(3) خير الزاد في شهر الله


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-07

النسخة: 0


الكاتب

المركز الإسلامي للتبليغ

مؤسسة إسلامية، تعنى بالتبليغ المسجدي والعام، ورعاية شؤون أئمة المساجد والمبلغين.


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله ربّ العالمين وأشرف الصلاة وأزكى السلام على رسول الرحمة محمّد وعلى أهل بيته الطيبيّن الطاهرين.

يحرص المركز الإسلاميّ للتبليغ على إعطاء العمل التبليغيّ الدفع المطلوب لا سيّما خلال شهر رمضان المبارك، ومن هنا كانت فكرة كتاب "سلسلة زاد المبلّغ" الذي يقدّم بين يدي الأخوة المبلّغين بعض الموضوعات التي تساعدهم على التحضير والإستفادة منها خلال هذا الشهر.وقد قدّمنا للأخوة المبلّغين الإصدار الأوّل في العام الماضي والذي لاقت فكرته استحساناً كبيراً وحقّق هدفه المطلوب وإن كنّا نتوسّم أن نقدّم الأفضل بشكلٍ دائم.

وحرصاً منّا على إنجاح هذه التجربة وتقديم مادّة أفضل للأخوة المبلغين اخترنا لهذا العام أن تكون عناوين المحاضرات في الإصدار الثاني من هذه السلسلة موزّعة 
 
 
 
 
5
 

1

المقدمة

على عدّة أبواب نظراً للحاجة إلى ذلك التي ظهرت لنا بعد استطلاع للرأي عن أولويّة الموضوعات التي ينبغي اعتمادها والتركيز عليها خلال شهر رمضان.

فكانت الأبواب موزّعة على الشكل التالي:
الباب الأوّل: في رحاب شهر الصوم.
الباب الثاني: من أخلاق الصائمين.
الباب الثالث: الجماعة والنظام العام.
الباب الرابع: على طريق الأسرة الصالحة.
الباب الخامس: في العلاقة مع الإمام المهديّ.
الباب السادس: مواعظ لبعض المناسبات.

وختاماً فإنّ المركز الإسلامي للتبليغ إذ يسأل الله تعالى أن يتقبل أعمال الجميع بأحسن القبول وأن يحظى هذا الإصدار بموضع رضا الأخوة المبلّغين وقبولهم نؤكّد حرصنا على تزويدنا بأيّ نقدٍ أو ملاحظة تساهم في تطوير هذا الإصدار شاكرين للجميع تعاونهم وتجاوبهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

المركز الإسلامي للتبليغ
 
 
 
6
 

 


2

المحاضرة الأوّلى‏: فضيلة شهر رمضان المبارك

 قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)1.
 
الهدف: بيان بركات وآثار شهر رمضان المبارك التي من المهمّ لكلّ مسلم الإلتفات إليها والإستفادة من فرصة هذه الرحمة الإلهيّة. 
 
مقدّمة
من وجهة نظر الشرع ليس هناك تقديس لفترة من الزمان على غيرها من حيث المبدأ، فالزمان كلّه واحد عند الله، إلّا أنّ
 
 

1-  البقرة: 185.
 
 
9
 

3

المحاضرة الأوّلى‏: فضيلة شهر رمضان المبارك

الله يخصّ فترة عن غيرها ويفضّلها في الثواب ليمتحن إيمان عباده ويقرّبهم إليه بالطاعة والعبادة، وشهر رمضان هو أهمّ هذه الفترات التي خصّها الله وأجزل فيها الجزاء والثواب.
 
أهميّة معرفة فضل شهر رمضان
عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "لو يعلم العبد ما في رمضان يودّ أن يكون رمضان السنة"1.

وفي الحديث إشارة إلى ضرورة التعرّف على فضيلة هذا الشهر واليقين بها والشعور بهذه النعم اللّامتناهية التي يغدقها الله على عباده في هذا الشهر المبارك.
 
وعنه صلى الله علية واله وسلم: لمّا حضر شهر رمضان: "سبحان الله ! ماذا تستقبلون؟! وماذا يستقبلكم"؟! - قالها ثلاث مرّات2.

أي ماذا تستقبلون من مضاعفة للأجر والثواب والحسنات، وأمّا ماذا يستقبلكم من آثار هذه البركات على التقوى وتهذيب النفس وصفاء السريرة وسوى ذلك.
 

1- مستدرك الوسائل، ج7، ص 242.
2- مستدرك الوسائل، ج7، ص425.
 
 
 
 
10
 

4

المحاضرة الأوّلى‏: فضيلة شهر رمضان المبارك

بركات شهر رمضان
1- غفران الذنوب: ولعلّها من أهمّ ما أنعم الله تعالى علينا في هذا الشهر، فكلّ إنسان خطّاء، وشهر رمضان أهمّ محطة فتحها الله لعباده تكفيراً عن ذنوبهم.

فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إنّ الشقيّ حقّ الشقيّ من خرج من هذا الشهر ولم يغفر ذنوبه"1.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام في بيان أنّ هذه الفرصة لا يمكن أن تُعوّض خلال السنة قوله: "من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى مثله من قابل إلا أن يشهد عرفة"2.
 
2- فتح أبواب السماء: وذلك للدعاء والعبادة والعمل الصالح. فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إنّ أبواب السماء تفتح في أوّل ليلة من شهر رمضان، ولا تغلق إلى آخر ليلة منه"3
 
3- تصفيد الشياطين في شهر رمضان: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إذا استهلّ رمضان غلّقت أبواب النّار، وفتّحت أبواب الجنان،
 

1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص109.
2- ميزان الحكمة، ج2، ص1118.
3- ميزان الحكمة، ج2، ص1116.
 
 
 
11
 

5

المحاضرة الأوّلى‏: فضيلة شهر رمضان المبارك

وصفّدت الشياطين"1.
 
" في حديث: يقول الله تعالى لجبرئيل: انزل على الأرض فغلّ فيها مردة الشياطين حتى لا يفسدوا على عبادي صومهم"2.

وهذه النعمة الإضافيّة من شأنها أن تخفّف على الإنسان الكثير من الأعباء في مسيرة تزكيته لنفسه ويرقى بشكلٍ أسرع إلى رضوانه ومغفرته.
 
4- تقسيم الأرزاق وكتابة الآجال: عن الإمام الصادق عليه السلام - فيما - يوصي ولده إذا دخل شهر رمضان -: "فاجهدوا أنفسكم، فإنّ فيه تقسم الأرزاق، وتكتب الآجال، وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه، وفيه ليلة، العمل فيها خير من العمل في ألف شهر"3
 
والملاحظ أنّ الحديث ربط بين ما يُكتب ويُقسم في هذا الشهر وبين جهد الإنسان نفسه ليقول أنّه كلّما جاهد المرء نفسه أكثر كلّما أغدق الله عليه أكثر فأكثر.


1- ميزان الحكمة، ج2، ص1116.
2- مستدرك الوسائل، ج7، ص427.
3- الكافي، ج4، ص66.
 
 
 
 
 
12




 

6

المحاضرة الأوّلى‏: فضيلة شهر رمضان المبارك

5- سبيل إلى رضوان الله تعالى: عن الإمام زين العابدين عليه السلام: - كان من دعائه إذا دخل شهر رمضان -: "الحمد لله الذي حبانا بدينه واختصّنا بملّته وسبلنا في سبل إحسانه لنسلكها بمنّه إلى رضوانه، حمداً يتقبّله منّا، ويرضى به عنّا، والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره رمضان، شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور، وشهر التمحيص، وشهر القيام"1.
 
عنه عليه السلام: وكان من دعائه في وداع شهر رمضان -: "السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ويا خير شهر في الأيّام والساعات، السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال، ونشرت فيه الأعمال، السلام عليك من قرين جلّ قدره موجوداً وأفجع فقده مفقوداً ومرجو آلم فراقه، السلام عليك ما كان أطولك على المجرمين وأهيبك في صدور المؤمنين"2.


1- مصباح المتهجّد، ص607.
2- مصباح المتهجّد، ص645.  
 
 
 
13
 

7

المحاضرة الأوّلى‏: فضيلة شهر رمضان المبارك

من خطب رسول الله صلى الله علية واله وسلم عند حلول شهر رمضان المبارك
 
كثيرةٌ هي الخطب المرويّة عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم والأئمّة الأطهار في استقبال شهر رمضان، وهنا انتخبنا بعض المقاطع التي تضيء أكثر في فهم بركات هذا الشهر.
 
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "خطب رسول الله صلى الله علية واله وسلم الناس في آخر جمعة من شعبان، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّه قد أظلّكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان، فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوّع صلاة كمن تطوّع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور". 
 
و عنه عليه السلام: "قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم لمّا حضر شهر رمضان وذلك لثلاث بقين من شعبان قال لبلال: نادِ في الناس، فجمع الناس ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ هذا الشهر قد حضركم وهو سيّد الشهور، فيه ليلة خير من ألف شهر، تغلق فيه أبواب النيران وتفتح فيه أبواب الجنان، فمن أدركه فلم يغفر له فأبعده الله".
 
 
 
14
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

8

المحاضرة الثانية: فريضة الصوم

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)1.
 
الهدف: بيان فضل الصوم وحقيقة هذه العبادة والآثار المترتّبة على هذه الفريضة في الدنيا والآخرة. 
 
مقدمة
يعتبر الصوم من أهم العبادات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً في جوانب مختلفة من شخصية الإنسان وتعمل على ضبطها وتفعيلها وتوجيهها في المسار الصحيح الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به. 
 

1- البقرة: 183.
 
 
 
 
15
 

9

المحاضرة الثانية: فريضة الصوم

 بركات الصوم وفضله
1- الصوم لله: ومعنى كونه لله ارتباط الجزاء بمقدار ما يؤدّي الإنسان هذه الفريضة على حقيقتها، ولذلك لم تحدّد النصوص مقدار جزاء هذه الفريضة.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزي عليه"1.

2- تثبيت الإخلاص: لما تتضمّن هذه الفريضة من مواجهة للشهوات والغرائز، فعن فاطمة الزهراء: "فرض الله... والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق"2.

 

3- تسكين القلوب: أي إماتة أيّ نزعة في النفس سوى نزعة الإرتباط والتوجه إلى الله، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "الصيام والحج تسكين القلوب"3.

 

 


1- مدارك الأحكام، ج6، ص10.
2- مناقب أهل البيت، ص419.
3- ميزان الحكمة، ج2، ص1685.

16


  


10

المحاضرة الثانية: فريضة الصوم

وعنه عليه السلام: "... وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيّام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخضيعاً لقلوبهم"1.
 
4- تذويب الحرام: فللصوم أثره على الأبدان تماماً كأثره على النفوس. فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "عليكم بالصوم، فإنّه محسمة للعروق ومذهبة للأشر"2.
 
وعنه صلى الله علية واله وسلم: "الصوم يدقّ المصير، و اللحم، ويبعد من حر السعير"3.
 
5- الصوم جنّة: ويكفي في الصوم كونه وقاية من النّار، وأنَّ الإنسان الصائم يكون قريباً من الله تبارك وتعالى. عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "عليك بالصوم، فإنّه جنّة من النّار، وإن استطعت أن يأتيك الموت وبطنك جائع فافعل"4.
 

1- نفس المصدر.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.
4- دعائم الإسلام، ج1، ص270.
 
 
 
17
 

11

المحاضرة الثانية: فريضة الصوم

6- سلامة الأبدان: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "صوموا تصحّوا"1.
 
حقيقة الصوم أو الصوم المقبول 
وحقيقة الصوم ليست الإبتعاد عن المفطرات واجتنابها، فإنّ ذلك ظاهر الصوم، وأمّا باطنه وحقيقته التي يجب أن نطلبها بأدائنا لهذه الفريضة فهي صلاح الباطن.
 
فعن الإمام عليّ عليه السلام: "صيام القلب عن الفكر في الآثام، أفضل من صيام البطن عن الطعام"2

وعنه عليه السلام: "صوم القلب خير من صيام اللسان، وصيام اللسان خير من صيام البطن"3.

وعنه عليه السلام: "صوم النفس عن لذّات الدنيا أنفع الصيام"4.
 
وعنه عليه السلام: في حديثٍ يقارن فيه بين صوم الجسد وصوم النفس فيقول: "صوم الجسد الإمساك عن الأغذية بإرادة


1- الدعوات، ص76.
2- عيون الحكم والمواعط، ص 302، 
3- عيون الحكم والمواعظ، ص 305. 
4- عيون الحكم والمواعظ، ص 302.
 
 
18
 

12

المحاضرة الثانية: فريضة الصوم

واختيار خوفاً من العقاب ورغبةً في الثواب والأجر، وصوم النفس إمساك الحواس الخمس عن سائر المآثم، وخلوّ القلب من جميع أسباب الشرّ"1.

وعنه عليه السلام: "الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب"2.
 
وعن فاطمة الزهراء : "ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه"3؟

ومعنى "ما يصنع" أي لا يمكنه أن يصنع به شيئاً، لأنّ هذا الصوم لا يرقى إلى مستوى إصلاحه لنفسه وتزكيته لها.

ويؤكّد رسول الله صلى الله علية واله وسلم هذا المعنى بحديثٍ قدسيّ، فعنه صلى الله علية واله وسلم: "يقول الله عزّ وجلّ: من لم تصم جوارحه عن محارمي فلا حاجة لي في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي"4.
 
وعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم لجابر بن عبد الله – يبيّن له أنّ حقيقة الصوم إنّما هي الإبتعاد عن المحارم فيقول: "يا جابر!
 

1-عيون الحكم والمواعظ، ص 305.
2- مستدرك الوسائل، ج7، ص 367. 
3- دعائم الإسلام، ص 268. 
4- ميزان الحكمة، ج2، ص1688.
 
 
19

 

13

المحاضرة الثانية: فريضة الصوم

هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام ورداً من ليله وعفّ بطنه وفرجه وكفّ لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر"، فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث ! فقال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "يا جابر ! وما أشدّ هذه الشروط"1. 
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك".

وعدّد أشياء غير هذا، وقال: "لا يكون يوم صومك كيوم فطرك"2.

من لا ينفعه صومه وكما أكّدت الروايات على حقيقة الصوم ومفهومه الأكمل أكّدت كذلك على أنّ عدم مراعاة الجانب الروحيّ والباطنيّ للصوم يعني عدم انتفاع الصائم بصومه.
 
فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "ربّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظّه من قيامه السهر"3. وعن علي عليه السلام: "كم من صائم ليس له من صيامه
 
 

1- مصباح المتهجّد، ص127. 
2- منتهى المطلب، ج2، ص 568. 
3- فضائل الأشهر الثلاثة، ص144.
 
 
20

 

14

المحاضرة الثانية: فريضة الصوم

إلّا الجوع والظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء، حبّذا نوم الأكياس وإفطارهم"1.
 
فضل الصائم 
عن الإمام عليّ عليه السلام: "نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مضاعف"2.

وعليه فليحرص الصائم أن لا يتعدّى هذه الأمور التي لها كلّ هذا الأجر.

ومن الفضل أن يخصّص الله باباً من أبواب الجنّة للصائمين تكريماً لهم وتميّّيزهم عن سواهم من الخلق.

فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إنّ للجنّة بابا يدعى الريّان، لا يدخل منه إلّا الصائمون"3.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربّه"4.

أي فرحة بأدائه للتكليف وامتثاله أمر الله سبحانه وتعالى،


1- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ، ص35.
2- الدعوات، 27.
3- وسائل الشيعة، ج7، ص295.
4- فقه الرضا، ص205.
 
 
21
 

15

المحاضرة الثانية: فريضة الصوم

 وفرحة يوم القيامة يوم يتلقّى ثواب صيامه والأجر الذي استحقّه.

 

ميراث الصوم
في حديث المعراج:... قال صلى الله علية واله وسلم: "يا ربّ وما ميراث الصوم؟ قال: الصوم يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح، بعسر أم بيسر"1.

فاليقين أسمى ما يبلغه الصائم، بل أسمى ما يمكن أن يناله الإنسان بالعبادات.

 
 


1- مستدرك الوسائل، ج7، ص500.

 

 

  22


16

المحاضرة الثالثة:البعد الإجتماعيّ لفريضة الصوم

وقال صلى الله علية واله وسلم في خطبة استقبال شهر رمضان: "وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم".

الهدف: الحرص على تفعيل الجانب الإجتماعيّ خلال شهر رمضان المبارك، وبيان أهمّ هذه المظاهر الإجتماعيّة. 

مقدّمة
لا يخفى أنّ لفريضة الصوم وراء البعد العباديّ الخاصّ بعدها الإجتماعيّ، فهي ليست طقساً فرديّاً ومناجاة خاصّة بل
 
 
 
23

17

المحاضرة الثالثة:البعد الإجتماعيّ لفريضة الصوم

تتعدّى ذلك إلى الميدان الإجتماعي لتكون أساساً في بناء المجتمع السليم وتعاضده وتكاتف أفراده، وذلك من خلال التكاليف التي ينبغي للصائم أن يقوم بها خلال أدائه لفريضة الصوم.
 
1- تفعيل الحسّ الإجتماعيّ: وأرفع ما يكون ذلك في الصوم، لأنّ الغنيّ يشارك الفقير في شعوره بالجوع وألمه، فهو بذلك أرفع من الصدقة أو الهدية مثلاً التي يشارك الغنيّ فيها في رفع الجوع عن الفقير دون الشعور بألم الجوع.
 
وقد بيّن الإمام الصادق عليه السلام هذا الجانب الإجتماعيّ معتبراً إيّاه علّةً من علل الصوم فقال عليه السلام: أمّا العلّة في الصيام ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك لأنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع، فيرحم الفقير، لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئا قدر عليه، فأراد الله عزّ وجلّ أن يسوّي بين خلقه وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع1.
 

1- مدارك الأحكام، ج6، ص11.
 
 
24
 

18

المحاضرة الثالثة:البعد الإجتماعيّ لفريضة الصوم

2- مقاومة الأنانيّة: وذلك بالنظر إلى حاجات الآخرين والتفاعل معها ومشاركتهم هذا الشعور، بل والسعي في قضائها ما أمكن كما ورد في الدعاء الذي نقرأه بعد كلّ فريضة في هذا الشهر: "اللهم اشبع كلّ جائع، اللهم اكس كلّ عريان.....
 
المظاهر الإجتماعيّة التي ينبغي تفعيلها
1- إفطار الصائمين: ولا يخفى ما لإفطار الصائمين من أثر في تعزيز روابط الأخوّة ونشرالإلفة والمودّة في المجتمع، ولعلّه لذلك ربط رسول الله صلى الله علية واله وسلم بينه وبين المغفرة واتقاء النّار إذ قال صلى الله علية واله وسلم: "أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه"، فقيل يا رسول الله صلى الله علية واله وسلم وليس كلّنا يقدر على ذلك فقال صلى الله علية واله وسلم: "اتقوا النّار ولو بشقّ تمرة، اتقوا النّار ولو بشربة من ماء"1.
 
ولا يخفى أنّ إفطار الصائم له أجره على الداعي كما على المدعوّ. فعنه صلى الله علية واله وسلم: "ما من صائم يحضر قوماً يطعمون
 

1- مشارق الشموس، ج2، ص442. ( طبعة قديمة).
 
 
 
25
 

19

المحاضرة الثالثة:البعد الإجتماعيّ لفريضة الصوم

إلّا سبّحت له أعضاؤه، وكانت صلاة الملائكة عليه، وكانت صلاتهم استغفارا"1.
 
وعنه صلى الله علية واله وسلم: "من فطّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينتقص منه شيء...."2
 
2- إكرام الأيتام: وهي من الصفات التي شدّدت عليها الشريعة للقضاء على أيّ مظهر من مظاهر الحاجة والعوز في المجتمع الإسلاميّ، فاليتيم الذي لا معيل له تجب إعالته كفائيّاً حتى يستغني، فقد قال صلى الله علية واله وسلم في خطبة استقبال شهر رمضان: "ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه".
 
وفي موقع آخر من الخطبة بالغ في الإكرام إلى حدّ التحنّن فقال صلى الله علية واله وسلم: "وتحنّنوا على أيتام الناس يتحنّن على أيتامكم".
 
والتحنّن أعلى شأناً من الإكرام لإنّه يستبطن معاملة اليتيم كالإبن الذي يتحنن عليه والده.
 
3- التواصل والتكافل الإجتماعيّ: عن الإمام الرضا عليه السلام 
 

1- الحدائق الناضرة، ج13، ص 9.
2- المقنعة، ص 342.
 
 
 
26
 

20

المحاضرة الثالثة:البعد الإجتماعيّ لفريضة الصوم

 في حديثٍ له عن إحدى علل وجوب الصوم: ".......... وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدّوا إليهم ما فرض الله تعالى لهم في أموالهم"1.
 
فالمسألة لا تقتصر على معرفة الأغنياء لشظف الحياة وضيق العيش عند الفقراء أو الشعور بألم الجوع، بل ليكون ذلك سبيلاً إلى أداء حقوقهم التي فرضها الله للفقراء في أموال الأغنياء، فيتحقّق بذلك التكافل في أبهى صوره ومعانيه.
 
وفي موقع آخر من الخطبة يولي صلى الله علية واله وسلم اهتماماً خاصّاً بصلة الرحم باعتبارها من أبرز مصاديق التواصل الإجتماعيّ فيقول صلى الله علية واله وسلم: "ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه".
 
وفي الحديث إشارة صريحة إلى مضاعفة أجر الحسنة، لكنّه يصرّح بمضاعفة عذاب السيّئة كذلك في هذا الشهر.
 
مظاهر ينبغي اجتنابها
- تنوّع أنواع الطعام والإكثار منها عند الإفطار والسحور.
 

1- علل الشرائع، ج1، ص 270. 
 
 
 
27



 

 


21

المحاضرة الثالثة:البعد الإجتماعيّ لفريضة الصوم

- تمضية الوقت نهاراً بالتسلية واللهو والأمور العبثيّة.
- المنافسة غير الإيجابيّة في الولائم وما يستتبعها من رمي للأطعمة.
- طول السهر إلى وقت متأخّر بحيث يضيّع على نفسه صلاة الصبح وثوابها.
- الغضب والعصبيّة والصوت العالي والسباب والشتم واستخدام الألفاظ النابية.
 
أمور ينبغي المحافظة عليها
- الحرص على المشاركة في إحياء المناسبات خلال الشهر.
- الإطلاع الدقيق على أوضاع المحتاجين وإعانتهم.
- إعداد برامج عباديّة وسلوكيّة لتزكية النفس.
- الإستعداد لشهر رمضان ولو بصيام عدّة أيام من شهر شعبان.
- الحرص على المشاركة في صلاة العيد.
 
 
 
 
28
 

22

المحاضرة الرابعة:الصوم والتذكير بالآخرة

جاء في خطبة رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه".
 
الهدف:تذكير الصائمين أنّ الجوع والعطش الذي يشعر به الصائم ما هو إلّا لاستحضار يوم الجوع الأكبر والإستعداد له.
 
مقدّمة
إنّ الإخلاص في النيّة والتوجّه إلى الله تعالى شرط في صحّة أيّ عبادة، والصوم من العبادات الجامعة للكثير من جوانب
 
 
 
 
29
 

 

23

المحاضرة الرابعة:الصوم والتذكير بالآخرة

صقل شخصيّة الإنسان والتي يأتي في مقدّمتها استحضار الآخرة وأهوالها والقيامة وأخطارها والحساب وشدّته، ومن هنا كان تذكّر هذه المسائل سلوى الصائم بما يستوجبه ذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب.
 
تذكر أحوال الآخرة
عن الإمام الرضا عليه السلام في بيان إحدى علل وجوب الصوم: "......لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، ويستدلّوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات، وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل، ورائضاً لهم على أداء ما كلّفهم ودليلاً لهم في الأجر.....1
 
وكأنّ الحديث يوحي أنّ الصوم والإمساك عن المفطّرات
 

1- عيون أخبار الرضا,ج1,ص 123
 
 
 
 
30

 

24

المحاضرة الرابعة:الصوم والتذكير بالآخرة

إنّما جعلها الله وسيلةً وطريقةً لتفعيل الإرتباط بالآخرة حتى لا يغيب عن باله أنّ يوم القيامة هو يوم الفقر الأكبر.
 
ومن جملة تذكّر الآخرة تذكّر فتح أبواب الجنان وإغلاق أبواب النّار في هذا الشهر فيقول صلى الله علية واله وسلم : "أيّها الناس إنّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة فاسئلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم وأبواب النيران مغلّقة فاسألوا ربّكم أن لا يفتّحها عليكم والشياطين مغلولة فاسألوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم".
 
والإنسان إذا جاع أو عطش تذكّر الطعام والشراب وسعى إليهما، لكن في شهر رمضان يحثّ رسول الله صلى الله علية واله وسلم على تذكّر طعام الجنّة وشرابها والسعي إليهما من خلال الصوم، وما يجاهد به الإنسان نفسه على اجتناب الشهوات فيقول صلى الله علية واله وسلم: "من منعه الصوم من طعام يشتهيه، كان حقّاً على الله أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من شرابها"1.
 
وتفعيل الإرتباط بالآخرة عند الصائم من خلال استذكار جملة أمور منها
 

1- مستدرك الوسائل، ج7، ص364.
 
 
31
 

25

المحاضرة الرابعة:الصوم والتذكير بالآخرة

أ- حتميّة يوم القيامة: وأنّ الناس سيخرجون يوم القيامة إلى محكمة العدل الإلهيّ، وأنّ هذا الإعتقاد والإيمان بذلك أصل من أصول الدين.

قال تعالى: (اللهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ)1. وقال تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ)2.
 
ب - مشاهد من يوم القيامة: وما نستعرضه بعض منها على سبيل المثال لا الحصر، وإلّا فإنّ مشاهد يوم القيامة في النصوص أكثر من أن تعدّ أو تحصى. فمنها
 
1- المهابة والسكون: بانتظار الحكم الإلهيّ فيما يرتبط بمصير الإنسان. قال تعالى: (وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا)3.
 
2- التسليم لله تعالى: فلا مجال للإعتراض أو الإستئناف أو الشكّ في حكم الله. قال تعالى: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ 
 

1- النساء: 87.
2- الأنبياء: 1.
3- طه: 108.
 
 
32
 

26

المحاضرة الرابعة:الصوم والتذكير بالآخرة

وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)1.
 
3- الذلّة بين يدي الله: قال تعالى: (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ)2.
 
4- الذهول عن كلّ شيء: ويعبّر سبحانه عن شدّة الموقف بأبلغ صورة. قال تعالى: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى)3.
 
5- بياض الوجوه وسوادها: قال تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)4، والبياض إشارة إلى أثر النور الذي تركته الحسنات على وجهه كما أنّ السواد دلالة ظلام الذنوب.وقال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ)5.
 
6- شهادة الأعضاء: قال تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ
 
 

1- طه: 111. 
2- القمر: 7.
3- الحج: 2.
4- آل عمران: 106.
5- القيامة: 24.
 
 
33
 

27

المحاضرة الرابعة:الصوم والتذكير بالآخرة

وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون)1. فلا مجال للإنكار أو التبرير أو الإخفاء، فشهادة الأعضاء أبلغ وأصدق الشهادات.
 
ج- الدقّة المتناهية في الحساب: وهذا مقتضى العدل وحتى لا يكون المحسن والمسيء سيّان. قال تعالى: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا)2. وقال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)3.

ومن هنا فعلى الإنسان ألّا يستسهل ذنباً أو يستخفّ بحقٍّ أو يستصغر معصيةً فإنّ استصغار الذنب أسوأ من الذنب نفسه.
 

1- النور: 24.
2- الكهف: 49.
3- الزلزلة: 7 8. 
 
 
34
 

28

المحاضرة الخامسة: إكرام اليتيم

قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ)1. وقال تعالى: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى)2.
 
الهدف:الحثّ على تكريم اليتيم وتكفّله ومساعدته على تخطي مصاعب الحياة وما لذلك من أجر ومقام عظيم عند الله تعالى. 
 
مقدّمة
حثّت الشريعة على ضرورة رعاية الأيتام والتحنّن عليهم
 

1- البقرة: 82.
2- البقرة: 177.
 
 
37
 

29

المحاضرة الخامسة: إكرام اليتيم

 كمؤشّر على سلامة المجتمع وتكاتفه وتعاضده، فالمجتمع الذي لا يكرّم أيتامه مجتمع مفكّك، وهذا أمير المؤمنين يوصي بالأيتام حتى لحظة وفاته، فعنه عليه السلام - في وصيّته قبل الموت -: "الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلى الله علية واله وسلم يقول: من عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجلّ له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النّار"1
 
بركات إكرام اليتيم
1- عظيم الحسنات: عن الإمام عليّ عليه السلام: "ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحّماً له إلّا كتب الله له بكلّ شعرة مرّت يده عليها حسنة"2. ومن الواضح أنّ الحديث لاحظ أبسط حالات التكريم أي مسح رأس اليتيم، فكيف بحالات التكريم الأعلى فالأعلى.
 

1- الكافي، ج7، ص 51.
2- جواهر الكلام، ج4، ص330.
 
 
38
 

30

المحاضرة الخامسة: إكرام اليتيم

2- جوار رسول الله في الجنّة: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة إذا اتقى الله عزّ وجلّ" - وأشار بالسبابة والوسطى .

وعنه صلى الله علية واله وسلم: "من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله، وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنّة أخوين كما أنّ هاتين أختان" - وألصق إصبعيه السبابة والوسطى 1.
 
فجزاء إعالة اليتيم ليس دخول الجنّة فحسب بل جزاؤه علوّ المقام ورفيع الدرجات وجوار الأنبياء.وعنه صلى الله علية واله وسلم: "من قبض يتيماً من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنّة البتّة، إلّا أن يعمل ذنباً لا يغفر".
 
3- تخصيصهم بدار لهم: عنه صلى الله علية واله وسلم: "إنّ في الجنّة دارا ًيقال لها: دار الفرح لا يدخلها إلّا من فرّح يتامى المؤمنين".
 
ولعلّ تسمية الدار بدار الفرح يبشّر من فرّح الأيتام بما أعدّ الله لهم من أمورٍ تدخل الفرح والسرور إلى أنفسهم.
 

1- ميزان الحكمة، ج4، ص3708.
 
 
39
 

31

المحاضرة الخامسة: إكرام اليتيم

4- لين القلب: أي بقاؤه خاشعاً خاضعاً لله تعالى. عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم - لرجل يشكو قسوة قلبه -: "أتحبّ أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ إرحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك".
 
أكل مال اليتيم 
ولا يخفى أنّ أكل مال اليتيم لا يعني انتزاع حقّه من يده وسلبه إيّاه، بل يصدق كذلك على عدم إعطائه حقّه الذي افترضه الله له ومنعه منه، فكلاهما أكلٌ لمال اليتيم.
 
1- من الكبائر: أي من الذنوب التي توعّد الله صاحبها بالخلود في النّار. فعن الإمام الصادق عليه السلام - لمّا سئل عن الكبائر – قال: "منها أكل مال اليتيم ظلماً"1.
 
2- النّار في الدنيا: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)2. والآية واضحة أنّهم يأكلون في بطونهم ناراً في الدنيا قبل أن يصلوا السعير في الآخرة.
 

1- ميزان الحكمة، ج4، ص 3709.
2- النساء: 9. 
 
 
40
 

32

المحاضرة الخامسة: إكرام اليتيم

وعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "شرّ المآكل أكل مال اليتيم ظلماً"1.
 
3- شدّة العذاب في الآخرة: والآخرة هنا تشمل عذاب البرزخ وعذاب الجحيم كما في تفسير الآية.

وأمّا عذاب يوم القيامة فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: يبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجّج أفواههم ناراً، فقيل له: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال: "الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً "2.
 
وأمّا عذاب البرزخ فعنه صلى الله علية واله وسلم - في حديث المعراج -: "نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل، وقد وكّل بهم من يأخذ بمشافرهم ثمّ يجعل في أفواههم صخراً من نار، فتُقذف في فيِّ أحدهم حتّى تخرج من أسافلهم ولهم خوار وصراخ، فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم نارا"3.
 

1- من لا يحضره الفقيه، ج4، ص377.
2- مستدرك الوسائل، ج13، ص 191.
3- ميزان الحكمة، ج4، ص 3709.
 
 
41

 

33

المحاضرة الخامسة: إكرام اليتيم

رعاية الأيتام 
عن لقمان الحكيم عليه السلام في وصيّته لولده: "يا بنيّ كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنّك تزرع كذلك تحصد"1.
 
ولذلك فرعاية اليتيم لا تقتصر على إيوائه أو إطعامه وسوى ذلك من التقديمات الماديّة بل تتعدى ذلك إلى رعايته رعاية أبويّة لها بعدها المعنويّ والروحيّ وتعوّض عنه فقدانه لأبيه.
 
ومن هنا ضرورة إنشاء ودعم دور رعاية الأيتام التي تنهض بواجبٍ من أهمّ الواجبات الإلهيّة، والتي تجعل مجتمعنا مجتمعاً قويّاً متماسكاً أمام التحديّات والصعوبات التي يكيدها له أعداء الله.
 

1- الإختصاص، ص337.
 
 
42

 

34

المحاضرة السادسة: احترام الصغير وتوقير الكبير

ممّا جاء في خطبة استقبال شهر رمضان عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "ووقّروا كباركم وارحموا صغاركم".
 
الهدف: تعزيز إحياء هاتين القيمتين الأخلاقيّتين بين الناس وفضيلة ذلك وأثرهما على المجتمع وبيان ثوابهما في الآخرة.
 
مقدّمة
لا شكّ أنّ احترام الكبار وتوقيرهم ورحمة الصغار والعطف عليهم من أهمّ الأخلاق والآداب الإسلاميّة التي أوصى بها
 
 
 
 
43

35

المحاضرة السادسة: احترام الصغير وتوقير الكبير

رسول الله صلى الله علية واله وسلم والأئمّة الأطهار ، وعظّمت الشريعة أهميّة هذا الخُلق لما له من تجليّات جميلة على ظاهر المجتمع، وبالتالي لمّا يشكّل من عنصر جذب للآخرين نحو المجتمع الإسلاميّ وتأثّرهم بأخلاقه.
 
ولذلك نجد رسول الله صلى الله علية واله وسلم يتبرّأ ممّن لا يُراعي هاتين الخصلتين قائلاً: "ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حقّ كبيرنا"1.
 
توقير ذي الشيبة المسلم‏
عدّ الإسلام إحترام ذوي الشيبة من المؤمنين حقّاً من حقوقهم التي لا ينبغي التفريط بها، بل عدّ من يجهل حقّهم منافقاً، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ثلاثة لا يجهل حقّهم إلّا منافق معروف بالنفاق: ذو الشيبة في الإسلام، وحامل القران، والإمام العادل".
 

1- الأدب المفرد، البخاريّ، ص82.
 
 
 
44
 

36

المحاضرة السادسة: احترام الصغير وتوقير الكبير

بركات توقير الكبار
الأمن يوم الفزع: ما روي عن رسول الله الأكرم صلى الله علية واله وسلم: "من وقّر ذا شيبة في الإسلام آمنه الله عزّ وجلّ من فزع يوم القيامة".

إجلالهم إجلال لله: فقد عدّت بعض الروايات إجلال كبار السنّ إجلالاً لله تعالى، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ من إجلال الله عزّ وجلّ إجلال الشيخ الكبير".
 
وكما حثّت الروايات الشريفة على احترام الكبار فإنّها نهت عن الاستخفاف بهم، ففي الرواية: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "من إجلال الله عزّ وجلّ إجلال المؤمن ذي الشيبة، ومن أكرم مؤمناً فبكرامة الله بدأ، ومن استخفّ بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخفّ به قبل موته 1.
 
حقّ الكبير
ويبيّن الإمام السجّاد عليه السلام حقوق الكبير في رسالة الحقوق فيعدّها سبعة حقوق فيقول: "وأمّا حقّ الكبير فتوقيره
 

1- الكافي، ج2، ص658.
 
 
 
 
45
 
 

37

المحاضرة السادسة: احترام الصغير وتوقير الكبير

لسنّه وإجلاله لتقدّمه في الإسلام قبلك، وترك مقابلته عند الخصام، (أي عدم محاججته ) ولا تسبقه إلى طريق (فتجعله بذلك تابعاً لك) ولا تتقدّمه (أي تمشي أمامه) ولا تستجهله، (أي لا تعيره اهتماماً) وإن جهل عليك احتملته لحقّ الإسلام وحرمته"1.
 
رحمة الصغار
مكانة الصغير عند الأهل: ممّا جاء في وصيّة عليّ عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: "ووجدتك بعضي بل وجدتك كلّي حتّى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي"2.
 
تعليمهم الأدب: عن عليّ عليه السلام: "وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، فبادرتُك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبُّك لتستقبل بجدٍّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد
 
 

1- الجامع للشرائع، ص630.
2- من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن عند خروجه إلى صفّين.
 
 
 
46
 

38

المحاضرة السادسة: احترام الصغير وتوقير الكبير

كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنّا نأتيه، واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه"1.
 
حقّ الصغير
وأمّا حق الصغير فيشير إليه الإمام السجّاد عليه السلام في رسالة الحقوق إلى خمسة حقوقٍ من حقوقه فيقول: وأمّا حقّ الصغير: "رحمته في تعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له"2.
 

1- نفس المصدر.
2- الجامع للشرائع، ص630.
 
 
 
47
 
 
 
 

39

المحاضرة السابعة: آداب تكسّب الرزق

من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن1
 
ممّا ورد في دعاء مكارم الأخلاق حول طلب الرزق: "اللهم صلّي على محمّد وآل محمّد وصن وجهي باليسار، ولا تبتذل جاهي بالإقتار، فاسترزق أهل رزقك، وأستعطي شرار خلقك، فأفتتن بحمد من أعطاني، وأُبتلى بذم من منعني، وأنت من دونهم وليّ الإعطاء والمنع"2.
 
الهدف:بيان أنّ هناك أصولاً شرعيّة وقواعد دينيّة ارتضاها الله لعباده، ولا بدّ من اتباعها في طلب الرزق واكتساب المال. 
 
مقدّمة 
 
يستعرض أمير المؤمنين في وصيّته جملة من الضوابط
 

1- مقتطعة من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن التي كتبها له عند خروجه إلى صفّين.
2- الصحيفة السجّادية، الامام زين العابدين، ص115.
 
 
 
49

 

40

المحاضرة السابعة: آداب تكسّب الرزق

والقواعد التي ينبغي التقيّد بها في عمليّة طلب الرزق، كما يلفت إلى بعض الأمور التي ينبغي عدم الدخول بها، ويشكّل هذا المقطع من الوصيّة مدرسةً في هذا الجانب سيّما ونحن اليوم أمام تحلّلٍ كامل في طلب الرزق، بل يكاد أن يكون هناك تحوّل في هذا المفهوم من عنوان كسب الحلال في طلب الرزق إلى جمعٍ للمال بشتّى الوسائل والأساليب المتاحة وإن كانت حراماً.
 
إنّ التأني في قراءة هذه الوصيّة يوقفك عند جملة من القضايا تعتبر أساساً ومنهجاً لطلب الرزق الحلال ونقف عند أبرزها
 
السعي المحمود: "فخفّض في الطلب، وأجمل في المكتسب فإنّه ربَّ طلب قد جرَّ إلى حرب. فليس كلّ طالب بمرزوق، ولا كلّ مجمل بمحروم".
 
فالإنسان لا ينبغي أن يعيش المكتسب كهمٍّ وحيد في حياته، وليكن على يقين أنّ الله قسّم الأرزاق بحكمته.
 
الإنفة وعدم ترخيص النفس: "وأكرم نفسك عن كلّ دنيّة وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنّك لن تعتاض بما تبذل
 
 
 
 
 
50
 
 
 
 

41

المحاضرة السابعة: آداب تكسّب الرزق

من نفسك عوضاً، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً".
 
فالنفس أكرم من الرزق فلا ينبغي ابتذالها في سبيله، ولا وضعها فيما يرخصها من أجل متاع قليل أو مكسبٍ زهيد.

عدم تجاوز الحدّ الشرعيّ: "وما خيرٌ خير لا ينال إلّا بشرّ، ويسرٌ لا ينال إلّا بعسر". فإنّ تجاوز حدود الله معناه أن المال أحبُّ إليه من الله.

عدم الطمع: "وإيّاك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة". فالطمع سبيل الفساد وعدم مراعاة الضوابط الشرعيّة، والطمع استئثار، والإستئثار منع للآخرين من حقوقهم.
 
الرزق مقسوم من الله: "وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنّك مدرك قسمك وآخذ سهمك، وإنّ اليسير من الله سبحانه أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإنّ كان كلٌّ منه". نعم بل لا يمكن مقارنة القليل مع الثواب بالكثير مع العذاب.
 
الدقّة في الكلام: "وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك، وحفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء".
 
 
 
 
 
51
 





 

42

المحاضرة السابعة: آداب تكسّب الرزق

والمراد من الصمت إزاء تبخيس سلع الآخرين أو تكسيد بضائعهم أو الإفتراء عليهم أو اتهامهم بالغشّ أو التزوير وسوى ذلك ممّا يترك أثراً سلبيّاً على المجتمع.
 
الإستعانة بالإقتصاد الممدوح: "وحفظ ما في يديك أحبّ إلى من طلب ما في يد غيرك، ومرارة اليأس خيرٌ من الطلب إلى الناس، والحرفة مع العفّة خير من الغنى مع الفجور، والمرء أحفظ لسرّه، وربَّ ساع فيما يضرّه، من أكثر أهجر، ومن تفكّر أبصر".
 
فطلب الرزق طريق ينبغي أن يكون محفوفاً بالفضائل ومعالي الأخلاق، بل ينبغي أن يكون طالب الرزق داعيّاً إلى الله من خلال تصرّفاته وأفعاله.
 
مصاحبة أهل الخير: "قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشرّ تبن عنهم".
 
أي ليكن تعاملك مع أهل الإيمان والصلاح لأنّ ذلك يُكسبك جملة من المعارف والأخلاقيّات التي تعينك في طلب الرزق، وبخلاف ذلك فإنّ مصاحبة أهل الشرّ يجعل
 
 
 
 
52
 

 

43

المحاضرة السابعة: آداب تكسّب الرزق

طباعك تتأثّر بطباعهم دون أن تشعر.
 
الإبتعاد عن الظلم: "بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم، إذا كان الرفق خرقاً كان الخرق رفقاً، ربّما كان الدواء داء والداء دواء، وربما نصح غير الناصح وغش المستنصَح".

فليس كلّ سبيل إلى الرزق تراه تحسبه رزقا ولا كلّ من فتح لك طريقاً إلى الكسب يريد منفعتك فقد يكون رزقك في غير المكان الذي تبحث فيه وتفتّش عنه.
 
عدم التلهيّ بالتمنيّ: "وإيّاك واتكالك على المنى فإنّها بضائع الموتى". فطلب الرزق لا يكون إلّا بالسعي الجادّ والإخلاص في العمل ومباشرته بشكلٍ دقيق وأمّا الأمنيات والأحلام فإنّها لا تجلب رزقاً ولا تسدّ رمقاً. الإستفادة من التجربة: "والعقل حفظ التجارب، وخير ما جرّبت ما وعظك".
 
أي ضرورة الإستفادة من عبر التجارب، فوحدها التي تكشف
 
 
 
 
53
 

 

44

المحاضرة السابعة: آداب تكسّب الرزق

معادن الرجال وجواهر الناس وحقيقة ما يدور حولك.
 
اغتنام الفرص: "بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة، ليس كلّ طالب يصيب، ولا كلّ غائب يؤوب. ومن الفساد إضاعة الزاد ومفسدة المعاد، ولكلّ أمر عاقبة، سوف يأتيك ما قدّر لك، التاجر مخاطر، وربّ يسير أنمى من كثير، لا خير في معين مهين ولا في صديق ظنين".
 
فمن المهمّ أن يكون الإنسان يقظاً في طلبه الرزق، حكيماً في اتخاذ قراراته، يدرس خطواته ويفكّر في عواقب الأمور ويحسن اختيار الصحبة والإخوان.
 
إيّاك والتفكير بالثراء السريع: "ساهل الدهر ما ذلّ لك قعوده، ولا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه، وإيّاك أن تجمح بك مطية اللجاج". 

أي ليكن نموّ مالك نموّاً طبيعياً مبنيّاً على السماحة والجود ومداراة الناس وعدم المخاطرة والإبتعاد عن اللجاجة والإلحاح.
 
 
 
 
54
 
 

 


45

المحاضرة الثامنة: آداب التعامل مع الأخوان

من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن1 
قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)2.
 
الهدف: بيان أنّ احترام حقوق الأخوان من أهمّ ما أوصت به الشريعة الإسلاميّة، وبالتالي من أهمّ ما ينبغي على الجميع تعلّم هذه الحقوق ومعرفتها والإلتزام بها. 
 
مقدّمة
تعتبر حقوق الأخوان من أهمّ القضايا وأقدسها في نظر
 

1- مقتطعة من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن التي كتبها له عند خروجه إلى صفّين. 
2- آل عمران: 103.
 
 
 
 
55

 

46

المحاضرة الثامنة: آداب التعامل مع الأخوان

الإسلام، لإنّها تتعدّى أخلاق فرديّة عند الإنسان لتؤثّر على قضايا الشأن العامّ والمجتمع، وذلك لما تترك من أثرٍ بالغ على تماسك هذا المجتمع أو تفكّكه، وبالتالي فإنّ الإستهتار بهذه الحقوق أو الإستخفاف بها أو تضيّيعها من الذنوب التي تُخرج المرء من حقيقة الإيمان.
 
وفيما يلي نستعرض لبعض ما جاء في وصيّة أمير المؤمنين مع لفت النظر إلى العناوين الفرعيّة التي أشار إليها الإمام عليه السلام في مجال حقوق الإخوان:
 
التنافس في المودّة: يقول عليه السلام: "أحمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة، وعند صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنوّ، وعند شدّته على اللين، وعند جرمه على العذر حتّى كأنّك له عبد وكأنّه ذو نعمة عليك، وإيّاك أن تضع ذلك في غير موضعه أو أن تفعله بغير أهله".
 
 
 
 
56
 
 

47

المحاضرة الثامنة: آداب التعامل مع الأخوان

وفي كلامه عليه السلام دلالة واضحة أنّ المعادلة التي ينبغي اعتمادها بين الأخوان هي مبادلة الإساءة بالإحسان بشكلٍ عامّ ودفع السيئة بالحسنة.

لا تصادق عدوّه: يقول عليه السلام: "لا تتخذنّ عدوّ صديقك صديقاً فتعادي صديقك".
 
وعن عليّ عليه السلام: "أصدقاؤك ثلاثة وأعداؤك ثلاثة: فأصدقاؤك: صديقك وصديق صديقك وعدوّ عدوّك، وأعداؤك: عدوّك وعدوّ صديقك وصديق عدوّك"1.

والمراد هنا ليس العدوّ الشخصيّ الذي يعاديه الصديق لنزاعٍ في أمرٍ من أمور الدنيا وإنّما المراد به العدوّ في النهج والأخلاق الذي يعاديه في الدين والعقيدة.
 
النصح له: يقول عليه السلام: "وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة". 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ أخاك حقّاً من غفر زلّتك وسدّ خلّتك وقبل عذرك وستر عورتك ونفى وجلك وحقّق أملك"2.
 
 

1- نهج السعادة، ج7، ص408.
2- ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج1، ص44.
 
 
 
 
57
 
 

 

48

المحاضرة الثامنة: آداب التعامل مع الأخوان

فالأخ ينتظر من أخيه النصح والهداية وإنارة الطريق ومدّ يد العون ولا ينتظر الإدانة والإستنكار والشماتة ومجافاته عند أوّل زلّة.

تحمّل الأذى: يقول عليه السلام: "وتجرّع الغيظ فإنّي لم أرَ جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذّ مغبّة، ولِن لمن غالظك فإنّه يوشك أن يلين لك، وخذ على عدوّك بالفضل فإنّه أحلى الظفرين".
 
فإنّ الأذى من شيم النفوس الضعيفة بينما تحمّل الأذى من شيم النفوس الكريمة.

عدم القطيعة المطلقة: يقول عليه السلام: "وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة ترجع إليها إن بدا له ذلك يوماً ما".

فإنّ الهجران من أسوأ ما يصيب الإنسان المسلم ويدحض أعماله، ففي وصيّة رسول الله صلى الله علية واله وسلم لأبي ذرّ: "يا أبا ذرّ إيّاك وهجران أخيك فإنّ الله لا يتقبّل عملاً مع الهجران، يا أبا ذرّ أنهاك عن الهجران فإن كنت فاعلاً فلا تهجره ثلاثة أيّام كملا،
 
 
 
58
 

49

المحاضرة الثامنة: آداب التعامل مع الأخوان

فمن مات فيها مهاجراً لأخيه كانت النّار أولى به"1.
 
كن عند حسن الظنّ بك: يقول عليه السلام: "ومن ظنّ بك خيراً فصدّق ظنّه". فإنّ عدم التصديق مدعاة للشكّ، والشكّ مدعاة للجفاء، والجفاء مقدّمة للقطيعة.
 
عدم الإستخفاف بحقوقه لقربه: يقول عليه السلام: "ولا تضيّعن حقّ أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه".
 
بل ينبغي في مراعاة الحقوق الأقرب فالأقرب، فكلّما كان الأخ قريباً كلما وجب حقّه أكثر وبات تضيّيع حقّه أكثر عصياناً ونكراناً لحقوق الأخوّة.
 
عدم التعامل بقسوة: يقول عليه السلام: "ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك".
 
فالشقاوة تورّث النفور، وإنّما الصفة التي ينبغي اعتمادها في التعاطي هي الرحمة والحرص على المؤمنين.
 
 

1- وسائل الشيعة، ج12، ص264.
 
 
59
 

50

المحاضرة الثامنة: آداب التعامل مع الأخوان

آخِ من يودّ مؤاخاتك: يقول عليه السلام: "ولا ترغبن فيمن زهد فيك". 

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "زهدك في راغبٍ فيك نقصان حظّ، ورغبتك في زاهدٍ فيك ذلّ نفس"1.

المبادلة بالأحسن: يقول عليه السلام: "ولا يكوننّ أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الاحسان". 

التفكّر في عواقب الأمور: يقول عليه السلام: "ولا يكبرنّ عليك ظلم من ظلمك فإنّه يسعى في مضرّته ونفعك، وليس جزاء من سرّك أن تسوءه".


1- نهج البلاغة، الخطب، ج4، ص104.
 
 
60

 

51

المحاضرة التاسعة: حسن الخلق

عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "العدل حسن ولكن في الأمراء أحسن، السخاء حسن ولكن في الأغنياء أحسن، الورع حسن ولكن في العلماء أحسن، الصبر حسن ولكن في الفقراء أحسن، التوبة حسن ولكن في الشباب أحسن، الحياء حسن ولكن في النساء أحسن"1.
 
الهدف: الحثّ على فضيلة حسن الخلق والتأكيد على ضرورة التحلّي بمكارم الأخلاق لما فيه من سعادة الدارين. 
 
مقدّمة 
يعتبر الإسلام أنّ الأخلاق الحسنة أهمّ عنصر استقطاب وجذب للآخرين، ولا شكّ أنّ السيرة الأخلاقيّة لرسول الله صلى الله علية واله وسلم 
 

1- ميزان الحكمة، ج1، ص804.
 
 
 
 
61
 

52

المحاضرة التاسعة: حسن الخلق

والأئمّة الأطهار كانت رصيداً كبيراً في حركة الدعوة عبر التاريخ ، وكان لها تأثيرها على الأعداء والأصدقاء والقريب والبعيد، وقد عبرّ عن ذلك القرآن الكريم بقوله: (لَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)1
 
1- ضرورة في حياة المجتمعات: أي ضرورة إنسانيّة لتعايش الناس فيما بينهم في المجتمع الواحد. فعن الإمام عليّ عليه السلام: "لو كنّا لا نرجو جنّة، ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنّها ممّا تدلّ على سبيل النجاح"2.
 
2- هدف الرسالة: قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم محدّداً أحد أهمّ الأركان التي بُعث من أجلها قائلاً: "إنّما بعثت لإتمّم مكارم الأخلاق"3..
 

1- آل عمران: 159.
2- مستدرك الوسائل، ج11، ص193.
3- مكارم الأخلاق، ص3.
 
 
 
62


 

53

المحاضرة التاسعة: حسن الخلق

3- قوّة للإيمان: عنه صلى الله علية واله وسلم: لمّا خلق الله تعالى الإيمان قال: "اللهم قوّني فقوّاه بحسن الخلق والسخاء، ولمّا خلق الله الكفر قال: اللهم قوّني فقوّاه بالبخل وسوء الخلق"1.

ولا يخفى أنّ سوء الخلق ممّا يفسد الإيمان ويضعّفه وينفّر الناس ويبعدهم، ولذلك اعتبر رسول الله صلى الله علية واله وسلم أنّ حسن الخلق كمالٌ للإيمان إذ قال: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً"2.

4- خير الدارين: عنه صلى الله علية واله وسلم: "حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة"3

5- سمة أهل الإيمان: كأنّها صفة لازمة لا يمكن تصوّر الإيمان من دونها، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه"4.

6- رأس الفضائل: عنه عليه السلام: "حسن الخلق رأس كلّ برّ"5


1- ميزان الحكمة، ج1، ص798.
2- الكافي، ج2، ص99.
3- ميزان الحكمة، ج1، ص798.
4- نفس المصدر.
5- نفس المصدر، ص799.
 
 
63
 

54

المحاضرة التاسعة: حسن الخلق

وعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "ثلاث من لم تكن فيه فليس منّي ولا من الله عزّ وجلّ، قيل: يا رسول الله وما هنّ"؟ قال: "حلم يردّ به جهل الجاهل، وحسن خلق يعيش به في الناس، وورع يحجزه عن معاصي الله"1.
 
ثواب حسن الخلق 
أجزلت الشريعة الثواب على من يتحلّى بحسن الخلق، فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "من حسن خلقه بلّغه الله درجة الصائم القائم"2.
 
وعنه صلى الله علية واله وسلم: "إنّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنّه لضعيف العبادة"3.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح"4

وعنه عليه السلام: "ما يقدم المؤمن على الله عزّ وجلّ بعمل بعد
 

1- نفس المصدر.
2- عيون أخبار الرضا، ج1، ص76.
3- ميزان الحكمة، ج1، ص799.
4- شرح أصول الكافي، ج8، ص308.
 
 
 
64
 

55

المحاضرة التاسعة: حسن الخلق

الفرائض أحبّ إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه"1.
 
وعنه صلى الله علية واله وسلم: "ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن"2

وعن علي عليه السلام: "حسّن خلقك يخفّف الله حسابك"3.

عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً وأشدكم تواضعاً"4.

يبقى أن نشير إلى أنّ هناك خصوصيّة لحسن الخلق في شهر رمضان عبّر عنها رسول الله صلى الله علية واله وسلم بقوله: "من حسّن منكم خلقه كان له جوازاً على الصراط".
 
ثمرة حسن الخلق في الدنيا
نمو الرزق وأنس الصحبة: الإمام عليّ عليه السلام: "حسن الأخلاق يدرّ الأرزاق ويؤنس الرفاق"5.

زيادة العمر: الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ البرّ وحسن الخلق
 

1- الكافي، ج2، ص100.
2- مستدرك الوسائل، ج8، ص442 ,
3- ميزان الحكمة، ج1، ص622.
4- نفس المصدر، ص805.
5- نفس المصدر، ص805.
 
 
 
65


 

 


56

المحاضرة التاسعة: حسن الخلق

يعمران الديار ويزيدان في الأعمار"1.

إماتة المعصية في النفس: فكأنّ حسن الخلق والمواظبة عليه من شأنه أن يميت في النفس ميلها إلى المعاصي، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "الخلق الحسن يميت الخطيئة كما تميث الشمس الجليد"2.
 
محبة الناس له: فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "حسن الخلق يثبت المودّة"3.

وعنه عليه السلام: "من حسن خلقه كثر محبّوه وأنست النفوس به"4.

وعنه عليه السلام: "أرضى الناس من كانت أخلاقه رضيّة"5.

وعنه عليه السلام: "من حسنت خليقته طابت عشرته"6.
 
أبرز مصاديق حسن الخلق 
عن الإمام الصادق عليه السلام لمّا سئل عن حدّ حسن


1- الكافي، ج2، ص100.
2- الكافي، ج2، ص100.
3- تحف العقول، ص45.
4- ميزان الحكمة، ج1، ص805.
5- عيون الحكم والمواعظ، ص120.
6- نفس المصدر، ص443.
 
 
66

 

57

المحاضرة التاسعة: حسن الخلق

الخلق؟: "تلين جانبك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن"1.

ومن الواضح أنّ هذا الحديث يبيّن حسن الخلق فيما يرتبط بالتعامل مع الآخرين.
 
وعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إنّما تفسير حسن الخلق ما أصاب الدنيا يرضى، وإن لم يصبه لم يسخط"2. بمعنى الرضى في نفسه بما قسم الله له".

وأمّا في تفسير قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)3، قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "هو أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك"4. وهذه سجية أهل الإيمان مع من تجاوز حقوقهم من إخوانهم.
 
وعن الإمام عليّ عليه السلام - لجراح المدائنيّ -: "ألّا أحدّثك بمكارم الأخلاق؟: الصفح عن الناس، ومؤاساة الرجل أخاه في ماله، وذكر الله كثيراً"5.
 

1- الكافي، ج2، ص103.
2- ميزان الحكمة، ج1، ص801.
3- الأعراف: 199.
4- ميزان الحكمة، ج1، ص800.
5- ميزان الحكمة، ج1، ص804.
 
 
 
67
 

58

المحاضرة التاسعة: حسن الخلق

وعنه عليه السلام ناظراً لجهة حسن الخلق في كسب الرزق وخدمة العيال: حسن الخلق في ثلاث: "اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسّع على العيال"1.

رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "ألا أنبئكم بخياركم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً، الذين يألِفون ويؤلَفون"2.
 

1- نفس المصدر، ص801.
2- نفس المصدر، ص801.
 
 
 
68
 
 

59

المحاضرة العاشرة: الصدقة في القرآن والسنة

قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)1.

الهدف: الحثّ على التصدّق خلال شهر رمضان كونها إحدى الأمور المستحبّة التي أوصى بها رسول الله صلى الله علية واله وسلم في خطبته الشهيرة. 

مقدّمة
لا يخفى ما لفضيلة بذل المال والإنفاق في سبيل الله من أثرٍ كبير على المستوى الروحيّ والعباديّ للإنسان، 

 

1- التوبة: 103.
 
 
 
69
 
 


60

المحاضرة العاشرة: الصدقة في القرآن والسنة

 ولذلك ترى الآيات القرآنيّة تجزل الثواب على المتصدّقين وتمدحهم، وتتوعّد الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله بالهلاك والعذاب الأليم، ولا يخفى أنّ أفضل الصدقة خلال شهر رمضان المبارك كما أشارت الأحاديث الشريفة.
 
محاور الموضوع
1- بذل المال من أنواع الجهاد: قال تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ)1. وقال تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)2.
 
2- الله أحبّ إلى المؤمن من ماله: ولذلك نقرأ في حياة الإمام الحسن عليه السلام أنّه خرج من ماله مرّتين فتصدّق بكلّ ما يملك.
 
3- الصدقة صلة ارتباط بنهج: لأنّ الحافز في داخل الإنسان إلى بذل المال هو المساهمة في سدّ حاجات المحتاجين الذين يرتبط معهم في خطٍّ ونهجٍ واحد.
 

1- التوبة: 118.
2- التوبة: 88.
 
 
70
 

61

المحاضرة العاشرة: الصدقة في القرآن والسنة

- الصدقة أوّل انعكاسات قبول الأعمال: قال تعالى: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ)1.
 
بركات الصدقة
1- أمان في القبر ويوم القيامة: أي أنّ ثوابها يدفع عنه ألم العذاب، عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إنّ الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبور، وإنّما يستظلّ المؤمن يوم القيامة في ظلّ صدقته"2. 
 
2- قبول العمل: الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى يقول: ما من شيء إلّا وقد وكّلت من يقبضه غيري، إلّا الصدقة، فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفاً"3. وكأنّ الله نزّل نفسه منزلة وليّ الفقراء الذي يقبض عنهم مالهم وينفقه عليهم.
 
3- الصدقة مفتاح الرزق: وليست منقصة للرزق أو خطر عليه كما يوهم الشيطان للإنسان. فعن الإمام عليّ عليه السلام: 
 

1- النساء: 114.
2- ميزان الحكمة، ج2، ص1594.
3- نفس المصدر.
 
 
 
71
 

62

المحاضرة العاشرة: الصدقة في القرآن والسنة

"استنزلوا الرزق بالصدقة"1.
 
4- الجزاء المضاعف: قال تعالى: (يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)2.

ولعلّ أجمل ما يشرح نموّ الصدقة ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: قال الله تعالى: "إنّ من عبادي من يتصدق بشق تمرة، فاربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى أجعلها له مثل جبل أحد"3
 
5- دفع البلاء: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد ابرم إبراما، ولا يذهب بالأدواء إلّا الدعاء والصدقة"4.
 
وعندما نقرأ قول رسول الله أنّها تدفع القضاء ندرك أهميّة الصدقة وأولويّتها وحاكميّتها على كثيرٍ من الأمور.

وعنه صلى الله علية واله وسلم: "الصدقة تمنع ميتة السوء"5.

وعنه صلى الله علية واله وسلم: "تصدّقوا وداووا مرضاكم بالصدقة، فإنّ الصدقة


1- الكافي، ج4، ص10.
2- البقرة: 276.
3- مستدرك الوسائل، ج7، ص168.
4- بحار الأنوار، ج93، ص137.
5- فروع الكافي، ج3، ص2.
 
 
72

 

63

المحاضرة العاشرة: الصدقة في القرآن والسنة

تدفع عن الأعراض والأمراض، وهي زيادة في أعماركم وحسناتكم"1.
 
أولويّة ذوي الرحم بالصدقة وبيّن أهل بيت العصمة مصرف الصدقات، فعن الإمام الحسين عليه السلام: "سمعت رسول الله صلى الله علية واله وسلم يقول: ابدأ بمن تعول: أمّك وأباك وأختك وأخاك، ثمّ أدناك فأدناك"2.
 
رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "لا صدقة وذو رحم محتاج"3. بمعنى أنّ الصدقة الكاملة هي التي تراعي الأقرب فالأقرب.
 
وعنه صلى الله علية واله وسلم: "إنّ الصدقة على ذي القرابة يضعف أجرها مرتين"4.
 
ولا يخفى أنّ مضاعفة الأجر إنّما يراد منه إعطاء الأولويّة لذي القرابة.
 
فضل صدقة السرّ وآثارها
قال تعالى: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
 

1- كنز العمال، ج6، ص371.
2- بحار الأنوار، ج96، ص147.
3- نفس المصدر.
4- كنز العمّال، ح6، ص395.
 
 
 
73
 

64

المحاضرة العاشرة: الصدقة في القرآن والسنة

الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)1.

والتصدّق سرّاً له جانب يتعلّق بالمتصدّق وهو أن لا يتسرّب الرياء إلى نيّته، وله جانب يتعلّق بالمتصدّق عليه وهو حفظ ماء وجهه من الناس.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تتصدّق على أعين الناس ليزكّوك، فإنّك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فإنّ الذي تتصدّق له سرّاً يجزيك علانية"2.
 
وأمّا في ثوابها فقد ورد عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "أكثر من صدقة السرّ، فإنّها تطفئ غضب الربّ جلّ جلاله"3.

وعنه صلى الله علية واله وسلم: سبعة في ظلّ عرش الله عزّ وجلّ يوم لا ظلَّ إلّا ظله: رجل تصدق بيمينه فأخفاه عن شماله. 

الإمام الصادق عليه السلام: "الصدقة والله في السرّ أفضل من
 

1- البقرة: 270.
2- بحار الأنوار، ج78، ص384. 
3- بحار الأنوار، ج96، ص176.
 
 
 
74
 

65

المحاضرة العاشرة: الصدقة في القرآن والسنة

الصدقة في العلانيّة، وكذلك والله العبادة في السرّ أفضل منها في العلانيّة"1
 
أهل البيت عليهم السلام وصدقة السرّ
عن الإمام الباقر عليه السلام في الإمام زين العابدين عليه السلام "إنه كان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره حتّى يأتي باباً باباً، فيقرعه ثمّ يناول من كان يخرج إليه، وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيراً لئلّا يعرفه"2.

يقول محمّد بن إسحاق: إنّه كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم، فلمّا مات عليّ بن الحسين عليه السلام فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل.
 
الحثّ على الصدقة في السرّاء والضرّاء 
قال تعالى: (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء)3. أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء)4 يقول: "في


1- ميزان الحكمة، ج2، ص1401.
2- الكافي، ج4، ص8.
3- الكافي، ج1، ص468.
4- آل عمران: 134.
 
 
75

 

66

المحاضرة العاشرة: الصدقة في القرآن والسنة

العسر واليسر"1
 
آفّات الصدقة 
قال تعالى: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)2.
 
فالمنّ والأذى لا يمكن أن ينسجم مع النيّة الخاصة والتوجّه الكامل إلى الله ولذلك شبّهته الآية بالذي ينفق ماله رئاء الناس.

وقال تعالى: (وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِر)3.


1- الدر المنثور، ج2، ص73.
2- البقرة: 263، 264.
3- المدّثر: 6.
 
 
76


67

المحاضرة الحادية عشرة: غضّ البصر

قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)1.
 
الهدف: تربية الناس على أهميّة غضّ البصر وما لذلك من آثار على مستوى صلاح الباطن وانعكاسه على لذّة العبادة. 
 
مقدّمة
لا شكّ أنّ الحواس من النعم الإلهيّة التي أنعم الله بها 


1- النور: 30، 31.
 
 
77
 

68

المحاضرة الحادية عشرة: غضّ البصر

على الإنسان والتي لولاها لكانت الحياة شبه مستحيلة، إلّا أنّ هذه الحواس هي كذلك مسؤوليّة كبرى على عاتق الإنسان ليحسن استخدامها ويجعلها طريقاً إلى الجنّة والرضوان لا إلى العذاب والشقاء، ومن أهمّ هذه الحواس حاسّة البصر التي أمرنا الله أن نؤدّي حقّها وذلك بأن نغضّ أبصارنا عن حرامه.
 
ويعتبر غضّ البصر اليوم من أشدّ الأمور التي تحتاج للكثير من الورع نظراً لتفشّي أشكال المحرّمات حول الإنسان في كلّ مكان. 
 
إطلاع الله على خائنة الأعين
قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)1.

عن الإمام عليّ عليه السلام: "قسم أرزاقهم، وأحصى آثارهم وأعمالهم، وعدّد أنفسهم، وخائنة أعينهم، وما تخفي صدورهم من الضمير"2.


1- غافر: 19.
2- الأمالي، ص515.
 
 
 
 
78

 

69

المحاضرة الحادية عشرة: غضّ البصر

فالله محيط بكلّ شيء ومطّلعٌ على أدقّ التفاصيل التي تصدر من الإنسان يحصيها ويسجّلها كرام كاتبون لا تفوتهم كبيرة ولا صغيرة.
 
من ملأ عينه من حرام 
وشدّدت الشريعة على حرمة النظر المحرّم الذي يرجو فيه المرء لنفسه ما حُرّم عليه وتوعّدته بأشدّ العذاب، فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "من ملأ عينه من حرام ملأ الله عينه يوم القيامة من النّار، إلّا أن يتوب ويرجع"1

وفي روايةٍ أنّ هذا الغضب موجب لغضب الله وسخطه، فعنه صلى الله علية واله وسلم: "اشتدّ غضب الله عزّ وجلّ على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها"2.
 
غضّ البصر وحلاوة العبادة 
 
وكما شدّدت الشريعة على معاقبة من يمدّ بصره إلى الحرام فإنّها وعدت من يغضّون أبصارهم رضىً لله بحسن الثواب في


1- ميزان الحكمة، ج4، ص3291.
2- نفس المصدر.
 
 
 
79
 

70

المحاضرة الحادية عشرة: غضّ البصر

لدنيا والآخرة، فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "ما من مسلم ينظر امرأة أوّل رمقة ثمّ يغضّ بصره إلّا أحدث الله تعالى له عبادة يجد حلاوتها في قلبه"1.
 
وعنه صلى الله علية واله وسلم: "النظر سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه"2.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمض بصره لم يرتدّ إليه بصره، حتّى يزوجه الله من الحور العين"3.
 
النظرة الأولى خطأ والثانية عمد 
عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم لعليّ عليه السلام: "يا عليّ لك أوّل نظرة، والثانية عليك"4.

وعنه صلى الله علية واله وسلم: "لا تتبع النظرة النظرة، لك الأولى وعليك الآخرة"5.


1- نفس المصدر.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر، ص3292.
4- الخصال، ص306.
5- كنز العمّال، ج5، ص468.
 
 
 
80
 

71

المحاضرة الحادية عشرة: غضّ البصر

عن جرير: سألت رسول الله صلى الله علية واله وسلم عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري1.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة"2.

وإذا كانت النظرة الثانية محرّمة فمعنى ذلك أنّ الشيطان مختبىء بين النظرتين وأنّه سرعان ما يدخل الشيطان بين الناظر والمنظور إليه.
 
ما يستعان به على غضّ البصر 
لا شكّ أنَّ عفاف المجتمع وعدم ظهور الأشكال والصور المحرّمة من الإعلانات والدعايات والإغراءات يساهم مساهمة كبرى في حفظ المجتمع وعدم انزلاق الرجال والنساء في مزالق السوء، كما أنّ غضّ البصر يحتاج كذلك لرادعٍ من نفس الإنسان يعصمه عن ذلك.

قال تعالى حكايةً عن لسان يوسف عليه السلام: (وَإِلاَّ تَصْرِفْ


1- نفس المصدر.
2- الأمالي، الشيخ المفيد، ص208.
 
 
81
 

72

المحاضرة الحادية عشرة: غضّ البصر

عَنِّي  كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)1.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما اعتصم أحد بمثل ما اعتصم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم الله إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال"2.
 
وسئل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "بما يستعان على غض البصر"؟ فقال: "بالخمود تحت سلطان المطلع على سترك"3

الإمام عليّ عليه السلام في صفة الراغبين في الله سبحانه بعد ذكر أصناف أهل الدنيا : "وبقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر"4.
 
وقال عليه السلام في وصف المتّقين: "غضّوا أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم"5.


1- النور:33.
2- بحار الأنوار، ج101، ص41.
3- نفس المصدر.
4- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ، ج1، ص78.
5- نفس المصدر، ج2، ص161. 
 
 
82
 

73

المحاضرة الثانية عشرة: الدعاء

من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن1
قال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)2.

الهدف: التركيز على الدعاء كأحد أهمّ مفردات العلاقة مع الله، هذه العلاقة التي لا يستغني عنها أحد في الوجود. 

مقدّمة
يعتبر أهل البيت الدعاء مدرسة قائمة بذاتها يمكن


1- مقتطعة من وصيّة الإمام عليّ لابنه الحسن التي كتبها له عند خروجه إلى صفّين. 
2- الفرقان: 77. 
 
 
 
 
 
83
 
 


74

المحاضرة الثانية عشرة: الدعاء

من خلالها الدخول إلى كافّة عناوين الرسالة والتعرّف عليها، وقد زخرت المرويّات المأثورة عن أهل بيت العصمة بالكثير من الأدعية التي يرى المتأمّل فيها أنّها تعمّ كافّة أيّام وساعات السنة فضلاً عن المناسبات في إشارةٍ لطيفة، إلى أهميّة بل وضرورة الإرتباط بالله ومناجاته في كلّ حال.
 
هناك أبواب متعدّدة للحديث عن الدعاء وفضله وآدابه، إستعنّا على بيان بعضها بما جاء في وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام ، ولعلّ أهمّ ما أشارت إليه هذه الوصيّة النقاط التالية
 
1- الدعاء سبيل الإرتباط بالله
أ- التعهد بالإجابة: يقول عليه السلام: "واعلم أنّ الذي بيده خزائن السماوات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفّل لك بالإجابة". فتوسيط الدعاء بين الإنسان وربّه قد أمر به الله تعالى، وهو
 
 
 
 
84
 

 

75

المحاضرة الثانية عشرة: الدعاء

الذي اعتمده باباً بينه وبين الخلائق.
 
ب- وجوب الدعاء: يقول عليه السلام: "وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك". فالعطاء فرع السوال، والرحمة فرع الإسترحام في المعادلة الإلهيّة.
 
ج - الدعاء تواصل بلا واسطة: يقول عليه السلام: "ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه". وفي ذلك إشارة إلى سهولة التواصل، وأنّ الطريق إليه سالكة للراغبين بالسؤال.
 
2- عدم القنوط من فيضه
الرحمة الواسعة: يقول عليه السلام: "ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يعيّرك بالإنابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، ولم يشدد عليك في قبول الإنابة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة، وحسب سيئتك واحدة، وحسب
 
 
85
 
 

76

المحاضرة الثانية عشرة: الدعاء

حسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب".
 
يبيّن عليه السلام في هذا المقطع كرمه سبحانه وجوانب اللطف في تشريع الدعاء، فالله يعلم أنّ كلّ إنسان معرّض للخطأ والزلل والوقوع في الشبهات والمحرّمات، فلم يستعجله بالعذاب على ذلك بل فتح له باباً من أبواب الرحمة ليتوب ويرجع إلى الله.
 
3- أنس الداعي بالله
يقول عليه السلام: "فإذا ناديته سمع نداءك، وإذا ناجيته علم نجواك فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك". فوحده من يسمع النداء وتستأنس ببث الشكوى إليه وتفتح له قلبك المطّلع عليه أساساً ليسمع منك ما يعرفه ويعلمه.
 

4- الدعاء مفتاح خزائن الله
اليقين بكونه مصدر العطاء: يقول عليه السلام: "وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطاء غيره من زيادة الاعمار وصحّة الأبدان وسعة الأرزاق ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما
 
 
 
 
86
 

 

77

المحاضرة الثانية عشرة: الدعاء

أذن لك من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته واستمطرت شآبيب رحمته". 

وكأنّه في هذا المقطع يقطع الطريق على الإنسان في عدم السؤال، فخزائنه وسعت كلّ شيء، والإذن بالدخول موجود، والمفتاح بيدك ما عليك إلّا استعمال المفتاح لتدخل ميادين رحمته.

5- تأخّر الإجابة
اليقين بحكمته: يقول عليه السلام: "فلا يقنطنك إبطاء إجابته فإنّ العطيّة على قدر النيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل وأجزل لعطاء الآمل، وربّما سألت الشيء فلا تؤتاه وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صرف عنك لما هو خير لك، فلربَّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته".

يستعرض عليه السلام بعض إيجابيّات تأخّر الإجابة التي قد لا يلتفت إليها السائل

أ- عدم الجديّة في النيّة.
 
 
 
 
87

 
 

78

المحاضرة الثانية عشرة: الدعاء

ب - زيادة الأجر في زيادة السؤال.
ج - إعطاؤه ما هو أفضل.
د - درأ ما هو خطر عليه.
 
6- متعلَّق الدعاء
الدعاء لأمر الآخرة: يقول عليه السلام: "فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له".

فلا ينبغي أن يكون متعلَّق الدعاء من الأمور الماديّة التي تفنى أو الدنيويّة التي تزول، بل ليكن سؤالك ممّا يرتبط بأمور دينك وآخرتك فإنّه لا يبقى لك شيء سواها.
 
 
 
88
 

79

المحاضرة الثالثة عشرة: روح الجماعة

 قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر)1.
 
الهدف: الحثّ على العمل الجماعيّ وبيان أهميّته وآثاره المباركة وتأكيد الشرع عليه بل وضرورته في كثير من الميادين. 
 
مقدّمة 
تماماً كما أنّ هناك أعمالاً لا تؤدّى إلّا بشكلٍ فردي فإنّ
 

1- العصر.
 
 
91
 

80

المحاضرة الثالثة عشرة: روح الجماعة

هناك أعمالاً لا يمكن الإتيان بها إلّا بشكل جماعيّ أ و لا أقل إنّ الإتيان بها جماعةً له أجر مضاعف، ولا يخفى أنّ العمل الجماعيّ له ضوابطه وأحكامه التي تجعله عملاً ناجحاً تماماً كما أنّ للعمل الفرديّ ضوابطه الخاصّة التي ينبغي مراعاتها.

تأكيد القرآن على روح الجماعة
كثيرةٌ هي الآيات التي شرّعت مجموعة من التكاليف ينبغي أن تؤدّى بشكلً جماعيّ، ومن هذه الآيات بعض ما ورد في سورة العصر التي أشارت إلى عدّة أمور

1- العمل الصالح
2- التواصي بالحقّ
3– التواصي بالصبر. 

ومن الواضح أنّ الله تبارك وتعالى اعتبر الإنسان في حالة من الخسران الدائم ما لم يلتزم هذه الضوابط التي تتعلّق بذمّته، ومن هذه الضوابط أن تؤدّى هذه الأعمال بروح الجماعة
 
 
 
 
92

 
 

81

المحاضرة الثالثة عشرة: روح الجماعة

كتواصي الناس بالعمل الصالح والتواصي بالحقّ والصبر. فالإنسان المسلم إنسان فاعل في مجتمعه مؤثّر فيه ولا يمكن أن يعيش منزوياً عنه لا يلتفت إلى ما يهمّ الناس.قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "الناس كلّهم عيال الله وأحبّ الناس إلى الله أنفعهم لعياله"1.
 
بعض مظاهر الأعمال الجماعيّة
1- في الصلاة: فإنّها في جماعة يتضاعف ثوابها كثيراً حتّى إذا زادت على عشرة لا يعلم ثوابها إلّا الله تعالى بل هناك بعض الصلوات التي لا تؤدّى إلّا جماعة كصلاة الجمعة وصلاة الإستسقاء والصلاة على الميّت.
 
2- في الدعاء: حيث يحبّ الله تعالى اجتماع المؤمنين في دعائهم بل ورد في بعض المواطن بأنّ أربعين مؤمناً لو دعوا نفس الدعاء فإن الله تعالى يستحي أن يردّ دعاءهم. 
 
3- في الحقوق الماليّة: التي فرضها الله تعالى، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الله فرض في أموال الأغنياء أقوات


1- وسائل الشيعة، ج16، ص345.
 
 
 
 
93
 
 
 

82

المحاضرة الثالثة عشرة: روح الجماعة

الفقراء فما جاع فقير إلا بما متّع به غنيّ والله تعالى سائلهم عن ذلك"1.

4- في العلاقات الاجتماعيّة: فصلة الرحم تخفّف سكرات الموت وصلة العشيرة في الله تجعلها جناحك كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: "وأكرم عشيرتك، فإنّها جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير" 2، واتخاذ الأخوة في الله ينفع في الشفاعة يوم القيامة إذ ورد في الحديث: "أكثروا من الإخوان، فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة"3

5- في الاهتمام بقضايا المسلمين: فعن النبيّ صلى الله علية واله وسلم: "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ومن سمع منادياً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"4. وعنه صلى الله علية واله وسلم: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمّى"5

6- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 


1- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ، ج3، ص78.
2- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ، ج3، ص57.
3- جامع أحاديث الشيعة، ج16، ص30.
4- الكافي، ج2، ص163.
5- بحار الأنوار،ج58، ص150.
 
 
 
94
 
 
 

83

المحاضرة الثالثة عشرة: روح الجماعة

قال تعالى "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)1.

ولعلَّ من أبرز ما جعلها خير أمّة أنّها لا تسمح للمنكر أن يتسلل إلى صفوفها، وهذا لا يمكن أن يتمّ إلّا إذا كانت الأمّة كلها واعيّة والكلّ يؤدّي دوره في حفظ سلامة المجتمع الإسلاميّ.

7- في الجهاد: فإنّ أروع تجليّات حبّ الله تعالى لروح الجماعة هو في القتال في سبيل الله تعالى.قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ)2.
 
وفي الآية إشارات لطيفة إلى العمل الجماعيّ والتنظيم والإنضباط وضرورة القوّة وعدم الخلل في صفوف المسلمين.


1- آل عمران: 110.
2- الصف: 4.
 
 
 
95
 

84

المحاضرة الرابعة عشرة: علوّ الهمّة

عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إنّ الله يحبّ معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها"1.

الهدف: تعويد الناس على تحمّل مسؤوليّاتهم والمشاركة في القضايا الحسّاسة والمهمّة. 

مقدّمة 
إنّ القرآن الكريم يعلّمنا أن ننظر إلى أيّ عمل بمقدار ما يثيبنا في الآخرة وما ينسجم مع تكليفنا في الدنيا بغضّ النظر عن إمكانيّة تحقّقه أو عدمها، والإقدام على العمل مهما بلغت
 
 

1- ميزان الحكمة، ج4، ص3468.
 
 
 
97

 


85

المحاضرة الرابعة عشرة: علوّ الهمّة

تحديّاته أو صعوباته، فإنّ موسى عليه السلام دخل على فرعون وهو لا يحمل إلّا عصاه قائلاً له: "أسلم تسلم".

علوّ الهمّة في النص
وقد ورد في الدعاء: "يا محوّل الحول والأحوال حوّل حالنا إلى أحسن حال"2. فالمؤمن يطمح أن يتحسّن حاله إلى أفضل حال ولا يغنيه مطلق التحسّن ولو كان بسيطاً.

وورد في دعاء كميل بن زياد: "واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك وأقربهم منزلة منك وأخصّهم زلفة لديك"3. فطمع المؤمن بأحسن الثواب وأقرب المنازل إلى الله.

ونقرأ في دعاء أبي حمزة الثماليّ: "وعليك يا واحدي عكفت همّتي، وفيما عندك بسطت رغبتي".

من كلامٍ لأمير المؤمنين لإبنه محمّد بن الحنفيّة لمّا أعطاه الراية يوم الجمل: "تزول الجبال ولا تزل، عضّ على ناجذك،


1- شرح الأسماء الحسنى، ج1، ص70.
2- نهج السعادة، ج6، ص160.
 
 
 
 
99

 

86

المحاضرة الرابعة عشرة: علوّ الهمّة

أعر الله جمجمتك، تدّ في الأرض قدمك، وارم ببصرك أقصى القوم، وغضّ بصرك، واعلم أنّ النصر من عند الله"1.

وفي هذه الكلمات نقرأ عدّة شرائط لبلوغ الهمّة العاليّة في النفس

1- الثقة بالنفس: أي أن لا يتسرّب للنفس أيّ وهن أو شكّ في أنّه غير قادرٍ على فعل هذا العمل، وهذا ما عاناه أمير المؤمنين عليه السلام من أصحابه الذين كانوا دائمي الخوف من الحرب وجهاد الأعداء وتفوّقهم عليهم.

2- الإستعداد للتضحية: والإيمان أنّ التضحية شرط أساس في تحقّق الإنجازات الكبرى، وهذه سنّة من سنن الحياة جرت على كافّة الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين.

3- الثبات والإرادة: فالأمور الجسام لا شكّ تستبطن الكثير من التحديّات التي تحتاج إلى عزيمةٍ قويّةٍ لتخطّيها، وعدم اليأس حتّى في حالات الإخفاق والفشل.

4- النظر إلى الهدف الأقصى: وعدم الرضا بالأهداف التي تقع في متناول الأيدي ويسهل تحقيقها وإنجازها.


1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوريّ، ج11، ص86.
 
 
99
 
 

87

المحاضرة الرابعة عشرة: علوّ الهمّة

5- عدم التلهّي بصغائر الأمور: فإنّها تُغرق الإنسان في تفاصيل تجعله يحيد عن الهدف المنشود أو تُخفّف من سرعة سيره نحوه.فالإنسان ينبغي أن يوائم بين أمرين إبقاء النظر على الأهداف البعيدة ومتابعة الخطوات المرحليّة التي توصله إلى تلك الأهداف.

6- التوكّل على الله: أي الإيمان بأنّ الله ينصر عباده وهو معنا أينما كنّا يسمع ويرى ويحفظ عباده ويدافع عنهم.وما يعني ذلك من الإخلاص والنزاهة في العمل والتحلّي بالروح الرساليّة والحذر من السقوط أمام الشهوات.

ما ينبغي طلبه بعلوّ الهمّة
فعن الإمام عليّ عليه السلام قال: "ما رفع امرء كهمّته ولا وضعه كشهوته"1.

وعلوّ الهمّة سيف ذو حدّين إذ يمكن استغلالها في الطاعة والعبادة ويمكن استغلالها في المعصية والبعد عن الله، ولذلك


1- عيون الحكم والمواعظ، ص484.
 
 
100
 

88

المحاضرة الرابعة عشرة: علوّ الهمّة

اهتمّت النصوص الشريفة ببيان ما ينبغي طلبه بعلوّ الهمّة.
 
1- طاعة الله: من عبادة ونشر للدين وإعلاء لكلمة الحقّ والجهاد في سبيل الله ومساعدة الناس والفقراء وسوى ذلك ممّا يندرج في دائرة الطاعة والتقرّب الى الله1.
 
فعن الإمام عليّ عليه السلام: "واصرفوا همّتكم بالتقرّب الى الله". وفي دعاء للإمام السجّاد عليه السلام: "فقد انقطعت إليك همتي". وفي دعاء أخر " وهب لي.......همّةً متّصلة بك"2.
 
2- النجاة في الآخرة: بطلب العلم ومعرفة عواقب الأمور والتوبة والإنابة، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "ولتكن همّتك لما بعد الموت"3.
 
3- إصلاح النفس والمجتمع: إنّ مبدأ التغيير وإصلاح المجتمع على كافّة المستويات من أهمّ ما ينبغي تعويد النفس عليه وحملها على المشاركة في كلّ ما يمكن فعله لخدمة


1- ميزان الحكمة، ج4، ص3469.
2- الصحيفة السجّاديّة (ابطحيّ)، الإمام زين العابدين، ص412.
3- حاشية مجمع الفائدة والبرهان، الوحيد البهبهانيّ، ص24.
 
 
 
 
101
 

89

المحاضرة الرابعة عشرة: علوّ الهمّة

الناس وتلبية حاجاتهم، وعلى المرء أن يبدأ بنفسه أوّلاً ثمّ يتبعه بإصلاح الآخرين.
 
فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إن سمت همّتك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك، وإنّ تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر عيب"1.

ومن أهمّ الساحات التي ينبغي أن تتجلّى فيها علوّ الهمّة هي المشاركة الفعّالة في التغيير السياسيّ والإجتماعيّ من إعلاء الصوت والإستنكار الميدانيّ ومواجهة الظلم ورفع الفساد بكافّة الوسائل المتاحة.
 
وعلو الهمّة يتطلّب من الإنسان السعي والمثابرة والجدّ والسهر وعدم الإستسلام للخطأ والإيمان القويّ بما يقوم به، ولعلّ من أبرز الأمثلة والمصاديق اليوم ما استطاعت المقاومة أن تحقّقه من إنجازات وانتصارات بفضل ثبات مجاهديها وعلوّ همّتهم وإصرارهم على إلحاق الهزيمة بالعدوّ رغم كلّ التفاوت في العدّة والعتاد.
 

1- ميزان الحكمة، ج3، ص2206
 
 
 
 
102
 
 

 


90

المحاضرة الخامسة عشرة: صدقة السلوك العامّ

 رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إنّ على كلّ مسلم في كلّ يوم صدقة"، قيل: من يطيق ذلك؟ قال صلى الله علية واله وسلم: "إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وإرشادك الرجل إلى الطريق صدقة، وعيادتك المريض صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردّك السلام صدقة"1.
 
الهدف: بيان أنّ مفهوم الصدقة يسري في كلّ سلوك ينفع الشأن العامّ وحثّ الناس على هذا النوع من السلوك. 
 
مقدّمة
إنّ ثقافة حسن الأداء في كلّ ما يرتبط بالسلوك العامّ وما 
 

1- ميزان الحكمة، ج2، ص1597.
 
 
 
103
 

91

المحاضرة الخامسة عشرة: صدقة السلوك العامّ

ينفع الناس من أهمّ المسائل الثقافيّة التي ينبغي أن يتمتّع بها الفرد المسلم، بل لعلّها أكثر المسائل جذباً للآخرين على التدين، وبالتالي فإنّ الإساءة أو الإستهتار أو التقصير في هذا المجال من الأمور التي يدينها الإسلام ويحاسب عليها.
 
كما أنّ الإنفاق الماديّ والعينيّ مصداق من مصاديق الصدقة فإنّ أيّ عمل إذا اتسم بالمعروف والصلاح فإنّه يعتبر صدقة، وما أحوج مجتمعاتنا اليوم إلى هذا النوع من الصدقات، ومن جملة هذه الموارد التي بيّنتها الأحاديث
 
1- مطلق المعروف: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "كلّ معروف صدقة إلى غني أو فقير"1. فعل المعروف سمة الفاعل الذي همّه نشر المعروف وثقافة فعل الخير بين الناس.
 
2- ما يحفظ العرض: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "كلّ معروف


1- نفس المصدر.
 
 
 
104

 

92

المحاضرة الخامسة عشرة: صدقة السلوك العامّ

صدقة، وما وقي به المرء عرضه كتب له به صدقة"1. وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا التعميم لمفهوم الصدقة يشكّل حافزاً عند المرء لقيامه بأمرٍ معروف حتّى إلى أقرب الناس إليه.
 
3- العلم: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "تصدّقوا على أخيكم بعلم يرشده ورأي يسدّده"2. فالبخل بالعلم من أبشع أنواع البخل ومساهمة من حيث لا نشعر بإبقاء حالة الجهل متفشّية في المجتمع.
 
4- إصلاح ذات البين: الإمام الصادق عليه السلام: "صدقة يحبّها الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا"3. وفي هذه الصدقة نعمة إضافيّة هي محبّة الله لأولئك الذين يعملون على رفع التخاصم ونبذ الشقاق ورأب الصدع بين المسلمين أنفسهم.
 
5- الكلمة الطيّبة: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "الكلمة الطيبّة


1- نفس المصدر. 
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر. 
 
 
105
 

 


93

المحاضرة الخامسة عشرة: صدقة السلوك العامّ

وكلّ خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة"1. وصدقة الكلمة الطيّبة تقع في يد الله فيثيب صاحبها على الفور، قد عبّر تعالى عن ذلك بقوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)2.
 
6- خدمة المعوقين: الإمام الصادق عليه السلام: "إسماع الأصمّ من غير تضجّر صدقة هنيئة"3. وهذه الصدقة يمكن أن تؤدّى بشكلٍ فرديّ إلّا أنّ كمالها الذي ينبغي أن ننشده أن تؤدّى بشكلٍ جماعيّ وأن يشمل عمل المؤسّسات الرعائيّة المهتمّة بهذا الجانب كافّة حاجات المجتمع.

7- طلب الرزق للعيال: عن الإمام الصادق عليه السلام: كان عليّ بن الحسين إذا أصبح خرج غادياً في طلب الرزق، فقيل له: "يا بن رسول الله أين تذهب؟ فقال: أتصدق لعيالي، قيل له: أتتصدّق؟ قال: من طلب الحلال فهو من الله عزّ وجلّ صدقة عليه"4.
 

1- نفس المصدر.
2- فاطر: 10.
3- ثواب الأعمال، ص140.
4- الكافي، ج4، ص12.
 
 
 
106

 

94

المحاضرة الخامسة عشرة: صدقة السلوك العامّ

وهنا إشارة لطيفة من الإمام السجّاد إلى النيّة التي ينبغي أن ترافق عمل الكادّ على عياله.
 
8- ترك الشرّ: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "على كلّ مسلم صدقة"، قال أبو موسى : أفرأيت إن لم يجد؟ قال: "يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدّق"، قال: أفرأيت إن لم يستطع؟ قال: "فيعين ذا الحاجة الملهوف"، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: "يأمر بالخير"، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: "يمسك عن الشرّ فإنّه له صدقة"1.

وما أروع هذا التعبير الذي يسرّي مفهوم الصدقة من عملٍ يقوم به الإنسان إلى أمرٍ عدميّ يحجم عنه ويدعه.
 
9- حفظ اللسان: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "أمسك لسانك، فإنّها صدقة تصدّق بها على نفسك"2. وفي هذا الحديث إشارة لطيفة وهي أنّ الصدقة قد تكون على المتصدّق نفسه.وعنه صلى الله علية واله وسلم: "إنّ أفضل الصدقة صدقة اللسان تحقن به الدماء، وتدفع به الكريهة، وتجرّ المنفعة إلى أخيك المسلم"3.
 

1- ميزان الحكمة، ج2، ص1598.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.
 
 
 
 
107




 
 
 
 

 

95

المحاضرة الخامسة عشرة: صدقة السلوك العامّ

عنه صلى الله علية واله وسلم: "أفضل الصدقة صدقة اللسان"، قيل: يا رسول الله وما صدقة اللسان؟ قال: "الشفاعة، تفكّ بها الأسير، وتحقن بها الدم، وتجرّ بها المعروف إلى أخيك، وتدفع بها الكريهة"1.

10- قول الخير: عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "والذي نفسي بيده ما أنفق الناس من نفقة أحبّ من قول الخير"2. وقول الخير يعني قول الصدق وشهادة الحقّ والحكم بالعدل وإنصاف الناس.

11- إعانة الضعيف: عن الإمام الكاظم عليه السلام: "عونك للضعيف من أفضل الصدقة"3. ومن الواضح أنّ عون الضعيف ينبغي أن يكون في مورد ضعفه وليس عوناً إجمالياًّ، بل ناظراً إلى مورد حاجته حتّى ولو كانت إجتماعيّة أو سياسيّة وما شابه.


1- نفس المصدر.
2- نفس المصدر، ص1599.
3- نفس المصدر.
 
 
108

 
 

96

المحاضرة السادسة عشرة: أهميّة الأسرة في الإسلام

قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)1.

الهدف: بيان أهميّة تشكيل الأسرة في الإسلام والفوائد التي تتحقّق بقيامها، وما يترتّب على ذلك من مهمّات ومسؤوليّات. 

مقدّمة
أكّد الإسلام على بناء الأسرة كمقدّمة لبناء المجتمع
 

 
1- البقرة: 228.
 
 
111
 

97

المحاضرة السادسة عشرة: أهميّة الأسرة في الإسلام

واعتبر أنّ الأسرة هي أصغر الخلايا التي تتوزّع فيها الحقوق والواجبات والمسؤوليّات ضمن صيغة تكامليّة تضمن بقاءها واستمراريّتها ورقيّها وسعادتها، وحذّر من تجاوز هذه الخطوط الحمراء داخل الأسرة معتبراً ذلك من أكبر المعاصي وأشدّ الذنوب التي يحاسب الإنسان عليها يوم القيامة.

تكمن أهميّة الأسرة في الإسلام من خلال النقاط التالية
1- تلبية نداء الفطرة:
ويتمثّل ذلك بالإستجابة الطبيعيّة للنموّ الجسديّ والعاطفيّ عند الإنسان، وهذا الأمر من أهمّ الأبعاد الفرديّة التي أودعها الله تعالى في داخل الإنسان لبناء الأسرة.فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "النكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي"1.
 

1- ميزان الحكمة، ج4، ص271.
 
 
 
112
 

98

المحاضرة السادسة عشرة: أهميّة الأسرة في الإسلام

2- تحقيق السكن والطمأنينة: قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)1.

ولا يخفى أنّ التلازم القائم بين المودّة والرحمة من جهة وبين السكن من جهةٍ أخرى، وأنّ تقوية المودّة تقوية للسكن وبالتالي فإن إضعاف المودّة إضعاف للسكن.وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "وأما حقّ الزوجة أن تعلم أنّ الله جعلها لك سكناً وأنساً"2.

3- بقاء النسل: فالله تعالى ربط بين استمرار النسل وتشكيل الأسرة باعتبارها الخليّة الشرعيّة للإنجاب. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء)3. وقال تعالى: (وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً)4.


1- الروم: 21.
2- وسائل الشيعة، ج15، ص174. 
3- النساء: 1.
4- النحل: 72
 
 
113
 

99

المحاضرة السادسة عشرة: أهميّة الأسرة في الإسلام

4- التدريب على تحمّل المسؤوليّات: سيّما اليوم أمام حجم الغزو الثقافيّ الذي يدخل إلى بيوتنا وأسرنا من العديد من الوسائل التي تُضاعف علينا حجم تحصين عوائلنا وأسرنا.

- مسؤوليّة إدارة العلاقة الزوجيّة: وتتمثّل بأداء كلّ من الزوجين مع الآخر ومعرفة حقوق وواجبات وحدود العلاقة الجديدة التي أقدما عليها، وما لهذه العلاقة من تبعات على كافّة قضايا الأسرة.

- مسؤوليّة تربية الأطفال: وهي من أعظم المسؤوليّات عظمةً وخطورةً لما تشكّل من تهديد أو نعمةٍ في بناء المجتمع.ويتحمّل الأهل مسؤوليّة دينيّة وأخلاقيّة وإنسانيّة مباشرة في موضوع تربية الأبناء ومعرفة فقه وتفاصيل الأسس المتينة لمسائل التربية.

- مسؤوليّة بناء علاقات صحيحة وسليمة: فالأسرة تصبح جزءاً من شبكة علاقات مع الأهل والأخوة والأخوات والجيران والأصدقاء الذين ينبغي التراحم والتزاور وأداء الحقوق معهم.
 
 
 
114
 

100

المحاضرة السادسة عشرة: أهميّة الأسرة في الإسلام

5- الأسرة نواة بناء المجتمع: فالزواج وإن كان مسألة شخصيّة وفرديّة في أصل طلبه إلّا أنّه له دخالة كبيرة في بناء المجتمع وفهم هذا البعد يترك أثراً كبيراً في سلامة المجتمع ونموّه وارتقائه أو في تردّيه وانحطاطه.ومن هنا شدّد الإسلام على كراهة الطلاق باعتباره سبيلاً لتدمير خلايا المجتمع، فقد روي عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "أوصاني جبرائيل بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشةٍ مبيّنة"1.

وكأنّه يريد أن يقول أنّ الطلاق يشرّع عندما يصبح الزواج يشكّل خلية اجتماعيّة فاسدة يجب التخلّص منها كي لا يمتدّ فسادها إلى بقيّة خلايا المجتمع.وفي حال حصوله شدّد الإسلام على حصوله في إطار عدم تدمير الأسرة وإن انقطعت العلاقة على المستوى الفرديّ للزوجين دون المساس بالبعد المجتمعيّ، قال تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)2.


1- جواهر الكلام، الشيخ الجواهريّ، ج31، ص148.
2- البقرة: 229.
 
 
115

 
 

101

المحاضرة السابعة عشرة: مقوّمات الحياة الزوجيّة

 قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله"1.

الهدف: التعريف بالأركان المهمّة التي ينبغي الحرص على توفّرها وديمومتها بشكل مستمرٍّ لتبقى الأسرة سليمة معافاة. 

مقدّمة
الأسرة في نظر الإسلام خليّة مقدّسة تبنى على أسس وقواعد 


1- جامع أحاديث الشيعة، ج20، ص245. 
 
 
117
 
 

 


102

المحاضرة السابعة عشرة: مقوّمات الحياة الزوجيّة

وأنظمة وقوانين وسنن وآداب خاصة لا يمكن الإخلال بها، بل إنّ تعدّي هذه الضوابط يترك آثاراً سيّئة وخطيرة في الدنيا والآخرة.

1- المودّة والرحمة: قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)1. والمودّة بما تجسّد من رصيد عاطفيّ لدى كلّ من الزوجين كما أنّ الرحمة بما تعني من خلفيّة إنسانيّة في التعامل بينهما يعتبران الركنين الأساسيّين لإنتاج السكينة بينهما، وبالتالي فإنّ إضعاف هذين الركنين إضعاف للسكينة وتقويتهما تقوية لها.

2- التعاون: ومعنى التعاون هنا إضافة جهد كلّ منهما إلى جهد الآخر للحصول على نتيجة أفضل، عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "أيّما امرأةٍ أعانت زوجها على الحجّ والجهاد أو طلب العلم أعطاها الله من الثواب ما يعطي امرأة أيّوب"2.


1- الروم:21.
2- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسيّ، ص201.
 
 
118

103

المحاضرة السابعة عشرة: مقوّمات الحياة الزوجيّة

عن الإمام الكاظم عليه السلام: "جهاد المرأة حسن التبعّل"1

فاعتبر الإسلام أنّ حسن التبعّل بمعنى تعاطي الزوجة بمنتهى الإيجابيّة مع الزوج بمنزلة الجهاد الذي تثاب عليه المرأة.وأمّا في ثواب التعاون فنقرأ عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا يخدم العيال إلا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة"2.

3- السعي نحو الاتحاد: بمعنى ضرورة أن يكون هناك مساحة كبيرة للتفكير المشترك ينطلق منها تحقيق الآمال وبناء الطموحات ودرأ العوائق والمشكلات التي تعترض مسيرة الزوجين. ومن المهمّ أن تكون هموم الأسرة هموماً مشتركة يتعاون كلا الطرفين على حلّها قال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)3.

4 - رعاية الحقوق: وحقوق كلٍّ منهما من الأمور التي


1- الكافي، ج5، ص9.
2- مستدرك الوسائل، ج13، ص49.
3- البقرة:187.
 
 
119
 

 


104

المحاضرة السابعة عشرة: مقوّمات الحياة الزوجيّة

حدّدها الشارع وليست مسألة اعتباطيّة خاضعة لنفوذ الرجل تارةً واستحسان المرأة تارةً أخرى، ومن الضروري أن لا تكون العلاقة الزوجيّة مدخلاً إلى التقصير بحقّ كل منهما على الآخر أو الإستهتار بهذه الحقوق، بل المفروض أنّه كلّما كانت العلاقة أقوى بين الزوجين كلّما كانا أشد احتراماً ورعاية لحقوق بعضهما البعض.

5- الاستعداد للتضحية: وذلك بأن لا يحاسب الرجل على دقائق الأمور وأبسطها ولا تتدخّل الزوجة في كافّة المسائل بل يحمل كلٌّ منهما خطأ الآخر ويغفر له وهو واجب على الرجل تجاه زوجته بأن يسامحها ويرحمها ويغفر لها7.

عن اسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً، قال: "يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها". فتحمّل خطأ الزوجة من الأمور التي أوجبها الإسلام على الزوج تجاه زوجته.


1- وسائل الشيعة، ح14، ص121.
 
 
 
 
120
 

105

المحاضرة الثامنة عشرة: ضرورات الحياة الزوجيّة

قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"1.

الهدف: إلفات النظر إلى جملة من الأمور التي تشكّل ثقافة مهمّة لكلّا الزوجين على صعيد ضبط مسار الحياة الزوجيّة. 

مقدّمة
لا شكّ أنّ قضايا الأسرة ليست كلّها في إطار الحقوق والواجبات بل هناك مساحة كبيرة تركها الشرع الحنيف


1- المقنعة، ص497.
 
 
 
121
 

106

المحاضرة الثامنة عشرة: ضرورات الحياة الزوجيّة

للتعاطي الإيجابيّ والأخلاقيّ للزوجين، وهذه المساحة تعتبر صمّام الأمان في سلامة هذه الأسرة.

1- حسن المعاشرة: وقد عدّ الإسلام حسن المعاملة أو قبحها بين الزوجين من المسائل التي يثيب ويعاقب الله تعالى عليها في الآخرة، فقد أوصى رسول الله صلى الله علية واله وسلم الزوجين بقوله: "من كانت له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتّى تعينه وترضيه وإن صامت الدهر وأعتقت الرقاب وأنفقت الأموال في سبيل الله وكانت أوّل من ترد النّار". ثم قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إن كان مؤذياً ظالماً"1.

ويشير أمير المؤمنين عليه السلام إلى السياسة التي ينبغي اعتمادها مع الزوجة بقوله عليه السلام: "داروهنّ على كلّ حال وأحسنوا لهنّ المقال لعلهنّ يحسنّ الفعال"2 . وعن الإمام عليّ عليه السلام: "لا يكوننّ أهلك وذو ودّك أشقى الناس بك"3.


1- جامع أحاديث الشيعة، ج20، ص245.
2- مكارم الأخلاق، ص213.
3- عيون الحكم والمواعظ، ص521.
 
 
 
122
 
 

107

المحاضرة الثامنة عشرة: ضرورات الحياة الزوجيّة

2- الإطلاع على فقه الأسرة: أي ضرورة أن يكون الطرفان ملمين بثقافة الحياة الزوجيّة من حقوق وواجبات ومطّلعين على التفاصيل الفقهيّة لبناء الأسرة والمسؤوليّات المترتّبة على ذلك وكيفيّة إدارتها، وهذا الأمر يقع في إطار مسائل الإبتلاء التي ينبغي تعلّمها ومعرفتها.

3 - الأمان الأسريّ: أي سعي الطرفين لإضفاء حالة من الأمن والإستقرار المنزليّ وعدم التوتّر لما يساهم ذلك من تعزيز الثقة والإستعداد للتحمّل والإبتعاد عن تعمية الأمور وإخفاء بعضها وعدم إشراك أحدهما للآخر في قضاياه والتسبّب بالغيرة وما شاكل.

4 - توزيع العمل: وهذا ليس من باب الحقوق وإنّما من باب التعاطي الأخلاقيّ التي تتطّلبها ضرورة الشراكة القائمة، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "تقاضى عليّ وفاطمة إلى رسول الله صلى الله علية واله وسلم في الخدمة (أي خدمة المنزل) فقضى على فاطمة بخدمتها ما دون الباب وقضى على
 
 
 
 
123
 

108

المحاضرة الثامنة عشرة: ضرورات الحياة الزوجيّة

عليّ عليه السلام بما خلفه"1.

وهذا رسول الله صلى الله علية واله وسلم قمّة الخلق الإنسانيّ يقول: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"2

تعزيز الروابط
1- التصريح بالحبّ والمودّة: قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "قول الرجل لزوجته إنّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً"3

والمراد تحديداً التعبير بالقول واللفظ لأهميّته الخاصّة ودلالته التي تفوق سواه من التعابير بالسلوك أو الهديّة أو سوى ذلك.

2- الاحترام المتبادل: ويعني ذلك الإبتعاد عن سوء الخلق واستخدام الكلمات النابية والألفاظ البذيئة فضلاً عن السب والشتائم وسوى ذلك ممّا يضعف المودّة ويزعزع الرابطة الزوجيّة. فالإحترام سبيل المودّة والإستقرار، والإخلال به سبيل الإنهيار ودمار الأسرة.


1- وسائل الشيعة، ج14، ص123، ح1.
2- جامع أحاديث الشيعة، ج20، ص245.
3- الكافي، ج5، ص569.
 
 
 
124
 

109

المحاضرة الثامنة عشرة: ضرورات الحياة الزوجيّة

3- التزيّن: قال الإمام الكاظم عليه السلام: "إنّ التهيئة ممّا يزيد من عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهن التهيئة"1. وهناك روايات تفيد أيضاً بأنّ المرأة تحبّ من الرجل أن يتزيّن لها كما أنّ الرجل يحبّ من زوجته ذلك. 

وقد نقل عن النبيّ الأكرم صلى الله علية واله وسلم حديثٌ يفيد بأنّ من واجب المرأة أن تتعطّر لزوجها، فقد شكت امرأة لرسول الله صلى الله علية واله وسلم إعراض زوجها عنها فأمرها أن تتطيّب له". 

ويقول الإمام الباقر عليه السلام: "لا ينبغي للمرأة أن تعطّل نفسها ولو أن تعلّق في عنقها قلادة"2. كما ورد عنه عليه السلام توصية للرجل أن يتهيّأ لزوجته تماماً كما تتهيّأ هي له.

يبقى الإشارة إلى أنّ هناك أموراً تساهم في حفظ الروابط الزوجيّة وتعزيزها كالذريّة وما تفرضه من مساحة مشتركة بين الزوجين، والعفاف لقناعة الطرفين ضمناً أنّه غاية تدرك بالزواج.


1- الكافي، ج5، ص567.
2- وسائل الشيعة، ج3، ص335.
 
 
 
 
125
 
 
 

110

المحاضرة التاسعة عشرة: أسباب النزاعات في الحياة الزوجيّة

قال تعالى: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا)1.

الهدف: بيان أهمّ الأمور التي تعزّز الثقافة الأسريّة على صعيد التنبّه لأسباب النزاعات قبل حدوثها. 

مقدّمة 
إنّ أصل الخلاف بين الزوجين أمر طبيعيّ، إذ ليس منطقيّاً أن تتفق أفكارهما في كلّ شيء من شؤون الحياة، وهو في حدّ
 

1- المؤمن: 35.
 
 
 
127
 

111

المحاضرة التاسعة عشرة: أسباب النزاعات في الحياة الزوجيّة

ذاته عامل رقيّ وتطوّر للأسرة إن أحسن الطرفان التعامل معه وتحويله إلى أساس صلب وراسخ يمكن الإنطلاق منه لتخطيّ العوائق في المستقبل، وبكلمةٍ أوضح إنّ انفعال الزوجين مع الخلاف هو الذي يجعله سلبيّاً أو إيجابيّاً.

وللبحث عن بواعث النزاع يمكن الإشارة إلى جملة من الأسباب التي لها دور كبير في تعكير صفو المحبّة وظهور المشاكل في الحياة الزوجيّة.

1- المراء والجدال: يقول أبو الدرداء، كنّا ثلاثة نماري ونجادل بعضنا بعضاً، وبينا كنّا على تلك الحال، وإذا برسول الله صلى الله علية واله وسلم يأتي وقد بان عليه الغضب وقد تغيّر لون وجهه، يقول أبو الدرداء، لم أر رسول الله صلى الله علية واله وسلم في هكذا حالة أبداً. 

بعد ذلك قال الرسول الكريم صلى الله علية واله وسلم: "ما ضلّ قوم إلاّ أوثقوا الجدل"1.


1- بحار الأنوار، ج2، ص138.
 
 
 
 
128
 

112

المحاضرة التاسعة عشرة: أسباب النزاعات في الحياة الزوجيّة

وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ)1.

وقال تعالى: (مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا)2. قال الإمام عليّ عليه السلام بأنّ الجدل يؤدّي إلى الشكّ: "إيّاكم والجدل، فإنّه يورث الشكّ"3

2- العناد: إنّ القرآن الكريم يقسّم الناس إلى قسمين
أ - قسم يمتثّل للحقّ تطمئنّ قلوبهم إلى ذلك، بل وتفيض أعينهم من الدمع فرحاً وسروراً بقبول الحقّ: قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ)4

ب - وقسم آخر يرى بأمِّ عينه ويتنكّر له، بل يقول: إذا كان هذا هو الحقّ من عندك، فأتني بعذابك الشديد.قال تعالى: (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)5


1- الحج: 3. 
2- غافر: 4.
3- بحار الأنوار، ج10، ص94.
4- المائدة: 83.
5- الأنفال: 32.
 
 
129
 

113

المحاضرة التاسعة عشرة: أسباب النزاعات في الحياة الزوجيّة

3- التوقّع الزائد عن الحدّ: كأن تتوقّع الزوجة الخدم والألبسة الفاخرة والهدايا الباهظة الثمن والأثاث الراقي وهي تعلم علم اليقين براتب زوجها والإرهاقات الماديّة التي يعاني منها، وفي المقابل كأن يتوقّع الزوج الطموحات اللّامعقولة أمثال الملائكيّة في زوجته والنظام الدقيق جدّاً الدائم والمستمرّ والاستسلام الكامل دون مناقشة أو مشاركة من زوجته والتشديد في السيطرة والتضييق عليها والإغراق في الاحترام بشكل دائم والعمل والسعي الفائقان والخارجان عن حدّ المألوف.

4- عدم تقبّل الانتقاد: والنقد والإنتقاد مسألة ضروريّة في بناء الحياة الأسريّة، وعدم تقبّلهما يستبطن حبّ السيطرة والتعالي والأنانية فلا ينبغي تحوّلهما الى داء يوميّ وممارسة دائمة والتعليق على كافّة القضايا ممّا يحوّل جوّ البيت الى جوّ مشحون ومتوتّر بشكلٍ دائم.

قال الإمام الصادق عليه السلام: "أحَبُّ إخواني إليَّ من أهدى عُيوبي إليَّ"1.


1- بحار الأنوار، ج74، ص282.
 
 
130
 

114

المحاضرة التاسعة عشرة: أسباب النزاعات في الحياة الزوجيّة

5- السلبيّة: سواء في التواصل اليوميّ والتجاوب بين الطرفين في شؤون الحياة أو السلبيّة بمعنى التعنيف أو الإساءة بالقول أو الفعل أو الضرب، وقد استغرب رسول الله صلى الله علية واله وسلم إمكانيّة التواصل الجسديّ مع المرأة التي يعنّفها زوجها، فقال صلى الله علية واله وسلم: "أيضرب أحدكم المرأة ثمّ يظلّ معانقها"1.
 
وهناك أسباب أخرى تنشأ عن رتابة الحياة، التدخّل في الشؤون الخاصّة، المراقبة المستمرّة، الإهمال، الإهانة، والتعنيف الدائم، وغير ذلك.


1- وسائل الشيعة، ج14، ص119، ح1.
 
 
 
 
131
 
 
 

115

المحاضرة العشرون: مقوّمات حلّ النزاعات الزوجيّة

قال تعالى: (وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)1.

الهدف: التعريف بجملة من الأمور التي تشكّل ضوابط شرعيّة من جهة، ورادعاً من جهة أخرى، وتساهم في حلّ النزاعات بين الزوجين. 

مقدّمة
إنّ الأمور التي تشكّل مرجعيّة ثقافيّة للزوجين من أجل
 
 

 
1- النساء: 129.
 
 
133
 

116

المحاضرة العشرون: مقوّمات حلّ النزاعات الزوجيّة

حلحلة خلافاتهما من أكثر الأمور التي ينبغي فهمها والتمسّك بها وعدم الخروج عنها باعتبارها الركيزة الأساس والمنطلق الفكري المشترك لدى الطرفين في درءِ أخطار النزاع.

وفي محاولة لحلّ النزاع وعدم ترك الأمور تتفاعل بشكل سلبيّ لتصبح أزمة في النفوس يصعب التخلّص من حالات الشكّ وسوء الظنّ يمكن الإشارة إلى بعض السبل، وهي كما يلي

1- الالتزام بالضوابط الشرعيّة: قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)1.

والآية واضحة الدلالة على أنّه ينبغي الإنطلاق من تحكيم الإسلام عند أيّ خلافٍ أو نزاعٍ بين طرفين وأنّ هذا هو مفهوم الإيمان والتدين، بل أكثر من ذلك فإنّه ينبغي التسليم بحكم الشرع دون أيّ شعور بضيقٍ أو حرج.


1- النساء: 65.
 
 
134
 

117

المحاضرة العشرون: مقوّمات حلّ النزاعات الزوجيّة

2- التقيّد بالحدود الإنسانيّة: فالمساحة الأولى للتعامل بين الزوجين هي مساحة التعاطي الأخلاقيّ والإنسانيّ، وهي الضمان الأساس لدرء الخلافات والنزاعات، وأنّ عدم التقيّد بهذه المساحة يُلجىء الطرفين إلى دائرة الحقوق الواجبات المطلوبة من كلّ منهما.

3 - أخذ عواقب الأمور بعين الإعتبار: أي ضرورة التفكير بسلبيّات التشنّج والتوتّر وعدم الإنسجام وما قد تؤدّي إلى تبعثر الأسرة والإضرار بتربية الأولاد أو الطلاق. وبالتالي عدم التعاطي مع موضوع الأسرة على قاعدة اللحظة العابرة بل ضرورة التعاطي على قاعدة الحياة الدائمة والطويلة.

4 - التضحية وروحيّة التجاوز: ينبغي أن يتمتّع كلّ طرف بقدر من ضبط النفس تجاه تجاوزات الطرف الآخر، وأن يقابل الإساءة بالإحسان، وإلّا فإنّ التصادم سوف يحطّم الاثنين معاً ويقودهما إلى هاوية الطلاق. وإلى هذه التضحية والمرونة سيّما من طرف الرجل أشارت الروايات إلى ضرورة أن يغفر 
 
 
135
 

118

المحاضرة العشرون: مقوّمات حلّ النزاعات الزوجيّة

الرجل لزوجته بل اعتبرت ذلك حقّاً من حقوقها. فعن الإمام السجّاد مبيّناً حقوق الزوجة قوله: "وأمّا حقّ الزوجة فأن تعلم أنّ الله عزوجل جعلها سكناً وأنسا فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقّك عليها أوجب فإنّ لها عليك أن ترحمها لأنّها أسيرك وتطعمها وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها"1.

5- الإبتعاد عن الشكّ وسوء الظنّ: وذلك من خلال الإلتزام بالشفافيّة والوضوح في التعاطي وعدم التورية أو الكذب أو الإستهتار بالحقوق وسواها ممّا يفقد الثقة ويهدّد قواعد الإحترام المتبادل.

ثمّ إنّ هناك قاعدتين أساسيّتين بيّنهما القرآن الكريم في مجال تطويق المشاكل الزوجيّة

1- قاعدة التصالح: بمعنى أن يتّخذ الطرفان الصلح سقفاً لمشاكلهما وعدم ترك الأمور تتفاقم بطريقة يصعب تداركها، بل ضرورة المبادرة والإسراع في تسوية أيّ أمر وفق أيّ صيغة
 
 
 
136



1- مكارم الأخلاق، 202.

119

المحاضرة العشرون: مقوّمات حلّ النزاعات الزوجيّة

ترضي الطرفين، لأنّ تراكم المشاكل دون تسويتها من شأنه أن يخلق حالة من التجافي الروحيّ والنفسيّ قد يؤدّي إلى عواقب سيّئة.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه القاعدة بقوله: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ......)1. وفي آيةٍ أخرى يقول: (وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)2.

2- قاعدة التحاكم: وهذه القاعدة يلجأ إليها الزوجان مع عجزهما عن حلحلة مشاكلهما بمفردهما، ومن الخطأ اللجوء إليها ابتداءً، وهي مناقشة المشكلة عبر وسيطين عن الطرفين شرط أن يكونا عادلين وأن يعتمدا مبدأ الصلح بين الزوجين، وقد بيّن القرأن الكريم هذه القاعدة بقوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)3.


1- النساء: 128.
2- النساء: 129.
3- النساء: 35. 
 
 
 
 
137

120

المحاضرة العشرون: مقوّمات حلّ النزاعات الزوجيّة

ومن المهمّ الإشارة إلى أن هذا المبدأ لا نلجأ إليه بعد وقوع المشكلة، وإنّما عند خوف الوقوع، ولذلك عبّر تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاق)، فتفادي المشكلة قبل وقوعها أهون بكثير من تفاديها بعد ذلك.
 
 
 
 
 
 
138
 
 
 

 

 

 

 

 

 


121

المحاضرة الواحدة والعشرون: الإيمان بإمام الزمان

ورد في دعاء الإفتتاح: "اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله وتذلّ بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة".

الهدف: التعريف بحقيقة الإعتقاد بالإمام المهديّ، وأهمّ الأمور التي تجسّد حقيقة هذا الإعتقاد والتي ينبغي الإيمان بها في عصر الغيبة.

مقدّمة 
يعتبر الإعتقاد بإمامة الإمام المهديّ من أوجب الواجبات التي تعني استكمالاً للإعتقاد بكافّة الأئمّة قبله، كما أنّ الجحود
 
 
141
 

122

المحاضرة الواحدة والعشرون: الإيمان بإمام الزمان

بإمامته جحود بإمامة كافّة الأئمّة السابقين كونه إمام العصر الأصيل الذي تجب طاعته وولايته، وإنّ غيبته لا تغيّر شيئاً في هذا المعتقد وإن أضافت بعض الأمور في آليّة الإرتباط به.

يتجسّد الإيمان بالإمام المهديّ  من خلال الإيمان بهذه المفاهيم الأربع

أولاً: الإيمان بوجوده.
ثانياً: الإيمان بحتميّة ظهوره.
ثالثاً: الإيمان بعالميّة دولته.
رابعاً: الإيمان بعدالة دولته.

1- الإيمان بوجوده: ويعني أهميّة معرفته التي هي ملازمةً للهدى ومعرفة الله، كما أنّ عدم معرفته ملازمة للضلال والإبتعاد عن جادّة الحقّ، "اللَّهمّ‏َ عرّفني نَفْسَكَ فَانَّكَ إنْ لَمْ تَعرّفْني نَفْسَكَ لَمْ أعرِفْ نَبِيّك، اللَّهُمّ‏َ عَرّفُني رَسَولَكَ فَإنَّكَ إن لَمْ تُعرّفْني رَسولَكَ لَمْ أعرفْ حُجّتَك، اللَّهُمّ‏َ عَرّفْني حَجّتَكَ
 
 
 
142
 

123

المحاضرة الواحدة والعشرون: الإيمان بإمام الزمان

فَإنَّكَ إن لَمْ تُعرّفْني حُجّتَكَ ضَلَلْتُ عَن ديْني"1.

ففي الرواية عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: "إنّما يعبد الله من يعرف الله، فأمّا من لا يعرف الله فإنّما يعبده هكذا ضلالاً"، قلت: جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: "تصديق الله عزّ وجلّ وتصديق رسوله صلى الله علية واله وسلم وموالاة عليّ عليه السلام والائتمام به وبأئمّة الهدى  والبراءة إلى الله عزّ وجلّ من عدوّهم، هكذا يعرف الله عزّ وجلّ"2

والإيمان بوجوده يستبطن الإيمان بإنتفاع الأمّة في عصر الغيبة وأنّ وجوده ليس وجوداً سلبيّاً وجامداً كما دلّت الرواية المباركة التي سأل فيها جابر لرسول الله صلى الله علية واله وسلم: قال جابر: "يا رسول الله فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟ فقال صلى الله علية واله وسلم: إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم لينتفعون به يستضيؤون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن جلّلها السحاب، يا جابر هذا مكنون سرّ الله، ومخزون علمه فاكتمه إلّا عن أهله"3.
 


1- الكافي، ج1، ص337.
2- الكافي، ج1، ص180.
3- بحار الأنوار، ج36، ص250.
 
 
143
 

124

المحاضرة الواحدة والعشرون: الإيمان بإمام الزمان

2- الإيمان بحتميّة ظهوره: وأنّ البشريّة تسير نحو هذا اليوم الموعود الذي أكّدته النصوص، فقد ورد في الرواية عن النبيّ صلى الله علية واله وسلم: "المهديّ من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً تكون له غيبة و حيرةٌ تضلُّ فيهِ الأمَم، ثُمَّ يقبل كالشهابِ الثَاقب ويملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً"1.

وفي الرواية المرويّة في عيون أخبار الرضا عليه السلام: "........ ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وأمّا متى؟ فإخبارٌ عن الوقت، ولقد حدّثني أبي عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم الصلاة والسلام أن النبي صلى الله علية واله وسلم قيل له يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريّتك؟ فقال: مثله مثل الساعة (لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إلأ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إلأ بَغْتَةً)2.

3- الإيمان بعالميّة دولته: من روايةٍ عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "........ ثمّ سميّي وكنيّي حجة الله في أرضه وبقيّته في
 
 

1- بحار الأنوار، ج51، ص72.
2- الأعراف: 187.
 
 
 
144
 

125

المحاضرة الواحدة والعشرون: الإيمان بإمام الزمان

عباده محمّد ابن الحسن بن عليّ، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها........."1.

ومن المعاني المهمّة في عالميّة دولته أنّه لا يبقى مكانٌ في الأرض يستطيع المرء أن يلجأ إليه دون أن يحدد خياره من دولة الإمام، فعالميّة الدولة تعني فرز الناس كافّة في كافّة المناطق على أساس الموالي والمعارض لحركة الإمام عليه السلام.

وممّا ورد في دعاء الإفتتاح ما يتضمّن الإعتقاد بعالميّة دولة الإمام صلى الله علية واله وسلم: "اللهم اجعله الداعي إلى كتابك والقائم بدينك استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكّن له دينه الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً، اللهم أعزّه وأعزز به، وانصره وانتصر به، انصره نصراً عزيزاً وافتح له فتحاً يسيراً واجعل له من لدنك سلطاناً نصيرا، اللهم أظهر به دينك وملّة نبيّك حتّى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق.

4- الإيمان بعدالة دولته: وقد أكّدت ذلك مئات النصوص


1- بحار الأنوار، ج36، ص250.  
 
 
 
 
145
 
 

126

المحاضرة الواحدة والعشرون: الإيمان بإمام الزمان

التي ورد فيها أنّه يملأها قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.
 
ومن الواضح أنّ المراد بالعدل في النصوص هو ما قابل الظلم والجور على مختلف الأصعدة وفي مختلف الميادين، وهذه العدالة هي حاجة فطريّة تسعى إليها كافّة الأمم والشعوب على إختلاف معتقداتها وأديانها.
 
 
146

 

127

المحاضرة الثانية والعشرون: إبتلاء الأمّة في غيبته

جاء في روايةٍ عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم يعدّد فيها الأئمّة من بعده إلى قوله صلى الله علية واله وسلم: ".......ثمّ محمد بن الحسن عليه السلام ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للايمان"1.

الهدف: إِنّ عصر الغيبة هو عصر يمتحن الله عباده بصنوف المحن والإبتلاءات والتحديّات التي لا ينبغي أن تزلزل الإنسان عن ثباته على النهج القويم. 

مقدّمة
لا شكّ أنّ فترة غيبة الإمام عليه السلام من الفترات القاسية
 
 

1- بحار الأنوار، ج36، ص250. 
 
 
147
 

128

المحاضرة الثانية والعشرون: إبتلاء الأمّة في غيبته

على الأمة لا سيّما من الناحية السياسيّة، وأنّ كيد الأعداء ومؤامراتهم تقوى وتشتدّ في محاولةٍ لإقصاء هذه الأمّة عن الظهور ومصادرة أبسط حقوقها في ظرف غياب القائد الحقيقيّ والوليّ المنصَّب من الله، ولذلك فإنّ الثبات على إمامته والمضيّ في مشروعه من أوجب الواجبات التي ينبغي الإلتزام بها مهما علت التضحيات.

حال الأمّة في عصر الغيبة
ففي الرواية عن أبي جعفر الثاني - أي الإمام الجواد عليه السلام -، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: للقائم منَّا غيبةٌ أمدها طويل، كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقسُ قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة"، ثم قال عليه السلام: "إنّ القائم منَّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه

 
 
148
 

129

المحاضرة الثانية والعشرون: إبتلاء الأمّة في غيبته

بيعة فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه"1.

والمستفاد من الرواية الشريفة أنّ المؤمنين في عصر الغيبة، في ابتلاء وامتحان شديد، وسيتخلّى عن القول بإمامة الحجّة الكثير من الناس، وسيثبت آخرون على الاعتقاد به، وما سبب هذا إلّا كثرة الامتحانات، من الدعوات الباطلة والمشكّكين وكثرة الابتلاءات مع قلّة الصبر على طول الغيبة.

ضرورة الثبات في عصر الغيبة
في الرواية عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ، قال: "إذا فقد الخامس من ولدِ السابع من الأئمّة فالله الله في أديانكم لا يزيلنَّكُم عنها أحد، يا بنيّ إنّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنّما هي محنةٌ من الله امتحن الله بها خلقه"2.

وفي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "يا منصور
 
 
 
 
149



1- بحار الأنوار، ج51، ص110.
2- بحار الأنوار، ج52، ص113.
 

130

المحاضرة الثانية والعشرون: إبتلاء الأمّة في غيبته

إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياس لا والله حتّى تميّزوا، لا والله حتّى تمحصوا، لا والله حتّى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد"1.

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "إنَّ لصاحبِ هذا الأمرِ غيبة، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد" ثمّ قال: "هكذا بيده" ثمّ قال: "إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتقّ الله عبد وليتمسّك بدينه"2.

وهذه التعابير التي عبّرت بها الروايات الشريفة عن هذا الأمر بالغربلة والتمحيص والمحنة والتمييز والخارط للقتاد كاشفة عن أنّ الناس ستغربل بشدّة ليبقى الصالح منها، ويرمى الفاسد ويهمل، ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "والله لتميَّزن و الله لتمحَّصن والله لتُغربلُن كما يُغربَل الزُؤان من القَمح"3.

وامتدحت الروايات أولئك الذين يؤمنون بصاحب العصر والزمان دون رؤيته معتبرةً إيّاهم أصحاب إيمان عجيب ويقينٍ 


1- بحار الأنوار، ج52، ص111.
2- بحار الأنوار، ج52، ص111.
3- بحار الأنوار، ج52، ص114.
 
 
150
 

131

المحاضرة الثانية والعشرون: إبتلاء الأمّة في غيبته

عظيم، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن آبائه في وصيّة النبيّ صلى الله علية واله وسلم لعليّ عليه السلام قال: "يا عليّ أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبيّ صلى الله علية واله وسلم وحجب عنهم الحجّة فآمنوا بسواد على بياض"1.


1- وسائل الشيعة، ج27، ص92.
 
 
 
151

 

 

132

المحاضرة الثالثة والعشرون: واجبات العلاقة مع الإمام في غيبته

ورد في التوقيع المبارك عنه : "فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتّصل بنا ممّا نكرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلواته على سيّدنا البشير النذير، محمّد وآله الطاهرين وسلّم"1.

الهدف: بيان أهمّ الأمور التي يستطيع المرء من خلالها توطيد العلاقة مع الإمام صاحب الزمان وحثّ الناس على الإلتزام بها. 

مقدّمة
قد يتوهّم البعض أنّه من الصعوبة التواصل مع إمام الزمان
 
 
153



1- صحيفة المهديّ، ص350.
 

133

المحاضرة الثالثة والعشرون: واجبات العلاقة مع الإمام في غيبته

وإقامة العلاقة الصحيحة معه نظراً لاستتاره عن شيعته ومحبّيه، إلّا إنّ هذه الغيبة لا ينبغي أن تشكّل حاجباً عنه بل من الضروريّ تحويلها إلى فرصة للتواصل وحافزاً داخل نفوسنا للتقدّم قدماً نحو علاقة وطيدة ومتينة بإمام العصر.

1- صلته بالمال الواجب: والمقصود الحقوق الماليّة التي تجب على المكلّف كالخمس والزكاة. وقد بيّن الإمام الحجّة ضرورة أداء هذه الحقوق في أحد تواقيعه المباركة حيث يقول: "ونحن نعهد إليك أيّها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيّدك الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين، أنّه من اتقى ربّه من إخوانك في الدين وأخرج ممّا عليه إلى مستحقّيه، كان آمنا من الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المضلّة ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنّه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته"1.


1- الإحتجاج، ج2، ص325.
 
 
 
 
154

134

المحاضرة الثالثة والعشرون: واجبات العلاقة مع الإمام في غيبته

وعن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام: "لا تدعوا صِلة آل محمَّد من أموالكم من كان غنيّاً فعلى قدرِ غناه، ومن كان فقيراً فعلى قدرِ فقره، ومن أراد أن يقضي الله أهمَّ الحوائج إليه فليصِلْ آل محمَّد وشيعتَهُم بأحوجِ ما يكون إليه من ماله"1.

2- تجديد البيعة له: وهي أن يعقد الإنسان المؤمن العزم في نفسه على مناصرة الإمام عليه السلام والقتال بين يديه في حال ظهوره، وأن يسمع له في الأمر والنهي، ويلقي بأزمّة نفسه بين يديه. هذه البيعة الواردة في دعاء العهد المروي عن الإمام الصادق عليه السلام ، وفيه: "اللهم إنّي أجدّد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً... اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذّابين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه..."2
 
 
3- إعداد العدّة: فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "ليعدّنّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإنّ الله تعالى إذا علم
 
 

1- بحار الأنوار، ج93، ص216.
2- بحار الأنوار، ج53، ص95.
 
 
155

 

135

المحاضرة الثالثة والعشرون: واجبات العلاقة مع الإمام في غيبته

ذلك من نيّته رجوت أن ينسّىء في عمره حتّى يدركه فيكون من أعوانه وأنصاره"1.

ولعلّ السهم ناظر إلى الإعداد العسكريّ والجهوزيّة القتاليّة في إشارة إلى أهميّتها وضرورتها في عصر الغيبة.

4- المحافظة على الأخلاق والالتزام: والمحافظة عليهما واجبةٌ على كلّ حال، لكن نظراً إلى شدّة المحن والإبتلاءات في عصر الغيبة التي قد تزعزع إيمان الإنسان حرصت الروايات على التذكير بذلك، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ لنا دولةً يجيء الله بها إذا شاء". ثمّ قال عليه السلام: "من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة"2.

5- عدم الإنجراف مع التيارات المنحرفة: ورد في وظيفة الأنام "فانتبه إلى نفسك، ولا تقل: وعلى فرض أنّي أتوب ولكن


1- معجم أحاديث الإمام المهديّ، ج4، ص6.
2- بحار الأنوار، ج52، ص140.
 
 
 
156
 

136

المحاضرة الثالثة والعشرون: واجبات العلاقة مع الإمام في غيبته

الناس لا يتوبون فيستمر الإمام عليه السلام في غيبته فذنوب الجميع تؤدّي إلى غيبته وتأخّر ظهوره! فأقول: إن كان جميع الخلق سبباً لتأخير ظهوره عليه السلام فالتفت إلى نفسك فلا تكن شريكاً معهم في ذلك".

فوظيفة الإنسان لا تحدّدها أعمال الخلق وإنّما تحددها النصوص المرويّة عن أهل بيت العصمة ولا ينبغي التأثّر بالآخرين مهما كثر عددهم واشتدّت شوكتهم.

6- المرابطة: وهي حفظ ثغور المسلمين من أعداء الإسلام. عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها"1.

وفي رواية أخرى عنه صلى الله علية واله وسلم: رباط يوم خير من صيام شهر وقيامه2.

وهذه المرابطة من الأعمال التي لا ينقطع فضلها وثوابها عن صاحبها فهي كالصدقة الجارية، ففي الرواية عن الرسول


1- ميزان الحكمة، ج1، ص449.
2- ميزان الحكمة، ج1، ص449.
 
 
 
157
 

137

المحاضرة الثالثة والعشرون: واجبات العلاقة مع الإمام في غيبته

الأكرم صلى الله علية واله وسلم: "كلّ عمل منقطع عن صاحبه إذا مات إلّا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله ويجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة".

كما أنّ عين المرابط والحارس لحدود الإسلام لا تمسّها النّار يوم القيامة تكريماً لجليل ما تقرّبت به إلى الله تعالى. فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "عينان لا تمسّهما النّار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله"1

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قولة تعالى: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)2، قال عليه السلام: "اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا على الأئمّة"3. وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير الآية السابقة قال عليه السلام: "اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوّكم ورابطوا إمامكم المنتظر"4.


1- ميزان الحكمة، ج1، ص449.
2- آل عمران: 200.
3- مكيال المكارم، ج2، ص398.
4- مكيال المكارم، ج2، ص398.
 
 
 
158
 
 

138

المحاضرة الثالثة والعشرون: واجبات العلاقة مع الإمام في غيبته

7- إظهار العلماء لعلمهم في غيّبته : فعلى العلماء أن يتصدّوا لبيان الدين ونشره، وتلبية حاجات المؤمنين واحتضانهم، ورعاية شؤونهم أو يقوموا بالدور الكامل لسدّ الفراغ الحاصل من غيبة الإمام سواء في ذلك الجانب العلميّ والثقافيّ بما يوجد من تحديّات ومستجدّات على هذا المستوى، والجانب العمليّ من خلال حثّهم وتوجيههم ليكونوا من عباد الله تعالى الصالحين والحاضرين لنصرة إمامهم عند لحظة ظهوره.

وفي رواية أخرى عن الإمام العسكريّ عليه السلام: "لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذّابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلّا ارتد عن دين الله ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكّانها أولئك هم الأفضلون عند الله عزّ وجلّ1.


1- بحار الأنوار، ج2، ص6.
 
 
 
159
 

139

المحاضرة الرابعة والعشرون:آداب العلاقة مع الإمام في غيبته

ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في فضل هذه الصلة، قال عليه السلام: قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "من وصل أحداً من أهل بيتي في دار هذه الدنيا بقيراط كافيته يوم القيامة بقنطار"1.

الهدف: الحثّ على توطيد العلاقة مع الإمام صاحب الزمان من خلال جملة من الآداب والسنن التي وردت في النصوص الشريفة. 

مقدّمة 
إنّ من جمال العلاقة مع الإمام المهديّ في غيبته أن 
 

1- الأمالي، ص483.
 
 
 
 
161
 
 

 


140

المحاضرة الرابعة والعشرون:آداب العلاقة مع الإمام في غيبته

يتقن المؤمن آداب هذه العلاقة وسننها ومستحبّاتها فيعيشها في مفردات حياته ولحظات عمره ويستحضرها بشكلٍ دائم مع كلّ عبادة وطاعة وفعلٍ يتقرّب به إلى الله تعالى، فيستأنس بها وتضفي على حياته لذّة خاصّة وفريدة.

1- المحبّة والمودّة له: إنّ الحبّ والمودّة أمر قلبيّ مأمور به الإنسان المؤمن تجاه أهل البيت عليهم السلام، وهذا ما أشار إليه تعالى في الآية الكريمة (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)1

2- الدعاء بتعجيل الفرج: فقد ورد في مكاتبة له "وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم"2.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "ومن قال أيضاً عقيب ظهر الجمعة سبع مرات: اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرج آل محمّد كان من أصحاب القائم "3


1- الشورى: 23.
2- بحار الأنوار، ج23، ص128.
3- مستدرك الوسائل، ج2، ص97.
 
 
 
162
 
 

141

المحاضرة الرابعة والعشرون:آداب العلاقة مع الإمام في غيبته

وورد في دعاء العهد: "اللهم واكشف هذه الغمّة عن هذه الأمّة بحضوره، وعجّل لنا فرجه وظهوره، إنّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً"1

3- التشوّق إلى رؤيته: فقد ورد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ذكر المهديّ من ولده فأومأ إلى صدره شوقاً إلى رؤيته. وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال - وهو يتشوّق لرؤيته -: ".. لو أدركته لخدمته أيام حياتي"2.

وعلَّمنا أهل البيت أن ندعو الله لرؤيته، ففي أدعيتهم: "اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة، واكحل ناظري بنظرة منّي إليه.."3.

وفي دعاء آخر: "اللهم ونحن عبيدك التائقون إلى وليّك المذكّر بك وبنبيّك"4. وفي دعاء آخر: "اللهم أرنا وجه وليّك الميمون في حياتنا وبعد المنون"5.


1- مصباح الكفعميّ، ص112.
2- كتاب الغيبة، ص212.
3- مصباح الكفعميّ، ص111.
4- صحيفة المهديّ، ص224.
5- معجم أحايث الإمام المهديّ، ج4، ص452.
 
 
 
 
163
 

142

المحاضرة الرابعة والعشرون:آداب العلاقة مع الإمام في غيبته

وورد في دعاء الندبة: "هل إليك يا ابن أحمد سبيل فتُلقى"1.

4- البكاء على فراقه: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم.....ولتدمعن عليه عيون المؤمنين.."2.

5- الدعاء له: لا سيّما دعاء: "اللهم كن لوليّك الحجّة بن الحسن.."3.

6- زيارته: لا سيّما زيارة آل ياسين الواردة عن الإمام الحجّة يعلّمنا فيها كيف نشعر بحضوره فنقول: "السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقرأ وتبيّن، السلام عليك حين تصلّي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد"4

7- التوسّل به: كما في دعاء التوسّل. 

8- الصلاة عليه: فقد ورد استحباب الصلاة عليه في أكثر من مورد كما في دعاء الافتتاح وكالصلاة الواردة: " اللهم.. 


1- صحيفة المهديّ، ص224.
2- الكافي، ج1، ص336.
3- الكافي، ج4، ص126.
4- الإحتجاج، ج2، ص317.
 
 
164

143

المحاضرة الرابعة والعشرون:آداب العلاقة مع الإمام في غيبته

صلّ على الخلف الصالح الهاديّ المهديّ إمام الهدى، وإمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجّة ربّ العالمين1

9- القيام عند ذكر اسمه: لا سيّما "القائم" فقد ورد أن ذكر اسمه المبارك في مجلس الإمام الصادق عليه السلام فقام تعظيماً واحتراماً له. 

10- التصدّق عنه: فقد ورد في دعاء التصدّق حين السفر: "اللهم إنّ هذه لك ومنك وهي صدقة عن مولانا محمّد عجّل الله فرجه وصلّ عليه بين أسفاره وحركاته وسكناته في ساعات ليله ونهاره"2

11- صلته بالمال الهديّة: أي يقدّم المرء من ماله هديّة عن الإمام ، ففي تفسير العيَّاشي: روى أصحابنا أنّه سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللّهُ بِهِ أن يُوصَلَ)3، قال: "هو صلة الإمام في كلّ سنة ممّا قل أو كثر"، ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام: "وما أريد بذلك إلّا تزكيتكم"4.


1- مصباح المتهجّد، ص406.
2- الأمان من أخطار الأسفار، ص39.
3- الرعد: 21.
4- بحار الأنوار، ج93، ص216.
 
 
 
165
 

144

المحاضرة الخامسة والعشرون: الإنتظار

في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "أفضل العبادة الصبر والصمت وانتظار الفرج"1.

وفي حديث آخر عن الصادق عليه السلام أنّه قال: "من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه"2.

الهدف: توضيح مفهوم الإنتظار ومستلزماته في عصر الغيبة، وبيان وجه الأجر والثواب الذي يحظى به الإنسان المنتظر. 

مقدّمة
لا شكّ أنّ المراد من الإنتظار الذي اعتبرته الروايات أنّه من


1- كشف اليقين، ص183.
2- بحار الأنوار، ج52، ص126.
 
 
 
167
 

145

المحاضرة الخامسة والعشرون: الإنتظار

أفضل العبادة هو الإنتظار الذي يدفع صاحبه للعمل والتمهيد ويحدوه الأمل والشوق لتعجيل الفرج فينتصر لإمامه الغائب بكلّ ما يقدر عليه ويعدّ العدّة ما استطاع، ويكون في حال الغيبة تماماً كما لو كان في حال الحضور والظهور.

أهل الإنتظار
قال الإمام السجّاد عليه السلام: "تمتدّ الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله علية واله وسلم والأئمّة بعده، يا أبا خالد !.. إنّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كلّ زمان، لأنّ الله - تعالى ذكره - أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله علية واله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً"، وقال عليه السلام: "انتظار الفرج من أعظم الفرج"1


1- الإحتجاج، ج2 ص49.
 
 
 
 
168
 

 


146

المحاضرة الخامسة والعشرون: الإنتظار

فأهل الإنتظار قد نزّلوا زمان الغيبة زمان الحضور فشحذوا أسيافهم ولبسوا لامات حربهم وهبّوا للدعوة إلى الله.

حقيقة الإنتظار
ويتحقّق الإنتظار بأمرين أساسيّين
أ -تشخيص المشروع الذي يمهّد له وينصره في عصر الغيبة.

ب -تشخيص المشروع الذي يعاديه ويعلن البراءة منه.

وهذا ما قصدته الروايات بالتولّي والتبرّي أي موالاتهم والتبرّىء من أعدائهم.

فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه يتولّى وليَّه ويتبرّأ من عدوّه".

وفي الزيارة: "يا مولاي شقي من خالفكم وسعد من أطاعكم، فاشهد على ما أشهدتك عليه، وأنا وليّ لك بريء من عدوّك....... فالحقّ ما رضيتموه، والباطل ما أسخطتموه، والمعروف ما أمرتم به، والمنكر ما نهيتم عنه، فنفسي مؤمنة بالله وحده لا شريك له، وبرسوله، وبأمير المؤمنين، وبأئمّة
 
 
 
 
169

 
 

147

المحاضرة الخامسة والعشرون: الإنتظار

المؤمنين وبكم يا مولاي، أوّلكم وآخركم، ونصرتي معدّة لكم، ومودتي خالصة لكم آمين آمين"1.

وقد بيّن دعاء الإفتتاح ما هو المراد من الانتظار الإيجابيّ حين بيّن ما هي الطموحات التي نتوسّم الوصول إليها في عهد الظهور، وبالتالي فإنّها نفسها السبل التي ينبغي أن نسلكها في عصر الغيبة لنصل إلى كمالها في عصر الظهور. فقد ورد في الدعاء: "اللهم المم به شعثنا، واشعب به صدعنا، وارتق به فتقنا، وكثّر به قلّتنا، وأعزّ به ذلّتنا، وأغن به عائلنا، واقض به عن مغرمنا، وأجبر به فقرنا، وسدّ به خلّتنا، ويسّر به عسرنا، وبيّض به وجوهنا، وفكّ به أسرنا، وأنجح به طلبتنا، وأنجز به مواعيدنا، واستجب به دعوتنا، وأعطنا به فوق رغبتنا، يا خير المسؤولين، وأوسع المعطين، اشف به صدورنا، وأذهب به غيظ قلوبنا، واهدنا به لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، وانصرنا على عدوّك وعدوّنا إله الحقّ آمين، اللهم إنّا نشكو إليك فقد نبيّنا، وغيبة ولين،ا وكثرة


1- زيارة آل ياسين
 
 
170
 

148

المحاضرة الخامسة والعشرون: الإنتظار

عدوّنا، وشدّة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا، فصلّ على محمّد وآل محمّد، وأعنّا على ذلك بفتح منك تعجّله، وضرّ تكشفه، ونصر تعزّه، وسلطان حقّ تظهره، ورحمة منك تجلّلناها، وعافية منك تلبسناها، برحمتك يا أرحم الراحمين".

فهذه المجالات والساحات هي ساحات التمهيد التي ينبغي أن نمهّد لوليّ الله دوره والمهمّة الملقاة على عاتقه من خلال تهيئة الأرض وتأمين الظروف المساعدة على تحقيق العدالة الإلهيّة الكاملة، ومن خلال توفير الظروف وتجهيز الأنصار وتوحيد الكلمة ونبذ الخلافات وإعزاز الأمّة ومجانبة مواقف الذلّة ونصرة المظلوم ومساعدة المحتاجين وسواها من الأمور التي أشار إليها الدعاء، وليس المراد التخلّي عن المسؤوليّة والجلوس في المنزل، ولا ترك الدنيا وأهلها ليعيث المفسدون فيها فساداً، فالإنتظار لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر، ولا يسقط وجوب دفاع المسلمين عن ديارهم وكراماتهم.
 
 
171
 

149

المحاضرة السادسة والعشرون: جوانب المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام

 وقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)1.

الهدف: بيان بعض الموارد التي تتساوى فيه النساء مع الرجال في الشريعة الإسلاميّة للتأكيد على كون المرأة عنصراً مهمّاً في بناء الإنسان والمجتمع. 

مقدّمة
كرّم الإسلام المرأة تكريماً كبيراً لم تشهده في كافّة 
 

 
1- النحل: 97.
 
 
175

150

المحاضرة السادسة والعشرون: جوانب المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام

الحضارات سواء القديمة منها أو الحديثة إذ جعلها قرين الرجل وشريكه في بناء المجتمع والإنسان وأناط بها أدواراً كبيرة لا تقلّ أهميّة على الدور الذي يلعبه الرجل.

تساوي الرجل والمرأة في قوانين الجزاء في الآخرة: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)1.

فالإسلام يرى المرأة كالرجل انساناً مستقلّاً حرّاً، وهذا المفهوم جاء في مواضع عديدة من القرآن الكريم كقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)2. 


1- الأحزاب: 35.
2- المدّثر: 38.
 
 
 
176
 

 


151

المحاضرة السادسة والعشرون: جوانب المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام

وقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا)1. قال تعالى: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)2.

وقوله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)3.

التساوي في قوانين الجزاء في الدنيا: قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ... )4. وقوله تعالى: (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)5.

التساوي في الملكيّة: فقد أباح الإسلام للمرأة كلّ ألوان الممارسات الإقتصاديّة والتكسّبات الماليّة، وجعلها مالكة عائدها وأموالها، يقول تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)6. فكلمة (اكتساب) خلافاً لكلمة 
 

1- فصلت: 46.
2- آل عمران: 195.
3- النساء: 124.
4- النور: 2.
5- المائدة: 38.
6- النساء: 32.
 
 
177
 

152

المحاضرة السادسة والعشرون: جوانب المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام

(كسب) - لا تستعمل إلّا فيما يستفيد الإنسان لنفسه.

التساوي في اكتساب العلوم والمعارف: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله علية واله وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتك فيه تعلّمنا ممّا علّمك الله؟ قال: "اجتمعن يوم كذا وكذا في موضع كذا وكذا، فاجتمعن"، فأتاهنّ النبيّ صلى الله علية واله وسلم فعلمهنّ ممّا علّمه الله1.

وطلب النسوة من النبيّ صلى الله علية واله وسلم يدلّ على أنّ إكتساب العلم حاجة فطريّة وعقليّة عند الرجال والنساء، كما أنّ استجابة النبيّ صلى الله علية واله وسلم لطلب النسوة كاشف عن أنّ الإسلام يريد للمجتمع كافّة برجاله ونسائه أن يكونوا على مستوى عالٍ من العلم والمعرفة.

المشاركة في الحياة السياسيّة: من إلمام بالواقع السياسيّ والتحديّات المفروضة والمساهمة في بناء وعي سياسيّ للأمّة فضلاً عن الحضور السياسيّ في المجالس التمثيليّة للشعب والإنضواء تحت راية وكيان الإسلام وغير ذلك.


1- ميزان الحكمة، ج4، ص2968.
 
 
178

153

المحاضرة السادسة والعشرون: جوانب المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)1.

جهاد المرأة: أخرج البيهقيّ عن أسماء بنت يزيد الأنصاريّة أنّها أتت النبيّ صلى الله علية واله وسلم وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي أنت وأمّي! إني وافدة النساء إليك، واعلم - نفسي لك الفداء - أنّه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلّا وهي على مثل رأيي، إنّ الله بعثك بالحقّ إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنّا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنّكم معاشر الرجال فضّلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحجّ بعد الحجّ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإنّ الرجل منكم إذا خرج حاجّاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا


1- الممتحنة، 12.
 
 
179

154

المحاضرة السادسة والعشرون: جوانب المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام

لكم أثوابكم، وربّينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟. فالتفت النبيّ صلى الله علية واله وسلم إلى أصحابه بوجهه كلّه ثمّ قال: "هل سمعتم مقالة امرأة قطّ أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه"؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أنّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا!. فالتفت النبيّ صلى الله علية واله وسلم إليها ثمّ قال لها: "انصرفي أيّتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء أنّ حسن تبعّل إحداكنّ لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كلّه. فأدبرت المرأة وهي تهلّل وتكبّر استبشاراً"1

وهذه الرواية تدلّ بما لا يرقى إليه الشكّ أنّ الساحة الأساسيّة والميدان الأوّل لعمل المرأة هو بيتها، ولا شكّ أنّ هذه مسؤوليّة جسيمة أناطها الشرع بالمرأة وأجزل لها الثواب عليها إن أدّت تكليفها بالشكل المطلوب.


1- بحار الأنوار، ج101. ص306.
 
 
180
 

155

المحاضرة السابعة والعشرون: عمارة القلب

 من وصيّته لإبنه الحسن بن عليّ عليه السلام كتبها إليه بحاضرين منصرفاً من صفّين: "أحيّ قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّه باليقين، ونوره بالحكمة، وذللـّه بذكر الموت، وقرّره بالفناء، وبصّره فجائع الدنيا، وحذّره صولة الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين".

الهدف: الإطلالة على بعض المفاهيم الروحيّة التي يتضمّنها إحياء القلوب وكيفيّة السبيل إلى ذلك ومن خلال ما تضمّنته وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام.

مقدمة
إن غاية التشريع التي تعتبر باطن العبادات وأهم أسرارها
 
 
 
 
181
 

156

المحاضرة السابعة والعشرون: عمارة القلب

هي تصفية الذات وتنقيتها وإيصال الإنسان إلى كونه صاحب قلب سليم عامر بالتقوى، هذا القلب الذي أكّد القرآن الكريم أنّه وحده الذي ينفع الإنسان وينجيه يوم الحساب الأكبر.

يبيّن أمير المؤمنين عليه السلام السبيل إلى عمارة القلب وإحيائه من خلال عدّة أمور

1- الموعظة: يقول عليه السلام: "أحيّ قلبك بالموعظة"، والموعظة هي التدبّر في الأمور والتفكّر في عواقبها واستخلاص العبر منها وقراءة الأحداث بعين البصيرة، فقد ورد عن الإمام الصادق: "التفكر حياة قلب البصير"1.

2- الزهد: يقول عليه السلام: "وأمته بالزهادة"، أي أمت فيه الجشع والطمع والركون إلى زخارف الدنيا ومشتهياتها، فليس أنفع لإحياء القلب من تزهيده متاع الدنيا وتعلّقه بالرازق الأوّل والسبب الأوّل الذي إن توثّقت صلتك به فإنّك استغنيت عن الدنيا وما فيها.

والزهد كما ورد تعريفه عن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال أو تحريم الحلال، بل الزهد
 

1- الكافي، ج1، ص28.
 
 
 
183

 


157

المحاضرة السابعة والعشرون: عمارة القلب

في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما عند الله عزّ وجلّ"1.

3- اليقين: يقول عليه السلام: "وقوّه باليقين"، واليقين يتحقق بصلابة الإيمان التي لا يشوبها شكّ أو خوف أو ريب سواء في الأمور المعرفيّة أو العمليّة، وعليه فهو من أعلى المراتب في سلّم الإيمان بالله، ولذلك ورد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: "ما قسّم شيء بين الناس أقلّ من اليقين"2.

4- الحكمة: يقول عليه السلام: "ونوّره بالحكمة"، أي نور العلم والمعرفة فقد ورد في وصيّة لقمان لابنه: "يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإنّ الله يحي القلوب بنور الحكمة كما يحي الأرض الميّتة بوابل المطر"3.

5- ذكر الموت والفناء: يقول عليه السلام: "وذللّـه بذكر الموت وقرّره بالفناء"، فذكر الموت ضمان عدم الإنزلاق في متاهات الضلالة والرذيلة، فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "إنّ القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد"، قيل: فما جلاؤها؟ قال صلى الله علية واله وسلم: "قرآءة


1- الكافي، ج5، ص71.
2- الكافي، ج2، ص51.
3- نهج السعادة، ج7، ص251.
 
 
 
183
 

158

المحاضرة السابعة والعشرون: عمارة القلب

القرآن وكثرة ذكر الموت"1.

وينبغي التأكيد على أنّ الدنيا دار فناء وزوال وأنّه كما قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام)2.

6- التدبّر في أحوال الدنيا: يقول عليه السلام: "وبصّره فجائع الدنيا"، ويحذّر أمير المؤمنين عليه السلام من الدنيا في نفس هذه الوصيّة فيقول: "وإيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها، وتكالبهم عليها، فقد نبأك الله عنها، ونعت لك نفسها، وتكشّفت لك عن مساويها، فإنّما أهلها كلاب عاوية، وسباع ضارية، يهرّ ببعضها بعضا، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها".

7- تغيّر الأحوال: يقول عليه السلام: "وحذّره صولة الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيام"، وأنّ الدنيا لا تبقى على حالها بل تتبدّل أحوال الناس وتتقلّب بين الصحّة والمرض والقوّة والضعف والغنى والفقر والضلالة والهدى، وعلى المرء أن
 
 

1- شجرة طوبى، ص442.
2- الرحمن: 26 27.
 
 
184

159

المحاضرة السابعة والعشرون: عمارة القلب

يبقى يقظاً ثابتاً على الهدى على أيّ حال".

8- الإستفادة من تجارب الماضين: يقول عليه السلام: "واعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين". 

فإنّ التأمل في سير الأمم والشعوب السابقة ومآل دولهم وملكهم وما جرى عليهم من محن وويلات وكيف جرت سنن التاريخ فيهم من أشدّ العبر التي تحي قلب الإنسان، قال تعالى:(أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)1.


1- يوسف:109.

 
 
 
185
 
 

160

المحاضرة الثامنة والعشرون: مقام الشهادة

قال تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)1.


الهدف: بيان علوّ المقام الذي يتمتّع به الشهيد في الآخرة وفضله وعظمته على سائر الخلق في الدنيا. 

مقدّمة
إنّ الشهادة في سبيل الله مقام رفيع يبلغه الإنسان وفق شرطين أساسيّين
 
 
 

1- التوبة: 111.
 
 
187
 

 


161

المحاضرة الثامنة والعشرون: مقام الشهادة

أوّلاً: قرار ببيع النفس لله، منطلقاً من قناعةٍ مفادها أنّه ليس للنفس ثمن إلا الجنّة.

ثانياً: رغبة من الله بشراء هذه النفس، وهذه الرغبة إنّما تتأتّى من صفاء هذه النفس وطهارتها وإخلاصها لله تعالى.

حياة الشهيد 
يؤكّد القرآن الكريم أنّ الشهداء ينعمون بحياةٍ هانئة سعيدة، وأنّ الشهادة ليست إلّا معبراً نحو هذه الحياة التي لا يشعر بها بقيّة الناس.

قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)1.
 
وقال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)2


1- آل عمران: 169.
2- البقرة: 154.
 
 
188
 

162

المحاضرة الثامنة والعشرون: مقام الشهادة

فضل الشهادة 
1- إقتران الشهادة بالفوز: وهذا مبدأ لا يقبل الشكّ أو الترديد فيه. فعن عليّ عليه السلام لمّا ضربه ابن ملجم: "فزت وربّ الكعبة"1.

2- أعلى مقامات البرّ: لأنّه لا يوجد في الحياة أغلى على الإنسان من نفسه، وبالتالي فإنّه عندما يجود بها فيكون قد وصل إلى أعلى مراتب القرب من الله. فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "فوق كلّ ذي برٍّ برٌّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ"2.

3- أشرف الموت: فأسباب الموت كثيرة متنوّعة إلّا أنّ قتل الشهادة يعني فناء الشهيد في الدفاع عن مقدّسات الأمّة، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "أشرف الموت قتل الشهادة"3

الإمام زين العابدين عليه السلام: "ما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرة دم في سبيل الله".


1- شرح أصول الكافي، ج11، ص255.
2- الكافي، ج2، ص348.
3- الدعوات، ص242.
 
 
189

 


163

المحاضرة الثامنة والعشرون: مقام الشهادة

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ أكرم الموت القتل، والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ من ميتة على الفراش في غير طاعة الله"1

4- أفضل ما تُختم به الحياة: فاختتام الحياة بالشهادة يعني ثبات الإنسان على الصراط طيلة حياته. فعن الإمام عليّ عليه السلام في ختام كتابه للأشتر لمّا ولّاه مصر: "وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كلّ رغبة،... أن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة"2.

5- السعادة الكبرى: باعتبارها مفتاح الحياة الأبديّة، عن الإمام الحسين عليه السلام: "إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برما"3.

6- رفع عذاب القبر: عن الشهيد والمجاهد على حدٍّ سواء، فعن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "من لقى العدوّ فصبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره"4.


1- الكافي، ج5، ص53.
2- الكافي، ج5 ص53.
3- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ، ج3، ص111.
4- ميزان الحكمة، ج2، ص1515.
 
 
190
 

164

المحاضرة الثامنة والعشرون: مقام الشهادة

"إنّ أحبّ ما أنا لاق إليّ الموت"1.

وعنه عليه السلام: "فوالله إنّي لعلى الحقّ، وإنّي للشهادة لمحبّ"2.

وعنه عليه السلام: "فوالله لولا طمعي عند لقاء عدوّي في الشهادة وتوطيني نفسي عند ذلك، لأحببت ألّا أبقى مع هؤلاء يوماً واحداً"3.

وعنه عليه السلام بعدما ضربه ابن ملجم : "والله ما فجأني من الموت وارد كرهته ولا طالع أنكرته، وما كنت إلّا كقارب ورد وطالب وجد"4.

وعنه عليه السلام: "من رائح إلى الله كالظمآن يرد الماء؟ ! الجنّة تحت أطراف العوالي، اليوم تبلى الأخبار، والله لأنا أشوق إلى لقائهم منهم إلى ديارهم"5.


1- الكافي، ج5، ص54.
2- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ، ج1، ص40.
3- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ، ج2، ص101.
4- مصباح البلاغة، ج1، ص284.
5- نهج البلاغة، إبن أبي الحديد، ج6، ص93.
 
 
 
192
 

165

المحاضرة الثامنة والعشرون: مقام الشهادة

وعنه صلى الله علية واله وسلم لمّا سئل عن عدم افتتان الشهيد في القبر: "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة"1.

7- الشهادة وتكفير الذنوب: وهذه إحدى النعم والبركات الإلهيّة التي يمنّها الله على الشهيد، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل الله إلّا الدَين، فإنّه لا كفارة له إلّا أداؤه، أو يقضي صاحبه، أو يعفو الذي له الحقّ". وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من قتل في سبيل الله لم يعرّفه الله شيئاً من سيّئاته"2.

الشوق للشهادة
وحبّ الشهادة يجعل المرء يرغب بها ويميل إليها، فإذا أصبح عاشقاً لها تراه يفتقدها دائماً وينتظر وقوعها بفارغ الصبر، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "....... والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه"3

وعنه عليه السلام عندما يوبّخ أصحابه على التواني عن الجهاد
 
 

1- ميزان الحكمة، ج2 ص1515.
2- ميزان الحكمة، ج2، ص1515.
3- الكافي، ج5، ص94.
 
 
191
 

166

المحاضرة الثامنة والعشرون: مقام الشهادة

ثواب طلب الشهادة 
عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها، ولو لم تصبه"1.

وعنه صلى الله علية واله وسلم: "من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"2. فالمؤمن ينبغي أن يوطّن نفسه على الشهادة دائماّ، أي أن يملك هذه الروحيّة.

الشهادة في عصر الغيبة
ولها أجرٌ مضاعف كما أنّ الجهد والعمل الذي يبذله المرء في عصر الغيبة تمهيداً لظهور القائم له أجرٌ مضاعف، عن الإمام الصادق عليه السلام: "من مات منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله"3.

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "من مات على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد"4.


1- نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ، ج3، ص21.
2- ميزان الحكمة، ج1، ص567
3- روضة الطالبين، ج1، ص87.
4- ميزان الحكمة، ج2، ص1516.
 
 
193
 

167

المحاضرة التاسعة والعشرون: فضل الإعتكاف وثوابه

قال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)1.

الهدف: توضيح عبادة الإعتكاف وبيان فضلها ودعوة الناس إلى الإهتمام بها خلال في شهر رمضان المبارك. 

مقدّمة
لعلّ مبدأ الإعتكاف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع اعتزال الناس وصخب الحياة والإبتعاد عن مفردات الحياة اليوميّة


1- البقرة: 125.
 
 
195
 

168

المحاضرة التاسعة والعشرون: فضل الإعتكاف وثوابه

ومحاولة الخلوة بالله تبارك وتعالى والإنشغال بمختلف أنواع العبادات ممّا يساهم في تقوية الشعور بلذّة الطاعة عند الإنسان، وتربية الإنسان على ضرورة تخصيص وقت بشكلٍ مستمرٍّ للخلوة مع الله.

يرتكز مفهوم الإعتكاف على أمرين أساسيّين
1- الإنقطاع إلى الله: ولا يخفى لما للإنقطاع إلى الله من أثر بالغ في صفاء النفوس وبلوغها أعلى المراتب، فقد ورد في الدعاء: "إلهي هب لي كمال الإنقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك"1.

2- الإعراض عن الدنيا: أي عدم الإنشغال بالشؤون الدنيويّة من بيع أو تجارة أو أحاديث لغوٍ أو لهوٍ أو خوض في باطل وسوى ذلك ممّا يفسد الإنقطاع إلى الله، وبالتالي تنزيل الدنيا منزلة


1- إقبال الأعمال، ج3، ص299.
 
 
 
 
 
196

 

 
 

169

المحاضرة التاسعة والعشرون: فضل الإعتكاف وثوابه

مبدأ المعاصي ورأس كلّ خطيئة في النفس، وأنّها الحجاب الأكبر الذي يحجب الإنسان عن التقرّب والإخلاص لله.

فضل الإعتكاف 
وللإعتكاف ثوابه العظيم فقد كان رسول الله يردّد دائماً أنّ "ثواب الإعتكاف يعادل حجّتين وعمرتين"1.

أفضل أوقات الإعتكاف
لمّا كان الصوم شرطاً في صحة الإعتكاف، وأفضل الصوم في شهر رمضان كان أفضل الإعتكاف خلال شهر رمضان المبارك فقد ورد أنّ النبيّ صلى الله علية واله وسلم إذا كان مقيماً اعتكف العشر الأواخر من رمضان، وإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين2

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله علية واله وسلم إذا كان العشر الأواخر - يعني من رمضان - اعتكف في المسجد، وضربت له قبّة من شعر، وشمّر الميزر وطوى فراشه"3
 
 

1- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص60.
2- ميزان الحكمة، ج3، ص260.
3- روضة المتقين / ج3، ص496.
 
 
197
 
 

170

المحاضرة التاسعة والعشرون: فضل الإعتكاف وثوابه

مكان الإعتكاف
عنه عليه السلام: "لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل بصلاة جماعة"1.

قضاء حوائج المؤمنين أفضل من الإعتكاف
عن ميمون بن مهران: كنت جالساً عند الحسن ابن عليّ عليه السلام فأتاه رجل فقال له: يا بن رسول الله ! إنّ فلاناً له عليَّ مال ويريد أن يحبسني، فقال: "والله ما عندي مال فأقضي عنك"، قال: فكلّمه، قال: فلبس عليه السلام نعله، فقلت له: يا بن رسول الله ! أنسيت اعتكافك؟ فقال له: "لم أنس ولكنّي سمعت أبي عليه السلام يحدّث عن (جدي) رسول الله صلى الله علية واله وسلم أنّه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنّما عبد الله عزّ وجلّ تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله"2.

ولا يخفى أنّ قضاء حوائج المؤمنين عبادة بل من أهمّ العبادات كونها لها بُعد عام يطال سلامة المجتمع، وهذا أرفع شأناً من العبادة التي لها بعد خاصّ وفرديّ فقط.


1- وسائل الشيعة، ج7، ص401.
2- وسائل الشيعة، ج7، ص409.
 
 
198

 

171

المحاضرة الثلاثون: بركات العيد وآثاره

قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربّه"1.

الهدف: بيان الآثار التي رسّختها فريضة الصوم في النفس الإنسانيّة والجوانب التي يتوجّب على المرء تقيّيمها والتدقيق بحجم التغيير الذي أصابها. 

مقدّمة
يتلازم مفهوم العيد عرفاً وشرعاً مع مفهوم الفرح والسرور،


1- فقه الرضا، ص205.
 
 
 
199


 

172

المحاضرة الثلاثون: بركات العيد وآثاره

هذا الفرح الذي ينشأ من أمرين أساسيّين: أوّلهما: فوز الإنسان على نفسه من خلال أدائه للتكليف الذي أمره الله تعالى به، وثانيهما من خلال وديعة الأجر والثواب الذي يستحقّه يوم لقاء الله نتيجة قبول أعماله.

فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه"1.

إنّ العبادة التي أدّاها الإنسان خلال شهر رمضان المبارك ينبغي أن تتجلّى في سلوكه وأدائه وأن تُحدث تحوّلاً جوهريّاً في أخلاقه وممارساته مع كلّ ما يحيط به، ويوم العيد هو اليوم الذي جعله الله مؤشّراً يحاسب فيه المرء نفسه ويراقب مستوى التغيّر الذي اكتسبه.

ويمكن هنا الإشارة إلى عدّة جوانب أساسيّة ينبغي أن يطالها التغيّير على المستوى الشخصيّ


1- وسائل الشيعة، ج15، ص308.
 
 
 
200

 

173

المحاضرة الثلاثون: بركات العيد وآثاره

1- التقوى: بما تختزنه من مواظبة على الطاعات وترك نهائيّ للمحرّمات والمعاصي، وقد جعلها الله هدفاً لهذه العبادة إذ قال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)1. وفي روايةٍ عن أمير المؤمنين عليه السلام: "كلّ يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد"2.

2- الإخلاص: وذلك من خلال تصفية النيّة والتوجّه إلى الله وحده دون سواه، وقد أشار الحديث الشريف إلى ضرورة بناء هذه العلاقة وتمتينها مع الله عندما اعتبر أنّ: "الصوم لي وأنا أجزي به"3.

3- التعوّد على تحمّل المشاق: فإنّ ألم الجوع والعطش من شأنه أن يكسب الإنسان القدرة على تحمّل أعباء الحياة أكثر، وأن يمنحه همّةً عالية على مواجهة الصعاب والتحديّات وخوض معالي الأمور بكلّ حزم وثبات.

4- الصبر: وليس المراد هنا الصبر على أداء العبادات بل 


1- البقرة: 183.
2- نهج البلاغة، ج4، ص100.
3- مدارك الأحكام، ج6، ص10.
 
 
201

174

المحاضرة الثلاثون: بركات العيد وآثاره

الصبر على المكاره وأذى الآخرين وتحمّل سوء أخلاقهم والتجاوز عنهم بل أكثر من ذلك الصبر على مبادلة القطيعة بالصلة والإساءة بالإحسان والأذى بالعفو والحقد بالمحبّة والكلمة السيئة بالكلمة الطيّبة وهكذا في سائر الآداب والأخلاق الإسلاميّة.

5- المواظبة على فعل الخيرات والعمل الصالح: وقد عدّ رسول الله صلى الله علية واله وسلم في خطبته الكثير من الأعمال الصالحة التي حثّنا على القيام بها خلال شهر رمضان المبارك، ووعدنا بمضاعفة الأجر عند أدائها، وما ذلك إلّا لتعويد الإنسان على هذه الأعمال، وبالتالي لتكون هذه الطاعات متجذّرة في النفوس، وبالتالي يستمر المرء بالقيام بها بعد يوم العيد.

ولا ننسى في يوم العيد الرأفة بالفقراء والمحتاجين الذين لا يقدرون على توفير الحاجات الماديّة المطلوبة ومساعدتهم ليشاركوا إخوانهم بهذا الفرح، فقد ورد عن ابي عبد الله عليه السلام: "من نفّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفّس الله
 
 
 
 
 
202



 
 

175

المحاضرة الثلاثون: بركات العيد وآثاره

عنه كرب الآخرة وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد"1.

ولا بدّ من عيادة المرضى ومواساتهم لا سيّما الجرحى، وزيارة أهل القبور لا سيّما قبور الشهداء.

كما لا ننسى الدعاء للمجاهدين المرابطين على الثغور حفظاً لكرامة الأمّة وعزّتها، الذين يمضون يوم العيد مع بنادقهم وفي متاريسهم.


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص199.
 
 
 
 
203

 

 
 

176
(3) خير الزاد في شهر الله