الكلمات القصار للسيد عبد الحسين شرف الدين


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-10

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير الورى والنبيّ المجتبى محمّد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين والتابعين له بإحسان إلى قيام يوم الدّين.


قال تعالى في كتابه المجيد: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾1 وقال عزّ من قائل: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾2 وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾3، وورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ العلماء ورثة الأنبياء وذاك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظّاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه؟ فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"4.



1- سورة المجادلة، الآية: 11.
2- سورة الزمر، الآية: 9.
3- سورة فاطر، الآية: 28.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص 32.
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 وعن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبّ أن ينظر إلى عتقاء الله من النّار فلينظر إلى المتعلّمين، فَوَالّذي نفسي بيده ما من متعلّم يختلف إلى باب العالم إلّا كتب الله له بكلّ قدم عبادة سنة، وبنى الله له بكلّ قدم مدينة في الجنّة، ويمشي على الأرض وهي تستغفر له، ويُمسي ويصبح مغفوراً له، وشهدت الملائكة أنّهم عتقاء الله من النّار"1.

 
وقد ورد في فضل العالم والمتعلّم ما لا يسع ذكره في هذه الديباجة القصيرة الّتي نقدّم فيها لكتابٍ هو نفحة قدسيّة من نفس النبوّة وجذوة نورانيّة من قبس الولاية، فيه كلمات وعبائر لعالِم مؤيّد ومسدّد قد حُرمنا من سعادة لقياه والنظر إلى محيّاه، لكنّ بعضاً من كلماته وصلت إلينا، فكنّا نقرؤها فنجد فيها إنساناً قلّما تحمل به الأمّهات وتجود به الدنيا، ورث العلم من سلالة النبوّة والولاية، وأحاطت به الألطاف الإلهيّة، فوا أسفاه ثمّ وا أسفاه إذ ضاعت بعض كلماته وكتبه مع ما أحرقه الاستعمار الفرنسيّ من مكتبته إبّان الانتداب، فأحرق معه قلب الإمام العطوف وقلوب الملايين من العاشقين المؤمنين التائقين إلى المعارف، والساعين إلى بحار من اللطائف.
 
لقد كنّا وأثناء إعدادنا لهذا الكتاب وقراءتنا لكلمات السيّد رحمه الله لا نتمالك أنفسنا أمام بعضها إلّا والدمعة جارية على الخدّ والحرقة مستعرة في القلب، فكنّا نشعر
 
 
 

1- منية المريد، الشهيد الثاني، ص100.

 
 
 
 
 
6

2

المقدمة

 وكأنّه يحدّثنا بل وكأنّه معنا، وكنّا نجد في بعض من كلماته فراسة تنبئ القارئ عن حال الأمّة وما سيجري عليها بعد حين، ولما لا "فالمؤمن ينظر بعين الله" فكيف إذا كان هذا المؤمن عالماً ربّانيّاً، ولنعم ما قال في مثله الشاعر: 

 
جمع الصفات الغرّ وهي تراثه       من كلّ غطريفوشهم سيّد
 
نعم لقد كان الإمام السيّد عبد الحسين شرف الدِّين الموسويّ العامليّ عالماً جليلاً وسيّداً فاضلاً، ومجتهداً ورعاً، دقيق النظر بعيد الفكر، فخر الشيعة العامليّين، وتاج العلماء الراشدين، قويّ الحجّة ساطع البرهان، وله من قوّة العارضة في الأدب، وبُعد النظر في البحث، وسلامة الذوق في الفنّ وحسن التيسير في إيضاح المشاكل، وتحليل المسائل، ما لا يمكن وصفه.. تأتيه حين تأتيه مالكاً لأمرك، مسيطراً على نفسك، فإذا استقرّ بك المقام عنده، لم تتمالك دون أن تضع قيادك بين يديه، فإذا هو يتملّك زمام أمرك، ويدخل إلى قرارة نفسك، فيسيطر عليك بطبيعة قوّته وأدبه وعلمه. 

وأنت لا تخشى مغبّة العاقبة من هذه السيطرة فإنّها سيطرة مضمونة الخير، مأمونة الشرّ، بعيدة عن الكيد والمكروه بُعد الصحّة عن الفساد، وكن واثقاً أكبر الثقة - حين يأخذك بيانه وبرهانه - أنّه إنّما يرد بك مناهل مترعة الضفاف، بنمير ذي سلسبيل، كلّما كرعت من فراته جرعة، تحلّبت 
 
 
 
 

1- أي السيّد السخيّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

المقدمة

 شفتاك لجرعات تحسب أن ليس لظمئك راوياً غيرها1.

 
وقد قام مركز نون للتأليف والترجمة في جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة بجمع بعض من كلماته القصار - على نمط السلسة الّتي درجنا في إعدادها لعدد من علمائنا الأعلام - مع فهرسة موضوعيّة لها تسهّل للقارئ والخطيب الوصول إلى المعارف الّتي يبحث عنها والموضوعات الّتي للسيّد شرف الدّين تعليقات عليها أو كلمات فيها، وقد اعتمدنا في إعداد هذا الكتاب على موسوعة السيّد شرف الدّين الّتي قام بإعدادها وتحقيقها مأجوراً مركز العلوم والثقافة الإسلاميّة، قسم إحياء التراث الإسلاميّ, حيث جمع فيها التراث العلمي للإمام شرف الدين.
 
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عملنا في ميزان حسناتنا ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾2 وأن يُرضي وليّ الأمر عنّا ويحشرنا وسيّدنا الإمام شرف الدّين رحمه الله مع محمّد وآله الطيّبين الطاهرين إنّه سميع مجيب.
 
 

1- للاستزادة راجع ترجمة السيّد شرف الدّين لآية الله مرتضى آل ياسين رحمه الله في كتاب المراجعات.
2- سورة الشعراء، الآيتان: 88-89.
 
 
 
 
 
 
 
8

4

القرآن الكريم

 القرآن الكريم

* إنّ القرآن العظيم، والذكر الحكيم متواترٌ من طرقنا بجميع آياته وكلماته، وسائر حروفه وحركاته وسكناته، تواتراً قطعيّاً عن أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السلام، لا يرتاب في ذلك إلّا معتوه1
 
* كان القرآن مجموعاً أيّام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، ولا تبديل ولا تغيير2
 
* لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن، غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع, لضعف سندها، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً وأكثر عدداً وأوضح دلالةً3
 
 
 

1- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله ص 1622.
2- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، ص 1622.
3- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، ص 1623.
 
 
 
 
 
 
9

5

القرآن الكريم

 * إن واجهتم القرآن بالعاطفة القوميّة الأدبيّة وجدتم عنده جامعة قويّة، تلمّ أشتاتكم، وتجمع أوزاعكم، وتلائم أذواقكم، وتألفها طباعكم، وهي مع ذلك العنصر المقوّم الممسك حياة لغتنا العربيّة أن تندمج في لغات المستعمرين، وتذوب تحت أشعّة الحوادث، فلا يقوم لها ظلّ، ولا يشعّ منها ذبال1. 2

 
* ولولا هذا اللواء الأبيض المنشور في القرآن الحكيم خفّاق العذبات على لغة الضّاد لكانت لغة بائدة ملحودة إلى جنب أخواتها من اللغات المتقوّضة الّتي لا يُعنى بها إلّا الأثريّون، وإنّما يبحثون عنها ليضعوا نصوصها في المتاحف الأدبيّة كأثر قديم3
 
* لكن القرآن العزيز بطبيعة قوّته القاهرة حفظ حياتها4، وكان منبعاً تستقي منه، وتمشي على ضفافه غير ملتوية عنه، برغم طغيان الخطوب، ومجاهدة العوادي الجامحة، الثائرة الحقودة في تمزيق شتات العرب ولغتها، وحلّ روابطها ووحدتها، وفرط نظامها، ونثر لآليها وغواليها5

 
 

1- مفردها ذبالة: وهي الفتيلة الّتي تُسرج، لسان العرب 256:11.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 521-522.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 521-522.
4- أي اللغة العربيّة.
5- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 522.
 
 
 
 
 
 
 
10

6

القرآن الكريم

 * وأنتم لو ذهبتم إلى ما وراء ذلك من أسرار القرآن لرأيتم أنّ العرب إنّما قطعت تلك الأشواط البعيدة، واجتازت تلك العقبات الكؤودة، بقانون القرآن وروحه العالية، الّتي كانت ترافقهم في غزواتهم وفتوحاتهم، فتطوي بنود الأكاسرة وتثلّ عرش الرومان، وتطّرد فتمسّ أرواح جنودها العرب، فيجوبون الآفاق، ويعبرون البحار، وينتقلون من فوز إلى فوز، ومن فتح إلى فتح يمتلكون العالم، ويمصّرون الأمصار، وتتّسق نظمهم، وهناك تطمئنّ النفوس إلى العدل، وتتعرّف برأفة الحكّام، ويجد الناس من الحضارة ما لم يحلموا به من قبل، وإنّ مدنيّة كهذه لآية باهرة، ومعجزة قاهرة، فالحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله1

 
* أشربوا في قلوب الناشئة حبّ هذه المدنيّة، واطبعوهم على غرارها، واحفظوا نبيّكم العربيّ في كتاب ربّه، وفي عترته الطاهرة، فإنّهما الثقلان، لا تضلّ من تمسّك بهما، ولا يهتدي إلى الله من ضلّ عنهما، بثّوا هذه الروح ما استطعتم وأنتم مسؤولون عن ذلك ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾2. 3
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص522.
2- سورة الشعراء، الآيتان: 88-89.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 522 - 523.
 
 
 
 
 
 
 
11

7

القرآن الكريم

 * أجل, إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة مؤلّفاً على ما هو عليه الآن, وقد عرضه الصحابة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وتلوه عليه من أوّله إلى آخره, وكان جبرائيل عليه السلام يعارضه صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن في كلّ عام مرّة, وقد عارضه1 به عام وفاته مرّتين2

 
* وكيف كان, فإنّ رأي المحقّقين من علمائنا أنّ القرآن العظيم إنّما هو ما بين الدفّتين الموجود في أيدي الناس, والباحثون من أهل السنّة يعلمون منّا ذلك, والمنصفون منهم يصرّحون به3
 
 
 

1- أي قابله، لسان العرب، 7: 167.
2- الموسوعة،ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، ص 1623.
3- الموسوعة،ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله ، ص 1624.


 
 
 
 
 
12

8

السنّة

 السنّة

* لو كانت السُنن مدوّنة من ذلك العصر في كتاب تقدّسه الأمّة، لأرتِجّ1 على الكذّابين باب الوضع، وحيث فاتهما ذلك كثرت الكذّابة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولعبت في الحديث أيدي السياسة، وعاثت به ألسنة الدعاية الكاذبة، ولا سيّما على عهد معاوية وفئته الباغية، حيث سادت فوضى الدجاجيل، وراج سوق الأباطيل2
 
* أمّا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد استودع كلّاً من الكتاب والسنّة ومواريث الأنبياء وصيّه ووليّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وبذلك أحصاها في إمام مبين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعهد إليه أن يحصيها فيمن بعده من الأئمّة. وهكذا يكون إحصاؤها في أئمّة العترة إماماً بعد إمام, ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأعدال كتاب الله، لن يفترقا حتّى يردا الحوض على رسول الله3. 4
 
 
 

1- أرتجّ: استغلق عليه الكلام، لسان العرب 280:2.
2- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، ص 123.
3- إشارة إلى حديث الثقلين المشهور.
4- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، ص 124.
 
 
 
 
 
 
 
13

9

السنّة

 * إنّ السنّة منهاج الإسلام، ودستور الحياة اللاحب1, في كلّ ما يجب أن تصاغ الحياة على مثاله في الأخلاق والعقائد والاجتماع والعلم والآداب2

 
 

1- الطريق اللاحب أي الواسع المنقاد الّذي لا ينقطع، لسان العرب 737:1.
2- الموسوعة, ج3, أبو هريرة, تسلسل ص 1201.
 
 
 
 
 
 
 
14

10

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

 رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

 

* فإذا جاء المشركون إلى المدينة، ورأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأخلاقه وقدسيّ سيرته، وعظم في أنفسهم أمره، هدياً ورأياً وسمتاً ونعتاً، وقولاً وفعلاً... فإذا هؤلاء على مقربة من الإيمان1
 
* قصدوه وهو في دار هجرته محاربين, ليقتلوه وأصحابه, وليستأصلوا شأفة الّذين آووه ونصروه بغياً وعدواناً، فنصره الله عليهم في بدر وأُحد والأحزاب ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾3.2 
 
* كانوا كلّما تبغّضوا إليه بجفاء وسوء صنع، تحبّب إليهم بحنوّ وعاطفة وحسن صنع، فإذا قسوا وأغلظوا له، لان وخفض لهم جناح الرحمة - مستمرّاً معهم على هذه
 
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 649.
2- سورة الأنعام، الآية: 45.
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 649.
 
 
 
 
 
 
 
15

 


11

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

 الحال - يقابل إساءتهم بالبقيا عليهم، والإحسان إليهم، عملاً بقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾1. 2

 
* أطفأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية وقدة قلوب هؤلاء المشركين، واستلّ سخائمهم3، وأزال أضغانهم، وأغراهم بسادتهم وكبرائهم، حتّى أيقنوا بعدوانهم عليه، وجنايتهم على أنفسهم, وبهذا لانت قلوبهم مطمئنّة بحسن عواقبهم معه إذا انضمّوا إلى لوائه، معتصمين بولائه، حكمةً بالغةً، أعقبت الفتح المبين، والنصر العزيز، ودخول الناس في دين الله أفواجاً4
 
* إنّ الله - عزّ وجلّ - حظر على الّذين آمنوا أن يتقدّموا بين يدي الله ورسوله، وأن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وأنذرهم بحبوط أعمالهم الصالحة إذا ارتكبوا شيئاً من ذلك، فقال عزّ من قائل -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾5. 6
 
 
 

1- سورة فصّلت، الآيتان: 34 - 35.
2- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 650.
3- السَخائِم، جمع السَّخِيمة: وهي الحقد والضغيينة. المعجم الوسيط: 422، "س. خ. م".
4- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 651.
5- سورة الحجرات، الآية: 2.
6- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، ص 691.
 
 
 
 
 
 
 
16

12

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

 * إنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان مطبوعاً على الرحمة ما وجد إليها سبيلاً1

 
* فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مثّل الصبر والأناة والحلم والحزم والعزم والحكمة والعصمة في كلّ أفعاله وأقواله، وهو الّذي لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله على أن يترك الأمر ما تركه2
 
* كثير من مواقفه الكريمةصلى الله عليه وآله وسلم خاض فيها الأهوال، فكان فيها أرسى من الجبال، يتلقّى شدائدها برحب صدره وثبات جنانه، فتنزّل منه في بال واسع وخلق وادع، لم يتوسّل في الخروج من عسر إلى يسر إلّا بالله وحده، ولم يتذرّع إلى شيء ما من شؤونه إلّا بالصبر والتوكّل على الله تعالى، فأين من عزائمه في صبره وحلمه وحكمه عزائم يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم، وسائر النبيّين والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم؟3
 
* وعلم المسلمون على اختلافهم في المذاهب والمشارب أنّ الشيطان قد عقِر4 بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودهش بمبعثه، وبرق بهجرته، وخرق5 بظهوره ونصرته، وانماث كالملح في الماء بهديه وقوانينه ونظمه6.
 
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 752.
2- الموسوعة، ج3، أبو هريرة، تسلسل ص 1298.
3- الموسوعة، ج3، أبو هريرة، تسلسل ص 1299.
4- بفتح العين وكسر القاف، أي فاجأه الروع فدهش فلم يقدر أن يتقدّم أو يتأخّر؛ لسان العرب 4: 598-599 "ع.ق.ر".
5- أي بهت شاخصاً ببصره؛ م، ن. 2: 614 "خ.ر.ق".
6- الموسوعة، ج3، أبو هريرة، تسلسل ص 1320.
 
 
 
 
 
 
 
17

13

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

 * من عرف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حكمته البالغة، ونبوّته الخاتمة، ونُصحه لله ولكتابه ولعباده, وعرف مبلغ نظره في العواقب، واحتياطه على أُمّته في مستقبلها، يرَ أنّ من المحال عليه أن يترك القرآن منثوراً مبثوثاً، حاشا هممه وعزائمه، وحِكمه المعجزة من ذلك1

 
* الأنبياء إذا جمعوا المال فإنّما يجمعونه لينفقوه في سبيل الله وابتغاء مرضاته, وليستعينوا به على مشاريعهم الإصلاحيّة, والله- عزَّ وجلَّ- خبير به, عليم بنواياهم, فلا يعاتبهم على جمعه أبدا2
 
* إنّ الله - جلّت آلاؤه - أدّب حبيبه محمّداً بآداب اختصّه بها, ففضّل على العالمين حتّى لم يبق نبيّ مرسل, ولا ملك مقرّب, ولا شيطان مريد, ولا خلق بين ذلك شهيد, إلّا بخع لآدابه, وخشع لأخلاقه, فما من أمر في الذكر الحكيم إلّا ائتمر به, وما من زجر في القرآن العظيم إلّا انزجر به, وما من حكمة إلّا أخذ بها, كان القرآن نصب عينيه, يقتفي أثره, ويتّبع سوره...3
 
* وقد علم البرّ والفاجر, وشهد المسلم والكافر بأنّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم كان أوّل المبادرين إلى العمل بتعاليمه,
 
 
 

1- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، ص 1624.
2- الموسوعة، ج3، أبو هريرة، تسلسل ص 1300.
3- الموسوعة، ج3، أبو هريرة، تسلسل ص 1321.

 
 
 
 
 
 
18

14

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

 وأعظم المتعبّدين بها, المستقيمين المستمرّين عليها, وأنّه كان يهذّب أمّته بأفعاله, ويحملهم بها على البخوع لتعاليمه أكثر ممّا يهذّبهم بأقواله...1

 
* وبالجملة, إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يُبق غاية إلّا أوضح سبيلها, ولم يدع آبدة2 إلّا أقام دليلها, حتّى ترك أمّته على الحنفيّة البيضاء, ليلها كنهارها. ما تركهم في جهالة, ولا أهملهم ليكونوا بعده في ضلالة, ولا أوكلهم إلى أهوائهم, ولا تركهم يسرحون على غُلوائهم, بل ربطهم بثقليه, وعصمهم بحبليه, حيث جعل أئمّة عترته الإثني عشر أعدال كتاب الله, وأنزلهم منزلته من ربّه, ومن الأمّة بمنزلة الرأس من الجسد3

 
 

1- الموسوعة، ج3، أبو هريرة، تسلسل ص 1333.
2- الآبدة: وهي الكلمة أو الفعلة الغريبة، لسان العرب، 3: 68.
3- الموسوعة،ج4، فلسفة الميثاق والولاية، ص 1594.
 
 
 
 
 
 
 
19

15

أهل البيت عليهم السلام

 أهل البيت عليهم السلام

* مَثَلُهم في هذه الأمّة كباب حِطّة في بني إسرائيل، وكسفينة نوح في قومه1, فليس لأحد - وإن عظم شأنه - أن يتّبع غير سبيلهم، ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾2. 3
 
* هم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، وكباب حطّة من دخله غفر له، وأمانُ أهل الأرض من العذاب، وأمنُ الأمّة من الاختلاف في الدّين، فإذا خالفتهم قبيلة اختلفت فصارت حزب إبليس4
 
* لا يخفى أنّ المراد من تمثيلهم بـ "سفينة نوح" إنّما هو إلزام الأُمّة باتّباع طريقتهم، والتمسّك بالعروة الوثقى
 
 
 

1- المستدرك على الصحيحين 3: 81، ح 3365؛ ينابيع المودّة 1: 93 - 95، الباب 4، ح 2 - 6.
2- سورة النساء، الآية: 115.
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 498.
4- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 515.
 
 
 
 
 
 
21

16

أهل البيت عليهم السلام

 من ولايتهم، وليس المراد من النجاة بذلك إلّا رضوان الله -عزّ وجلّ- والجنّة، كما أنّ المراد بغرق المتخلّفين عنهم أو هلاكهم إنّما هو سخط الله سبحانه والنّار1

 
* المراد من تمثيلهم بـ"باب حطّة" إنّما هو بعث الأمّة على التواضع لله - عزّ وجلّ - بالاقتداء بهم، والاستسلام لأوامرهم ونواهيهم، وهذا كلّه ظاهر كما ترى2
 
* حسبُ أئمّة العترة عليهم السلام أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب، وكفى بذلك حجّة تضطرّ المسلم أن يتعبّد بقولهم وفعلهم وتقريرهم، إذ لا يرتضي المسلم بكتاب الله بدلاً، فكيف يبتغي عن أعداله حِولاً؟3
 
* ألا ترى البرّ والفاجر، والمسلم والكافر، والمؤمن والمنافق، والناصب والمارق، قد بخعوا لفضلهم، وطأطأوا لشرفهم، فسطّروا الأساطير في مناقبهم، وملأوا الطوامير من خصائصهم، وتلك صحاحُ أعدائهم تشهد لهم بالحقّ الّذي هم أهله ومعدنه، ومأواه ومنتهاه4.  
 
 
 

1- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2062.
2- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2063.
3- الموسوعة، ج4،كلمة حول الرؤية، تسلسل ص 1515.
4- الموسوعة، ج4، فلسفة الميثاق والولاية، تسلسل ص 1576.
 
 
 
 
 
 
 
22

17

أهل البيت عليهم السلام

 * ونحن مهما شككنا فلا نشكّ في عصمة أئمّتنا، وأنّ عندهم علم الكتاب، وما من ريب لأحد في أنّهم أعلم الناس بمفاده1

 
* لأنّهم حجج الله البالغة، ومناهل شرائعه السائغة، وأمناؤه على وحيه، وأولياؤه في أمره ونهيه، فالمحبّ لهم بسبب ذلك محبّ لله، والمبغض لهم مبغض لله2
 
* بخٍّ بخٍّ، إنّ من وقف على هذه الوهلة العظيمة والروعة الشديدة الّتي رهقت أعلام نجران وممثّلي دينها ودنياها بمجرّد أن برز أصحاب الكساء لمباهلتهم، يعلم أنّ لمحمّد وآل محمّد - صلوات الله وسلامه عليه وعليهم - جلالةً ربّانيّة تغشى الأبصار، ومهابةً روحانيّة يُخفَض لها جناح الذلّ والصغار3
 
* وإنّما أطلق (أي لفظ الأبرار في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُون َ...﴾4) على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، تبياناً لكونهم أكمل الأبرار، وأذاناً بأنّهم الأخيار، وبرهاناً على أنّهم صفوة الصفوة، وحجّة على أنّهم خيرة الخيرة. فما عسى أن يقول
 
 

1- الموسوعة، ج4، فلسفة الميثاق والولاية، تسلسل ص 1579.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2432.
3- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 1947.
4- سورة الإنسان، الآية: 5.
 
 
 
 
 
 
23

18

أهل البيت عليهم السلام

 القائلون في عظيم برّهم، أو يصف الواصفون سموّ قدرهم؟ وأيّ مدحة توازن مدحة الفرقان؟ وأيّ ثناء يكايل ثناء الذكر الحكيم؟ وأيّ عبارة فاضلة شريفة مقدّسة تكافئ قول الله تعالى فيهم؟1

 
* ومن تدبّر القرآن الحكيم وغاص على أسراره البالغة، وجدَ في هذه الآيات البيّنات من عناية الله تعالى في هؤلاء الأبرار أمراً عظيماً، لا يوصف بكيف، ولا يقدّر بكم2
 
* وأنت -هداك الله- إذا أمعنت النظر فيما ألقاه -عزّ وجلّ- إليهم في ختام البشائر العظيمة والمواهب الجسيمة، تتمثّل لك عناية الله بهم قالباً حسّيّاً، وترى كرامتهم عليه وسموَّ منزلتهم لديه شخصاً مرئيّاً، وذلك أنّه ختم كلامه في شؤونهم بقوله مخاطباً لهم: ﴿إِنَّ هَذَا﴾ الإكرام العظيم الّذي فصّلناه في محكم الذكر تفصيلاً، وفضّلناكم على العالمين تفضيلاً ﴿كَانَ لَكُمْ جَزَاء﴾ على أعمالكم المقدّسة الّتي استوجبت هذا الإكرام الجسيم، لم تنالوه بشفاعة أو بمجرّد فضل، وإنّما أخذتموه بالاستحقاق والعدل ﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾ مع ذلك كلّه ﴿مَّشْكُورًا﴾3. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم4
 
 
 

1- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 1997.
2- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 1999.
3- سورة الإنسان، الآية: 22.
4- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 2005.

 
 
 
 
 
 
24

19

أهل البيت عليهم السلام

 * وأنت تعلم أنّ المراد بتشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح، أنّ من لجأ إليهم في الدّين فأخذ فروعه وأصوله عن أئمّتهم الميامين نجا من عذاب النّار، ومن تخلّف عنهم كان كمن آوى يوم الطوفان إلى جبل ليعصمه من أمر الله، غير أنّ ذاك غرق في الماء وهذا في الحميم، والعياذ بالله1

 
الوجه في تشبيههم عليهم السلام بباب حطّة هو أنّ الله تعالى جعل ذلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله، والبخوع لحكمه، وبهذا كان سبباً للمغفرة2


(والله تعالى) قد جعل انقياد هذه الأمّة لأهل بيت نبيّها والإتباع لأئمّتهم مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله، والبخوع لحكمه، وبهذا كان سبباً للمغفرة3
 
* وأنا أرجو ممّن خدمتهم من إخواني المسلمين بهذه الرسالة أن ينظروا بعين الإنصاف هل كان بين الله - عزَّ وجلَّ- وبين أحد من الناس قرابة فيحابيه؟ كلّا، ما كان الله ليعاقب قوماً بأمر يُثيب به آخرين، إنّ حكمه في الأوّلين والآخرين لواحد، وما بين الله تعالى وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمىً حرّمه على العالمين4
 
 

1- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 34.
2- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 34.
3- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 34.
4- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1251.

 
 
 
 
 
 
25

20

أهل البيت عليهم السلام

 * نعم في الطالبيّين اثنا عشر إماماً: عليّ، والحسنان، والتسعة من سلالة الحسين، بوّأتهم الأدلّة القطعيّة لدينا مبوّأ الإمامة على الأمّة والولاية العامّة عليها في دينها ودنياها، بعهد متسلسل من رسول الله إلى عليّ ومن عليّ إلى الحسن فالحسين فإلى كلّ من التسعة بعهد السابق منهم إلى من بعده... 1

 
* فهل يستلزم الاعتقاد بإمامتهم القول بأنّهم فوق البشر؟ كلّا! ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾2 كغيرهم من أئمّة الخلق، والأوصياء بالحقّ، فإنّه ما من نبيّ إلّا وله وصيّ ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾3. 4
 
* نحن الإماميّة في كلّ ما ندين به تبعاً لأئمّة العترة الطاهرة، ومذهبهم عندنا حجّة بنفسه، لأنّهم أعدال كتاب الله، وعيبة سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسفن نجاة الأمّة، يسلم من ركبها، ويغرق من تخلّف عنها، وباب حطّة يأمن من دخلها، والعروة الوثقى لا انفصام لها، وأمان الأمّة من الاختلاف، وأمنها من العذاب، وبيضة رسول 
 
 

1- الموسوعة،ج4، إلى المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، ص 1755.
2- سورة الأنبياء، الآيتان: 26-27.
3- سورة النساء، الآية:165.
4- الموسوعة،ج4، إلى المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، تسلسل ص 1755.

 
 
 
 
 
26

21

أهل البيت عليهم السلام

 الله الّتي تفقّأت عنه، وأولياؤه وأوصياؤه ووارثو علمه وحِكَمِه، وأولى الناس به وبشرائعه عن الله تعالى..1

 
* وإنّما كانت هذه الشهادة - ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾2- أعظم، لكشفها عن كمال نفوسهم، وبلوغهم أقصى الغايات في حبّ الخير والإيثار على أنفسهم، إشفاقاً على المسكين، ورأفة باليتيم، وعِطفة على الأسير. وأنت تعلم أنّهم لو لم يؤثرونهم لما كان عليهم في ذلك من جناح، لكنّهم مثّلوا الحنان والمرحمة بأجلى مظاهرهما حين لم يكونوا مكلّفين بذلك ولا مسؤولين عنه، وتلك من أفضل صفات المقرّبين3
 
* لم يكن أصبر منهم على خطب، ولا أقوى منهم جلداً على محنة، ولا أربط جأشاً عند نازلة، لم تروعهم النوائب القارعة، ولم تنل من صبرهم الملمّات الفاقرة4
 
* إخواني أعلام الأمّة، إنّنا اليوم في هذا المفترق الخطير أشدّ حاجةً من أيّ وقت إلى الاعتصام بحبلهم والسير على نهجهم5

 
 

1- الموسوعة،ج4، مسائل فقهيّة، تسلسل ص 1926.
2- سورة الإنسان، الآية: 8.
3- الموسوعة،ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 2000.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4508.
5- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4502.
 
 
 
 
 
 
27

22

السيدة خديجة عليها السلام

 السيدة خديجة عليها السلام

 

* خديجة بنت خويلد، أمّ المؤمنين، صدّيقة هذه الأمّة، وأوّلها إيماناً وتصديقاً بكتابه، ومؤاساة لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم1
 
* انفردت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمساً وعشرين سنة، لم تشاركها فيه امرأة ثانية، ولو بقيت ما شاركتها فيه أخرى2
 
* وكانت شريكته في محنته صلى الله عليه وآله وسلم طيلة أيّامها معه، تقوّيه بمالها، وتدافع عنه بكلّ ما لديها من قول أو فعل، وتعزّيه بما يفاجئه به الكفّار في سبيل الرسالة وأدائها3
 
* وكانت هي وعليّ عليه السلام معه في غار حراء، إذ نزل عليه الوحي أوّل مرّة4
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2512.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2512.
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2512.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2512.
 
 
 
 
 
 
 
29

23

السيدة خديجة عليها السلام

 * هاجر صلى الله عليه وآله وسلم وفي قلبه ذكرى لصدّيقته المواسية، فكان يُكثر ذكرها وبرّها والصدقة عنها1

 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2512.
 
 
 
 
 
 
 
30

24

أبو طالب

 أبو طالب 

 

* شيخ الأباطح، وبيضة البلد أبو طالب ابن عبد المطّلب عمّ النبيّ، القائم في كفالته مقام أبيه، إذ مات أبوه عبد الله وهو جنين، ثمّ مات جدّه عبد المطّلب والنبيّ في السابعة من عمره الشريف، فكفله عمّه أبو طالب1
 
* كان أفضل أبٍ عطوف، لم يغفل عمّا يجب له صلى الله عليه وآله وسلم لحظة واحدة، ولم يسلّمه إلى طغاة قريش، وقد لجّوا في طغيانهم يعمهون إذ طلبوه منه2
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2513.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2513.
 
 
 
 
 
 
31

25

الثقلان

 الثقلان



* هما معاً مفزع الأمّة ومرجعها بعد نبيّها، فالمنتهج نهجهما لاحق به، والمتخلّف عنهما أو عن أحدهما مفارق له صلى الله عليه وآله وسلم1
 
* كفى بنصوص الثقلين حكَماً بين الفريقين، وخصائص عليّ فيها كلّ نصّ جليّ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾2. 3
 
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 498.
2- سورة ق، الآية: 37.
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، ص 505.
 
 
 
 
 
 
 
33

26

الإمام علي عليه السلام

 الإمام علي عليه السلام

 

* إنّ من أحاط علماً بسيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في تأسيس دولة الإسلام، وتشريح أحكامها، وتمهيد قواعدها، وسنّ قوانينها، وتنظيم شؤونها عن الله عزّ وجلّ، يجد عليّاً وزير رسول الله في أمره، وظهيره على عدوّه، وعيبة علمه، ووارث حكمه، ووليّ عهده، وصاحب الأمر من بعده. ومن وقف على أقوال النبيّ وأفعاله، في حلّه وترحاله صلى الله عليه وآله وسلم، يجد نصوصه في ذلك متواترة متوالية، من مبدأ أمره إلى منتهى عمره1
 
* وإنّي والله، لأعجب من الفضل الباهر الّذي اختصّ به عبده وأخا رسوله عليّ بن أبي طالب عليه السلام، كيف خرق نوره الحجب من تلك الظلمات المتراكمة، والأمواج المتلاطمة، فأشرق على العالم كالشمس في رائعة النهار2
 
 
 

1- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 192.
2- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 329.
 
 
 
 
 
 
 
35

27

الإمام علي عليه السلام

 * كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التنويه بعليّ وتفضيله على مَن سواه من أهل السوابق لأساليب حكيمة عرفها متدبّرو سيرته المقدّسة. فمنها: أنّه لم يؤمِّر عليه أحداً أبداً لا في حَرْب ولا في سِلْم، وقد أُمِّرت الأمراء على مَن سواه - فأمَّر ابن العاص على أبي بكر وعمر في غزوة ذات السلاسل كما سمعت، ولحق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى وأُسامة بن زيد - على حداثته - أمير على مشيخة المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وأمثالهم، وهذا معلومٌ بحكم الضرورة من أخبار السلف1

 
* ولو (لا)عناية أمير المؤمنين عليه السلام ساعتئذٍ في حفظها ووقوفه بنفسه على صونها، لكان ما كان ممّا أعاذها الله منه في هذه الفتنة العمياء، الّتي شقّت عصا المسلمين إلى يوم الدّين، وعلى أسسها كانت صفّين والنهروان ومأساة كربلاء وما بعدها، حتّى نكبة فلسطين في عصرنا هذا.
 
* وسيّد الطالبيّين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إنّما استمدّ فضله وتفوّقه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ نهج الرسول له سبيله، وحمله على جادّته، فجرى على أُسلوبه، واتّبع سنّته، وما زال يطبع على غراره حتّى دعاه الله إلى جواره، وهذه الخصيصة هي أفضل خصائص عليّ عليه السلام بإجماع الإماميّة2
 
* من خصائص عليّ عليه السلام فضل تضمحلّ دونه الخصائص، وتفنى في جنبه الفضائل والمناقب، ألا وهو كونه نفس النبيّ، وجارياً بنصّ الآية مجراه، الفضل 
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص، 764.
2- الموسوعة، ج4، إلى المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، تسلسل ص 1754.
 
 
 
 
 
 
36

28

الإمام علي عليه السلام

 الّذي تعنو له الجباه بخوعاً، وتطأمن1 لديه المفارقُ خشوعاً، ويملأ الصدور هيبةً وإجلالاً، وتصاغر دونه الهمم يأساً من بلوغ مداه ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾2. 3

 
 

1- تَطَأْمَنَ طَأمَنه: إذا سكن أو انخفض. المعجم الوسيط: 566، "ط. م. ء".
2- سورة آل عمران، الآية: 61.
3- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 1949 - 1950.

 
 
 
 
 
 
37

29

السيّدة الزهراء عليها السلام

 السيّدة الزهراء عليها السلام

 

* كان كلف1 النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ببضعته الزهراء وإشفاقه عليها فوق كلف الآباء الرحيمة، وإشفاقهم على أبنائهم البررة، يُؤويها إلى الوارف من ظلال رحمته، ويفدّيها بنفسه، مسترسلاً إليها بأنسه2
 
* وكان يحرص بكلّ ما لديه على تأديبها وتهذيبها وتعليمها وتكريمها حتّى بلغ في ذلك كلّ غاية، يزقّها المعرفة بالله والعلم بشرائعه زقّاً، لا يألو في ذلك جهداً، ولا يدّخر وسعاً، حتّى عرج بها إلى أوج كلّ فضل، ومستوى كلّ كرامة3
 
* وحسبهم منها علم الحاكم يومئذٍ أنّ هذه المدّعية إنّما هي بمثابة من القدس تعدل بها مريم بنت عمران، وأنّها أفضل منها، وأنّها ومريم وخديجة وآسية أفضل
 
 

1- الكَلَف: أي الحُبّ. لسان العرب 9: 307، "ك. ل. ف".
2- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 552.
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 552.
 
 
 
 
 
 
 
39

30

السيّدة الزهراء عليها السلام

 نساء الجنّة، وأنّها والثلاث خير نساء العالمين، وهي الّتي قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين، أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟"1

 
* تفضيلها على مريم عليها السلام أمر مفروغ منه عند أئمّة العترة الطاهرة وأوليائهم من الإماميّة 2 وغيرهم، وصرّح بأفضليتها على سائر النساء - حتى السيّدة مريم - كثير من محقّقي أهل السنّة والجماعة كالتقيّ السبكيّ، والجلال السيوطيّ3
 
* وقد علم المسلمون كافّةً أنّ الله - عزّ وجلّ - اختارها من نساء الأمّة، كما اختار ولديها من الأبناء، واختار بعلها من الأنفس، فهم الخيرة مع رسول الله للمباهلة يوم أوحى الله سبحانه إليه: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾4. 5
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 559.
2- للمزيد راجع: بحار الأنوار 43: 21 - 27، تأريخ سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، الباب 3، ح 5، 11، 13، 19، 20، 24، 25. 
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 558.
4- سورة آل عمران، الآية: 61.
5- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 560.
 
 
 
 
 
 
 
40

31

السيّدة الزهراء عليها السلام

 * إنّ للزهراء عليها السلام من منازل القُدس عند الله - عزّ وجلّ - ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين ما يوجب الثقة التامّة في صحّة ما تدّعي، والطمأنينة الكاملة بكلّ ما تقول، لا تحتاج في إثبات دعواها إلى شاهد، فإنّ لسانها ليتجافى عن الباطل، وحاشا الله أن ينطق بغير الحقّ، فدعواها بمجرّدها تكشف عن صحّة المدّعى به كشفاً تامّاً ليس فوقه كشف، وهذا ممّا لا يرتاب فيه أحد ممّن عرفها عليها السلام1

 
* وهنا نلفت أُولي الألباب إلى البحث عن السبب في تنحّي الزهراء عن البلد في نياحتها على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وخروجها بولديها في لمّة من نسائها إلى البقيع يندبن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ظلّ أراكة كانت هناك، فلمّا قُطعت بنى لها عليّ بيتاً في البقيع كانت تأوي إليه للنياحة يدعى بيت الأحزان، وكان هذا البيت يزار في كلّ خلف من هذه الأمّة كما تزار المشاهد المقدّسة حتّى هُدم في هذه الأيّام بأمر الملك عبد العزيز بن سعود النجديّ2. 3
 
* وحسبك في تفضيل الزهراء أنّها بضعة من سيّد الأنبياء4، ولا نعدل به ولا ببضعته أحداً من العالمين5
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 564.
2- وذلك سنة 1344 هـ.
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص740.
4- كما في صحيح البخاري، 210:4.
5- الموسوعة، ج5، الكلمة الغرّاء، تسلسل ص 2009.
 
 
 
 
 
 
 
41

 


32

السيّدة الزهراء عليها السلام

 * السلف من بني عليّ وفاطمة عليهما السلام يروي خطبتها في ذلك اليوم لمن بعده، ومن بعده رواها لمن بعده، حتّى انتهت إلينا يداً عن يد، فنحن - الفاطميّون - نرويها عن آبائنا، وآباؤنا يروونها عن آبائهم، وهكذا كانت الحال في جميع الأجيال إلى زمن الأئمّة من أبناء عليّ وفاطمة1


 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 547.
 
 
 
 
 
 
 
 
42

33

الإمام الحسن عليه السلام

 الإمام الحسن عليه السلام

 

* خُلق الحسن إنّما هو خُلق الكتاب والسنّة1
 
* هو عليه السلام كغيره من أئمّة هذا البيت، يسترشد الرسالة في إقدامه وفي إحجامه2
 
* امتحن بهذه الخطّة (الصلح) فرضخ لها صابراً محتسباً، وخرج منها ظافراً طاهراً، لم تنجّسه الجاهليّة بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمّات ثيابها3
 
* كان صلح الحسن عليه السلام مع معاوية من أشدّ ما لقيه أئمّة أهل البيت من هذه الأُمّة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم4
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2529.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2534.
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2534.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2527.
 
 
 
 
 
 
43

34

الإمام الحسن عليه السلام

 * تهيّأ للحسن بهذا الصلح أن يغرس في طريق معاوية كميناً من نفسه يثور عليه من حيث لا يشعر فيرديه، وتسنّى له به أن يُلغم نصر الأمويّة ببارود الأمويّة نفسها، فيجعل نصرها جفاءً، وريحاً هباء1

 
* وكان أهمّ ما يرمي إليه سلام الله عليه، أن يرفع اللثام عن هؤلاء الطغاة، ليحول بينهم وبين ما يبيّتون لرسالة جدّه من الكيد2
 
* الحسن لم يبخل بنفسه، ولم يكن الحسين أسخى منه بها في سبيل الله، وإنّما صان نفسه يجنّدها في جهاد صامت، فلمّا حان الوقت كانت شهادة كربلاء شهادة حسنيّة قبل أن تكون حسينيّة3
 
* وكان يوم ساباط أعرق بمعاني التضحية من يوم الطفّ لدى أولي الألباب ممّن تعمّق، لأنّ الحسن عليه السلام أُعطي من البطولة دور الصابر على احتمال المكاره في صورة مستكين قاعد4
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2535.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2537.
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2537.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2537.

 
 
 
 
 
44

35

الإمام الحسن عليه السلام

 * وكانت شهادة "الطفّ" حسنيّة أوّلاً وحسينيّة ثانياً، لأنّ الحسن أنضج نتائجها، ومهّد أسبابها1

 
* كان نصر الحسن الدامي موقوفاً على جلوِّ الحقيقة الّتي جلّاها لأخيه الحسين بصبره وحكمته، وبجلوّها انتصر الحسين نصره العزيز وفتح الله له فتحه المبين2
 
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2537.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2537.

 
 
 
 
 
 
 
45

36

عاشوراء والإمام الحسين عليه السلام

 عاشوراء والإمام الحسين عليه السلام

 

* وحسبك منه الصحاح الصريحة ببكاء الأرض والسماء على سيّد الشهداء وخامس أصحاب الكساء، إذ بكته الشمس بحمرتها، والآفاق بغبرتها، وأظلّه العرش بإعوالها1، وطبقات الأرض بزلزالها، والطير في أجوائها، وحجارة بيت المقدس بدمائها، وقارورة أُمّ سلمة بحُصَيّاتها، وتلك الساعة بآياتها، كما صرّحت به أحاديث السنّة2 وصحاح الشيعة3. 4
 
* دع بكاء الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، ودع عنك ما كان من ملائكة السماء، وقل لي: هل جهلت نوح الجنّ في طبقاتها، ورثاء الطير في وكناتها، وبكاء الوحش في
 
 

1- الإعوال: رفع الصوت بالبكاء. الصحاح 5: 1776، "ع. و. ل".
2- راجع: بغية الرائد في تحقيق الزوائد 9: 303، ح 15118، 314 - 316، ح 15154 - 15155 و 15159، الصواعق المحرقة، 194 - 195، الباب 11، الفصل 3، الدرّ المنثور 7: 413، ذيل الآية 29 من سورة الدخان (44).
3- كامل الزيارات: 179 - 188، الباب 28، الإرشاد للمفيد 2: 130 - 131، إعلام الورى 1: 428 - 429، الباب الثاني، بحار الأنوار 45: 201 - 219، تاريخ الحسين بن عليّ سيّد الشهداء عليه السلام، الباب 40، ح 1 - 46.
4- الموسوعة، ج4، فلسفة الميثاق والولاية، تسلسل ص 1572.
 
 
 
 
 
 
 
47

37

عاشوراء والإمام الحسين عليه السلام

 فلواتها، ورسيس1 حيتان البحر في غمراتها؟! وهل نسيت الشمس وكسوفها، والنجوم وخسوفها، والأرض وزلزالها، وتلك الفجائع وأهوالها؟! أم هل ذهلت عن الأحجار ودمائها، والأشجار وبكائها، والآفاق وغبرتها، والسماء وحمرتها، وقارورة أُمّ سلمة وحصياتها2، وتلك الساعة وآياتها؟!3

 
* وتالله لولا ما بذله الحسين عليه السلام في سبيل إحياء الدّين من نفسه الزكيّة، ونفوس أحبّائه بتلك الكيفيّة، لأمسى الإسلام خبراً من الأخبار السالفة، وأضحى المسلمون أمّة من الأمم التالفة، إذ لو بقي المنافقون على ما كانوا عليه من الظهور للعامّة بالنيابة عن رسول الله والنصح لدينه صلى الله عليه وآله وسلم، وهم أولياء السلطة المطلقة والإرادة المقدّسة، لغرسوا من شجرة النفاق ما أرادوا، وبثّوا من روح الزندقة ما شاؤوا، وفعلوا بالدّين ما توجبه عداواتهم له، وارتكبوا من الشريعة كلّ أمر يقتضيه نفاقهم4
 
* وشيبة الحسين عليه السلام المخضوبة بدمه الطاهر - لولا ما تحمّله - سلام الله عليه - في سبيل الله ما قامت لأهل
 
 
 

1- الرسيس: الصوت الخفيّ، ولعلّ مراده رحمه الله أنين الحيتان وحنينها في غمرات البحار.
2- راجع الصواعق المحرقة: 193، الباب 11، الفصل 3.
3- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2063 - 2064.
4- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2080 - 2081.
 
 
 
 
 
 
 
48

38

عاشوراء والإمام الحسين عليه السلام

 البيت عليهم السلام - وهم حجج الله - قائمة، ولا عرفهم - وهم أولوا الأمر - ممّن تأخّر عنهم أحد1

 
* أيّها العرب والمسلمون، هذا شهر المحرّم الدامي الّذي انتصرت فيه عقيدة، وبعثت منه قضيّة، ألا إنّ قتلة الحسين بِكرٌ في القتلات، فلتكن قدوتنا فيه بكراً في القدوات، ولنكن نحن من فلسطين مكان أبي الشهداء من قضيّته، ليكون لنا ولفلسطين ما كان له ولقضيّته من حياة ومجد وخلود2
 
* أمِنْ أجل هذه الحقول3 نزا الشيطان على ابن سعد، وفتنت العقول يومئذٍ على حواشي مأساة الطفّ؟4
 
* وكان الحسين - بأبي وأمّي - على يقين من ترتّب هذه الآثار الشريفة على قتله وانتهاب رحله، وذبح أطفاله وسبي عياله، بل لم يجد لإرشاد الخلق إلى الأئمّة بالحقّ، واستنقاذ الدّين من أئمّة المنافقين - الّذين 
 
 
 

1- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2082.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4569.
3- وهي في طهران، وقد كانت تعرف باسم الريّ وجرجان، وقد قاتل ابن سعد لعنه الله الإمام الحسين عليه السلام لأجلها، وفي الرواية أنّه عليه السلام قال لابن سعد يوم عاشوراء: "يا عمر أنت تقتلني؟ تزعم أن يولّيك الدعيّ بن الدعيّ بلاد الريّ وجرجان، والله لا تتهنّأ بذلك أبدا، عهداً معهودا، فاصنع ما أنت صانع، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، ولكأنيّ برأسك على قصبة قد نصب بالكوفة، يتراماه الصبيان ويتّخذونه غرضاً بينهم" بحار الأنوار، ج45، تسلسل ص10، وكان كما أخبر الإمام عليه السلام.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3481.
 
 
 
 
 
 
 
49

39

عاشوراء والإمام الحسين عليه السلام

 خفي مكرهم، وعلا في نفوس العامّة أمرهم - إلّا الاستسلام لتلك الرزايا، والصبر على هاتيك البلايا، وما قصد كربلاء إلّا لتحمّل ذلك البلاء، عهد معهود عن أخيه، عن أبيه، عن جدّه، عن الله تعالى1

 
 
 

1- الموسوعة،ج5، المجالس الفاخرة، ص 2086.
 
 
 
 
 
 
 
50

40

السيّدة زينب عليها السلام

 السيّدة زينب عليها السلام

 

* وهذه أُمّ المصائب عقيلة الوحي والنبوّة، وخفرة عليّ وفاطمة زينب، بلغ من عناية الله تعالى بها وكرامتها عليه، أن كان مشهدها منذ حلّت في رمسه، كلّ سنة هو أفخم وأعظم منه في سابقتها، حتّى بلغ اليوم أوج العظمة والعلاء1
 
* كانت في الهاشميّات كالّتي أنجبتها، تنطق الحكمة والعصمة من محاسن خلالها، ويتمثّلان وما إليهما من أخلاق في منطقها وأفعالها، فلم يُر أكرم منها أخلاقاً، ولا أنبل فطرة، ولا أطيب عنصراً، ولا أخلص جوهراً، إلّا أن يكون جدَّها واللّذين أولداها2
 
* وكانت ممّن لا يستفزّها نزق، ولا يستخفّها غضب، ولا يروع حلمها رائع، آية من آيات الله في ذكاء 
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2507 - 2508.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2515.
 
 
 
 
 
 
 
51

41

السيّدة زينب عليها السلام

 الفهم، وصفاء النفس، ولطافة الحسّ، وقوّة الجنان، وثبات الفؤاد، في أروع صورة من الشجاعة والإباء والترفّع1

 
* ومواقفها كلّها تمثّلها صابرة محتسبة، منذ أصيبوا بفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى غير ذلك من المحن والأرزاء، كوفاة الزهراء، وفي العين منها قذى، وفي القلب منها شجى2
 
* وقد شاركتهم3 عقيلتهم بطلة كربلاء في كلّ هذه الأرزاء رابطة الجأش، صلبة العود، لم تروّعها تلك النوائب، ولم تنل من صبرها تلك الملمّات، ولها في السبي مقام كريم لا يسامى، تسنّمت به ذرى المعالي والشرف، ونالت به من الله كلّ زلفى4
 
* وقد استماتت بحماية مريضهم بقيّة أخيها الإمام زين العابدين عليه السلام، وقد كاد أن يقتله ابن زياد لولا دفاعها عنه ببذل دمها، وبقتله تنقطع سلالة أخيها سيّد الشهداء5
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2515 - 2516.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2522.
3- أي أهل البيت عليهم السلام.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2522.
5- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2522 - 2523.
 
 
 
 
 
 
 
52

42

مآتم أهل البيت عليهم السلام

 مآتم أهل البيت عليهم السلام

* إنّ مآتمنا بما فيها من الجلوس بعنوان الحزن على مصائب أهل البيت عليهم السلام، والإنفاق عنهم في وجوه البرّ، وتلاوة رثائهم ومناقبهم، والبكاء رحمة لهم، سيرةٌ قطعيّة قد استمرّت عليها أئمّة الهدى من أهل البيت، وأمروا بها أولياءهم على مرّ الليالي والأيّام فورثناها منهم، وثابرنا عليها عملاً بما هو المأثور عنهم، فكيف - والحال هذه - تنكرونها علينا، وتقولون فيها ما تقولون؟ والله يعلم أنّها ليست كما تظنّون1
 
* إنّها جامعة إسلاميّة ورابطة إماميّة باسم النبيّ وآله صلى الله عليه وآله وسلم، ينبعث عنها الاعتصام بحبل الله - عزّ وجلّ - والتمسّك بثقلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها من اجتماع القلوب على أداء أجر الرسالة بمودّة القربى، وترادف العزائم على إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ما ليس في غيرها2
 
 
 

1- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2063.
2- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2070.
 
 
 
 
 
 
 
53

43

مآتم أهل البيت عليهم السلام

 * إنّ هذه المآتم دعوة إلى الدّين بأحسن صورة وألطف أسلوب، بل هي أعلى صرخة للإسلام توقظ الغافل من سباته، وتنبّه الجاهل من سكراته، بما تُشرِبه في قلوب المجتمعين، وتَنفُثه في آذان المستمعين، وتبثّه في العالم، وتصوّره قالباً لجميع بني آدم، من أعلام الرسالة، وآيات الإسلام، وأدلّة الدِّين، وحجج المسلمين، والسيرة النبويّة، والخصائص العلويّة، ومصائب أهل البيت في سبيل الله، وصبرهم على الأذى في إعلاء كلمة الله1

 
* (من أسرار المآتم) ما قد أثبته العيان، وشهد به الحسّ والوجدان من بثّ المعارف بسبب هذه المآتم ونشر أطراف من العلوم ببركتها، إذ هي - بشرط كونها على أصولها - أرقى مدرسة للعوامّ، يستضيئون فيها بأنوار الحكم من جوامع الكلم2
 
* إنّ المصلحة الّتي استشهد الحسين - بأبي وأمّي - في سبيلها، وسفك دمه الزكيّ تلقاءها، تستوجب استمرار هذه المآتم، وتقتضي دوامها إلى يوم القيامة3.
 
 
 

1- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2073.
2- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2075.
3- الموسوعة، ج5، المجالس الفاخرة، تسلسل ص 2079.

 
 
 
 
 
54

44

الإمام جعفر الصادق عليه السلام

 الإمام جعفر الصادق عليه السلام

 

* وقد انتشر العلم في أيّام الصادق عليه السلام بما لا مزيد عليه، وهرع إليه شيعة آبائه عليهم السلام من كلّ فجٍّ عميق، فأقبل عليهم بانبساطه، واسترسل إليهم بأنسه، ولم يألُ جهداً في تثقيفهم، ولم يدّخر وسعاً في إيقافهم على أسرار العلوم، ودقائق الحكمة، وحقائق الأمور1
 
* قول (الإمام) الصادق عليه السلام حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لوجوب عصمته عقلاً ونقلاً، وهو إمام العترة الطاهرة في عصره، لا يضلّ من تمسّك به، ولا يهتدي إلى الله من ضلّ عنه، أنزله النصُّ منزلة الكتاب، وجعله قدوة لأولي الألباب، وهذا أمر مفروغ عنه عندنا، والحمد لله ربّ العالمين2
 
 

1- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 474.
2- الموسوعة، ج4، فلسفة الميثاق والولاية، تسلسل ص 1575.
 
 
 
 
 
 
 
55

45

الإمام جعفر الصادق عليه السلام

 * قد أجمع العرب والعجم على أنّه إمام الكلّ في الكلّ، فتخليد ذكره قليل بالنسبة إلى واجبات شكره1

 
* وقد عكف على جعفر الصادق عليه السلام من علماء عصره أُلوف مؤلّفة يأخذون عنه العلوم، لكنّ الّذين دوّنَت أسماؤهم في الفهارس وكتب معاجم الرجال الّتي هي بين أيدينا إلى الآن أربعة آلاف بطل من أبطال العلم والفضيلة2
 
* وحسبك منهم أصحاب الأصول الأربعمائة، وهي أربعمائة كتاب لأربعمائة رجل من تلامذة الصادق عليه السلام لا تزال في أيدينا نتمتّع بعلومها إلى يومنا هذا، فهل في وسع العرب أن لا يفتخروا بهذا العربيّ المبين؟3
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4646.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4747.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4747.

 
 
 
 
 
 
56

46

الصحابة

 الصحابة

* لا نرتاب في أنّ سبّ رجل من عرض المؤمنين - فضلاً عن سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين - موبقة وفسق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سباب المسلم فسق، وقتاله كفر"1. 2
 
* إنّ من وقف على رأينا في الصحابة علم أنّه أوسط الآراء، إذ لم نفرّط فيه تفريط الغلاة الّذين كفّروهم جميعاً، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الّذين وثّقوهم أجمعين3
 
 
 

1- صحيح مسلم 1: 81، كتاب الإيمان، ح 116؛ صحيح البخاريّ 1: 27، ح 48؛ الكافي 2: 359 - 360، باب السباب، ح 2؛ من لا يحضره الفقيه 3: 569، ح 4946.
2- الموسوعة، ج2، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1007 - 1008.
3- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، ص 1607.
 
 
 
 
 
 
 
 
57

47

الخلافة

 الخلافة

* يستحيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يوكل دين الله - وهو في مهد نشأته - إلى الأهواء أو يتّكل في حفظ شرائعه على الآراء، من غير وصيّ يعهد بشؤون الدّين والدنيا إليه، ونائب عنه يعتمد في النيابة العامّة عليه، وحاشاه أن يترك يتاماه -وهم أهل الأرض في الطول والعرض- كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ليس لها من يرعاها حقّ رعايتها1
 
* معاذ الله أن يترك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الوصيّة بعد أن أوحي بها إليه، فأمر أمّته بها، وضيّق عليهم فيها. فالعقل لا يصغي إلى إنكار الوصيّة مهما كان منكرها جليلاً2
 
* وأيضاً فإنّ قريشاً وسائر العرب كانوا قد تشوّقوا إلى تداول الخلافة في قبائلهم، واشرأبّت إلى ذلك
 
 
 

1- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 362.
2- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 362.
 
 
 
 
 
 
 
 
58

48

الخلافة

 أطماعهم، فأمضوا نيّاتهم على نكث العهد، ووجّهوا عزائمهم إلى نقض العقد، فتصافقوا على تناسي النصّ، وتبايعوا على أن لا يذكر بالمرّة، وأجمعوا على صرف الخلافة من أوّل أيّامها عن وليّها المنصوص عليه من نبيّها، فجعلوها بالانتخاب والاختيار، ليكون لكلّ حيّ من أحيائهم أمل في الوصول إليها ولو بعد حين1

 
* ولو تعبّدوا بالنصّ فقدّموا عليّاً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما خرجت الخلافة من عترته الطاهرة، حيث قرنها يوم الغدير وغيره بمحكم الكتاب، وجعلها قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب2
 
* فدعاه النظر للدّين إلى الكفّ عن طلب الخلافة، والتجافي عن الأمور، علماً منه أنّ طلبها - والحال هذه - يستوجب الخطر بالأمّة، والتغرير في الدّين، فاختار الكفّ، إيثاراً للإسلام، وتقديماً للصالح العامّ، وتفضيلاً للآجلة على العاجلة3
 
* ما رأيت كنصوص الخلافة صريحةً متواترةً صودرت 
 
 
 

1- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 393.
2- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 393.
3- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 394.
 
 
 
 
 
 
59

49

الخلافة

 من أكثر الأمّة، والجرح لمّا يندمل، والنبيّ لمّا يُقبر1

 
* قضي الأمر في السقيفة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقى بين عترته الطاهرة وأوليائهم ثلاثة أيّام، وهم حوله يتقطّعون حسرات، ويتصعّدون زفرات، قد أخذهم من الحزن ما تنفطر به المرائر، ومن الهمّ والغمّ ما يذيب لفائف القلوب، ومن الرعب والوجل ما تميد به الجبال، ومن الهول والفَرَق ما أطار عيونهم، وضيَّق الأرض برحبها عليهم2
 
* وكان عليه السلام على علم من تصميم القوم على صرف الأمر عنه، وأنّه لو نازعهم فيه لنازعوه، ولو قاتلهم عليه لقاتلوه، وأنّ ذلك يوجب التغرير في الدّين والخطر بالأمّة، فاختار الكفّ، احتياطاً على الإسلام، وإيثاراً للصالح العامّ، وتقديماً للأهمّ على المهمّ، عهد معهود من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، صبرَ أمير المؤمنين على تنفيذه وفي العين قذى، وفي الحلق شجى3.4
 
* قد كانت بيعتهم فلتةً، وقى الله المسلمين شرّها كما زعموا، لكن تلك الوقاية إنّما كانت على يد أمير
 
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 504.
2- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 507.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 14.
4- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 511.
 
 
 
 
 
 
60

50

الخلافة

 المؤمنين بصبره على الأذى، وغمضه على القذى، وتضحيته حقّه في سبيل حياة الإسلام، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير جزاء المحسنين1

 
* وكان من مبادئ القائمين بالأمر إذ ذاك شدّة الوطأة في تنفيذ الأحكام من غير فرق بين القريب والبعيد، والشريف والدنيء، وإيثار بيت المال بالوفر والثراء والمساواة بين أهل السوابق وغيرهم في الأحكام2
 
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 513.
2- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 571.
 
 
 
 
 
 
 
61

51

بنو أميّة

 بنو أميّة

* رأى الناس من هؤلاء الأمويّين قردة تنزو على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تكشِّر للأُمّة عن أنياب غول، وتصافحها بأيدٍ تمتدّ بمخالب ذئب، في نفوس تدبّ بروح عقرب1.
 
* رأوا فيهم هذه الصورة منسجمة شائعة متوارثة، لم تخفّف من شرّها التربية الإسلاميّة، ولم تطامن من لؤمها المكارم المحمّديّة، فمضغ الأكباد يوم هند وحمزة يرتقي به الحقد الأمويّ الأثيم حتّى يكون تنكيلاً بربريّاً يوم الطفّ، لا يكتفي بقتل الحسين حتّى يوطئ الخيل صدره وظهره2
 
* أدرك الرأي العامّ - بفضل الحسن والحسين وحكمة تدبيرهما - كلّ خافية من أمر الأمويّة وأُمور مسدّدي سهمها على نحو واضح3.
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2538
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2538
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2539.
 
 
 
 
 
 
 
63

52

بنو أميّة

 * أدرك - فيما يتّصل بالأمويّين - أنّ العلاقة بينهم وبين الإسلام إنّما هي علاقة عداء مستحكم، ضرورة أنّه إذا كان الملك هو ما تهدف إليه الأمويّة، فقد بلغه معاوية، وأتاح له الحسن عليه السلام، فما بالها تلاحقه بالسمّ وأنواع الظلم والهضم، وتتقصّى الأحرار الأبرار من أوليائه لتستأصل شأفتهم وتقتلع بذرتهم؟!1

 
* إنّ سيف بني أميّة ليقطر من دماء العروبة والإسلام يوم بدر وأحد والأحزاب، إذ كانوا سدّاً مانعاً بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإصلاح الّذي يريده لأهل الأرض في الطول والعرض2
 
* وقد عرقلوا له ولأصحابه البررة من المساعي المشكورة كلّما قدروا عليه، فبذلوا جهدهم، واستفرغوا وسعهم في قتله وقتل أصحابه. وسحق الإسلام ومحقه، لكنّ الله تعالى في آخر عهد النبوّة أظفره صلى الله عليه وآله وسلم بهم، فعفى عنهم، ووسعهم بحلمه3
 
* بيد أنّهم أضمروا العداوة له، فكان منهم ما كان في صفّين، مع وليّه ووصيّه، وفي ساباط مع سبطه الحسن المجتبى، وفي طفّ كربلاء مع سيّد الشهداء ويوم 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2539.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4648.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4648.
 
 
 
 
 
 
 
64

53

بنو أميّة

 الحرّة في المدينة مع الصحابة البررة، ويوم العرّادات والمجانيق المنصوبة على مكّة فهدمت الكعبة، إلى كثير من ويلاتهم على الإسلام والعروبة الّتي ألحقت بالعرب والمسلمين من الوهن والتقهقر ما لا يدرك أبداً، إذ شتَّتَت شملهم، فجعلتهم طرائق قدداً، وأطمعت بهم الأجانب1.

 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص ت4648 .
 
 
 
 
 
 
 
65

54

الولاية

 الولاية

 

* إنّ من دان بولاية إمام جائر فعقد قلبه على ولايته، كان كمن عناهم الله تعالى بقوله سبحانه: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾1 وقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾2. أمّا من دان بولاية إمام عادل، فعقد قلبه على ذلك، فهو ممّن عناهم الله تعالى بقوله: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾3. 4
 
 
 

1- سورة المائدة، الآية: 51.
2- سورة الممتحنة، الآية: 9.
3- سورة المائدة، الآية: 56.
4- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، تسلسل ص 1715.
 
 
 
 
 
 
 
67

55

الشيعة

 الشيعة

 

* إنّ الشيعة إنّما جروا على منهاج العترة الطاهرة، واتّسموا بسماتها، وإنّهم لا يطبعون إلّا على غرارها، ولا يضربون إلّا على قالبها، فلا نظير لمن اعتمدوا عليه من رجالهم في الصدق والأمانة، ولا قرين لمن احتجّوا به من أبطالهم في الورع والاحتياط، ولا شبيه لمن ركنوا إليه من أبدالهم في الزهد والعبادة وكرم الأخلاق، وتهذيب النفس ومجاهدتها ومحاسبتها بكلّ دقّةٍ آناء الليل وأطراف النهار1
 
* لا يُبارون في الحفظ والضبط والإتقان، ولا يجارون في تمحيص الحقائق والبحث عنها بكلّ دقّة واعتدال، فلو تجلّت للمعترض حقيقتهم - بما هي في الواقع ونفس الأمر - لَناط بهم ثقته، وألقى إليهم مقاليده2
 
 
 

1- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 77.
2- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 77.
 
 
 
 
 
 
 
69

56

الشيعة

 * من وقف على شؤونهم (أي الشيعة) يعلم أنّهم مثال الصدق والأمانة، والورع والزهد والعبادة والإخلاص في النصح لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكتابه عزّ وجلّ، ولأئمّة المسلمين ولعامّتهم، نفعنا الله ببركاتهم وبركاتكم، إنّه أرحم الراحمين1

 
* إنّ أولي الألباب ليعلمون بالضرورة انقطاع الشيعة الإماميّة خلفاً عن سلف في أًصول الدّين وفروعه إلى العترة الطاهرة، فرأيهم تبع لرأي الأئمّة من العترة في الفروع والأصول وسائر ما يؤخذ من الكتاب والسنّة، أو يتعلّق بهما من جميع العلوم، لا يعوّلون في شيء من ذلك إلّا عليهم، ولا يرجعون فيه إلّا إليهم2
 
* هم يدينون الله تعالى، ويتقرّبون إليه سبحانه بمذهب أئمّة أهل البيت، لا يجدون عنه حولاً ولا يرتضون بدلاً، على ذلك مضى سلفهم الصالح من عهد أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ذرّيّة الحسين عليهم السلام إلى زماننا هذا3
 
* إنّ الشيعة من أوّل نشأتها لا تبيح الرجوع في الدّين إلى غير أئمّتها، ولذلك عكفت هذا العكوف عليهم، 
 
 
 

1- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 184.
2- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 464.
3- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 464.
 
 
 
 
 
 
 
 
70

57

الشيعة

 وانقطعت في أخذ معالم الدّين إليهم، وقد بذلت الوسع والطاقة في تدوين كلّ ما شافهوها به، واستفرغت الهمم والعزائم في ذلك بما لا مزيد عليه، حفظاً للعلم الّذي لا يصحّ - على رأيها - عند الله سواه1.

 
* لا يخفى أنّ شيعة عليّ وأهل البيت عليهم السلام هم أتباعهم في الدّين وأشياعهم من المسلمين، ونحن - والحمد لله - قد انقطعنا إليهم في فروع الدّين وعقائده، وأصول الفقه وقواعده، وعلوم السنّة والكتاب، وفنون الأخلاق والسلوك والآداب، بخوعاً لإمامتهم، وإقراراً بولايتهم. وقد والينا أولياءهم وجانبنا أعداءهم، عملاً بقواعد المحبّة، وطبقاً لأصول الأخلاق في المودّة، فكنّا بذلك لهم شيعة، وكانوا لنا وسيلة وذريعة2
 
* سلوا أيّها المسلمون كتب الإماميّة، متونها وشروحها، قديمها وحديثها تخبركم - وصاحب البيت أدرى بالّذي فيه - أنّهم أبعد الناس عن المحرّمات وأحوط العالمين على الحُرمات3
 
* كانت الشيعة بعد صفّين والطفّ أعداء السياسة الأمويّة،
 
 
 

1- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 465.
2- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1013.
3- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1129.

 
 
 
 
 
 
 
71

58

الشيعة

 وأضداد الدولة العَبْشَمِيّة1، يجتهدون في رَفْضها ويعملون على نقضها، ففتكت بهم الحكّام وقتلتهم تحت كلّ حجر ومدر، ووازرهم على ذلك القرّاء المراؤون والعلماء الدجّالون، فبلغوا في تسويد صحائف الشيعة كلّ مبلغ، وألصقوا بهم كلّ عائبة، تهجيناً لمذهبهم، وتقبيحاً لمشربهم، وتصحيحاً لما كان يرتكبه بنو أميّة من تقتيل أبنائهم واستحياء نسائهم2

 
* وقد علم الباحثون المتتبّعون أنّا لم ننفرد عن الجمهور - في مذهبنا كلّه - برأيٍ إلّا ولنا عليه دليل من طريقهم قاطع3
 
* إنّ الطواغيت من الحكومات وقُضاتها عند الشيعة إنّما هم الظالمون الغاشمون المستحلّون من آل محمّد ما حرّم الله ورسوله، الباذلون كلّ ما لديهم من سطوة وجبروت في أن يبيدوا العترة الطاهرة من جديد الأرض. وقد وازرهم على هذا قُضاة الرشوة، وعلماء التزلّف المراؤون الدجّالون، فبلغوا في تسويد صحائف الشيعة كلّ مبلغ، وألصقوا بهم كلّ عائبة، إرجافاً بهم، وافتراءً عليهم، وجرأة على الله تعالى، واستخفافاً بحرماته عزّ وجلّ، وتهجيناً لمذهب أهل البيت عليهم السلام، وتشويهاً لوجه
 
 
 

1- يعني: بني عبد شمس.
2- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1145 - 1146.
3- الموسوعة، ج4، فلسفة الميثاق والولاية، تسلسل ص 1592.
 
 
 
 
 
 
 
72

59

الشيعة

 الحقّ، وتصحيحاً لما كان يرتكبه الغاشمون من النهب والسلب، والشتم والضرب، وتحريق البيوت، وتقطيع النخيل، وقتل الرجال، واصطفاء الأموال1

 
* إنّ الشيعة الإماميّة لم يغلو ولم يقلوا، بل كانوا أُمّة وسطاً بين الغالية والقالية، وهذا ما تثبته كتبهم الكلاميّة بأدلّتها القاطعة وحججها البالغة، فليراجعها من يبتغي الحقّ جليّاً2
 
* إنّ التشيّع من أوّل أيّامه إلى يوم القيامة ليس إلّا التمسّك بالثقلين: كتاب الله عزّ وجلّ، وأئمّة العترة الطاهرة، والانقطاع إليهما في أُصول الدّين وفروعه وفي كلّ ما يتّصل به، أو يكون حوله مع موالاة وليّهم في الله، ومعاداة عدوّهم في الله عزّ وجلّ3. هذا هو التشيّع الّذي كان عليه السلف الصالح منّا، والخلف البارّ من عهد عليّ وفاطمة بعد رسول الله حتّى يقوم الناس لربّ العالمين4
 
* يجب أن يُعلم أنّ عُصاة المؤمنين يعذّبون يوم القيامة 
 
 
 

1- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، تسلسل ص 1631.
2- الموسوعة، ج4، إلى المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، تسلسل ص 1752.
3- راجع: الجامع الصحيح 5: 663، ح 3788؛ المعجم الصغير 1: 135؛ ذخائر العقبى: 16؛ الدرّ المنثور 6: 7 و 306؛ الصواعق المحرقة: 149، الباب 11، الفصل 1؛ كنز العمّال 1: 154؛ الموسوعة ج 1، المراجعات، المراجعة 8.
4- الموسوعة، ج4، إلى المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، تسلسل ص 1757.
 
 
 
 
 
 
 
73

60

الشيعة

 على قدر ذنوبهم، ثمّ ينالون الكرامة في دار المُقامة، على ذلك إجماع أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، بل هو من الضروريّات عندهم1. 2

 
 
 

1- راجع: بحار الأنوار 8: 351 - 374، كتاب العدل والمعاد، باب آخر من يخلد في النّار و....
2- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 992.
 
 
 
 
 
 
74

61

المدرسة الجعفريّة

 المدرسة الجعفريّة

* في مصارعة هذا التيّار1 أوحى إلينا الواجب الدّينيّ أن نقوم بتأسيس المدرسة الجعفريّة على الشرط الّذي كنّا نفكّر فيه من بعيد، فأمضيت نيّتي على ذلك متوكّلاً على الله - عزّ وجلّ - فإيّاه نعبد وإيّاه نستعين2
 
* وفتحنا أبوابها معهداً علميّاً أسميناه "المدرسة الجعفريّة"، رمزاً للعلم والدّين ووسام شرف خالد، فجاءت كما نحبّ ممّا كنّا نأمل من خدمة العلم، وترسيخ المبادئ الإسلاميّة الإماميّة، والحمد لله وليّ التوفيق3
 
* تبرّعت يومئذ هذه المدرسة بالتربية والتعليم مجّاناً لكلّ من خضع لقانونها من فقير أو غنيّ، وساعدت الفقير بلوازمه المدرسيّة قربة إلى الله تعالى: ﴿وَمَا 
 
 
 

1- أي تيّار الطلبة المتغرّبين.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3345.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3348 - 3349.
 
 
 
 
 
 
 
75

62

المدرسة الجعفريّة

 عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ﴾1، يهيمن عليها مدير قدير معه ثلّة من الأساتذة المَهَرَة، يسلكون في تربية الناشئة أسهل الطرق الحديثة، فإذا التلامذة - وهم على الدوام يربون على الثلاث مائة - يرتشفون معسول المعارف والأخلاق، ناهلين من نمير الدّين والآداب، وهذا ما كنت من أمد بعيد أتوخّاه!2

 
* إنّ من الوفاء لهذه المؤسّسة العزيزة - المدرسة الجعفريّة - أن ننشر من جهادها الصامت صفحةً تدلّ على معناها الّذي أقامها على عنت الدهر في سنيّها المعصوبة3، وأمضاها على تكهّم4 الأيّام، وركزها على تقلقل الناس من حولها، بين جاحدين ومتقلّبين ومحاربين5
 
* وكلّ سلاح بعد الإيمان بالله تعالى سلاح مفلول، وحجّة عوراء، لا يبلغان مأمناً، ولا يصمدان لوثبة، ولينفخ المادّيون في أبواقهم - بعدئذٍ - ما نفخوا، فهم من مغزى المدرسة الجعفريّة في سبيل يناقضها، يذهبون منه إلى شرفاتها الشامخة معانيَ من صفير الرياح الدارجة، وترسو هي في معاني الخلود الباقية، تمرُّ بها
 
 
 

1- سورة آل عمران، الآية: 198.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3348.
3- المعصوبة: المجتمعة. راجع المعجم الوسيط: 603، "ع. ص. ب".
4- التكهّم: الشدائد. راجع المعجم الوسيط: 803، "ك. هـ. م".
5- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3348.
 
 
 
 
 
 
 
76

63

المدرسة الجعفريّة

 الأعاصير والعواصف، ثمّ تتلاشى مرّةً بعد أُخرى، وهي هي الثابتة ثبوت الحقائق لا تتبدّل1

 
* تجتاز أشواطها والحياة ممتحنة بأشدّ المكاره، وأعوص عقد التأريخ، فتنتهي إلى كمالها الرائع. 
 
* وكلّ صعب من هذه الصعاب جند مجنّد لشدّ أزرها. فلو أنّ جهد المال والناصر، وجهد الزمان والمكان تظافرت على صنع نهايتها المصنوعة لما جاءت بأحسن منها، ولا أتمَّ غايةً، لأنّها لم تدّخر لنجاحها جهداً من تلك الجهود، وإنّما اعتمدت على جهد الصدق والإخلاص لله وحده لتنشئ جيلها المرموق من الصدق والإخلاص لله وحده2
 
* وكأنّ "المدرسة الجعفريّة" حين عارضها المترفون - وهي في المهد - أرادت أن تكون الدليل على بطلان هذه المقاييس3 وأن تنشئ - فيما تنشئ - مقياساً أدلّ على الفضل وأولى بالاتّباع، وهذا هو القياس المنتزع من الإيمان بالله، والإخلاص لوجهه - تعالى - مع قوّة النفس، وصالح العمل4
 
* كذلك شاء الله أن تكون فكانت واحةً لا يضرّها ما يحدق بها - في صحرائها - من الأجادب والسباخ ولا يعديها. بل كانت واحةً فيها من 
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3449.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3449.
3- مقاييس المادّيين.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3450.
 
 
 
 
 
 
 
77

64

المدرسة الجعفريّة

 كلّ حسن معنى، ومن كلّ عطر شذى، ومن كلّ قوّة مظهر، لم تكتف بسلامتها من محيطها الوبئ حتّى خلعت عليه مطارف الحياة والصحّة1

 
* جرت (المدرسة الجعفرية) في المنافع سلسالاً دافقاً، وفي الأجادب نماءً وارقاً. وفي السباخ2 خِصباً خَصباً3
 
* غرست هذه المدرسة في نفوس طلّابها المبادئ اللازمة للمسلم الإماميّ العربيّ الّذي يبني حياته العامّة على حياته الفرديّة الخاصّة، ويكون من أفراده الصلحاء مجتمعاً صالحاً، فإذا هم في قابليّة لفهم الحياة على أقوم قواعدها. تربية ذوق، وتهذيب سليقة، وترهيف حسّ، وجلو نظر، وسلامة عقيدة، بطرق قويمة ينتهون منها إلى اختيار حسن، وتفكير مستقيم، وشعور حيّ، وعين يقظى، وإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر متين4
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3350.
2- السباخ: أرض مالحة لا تكاد تنبت إلاّ بعض الأشجار، راجع مجمع البحرين 324:2.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، ص 3350.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، ص 3350 - 3351.
 
 
 
 
 
 
 
 
78

65

الوحدة الإسلاميّة

 الوحدة الإسلاميّة

 

* قد ولَّى زمن الاعتداء وأقبل عصر الإخاء، وآن لجميع المسلمين أن يدخلوا مدينة العلم النبويّ من بابها، ويلِجوا من باب حِطّة، ويلجؤوا إلى أمان أهل الأرض بركوب سفينتهم ومقاربة شيعتهم، فقد زال سوء التفاهم من البين، وأسفر الصبح عن توثّق الروابط بين الطائفتين، والحمد لله ربّ العالمين1
 
* فليتّق اللهَ أهلُ الشقاق، ولينهض رجال الإصلاح بأسباب الوئام والوفاق، فقد نصب الغرب لنا حبائله، ووجّه نحونا قنابله، وأظلّنا مُنطاده بكلّ صاعقة، وأقلّنا نفقه بكلّ بائقة، وأحاط بنا أُسطوله، وضربت في أطلالنا طُبوله2
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 921.
2- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 984.
 
 
 
 
 
 
 
79

66

الوحدة الإسلاميّة

 * ولئن لم يعتصم المسلمون بحبل الاجتماع، ويبرؤوا إلى الله من هذا النزاع، ليكوننّ أذلّاء، خاسئين، وأرقّاء صاغرين، ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾1. 2

 
* إنّ كلّاً من الإماميّة والسنّيّة يؤمنان بالله، ويصدّقان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقيمان الصلاة، ويؤتيان الزكاة، ويحجّان البيت، ويصومان الشهر، ويوقنان بالبعث، ويحلّلان الحلال، ويحرّمان الحرام، كما تشهد به أقوالهما وأفعالهما، وتحكم به الضرورة من كتبهما القديمة والحديثة، مختصرة ومطوّلة3
 
* فما بالهم - وهم في الدّين إخوة - قد انشقّت عصاهم، واختلفت مذاهبهم، فهاج بينهم قَسْطل4 الشرّ، وتعلّقت أهواؤهم بفواقر الفتن؟ ولو رجعوا إلى ما أفتى به المنصفون من علمائهم، لأيقنوا أنّ الأمر على خلاف ما زعم المرجفون5
 
* فهلمّوا يا قومنا، للنظر في سياستنا الحاضرة، وعرّجوا 
 
 
 

1- سورة الأحزاب، الآية: 61.
2- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 984.
3- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 995.
4- في خبر وقعة نهاوند: "لمّا التقى المسلمون والفُرس غشيهم ريحٌ قسطلانيّة" أي كثيرة الغبار وهي منسوبة إلى القسطل: الغبار. النهاية في غريب الحديث والأثر 4: 61، "ق. س. ط. ل".
5- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 997.
 
 
 
 
 
 
 
80

67

الوحدة الإسلاميّة

 عمّا كان من شؤون السياسة الغابرة، فإنّ الأحوال حرجة، والمآزق ضيّقة لا يناسبها نبش الدفائن، ولا يليق بها إثارة الضغائن1

 
* قد آن للمسلمين أن يلتفتوا إلى ما حلّ بهم من هذه المنابذات والمشاغبات الّتي غادرتهم طعمة الوحوش وفرائس الحشرات2
 
* حَتّامَ هذا الإرجاف؟ وفِيمَ هذا الإجحاف؟ أليس الله - عزّ وجلّ - وحده لا شريك له ربّنا جميعاً، والإسلام ديننا، والقرآن كتابنا، وسيّد النبيّين وخاتم المرسلين محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم نبيّنا، وقوله وفعله وتقريره سنّتنا، والكعبة مطافنا وقبلتنا، والصلوات الخمس وصيام الشهر والزكاة الواجبة وحجّ البيت فرائضنا، والحلال ما أحلّه الله ورسوله، والحرام ما حرّماه، والحقّ ما حقّقاه، والباطل ما أبطلاه، وأولياء الله ورسوله أولياؤنا، وأعداء الله ورسوله أعداؤنا، ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ﴾3، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾4؟ أليس الشيعيّون والسنّيّون شَرعاً 
 
 
 
 

1- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1132.
2- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1132.
3- سورة الحجّ، الآية: 7.
4- سورة النجم، الآية: 31.
 
 
 
 
 
 
 
81

68

الوحدة الإسلاميّة

 في هذا كلّه سواء ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾1؟! 2

 
* إنّ الطريق الوحيد إلى الوحدة الإسلاميّة بين طوائف المسلمين، إنّما هو تحرير مذاهبهم، والاكتفاء من الجميع بالمحافظة على الشهادتين، والإيمان باليوم الآخر، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم الشهر، والتعبّد بالكتاب والسنّة3
 
* الاجتماع معراج الارتقاء، ومفتاح بركات الأرض والسماء4
 
* وبعد، فإنّه لا حياة لهذه الأمّة إلّا بإجماع آرائها، وتوحيد أهدافها بجميع مذاهبها، وشتّى مشاربها على إعلاء كلمتها بإعلان وحدتها، في بنيان مرصوص، يشدّ بعضه أزر بعض، وجسم واحد إذا شكا منه عضو أنّت له سائر الأعضاء، حتّى ليكون المسلم في المشرق هو نفسه في المغرب، عينه ومرآته، دليله ومشكاته "لا يخونه ولا يخدعه، ولا يظلمه ولا يسلمه"5.
 
 

1- سورة البقرة، الآية: 285.
2- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، تسلسل ص 1598.
3- الموسوعة، ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله، تسلسل ص 1714.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2421.
5- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4510.
 
 
 
 
 
 
 
 
82

69

الوحدة الإسلاميّة

 * بذلك يكون المسلمون أمّةً واحدةً، وبه نكون كذلك خير أمّة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعتصم بحبل الله جميعاً ولا تتفرّق، كالذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً، واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات، وتنازعوا ففشلوا وذهب ريحهم1

 
* فالحذر الحذر، أيّها المسلمون من هذا الخطر، وأيّ خطر أدهى من أن تبقى الفِرقة فِرَقاً، والوحدة مزقاً، والألفة أشتاتاً، والنفوس أمواتاً؟ 2
 
* وإنّ من النصح لله ولرسوله ولكتابه، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم إفشاء السلام وإحلال الوئام... ومن النصح: توحيد المسلمين، ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾3. 4
 
* فلا تقولوا بعد اليوم: هذا شيعي، وهذا سنّي، بل قولوا: هذا مسلم، فالشيعة والسنّة فرّقتها السياسة، وتجمعهما السياسة، أمّا الإسلام فلم يفرّق ولم يمزّق، الإسلام جمعهما بـ "أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله"، بـ "إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة"، بـ "صوم الشهر، وحجّ البيت"، بـ "الإيمان باليوم الآخر"، بـ "إحياء 
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4510 - 4511.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4511.
3- سورة الأنبياء، الآية: 92.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4511.
 
 
 
 
 
 
83

70

الوحدة الإسلاميّة

 ما أحياه الكتاب والسنّة". بـ "إماتة ما أماتاه"، بـ "تحقيق ما حقّقاه". بـ "إبطال ما أبطلاه"1

 
* ولا فرق بينهما 2 إلّا كالفرق بين مذهب ومذهب من المذاهب الأربعة، ولكلّ من هذه المذاهب مفاهيم مستقاة من كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم3
 
* ذلك هو الإسلام السمح في محجّته البيضاء، وشريعته السهلة السمحاء، فليكن المسلمون مسلمين كما أراد الإسلام، سيراً على محجّته، والتزاماً بكتابه وسنّته4
 
* كونوا جميعاً كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، أو كالجسد الواحد يشتكي منه العضو، فتئنّ له سائر الأعضاء، وبذلك تسيرون في مهمّاتكم على خطّة واحدة، ترمون فيها بيد واحدة، عن قوس واحد، إلى غرضٍ واحد، ويد الله حينئذٍ معكم، لأنّ يد الله مع الجماعة، فلا تخطئون ولا تغلبون، لأنّ يد الله لا تخطئ ولا تلوى5
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4511 - 4512.
2- السنّة والشيعة.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4512.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4512.
5- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4565.
 
 
 
 
 
 
 
84

71

الوحدة الإسلاميّة

 * أرجو من المسلمين أجمع، أن يؤثروا وحدتهم الإسلاميّة على خصائصهم المذهبيّة، فلا يتعصّب أهل مذهب منهم على أهل مذهب آخر، ليكون الجميع أحراراً فيما قادهم الدليل الشرعيّ إليه - كما كان عليه سلفهم في صدر الإسلام - فإن فعلوا ذلك، كانوا في ظلّ منعة لا تُضام، وإلّا فهم هدف السهام وموطئ الأقدام أعاذهم الله1

 
* ورجائي إليكم أن نكون جميعاً إخوان صدق ووفاء، نتساهم الإخلاص والصفاء، ونتقاسم ضرعي الجهد والرخاء، متناصحين لله، متوازرين على ما يوجب الزلفى لديه عزَّ وجلَّ، فعسى أن يعود حملة العلوم الإلهيّة بكم إلى سيرتهم الأولى، حيث كانت لهم الجلالة تعنو لها الجباه، وتتصاغر عندها الهمم، وبهذا يعلو شأن الدّين والمسلمين وإلّا فعلى الإسلام السلام2.
 
 
 

1- الموسوعة،ج4، إلى المجمع العلميّ العربيّ بدمشق، تسلسل ص 1745.
2- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 3194.
 
 
 
 
 
 
85

72

المرأة ومدرسة الزهراء عليها السلام

 المرأة ومدرسة الزهراء عليها السلام

 

* في الظرف العصيب أسدينا إلى البلاد "مدرسة الزهراء" مؤسّسة على هدىً من الله عزّ وجلّ خوفاً على أمّتنا أن تتيه بناتها في صحراء العمه والضلال، وتطغى عليهنّ موجة الجهل المرير، فيغرقن في تلك اللجّة، ولا منقذ ولا متأثّر1
 
* دع عنك عصراً يقحمهنَّ في مزالق الهاوية بخدعه وأمانيه، وهنَّ - عافاهنّ الله - على شفا جرف منها، يتكيفن بالتربية المعسولة المسمومة كيف شاءت2


أردنا - بمعونة الله تعالى - أن نغزو تلك العقبات بعزم ثابت يؤيّده الله تعالى بندائنا هذا المدوّي عند افتتاح مدرسة الزهراء لنورد بناتنا المورد الهنيء الّذي أوردناه بنينا، لنخرج الفتاة معدّة لتربية مستقبل، 
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3353.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3353.
 
 
 
 
 
 
87

73

المرأة ومدرسة الزهراء عليها السلام

 * وبناء جيل، كما يخرج الفتى من المدرسة الجعفريّة أهلاً لمثل ذلك. وهنيئاً لهذه الغاية الشريفة كؤوساً مترعةً تكرع من نميرها فتاتنا جرعات تعود عليها بالنفع المأمول1

 
* وحاق بها جوٌّ عاتم، ثمّ نودي بإقفالها وخنقها في مهدها، ولكنّ ربّك كتب لها الحياة تلك السنة، فاقتحمت العقبات، وسارت حثيثاً تزخر بأسمى معاني الحياة، لا تعبأ بمحاربيها الأشدّاء، ولا بما يُفرش تحت أقدامها من المزالق، كأنّها مؤسّسة قديمة تعتمد على جهاد أمّة ومسعى بلاد2
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3354.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3354.

 
 
 
 
 
88

74

العلم والعلماء

 العلم والعلماء

* جاء في صحيح الأثر عن سيّد البشر صلى الله عليه وآله وسلم، "إنّ العلماء ورثة الأنبياء"1. فبخّ بخّ للعلماء ما استنُّوا بسنن الأنبياء، وجروا على سننهم يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويجتهدون بالمشورة لأنفسهم ولأمّتهم، ويخلصون لله عزّ وجلّ في العبادة، وللعباد في الإرشاد والإفادة، وهذا هو النصح لله تعالى ولنبيّه ولأئمّة المسلمين ولعامّتهم وعليه كانت سيرة السلف من علماء الإماميّة في جميع الأقطار2
 
* إنّ دولة العلم بالأحكام الإلهيّة ليست غير دولة الله - تعالى سلطانه - تصدع بأحكامه، وتشرح قواعده الّتي عليها المدار في الحياة الدنيا وفي الآخرة3
 
 
 
 

1- الكافي، 1: 32، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء، ح 2؛ بحار الأنوار، 1: 164، ح 2، و 2: 92، ح 21.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4515.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3296.
 
 
 
 
 
 
 
89

75

العلم والعلماء

 * كانت العلوم الدينيّة وما إليها من المقدّمات والمبادئ غايةً من أسمى الغايات، يعتزّ بها الطالب في ذاته، ويعتزّ به أهله وسائر من إليه وفي ذلك من التشجيع ما يشتدّ به الإقبال، وتشدّ به الرحال1

 
* إنّ للعلم سلطاناً امتدّت دولته على طول الزمان، محكمة الأصول، نافذة القول، تشرق على الأرض متلألئة الأضواء، مضمّخة الأرجاء بعصارات العقول، وخلاصات القلوب، فتضيء بسناها النفوس، وتضوع بشذاها الرؤوس، ويذكو برهافتها الحسّ، ويتخرّج من معاقلها أبطال الفضيلة ورجال الإصلاح من حملة الألوية الخفّاقة، وقادة الرأي الحصيف، يريشون الجناح المهيض2، ويرفعون المستوى الخفيض، قُدماً في مدارج الكمال، وتوقّلاً 3في معارج الرقي إلى حياة منعّمة ﴿لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾5.4
 
* فالعلم نواة الحضارات، وهو حظّها في القوّة والظفر والحياة، وهو نفسه قياسها في التقدّم والتأخّر، والحكم والسيطرة، والسعادة والبؤس6
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3287.
2- المهيض، من هاض العظم - يهيضه هيضاً: كسره بعد الجبور، تاج العروس، 180:10.
3- التوقّل: الإسراع في الصعود، لسان العرب 733:11.
4- سورة الطور، الآية: 23.
5- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3341.
6- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3341.
 
 
 
 
 
 
90

76

العلم والعلماء

 * ولئن اختلفت مظاهر الحياة، وظواهر الاجتماعات باختلاف العصور وتباين البيئات، فإنّ العلم بجوهره واحد في وجوبه وضرورته، يسعى إليه أُولو الألباب، ويؤثرونه في كلّ عصر، وتحت كلّ أُفق1

 
* وأنتم لن تجدوا ديناً يفهم من أسرار العلم ما يفهمه الإسلام الحنيف، ولا تعاليم تأخذ بالأعناق إليه كتعاليم الكتاب والسنّة2
 
* وإذا كنّا على عذرنا في عدم النشاط والنشر في زمن من الأزمان فإنّنا اليوم مقصّرون في الخلود إلى الراحة، وهو تقصير يعين القوم على الجهل، ويساعدهم على استمرار هذا الشقّة الّتي لا يليق استمرارها بين الإخوان3
 
* أعظم ما يجب على طلبة العلم تطهير النيّة، وتصحيح القصد، وابتغاء وجه الله تعالى في الطلب، ومجالسة الروحانيّين الّذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويحذرون بطشه4



1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3341.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3341- 3342.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3435.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4116.
 
 
 
 
 
 
 
91

77

العلم والعلماء

 عليكم برسالة شيخنا الشهيد الثاني أعلى الله مقامه في آداب المفيد والمستفيد، فإنّ فيها الشفاء من الأدواء كلّها1

 
* أي بنيّ، اجعل أنت وإخوتك كلمة جدّكم أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "قيمة كلّ امرئٍ ما يحسن"، هذه نصب أعينكم، واصغوا إليها بجميع جوارحكم، فإنّه ليس كلمة أحضّ على طلب العلم منها، كما اعترف به المخالفون، وشهدوا بأنّه سلام الله عليه لم يُسبق بها، وهي من الكلام العجيب الخطير، وقد طار الناس لها كلّ مطير، ونظمها جماعة من الشعراء إعجاباً وتكلّفاً بحسنها2
 
* تعلّموا العلم لله ولا تبتغوا فيه سواه. فعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تعلّموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتحتازوا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنّار للنّار"3
 
* أوصيكم بأن لا يكون غرضكم من المحاضرة والمناظرة والدرس والتدريس والكلام في مسائل العلم إلّا الاستفادة أو الإفادة مع الإخلاص لله في هذه العبادة4
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4116.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4118.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4119.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4124.
 
 
 
 
 
 
 
 
92

78

العلم والعلماء

 * إذا هجمت عليكم معضلة أو هجمتم على مشكلة، فاصبروا لحلّها صبر الأحرار، ولا يهولنّكم أمرها فتبلسوا، ولا تستصغروا فيها نفوسكم فتيأسوا، ولا تستخفّوا بها فيفوتكم العلم، بل أمعنوا النظر فيها، ومحّصوها بالبحث عن مكنونها، والتنقيب عن مخزونها حتّى تسبروا غورها، وتقفوا على كنهها1

 
* اطلبوا العلم لله، ولا تقصدوا فيه إلّا إيّاه، وذلّلوا في طلبه العقاب، وروّضوا فيه الصعاب، وشمّروا له، وقوموا فيه على سابق، وأعيذكم بالله من الخيبة والفشل2
 
* أقبل على الفقه بانبساطك، واسترسل إليه بأنسك، وتلقّاه - كما أوصيتك - بنفس طيّبة وأذن واعية3
 
* اخفض لأستاذك جناح الصغار، وانظر فيما يلقيه عليك نظر اعتبار، شأن أهل البصائر الّذين لا يتّبعون غيرهم اتّباع الأعمى4.
 
* وحقّ على من ناطت الأمّة بهم ثقتها، وألقت إليهم مقاليد دينها أن يكونوا نقييّ الصدور، مأموني 
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4124.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4139.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4139.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4142.
 
 
 
 
 
 
 
93

79

العلم والعلماء

 الضمائر، ناصحي الدخائل، تتواطأ على الخير قلوبهم وألسنتهم، ويستوي في الإخلاص لله ولعباده غائبهم وشاهدهم، فلا يستوحش بعد ذلك أحد من ناحيتهم، ولا تحلّ الوساوس منهم في صدر أحد1

 
* أي بنيّ، قد ترى بعض أترابك أو من هو دونك مبرّزين عليك، فائزين برهان السبق بالنسبة إليك، وما ذاك إلّا لأنّهم تعلّموا فيما مضى من أيّامهم دونك فلا تبتئس ولا تضجر، فإنّ المرء لا يولد عالماً، وإنّما العلم بالتعلّم كما قيل:
قد قيل قبلي في الكلام الأقدم        إنّي وجدت العلم بالتعلّم 2
 
* (أي بنيّ) إذا حضرتم لتلقّي الدرس عن أساتذتكم، أو إلقائه على تلامذتكم، أو البحث والتنقيب عن غامضة من غوامض المسائل مع قرنائكم، أو مع من هو دونكم، أو أعلى منكم فلا تكونوا في ذلك كالمستغني بما عنده، المعجب بنفسه، الطالب لعثرة يشبعها، أو هفوة يشنعها، فإنّ ذلك من فعل الأراذل الّذين تزدري بهم الناس إذا حضروا أندية العلم، وتُسقطهم من أعينها بمجرّد نطقهم، ويمقتهم الله لسوء مقاصدهم،
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4517 - 4518.
2- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4119.
 
 
 
 
 
 
94

80

العلم والعلماء

 ولا يفلحون أبداً، فجلوس هؤلاء في منازلهم أروح لأبدانهم، وأكرم لأخلاقهم، وأسلم لدينهم، وأقرب إلى رضا الخالق والمخلوق1

 
* التزموا- أي أفلاذ كبدي- بأحد ثلاثة أوجه:
الأوّل: أن تصغوا إلى من يتكلّم في العلم بمجامع قلوبكم لتفقهوا ما يقول وأنتم ساكتون سكوت الجهّال، فتنالوا ثواب النيّة من الله تعالى والثناء عليكم بعد الفضول، وتحصلوا على كرم المجالسة ومودّة من تجالسون.
الثاني: أن تسألوا سؤال المستفيد أو المفيد أو الناشد ضالّته، فتحصلوا على ما ذكرناه وزيادة.
الثالث: أن تراجعوا مراجعة العلماء بأن تعارضوا المخاطب بما ينقض كلامه نقضاً يحكم به الإنصاف، فإن لم يكن عندكم غير الدعوى دليلاً وتكرارها سلاحاً فأمسكوا عن الكلام، فإنّكم لا تحصلون بكلامكم حينئذٍ على تعليم ولا تعلّم، بل على الغيظ لكم ولمناظركم، والعداوة الّتي لا يأمن العاقل منها على دينه ومجده2
 
* إيّاكم وسؤال المعنت، ومراجعة المكابر الّذي يطلب 
 
 
 
 

1- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4119.
2- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4123.
 
 
 
 
 
 
 
95

81

العلم والعلماء

 الغلبة بغير علم، فهما خلقا سوء، ودليلان على الوقاحة والفضول وضعف الدّين والعقول1

 
 

1- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص4124.
 
 
 
 
 
 
 
 
96

82

العلم والدِّين

 العلم والدِّين

 

* ممّا نأسف له جدّ الأسف ضعف العناية بهذه الناحية - الناحية الدينيّة - في جميع الأوساط المدرسيّة، حتّى أوشكت أن تنصرف عنها جاهلة بما لها من حيويّة، وفضل ذلك أنّهم لا يعلمون أنّ الدّين منظّم للحياة على أكمل وجوهها، وهم يظنّون أنّ الدّين عبادات فقط، وذلك وهم باطل، فإنّما الدّين شريعة قانونيّة وعصمة للنفس وللمجتمع وللحياة كلّها من كلّ عيب أو فشل1
 
* ونحن العرب والمسلمين لم نمنَ بهذا التأخّر إلّا حين تراجعنا عن الاستمساك بعرى الإسلام الوثيقة2
 
* والمدرسة الجعفريّة إيماناً بفضل الدّين خصّته ببرنامج واسع يفهم طلّابها روحه، ويشربهم حبّه، ويقيمهم على أوزانه فيصقل نفوسهم، ويهذّب أرواحهم،
 
 
 

1- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4639.
2- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4639.
 
 
 
 
 
 
97

83

العلم والدِّين

 * ويحمّلهم رسالته السعيدة. والمسجد شعار هذه الروح، وصلاة الجماعة رمز اجتماع القلوب، وتأليف الأفئدة على خير المستقبل إن شاء الله تعالى1

 
* هذا عصر العلم، عصر الإنصاف، عصر النور، عصر التأمّل في حقائق الأمور، عصر الإعراض عن كلّ تعصّب ذميم، والأخذ بكتاب الله العظيم، وسنّة نبيّه الكريم2.
 
 

1- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4639.
2- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 978.
 
 
 
 
 
 
 
98

84

علماء السوء

 علماء السوء

 

* نبذ أولئك الدجّالون حكم الله وراء ظهورهم طمعاً في الوظائف، وحكموا بما تقتضيه سياسة ملوكهم رغبةً في المناصب، وأرجفوا في - المؤمنين، وفرّقوا كلمة المسلمين1.
 
* ولولاهم لتعارفت الأرواح، وائتلفت القلوب، وامتزجت النفوس، واتّحدت العزائم، فلم يطمع بالمسلمين طامع، ولم يرمقهم من النواظر إلّا بصر خاشع2
 
* وا أسفاه استحوذ عليهم أولئك المفسدون الّذين ينحرون دين الله في سبيل الوظائف، ويضحّون عباده في طلب القضاء والإفتاء، فتناكرت بفتاويهم وجوه المسلمين، وتباينت بأراجيفهم رغائب الموحّدين، حتّى كان من
 
 
 

1- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1144.
2- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1144.
 
 
 
 
 
 
99

85

علماء السوء

  تفرّق آرائهم وتضارب أهوائهم ما تصاعدت به الزفرات، وفاضت منه العبرات. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم1

 
 

1- الموسوعة، ج3، الفصول المهمّة، تسلسل ص 1144.

 
 
 
 
 
 
100

86

الإنسان

 الإنسان

 
* ثمّ أنشأ كلّاً منهم خلقاً سويّاً1 قويّاً، في أحسن تقويم2، سميعاً بصيراً3، ناطقاً، عاقلاً، مفكّراً، مدبّراً، عالماً، عاملاً، كاملاً، ذا حواسَّ ومشاعرَ وأعضاء أدهشت الحكماء، وذا مواهب عظيمة وبصائر نيّرة تميّز بين الصحيح والفاسد، والحسن والقبيح، وتفرّق بين الحقّ والباطل، فيدرك بها آلاء الله في ملكوته، وآيات صنعه جلّ وعلا في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وفي نُظُمه المستقيمة الجارية في سمائه وأرضه على مناهجه الحكيمة4
 
 
 

1- إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ سورة المؤمنون، الآيات: 12 - 13 - 14.
2- إشارة إلى قوله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ سورة التين، الآية: 4. 
3- إشارة إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ سورة الإنسان، الآية: 2.
4- الموسوعة، ج4، فلسفة الميثاق والولاية، تسلسل ص 1569.
 
 
 
 
 
 
 
101

87

تزكية النفس

 تزكية النفس

 
* ولا ينبغي لمن أسرف على نفسه وأولع فيما يوبقها أن يقوده القنوط إلى الإعراض عن مجاهدتها، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾1 ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾2. 3
 
* فالعاقل من اجتهد في تزكية نفسه قبل العطب في مفازة الشقاء، أو التردّي في هوّة العمى والضلالة4
 
* ألا وإنّ للنفس الأمّارة لصوصاً تختلس مكنون الإيمان وتقطع سابلة التوبة، فأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة قبل أن يقحموكم شفا جرف الهلكات، أو يولجوكم نيران الشهوات5
 
 
 

1- سورة العنكبوت، الآية: 69.
2- سورة الزمر، الآية: 53.
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2548.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2551.
5- الموسوعة، ج6،مقالات، تسلسل ص 2551.
 
 
 
 
 
 
103

88

تزكية النفس

 * الأخلاق السيّئة أعظمُ صارفٍ عن المعارف الإلهيّة، والفيوضات الربّانيّة1

 
* إنّ الأنوار العلميّة، والنفحات القدسيّة لا تحتجب عن الشخص لبخلٍ في المنعم جلّ وعلا، أو القصور في قدرته تعالى الله عن ذلك، وإنّما يحجبها عنه سوء أخلاقه، وما ران على قلبه من سوء عمله2
 
* إنّ "العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء"ممّن هذّب أخلاقه وطهّر قلبه4
 
* ولا بدّ في تحصيل هذه المراتب أو بعضها من المجاهدة العظيمة، والمراقبة الدائمة، والمحاسبة بكلّ دقّة حتّى ينقى قلبه وتزكو أخلاقه5
 
* أخلصوا لله في أعمالكم وطهّروا قلوبكم من مضمرات السوء، ولا تذكروا إساءة واحدٍ ممّن أساء إليكم، وإن استطعتم أن لا تخطر لكم في بال فافعلوا6
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2003.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2003.
3- مصباح الشريعة: 16، الباب 6، حكاه عن الإمام الصادق عليه السلام.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2553.
5- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2554.
 
 
 
 
 
 
 
104

89

تزكية النفس

 * اجعلوا العقل رقيباً على كلّ ما تخطّونه بأيمانكم، أو تلفظونه من أفواهكم1

 
* ولتكن أفعالكم كلّها وأقوالكم بأجمعها مطابقة للشريعة المقدّسة لتكونوا عدولاً، فإنّ أهل العلم إذا فقدوا العدالة كانوا من السقوط بما لا يمكن بيانه، أعاذكم الله من ذلك2
 
* عليكم أنفسكم فهذّبوها بالتقوى والاستقامة، والعزّة والشهامة، ومكارم الأخلاق، ومحامد الصفات، ولا يسبقنّكم الأقران إلى الجدّ في الطلب، والبحث عن غوامض المسائل، والفوز برهان السبق في مضمار العلم3
 
* نعم، إنّ هاهنا للفتنة الكبرى الّتي ستظلّ لغزاً يمتحن البشر بإنسانيّتهم، فتنة المُلك، وفتنة المال4
 
* ليس لفتنة الملك والمال من نهاية ما دام الناس يعيشون من الفلسفة الاقتصاديّة في دائرة متّصلة الأوّل بالآخر، وما دامت الفلسفات الإنسانيّة المثاليّة 
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4127.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4127.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 4127 - 4128.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4128.
5- الموسوعة، ج7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3481.
 
 
 
 
 
 
105

90

تزكية النفس

 تبني سلالمها الارتقائيّة في الأذهان، دون أن يستطيع العالم الخارجيّ العامل أن يتأثّر بها أو يرقاها إلّا في لحظات قصيرات جدّاً في التأريخ، لأنّه متأثّر بهذه الفتنة تأثّراً يضعفه عن مقاومة غرائزه المبهورة بهذا الوهج الساحر الأخّاذ1

 
* وما نحن وهذه المفاتن فحسبنا منها الآن هذه المتعة البريئة الّتي ترينا الله في هذا الكون الجميل، وفي هذه الطبيعة الشاعرة، وفي هذا الوجود الرائع2.
 
* اجعل همّك في الواقعيّات ودع الأمور الاعتباريّة، فإنّ قليلاً من الفضل الحقيقيّ يزينك، ولا يشينك شيء كالتحلّي بالأمور الاعتباريّة3.
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3481.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3482.
3- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4131.

 
 
 
 
 
 
106

91

مكارم الأخلاق

 مكارم الأخلاق

* فالمستنّ بسنن نبيّه والمقتفي لأثره إنّما هو الكريم في خلقه، المهذّب في أفعاله. أمّا من فسدت أخلاقه أو ساءت نعوته، فإنّه مخالف لسننه المقدّسة، صادِفٌ عن شريعته الغرّاء، رجيمٌ بشهب الخذلان، طريد عن موارد الإحسان، مشوّه بمساوئ الخزي، مشهّر على مطيّة العار، يستشعر الدناءة، ويُدثّر النقص والفضيحة، يرد مذموماً ويصدر مدحوراً. 1
 
* أمّا من حاز مكارم الأخلاق فإنّه الأمثل بالصدّيقين، والأولى بسنن النبيّين والخلفاء الراشدين سلام الله عليهم أجمعين2
 
* فإنّ مكارم الأخلاق من أعظم المنجيات الموصلة إلى السعادة الأبديّة، ورذائلَها من أكبر المهلكات الموجبة للشقاء السرمديّ3
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2546.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2546.
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2549.

 
 
 
 
 
 
107

92

مكارم الأخلاق

 * ألا وإنّ الإنسان روحٌ وبدن، ولكلٍّ منهما صحّة ومرض، والمتكفّل لبيان صحّة البدن ومرضه وأنواع معالجته إنّما هو علم الطبّ، والمتكفّل لبيان صحّة الروح بمكارم الأخلاق، ومرضِها برذائل الصفات، وتفصيلِ أدوائها وأقسام علاجها إنّما هو علم الأخلاق1

 
* يجب على طلبة العلم خصوصاً أن يبدؤوا بتزكية أخلاقهم، وتطهير قلوبهم وأعراقهم. فإذا أحرزوا المكارم، شرعوا في الفنون العربيّة، والعلوم الدينيّة، أو اللغات الأجنبيّة، والفنون الرياضيّة، أو غيرها من المعارف العصريّة، فإنّك لا تنتفع بعلم ما لم يهذّبك صالح العمل2
 
* ومن أعجب ما في الإنسان مبالغته في حفظ حياته الجسمانيّة، وعدم التفاته إلى حياته الروحانيّة، يُطيع الطبيب اليهوديّ في شرب ما تَعافه الطبيعة، وتَنفرُ منه النفس، لاحتمال تحصيل صحّة بائدة، ويعصي الحكيمَ الربّانيَّ في تحصيل السعادة الدائمة. ولعلّ ذلك من عدم اليقين وضعف الإيمان، نسأل الله العصمة برحمته3
 
* وحياة الأبد إنّما تكون بمكارم الأخلاق، والشقاء بارتكاب شيء من الفواحش4.
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2549.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2550 - 2551.
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2551.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2555.
 
 
 
 
 
 
 
108

93

مكارم الأخلاق

 * كونوا إخوة بررة متناصحين رحماء بينكم، وعليكم بمكارم الأخلاق، وصدق اللسان والسكينة، ومعاشرة الناس بالمعروف، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تبدرنّ منكم بادرة سوء إلى أحد أبداً وإن ظلمكم واهتضمكم، واستعينوا بالصبر والصلاة، واتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون. والسلام1

 
* ولا أوصيكم بعد تقوى الله بشيء كمداراة الناس، ولين العريكة، أدّب إخوتك بأفعالك لا بمجرّد أقوالك، فإنّي أعلم يقيناً أنّك لو تركت التدخين - مثلاً - لسلم من مضارّه جميع أخوتك، وباستعماله كنت وإيّاهم عرضة لعيشه2
 
* أوصيكم بتقوى الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، واتّقوا الناس، وكونوا منهم على حذر، واجعلوهم في أمنٍ من ألسنتكم وأيديكم، واكظموا الغيظ، واصبروا على الأذى3
 
* صِلوا من قطعكم، فإنّه لا يحلّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيّام، وما اختلفا فسبق أحدهما إلى الصلح 
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4122.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4132.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4133.
 
 
 
 
 
 
109

94

مكارم الأخلاق

 * إلّا كان أولاهما بالفضل وأسبقهما إلى الجنّة، فإن عاد الخصم فعودوا إلى ما يرضيه، وأعطوه العتبى حتّى يرضى1

 
* الوصيّة لك بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته، والمواظبة على دروسك، والإخلاص فيها وفي سائر أعمالك وأقوالك لله عزّ وجلّ. واجتهد في أن تكون في مصافّ أهل الكمال، حائزاً لصفاتهم من الصدق والأمانة، والوفاء والصبر، وكظم الغيظ، والصلة لمن قطعك، والعفو عمّن ظلمك، والإحسان إلى من أساء إليك2
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4132.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4196.
 
 
 
 
 
 
110

95

الأحكام الشرعيّة

 الأحكام الشرعيّة

 

* إنّ تعبّدنا في الأصول بغير المذهب الأشعريّ، وفي الفروع بغير المذاهب الأربعة لم يكن لتحزّبٍ أو تعصّبٍ، ولا للريب في اجتهاد أئمّة تلك المذاهب، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علماً وعملاً. لكنّ الأدلّة الشرعيّة أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمّة من أهل بيت النبوّة1
 
* نحن الإماميّة إجماعاً وقولاً واحداً لا نعتبر المصلحة في تخصيص عامٍّ، ولا في تقييد مطلق إلّا إذا كان لها في الشريعة نصّ خاصّ يشهد لها بالاعتبار، فإذا لم يكن لها في الشريعة أصل شاهد باعتبارها إيجاباً أو سلباً، كانت عندنا ممّا لا أثر له، فوجود المصالح المرسلة وعدمها عندنا على حدّ سواء2. 3
 
 
 

1- الموسوعة، ج1، المراجعات، تسلسل ص 14.
2- راجع: معارج الأصول: 81 وما بعدها، مبادئ الوصول: 120 وما بعدها.
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 535.
 
 
 
 
 
 
111

96

الأحكام الشرعيّة

 * وقد أجمع أهل القبلة كافّةً على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يختصّ بسهم من الخمس، ويخصّ أقاربه بسهم آخر منه، وأنّه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتّى دعاه الله إليه واختاره الله إلى الرفيق الأعلى1

 
* كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتألّف أصحابه بمشورتهم في أمور الدنيا، كلقاء العدوّ ومكائد الحرب ونحوه، عملاً بقوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ﴾2. وفي مثل ذلك يجوز عليه أن يتألّفهم بمشاورتهم فيها مع استغنائه بالوحي عن آرائهم، لكنّ شرائع الدّين لا يجوز فيها عليه إلّا اتّباع الوحي المبين3
 
* إنّ الأذان والإقامة من معدن الفرائض اليوميّة نفسه، فمنشؤها هو منشأ الفرائض نفسه، بحكم كلّ نسّابة للألفاظ والمعاني، خبير بأساليب العظماء وأهدافهم، وإنّهما لمن أعظم شعائر الله - عزّ وجلّ - امتازت بهما الملّة الإسلاميّة على سائر الملل والأديان، إذ جاءت آخراً ففاقت مفاخراً4
 
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 539.
2- سورة آل عمران، الآية: 159.
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 687.
4- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 692.

 
 
 
 
 
 
 
112

97

الأحكام الشرعيّة

 * وقد علم الباحثون أن لا حركة ولا سكون من حركات البشر وسكناته في جميع الأعصار والأمصار إلّا وله حكم في دين الإسلام، تقتضيه المصلحة البشريّة، وتشهد بصحّته الفلسفة العقليّة ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾1 فإنّ حدود الله تعالى يخفض العالم لها جناح الذلّ، وتخشع أمامها جوارح أولي الأفئدة، ويتصاغر عندها كلّ عظيم2

 
* وإنّما كلّفنا بتكاليف حيويّة صاغها الله، مبنيّة على حكم خلقيّة واجتماعيّة وسياسيّة وطبّيّة، تتمشّى بمنطقها الحكيم، فتتناول جميع مناحي الحياة بمعناها الصحيح، في حدود الطاقة والرفق، فشريعة القرآن شريعة رحمة وخير، امتزتم بها، وبها ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾3. 4
 
* نحن نؤمن بأنّ الشارع المقدّس لاحظ عباده في كلّ ما كلّفهم به من أحكامه الشرعيّة، فلم يأمرهم إلّا بما فيه مصلحتهم، ولم ينههم إلّا عمّا فيه مفسدة لهم5
 
 
 

1- سورة الطلاق، الآية: 1.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4564.
3- سورة آل عمران، الآية: 110.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4629.
5- الموسوعة،ج4، مسائل فقهيّة، تسلسل ص 1898.
 
 
 
 
 
 
 
113

98

الأحكام الشرعيّة

 * ولم يجعل تلك الأحكام منوطة من حيث المصالح والمفاسد بآراء العباد، بل تعبّدهم بأدلّة قويمة عيّنها لهم، فلم يجعل لهم مندوحة عنها إلى ما سواها، وأوّل تلك الأدلّة الحكميّة كتاب الله عزَّ وجلَّ.1

 

1- الموسوعة،ج4، مسائل فقهيّة، تسلسل ص 1898.
 
 
 
 
 
 
114

99

صلاة الجماعة

 صلاة الجماعة

* وحسبنا في عدم تشريع الجماعة في سنن شهر رمضان وغيرها انفراد مؤدّيها جوف الليل في بيته بربّه - عزّ وعلا - يشكو إليه بثّه وحزنه، ويناجيه بمهمّاته مهمّةً مهمّةً حتّى يأتي على آخرها ملحّاً عليه، متوسّلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً راغباً منيباً تائباً معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأ من الله تعالى إلّا إليه، ولا منجى منه إلّا به1
 
* ترك الله السنن حُرّةً من قيد الجماعة، ليتزوّدوا فيها من الانفراد بالله ما أقبلت قلوبهم عليه، ونشطت أعضاؤهم له، يستقلّ منهم من يستقلّ، ويستكثر من يستكثر، فإنّها خير موضوع، كما جاء في الأثر عن سيّد البشر2. 3
 
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 708.
2- راجع: معاني الأخبار: 332 - 333، باب معنى تحيّة المسجد و...، ح 1؛ بحار الأنوار 79: 307، كتاب الصلاة، الباب 4، ح 3؛ كنز العمّال 16: 131، ح 44158.
3- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 708.
 
 
 
 
 
 
115

100

صلاة الجماعة

 * إنّ إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظّها من البركة والشرف بالصلاة فيها، ويُمسك عليها حظّها من تربية الناشئة على حبّها والنشاط لها، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والأمّهات والأجداد والجدّات، وتأثيره في شدّ الأبناء إليها شدّاً يرسّخها في عقولهم وقلوبهم1

 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 708.
 
 
 
 
 
 
 
116

101

الحجّ

 الحجّ

* ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾1 باجتماعهم على الوفود إلى الله والخضوع لعزّته، وللتعارف وتبادل الآراء فيما بينهم، واكتساب الجاهل من العالم، والسفيه من الحكيم، بوقوف كلّ من أهل الأقطار المتشاسعة على أطوار غيره، فيذر المتوحّش طوره، ويستبدل به غيره2
 
* وفي الحجّ من التنبيه على المساواة ما لا يبلغه الواصف وإن أطنب، ولا يصفه البليغ وإن أسهب، وذلك أنّ السلطان وأقلَّ رعيّته وسيّدَ الرسل وسائر أُمّته فيه شرعٌ سواءٌ، يهزّون مناكبهم ذللاً، ويسيرون على أقدامهم شعثاً غُبراً، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، إخراجاً للتكبّر 
 
 
 

1- سورة الحجّ، الآيتان: 27 - 28.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2421 - 2422.
 
 
 
 
 
 
 
117

102

الحجّ

 من قلوب المتكبّرين، وإدخالاً للتذلّل في نفوس المتعزّزين1

 
* وفيه تعظيم الله سبحانه، والتذلّل لعزّته، والاستكانة لعظمته، والاتّعاظ بذكر المحشر، ما ليس في غيره من سائر العبادات2
 
* أمّا المظهر النوعيّ في حفاوته فيعرف وصفه من كان في الموسم3 تلك السنة من سائر الحجّاج، وقد كان الشيعة كلّهم ذوي احترام ملحوظ على نحو لم يعهدوه قبل تلك السنة ولا بعدها، وكان من هذا الاحترام أنّه لم يُعلن ثبوت الهلال حتّى ثبت لدينا بشهادة التواتر من أصحابنا4
 
* ومنه أنّنا كنّا نصلّي الفرائض الخمس جماعةً في المسجد الحرام وفي مسجد الخيف وفي مسجد جدّة في جماعة لم يعهد ثَمّة نظيرها للشيعة في تأريخهم5
 
* وكنّا نعمل في مواقفنا كلّها عمرةً وحجّاً حسبما يقتضيه مذهب أهل البيت في غير حرج ولا ضيق6
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2422.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2422.
3- حيث شارك السيّد قدس سره في موسم حجّ 1922م أيّام الملك الحسين.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3433.
5- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3433.
6- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3433.
 
 
 
 
 
 
118

103

الجهاد

 الجهاد

* ألا ومن مات دون حفنة من تراب وطنه مات شهيداً1


* الهدف يقوم على دعامتين اثنتين: تطهير أرضنا الطيّبة من رجس الاحتلال، وجمع شتاتها تحت لواء وحدة وحرّيّة واستقلال2


* وشهدت - موسى جار الله - يوم دارت رحى الحرب العالميّة بأنّ علماء الإماميّة كانوا في ساحتها من أرسخ المجاهدين قدَماً، وأعلاهم همماً، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، قد لبسوا "يوم القرنة" في العراق للحرب لامتها، وادّرعوا لها بدرعها. وكان في مقدّمتهم الإمامان المجاهدان: الشيخ فتح الله المدعو شيخ الشريعة الإصفهانيّ، والشريف الوحيد السيّد محمّد سعيد الحبّوبي الحسينيّ، وهما يومئذ
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4561.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4504.
 
 
 
 
 
 
 
119

104

الجهاد

 من أجلّ مجتهدي الشيعة في العراق، ومن أكبر شيوخ الإسلام على الإطلاق، وكان الشيخ قد أربى على الثمانين، والسيّد قد ذرف عليها، فلم يمنعهما ضعف الشيخوخة، ودقّة عظمهما، ورقّة جلدهما، عن قيادة ذلك الجيش اللهام1، المحتشد من العلماء الأعلام، والفضلاء الكرام، والأبرار الأخيار من أهل السوابق في نصرة الإسلام2.  

 
* قد أبلوا في الجهاد بلاء حسناً لم يكن له نظير، حتّى جاءهم من العدوّ ما لا قِبل لهم به، فتحرّفوا للقتال، وتحيّزوا إلى فئتهم يستنفرونها للكفاح، فكان ما كان من سقوط العثمانيّين وانجلائهم عن العراق، فقضى الشيخ والسيّد نحبهما أسفاً ولهفا، وماتا وجداً وكمدا، فلحقا بالشهداء، وكانا من السعداء في دار البقاء، رفع الله درجتهما كما شرّف خاتمتهما3.
  
 
 

1- أي العظيم.
2- الموسوعة،ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله ، تسلسل ص1648.
3- الموسوعة،ج4، أجوبة مسائل موسى جار الله ، تسلسل ص1648.
 
 
 
 
 
 
120

105

النظام الإسلاميّ

 النظام الإسلاميّ

 

* وقد علموا - ولله الحمد - أنّ الشرائع الإسلاميّة قد وسعت الدنيا والآخرة بنظمها وقوانينها، وحكمتها في جميع أحكامها، وقسطها في موازينها، وأنّها المدنيّة الحكيمة الرحيمة الصالحة لأهل الأرض في كلّ مكان وزمان، على اختلافهم في أجناسهم وأنواعهم وألوانهم ولغاتهم1
 
* لم يُبقِ شارع الإسلام - وهو علّام الغيوب جلّ وعلا - غايةً إلّا أوضح سبيلها، وأقام لأولي الألباب دليلها2
 
 
 

1- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 498.
2- الموسوعة، ج2، النصّ والاجتهاد، تسلسل ص 498.
 
 
 
 
 
 
121

106

تربية الأبناء

 تربية الأبناء

 

* أنشطوا لتربية أولادكم في حداثتهم، فإنّ نفوسهم حينئذٍ خالية عن كلّ ملكة، قابلة لانطباع الأخلاق فيها بسهولة كصحيفة بيضاء تقبل كلّ نقش يراد1


مرّنوهم على عبادة الله تعالى والخوف من أليم عذابه، وأدّبوهم بآداب الكتاب والسنّة، وشوّقوهم إلى ما أعدّ الله تبارك وتعالى لأهل الجنّة، وأبعدوهم عن أهل العقائد الفاسدة والأخلاق السيّئة، فإنّ القرب إليهم أوبى من ميكروب الوباء، وأقتل للنفس من الجهل والهمجيّة العمياء2
 
* ومتى تفقّهوا في الدّين، ورسخت فيهم عقائد المؤمنين، فلا جناح أن يتعلّموا الفلسفة وسائر الفنون المرغوبة في هذا العصر3.
 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2551.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2552.
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2552.
 
 
 
 
 
 
123

107

تربية الأبناء

 * إنّ من أهمّ الأمور وأوكد الشؤون بذلَ الجهد في تربية الأولاد، واستفراغ الوسع والطاقة في تهذيب أخلاقهم، فإنّ نفوسهم وقتئذٍ ساذجة تنطبع على ما يراد، وقلوبهم خاليه تميل إلى كلّ ما يمال بها إليه، فإذا شبّوا على مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، شابوا عليها1

 
* الولد أكبر أعمال أبيه، فإن عوّده الخير - فإنّ الخير عادة - سعدا جميعاً، وإن تركه هملاً كان الشقاء لهما سرمداً2
 
* اندفعنا نزجّ بأفلاذ أكبادنا إلى أحضانه6، تحوطهم طوائف منه، أو من حملة مبادئه بالحضانة واللقانة، حتّى إذا خرج الفوج الأوّل من شبّان الجيل المأمول، علمنا أنّ الخسارة أكبر من الربح، والإثم أكبر من المنفعة3
 
* لو فرضنا أنّ أولادنا قد غنموا بعض الثروة من قيمة الحياة الحاضرة، فإنّا قد خسرنا فيهم الروح الشريفة، والمبدأ الحقّ، والأخلاق الإسلاميّة، والإخلاص الواجب، وجهّزنا منهم سلاحاً يصيب نحورنا، ويفري 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2555.
2- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2555.
3- أي الغرب.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3344.
 
 
 
 
 
 
 
124

 


108

تربية الأبناء

 غلاصمنا1، فكنّا في تعليمهم هذه المعارف المسمومة كالباحث عن حتفه بظلفه2، والجادع مارن3 أنفه بكفّه، فالجهل أقلّ ضرراً من هذه المعارف الموبوءة4

 
* وفي الحقّ لقد خُدعت أُمّتنا بأوهام من الغرور باطلةً، حيث أرادت استرجاع مجدها بتعليم ناشئتها فدفعتهم إلى أحضان هذه المدارس الّتي لم تتأسّس في الشرق إلّا للاستيلاء عليه بجميع ما فيه من دنيا أو دين فأخّرتهم ضرراً لا يتدارك، وأضاعت مجدها على وجه آخر، هو أتقن وأبرع وأشدّ وأفضع، إذ تخرّجوا جنوداً علينا وعلى مقدّسات مبادئنا، وتلك مصيبة ما مُني الإسلام والشرق بمثلها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!5
 
 
 

1- الغلصم: رأس الحلقوم، والجمع غلاصم، مجمع البحرين، 323:3.
2- الظلف: ظفر كلّ ما اجترّ، لسان العرب، 229:9.
3- مارن الأنف: غضروفه، القاموس المحيط، 179:3.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3344.
5- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3344.
 
 
 
 
 
 
 
125

109

الشباب

 الشباب

* أخلصوا نواياكم لله سبحانه، فإنّه "لا عمل إلّا بنيّة"، و"نيّة المرء خيرٌ من عمله". ألا أبشّركم أيّها الشبول والنشء من أفراخ حيدرة والبتول بما أعدّ الله للمخلصين من أمثالكم على لسان حبيبه وخاتم رسله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال في حديث أبي أمامة الباهليّ: "أيّما ناشئ نشأ في طلب العلم والعبادة حتّى يكبر وهو على ذلك كتب الله له أجر سبعين صدّيقاً"1
 
* أي بنيّ وقرّة عينيّ، هذّب نفسك بالعلم والآداب، وتقوى الله في شبابك، فإنّ مَن شبّ على شيء شاب عليه، واعلم بأنّ لشبابك وصحّتك وفراغك حقّاً لا يؤدّى إلّا بالعلم والعمل، واكتساب رضا الخالق2
 
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4120 - 4121.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4125.
 
 
 
 
 
 
127

110

الشباب

 * والله الله في مستقبلكم لا تجعلوه حسرة وندامة، فما تزرعوه اليوم تحصدوه غداً، وقد تعلمون أن لا ثروة ولا حرفة لكم، ولا، ولا... فإذا تجرّدتم أيضاً عن العلم والعمل فأنتم والعياذ بالله في المستقبل أشقى من الحمر الأهليّة1

 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4131.
 
 
 
 
 
 
 
 
128

111

الشعب

 الشعب

 

* وجود شعب بين الشعوب عرف كيف يأنف الهضيمة، ويحسّ بالمهانة فيأباها وينكرها. يقظة عركت العيون فعرّفت هؤلاء الناس أنّ لهم حقّ الحياة، ثقافةً عامّةً يبتلّ بها اللسان، ويستضيء بها الجنان، مؤسّسات بعد ذلك تبعث العزّة، وتثبت الحيويّة1
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3355.
 
 
 
 
 
 
 
129

112

الأمّة العربيّة

 الأمّة العربيّة

 

* كان للعرب خلال الحرب العالميّة الأولى صوت بعيد المدى، متجاوب الصدى، وجهاد صدق بذلوا فيه أنفسهم وأموالهم، مؤثرين فيه موت الكرام على حياة اللئام، يريدون ليحطموا1 الأغلال, طلباً للحرّيّة والاستقلال2
 
* العربيّ مرهف الحسّ، كبير النفس، تتّقد وطنيّته فلا تطفأ، وتثور حميّته فلا تهدأ، وهو اليوم وقد عركت الحرب الحاضرة عينيه، يتحرّك لاستنجاح قضيّته على صهوات العراب، وأسلات الجهاد المستطاب3
 
* تنمّر الصهاينة يتحدّى رسالة القرآن، انبعثوا على بركة الله بذات محمّد. الشعب العربيّ يجيش بثورة 
 
 
 

1- حَطَمَ الشيء: كسره، المعجم الوسيط: 183، "ح. ط. م".
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4594.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4595.
 
 
 
 
 
 
131

113

الأمّة العربيّة

 ضاربة، فكونوا من وراء تضحيته، يكفكم الله عدوان شذّاذ الآفاق!1 

 
* جيل الأمّة العربيّة اليوم يقف على المفترق يتربّص لاهتبال الفرصة بعد أن صبر على الكظّة، يُساط بالحرمان، ويتمرّغ في الهوان، عرضة للنابلين، ولقمة للآكلين، وفريسة للطامعين، شمله شتيت، وعضده فتيت2
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4613.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4505.
 
 
 
 
 
 
 
132

114

الغرب والاستعمار

 الغرب والاستعمار

 

* ولمّا هدأت تلك الفورة الراغية المزبدة1 وانكدرت سماء المسلمين والعرب وغيّروا ما بأنفسهم غيّر الله بهم، فعاث الغاشمون بكتبهم ومكتباتهم المؤثلة2 بأنفس الأسرار، وراحت الأُمم المغيرة تتصرّف بمقدّراتهم ومقدّساتهم. ودهمنا الغرب بخيله ورجله، وأناخ بكلكله، وضرب بجرانه، فاستحوذ علينا دخولاً في مدارسه، وإصغاءً إلى وساوسه3
 
* كان استقبالنا للاحتلال الفرنسي استقبالاً صاخباً محتجّاً، يواجهها بالرفض والمصارحة والميل عنها ميلاً لا هوادة فيه ولا لين. وطيَّرنا يومئذٍ برقيّات، وأرسلنا عرائض عبّرت عن آمال البلاد وأمانيِّها في جلاء فرنسا عنّا، واعتزالها الحكم فينا4
 
 
 

1- ويقصد بذلك الحضارة الإسلاميّة.
2- يُقال لكلّ شيء قديم مؤصّل: أثيل ومؤثل. راجع لسان العرب، 9:11.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3344.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3366.
 
 
 
 
 
 
 
133

115

الغرب والاستعمار

 * لم نقتصر من السعي على العرائض والبرقيّات في جهادنا السلميّ يومئذٍ، بل كانت لنا أصوات عريضةً أذاعتها عنّا صحف بيروت أوّلاً، ثمّ تولّت إذاعتها صحف دمشق بعد أن كمّها الاستعمار الفرنسيّ في بيروت، ثمّ كانت لنا مواجهات مع المسيطرين من الفرنسيّين، كبيكو، وغورو، وشربنتيه، ودلبستر، ونيجر، وقد حضر بعض هؤلاء إلى صور وفاوضنا - دون خجل - في أن تكون لنا الإرادة المطلقة في التعيينات وأسّس الحكم المحلّي وما إلى ذلك، ولكنّا رفضنا هذه المساومة ورددناها1

 
* رفضت أن يكون لأيّة دولة أجنبيّة يدٌ في حكم، أو دخل في انتداب، ولا سيّما الحكم الفرنسيّ2
 
* وجدت سياسة الاستعمار - في هذه الشقّة3 الّتي غذّتها فكريّاً - طريقها المؤدّي إلى مأربها من التفريق في هذه الفترة العصيبة, ذلك أنّها قصدت إلى أن تجلو نقطة الضعف في هذا الشعب الناشط لكرامته واستقلاله وتدفعه إلى أن يعلن عن نفسه عدم الكفاية لما ينشده من التحرّر والانعتاق، فجهزّت المسيحيّين بالأسلحة بدعوى تمكينهم من
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، ص 3366 - 3367.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، ص 3368.
3- بإثارة الفتن والعصبيّات المذهبيّة والطائفيّة.
 
 
 
 
 
 
134

116

الغرب والاستعمار

 حماية حوزتهم، ثمّ تغافلت عن الثوّار تغافلاً اضطرّ المصلحين من هذه الأمّة أن يطالبوا الحكومة بإيقاف الثوّار عند حدّ1

 
* فماذا فعلت الحكومة؟ إنّها بذلت السلاح للمسلمين أيضاً بحجّة أنّها تدع لهم تأديب العصاة ومطاردتهم، ولكنّ الحقيقة الّتي رمت إليها من وراء ذلك أن يثوروا بالنصارى ليتّسع الفتق، ويثبت ما قصدت إليه من التدليل على عدم كفايتنا للاستقلال، فتقيم عندئذٍ حكمها على قاعدة من هذا التدليل، كما أقام أمثالها حكمهم على قاعدة مثله2
 
* وكان النمّامون النفعيّون من أذناب الفرنسيّين - أثناء ذلك - يثيرون حماسة الفتيان العرب من جِهة أخرى ويطمعونهم ويغرونهم بمواطنيهم ليتلاقى طرفا الحيلة الاستعماريّة، ويبرم أمر التدبير3
 
* فذرّ الإفرنسيّون على الجرح ملحاً بأن حرّكوا النعرة الطائفيّة، وزوّدوها بالسلاح من جِهة وسلّموا أهل عين إبل، وأظهروا عجزهم إزاء العصيان المدنيّ الشامل الّذي تحصّن به العامليّون من جِهة أخرى، وكان 
 
 


1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3370.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3370.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3370.


 
 
 
 
 
135

117

الغرب والاستعمار

 غرضهم من ذلك ما كنّا نخشاه من سوء المنقلب، وإظهارنا أمام الدول مظهر من لا يستطيع إدارة نفسه إدارة مستقلّةً1

 
* كان لذيول الإفرنسيّين مسعى خبيث في إثارة الفتنة والنعرة الطائفيّة2
 
* ولو أنّ النفر الخوّان في عاملة استقام للأمر وظاهر المخلصين من الناهضين لثبت شيئاً من الثبات، ولكان درساً لأمثاله في سوريا الّذين كانوا وبالاً على قضيّتنا المشتركة. ولكنّ الأُمّة العربيّة ممتحنة بهؤلاء في تأريخها الحافل بالنهضات والكبوات جميعاً. 3
 
* لا بدّ لنا من اعتماد المفاهمة, لأنّ للعنف مغبّة نخشاها، ولا سيّما ونحن إزاء دولة موصولة بالعواصم والمعامل والجيوش، فإذا لم نجد مندوحةً فدماؤنا للتضحية، وسواعدنا للصراع، ولا شكّ في ذلك ولا حيدة عنه4
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3377.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3377.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3381.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3375.
 
 
 
 
 
 
136

118

الغرب والاستعمار

 * إمّا عزّة لا تقصم، أو ذلّة لا ترحم. إمّا حياة حرّة، أو هوان تهدر في حمأته إنسانيّة الإنسان. إمّا استقلال دون وصاية، أو استعباد نكون معه "كالأيتام على مأدبة اللئام"1

 
* بهذا السلوك2 يا أبنائي الأعزّاء دون غيره تردّون كيد الفرنسيّين إلى نحورهم، وتعيدون جحافلهم إلى جحورهم، وتنعمون بالحريّة، لا يطاول بعدها إليكم متطاول3


* أهيب بجميع أبنائنا في الله في المشرق والمغرب إلى الاشتراك في معركة المصير هذه، وإعلان الحرب على الاستعمار الّذي جعل من شرعة حقوق الإنسان شريعة قراصنة وذؤبان، يغدر بالوطن المؤمن الآمن، فيتسوّر عليه جوّه وأرضه ومياهه، ويلتحم معه ناباً مسموماً، وظفراً لئيماً في حرب إبادة، فيرى فيه الموطن العظيم جيشاً وشعباً ورئيساً. 4
 
* ألا وإنّ الاستعمار الغربي يغزونا في عقر دارنا، معتدياً غاشماً. 5
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4502.
2- أي سلوك الإباء ورفض الانجرار للفتنة.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4503.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4561.
5- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4561.
 
 
 
 
 
 
 
137

119

الغرب والاستعمار

 * كان ساسة العرب يعلّقون كبير آمالهم على الحلفاء1، وينيطون بهم الثقة البلهاء في ظروفهم السوداء، حتّى إذا وضعت الحرب أوزارها تكشّف للعرب أنّهم وضعوا آمالهم في معسلة من الكذاب، ومشربة من السراب، فإذا بتلك الوعود هراء، وتلك العهود هباء، وإذا بهم يعانون على يد حلفائهم من الإحن ما يعاني المفاجأ بقلب ظهر المجن، وقد خبّأ الدهر له عجباً.2

 
* ولم يكن أشرس المخبّآت ضروب العدوان، ولا أمضّها ألوان الهوان ودع عنك تقطيع البلاد دويلات أشتاتاً، وتمزيق الأديان طوائف أنداداً، وتفريق الصفوف طرائق آحاداً.3
 
 
 

1- وذلك للخلاص من الاستعمار العثمانيّ.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4594 - 4595.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 4595.
 
 
 
 
 
 
 
137

120

الفتنة

 الفتنة

 

* وكان لهؤلاء الإقطاعيّين المذبذبين شأن في هذا العصيان، كما كان لهم شأن في السعاية بالمخلصين، يلبسون منها وجوهاً صفيقةً عديدةً، فهم معنا بوجه ولسان، ومع الفرنسيّين بوجه ولسان آخرين، ومع الأمير فيصل بوجه ولسان غير هذين1
 
* وبهذا الدسّ الّذي طبعوا عليه أذكوا حماسة المتحمّسين، واستغلّوا بساطتهم فانقاد من انقاد للغرور، ومضوا يؤذون المواطنين نهباً وقتلاً وتجريحاً2
 
* غير أنّ الفتنة قد استجمعت عناصرها، وهبّت ريحها تنذر بالخطر، وتنفخ بوادرها في أطراف البلاد، فكان ما كان من نزوات شوّشت الأمن، وأشغلت الأفكار بأخبار الغزوات والوقائع الّتي كانت تقع من ناس
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3370.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3370.
 
 
 
 
 
 
 
139

121

الفتنة

 موقع البشرى والإيناس، وتقع من آخرين موقع الهمّ والبؤس1

 
* إنّ الفوضى لن تكون إلّا من العراقيل الّتي تخذل قضيّتنا، وتدلّ على عدم كفايتنا لما نطلبه2.
 
* ألا فلْيخزِ الله وجوه السوء من ذوي الخيانة والخداع، وليخز الله سياسة لا يسرّها الصدق والإخلاص والصلابة في الحقّ3
 
* حسب المنحرفين الرعاديد من كلّ خافر ذمام بلاده، ضالع في التآمر على تراث أجداده، وميراث أولاده، ومن كلّ مشّاء بنميم، محرّف للكلم عن مواضعه، أن حقّت عليهم اللعنة في الدارين، والخزي في النشأتين4
 
* فإن نبذتم الأهواء الشخصيّة، وآثرتم شرف القضيّة، فلنكوننّ - في حرز لا يُفصم، وتكون بلادكم في حمى لا يُقحم5
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3371.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3374.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3433.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4507.
5- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4502.
 
 
 
 
 
 
140

122

الفتنة

 * إذا غلبكم الهوى فلتكونّن مذقة الشارب، ونهزة1 الطامع، وقُبسة العجلان، أمام قوّة العدوّ، وشدّة الفتن، وتظاهر الزمان2

 
* ألا أدلّكم على أمر إن فعلتموه انتصرتم؟ فوّتوا على الدخيل الغاصب - برباطة الجأش - فرصته، وأخمدوا - بالصبر الجميل - فتنته، فإنّه والله ما استعدى فريقاً على فريق إلّا ليثير الفتنة الطائفيّة، ويشعل الحرب الأهليّة، حتّى إذا صدق زعمه، وتحقّق حلمه، استقرّ في البلاد تعلّة حماية الأقليّات3
 
 
 

1- أي فرصة.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 4502.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 4502.

 
 
 
 
 
141

123

النصارى

 النصارى

 

* ألا وإنّ النصارى إخوانكم في الله وفي الوطن وفي المصير، فأحبّوا لهم ما تحبّونه لأنفسكم، وحافظوا على أرواحهم وأموالهم، كما تحافظون على أرواحكم وأموالكم، وبذلك تحبطون المؤامرة، وتخمدون الفتنة، وتطبقون تعاليم دينكم وسنّة نبيكم ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾1. 2
 
* أيّها المؤمنون، إنّكم مدعوّون بحكم الإسلام وحكم القرآن إلى وحدة لا تنفصم عروتها، وألفة لا يستباح ذمارها، وإنّكم مؤهّلون فيها بحكم الإسلام، ونصّ القرآن لتوطيد السلام، وتأكيد الوئام بينكم وبين طوائف هذا البلد الّذي اتخذتموه سكناً، ورضيتم به وطناً، وليكن القرآن سفير صدق بينكم وبينهم يعلن قول الله سبحانه
 
 
 

1- سورة المائدة، الآية: 82.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4502 - 4503.
 
 
 
 
 
 
143

124

النصارى

 ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾1, إنّه مرسوم من ربّ الأرباب، ومالك الرقاب، يأخذ بأعناقكم إلى موّدتهم, لأنّهم أقرب الناس مودّةً لكم2

 
* واعلموا بأنّ النصارى أقرب الناس مودّة لكم، وقد شهد لهم بذلك لتباركوهم3
 
 
 

1- سورة المائدة، الآية: 82.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4512.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4566.

 
 
 
 
 
144

125

لبنان

 لبنان

 

* لبنان تربة خصبة يزدهر فيها الزرع، ويدرُّ في ربوعها الضرع، فتعهّد هذه الأرض الطيّبة تؤت أكلُهَا بإذن ربّها1
 
* إنّ اعتبار كلّ دولة إنّما هو بقدر اعتبارها لقوانينها ونظمها، وإنّ شرف كلّ حكومة إنّما يكون ببناء أعمالها على أسسها وقواعدها، وإذن يجب أن تأخذ الطائفة الشيعيّة حقوقها تامّة، بناءً على الأسس الّتي من واجبات الحكومة تقديسها، وأسوة بالطوائف الّتي فازت من لبنان بنصيبها الأوفى2
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4591.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4602.
 
 
 
 
 
 
146

126

جبل عامل

 جبل عامل

 

* ماذا أُسجّل لهذا الجبل من عواطف لا يفيها القلم حقّها من الشكر، وماذا أصف من مظاهر هذه العواطف، وأنا أتخفّف بالقول، ولكن لهذه العواطف حقّاً لا مندوحةً عن التعرّض له في هذا السياق لأُقابل بعض ما أحاطني به من الجميل بالوفاء1
 
* أما الجنوب و"عاملة" فقسمه الأوفى أنّ مرابعه يبان، وماءه محض سراب، لم تمتدّ إليه يد ببناء، ولم تلح له قطّ بارقة رجاء2
 
* ألا وإنّ جبل عامل بعد هذا المؤتمر3 بين أمرين: عزّ لا تنفصم عروته، ولا تقرع مرّته، أو ذلّ تهاوت معه كواكب السعد، وتقوّضت فيه سرادق المجد4.
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3386 - 3387.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 3592.
3- مؤتمر وادي الحجير الشهير والذي ألقى فيه الإمام شرف الدّين خطبة ما زال رجع صداها يصل إلى الآن لمسامع العامليّين المجاهدين للاستعمار بكافّة أشكاله.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4502.
 
 
 
 
 
 
 
147

127

جبل عامل

 * وحسبنا الآن نكبة جبل عامل في حدوده المتاحة1، ودمائه المباحة، وقراه وقد صيح فيها نهباً، وأطفاله وقد تأوّدت رعباً، وقد استحرّ به الفتك إلى ما هنالك من هلاك الحرث والزرع2



هذا الجبل المرابط يدفع جزية الدم لشذّاذ الآفاق من كلّ من لفظته الأرجاء، ونبذته الأرض والسماء3
 
* هذا الجبل العريق تضرب عليه الذلّة والمسكنة ممّن ضربت عليهم الذلّة والمسكنة في سحق التأريخ4
 
* هذا الجبل الّذي يقوم بما عليه من واجبات، ولا يُعطى ما له من حقوق، كأنّه الشريك الخاسر يدفع الغرم، ومن الغنم يحرم5
 
* وحسبنا الآن نكبة جبل عامل في حدوده الفلسطينيّة، وهي أفظع نكبات هذه المنطقة الّتي سخّرها لبنان يستغلّها ويستبعدها، ثمّ لا يأبه حتّى بدمائها المسفوكة، وحرماتها المهتوكة، وأموالها وقد صيح فيها نهباً، 
 
 

1- من رسالة لسماحته لرئيس الجمهوريّة آنذاك بشارة الخوري بعد اعتداء الصهاينة على الجنوب وارتكابهم مجزرة رهيبة في قرية حولا عام 1949م.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4614.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4614.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4615.
5- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4615.
 
 
 
 
 
 
148

128

جبل عامل

 وأطفالها وقد ماتت رعباً، إلى هلاك حرثها ونسلها، وإبادة المدلّهين والمدلّهات من أهلها، وقد استمرّ بهم القتل الذريع، وحاق بهم كلّ أمرٍ فظيع1

 
* يدخل الأجنبي صور وهي عنوان الإماميّة في البلاد العامليّة فلا يحسُّ منهم بأحد، ولا يسمع لهم ركزاً، يراهم - وهم الأكثريّة - في معزل عن المسجد الحافل بغيرهم من المسلمين، ويجدهم نائين عن منارته الآهلة بغيرهم تكبيراً لله، وتوحيداً له، ودعوةً إلى عبادته عزّ وجلّ، حتّى كأنّهم - والعياذ بالله - ليسوا من هذه الأمّة، ولا هم من مشاعرها في شيء، ويرى النصارى على اختلافهم في - المذاهب المسيحيّة - من كثالكة وموارنة وأرثوذكس وبروتستانت - متنافسين في إشادة معابدهم وزخرفها أدياراً ممرّدةً، وكنائس فخمةً، ترنُّ نواقيسها، فتملأ الأفق برجع صداها، ونحن - من دون الأمم - صمّ بكم لا منائر ولا شعائر ولا منابر، كأنّنا - لا سمح الله - لا دين، ولا مذهب، ولا حميّة، ولا نفسيّة، ولا دم ولا عرق ينبض2
 
* وإذا قرأتم السلام على جبل عامل فقل: السلام عليك وعلى لبنان3.
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4616.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3335 - 3336.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4615.

 
 
 
 
 
 
149

129

علماء جبل عامل

 علماء جبل عامل

 

* كانوا - شكر الله جهودهم - لا يتعظّمهم أمر في سبيل ما يبتغون من الخير لأنفسهم ولأمّتهم, فإذا تعذّر أو تعاصى عليهم ذلك في بلادهم هجروها في سبيل ما يبتغون, وارتحلوا إلى غيرها, وهم على جمام من أنفسهم ونشاط من عزائمهم, كما فعله شيخنا البهائيّ, والمحقّق الكركيّ, وشيخ الأحرار الأبرار والفقيه الوحيد الشيخ عليّ بن الشيخ محمّد الحفيد, وجدّنا السيّد عليّ نور الدّين الموسويّ - أخو صاحب المدارك - وأولاده الخمسة, وحفيده السيّد صالح بن السيّد محمّد بن السيّد شرف الدّين, وكثير من أعلام الهدى ومصابيح الدجى, أمثالهم ذلّلوا العقاب, وروّضوا الصعاب بهجرتهم, اضطلاعاً بالأعباء من مهمّات الدّين, قصداً إلى خطيرات الأمور في شؤون المؤمنين1
 
 
 

1- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل من 4516.
 
 
 
 
 
 
 
151

130

علماء جبل عامل

 * ولمّا علم الله تعالى منهم الإخلاص في هجرتهم إلى دار الغربة, وبعدهم عن الأهل والأحبّة, آواهم من عزّته وقوّته إلى ركن منيع, وأحلّهم من فضله ونعمته في جناب مريع, عاقداً بالفوز آمالهم, مذيّلاً بالنجع مسعاهم1

 
* وحين ارتفعت منازلهم, ووقرت مهابتهم, أوسعوا مهاجرهم علماً وهدياً, وطبّقوها استقامة وكرامة, على أنّ بعضهم إنّما هاجر إلى دار التقيّة, والخوف من الهلكة, ومع ذلك فقد عادت هجرته على الطائفة بنفع جزيل, وفوائد عظيمة, كما فعله السيّد عليّ نور الدّين الموسويّ, إذ هاجر أوّلاً إلى دمشق فأحيا فيها روح الهدى, وكانت قد بلغت التراقي, وأفاض من سائغ العلوم ما أثلج به غلل أهل الحقّ, ونشر من أدلّة الشريعة ما شدّ به قلوب الشيعة2
 
 
 

1- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل من 4516.
2- الموسوعة،ج9، الخطب والرسائل، تسلسل من 4516.
 
 
 
 
 
 
 
 
152

131

الهرمل والمناطق المحرومة

 الهرمل والمناطق المحرومة

 

* وبعد, فإنّ عشائر الهرمل لم يخرجوا على طاعة، ولا فارقوا جماعةً، فلمن إذن تسرج الخيل العراب، وتشرع الأسنّة والحراب؟
 
* ألِهؤلاء... وهم أباة ضيم لا يبيتون على خسف، ولا يقيمون على هوان، في عصر تفتّحت على نوره العقول والأبصار، واغترف منه لبنان حتّى غدا قبلة الأنظار، دون أن يصيبهم صيّب من ديمته، أو فاضل من نعمته، بل تركوا للتخلّف يحبس عليهم في مكانهم، يتآكلهم الثأر، ويغتالهم الجهل والمرض والفقر حتّى أصبحوا بين نارين, نار الحكومة الموقدة، ونار أوضاعهم الموصدة.
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 510، من كتاب وجّهه لرئيس الجمهورية بشارة الخوري على إثر تجريد حملة عسكريّة على عشائر الهرمل، في أيلول عام 1949م.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4618.
 
 
 
 
 
 
 
153

132

الهرمل والمناطق المحرومة

 * ألا ترون أنّ إعمار المدارس والمستشفيات يغني عن إعمار السجون والقبور، وشقّ الشوارع والطرقات يغني عن شقّ الجيوب والصدور؟1 

 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4619.


 
 
 
 
 
154

133

فلسطين

 فلسطين

 

* إنّ فلسطين جزءٌ حيويّ من سوريا لا ترضى بانفصاله عنها ولا نقرّ في حقوق العرب كاملة إلّا بها أي إنّنا نرفض رفضاً باتّاً الاعتراف بوعد بلفور وما يتبعه من إنشاء وطن قوميّ يهوديّ1
 
* ألا وإنّ قتلة الحسين عليه السلام بكر في القتلات، فلتكن قدوتنا به بكراً في القدوات، ولنكن نحن من فلسطين مكان الحسين عليه السلام من قضيّته, ليكون لنا ولفلسطين ما كان له ولقضيّته من حياة ومجد وخلود2
 
* أيّها العرب... أيّها المسلمون، لقد حمّ الأجل وموعدنا فلسطين على أرضها نحيا وفيها نموت3
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4559.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4560.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4560.
 
 
 
 
 
 
155

134

فلسطين

 * إنّ فلسطين من سوريّة بمنزلة العينين من الوجه، ومن العرب بمنزلة القلب من الجسد، ولا قرار واستقرار بانفصالها عنها، والرفض حتّى الموت لوعد بلفور1

 
* ليس ذهاب فلسطين فاجعاً لولا أنّه ذهاب لريح العرب، وعزّ الإسلام، وكرامة الإنسان المسترقّ في غد هذا الشرق القريب2
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4596.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4614.
 
 
 
 
 
 
 
156

135

البقيع

 البقيع

 

* إنّ نكبة البقيع1 تدهش الألباب، وتهدّج الأصوات، وتعتقل الألسن والأقلام، وتعقل الأيدي والأرجل، فلا عجب إذاً من سدنة الدّين، وحفظة الشرع وأعلام الأمّة، وسفرة الأئمّة، أن غرق صوتهم فلم يعجّوا، وتلجلج منطقهم ويراعهم، فلم يضجّوا، ولم يحتجّوا، ولا غرو أن أخذت النكبة بأفكلهم، فارتعشوا واصطكّت قوائمهم، فلم يقوموا لها ولم يقعدوا، وأخذ الحزن بكظمهم فلم يتنفّسوا2
 
* يوم انخلعت بفاجعة البقيع قلوب المؤمنين، واقشعرّت لهولها جلود العالمين, وارتعشت بها فرائض الإسلام، وطاشت لها عقول الأنام3
 
* قارعة يا لها من قارعة، عصبت ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن
 
 
 

1- وذلك عندما قام الوهّابيّون بهدم قبور الأئمّة عليهم السلام في البقيع.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4529.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4534.
 
 
 
 
 
 
 
157

136

البقيع

 تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾1 فنفست ضراح الإمامة، وطمست ضرائح القدس والكرامة، ونقضت محكمة التنزيل، ومطاف جبرائيل وميكائيل2

 
* أيلج الوهّابيّون في هذه الجهالة ويتمادون في هذه الضلالة، ويركبون متن هذا الغرور، ويمضون على غلوائهم في هذا الطغيان، ويسترسلون في الوقاحة، ويتتباعون في التهجّم على حرمات الله وشعائره، وتسوّل لهم أنفسهم محو المشاهد المقدّسة، والضرائح المعظّمة من جديد الأرض، ويمنّيهم غرورهم بالخلافة الإسلاميّة، والإمبراطوريّة العربيّة، فيضربون على ذلك أطنابهم، ويلقون عليه جرانهم، استخفافاً بالملّة، واستضعافاً للأمّة3.
 
* أمّا ومجد الروضة الطاهرة4، وأنوار القبّة الزاهرة، وقدس الضريح المفدّى، وشرف المنبر الأعلى، وما بينهما من جنّة المأوى، ودار بقعة في البقيع وارت سادات الورى، لئن أغضى المسلمون على هذا القذى وشربوا هذا الكأس على الشجى، ولم تأخذهم حفيظة ولا حميّة ولا أنفة ولا عزّة نفس ليذوقنّ وبال تفريطهم 
 
 
 

1- سورة النور، الآية: 36.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4534.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4537.
4- أي ضريح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

 
 
 
 
 
158

137

البقيع

 كالمهل مرّاً حرّاً، وليجننّ ثمره ذعافاً ممقراً1، وليتجرّعن الأسف غصصاً، وليجرضن2 بريقهم كمداً، ثمّ لا يجديهم قرع السنّ، ولا عضّ البنان، ولا أكل الشفتين، ولا اليدين ندماً3

 
* يا له من خطب قرعت قارعته شعائر الله العظام ومشاعره الحرام في البلدين الأمينين والحرمين المنيعين، وحقّت حاقّته في بقعة البقيع، وعصفت عاصفته في ذلك المشهد الرفيع، فنسفت طور النور والبيت المعمور، ونقضت محكم الكتاب المسطور في رقٍّ منشور، وعتت على مهبط الوحي والتنزيل، ومختلف جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، معقل الملائكة المقرّبين ومهوى أفئدة الخلف والسلف من كافّة المسلمين، فجُدع بذلك أنف العزّ، وهُدمت شرفات الشرف، ولانت قناة الدِّين، وذلّت أعناق المؤمنين4
 
 
 

1- أي سمّاً مرّاً سريع الفتك.
2- جرضَ بريقه يجرض: وهو أن يبتلع ريقه على همّ وحزن. مجمع البحرين، 363:1.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4537.
4- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4541.

 
 
 
 
 
 
159

138

مكّة المكرّمة

 مكّة المكرّمة

 

* أقبلنا على مهبط الوحي فأقبلت علينا منه معالم التأريخ تتواكب في ذلك الأُفق الكريم، وتنبعث فيه أرواح السماء الّتي كانت تتنزّل على سيّد البشر في تلك الشعاب الرفيعة من مهد الرسالة الغرّاء، ومصدر النبوّة الناهد بها محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدنيا في زحف كزحف النور على تجاليد الظلام وقطعة الدوامس1
 
* ما أكرم تلك الذكريات المتألّقة في مدارج سيّد النبيّين من ثرى مكّة، وكلّ شيء في مكّة عليه من سيّد النبيّين وخاتم المرسلين آثار تفتح للذهن وجوهاً للتفكير وترسم صوراً للادّكار تشرئبُّ من هالاتها النورانيّة رؤوس، وتتلألأ ثغور تأخذ بالأبصار والأعنّة، وتنقل النفوس من دنيانا الهيّنة هذه إلى دنيوات الفتح والجلال والقدس2
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3429.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3430.
 
 
 
 
 
 
 
161

139

مكّة المكرّمة

 * يوم كانت مكّة تتدفّق برباها وشعابها في أطراف الجزيرة، ثمّ تتّسع وتمتدّ فإذا هي نطاق يتجاوز هذه الرقعة من الصحراء إلى عالم رحب أرحب من الفكر بعيد أبعد من متناول الطموح1

 
* وإذا هذا النطاق يُخرج مكّة من معناها الجغرافيّ المحدود إلى معناها العُلوي الّذي لا يُحدّ، ولا تجد الدنيا البعيدة مهرباً منها، وهي تمتدّ سريعةً خفيفةً, لتعقد طرفيها المنطلقَين وراء الآهل المسكون من هذه الكرة2
 
* هذه مكّة تنشئ الشرائع والحضارات، وتظفر بالنقطة الوسطى من عالم التمدّن فتمتدّ منها طرق، وتبتدئ منها الخطوط إلى حيث تشاء من أجزاء هذا العالم وعواصمه، وتكون نقطة المبدأ في مقايس القرب والبعد بعد أن كانت تتنكّب الطرق عن المناهل والحضارات نائيةً في تلك الشعاب القاحلة الظامئة لا يمرّ القياس العالمي، ولا هي منه في شيء3
 
* هذه مكّة يتموّج في جوّها صوت الرسالة فتسبح هي منه في لجّة طهّرت طبيعتها من أوضارها الطارئة،
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3430.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3430.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3430.
 
 
 
 
 
 
 
 
162

140

مكّة المكرّمة

 وجلَت جوهرها المدّخر من صداه المركوم، ثمّ تسبح معها يثرب، ثمّ يتجرّد الحجاز فينضو عنه ثيابه الخلقة المرذولة بين يدي هذه اللجّة الهاجمة، ثمّ تتلاصق المدن والأقطار، فلا تظلّ مدينة مشت حول أسوارها خيول الإسلام إلّا عادت جزءاً من أجزاء مكّة تخوض معها في هذه اللجّة المشعشعة المباركة، رعى الله مكّة وحماها1

 
* لقد استأثر بي تأريخها ساعات هنيئة فحملني على أجنحته، ومضى يخفق بي في أجواء وددت أنّي لم أعد منها إلى هذا الجوّ، وتمنّيت أن أظلّ على تلك الأجنحة أطوف بها في مهابط الوحي على مهل، وأسعى في طلول الأمجاد على آثار محمّد وعليّ والميامين من آل النبيّ وأصحابه، وأحيا منهم حياة رَوح لا تفاجئُها هذه المنغّصات من أحداث الزمن الّتي عادت بمكّة إلى عهد تقلّص فيه نطاقها2
 
* وللعرب في كلّ مكان ولا سيّما في مكّة نزوع إن اختلفت تفاصيله، فإنّ مجمله متّفق على الوثوب إلى التأريخ من حاضرهم الهيّن3
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3430.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3430 - 3431.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، ص 3431.
 
 
 
 
 
 
 
163

141

مكّة المكرّمة

 * وليت المسلمين عامّة والإيرانيّين والعراقيّين الخصوص يقومون بهذه النهضة1، ذوداً عن قبلتهم الّتي تهوي إليها أفئدتهم، ويولّون شطرها حيث ما كانوا وجوههم، ويعتقون من النّار بحجّها رقابهم، ومدافعة عن ضريح نبيّهم الأقدس2

 
 

1- لمواجهة أذناب الاستعمار.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، ص 4542.
 
 
 
 
 
 
 
164

142

مصر

 مصر

 

* كانت مصر وما تزال منارةً من منارات العلم في الشرق العربيّ والدنيا الإسلاميّة. يؤمّها روّاد المعرفة، ومنتجعو الثقافة من مختلف الأقطار وقد كانت تكافئ في النجف الأشرف بأزهرها الشريف، وتُجاريه في خدماته للثقافة الإسلاميّة، وحراسته للعلوم العربيّة، وقد أمّ الأزهر - فيما أعلم - كثير من أعلامنا، توسّعاً في العرفان والإحاطة، وتزيّداً في المعلومات والاطّلاع1
 
* وقد كنت أُحبُّ فيما أُحبّ أن أزور مصر وأقف على أعلامها لأخذ العلم عنهم، ولأبلو ما يبلغني عن الجامع الأزهر ذلك المعهد الجليل2
 
* في هذه الفترة الّتي يغزو بها الاستعمار مصر المجاهدة3 أبتهل إلى الله - عزّ وعلا - أن ينصر الحقّ،
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3425.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3425.
3- أثناء العدوان الثلاثيّ على مصر عام 1956م.
 
 
 
 
 
 
 
165

143

مصر

 ويزهق الباطل، وأناشد إخواني في الله تعالى علماء الدّين في كلّ مكان أن يقولوا كلمتهم، فتدوّي صارخةً توقظ النائمين، وتدفع الواقفين إلى الدفاع عن معقل هو أعزّ معاقلنا، تحت راية الحقّ1

 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 452.
 
 
 
 
 
 
 
166

144

سورية ودمشق

 سورية ودمشق

 

* إنّنا ما نزال نذكر دمشق ونذكر ملكها ملك العرب الراحل بالحنين والشوق، ونذمّ الزمان الّذي حال دون تلك الأماني الطيّبات، تلك الأماني الّتي كان من شهدائها بطل ميسلون الخالد، هذا الرجل الّذي كان يشرق في سماء العروبة والسياسة العربيّة إشراق البدر، ويجول في ميادينها جولة الفارس المعلَم1
 
* وكنّا في دمشق موضع الحفاوة والنفوذ والاحترام، وفي القمّة من العزّ ومنعة الجانب2
 
* لن تقوم لسوريّة دولة، ولن تكون أرضها واحدة ما دام الفرنجة يكبّلون جناحي الشام بساحله وفلسطينه3
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3376 - 3377.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3380.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4504.
 
 
 
 
 
 
 
 
167

145

سورية ودمشق

 * إنّ سوريا بحدودها الطبيعيّة وحدة لا تتجزّأ، ولا يرضى أهل البلاد إلّا بتحقّق هذه الوحدة، وإلغاء النظام الحاضر، ومعنى ذلك أن تكون دولة سوريا تشمل سوريا الحاليّة ولبنان وسنجق الإسكندرونة وفلسطين وشرقيّ الأردن، تلك الأجزاء الّتي كانت تعرف جميعها باسم برّ الشام في العهد التركيّ وما قبله، والتي تكوّن وحدة طبيعيّة اقتصاديّة اجتماعيّة1

 
* إن الدولة السوريّة العربيّة بحدودها الطبيعيّة ترى نفسها بحكم العوامل الجغرافيّة والاقتصاديّة والتاريخيّة واللغويّة والقوميّة مضطرّة إلى المساهمة في اتّحاد عربيّ مع الدول العربيّة الشقيقة المجاورة، ويكون هذا الاتّحاد مبنيّاً على إلغاء الحواجز الجمركيّة، وتوحيد برامج التعليم إلّا ما تقتضيه الظروف الإقليميّة، وعلى توحيد الجيش وتوحيد السياسة الخارجيّة2


إنّ سوريّة بحدودها الطبيعيّة لا تتجزّأ، وإنّ أشلاءها الّتي اقتطعت منها كانت تعرف ببرّ الشام، نُجمع مع العرب على أنّ إعادتها مطلب مصيريّ غير قابل للمساومة3
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4559.
2- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4559.
3- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4597.
 
 
 
 
 
 
 
 
168

146

النجف الأشرف

 النجف الأشرف

 

* النجف هي أكرم مدينة عليَّ، ولا غرو من ذلك فإنّ النجف عاصمة العلم والدّين، شمخت بهما على هامة المجد شموخاً انحنت له المدارس والمدن والعواصم باخعةً مذعنةً، وحملت طوال الفترة مشعال النهضة، فكانت وحدها الصِلة الّتي تسلسلت بها حلقات الدّين من جِهة، وحلقات العلم والآداب واللغة من جِهة أخرى1
 
* كان لها الفضل (أي النجف) في ما نجده اليوم من ازدهار الآداب، وحياة العلوم الإسلاميّة الّتي حَفِظَت ذَماء2 الفكر على نحو لو لم تكن النجف الأشرف لتغلّبت هذه الرطانة الغاشية، فطمست على العقول والألسنة، وقطعت تلك السلسلة المباركة3
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3457 .
2- الذماء يُرادف الرمق.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3458.
 
 
 
 
 
 
 
 
169

147

النجف الأشرف

 * إنّ النجف الّتي طاولت الأيّام بشموخها وجلالتها ما كان لها أن تشيخ، وتبلغ حدّ البرودة والفتور، بل كان عليها أن تأخذ بالحزم والحكمة في تجدّد نهضتها بما يُعيد إليها نشاط الشباب وفتوّته1

 
* وهي - على كلّ حال - أكرم مدينة عليَّ, لأنّها المدينة الّتي نَمَوتُ فيها جسماً وفكراً، فتكوّنت فيها شخصيّتي وروحي منطبعتين بمائها وهوائها وثقافتها يوم كان يُقبل عليها المقبل فيقبل على هدير كهدير البحر، يعلو فيها من كلّ جزءٍ من أقطارها المرتفعة بالبحث والمدارسة والمناظرة، نضّر الله ذلك المعهد المخضرّ2
 
* ها هي النجف متّكئة على عاتق جبلها الحبيب، وها هي القبّة العالية تطلّ من الجوّ على الصحراء كما تطلّ المنارة الهادية، وتدعو إلى الخصب والريّ، وتدعو إلى الهدى والعلم، فتحوّل الصحراء إلى جنان تترقرق فيها الأضواء، وتتلألأ المياه، ويخضرّ اليبَس من تلك الرمال الظامئة3
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3458.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3467.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3467.
 
 
 
 
 
 
 
170

148

قمّ المقدّسة

 قمّ المقدّسة

 

* ولقمّ - مضافاً إلى هذا كلّه - في نفسي صورة قديمة كريمة يعود عهدها إلى أيّام الصادق عليه السلام، وهي صورة يجتمع لها الإيمان والوفاء والإخلاص لله في الدّين اجتماعاً لم يتوفّر لقوم قطّ إلّا صعد بهم في مرتقى رفيع كريم، ولم ينضمّ عليه جناحاً مدينة قطّ إلّا كانت فاضلةً مقدّسةً1
 
* هذه صورة تأريخيّة تضاف إليها في ذهني صورة أُخرى حديثة صحيحة النسب إلى ذلك التأريخ الضخم، إذ هي مدينة العلم الثانية2 في وجودنا الإسلاميّ الحاضر3
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3477.
2- كان أوّلها النجف الأشرف على مشرّفها السلام.
3- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3477.
 
 
 
 
 
 
 
171

149

إيران

 إيران

 

* حفظ الله الإيمان بحفظ إيران1
 
* إنّ إيران في هذه الفترة كانت تنوء تحت كابوس رضاشاه بشرٍّ عظيم، وترزح منه تحت حذر باهظ يجهدها بخوف يتّقي فيه كلّ امرئ نفسه2
 
* ساءنا مظاهر السفور فيها3 بغير احتشام، وكان ذلك أوّل ما أزعجنا من بدع رضاشاه الّتي نقمها عليه أُولو العلم والحفائظ والدّين، فكنّا بسبب ذلك في شرّ ليلة4
 
* قطعنا مفاوز وقفاراً تنعى على بهلويّ إيران عنايته المنصرفة إلى السفور، وأمثاله من الشرور أو القشور، وترك تلك المروج موماة5 مجدبة لو أطلق فيها أيدي
 
 
 

1- الموسوعة، ج9، الخطب والرسائل، تسلسل ص 4621.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3485.
3- وذلك أثناء زيارته لإيران عام 1937م وقد مرّ في مدينة كرمنشاه.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3475.
5- الموماة: هي الفلاة الّتي لا ماء ولا أنيس بها، لسان العرب، 566:12.
 
 
 
 
 
 
 
173

150

إيران

 العمّال لأغنت جيوش الفقراء والجوعى المكدّسين في إيران عن الإلحاف في المسألة والإيغال في الكدّية، ولعاد عليه وعليهم بإحياء هذه الفلوات الغنيّة بالمعادن والثروات كلّ خير تعمل له الدولة الحكيمة خدمةً لأنفسها ولشعبها1

 
* إنّ جوّ إيران يومئذٍ2 كان جوّاً عبوساً قمطريراً، وكان جوّ قمّ يمتاز في ذلك على غيره, لامتيازها بكثرة العلماء وأهل الدّين3. 4
 
* كان الجوّ الإيرانيّ في هذا العهد مصاباً بهستريا عجيبةً، فهي في الأهلين خوف يخرس الألسنة، ويحجّر على الأفكار، وهي في المَلك - الدكتاتور - حمّى مسلّحة عنيفة صارمة توحي إليه أوهاماً - في الإصلاح - فيمضي لأمرها في غير تردّد ولا استشارة، ويقضيها فرضاً وإملاءً لا يقبلان تلكّؤاً ولا مراجعةً، وويل لمن يجعله القدر في طريقه بخبر يسيئه أو يناقشه في أمرٍ ما5
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3476.
2- أيّام رضاشاه، وهو والد الشاه المخلوع بعد الثورة الإسلاميّة في إيران وقد كان الإبن والأب من طينة واحدة في الظلم والخضوع للاستعمار والاستهتار بالمقدّسات ومطالب الشعب.
3- وذلك بسبب التضييق على العلماء من قبل السلطة الحاكمة في ذلك الوقت.
4- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3479.
5- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3486.
 
 
 
 
 
 
 
 
174

151

رضاشاه

 رضاشاه

 

* هذا الملك يختصّ رجال العلم بعداوة حاقدة، يصوّرها ما قد بلغنا عنه من أنّه كان يكفي في إثارة أعصابه - إثارةً ضاريةً مخيفةً - أن يرى من النافذة عمامةً تمرّ في الشارع، فإذا لمحها كان القصر - إذاً - معرّضاً لشرّ عظيم، وبلاء منكر1
 
* والذي نعلمه من أسباب هذه العداوة المتأثّرة بنار الحقد أنّ العلماء - وهم في إيران ذوو نفوذ كبير - عارضوه في كثير من تصرّفاته الخارجة على سنن الدّين والعرف وأنكروا عليه أخذه نساء إيران بالتبرّج والسفور، وإلزامهنّ بالقُبَّعَة عوضاً عن الجلباب، وعن الخمار الساتر لشعورهنّ وصدورهنّ ونحورهنّ، وحَدَّدَ مآتم ذكرى الطفّ كمّاً وكيفاً، بأن حصر زمنها في عاشوراء وفرض لهم صوراً معيّنةً يتلوها الخطيب2
 
 
 

1- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3487.
2- الموسوعة، ج 7، بغية الرّاغبين، تسلسل ص 3487.
 
 
 
 
 
 
 
175

152

شعب إيران

 شعب إيران

 

* إنّ للمؤمنين في تعظيم شعائر الله عزّ وجلّ بتشييد المعابد والمشاهد والمعاهد أيادي بيضاء غرّاء، تستوجب الحمد والثناء، ولا سيّما إيران، وما أدراك ما إيران، شعبٌ أخلص لله عزّ وجلّ في طاعته، وانقطع إلى رسول الله وأهل بيته في ولائه، ينهج في الدّين سبيلهم، ويقفوا فيه أثرهم، ولا يطبع إلّا على غرارهم، وله في تعظيم شعائرهم ومشاعرهم الّتي أذن الله أن ترفع بالقيام عليها غاية تتراجع عنها سوابق الهمم، ولا سيّما ما كان منها في العراق وخراسان1
 
* لعمري إنّ لهم في الإسلام رتبةً بعيدة المرتقى، باذخة الذرى، وحسبهم ما في الذكر الحكيم من الثناء عليهم، والبشارة بهم في عدّة آيات:
إحداها: قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ 
 
 

1- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2508.
 
 
 
 
 
 
 
177

153

شعب إيران

 وَيُحِبُّونَهُ﴾1 إذ قيل في تفسيرها - كما في مجمع البيان وغيره2 -: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عنهم فضرب بيده على عاتق سلمان، فقال: "هذا وذووه". ثمّ قال: "لو كان الدّين معلّقاً بالثريّا، لتناوله رجال من أبناء فارس"3

 
* مختصر القول في مؤمني إيران أنّهم ممّن لا يجاذبهم بحبل الإيمان أحد، ولا يكايلهم بصاعه بشر، فطوبى لهم وحسن مآب5. 
 
 
 

1- سورة المائدة، الآية: 54.
2- مجمع البيان 3: 208، ذيل الآية. وراجع أيضاً الكشّاف 1: 64، ذيل الآية.
3- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2509.
4- الموسوعة، ج6، مقالات، تسلسل ص 2510.
 
 
 
 
 
 
 
178

154

مأثورات1

 مأثورات1

* من تعيّش بدينه كان بحكم المنافق, ولا جرم أنّه من أرذل الناس.

* من طلب العلم بالترفّع لا يفلح أبداً, ومن طلبه برياضة النفس وخدمة العلماء لا يخيب أبداً.

* ومن طلب بعلمه الدنيا فهو من الغوغاء.

* من حرص على الدنيا كان عبداً لأهلها.

* من ركب أعجاز المطامع أوردته أسوأ الصنائع.

* من مال إليك لدنيا ينالها منك فلا تركن إليه.
 
 
 
 
 
 
 
 
179

155

مأثورات1

 * من لا ينصح نفسه كيف ينصح غيره.

 
* من التزم بما لا يحتاجه ضيّع ما يضطرّ إليه.
 
* من لم يحفظ نفسه كان الغير أولى بتضييعها.
 
* من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد بدّاً من معاشرته كان من أحمق الناس.
 
 
 
 
 
 
 
 
180
 

156

الفهرس

 الفهرس

 

المقدمة

5

القرآن الكريم

9

السنّة

13

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

15

أهل البيت عليهم السلام

21

السيدة خديجة عليها السلام

29

أبو طالب 

31

الثقلان

33

الإمام علي عليه السلام

35

السيّدة الزهراء عليها السلام

39

الإمام الحسن عليه السلام

43

 

 

 

 

 

 

181


157

الفهرس

 

عاشوراء والإمام الحسين عليه السلام

47

السيّدة زينب عليها السلام

51

مآتم أهل البيت عليهم السلام

53

الإمام جعفر الصادق عليه السلام

55

الصحابة

57

الخلافة

59

بنو أميّة

63

الولاية

67

الشيعة

69

المدرسة الجعفريّة

75

الوحدة الإسلاميّة

79

المرأة ومدرسة الزهراء عليها السلام

87

العلم والعلماء

89

العلم والدِّين

97

علماء السوء

99

عصر النور

101

الإنسانّ

103

تزكية النفس

105

مكارم الأخلاق

109

الأحكام الشرعيّة

113

 

 

 

 

 

 

182


158

الفهرس

 

صلاة الجماعة

117

الحجّ

119

الجهاد

121

النظام الإسلاميّ

123

تربية الأبناء

125

الشباب

129

الشعب

131

الأمّة العربيّة

133

الغرب والاستعمار

135

الفتنة

141

النصارى

145

لبنان

147

جبل عامل

149

علماء جبل عامل

153

الهرمل والمناطق المحرومة

155

فلسطين

157

البقيع

159

مكّة المكرّمة

163

مصر

167

سورية ودمشق

169

 

 

 

 

 

 

 

183


159

الفهرس

 

النجف الأشرف

171

قمّ المقدّسة

173

إيران

175

رضاشاه  

177

شعب إيران

179

مأثورات

181

 

 

 

 

 

 

184


160
الكلمات القصار للسيد عبد الحسين شرف الدين