المقدّمة
المقدّمة
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على خير خلقه محمّد، وآله الطيّبين الطاهرين.
﴿يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيب مُّجِيب﴾[1].
خلق الله تعالى الإنسان، واستخلفه في الأرض؛ ليكون مثالاً له في أسمائه وصفاته، ويقوم بإعمار الأرض وإخراج طاقاتها وقدراتها بإذنٍ منه سبحانه، وجعل الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) قدوةً وأسوةً، ليبيّنوا الصراط القويم والسبيل السليم، وليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور. والدنيا دار شقاءٍ وعناء، ودار ابتلاءٍ وامتحان،
[1] سورة هود، الآية 61.
7
1
المقدّمة
فالنفس أمّارةٌ بالسوء، والشيطان عدوّ متربّص، والطريق طويلة. لهذا، لا بدّ من تهيئة الزاد والوسيلة، من أجل هذا السفر الشاقّ والرحلة النهائيّة للإنسان، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحا فَمُلَٰقِيهِ﴾[1].
وإنّ الاستعداد لا يكون إلّا بالمعرفة والطاعة لله تعالى ولأوليائه، فلا يُقتصَر على الحبّ فقط، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «يا جابر، أيكتفي من انتحل التشيُّع أن يقولَ بحبّنا أهلَ البيت، فوالله ما شيعتنا إلّا مَن اتّقى اللهَ وأطاعه»[2]، فالطاعة هي معيار الانتساب إلى أهل البيت (عليهم السلام)، ولا تحصل إلّا بتزكية النفس، عبر تطهيرها وتخليتها من الرذائل والأخلاق القبيحة، وتحليتها بالفضائل والصفات والأخلاق الحسنة، لتحقيق السعادة الدنيويّة والأخرويّة.
[1] سورة الانشقاق، الآية 6.
[2] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص74.
8
2
المقدّمة
لهذا، يجب على المؤمن أن يكون مترصّداً يقظاً، حذراً من ميول النفس، ومن خطوات الشيطان الّذي أقسم متوعِّداً بني آدم: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ﴾[1]، ومن الغفلة الّتي قد يُبتلى بها، فينزلق نحو الآثام والبعد عن الله تعالى، وهذا ما يجعله بحاجة دائمة إلى التذكير والموعظة، فبالموعظة حياة القلوب وأنس النفوس واستقامة السلوك.
وفي طريق الحكمة والموعظة الحسنة، يأتي هذا الإصدار «تَبْصِرَةً وَذِكْرَى» من سلسلة زاد الواعظ الثقافيّة، وقد جمع بين دفّتيه مواضيع إسلاميّة شتّى، يرتبط بعضها بالأخلاق والآداب، وبعضها الآخر بالعقائد، وبعضها الثالث بالفقه، استناداً إلى كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام).
مركز المعارف للتأليف والتحقيق
[1] سورة ص، الآية 82.
9
3
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
الموعظة الأولى:
قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
هدف الموعظة
تعرّف قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) الواردة في القرآن الكريم والاستفادة منها.
محاور الموعظة
النبيّ آدم (عليه السلام) أبو البشر
خَلْق آدم (عليه السلام)
تكريم آدم (عليه السلام) وتشريفه
عداوة إبليس لآدم (عليه السلام) وذرّيّته
جنّة آدم(عليه السلام)
هبوط آدم (عليه السلام) إلى الأرض
بدء مسيرة التكليف الإلهيّ
دروس وعبر من قصّة آدم (عليه السلام)
تصدير الموعظة
﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾[1].
[1] سورة آل عمران، الآية 33.
11
4
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
النبيّ آدم (عليه السلام) أبو البشر
يُمثّل النبيّ آدم (عليه السلام) الحلقة الأولى من الحلقات النبويّة الممتدّة إلى الرسول الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله)، وهو أبو البشر، وأوّل الأنبياء الإلهيّين الّذين ارتضاهم الله تعالى واجتباهم لهداية البشريّة: ﴿ثُمَّ ٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَيۡهِ وَهَدَىٰ﴾[1].
وقد اعتنى القرآن الكريم ببيان حياته ومصيره على وجه التفصيل في ستّ سور، هي: البقرة، الأعراف، الحجر، الإسراء، الكهف، طه.
خَلْق آدم (عليه السلام)
كشف القرآن الكريم عن كيفيّة خلق آدم (عليه السلام)، وذلك ضمن ثلاث مراحل، هي:
1. المرحلة الطينيّة
بيّن القرآن الكريم ابتداء خلق آدم (عليه السلام) من هذه
[1] سورة طه، الآية 122.
12
5
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
المرحلة، الّتي عبّر عنها بأحد تشكُّلاتها في قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِين﴾[1].
2. مرحلة التصوير والتسوية
بعد اكتمال المرحلة الطينيّة، تأتي المرحلة الثانية، وهي مرحلة تصويره وتسويته المادّيّة على هيئة وصورة مخصوصة: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرا مِّن صَلۡصَٰل مِّنۡ حَمَإ مَّسۡنُون ٢٨ فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ﴾[2].
3. مرحلة نفخ الروح
وهي المرحلة الأخيرة في خلق آدم (عليه السلام)؛ وبها كرّمه الله تعالى على سائر خلقه، وأمر الملائكة بالسجود له تشريفاً وتعظيماً: ﴿فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ﴾[3].
[1] سورة السجدة، الآيتان 7 - 8.
[2] سورة الحجر، الآيتان 28 - 29.
[3] سورة الحجر، الآيتان 28 - 29.
13
6
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
تكريم آدم (عليه السلام) وتشريفه
لقد تحقّق تكريم آدم وتشريفه من خلال استخلافه (عليه السلام) في الأرض، إذ حكى القرآن الكريم قصّة ذلك بقوله تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِل فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةۖ﴾[1].
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاستخلاف الإلهيّ لآدم (عليه السلام)، إنّما هو استخلاف للنوع الإنسانيّ، ويمكن استظهار ذلك من السؤال الاستنكاريّ للملائكة ﴿أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ﴾[2]، إذ لو كانت الخلافة مختصّةً بشخص آدم (عليه السلام)، لما كان لسؤالهم وجه؛ لأنّ آدم (عليه السلام) لم يفسد، ولم يسفك الدماء، وإنّما خاض في الدماء ونشر الفساد بعض أولاده، وهذا يدلّ على أنّ الملائكة فهموا من الخلافة خلافة آدم بنوعه، لا بشخصه. وقد صرّح القرآن الكريم في مواضع عدّة بأنّ الاستخلاف لم يكن لشخص آدم (عليه السلام) فحسب،
[1] سورة البقرة، الآية 30.
[2] سورة البقرة، الآية 30.
14
7
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
كما في قوله تعالى: ﴿يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَة فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾[1]، وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ﴾[2]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لِنَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾[3]، وقوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۥۖ﴾[4].
عداوة إبليس لآدم (عليه السلام) وذرّيّته [5]
ورد في الآيات القرآنيّة أنّ إبليس أبى باختياره وإرادته امتثالَ الأمر الإلهيّ بالسجود لآدم (عليه السلام)، واستكبر وكفر: ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾[6]؛ إذ خُلِق من نار، وآدم من طين. وقد
[1] سورة ص، الآية 26.
[2] سورة الأنعام، الآية 165.
[3] سورة يونس، الآية 14.
[4] سورة فاطر، الآية 39.
[5] راجع: السبحانيّ، الشيخ جعفر، القصص القرآنيّة، مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)، إيران - قمّ، 1427ه، ط1، ص59 - 60.
[6] سورة البقرة، الآية 34.
15
8
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
طلب إبليس من الله تعالى الإمهال إلى يوم البعث: ﴿قَالَ أَنظِرۡنِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ﴾[1]، فأجابه سبحانه بقوله: ﴿إِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ﴾[2].
ولمّا أيقن إبليس بتلبية طلبه في الإمهال، أظهر ما نفسه من العداء لآدم وذرّيته، والرغبة في الانتقام منهم، قائلاً: ﴿قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ١٦ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ﴾[3].
إنّ العداوة الّتي تمكّنت من نفس إبليس، وقادته إلى الثأر من آدم وذرّيته، تدعو الإنسان إلى الحذر من وساوسه ونفثاته، والتحفّظ من الوقوع في شباكه وحبائله، وهو لا ينفكّ عن خداع الناس والكيد لهم لإفسادهم وإضلالهم.
[1] سورة الأعراف، الآية 14.
[2] سورة الأعراف، الآية 15.
[3] سورة الأعراف، الآيتان 16 - 17.
16
9
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
وهو يعترف بعجزه عن إغواء المخلصين: ﴿وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٣٩ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ﴾[1]، ولا سلطان له إلّا على الّذين يتّبعونه، وسلطانه ليس من باب الجبر والقهر، بل يتجلّى بالإغراء والخداع وزخرفة الباطل، ليُلقي بمَن يتّبعه في المهالك.
جنّة آدم (عليه السلام)
أسكن الله تعالى آدم (عليه السلام) وزوجه الجنّة: ﴿وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[2]؛ وهذه الجنّة ليست الجنّة الأخرويّة؛ إذ من صفاتها الخلود لمن دخلها، ولأنّ إبليس اللعين لا يدخلها أبداً بضرورة الشرع والعقل، وهي ليست من جنان الأرض؛ لأنّ آدم (عليه السلام) هبط منها إلى الأرض: ﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعاۖ﴾[3]، ولأنّ القرآن قد ذكر
[1] سورة الحجر، الآيتان 39 - 40.
[2] سورة البقرة، الآية 35.
[3] سورة البقرة، الآية 38.
17
10
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
لها من الخصائص المختلفة عن خصائص العالم الأرضيّ: ﴿فَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوّ لَّكَ وَلِزَوۡجِكَ فَلَا يُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلۡجَنَّةِ فَتَشۡقَىٰٓ ١١٧ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعۡرَىٰ ١١٨ وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضۡحَىٰ﴾[1]. فيتّضح أنّه سبحانه أسكن آدم وزوجه في جنّة في مكانٍ غير الأرض، كانت دار سعادة وهناء ونعيم، لا جوع فيها ولا عُريَ ولا ظمأ، فمكثا فيها إلى أن أغراهما الشيطان، فأُخرجا منها وأُهبطا إلى الأرض.
هبوط آدم (عليه السلام) إلى الأرض
قضى الله تعالى بأن يجعل النوع الإنسانيّ خليفةً له في الأرض، فكان إسكانه آدم (عليه السلام) وزوجه الجنّة السماويّة مرحلةً برزخيّة تنزّليّة مؤقّتة، لتحقيق مشروع الاستخلاف للنوع الإنسانيّ في نشأة أرضيّة، فيها ما فيها من التزاحم والشقاء والعناء، تلك النشأة الأرضيّة الّتي تتيح له تفتّح استعداداته وقابليّاته للعروج إلى عالم الأمر
[1] سورة طه، الآيات 117 - 119.
18
11
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
عن إرادة واختيار منه، فكان هذا الهبوط هبوطاً تكوينيّاً مترتّباً على اختيار الإنسان لحمل الأمانة الإلهيّة في الأرض: ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُوما جَهُولا﴾[1]، وقد تمثّل هذا الاختيار في الفعل الصادر عن آدم (عليه السلام) وزوجه.
بدء مسيرة التكليف الإلهيّ
بعد هبوط آدم (عليه السلام) وزوجه إلى الأرض، بدأت مسيرة التكليف الإلهيّ للإنسان فيها، وتحدّد هذا التكليف من خلال تعاليم الدين النازلة عبر الوحي الإلهيّ. وقد ابتدأ نزول هذه التعاليم على النبيّ آدم (عليه السلام)، بعد أنْ اجتباه الله تعالى واختاره لهذه المهمّة الرساليّة: ﴿ثُمَّ ٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَيۡهِ وَهَدَىٰ ١٢٢ قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ ١٢٣ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ﴾[2].
[1] سورة الأحزاب، الآية 72.
[2] سورة طه، الآيات 122 - 124.
19
12
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
دروس وعبر من قصّة آدم (عليه السلام)
إنّ المتأمّل في قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) الواردة في القرآن الكريم، يستلهم جملة من الدروس والعبر والسنن الإلهيّة الّتي يحتاج إليها الإنسان في حياته، نذكر منها:
1. لقد كرّم الله الإنسان وشرّفه، باتّخاذه خليفة في الأرض، فعليه أن يكون على قدر التكريم والتشريف الإلهيّ.
2. على طالب الحقّ الإذعان والتسليم له: ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ﴾[1].
3. عاقبة التكبّر والاستكبار هلاك وخسران: ﴿إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾[2].
4. الشيطان عدوّ دائم للإنسان: ﴿قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾[3].
[1] سورة البقرة، الآية 34.
[2] سورة البقرة، الآية 34.
[3] سورة الأعراف، الآية 16.
20
13
الموعظة الأولى: قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
5. باب التوبة مفتوح، وينبغي الرجوع إلى الله تعالى دائماً وطلب المغفرة والرحمة: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ﴾[1].
6. فلاح الإنسان أو خسرانه مرتبط باختياره، وتحديد موقفه تجاه تعاليم الوحي الإلهيّ: ﴿فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[2]، وقال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيۡهِ كُفۡرُهُۥۖ﴾[3].
7. الدنيا دار تكليف وامتحان واختبار مؤقّتة للإنسان، يصنع فيها مصيره الأخرويّ: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِين ٢٤ قَالَ فِيهَا تَحۡيَوۡنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنۡهَا تُخۡرَجُونَ﴾[4].
[1] سورة الأعراف، الآية 23.
[2] سورة البقرة، الآية 38.
[3] سورة فاطر، الآية 39.
[4] سورة الأعراف، الآيتان 24 - 25.
21
14
الموعظة الثانيّة: إضاءات حول سورة الناس
الموعظة الثانيّة:
إضاءات حول سورة الناس
هدف الموعظة
بيان مضامين السورة ومعانيها، والحثّ على الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
محاور الموعظة
هويّة السورة وفضلها
إضاءات حول السورة ومحتواها
الإنسان والوسواس
علاج الوسواس
تنوّع الوسواس في هذا العصر
تصدير الموعظة
﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ١ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ٢ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ ٣ مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ ٤ ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ ٥ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ﴾[1].
[1] سورة الناس.
22
15
الموعظة الثانيّة: إضاءات حول سورة الناس
هويّة السورة وفضلها
وردَت في فضيلة هذه السورة روايات عدّة، منها ما عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) اشتكى شكوى شديدة، ووجع وجعاً شديداً، فأتاه جبرائيل وميكائيل (عليهما السلام)؛ فقعد جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، فعوّذه جبرائيل بقل أعوذ بربّ الفلق، وميكائيل بقل أعوذ بربّ الناس»[1].
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «مَن أوتر بالمعوذتَين وقل هو اللَّه أحد، قيل له: يا عبد اللَّه، أبشر فقد قَبِل اللَّه وترَك»[2].
وقد نزلت هذه السورة في مكّة المكرّمة، ويُقال في المدينة، وآياتها ستّ.
1. الاستعاذة بالله من الوسواس
أمرنا الله سبحانه بالاستعاذة به من شرّ الوسواس
[1] الطبرسيّ، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصّائيّين، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415ه.ق - 1995م، ط1، ج10، ص495.
[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الأمالي، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، إيران - قمّ، 1417ه، ط1، ص115.
23
16
الموعظة الثانيّة: إضاءات حول سورة الناس
الخنّاس، وذلك بعد التركيز على ثلاثٍ من صفات الله سبحانه، هي: الربوبيّة والمالكيّة والألوهيّة، والّتي لها ارتباطٌ مباشر بتنشئة الإنسان وتربيته تربية إلهيّة ونجاته من براثين المُوسوسين، فقال تعالى: ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ١ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ٢ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ﴾؛ فمَن يعترف بربوبيّة الله تعالى وينضوي تحتها، ويخضع لمالكيّته ملتزماً بطاعته، ومعتقداً بألوهيّته، ومتجنّباً عبادة غيره، فإنّه سيكون في مأمن من شرِّ المُوسوِسين.
والاستعاذة بالله تعالى بسبب أنّ الإنسان معرّضٌ لخطر الوسواس، الّذي يتحيّن الفرص لكي ينقضّ عليه، ويحرفه عن الصراط المستقيم.
وليس المقصود من الاستعاذة الترديد باللسان فقط، بل أن يلجأ المرء إلى الله تعالى فكراً وعقيدةً وعملاً، مبتعداً بذلك عن الطرق والمناهج والأساليب الشيطانيّة والأفكار المضلَّلة.
24
17
الموعظة الثانيّة: إضاءات حول سورة الناس
2. الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ
أشارت الآيات إلى صفة حسّاسة وخطيرة من صفات الشيطان، وهي الوسواس، قال تعالى: ﴿مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ﴾، والوسواس؛ يعني كلَّ صوت خافت، ثمّ ما يخطر على قلب الإنسان من أفكار وتصوّرات سيّئة، والشيطان هو الّذي يوسوس للإنسان.
أمّا الخنّاس، فصيغة مبالغةٍ من الخنوس؛ أي التراجع، فالشيطان المُوسوِس إذا وسوس للإنسان، فالتفت الإنسان وذكر الله تعالى، فإنّ الشيطان يختفي ويستتر ويُصاب بالإحباط عند ذكره اسمه عزّ وجلّ.
3. الوسوسة الخفيّة
ينبغي الالتفات إلى أنّ الشياطين دائماً ما يخفون أعمالهم بالتستّر، ويأمرون الإنسان بفعل المعاصي والذنوب بإلقاءاتهم الخفيّة على قلب الإنسان، حتّى يخال له أنّ كلّ ما يصدر عنه هو من أفكاره ومعتقداته ورؤيته،
25
18
الموعظة الثانيّة: إضاءات حول سورة الناس
فيقع في طريق الضلال، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ﴾.
الإنسان والوسواس
إنّ الإنسان مركّب من العقل والشهوة، والملائكة من العقل فقط، والحيوان من الشهوة فقط، كما ورد في بعض الأحاديث؛ لذلك كان من الطبيعيّ أن تتجاذب الإنسان موجات متقابلة؛ موجة إلهيّة ملائكيّة من جهة، ومصدرها العقل، وموجة شيطانيّة إبليسيّة من جهة أخرى، ومصدرها الشهوة، فهما يتصارعان، فإذا تغلّب عقل الإنسان على شهوته أصبح أفضل من الملائكة، وإذا تغلّبت شهوة الإنسان على عقله كان أخسّ من الحيوان.
ونتيجةً لهذا التصارع والتضادّ في روح الإنسان وقلبه، يدخل الوسواس قلبَه وعقله وروحه؛ لكي يغلّب جهة الشهوة والهوى على جهة العقل والحكمة.
وقد أشارت الروايات الشريفة إلى كيفيّة حصول تلك
26
19
الموعظة الثانيّة: إضاءات حول سورة الناس
الوسوسة والصراع حول الخير والشر، بعدّة طرق، وهي:
أ. الأمر بالمعصية: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من قلبٍ إلّا وله أذنان، على أحدهما ملك مُرشد، وعلى الآخر شيطان مُفتن، هذا يأمره، وهذا يزجره؛ الشيطان يأمره بالمعاصي، والملك يزجره عنها، وهو قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيد ١٧ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيد﴾[1]»[2].
ب. تنسية الاستغفار: ثمّ إنّ إبليس يختار الطرق والأساليب الّتي يراها مناسبة له وللمعصية الّتي يريد أن يوقع الإنسان بها، وقد أشار الإمام الصادق (عليه السلام) إلى ذلك بقوله: «لمّا نزلت هذه الآية: ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ﴾[3]، صعد إبليس جبلاً بمكّة، يُقال له: ثوير، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته، فاجتمعوا
[1] سورة ق، الآيتان 17 - 18.
[2] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص266.
[3] سورة آل عمران، الآية 135.
27
20
الموعظة الثانيّة: إضاءات حول سورة الناس
إليه، فقالوا: يا سيّدنا، لِمَ دعوتنا؟ قال: نزلَت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريتٌ من الشياطين، فقال: أنا لها بكذا وكذا. قال: لستَ لها. فقام لها آخر، فقال مثل ذلك: فقال لستَ لها. فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها. قال: بماذا؟ قال: أعِدهم وأمُنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتُهم الاستغفار. فقال: أنت لها، فوكّله بها إلى يوم القيامة»[1]
ج. التسويف: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ لليل شيطاناً، يُقال له: الزُّهاء، فإذا استيقظ العبد وأراد القيام إلى الصلاة، قال له: ليست ساعتك، ثمّ يستيقظ مرّةً أخرى، فيقول له: لم يأنِ لك، فما يزال كذلك، يزيله ويحبسه، حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر بال في أذنه، ثمّ انصاع (رجع) يمصع بذنبه (يحرّكه) فخراً، ويصيح»[2].
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص551.
[2] البرقيّ، أحمد بن محمّد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق السيّد جلال الدين الحسينيّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1370هـ - 1330ش، لا.ط، ج1، ص86.
28
21
الموعظة الثانيّة: إضاءات حول سورة الناس
علاج الوسواس
الوسواس مخالف للعقل والحكمة، إلّا أنّ كثرة تكرار الوسوسة على النفس تؤثّر فيها سلباً عليها، كما أنّ كثرة تكرار الذكر في النفس يؤثّر إيجاباً فيها، وهذا سرُّ الأمر بذكر الله تعالى ذكراً كثيراً؛ لأنّ النفس إذا لم تُملَأ بذكر الله، فسيدخل الوسواس الشيطانيّ الشهواني إلىّ الفراغ النفسيّ. ولقد حثّ الإسلام العظيم على ذكر اللَّه، فقال القرآن الكريم: ﴿وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ﴾[1].
تنوّع الوسواس في هذا العصر
الوسواس الشيطانيّ كانت وسائله في الماضي أقلّ خطراً ودخولاً إلى المجتمع المؤمن، أمّا في هذا الزمن، فقد كثرت الإغراءات وقلّت الكوابح، سبل الشيطان مفتوحة، وأبواق الضلال مرتفعة أصواتها، في هذا الزمن أصبح المؤمن فيه قابضاً على إيمانه وكأنّه قابض على الجمر.
[1] سورة آل عمران، الآية 41.
29
22
الموعظة الثانيّة: إضاءات حول سورة الناس
فالوسواس في هذا الزمن يأتي بألف ملبس وملبس، فلا بدّ من اللجوء إلى ربّ الناس وملك الناس وإله الناس، والاستعاذة به منه في أشكاله وصوره كلّها: أصدقاء السوء، الجلساء المنحرفون، الولاة الجبابرة الطواغيت، الخطباء والشعراء الفاسدون، المدارس الإلحاديّة والالتقاطيّة المخادعة، وسائل الإعلام الفاسدة، إلى غير ذلك ممّا يندرج تحت المفهوم الواسع للوسواس الخنّاس.
30
23
الموعظة الثالثة: الوحشة من الموت
الموعظة الثالثة:
الوحشة من الموت
هدف الموعظة
شرح حقيقة الموت، وبيان أسباب الخوف منه، وكيفيّة العلاج.
محاور الموعظة
الموت سنَّةٌ عامَّةٌ في الخلق
الموت في الأحاديث الشَّريفة
حقيقة الموت
كراهة الموت والوحشة منه
ينبغي التَّهيُّؤ لساعة الموت
علاج الخوف من الموت
تصدير الموعظة
﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَر مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ﴾[1].
[1] سورة الأنبياء، الآية 34.
31
24
الموعظة الثالثة: الوحشة من الموت
الموت سنَّةٌ عامَّةٌ في الخلق
قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفۡس ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِ﴾[1].
الموت هو الحقيقة الحتميَّة الّتي لا مفرَّ منها لأحد، مهما علا شأنه في الدُّنيا، فالبشر يموتون حتَّى الأنبياء منهم، ولو كان الخلد يحقُّ لأحدٍ لِفضلٍ استحقَّه، لكان الأنبياء (عليهم السلام) أحقَّ النَّاس بالخلد، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً، أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا، لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُودَ (عليه السلام)، الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»[2].
الموت في الأحاديث الشَّريفة
وصفت الروايات الشريفة الموت بالعديد من الأوصاف، منها:
[1] سورة آل عمران، الآية 185.
[2] الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص262، الخطبة 182.
32
25
الموعظة الثالثة: الوحشة من الموت
1. الجسر: عن النَّبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «الدُّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم»[1].
2. القنطرة: عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «ما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم من البؤس والضَّرَاء إلى الجنان الواسعة، والنَّعيم الدَّائم، فأيُّكم يكره أن ينتقل من سجنٍ إلى قصر»[2].
3. النوم الطويل: سُئل الإمام الباقر (عليه السلام): ما الموت؟ فقال: «هو النَّوم الّذي يأتيكم كلَّ ليلة، إلّا أنّه طويل مدَّته، لا يُنتبه منه إلى يوم القيامة»[3].
حقيقة الموت
أكّد الله تعالى في كتابه الكريم، أنَّ الموت ليسَ عدماً، إنَّما هو انتقال من الحياة الدنيويَّة هذه إلى الحياة
[1] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج44، ص297.
[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1379هـ - 1338ش، لا.ط، ص289.
[3] المصدر نفسه، ص289.
33
26
الموعظة الثالثة: الوحشة من الموت
البرزخيَّة الّتي تفصل ما بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة؛ ولذلك عُبّر عن الموت في كثير من الآيات بـ«التوفّي» وهو أخذ الشيء بتمامه؛ ويعني تسلُّم الروح واستعادتها من الجسد، وقد جاء في بعض الآيات التعبير عن الموت بالخلق: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ﴾[1].
كراهة الموت والوحشة منه
إنَّ الإنسان محبٌّ للبقاء، وهذا ميلٌ طبيعيٌّ فيه، ويعبَّر عن ذلك بغريزة حبِّ البقاء، والناس في الحياة الدنيا إزاء الموت على قسمين:
الأوَّل: يستوحشون منه؛ لأنَّ كواهلهم مثقلة بعظائم الذنوب، فإذا فوجئوا بالموت، يلجؤون إلى التوبة والإنابة، ويندمون، ولكن لاتَ ساعة مندم. أو لجهلهم عاقبتهم ومصيرهم، أو الخوف من نفس الموت.
الثاني: يشتاقون إلى الموت ويتلقَّونه بصدورٍ رحبةٍ، ووجوهٍ
[1] سورة الملك، الآية 2.
34
27
الموعظة الثالثة: الوحشة من الموت
مشرقةٍ، وهؤلاء هم الأنبياء والأولياء والعلماء والشهداء، ومَن كان يعمل صالحاً في حياته الدنيا من سائر المؤمنين، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَاللَّهِ، لَابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ»[1].
وللخوف من الموت عوامل وأسباب عديدة، نذكر منها:
1. ضعف الإيمان.
2. التّعلّق بالدنيا: ورد أنّه جاء رجلٌ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، ما لي لا أحبّ الموت؟ قال: «ألك مال؟»، قال: نعم. قال: «فقدّمه». قال: لا أستطيع. قال: «فإنّ قلب الرجل مع ماله، إن قدّمه أحبّ أن يلحق به، وإن أخّره أحبّ أن يتأخّر معه»[2].
3. الذنوب والمعاصي: جاء رجل إلى أبي ذرّ، وسأله عن كراهية الموت، فأجابه قائلاً: «لأنّكم عمّرتم الدُنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من عمرانٍ إلى خراب»[3].
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص53، الخطبة 5.
[2] الشيخ الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج8، ص253.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج6، ص137.
35
28
الموعظة الثالثة: الوحشة من الموت
ينبغي التَّهيُّؤ لساعة الموت
اقتضت الحكمة الإلهيَّة أن يجهل الناس زمان موتهم ومكانه، يقول سبحانه: ﴿وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡض تَمُوتُۚ﴾[1]. ولعلَّ الحكمة في ذلك، أن يكون الإنسان على استعداد لاستقبال الموت في أيِّ وقت جاء، وهو على طاعة الله. ولو علم الإنسان بزمن موته، فإنَّ ذلك يشجّعه على الفجور والعصيان، متَّكلاً على التوبة والإنابة والتسويف، قبل مدّة من حلول أجله، لذا يوصي أمير المؤمنين (عليه السلام) بضرورة الاستعداد للموت، فيقول: «وبَادِرُوا الْمَوْتَ وغَمَرَاتِه، وامْهَدُوا لَه قَبْلَ حُلُولِه، وأَعِدُّوا لَه قَبْلَ نُزُولِه؛ فَإِنَّ الْغَايَةَ الْقِيَامَةُ»[2].
علاج الخوف من الموت
لعلاج مشكلة الخوف من الموت ينبغي:
1. تصحيح النظرة إلى الموت، والإيمان بأنّ الموت ليس أمراً عدميّاً.
[1] سورة لقمان، الآية 34.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص281، الخطبة 190.
36
29
الموعظة الثالثة: الوحشة من الموت
2. العمل الصالح والابتعاد عن عصيان الله تعالى، كي يبتعد الإنسان عن الخوف من العقاب، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ومَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلَّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِه، وإِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ وتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ، وإِنَّ غَائِباً يَحْدُوه الْجَدِيدَانِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الأَوْبَةِ، وإِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لأَفْضَلِ الْعُدَّةِ؛ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِه أَنْفُسَكُمْ غَدا»[1].
3. عدم الغفلة عن الموت، يسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) متعجِّباً من حال الناس كيف ينسَوْن الآخرة ولا يتهيَّؤُون لها: «وَكَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ، وَطَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ، فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ»[2].
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص95، الخطبة 64.
[2] المصدر نفسه، ص278، الخطبة 188.
37
30
الموعظة الرابعة: الشفاعة
الموعظة الرابعة:
الشفاعة
هدف الموعظة
بيان معنى الشفاعة، وكيفيّتها، وتعرّف أدلّتها، ومَن هم الشفعاء.
محاور الموعظة
حقيقة الشفاعة
أدلّة الشفاعة
الشفاعة والمعصية
الشفعاء
تصدير الموعظة
الإمام الباقر (عليه السلام) -في قوله تعالى: ﴿وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ﴾[1]-: «الشفاعة، والله الشفاعة، والله الشفاعة»[2].
[1] سورة الضحى، الآية 5.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج8، ص57.
38
31
الموعظة الرابعة: الشفاعة
حقيقة الشفاعة
الشفاعة هي أن تصل رحمة الله تعالى ومغفرته وفيضه إلى عباده عن طريق أوليائه وصفوة عباده، وليس هذا بأمر غريب، فكما أنّ الهداية الإلهيّة الّتي هي من فيوضاته سبحانه، تصل إلى عباده في هذه الدنيا عن طريق أنبيائه وكتبه، كذلك تصل مغفرته عزّ وجلّ إلى المذنبين والعصاة من عباده يوم القيامة من ذلك الطريق، يقول تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ
لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابا رَّحِيما﴾[1].
وقد سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن المؤمن، هل له شفاعة؟ قال: «نعم»، فقال رجلٌ من القوم: «هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله)؟» قال: «نعم، إنّ للمؤمنين خطايا وذنوباً، وما من أحدٍ إلّا يحتاج إلى شفاعة محمّد يومئذٍ»[2].
[1] سورة النساء، الآية 64.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج8، ص48.
39
32
الموعظة الرابعة: الشفاعة
أدلّة الشفاعة
تُعَدّ شفاعة الشافعين يوم القيامة بإذن الله تعالى إحدى العقائد الإسلاميّة المُسَلَّمة الضروريّة. وهي تشملُ أُولئك الّذين لم يقطعوا صِلتَهم بالله وبالدين بصورةٍ كاملة، فصاروا صالحين لشمولِ الرحمةِ الإلهيّة لهم بواسطة شفاعةِ الشافعين، برغم تورُّطِهم في بعض المعاصي والذنوب. والاعتقادُ بالشَفاعة مأخوذٌ من القرآن الكريم والسُّنة.
1. الشَفاعة في القرآن
إنَّ الآياتِ القرآنيّة تحكي عن أصل وجودِ الشفاعة يومَ القيامة، وتصرّح بأنّها تقع بإذنِ اللهِ تعالى، قال عزّ وجلّ: ﴿وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ﴾[1]، ﴿يَوۡمَئِذ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلا﴾[2].
[1] سورة الأنبياء، الآية 28.
[2] سورة طه، الآية 109.
40
33
الموعظة الرابعة: الشفاعة
2. الشَفاعة في الروايات
ولقد تحدّثت روايات كثيرة عن الشفاعة مضافاً إلى القُرآنِ الكريم، ومنها ما روي عن النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إنَّما شَفاعَتي لأهلِ الكَبائِر مِن أُمَّتِي»[1].
والظاهر أنّ عِلّة اختصاص الشفاعة بمرتكبي الكبائر من الذنوب وشمولها لهم خاصّة، هو أنّ اللهَ وَعَد في القرآنِ بصراحة بأن يغفرَ للناسِ السيّئات الصغيرة إذا اجتنبوا الكبائرَ؛ فبقيّة الذنوب ما عدا الكبائر تشمُلُها المغفرة، في الدنيا، ومع المغفرة لا موضوع للشفاعة.
وشفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما هي في إسقاط عقابِ العاصي، لا في زيادة المنافع؛ لأنّ حقيقة الشفاعة تختصّ بذلك من جهة أنّها لو اشتركَت، لكنّا شافعين في النبيّ (صلى الله عليه وآله)، إذا سألنا في زيادة درجاته ومنازله[2].
[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1414هـ، ط2، ج3، ص574.
[2] السيّد المرتضى، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسويّ، جمل العلم والعمل، السيّد أحمد الحسينيّ، لا.ن، لا.م، 1378ه، ط1، ص39.
41
34
الموعظة الرابعة: الشفاعة
وفي روايةٍ أخرى، يقول (صلى الله عليه وآله): «أُعْطِيْتُ خَمْساً... وأُعطِيتُ الشَفاعَة، فَأخَّرْتُها لأمَّتي، فهيَ لِمَن لا يُشْرك بِاللهِ شيئاً»[1].
الشفاعة والمعصية
لا بُدّ من أن نَعلَمَ بأنّ الاعتقاد بالشفاعة، مثل الاعتقاد بقَبُول التوبة، يجب أن لا يوجبَ تجرُّؤَ الأشخاص على ارتكاب الذنوب، بل يجب أن يُعَدَّ هذا الأمر نافذةَ أمَل تعيدُ الإنسان إلى الطريقِ الصحيحِ، لكونه يرجو العفو، فلا يكونُ كالآيسين الّذين لا يفكّرون في العودة إلى الصِراط المستقيم قطّ. ومِن هذا يتّضح أنّ الأثر البارز للشفاعة هو مغفرة ذنوب بعض العُصاة والمذنبين.
الشفعاء
1. الملائكة: يُستَفادُ من بعض الآيات أنّ الملائكة من الشفعاء يومَ القيامة، يقول تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَك فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ
[1] أحمد بن حنبل، المسند (مسند أحمد)، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج1، ص301.
42
35
الموعظة الرابعة: الشفاعة
لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيًۡٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ﴾[1].
2. الأنبياء (عليهم السلام): عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «ثلاثة يَشفَعُون إلى الله عزّ وجلّ فيُشفَّعُون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء»[2]، وقال تعالى: ﴿عَسَىٰٓ أَن يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاما مَّحۡمُودا﴾[3]، والمقصود مِنَ «المقام المحمود» هو مقامُ الشفاعة الثابتُ للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا قمتُ المقامَ المحمود، تشفَّعت في أصحاب الكبائر من أمّتي، فيُشفِّعني الله فيهم. والله، لا تشفَّعتُ في من آذى ذرّيتي»[4].
[1] سورة النجم، الآية 26.
[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1403هـ - 1362ش، لا.ط، ص156.
[3] سورة الإسراء، الآية 79.
[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص370.
43
36
الموعظة الرابعة: الشفاعة
3. المعصومون (عليهم السلام): عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّي أَشفَع يوم القيمة فأُشفَّع، فيَشفَع عليّ (عليه السلام) فيُشفَّع...»[1].
4. المؤمنون: في الرواية السابقة عنه (صلى الله عليه وآله): «وإنّ أدنى المؤمنين شفاعةً يُشفَّع في أربعين من إخوانه»[2].
5. الشهداء والعلماء: عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «ثلاثة يشفَعُون إلى الله عزّ وجلّ فيُشفَّعُون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء»[3].
[1] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، أوائل المقالات، تحقيق الشيخ إبراهيم الأنصاريّ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1993م، ط2، ص80.
[2] المصدر نفسه.
[3] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص156.
44
37
الموعظة الرابعة: الشفاعة
الموعظة الخامسة :
مسؤوليّة الأمّة تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
هدف الموعظة
تحديد المسؤوليّات الملقاة على عاتق الأمّة والمجتمع المُنتظِر تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام).
محاور الموعظة
معرفة الإمام
الوعي
الوحدة والتضامن
تصدير الموعظة
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهليّة»[1].
[1] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الرسائل العشر، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قمّ، لا.ت، لا.ط، ص317.
45
38
الموعظة الرابعة: الشفاعة
ورد في الروايات والأحاديث المأثورة عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) واجبات ومسؤوليّات كثيرة لمنتظري الفرج، ويمكن تقسيمها إلى: الواجبات العامّة للأمّة، والواجبات الفرديّة السلوكيّة والأخلاقيّة. ونتكلّم في هذه الموعظة على القسم الأوّل.
معرفة الإمام
من المتعذّر السير في طريق الانتظار من دون معرفة الإمام المنتظَر، فقد رُوي عن المفضّل بن عمر، قال: سمعتُ الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: «مَن مات منتظراً لهذا الأمر، كان كمن كان مع القائم في فسطاطه. لا، بل كان كالضارب بين يدَي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف»[1].
ولا يصحّ أن تكون المعرفة إجماليّة، بل إنّ الاستقامةَ والثباتَ على طريق الانتظار رهنٌ بالإدراك الصحيح
[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1405هـ - 1363ش، لا.ط، ص338.
46
39
الموعظة الرابعة: الشفاعة
والمعرفة الواعية للإمام الموعود. وعليه، يلزم الاطّلاع الكافي والمعرفة الدقيقة لمنصب الإمام ورتبته ومقامه ومشروعه وهدفه ووظيفته، فضلاً عن لزوم معرفة الإمام حسباً ونسباً، فيُعِدّ المنتظرُ نفسَه لذلك ويستعدّ له.
رُوي عن أبي نصر، وهو من أصحاب الإمام العسكريّ (عليه السلام)، أنّه قال: دخلتُ على صاحب الزمان (عليه السلام)، فقال: «عليّ بالصندل الأحمر». فأتيته به، ثمّ قال: «أتعرفني؟»، قلت: نعم، فقال: «مَن أنا؟»، فقلتُ: أنت سيّدي وابن سيّدي، فقال: «ليس عن هذا سألتك»، فقلت: جعلني الله فداك! فبيّن لي، قال: «أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع الله عزّ وجلّ البلاء عن أهلي وشيعتي»[1].
وهكذا، لو أدرك المنتظِر وعرف حقيقة الإمام بشخصه ودوره ومشروعه، لأعدّ نفسه من الآن في جبهة الإمام، ولشعر أنّه في خيمته وإلى جواره، ولو لم يُدرِك
[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص171.
47
40
الموعظة الرابعة: الشفاعة
زمانه (عليه السلام)، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه، تقدّم هذا الأمر أو تأخّر. ومن مات وهو عارف لإمامه، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه»[1].
ومن الجدير بالذكر أنّ هذه المعرفة تقع على قدر كبير من الأهمّيّة، حتى أنّ الأئمّة (عليهم السلام) حثّوا على الاستعانة بالله تعالى لإحراز تلك المعرفة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «... وهو الّذي يُشَكّ في ولادته... فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة»، قال زرارة: قلت: جعلتُ فداك! إن أدركت ذلك الزمان، أيّ شيء أعمل؟ قال: «يا زرارة، متى أدركت ذلك الزمان فلتدعُ بهذا الدعاء: اللهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللتُ عن ديني»[2].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص433.
[2] النعمانيّ، الشيخ ابن أبي زينب محمّد بن إبراهيم، الغَيبة، تحقيق فارس حسّون كريم، أنوار الهدى، إيران - قمّ، 1422ه، ط1، ص170.
48
41
الموعظة الرابعة: الشفاعة
ومن الأبعاد الأخرى لمعرفة الإمام، الوقوف على سيرته وصفاته، فإنّ لهذا البُعد من المعرفة تأثيراً عمليّاً واسعاً على سلوك المنتظِرين وطباعهم؛ ومن البديهي أنّه كلّما ازدادت معرفة الإنسان بالجوانب المختلفة لحياة الإمام والحجّة الإلهيّة عمقاً وتركيزاً، تجلّت آثارها بالمقدار ذاته في المجالات المختلفة من حياته.
الوعي
وهو على أنحاء:
1. وعي التوحيد: وأنّ الكون كلّه بيد الله، وكلّ شيءٍ مسخّر بأمره، وهو قادر على كلّ شيءٍ، وأنّ كلَّ ما في السماء والأرض جُندٌ مُسخّر له لا يملك من أمره شيئاً.
2. وعي وعد الله بالنصر والغلبة: وسط الأجواء السياسيّة الضاغطة وفي مرحلة الضعف والانحسار، وفي أجواء النكسة. وإنّ من أشقّ الأُمور في مثل هذه الأجواء الضاغطة أن يتلقّى الإنسان بوعيٍ قولَه تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾[1].
[1] سورة آل عمران، ص139.
49
42
الموعظة الرابعة: الشفاعة
وقوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾[1].
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ﴾[2] وقوله تعالى: ﴿لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ﴾[3] وقوله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[4].
3. وعي دور الإنسان المسلم على وجه الأرض: وهو القيمومة والشهادة، يقول تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّة وَسَطا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدا﴾[5].
4. وعي دور هذا الدين في حياة البشريّة: في إزالة الفتنة والعوائق من طريق الدعوة، يقول تعالى: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَة وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ﴾[6].
[1] سورة القصص، الآيتان 5 - 6.
[2] سورة الأنبياء، الآية 105.
[3] سورة المجادلة، الآية 21.
[4] سورة الحجّ، الآية 40.
[5] سورة البقرة، الآية 143.
[6] سورة البقرة، الآية 193.
50
43
الموعظة الرابعة: الشفاعة
5. وعي السُّنن الإلهية للتاريخ والمجتمع: وضرورة الإعداد والتمهيد والحركة والعمل ضمن هذه السُّنن واستحالة اختراقها؛ ولذلك يأمر الله تعالى المسلمين بالإعداد لهذه المعركة الفاصلة: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة﴾[1].
الوحدة والتضامن
فضلاً عن الواجبات الملقاة على عاتق كلّ فرد من أفراد قبيلة الانتظار، يجب على المنتظرين أيضاً أن ينتهجوا خطّة معيّنة للسير وفقاً لأهداف الإمام والحجّة الإلهيّة، وأن ينظّموا حركتهم بحيث تصبّ في مسار إرضاء القائد الموعود.
وعلى هذا الأساس، لا بدّ للمُنتظرين من أن يكونوا بصدد تنفيذ عهدهم مع الإمام؛ لتتهيّأ الأرضّية المناسبة للدولة المهدويّة.
[1] سورة الأنفال، الآية 60.
51
44
الموعظة الرابعة: الشفاعة
وانطلاقاً من ذلك، يبشّر الإمام (عليه السلام) مَن ينتظره قائلاً: «ولو أنّ أشياعنا -وفّقهم الله لطاعته- على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا»[1].
وما ذاك العهد إلّا ما جاء في كتاب الله وكلام رسله، وأهمّ بنوده:
أ. العمل على اتّباع الأئمّة (عليهم السلام)، ومرافقة أوليائهم ومعاداة أعدائهم، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه، ويتوّلى أولياءه، ويعادي أعداءه؛ ذلك من رفقائي وذوي مودّتي وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة»[2].
[1] الطبرسيّ، الشيخ أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب، الاحتجاج على أهل اللجاج، تعليق السيّد محمّد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق - النجف الأشرف، 1386هـ - 1966م، لا.ط، ج2، ص600.
[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ج1، ص535.
52
45
الموعظة الرابعة: الشفاعة
ب. ليس من صفات المنتظرين عدم الاكتراث واللامبالاة تجاه شيوع البدع والانحرافات في الدين ورواج المفاسد والمنكرات في المجتمع، كما أنّهم يبدون ردّ فعل مناسب إزاء اندثار السُّنن الحسنة والقيم الأخلاقيّة الرفيعة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّه سيكون في آخر هذه الأمّة قومٌ لهم مثل أجر أوّلهم، يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر، ويقاتلون أهل الفتن»[1].
ج. إنّ المنتظرين مكلّفون بجعل التعاون في صدر سلّم أولويّاتهم؛ فينبغي لأفراد هذا المجتمع الابتعاد عن النظرة الضيّقة وحبّ الذات، ومراعاة حال الفقراء والمحتاجين في المجتمع، وأن لا يشغلهم شيء عن ذلك، عن الإمام الباقر (عليهم السلام): «لِيعنْ قويُّكم ضعيفَكم، وليْعطف غنيُّكم على فقيرِكم، ولينصح الرجلُ أخاه كنصحه لنفسه»[2].
[1] أحمد بن الحسين البيهقيّ، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، لبنان - بيروت، دار الكتب العلميّة، 1405 - 1985م، ط1، ج6، ص513.
[2] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قمّ، 1414ه، ط1، ص232.
53
46
الموعظة الرابعة: الشفاعة
يشار إلى أنّ دائرة هذا التعاون والتضامن والتكافل الاجتماعيّ لا تقتصر على المكان الّذي يعيش فيه الإنسان، بل إنّ إحسان المنتظرين وخير الموالين يبلغ المحتاجين في أقصى بقاع العالم، ويصل إلى المساكين في مختلف المناطق؛ إذ لا يُستشعر وجود تباين واختلاف بين أفراد المجتمع المتمسّكين بروح الانتظار أينما حلّوا.
د. على أعضاء المجتمع المنتظِر جعل ذلك المجتمع مفعماً بأريج المهدويّة، وعدم إغفال ذكره (عليه السلام)، ولفت أنظار الناس عامّة إلى أنّ الإمام أسوة وقدوة للمجتمع في أقواله وأفعاله، وبذل كلّ ما في الوسع لتكريس ذلك النهج القويم. رُوي أنّ عبد الحميد الواسطيّ، سأل الإمام الباقر (عليه السلام): أصلحك الله! لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر، حتّى أوشك الرجل منّا يسأل في يديه! فقال له الإمام: «يا عبد الحميد، أترى من حبس نفسه على الله، لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى، والله ليجعلنّ الله له مخرجاً. رحم الله عبداً حبس نفسه علينا! رحم الله عبداً أحيا أمرنا!»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق ج8، ص80.
54
47
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
الموعظة السادسة:
مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
هدف الموعظة
تحديد بعض الأعمال الملقاة على عاتق الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام).
محاور الموعظة
التأسّي بالإمام (عليه السلام)
ذكر الإمام (عليه السلام) دائماً والدعاء له
التوسّل به في المهمّات وطلب الحوائج
تصدير الموعظة
الإمام المهديّ (عليه السلام) «وأكثِروا الدعاء بتعجيل الفرجِ، فإنّ ذلكَ فَرجَكُم»[1].
[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص237.
55
48
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
تكلّمنا في الموعظة السابقة على الأمور الّتي ترتبط بالمعرفة والوعي وما ينبغي أن يكون على المجتمع من الوحدة والتضامن في ما بين أفراده المنتظِرين. ونتكلّم في هذه الموعظة على ما يرتبط بعلاقة الفرد الخاصّة بإمامه (عليه السلام)، من التأسّي به والدعاء له والتوسّل به.
إنّ أيّ علاقة مع الإمام المهديّ (عليه السلام) إنّما تختلف بعمقها وسموّها بحسب نوع المعرفة وعمقها ودرجتها، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهليّة»[1].
والواجب أن تكون علاقتنا به علاقة مأموم بإمام يرجع إليه في تفاصيل حياته كلّها، وثمّة آداب ذكرتها الروايات الشريفة، سنقتصر على ذكر بعضها.
التأسّي بالإمام (عليه السلام)
بعد إحراز معرفة الإمام حقّ معرفته، والإلمام
[1] الشيخ الطوسيّ، الرسائل العشر، مصدر سابق، ص317.
56
49
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
بالمظاهر السلوكيّة له (عليه السلام)، يجري الحديث عندئذٍ عن اتّباع هذا المظهر المتميّز للكمال والتأسّي به على شتّى الصعد، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه، ويتولّى أولياءه، ويعادي أعداءه؛ ذلك من رفقائي وذوي مودّتي وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة»[1].
ينبغي للمنتظِر الساعي إلى اللحاق بأروع مشاهد العالم أن يزدان بالفضائل الأخلاقيّة، ويتنكّب للرذائل الأخلاقية، ويجعل من نفسه حسيباً ورقيباً على أفكاره وأعماله في مسار الانتظار، وإلّا فإنّ الوقوع في مستنقع المعاصي والموبقات يعمّق الهوّة بينه وبين معشوقه رويداً رويداً، فتلك حقيقة وردت في كلمات ذلك الإمام الموعود تحذيراً من الهلكة، حيث قال: «... فما يحبسنا عنهم [أوليائنا] إلّا ما يتّصل بنا ممّا نكرهه، ولا نُؤثِره منهم»[2].
[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص535.
[2] الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج2، ص324.
57
50
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
إنّ غاية آمال المنتظرين هي أن يكون لهم نصيب في إرساء دعائم الدولة المهدويّة وحكومة العدل العالميّة، والافتخار بمرافقة آخر الحجج الإلهيّة؛ ولكن لا يتسنّى نيل هكذا سعادة عظيمة إلّا بتهذيب النفس والتحلّي بمكارم الأخلاق. عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظِر»[1].
ومن الواضح أنّه لا مثال يمكن التأسّي به في سبيل تحقيق هذا المطلب خير من ذلك الإمام الهمام الحائز على أفضل مراتب مكارم الأخلاق، الّذي هو المرآة العاكسة لجميع الفضائل الأخلاقيّة.
ذكر الإمام (عليه السلام) دائماً والدعاء له
إنّ ما يعين المنتظرين على كسب معرفة الإمام والسير على نهجه القويم والثبات في طريق الانتظار، هو التواصل والارتباط الوثيق به، وذلك من خلال استحضار ذكره دائماً والدعاء له بتعجيل الفرج، وتسهيل ظهوره وسلامته من
[1] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، مصدر سابق، ص207.
58
51
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
المكاره؛ ولذا قال الإمام نفسه: «وأكثِروا الدعاء بتعجيل الفرجِ، فإنّ ذلكَ فَرجَكُم»[1].
كما ينبغي أن نردِّد دائماً: «اللهمّ كُنْ لوليَكَ الحجّةِ بن الحسن، صلواتُك عليهِ وعلى آبائهِ، في هذهِ السّاعةِ وفي كلِّ ساعةٍ، وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتّى تسكنُه أرضك طوعاً وتمتّعهُ فيها طويلاً»[2].
وإنّ المنتظِر الحقيقيّ أوّل ما يلحظ عند التصدّق سلامةَ الوجود المقدّس لإمامه ومقتداه، ويلتمس العذر ليجعله وسيلةً له إلى الباري عزّ وجلّ، ويطلق الحسرات والزفرات اشتياقاً إلى ظهوره المبارك، وتحنّناً لرؤية جماله، فقد جاء في الدعاء: «عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرى الخَلْقَ وَلا تُرى، وَلا أَسْمَعُ لَكَ حَسِيساً وَلا نَجْوى»[3].
[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص237.
[2] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، فلاح السائل ونجاح المسائل، بستان الكتاب، إيران - قمّ، 1406هـ.، ط1، ص46.
[3] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، الإقبال بالأعمال الحسنة في ما يُعمَل مرّةً في السنة، تحقيق جواد القيّوميّ الاصفهانيّ، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران - قمّ، 1414هـ، ط1، ج1، ص510.
59
52
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
المكاره؛ ولذا قال الإمام نفسه: «وأكثِروا الدعاء بتعجيل الفرجِ، فإنّ ذلكَ فَرجَكُم»[1].
كما ينبغي أن نردِّد دائماً: «اللهمّ كُنْ لوليَكَ الحجّةِ بن الحسن، صلواتُك عليهِ وعلى آبائهِ، في هذهِ السّاعةِ وفي كلِّ ساعةٍ، وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتّى تسكنُه أرضك طوعاً وتمتّعهُ فيها طويلاً»[2].
وإنّ المنتظِر الحقيقيّ أوّل ما يلحظ عند التصدّق سلامةَ الوجود المقدّس لإمامه ومقتداه، ويلتمس العذر ليجعله وسيلةً له إلى الباري عزّ وجلّ، ويطلق الحسرات والزفرات اشتياقاً إلى ظهوره المبارك، وتحنّناً لرؤية جماله، فقد جاء في الدعاء: «عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرى الخَلْقَ وَلا تُرى، وَلا أَسْمَعُ لَكَ حَسِيساً وَلا نَجْوى»[3].
[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص237.
[2] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، فلاح السائل ونجاح المسائل، بستان الكتاب، إيران - قمّ، 1406هـ.، ط1، ص46.
[3] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، الإقبال بالأعمال الحسنة في ما يُعمَل مرّةً في السنة، تحقيق جواد القيّوميّ الاصفهانيّ، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران - قمّ، 1414هـ، ط1، ج1، ص510.
59
53
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
ثمّ إنّ السالك لطريق الانتظار يشارك في الحضور في المجالس المقامة باسم محبوب القلوب والأفئدة؛ ليعمّق جذور محبّته في روحه.
ومن أروع مظاهر استذكار الإمام المهديّ| في حياة المنتظرين، الإعلان عن تجديد العهد والبيعة في كلّ يوم، والثبات على ذلك العهد المبرم. ومن هنا، جاء في فقرة من دعاء العهد المعروف: «اللّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبيحةِ يَوْمِي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أيّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي لا أَحُولُ عَنْها وَلا أَزُولُ أَبَداً، اللّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالمُسارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضاء حَوائِجِهِ وَالمُمْتَثِلِينَ لأَوامِرِهِ وَالمُحامِينَ عَنْهُ وَالسَّابِقِينَ إِلى إِرادَتِهِ وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ»[1].
ولئن واظب الإنسان على قراءة هذا العهد، والتزم
[1] القمّيّ، الشيخ عبّاس، مفاتيح الجنان، تعريب السيّد محمّد رضا النوريّ النجفيّ، مكتبة العزيزي، إيران - قمّ، 1385ش - 2006م، ط3، ص776. راجع: الكفعميّ، الشيخ إبراهيم، المصباح (جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية)، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط3، ص551.
60
54
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
بمضامينه بكلّ ما للكلمة من معنى، فلن يصاب بالضعف والوهن أبداً، ولن يتوانى لحظة واحدة عن تحقيق تطلّعات إمامه، والتمهيد للتعجيل في ظهوره؛ ولكن مَن هو الجدير بالتواجد في ميدان نصرة ذلك المذخور الإلهيّ المكنون لليوم الموعود؟ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره...»[1].
التوسّل به في المهمّات وطلب الحوائج
إنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) هو وليّ الله في أرضه، وعين الله في خلقه، وهو بابه الّذي منه يُؤتى، نقرأ في دعاء الندبة: «أَيْنَ بابُ الله الَّذِي مِنْهُ يُؤْتى؟ أَيْنَ وَجْهُ الله الَّذِي إِلَيْهِ يَتَوجَّهُ الأوْلِياء؟ أَيْنَ السَّبَبُ المُتَّصِلُ بَيْنَ الاَرْضِ وَالسَّماء؟»[2].
[1] المشهديّ، الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر بن علي المشهديّ الحائريّ، المزار الكبير، تحقيق جواد القيّوميّ الأصفهانيّ، إيران - قمّ، نشر القيوم، 1419ه، ط1، ص663.
[2] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، مصدر سابق، ج1، ص509.
61
55
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «إذا نزلَت بكم شديدة، فاستعينوا بنا على الله عزّ وجلّ، وهو قوله: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ﴾[1]»[2].
ولقد كانت سيرة العلماء والعرفاء أنّهم إذا أهمّهم أمر، ونزلَت بهم حاجة أو ضائقة، توسّلوا بأهل بيت العصمة (عليهم السلام)، ولا سيّما حجّة الله|.
وقد ورد في دعاء التوسّل بإمام العصر (عليه السلام): «اللّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ وَلِيِّكَ وَحُجَّتِكَ صاحِبِ الزَّمانِ (عليه السلام) إِلاّ أَعَنْتَنِي بِهِ عَلى جَميعِ أَمُورِي وَكَفَيْتَنِي بِهِ مَؤُونَةَ كُلِّ مُؤْذٍ وَطاغٍ وَباغٍ وَأَعَنْتَنِي بِهِ...»[3].
[1] سورة الأعراف، الآية 180.
[2] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الاختصاص، تحقيق عليّ أكبر الغفاري والسيّد محمود الزرنديّ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1993م، ط2، ص252.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج91، ص35. الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان، ص198.
62
56
الموعظة السابعة: أحكام صلاة الجماعة
الموعظة السابعة:
أحكام صلاة الجماعة
هدف الموعظة
بيان الأحكام الفقهيّة لصلاة الجماعة.
محاور الموعظة
شروط إمام الجماعة
أحكام متعلّقة بشروط إمام الجماعة
شروط صلاة الجماعة
الالتحاق بالجماعة
متابعة الإمام وأحكامها
تصدير الموعظة
عن زرارة، قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمسٍ وعشرين صلاة؟ فقال: «صدقوا»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق ج3، ص371.
63
57
الموعظة السابعة: أحكام صلاة الجماعة
شروط إمام الجماعة
لكي يكون المكلّف إماماً للجماعة، يجب أن تتوفّر فيه الشروط الآتية:
1. العقل: فلا تصحّ الصلاة من المجنون، ولو طرأ الجنون أثناء الصلاة انقلبت فرادى.
2. البلوغ.
3. العدالة.
4. طهارة المولد: فلا تصحّ الصلاة جماعة خلف ابن الزنا.
5. الإيمان: أن يكون إماميّاً اثني عشرياً.
6. صحّة القراءة.
7. الذكورة.
أحكام متعلّقة بشروط إمام الجماعة
1. لا تصحّ إمامة غير البالغ، ولو كان ممّيزاً، سواء أكان المأمومون بالغين أم غير بالغين.
2. لا يشترط لكيّ تصحّ صلاة الجماعة المعرفة الواقعيّة به، بل يكفي إحراز عدالته، وتثبت العادلة بحسن الظاهر.
64
58
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
3. تصحّ الصلاة جماعة خلف غير الشيعيّ الاثني عشري إذا اقتضت الوحدة الإسلاميّة ذلك.
4. يجب أن تكون قراءة الإمام صحيحة لكي يصحّ الاقتداء به، ولو فُرِض أنّ قراءته لم تكن صحيحة بنظر المأموم، فلا يمكن للمأموم الاقتداء به، ولو صلّى خلفه جماعةً بطلت، ووجب عليه إعادتُها.
5. تجوز إمامة المرأة في صلاة الجماعة للنساء خاصّة.
6. إذا أمكن الوصول إلى عالم الدين لا يجوز الاقتداء بغيره.
شروط صلاة الجماعة
1. عدم الحائل: يجب في صلاة الجماعة أن لا يكون بين المأموم والإمام أو بين بعض المأمومين أنفسهم حائل يمنع مشاهدة بعضهم بعضاً، وهنا مسائل:
أ. لا إشكال في وجود حائل بين المرأة والرجل إن اقتدت بالرجل. نعم، الأحوط وجوباً عدم وجود حائل بين المرأة والمرأة الأخرى الّتي تكون هي الواسطة مع إمام الجماعة.
65
59
الموعظة السابعة: أحكام صلاة الجماعة
ب. لا يعتبر مرور الإنسان أو الحيوان حائلاً أثناء صلاة الجماعة.
ج. تبطل الجماعة لو حصل حائل أثناء الصلاة، وتصير فرادى.
د. إذا كبر الإمام لصلاة الجماعة ولم يكبّر الصف الأوّل من المأمومين، فتوجد حالتان:
الأولى: إذا كان المأمومون في الصفّ المتقدّم متهيّئين للصلاة، جاز للصفّ الّذي خلفهم أن يكبّر للالتحاق بصلاة الجماعة.
الثانية: إذا لم يكن المأمومون في الصفّ المتقدّم متهيّئين للصلاة، فلا يصحّ لمن خلفهم البدء بصلاة الجماعة، بل عليهم الانتظار حتّى يتهيّأ الصفّ المتقدّم، ثمّ يلتحقون بصلاة الجماعة.
2. عدم علوّ موقف الإمام: يجب في صلاة الجماعة أن لا يعلو موقف الإمام عن المأمومين بشكلٍ كثير، ويجوز علوّ موقف المأموم على موقف الإمام علوّاً يسيراً كسطح الدكّان، وسطح البيت.
66
60
الموعظة التاسعة: أسس الحياة الزوجيّة
3. عدم التباعد: يعتبر عدم التباعد في صلاة الجماعة بين الإمام والمأمومين، وبين المأمومين أنفسهم في الصفوف، بما يكون كثيراً في العادة.
4. العدد: أقلّ ما تنعقد به صلاة الجماعة اثنان، أحدهما الإمام، فيما عدا صلاة الجمعة والعيدَين.
5. اتّحاد الصلاة: يعتبر في صلاة الجماعة اتّحاد عنوان الصلاة بين الإمام والمأمومين؛ بمعنى: إذا كانت صلاة الإمام الصلاة اليوميّة، فلا يصحّ أن يُصلّى خلفه صلاة العيد أو صلاة الآيات، وكذلك العكس.
6. أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف، والأحوط وجوباً تأخّره عنه ولو يسيراً.
7. تعيين الإمام: يجب تعيين الإمام سواء بالاسم أو الوصف أو الإشارة الذهنيّة أو الخارجيّة، كأن ينوي الاقتداء بهذا الإمام الحاضر الواقف أمامه، أمّا لو نوى الاقتداء بشخصَين لم تنعقد جماعة.
8. نيّة الاقتداء: لكي تصحّ الصلاة جماعة، لا بُدَّ من نيّة المأموم جماعة، وإذا لم ينوِ ذلك لا تنعقد جماعة، بل تنقلب إلى
67
61
الموعظة السابعة: أحكام صلاة الجماعة
فرادى. نعم، لا يعتبر نيّة الإمام في صحّة إمامته للمصلّين، ولكنّ تحصيل الثواب للإمام يتوقّف على نيتّه الإمامة لصلاة الجماعة.
9. وحدة الإمام: لكي تنعقد صلاة الجماعة، يجب أن يكون إمام الجماعة واحداً، فلا يصحّ الاقتداء باثنين معاً.
الالتحاق بالجماعة
1.كيفيّة الاقتداء
أ. الاقتداء هو عن أن ينوي المأموم حين يكبّر تكبيرة الإحرام أن يصلّي مقتدياً بهذا الإمام أو مؤتّماً به قربة إلى الله تعالى. ويمكن للمأموم أن يقتدي بالإمام في حالتين:
الأولى: أن يكون الإمام في حالة القراءة (في الركعتين الأوليَين) أو التسبيح (في الركعتين الأخيرتين) قبل الهويّ إلى الركوع.
الثانية: أن يكون الإمام راكعاً قبل أن يرفع رأسه من الركوع.
ب. لا يُصحّ الالتحاق بالإمام في غير هاتين الصورتين، إلَّا إذا أراد المصلّي أن يدرك ثواب صلاة الجماعة والإمام في التشهّد الأخير من الصلاة، فيمكن للمصلّي في هذه الحالة أن يلحق
68
62
الموعظة السابعة: أحكام صلاة الجماعة
بالجماعة في تشهّد الإمام الأخير، وإذا انتهى الإمام من تسليمه، وقف المأموم وأتى بصلاته، من دون الحاجة إلى تكبيرة من جديد.
2. أحكام الاقتداء
أ. لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً غير القراءة (الفاتحة والسورة) في الركعتين الأولى والثانية.
ب. يجب على المأموم ترك قراءة الفاتحة والسورة في الصلاة الإخفاتيّة والجهريّة.
ج. إذا لم يدرك المأمومُ الإمامَ في الركعتين (الأولى أو الثانية) وجبت عليه القراءة (الفاتحة والسورة).
د. إذا اقتدى المأموم بالإمام في حالة القراءة سقطت عنه القراءة، أما لو اقتدى بالإمام في حالة التسبيح وجبت عليه القراءة.
هـ. إذا اقتدى المأموم بالإمام في الركعة الأولى وهو في حال الركوع تُحسب له ركعة، ويتحمّل الإمام عنه القراءة في تلك الركعة، ثمّ يتابع الإمام في ركوعه وسجوده وتشهّده.
69
63
الموعظة السابعة: أحكام صلاة الجماعة
والأحوط وجوباً التجافي[1]. وبعد قيام المأموم إلى الركعة الثانية تجب عليه القراءة، لأنّ الإمام صار في الركعة الثالثة.
و. لو نوى المأموم الاقتداء بالإمام وهو في حالة الركوع وشرع في التكبير، ولكنّ الإمام رفع رأسه قبل أن يتمّ تكبيرة الإحرام، فالمأموم بالخيار بين أن ينفرد في صلاته أو ينتظر الإمام إلى الركعة اللاحقة، فيبقى واقفاً بشرط أن لا يكون الإمام بطيئاً بحيث يخرج به عن صدق القدوة، وإلّا فلا يجوز له الانتظار في هذه الحالة.
ز. إذا اقتدى بالإمام حال قيامه في إحدى الركعتين الأخيرتين، ولم يمهله الإمام للقراءة، يكتفي بقراءة الفاتحة ويلتحق بالإمام في الركوع، وإن لم يمهله لإكمال الفاتحة، فالمأموم بالخيار بين أن يتمّ صلاته منفرداً أو يكمل الفاتحة ويركع، ثمّ يلتحق بالإمام في السجود.
ح. يجب أن تكون قراءة المأموم (في حال اختلف مع الإمام في الركعات) إخفاتاً، وإن كانت صلاته جهريّة.
[1] سوف يأتي توضيحه.
70
64
المقدّمة
ط. لا يجوز للمأموم قراءة الحمد والسورة في الصلوات الإخفاتيّة كالظهر والعصر، حتّى وإن كانت من أجل تركيز ذهنه.
ي. يجوز الاقتداء بالإمام وإن اختلفت الصلاة بينهما، كأن يكون الإمام يصلّي صلاة المغرب والمأموم يريد أن يصلّي صلاة العشاء، والعكس كذلك، وكذلك يصحّ الاقتداء وإن كانت صلاة أداء وأخرى قضاء، كأن كان الإمام يصلّي قضاءً والمأموم أداءً.
3. التجافي وأحكامه
أ. التجافي هو أن يجلس كمن يريد القيام، فيضع يديه على الأرض ويرفع ركبتيه عنها قليلاً.
ب. الأحوط وجوباً التجافي في الركعة الثانية أثناء تشهّد الإمام للمتأخّر عنه في الركعات.
71
65
المقدّمة
ج. لا يشترط التجافي في الركعة الأخيرة من الصلاة، فيجوز للمأموم الانفراد والقيام مباشرة بعد رفع الرأس من السجدة الثانية.
متابعة الإمام وأحكامها
1. متابعة الإمام في الأفعال
أ. يجب على المأموم متابعة الإمام في أفعال الصلاة؛ بمعنى أن لا يتقدّم عليه أو يتأخّر عنه في أيّ فعل من أفعال الصلاة.
ب. لو رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام، فإنّه توجد لديه صورتان:
الأولى: إذا رفع رأسه سهواً أو لظنّ رفع الإمام رأسه، وجب عليه العود والمتابعة، ولا يضرّ زيادة الركن حينئذٍ، وإن لم يعد أثِم وصحّت
72
66
الموعظة السابعة: أحكام صلاة الجماعة
صلاته إن كان قد أتى بذكر الركوع وواجباته أو بذكر السجود وواجباته، وإذا لم يكن قد أتى بالذكر وواجبات الركوع أو السجود فالأحوط وجوباً بطلان صلاته.
الثانية: إذا رفع المأموم رأسه قبل الإمام عامداً أثِم وصحّت صلاته لو كان ذلك بعد الذكر وسائر الواجبات، وأمّا إذا كان رفع الرأس عامداً قبل الذكر وسائر واجبات الركوع أو السجود بطلت صلاته.
ج. في مورد الصورة الأولى، لو عاد المكلّف للمتابعة مع الإمام، فرفع الإمام رأسه من الركوع قبل وصول المأموم إلى الركوع، بطلت صلاة المأموم.
د. لو ركع أو سجد قبل الإمام عمداً لا يجوز له المتابعة، وإن كان سهواً يجب العود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الركوع أو السجود.
2. متابعة الإمام في الأقوال
أ. يجب على المأموم متابعة الإمام في تكبيرة الإحرام، فلا يتقدّم عليه في التكبيرة ولا يقارنه فيها.
ب. الأحوط وجوباً عدم شروع المأموم في تكبيرة الإحرام قبل أن يكمل الإمام تكبيرة الإحرام.
ج. لا تجب متابعة الإمام في باقي أقوال الصلاة.
73
67
المقدّمة
د. لو كبّر المأموم سهواً أو ظنّاً منه أن الإمام كبّر، يصير المأموم منفرداً، ويمكنه أن يعدل بصلاته إلى النافلة لو أراد الجماعة، ثمّ بعد الانتهاء من النافلة يقتدي بالجماعة.
74
68
الموعظة الثامنة: فقه النظر
الموعظة الثامنة:
فقه النظر
هدف الموعظة
تعرّف غضّ البصر، وعواقب النظر المحرّم، والأحكام الشرعيّة المتعلّقة به.
محاور الموعظة
العين
النظرة والمعصية
عواقب النظر المحرّم
معالجة آفة النظر المحرّم
الأحكام الفقهيّة للنظر
تصدير الموعظة
أمير المؤمنين (عليه السلام): «العيون طلائع القلوب»[1].
[1] الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجنديّ، دار الحديث، إيران - قمّ، 1418ه، ط1، ص38.
75
69
الموعظة الثامنة: فقه النظر
العين
العين جهازٌ عظيمٌ خلقه الله عزّ وجلّ في هذا الإنسان، فهو طريقه لمعرفة العالمِ المحيط به. والإنسان بهذه العين يرى عجائب الكون الّتي هي آياتٌ تدلّ على الله عزّ وجلّ. ولكن قد يسيء الإنسان الاستفادة من هذه العين فتعود بالسوء عليه. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كم من نظرةٍ جلبت حسرةً»[1].
النظرة والمعصية
إنّ النظرة قد تتحوّل إلى بابٍ لمعصية الله عزّ وجلّ؛ لأنّها تعمي القلب عن الإبصار الحقيقيّ، فعن الإمام عليٍّ (عليه السلام): «إذا أبصرت العين الشهوة، عمي القلب عن العاقبة»[2]، فيتعطّل تفكير هذا الإنسان ويسلّم أمره إلى
[1] الحرّانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1404ه - 1363ش، ط2، ص90.
[2] التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيّد مهدي رجائي، نشر دار الكتاب الإسلاميّ، إيران - قمّ، 1410ه، ط2، ص285.
76
70
الموعظة الثامنة: فقه النظر
شهوته الّتي تسير به حيث تشاء.
من هنا كان الحثّ على غضِّ البصر في الكتاب الكريم والروايات الشريفة، قال تعالى: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ﴾[1]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «نِعْمَ صارفُ الشهواتِ غضّ الأبصار»[2]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «يابن جندب، إنّ عيسى بن مريم (عليه السلام) قال لأصحابه: ... إيّاكم والنظرة! فإنّها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة. طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه»[3].
عواقب النظر المحرّم
إنّ جزاء النظر المحرّم عند الله تعالى شديد جدّاً، بحيث إنّ بعض الروايات عبّرت عن صور عجيبة لمَن يملأ عينيه من النظر الحرام، ومن هذه العواقب:
[1] سورة النور، الآية 30.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص494.
[3] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص305.
77
71
الموعظة الثامنة: فقه النظر
شهوته الّتي تسير به حيث تشاء.
من هنا كان الحثّ على غضِّ البصر في الكتاب الكريم والروايات الشريفة، قال تعالى: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ﴾[1]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «نِعْمَ صارفُ الشهواتِ غضّ الأبصار»[2]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «يابن جندب، إنّ عيسى بن مريم (عليه السلام) قال لأصحابه: ... إيّاكم والنظرة! فإنّها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة. طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه»[3].
عواقب النظر المحرّم
إنّ جزاء النظر المحرّم عند الله تعالى شديد جدّاً، بحيث إنّ بعض الروايات عبّرت عن صور عجيبة لمَن يملأ عينيه من النظر الحرام، ومن هذه العواقب:
[1] سورة النور، الآية 30.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص494.
[3] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص305.
78
72
الموعظة السابعة: أحكام صلاة الجماعة
1. تقوى الله: إنّ الارتباط بالله تعالى وتقوى الله تعالى هما الأساس في حفظ الإنسان وابتعاده عن المحرّمات، وقد أكّدت الشريعة تقوى الله في موضوع النظر وأمراضه، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما سُئل: بِمَ يُستعان على غضّ البصر؟ فقال: «بالخمود تحت سلطان المُطَّلع على سرِّك»[1]، فإن كنّا عباداً لله تعالى فعلينا أن نقوم بواجبات العبوديّة، من إطاعة أوامر الله تعالى والتجنّب عمّا نهى عنه، ومن ذلك غضّ البصر، وإن كنّا عباداً لرغباتنا وشهواتنا ومتطلّباتها -والعياذ بالله من أن نكون كذلك - فقد خرجنا من دائرة العبوديّة لله تعالى إلى عبوديّة الشيطان وجنوده! ويصدق حينئذٍ قوله تعالى حكايةً عن إبليس: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ﴾.[2]
2. الحياء: فالحياء حاجز آخر يقف أمام انحراف الإنسان، وعن
[1] الإمام الصادق، جعفر بن محمّد (عليهما السلام) (منسوب)، مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1400هـ - 1980م، ط1، ص9.
[2] سورة ص، الآيتان 82 - 83.
79
73
الموعظة الثامنة: فقه النظر
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الحياء شعبة من الإيمان»[1]، وعنه (صلى الله عليه وآله): «إذا لم تستحِ، فافعل ما شئت».[2]
الأحكام الفقهيّة للنظر
1. لا يجوز للرجل أن ينظر إلى ما عدا الوجه والكفّين من المرأة الأجنبيّة، سواء أكان مع تلذّذ وريبة[3]، أم لا.
2. النظر إلى الوجه والكفّين فيه صورتان:
الأولى: إن كان بتلذّذ وريبة، فيحرم.
الثانية: إن كان بدونهما، فلا ينبغي ترك الاحتياط الاستحبابيّ بعدم النظر[4].
[1] السيّد الرضيّ، محمّد بن الحسين الموسويّ، المجازات النبويّة، تحقيق وشرح طه محمّد الزيتيّ، منشورات مكتبة بصيرتي، إيران - قمّ، لا.ت، لا.ط، ص106.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص336.
[3] الريبة هي النظر إلى شخص مع الخوف من الوقوع في الحرام.
[4] الإمام الخامنئيّ (دام ظله): لا يجوز النظر متعمّداً إلى ما يجب ستره من بدن المرأة المسلمة، والأحوط وجوباً عدم جواز النظر إلى ما تكشفه المرأة المسلمة من بدنها، حتّى وإن كانت من اللواتي لا ينتهين واعتادت كشفه. أمّا المرأة الكافرة فيجوز النظر إلى ما تعارف كشفه من بدنها من دون تلذّذ وريبة. والأحوط وجوباً عدم النظر إلى صورة المرأة السافرة إذا كانت مسلمةً يعرفها، أو كانت معروضةً بالبثّ المباشر.
80
74
الموعظة السادسة: مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
3. لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبيّ كالعكس، والأقرب استثناء الوجه والكفّين[1].
4. يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها -ما عدا الوجه والكفّين- عن الرجال الأجانب.
5. لا يجب على الرجال الستر، وإن كان يحرم على النساء النظر إليهم عدا ما استُثني. نعم إذا علم الرجال بأنّ النساء يتعمّدن النظر إليهم، فالأحوط استحباباً التستّر عنهنّ[2].
6. يجوز لمن يريد الزواج من امرأة أن ينظر إليها، بشروط:
أ. أن لا يكون بقصد التلذّذ، وإن علم أنّه يحصل بسبب النظر قهراً.
ب. أن يحتمل حصول زيادة بصيرة بها.
ج. أن يحتمل التوافق على الزواج.
[1] الإمام الخامنئيّ (دام ظله): يجوز للمرأة النظر إلى ما تعارف كشفه من بدن الرجل الأجنبيّ من دون تلذّذ وريبة دون الزائد عنه، كما يجوز للمرأة النظر إلى باطن فم الرجل إذا كان ممّا تعارف كشفه ولم يكن بتلذّذ وريبة، وكذا يجوز للرجل النظر إلى باطن فم المرأة إذا لم يكن بتلذّذ وريبة.
[2] الإمام الخامنئيّ (دام ظله): الأحوط وجوباً التستّر عنهنّ في هذه الحالة.
82
75
الموعظة التاسعة: أسس الحياة الزوجيّة
الموعظة التاسعة:
أسس الحياة الزوجيّة
هدف الموعظة
شرح الأسس العامّة للحياة الزوجيّة في الرؤية الإسلاميّة.
محاور الموعظة
المحبّة
المودّة
التعاون والتفاهم
حُسن المعاشرة
المداراة وضبط النفس
التزيّن
مراعاة إمكانيّات الشريك
تصدير الموعظة
الإمام الباقر (عليه السلام): «البشر الحسن وطلاقة الوجه؛ مُكسِبة للمحبّة وقُربة من الله عزّ وجلّ، وعبوس الوجه، وسوء البشر؛ مكسبة للمقت وبُعد من الله»[1].
[1] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص296.
83
76
الموعظة التاسعة: أسس الحياة الزوجيّة
المحبّة
ينبغي أن تسود الحياةَ الزوجيَّة روحُ المحبَّة والصَّفاء، فالمرأة -كما يبيّن الحديث الشريف- لا تنسى كلمة الحبّ الّتي ينطقها زوجها أبداً، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قول الرجل لزوجته: إنّي أحبّك، لا يذهب من قلبها أبداً»[1].
ومن الأمور الّتي تساعد على كسب المحبّة وتعميقها ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «البشر الحسن وطلاقة الوجه؛ مُكسِبة للمحبّة وقُربة من الله عزّ وجلّ، وعبوس الوجه، وسوء البشر؛ مكسبة للمقت وبُعد من الله»[2].
المودّة
قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ﴾[3]، يقول العلّامة الطباطبائيّ في تفسيره الميزان في بيان معنى المودّة في هذه الآية: المودّة؛ كأنّها الحبّ الظاهر أثره في مقام العمل،
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص569.
[2] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص296.
[3] سورة الروم، الآية 21.
84
77
الموعظة التاسعة: أسس الحياة الزوجيّة
فنسبة المودّة إلى الحبّ؛ كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل إلى الخشوع، الّذي هو نوع تأثُّرٍ نفسانيٍّ عن العظمة والكبرياء... ومن أَجَلِّ موارد المودّة والرحمة: المجتمع المنزليّ؛ فإنّ الزوجين يتلازمان بالمودّة والمحبّة، وهُما معاً، وخاصّة الزوجة، يرحمان الصغار من الأولاد؛ لما يريان ضعفهم وعجزهم عن القيام بواجب العمل؛ لرفع الحوائج الحيويّة، فيقومان بواجب العمل في حفظهم، وحراستهم، وتغذيتهم، وكسوتهم، وإيوائهم، وتربيتهم. ولولا هذه الرحمة لانقطع النسل، ولم يعش النوع قطّ».[1]
التعاون والتفاهم
إنَّ أساس الحياة الزوجيَّة يقوم على التعاون، ومساعدة كلّ من الزوجين الآخر في جوٍّ من الدعم المتبادل، وتقديم الخدمات المطلوبة، عن الإمام الرضا (عليه السلام): «واعلم أنّ النساء شتّى؛ فامرأة ولود ودود تُعين زوجها على دهره
[1] الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1417ه، ط5، ج16، ص .166
85
78
الموعظة التاسعة: أسس الحياة الزوجيّة
لدنياه وآخرته، ولا تُعين الدَّهر عليه، وامرأةٌ عقيمةٌ لا ذات جمال ولا تُعين زوجها على خير، وامرأة صخَّابة ولَّاجة همَّازة تستقلُّ الكثير ولا تقبل اليسير»[1]. وفي هذه الرواية إشارة لطيفة إلى ضرورة أن تكون المرأة متعاونة مع زوجها؛ فتعينه على دنياه، كما تعينه على آخرته.
ومن مصاديق التعاون خدمة العيال في شؤون معيشتهم وحياتهم اليوميّة، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا عليّ، لا يخدم العيال إلّا صدّيق، أو شهيد، أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة»[2].
حُسن المعاشرة
حثّ الإسلام على معاشرة المرأة بالمعروف؛ وذلك من خلال عدد كبير من المفاهيم الأخلاقيّة والتربية السلوكيّة، نذكر منها:
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص323.
[2] السبزواريّ، الشيخ محمّد، معارج اليقين في أصول الدين، علاء آل جعفر، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قمّ، 1410 - 1993م، ط1، ص276.
86
79
الموعظة التاسعة: أسس الحياة الزوجيّة
1. العِشرة الحسنة: قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡٔا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرا كَثِيرا﴾[1]. وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»[2].
2. الإكرام: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنِ اتّخذ زوجةً، فليكرمْها»[3].
3. عدم القسوة: فقد نهى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه على سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال: «حقّكِ عليه أن يُطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك»[4].
[1] سورة النساء، الآية 19.
[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص281.
[3] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، مصر - القاهرة، 1383ه - 1963م، لا.ط، ج2، ص158.
[4] الطبرسيّ، الشيخ الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضيّ، إيران، 1392ه - 1972م، ط6، ص218.
87
80
الموعظة التاسعة: أسس الحياة الزوجيّة
المداراة وضبط النفس
إنَّ الحياة الزوجيَّة ترافقها المشاكل، ولا يمكن تحمّلها إلّا بالصبر، وضبط النفس، والتسامح، وصرف النظر قليلاً عن أخطاء الطرف الآخر، وقد حثّت الروايات الشريفة كثيراً على الصبر عند وقوع الخلاف، قولاً كان أم فعلاً. عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَنِ احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النار، وأوجب له الجنّة».[1]
التزيّن
من الضروريّ جدّاً أن يراعي الزوجان زينتهما ومظهرهما، وأن يحاولا الظهور بالمظهر اللائق، أحدهما أمام الآخر، فثمّة نساءٌ انحرفن عن جادّة العفّة بإهمال أزواجهنّ لهذا الجانب الحسّاس من الحياة، عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنَّ التهيئة ممّا يزيد من عفّة النساء، ولقد
[1] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص216.
88
81
الموعظة التاسعة: أسس الحياة الزوجيّة
ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة»[1].
كما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) توصيةً للمرأة بتوفير الزينة لزوجها حتّى لو اقتصر الأمر على قلادة، يقول (عليه السلام): «لا ينبغي للمرأة أن تعطِّل نفسها، ولو تعلّق في عنقها قلادة»[2].
مراعاة إمكانيّات الشريك
قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾[3]. على الزوجة أن تراعي إمكانيّات الزوج في النفقة وغيرها، فلا تكلّف الزوج ما لا يطيقه من أمر النفقة، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في هذا الصدد: «أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً، إلّا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته»[4].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص567.
[2] المصدر نفسه، ج5، ص509.
[3] سورة البقرة، الآية 286.
[4] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص202.
89
82
الموعظة التاسعة: أسس الحياة الزوجيّة
ونِعمَ الواعظ في ذلك ما ورد في سيرة سيّدة نساء العالمين(عليها السلام)، ففي الخبر عن أبي سعيد الخدريّ، قال: أصبح [عليّ] (عليه السلام) ذات يوم، فقال لفاطمة (عليها السلام): «يا فاطمة، هل عندك شيء تغذّينيه؟»، قالت: «والّذي أكرم أبي بالنبوّة، وأكرمك بالوصيّة، ما أصبح اليوم عندي شيء أغذّيكه، وما كان عندي شيء منذ يومين، إلّا ما كنت أؤثرك به على نفسي وعلى هذين» -تعني الحسن والحسين (عليهما السلام)- قال: «فهلّا كنتِ ذكرتِ ذلك لي، فأبغيكم شيئاً؟» قالت: «إنّي لأستحي من الله أن أكلّفك ما لا تقدر عليه، ولا تجده»[1].
[1] القاضي النعمان المغربيّ، شرح الأخبار، مصدر سابق، ج2، ص401.
90
83
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
الموعظة العاشرة:
التواضع حلية المؤمن
هدف الموعظة
شرح أهمّيّة التواضع في الحياة الاجتماعيّة، وآثاره على الفرد والمجتمع.
محاور الموعظة
التواضع وأهمّيّته
حدود التواضع
علامات التواضع
ثمرات التواضع
كيفيّة تحصيل التواضع
تصدير الموعظة
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡم يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ﴾[1].
[1] سورة المائدة، الآية 54.
91
84
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
التواضع وأهمّيّته
التواضع هو أن يربّي الإنسان نفسه على الإحساس بالصغار والضعة أمام الله، والاستشعار الكامل لعبوديّته لله تعالى، ويظهر أثره في القلب والعواطف والميول، وحتّى الجوارح، في مقابل الله سبحانه، وفي مقابل الأنبياء والمرسلين والمؤمنين.
وقد أظهرت الروايات وبيّنت أهمّيّته وضرورته، فهو آلة العقل كما عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنّ الزرع ينبت في السهل، ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبار؛ لأنّ الله جعل التواضع آلة العقل»[1]. وهو أحسن حلية للمؤمن، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «يا كُميل، أحسن حلية المؤمن التواضع»[2]. كما أنّه نعمةٌ لا يُحسَد المرء عليها، عن الإمام العسكريّ (عليه السلام): «التواضع نعمةٌ لا يُحسَد عليها»[3].
[1] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص396.
92
[2] المصدر نفسه، ص172.
[3] المصدر نفسه، ص489.
85
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
حدود التواضع
أمّا الحديث عن كيفيّة التواضع وحدّه، فإنّه سماء لا منتهى لآفاقها؛ لأنّها تتعدّد بتعدّد المصاديق الّتي يواجهها الإنسان في حياته اليوميّة. لكنّنا نستطيع أن نضع ضابطة عامّة يسير الإنسانُ بضوئها ويستخدمها في الوقت المناسب، متيقّناً من حسن أدائه لفضيلة التواضع، فعن الإمام الرضا (عليه السلام): «التواضع أن تُعطي الناسَ ما تحبُ أن تُعطاه»[1].
«أي تحبّ لهم ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وتجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فتريد لغيرك كلّ ما تريده لنفسك من الخيرات الدنيويّة والأخرويّة، ولا تريد لغيرك كلّ ما لا تريد لنفسك من القبائح والشرور، وذلك من أعظم أفراد التواضع وذلّ النفس، وصرفها عن هواها»[2].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص124.
[2] المازندرانيّ، المولى محمّد صالح بن أحمد، شرح أصول الكافي، تعليقات الميرزا أبو الحسن الشعرانيّ، ضبط وتصحيح السيّد عليّ عاشور، دار إحياء التراث العربيّ للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1421هـ - 2000م، ط1، ج8، ص338.
93
86
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
ومن زاوية أخرى، يبيّن الإمام الرضا (عليه السلام) حدود التواضع، لمّا سأله الحسن بن الجهم: ما حدّ التواضع الّذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال: «التواضع درجات؛ منها أن يعرف المرء قدر نفسه فيُنزِلها منزلتها بقلبٍ سليم، لا يحبّ أن يأتي إلى أحدٍ إلّا مثلَ ما يُؤتى إليه، إن رأى سيّئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عافٍ عن الناس، والله يحب المحسنين»[1].
علامات التواضع
ثمّة بعض العلامات المستقاة من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، والّتي من خلالها يُعرف المتواضع، إذ يجسّد هذه الخصال في أعماله وحياته الاعتياديّة، نذكر منها:
1. انتقاء أقرب المجالس إليه: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ من التواضع لله الرضا بالدون من شرف المجالس»[2].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص124.
[2] الطبرانيّ، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج حمدي عبد المجيد السلفيّ، دار إحياء التراث العربيّ، لا.م، لا.ت، ط2، ج1، ص114.
94
87
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
2. الابتداء بالسلام: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثلاثٌ هنّ رأس التواضع: أن يبدأ بالسلام من لقيه...»[1].
3.كره الرياء والسمعة: في الحديث السابق عنه (عليه السلام): «ثلاثٌ هنّ رأس التواضع: ... ويكره الرياء والسمعة»[2].
4. ترك الجدال وكراهة الحمد على التقوى: عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام): «إنّ من التواضع أن يرضى الرجل بالمجلس دون المجالس، وأن يسلّم على مَن يلقى، وأن يترك المراء وإن كان محقّاً، ولا يحبّ أن يُحمَد على التقوى»[3].
ثمرات التواضع
إنّ للتواضع ثمرات عدّة بيّنتها الأحاديث والروايات، نذكر منها:
[1] المتّقي الهنديّ، علاء الدين عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير الشيخ بكري حيّانيّ - تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقا، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409ه - 1989م، لا.ط، ج3، ص701.
[2] المصدر نفسه.
[3] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، مصدر سابق، ص381.
95
88
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
1. محبّة الناس: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثمرة التواضع المحبّة»[1].
2. الحكمة: عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبار»[2].
3. المهابة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «التواضع يكسوك المهابة»[3].
4. نشر الفضيلة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «التواضع ينشر الفضيلة»[4].
5. رفع التفاخر بين الناس: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله تعالى أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحد»[5].
[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص209.
[2] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص396.
[3] المصدر نفسه، ص98.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص19.
[5] مسلم النيسابوريّ، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيريّ، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج8، ص160.
96
89
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
6. الرفعة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ في السماء ملكَين موكّلَين بالعباد، فمَن تواضع لله رفعاه، ومَن تكبّر وضعاه»[1].
7. تكامل الشرف: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «بكثرة التواضع يتكامل الشرف»[2].
كيفيّة تحصيل التواضع
أشارت الروايات الشريفة إلى ضرورة تحصيل التواضع، ويمكن ذلك من خلال:
1. معرفة عظمة الله: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وإِنَّه لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّه أَنْ يَتَعَظَّمَ؛ فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُه أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَه»[3].
2. سلامة الصدر: بمعنى أن يسعى الإنسان دائماً إلى عدم زرع سوء الظنّ بأحدٍ من المؤمنين في صدره، بل ينزع كلَّ
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص122.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص188.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص205، الخطبة 147.
97
90
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
غلٍّ من قلبه لأيّ أحد؛ فبذلك يتسنّى له أن يطأطئ رأس التواضع لإخوته المؤمنين، من دون أن يشعر بأيّ سوء في تواضعه لهم، وهذا من الشروط الأساسيّة، كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يُستعان على... ولا على التواضع إلّا بسلامة الصدر»[1].
3. العلم: يقصد به بدرجة أساسيّة المعرفة بعظمة المولى وضِعة الإنسان، وهذا يتأتّى من التأمّل في النفس وحقارتها أمام عظمة الباري تعالى، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «التواضع ثمرة العلم»[2].
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص7.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص42.
98
91
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
الموعظة الحادية عشرة:
اتِّباع الهوى
هدف الموعظة
التحذير من اتّباع الهوى، وبيان كيفيّة علاجه.
محاور الموعظة
مفهوم الهوى
الهوى أعدى أعداء الإنسان
اتّباع الهوى في القرآن والسُّنّة
معالجة اتّباع الهوى
تصدير الموعظة
الإمام الصادق (عليه السلام): «احذروا أهواءَكم كما تحذرون أعداءَكم، فليس شيءٌ أعدى للرِّجال من اتِّباع أهوائهم، وحصائد ألسنتهم»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص335.
99
92
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
مفهوم الهوى
هو ميل النَّفس الأمَّارة بالسُّوء إلى مقتضى طباعها، من اللذات الدُّنيويَّة على أنواعها، حتَّى تخرج من الحدود الشَّرعية، وتدخل في مراتع القوة السَّبعيَّة والبهيميَّة[1].
ممّا لا شكّ فيه، أنَّ للنَّفس الإنسانيَّة شهوات ورغبات وغرائز وميولاً مختلفة، كلُّ واحد منها له دور وهدف وغاية محدّدة. فالشَّهوة على سبيل المثال وسيلة مهمَّة للمحافظة على الوجود، وضمان لاستمرار النَّسل، وفرصة للتَّكامل نحو الأفضل والأصلح دائماً، ومن دونها لا يمكن أن تستمرَّ الحياة على الأرض. ولكن هذه الغرائز يمكن أن تطغى، وأن تخرج عن مسارها الطبيعيّ الّذي خُلِقَت لأجله. من هنا، كانت الحاجة والضَّرورة إلى مراقبة النفس، وإعادتها إلى مسارها الصَّحيح دائماً، وهذا يحتاج إلى قوَّة إرادة وشجاعةٍ في تهذيب النفس.
[1] المولى المازندرانيّ، شرح أصول الكافي، مصدر سابق، ج2، ص141.
100
93
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
الهوى أعدى أعداء الإنسان
على الإنسان أن يحذر هواه كما يحذر عدُوَّه؛ لأنّ الهوى من أعدى أعداء الإنسان، عن الإمام الصَّادق (عليه السلام): «احذروا أهواءَكم كما تحذرون أعداءَكم، فليس شيءٌ أعدى للرِّجال من اتِّباع أهوائهم، وحصائد ألسنتهم»[1].
اتّباع الهوى في القرآن والسُّنّة
حذَّرنا الله تعالى من اتِّباع الهوى في كثيرٍ من آيات القرآن، منها قوله سبحانه: ﴿أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡم وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَة فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾[2]، وقوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَاب شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ﴾[3].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص335.
[2] سورة الجاثية، الآية 23.
[3] سورة ص، الآية 26.
101
94
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
وفي كلتا الآيتين بيان واضح بأنّ اتّباع الهوى يؤدّي إلى الضلال عن سبيل الله تعالى.
كما حذّرت الروايات الشريفة من اتّباع الهوى، وبيّنت ما يمكن أن يترتّب عليه من آثار وعواقب، منها:
1. نسيان الإيمان واتّباع الشيطان: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «والشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاه وغُرُورِه... ومُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلإِيمَانِ ومَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ»[1].
2. النزول بجرفٍ هارٍ: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «عِبَادَ اللَّه، لَا تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ، ولَا تَنْقَادُوا لأَهْوَائِكُمْ؛ فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ، يَنْقُلُ الرَّدَى عَلَى ظَهْرِه مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ»[2].
3. الصدّ عن الحقّ: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى وطُولُ الأَمَلِ؛ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ»[3].
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص117، الخطبة 86.
[2] المصدر نفسه، ص152، الخطبة 105.
[3] المصدر نفسه، ص83، الخطبة 42.
102
95
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
عددٍ من المفاسد، ومن ثمَّ سوف تبتلى بآلاف المهالك، حتّى تنغلق -لا سمح الله- جميع طرق الحقّ بوجهك في آخر لحظات حياتك، كما أخبر الله بذلك في نصّ كتابه الكريم، وكان هذا هو أخشى ما يخشاه أمير المؤمنين ووليّ الأمر، والمولى، والمرشد والكفيل للهداية والموجِّه للعائلة البشريَّة (عليه السلام)»[1].
2. خطوات مواجهة الهوى
أ. عدم تمكين الهوى من النفس الإنسانيّة: يحذّر أمير المؤمنين (عليه السلام) من الهوى وخطورته في أوّله وآخره، فيقول: «إيّاكم وتمكُّن الهوى منكم، فإنَّ أوّله فتنة وآخره محنة»[2]، وقد رُوي عنه (عليه السلام): «أوَّل الشَّهوات طرب، وآخرها عطب»[3].
[1] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، الأربعون حديثاً، تعريب السيّد محمّد الغرويّ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ - قسم الشؤون الدوليّة، إيران - طهران، 2003م، ط6، الحديث العاشر، ص211.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص101.
[3] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج11، ص343.
104
96
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
عددٍ من المفاسد، ومن ثمَّ سوف تبتلى بآلاف المهالك، حتّى تنغلق -لا سمح الله- جميع طرق الحقّ بوجهك في آخر لحظات حياتك، كما أخبر الله بذلك في نصّ كتابه الكريم، وكان هذا هو أخشى ما يخشاه أمير المؤمنين ووليّ الأمر، والمولى، والمرشد والكفيل للهداية والموجِّه للعائلة البشريَّة (عليه السلام)»[1].
2. خطوات مواجهة الهوى
أ. عدم تمكين الهوى من النفس الإنسانيّة: يحذّر أمير المؤمنين (عليه السلام) من الهوى وخطورته في أوّله وآخره، فيقول: «إيّاكم وتمكُّن الهوى منكم، فإنَّ أوّله فتنة وآخره محنة»[2]، وقد رُوي عنه (عليه السلام): «أوَّل الشَّهوات طرب، وآخرها عطب»[3].
[1] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، الأربعون حديثاً، تعريب السيّد محمّد الغرويّ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ - قسم الشؤون الدوليّة، إيران - طهران، 2003م، ط6، الحديث العاشر، ص211.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص101.
[3] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج11، ص343.
104
96
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
عددٍ من المفاسد، ومن ثمَّ سوف تبتلى بآلاف المهالك، حتّى تنغلق -لا سمح الله- جميع طرق الحقّ بوجهك في آخر لحظات حياتك، كما أخبر الله بذلك في نصّ كتابه الكريم، وكان هذا هو أخشى ما يخشاه أمير المؤمنين ووليّ الأمر، والمولى، والمرشد والكفيل للهداية والموجِّه للعائلة البشريَّة (عليه السلام)»[1].
2. خطوات مواجهة الهوى
أ. عدم تمكين الهوى من النفس الإنسانيّة: يحذّر أمير المؤمنين (عليه السلام) من الهوى وخطورته في أوّله وآخره، فيقول: «إيّاكم وتمكُّن الهوى منكم، فإنَّ أوّله فتنة وآخره محنة»[2]، وقد رُوي عنه (عليه السلام): «أوَّل الشَّهوات طرب، وآخرها عطب»[3].
[1] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، الأربعون حديثاً، تعريب السيّد محمّد الغرويّ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ - قسم الشؤون الدوليّة، إيران - طهران، 2003م، ط6، الحديث العاشر، ص211.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص101.
[3] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج11، ص343.
104
96
الموعظة العاشرة: التواضع حلية المؤمن
عددٍ من المفاسد، ومن ثمَّ سوف تبتلى بآلاف المهالك، حتّى تنغلق -لا سمح الله- جميع طرق الحقّ بوجهك في آخر لحظات حياتك، كما أخبر الله بذلك في نصّ كتابه الكريم، وكان هذا هو أخشى ما يخشاه أمير المؤمنين ووليّ الأمر، والمولى، والمرشد والكفيل للهداية والموجِّه للعائلة البشريَّة (عليه السلام)»[1].
2. خطوات مواجهة الهوى
أ. عدم تمكين الهوى من النفس الإنسانيّة: يحذّر أمير المؤمنين (عليه السلام) من الهوى وخطورته في أوّله وآخره، فيقول: «إيّاكم وتمكُّن الهوى منكم، فإنَّ أوّله فتنة وآخره محنة»[2]، وقد رُوي عنه (عليه السلام): «أوَّل الشَّهوات طرب، وآخرها عطب»[3].
[1] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، الأربعون حديثاً، تعريب السيّد محمّد الغرويّ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ - قسم الشؤون الدوليّة، إيران - طهران، 2003م، ط6، الحديث العاشر، ص211.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص101.
[3] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج11، ص343.
104
96
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
الموعظة الثانية عشرة:
آثار الجهاد الدنيويّة
هدف الموعظة
معرفة أبرز الآثار الدنيويّة للجهاد في سبيل الله تعالى.
محاور الموعظة
العزّة والرفعة
الحياة والحركة
تقوية روح الاكتفاء الذاتيّ
فصل الحقّ عن الباطل
الوحدة
معرفة الصديق من العدوّ
النصر
تصدير الموعظة
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أُغزوا تُورِّثوا أبناءكم مجداً»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص8.
106
97
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
العزّة والرفعة
ترتبط حياة المجتمع بحياة أفراده؛ فالمجتمع الّذي يتواجد فيه أشخاص مجاهدون بفعاليّة، يبقى في حالة دائمة من النشاط والتقدّم السريع، ويحافظ على دوامه واستمراريّته، ولكنّ المجتمع الّذي يحوي أفراداً ضعافاً وخاملين، وبلا تأثير، هو مجتمع ميّت.
من هنا، يُعدُّ حفظ حياة المجتمع الإسلاميّ من أفضل آثار الجهاد، حيث يكونُ الجميع فيه مستعدّين للدفاع عن الدين الإلهيّ وعن المظلومين، وللهجوم على العدوّ في الفرصة المناسبة؛ لإبطال كيده وإضعافه أو القضاء عليه، وتفويت فرصة امتلاك العدوّ قدرة التسلّط والاعتداء على أموال المسلمين وأرواحهم وأعراضهم وحقوقهم.
فمثل هكذا مجتمع يقضي حياته بعزّة ورفعة، وطالما أنّه يحافظ على هذه الروحيّة، فلن يُبتلى بالذلّ أبداً. وقد عرّف القرآن المجيد الجهاد بعنوانه منشأ صيانة
107
98
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
المجتمعات الإيمانيّة ضدّ أذى الكفّار والمشركين، إذ يقول تعالى بعد توجيه الأمر إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) بالحرب: ﴿فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسا وَأَشَدُّ تَنكِيلا﴾[1].
وإنّ تاريخ صدر الإسلام خير شاهد على هذا المدّعى. فإلى الحين الّذي تمسّك فيه المسلمون بالجهاد، وحافظوا على زمام المبادرة بالهجوم في أيديهم، كانوا يعيشون مكلّلين بالنصر والعزّة. ولكن في ذلك الوقت الّذي تركوا فيه الجهاد وسعَوا وراء الدنيا، وجلسوا على عرش الرئاسة، وانصرفوا إلى الملذّات، فقدوا مكانتهم، وهجم عليهم أعداء الداخل والخارج، وأبادوا مجدهم وعظمتهم.
وإنّ العزّة والرفعة اللذين يحدثان على أثر الجهاد، يمتدُّ أثرهما أحياناً إلى الأجيال اللاحقة، ولا يقتصران على
[1] سورة النساء، الآية 84.
108
99
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
الجيل الحاضر. وفي هذا، يقول النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «أُغزوا، تُورِّثوا أبناءكم مجداً»[1].
ويشير الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى ذلك بقوله: «أوج عظمتكم المعنويّة اللافتة هو في هذه الناحية الخفيّة، حيث كنتم تعون ماذا تفعلون وتعرفون لأيّ شيء تقاتلون. وإذا كان هذا سند عملكم الوحيد، فسيرتجف العدوّ عندئذٍ من سماع اسمكم، فكيف وأنتم أرفع من ذلك، حيث سمعتم بآذانكم المعنويّة النداء القرآنيّ السماوي: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِير لَّكُم بَيۡنَ يَدَيۡ عَذَاب شَدِيد﴾[2]».
الحياة والحركة
حيث يدفعُ حصول الحرب وما ينتج عنها من مشكلات الناسَ إلى التحرّك، فتصير سبباً لاهتمام الجميع بالسُّبل
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص8.
[2] سورة سبأ، الآية 46.
109
100
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
الآيلة إلى صدّ العدوّ. وهذا الأمر، يمنعُ أكثر أفراد المجتمع عن الخوض في الأمور الجزئيّة وغير المفيدة، ويبدّل روحيّة حبّ الاسترخاء والرفاه إلى روحيّة السعي والجدّ وارتفاع المعنويّات القتاليّة. والجهود والقدرات العسكريّة تعدُّ أيضاً من أفضل الآثار الّتي تنشأ على أثر تحرّك القوى
وفي سياق بيانه أنّ الحرب تخرج الناس من حالة الخمود وتجبرهم على التحرّك، يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره): «تُعَدّ الحرب أمراً جيّداً من بعض النواحي؛ وذلك أنّها تُبرِز الشجاعة الموجودة في داخل الإنسان، وتؤدّي إلى تحريكه وإخراجه من حالة الخمود... فإنّ قوى الإنسان تتّجه دائماً نحو الخمود، وأولئك الّذين يعتادون على الرخاء والرفاهية خصوصاً، سيكون حالهم أسوأ، ولكن عندما تقع حرب ما وتتجلّى خلالها الملاحم... ولا يبقى إلّا صوت المدافع، فكلُّ ذلك يُخرج الإنسان من حالة الخمود والضعف، فتظهر حقيقة الإنسان وتبرز فعاليته وطاقاته إلى العلن»[1].
[1] بلاغ، سخنان موضوعى امام خميني(قدس سره)، سازمان تبليغات اسلامى، ج3، ص272.
110
101
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
تقوية روح الاكتفاء الذاتيّ
تؤدّي الحربُ إلى إيجاد صعوبات جمّة، وإلى وقوع المجاهدين تحت وطأة الحصار. وهذه الضغوط نفسُها تدفع بالشعب إلى قطع يد الاعتماد على الأجانب، وإلى الاعتماد على النفس في المقابل. وعامل الاعتماد على النفس والسعي لأجل رفع الاحتياجات عن طريقه، يؤدّي إلى نموّ الأدمغة ونضجها، ولهذا السبب يقول الإمام الخمينيّ(قدس سره): «لقد كانت هذه الحرب، وهذا الحصار الاقتصاديّ وإخراج الخبراء الأجانب هديّة إلهيّة كنّا غافلين عنها. واليوم، مع توجّه الحكومة والجيش لحظر بضائع ناهبي العالم، وللسير في طريق الابتكار بكلّ جدٍّ ونشاط، فإنّ الأمل معقود على حصول البلد على الاكتفاء الذاتيّ، والنجاة من الفقر والتبعيّة للأعداء. ولقد رأينا بأمّ العين كيف أنّ كثيراً من المصانع والوسائل المتطوّرة -كالطائرات وغيرها من الوسائل-
111
102
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
والّتي لم يكن يُتصوّر أن يتمكّن المتخصّصون الإيرانيّون من تشغيلها، في وقت كان الجميع قد مدّوا أيديهم إلى الغرب أو الشرق من أجل أن يدير متخصّصوهم هذه المصانع والوسائل. ورأينا كيف أنّه وعلى أثر الحصار الاقتصاديّ والحرب المفروضة، قام شبابنا أنفسُهم بصنع قطع الغيار الضروريّة، وبقيمة أقلّ من المعروض، وسدّوا باب الحاجة، وأثبتوا أنّنا إن عزمنا فنحن قادرون على القيام بكلّ شيء»[1].
ويشير الإمام الخامنئيّ(دام ظله) إلى ذلك بقوله: «حافظوا على المسار في خططكم من أجل الاكتفاء الذاتيّ والاعتماد على النفس. وإنّني أتّهم كلَّ مَن يقول باستحالة هذا الأمر. فلا يوجد شيء اسمه «مستحيل»؛ لأنّ الإنسان ينطوي على قابليّات جبّارة تجعل المستحيل ممكناً»[2].
[1] بلاغ، سخنان موضوعى امام خميني(قدس سره)، مصدر سابق، ج3، ص454.
[2] حديث ولايت، ج1، ص54.
112
103
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
فصل الحقّ عن الباطل
من الآثار الأخرى المهمّة للجهاد، هو فصل خطّ النفاق عن المجتمع الإسلاميّ. ففي كلّ مجتمع يعيش المؤمنون الخُلّص جنباً إلى جنب مع ضعاف الإيمان والمنافقين من الناس، ومن الصعب جدّاً في زمن السلم والصلح تمييز هذه الفئات، إذ كثيراً ما يُظهر المنافقون وضعاف الإيمان أنفسَهم بصورة المدافعين عن الحقّ أكثر من المؤمنين الحقيقيّين. ولكن في الشدائد، بالخصوص في أوقات وقوع أحداث من قبيل الحرب والجهاد، تُعرف معادن الرجال، وتمتاز صفوف الحقّ عن الباطل، فيبقى المؤمنون الحقيقيّون، الصابرون والأوفياء، في الساحة حتّى النهاية، في الوقت الّذي يُخلي الآخرون الميدان ويفرّون.
ولقد أشار القرآن المجيد إلى هذه الحقيقة بشكل متكرّر، وإلى أنّ الله لو شاء لنصر الحقّ من دون الاستفادة من الفئة المجاهدة، ولجعل دينه ينتشر في العالم كلّه،
113
104
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
ولكنّه لم يختَرْ هذا الطريق، بل أراد أن يمتاز الخُلّص عن غير الخُلّص في ساحة الحرب: ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ﴾[1].
وفي آيةٍ أخرى، ولأجل توبيخ المنافقين، يخاطب تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله) قائلاً: ﴿عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ﴾[2]؛ «والآية ... في مقام دعوى ظهور كذبهم ونفاقهم وأنّهم مفتضحون بأدنى امتحان يُمتحنون به»[3].
الوحدة
إنّ الشعب الّذي يكون مُبتَلى في أيّام الصلح والهدوء بالمشاكل الداخليّة، ومشغولاً بالاختلافات الجزئيّة، يتوحّد على أثر اشتعال الحرب وظهور العدوّ، ويقوم في وجهه. فإنّ الحرب تقود جميع الطاقات والقوى في اتّجاه واحد،
[1] سورة محمّد، الآية 31.
[2] سورة التوبة، الآية 43.
[3] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج9، ص285.
114
105
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
وتجعلها تنضوي تحت راية واحدة، وتوجِدُ روح التعاون في ما بينها، وتصير سبباً في بروز الإيثار والتسامح وعشرات الصفات الأخلاقيّة السامية.
معرفة الصديق من العدوّ
إنّ معرفة الأصدقاء من الأعداء خارج حدود البلد، لهي من الآثار الأخرى للحرب والجهاد؛ ذلك أنّه ما لم تقع الحرب، فإنّ الكثير من الدول تتحدّث عن أواصر الصداقة والعلاقات المتينة، ولكن في زمن الحرب والمصاعب، يمتاز الأصدقاء الحقيقيّون عن الأعداء، ويُظهرون أنفسهم للعيان.
النصر
في بعض الموارد، يُعدّ الانتصار على العدوّ أحد أفضل آثار الجهاد؛ لأنّه مع عدم بذل الجهد في ساحة الحرب لا يتحقّق الانتصار، والشعب الّذي قد جلس منتظراً النصر من دون تحمّل العناء وتقديم الجهود، لن يقطف سوى الحسرة جرّاء ذلك.
115
106
الموعظة الثانية عشرة: آثار الجهاد الدنيويّة
والقرآن المجيد، بعد تعداد الآثار المعنويّة والأخرويّة للجهاد، يشير في سورة الصفّ المباركة إلى هذا الأثر الدنيويّ، يقول تعالى: ﴿وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡر مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡح قَرِيب وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[1].
وممّا تنبغي الإشارة إليه أنّ المجاهدين في سبيل الله منتصرون وأعزّاء حتماً، سواء عن طريق الانتصار الظاهريّ وهزيمة العدوّ، أم بنيل الشهادة والوصول إلى جوار رحمة الحقّ سبحانه، إذ قد أثنى القرآن الكريم على هاتين النتيجتين: ﴿قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَاب مِّنۡ عِندِهِۦٓ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾[2].
[1] سورة الصفّ، الآية 13.
[2] سورة التوبة، الآية 52.
116
107
خلاصات
الموعظة الأولى
قصّة النبيّ آدم (عليه السلام) في القرآن
قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰٓ ءَادَمَ وَنُوحا وَءَالَ إِبۡرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمۡرَٰنَ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾.
النبيّ آدم (عليه السلام) أبو البشر
قال تعالى: ﴿ثُمَّ ٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَيۡهِ وَهَدَىٰ﴾.
خَلْق آدم (عليه السلام)
1. المرحلة الطينيّة: قال تعالى: ﴿ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِين﴾.
2. مرحلة التصوير والتسوية: قال تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرا مِّن صَلۡصَٰل مِّنۡ حَمَإ مَّسۡنُون ٢٨ فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ﴾.
3. مرحلة نفخ الروح: قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ﴾.
تكريم آدم (عليه السلام) وتشريفه
قال تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِل فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةۖ﴾.
عداوة إبليس لآدم (عليه السلام) وذرّيّته
قال تعالى: ﴿قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ١٦ ثُمَّ لَأٓتِيَنَّهُم مِّنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ وَعَنۡ أَيۡمَٰنِهِمۡ وَعَن شَمَآئِلِهِمۡۖ وَلَا تَجِدُ أَكۡثَرَهُمۡ شَٰكِرِينَ﴾.
جنّة آدم (عليه السلام)
119
108
المقدّمة
قال تعالى: ﴿وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾.
هبوط آدم (عليه السلام) إلى الأرض
قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُوما جَهُولا﴾.
بدء مسيرة التكليف الإلهيّ
قال تعالى: ﴿ثُمَّ ٱجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَيۡهِ وَهَدَىٰ ١٢٢ قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ ١٢٣ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ﴾.
دروس وعبر من قصّة آدم (عليه السلام)
1. لقد كرّم الله الإنسان وشرّفه، باتّخاذه خليفة في الأرض، فعليه أن يكون على قدر التكريم والتشريف الإلهيّ.
2. على طالب الحقّ الإذعان والتسليم له: قال تعالى: ﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ﴾.
3. عاقبة التكبّر والاستكبار هلاك وخسران: قال تعالى: ﴿إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾.
4. الشيطان عدوّ دائم للإنسان: قال تعالى: ﴿قَالَ فَبِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأَقۡعُدَنَّ لَهُمۡ صِرَٰطَكَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾.
5. باب التوبة مفتوح، وينبغي الرجوع إلى الله تعالى دائماً وطلب المغفرة والرحمة: قال تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ﴾.
120
109
خلاصات
6. فلاح الإنسان أو خسرانه مرتبط باختياره، وتحديد موقفه تجاه تعاليم الوحي الإلهيّ: قال تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾.
7. الدنيا دار تكليف وامتحان واختبار مؤقّتة للإنسان، يصنع فيها مصيره الأخرويّ: قال تعالى: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِين ٢٤ قَالَ فِيهَا تَحۡيَوۡنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنۡهَا تُخۡرَجُونَ﴾.
121
110
خلاصات
الموعظة الثانيّة
إضاءات حول سورة الناس
قال تعالى: ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ١ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ٢ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ ٣ مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ ٤ ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ ٥ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ﴾.
هويّة السورة وفضلها
الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) اشتكى شكوى شديدة، ووجع وجعاً شديداً، فأتاه جبرائيل وميكائيل (عليهما السلام)؛ فقعد جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، فعوّذه جبرائيل بقل أعوذ بربّ الفلق، وميكائيل بقل أعوذ بربّ الناس».
الاستعاذة بالله من الوسواس
قال تعالى: ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ١ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ٢ إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ﴾.
الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ
قال تعالى: ﴿مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ﴾.
3. الوسوسة الخفيّة
قال تعالى: ﴿ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ﴾.
الإنسان والوسواس
122
111
المقدّمة
أ. الأمر بالمعصية: الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من قلبٍ إلّا وله أذنان، على أحدهما ملك مُرشد، وعلى الآخر شيطان مُفتن، هذا يأمره، وهذا يزجره؛ الشيطان يأمره بالمعاصي، والملك يزجره عنها، وهو قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيد ١٧ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيد﴾».
ب. تنسية الاستغفار: الإمام الصادق (عليه السلام): «لمّا نزلت هذه الآية: ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ﴾، صعد إبليس جبلاً بمكّة، يُقال له: ثوير، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته، فاجتمعوا إليه، فقالوا: يا سيّدنا، لِمَ دعوتنا؟ قال: نزلَت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريتٌ من الشياطين، فقال: أنا لها بكذا وكذا. قال: لستَ لها. فقام لها آخر، فقال مثل ذلك: فقال لستَ لها. فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها. قال: بماذا؟ قال: أعِدهم وأمُنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتُهم الاستغفار. فقال: أنت لها، فوكّله بها إلى يوم القيامة».
ج. التسويف: الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ لليل شيطاناً، يُقال له: الزُّهاء، فإذا استيقظ العبد وأراد القيام إلى الصلاة، قال له: ليست ساعتك، ثمّ يستيقظ مرّةً أخرى، فيقول له: لم يأنِ لك، فما يزال كذلك، يزيله ويحبسه، حتّى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر بال في أذنه، ثمّ انصاع (رجع) يمصع بذنبه (يحرّكه) فخراً، ويصيح».
علاج الوسواس
123
112
المقدّمة
قال تعالى: ﴿وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ﴾.
124
113
خلاصات
الموعظة الثالثة
الوحشة من الموت
قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَر مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلۡخَٰلِدُونَ﴾.
الموت سنَّةٌ عامَّةٌ في الخلق
قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفۡس ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِ﴾.
أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً، أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا، لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُودَ (عليه السلام)، الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ».
الموت في الأحاديث الشَّريفة
1. الجسر: النَّبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «الدُّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم».
2. القنطرة: الإمام زين العابدين(عليه السلام): «ما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم من البؤس والضَّرَاء إلى الجنان الواسعة، والنَّعيم الدَّائم، فأيُّكم يكره أن ينتقل من سجنٍ إلى قصر».
3. النوم الطويل: الإمام الباقر(عليه السلام): عن الموت: «هو النَّوم الّذي يأتيكم كلَّ ليلة، إلّا أنّه طويل مدَّته، لا يُنتبه منه إلى يوم القيامة».
حقيقة الموت
قال تعالى: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ﴾.
كراهة الموت والوحشة منه
125
114
خلاصات
إنَّ الإنسان محبٌّ للبقاء، فالناس في الحياة الدنيا إزاء الموت على قسمين:
الأوَّل: يستوحشون منه.
الثاني: يشتاقون إلى الموت كالأنبياء والأولياء والعلماء والشهداء...، أمير المؤمنين(عليه السلام): «وَاللَّهِ، لَابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ».
عوامل وأسباب الخوف من الموت
1. ضعف الإيمان.
2. التّعلّق بالدنيا.
3. الذنوب والمعاصي: أبو ذرّ: «لأنّكم عمّرتم الدُنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من عمرانٍ إلى خراب».
ينبغي التَّهيُّؤ لساعة الموت
أمير المؤمنين (عليه السلام): «وبَادِرُوا الْمَوْتَ وغَمَرَاتِه، وامْهَدُوا لَه قَبْلَ حُلُولِه، وأَعِدُّوا لَه قَبْلَ نُزُولِه؛ فَإِنَّ الْغَايَةَ الْقِيَامَةُ».
علاج الخوف من الموت
1. تصحيح النظرة إلى الموت، والإيمان بأنّ الموت ليس أمراً عدميّاً.
2. العمل الصالح والابتعاد عن عصيان الله تعالى، أمير المؤمنين (عليه السلام): «ومَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلَّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِه، وإِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ وتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ، وإِنَّ غَائِباً يَحْدُوه الْجَدِيدَانِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الأَوْبَةِ، وإِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لأَفْضَلِ الْعُدَّةِ؛ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِه أَنْفُسَكُمْ غَدا».
3. عدم الغفلة عن الموت: أمير المؤمنين (عليه السلام
126
115
خلاصات
3. عدم الغفلة عن الموت: أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَكَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ، وَطَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ، فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ».
127
116
خلاصات
الموعظة الرابعة
الشفاعة
الإمام الباقر (عليه السلام) -في قوله تعالى: ﴿وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ﴾-: «الشفاعة، والله الشفاعة، والله الشفاعة».
حقيقة الشفاعة
هي أن تصل رحمة الله تعالى ومغفرته وفيضه إلى عباده عن طريق أوليائه وصفوة عباده، قال تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابا رَّحِيما﴾.
أدلّة الشفاعة
1. الشَفاعة في القرآن
قال تعالى: ﴿وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ﴾، ﴿يَوۡمَئِذ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلا﴾.
2. الشَفاعة في الروايات
النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إنَّما شَفاعَتي لأهلِ الكَبائِر مِن أُمَّتِي».
الشفاعة والمعصية
128
117
خلاصات
إنّ الأثر البارز للشفاعة هو مغفرة ذنوب بعض العُصاة والمذنبين.
الشفعاء
1. الملائكة: قال تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَك فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيًۡٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ﴾.
2. الأنبياء(عليهم السلام): الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «ثلاثة يَشفَعُون إلى الله عزّ وجلّ فيُشفَّعُون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء».
3. المعصومون(عليهم السلام): رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّي أَشفَع يوم القيمة فأُشفَّع، فيَشفَع عليّ (عليه السلام) فيُشفَّع...».
4. المؤمنون: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وإنّ أدنى المؤمنين شفاعةً يُشفَّع في أربعين من إخوانه».
5. الشهداء والعلماء: الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «ثلاثة يشفَعُون إلى الله عزّ وجلّ فيُشفَّعُون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء».
129
118
خلاصات
الموعظة الخامسة
مسؤوليّة الأمّة تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهليّة».
معرفة الإمام
الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن مات منتظراً لهذا الأمر، كان كمن كان مع القائم في فسطاطه. لا، بل كان كالضارب بين يدَي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف».
الوعي
1. وعي التوحيد: كلّ شيءٍ بيد الله وأمره، وهو قادر على كلّ شيءٍ.
2. وعي وعد الله بالنصر والغلبة: قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾.
3. وعي دور الإنسان المسلم على وجه الأرض: قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّة وَسَطا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدا﴾.
130
119
خلاصات
4. وعي دور هذا الدين في حياة البشريّة: قال تعالى: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَة وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ﴾.
5. وعي السُّنن الإلهية للتاريخ والمجتمع: قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة﴾.
الوحدة والتضامن
الإمام المهديّ(عليه السلام): «ولو أنّ أشياعنا -وفّقهم الله لطاعته- على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا»، ويتحقق التضامن من خلال:
أ. العمل على اتّباع الأئمّة(عليهم السلام): الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه، ويتوّلى أولياءه، ويعادي أعداءه؛ ذلك من رفقائي وذوي مودّتي وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة».
ب. مواجهة البدع والانحرافات في الدين ورواج المفاسد والمنكرات في المجتمع، رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّه سيكون في آخر هذه الأمّة قومٌ لهم مثل أجر أوّلهم، يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر، ويقاتلون أهل الفتن».
ج. جعل التعاون في صدر سلّم الأولويات؛ الإمام الباقر(عليه السلام): «لِيعنْ قويُّكم ضعيفَكم، وليْعطف
131
120
خلاصات
غنيُّكم على فقيرِكم، ولينصح الرجلُ أخاه كنصحه لنفسه».
د. على أعضاء المجتمع المنتظِر جعل ذلك المجتمع مفعماً بأريج المهدويّة، وعدم إغفال ذكره(عليه السلام).
132
121
خلاصات
الموعظة السادسة
مسؤوليّة الفرد تجاه الإمام المهديّ (عليه السلام)
الإمام المهديّ (عليه السلام): «وأكثِروا الدعاء بتعجيل الفرجِ، فإنّ ذلكَ فَرجَكُم».
معرفة الإمام
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهليّة».
التأسّي بالإمام (عليه السلام)
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه، ويتولّى أولياءه، ويعادي أعداءه؛ ذلك من رفقائي وذوي مودّتي وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة».
ذكر الإمام (عليه السلام) دائماً والدعاء له
الإمام المهديّ (عليه السلام): «وأكثِروا الدعاء بتعجيل الفرجِ، فإنّ ذلكَ فَرجَكُم».
التوسّل به في المهمّات وطلب الحوائج
إنّ الإمام المهديّ (عليه السلام) هو وليّ الله في أرضه، وعين الله في خلقه، وهو بابه الّذي منه يُؤتى: «أَيْنَ بابُ الله الَّذِي مِنْهُ يُؤْتى؟ أَيْنَ وَجْهُ الله الَّذِي إِلَيْهِ يَتَوجَّهُ الأوْلِياء؟ أَيْنَ السَّبَبُ المُتَّصِلُ بَيْنَ الاَرْضِ وَالسَّماء؟».
133
122
خلاصات
دعاء التوسّل بإمام العصر(عليه السلام): «اللّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ وَلِيِّكَ وَحُجَّتِكَ صاحِبِ الزَّمانِ (عليه السلام) إِلاّ أَعَنْتَنِي بِهِ عَلى جَميعِ أَمُورِي وَكَفَيْتَنِي بِهِ مَؤُونَةَ كُلِّ مُؤْذٍ وَطاغٍ وَباغٍ وَأَعَنْتَنِي بِهِ...».
134
123
خلاصات
الموعظة السابعة
أحكام صلاة الجماعة
عن زرارة، قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمسٍ وعشرين صلاة؟ فقال: «صدقوا».
شروط إمام الجماعة
1. العقل. 2. البلوغ. 3. العدالة.4. طهارة المولد. 5. الإيمان. 6. صحّة القراءة. 7. الذكورة.
شروط صلاة الجماعة
1. عدم الحائل. 2. عدم علوّ موقف الإمام. 3. عدم التباعد. 4. العدد. 5. اتّحاد الصلاة. 6. أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف.7. تعيين الإمام. 8. نيّة الاقتداء. 9. وحدة الإمام.
الالتحاق بالجماعة
1.كيفيّة الاقتداء
الاقتداء هو عن أن ينوي المأموم حين يكبّر تكبيرة الإحرام أن يصلّي مقتدياً بهذا الإمام أو مؤتّماً به قربة إلى الله تعالى. ويمكن للمأموم أن يقتدي بالإمام في حالتين: حالة الركوع أو حال القراءة أو التسبيح.
2. أحكام الاقتداء
135
124
خلاصات
الموعظة السابعة
أحكام صلاة الجماعة
عن زرارة، قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمسٍ وعشرين صلاة؟ فقال: «صدقوا».
شروط إمام الجماعة
1. العقل. 2. البلوغ. 3. العدالة.4. طهارة المولد. 5. الإيمان. 6. صحّة القراءة. 7. الذكورة.
شروط صلاة الجماعة
1. عدم الحائل. 2. عدم علوّ موقف الإمام. 3. عدم التباعد. 4. العدد. 5. اتّحاد الصلاة. 6. أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف.7. تعيين الإمام. 8. نيّة الاقتداء. 9. وحدة الإمام.
الالتحاق بالجماعة
1.كيفيّة الاقتداء
الاقتداء هو عن أن ينوي المأموم حين يكبّر تكبيرة الإحرام أن يصلّي مقتدياً بهذا الإمام أو مؤتّماً به قربة إلى الله تعالى. ويمكن للمأموم أن يقتدي بالإمام في حالتين: حالة الركوع أو حال القراءة أو التسبيح.
2. أحكام الاقتداء
135
124
خلاصات
أ. لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً غير القراءة (الفاتحة والسورة) في الركعتين الأولى والثانية، وإذا لم يدرك المأمومُ الإمامَ في الركعتين (الأولى أو الثانية) وجبت عليه القراءة (الفاتحة والسورة).
هـ. إذا اقتدى المأموم بالإمام في الركعة الأولى وهو في حال الركوع تُحسب له ركعة، ويتحمّل الإمام عنه القراءة في تلك الركعة، ثمّ يتابع الإمام في ركوعه وسجوده وتشهّده. والأحوط وجوباً التجافي. وبعد قيام المأموم إلى الركعة الثانية تجب عليه القراءة، لأنّ الإمام صار في الركعة الثالثة.
ح. يجب أن تكون قراءة المأموم (في حال اختلف مع الإمام في الركعات) إخفاتاً، وإن كانت صلاته جهريّة.
ي. يجوز الاقتداء بالإمام وإن اختلفت الصلاة بينهما، كأن يكون الإمام يصلّي صلاة المغرب والمأموم يريد أن يصلّي صلاة العشاء، والعكس كذلك، وكذلك يصحّ الاقتداء وإن كانت صلاة أداء وأخرى قضاء، كأن كان الإمام يصلّي قضاءً والمأموم أداءً.
3. التجافي وأحكامه
التجافي هو أن يجلس كمن يريد القيام، فيضع يديه على الأرض ويرفع ركبتيه عنها قليلاً، والأحوط وجوباً التجافي في الركعة الثانية أثناء تشهّد الإمام للمتأخّر عنه في الركعات.
متابعة الإمام وأحكامها
136
125
خلاصات
1. يجب على المأموم متابعة الإمام في أفعال الصلاة؛ بمعنى أن لا يتقدّم عليه أو يتأخّر عنه في أيّ فعل من أفعال الصلاة.
2.يجب على المأموم متابعة الإمام في تكبيرة الإحرام، فلا يتقدّم عليه في التكبيرة ولا يقارنه فيها.
137
126
خلاصات
الموعظة الثامنة
فقه النظر
أمير المؤمنين (عليه السلام): «العيون طلائع القلوب».
العين
أمير المؤمنين (عليه السلام): «كم من نظرةٍ جلبت حسرةً».
النظرة والمعصية
عن الإمام عليٍّ (عليه السلام): «إذا أبصرت العين الشهوة، عمي القلب عن العاقبة».
الحث على غض البصر
قال تعالى: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ﴾.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يابن جندب، إنّ عيسى بن مريم (عليه السلام) قال لأصحابه: ... إيّاكم والنظرة! فإنّها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة. طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه».
عواقب النظر المحرّم
138
127
خلاصات
1. يملأ عينيه ناراً: الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «مَن ملأ عينَه من حرام، ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلّا أن يتوب ويرجع».
2. الحسرة يوم القيامة: الإمام عليّ (عليه السلام): «كم من نظرة جلبت حسرة».
3. الغضب الإلهيّ: الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «اشتدّ غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها».
معالجة آفة النظر المحرّم
1. تقوى الله: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما سُئل: بِمَ يُستعان على غضّ البصر؟ فقال: «بالخمود تحت سلطان المُطَّلع على سرِّك».
2. الحياء: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الحياء شعبة من الإيمان».
الأحكام الفقهيّة للنظر
1. لا يجوز للرجل أن ينظر إلى ما عدا الوجه والكفّين من المرأة الأجنبيّة، سواء أكان مع تلذّذ وريبة، أم لا.
3. لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبيّ كالعكس، والأقرب استثناء الوجه والكفّين.
4. يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها -ما عدا الوجه والكفّين- عن الرجال الأجانب، ولا يجب على الرجال الستر.
139
128
خلاصات
الموعظة التاسعة
أسس الحياة الزوجيّة
الإمام الباقر (عليه السلام): «البشر الحسن وطلاقة الوجه؛ مُكسِبة للمحبّة وقُربة من الله عزّ وجلّ، وعبوس الوجه، وسوء البشر؛ مكسبة للمقت وبُعد من الله».
المحبّة
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قول الرجل لزوجته: إنّي أحبّك، لا يذهب من قلبها أبداً».
المودّة
قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ﴾.
التعاون والتفاهم
عن الإمام الرضا (عليه السلام): «واعلم أنّ النساء شتّى؛ فامرأة ولود ودود تُعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته، ولا تُعين الدَّهر عليه، وامرأةٌ عقيمةٌ لا ذات جمال ولا تُعين زوجها على خير، وامرأة صخَّابة ولَّاجة همَّازة تستقلُّ الكثير ولا تقبل اليسير».
حُسن المعاشرة
1. العِشرة الحسنة: قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡٔا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرا كَثِيرا﴾.
141
129
خلاصات
2. الإكرام: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنِ اتّخذ زوجةً، فليكرمْها».
3. عدم القسوة: قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لخولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال: «حقّكِ عليه أن يُطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك».
المداراة وضبط النفس
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَنِ احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النار، وأوجب له الجنّة».
التزيّن
عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنَّ التهيئة ممّا يزيد من عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة».
مراعاة إمكانيّات الشريك
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً، إلّا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته».
142
130
خلاصات
2. الإكرام: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَنِ اتّخذ زوجةً، فليكرمْها».
3. عدم القسوة: قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لخولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال: «حقّكِ عليه أن يُطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك».
المداراة وضبط النفس
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَنِ احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النار، وأوجب له الجنّة».
التزيّن
عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنَّ التهيئة ممّا يزيد من عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة».
مراعاة إمكانيّات الشريك
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً، إلّا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته».
142
130
خلاصات
الموعظة العاشرة
التواضع حلية المؤمن
قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡم يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
أهمّية التواضع
الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنّ الزرع ينبت في السهل، ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبار؛ لأنّ الله جعل التواضع آلة العقل».
حدود التواضع
يبيّن الإمام الرضا (عليه السلام) حدود التواضع، لمّا سأله الحسن بن الجهم: ما حدّ التواضع الّذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال: «التواضع درجات؛ منها أن يعرف المرء قدر نفسه فيُنزِلها منزلتها بقلبٍ سليم، لا يحبّ أن يأتي إلى أحدٍ إلّا مثلَ ما يُؤتى إليه، إن رأى سيّئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عافٍ عن الناس، والله يحب المحسنين».
علامات التواضع
1. انتقاء أقرب المجالس إليه: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ من التواضع لله الرضا بالدون من شرف المجالس».
2. الابتداء بالسلام: أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثلاثٌ هنّ رأس التواضع: أن يبدأ بالسلام من لقيه...».
143
131
خلاصات
3.كره الرياء والسمعة: في الحديث السابق عنه (عليه السلام): «ثلاثٌ هنّ رأس التواضع: ... ويكره الرياء والسمعة».
4. ترك الجدال وكراهة الحمد على التقوى: الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه(عليهم السلام): «إنّ من التواضع أن يرضى الرجل بالمجلس دون المجالس، وأن يسلّم على مَن يلقى، وأن يترك المراء وإن كان محقّاً، ولا يحبّ أن يُحمَد على التقوى».
ثمرات التواضع
1. محبّة الناس: أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثمرة التواضع المحبّة».
2. الحكمة: الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبار».
3. المهابة: أمير المؤمنين (عليه السلام): «التواضع يكسوك المهابة».
4. نشر الفضيلة: أمير المؤمنين (عليه السلام): «التواضع ينشر الفضيلة».
5. رفع التفاخر بين الناس: رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله تعالى أوحى إليّ أن تواضعوا حتّى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحد».
6. الرفعة: الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ في السماء ملكَين موكّلَين بالعباد، فمَن تواضع لله رفعاه، ومَن تكبّر وضعاه».
7. تكامل الشرف: أمير المؤمنين (عليه السلام): «بكثرة التواضع يتكامل الشرف».
كيفيّة تحصيل التواضع
144
132
خلاصات
1. معرفة عظمة الله: أمير المؤمنين (عليه السلام): «وإِنَّه لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّه أَنْ يَتَعَظَّمَ؛ فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُه أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَه».
2. سلامة الصدر: أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يُستعان على... ولا على التواضع إلّا بسلامة الصدر».
3. العلم: أمير المؤمنين (عليه السلام): «التواضع ثمرة العلم».
145
133
خلاصات
الموعظة الحادية عشرة
اتِّباع الهوى
الإمام الصادق (عليه السلام): «احذروا أهواءَكم كما تحذرون أعداءَكم، فليس شيءٌ أعدى للرِّجال من اتِّباع أهوائهم، وحصائد ألسنتهم».
مفهوم الهوى
هو ميل النَّفس الأمَّارة بالسُّوء إلى مقتضى طباعها، من اللذات الدُّنيويَّة على أنواعها، حتَّى تخرج من الحدود الشَّرعية، وتدخل في مراتع القوة السَّبعيَّة والبهيميَّة.
الهوى أعدى أعداء الإنسان
الإمام الصَّادق (عليه السلام): «احذروا أهواءَكم كما تحذرون أعداءَكم، فليس شيءٌ أعدى للرِّجال من اتِّباع أهوائهم، وحصائد ألسنتهم».
اتّباع الهوى في القرآن والسُّنّة
قال تعالى: ﴿أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡم وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَة فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.
وحذّرت الروايات الشريفة من اتّباع الهوى، وبيّنت ما يمكن أن يترتّب عليه من آثار وعواقب، منها:
146
134
خلاصات
1. نسيان الإيمان واتّباع الشيطان: أمير المؤمنين (عليه السلام): «والشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاه وغُرُورِه... ومُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلإِيمَانِ ومَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ».
2. النزول بجرفٍ هارٍ: أمير المؤمنين (عليه السلام): «عِبَادَ اللَّه، لَا تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ، ولَا تَنْقَادُوا لأَهْوَائِكُمْ؛ فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ، يَنْقُلُ الرَّدَى عَلَى ظَهْرِه مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ».
3. الصدّ عن الحقّ: أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى وطُولُ الأَمَلِ؛ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآخِرَةَ».
معالجة اتّباع الهوى
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أشجع النَّاس مَن غلب هواه»، ويمكن بيان معالجة اتّباع الهوى من خلال:
1. اتّباع الهوى لا حدّ له.
2. خطوات مواجهة الهوى:
أ. عدم تمكين الهوى من النفس الإنسانيّة: أمير المؤمنين (عليه السلام): «إيّاكم وتمكُّن الهوى منكم، فإنَّ أوّله فتنة وآخره محنة».
ب. عدم الاستجابة للهوى: قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ﴾.
147
135
خلاصات
الموعظة الثانية عشرة
آثار الجهاد الدنيويّة
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أُغزوا تُورِّثوا أبناءكم مجداً».
العزّة والرفعة
قال تعالى: ﴿فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسا وَأَشَدُّ تَنكِيلا﴾.
الحياة والحركة
الإمام الخمينيّ (قدس سره): «تُعَدّ الحرب أمراً جيّداً من بعض النواحي؛ وذلك أنّها تُبرِز الشجاعة الموجودة في داخل الإنسان، وتؤدّي إلى تحريكه وإخراجه من حالة الخمود... فإنّ قوى الإنسان تتّجه دائماً نحو الخمود، وأولئك الّذين يعتادون على الرخاء والرفاهية خصوصاً، سيكون حالهم أسوأ، ولكن عندما تقع حرب ما وتتجلّى خلالها الملاحم... ولا يبقى إلّا صوت المدافع، فكلُّ ذلك يُخرج الإنسان من حالة الخمود والضعف، فتظهر حقيقة الإنسان وتبرز فعاليته وطاقاته إلى العلن».
تقوية روح الاكتفاء الذاتيّ
الإمام الخامنئيّ (دام ظله) إلى ذلك بقوله: «حافظوا على المسار في خططكم من أجل الاكتفاء الذاتيّ والاعتماد
149
136
خلاصات
على النفس. وإنّني أتّهم كلَّ مَن يقول باستحالة هذا الأمر. فلا يوجد شيء اسمه «مستحيل»؛ لأنّ الإنسان ينطوي على قابليّات جبّارة تجعل المستحيل ممكناً».
فصل الحقّ عن الباطل
قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ﴾.
الوحدة
الحرب تقود جميع الطاقات والقوى في اتّجاه واحد، وتجعلها تنضوي تحت راية واحدة، وتوجِدُ روح التعاون في ما بينها، وتصير سبباً في بروز الإيثار والتسامح وعشرات الصفات الأخلاقيّة السامية.
معرفة الصديق من العدوّ
تساعد الحرب في معرفة الصديق من العدو.
النصر
يقول تعالى: ﴿وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡر مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡح قَرِيب وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾.
150
137