فنٌّ التّدبيرِ في المعيشة

رؤيةٌ قرآنيّةٌ روائيّةٌ


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-09

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


مقدّمة

مقدّمة

 

تتباين وجهات النظر في تحديد الهدف من حياة الإنسان المادّيّة، ويمكن إيجازها في رؤى ثلاث، هي:

 

1- إنّ الهدف الأساس من هذه الحياة يكمن في تحقيق أكبر قدرٍ ممكنٍ من الرغبات المادّيّة والملذّات. وسبب الاعتقاد بهذه الرؤية يعود: إمّا إلى ضعف الإيمان بالله تعالى، وإمّا إلى عدم الإقرار بالحياة الآخرة وما فيها من نعيمٍ؛ الأمر الذي أدّى إلى ضيق نطاق فكر أصحابها وإهمالهم الأمور المعنويّة، وسعيهم الحثيث لكسب متاع الحياة الدنيا فحسب.

 

2- إنّ الأمور المادّيّة والدنيويّة بشكلٍ عامٍّ تعتبر عائقاً أمام السّعي لبلوغ نعيم الآخرة، وقد تمسّك أصحاب هذه الرؤية بظاهر القرآن الكريم وبعض الأحاديث، وأعرضوا عن الدّنيا، واعتبروها لهواً ولعباً. وعدّوا كلّ مكسبٍ دنيويٍّ؛ هو في حقيقته خسارةٌ؛ لأنّ الدّنيا فانيةٌ، والغنى المادّيّ فيها سببٌ لفقر العبد في الحياة الآخرة.

 


9

مقدّمة

- إنّ الشارع المقدّس وضع برامج شاملةً لجوانب الحياة كافّةً؛ بما فيها التدبير في المعيشة، حيث يؤمن أصحاب هذه الرؤية بأنّ الإسلام دينٌ شاملٌ، وأنّ الصّلة بين الدنيا والآخرة وثيقةٌ؛ لذلك لا يمكن إهمال القضايا المادّيّة التي تعدّ ضروريّةً لاستمرار الحياة في الدنيا، ومقدّمةً للحياة الأخرويّة.

 

وفي الواقع: إنّنا لو تمعّنّا في القرآن الكريم وأحاديث الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، سوف لا نجد أيّ تعارضٍ بين انهماك العبد في شؤون حياته المادّيّة، وتوفير سُبُل معيشته من خلال الكسب والعمل والإنتاج، وبين العبادة والعمل للحياة الآخرة. وهذه الرؤية هي المتبنَّاة في هذا الكتاب.

 

وهناك الكثير من الكتب التي تناولت موضوع التدبير في الحياة الدّنيا بصورةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ، لكنّ القليل منها تناول هذا الموضوع في إطار التعاليم الواردة في النصوص الدينيّة. لذا فمن الضروريّ دراسة الموضوع في هذا المضمار؛ كي ندرك كُنه كلام أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، حين قال: «حُسن التَّدبيرِ يُنمِي قليلَ المالِ، وسوءُ التَّدبيرِ يُفنِي كثيرَهُ»[1].

 

[1] الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، ط1، لام، دار الحديث، لات، ص227-228.


10

مقدّمة

وممّا لا شكّ فيه أنّ انخفاض مستوى الدّخل العامّ، والغلاء الفاحش، وعدم مراعاة الاعتدال في شؤون المعيشة، مضافاً إلى التحلّل الخُلُقي للفرد والمجتمع الناشئ من الجهل بفنّ تدبير المعيشة طبق المعايير الإسلاميّة، وعدم الانسجام بين أعضاء الأسرة الواحدة؛ كلّها أُمورٌ تقتضي البحث والتدقيق في النصوص الدينيّة المبيّنة لأُسس التدبير؛ الكفيلة باستثمار نِعَم الحياة الدنيا خير استثمارٍ في رحاب العمل بتعاليم الشّريعة المقدّسة؛ تمهيداً لتحقيق هدفنا السامي الذي نطمح إليه؛ ألا وهو: التوفيق بنيل نعيم الآخرة الدائم.

 

وقد تمّ تقسيم الكتاب إلى: مقدمة وأربعة فصول، وفق التالي:

 

الفصل الأوّل: يتألّف من مباحث عامّة؛ تشمل خلفيّة الموضوع، وأهمّيّته، والمفاهيم الأساسيّة التي يتمحور حولها البحث؛ مثل: التدبير، والمعيشة، والرزق.

 

الفصل الثاني: استراتيجيّة التدبير في المعيشة.

 

الفصل الثالث: الطُّرق المثلى للتدبير.

 

الفصل الرابع: النتائج الإيجابيّة لحسن التدبير والعواقب السيّئة لسوء التدبير.

 

وتجدر الإشارة إلى أنّ أُسلوب البحث المتّبع في هذا الكتاب نظريٌّ تحليليٌّ، حيث قمنا بجمع المعلومات من المصادر المعتبرة.


11

مقدّمة

أمّا الآراء المطروحة فيه فهي مستوحاة من النصوص الدينيّة الإسلاميّة القرآنيّة والحديثيّة. كما تمّ الرجوع فيه إلى أهمّ تفاسير القرآن الكريم، والمصادر الإسلاميّة المعتبرة التي يمكن الاستفادة منها في موضوع التدبير في الحياة.

مركز المعارف للتأليف والتحقيق


12

أوّلاً: حقيقة التدبير

الفصل الأوّل: التدبير: حقيقته وأنواعه

 

أوّلاً: حقيقة التدبير

 

إنّ التدبير من الأفعال التي نسبها الله تعالى إلى نفسه، إذ وصف ذاته المقدّسة بالمدبّر، كما ألهم عباده هذه الخصلة الحميدة؛ وحثّهم على التحلّي بها، والسعي الجاد لاكتسابها؛ بوصفها فضيلة من أسمى الفضائل.

 

وعلى مرّ العصور، نشهد أنّ الحياة الجماعيّة المتمثّلة في القبيلة وسائر المجتمعات البشريّة، دائماً ما يشوبها تضارب في المصالح، وتخيّم عليها الحروب، أو يسودها السلام وروح التعاون. وفي خضمّ هذه الأوضاع، نجد أنّ العقل السليم يحكم بضرورة حُسن التدبير في شؤون الحياة، ووجوب التفكير في عواقب الأمور؛ لكي يتسنّى للناس التمتّع بحياةٍ طيّبةٍ.

 

وخلال التطوّر التدريجيّ الذي شهدته الحياة البشرية، واتّساع رقعة المدنيّة، اتّضحت أهمّيّة التدبير، وبات ضرورة حياتية ملحّة؛ فانتهجه الناس؛ لترشيد أفكارهم وأعمالهم، في مختلف شؤون


13
فنٌّ التّدبيرِ في المعيشة