء تطول مدته ويدوم مقامه ولا يخفف عن أهله لأنه لا يكون إلا عن غضبك وانتقامك وسخطك وهذا ما لا تقوم له السموات والأرض..."1.

 
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً عجل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد الله بعبدٍ سوءاً أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة"2.
 
وعنه وعن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "ما من الشيعة عبدٌ يقارف أمراً نَهينا عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص عنه ذنوبه؛ إما في مالٍ وإما في ولدٍ، وإما في نفسه، حتى يلقى الله عز وجل وما له ذنب. وإنه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدد به عليه عند موته"3.
 
3- الأمراض:
 
عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "المرض للمؤمن تطهيرٌ ورحمة وللكافر تعذيب ولعنة، وإن المرض لا يزال بالمؤمن حتى لا يكون عليه ذنبٌ"4.
 
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا مرض المسلم كتب الله له بأحسن ما كان يعمل في صحته وتساقطت ذنوبه كما تساقط ورق الشجر"5.
 
4- الأحزان والهموم والغموم:
 
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يجد ما يكفرها به ابتلاه الله بالحزن في الدنيا ليكفرها به..."6.
 
وعن زكريا بن آدم قال دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال: "... يا زكريا بن
 
 

1- مقطع من دعاء كميل للإمام علي عليه السلام.
2- الشيخ الصدوق، الخصال، ج1، ص20.
3- مستدرك الوسائل، ج2، ص53.
4- وسائل الشيعة، ج2، ص401.
5- م. ن، ص402.
6- مستدرك الوسائل، ج2، ص52.
 
 
 
 
126

 


108

مكفرات الذنوب

 آدم ما أحدٌ من شيعة علي عليه السلام أصبح بصبيحةٍ أتى سيئةً أو ارتكب ذنباً إلا أمسى وقد ناله غم حط عنه سيئته..."1.

 
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما من مؤمنٍ إلا وهو يذكر في كل أربعين يوماً ببلاء؛ إما في ماله أو في ولده أو في نفسه. فيؤجر عليه، أو هم لا يدري من أين هو"2.
 
5- حـسن الخلق
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إن حسن الخلق يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسلَ"3.
 
6-ـ الصلاة على محمـد وآل محمـد
عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تَهدِم الذنوب هدماً"4.
وسوف نشير ها هنا ورعاية للاختصار إلى عناوين بعض مكفرات الذنوب، كما وردت في الروايات الشريفة عن أهل البيت سلام الله عليهم وهي:
-الاستغفار.
- كثرة السجود.
- صوم شعبان.
- إجابة المؤذن.
- غم الموت.
- إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب.
- قراءة القرآن.
 
 

1- بحار الأنوار، ج65، ص146.
2- م. ن، ج64، ص237.
3- م. ن، ج68، ص395.
4- روضة الواعظين، ج2، ص322.
 
 
 
 
 
127

109

مكفرات الذنوب

 - الحج والعمرة.

- تفطير المؤمن الصائم.
- ذكر "لا إله إلا الله".
- الذكر عشر مرات يومياً: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير".
 
الخوف والرجاء
 
عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام:
"كان فيها (وصية لقمان) الأعاجيب وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خَفِ الله عز وجل خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك، وارج الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك، ثم قال عليه السلام:
كان أبي يقول: إنه ليس من عبدٍ مؤمنٍ إلا وفي قلبه نوران نور خِيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا"1.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره في مجال شرحه لهذا الحديث إن للمؤمن العارف بالحقائق نظرتين:
الأولى: نظرته إلى نفسه من حيث نقصانه وضعفه وافتقاره واحتياجه...
والثانية: نظرته إلى كمال الله تعالى وبسط رحمته...
وعلى الإنسان أن يتردد بين هاتين النظرتين فلا يغمض عينيه عما فيه من نقصٍ وقصور في القيام بواجب العبودية، ولا هو ينسى سعة رحمة الحق جل جلاله وعنايته وشمولها... ويذكر قدس سره عن سبب تعادل الخوف والرجاء في الروايات فيقول: إن الإنسان عندما يدرك قصوره في النهوض بالعبودية ويرى صعوبة وضيق طريق الآخرة يصاب بالخوف، وعندما يجد ذنوبه ويرى بعينه كيف أن هناك بعض الأشخاص الذين كانت بدايتهم حسنة ثم انقلبوا وكانت عاقبة أمرهم الموت دون إيمان أو عمل صالح،
 
 

1- الكافي، ج2، ص67.
 
 
 
 
 
128

110

مكفرات الذنوب

 يصاب بالهلع، وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يَدري ما صنع الله فيه، وعمرٌ قد بقي لا يَدري ما يكتسب فيه من المهالك فهو لا يصبح إلا خائفاً ولا يصلحه إلا الخوف".

 
ولكنه في المقابل يرى الحق في منتهى العظمة والجلال وسعة الرحمة والعطاء، وحيث إن الله تعالى حاضرٌ في قلب ال مؤمن بجميع صفاته حيث تتجلى أسماء الجلال والجمال في قلب العارف بصورة متعادلة لا يترجح كل من الخوف والرجاء على الآخر .
 
وما أجملَ كلام الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام حينما يقول في دعاء السحر: "أدعوك يا رب راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت، وإذا رأيت كرمك طمعت، فإن عَفوت فخير راحمٍ، وإن عَذبت فغير ظالمٍ..."1.
 
المفاهيم الأساس
 
1- بالرغم من ابتلاء الإنسان بالذنوب، إلا أن أبواب الرحمة الإلهية تبقى مفتوحة أمامه.
2- من الأعمال التي تؤدي إلى تكفير ذنوبنا وسيئاتنا، القيام بالطاعات وأداء الواجبات وغيرها.
3- إن بعض الابتلاءات والمحن والمصائب التي يبتلي بها المؤمن، هي في واقعها رحمة إلهية تهدف إلى غسل قلب الإنسان من الذنوب، قبل الرحيل إلى دار الآخرة.
 
 

1- مقتبس من كتاب الأخلاق من "الأربعون حديثاً"، جمعية المعارف الإسلامية، الدرس الخامس، ص34 ـ 40. 
 
 
 
 
129

111

مكفرات الذنوب

 للمطالعة

 
دخل معاذ بن جبل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باكياً فسلم فرد عليه السلام ثم قال: ما يبكيك يا معاذ؟ فقال: يا رسول الله إن بالباب شاباً طري الجسد، نقي اللون، حسن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها، يريد الدخول عليك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أدخِل علي الشاب يا معاذ، فأدخله عليه فسلم فرد عليه السلام، ثم قال: ما يبكيك يا شاب؟ قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوباً إن أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم؟ ولا أراني إلا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل أشركت بالله شيئاً: قال: أعوذ بالله أن أشرِك بربي شيئاً، قال: أقتلت النفس التي حرم الله؟ قال: لا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرواسي، فقال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق، قال: فإنها أعظم من الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسي، قال: فإنها أعظم من ذلك، قال: فنظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه كهيئة الغضبان ثم قال: ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربك؟ فخر الشاب لوجهه وهو يقول: سبحان ربي ما شيء أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم؟ قال الشاب: لا والله يا رسول الله، ثم سكت الشاب فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك؟ قال: بلى أخبرك: إني
 
 
 
 
130

112

مكفرات الذنوب

  كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الأموات، وأنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلما حمِلت إلى قبرها ودفِنت وانصرف عنها أهلها، وجن عليهم الليل أتيت قبرها فنَبشتها، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها وتركتها متجردة على شفير قبرها، ومضيت منصرفاً فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي، ويقول: أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رَجِعت إليها، ولم أملك نفسي حتى جامَعْتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شاب ويلٌ لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك؛ كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك من النار!. فما أظن أني أشم ريح الجنة أبداً فما ترى لي يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن أحترقَ بنارك، فما أقربك من النار! ثم لم يزلصلى الله عليه وآله وسلميقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه، فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها، ولبس مسحاً وغل يديه جميعاً إلى عنقه، ونادى: يا رب هذا عبدك بهلول، بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، وزل مني ما تعلم، سيدي! يا رب أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائباً فطردني وزادني خوفاً، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي، سيدي! ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك. فلم يزل يقول ذلك أربعين يوماً وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوماً وليلة رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنتَ استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوحِ إلى نبيك، وإن لم تَستجب لي دعائي ولم تَغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنارٍ تحرقني، أو عقوبة في الدنيا تهلكني، وخلصني من فضيحة يوم القيامة. فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: "وَالذِينَ إِذَا فَعَلواْ فَاحِشَةً" يعني الزنا "أَوْ ظَلَمواْ أَنْفسَهمْ" يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا، ونبش القبور، وأخذ الأكفان "ذَكَرواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرواْ لِذنوبِهِمْ" يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة "وَمَن يَغْفِر الذنوبَ إِلا الله" يقول عز وجل: أتاك عبدي يا محمد تائباً 

 

 

 

131


113

مكفرات الذنوب

 فطردته، فأين يذهب؟ وإلى من يقصد؟ ومن يسأل أن يغفر له ذنباً غيري؟ ثم قال عز وجل: "وَلَمْ يصِرواْ عَلَى مَا فَعَلواْ وَهمْ يَعْلَمونَ" يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان "أوْلَـئِكَ جَزَآؤهم مغْفِرَةٌ من ربهِمْ وَجَناتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْر الْعَامِلِينَ" فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وهو يتلوها ويتبسم، فقال لأصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب؟ فقال معاذ: يا رسول الله بَلغَنا أنه في موضع كذا وكذا، فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب؛ فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين، مغلولة يداه إلى عنقه، قد اسود وجهه، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول: سيدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي؟ أفي النار تحرقني؟ أو في جوارك تسكنني؟ اللهم إنك قد أكثرت الاحسان إلي وأنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري؟ إلى الجنة تزفني؟ أم إلى النار تسوقني؟ اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة؟ فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه وقد أحاطت به السباع! وصفت فوقه الطير! وهم يبكون لبكائه! فدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأطلق يديه من عنقه، ونفض التراب عن رأسه، وقال: يا بهلول! أبشر فإنك عتيق الله من النار. ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول. ثم تلا عليه ما أنزل الله عز وجل فيه وبشره بالجنة.

 

 

 

132


114

رحمة الله بعباده‏

 12- رحمة الله بعباده

 
عن الإمام الصادق عليه السلام قال
 
"التوبة حبل الله ومدد عنايته ولا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال، وكل فرقة من العباد لهم توبة، فتوبة الأنبياء من اضطراب السر، وتوبة الأصفياء من النفس، وتوبة الأولياء من تلوين الخطرات، وتوبة الخاص من الإشتغال بغير ذكر الله، وتوبة العام من الذنوب"1
 
 

1- بحار الأنوار، ج6، ج 38، ص 31.
 
 
 
 
 
133

115

رحمة الله بعباده‏

 تمهيد

 

 

﴿يَا أَيهَا الذِينَ آمَنوا لَا تَتبِعوا خطوَاتِ الشيْطَانِ وَمَن يَتبِعْ خطوَاتِ الشيْطَانِ فَإِنه يَأْمر بِالْفَحْشَاء وَالْمنكَرِ وَلَوْلَا فَضْل اللهِ عَلَيْكمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنكم منْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِن اللهَ يزَكي مَن يَشَاء وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ1.

 

﴿وَلَوْلَا فَضْل اللهِ عَلَيْكمْ وَرَحْمَته وَأَن اللهَ تَوابٌ حَكِيمٌ2.

 

بعد كل ما تقدم معنا عن آثار الذنوب وتبعاتها وأخطارها في الدنيا والآخرة، لا بد من التعرف إلى أن الله الرحمن الرحيم قد فتح أبواب رحمته لتعود إليه بعد عصيانك وطغيانك وتجاوز الحد وهتك الستر، وهذا من فضل الله علينا ورحمته بنا وإلا لكنا من الخاسرين:

 

﴿فَلَوْلاَ فَضْل اللهِ عَلَيْكمْ وَرَحْمَته لَكنتم منَ الْخَاسِرِينَ3.

 

وأبواب رحمة الله كثيرة ومتعددة وسنشير هنا إلى أهمها
1- فتح باب التوبة
إن باب التوبة والأَوْبَة إلى الله من أهم الأبواب، وهو باب مفتوح لمن أراد دخوله، وقد دعانا الله إلى طَرقِه والورود فيه، فقال لنا في محكم كتابه:

 

﴿وَتوبوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيهَا الْمؤْمِنونَ لَعَلكمْ تفْلِحونَ4.

 

 
 

1- سورة النور، الآية: 21.
2- سورة النور، الآية: 10.
3- سورة البقرة، الآية: 64.
4- سورة النور، الآية: 31.
 
 
 
 
135

116

رحمة الله بعباده‏

 والتوبة حبل الله الممدود بيننا وبينه، من تمسك به نجا ومن رغب عنه هلك وهوى.

 
وقد وعدنا الله بأنه سيقبل توبتنا إن تبنا وأنبنا إليه ﴿أَلَمْ يَعْلَمواْ أَن اللهَ هوَ يَقْبَل التوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ1.

 

 
وعن الإمام علي عليه السلام قال: "من أعطي التوبة لم يحرم القبول...."2.
 
ومعنى قَبول التوبة هو أن إلهك الرحيم قد عفا عن إساءتك إليه، واستقبلك مجدداً في جِوار رحمته ومد لك بساط مغفرته، ودعاك إلى مراجعة تقصيرك فيما قصرت فيه، والاستئناف بأداء حقوقه وفرائضه بإتيان الطاعات وترك المعاصي والموبقات.
 
ومن ثمار هذه التوبة: أنك تصبح محبوباً لله ﴿إِن اللهَ يحِب التوابِينَ...3 ومن أحبه الله لم يعذبه الله كما ورد في الرواية الشريفة، ووفاه أجره يوم القيامة، وكان من الآمنين، وأباحه جنته، وأذاقه بَرْد عفوه وغَفرَ له ﴿قلْ إِن كنتمْ تحِبونَ اللهَ فَاتبِعونِي يحْبِبْكم الله وَيَغْفِرْ لَكمْ ذنوبَكمْ4.

 

 
ومن ثمارها أيضاً: تحصيل المغفرة ﴿إِلا الذِينَ تَابواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحواْ فَإِن الله غَفورٌ رحِيمٌ5.

 

 
وإن ذلك خيرٌ لنا ﴿فَإِن تبْتمْ فَهوَ خَيْرٌ لكمْوإنك بتوبتك سوف تفرح الله وتسره بعودتك وإنابتك، ففي الرواية عن الإمام الباقرعليه السلام قال: "إن الله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده من رجلٍ أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها"7.

 

 
 

1- سورة التوبة، الآية: 104.
2- وسائل الشيعة، ج7، ص177.
3- سورة البقرة، الآية: 222.
4- سورة آل عمران، الآية: 31.
5- سورة آل عمران، الآية: 89.
6- سورة التوبة، الآية: 3.
7- الكافي، ج2، ص435.
 
 
 
 
 
136

117

رحمة الله بعباده‏

 وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد (أي الذي رزق بولد بعد عقم) ومن الضال الواجد (لضالته) ومن الظمآن الوارد (على حياض الماء)"1.

 
 
2- ستر الله على المذنب‏
 
وهذا الباب أيضاً من أبواب لطف الله ورحمته بعبده قبل التوبة وبعدها؛ إذ إن العبد العاصي والآبق يعصي ثم يعصي وهكذا، والله يستر عليه فلا يؤاخذه بالكثير من ذنوبه ولا يفضحه كلما أذنب، لعل هذا العبد يستيقظ من غفلته، وهذا من نعم الله علينا كما قال في كتابه الكريم ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكمْ نِعَمَه ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً2 ويفسرها لنا ابن عباس بقوله "الظاهرة الإسلام والباطنة ستر الذنوب"3.

 

 
ويقول الإمام عليه السلام في دعاء يوم الثلاثاء: "وأنت علام الغيوب سترت علي عيوبي وأحصيت علي ذنوبي وأكرمتني بمعرفة دينك ولم تهتك علي جميل سترك يا حنان ولم تفضحني يا منان"4.
 
والإنسان بطبعه يسعى حين ارتكاب الذنب والجرم أن لا يراه أحد من الناس لئلا يفتضح بينهم، ولكن هيهات هيهات إن لم يفتضح في الدنيا لموضع ستر الله عليه، فسوف يفتضح في الآخرة يوم الفضيحة على رؤوس الأشهاد وأمام الخلق أجمعين وخاصة أمام معارفه وأقربائه ممن كان يتظاهر أمامهم بالعفة والصلاح والمكانة والمنزلة، وها هو إمامنا عليعليه السلام يعلمنا ويرشدنا إلى كيفية التكلم مع الله ومناجاته وهو العليم الذي لا يخفى عليه شي‏ء "إلهي سترت علي ذنوباً في الدنيا وأنا أحوج إلى سترها علي منك في الآخرة، إلهي قد أحسنت إلي إذ لم تظهرها لأحدٍ من عبادك
 
 

1- كنز العمال، ج4، ص205، مستدرك الوسائل، ج12، ص126.
2- سورة لقمان، الآية: 20.
3- الطوسي، الأمالي، ص392.
4- بحار الأنوار، ج87، ص183.
 
 
 
 
137

118

رحمة الله بعباده‏

 الصالحين فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد"1.

 
وهذا الستر للذنب إنما هو قبل التوبة، وأما ستر الله على عبده بعد التوبة فهو الأفضل والأجمل والأكمل، لأنه لن يكون عليه شي‏ء يشهد ضده يوم القيامة، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال
 
"إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة، فقلت وكيف يستر عليه قال: ينسي ملكيه مما كتب عليه من الذنوب ويوصي إلى جوارحه أن اكتمي عليه ذنوبه، ويوصي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شي‏ء يشهد عليه بشي‏ءٍ من الذنوب"2.
 
3- فتح باب المغفرة
 
يقول الله تعالى: ﴿وَإِني لَغَفارٌ لمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثم اهْتَدَى3.

 

 
وقد أمرنا الله تعالى تلطفاً بنا ورحمة لنا أن نستغفره؛ بمعنى أن نستنزل المغفرة ونطلبها منه فقال في محكم كتابه: ﴿اسْتَغْفِروا رَبكمْ إِنه كَانَ غَفارًا4.

 

 
بل وحثنا على ذلك ﴿أَفَلاَ يَتوبونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرونَه وَالله غَفورٌ5.

 

 
ومن خلال هذا الطلب والحث عليه يتأكد لنا أهمية التوبة والاستغفار، ليس لنا فحسب بل عند ربنا وإلهنا، وحينئذٍ لا بد أن ندرك شدة رحمة الله بعباده وحبه لهم من خلال دعوتهم إلى الدخول في ولايته وقربه، وإذا كان الداعي هو الكريم ذو الفضل العظيم فسوف يفي بوعده وعهده، ومن أصدق من الله قيلاً ومن أصدق من الله حديثاً، إن وعد الله حق فلا تعرض عنه وابتغ إلى ذلك سبيلاً، وعن إمامنا الصادق عليه السلام قال: "من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة.."6.
 
 

1- بحار الأنوار، ج91، ص96.
2- الكافي، ج2، ص430.
3- سورة طه، الآية: 82.
4- سورة نوح، الآية: 10.
5- سورة المائدة، الآية: 74.
6- وسائل الشيعة، ج7، ص177.
 
 
 
 
138

119

رحمة الله بعباده‏

 وعنه عليه السلام أنه قال: "إن الله إذا أراد بعبدٍ خيراً فأذنب ذنباً أتبعه بنقمةٍ ويذكره الاستغفار، وإذا أراد الله بعبدٍ شراً فأذنب ذنباً اتبعه بنعمةٍ لينسيه الاستغفار، ويتمادى بها وهو قول الله عز وجل "سَنَسْتَدْرِجهم منْ حَيْث لاَ يَعْلَمونَ" بالنعم عند المعاصي"1.

 
ومن عظيم نعم الله علينا أيضاً أنه لا يكتب علينا الذنب إلى سبع ساعات منتظِراً منا الاستغفار ليغفره لنا، قال الصادق عليه السلام: "من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار فإن قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاث مرات لم يكتب عليه"2.

 
وفي بعض الروايات أن ذنب النهار يؤجل إلى الليل فإن استغفر لم يكتب عليه.
 
بل ورد في بعضها أنه لو كتب الذنب على العبد ثم استغفر منه ولو بعد عشرين سنة فإن الله سيغفره له.
 
وأخيراً ورد في الرواية الشريفة أنه طوبى لمن استغفر من ذنبه، وطوبى لمن وجد مكتوباً تحت ذنبه استغفر الله.
 
لكن الحذر ثم الحذر هنا، من تسويلات الشيطان وإيقاعنا بالرجاء السلبي، فرب ذنب قد يسقطك من عين الله إلى الأبد!! فلا تتوفق إلى التوبة والاستغفار.
 
4- فتح باب الدعاء
وهذا الباب خطيرٌ لا يقل في الأهمية عما سبقه من أبواب رحمة الله بعباده، والله تعالى أكرم من أن يطلب من عبده الدعاء ثم لا يستجيب له "من أعطي الدعاء أعطي الإجابة"3.
ولذا ينبغي على العبد العاقل أن يغتنم هذه الفرصة فيبادر إلى الدعاء والسؤال
 
 

1- الكافي، ج2، ص452.
2- م. ن، ج2، ص438.
3- م. ن، ج2، ص65.
 
 
 
 
139

120

رحمة الله بعباده‏

 بل والإلحاح في الطلب، وأن لا يستكبر على الله وعبادته يقول الله تعالى: ﴿إِن الذِينَ يَسْتَكْبِرونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخلونَ جَهَنمَ دَاخِرِينَ1 وعن الإمام الباقرعليه السلام قال: "هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء"2.

 

 
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن أفضل العبادة الدعاء، وإذا أذن الله لعبد في الدعاء فتح له أبواب الرحمة، إنه لن يهلك مع الدعاء أحد"3.
 
هذا ولا بد للعبد أن يحقق شروط الدعاء من ناحية تحقيق المقتضي، ورفع الموانع والتذلل والخشوع والخضوع والاعتراف بالذنب وإظهار العجز، والأدب عند التكلم مع المولى عز وجل... ويكفينا في هذا المجال أن نرجع إلى مقتطفات من الدعاء والمناجاة عن أئمتنا الطاهرينعليهم السلام لنرى كيفية تكلمهم مع الله وكيفية إظهار الأدب في حضرته.
 
ها هو أمير المؤمنين عليه السلام يدعوه قائلاً: "واجعل لساني بذكرك لهجاً... فإنك قضيت على عبادك بعبادتك وأمرتهم بدعائك وضمنت لهم الإجابة، فإليك يا رب نصبت وجهي، وإليك يا رب مددت يدي، فبعزتك استجب لي دعائي، وبلغني مناي ولا تقطع من فضلك رجائي"4.
 
وها هو إمامنا العسكري عليه السلام يقول في قنوته:
 
"اللهم إنك ندبت إلى فضلك وأمرت بدعائك وضمنت الإجابة لعبادك، ولم تخيب من فزع إليك برغبة، وقصد إليك بحاجة، ولم ترجع يداً طالبة صفراً من عطائك، ولا خائبة من نحل هباتك...."5، وعن زين العابدين عليه السلام قال: "إلهي كيف تؤيسني من عطائك وقد أمرتني بدعائك"6. وورد في مناجاة الذاكرين قوله عليه السلام:
 
 

1- سورة غافر، الآية: 60.
2- الكافي، ج2، ص65.
3- وسائل الشيعة، ج7، ص31.
4- البلد الأمين، ص191؛ مفاتيح الجنان، ص107.
5- بحار الأنوار، ج82، ص228.
6- م. ن، ج84، ص286.
 
 
 
 
140

121

رحمة الله بعباده‏

 "ومِنْ أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألسنتنا، وإذنك لنا في دعائك وتنزيهك وتسبيحك"1.

 
وفي الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي ها هو الإمام زبن العابدين عليه السلام يناجي ربه فيقول:
 
"توجهت إليك بحاجتي وجعلت بك استغاثتي وبدعائك توسلي... اللهم أنت القائل وقولك حق ووعدك صدق ﴿ووَاسْأَلواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ إِن اللهَ كَانَ بِكل شَيْءٍ عَلِيمًا، وليس من صفاتك يا سيدي أن تأمر بالسؤال وتمنع العطية وأنت المنان بالعطايا على أهل مملكتك والعائد عليهم بتحنن رأفتك"2.

 

 
 
ولاية أهل البيت عليهم السلام مفتاح أبواب الرحمة
 
عن عمر بن الخطاب قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن علي عليه السلام فغضب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بَال أقوام يذكرون من له منزلة عند الله كمنزلتي ومقام كمقامي إلا النبوة، ألا ومن أحب علياً فقد أحبني ومن أحبني رضي الله عنه، ومن رضي الله عنه كافأه بالجنة، ألا ومن أحب علياً استغفرت له الملائكة وفتحت له أبواب الجنة... ألا ومن أحب علياً أثبتت له الحكمة في قلبه، وأجري على لسانه الصواب، وفتح الله له أبواب الرحمة..."3.
 
إن ولاية أهل البيت عليهم السلام هي رأس مالنا ومتاعنا في الحياة الدنيا والآخرة، فهم سبيل النجاة وسفينته والصراط المستقيم والوسيلة إلى الله وباب الله الذي منه يؤتى، وقد سعد من والاهم وشقي من عاداهم؛ ولذا البدار البدار أيها الأخ العزيز لتجديد الولاء والبيعة لهم وتقوية العلاقة والارتباط بهم، والتوسل بهم إلى الله، كيف لا وقد أَمَرَنا الله بإطاعتهم ﴿أَطِيعواْ اللهَ وَأَطِيعواْ الرسولَ وَأوْلِي الأَمْرِ مِنكمْ..4.

 

 
 

1- بحار الأنوار، ج91، ص151.
2- م. ن، ج95، ص83.
3- م. ن، ج27، ص114.
4- سورة النساء، الآية: 59.
 
 
 
 
141

122

رحمة الله بعباده‏

 وأَمََرَنا بأن نبتغي إليه الوسيلة ﴿وَابْتَغواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ1. وفي تفسيرها عن الإمام الصادق عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها أهل البيت سلام الله عليهم.

 

 
إن ولاية أهل البيت عليهم السلام هي النعمة الباطنة الواردة في قوله تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكمْ نِعَمَه ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً2.

 

 
وهي إكمال الدين وتمام النعمة الواردة في قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكم الإِسْلاَمَ دِينًا3.

 

 
وعن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: ﴿وَإِني لَغَفارٌ لمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثم اهْتَدَى قال: "إلى ولاية أمير المؤمنين عليه السلام"4. وفي روايات أخرى كثيرة اهتدى إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام.

 

 
المفاهيم الأساس
 
1- بالرغم من جرأة الإنسان على فعل المعصية، إلا أن الرحمن الرحيم قد أبقى باب الرحمة والمغفرة مفتوحاً للعاصين، لكي يدخلوا إلى ساحة التائبين المستغفرين لرب العالمين.
2- إن من عظمة أبواب اللطف الإلهي ستر الله على المذنبين من عباده قبل التوبة وبعدها، إذ أن العبد العاصي يفعل الذنب مرة وأخرى وهكذا... والله يستر عليه ولا يفضحه كلما أذنب، لعل هذا العبد يستيقظ من غفلته.
3-ومن عظيم نعم الله علينا أيضاً، فتح باب الدعاء والرجاء لنا في أي وقت كان، لذا ينبغي أن نغتنم هذه الفرصة، ونبادر إلى الدعاء والسؤال والتضرع، بين يدي المولى عز وجل.
 
 

1- سورة المائدة، الآية: 35.
2- سورة لقمان، الآية: 20.
3- سورة المائدة، الآية: 3.
4- بحار الأنوار، ج24، ص148.
 
 
 
 
142

123

رحمة الله بعباده‏

 للمطالعة

 
عن الحكم بن عيينة قال: بينا أنا مع أبي جعفر والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له (عصا) حتى وقف على باب البيت، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم سكت، فقال أبو جعفرعليه السلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت، وقال: السلام عليكم، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعاً وردوا عليه السلام، ثم أقبل بوجهه على أبي جعفرعليه السلام ثم قال: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدنني منك جعلني الله فداك فوالله إني لأحبكم وأحب من يحبكم، ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمعٍ في دنيا، وإني لأبغض عدوكم وأبرأ منه ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوترٍ كان بيني وبينه، والله إني لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وانتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني الله فداك.

فقال أبو جعفرعليه السلام: إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه، ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين عليه السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه، فقال له أبي عليه السلام: إن تمت تَرِد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسك ها هنا وأهوى بيده إلى حلقه، وإن تَعِش ترى ما يقر الله به عينك، وتكون معنا في السنام الأعلى.

فقال الشيخ: كيف قلت يا أبا جعفر، فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ الله أكبر يا أبا جعفر إنْ أنا مت أَرِد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى ها هنا، وإنْ أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى. 

فقال الشيخ: كيف قلت يا أبا جعفر، فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ الله أكبر يا أبا جعفر إنْ أنا مت أَرِد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليه السلام وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع
 
 
 
 
143

124

رحمة الله بعباده‏

 الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى ها هنا، وإنْ أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى. ثم أقبل الشيخ ينتحب ؟؟ حتى لصق بالأرض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينتشجون لِما يرون من حال الشيخ، وأقبل أبو جعفر عليه السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها، ثم رفع الشيخ رأسه، فقال لأبي جعفر عليه السلام: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناولني يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ثم حسر عن بطنه وصدره ثم قام فقال: السلام عليكم وأقبل أبو جعفر ينظر في قفاه وهو مدبر، ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا". 


الكافي، ج8، ص76
 
 
 
 
144

125

الفهرس

 

المقدمة

5

1-آثار الذنوب

7

هدف وجود الإنسان

9

طريق النجاة

10

الذنوب

10

آثار الذنوب

11

أ - الآثار الدنيويـة

12

الآثار العامـة

12

1- غضب الله

12

2-الدخول في ولاية الطاغوت

13

3-قسوة القلب

13

4-حرمان الرزق

14

5-نقصان العمر

14

7-المرض

15

8-نسيان العلم

15

9-عدم استجابة الدعاء

16

10-عدم التوفيق للعبادة

16

11-فوات الغرض

16

 

 

 

 

145


126

الفهرس

 

2-الآثار البرزخية والأخروية للذنوب

19

ب - الآثار البرزخيـة

21

ما هو البرزخ؟

21

1-ضغطة القبر

22

2-سوء العذاب في القبر

23

 3- قرين السوء

23

4- الندم وطلب الرجوع

24

لمَ القيامة؟

24

ج - الآثار الأخرويـة

25

1-الافتضاح

25

2-المذلة

26

3-الحسرة والندامة

27

4-العمى

27

5-نسيان الله له

27

6-عدم التشرف بلقاء الله

28

المحكمة الإلهية وشهود الآخرة

28

من هم الشهود؟

29

1-الله

29

2-النبي محمد صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام

29

3-الملائكة

30

4-الجوارح والجوانح

30

5-الأرض

31

6-الأيام

31

 

 

 

 

146


127

الفهرس

 

3-الاستخفاف بالذنوب

35

 كيف ينظر الإنسان إلى هذه العلاقة؟

37

أنواع الاستخفاف

39

الاستخفاف بأمر الله وآياته

39

التهاون في العبادة

39

التهاون في أكل المال الحرام والنجاسات

39

 التهاون في عباد الله

40

احتقار صغائر الذنوب

40

آثار الاستخفاف والتهاون

41

الاستخفاف بالصلاة

42

مراتب الاستخفاف بالصلاة

42

4-المجاهرة بالإثم

47

آثار المجاهرة بالذنب

50

تعجيل النقم

51

أشد المآثم

51

عدم العافية

51

الخذلان

51

عدم النجاة

51

الإبتهاج بالذنوب والمعاصي

51

من آثار الإبتهاج بالذنب

52

الخسران

52

الذل

52

العذاب الأليم

52

دخول النار

52

الركون إلى الظالمين

52

 

 

 

 

147


128

الفهرس

 

5-التواجد في مواضع التهم

57

1-الانجرار للمعصية

59

2-اتهامه بالمعصية

59

3-سوء الظن

60

مواضع التهمة

61

الخـَلوة بالأجنبيـة

62

6-الغيبة

65

الغيبة وآثارها

67

تعريف الغيبة

68

القيود المأخوذة في أكثر التعاريف

68

أسباب الغيبة في رواية الإمام الصادق عليه السلام

69

آثار الغيبة الخاصـة دنيويـاً وأخرويـاً

70

أ - الآثار الدنيويـة للغيبة

70

ب - الآثار الأخرويـة للغيبة

71

7-النميمة

75

اللسان نعمة ونقمة

77

المعيار هو العقل

78

مساوئ اللسان

78

النميمة وآثارها

79

آثار النميمة الدنيويـة والآخرويـة

81

1-الحقد والضغينة

81

2-غضب الله وهتك الستر

81

3-شرار خلق الله‏

81

4-عذاب القبر

81

5-عدم دخول الجنـة

81

 

 

 

 

148


129

الفهرس

 

8-الذنوب التي تعجل عقوبتها

85

أ - قطيعة الرحم‏

87

آثار قطيعة الرحم‏

87

1-تعجيل الفناء

88

2-تورث الفقر

88

3-زوال النعم‏

89

4-حجب الدعاء

89

5-حلول النقم‏

89

6-خراب الديار

89

7-تعجيل العقوبة

89

8-من أشراط الساعة

89

ب - عقوق الوالدين‏

90

معنى العقوق وعلة تحريمه‏

91

آثار العقوق وتبعاته‏

91

1-من الكبائر الموجبة لدخول النار

91

2-لا يشم العاق ريح الجنـة

91

3-تعجيل العقوبة في الدنيا

92

4-عدم قبول الأعمال‏

92

5-رد الدعاء

92

6- القلة والذلة

93

9-بركات اجتناب الذنوب

97

هدف الأنبياء عليهم السلام

99

التحذير من اتباع الشيطان

100

 

 

 

149


130

الفهرس

 

فرصة العمر

101

آثار اجتناب الذنوب

101

1 ـ الدخول في ولاية الله والخروج من ولاية الشيطان

102

2 ـ الهداية الإلهيـة

102

3 ـ التوفيق في الحياة الدنيا

103

4 ـ رضا الله

104

5 ـ الثواب الأخروي

104

10-دواء القلوب

109

كيف نعالج أمراضنا الأخلاقيـة

112

علاج آخر للذنوب

112

أ - العلاج العلمي

112

1 ـ التفكر

112

2 ـ العزم

113

3 ـ التذكر

114

4 ـ الشعور بالرقابة الإلهيـة

114

ب - العلاج العملي

115

جلاء القلوب

116

1 ـ ذكر الله

116

2 ـ الاستغفار

116

3 ـ قراءة القرآن

117

4 ـ قلة الأكل

117

5 ـ استماع الموعظة

117

6 ـ الحديث

118

7 ـ قيام الليل

118

 

 

 

150


131

الفهرس

 

11-مكفرات الذنوب

121

1 ـ الطاعات والحسنات

123

أرجى آية في القرآن

124

2 ـ تعجيل العقوبة في الدنيا

125

3 ـ الأمراض

126

4 ـ الأحزان والهموم والغموم

126

5 ـ حـسن الخلق

127

6 ـ الصلاة على محمـد وآل محمـد

127

الخوف والرجاء

128

12-رحمة الله بعباده‏

133

1 ـ فتح باب التوبة

135

2 ـ  ستر الله على المذنب‏

137

3 ـ  فتح باب المغفرة

138

4 ـ  فتح باب الدعاء

139

ولاية أهل البيت عليهم السلام  مفتاح أبواب الرحمة

141

الفهرس

145

 

 

 

 

151


132
جلاء القلوب