زاد عاشوراء للمحاضر الحسينيّ

«إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كربٍ وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء؛ فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء يحطُّ الذنوب العظام»


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2023-07

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

عن الإمام الرضا (عليه السلام): «إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كربٍ وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء؛ فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء يحطُّ الذنوب العظام»[1].

إنّ البكاء على المظلوم هو صرخة في وجه الظالم، هو ثبات في معركة الحقّ ضدّ الباطل. وإنّ عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) هي تكريس لمحبّة أهل البيت (عليهم السلام) ومودّتهم في القلوب، وللمعرفة الدينيّة والإيمان الدينيّ، هي بيان لما قام به الإمام الحسين (عليه السلام) من واجبٍ عظيمٍ وتكليفٍ أحيا به خطّ جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونهجه، وأعاد الإسلام والمجتمع الإسلاميّ إلى مساره الصحيح. وإنّ إحياء هذه المناسبة العظيمة إنّما هو من أبرز مصاديق جهاد التبيين

 

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الأمالي، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، إيران - قم، 1417هـ، ط1، ص190.

 

8


1

المقدّمة

في هذا العصر، حيث ينبغي على كلّ مسلم أن ينهلَ من هذه المدرسة العظيمة، ليحدّد تكليفه، خصوصاً في مثل هذه الظروف والأحداث والمؤامرات التي تستهدف الإسلام والمسلمين.

لذا، حرصنا في هذا الإصدار، على ذكر أبرز المواعظ التي ترتبط بالأولويّات الثقافيّة لهذا العام، آملين من المبلّغين والخطباء الكرام الاستفادة منها في عمليّة التبليغ، سائلين المولى أن يتقبّل أعمالكم ويعظّم أجوركم.

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

9


2

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

 

هدف الموعظة

بيان عوامل نجاح المجتمع الجهاديّ وعوائق تطوّره في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله).

محاور الموعظة

1. عوامل نجاح المجتمع الجهاديّ

2. عوائق تطوّر المجتمع الجهاديّ

تصدير الموضوع

﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾[1].

 

 


[1] سورة العنكبوت، الآية 69.

 

10


3

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

الإسلام نظامٌ حياتيّ شامل، يتولّى مسؤوليّةَ التكامل البشريّ في أبعاده كافّة، ومنهج حياة إنسانيّة واجتماعيّة واقعيّة، يتجسّد فيها الاعتقاد والإيمان ممارسةً عمليّةً في جميع جوانب الحياة ومتطلّباتها الفرديّة والاجتماعيّة، وذلك على مبدأ التناصح والتكافل والتراحم والإحسان والتضحية والإيثار، قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ﴾[1]. ومن أهمّ هذه الواجبات السعي الدائم إلى تحصين المجتمع، وحمايته من المفاسد والمضارّ، وتحويله إلى مجتمعٍ يتمتّع بروحٍ جهاديّة عالية؛ ليقف سدّاً منيعاً ضدّ أنواع الاستهداف المختلفة في هذا العصر.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، متحدّثاً عن ضرورة تحصيل الروحيّة الجهاديّة: «إنّ شعبنا -منذ بداية الثورة وإلى يومنا هذا- قد تقدّم في أيّ موضعٍ دخله بروحيّة جهاديّة؛ شاهدنا ذلك في الدفاع المقدّس، وفي جهاد إعادة البناء، ونشاهده في الحركة العلميّة. لو أنّنا كنّا نمتلك الروحيّة الجهاديّة في القطاعات الأخرى؛ أي إنّنا نعمل في سبيل الله، وبجدّيّة، وبصورة لا تعرف التعب، لا لمجرّد إسقاط التكليف، فلا شكّ في أنّ هذه الحركة ستتكامل»[2].

 

عوامل نجاح المجتمع الجهاديّ

 


[1] سورة المائدة، الآية 2.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في بداية السنة الشمسيّة الجديدة، بتاريخ 22/03/2011م.

 

11


4

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

يذكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أبرز العوامل التي تجعل من المجتمع مجتمعاً جهاديّاً قادراً، لا يتزلزل في الشدائد، ولا ينهزم أمام الاستهداف ومحاولات التفكيك والإخضاع، نذكر منها:

 

12


5

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

1. الاتّكال على الله: يقول (دام ظله): «إنّنا في كلّ مكان، وفي أيّ مجالٍ اتّكلنا فيه على الله، واعتمدنا على قدرة جماهير الشعب، وكنّا مستعدّين للحركة الجهاديّة، كان النصر حليفنا. لاحظوا، كيف أنّنا منذ بداية الثورة وحتّى الآن، كلّما أنزلنا الشعب إلى ساحة العمل، وبدأنا باسم الله، وكانت حركتنا حركة جهاديّة، كُنّا ننتصر ونحقّق أهدافنا»[1].

 

2. روحيّة المعنويّات والتديّن: يقول (دام ظله): «أعزّائي، فليعلم الجميع هذا، تديّن المجتمع والشباب يساعد الشعب والمجتمع في الأمور الدنيويّة أيضاً، لا يُتصوّر أنّ تديّن الشباب ينحصر أثره في أيّام الاعتكاف في المساجد، أو في ليالي الجمعة في دعاء كميل. لو أنّ شعباً صار شبابه متديّنين، فإنّهم سيبتعدون عن العبث والفوضى، ويجتنبون الإدمان، ويبتعدون عن الأشياء التي تؤدّي بالشباب إلى الخمول والقعود، فترفع من استعداداتهم، وتجعلهم فاعلين، فتتطوّر البلاد، وتتكامل في المجالات العلميّة والفعاليّات الاجتماعيّة والسياسيّة. وهذا الأمر يجري في الاقتصاد أيضاً. فروحيّة المعنويّات والتديّن لها دورٌ مهمٌّ جدّاً»[2].

 

3. الاتّحاد والانسجام الوطنيّ: يقول(دام ظله): «هذا الاتّحاد الموجود بين الشعب، وبين الشعب

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة، بتاريخ 06/03/2014م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في بداية السنة الشمسية الجديدة، بتاريخ 22/03/2011م.

 

13


6

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

والمسؤولين، وتعلّق الشعب بمسؤوليهم، وثقتهم بهم، وإعانتهم وتأييدهم، ووجود الاتّحاد والوحدة بين 

 

 

14


7

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

الناس، يجب أن يبقى ويقوى يوماً بعد يوم. وإحدى الخطط الكبرى لأعداء الشعب الإيرانيّ هي إيجاد الفرقة والتصدّع في الداخل؛ تحت حجّة القوميّة والمذهب والتوجّهات السياسيّة والأجنحة والتيّارات وغيرها من الحجج. يجب الحفاظ على الوحدة»[1].

4. الحركة الجهاديّة المستمرّة: يقول (دام ظله): «ما تشاهدونه اليوم، وهو أنّ شعباً برغم كلّ هذه العداوات، وكلّ هذا المكر والرذالة اللذين يحيكهما الأعداء له، على المستويات المختلفة، في الميادين المختلفة، من الجوانب المختلفة، مع ذلك لم يستطيعوا إيقاف هذا الشعب، وقد أجبر الشعب الإيرانيّ بعزمه وتقدّمه، وحركته المستمرّة والجهاديّة، كلَّ هؤلاء على التراجع، هو بسبب هذه الخصوصيّات، بسبب هذا الدعم الإلهيّ، وهذا سيستمرّ، وسوف يستمرّ الشعب الإيرانيّ في طريقه بعون الله تعالى»[2].

5. تحويل العلم إلى حركة جهاديّة: يقول (دام ظله): «وإنّني أعتقد بأنّ العمل العلميّ في الجامعة وفي البلد ينبغي أن يصبح جهاديّاً، ويجب القيام بالعمل العلميّ الجهاديّ»[3].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في بداية السنة الشمسية الجديدة، بتاريخ 22/03/2011م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ(دام ظله) في لقاء حشود من مختلف شرائح الشعب، بتاريخ 15/05/2013م.

[3] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء الجامعيّين، بتاريخ 28/07/2013م.

 

15


8

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

6. العمل الجهاديّ: يقول (دام ظله): «إذا جرى النهوض بهذه المسؤوليّات بشكل جدّي وبعيد عن الدوافع الشخصيّة وبمنأى عن أيّ شيء

 

 

16


9

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

سوى خدمة مصالح البلد، لكان ذلك أكبر عمل جهادي، هذا هو معنى العمل الجهادي»[1].

 

7. الإدارة الجهاديّة: يقول (دام ظله): «وإذا توفّرت الإدارة الجهاديّة، فسوف يتقدّم الاقتصاد، وتتطوّر الثقافة»[2].

 

عوائق تطور المجتمع الجهاديّ

كما ويذكر سماحته العوائق التي تحول دون تطوّر المجتمع، والتي ينبغي التنبّه منها جيّداً، والحرص على عدم الوقوع فيها، ومنها:

1. الغفلة عن الروحيّة الجهاديّة: يقول (دام ظله): «إنّ الغفلة عن الروحيّة الجهاديّة والإيثار، والغفلة عن الهجوم الثقافيّ للعدوّ، والغفلة عن وجود كمائن العدوّ ونفوذه في الجوّ الإعلاميّ للبلد، واللامبالاة تجاه حفظ بيت المال، كلّ هذه معاصٍ، وهي نقاط ضعفنا»[3].

 

2. الرتابة: يقول (دام ظله): «لا يمكن التقدّم بواسطة الحركة العاديّة، لا يمكن أن تُنجَز الأعمال الكبرى بواسطة الحركة العاديّة والرتابة والغفلة والتثاقل

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ، بتاريخ 25/05/2014م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء جمعٍ من المنتسبين لمجموعة «مپنا» الصناعيّة، بتاريخ 30/04/2014م.

[3] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) عند لقاء مسؤولي نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، بتاريخ 07/08/2011م.

 

17


10

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

أحياناً وغياب الحساسيّة، المطلوب همّة جهاديّة وتحرّك جهاديّ وإدارة جهاديّة»[1].

3. فقدان الصبر والقيادة: يقول (دام ظله): «وأمّا إشكاليّة العمل الجهاديّ الذي يؤول إلى الهزيمة، فإنّ الشعوب، إمّا أن تفقد تحمّلها وصبرها، وتتخلّى عن ثباتها وصمودها، وإمّا أنّها تفتقد إلى القيادات القادرة على إدارتها بشكل صحيح»[2].

4. الابتلاء بالقضايا الثانويّة: يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «في كثيرٍ من الأوقات، ثمّة قضيّة أساس في البلاد يجب على الجميع أن يبذلوا هممهم ويهتمّوا بها، ويجب أن تكون القضيّة المركزيّة؛ ولكن فجأة نرى أنّ هناك صوتاً يرتفع من زاوية، ويختلق قضيّة ثانويّة، فتتوجّه الأذهان إليها... فليتمّ الحذر من أن لا تصبح القضايا الثانويّة والهامشيّة نقطة توجّه الرأي العامّ»[3].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم، بتاريخ 11/03/2014م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في لقاء حشود من طلّاب المدارس والجامعات في اليوم الوطنيّ لمقارعة الاستكبار العالميّ، بتاريخ 03/11/2015م.

[3] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في بداية السنة الشمسيّة الجديدة، بتاريخ 22/03/2011م.

 

18


11

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

 

هدف الموعظة

الالتفات إلى الأخطار التي تعصف بالمجتمع الإسلاميّ، وأهمّيّة التحصين تجاهها، وضرورة مواجهتها.

 

محاور الموعظة

1. تحصينُ المجتمع وحمايته تكليفٌ عامّ

2. آفات تفتك بالمجتمع

3. التفرقة تنخر المجتمعات وتُدمّرها

4. وسائل الإعلام والسموم القاتلة

5. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلاح المواجهة

 

تصدير الموعظة

الإمام الباقر (عليه السلام): «ما عُبد الله بِشيءٍ أفضل من عِفّة بَطنٍ وفَرج»[1].

 


[1] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفّاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص79.

 

19


12

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

تحصين المجتمع وحمايته تكليف عامّ

في زمنٍ بات كلُّ فضاءٍ فيه متاحاً لإثارة الشهوات وقَتْل المعنويّات وإماتة الدين وتفتيت المجتمعات، تَزداد الحاجة إلى صيانة المجتمع الإسلاميّ، وتحصينه مِن الأخطار التي تتهدّده، وإحياء روح الإيمان فيه، وبناء المجتمع الصالح والقويّ والمتين والقريب مِن الله تعالى. والمتأمّل في أحكام شريعة الإسلام يَرى أنَّ كمّاً كبيراً مِنها يهدف إلى الحفاظ على كيان المجتمع الإسلاميّ وصيانته، بَدءاً مِن صيانة الإنسان نفسه، وصولاً إلى المجتمع ككلّ. فَحرّم الإسلام القتل والتعدّي على النفوس والأعراض، وحرّمَ الفتنةَ وإثارة النعرات والفرقة، كما حرَّم بَثّ الشائعات وَالخيانة... وغيرها الكثير. وفي المقابل، دعا -أي الإسلام- إلى الوحدة والتكافل والتعاضد والتآزر، والتعاون على البرّ والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى الأمانة والوفاء بالعقود، والإحسان إلى الناس... هذا كلّه يَصبُّ في تماسك المجتمع وصيانته مِن الضعف والتزلزل والانهيار.

وفي هذا المجال، على كلِّ واحد أن يرى نفسه مسؤولاً -بِجِدّ- عن الحفاظ على سلامة مجتمعه وبيئته، كما يكون مسؤولاً عن نفسه وأهله، فَعَن الإمام الباقر (عليه السلام): «يا سليمان، أتدري مَن المسلم؟». قال: جُعلتُ فداك، أنتَ أعلم. قال (عليه السلام): «المسلم مَن سَلِم المسلمون مِن يَدِه ولسانه»، 

 

20


13

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

ثمّ قال: «وَتدري مَن المؤمن؟». قال: أنت أعلم. قال (عليه السلام): «المؤمن مَن ائتَمَنَه المسلمون على أموالهم وأنفسهم»[1].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص234.

 

21


14

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

آفات تفتك بالمجتمع

تُبتلى المجتمعات الإنسانيّة بِآفاتٍ عديدة، تُؤدّي إلى فسادها وانحرافها وتدهورها، من أبرزها:

1. شرب الخمر

تترتّب مفاسد وأضرار كبيرة على شرب الخمر وتناوله، وهي أضرارٌ معروفة. فَحرّم الشارع المقدّس شُرب الخمر، مِن أجل سَلامة المجتمع وتحصينه؛ ﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡم كَبِير وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ﴾[1]، وَلأنّه مِن الأمور التي تُنتج العداوة والبغضاء بين الناس في المجتمع؛ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾[2]. ويكفي لِتَحريمه أنّه مِن عمل الشيطان، فَقَال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡس مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾[3]. وَلِفَداحة أمره، كان اللَّعن شديداً لكلّ مَن له ارتباط به، فَعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لَعن الله الخمر وعاصرها وغارسها وشاربها وساقيها وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها

 


[1] سورة البقرة، الآية 219.

[2] سورة المائدة، الآية 91.

[3] سورة المائدة، الآية 90.

 

22


15

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

وحاملها والمحمولة إليه»[1]، بل «لا تُجمع الخمر والإيمان في جَوف أو قلبِ رجلٍ أبداً»[2].

 

2. تعاطي المخدِّرات

تُشكِّل المخدِّرات خطراً جسيماً على المجتمعات التي تنتشر فيها، ويُسبّب تعاطيها مشاكل صحّيّة واجتماعيّة ونفسيّة عديدة، وهي -بِشكلٍ عامّ- تُسبّب إدماناً نفسيّاً وعضويّاً. وَلا يُعدّ الإقلاع عن المخدِّرات بعد الابتلاء بها سهلاً، لكن لا بدّ مِن اتّخاذ قرار التخلّي عنها، نتيجة ما تُسبّبه مِن انهيارٍ للمجتمع، وتفشٍّ للجرائم الأخلاقيّة والعادات السلبيّة، فَمُدمِن المخدِّرات لا يأبه بالانحراف إلى بؤرة الرذيلة والزنا، ومعروفٌ بالكذب والكسل والغشّ والسرقة. وَحُرمة المخدِّرات أمر مُسلَّم به لدى الفقهاء، لِقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡس مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾[3]، ولِما فيه مِن إضرارٍ بالنفس وَبالآخرين.

 

3. هتك الأعراض

إنّ حُرمة الأعراض مِن الأمور التي شدّد الدين الإسلاميّ عليها كثيراً، فَالاعتداء عليها مِن

 


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص511.

[2] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج76، ص152.

[3] سورة المائدة، الآية 90.

 

24


16

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

المحرّمات المؤكّدة، بل مِن الذنوب الكبيرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع: «أيّ يوم أعظم حُرمة؟» قال الناس: هذا اليوم. قال: «فأيّ شهر؟» قال الناس: هذا. قال: «وأيّ بلد أعظم حرمة؟» قال الناس: بلدنا هذا. قال: «فإنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تَلقَون ربّكم، فيسألكم عن أعمالكم»[1]. وَهتك الأعراض

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج7، ص273.

 

24


17

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

عنوان يَشمل الكثير مِن المعاصي التي تُبتلى بها المجتمعات، كالغيبة والبهتان والشتم وكشف عيوب الناس وأسرارهم...

 

التفرقة تنخر المجتمعات وتُدمّرها

مَن مِنّا لم يسمع بمقولة «فَرِّق تَسُد» التي يتوسّلها أعداء الإسلام للنيل مِنه وتفريق أبنائه وتمزيق لُحمته ووحدته؟ لا بُدّ مِن أن يمتلك الإنسان بصيرةً ووعياً رساليّاً حتّى لا يكون مُساهماً في مشروع أعداء الإسلام مِن حيث لا يدري، فَالتفرقة مِن أعمال الشيطان الموصلة إلى الفتنة؛ عَن الإمام عليّ (عليه السلام): «إِنَّ الشَيْطَانَ يُسَنِّي[1] لَكُمْ طُرُقَه، ويُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً، ويُعْطِيَكُمْ بِالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ، وبِالْفُرْقَةِ الْفِتْنَةَ، فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِه ونَفَثَاتِه»[2]. ولقد دعا الله تعالى صراحةً إلى الوحدة والتآلف بين المسلمين، فَقال: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآء فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَة مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾[3].

 


[1] يسهّل.

[2] الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص178، الخطبة 121.

[3] سورة آل عمران، الآية 103.

 

25


18

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

وقَد تعدّدَت وتنوّعَت التعاليم الإسلاميّة المفضية إلى تماسك مجتمع الإسلام ووحدته، فأمرَت بالمداراة والرفق وإصلاح ذات

 

26


19

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

البين وإدخال السرور على المؤمنين وصدق الحديث وأداء الأمانة، ونهَت عن إشاعة الفاحشة والغيبة والنميمة والبهتان وغير ذلك الكثير.

 

وسائل الإعلام والسموم القاتلة

دعا الإسلام إلى العِفّة، وحَثّ عليها وأوجبها، لِما لها مِن أثر كبير على سموّ الإنسان وكماله في سيره إلى الله تعالى، وعلى تماسك المجتمعات، إذ إنّ مِن أسباب تفكّك المجتمعات والأُسَر ضياع العفّة وضعفها، وكثرة الابتذال.

 

وكلّ مَن يطّلع على برامج الكثير مِن وسائل الإعلام يجدها متخمة بحملات الإفساد، والتحلّل مِن الأخلاق الحسنة، وإثارة الغرائز، وخدش الحياء، والكلام النابي والبذيء، والسخرية والاستهزاء، والدعوة الموجّهة ضدّ المرأة، وتزيين الفاحشة لها، والتبرّج والسفور، وترك الحجاب... وغيرها. لذا، على المؤمن أن يلتفت إلى أنّ حكم البرامج الداعية إلى التفلّت الأخلاقيّ والتفكّك الأسريّ وإشاعة الفحشاء والمنكر في المجتمع هو الحُرمة بِلا شكّ، وَليَضَع نصب عينَيه حديث الإمام عليّ (عليه السلام): «شَتَّانَ‏ مَا بَيْنَ‏ عَمَلَيْنِ‏؛ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَتَبْقَى تَبِعَتُهُ، وَعَمَلٍ تَذْهَبُ مَؤونَتُهُ وَيَبْقَى أَجْرُهُ»[1].

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص490، الحكمة 121.

 

27


20

الموعظة الأولى: المجتمع الجهاديّ في فكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلاح المواجهة

انطلاقاً مِن مبدأ أنّ «مَثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى»[1]، فَرض الله تعالى الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر، تعزيزاً للإيمان، وحفاظاً على القيم والمقدّسات الدينيّة والإنسانيّة، وحمايةً للمجتمع الإسلاميّ مِن الانحرافات الأخلاقيّة. فَالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتُحلّ المكاسب، وتُرَدّ المظالم، وتُعمَر الأرض، ويُنتصَف من الأعداء، ويستقيم الأمر»[2]، وَبقاء هذه الأُمّة بخيرٍ رهنٌ بإقامة هذه الفريضة، فَعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تزال أمّتي بخير، ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك، نُزعَت منهم البركات وسُلّط بعضهم على بعضٍ ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء»[3]. وَقد ورد الذمّ الشديد والإنكار اللاذع لِتارك هذه الفريضة، إلى الحدّ الذي يسلب دين الإنسان، فَعَن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله

 


[1] المتّقي الهنديّ، علاء الدين عليّ المتّقي بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409هـ - 1989م، لا.ط، ج1، ص149.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص56.

[3] الفيض الكاشانيّ، المولى محمّد محسن، الوافي، تحقيق ضياء الدين الحسيني الأصفهانيّ، مكتبة الامام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) العامّة، إيران - أصفهان، 1406ه، ط1، ج15، ص176.

 

28


21

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

عزّ وجلّ ليُبغِض المؤمن الضعيف الذي لا دين له»، فَقيل له: وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال: «الذي لا ينهى

 

29


22

الموعظة الثانية: استهداف المجتمع الإسلاميّ

عن المنكر»[1]، وَعن الإمام الباقر (عليه السلام): «أَوحى الله عزّ وجلّ إلى شعيب النبيّ (عليه السلام) أنّي مُعذِّب مِن قومك مئة ألف؛ أربعين ألفاً مِن شرارهم، وستّين ألفاً مِن خيارهم. فقال (عليه السلام): يا ربّ، هؤلاء الأشرار، فَما بال الأخيار؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: داهَنوا أهل المعاصي، ولم يَغضبوا لِغَضبي»[2].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص59.

[2] المصدر نفسه، ج5، ص56.

 

30


23

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

هدف الموعظة

بيان خطورة الوقوف على الحياد، وأثره على المجتمع الإسلاميّ.

محاور الموعظة

1. أنواع الفتنة

2. الصراع بين باطلَيْن

3. لا حياد في صراع الحقّ مع الباطل

4. أسباب وَهن الأُمَّة

5. الحياديـّة خيانـة

تصدير الموعظة

أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَيُّهَا النَاسُ، لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ‏ تَوْهِينِ‏ الْبَاطِلِ‏، لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلكُمْ»[1].

 

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص241، الخطبة 167.

 

31


24

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

هدف الموعظة

بيان خطورة الوقوف على الحياد، وأثره على المجتمع الإسلاميّ.

محاور الموعظة

1. أنواع الفتنة

2. الصراع بين باطلَيْن

3. لا حياد في صراع الحقّ مع الباطل

4. أسباب وَهن الأُمَّة

5. الحياديـّة خيانـة

تصدير الموعظة

أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَيُّهَا النَاسُ، لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ‏ تَوْهِينِ‏ الْبَاطِلِ‏، لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلكُمْ»[1].

 

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص241، الخطبة 167.

 

31


24

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

في ظلّ الفتن المتنوّعة التي تنتشر بشكلٍ واسع وشاملٍ بين الحقّ والباطل، وبين الظالم والمظلوم، وبين المستكبِر والمستضعَف، ما موقف الإسلامِ مِن الحياد؟ هل يمكن العمل بمبدأ الحيادِ عندما ينقسم المجتمع إلى طَرفَيْن أو أكثر؟ هل يَصحّ الوقوف بين خَطّين مع عدم الميل إلى أحدهما؟ وَما ضابطة هذا الأمر؟ هل إنّ مَبدأ السلامة هو الأصل؛ كأنْ يَرفض الإنسان أن يكون مع أحدهما على قاعدة أنّ الجلوس على التلِّ أسلم؟ وَهل يَصحّ ذلك حال الأزمات واضطراب الأمور؟

 

أنواع الفتنة

في الإجابة عن هذه الأسئلة، وتحديد الموقف منها، يمكن لِقائلٍ أن يستند إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ؛ لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، ولَا ضرْعٌ فَيُحْلَبَ»[1]، فَهل يُستفاد مِن هذه الرواية الأمرُ بالحيادِ وعدمُ تحديد الموقف؟

قبل تحديد المراد مِن كلامه (عليه السلام)، لا بُدّ من إيضاح أنواع الفتنة، إذ إنّ للفتنة نوعَيْن؛ الأوّل يقول إنّها صراع بين باطلَيْن، لأنّهما يُفتنان بما يقدّمه كلٌّ منهما مِن أمور تجذب وتشدّ إلى طرفه. والثاني يقول إنّها حالة صراع لا يُعرَف فيها الحقّ مِن الباطل، فَتشتبه الأمور وتلتبس على الناس، وَيفقِدون وضوح

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص469، الحكمة 1.

 

32


25

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

الرؤية، وَقد يكون أحدهما حَقّاً والآخر باطلاً، وقد يكونان باطلَيْن معاً. وَعلى كِلا الوَجهَيْن، ينهانا أمير

 

33


26

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

المؤمنين (عليه السلام) عن الوقوع في الاستغلال، سواء أكانت الفتنة بين باطلَيْن أو بين حقٍّ وباطل، حال عدم القدرة على تمييز الحقّ. فَـ«كُن كابنِ اللّبونِ»؛ أي كَفصيل الناقة قبل أن يقوى ظهره فَيصبح صالحاً للركوب، وقبل أن يعطي ضرعه الحليب، فَلا تجعل أحداً يركب موقعك أو موقفك أو كلمتك لِيَصِلَ إلى غايته، ولا تَدَع أحداً يحلب إمكاناتك وقدراتك.

الصراع بين باطلَيْن

عندما تكون القضيّة بين باطلَيْن تصبح واضحةً، إذ إنّ أيَّ موقفٍ سوف يُوظَّف لِصالح الباطل في النهاية، وصاحب الحقّ لا ينبغي أن يوظّف نفسه وموقِفَه في سبيل الباطل. أمّا عندما تَدور الأمور بين حقٍّ وباطل، فإذا كانت المسألة ممّا يشتبه به الحقّ، فينبغي على الإنسان أن يحذر مِن التحرّك -إيجابيّاً أو سلبيّاً- في الموقف المضادّ، إنْ لم يملك وضوح الرؤية، بل عليه أن يتحرّك في ما يتّضح أنّه الحقّ. فالإمام (عليه السلام) إذاً، يدعو إلى الحذر والتنبّه، وينهى عن أن يكون المرء حَطباً للفتنة.

لكن ثمّة تفصيل يرتبط بالصراع بين باطلَيْن، حال كَون أحدهما أخطر مِن الآخر على الإسلام والمسلمين؛ فَإذا انتصر الباطل الأخطر وقعَت الأُمَّة في أزمة كبرى. وَقد يكون مِن الحكمة في تحديد الموقف -هنا- العمل على إضعاف الأسوأ مِن دون 

 

34


27

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

تقوية السيّء، بِلحاظ أنَّ إضعافه يُسهم في إبعاد الخطر عن الإسلام والمسلمين. ولا 

 

35


28

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

بدَّ، في هذا الأمر، مِن الدقّة في التقويم وفي عمليَّة الاختيار، بعيداً عن العاطفة والانفعال.

 

أمَّا في الفتنة التي يشتبه فيها الحقّ والباطل، فالمطلوب ألّا يتمكّن صاحب الفتنة مِن استغلالك، مُضافاً إلى ضرورة متابعة مفردات الفتنة ودراستها، كي تستطيع التمييز ومعرفة الحقّ مِن الباطل.

 

لا حياد في صراع الحقّ مع الباطل

عندما يدور الأمر بين الحقِّ والباطل، فَيُفرَّق بين الظالم والمظلوم؛ أيّاً كان الظالم، وأيّاً كان المظلوم، رُبّما يُفكِّر بعض الناس -في مثل هذه الحال- في السلامة، بحيث لا يكونونَ مع الحقّ ولا مع الباطل. وَكنموذجٍ على هذا الصراع، ما نُقِلَ عن بعضهم في حرب صفّين التي دارَت بين أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعاوية: «الصلاة عند عَليٍّ (عليه السلام) أقوَم، والطعام عند معاوية أدسم، والجلوس على التلِّ أسلم»[1]، على الرغم مِن أنّ: «عليّاً مع الحقّ والحقّ مع عليّ، يَدور معه حيثما دار»[2]. فهل تصحّ هذه المقولة في هذا الموضع الواضح والبَيِّن؟

 

 


[1] راجع: الحلبيّ، عليّ بن برهان الدين، السيرة الحلبيّة، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، 1400ه، لا.ط، ج3، ص367.

[2] راجع: المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الفصول المختارة، تحقيق وتصحيح عليّ ميرشريفيّ، مؤتمر الشيخ المفيد، إيران - قم، 1413ه‏، ط1، ص135.

 

 

36


29

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

في المنظار الإسلاميّ، إنّ هذه الفئة -التي يُطلق عليها الأكثريّة الصامتة في الاصطلاحات المعاصرة- مسؤولة عن ضعف الأمّة، وشريكة في هزيمتها وانهيارها؛ لأنّها عملَت على تقوية الباطل

 

37


30

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

بِاعتزالها نُصرةَ الحقّ. وَقَد بَيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك في كلامه عن الذين امتنعوا عن القتال معه، أمثال عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقّاص وغيرهما: «خَذَلُوا الْحَقَّ،‏ وَلَمْ‏ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ»[1]؛ فَهُم لم يَنصروا الباطل بِقتالهم إلى جانب معاوية، ولكنَّهم خَذلوا الحقّ بِعَدم قتالهم إلى جانب عليّ (عليه السلام). وَقال (عليه السلام) أيضاً: «إِنَّ [سَعْداً] سَعِيداً وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، لَمْ‏ يَنْصُرَا الْحَقَّ‏ وَلَمْ‏ يَخْذلَا الْبَاطِلَ‏»[2]، فَمِن واجبهما، إذاً، أن يَنصُرا الحقّ، وَأن يخذلا الباطل بمواجهته.

أسباب وَهن الأُمَّة

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَيُّهَا النَاسُ، لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ‏ تَوْهِينِ‏ الْبَاطِلِ‏، لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلكُمْ»[3]. ويقول في وصيّته للإمامَيْن الحسنَيْن (عليهما السلام): «وَكُونَا لِلظَالِمِ‏ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ‏ عَوْناً»[4]؛ الظالم، سواء أكان على مستوى الأفراد والجماعات أم على مستوى الدُوَل والمحاور.

يُؤكّد (عليه السلام) لنا المسار الذي يعطي التوازنَ للمجتمع والقوّةَ للأمَّة، ويحقّق أهدافها، لأنَّ المسألة هي أن تقف في ساحة الصراع بِالموقف الذي تُؤمن

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص471، الحكمة 18.

[2] المصدر نفسه، ص521، الحكمة 262.

[3] المصدر نفسه، ص241، الخطبة 167.

[4] المصدر نفسه، ص421، الكتاب 47.

 

 

38


31

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

به وتراه حقّاً. فَالإنسان الذي لا ينصر الحقّ ولا يَنصر الباطل يُعطي للباطل قوّة سلبيَّة؛ فَعندما نُضعِف الحقّ بِتَنَحّينا جانباً، فإنَّ 

 

 

39


32

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

الباطل يَقوى عليه. فالحياديّة في معركة الحقّ والباطل تُعطي الباطل قوَّة سلبيَّة، وتمنع عن الحقّ القوّة الإيجابيَّة، فَيختلّ توازن المعركة، وَتصبح الكثرة كثرةً لا غنى فيها؛ «ولكنَّكم غثاء كغثاء السَيل»[1]، بِحَسَب الوصف النبويّ للأمَّة حال ضعفها وانهيارها، على الرغم مِن كَثرة عددها. وقد وَرَد في هذا المجال عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «أبلِغ خيراً، وَقُل خيراً، ولا تَكُن إمَّعة»، قالوا: وما الإمَّعة؟ قال (عليه السلام): «لا تقل أنا مع الناس، وأنا كواحدٍ مِن الناس، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنَّما هما نجدان؛ نجد خير ونجد شرّ، فلا يَكن نجد الشرّ أحبَّ إليكم مِن نَجدِ الخير»[2].

 

الحياديـّة خيانـة

إنّ مَن يتّخذ الحياديّة منهجاً بين الحقّ والباطل يخون الإسلام، لأنّه يُضعِفه، والأكثريَّة الصَامتة التي تستطيع أن تنطق خائنة للأمَّة، فَلا بدَّ مِن أن يكون الصوت واحداً، وعلينا أن نتحمَّل مسؤوليَّة صوت الحقّ فينا إذا كنّا نؤمن به، وإلّا، فإنّ الجهل يصرخ فينا ويجمع أتباعه، والتخلّف يتقدَّم فينا ويحارب كلَّ

 


[1] ابن طاووس، السيّد عليّ بن موسى‏، التشريف بالمنن في التعريف بالفتن (الملاحم والفتن)‏، تحقيق وتصحيح ونشر مؤسّسة صاحب الأمر b، إيران - قم، 1416ه‏، ط1، ص307.

[2] الحرّانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول (عليهم السلام)، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1404ه - 1363ش، ط2، ص413.

 

40


33

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

تقدّم، والضَعف والجُبن وعناصر السلبيّة كلّها تتحرّك في الأمّة لِتَسلبها إرادتها؛ ﴿إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّة 

 

41


34

الموعظة الثالثة: ثقافة الحياد

وَٰحِدَة وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾[1] و﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآء فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَة مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾[2].

 

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 92.

[2] سورة آل عمران، الآية 103.

 

42


35

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

 

هدف الموعظة

تحمُّل الإنسان المؤمن مسؤوليّتَه أمام الأحداث والوقائع التي يُعايشها وَتَدور مِن حوله.

 

محاور الموعظة

1. شموليّة مسؤوليّة الإنسان

 

2. خصائص التكليف

3. الجهة التي تحدّد التكليف، وامتثال المكلّف وإطاعته

4. بعض آثار التشخيص الخاطئ للتكليف

 

تصدير الموعظة

أمير المؤمنين (عليه السلام): «اتَّقُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ، فَإِنَّكُمْ مَسْؤولُونَ حَتَّى‏ عَنِ‏ الْبِقَاعِ‏ وَالْبَهَائِمِ»[1].

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص242، الخطبة 167.

 

43


36

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

شموليّة مسؤوليّة الإنسان

لقد خلق الله الإنسان وَشرّفه بالتكليف، الذي إذا امتثل له أصبح عبداً، وَنال أعلى مراتب القرب والكمال. وممّا يميّز هذا التكليف أنّه غير محصور بجهة، أو مقتصر على فئة، أو مقيّد بِدائرة. فالإنسان مكلّفٌ تجاه:

1. ربِّه: بأن يعرفه ويوحّده ويعبده، ويمتثل أوامره، وينتهي عن نواهيه. فَقَد قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ﴾[1] و﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾[2]، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «لو يعلم الناس ما في فضل معرفة اللَّه تعالى ما مدّوا أعينهم إلى ما مُتّع به الأعداء مِن زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطؤونه بأرجلهم، ولَنَعِموا بمعرفة اللَّه تعالى، وتلذّذوا بها تلذّذ مَن لم يزل في روضات الجنان مع أولياء اللَّه. إنّ معرفة اللَّه تعالى أُنس مِن كلّ وحشة، وصاحب مِن كلّ وحدة، ونور مِن كلّ ظُلمة، وقوّة من كلّ ضعف، وشفاء من كلّ سقم»[3].

2. نبيِّه وأئمّته (عليهم السلام): بِأن يتعرّفهم ويؤمن بهم ولا يعصي لهم أمراً. فَقَد قال تعالى في شأن إطاعة رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله): ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ

 


[1] سورة الإسراء، الآية 23.

[2] سورة الذاريات، الآية 56.

[3]  الفيض الكاشانيّ، الوافي، مصدر سابق، ج1، ص159.

 

44


37

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

 ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾[1]، فَجَمع طاعة الله وطاعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام). وفي هذا المورد، جاء عن أبي حمزة: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «إنّما يعبد الله مَن يعرف الله، فأمّا مَن لا يعرف الله، فإنّما يعبده هكذا ضلالاً»[2]، قلتُ: جُعلت فداك، فما معرفة الله؟ قال: «تصديق الله عزّ وجلّ، وتصديق رسوله (صلى الله عليه وآله)، وموالاة عليّ (عليه السلام)، والائتمام به وبأئمّة الهدى (عليهم السلام)، والبراءة إلى الله عزّ وجلّ مِن عدوّهم؛ هكذا يُعرَف الله عزّ وجلّ»[3]. وَلا يغيب عنّا أنّ طاعة الوليّ الفقيه في زمن الغيبة هي طاعة لله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وأئمّة الهدى (عليهم السلام)، فَفي رواية الإمام الصادق (عليه السلام) التي يُستدلّ بِها على ولاية الفقيه: «فإنّي قد جعلتُه عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنّما استخَفَّ بِحُكم الله وَعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشِرك بالله»[4].

 

3. نَفْسِه: بأن يصونها ويزيّنها بالتقوى والطاعات ويرتقي بها في مدارج الكمال. فقَد ورَدَ عن الإمام الجواد (عليه السلام) في جوابٍ لرجلٍ قال له: أوصني بوصيّةٍ جامعةٍ مختصرة: «صُن نفسك عن

 


[1] سورة النساء، الآية 59.

[2]  كأنّه أشار بقوله: «هكذا» إلى عبادة جماهير الناس، و«ضلالاً» تمييزاً له أو بدلاً.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص180.

[4] المصدر نفسه، ج1، ص67.

 

46


38

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

عار العاجلة ونار الآجلة»[1]؛ وَصَون النفس عن سخط الله وعذابه يكون بِأداء ما

 

 


[1]  الشيخ محمّد الزرنديّ الحنفيّ، معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول (عليهم السلام)، ماجد بن أحمد العطيّة، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص165.

 

47


39

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

افترض الله على الإنسان. وهو ما سنعرف سَعته وحدوده، إن شاء الله.

 

4. أهله وعياله: بِأن يحملهم على طاعة الله وينفق عليهم ويقضي حاجاتهم ويهيّئ لهم ما يصلح دنياهم وآخرتهم. فقد قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ﴾[1].

 

خصائص التكليف

إنّ للتكليف الذي يَضعه الله سبحانه وتعالى في عنق الإنسان خصائص، أبرزها:

1. أنّه مقدورٌ عليه: فالله سبحانه لا يُكلّف إلّا على قدر الوسع والطاقة، إذ قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾[2]. وهذا يُشكّل دافعاً لامتثال التكليف، وعدم التخلّف عنه بحجّة كونه فوق القدرة والطاقة.

 

2. أنّه يشمل نواحي الحياة كافّة: فَلا تقف مسؤوليّة الإنسان المؤمن عند حدود ما ذكرنا آنفاً، فكما أنّه مسؤول عن أعماله ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسۡ‍َٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٩٢ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾[3] وأقواله ﴿مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيد﴾[4]،

 


[1] سورة التحريم، الآية 6.

[2] سورة البقرة، الآية 286.

[3] سورة الحجر، الآيتان 92 - 93.

[4] سورة ق، الآية 18.

 

48


40

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

فإنّه كذلك مسؤول عن أهل ملّته ودينه، فَيدافع عنهم ويقضي حوائجهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن

المنكر، وغير ذلك ممّا ذكرته النصوص الشرعيّة، حتّى أنّه مسؤولٌ عن البقاع والبهائم، كما وَرَد عن الإمام عليّ (عليه السلام).

وهذا التكليف للمؤمن يجعله فاعلاً في المجتمع، نافعاً للناس، مؤثّراً في مَن حوله، شاعراً بما يعيشه الآخرون مِن أفراح وأتراح، مواسياً لهم... وتُشير إلى ذلك العديد من التكاليف الجماعيّة الواجبة والمستحبّة، كصلاة الجماعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحجّ والصوم وقضاء حاجة المؤمن وتفريج كربه وكسوته وإطعامه، وغيرها الكثير؛ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم، ومن يسمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين، فلم يجبه، فليس بمسلم»[1] و«مَن ردّ على قوم من المسلمين عادية ماء أو نار، أوجبتُ له الجنّة»[2].

وتُلفت النصوص الشرعيّة إلى مسألة غاية في الأهمّيّة، هي أنّ مجرّد التعاطف مع الآخر والشعور به، عندما لا تملك ما تُقدّمه له، يوجب دخول الجنّة، فَعَن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ المؤمن لَتَرِد

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج71، ص339.

[2] المصدر نفسه، ج71، ص340.

 

49


41

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

عليه الحاجة لأخيه، فلا تكون عنده، فيهتمّ بها قلبه، فيدخله الله تبارك وتعالى بهمِّه الجنّة»[1].

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص196.

 

50


42

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

الجهة التي تحدّد التكليف، وامتثال المكلّف وإطاعته

إنّ الله سبحانه مصدر التشريع والتكليف في الإسلام، والمبيّنين لدينه هم النبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام) والوليّ الفقيه والعلماء المجتهدون في زمن الغيبة. فَفي كلّ أمر، ثمّة جهة تحدّد التكليف وتعيّنه؛ فَربّ العمل، وربّ الأسرة، والمسؤول عن جماعة، ورئيس القوم، وَمَن هم مثلهم، هُم الذين يحدّدون تكليف أتباعهم ومَن يقعون تحت سلطتهم، وعلى المكلّف الامتثال والطاعة، تحقيقاً لمبدأ العبوديّة والتسليم.

 

ولكنّ هذا لا يعني عدم إبداء الرأي في مسألة أو أمر، إذا كنّا مِن أهل الخبرة والاختصاص، وكان الدافع هو النصح والمودّة للدِين وأهله، فـ«ما أخلص المودّةَ مَن لم ينصح»[1]، ولكن ضِمن الأطر والضوابط المحدّدة التي لا تؤدّي إلى التفرّق والتشرذم. وفي المقابل، على المستنصَح أن يأخذ بالنصيحة، فـ«مِن أكبر التوفيق الأخذ بالنصيحة»[2].

 

وفي هذا المجال، يلفت الإمام الخامنئيّ (دام ظله) إلى مسألة أساسيّة في ثورة سيّد الشهداء (عليه السلام)، هي التسليم في أداء التكليف، فيقول: «في واقعة عاشوراء، وما حدث للإمام الحسين (عليه السلام)،

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجنديّ، دار الحديث، إيران - قم، 1418ه، ط1، ص476.

[2]  المصدر نفسه، ص472.

 

51


43

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

ثمّة أمرٌ تحفل به الأقوال والتصرّفات والحركات جميعها، هو التسليم أمام الله؛ أي التسليم في قبال التكليف. عندما قيلَ للإمام (عليه السلام): إنْ تذهب وتَثُر 

 

52


44

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

فمِن الممكن أن تُقتل، كان الجواب: «إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّه مَن رأى منكم سلطاناً جائراً يعمل كذا وكذا ويظلم، فعليكم مواجهته والوقوف في وجهه»[1]؛ أي استناداً إلى تكليف»[2].

 

بعض آثار التشخيص الخاطئ للتكليف

قد يُخطئ أحدنا في تشخيص التكليف وعدم تحديد الوظيفة العمليّة الشرعيّة في أمرٍ ما؛ ما يؤدّي إلى نتائج وخيمة على مستوى الفرد والمجتمع. ومِن أمثلة ذلك ما حصل للإمام الحسين (عليه السلام) مِن خذلانٍ غَيّر التاريخ، يذكره الإمام الخامنئيّ (دام ظله) بِقوله: «عندما تحرّك الإمام الحسين (عليه السلام)، كان بإمكان مجموعة، بِالتحاقها به، أن تحوّل تلك النهضة إلى ثورة بنّاءة، لا إلى نهضة دمويّة انتهَت بالقتل والشهادة. كان بإمكانهم ذلك. فَعَبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر كانوا مِن الشخصيّات البارزة في عالم المسلمين في ذلك اليوم، وكانت تسكن في مكّة والمدينة، وهي جميعها مِن أبناء شخصيّات معروفة في صدر الإسلام، فَلو أنّ هؤلاء الأربعة خرجوا

 


[1] أبو مخنف الكوفيّ، لوط بن يحيى‏، وقعة الطفّ‏، تحقيق وتصحيح محمّد هادي اليوسفيّ الغرويّ، جماعة المدرِّسين‏، إيران - قم‏، 1417ه‏، ط3، ص172.

[2]  الإمام الخامنئيّ، السيّد عليّ الحسينيّ، دروس عاشوراء، نشر جمعيّة المعارف الإسلامية الثقافية، لبنان - بيروت، 2016م، ط1، ص25 - 26.

 

53


45

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

برفقة الإمام الحسين (عليه السلام) لَوُجِدَت حركة عظيمة، وَلم يكن باستطاعة يزيد وأعوانه -من دون شكّ- أن يقفوا في وجهها. لَولا تراخي هؤلاء الذين ذكرتُهم -وأمثالهم- لَخرجَ الإمام الحسين (عليه السلام) بِعِدّة آلاف، بدلاً مِن الخروج مِن مكّة بِبِضع مئات، 

 

54


46

الموعظة الرابعة: المسؤوليّة والتكليف

فقد تركه بعضهم أثناء الطريق، وبقي القليل لِكربلاء. وإذ ذاك، هل كان للحرّ بن يزيد، والحال هذه، أن يقف في الطريق ويمنع الإمام الحسين (عليه السلام) من الوصول إلى الكوفة؟ وَلَو وصل إلى الكوفة، هل كان لِعُبيد الله بن زياد -الوالي الجديد للكوفة- أن يقف أمام هذا الجيش الكبير الذي على رأسه نجباء وشخصيّات معروفة مِن قريش وبني هاشم؟ لَكانت سقطت الكوفة، وبسقوطها تسقط البصرة؛ ما يعني سقوط العراق. ومع سقوط العراق، فَمِن المتيقّن أن تسقط المدينة ومكّة والشام، وتتغيّر الحكومة، ويتبدّل تاريخ الإسلام. وبدل قرنَيْن مِن الضغط والتضييق، كانت ستعود حكومة آل النبيّ (عليهم السلام)، وَلَو عادَت لَكان مِن المحتمل جدّاً أن يبلغ الإسلام الذروة في العالم، بدلاً مِن أربعة عشر قرناً مِن الانزواء، ولَكانَت الحضارة -اليوم- والصناعة والتكنولوجيا والعِلم والثقافة مختلفة كلّيّاً عمّا هي عليه الآن. وَلَو حصل ذلك الأمر، لَما عانت البشريّة مِن هذا الشقاء والبؤس كلّه، ومِن هذه الآلام والغصص والفقر وانعدام الأخلاق والجهل والحروب وسفك الدماء، ولَكان العالم -اليوم- متقدّماً بمئة سنة عمّا هو عليه حاليّاً... فيا ليتهم مَضَوا معه»[1].

 

 


[1]  الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، دروس عاشوراء، مصدر سابق، ص29 - 30.

 

55


47

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

 

هدف الموعظة

بيان الغاية التي جاهد الأئمّة (عليهم السلام) من أجلها، واستشهدوا في سبيل تحقيقها.

 

محاور الموعظة

1. التوجّه العامّ للأئمّة (عليهم السلام)

2. تأسيس الحكومة الهدف الأعظم

3. تأسيس حكومة مستقبليّة

4. بَثّ الوعي هو الخطوة الأولى في بناء الحكومة

5. التشكيلات السرّيّة

6. الجمهورية الإسلاميّة في إيران

 

تصدير الموعظة

الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ برنامج الأئمّة (عليهم السلام) -منذ أوّل أيّام الصلح- قام على 

 

56


48

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

تهيئة المقدّمات لإقامة الحكومة الإسلاميّة، بِحَسَب النهج الذي يَرَونه»[1].

 


[1]  الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، السيّد عليّ الحسينيّ، إنسان بعمر 250 سنة، نشر جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، 2015م - 1437هـ، ط2، ص257.

 

57


49

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

التوجّه العامّ للأئمّة (عليهم السلام)

إنّ دراسةَ أيّةِ سيرة أو مسار أو منهج ينبغي أن تعتمد -في الفهم- على التوجُّه العامّ والهدف الأساس، فَيكون للجزئيّات والتفاصيل معنى، وتُفهَم فهماً صحيحاً. لذا، فإنّ الإمام الخامنئيّ (دام ظله) يحدّد التوجّهَ العامَّ للأئمّة (عليهم السلام)، الذي عَملوا جميعاً مِن أجله، كلٌّ بِحَسَب ظروفه وحيثيّات المرحلة التي عايشها وعاصرها، وَهُو إقامة الحكومة الإسلاميّة: «إنّ أهل البيت (عليهم السلام) لم يلتزموا البقاء داخل البيت والاقتصار على بيان الأحكام الإلهيّة كما يفهمونها فقط، بل نجد أنّ برنامج الأئمّة (عليهم السلام) -منذ أوّل أيّام الصلح- قام على تهيئة المقدّمات لإقامة الحكومة الإسلاميّة، بِحَسَب النهج الذي يَرَونه»[1].

 

تأسيس الحكومة الهدف الأعظم

يرى الإمام الخامنئيّ (دام ظله) أنّ تأسيس الحكومة كان الهدف الأسمى والأعظم في مسيرتهم ونشاطهم (عليهم السلام)، فيقول: «كان الهدفُ الأكبر لهذا النضال تشكيلَ النظام الإسلاميّ، وتأسيس الحكومة على أساس الإمامة... ولم يَكُن لديهم هدف أعظم مِن هدف تشكيل الحكومة العلويّة، وتأسيس النظام الإسلاميّ العادل. وإنّ أشدَّ الصعاب التي واجهها الأئمّة (عليهم السلام) وأنصارهم في حياتهم الملآنة بِالمرارة والإيثار كانَت بِسبب امتلاك مِثل هذا الهدف»[2]. ويؤكّد أنّ الأعمال والأنشطة

 


[1] الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر250 سنة، مصدر سابق، ص257.

[2] المصدر نفسه، ص71.

 

58


50

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

التي كانوا يقومون بها كلّها، إنّما كانت تَصبّ في خدمة هذا الهدف والعمل على تحقيقه: «إنّ الأعمال التي كان يقوم بها الأئمّة (عليهم السلام) -غير تلك الأعمال المعنويّة والروحيّة التي تتعلّق بتكامل الإنسان وقُربه مِن الله؛ أي بينه وبينه ربّه- مِن دراسة وعِلم وحديث وكلام ومناظرات ضدّ الخصوم العِلميّين والسياسيّين ونفيٍ وحماية جماعةٍ والوقوف بِوَجه أخرى، كلّها تصبّ في هذا خَطّ تأسيس الحكومة الإسلاميّة»[1].

 

وقد قدّمَ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، في سبيل هذا الهدف وهذا الخطّ، دماءهم وأرواحهم، وعَملوا على تحقيقه جاهدين، باذِلين ما يمكن أن يُبذل في سبيل الوصول إليه كلّه، فَلَم يكونوا -كما يعتقد بعضهم- مُلازمين بُيوتهم، ومُقتصرين في نشاطاتهم على بيان الأحكام فقط، بل كانوا يُهيِّئون المقدّمات لإقامة الحكومة؛ «نحن نُرى، بعد صُلح الإمام الحسن (عليه السلام) في السنة الأربعين للهجرة، أنّ أهل البيت (عليهم السلام) لم يلتزموا البقاء داخل البيت والاقتصار على بيان الأحكام الإلهيّة كما يَفهمونها فقط، بل إنّ برنامج الأئمّة (عليهم السلام) -منذ أوّل أيّام الصلح- قام على تهيئة المقدّمات لإقامة الحكومة الإسلاميّة، بِحَسَب النهج الذي يَرَونه؛ وهذا ما نُلاحظه -بِوضوحٍ- في حياة الإمام المجتبى (عليه السلام) وكلماته»[2].

 


[1] الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر250 سنة، مصدر سابق، ص10 - 11.

[2]  المصدر نفسه، ص206.

 

59


51

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

وكذلك كان نشاط الإمام السجّاد (عليه السلام)، «فكان على الإمام السجّاد (عليه السلام)، مِن أجل حِفظ تيّار الإسلام الأصيل والمذهبيّ والواقعيّ، أن ينهض للجهاد، فَيجمع هذا الشتات كلّه، وَيتّجه بهم نحو الحكومة العلويّة؛ أي نحو الحكومة الإسلاميّة الواقعيّة»[1].

 

تأسيس حكومة مستقبليّة

عندما نقول إنّ هدف كلّ إمامٍ إيجاد الحكومة الإلهيّة في المجتمع الإسلاميّ، فَلا يعني ذلك أنّ كلّ إمامٍ كان بِصَدد إيجادها في عصره وزمانه، بل إنّ المراد أنّ كلّ إمامٍ كان يسعى لِتأسيس مُستقبليّ، عبر خطوات يقوم بها تَتناسب وحيثيّات عصره؛ يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «لا نستطيع القول إنّ كلّ إمام كان بِصدد تأسيس حكومة في زمانه وعصره، إذ كانَ كلّ إمامٍ يهدف إلى تأسيس حكومة إسلاميّة مستقبليّة؛ أكان ذلك في المستقبل البعيد أم القريب. لقد كان هدف الإمام المجتبى (عليه السلام) -مثلاً- تأسيس حكومة إسلاميّة في المستقبل القريب، فَقوله (عليه السلام): «قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنۡ أَدۡرِي لَعَلَّهُۥ فِتۡنَة لَّكُمۡ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِين﴾[2]»[3] في جوابه للمُسيّب بن نجيّة وآخرين، عندما سألوه عن سبب سكوته، لَهوَ خير دليلٍ وإشارة إلى هذا المستقبل. أمّا الإمام السجّاد

 


[1] الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر250 سنة، مصدر سابق، ص187.

[2]  سورة الأنبياء، الآية 111.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص 354.

 

62


52

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

(عليه السلام) -بِحَسَب اعتقادي- فَقد كان يهدف إلى تأسيس حكومة إسلاميّة في المستقبل المتوسّط، وَلدينا 

 

63


53

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

شواهد في هذا المجال. وثمّة احتمال كبير أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) سعى إلى تأسيس حكومة في المستقبل القريب، وأغلب الظنّ أنّ الأمر، بعد شهادة الإمام الثّامن (عليه السلام)، بات مُتوجّهاً إلى المدى البعيد»[1].

 

بَثّ الوعي هو الخطوة الأولى في بناء الحكومة

بلغَ الاعوجاج الفكريّ للأُمّة في عصر بني أميّة مبلغاً كبيراً، وبات الإسلام إسلام علماء البلاط، يُوظّفونه في خدمة السلطة والحاكم؛ لذا قام الإمام الباقر (عليه السلام)، في هذه المرحلة، بمواجهة شاملة للجهاز الحاكم، ولكنّها مِن نوعٍ آخر، تُؤتي أُكلها بعد حين. وقد ارتبطَت هذه المواجهة بالذهنيّة العامّة للمجتمع الإسلاميّ، فَعَمل (عليه السلام) على بَثّ الوعي، مُحاوِلاً تَبديلَها ووضعها في المسار السليم، كما يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «يريد الأئمّة (عليهم السلام) أن يُقيموا الحكومة الإسلاميّة الصحيحة، وَأن يأتوا بالنظام العَلَويّ، فَماذا يفعلون؟ إنّ أوّل خطوة هي تبديل الذهنيّة العامّة، فعليهم أن يبدّلوا تلك الثقافة -التي يُصطلح عليها بِأنّها إسلاميّة ضدَّ الإسلام، والتي كانَت قد رسخَت في أذهان الناس- إلى ثقافةٍ صحيحةٍ، وإلى القرآن الحقيقيّ، والتوحيد الواقعيّ؛ هذه هي المواجهة الثقافيّة... المواجهة الثقافيّة تعني السعي إلى تبديل الذهنيّة العامّة والثقافة الحاكمة

 


[1] الإمام الخامنئيّ (دام ظله)، إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص479.

 

64


54

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

عقول الناس، لكي يتمّ تعبيد الطريق باتّجاه الحكومة الإلهيّة، وسدّ السبيل أمام حكومة الطاغوت والشيطان. وقد بدأ الإمام الباقر (عليه السلام) هذا العمل»[1].

 

 


[1] المصدر نفسه، ص315.

 

65


55

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

التشكيلات السرّيّة

مُضافاً إلى بَثّ الوعي العامّ في المجتمع الإسلاميّ، قام الأئمّة (عليهم السلام) بإيجاد التشكيلات السرّيّة التي كانَت نواتها الأولى الإمام السجّاد (عليه السلام)، ثمّ الإمام الباقر (عليه السلام)، ثمّ اتّسعَت دائرتها في عهد الإمام الصادق (عليه السلام)، لِتَبلغ أرجاء العالم الإسلاميّ المختلفة. ولا شكّ في أنّ هذا الأمر كان يَصبّ في خدمة الهدف المنشود للأئمّة (عليهم السلام)؛ يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «أوجدَ الإمام الصادق (عليه السلام) تشكيلات عظيمة مِن المؤمنين به، ومِن أتباع تيّار الحكومة العلويّة في أرجاء العالم الإسلاميّ المختلفة، مِن أقصى خراسان وما وراء النهر إلى شمال أفريقيا. فماذا تعني التشكيلات؟ إنّها تعني أنّه عندما يريد الإمام الصادق (عليه السلام) أن يُعلم الناس بأيّ شيءٍ، فإنّه يفعل ذلك عبر وكلائه المتواجدين في آفاق العالم الإسلاميّ، وتعني جَمْع الحقوق الشرعيّة كلّها والميزانيّة المطلوبة لإدارة مواجهة سياسيّة عظيمة لآل عَليّ (عليهم السلام)، كما تعني رجوع أتباع الإمام الصادق (عليه السلام) إلى وكلائه وممثّليه المتواجدين في المدن جميعها، لِمَعرفة تكليفهم الدينيّ والسياسيّ مِنه»[1].

 

الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران

 


[1] الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر250 سنة، مصدر سابق، ص350.

 

66


56

الموعظة الخامسة: الحكومة الإسلاميّة هدف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في فِكر الإمام الخامنئيّ (دام ظله)

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «نحن -اليوم- نسعى إلى تحقيق الغاية نفسها التي ناضل وكافح الأئمّة (عليهم السلام) مِن أجلها، واستشهدوا في سبيلها. لقد كانت الغاية مِن كفاح الأئمّة(عليهم السلام) ونضالهم، على مدى

 

الأزمنة، بَسْط حاكميّة الإسلام في المجتمع. لم يتمّ بلوغ هذه الغاية طوال التاريخ الإسلاميّ، منذ الصدر الأوّل حتّى اليوم؛ أي إنّه لم يتمّ في أيّ مكان مِن العالم، وفي أيّة مرحلة مِن مراحل التاريخ الإسلاميّ بعد صَدر الإسلام، تحقيق ذلك المجتمع الذي ينشأ مِن الأحكام والقوانين والمناسبات الاجتماعيّة ومُقرّرات الحياة التي حدَّدها القرآن الكريم والتعاليم الإسلاميّة، ويسعى إلى تطبيق الإسلام، على الرغم مِن أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كافحوا مِن أجل هذه الغاية. لقد تمكّنّا -اليوم- مِن تشكيل هيكل هذا المجتمع. وَلا شكّ في أنّ الطريق طويل حتّى يحتوي هذا الهيكلُ الشامل خصائصَ المجتمع الإسلاميّ وتفاصيله، ولكن ما يهمّ تأسيس مجتمع ونظام بهذه الخصائص وهذا الإطار في العالم»[1].

 


[1]  الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر250 سنة، مصدر سابق، ص136.

 

67


57

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

 

هدف الموعظة

بيان أهمّيّة جهاد التبيين ومواضعه في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام).

 

محاور الموعظة

1. التبيين هدف ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

2. نماذج مِن جهاد التبيين الذي قام به الإمام الحسين (عليه السلام)

تصدير الموعظة

الإمام الصادق (عليه السلام): «وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيكَ، لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضلالَةِ»[1].

 

 


[1] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق حسن الموسويّ الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1407ه‏، ط4، ج‏6، ص113.

 

68


58

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

التبيين هدف ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)

إنّ معالم حركة التبيين التي أرادها الإمام الحسين (عليه السلام) من نهضته جَليّةً واضحة في أحداث الثورة الحسينيّة المباركة كلّها، بحيث يمكن القول إنّ التبيين هو أحد أهمّ أهداف نهضة عاشوراء. لذا، تجبُ قراءة النهضة الحسينيّة وقضيّة عاشوراء بمنظار جهاد التبيين، الذي قَدّم فيه الإمام الحسين (عليه السلام) أسلوباً مختلفاً للتبيين، هوَ التبيين بالشهادة؛ وَرَدَ في زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) على لسان الإمام الصادق (عليه السلام): «وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيكَ، لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضلالَةِ»[1].

 

نماذج مِن جهاد التبيين الذي قام به الإمام الحسين (عليه السلام)

يمكن تقسيم حركة التبيين التي قام بها الإمام الحسين (عليه السلام) إلى ثلاث مراحل:

أوّلاً، في المدينة

وَرَد في المصادر التاريخيّة أنّه، بعد موت معاوية بن أبي سفيان، وَصلَ إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان في المدينة المنوّرة -وقد عَيّنه فيها معاوية- طلبُ يزيد بن معاوية بِأَخْذ البيعة مِن الحسين (عليه السلام)، ولم يرخّص له في التأخير عن ذلك. رَفض الإمام الحسين

 


[1] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج6، ص113.

 

69


59

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

(عليه السلام) أن تكون بيعته سرّاً، وَقال: «إنّي لا أراك تقنع بِبَيعتي لِيَزيد سرّاً حتّى أبايعه جهراً، فَيعرف ذلك الناس»، فَقال له الوليد: أجل. فَقال الحسين (عليه السلام): «فتصبح وترى رأيك في ذلك»، فَقال له الوليد: انصرِف على اسم الله تعالى حتّى تأتينا مع جماعة الناس. إلّا أنّ مروان بن الحكم لم يرضَ بذلك، وطلب البيعة فوراً، مُهدّداً الإمام الحسين (عليه السلام) بالقتل. فَردَّ الإمام (عليه السلام) بالقول: «إنّا أهل بيت النبّوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجلٌ فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، مُعلَنٌ بالفسق، وَمِثلي لا يبايع مِثله»[1]؛ هذا مِن أهمّ مصاديق جهاد التبيين الذي أراد الإمام الحسين (عليه السلام) ممارسته ضدّ السلطة الجائرة والفاسدة، فَبَيَّن فسادها وبطلانها عن طريق رَفْضه البيعة في السرّ، ثمّ خَرج مِن المدينة، مُعلِناً بَدء شعلة الثورة الحسينيّة المباركة.

 

ثانياً، في مكّة المكرّمة

قرّر الإمام الحسين (عليه السلام) الذهاب إلى مكّة، فَمكثَ فيها أشهراً عديدة، بِغَرض استثمار فرصة الحجّ لِتبيين أهداف نهضته. فالحجّ مؤتمر إسلاميّ سنويّ جامع، وهو أفضل مناسبة للتبيين العامّ في ذلك الزمان؛ لذا اختارهُ زماناً ومكاناً مُناسبَيْن للتبيين

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج44، ص325.

 

70


60

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

لأوسع شريحة ممكنة مِن المسلمين. وقد أظهر هذا ردَّ فعلِ السلطة الطاغوتيّة تجاه نجاح الإمام الحسين (عليه السلام) في تبيين أهداف نهضته، إذ أمر يزيدُ بن معاوية واليَه على مكّة، عمرو بن سعيد بن العاص، بملاحقة الإمام (عليه السلام) وقتله، ولو كان مُعلّقاً بأستار الكعبة، كما هدّد أهلَ المدينة ووجهاءَها إن هُم التحقوا به.

 

71


61

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

لقد بيّن الإمام الحسين (عليه السلام) في مكّة قضايا عديدة، مِنها:

1. مكانة الموت وجماليّته في الرؤية الإسلاميّة، إذ إنّه يمثّل إحدى الحلقات التكامليّة للإنسان، فَكانت عبارته: «خُطَّ الْمَوْتُ عَلَى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَى جِيدِ الْفَتَاة»[1].

2. صفات الأنصار، فَلم يكن (عليه السلام) يريد حشد العدد، بل استنصار الصالحين فقط، وأصحاب الصفات الخاصّة؛ «مَنْ كَانَ بَاذِلاً فِينَا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلَى لِقَاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ، فَإِنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحاً، إِنْ شَاءَ الله»[2].

3. هدف نهضته، فَمِن رسالته إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة: «أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي (صلى الله عليه وآله) وَأَبِي‏ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)»[3].

4. أداء التكليف الشرعيّ، وَالنتيجة مِن الله تعالى، فَمِن كلامه (عليه السلام) مع الشاعر الفرزدق في مكّة: «إنْ نَزَلَ الْقَضَاءُ بِمَا نُحِبُّ، فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى نَعْمَائِهِ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ عَلَى أَدَاءِ الشكْرِ، وَإِنْ حَالَ

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج44، ص367.

[2] المصدر نفسه، ج44، ص367.

[3] المصدر نفسه، ج44، ص330.

 

72


62

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

الْقَضَاءُ دُونَ الرجَاءِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مَنْ كَانَ الْحَقَّ نِيَّتُهُ، وَالتقْوَى سِيرَتُه»[1].

 

 


[1]  المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان العكبريّ البغداديّ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، دار المفيد، بيروت - لبنان، 1993م، ط2، ج2، ص67.

 

73

 

 


63

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

ثالثاً، في كربلاء

لقد كانت واقعة يوم عاشوراء -وما سبقها وما تلاها- مُفعمة بكلمات الإمام الحسين (عليه السلام) وأفعاله التبيينيّة، التي مِنها:

1. تبيين الهويّة الشخصيّة ذات المقام الرفيع عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)، فَمِن خطبته في جيش الحرّ: «فإنْ تمّمتُم عَلَيّ بيعتكم تُصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن عليّ (عليه السلام) وابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نَفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فَلَكُم فِيَّ أُسوة»[1].

2. تبيين صفات أنصاره، فَمِن كلامه مع عُبيد الله بن الحرّ الجعفيّ في الطريق إلى كربلاء: «أَيُّهَا الرجُلُ، إِنَّكَ مُذْنِبٌ خَاطِئٌ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ آخِذُكَ بِمَا أَنْتَ صَانِعٌ إِنْ لَمْ تَتُبْ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي سَاعَتِكَ هَذِهِ فَتَنْصُرَنِي، ويَكُون جَدِّي (صلى الله عليه وآله) شَفِيعكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»، فَقَالَ: يَابْنَ رَسُولِ اللهِ، وَاللهِ لَوْ نَصَرْتُكَ لَكُنْتُ أَوَّلَ مَقْتُولٍ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَلَكِنْ هَذَا فَرَسِي خُذْهُ إِلَيْكَ... فَأَعْرَضَ عَنْهُ

 


[1] الأزديّ، لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الأزديّ الغامديّ، مقتل الحسين (عليه السلام)، تعليق الحسن الغفاريّ، المطبعة العلميّة، إيران - قمّ، 1398ه، لا.ط، ص86.

 

74


64

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

الْحُسَيْنُ (عليه السلام) بِوَجْهِهِ، ثمّ قَالَ: «لَا حَاجَةَ لَنَا فِيكَ، وَلَا فِي فَرَسِكَ، ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّينَ عَضُدا﴾[1]»[2].

 


[1] سورة الكهف، الآية 51.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص219.

 

75


65

الموعظة السادسة: جهاد التبيين في عاشوراء

3. تبيين أنّ الهدف أغلى مِن النفس والروح والأهل والولد، فكانَت دماؤه التي روَتْ رمال صحراء كربلاء، ودماء أولاده وأصحابه، أبلغ تبيين عَمَليٍّ لهذه القضيّة خَطَّتْه الدماء. فالأُمّة كانَت قد وصلَت في مستوى بُعدها عن الله والإسلام حدّاً لم تكن معه لِتَفْقَه ما يقوله الإمام الحسين (عليه السلام)، أو تتأثّر في ذلك قيد أنملة، إذ كان مستوى الجهالة والضلالة لديهم عالياً، وَلم تنجح بإخراجهم منه سوى دماء ذلك الوجود المقدّس لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)؛ هذا هو التبيين بالشهادة.

 

76


66

الموعظة السابعة: الشعائر الدينيّة

الموعظة السابعة: الشعائر الدينيّة

 

هدف الموعظة

تَعَرُّفُ الشعائر الدينيّة وتعظيمها وإقامتها والمحافظة عليها.

 

محاور الموعظة

1. معنى الشعائر وأصنافها ومظاهرها

2. وجوب تعظيم الشعائر الدينيّة

3. أهمّيّة المسجد في صدر الإسلام

4. ثواب إقامة الصلاة في المسجد

5. صلاة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم العاشر

 

تصدير الموعظة

﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾[1].

 


[1] سورة الحجّ، الآية 32.

 

77


67

الموعظة السابعة: الشعائر الدينيّة

معنى الشعائر وأصنافها ومظاهرها

الشعائرُ جَمعُ شعيرة، وَهي العلامة. وشعائرُ الله الأعلامُ التي نَصَبَها الله تعالى لِطاعته؛ ﴿إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ﴾[1] و﴿وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ﴾[2] [3]. والشعيرة والشعار هو الإعلام للمعاني الدينيّة بأدوات حسّيّة، فَكلّ ما أُعلم بواسطة الله تعالى أو بِفِكرة منسوبة إليه، كدينه أو أمره ونهيه، فَهو شعار دينيّ[4]. وتكون الشعائر زمانيّة، مثل شهر رمضان وأيّام الحجّ ويوم الجمعة وأيّام عاشوراء، ومكانيّة، مثل مكّة المكرّمة وبيت الله الحرام ومشاهد المعصومين (عليهم السلام) والمساجد المباركة. ولها مظاهر لا بُدّ مِن إحيائها؛ كأن تكون حاضرة في المجتمع الإسلاميّ، فَيُحافظ على إقامتها المسلمون، مثل القرآن الكريم والصلاة والحجّ وعاشوراء وغيرها.

 

وجوب تعظيم الشعائر الدينيّة

إنّ شعائر الله تشمل الأعمال الدينيّة جميعها التي تُذكّر الإنسان بِالله سبحانه وتعالى وعَظَمَته، والتي يكون

 


[1] سورة البقرة، الآية 158.

[2] سورة الحجّ، الآية 36.

[3]  انظر: الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1417ه‏، ط5، ج14، ص373.

[4] السند، الشيخ محمّد، الشعائر الدينيّة نقد وتقييم، تقرير السيّد جعفر الحكيم، دار الغدير، إيران - قم، 2003م، ط1، ص17.

 

78


68

الموعظة السابعة: الشعائر الدينيّة

تعظيمها دليلاً على تقوى القلوب؛ ﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾[1]. وحقيقةُ التعظيم تَسامي مكانة هذه الشعائر في عقول الناس وبواطنهم، فَيُؤدّونَ ما تستحقّه مِن تعظيم واحترام.

والعلاقة بين تعظيم الشعائر وتقوى القلب واضحة، إذ إنّ التعظيم، على الرغم مِن أنّه من عناوين القصد والنيّة، إلّا أنّه يحدث كثيراً أن يقوم المنافقون بالتظاهر به، فلا يكون ذا قيمة، لأنّه ليس نابعاً مِن تقوى القلوب؛ لذا نجد تعظيم الشعائر -حقيقةً- لدى أتقياء القلوب. ونحن نعلم أنّ مركزَ التقوى وجوهرَ اجتنابِ المعاصي والشعورِ بالمسؤوليّة إزاءَ التعاليم الإلهيّة قلبُ الإنسان وروحُه، ومنهما يَنفذ إلى جسده؛ لذا فَإنّ تعظيم الشعائر الإلهيّة مِن علامات التقوى القَلبيّة، فَقَد وَرَدَ عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «التقوى ها هُنا»[2]، مُشيراً إلى صدره المبارك[3].

إذاً، تعظيمُ شعائر الله تعظيمٌ لله، وخضوعٌ له، وتقرُّبٌ إليه سبحانه، وخلوصٌ لِوجهه الكريم. فَإقامتها والمحافظة عليها مِن أسباب صلاح الإنسان وهدايته وتحصينه، بل صلاح المجتمع الإسلاميّ وهدايته وتحصينه.

 


[1] سورة الحجّ، الآية 32.

[2] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قمّ، 1414ه، ط1، ص536.

[3]  انظر: الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، إيران - قم، 1426ه، ط1، ج10، ص344.

 

79


69

الموعظة السابعة: الشعائر الدينيّة

والإيمان بالله تعالى، فَيمنحها القُدسيّة لِتصبح واجباً من الواجبات الشرعيّة؛ «طلبُ العِلم فريضة على كلِّ مُسلم»[1] [2].

ولقد كان ارتباط المسلمين بالمسجد -في ذلك الزمن- قويّاً وكبيراً إلى الحدّ الذي كان يُتّهَم مَن يَغيب عنه ويُشكّك في دينه، فَعَن زريق الخلقانيّ: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «رُفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة أنّ قوماً مِن جيران المسجد لا يَشهدون الصلاة جماعةً في المسجد، فقال (عليه السلام): ليحْضُرُنّ معنا صلاتنا جماعة، أو ليتحوّلُنّ عنّا، ولا يُجاورونا ولا نجاورهم»[3].

وَممّا يبيّن أهمّيّة المسجد وَقَدر غنيمة مَن يداوم الحضور فيه ما رُويَ عن الإمام عليّ (عليه السلام): «مَن اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو عِلماً مُستطرفاً، أو آيةً مُحكمة، أو

 


[1] الصفّار، محمّد بن حسن، بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد (عليهم السلام)، مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ، إيران - قم، 1404هـ.، ط2، ص22.

[2] انظر: الحكيم، السيّد محمّد باقر، دور أهل البيت (عليهم السلام) في بناء الجماعة الصالحة، مركز الطباعة والنشر للمجمّع العالميّ لأهل البيت (عليهم السلام)، لا.م، 1425ه، ط2، ج1، ص140.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج85، ص14.

 

 

81


70

الموعظة السابعة: الشعائر الدينيّة

رحمةً مُنتظَرة، أو كلمةً تَردّه عن ردى، أو يسمع كلمةً تَدلّه على هدى، أو يترك ذنباً، خشيةً أو حياءً»[1].

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1403هـ - 1362ش، لا.ط، ص410.

 

82


71

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

ثواب إقامة الصلاة في المسجد

لقد نَدَب الشارع المقدّس إلى الصلاة في المسجد، فَعَن الإمام الصادق (عليه السلام): «عَلَيكُم بِالصَلاةِ فِي المساجِدِ»[1]. ويَشتدّ استحباب الصلاة في المسجد لِجاره؛ «لا صلاة لجار المسجدِ إلّا في المسجد، إلّا أن يكون له عذر أو به علّة»[2]. فَأجرُ أداء الصلاة جماعةً في المسجد أكبر وأجزل مِن الصلاة فُرادى فيه؛ عن الإمام الرضا (عليه السلام): «... وصلاة واحدة في جماعة بِخَمس وعشرينَ صلاة مِن غير جماعة، وتُرفع له في الجنّة خَمس وعشرون درجة»[3]، وعن زريق قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «صلاة الرجل في منزله جماعةً تعدل أربعاً وعشرين صلاة، وصلاة الرجل جماعةً في المسجد تعدل ثمانياً وأربعين صلاة مُضاعفة في المسجد. إنّ الركعة في المسجد الحرام ألف ركعة في سواه مِن المساجد، وإنّ الصلاة في المسجد فَرداً بأربع وعشرين صلاة، والصلاة في منزلك فَرداً هباءً منثوراً، لا يصعد منه إلى الله شيء. ومَن صلّى في بيته جماعةً رغبةً عن المسجد فَلا صلاة له، ولا لِمَن صلّى معه إلّا مِن علّة تمنع مِن المسجد»[4].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج‏2، ص635.

[2] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج3، ص356.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج85، ص105.

[4] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص696.

 

84


72

الموعظة السابعة: الشعائر الدينيّة

صلاة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم العاشر

في أرض المعركة يوم العاشر مِن محرّم، حين كانت الرماح والأسنّة

 

 

84


73

الموعظة السابعة: الشعائر الدينيّة

تتطاير، لم يترك الإمام الحسين (عليه السلام) إحياء شعيرة الصلاة جماعةً، فَعَن حميد بن مسلم: ... فَلا يزال الرجل مِن أصحاب الحسين (عليه السلام)، قد قُتل مِنهم الرجل والرجلان تَبين فيهم، وأولئك كثير لا يتبيَّن فيهم ما يُقتل منهم. فَلمّا رأى ذلك أبو ثمامة، عمرو بن عبد الله الصائديّ، قال للحسين (عليه السلام): «يا أبا عبد الله -نَفسي لك الفداء- إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، وَلا والله لا تُقتَل حتّى أُقتَل دونك -إن شاء الله- وأحبّ أنْ ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها». فَرَفع الحسين (عليه السلام) رأسه، ثمّ قال: «ذكرتَ الصلاة، جعلكَ الله مِن المصلّين الذاكرين. نَعم، هذا أوّل وقتها... سَلُوهم أنْ يَكفّوا عنّا حتّى نُصلّي...»[1]. فَأمر الحسين (عليه السلام) زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفيّ أن يتقدّما أمامه بِنصفِ مَن تخلّفَ معه، ثمّ صلّى بهم صلاة الخوف. ولَمّا وَصل إلى الحسين (عليه السلام) سهمٌ، تقدّم سعيد بن عبد الله الحنفيّ ووقفَ يَقيه بِنَفسه، فَما زال وما تخطّى حتّى سَقط إلى الأرض، وَهو يقول: «اللّهمّ الْعَنهُم لعنَ عاد وثمود، اللّهمّ أبلِغْ نبيَّك عنّي السلام، وأبلغه ما لقيتُ مِن ألم الجراح، فإنّي أردتُ ثوابَك في نَصر ذرّيّة نبيِّك»، ثمّ قضى نحبه

 


[1] أبو مخنف الأزديّ، مقتل الحسين (عليه السلام)، مصدر سابق، ص142.

 

85


74

الموعظة السابعة: الشعائر الدينيّة

(رضوان الله عليه)، فَوُجِد به ثلاثة عشرَ سَهماً، مُضافاً إلى ما به مِن ضرب السيوف وطَعن الرماح[1].

 

 


[1] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، اللهوف في قتلى الطفوف، أنوار الهدى، إيران - قم، 1417هـ، ط1، ص66.

 

86


75

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

 

هدف الموعظة

الحثّ على الاقتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار (عليهم السلام).

 

محاور الموعظة

1. القدوة النموذجيّة

2. أسوةٌ حسنة

3. هم السبيل إليك

 

تصدير الموعظة

﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ﴾[1].

 

 


[1] سورة الأنعام، الآية 90.

 

87


76

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

أعطى الإسلام أهمّيّة خاصّة للقدوة الحسنة؛ لما لها من دور فاعل في بلوغ الفرد والمجتمع الغاية المنشودة من الخلق، ومعرفة طريق النجاة والسعادة؛ إذ إنّ الارتقاء في مدارج الكمال الإنسانيّ يقتضي وجود القدوة التي تشكّل النموذج الصالح في الأفكار والممارسات والسلوكيّات. فالقدوة حالة ضروريّة لكونها تشكّل النموذج التربويّ الذي تحتاجه البشريّة في جميع تفاصيل الحياة.

 

القدوة النموذجيّة

وفي اختيار القدوة، لا بدّ من تحديد النموذج الأكمل الذي يحوي الأركان والخصائص، ويحمل القيم الأخلاقيّة السامية؛ إذ إنّ الاختيار الخاطئ سوف يؤدّي إلى الانحراف عن الصراط وضياع الغاية.

من هنا، كانت بعثة الأنبياء والرسل (عليهم السلام) منارةً تسير بهديهم الأمم، فتضمن السلامة في الدنيا والفوز في الآخرة، فهم مبعوثون لإنقاذ البشريّة وإخراجها من غيّها وظلمات جهلها، وكان آخرهم النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله)، القدوة الذي توافرت لديه المزايا والخصائص التي تجعله مبشِّراً ونذيراً وحاملاً مشعل الهداية لينير درب السالكين.

 

88


77

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «في القلب نور لا يضيء إلّا من اتّباع الحقّ وقصد السبيل، وهو نورٌ من المرسلين الأنبياء، مُودَع في قلوب المؤمنين»[1].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج2، ص265.

 

89


78

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

أسوةٌ حسنة

﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرا﴾[1].

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ (صلى الله عليه وآله)؛ فَإِنَّ فِيه أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى وعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى، وأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّه الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّه والْمُقْتَصُّ لأَثَرِه؛ قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً ولَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً، أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً، وأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْه الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وعَلِمَ أَنَّ اللَّه سُبْحَانَه أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَه، وحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَه وصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَه... ولَقَدْ كَانَ (صلى الله عليه وآله) يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، ويَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، ويَخْصِفُ بِيَدِه نَعْلَه، ويَرْقَعُ بِيَدِه ثَوْبَه، ويَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ، ويُرْدِفُ خَلْفَه...»[2].

إنّها دعوة صريحة من أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو الخبير العارف، إلى اتّباع النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) والتأسّي به، وذلك من خلال بيان الكمال الذي تحويه هذه الشخصيّة العظيمة، فمَن كان يبحث عن القدوة والنموذج، فهذا مَن مدحه الخالقُ بوصفٍ عظيمٍ لم يمدح به أحداً من خلقه، إذ يقول تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم﴾[3]، وقد بيّن أمير المؤمنين

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 21.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص227، الخطبة 160.

[3] سورة القلم، الآية 4.

 

90


79

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

(عليه السلام) الركن الأساس بعد مكارم الأخلاق في الشخصيّة القدوة، ألا وهو الإعراض عن الدنيا والزهد بما فيها. من هنا، كانت 

 

91


80

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

دعوته (عليه السلام) إلى التأسّي به؛ لأنّه الأسوة الحسنة والنموذج الإنسانيّ الكامل والصورة الكاملة لمكارم الأخلاق.

يقول سبحانه على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله): ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم﴾[1].

 

هم السبيل إليك

فالأساس يكمن في الاتّباع والاقتداء والتأسّي بالقدوة والنموذج، والسير على الصراط عينه، وفي النهج نفسه، وبذلك يتحقّق الأثر وتُدرَك الغاية، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا طريق للأكياس من المؤمنين أسلم من الاقتداء؛ لأنّه المنهج الأوضح والمقصد الأصحّ، قال الله عزّ وجلّ لأعزّ خلقه محمّد (صلى الله عليه وآله): ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقۡتَدِهۡۗ ﴾[2]، وقال عزّ وجلّ: ﴿ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفاۖ﴾[3]، فلو كان لدين الله مسلك أقوم من الاقتداء، لندب أنبياءه وأولياءه إليه»[4].

وكذا الأمر في ما يتعلّق بالأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، إذ أمر الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله):

 


[1] سورة آل عمران، الآية 31.

[2] سورة الأنعام، الآية 90.

[3] سورة النحل، الآية 123.

[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج2، ص265.

 

92


81

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

﴿قُل لَّآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ﴾[1]، و«المودّة كأنّها الحبّ الظاهر أثره في مقام العمل، فنسبة المودّة إلى الحبّ

كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل إلى الخشوع الذي هو نوع تأثر نفسانيّ عن العظمة والكبرياء»[2]. فمودّة ذي القربى تجرّ المحبّ إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة، ويجعلهم أُسوة في دينه ودنياه، فالنفع من المودّة عائد على المُحبّ، وقد جاء في دعاء الندبة الإشارة إلى هذا المعنى من خلال الجمع بين الآيات التي تتكلّم على أجر النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله): «ثمّ جعلت أجر محمّد (صلى الله عليه وآله) مودّتهم في كتابك، فقلت: ﴿لَّآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ﴾[3]، وقلت: ﴿قُلۡ مَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٖ فَهُوَ لَكُمۡۖ﴾[4]، وقلت: ﴿مَآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلا﴾[5]، فكانوا هم السبيل إليك، والمسلك إلى رضوانك»[6].

 


[1] سورة الشورى، الآية 23.

[2] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج16، ص166.

[3] سورة الشورى، الآية 23.

[4] سورة سبأ، الآية 47.

[5] سورة الفرقان، الآية 57.

[6] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يُعمَل مرّة في السنة، تحقيق جواد القيوميّ الاصفهانيّ، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران - قم، 1414هـ، ط1، ج1، ص506.

 

93


82

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

بناءً على ما ذُكِر، يكون الاقتداء بالنموذج والقدوة عائداً بالنفع على المقتدي والسالك، وأوّل الآثار وأهمّها في ما يرتبط بمحبّة أهل البيت (عليهم السلام) وولايتهم هو الفوز والنجاة في القيامة، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا ومن أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد رضي الله عنه، ومن رضي عنه كافأه الجنّة...»[1] ، وثمّة فيوضات وآثار أخرى

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج7، ص222.

 

94


83

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

تترتّب على هذه الولاية والاتّباع للقدوة المتمثّلة بالإنسان الكامل وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، فللمحبّة دورها وتأثيرها في حياة الإنسان وتوجّهاته، وإنّ من أعظم الفيوضات والآثار التي منّ الله بها على الموالين التوسّلَ بهم.

 

95


84

الموعظة الثامنة: القدوة الحسنة

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

 

هدف الموعظة

إظهار مكانة القدوة وأهمّيّتها في الأسرة والأولاد (الأب نموذجاً).

 

محاور الموعظة

1. الوالدان قدوة الأبناء

2. التأثير بالسلوك

3. مسؤوليّات الأب

4. قواعد تربويّة مهمّة

5. الذرّيّة الصالحة

6. وظائف الذرّيّة الصالحة

7. آثار الذرّيّة الصالحة

 

تصدير الموعظة

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظ شِدَاد لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾[1].

 

 


[1] سورة التحريم، الآية 6.

 

96


85

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

الوالدان قدوة الأبناء

إنّ الاقتداء بالصالحين الذين يَتحلّون بمكارم الأخلاق وفضائلها، لَهوَ مِن وسائل الاتّصال بالحقّ وبُلوغ الخير والصلاح، وقد حثّ الإسلام على ذلك، وأمر به. والوالِدان، في ما يأتيانه مِن أفعال وأقوال، يمثّلان القدوة والنموذج لأبنائهما؛ لذا ينبغي عليهما أن يحرصا على عاقبتهم، ويعملا على ما يُصلح لهم أمر دينهم وآخرتهم، فَعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «علّموا أنفسكم وأهليكم الخير، وأدّبوهم»[1]، وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في حقوق الأبناء: «وأمّا حقّ ولدك، فأن تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به مِن حُسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته. فاعمل في أمره عمل مَن يعلم أنّه مُثابٌ على الإحسان إليه، مُعاقَبٌ على الإساءة إليه»[2].

 

التأثير بالسلوك

مِن الأمور التي ينبغي التنبّه إليها، والعمل عليها في عمليّة التربية، أن يحرص المرء على التزام ما يأمر به الآخرين مِن معروف، واجتناب ما ينهاهم عنه مِن منكر، إذ إنّ التأثير الفعّال والقويّ في الآخرين يكون

 


[1] السيوطيّ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج6، ص244.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص454.

 

 

97

 


86

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

عن طريق السلوك والأفعال التي تنسجم مع الأوامر والنواهي. أمّا إذا كانت الأفعال على خِلاف الأقوال، فإنّ ذلك يُضعف عمليّة 

 

 

98


87

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

التأثير، بل قد يكون له تأثيرٌ عكسيّ؛ عَن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَيَأْمُرُونَ‏ بِالْقِسْطِ وَيَأْتَمِرُونَ‏ بِهِ‏، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ‏»[1] و«وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَنَاهَوْا عَنْهُ، فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ‏ بِالنَهْيِ‏ بَعْدَ التَنَاهِي‏»[2] و«مَنْ‏ نَصَبَ‏ نَفْسَهُ‏ لِلنَاسِ إِمَاماً، فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ. وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ الناسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ‏»[3].

 

مسؤوليّات الأب

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ لكلّ شجرة ثمرة، وثمرة القلب الولد»[4]، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «مِن سعادة الرجل أن يكون له الولد، يُعرف فيه شبهه؛ خَلْقَه وخُلُقَه وشمائله»[5].

إنّ للأب دوراً في تأمين متطلّبات الأسرة المادّيّة والمعنويّة، وَلا بدّ مِن النظر -ولو قليلاً- إلى تلك الوظائف والمسؤوليّات التي نَستمدّ بعضها مِن رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام)، إذ يقول: «وأمّا حقّ ولدك فأنْ تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وَشرّه، وأنّك مسؤولٌ عمّا ولّيته

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص342، الخطبة 222.

[2] المصدر نفسه، ص152، الخطبة 105.

[3] المصدر نفسه، ص480، الحكمة 73.

[4] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، مصدر سابق، ج16، ص457.

[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص306.

 

99


88

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

مِن حُسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فَمُثاب على ذلك ومعاقب...»[1]:

1. حُسن الأدب: وَالأدب عنوانٌ عامّ للمفاهيم والقيم والسُنن التي ينبغي أن يتربّى الولد عليها مُنذ الصغر لِتَنطبع في شخصيّته، وتتحوّل شيئاً فشيئاً إلى سلوك. وغالباً ما ينمو حُسن الأدب أو سوؤه مع الطفولة، ويستمرّ مع الإنسان حتّى المراحل العمريّة الأخرى. وقد أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ضرورة التأديب منذ الصغر بِقَوله: «وَإِنَّمَا قَلْبُ‏ الْحَدَثِ‏ كَالْأَرْضِ‏ الْخَالِيَةِ، مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْ‏ءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرتكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ»[2]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أدَّبني أبي بِثلاث؛ قال لي: يا بُنيّ، مَن يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومَن لا يقيّد ألفاظه يندم، ومَن يدخل مداخل السوء يُتَّهم»[3].

2. الدلالة على الله: فَمَن عرف ربّه سَلك سُبُلَ الصلاح في الدنيا. وينبغي هنا اعتماد الأسلوب التدريجيّ في التربية على معرفة الله، والتركيز -في المرحلة الأولى- على إبراز جَنَبة الرحمة الإلهيّة، وتفضُّله بالنعم علينا، واهتمامه بنا، وتفضيلنا على

 


[1] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (عليهم السلام)، مصدر سابق، ص263.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص393، الكتاب 31.

[3] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (عليهم السلام)، مصدر سابق، ص376.

 

100


89

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

سائر خلقه، والبعد عن أسلوب التخويف والتهديد والوعيد.

3. الإعانة على الطاعة: بِالتوجيه الدائم للوَلد بشكلٍ مباشر، وبإيجاد البيئة الصالحة والمناسبة، وبالتربية بالقدوة. فَالعمل على التربية السليمة والرعاية المركّزة، والمتابعة والحضور الدائمَيْن في حياة الولد، يساعدانه على طاعة الله تعالى؛ عن الإمام الصادق (عليه السلام):

 

101


90

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

«إنّا نأمر صبياننا، إذا كانوا بَني سبع سنين، بما أطاقوا مِن صيام اليوم، فإذا كان إلى نصفِ النهار أو أكثر مِن ذلك أو أقلّ، فإذا غَلَبهم العطش والغرث أفطروا، حتّى يتعوّدوا الصوم ويُطيقوه. فَمُرْوا صبيانَكم، إذا كانوا أبناء تسع سنين، بما أطاقوا مِن صيام، فإذا غلبهم العطش أَفطروا»[1].

 

قواعد تربويّة مهمّة

ثمّة أمورٌ مهمّة ومبادئ ضروريّة في عمليّة التربيّة تنبغي مراعاتها والاهتمام بها؛ لِما لها مِن تأثير مهمّ في ذلك، نَذكر منها:

1. الحنان والعاطفة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله ليرحمَ العبدَ لشدّة حبّه لولده»[2]، وقال رجلٌ للنبيّ (صلى الله عليه وآله): ما قبّلتُ صبيّاً لي قطّ، فَلمّا ولّى، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «هذا الرجل عندي أنّه مِن أهل النار»[3].

2. العدالة: أبصرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلاً له ولدان، فقبّلَ أحدهما وترك الآخر، فقال (صلى الله عليه وآله): «فَهَلّا واسيتَ بينهما؟»[4].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص125.

[2] المصدر نفسه، ج6، ص50.

[3] المصدر نفسه.

[4] ابن الأشعث، محمّد بن محمّد، الجعفريّات (الأشعثيّات)، مكتبة النينوى الحديثة، إيران - طهران، لا.ت، ط1، ص55.

 

102


91

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

3. العفاف: عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «فرِّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بَلغوا

 

103


92

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

سبعَ سنين»[1]، وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «إذا بلغَت الجارية ستّ سنين فلا تُقبّلها، والغلام لا يُقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين»[2].

4. مراعاة المرحلة العمريّة: إذ إنّ مرحلة ما قبل البلوغ مرحلة تدريب يسير وجزئيّ على المفاهيم والقيم والعقائد، لِترسيخها في عقول الصغار مِن الأبناء. ولقد اهتمَّت التربية الدينيّة بالتنظيم التربويّ وفاقَ مراحل العمر المختلفة، فَفي الحديث: «الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين»[3]. ومرحلة البلوغ مرحلة مهمّة وحسّاسة للغاية، لأنّها مرحلة بداية الرشد لدى الشخصيّة، وفيها خصّيصتان رئيستان: استقلال الشخصيّة، وتموّجاتها. يُقصد بالاستقلال أن تبدأ الشخصيّة بِالتحسّس بأنّها كيانٌ مستقلٌّ عن الأُسرة، أمّا تموّجاتها، فالاضطراب أو التقلُّب أو التردّد في الوصول إلى الموقف الحاسم الذي تَخُطّه لِمُستقبلها؛ ويمكننا ملاحظة هذا الطابع -بِوضوحٍ- عندما نعود الى ما وَرَد في النصّ: «الولد سيّد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين»[4].

 

الذرّيّة الصالحة

 

 


[1] الطبرسيّ، الشيخ الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، دار الشريف الرضيّ، إيران - قم، 1412هـ.، ط4، ص223.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏101، ص96.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص47.

[4] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص222.

 

104


93

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

إنّ خيرَ ما يتركه الإنسان في هذه الدنيا ذرّيّةً صالحةً ينتفع بها في حياته

 

105


94

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

وبعد مماته، فَعَن الإمام الصادق (عليه السلام): «ليس يتبع الرجل بعد موته مِن الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسُنّة هدى سَنّها فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له»[1].

 

وظائف الذرّيّة الصالحة

1. الدعوة إلى توحيد الله: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً؟ لعلّ الله يرزقه نسمة تُثقل الأرض بلا إله إلا الله»[2].

2. تسبيح الله تعالى وتنزيهه: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «... إنّ يوسف بن يعقوب لَقِيَ أخاه، فَقال: يا أخي، كيف استطعتَ أن تزوّج النساء بعدي؟ فَقال: إنّ أبي أمرني، قال: إن استطعتَ أن يكون لك ذرّيّة تُثقِل الأرض بالتسبيحِ فافعل»[3].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج7، ص56.

[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم، إيران - قم، 1413هـ.، ط2، ج3، ص382.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص329.

 

106


95

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

3. إقامة الصلاة: قال تعالى: ﴿رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡ‍ِٔدَة مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ﴾[1].

 


[1] سورة إبراهيم، الآية 37.

 

107


96

الموعظة التاسعة: دور القدوة في حياة الأُسرة (الأب نموذجاً)

آثار الذرّيّة الصالحة

إنّ مِن أهمّ آثار الذرّيّة الصالحة بقاء الأجر بعد الموت عن طريق دعاء الولد الصالح -كما مرّ في الرواية- والمغفرة عن طريق الأعمال الصالحة التي تقوم بها الذرّيّة، فَقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَرَّ عيسى بن مريم (عليه السلام) بِقبرٍ يُعذَّب صاحبه، ثمّ مرَّ به مِن قابل فإذا هو لا يُعذَّب. فقال: يا ربِّ، مررتُ بهذا القبر عام أوّل، فكان يُعذَّب، ومررتُ به العام، فإذا هو ليس يُعذَّب. فأوحى الله إليه أنّه أدرك له ولداً صالحاً، فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً؛ فلهذا غفرتُ له بما فعل ابنُه. ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ميراث الله عزّ وجلّ مِن عبده المؤمن ولدٌ يَعبده مِن بعده»[1].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص4.

 

108


97

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

 

هدف الموعظة

بيان مخاطر وسائل التواصل الاجتماعيّ، والحثّ على التحلّي بصفة الحياء حفظاً للنفس الإنسانيّة.

 

محاور الموعظة

1. مخاطر وسائل التواصل الاجتماعيّ

2. الاختلاط ووسائل التواصل الاجتماعيّ

3. العفّة والحياء ومكانتهما في بناء الشخصيّة

 

تصدير الموعظة

الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ الفضاء الافتراضيّ عالمٌ واسعٌ جدًّا، وفي تنامٍ، ولا يتوقّف، وهو مصحوبٌ بفرصٍ كبيرةٍ، وبالتهديدات في الوقت نفسه».

 

109


98

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

احتلّت التكنولوجيا والصناعات الحديثة في عالم الاتّصال والتواصل وغيره موقعاً أساسيّاً في حياة الناس؛ الفرديّة والاجتماعيّة والعمليّة. ولم يعد بالإمكان أن نُبعِد هذه الوسائل أو آثارها (الإيجابيّة أو السلبيّة) عن بيئتنا وحياتنا، أو أن ندّعي إمكانيّة البعد عنها وعدم التأثّر بها.

لهذا، ينبغي النظر بموضوعيّة -على المستويَين التربويّ والاجتماعيّ- إلى هذا التطوّر التكنولوجيّ الهادر والسريع، والتفكير الجدّيّ بالاستفادة الإيجابيّة الفاعلة من مختلف وسائل الاتّصال والتواصل، وغيرها من التقنيّات في خدمة الناس، ورعايةً لمجتمعنا وأهلنا جميعاً.

 

مخاطر وسائل التواصل الاجتماعيّ

وفي ما يأتي نشير إلى أبرز مخاطر هذه الوسائل، عملاً على التنبّه منها، والتنبيه إليها، ليكون الإنسان على حذر في ما أصبح واقعاً لا مفرّ منه، وهذه المخاطر على مستويات عديدة، نذكر منها:

1. المستوى العقائديّ

أ. إضعاف اليقين العقائديّ والإيمانيّ، وذلك عبر تجزئة الحقائق والثوابت والأيديولوجيّات، والمنطق النسبيّ.

 

110


99

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

ب. ترويج العقائد الباطلة ونشر الأفكار الهدّامة، الأمر الذي يُحدِث خللاً فكريّاً، وخاصّة أنّ أكثر مستخدمي الشبكات الاجتماعيّة هم من الشباب، فيُضلَّلون بدعوات تحمل قيماً وأفكاراً خاطئةً. والأخطر

 

111


100

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

من ذلك، أنّ المستخدم نفسه قد يروّج لهذه الأفكار بطريقةٍ غير مباشرةٍ؛ كأن يقوم بمشاركتها أو تأييدها...

 

2. المستوى النفسيّ

أ. إدمان الإنترنت، وما يتبع ذلك من أعراض نفسيّة، وجسميّة، وتوتّر نفسيّ - حركيّ، وقلق، وعدوانيّة في سلوك الأطفال، وذلك بسبب ممارسة الألعاب العنيفة، أو مشاهدة الصور والأفلام التي تروّج للعنف.

ب. الانطوائيّة والميل إلى العزلة، وعدم الاندماج في المجتمع.

ج. التكاسل في القيام بالأشياء الضروريّة في الحياة، وقلّة الاعتناء بالنفس، والتأخّر في الأكل والشرب والنوم...

 

3. على المستوى الاجتماعيّ

أ. دراسة سيكولوجيّة المجتمع؛ إذ توفّر وسائل التواصل الاجتماعيّ المعلومات لأجهزة الاستخبارات العالميّة، في سبيل دراسة الأفكار، والاتّجاهات الفكريّة والنفسيّة، والمشكلات، والأوضاع، والحركات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، فضلاً عن الأذواق والاختيارات والعلاقات. وهذه المعلومات من أثمن وأهمّ ما 

 

112


101

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

يُستعان به في رسم السياسات والاستراتيجيّات الكبرى، وديمومة التحكُّم بالمجتمعات والدول.

ب. تهديد استقرار الأسرة، وانهيار الحياة الزوجيّة، وانعكاس ذلك على الأطفال.

ج. التجسّس على الأسرار الشخصيّة، وانتهاك الخصوصيّة، وانتحال الشخصيّات.

د. فقدان التفاعل الاجتماعيّ؛ إذ إنّ التواصل لا يحصل بطريقة طبيعيّة مباشرة وخارجيّة، ممّا قد يؤدّي إلى العزلة الاجتماعيّة للأفراد.

 

هـ. التأثير على القيم الاجتماعيّة.

و. الإساءة إلى بعض الأشخاص، من خلال التشهير بكثيرٍ من الشخصيّات الاجتماعيّة، ونشر الشائعات والمضايقات.

ز. سوء الصحبة.

ح. هدر الوقت.

 

 

4. على المستوى الأخلاقيّ

أ. تعزيز الثقافة الفرديّة، فشبكات التواصل الاجتماعيّ هي جنّة الأنا؛ حيث الاهتمام الدائم بالصور والحالة الشخصيّة التي يُدرِجها الفرد بشكلٍ دائم، لتواكب المواقف والمشاعر التي يمرّ بها.

 

113


102

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

ب. الانحلال الأخلاقيّ؛ إذ يعمد بعضهم إلى ابتزاز المستخدمين من خلال موادّ تتعلّق بهم (الصور، والفيديوهات، والمحادثات)، وإلى التحايل لسلب الأموال من خلال عمليّات؛ كشراء شيءٍ وهميّ، أو حتّى الابتزاز الماليّ، والتشهير، والمضايقة، والتزوير.

 

ج. العلاقات غير الشرعيّة، فإنّ إغراء الشباب بالعلاقات العاطفيّة وقصص الحبّ الوهميّة، وسهولة التواصل مع الجنس الآخر، وسهولة الدخول إلى المواقع الإباحيّة، يسبّب شحن الغريزة ويؤدّي إلى الوقوع في الحرام.

 

الاختلاط ووسائل التواصل الاجتماعيّ

انطلاقاً ممّا ذُكر من الخطر الأخلاقيّ، لا بدّ من الإشارة إلى أمرٍ مهمّ جدّاً، وهو الاختلاط بين الجنسين. فالاختلاط يشكّل أرضاً خصبةً للكثير من الانحرافات، التي قد تودي بالإنسان إلى سيطرة تامّة من الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء عليه. خصوصاً مع وصول الاختلاط في هذا الزمن إلى مرحلةٍ بات هو الأصل في العلاقات، بينما أصبح التفريق في المجالس استثناءً، بل وأمراً مستهجناً.

 

والاختلاط هو اجتماع الرجال والنساء الأجانب من غير المحارم في مكان واحد. وهذا الأمر بنفسه ليس محرّماً، لكنّه يصبح كذلك بما يترتّب عليه من أفعال 

 

114


103

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

محرّمة. لذا، فإنّ التحرّز عن الاختلاط هو أحد الإجراءات الوقائيّة لحماية الفرد والمجتمع.

ومع تطوّر وسائل التواصل والشبكات الاجتماعيّة، وعلى الرغم من إيجابيّاتها، ثمّة ابتلاء باختلاطٍ مقنَّعٍ، إذ إنّ بعض استخدامات هذه الوسائل يوقع الكثير في سلبيّات الاختلاط، ومن ذلك ما يحصل من تواصل بين رجل وامرأة أجنبيَّين، وتبادل الكلام بأمور مثيرة للشهوات، وخادشة للحياء... ولا شكّ في أنّ هذا الأمر على جانب كبير من الخطورة بنفسه، وبما يترتّب عليه من آثار ونتائج وخيمة. يقول أبو بصير: كنت أُقرئ امرأة كنت أعلّمها القرآن، فمازحتها بشيء، فقدمتُ على أبي جعفر (عليه السلام)، فقال لي: «أيّ شيء قلت

 

115


104

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

للمرأة؟» فغطيّتُ وجهي، فقال (عليه السلام): «لا تعودنّ إليها»[1].

 

والواضح من الفتاوى الشرعيّة المتعلّقة بالتواصل الاجتماعيّ في وسائله المختلفة، وجود شروط وضوابط تؤدّي مخالفتها إلى الوقوع في الحرمة، أهمّها: لا تجوز المحادثة بين المرأة والرجل الأجنبيّ، سواء أكانت مباشرة أو عبر الهاتف أو عبر الإنترنت أو بالمراسلة (كالواتس آب) وما شابه ذلك، فيما إذا كانت مثيرة للشهوة، أو كانت بقصد التلذّذ والريبة، أو مع خوف الافتتان، أو استلزمت الوقوع في الحرام أو المفسدة.

 

وفي الإجابة عن سؤال: ما حكم التعارف والتسلية بالكلام المكتوب أو المسجّل بين الجنسين على وسائل التواصل الاجتماعيّ؟ يفتي الإمام الخامنئيّ (دام ظله): لا يجوز ذلك إذا كان فيه خوف الفتنة والريبة، أو مع ترتّب المفسدة، أو كان يستلزم الوقوع في الحرام.

 

 

العفّة والحياء ومكانتهما في بناء الشخصيّة

إلى جانب أهمّيّة الاستفادة من هذه الوسائل وضرورتها ينبغي اعتبار التوجيه الدينيّ والتحصين

 

 


[1] ابن شهر آشوب، مشير الدين أبو عبد الله محمّد بن عليّ، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1376هـ - 1956م، لا.ط، ج‏4، ص182.

 

116


105

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

الأخلاقيّ والتربويّ، إلى جانب التفقّه في أحكام التواصل الاجتماعيّ من الثوابت، بل الواجبات المهمّة والضروريّة التي يجب أن يُثقَّف المجتمع عليها؛ كي لا يصبح 

 

117


106

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

المرء وعاءً فارغاً متلقّياً لثقافة الغرب، وخاضعاً لسيطرته، بل ينبغي سلب هذه السيطرة منه.

 

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ الأدوات الحديثة في الفضاء الافتراضي أدواتٌ لهندسة المعلومات وسيطرة الغرب على ثقافة الشعوب. ويمكن لهذه الأدوات أن تكون مفيدة، ولكن ينبغي سلب سيطرة العدوّ منها، والتصرّف بحيث لا يتحوّل الفضاء الافتراضيّ إلى وسيلة لنفوذ العدوّ وهيمنته الثقافيّة»[1].

 

ومن أهمّ ما ينبغي تعزيزه في التوجيه الدينيّ والبناء الأخلاقيّ صفة العفّة والحياء، إذ أكّدت الروايات وجود علاقة متينة بين الحياء والدين، بل يمكن الاستكشاف من بعضها أنّ الحياء هو أساس الدين، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الحياء هو الدين كلّه»[2]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا إيمان لمن لا حياء له»[3]، وعن أحد الصادقَين (عليهما السلام): «الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه»[4].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) في الذكرى السابعة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، بتاريخ 03/06/2016م.

[2] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، مصدر سابق، ج3، ص119.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص106.

[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج78، ص309.

 

118


107

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

وقد ذكر علماء الأخلاق أنّ الفضائل المتفرّعة عن العفّة ستّ وعشرون فضيلة، ومنها الحياء والخجل، فالعفّة إحدى أمّهات

 

119


108

الموعظة العاشرة: الفضاء الافتراضيّ

الفضائل، ومن الفضائل المتولّدة منها الحياء، ومن الحياء -برغم تفرّعه عن العفّة- تتولّد منه مجموعة من الفضائل، جمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث، حيث قال: «أمّا الحياء فيتشعّب منه اللين، والرأفة، والمراقبة لله في السرّ والعلانية، والسلامة، واجتناب الشرّ، والبشاشة، والسماحة والظفر، وحسن الثناء على المرء في الناس، فهذا ما أصاب العاقل بالحياء، فطوبى لمن قبل نصيحة الله وخاف فضيحته»[1].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج1، ص118.

 

120


109
زاد عاشوراء للمحاضر الحسينيّ