المقدمة
المقدمة: الحياة العزيزة في ظلّ النهضة العلميّة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الطيّبين الطاهرين وبعد.
يتّضح لكلّ من يُتابع الرؤية السديدة التي يُقدّمها الإمام الخامنئي دام ظله في أطروحته العلميّة والفكرية، أنّه يدعو ويُصرّ دائماً على إنتاج العلم والتجديد العلميّ في مقابل التقليد والتحجّر، ويعتبر أنّ النهضة الفكرية حاجة علمية تنقص المجتمع، وبدونها لن نتمكّن من النهوض وإعادة بناء حضارتنا في هذا العالَم.
وحول ذلك يقول سماحته: "من جملة ما يُلحظ في أجوائنا العلميّة - والذي يُعدّ من وجهة نظري واحدة من النقائص الكبيرة - أنّنا ولعشرات السنين نُردّد النصوص الغربيّة والأجنبيّة، فنقرؤها، ونحفظها، ونبني حركة التعليم على أساسها، غير أنّنا لا نجد في أنفسنا مقدرة على السؤال أو الإشكال. من الضروريّ مراجعة النصوص العلميّة، وتلقّي العلم من أيّ شخص، ولكن يجب أن يُرافق العلم في مسيرة رقيّه، أنّا
9
4
المقدمة
ذوو أرواح قويّة وشخصيّات صلبة وكفوءة يتحلّون بالجرأة على النهوض بالعلم، حتى يُمكن لذلك العلم أن يتطوّر، وهكذا نشأت الثورات العلميّة في العالم"1.
ومن الممكن أن يتطوّر بلد ما في مجال التعليم من الناحية الكمّيّة، وأن يكون قد قدّم لمجتمعه أعداداً من الخرّيجين، أو أكثر من ذلك، كأن يمتلك رصيداً كبيراً من الباحثين، ولكن مع ذلك، من الممكن أن يكون من البلدان الفقيرة في العالَم من ناحية إنتاج العلم. وبناءً عليه، فإنّ تمركز التعليم المنتج على خطّ إنتاج العلوم المحلّيّة يتّسم بأهمّيّة حيويّة ومصيريّة في نظام التعليم.
ومن هنا تجد سماحته يؤكّد: "يجب أن لا نقنع بالتحصيل العلميّ فقط، بل يجب أن يكون الهدف من بحوثنا وتعليمنا إنتاج العلم، أي: بلوغ النقطة التي تنطلق منها شرارة الإبداعات العلميّة في العالَم الإنسانيّ اليوم. فنحن من ناحية الإمكانيّات لا ينقصنا شيء قياساً بالذين أنتجوا العلم في العالَم، وعملوا على تنميته وتطويره، واستطاعوا إيجاد تقنيّات معقّدة بالاعتماد على علومهم"2.
والنقطة الجوهريّة في إنتاج العلم تتمثّل في التفريق بين "التعليم الإنتاجي" و"التعليم الاستهلاكي". ولذلك يقول سماحته: "إنّ أهمّ الأمور - في رأيي - أن يوجّه طموح مجتمعنا العلميّ لإنتاج العلم. يجب أن لا نكتفي بالترجمة، والاقتباس من خبرات الآخرين، وليس معنى ذلك أن لا نأخذ منهم، فلا أحد يقول بذلك، بل يجب أن نأخذ، ولكن لا بدّ من إنتاج العلم"3.
إنّ الاجتهاد الحقيقيّ، وإنتاج المعارف الدينيّة الجديدة والكفوءة في الحوزة العلميّة لا يكون بتكرار كلام العظام والمشاهير في الحوزة، بل باكتشاف الرؤى الجديدة، وعرضها، ولذلك، لا ينبغي أن نتصوّر بأنّ معنى إنتاج العلم في الحوزة هو مجرّد "تأليف جديد" في مواضيع سابقة، بل هو رسالة في اتّجاه "إنتاج الفكر
1 الإمام الخامنئي في لقائه بأساتذة وطلاب جامعة أمير كبير الصناعيّة. 9/ 12/ 1379هـ.ش.
2 الإمام الخامنئي في لقائه بحشد من أساتذة الجامعات من مختلف المدن الإيرانيّة، 8 / 8/ 1382هـ.ش.
3 الإمام الخامنئي في لقائه بمجموعة من نخب مسابقات الأولمبياد العالميّ والدوليّ، والطلبة المتميّزين في امتحانات عامي 80، و 81هـ.ش 3/ 7/ 1381هـ.ش.
10
5
المقدمة
التكامليّ"، وحركة مهتمّة بالاحتياجات المعاصرة للعالَم بأسره.
يقول سماحته في هذا الشأن: "إذا تكلّمنا عن علم الكلام، فلا ينبغي أن تتّجه الأذهان إلى تأليف بعض المؤلّفات الكلاميّة، فليست مهمّة الحوزة العلميّة العمل على زيادة نشر الكتب، مهمّتها "إنتاج الفكر التكامليّ". فإذا ازداد الإنتاج يأتي دور النشر بعد ذلك، فالنشر مسألة ثانويّة"1.
دور الحوزات العلمية
ويُبيّن سماحة القائد الفراغ الناتج عن عدم تقديم أنموذج الحياة الإسلاميّة من قِبَل الحوزات العلميّة قائلاً: "الموضوع الأوّل هو أنّ النظام تأسّس على أساس الإسلام، وأنّ نجاحه وفشله سيكون في العالَم وفي التاريخ منسوباً للإسلام، سواء شئنا - أنا وأنتم - أم أبينا. هذا النّظام شُيّد على أساس الفكر الإسلاميّ ومحوريّته، ويجب أن يُدار على أساس القوانين والرؤى الإسلاميّة ومحوريّتها. وأين يجب تحقيق هذا الفكر وتنقيح هذه الرؤى والمقرّرات؟ وأين ينبغي أن يُجاب على هذه التساؤلات؟ إذا لم تتكفّل حوزة قم العلميّة - التي تُعدّ في بلادنا، بل وعلى مستوى العالم الشيعيّ، الحوزة الأمّ، ومحور كلّ الحوزات -، وفي الدرجة الثانية بقيّة الحوزات بتنقيح وتبيين المقرّرات والأحكام والمعارف الإسلاميّة التي على وفقها ستكون حركة النظام، فمَن الذي ينبغي أن يتكفّل بذلك؟ ينبغي للحوزة أن تشعر بهذه المسؤوليّة. الحوزة العلميّة - لحدّ الآن - لم تتكفّل بهذه المسؤوليّة بصورة مباشرة، وأنا أذكر هذه النقطة بصورة صريحة. الحوزة تكفّلت ذلك بصورة غير مباشرة، وأمّا بشكل مباشر فلم تقم بذلك. هناك في الحوزة أفراد يعملون، ويبذلون الجهد، ويحلّون بأبحاثهم مشاكل النظام وتعقيداته، وهم طاقات انطلقت من الحوزات، وانتشرت في أنحاء البلاد، أو انضمّوا لأجهزة النظام المتعدّدة، ولكنّ الحوزة - بصفتها حوزة، ولحدّ الآن - لم تتكفّل بتنظيم المقرّرات الإسلاميّة وتقنين
1 الإمام الخامنئي، صحيفة كيهان. 16/ 9/ 1374هـ.ش.
11
6
المقدمة
منظومة القيم الإسلاميّة، والأخلاق العامّة التي نريد للشعب أن يتحلّى بها وتستند إلى الأدلّة الشرعيّة القطعيّة التي تحسم الجدل، فلا مجال بعدئذٍ لـ "ليتَ"، و"لعلّ"، و"لِمَ" و"بِمَ"، والحوزة العلميّة لم تُقدّم أنموذجاً للحياة الإسلاميّة، فمن يجب أن يقوم بهذا العمل؟ من الطبيعيّ أنّ الحوزات العلميّة هي التي ينبغي أن تخطو في هذا المضمار1.
ويُعيد سماحته السبب في ذلك إلى أنّ "الفقه" الذي يُعدّ همّنا الأساس لم يتطوّر ويتوسّع ليشمل المجالات المستحدثة، أو أنّ تطوّره كان محدوداً. واليوم هناك الكثير من القضايا التي ينبغي للفقه أن يُحدّد مصيرها، ولكنّه لم يفعل. الفقه يتحلّى بالقدرة اللازمة على ذلك، لكنّ طريقة الظروف المحيطة لم تُتح للباحث والمحقّق الكفوء أن يتناول هذه القضيّة، فعلى سبيل المثال قضيّة المال. فما هو "المال" أصلاً؟ وما هو هذا الدرهم أو الدينار اللّذان كثيراً ما يرد إسماهما في أبواب الفقه المختلفة، كالزكاة والديات والمضاربة؟ يجب تناول موضوع المال، ويجب أن يُبيّن أمره. من السهل جدّاً أن نعتبر هذه العمليّات المصرفيّة باستثناء مسألة المال والإيداعات، في عداد القروض، بل والقروض الربويّة، وأن نعتبرها من الخطوط الحمراء، ولكن، ألا ينبغي هنا أن نتعمّق في الموضوع أكثر؟ ونرى أهي حقّاً قروض، أم لا؟ فإذا وضعت الأموال في المصرف، هل يعني ذلك أنّنا نقرضه إيّاها، وأنّ المصرف يقترض منّا؟ من يقبل بذلك؟! إنّكم إنّما تضعونه كوديعة في المصرف، ولا تقرضونه. والمسائل التي من هذا القبيل كثيرة. ماذا عن قيمة المال في فترة التضخّمات الجنونيّة والفادحة، وليس التي تحدث قسراً في المسيرة العامّة لكلّ مجتمع، والتي تؤدّي إلى التقدّم، إذ من دون التضخّم، سوف ينتهي أمر المجتمع إلى الركود. ليس حديثنا حول ذلك، بل المقصود تلك التضخّمات التي تكون بنسبة عشرين، وثلاثين، وخمسين بالمائة، أو التضخّمات ذات الأرقام الثلاثة التي تتسبّب في انخفاض قيمة المال من أسبوع لآخر، فماذا بشأنها؟ ما هو مصير
1 الإمام الخامنئي، حديث الولاية، ج 3، ص 42 - 43. 7/ 9/ 1368هـ.ش.
12
7
المقدمة
المال في هذه الحالات؟ ماذا عن الديون الماليّة والقروض التي نتبادلها؟ إذا كنّا قد اقترضنا منكم مائة تومان قبل ستّة أشهر، والآن نريد تسديدها، فهل يوجد فرق بين تلك المائة تومان، وهذه المائة تومان حاليّاً؟ على أيّ حال، يجب أن تُحسم هذه المسألة فقهيّاً، ولا بدّ من إيجاد أسس لهذه الأمور. وبالطبع، فإنّ بإمكان الإنسان أن يجعل أمره سهلاً بالاقتصار على المطلقات والعموميّات، لكنّ الأمور لن تحلّ بهذه الشاكلة1.
دور الجامعات
وفي السياق ذاته، يؤكّد سماحة القائد على دور الجامعات في إيجاد الأسس لأنموذج الحياة الإسلاميّة، ويعتبر أن أهمّ ما يُتوقّع من الجامعات، هو تقديم الحلول الجديدة والحديثة بناءً على الأسس الدينيّة. ويقول في هذا الصدد: "يجب على العقول المفكِّرة من أساتذتنا وطلبتنا، أن يُحلّلوا الكثير من المفاهيم القانونيّة والاجتماعيّة والسياسيّة التي تُعتبر بشكلها وقالبها الغربيّ في نظر البعض كالوحي المنزل الذي لا مجال لأدنى تشكيك فيه. عليهم أن يُثيروا التساؤلات حولها، ويُناقشوا في قطعيّتها، وأن يوجدوا طرقاً جديدة لتناولها ضمن ورش بحثيّة كبرى تقام للعلوم المختلفة، فتنتهي بالنفع عليهم، ويتمكّنوا من اقتراحها على البشريّة. إنّ بلادنا اليوم بحاجة إلى ذلك، وإنها تتوقّعه اليوم من الجامعات، فعلى الجامعة أن تتمكّن من التأسيس لحركة فكريّة شاملة ومعمّقة، تضعها تحت تصرّف البلد والشعب، فيستطيع أصحاب الهمم والمثابرة تشييد بناء حقيقيّ لمجتمع عامر وعادل، مبنيّ على الأفكار والقيم الإسلاميّة، وذلك من خلال مقترحاتهم، وأطاريحهم، وإبداعاتهم العلميّة المحليّة"2.
1 الإمام الخامنئي، صحيفة كيهان. 16/ 9/ 1374هـ.ش.
2 الإمام الخامنئي، صحيفة كيهان. 16/ 9/ 1374هـ.ش.
13
8
المقدمة
وجوب التخطيط للنهضة الفكريّة
لمّا كانت مساحة الحركة والنهضة الفكريّة واسعة جدّاً في رؤية الإمام الخامنئي، فإنّه عمد إلى تقديم خطط وترسيم أهدافٍ متنوّعة وعديدة لها. ومن جملة الأهداف الرئيسة في كلمات سماحته - حسب ترتيب الأولويّة: - بناء الحضارة الإسلاميّة بأبعاد عالميّة واسعة النطاق تحت لواء الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة، إنتاج وتقديم نموذج الإدارة الإسلاميّة، حريّة الفكر، وانعتاق مفكّري العالَم الإسلاميّ من الهيمنة العلميّة والفكريّة للعالم الغربيّ، وفي نهاية المطاف: الحفاظ على الكرامة الإسلاميّة.
1- بناء الحضارة الإسلاميّة
إنّ أوّل أهداف النهضة الفكريّة وأهمّها هو "إعادة بناء الحضارة الإسلاميّة". يقول سماحته: "المصير المحتوم هو أنّ الحضارة الإسلاميّة سوف تُشرق مرّة أخرى على مساحات كبيرة من العالَم، والطريق الذي يرسمه النظام الإسلاميّ هو طريق الوصول إلى الحضارة الإسلاميّة"1.
وقد أصبحت هذه الحقيقة اليوم ملموسة بوضوح، فإنّ الثورة الإسلاميّة قلبت نظام موازين القوى في العالَم العصريّ، بمعنى أنّ الثورة بعد انتصارها كان لها الأثر الكبير في إزاحة قطب عالميّ، واستمرّت بعد ذلك في تحوّلها إلى سدّ وحائل حقيقيّ في طريق انبثاق عالم أحاديّ القطب. وحاليّاً، إذا أرادت الثورة الإسلاميّة أن تحتفظ بمكانتها على المسرح العالميّ، بل وأكثر من ذلك، إذا ابتغت أن تُمهّد الأرضيّة للإطاحة بالحضارة المادّيّة، فيتوجّب عليها أن تُقدّم للعالَم اليوم حضارة جديدة على أساس مبادئها وأهدافها وشعاراتها.
وهنا يقول سماحة السيّد القائد: "يجب أن يُبنى هذا البلد، ويجب أن يتقدّم،
1 الإمام الخامنئي، صحيفة "جمهوري إسلامي". 3/ 5/ 1374هـ.ش.
14
9
المقدمة
ويجب أن تزدهر طاقات هذا الشعب العظيم، ولا بدّ له أن يلمع في سماء العالَم، وأن يُبرز في نهاية المطاف تلك الحضارة الإسلاميّة العظيمة أمام أعين أهل العالَم، ويدلّهم عليها. ما زلنا في أوّل الطريق، وفي بداياته، والثورة قد أزالت العقبات، ووضعتنا في الطريق، وبدأنا مسيرتنا، وإلى الآن نحن في البداية"1.
وعلى هذا، يكون أهمّ موضوع وأكثر أهداف حركة النظام الإسلاميّ محوريّة هو التأسيس لحركة عظيمة على المستوى العالميّ، تحيا بها آمال البشريّة المتعبة من الحضارة المادّيّة، فتُقْبل على الحياة في ظلّ هذه الحركة.
يقول سماحته في موضع آخر: "إنّ قضيّة بناء نظام إسلاميّ وحضارة إسلاميّة وتاريخ جديد، قضيّة جادّة لهذا الشعب، فخذوها بجدّية. قد يحدث في بلد ما أن يقوم أحدهم بانقلاب، فيستلم أحد العسكريّين السلطة، ويبقى لفترة، ثم يذهب بعد ذلك، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، أو يتسلّم شخص آخر الحكم منه. مثل هذا الموضوع ليس بذي بال، أمّا قضيّتنا فهي قضيّة نهضة عظيمة على المستوى العالميّ"2.
دور النهضة الفكريّة في إعادة بناء الحضارة الإسلاميّة
يقول سماحة السيّد القائد حول ذلك:
"لإيجاد حضارة إسلاميّة - كأيّ حضارة أخرى - فإنّ الأمر يستلزم وجود عنصرين رئيسين: أحدهما: "إنتاج الفكر"، والآخر: "تربية الإنسان". والفكر الإسلاميّ كبحر عميق، أو يُشبه المحيط... والغوص في هذا المحيط العظيم، وبلوغ أعماقه واستكشافه - وكلّ هذا مستفاد من الكتاب والسنّة - هو عمل واجب على الجميع، وفعل ينبغي القيام به على مرّ الزمن. وإنّ "إنتاج الفكر" في كلّ عصر بما يتناسب مع احتياجات ذلك العصر من هذا المحيط المعارفيّ العظيم لهو أمر ممكن وميسور"3.
1 الإمام الخامنئي، بمناسبة عيد الغدير الأغرّ. 17/ 1/ 1377هـ.ش.
2 الإمام الخامنئي، صحيفة "جمهوري إسلامي". 12/ 8/ 1372هـ.ش.
3 الإمام الخامنئي في لقائه بحشد من طلبة المدرسة الفيضيّة. 14/ 7/ 1379هـ.ش.
15
10
المقدمة
إنّنا من خلال الاستعانة بإنتاج العلم سوف نكون قادرين على التأثير في العالم، وعلى إنجاز رسالتنا الإنسانيّة التي هي إنقاذ البشريّة من آفة حبّ الدنيا واتّباع الشهوات. وهنا يقول سماحته: "لا يمكن التأثير في العالَم أيضاً من دون العلم. هب أنّنا أفضل الناس في العالَم، وهب أنّنا أفضل الشعوب، وأشرفها، وأعزّها، ولكن ما فائدة ذلك حينما لا نستطيع التأثير على البشريّة، وأن لا نتمكّن من كبح جماح هذه الدوّامة المدمّرة وإيقافها؟! إنّ رسالة الإنسان يعيش أساساً في نطاق الإنسانيّة، فهل يا ترى يُمكن إنجاز كلّ هذه الأعمال العظيمة بعيداً عن العلم؟ أين هو علمنا؟"1.
2- تقديم أنموذج الإدارة الإسلاميّة
الهدف الثاني من أهداف النهضة الفكريّة هو "تقديم أنموذج الإدارة"، فأيّ بلد، يحتاج من أجل إدارته إلى "أنموذج" يُمكن على أساسه توزيع "السلطة"، و"الثروة"، و"المعرفة" في المجتمع بصورة عادلة، خصوصاً في العصر الحديث، حيث لا تكون نماذج الإدارة مهتمّة بالأبعاد الاقتصادية فحسب، بل تسعى أيضاً لتنمية شاملة ومنسجمة مع جميع شؤون الحياة الاجتماعيّة، ومنها: الأبعاد "السياسيّة" و"الثقافيّة" و"الاقتصاديّة". والنظام الإسلاميّ أيضاً في حياته الاجتماعيّة بحاجة إلى تصميم نماذج خاصّة به، فلا يُمكنه إطلاقاً أن يستخدم النماذج المستوردة من الشرق أو الغرب، ذلك لأنّ أسس تلك النماذج تتعارض مع الأخلاق، وتتعارض مع الإنسانيّة. يقول سماحته في هذا الشأن: "الثورة تغيير جذريّ مبنيّ على أساس منظومة من القيم، وهي حركة إلى الأمام. فالذي حدث في بلادنا هو ثورة إسلاميّة، للمجتمع، وحركة إلى الأمام، وخطوة في طريق تطوير هذه البلاد، وهذا الشعب. وبالطبع فإنّنا لم نقتد بالشرق ولا الغرب في النظام الذي تكوّن على أساس الثورة، وهذه نقطة مهمّة جدّاً. فلم يكن بإمكاننا أن نقتدي بالذين نرى أنّ أنظمتهم خاطئة، وتتعارض مع مصلحة البشريّة. ولم
1 الإمام الخامنئي، حديث الولاية، ج 5، ص 78, 23/ 5/ 1369هـ.ش.
16
11
المقدمة
تكن المسألة مسألة تعصّب دينيّ أو مذهبيّ أو جغرافيّ، بل كانت المسألة هي أنّ الأسس الشيوعيّة التي قامت عليها الأنظمة الشرقيّة في ذلك الوقت، لم يعد لها أيّة هويّة في عالَم اليوم، وكذلك الأسس التي قامت عليها الأنظمة الغربيّة، كانت خاطئة من الأساس، ولهذا لم نكن نستطيع، ولم نكن نريد أن نقتدي بها. والغرب أيضاً، ما كنّا نستطيع ولا كنّا نريد الاقتداء به، ذلك لأنّ الغرب قد يمتلك أشياءً، بيد أنّ ثمن امتلاكه لها هو فقدان أشياء أهمّ منها. فالعلم كان موجوداً في الغرب، لكنّ الأخلاق فيه منعدمة، الثروة كانت متوفّرة، لكنّ العدالة مفقودة، كما كانت التكنولوجيا متطوّرة، غير أنّ تطوّرها كان مقترناً بتدمير الطبيعة، وأسر الإنسان"1.
3- الحفاظ على الكرامة الإسلاميّة والارتقاء بها
الحفاظ على الكرامة الإسلاميّة وتنميتها على المستوى العالميّ لا يعتمد على الاستقلال السياسيّ والاقتصادي فقط، بل يعتمد على الاستقلال الثقافيّ والعلميّ أيضاً، ذلك لأنّ المجتمع الإسلاميّ إذا ما أصبح تابعاً للخارج والعالَم في كلّ الأبعاد، فسوف يواجه في حياته تحدّيات نابعة من هذه النقطة نفسها. ولقد ذكَّر سماحة القائد بحساسيّة الولايات المتّحدة والصهيونيّة في هذا الشأن قائلاً: "إنّ من أهمّ هواجس الاستعمار والاستكبار وأمريكا والصهاينة الصانعين للفساد في العالَم اليوم هو أن لا يسمحوا للبلدان ذات الأنظمة الثوريّة بالتقدّم من الناحية العلميّة، وهذه الحساسيّة تتضاعف بالنسبة لبلدنا، لأنّ الحساسيّة التي يحملونها تجاه الإسلام والثورة الإسلاميّة لم يكن ولن يكون لهم مثلها اتجاه أيّ ثورة أخرى. اليوم، يجب على الذين يستطيعون أن يطوّروا العلم في هذا البلد أن يشعروا بمسؤوليّتهم أكثر من ذي قبل، لأنّ العدو لا يريد أن يسمح لنا بالوقوف على أرجلنا. وهذا الاعتماد على النفس يتحقّق فقط عندما يكون العلم نابعاً من عندنا، وعندما لا تكون أيدينا ممدودة للاستجداء من الأعداء"2.
1 الإمام الخامنئي، خطبة صلاة الجمعة بطهران, 23/ 2/ 1379هـ.ش.
2 الإمام الخامنئي، ص 92، 29/ 9/ 1368هـ.ش.
17
12
المقدمة
وهنا، لا يعتبر قائد الثورة التبعيّة العلميّة للدول الأجنبيّة تبادلاً للأفكار، بل يراها عين الاستجداء، ذلك لأنّ تبادل الأفكار يكون دائماً بين طرفين متكافئين، غير أنّه في التبعيّة العلميّة، ليس هناك تكافؤ، بل هناك توسّل من جهة، وبذل للعلم مقروناً بالاحتقار من جهة أخرى. من هنا، تجده يؤكّد أيضاً: "إنّ واجبكم اليوم أن تبذلوا الجهود، وأن تكون هذه الجهود من أجل كرامة الإسلام ومنح الاستقلال لإيران الإسلاميّة. اجعلوا بلادكم مستقلّة من جميع الجوانب، بالطبع، فإنّ المقصود بالاستقلال ليس أن نغلق باب الإفادة من خارج الحدود، فهذا لا يُعقل، ولا يدعو إليه أحد، فعلى مرّ التاريخ كان البشر يستفيدون من بعضهم البعض، ولكنّ هناك فرقٌ بين تبادل الأفكار والأموال بين طرفين متكافئين متعادلين ومتساويين، وبين استجداء شخص من شخص آخر بالتوسّل، وإعطائه سؤله مع الاحتقار له، وهذا هو المتداول قبل الثورة إلى حدّ ما".
والحمد لله رب العالمين
مركز نون للتأليف والترجمة
18
13
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
المناسبـــة: ذكرى انتفاضة التاسع عشر من شهر دي
الحضور: جمعٌ من أهالي مدينة قم
المكان: طهران
الزمان:
19/10/1392 هـ.ش.
07/03/1435 هـ.ق.
09/01/2014 م.
19
14
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بجميع الأخوة والأخوات الأعزّاء، والعلماء الأعلام، والفضلاء المحترمين، والشباب المتحمّس والمؤمن، وعموم فئات أهالي قم، الذين - وبشهادة الأحداث التاريخيّة في العصر الحالي - أظهروا عظمتهم وامتزاج الشوق والأحاسيس لديهم، وأثبتوا شجاعتهم وجهادهم المميّز وحماسهم العظيم، في تلك الأحداث الكبرى والمصيريّة طوال تلك السنوات.
19 دي ممتدٌّ إلى ما بعد الثورة
على الرغم من أنّ يوم التاسع عشر من شهر دي1، ولأسباب عديدة، هو يوم مميّز ومنقطع النظير، فإنّه ممّا لا شكّ فيه، أنّ امتياز العمل وما قام به أهل قم، لا ينحصر في ذلك اليوم.
دائمًا، عندما ننظر إلى مكانتكم - أهل قم - نجد موقعًا ودورًا رائدًا لكم في مرحلة ما بعد انتصار الثورة، وفي الأحداث المختلفة وفي زمن الحرب المفروضة، بل وفي كلّ الأحداث المهمّة والمصيريّة التي حصلت في العقود القريبة الماضية.
ونشكر الله، على أنّ الوضع هكذا، وهذا ما جعل قم تحمل عنوان علماء الشّيعة والإسلام، وتكون اليوم رمز عظمة الجمهوريّة الإسلاميّة.
1 19 دي (هـ.ش.) موافق لـ 9 ك2 1978م، ذكرى انتفاضة أهالي قم وهي حادثة مفصلية في تاريخ الثورة الإسلاميّة.
21
15
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
قم: بوصلة الباحثين والمحلّلين
إنّ من يفكّر ويبحث ويحلّل المسائل المتعلّقة ببلدنا، وبنظام الجمهوريّة الإسلاميّة - صديقًا كان أم عدوًّا - فإنّ واحدة من النقاط المهمّة التي يركّز عليها عمله هي مدينة قم، والحوزة العلميّة في قم، وأهل قم، والأحداث المتعلّقة بقم.
نسأل الله تعالى، الذي وفّقكم وساعدكم إلى يومنا هذا - أيّها الأعزّاء، أيّها الناس النجباء، ويا أهل العمل والنشاط - أن يشملكم بعونه وهدايته في المستقبل أيضًا، حيث إنّ بلدنا، بالتأكيد، يحتاج في أفق رؤيته المستقبليّة، إلى الإرادة القويّة والعزم الراسخ والخطوات الحيويّة.
أمّا فيما يخصّ يوم 19 دي، فإنّ الخطباء والمحلّلين المتعدّدين، وأهل الفكر والبيان، وأهل الرأي والتأمّل، لا زالوا يتحدّثون فيه وفي الأبعاد المختلفة لهذه الحادثة، وهم يُخضعونها، منذ ما يربو على الثلاثين سنة إلى الملاحظة والتحليل والتفصيل وتبيان دورها وآثارها.
﴿حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾!
ولكن في الوقت نفسه، أعتقد - أنا العبد الحقير لله - أنّ (قضيّة) هذه الحادثة المهمّة، لا زالت تستحقّ التأمّل والتدقيق، حتّى يومنا هذا، حيث توجد أبعاد لهذه الحادثة، يمكن إعادة بيانها وإحيائها وأخذ الدروس والعبر منها. ومن تلك الأبعاد، أنّ حادثة 19 دي - والتي وقعت في قم - تشكّل مظهرًا (ورمزًا) لهذه الآية الشريفة: ﴿فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾1.
لقد ورد في القرآن الكريم، في آية من سورة الروم، حيث قال الله تعالى أنّ نصر المؤمنين هو حقٌّ على الله تعالى. وقد ورد هذا التعبير في عدّة مواضع من القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾2، وموارد أخرى. وهنا أيضًا، قوله تعالى حول جعله نصر المؤمنين حقًّا علينا، أي:
1 سورة الروم، آية 47.
2 سورة التوبة، آية 111.
22
16
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
على الذات المقدّسة لربّ العالمين! حسنًا! ما هي شروط هذا النصر؟ بأيّة ظروف قال الله تعالى أنّه ينصر المؤمنين؟!.
إنّ هذا النصر يتحقّق عندما لا يوجد أيّ بصيص أمل بحسب الظاهر. لاحظوا هذه الآيات: (في ظرف) عندما وقف جيش أعداء معسكر الإيمان، بقدرته الظاهريّة، وبكلّ ما يملك من قوّة، في وجه المؤمنين، وبدأت مواجهة عظيمة بين الجبهتين، في هكذا ظروف قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
عندما نزل شباب قم من طلبة العلوم الدينيّة وغيرهم، من الفئات المختلفة، والناس المؤمنون، إلى شوارع قم وأزقّتها، دفاعًا عن الإمام ودفاعًا عن الحقيقة، ودفاعًا عن الراية المرفرفة والمقارِعة للطاغوت، وأضحوا عرضة لرصاص عملاء نظام الطاغوت وسالت دماؤهم على الطرقات، لم يكن أحد منهم، ولا من المقرّبين منهم، يوم ذاك، يفكّر في الأثر الذي سوف تتركه هذه الحادثة.
استشعروا المسؤوليّة، فجمعوا كلّ طاقاتهم ووضعوا كلّ ما يملكون على أكفّهم ونزلوا إلى الساحة.
هل تصوّر أهل قم أن يكون يوم "19 دي" منشأ هذا التحوّل العظيم لسلسلة المواجهات والاعتراضات، وأن تنتهي انتفاضتهم بنهضة جماهيريّة عارمة، تحسم الأمر وتُسقط النظام؟ وهل تصوّر أهل قم أنّ العمل الذي قاموا به، سيكون له هذا القدر من البَرَكَة؟! لم يتصوّروا ذلك. ولكن: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
البصيرة، لازمة الإيمان
إنّ عامل النصر هو أن تمتلك جماعة ما - أو شعب ما، إن وسّعنا المثال - إيمانًا صحيحًا (حقًّا)، راسخًا، يكون متلازمًا مع البصيرة، بحيث يترافق هذا الإيمان والبصيرة مع العمل والإقدام، هذه الأمور إذا جُمعت معًا، يصبح النصر حتميّاً.
عندما تجدون أنّ قومًا مؤمنين لا ينتصرون، فذلك إمّا لأنّ إيمانهم ضعيف، أو أنّ إيمانهم خاطئ، كأن يكون إيمانًا بما لا ينبغي الإيمان به، أو هو إيمان ليس فيه بصيرة بقضايا العالم وبما يدور حولهم.
23
17
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
إنّ عدم امتلاك البصيرة، هو كعدم امتلاك العين، فلا يرى الإنسان طريقه، نعم، لديكم العزم ولديكم الإرادة، ولكنّكم لا تعلمون إلى أين يجب عليكم أن تذهبوا.
لقد ركّزنا (أكدّنا) كثيرًا على البصيرة في قضيّة حوادث "9 دي"، ولم يعجب البعض ذلك، لأنّه لو لم تتوفّر البصيرة، لكان من الممكن أن يجرّ هذا الإيمان - ذاته - الإنسان إلى طريق الضلال.
إنّ من ليس لديه العلم، ليس له بصيرة صحيحة فيما يدور ويجري من حوله. وقد يحدث أن يضلّ الطريق فيضلّ عن الصواب، فلا تذهب قواه هدرًا فحسب، بل تسحبه وتوصله إلى الضياع والى الطريق المنحرف، فلا بدّ من البصيرة.
العمل الصالح
إنّ العمل الصالح يكون على أساس الإيمان، والإيمان الراسخ هو الإيمان الصحيح. الإيمان مع البصيرة، والمواظبة والاستقامة. فإذا كان الأمر كذلك كان النصر حتميّاً.
إنّ هؤلاء الذين لا ينتصرون، يفتقدون أمرًا من هذه الأمور: إمّا أنّهم لا إيمان لديهم، أو أنّ إيمانهم ليس إيمانًا صحيحًا، أو أنّهم ليس لديهم الاستقامة، أو ليس لديهم البصيرة، فيضعون حملهم في منتصف الطريق، وطبعًا، لن يصلوا إلى أيّ نتيجة.
لقد أعدّ شعب إيران هذه الظروف، فكان إيمانه صحيحًا، لأنّ دليله (قائده) كان صادقًا، وكان دليلًا ماهرًا وخبيرًا، وكان فقيهًا بأمور الدنيا من حوله، ومنقطعًا عن المطامع والمنافع الماديّة الشخصيّة، وكان عالمًا بالكتاب والسنّة، فكان يدلّ الناس على الطريق القويم. وتحرّكَ الناس كذلك، ببصيرة، وفهموا ما عليهم أن يفعلوا، وقاموا بما وجب عليهم أن يقوموا به، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. والأمر كذلك اليوم.
إنّ من أهمّ الأمور اليوم، أن نتأمل في سلوكنا، فيما مضى من أيّامنا، فنأخذ درسًا من ضعفنا أو من قوّتنا. واليوم، الأمر كذلك، فلا يتوهمّن أحد، أنّ من وقف بوجه الثورة الإسلاميّة بكلّ قوّته، قد انصرف اليوم من المواجهة. كلا! اليوم أيضًا، هو في المواجهة.
24
18
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
وغاية الأمر أنّ العدوّ ينسحب إذا اضطرّ أن ينسحب، إذا أجبرناهم على التراجع، فإنّهم ينسحبون، ولكنّهم لا يتخلّون عن عداوتهم، هذه هي الأمور في العالم اليوم. يجب أن تعرف العدوّ، ويجب معرفة جبهة العدوّ، فلا يصحّ أن تحمل ابتسامة العدوّ على محمل الجدّ. لا ينبغي أن نكون مفتونين (منبهرين) بالعدوّ، ولا يجوز أن ننسى الهدف، فهدف الجمهوريّة الإسلاميّة هو الوصول إلى المثُل الإسلاميّة العليا، أي: السعادة الماديّة والمعنويّة للبشر، والتقدّم والتطوّر في أمور الحياة الماديّة والمعنويّة. ولا يجوز أن ننسى هذا الهدف، بل علينا المتابعة، وينبغي أن نكون على يقين أنّنا بالإيمان الراسخ والمضيّ إلى الأمام، وبالبصيرة فيما حولنا من أمور ومسائل جارية، وبالبصيرة قبال العدوّ والبصيرة بما يخصّ ميدان العمل وجبهة المواجهة، فإنّ النصر حتميّ لا ريب فيه.
هذا ما ينبغي الالتفات إليه، وما أقوله - أنا العبد - مرارًا وتكرارًا، أنّ أفق (مستقبل) نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هو أفق منير واضح - إنّما هو لما ذكرت، وذلك لأنّه - وبحمد الله - لدى شعبنا وشبابنا، رجالنا ونساؤنا، الإيمان ولديهم البصيرة ويعرفون عدوّهم، وهم من أهل العمل والابتكار.
ضمانة البلاد، شعبٌ فاعل، دولة فاعلة
ما هي المسألة التي تصدّى لها شبابنا ولم يستطيعوا حلّها؟ في أيّ مكان من بلادنا، كانت البنى التحتيّة فيه متوفّرة وجاهزة، استطعنا أن نتقدّم إلى الأمام، وهذا ببركة الاستعداد والقدرة التي جعلها الله تعالى في هذا الشعب المؤمن، وهذه هي طبيعة العمل، إذ يجب أن نتقدّم دومًا إلى الأمام: على الصعيد العمليّ والاجتماعيّ وعلى صعيد إعادة البناء، وفي السياسة وفي مختلف المجالات. حيث كنّا نمتلك الثقة، تقدَّمنا. واليوم كذلك أيضًا.
ولقد كنت أوصي المسؤولين المحترمين، وعلى الدوام، بأن يلتفتوا إلى قدراتنا الذاتيّة، وما لدينا من قوى لأجل حلّ مشاكل البلاد، لا ينبغي أن ننظر إلى الخارج، طبعًا، يجب أن نعمل على حلّ مسائل الخارج، ولا شكّ في ذلك، إنّ الشعب الفاعل،
25
19
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
والدولة الفاعلة، والحكومة الفاعلة، جميعهم فاعلون في كلّ الميادين: في المسائل العلميّة، وفي أمور المنطقة، ولابدّ من هذه الفاعلية في الأمور الدبلوماسيّة. وخلاصة القول: أنّه ينبغي أن يكون أملنا بعون الله عزّ وجلّ، وأن نعتمد على طاقات شعبنا وبلدنا في الداخل. هذا هو ما يحمي البلاد.
تلاحظون اليوم أنّ أعداءنا، والذين لم يعرفوا الشعب الإيرانيّ جيّدًا، كانوا دائمًا يقعون في هذا الاشتباه. واليوم، هم يقعون في نفس الخطأ. هم لا يعرفون شعبنا ولا يعرفون بلادنا، هؤلاء يتوهّمون - بما يمارسونه من ضغط العقوبات الاقتصاديّة - أنّ الشعب سيسلِّم لهم ويرفع يديه عاليًا. كلّا يا سادة. أنتم مخطئون.
قوة الشعب
هذا الشعب ليس شعبًا يرفع يديه مستسلمًا، وهذا الشعب لم يستسلم في ظروفٍ أصعب، وكمثالٍ واضح وغير قابل للإنكار، ثمانية أعوام من الحرب المفروضة، فهل هذا مزاح؟. ثمانية أعوام!. قامت القوى الكبرى في العالم فساعدت مجرمًا ضدّ بلدنا وضدّ شعبنا، وانتصر الشعب عليهم جميعًا، فهل هذا عملٌ صغير؟ وهل هذا أمرٌ يسير؟1
هناك أيضًا: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. وهناك، كان ذلك العزم الراسخ والتصميم القاطع والحاسم، فجئنا، بما منّ الله تعالى به علينا، إلى ميدان العمل وساحة النزال، وبدأت العقد تتفكّك واحدة تلو الأخرى، فهل كانت (ظروف) الحرب في عامها الأوّل أو بعد سنتين أو ثلاث سنوات ذاتها كما كانت في اليوم الأوّل؟
كلّا، بل توسّعت يومًا بعد يوم، وقامت أميركا بحماية ودعم النظام البعثيّ، ومعها الاتّحاد السوفياتيّ السابق، وكذلك أوروبا وإنكلترا والآخرون، ودعموا صدام المجرم، لعلّه يستطيع القيام باحتلال دائم، لأرض بلدنا العزيز، ولكنّه، وبعد ثماني سنوات فشل، ولم يستطع التقدّم شبرًا واحدًا إلى ما كان يسعى إليه.
1 المقصود حسب السياق: هل أنّ انتصارات الشعب خلال هذه الحرب أمر سهلٌ ويسير؟
26
20
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
ورغم كلّ تلك الخسائر والقتلى والفضائح على الساحة العالميّة، اضطرّ إلى الانسحاب. واليوم كذلك. اليوم، بإمكاننا أن نواجه عداوة الأعداء، وأن نعمل على حلّ هذه المشاكل بثبات الشعب وبالاتّكال على طاقاتنا في الداخل، وبالاعتماد على الله الذي جعل هذه القلوب هكذا، وهداها إلى سواء السبيل.
طبعًا. عندما ينظر العدوّ، فيرى شعبًا يملؤه العزم وهو شعب صامد ثابت، ولديه تصميم على التقدّم، عند ذلك، يُضطرّ العدوّ إلى الانسحاب. وهكذا حدث. هذا خطؤهم، يريدون ضرب شعب إيران ببعضه.
إنّهم يقولون الحقيقة: "لا يستطيعون"
هم يتوهمون ويقولون أنّه - وبسبب الحصار الاقتصاديّ - قد أجبروا إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. كلا. ليس الأمر كذلك. ولقد كنّا أعلنّا من قبل، قبل هذا الكلام قلنا: إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة يفاوض هذا الشيطان في موضوعات معيّنة، ممّا نرى فيه المصلحة لنا، ولأجل دفع شرّهم ولحلّ المشاكل العالقة، ولا يعني ذلك أنّ الشعب قد تراجع، هيهات! أبدًا.
إنّ إحدى بركات المفاوضات الأخيرة، أنّ عداء أميركا وزعماء الولايات المتّحدة الأميركيّة لإيران والإيرانيين وللإسلام والمسلمين، قد أصبح واضحًا للعيان، وأصبح موثّقًا بالأدلّة. وقد فهم الجميع ذلك - تسمعون كلامهم ولهجتهم - وهم عندما لا يُقدِمون، يقولون: لا نستطيع فعل ذلك. إنّهم يقولون الحقيقة، فهم لا يستطيعون. وأن لو استطعنا لقضينا على أصل الصناعة النوويّة في إيران، ولشتّتناها وعملنا على تفكيكها. ولكن لا نستطيع. طبعًا لا يستطيعون.
لماذا لا يستطيعون ذلك؟ لأنّ هذا الشعب أراد أن يعتمد على نفسه في هذه المسألة، وفي المسائل الأخرى كذلك، وقرّر الصمود وصمد. لقد صمّم الشعب على إظهار ابتكاراته في الساحة، وأظهرها. ولهذا، فإنّ العدوّ لا يستطيع أن يفعل شيئًا. والأمر كذلك في بقيّة الأمور والمسائل.
لقد اتّضحت عداوتهم، واتّضح عجزهم، فراحوا يخبطون خبط عشواء في كلّ
27
21
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
سبيل، ولقد أظهر سياسيّوهم ووسائلهم الإعلاميّة ومحافلهم السياسيّة حقدهم الدفين، ذلك الحقد القديم، وطوال ثلاثين عامًا، مرارًا وتكرارًا وبتعبيرات مختلفة. ثمّ يحملون شعار مسألة حقوق الإنسان، ومسألة الإسلام، ومسألة الالتزام بالموازين الدّينيّة. هذا كلامهم الذي يواجهوننا به اليوم.
أيّها المتشدّقون بحقوق الإنسان!
أقول لكم: إنّه قد يحقّ لأيٍّ كان أن يتكلّم في مسألة حقوق الإنسان، ولكن لا يحقّ ذلك للأميركيين، وذلك لأنّ دولة أميركا تعدّ من أكبر ناقضي حقوق الإنسان في العالم، ليس في الماضي، بل هم اليوم كذلك، وفي كلّ لحظة، يدعمون الكيان الصهيونيّ الغاصب، ويساندونه وهو من يفتعل ويشعل كلّ هذه الشرارات في المنطقة.
حال فلسطين اليوم
ما هو وضع فلسطين اليوم؟ وما هو وضع الفلسطينيّين؟ وما هو حال غزّة؟ إنّ الناس في العالم اليوم لا يعرفون أحوال أهل غزّة. إنّ المرضى المحتاجين إلى الدواء اللازم لاستشفائهم، يبقون على الأرض في هذه القطعة المظلومة من الأرض، ولا يعطونهم الأدوية البسيطة. لماذا؟ لأن أميركا تدعم الكيان الصهيونيّ الغاصب، ويحاصرون بلدًا وشعبًا مظلومًا من جميع الأنحاء. فلا يبقى لهم طريق إلى الخارج. وليس لديهم من الإمكانات اللازمة أيّ شيء.
مريضهم يبقى على الأرض، وجائعهم يبقى جائعًا، ويمنعون عنهم أبسط ضروريّات الحياة، فهل هذا ليس ظلمًا؟! وهل هذا ليس نقضًا لحقوق الإنسان؟! ثمّ لا يخجلون من التحدّث عن حقوق الإنسان والتلفّظ بها على ألسنتهم.
28
22
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
هل أُغلق معتقل غوانتنامو؟!
هذا السيّد الذي ترشّح لانتخابات الرئاسة1، وعد الناس في حملته الانتخابيّة، قبل خمس أو ستّ سنوات، بأنّه سوف يغلق معتقل غوانتانامو، وقد مضى اليوم على ذلك ستّ أو سبع سنين، فهل أغلق معتقل غوانتانامو؟!
إنّما هؤلاء هكذا: ظلمٌ للناس، وهجوم على الناس، وطائرات بلا طيار فوق رؤوس الناس في أفغانستان وباكستان، وقتل الناس الأبرياء.
آلاف الجنايات والاعتداءات على المدنيّين وفي مختلف المناطق، ويبتدعون أساليب في الاعتداء - وهناك الكثير من اعتداءاتهم حصلت بأساليب غير معروفة للناس في العالم - وسوف تتّضح فيما بعد. ثم يأتي هؤلاء ليتشدّقوا بحقوق الإنسان؟! نحن نتّهم نظام الولايات المتّحدة الأميركيّة وكثير من الدول الغربيّة بسبب نقضهم لحقوق الإنسان، نتّهمهم وندَّعي عليهم.
ونحن نوجّه إليهم السؤال، ونأخذ بتلابيبهم أمام محكمة الرأي العام العالميّ، وليس لديهم الجواب أصلًا.
اعتمدوا على أنفسكم!
إذا أراد الشعب الإيرانيّ أن يتخلّص من مشاكله الماديّة والمعنويّة، ومن مشاكله الأخلاقيّة ومشاكله الاقتصاديّة، يجب عليه أن يعتمد على نفسه، وأن يعتمد على فكره وإرادته وعلى إيمانه وشبابه وعلى شخصيّاته، وأن يعلم أنّ حلّ المشاكل عند الله المتعال. واعلموا أيّها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات، ويا أهل قم الأعزّاء، ويا أيّها الشعب الإيرانيّ، أنّ شعب إيران برهن أنّه - وبالاعتماد على الله تعالى - سيعبر كافّة الموانع، وسيصل إلى أهدافه.
1 المقصود: أوباما.
29
23
في لقاء أهالي مدينة قم المقدّسة بمناسبة انتفاضة 19 دى
رحمة الله تعالى على إمامنا العظيم، الذي بدأ ثورته من قم، وأوضح لنا ولشعب إيران معالم الطريق، واستقام في هذا الطريق بهمّته وبإيمانه وثباته وبتوكّله على الله ربّه، وجعلنا نمشي على خطاه في هذا السبيل. ونحن جميعًا، نتعهّد بأن نستمرّ في هذا الطريق إلى النهاية.
رحمة الله على شهداء زمن الثورة الأعزّاء، وشهداء زمن الحرب المفروضة، وكلّ الشهداء إلى اليوم، وشهداء قم الأعزّاء، وعليكم، أيّها الأخوة والأخوات الكرام.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
30
24
بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام
المناسبـــة: ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام وأسبوع الوحدة الإسلاميّة
الحضور: مسؤولو الدولة والضيوف المشاركون في مؤتمر الوحدة الإسلاميّة
المكان: طهران
الزمان:
29/10/1392 هـ.ش.
17/03/1435 هـ.ق.
19/01/2014 م.
31
25
بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك عيد المولد المبارك والسعيد للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وابنه العظيم الإمام الصادق عليه السلام، لجميع الحاضرين في هذا الاجتماع، ولضيوف مؤتمر الوحدة الإسلاميّة الأعزّاء، ولسفراء الدول الإسلاميّة ولجميع المسؤولين الذين يتولّون المسؤوليات الجسام في البلاد، كما أبارك للشعب الإيراني وللأمة الإسلاميّة جمعاء، بل لجميع أحرار العالم.
ذكرى المولد، تجديد العهد للرسول صلى الله عليه وآله وسلم
هذه الولادة المباركة هي مصدر البركات التي حلّت على جميع أبناء البشر عبر القرون، وأوصلت الأمم والإنسان والإنسانيّة إلى مصافّ العوالم الإنسانيّة والفكريّة والروحيّة، وإلى الحضارة السامية والآفاق المنيرة للحياة.
وما يهمّ الإسلام والمجتمع الإسلاميّ في هذه الذكرى، هو أن نضع ما يريده النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من المجتمع الإسلاميّ نصب أعيننا، ونسعى جاهدين لتحقيقه، إذ تكمُن سعادة العالم الإسلاميّ في هذا لا غير.
جاء الإسلام من أجل سعادة البشر، ولتحريرهم من قيود وبراثن الأنظمة المستبدّة، والظالمة لمختلف طبقات البشر وإقامة الحكومة العادلة، وأيضًا لتحريرهم من الأفكار والأوهام المسيطرة على حياة الإنسان التي تقوده وتسيّره خلافًا لمصلحته.
33
26
بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام
الإسلام حريّة القلب والرّوح
وصف أمير المؤمنين عليه السلام حياة الناس في البيئة التي ظهر فيه الإسلام، بأنّها بيئة فتنة: "في فتنٍ داستهم بأخفافها ووطئتهم بأظلافها"1، الفتنة تعني: الأجواء الملوّثة بالغبار، حيث تعجز العين عن الرؤية في تلك الأجواء الملوّثة. فلا ترى طريقها ولا تشخّص مصلحتها. هكذا كانت حال الناس الذين عاشوا في تلك المنطقة المليئة بالمحن والشقاء. وهذا ما كان سائدًا في الدول الكبرى، وفي حضارات ذاك الزمن، التي امتلكت حكومات وشعوبا، لكن بأشكالٍ مختلفة. وليس الأمر أن نتصوّر أنّه في زمن ظهور الإسلام في الجزيرة العربيّة، كان الناس هناك تُعساء، والشعوب الأخرى سعداء. كلا! فغلبة الحكومات الجائرة والظالمة، وعدم احترام شأن الإنسان والإنسانية، والحروب المدمّرة التي جرت بين القوى، وبهدف فرض سيطرتها، قد شرذمت حياة البشر.
ويشير التاريخ إلى وجود حضارتين في ذلك الزمن، هما الحضارة الإيرانية (الفارسية) الساسانيّة، وحضارة الإمبراطوريّة الرومانيّة. كان الناس، ومن مختلف الأطياف والشرائح، يعيشون في تلك المجتمعات حالة مزرية تحرق قلب الإنسان، كانوا يعيشون حياة الرقّ والعبوديّة والأسر، فجاء الإسلام وحرّرهم، وكانت الحريّة بالدرجة الأولى، لقلب الإنسان وروحه. وعندما شعر الإنسان بالحريّة، شعر معها بالحاجة إلى فكّ القيود، وقد أصبحت قواه تحت تأثير تلك المشاعر، فإذا ما عقد الهمّة وتحرّك، فسوف يصل إلى الحريّة المنشودة. وهذا ما فعله الإسلام للإنسان. وهي ذاتها، رسالة اليوم للعالم الإسلاميّ والعالم بأسره. فأعداء حريّة الإنسان يعمدون إلى قتل الفكر الإنسانيّ الحرّ، والقضاء عليه. وإذا ما فُقد الفكر الحرّ، فستبطئ الحركة نحو الحريّة أو تنتفي كليًّا.
1 السيد الرضي، نهج البلاغة، الخطبة الثانية.
34
27
بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام
التكليف اليوم: تحقيق الحريّة
إنّ تكليفنا اليوم - نحن المسلمون - هو العمل للوصول إلى الحريّة التي يبتغيها الإسلام. فاستقلال الشعوب الإسلاميّة، استقرار الحكومات الشعبيّة في كافة أنحاء العالم الإسلاميّ، مشاركة وحضور جميع أفراد الشعب في القرارات المصيريّة، والحركة على أسس الشريعة الإسلاميّة هي التي ستُنقذ الأمّة. وبالطبع، فإنّ الشعوب الإسلاميّة اليوم، وفي جميع أنحاء العالم الإسلاميّ تشعر بالحاجة إلى هذه الحركة، وفي النهاية ستصل هذه الأحاسيس إلى النتيجة المرجوّة. بلا شكّ، إذا قام نخبويّو الشعوب وعقلاؤهم - سواء النخب السياسيّة، العلميّة والدينيّة - بواجباتهم بالشكل الصحيح، فسيكون مستقبل العالم الإسلاميّ كما نرجو ونروم، ولدينا أمل بهذا المستقبل، هناك اليوم، شعورٌ بالصحوة في العالم الإسلاميّ. ومن هذه النقطة بالتحديد يدخل الأعداء إلى الساحة، الأعداء المخالفون للصحوة الإسلاميّة، ولاستقلال الشعوب، ولحكم دين الله في البلاد، يدخلون بمختلف أنواع الخدع لشلَ المجتمعات الإسلاميّة، وأهمها إيجاد الفرقة والاختلاف.
فلسطين لن تُنسى!
منذ 65 عامًا والاستكبار العالمي يسعى بكلّ وجوده وقوّته لفرض واقع النظام الصهيونيّ على الشعوب الإسلاميّة، ولحملهم على القبول هذا الواقع، وقد فشل حتى الآن. ولا تلتفتوا إلى الدول والحكومات المستبدّة - كي تحفظ مصالح أصدقائها الأجانب المعادين للإسلام - لأن تدوس مصالح شعوبها، ووضع مصالح الإسلام طيّ النسيان، فالشعوب مخالفة للوجود الصهيونيّ!
إنّهم يحاولون منذ 65 عامًا محو اسم فلسطين من الذاكرة ولم يفلحوا. وقد أثبتت الشعوب الإسلاميّة والأمّة الإسلاميّة - خلال السنوات الأخيرة في حرب 33 يومًا على لبنان وحرب 22يومًا على غزّة، وبعدها حرب 8 أيام على غزّة أيضًا - أنّها ما تزال حيّة، واستطاعت، رغم رصد أميركا والغرب لميزانيّات ضخمة، أن تحافظ
35
28
بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام
على هويّتها وأن توجّه صفعة قويّة للنظام الصهيونيّ المفروض والمزوّر، ولعرّابي وأصدقاء وحلفاء الصهاينة الظالمين، حيث باءت بالفشل جميع محاولاتهم خلال هذه المدّة لحفظ هذا النظام الغاشم والمجرم! فقد أظهرت الأمّة الإسلاميّة أنها لم تنس فلسطين، وهذا أمر مهم جدًّا.
في هذه الظروف نفسها، تنصبّ جميع جهود الأعداء، لجعل الأمّة الإسلاميّة غافلة عن فلسطين. كيف؟ عبر زرع الخلافات، وعبر الحروب الداخليّة، وعبر الترويج للتشدّد المنحرف باسم الإسلام وباسم الدين والشريعة، فتقوم مجموعة وتكفّر عامة المسلمين وأكثرية المسلمين.
التيّارات التكفيريّة، مسرّة الاستكبار!
إنّ وجود هذه التيارات التكفيريّة في العالم الإسلاميّ، هو بمثابة بشرى1 للاستكبار ولأعداء الإسلام. فهم بدل أن يوجّهوا اهتماماتهم إلى واقع النظام الصهيونيّ الخبيث، يصبّون اهتماماتهم في اتجاه آخر، على النقيض ممّا يريده الإسلام تمامًا. فالإسلام يريد للمسلمين أن يكونوا ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾2، على المسلمين أن يكونوا أشدّاء على أعداء الدين، عليهم الصمود، وأن لا يخضعوا لهم. ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ﴾: آية صريحة في القرآن الكريم. وأن يكونوا ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾، أن يتوحّدوا، وأن يتضافروا، وأن يعتصموا بحبل الله، هذا ما يأمر به الإسلام. عندما يظهر تيّارٌ يقسّمُ المسلمين إلى مسلم وكافر، ويستهدف جماعة منهم على أنّهم كفّار، ويزرع الشقاق بين المسلمين! فمن منّا لا يشكّ في أنّ وجود هذه التيّارات ودعمها وتمويلها، ومدّها بالسلاح وغيره، هو من عمل الاستكبار وأجهزة الاستخبارات الخبيثة للدول المستكبرة!؟ هم يجلسون (يتآمرون) ويخططون لأجل هذا. على العالم الإسلاميّ أن يهتمّ بهذه القضيّة، إنّه لخطرٌ كبير.
1 بمعنى: مسرّة للاستكبار وللأعداء.
2 سورة الفتح، الآية 29.
36
29
بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام
الدولة الإسلاميّة وتيارات التكفير
للأسف، فإنّ بعض الدول الإسلاميّة تغذّي هذه الخلافات، دون أن تفطن إلى أنّ نيران هذه الخلافات ستأتي على الجميع. هذا هدف الاستكبار: تنازع جماعة من المسلمين مع جماعة أخرى. وإن عناصر (مسبّبو) هذا النزاع، هم جماعة تتلقّى المال والسلاح من وكلاء (أزلام) المستكبرين، لإيجاد التناحر بين أبناء الوطن الواحد في هذا البلد أو ذاك، وقد ضاعف الاستكبار من حركته تلك خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، في الدول العربيّة والإسلاميّة التي شهدت صحوات إسلاميّة، بهدف بسط نفوذه على تلك الصحوات. فهؤلاء يوقعون بين المسلمين، وكذلك يشوّهون صورة الإسلام في نظر الرأي العام العالمي من خلال التضخيم المتعمّد في الوسائل الإعلاميّة للأعداء. فما هي الفكرة التي سيأخذها العالم عن الإسلام عندما يرى شخصًا باسم الإسلام، يمضغ ويأكل كبد إنسان آخر؟ لقد خطّط الأعداء لذلك. وهذه الأمور لم تظهر فجأة، وليست وليدة الساعة. بل لقد عُمل وحُضّر لها منذ زمن. وتدعمها سياسات وأموال وأجهزة جاسوسيّة وما شابه.
على المسلمين مواجهة أيّ عامل من عوامل الفرقة، وهذا تكليف كبير للجميع، على الشّيعة والسنّة، بجميع فِرَقهم ونخبهم، أن يتحمّلوا المسؤوليّة وينهضوا بهذا التكليف.
الاتحاد والوحدة: البحث في المشتركات
تعني الوحدة التأكيد على المشتركات، لدينا الكثير من المشتركات، فالمشتركات بين المسلمين أكثر من موارد الاختلاف، يجب التأكيد على المشتركات. ويقع على كاهل النخب القسم الأعظم من هذا التكليف، سواءً النخب السياسيّة، أم العلميّة، أم الدينيّة. وعلى علماء الدين المسلمين أن يحذّروا الشعوب الإسلاميّة من تسعير حدّة الخلافات بين الفرق والمذاهب الإسلاميّة. وعلى علماء الجامعات أن يوجّهوا الطلاب ويُفهموهم أنّ أهمّ مسألة في العالم
37
30
بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام
الإسلاميّ اليوم، هي مسألة الوحدة، والاتحاد لتحقيق الأهداف وهي: الاستقلال السياسي، استقرار سيادة الشعب الدينيّة والعمل بالأحكام الإلهية في المجتمعات الإسلاميّة، الإسلام الذي يدعو إلى الحريّة، ويدعو إلى العزّة والشرف، هذا هو تكليفنا اليوم وهذا هو واجبنا.
الاعتماد على الشعب
ولتعلم النخب السياسيّة بأنّ عزّتهم وشرفهم يكمُن في الاعتماد على الشعب، وليس في الاعتماد على الأجانب أو المعادين لرفعة المجتمعات الإسلاميّة.
الصحوة الإسلاميّة
كانت قوى الاستكبار مسيطرة على هذه المنطقة في يوم من الأيّام، وكانت السياسة الأميركيّة، ومن قبلها البريطانيّة وغيرها من الدول الأوروبيّة، هي الحاكمة، لكنّ الشعوب تمكّنت، تدريجيًّا، من النجاة من هيمنتهم المباشرة، وهم يحاولون حاليًّا فرض هيمنتهم غير المباشرة - الهيمنة السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة - بدل السلطة المباشرة التي سادت زمن الاستعمار، وبالطبع، هم يسعون لفرض سيطرتهم المباشرة في بلدان أخرى، لاحظوا في إفريقيا، كيف تحاول بعض الدول الأوروبيّة أن ترجع سيرتها الأولى. والحلّ يكمن في الصحوة الإسلاميّة ومعرفة قدر الشعوب الإسلاميّة وشأنها، فالشعوب الإسلاميّة تملك الكثير من الإمكانات، فهي تتمتّع بالموقع الجغرافي الحسّاس (الاستراتيجي)، ولديها إرث تاريخيّ عريق، وموارد اقتصاديّة منقطعة النظير. فإذا ما تنبّهت الشعوب، وعادت إلى نفسها، واعتمدت على ذاتها، ومدّت يد الصداقة بعضها إلى بعض، فستصبح هذه المنطقة، منطقة بارزة ومشرقة. وسيعيش العالم الإسلاميّ بعزّة وكرامة وسيادة. وهذا ما سيكون في المستقبل، إن شاء الله. ويمكن التقاط مؤشراته في انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، وفي استقرار نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في هذه المنطقة الحسّاسة، وفي استحكام هذا النظام.
38
31
بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام
منذ 35 عامًا، وأجهزة الاستكبار الأميركي وغيرها، تعمل ضدّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وضدّ الشعب الإيراني، وفعلوا كلّ ما في وسعهم. لكن رغمًا عنهم، أصبح الشعب الإيراني ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة أقوى يومًا بعد يوم، وأكثر تجذّرًا واقتدارًا ونفوذًا. وبإذن الله، سيتزايد هذا الاستحكام والاستقرار والقوّة. ويرى الإنسان اليوم، ازدياد الوعي والمعرفة بين الأجيال والشباب، بالإسلام ومستقبل الإسلام أكثر من السابق، (وازدياد هذا الوعي) في بعض المناطق، أكثر بكثير من السابق. لكن بالطبع، الأعداء مستمرّون بمساعيهم، لكن إن نظرنا بدقّة وبصيرة، فسنرى أنّ موج الحركة الإسلاميّة في تقدّم، إن شاء الله.
رحم الله إمامنا العظيم الذي عبّد هذا الطريق أمامنا، فقد علّمنا أنّه يجب التوكّل على الله، وأن نطلب العون من الله، وأن نأمل المستقبل. لقد تقدّمنا في هذا المسير، وبإذن الله، هذا ما سنكون عليه في المستقبل. على أمل انتصار الإسلام والمسلمين وطلب الرحمة والمغفرة الإلهيّة لشهداء هذا الطريق المنير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
39
32
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
المناسبـــة: ذكرى بيعة القوة الجوية بالجيش التاريخيّة للإمام الخمينيّ قدس سره
الحضور: قادة ومنتسبو القوة الجوية بالجيش
المكان: طهران
الزمان:
19/11/1392 هـ.ش.
08/04/1435هـ.ق.
08/02/2014 م.
41
33
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
بسم الله الرحمن الرحيم
نرحّب بكم أيّها الأخوة الأعزّاء، قادة وأفراد القوّة الجويّة في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، نبارك لكم هذا اليوم الشريف، وهذه الذكرى العظيمة، ونحيّي أولئك الذين صنعوا حدث التاسع عشر من بهمَن (8 شباط 1979م)، في تلك الأوضاع الحسّاسة، والهامّة جدًّا.
نشكر القائد المحترم على تقريره1، كما نشكر من صميم القلب الذين قدّموا النشيد المعبِّر والعميق بمعانيه، على عملهم. إنّ بعض الأحداث هي أكبر ممّا يُلاحَظ ويُرى منها في بداية الأمر. أحيانًا يتّخذ حدث ما أبعادًا وجوانب متعدّدة، قد لا يتوقّعها حتى الذين قاموا بذلك الحدث أنفسهم. ورد في القرآن الكريم ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾2 حيث تذكر الآية صفاتٍ في تصوير أنصار النبيّ الأكرم، ومؤمني صدر الإسلام والمجاهدين العظام، وتشبّههم بالنبتة التي شقَّت التراب، ونمَت بشكلٍ تدريجيّ، ووصلت إلى حالة جعلت الزُرَّاع أنفسهم - الذين بذروا هذه النبتة وزرعوها - يتعجَّبون من رشدها ونموّها.
19 بهمن، أيقظ الشعور بالاستقلال
حدث التاسع عشر من بهمَن كان من هذا القبيل. في ذلك اليوم، لم تكونوا تدركون أبعاده التي اتّسعت وظهرت بشكلٍ تدريجيّ. وإذا نظرنا من زاوية أوسع، فإنّ أصل الثورة كان كذلك في ذلك اليوم. حين بدأ الإمام العظيم قيامه ونهضته في العام 1341 هـ. ش. (1962م)، لم يكن ليخطر على بال أحد حينها كلّ هذا
1 اللواء الطيّار حسن شاه صفيّ.
2 سورة الفتح، الآية 29.
43
34
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
الانتشار العظيم وهذا النتاج المدهِش، ولكن هذا ما حصل، وبالتأكيد، هناك أسباب تفسّر البركات الوفيرة لحدث ما - وهي ليست محلًّا للبحث الآن - وعلى كلّ حال، فإنّ حدث التاسع عشر من بهمن كان حدث عظيم البركة. من الأمور التي أُغفلت في تحليل هذا الحدث وآثاره، كان تأثير هذا الحدث في نيل الاستقلال، أين؟ في الجيش، أي، ذلك القسم من النظام الاجتماعيّ في زمن الطاغوت الذي تعرَّض لأشدّ الصعوبات والمشقّات جرّاء تسلّط الأجانب وتدخّلهم. أيقظَ حدثُ التاسع عشر من بَهمَن، في هكذا جهاز وفي هكذا مؤسسة، الشعورَ بالاستقلال، وأحيا هذا الإحساسَ، في القوّة الجويّة أوّلاً، ومن ثمّ في باقي وحدات الجيش، بأنّ بإمكاننا أن نُخرِج أنفسنا من تحت مظلّة نفوذ الأجانب المتسلّطين. لذلك كنت أقول للأصدقاء قبل قليل1: إنّ القوّة الجويّة هي أوّل مكان وُجد فيه "جهاد الاكتفاء الذاتيّ"، ثمّ انتشر لاحقًا في صفوف الجيش كلّه. روح الاستقلال والإيمان هذه نفسها كانت مهمّة للجيش، وكذلك لجميع القوّات المسلَّحة، وكذلك هي مهمّة اليوم وفي المستقبل أيضًا - أقول هذا كجملة اعتراضية - إلّا أنّ بحثي هو في أمرٍ آخر: إنّكم ولكَي تستطيعوا إثبات فعاليّتكم في مواجهة التهديدات، وحفظ مقامكم، وهو المحافظة على الأمن الجويّ للبلاد، يجب أن تمتلكوا شعور الاستغناء عن الآخرين وشعور الاستقلال والاعتماد على النفس وعلى الطاقات الذاتيّة، حينها ستتفجَّر القابليّات والمواهب، وهذا ما حصل حتّى الآن، وهو ما سيحصل لاحقًا أيضًا - قضيّة الاستقلال هي قضيّة مهمّة لكلّ البلاد ولكلّ الثورة. لقد كان الاستقلال أحد أركان الثورة الإسلاميّة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة. شعار "الاستقلال" إلى جانب شعار "الحريّة" كانا أهمّ شعارات الثورة، وكذلك هما الآن، وفي المستقبل أيضًا.
1 قبل اللقاء العام، أُقيمت جلسة خاصّة مع قادة القوّة الجويّة.
44
35
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
أسلوبٌ جديد في الاستعمار!
انظروا، كيف أنّه بعد سقوط أسلوب الاستعمار المباشَر - الذي كان رائجًا في السابق، حيث كانوا يستعمرون البلدان باحتلالها وإدارتها بأنفسهم - قد نُسِخ هذا الأسلوب، وحلّ مكانه الاستعمار الجديد، وهو بهذا الشكل: لا تتدخّل القوى الأجنبيّة مباشرة في إدارة البلدان المستعمرة، وإنّما تضع على رأس السلطة، عملاء لها وأشخاصًا يتلقَّون أوامرها بالسمع والطاعة ويعتمدون عليها، ولأنّ الدولة المستندة على الخارج لا يمكن لها أن تستمرّ دون استبداد وقمع داخليّ، فإنّ هؤلاء الحُكّام الجُدد كانوا يمارسون الاستبداد في الداخل، ويؤمّنون المصالح الأجنبيّة للقوى الخارجيّة، كان هذا هو الاستعمار الجديد. إنّ مكافحة الاستبداد، دون مكافحة القوى الخارجيّة التي تقف خلف الديكتاتور والمستبدّ لم تصل ولن تصل إلى أيّ نتيجة. واليوم، فإنّ الوضع كذلك أيضًا، إذا افترضنا أنّ شعبًا ما قد ضاق ذرعًا باستبداد حُكَّامه، فانتفض وثار وواجه ذلك المستبدّ، ولكنّه صالح وتملّق لذلك المتسلّط الأجنبيّ الذي يدعم هذا المستبدّ، فإنّ مصير هذه الثورة ومسؤوليها وقادتها هو السقوط أو الخيانة، ولا خيار ثالث غير هاتين الحالتَين، إمّا أن يُبتلوا بالخيانة، خيانة ثورتهم وبلدهم، وإمّا سينهزمون ويسقطون إن رفضوا الخيانة، وسيزولون من المشهد السياسيّ. وهكذا، كما لاحظتم في السنوات الأخيرة، حيث قاومت بعض الثورات المستبدّ، ولكنّها أغفلت تلك القدرة التي تقف خلفه، أو أنّها أحيانًا، فكّرت بمصالحة ومداراة راعيه الأجنبيّ، وكانت هذه النتيجة التي وصلت إليها اليوم. مكافحة المستبدّ مع مصالحة المستكبر لا تؤدّي إلى أيّ نتيجة منشودة. تنتصر الثورة فقط عندما تنتبه إلى تلك القوّة الداعمة للديكتاتور وتقاومها، ولهذا فإنّه عندما سيطر شبابنا على وكر التجسّس الأميركي (السفارة الأميركيّة في طهران)، ووجَّهوا لأميركا ضربة وإهانة كبرى، قال الإمام: "إنّ هذا العمل هو ثورة أكبر من الثورة الأولى". كانت الثورة الأولى ثورة عظيمة ولا نظير لها، ولكن في تلك الحركة الثانية، أثبت الشعب الإيرانيّ،
45
36
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
بأنّه يدرك جيّدًا المصدر الأساسيّ للهيمنة والمصائب والويلات، وبأنّه يواجه ويكافح هذا المصدر.
الاستقلال: مواجهة الهيمنة والتسلّط
هنا يمكن فهم قضيّة الاستقلال، الاستقلال هو معرفة البلد الذي يتدخّل في شؤون بلدٍ وشعبٍ ما، ومواجهته والوقوف مقابله، الاستقلال يعني مواجهة القوّة التي تريد التدخّل والتسلّط وإصدار الأوامر، تريد أن تهدر ماء وجه الشعب وكرامته كرمى لمصالحها الخاصّة، هذا هو معنى الاستقلال.
مَن هو عدوّ استقلال شعبٍ ما؟ إنّها القوى الأجنبيّة، القوى المهيمنة، تلك القوى التي تخاف من شعور بلدٍ ما بالاستقلال، ترتعب وتجهد لإضعاف هذا الشعور عند الشعب، وبين قادته وجماهيره، لذلك، فإنّها توجّه كلّ أجهزتها الإعلاميّة، كي تتراجع الشعوب عن طلب الاستقلال. يصوّرون المسألة هكذا: وكأنّه يوجد تعارض ومنافاة بين الاستقلال السياسيّ أو الثقافيّ للبلدان وبين تطوّر هذه البلدان وتقدّمها! أنتم تسمعون هذا الكلام، كلّ من لديه اطّلاع على الإعلام العالميّ يسمع هذا، ويصدر هذا الكلام من مراكز تُسمّى منتديات الفكر، وهم ينشرون هذه الأفكار ككلام فلسفيّ، ويردّده أيضًا أشخاص في البلدان المستهدَفَة أيضًا - ومنها بلدنا -: إنّ أيّ بلد يريد أن ينضمّ إلى جمع (نادي) البلدان المتقدّمة، فلا مناص له إلّا التخفيف من رغبته بالاستقلال، عليه أوّلاً، أن يُضعف ميوله الاستقلاليّة، وإلّا فإنّه لا يمكن الجمع بين إرادته للاستقلال والاعتماد على مصالحه الوطنيّة وبين أن يكون جزءًا من منظومة التقدّم العالميّ! حسن، هذا الكلام خطأ وهذه الفكرة غير صحيحة، وهي من تركيب وتأليف أولئك المعادِين لاستقلال الشعوب والبلدان.
أمَل هؤلاء المتسلّطين المهيمنين وهدفهم هو التدخّل في شؤون البلدان الداخليّة، ليتمكّنوا من تأمين مصالحهم الخاصّة، لا همّ عندهم إذا سُحِقَت المصالح الوطنيّة وزالت تمامًا، كلّ إصرارهم وسعيهم للتدخّل، كما كان الوضع أيّام نظام الطاغوت (الشاه)، كانوا يتدخّلون بشكلٍ صريح ووقح: مع من يكون لكم علاقات،
46
37
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
مع من تقطعون علاقاتكم، لمن تبيعون النفط، وبكم تبيعونه، كيف تنفقون أرباحه، من يتولّى تلك المسؤوليّة الحسّاسة، من يديرها ومن يُمنَع من المشاركة، كلّ هذا بأيديهم، يصبح هذا البلد جهازًا لتأمين مصالحهم الخاصّة ويتمّ إغفال ونسيان المصالح الوطنيّة، يُصبح هدف مدراء ومسؤولي البلد هو تأمين المصالح الأجنبيّة وليس الوطنيّة. يقطع الاستقلال هذا المسار الخاطئ الخائن، يقف في مواجهته ويمنعه. هذا هو معنى استقلال البلد. فالاستقلال لا يعني خصومة البلدان الأخرى ومعاداتها، بل يعني إيجاد سدّ في مواجهة نفوذ من يريد الهيمنة والتسلّط وضرب المصالح الوطنيّة. هذا هو معنى الاستقلال وهو الهدف الأهمّ لأيّ بلدٍ.
ضمان الاستقلال، الحفاظ على أصول الثورة
الأمر الذي يمكنه ضمان الاستقلال لثورتنا الإسلاميّة، هو الاعتماد الصريح والشفّاف على أُسس الثورة، على أصول الثورة ومبانيها وقيَمها، يجب الاعتماد عليها بكلّ وضوح وشفافية. كما كان الإمام العظيم، لقد أطلق الإمام منذ بداية النهضة كلامه وأفكاره بشكلٍ صريح ودون أيّ إبهام. لقد رفض الإمام منذ البداية النظام الطاغوتيّ الاستبداديّ المتوارَث، لم يجامل ولم يساير، كان واضحًا ومعلومًا منذ البداية أنّ الإمام يهدف إلى إقامة نظام ومؤسّسات شعبيّة.
الإمام كشف رأس نظام الهيمنة، أميركا
فالملكيّة المتوارثة مرفوضة وكذلك النظام الاستبداديّ والنظام الفرديّ التابع لإرادة فردٍ واحد، لقد قالها الإمام بصراحة وبيانٍ واضح، لم يوارِب ولم يتستَّر بعناوين أخرى. لقد بيَّن الإمام بصراحة أنّه يجب أن يُشكّل نظام إسلاميّ: نظام قائم على أفكار الإسلام والقِيَم الإسلاميّة، وكذلك فعل الإمام في مواجهة الشبكة الصهيونيّة الخطيرة التي تريد السيطرة على العالم. لم يجامل ولم يساير أحد، لم يُخفِ أيّ فكرة أو يتستَّر عليها، بل أخذ موقفًا قويًّا صريحًا في وجه الصهيونيّة، في وجه الصهاينة ونظامهم المزوَّر الغاصب الذي يسيطر على فلسطين المظلومة. لقد
47
38
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
أخذ موقفًا صريحًا لا مجاملة فيه ولا مواربة، انظروا إلى هذه الأصول والقواعد. لم يجامل الإمام: إنّنا ضدّ نظام الهيمنة والتسلّط. هذا النظام العالميّ الذي يعتمد على تقسيم العالم إلى متسلّطٍ و(خاضع) راضٍ بالتسلّط. لقد رفض الإمام هذا النظام بشكلٍ قاطع. يتجسّد نظام السلطة بشكلٍ كامل ويتشخَّص بالنظام والدولة الحاليّة للولايات المتّحدة الأميركيّة.
إيران الثورة، قوة إقليمية كبرى
لذلك فقد أخذ الإمام موقفًا حازمًا مقابل أميركا. موقفنا ضدّ أميركا لا علاقة له بأنّهم مثلًا شعب ونحن نخالف هذا الشعب، أو أنّنا نعترض على خصائصه العرقيّة، كلّا فالقضيّة ليست هكذا، القضيّة أنّ سلوك وطبع وذات الولايات المتّحدة الأميركيّة هو التسلّط والهيمنة والتدخّل، لقد وقف الإمام مقابل هذا بشكلٍ صريح وشفّاف. ولهذا ترون أنّ الثورة - وبعد مرور 35سنة على انتصارها - لا تزال صامدة ثابتة على أصولها ومبانيها وعلى سكّتها الحقيقيّة. لم تتغيَّر الثورة ولم تُبَدَّل تبديلًا، لا كلامها وطريقها ولا أهدافها قد تبدَّلت، هذا مهمّ جدًّا. تضعف مقاومة الثورات في مواجهة الأعاصير التي تُشنُّ عليها، الكثير من أصحاب الثورات: إمّا أنّهم يغيّرون كلامهم وأفكارهم، وإمّا يبدّلون مسيرهم وطريقهم، وإمّا تنحرف الثورة بشكلٍ كلّي وتزول من الوجود. لقد حافظت الثورة الإسلاميّة، منذ يومها الأوّل وحتّى الآن، على أهدافها بشكلٍ محدّد وتحرّكت نحو هذه الأهداف ووصلت إلى درجات مدهشة من التقدّم في المجالات المتعدّدة. وها هي الآن تظهر في العالم بعنوان قوّة إقليمية كبرى ورقم صعب مؤثّر في السياسات العالميّة بعدما كانت بلدًا وشعبًا منسيًّا ولا تأثير له في العالم.
ثمرة "فوبيا إيران": محبة الشعب الإيراني!
حاليًّا، تنظر الشعوب في أنحاء العالم إلى الشعب الإيرانيّ كشعبٍ شجاع ذي مصداقيّة، وكشعبٍ واعٍ ومقاوم. لقد جرت كلّ هذه الأعمال ضدّ النظام الإسلاميّ، كلّ هذه الجهود والحملات الإعلاميّة. لقد وضع أعداء الشعب الإيرانيّ ثقلهم فترة طويلة،
48
39
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
لإيجاد حالة الخوف والرهاب من إيران (فوبيا إيران) - البعض عمل على (فوبيا إسلام) والبعض على (فوبيا إيران) - ولكنّ حبّ (محبّة) الشعوب للشعب الإيرانيّ قد ازداد بينها. واليوم، ليس فقط عامة الشعوب هكذا، بل كذلك النُخَب والشخصيّات الموضوعيّة والمحايدة هم كذلك أيضًا، انظروا إلى مواقفهم وتصريحاتهم، وإلى رأيهم بالشعب الإيرانيّ: (يقولون) شعبٌ مستقيم ومثابر، شعب واعٍ ذكيّ، شعبٌ صبور، فهم ينظرون إلى الشعب الإيرانيّ بهذا الشكل. لقد أثمرت سياسة التخويف من إيران هذه النتيجة، لا تخاف الشعوب من نظام الجمهوريّة الإسلاميّة والشعب الإيرانيّ، بل إنّ خشيتها ورعبها من تسلّط أميركا. أميركا هي المعروفة لدى الشعوب بهيمنتها وتسلّطها. أميركا هي المشهورة بالتدخّل في شؤون الآخرين والمعروفة بإشعال الحروب، الشعوب تعرف أميركا كدولة مثيرة للحروب ومُشعلة للنيران ومتدخّلة في شؤون البلدان الأخرى. الشعوب لديها رُهاب (فوبيا) من أميركا، الشعوب تكره أميركا. يزداد - بتوفيق الله - وجه نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تألُّقًا وإشراقًا يومًا بعد يوم. وكذلك فإنّ الشعب الإيرانيّ يزداد عزَّة وعنفوانًا في العالم يومًا بعد يوم، وهذا النهج سيستمرّ في المستقبل. إنّ سرّ خلود نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وثباته على سكّة الثورة - وفق الخطوط الأساسيّة التي رسمها الإمام العظيم - يكمن في هذه الصراحة، لا شيء ينبغي أن يُفقدنا هذه الشفافيّة وهذه الصراحة. سواء أمام المخالفين أو الأصدقاء أو الأعداء، يجب أن تكون مواقف الجمهوريّة الإسلاميّة شفّافة واضحة. يمكن للتكتيك وأساليب العمل أن تتغيّر، ولكن ينبغي أن تظل الأصول ثابتة متينة. هذا هو سر صلابة الثورة وسر تقدم البلاد.
أعداء الثورة وأصدقاؤها
حاليًا، أعداء الثورة هم عدّة قوى عالميّة فاسدة، ممّن لا عنفوان ولا ماء وجه لهم في العالم، هؤلاء هم أعداء الشعب الإيرانيّ. أصدقاء الشعب الإيرانيّ هم جميع الذين استمعوا لرسالة الثورة ورسالة الجمهوريّة الإسلاميّة، قد يوجد بعض النّاس
49
40
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
ممّن لم يتعرّفوا على رسالة الثورة ولا اطّلاع لديهم، ولكن كلّ من سمع شعارات الجمهوريّة الإسلاميّة وتعرَّف على صمود الجمهوريّة الإسلاميّة وأدرك هذا الثبات المتلازم مع المظلوميّة، هو مؤيّد لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة، ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة هو شعب إيران وناسها وجماهيرها، الشعب ليس منفصلًا عن النظام، الشعب داعم للنظام، هذا هو سرّ قوّة وثبات وصلابة النظام.
شعبية الثورة وقوتها
يقول المسؤولون الأميركيّون في بعض ما يقولونه لمسؤولينا، في تصريحاتهم المتعدّدة أنّنا لا ننوي تغيير النظام في إيران. أوّلاً، إنّهم يكذبون، لو استطاعوا إلى ذلك سبيلًا لما تردّدوا لحظة واحدة! ثانيًا، هم لا يستطيعون، أجهزة الاستكبار تستطيع أن تغيّر الأنظمة، حين تكون تلك الأنظمة غير معتمدة على الإرادة الشعبيّة، ودعم الناس لها. إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة معتمِد على إيمان النّاس، قائم على محبّة الناس وإرادتهم. دلّونا على ثورة في العالم يتمّ الاحتفال بها والاحتفاء بانتصارها - بعد مرور عشرات السنوات - بهذا الشكل من حضور الجماهير في الشوارع والساحات، وإطلاقهم الشعارات القويّة؟ وإن شاء الله، في يوم الثاني والعشرين من بهمن (11شباط) ستشاهدون كيف ستنزل جماهير الشعب الإيرانيّ إلى الساحات في كلّ المدن بكلّ صلابة وتطلق شعاراتها الحاسمة، وتُظهر قوّتها واقتدارها الوطنيّ. المهمّ هو أن يدرك الشعب الإيرانيّ سرّ نجاحه وصموده، والحمد لله، فإنّ الشعب الإيرانيّ يعرف هذا جيّدًا، المهمّ أن يعرف سبيل أمنه وإظهار اقتداره الوطنيّ، فليظهروا الاقتدار الوطنيّ. إنّ الاقتدار الوطنيّ له مظاهر ومعالم والناس يظهرونها في تظاهراتهم العظيمة وفي مسيراتهم مثل مسيرات الثاني والعشرين من بهمَن، يظهرونها في الانتخابات المتنوّعة وحضورهم القويّ فيها، يظهرونها في أنواع وأقسام التقدّم العلميّ، وفي مواكبتهم المستمرّة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة، هذا هو المهمّ. ما يحفظ أمنَ البلاد هو إبراز الاقتدار الوطنيّ، عندما يقوم الناس بإظهار الاقتدار الوطنيّ في وجه العدوّ فإنّه لن يستطيع عندها أن يقوم بأيّ عمل.
50
41
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
لاحظوا نفاق العدو!
يشاهد الإنسان اليوم - مع الأسف - ويسمع كلامًا يُطلَق من قِبَل العدوّ في بعض المراحل، يُشكّل لشعبنا مصدرًا للاعتبار والتأمّل، في هذه المفاوضات المتعدّدة التي تجري هذه الأيّام، فليسلّط الشعب أنظاره على هذه المفاوضات وليلاحِظ بعض التصريحات غير المؤدّبة للمسؤولين الأميركيّين، ليعرف العدوّ جيّدًا، حيث يريد البعض أن يصرف نظر الناس عن عداوة العدوّ. كلّا، انظروا إلى العداوة، وانظروا إلى النفاق. يتحدّث المسؤولون الأميركيّون بطريقة مع مسؤولين بلدنا، ولكنّهم بمجرّد أن ينهوا لقاءاتهم بهم، يتحدّثون في الخارج بشكل آخر مختلف! فليلاحظ الشعب الإيرانيّ نفاق العدوّ ذي الوجهَين واللسانَين ولينتبه إلى خُبث عدوّنا، فلينتبه الشعب وَليُدرك كيف يحافظ البلد على اقتداره الذاتيّ وقوّته الداخليّة، هذه وصيّتنا الدائمة إلى المسؤولين.
الحلّ الوحيد: الثقة بطاقاتنا وقوّتنا الذاتيّة
ما يحلُّ مشاكل البلاد هو أمرٌ واحد. وهو عبارة عن النظر إلى الاستعدادات والطاقات الذاتيّة - وبحمد الله، فإنّها كثيرة جدًّا لا تُعَدُّ ولا تُحصى - والاستخدام الحكيم لهذه الطاقات والقابليات. ولحسن الحظّ، فإنّ المسؤولين الاقتصاديين في الدولة قد التفتوا إلى هذه المسألة، وقد وصلوا إلى هذه النتيجة. وإن سبيل حلّ المشاكل الاقتصاديّة للبلاد - وهي جزء من المشاكل - ليس في التطلّع إلى الخارج، وليس عبر رفع الحصار والعقوبات وما شابه، لحُسن الحظّ وانتَبَه مسؤولو الاقتصاد إلى هذا الأمر، سبيل معالجة المشاكل وحلِّها هو النظر إلى الداخل، البناء الذاتيّ وتقوية الهيكل الداخليّ للاقتصاد، وهذا ما ينوون القيام به، وإن شاء الله، هذا ما سيحصل وسيتمّ التقدّم وسيُوَفَقون في هذا السبيل. لا يمكن التأمّل خيرًا بالعدوّ، ولا التوقّع الإيجابي منه. يقول الأميركيّون في بعض تصاريحهم وادّعاءاتهم اللّفظيّة: "نحن أصدقاء للشعب الإيرانيّ"، إنّهم يكذبون، وهذا الكذب يتّضح من خلال
51
42
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
أعمالهم. يُطلقون التهديدات ضدّ إيران، ومن ثمّ يتوقّعون أن تخفّف الجمهوريّة الإسلاميّة من قدراتها الدفاعيّة، أليس هذا أمرٌ مضحك؟ أليس مثيرًا للسخريّة؟ في الوقت الذي يهدّدون، يدّعون إلى تخفيف القدرة الدفاعيّة! كلّا!، إنّ المسؤولين في المجالات المختلفة والقوّات المسلَّحة سيضاعفون قدراتهم الدفاعيّة يومًا بعد يوم، بعون الله وتوفيقه.
سياسات الاقتصاد المقاوم
إنّ ما ينجّي البلاد، هو الاعتماد على القوّة الداخليّة والنظر إلى الداخل، سواء في مجال الاقتصاد أو في المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة المختلفة، وكذلك الأمر في المسائل الثقافيّة. إن شاء الله سيتمّ في القريب العاجل إبلاغ سياسات الاقتصاد المقاوم، وبناءً على إبلاغ هذه السياسات، سيتمّ، إن شاء الله، إيجاد البنى، والهياكل، والأعمال والجهود المطلوبة لإيجاد الاقتصاد المقاوم - والمعتمِد على مقاومة الشعب - وسيكمل الشعب طريقه. الأمر المهمّ هو أن يحافظ الشعب على وحدته، وأن لا يسمح أفراد الناس، والمسؤولون، والنُخَب المختلفة للمسائل الهامشيّة أن تؤثّر على النصّ الأصليّ1. لأنّ النصّ الأصليّ اليوم لحركة الشعب هو إيجاد الاقتدار الذاتيّ الداخليّ والوقوف بصلابة مقابل عواصف المخالَفَة والعداوة. لقد حصلت عواصف شديدة طوال هذه السنوات الخمس والثلاثين، ولكنّ الشعب - بحمد الله - وقف وصمَد، وأبطَل مفعول حركة الأعداء على مدى السنوات المتمادية، وكذلك في المستقبل يجب أن يتمكّن الشعب من تعطيل هذه الحركات وسيعطّلها، إن شاء الله. فليحافظ أفراد الشعب على وحدتهم، يجب أن يرتفع مستوى الوحدة والاتّحاد والتضامن والانسجام بين المسؤولين والناس، فليثق المسؤولون ومدراء البلاد بالشعب وكذلك فليثق الشعب بالمسؤولين أكثر فأكثر. يمكن أن يكون للبعض انتقادات، فلينتقدوا، وليكن انتقادهم منصِفًا، وبالنظر إلى أنّ الحكومة جديدة
1 بمعنى الهدف أو المقصد أو النهج.
52
43
في لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في الجيش
العهد ولم يمضِ على استلامها لمقاليد الإدارة سوى بضعة أشهر، ينبغي أن تٌمنَح فرصة كي تتمكّن من إنجاز الأعمال بكلّ قوّة، إن شاء الله، فلينتبه المنتقدون إلى هذا الأمر، وليتصرّفوا مع الحكومة برحابة صدر وكذلك على المسؤولين الحكوميين أن يتصرّفوا مع المنتقدين بسعة صدر، وليحترم الجميع بعضهم بعضًا، وليراعوا مشاعر بعضهم البعض، إنّ لدينا أعداءً، وإنّ لهؤلاء الأعداء عناصر وعملاء داخل البلاد كذلك، ينبغي عدم الغفلة عن هذا الأمر. فلا نسمح، ولا تسمحوا لعملاء العدوّ في الداخل أن يستغلّوا نقاط الضعف ليخلقوا التوتّر والاختلال.
وسينتصر الشعب على أعدائه!
لنتقدَّم كلّنا معا، بعضنا مع بعض وجنبًا إلى جنب، ولنمضِ جميعًا على طريق الإمام العظيم، لنتقدّم في سبيل اقتدار هذا البلد، إن شاء الله. والله تعالى سيوفّق هذا الشعب، ستتقدَّم الأعمال على أحسن ما يكون، وفي هذه المرحلة من الزمان، إن شاء الله، سينتصر الشعب الإيرانيّ على أعدائه - بتوفيق الله وبحول الله وقوّته - سواء في المسألة النوويّة أو في المسائل المختلفة الأخرى.
آمل أن يوفّقكم الله تعالى جميعًا، وأن تتمكّنوا من القيام بواجباتكم كلٌّ بحسب مكانه وعمله - في القوّة الجويّة، وفي كلّ وحدات جيش الجمهوريّة الإسلاميّة، وفي وحدات القوّات المسلَّحة كلّها وكلّ أفراد الشعب - كي نستطيع جميعًا أن نقوم بواجباتنا، وأن نؤمّن المستقبل المنشود لبلدنا ونظامنا وشعبنا، إن شاء الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
53
44
في لقاء أهالي آذربيجان
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء أهالي آذربيجان
المناسبـــة: ذكرى انتفاضة أهالي تبريز ضد نظام الشاه في 29 من شهر بهمن1
الحضور: حشود غفيرة من أهالي محافظة آذربيجان
المكان: طهران
الزمان:
28/11/1392 هـ.ش.
17/04/1435 هـ.ق.
17/02/2014 م.
1 29 بهمن (هجري شمسي) موافق لـ 19 شباط 1978م: مناسبة مفصليّة في تاريخ الثورة الإسلاميّة، وهي يوم انتفاضة أهالي آذربيجان وتبريز ضد نظام الشاه، عند قيامهم بإحياء أربعينية شهداء انتفاضة أهالي قم في 9ك2 1978م. وقد ولّدت هذه الانتفاضة ملاحم تاريخيّة أوصلت الثورة إلى النقطة الحاسمة، وقد امتدّت هذه الانتفاضة إلى العديد من المدن والقرى.
55
45
في لقاء أهالي آذربيجان
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بجميع الإخوة والأخوات والأعزّاء التبريزيّين والآذربيجانيّين، وأشكركم أيّها الأعزّاء، إخوة وأخوات، على تحمّلكم مشقّة هذا السفر والدرب الطويل في هذه الأيّام الشتويّة الباردة، لتُضفوا الحرارة والنشاط والحماس على أجواء حسينيّتنا، في هذه الأيّام التاريخيّة المهمّة. أشكر جميع الإخوة والأخوات من صميم قلبي، وخاصّة عوائل الشهداء العظيمة، والعلماء الأعلام، والمسؤولين المحترَمين، وكذلك الشكر لإمام جمعة تبريز المحترَم السيد شبسترى والذي - للحقّ والإنصاف - بذل ويبذل جهودًا قيّمة، تليق بهذه المدينة الكبرى وبهذه المحافظة العريقة.
تحيّة إلى الشعب الإيراني
أودّ بداية أن أقول كلمة، هي عبارة عن شكر الشعب الإيراني العظيم لما أظهره في يوم الثاني والعشرين من بهمن (11 شباط) من عنفوانٍ ومجدٍ واقتدار. إنّ الّلسان ليعجَز عن الوصف والشكر. أوّل ما ينبغي أن نقوم به، هو أن نعفّر الجبين بالتراب شكرًا وثناءً لربّ العالمين، فهو محوّل القلوب ومقلّب النوايا والعزائم، كلّ شيءٍ بيد الربّ وإرادته. ومن ثمّ، أن نشكر من صميم القلب الشعب الإيراني، فردًا فردًا في جميع أنحاء البلاد على إحيائهم ليوم الثاني والعشرين من بهمَن1 بهذا الشكل، حيث قدّموا هذه الذكرى بشكلٍ حيّ وعظيم وزاهر أمام كلّ الدنيا. وسأعود لاحقًا لأشيرَ إلى مسائل الثاني والعشرين من بهمَن في معرض كلامي.
1 ذكرى انتصار الثورة.
57
46
في لقاء أهالي آذربيجان
29 بهمن، ذكرى الحدث العظيم
إنّ لقاءنا اليوم بكم - أيّها الأعزّاء التبريزيّين وأهالي سائر مدن محافظة آذربيجان - هو بمناسبة ذكرى التاسع والعشرين من بهمَن. هذه الذكرى ليست مجرّد كلمة واسم. وهذا اليوم ليس يومًا كسائر الأيّام، ليس مجرّد حدث عابر. إنّ التاسع والعشرين من بهمَن يمثّل تلك الواقعة التي حصلت في مثل هذا اليوم من العام 1356هـ.ش.1 ما جرى كان حدثًا ذا معانٍ متعدّدة. الشباب الذين شرّفونا اليوم في هذا اللّقاء - أعزّائي وأبنائي - إنّ الكثير منكم لم يشاهد حدث التاسع والعشرين من بهمَن، ولكنّ دروس ذلك اليوم وعِبره لا تزال حيّة وماثلة حتى الآن.
هناك عدّة معانٍ في هذا الحدث العظيم، المعنى الأوّل: ظهور وتجلّي الميزات الأخلاقيّة والخصال الحميدة لأهالي تبريز وآذربيجان، وهذا أمرٌ بالغ الأهميّة. يجب علينا أن نعرف أنفسنا بخصالنا وميزاتنا الأخلاقيّة. يقوم الآخرون بكتابة المميّزات الأخلاقيّة للإيرانيّين وتدوينها لنا عبر التحريف وقصر النظر. نحن ينبغي أن نعرف أنفسنا بشكلٍ صحيح من خلال النظر إلى مرآة هذه الأحداث.
اللحظة المناسبة تصنع الحدث
في التاسع والعشرين من بهمَن أظهر أهالي تبريز هذه الخصال الموجودة عندهم:
أوّلاً: الإيمان الدينيّ العميق، ثانيًا: الغيرة الدينيّة، ثالثًا: الشجاعة. وبعد كلّ هذا، تأتي قضيّة إدراك اللّحظة والمعرفة الدقيقة للوضع الراهن وطبيعة الأحداث، هذا أمرٌ مهمّ جدًّا لأيّ مجموعة أو جماعة. قد توجد جماعة مؤمنة وشجاعة، لكن ما يلزمها هو القدرة على التحرّك، وأن تعرف اللّحظة المناسِبة للحركة، فإن تحرّكت قبلها أو بعدها، لن تُثمِر حركتها ولن تؤثّر.
1 18/2/1978م.
58
47
في لقاء أهالي آذربيجان
لقد قام التبريزيّون في اللحظة المناسبة، وصنعوا حدث التاسع والعشرين من بهمَن، هذه الخصائص بالغة الأهميّة. إنّ تبريز وآذربيجان كانت لديهما هذه الخصائص قبل التاسع والعشرين من بهمَن، ولا تزال لديهما حتى يومنا الحالي - ولقد دلّت الأحداث التي تلت ذلك اليوم على هذا المعنى - ويجب المحافظة على هذه الخصائص والخصال: الإيمان الإسلاميّ والغيرة الإيمانيّة، والشجاعة والإقدام والريادة وكسر القوالب التقليديّة، والقيام بالأعمال الكبرى، والإبداع في سبيل الأهداف العليا، وكذلك معرفة الزمان، وإدراك اللحظة المناسبة والقيام بالعمل المناسب والمتناسب مع الوضع والموقف. إحدى بركات يوم التاسع والعشرين من بهمَن وآثاره، أنّه جسّد الخصال البارزة لأهالي تبريز وآذربيجان في مرآة التاريخ.
29 بهمن، مظهر اتّحاد فئات الشعب
المعنى والبُعد الثاني في يوم التاسع والعشرين من بهمَن هو إظهار هذه الحقيقة: كيف تحُلّ البركات الوفيرة عندما تتّحد المجموعات، والفئات المتعدّدة في البلاد بعضها مع بعض. أين هي قم، وأين هي تبريز؟ كم تبعد هذه عن تلك؟ وقعت حادثة في قم، حسنٌ، أولئك الذين قاموا بتلك الحادثة، أرادوا لها أن تُنسى وأن تُمحَى من الأذهان، فجأة، وفي مكان بعيدٍ جدًّا عن قم، في تبريز، ينهض الناس لإحياء حادثة قم، لم يكن الأمر أن قام أهالي قم بإحياء ذكرى أربعين شهداء التاسع عشر من دي1، إنّما قامت تبريز (بذلك). اشتدّت وحشيّة النظام
1 انتفاضة 19 دي (9ك2/ 1978)، حادثة مفصلية في تاريخ الثورة الإسلاميّة. يوم انتفض أهالي قم في وجه النظام وجلاوزته, حينها خرجت تظاهرات عارمة استنكارًا لمحاولة الشاه توهين حركة الإمام وصورة الحجاب في إيران, وكان ذلك في مقال طلب وزير مخابرات الشاه نشره في جريدة اطلاعات، وكان ذلك بعد فترة وجيزة من شهادة السيّد مصطفى, ابن الإمام, في ت2/ 1977 وقيام مجالس الفاتحة والعزاء في مختلف المناطق، وقد صمم الشاه حينها (بعد شهادة السيد مصطفى) على إلحاق الأذى والإهانة بالإمام، فكان المقال.. كانت ردة فعل الناس وطلاب الحوزة في قم قوية وعامة حيث أعلنوا الإضراب والتعطيل في 18 دي, وكانت الحركة الواسعة في 19 دي, التي واجهها النظام بعنف شديد, وسقط على أثرها عدد كبير من الشهداء والجرحى واعتقل المئات.... وأقيمت ذكرى أربعين شهداء انتفاضة 19 دي في مختلف المدن وحصلت مواجهات في كل مدينة، وهكذا توالت سلسلة الأربعينيات. وكان لهذه الحركة نتائجها في دعم حركة الإمام وانزواء تيار فصل الدين عن السياسة، وتسريع عجلة الثورة التي أطاحت بالنظام بعد سنة تقريبا أي في 11 /شباط /1979.
59
48
في لقاء أهالي آذربيجان
الجبّار والطاغوتي، فقام بردّة فعل متهوّرة ضدّ أهالي تبريز، استشهد عدد من المواطنين، وجّهوا الإعلام في ذلك اليوم بشكلٍ خاطئ وساذج، أرادوا أن يمحوا القضيّة من أذهان الرأي العام، مرّت أسابيع، فإذا بأهالي يزد يقيمون مراسم أربعين شهداء تبريز! لاحظوا هذا الانسجام والتضامن بين مختلف مناطق البلاد. بعدها، كرّت السبحة وتوالت على هذا المنوال، كنتم أنتم أصحاب هذه الفكرة أوّلاً، وأبدعتم في إقامة ذكرى أربعين شهداء الثورة، فأصبحت بعدها تيّارًا مستمرًّا في يزد وشيراز وبوشهر وبقيّة مناطق البلاد. هذه هي القضيّة الثانية من حدث التاسع والعشرين من بهمن.
وقد صنعتم المعجزة!
البعد الثالث هو هذا: لو قيل في ذلك اليوم لأهل قم، في التاسع عشر من دي أو لأهل تبريز في التاسع والعشرين من بهمن، أنّ حركتكم هذه ستنتهي بثورة عظيمة، لما صدّق أحد هذا، ولكن هذا ما حدث. وإنّما يدلُّ هذا، على أنّ أيّ شعب عندما يشمّر عن ساعدَيّ الهمّة وينزل إلى الميدان فيصمد ولا يتراجع، فإنّ بإمكانه أن يزيل الجبال من مكانها، إنّ شعبًا كهذا يمكنه أن يصنع المعجزات، ولقد صنع شعبنا هذه المعجزة. يا أعزّائي، أيّها الشباب! فكّروا جيّدًا، وتأمّلوا وابحثوا في مسألة حدوث هذه الثورة. إنّ انتصار الثورة هو أشبه ما يكون بمعجزات الأنبياء. فهل كان يخطر في خيال أحد، أنّ شعبًا تحت سلطة أميركا - أسيرًا للثقافة الغربيّة، واقتصاده في قبضة الأعداء المتسلّطين الدوليّين، وهو ضعيف من الناحية العسكريّة ولا اعتبار له في المعادلات العالميّة - يمكنه أن ينهض ويقوم في وجه رموز القدرة الماديّة الواهية، وأن يرفع راية الإسلام خفّاقة في العالم المادّي في وجه الشرق والغرب - لقد كانت أميركا والاتّحاد السوفياتيّ يختلفان معًا حول مئة قضيّة، ولكن قضيّة واحدة كانت توحّدهما، وهي ضرب الثورة الإسلاميّة - من كان يصدّق أنّ شعبًا كهذا يستطيع أن يقف ويصمد
60
49
في لقاء أهالي آذربيجان
وينتصر وينجح ويجبر الشرق والغرب على التراجع! من كان ليصدّق ذلك؟ ولكن هذا ما حصل وهو درس وعبرة. أحد الدروس التي يقدّمها يوم التاسع والعشرين لكم ولنا ولكلّ الشعب الإيراني، هو أن تعلموا جيّدًا أنّه لا يوجد أيّ حدث كبير، ولا مانع كبير ولا قدرة كبرى، ولا أيّ أمر يمكنه أن يقف في وجه الإرادة الصلبة الراسخة لأيّ شعب. يطول الكلام حول أبعاد التاسع والعشرين من بهمن، ومناقب أهل آذربيجان وأهل تبريز. بعدها، وحتى اليوم، كان لدى أهل آذربيجان ذلك النفس وتلك الروح والإحساس بالتكليف وتحمّل المسؤوليّة والالتزام والدافع القوي، ولقد تألّق التبريزيّون في الأحداث المتعدّدة، يجب أن تُحفظ هذه الدروس وتبقى دومًا في البال والخاطر.
حاكمية إيران الإسلاميّة
ما ذكرناه حتى الآن، أوّلاً - معرفة خصائصنا وخصالنا الذاتيّة، ثانيًا - التضامن والتواصل والارتباط بين مختلف مناطق وأجزاء البلاد، وهذا الأمر هو ما يريد أن يضع الأعداء إصبعهم عليه، يريدون لأبناء القوميات الإيرانيّة المتعدّدة، والذين طالما كانوا إخوة متّحدين معًا في وجه الحوادث، يريدون لهم أن يقفوا بعضهم في وجه بعض. فليعلم كلّ أبناء الشعب الإيراني، لدينا أتراك وآذريين وعرب وفرس وبلوش وأكراد وتركمان، قوميّات متعدّدة تنتشر في أنحاء إيران، لهؤلاء جميعًا هناك ميزة تسود بينهم حاليًّا، وهي حاكميّة إيران الإسلاميّة، حيث إنّهم جميعًا يتظلّلون اليوم تحت راية الإسلام، والمفاخر الإسلاميّة، ويجمعهم اسم إيران الجميل، هناك جهود تُبذل اليوم لتفرّقهم عن بعض، فليعلم الجميع، ولنكن جميعنا واعين متيقّظين، هناك من يجلس اليوم، ويخطّط للفتنة ولجعل القوميات الإيرانيّة تتصارع فيما بينها، فلا يغيب عن بالنا أبدًا رسالة التاسع والعشرين من بهمن، رسالة الاتّحاد والتضامن والمواساة والانسجام، هذه هي المسألة الثانية. والمسألة الثالثة هي معجزة الإرادة الشعبيّة الوطنيّة.
61
50
في لقاء أهالي آذربيجان
22 بهمن، تألّقٌ مستمرّ
ولأعود الآن إلى قضيّة الثاني والعشرين من بهمن، وقضيّة الثورة والتي هي قضيّة أمسنا ويومنا وغدنا، وقضيّتنا دائمًا وأبدًا.
إنّ الاحتفال بالثاني والعشرين من بهمن يتألّق في كلّ عام أكثر من العام الذي سبقه. ولقد دلّ على نفسه بنفسه. يقدّم البعض تحليلات متعدّدة، وهي تصوّرات يتمّ رسمها في الفراغ حين يجلسون ويفكّرون وحدهم ومع أنفسهم! لكن النصّ الذي يكتبه الشعب في الواقع، هو كلام آخر مختلف تمامًا.
المتخصّصون الذين يراقبون بدقّة، حركة التظاهرات في الشوارع والساحات، وبعضهم يحدّدون أعداد الجماهير من خلال المناظير وآلات التصوير، قدّموا لنا تقارير متعدّدة، بأنّه في العام الماضي كانت مشاركة الجماهير في الاحتفالات وتظاهرات ذكرى الانتصار أكثر بكثير من العام الذي سبقه، وهذه السنة قدّم هؤلاء أنفسهم - الذين يجرون الإحصاءات والحسابات بدقّة وعن كثب - تقاريرهم بأنّ في هذه السنة كانت المشاركة أكثف والحشود أكبر من السنة الماضية أيضًا. قد يخطر في بال البعض أنّ عبارة "كلّ عام أفضل من الذي قبله"، التي تتكرّر كلّ عام على الأفواه: ما هي سوى لقلقة لسان، كلا! إنّه الواقع. حسن، على ماذا يدلّنا هذا الواقع؟ إنّ رأيي - أنا العبد الحقير - أنّ احتفال ذكرى انتصار الثورة هو ظاهرة لا نظير لها تمامًا كالثورة نفسها! ماذا يعني هذا الأمر؟ كما أنّ ثورتنا - باعتراف الأعداء أيضًا - لا نظير لها على مدى التاريخ، ومن جوانب متعدّدة، فكذلك الاحتفال بالذكرى السنويّة للانتصار، لا مثيل له في أيّ مكان في العالم أيضًا. عادة، وكما كنّا نشاهد في التلفاز ويصلنا عبر وسائل الإعلام، فإنّ ذكرى انتصار الثورات في مختلف البلدان، بعد مرور سنتين أو ثلاثة أو أربع سنوات تُقام بشكلٍ رسمي وجاف. تختلف المسألة بشكلٍ كامل عندنا، يحتفل الشعب بالذكرى، وليس فقط في طهران بل في كلّ مراكز المحافظات، وليس فقط في مراكز المحافظات بل في كلّ مدن البلاد، وليس فقط في السنة الأولى أو الثانية أو الخامسة أو العاشرة، بل في السنة
62
51
في لقاء أهالي آذربيجان
الخامسة والثلاثين! أليست هذه ظاهرة عجيبة ومدهشة؟! لقد مضى35 عامًا على انتصار الثورة، الذين وُلدوا في عام انتصار الثورة، صاروا اليوم رجالًا ونساءً بعمر الـ35 سنة - وقد عبروا مرحلة الشباب تقريبًا - وفي الوقت نفسه، يحتفل الجميع في الذكرى السنويّة لانتصار الثورة بكلّ هذا الدافع والإحساس بالاستقامة والوفاء لأهداف الثورة، ويتكرّر الاحتفال، بكلّ هذه القوّة والهيبة والعنفوان، أليس هذا أمرًا عجيبًا؟ دعوا وسائل إعلام العدو تقول ما تشاء وتفعل ما تشاء (من تجاهل وتشويه) ولكنّ مراكز الفكر والأبحاث عندهم، تدرك جيّدًا ماذا يحصل هنا. أولئك الذين يجتمعون ويبحثون ويطالعون، يدركون ويفهمون أنّه لا يمكن مواجهة هذا الشعب، وهذه الثورة وهذا الدافع والإيمان.
استقامة ووحدة
ما هي الشعارات التي يطلقها الناس في هذه التظاهرات؟ إنّها شعارات الصمود والثبات على الخطّ المستقيم وصراط الثورة المستقيم - تكرّر هذا المشهد في كلّ المناطق - في جميع أنحاء البلاد. شعارات الصمود، أي إنّ الناس يُظهرون من خلال تظاهرات الثاني والعشرين من بهمن، تجلّي هذه الحقيقة: إنّ الله تعالى قد أنجز وعده، حيث قال: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾1، إنّ الله يثبّت أقدامكم ويقوّي خطواتكم، ويصونكم من التراجع. هذا وعد إلهي، ولقد تحقّق هذا الوعد الإلهي بالنسبة إلى الشعب الإيراني، حيث إنّكم نصرتم دين الله، فثبّت الله أقدامكم. إنّ احتفال هذه السنة بالذكرى الخامسة والثلاثين لهو علامة على تثبيت الأقدام. حسنٌ، ما هي رسالة هذا الاحتفال؟ انظروا إلى شعارات الناس، ينبغي أخذ الرسالة من شعارات الجماهير. وما أراه - أنا العبد لله - حين أنظر إلى هذه التظاهرات، أنَها قد وجّهت رسالتين: الأولى هي رسالة الاستقامة، والثانية هي رسالة الوحدة. ماذا تعني الاستقامة؟ الاستقامة هي ثبات الشعب الإيراني وتمسّكه بأهداف الثورة.
1 سورة محمد،الآية 7.
63
52
في لقاء أهالي آذربيجان
أهداف الثورة: إيجابيّة وسلبيّة
نحن لدينا أهداف إيجابيّة، وكذلك لدينا أهداف سلبيّة، أهدافنا الإيجابيّة هي عبارة عن حركتنا نحو العدالة الاجتماعيّة، نحو الحضور الشعبي في مختلف قضايا البلاد. نحن نسعى للإسلام، حيث نعتبر أنّ سعادة البلد تكمن في العمل بالتعاليم الإسلاميّة. نحن نسعى للاقتصاد المستقلّ، والثقافة غير التابعة للأجانب، نسعى نحو ثقافتنا الإسلاميّة والإيرانيّة الأصيلة، نسعى للتألّق العلمي لبلدنا، نريد لبلدنا أن يكون رائدًا متقدّمًا في مجال العلم والاقتصاد والثقافة والاجتماع والأخلاق والمعنويّات، هذه هي رسائل ثورتنا الإيجابيّة. كذلك فإنّ لثورتنا رسائل سلبيّة أيضًا، رسالة ثورتنا السلبيّة هي هذه: نحن لا نستسلم ولا نخضع للهيمنة ولا للتسلّط، لا نستسلم لنظام التسلّط.
أميركا الهيمنة والإرهاب والعنف
إنّ نظام التسلّط عبارة عن عدّة قوى تمتلك قدرات ماديّة وأسلحة ومال وما شابه ذلك، وهي تريد أن تحكم العالم كلّه، مظهر نظام التسلّط في العالم اليوم هو أميركا. لقد أعلن الشعب الإيراني في الثورة، وكذلك في الأحداث التي تَلَتها وفي الحرب المفروضة، وها هو يعلن في الثاني والعشرين من بهمَن من هذه السنة أيضًا: لن نخضع لهيمنة وابتزاز أميركا. فلا يسعَينَّ أحد لتجميل صورة أميركا وتزيين وجهها، ولا لإزالة مظاهر القبح والإرهاب والعنف عن وجه أميركا في أذهان الرأي العام لشعبنا. ولا يسعَينَّ هؤلاء ليقدّموا أميركا كدولة ودودة محبّة للبشر، فحتّى لو حاولوا وسعوا لهذا، فإنّ كلّ جهودهم ستذهب سدًى. على مدى التاريخ وعلى الأقلّ في السبعين أو الثمانين سنة الماضية - وبالطبع، فإنّ ما قبلها يوجد كلام كثير حول تاريخ أميركا، ولا أريد التعرّض له الآن - أنظروا في كلّ أنحاء العالم لتشاهدوا ماذا فعلت أميركا؟ كم من الحروب أشعلتها أميركا وكم من الأبرياء والعُزَّل قُتلوا ظلمًا بيد أميركا في أيّام الحرب والسلام؟ كم من المستبدّين الديكتاتوريّين دعمتهم أميركا في الشرق والغرب - كان الشاه محمّد رضا بهلوي
64
53
في لقاء أهالي آذربيجان
أحدهم وغيره العشرات من أمثاله في البلدان الآسيويّة والإفريقيّة وفي بلدان أميركا اللاتينيّة من العسكريّين والمدنيّين - من الذين ظلموا شعوبهم وأراقوا دماءها ونهبوا ثرواتها وأذاقوا الناس ألوان العذاب. كلّهم تنعّموا برعاية أميركا التي دعمت أيضًا الإرهاب الدولي والإرهاب الرسمي أيضًا، هذا النظام الصهيونيّ المجرم والغاصب لفلسطين، لا تزال أميركا تدعمه وترعاه منذ عشرات السنين، هؤلاء الصهاينة الذين يقتلون الناس ويدمّرون البيوت، يظلمون ويعتقلون الشباب والنساء والرجال والأطفال، هاجموا بيروت واحتلّوها، وقاموا بالمجازر والإبادة في صبرا وشاتيلا وغيرها الكثير الكثير، كلّ هذا بدعمٍ أميركي. كلّ هذا مدوَّن في السجلّ الأسود لأميركا. احتلال العراق وقتل عشرات الآلاف من الناس - ليس لدينا إحصاءات دقيقة، يُقال أنّ هناك حوالى مليون عراقي قُتلوا خلال سنوات الاحتلال بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ولن أؤكّد هذا العدد الآن ولكن على الأقلّ هناك عشرات الآلاف، ولو كان قتيلًا واحدًا لكان أمرًا عظيمًا - أبادوا الناس في العراق وكذلك في أفغانستان بشكلٍ آخر، سلّطوا منظّمات القتل والاغتيالات على أرواح الناس - وقد ذكرتُ اسم إحدى هذه الشركات في كلامٍ سابق: وهي شركة "بلاك ووتر" الأميركيّة المعروفة والمتخصّصة في القتل والاغتيال - أنشؤوا هذه الجماعات المتطرّفة التكفيريّة المجرمة، وأطلقوها على أعدائهم، وها هي الآن ترتدّ عليهم.
أميركا هي هكذا دولة، الكلام ليس عن الشعب والناس في أميركا، فهم مثل باقي النّاس، الكلام عن النظام الأميركي، وعن الحكومة الأميركيّة. كيف يمكن تغيير نظرة الشعب الإيراني لهذا الوجه عبر التجميل والتزيين؟
إرهاب أميركا
نحن الشعب الإيراني كم عانينا من أميركا؟ منذ انقلاب الثامن والعشرين من مرداد، ومن ثمّ حوالي الثلاثين سنة من سلطة الشاه محمد رضا الظالمة - منذ 28 مرداد 1332 هـ. ش. وحتى سنة 1357 هـ.ش. - وكذلك بعد انتصار الثورة.
65
54
في لقاء أهالي آذربيجان
وبشكلٍ متكرّر ومستمرّ: مارست كلّ أنواع الضغط والأذى والمكر والخبث ضدّ الشعب الإيراني. يرى الناس الآن العقوبات والحظر الحالي، بيد أنّ الأميركيين قد بدؤوا الحظر منذ أوّل الثورة. ومنذ البداية كانت أميركا تدعم وتساند كلّ من يريد أن يحارب الثورة، سواء كان يساريًّا أم يمينيًّا، عسكريًّا أم مدنيًّا، لا فرق لديهم أبدًا، كلّ من لديه عداء لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة - بشكل قوميّات أو مجموعات وأشخاص - لقد قدّموا الدعم لكلّ هؤلاء ما استطاعوا سبيلًا، وما شاهده الناس بأعينهم مؤخّرًا تمثَّل في فتنة العام 1388 هـ.ش.1 لقد وقف رئيس الجمهوريّة الأميركي بكلّ وقاحة وأعلن عن دعمه لأصحاب الفتنة، والآن لا زالوا يدعمونهم أيضًا.
هذه مجرّد لائحة من الأعمال الشرّيرة لحكومة هؤلاء. وحاليًّا، فإنّ الكثير من النوايا المشؤومة التي كانوا يخفونها وراء الكواليس، ها هي تنكشف بشكلٍ تدريجي. لقد أعلنتُ في بداية السنة وفي اليوم الأوّل من العام 1392 هـ.ش. في مشهد قرب مرقد ثامن الحجج (الإمام الرضا عليه السلام) وقلتُ: لا مانع عندي، بعض المسؤولين والسياسيّين - من الحكومة السابقة وثمّ من الحكومة الحاليّة - يرون أنّه من خلال المفاوضات مع الأميركيين يمكن حلّ قضيّة الملف النووي، قلتُ لهم حسنٌ، أنتم مصرّون على هذا، اذهبوا وفاوضوا الأميركيين حول هذا الموضوع، ولكنّي قلتُ في خطاب ذلك اليوم نفسه: إنّني لستُ متفائلًا، لا أخالف ولكنّي لستُ متفائلًا. لاحظوا التصريحات الأميركيّة السخيفة والمتكرّرة، سيناتور أميركي مفتَضَح يتلقّى الأموال من الصهاينة، كي يوجّه الشتائم إلى الشعب الإيراني في مجلس الشيوخ الأميركي، حتى إنّها ليست إهانات، بل شتائم! وكذلك رؤساؤهم في المستويات المختلفة (يوجّهون الإهانات إلى الشعب الإيراني).
1 انتخابات الرئاسة عام 2009 وادّعاء التزوير الذي روّج له الإعلام الغربي بشدة وتماشت معه جماعة موسوي وعملوا بقوة على قلب الساحة وإبطال النتائج.
66
55
في لقاء أهالي آذربيجان
رسالة الجماهير: أيّها العدوّ، نحن هنا!
وبالطبع، قد تلقّى هؤلاء صفعة محكَمة من شعبنا في يوم الثاني والعشرين من بهمَن. إنّ أحد أسباب كثافة المشاركة الجماهيريّة هذا العام، هو أنّ النّاس قد شاهدوا كيف أنّ المسؤولين الأميركيين يزدادون وقاحة وتطلّبًا وقلّة أدب وسوء كلام، شيئًا فشيئًا، لقد قادت الغيرة الدينيّة الناس إلى الساحات والميادين ليقولوا للعدوّ: لا تخطئ، نحن هنا. لقد أرادت جماهير الشعب الإيراني، من خلال هذه التظاهرات، أن تقول لنا جميعًا - لي، أنا العبد الحقير، ولسائر المسؤولين الذين يبذلون جهودًا كبيرة في الحقيقة لإدارة البلاد، سواء الذين يعملون في مجال السياسة الخارجيّة أو السياسة الداخليّة - وتطمئننا: ليكن بالكم مرتاحًا، لا تقلقوا، الشعب الإيراني صامد، حاضر في الميدان، فلا يتسرّب إليكم الشعور بالضعف في مواجهة العدوّ، كانت هذه إحدى الرسائل الهامّة للشعب الإيراني. وهو الكلام نفسه الذي قلتُه في بداية العام، وبعدها كرّرناه مرارًا: إنّ القضيّة النوويّة ليست سوى ذريعة للعدوّ، فإنّها لو تمّ حلّها يومًا - على فرض المُحال - كما تشاء أميركا، فستبدأ فورًا التذرّع بمسألة أخرى بعدها، لاحظوا، كيف أنّ الناطقين الرسميّين بلسان الحكومة الأميركيّة قد طرحوا حاليًّا مسألة حقوق الإنسان ومسألة الصواريخ والأسلحة وما شابه.
هذا الكمّ من الوقاحة، أمرٌ عجيب!
إنّني أتعجّب، كيف أنّ الأميركيين لا يخجلون من ذكر كلمة حقوق الإنسان! قد يحقّ لكلّ الآخرين في العالم أن يدّعوا الدفاع عن حقوق الإنسان، إلّا أميركا! فإنّ مسؤوليها لا ينبغي أن يتفوّهوا بهكذا ادّعاء، وسط هذا الكمّ الهائل من الفضائح في سجلّهم حول حقوق الإنسان. ولعلّه إن كان رقم انتهاكاتهم لحقوق الإنسان مئة على سبيل المثال، فإنّ شعوب الدنيا لا تعرف ثمانين أو تسعين بالمئة من هذه الانتهاكات، والعشرة أو العشرين التي يعرفها الناس تمثّل كتابًا أسودًا ضخمًا! يعرف الجميع
67
56
في لقاء أهالي آذربيجان
أمر سجن غوانتانامو وكذلك سجن أبو غريب في العراق. ولقد رأى الجميع شركة "بلاك ووتر" والهجوم على مواكب الأعراس في أفغانستان. وكذلك رأوا مساعدتهم للإرهابيّين المعروفين الذين يفتخرون بكونهم إرهابيّين. لقد شاهد العالم كلّه نقض العهود والأكاذيب، وبعد هذا كلّه يتشدّقون بحقوق الإنسان دون خجل ولا حياء! إنّ هذا الكمّ الهائل من الوقاحة في سلوكهم لهو أمرٌ عجيب في الواقع!
الاقتصاد المقاوم، سبيل العلاج
إنّني أقول لكم، إنّ العمل الذي بدأتْه وزارة خارجيّتنا ومسؤولونا الرسميّون، سوف يستمرّ ويُتابع، لن تنقض إيران أيًّا من عهودها ووعودها. وبالطبع، إنّ المسؤولين يبذلون جهودهم ويقومون بعملهم، لكنّ الأميركيين هم أعداء للثورة الإسلاميّة، إنّهم أعداء للجمهوريّة الإسلاميّة، وأعداء لهذه الراية التي رفعتموها أنتم - أيّها الشعب الإيراني - وهذا العداء لن تخفّ وتيرته بهذه الأشياء (المفاوضات)، إنّ سبيل علاج هذا العداء يكمن في أمرٍ واحد فقط، وهو الاعتماد على الاقتدار الوطني والقوّة الداخليّة الوطنيّة وتمتين البنى الذاتيّة الداخليّة للبلاد أكثر فأكثر. مهما فعلنا وعملنا في هذا المجال فإنّه يبقى قليلًا وليس كافيًا.
لقد قلتُ في ذلك اليوم1: إنّ سياسات الاقتصاد المقاوم سيتمّ إبلاغها قريبًا، إن شاء الله. إنّ علاج مشكلات البلد هو في سلوك طريق الاقتصاد المقاوم، أي الاعتماد على الداخل، فلا نعلّق آمالنا وننظر إلى أيادي الآخرين.
نحن أقوياء، والعالم من يحتاج إلينا
إنّنا قادرون، نحن أثرياء، نملك ثروة إنسانيّة - مواردنا البشريّة قلّ نظيرها في العالم، إن لم نقل لا نظير لها - وكذلك ثرواتنا الجوفيّة، ذخائرنا ومواردنا استثنائيّة.
1 لقاء قادة وأفراد القوّة الجويّة في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران في 19/11 /1392 هـ.ش. (شباط 2014م).
68
57
في لقاء أهالي آذربيجان
العالم بحاجة إلينا، يحتاج العالم إلينا أكثر بكثير ممّا نحتاج نحن للعالم. تسير دورة العالم في هذا العصر على عجلة النفط والغاز، نحن البلد الأوّل في العالم في جميع اللوائح الطويلة لبلدان العالم. لقد قلتُ هذا الأمر في مدينة مشهد هذا العام، نحن الأوائل في العالم من حيث ذخائر النفط والغاز. لقد قدّم مسؤولو الحكومة المحترَمون لي مؤخّرًا تقريرًا حول هذه المسألة، لقد كنّا سابقًا في المرتبة الثانية في ذخائر الغاز وصرنا الآن في المرتبة الأولى. إلى ما قبل سنة أو سنتين كنّا في المرتبة الثانية من حيث احتياطيّ الغاز وصرنا الأوائل، هذه ذخائرنا، والعالم يحتاج إليها. لقد رأيتم كيف أنّ الشركات الأوروبيّة أسرعت نحونا بمجرّد مشاهدتهم لابتسامة صغيرة، إنّهم يريدون المجيء إلى إيران، إلى متى يستطيع الأميركيون أن يستمرّوا في عنادهم ولجاجتهم؟ إذا استمرّينا في الاعتماد على قدراتنا الذاتيّة، فإنّ مواقفهم وقرارتهم سوف تنكسر وتتحطّم، فليعلموا ذلك. إذا كانت عيوننا شاخصة تنظر إلى أيادي الآخرين، وكلّ جهدنا في رفع الحظر الفلاني وتخفيف العقوبات الفلانيّة وماذا صرّح المسؤول الأميركي الفلاني وماذا لم يصرّح - إذا كنّا نسعى وراء هذه الأمور - فإنّنا لن نصل إلى أيّ نتيجة مطلوبة.
ثقوا بالقدرات والطاقات الداخليّة
نحن بلدٌ كبير، إنّنا شعبٌ قويّ، شعبٌ ذو ثقافة عريقة، شعبٌ مفعمٌ بالطاقات والقابليّات، ونملك من الثروات والمواهب الإلهيّة ما شاء الله، ولحسن الحظّ، فإنّ مسؤولينا هم أشخاص حريصون، مندفعون للعمل - ونحن أيضًا نساعدهم، وكذلك ندعو الله لهم - وبالطبع، فنحن مصرّون على أن يعتمد المسؤولون على الطاقات الذاتيّة الداخليّة، نريد من المسؤولين أن يثقوا بالنّاس وأن يثقوا بالقدرات الداخليّة. وليسعوا إلى استنهاض ومضاعفة تدفّق هذا الينبوع الفيّاض الذي لا نهاية له في الداخل، فإن حصل هذا، فكلّ الأبواب الموصَدة سوف تُفتَح. يجب عليهم أن يتحرّكوا بهذا الشكل وأن يعملوا بهذا الأسلوب. إنّ نيّتنا هي نيّة إلهيّة - نشكر
69
58
في لقاء أهالي آذربيجان
الله أنّ هدفنا هو الرضا الإلهي ونعرف أنّ رضا الله يكمن في تقدّم هذا البلد، وفي عزّة هذا الشعب - ونحن نسعى ونتحرّك في هذا السبيل - والله سيعين ويوفّق - كما ذكرت الآية القرآنيّة الشريفة التي تقول ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ والثانية ﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾1 فلا يُسمح بأن تتراجعوا. واعلموا أنّه، بتوفيق الله، سوف تفشل أهداف أميركا والاستكبار العالميّ ضدّ إيران والجمهوريّة الإسلاميّة، وستنهزم عاجلًا أم آجلًا. واعلموا أنّ الشعب الإيراني سيحتفل بانتصاره في جميع المجالات والساحات، وأمام أعين أهل السوء والحاسدين.
وأرجو الله تعالى أن يشملكم جميعًا أيّها الأهل الأعزّاء - أهل تبريز ومدن آذربيجان الأخرى - وكلّ الشعب الإيراني العزيز بعنايته وهدايته وعونه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 سورة محمد،الآية 7.
70
59
في تبليغ السياسات الكليّة للاقتصاد المقاوم
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في تبليغ السياسات الكليّة للاقتصاد المقاوم
المناسبـــة: تبليغ السياسات الكليّة للاقتصاد المقاوم
المكان: طهران
الزمان:
30/11/1392 هـ.ش.
19/04/1435 هـ.ق.
19/02/2014 م.
71
60
في تبليغ السياسات الكليّة للاقتصاد المقاوم
نص تبليغ سماحة الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله لرؤساء القوى الثلاثة ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام:
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا اتّبعت إيران الإسلاميّة، التي تملك سيلًا من الاستعدادات المعنويّة والماديّة والاحتياطات والمصادر الغنيّة والمتنوّعة والبنى التحتيّة الواسعة، والأهمّ من كلّ ذلك، تمتّعها بقوّة إنسانيّة مؤمنة وفعّالة ولديها العزم الراسخ لأجل التقدّم، النموذج الاقتصادي المحلّي والعلمي المستقى من الثقافة الثوريّة والإسلاميّة والتي هي الاقتصاد المقاوم، لن تتغلّب على المشكلات الاقتصاديّة وتهزم العدو الذي اصطفّ في مقابل هذا الشعب الكبير من خلال حرب اقتصاديّة مفروضة قاسية جدًّا وتجبره على التراجع، وإنّما سوف تتمكّن من تحقيق الاقتصاد المبني على العلم والتكنولوجيا، ومحوريّة العدالة والنزعة الداخليّة والخارجيّة، والمتحرّك والمتطوّر، في عالم تتزايد فيه المخاطر وعدم الطمأنينة الناشئة عن التحوّلات الخارجيّة، الخارجة عن السيطرة، من قبيل الأزمات الماليّة، الاقتصاديّة، السياسيّة، وغيرها، وذلك من خلال حفظ مكتسبات البلد في المجالات المختلفة واستمراريّة التطوّر وتحقيق أهداف وأصول الدستور ووثيقة الأفق العشرينيّة، وسوف يظهر النموذج الملهم للنظام الاقتصادي الإسلاميّ.
الآن، وبعد التدقيق اللازم واستشارة مجمع تشخيص مصلحة النظام تبلغ السياسات العامّة للاقتصاد المقاوم التي هي استمرار وتكميل للسياسات السابقة خصوصًا السياسات العامّة للأصل 44 من الدستور وبهكذا رؤية كتبت وهي الحركة الاستراتيجيّة الصحيحة لاقتصاد البلد باتّجاه هذه الأهداف السامية.
73
61
في تبليغ السياسات الكليّة للاقتصاد المقاوم
من اللازم أن تقدم القوى الثلاثة على تنفيذ ذلك من دون أي تلكّؤ وببرمجة زمنيّة محدّدة وتهيئة الأرضيّة والفرصة المناسبة للدور الخلّاق للناس وكلّ الوحدات الاقتصاديّة من خلال تهيئة القوانين والمقرّرات اللازمة وكتابة خريطة طريق للمجالات المختلفة في هذا الجهاد المقدّس، حتى تتحقّق بفضل الله الملحمة الاقتصاديّة للشعب الإيراني الكبير كما الملحمة السياسيّة أمام أنظار العالم.
أطلب من الله تعالى التوفيق للجميع في هذا الأمر المهم.
السيد علي الخامنئي
29 / بهمن ماه / 1392هـ.ش.
74
62
في تبليغ السياسات الكليّة للاقتصاد المقاوم
بسم الله الرحمن الرحيم
السياسات العامّة للاقتصاد المقاوم:
تبلّغ السياسات العامّة للاقتصاد المقاوم لأجل تأمين نموّ ديناميكيّ ولتحسين مؤشّرات مقاومة الاقتصاد وتحقيق أهداف الوثيقة العشرينيّة، وذلك من خلال رؤية جهاديّة، مرنة، منتجة للفرص، ذات منحى داخلي، وتطوّري ونظرة إلى الخارج:
1- تأمين الظروف وتفعيل كلّ الإمكانات والمصادر الماليّة ورأس المال البشري والعلمي للبلد، لأجل تنمية الابتكار وإشراك آحاد الناس بأعلى حدّ ممكن في الأنشطة الاقتصاديّة من خلال تسهيل وتشجيع المشاركات الجمعيّة، والتأكيد على نموّ الدخل ودور الطبقات ذات الدخل المحدود والمتوسّطة.
2- تقدّم اقتصاد المعرفة، تطبيق وإجراء الخريطة العلميّة الشاملة للبلد، وتنظيم النظام الوطني للإبداع بهدف ارتقاء مكانة البلد العالميّة، وزيادة حصّة الإنتاج والصادرات من المنتجات والخدمات القائمة على العلم والحصول على المرتبة الأولى في اقتصاد المعرفة في المنطقة.
3- محوريّة نموّ "الإنتاجيّة" في الاقتصاد من خلال تعزيز مصادر الإنتاج، تمكين قوى العمل، تعزيز قدرة المنافسة في الاقتصاد، إيجاد الأرضيّة للمنافسة بين المناطق والمحافظات واستخدام الإمكانات والقابليّات المختلفة في الجغرافيا والمزايا لمناطق البلد.
4- الاستفادة من إمكانات إجراء برنامج "ترشيد المساعدات" في سياق زيادة الإنتاج، العمالة، الإنتاجيّة، تقليل الاعتماد على الطاقة، وزيادة مؤشّرات العدالة الاجتماعيّة.
75
63
في تبليغ السياسات الكليّة للاقتصاد المقاوم
5- التوزيع العادل للمصادر في السلسلة من الإنتاج إلى الاستهلاك بما يتناسب مع دورها في إيجاد القيمة المضافة، وخاصّة مع زيادة نصيب رأس المال البشري عن طريق ارتقاء التعليم، والمهارات، والإبداع، والابتكار والتجربة.
6- زيادة الإنتاج المحلّي للمؤسّسات والسلع الأساسيّة (وخاصّة السلع المستوردة)، وإعطاء الأولويّة لإنتاج السلع والخدمات الاستراتيجيّة وإيجاد التنوّع في مصادر تأمين السلع المستوردة بهدف تقليل الارتباط ببلدان خاصّة ومحدودة.
7- تأمين الأمن الغذائي والعلاجي وإيجاد الاحتياطات (مخازن) الاستراتيجيّة، مع التأكيد على الزيادة الكميّة والكيفيّة في الإنتاج (المواد الأوليّة والسلع).
8- إدارة الاستهلاك مع التأكيد على إجراء السياسات العامّة لإصلاح النموذج الاستهلاكي والترويج لاستهلاك السلع المحليّة مع التخطيط للارتقاء الكيفي، وقدرة المنافسة في الإنتاج.
9- إصلاح وتقوية النظام المالي للبلد بهدف تلبية حاجيّات الاقتصاد القومي، وإيجاد الاستقرار في الاقتصاد القومي، والإسراع في تقوية القطاعات الحقيقيّة.
10- الدعم الشامل والموجّه للصادرات من السلع والخدمات بما يتناسب والقيمة المضافة، والتي لديها فائض في ميزان العملة الأجنبيّة من خلال:
- تسهيل القوانين وزيادة الحوافز اللازمة.
- زيادة الخدمات التجاريّة الخارجيّة والترانزيت والبنى التحتيّة اللازمة.
- تشجيع الاستثمار الأجنبي لأجل الصادرات.
- التخطيط للإنتاج القومي بما يتناسب مع حاجات الصادرات، تشكيل الأسواق الجديدة، وتنويع العلاقات الاقتصاديّة مع الدول وخاصّة دول المنطقة.
- الاستفادة من أسلوب المقايضة لأجل تسهيل العلاقات حين اللزوم.
- إيجاد استقرار في الإجراءات والمقرّرات في ما يتعلّق بالصادرات بهدف استمراريّة زيادة حصّة إيران في الأسواق المستهدفة.
76
64
في تبليغ السياسات الكليّة للاقتصاد المقاوم
11- تطوير مجال دعم المناطق الحرّة والاقتصاديّة الخاصّة للبلد بهدف انتقال التكنولوجيا المتطوّرة، تطوير وتسهيل الإنتاج، صادرات السلع والخدمات، وتأمين الحاجيّات الضروريّة، والمصادر الماليّة من الخارج.
12- زيادة قدرة مقاومة الاقتصاد المحلّي، وتقليل تعرّضه للضرر عن طريق:
- تطوير العلاقات الاستراتيجيّة، وتنمية التعاون والمشاركة مع بلدان المنطقة والعالم وخاصّة الدول المجاورة.
- الاستفادة من الدبلوماسيّة لأجل دعم الأهداف الاقتصاديّة.
- الاستفادة من إمكانات المنظّمات الدوليّة والإقليميّة.
13- مواجهة ضرر الدخل (العائد المالي) الحاصل من صادرات النفط والغاز عن طريق:
- اختيار عملاء استراتيجيّين.
- إيجاد تنوّع في أساليب البيع.
- مشاركة القطاع الخاص في البيع.
- زيادة صادرات الغاز.
- زيادة صادات الكهرباء.
- زيادة صادرات البتروكيميائيّات.
- زيادة صادرات المشتقّات النفطيّة.
14- زيادة الاحتياطات الاستراتيجيّة من النفط والغاز للبلد بهدف التأثير على السوق العالمي للنفط والغاز، والتشديد على حفظ وتنمية إمكانات إنتاج النفط والغاز، وخاصّة في الميادين (النفطيّة والغازيّة ) المشتركة.
15- زيادة القيمة المضافة عن طريق تكميل "سلسلة القيمة" لصناعة النفط والغاز، تنمية إنتاج السلع ذات المردود الأمثل (بناءً على مؤشّر كثافة استهلاك الطاقة )، زيادة صادرات الكهرباء، المنتوجات البتروكيميائيّة، المشتقّات النفطيّة، مع التأكيد على الاستخراج الذي يحفظ المصادر.
77
65
في تبليغ السياسات الكليّة للاقتصاد المقاوم
16- الاقتصاد في الإنفاق العام للبلد، مع التأكيد على التحوّل الأساسي في البنى، وبناء الدولة بشكل منطقي وحذف الأجهزة الموازية وغير الضروريّة والمنتجة للتكاليف.
17- إصلاح نظام الإيرادات الحكوميّة من خلال زيادة حصّة الإيرادات الضريبيّة.
18- الزيادة السنويّة "لصندوق التنمية القوميّة" من المصادر الماليّة الناتجة عن صادرات النفط والغاز حتى قطع ارتباط الموازنة بالنفط.
19 - شفافيّة الاقتصاد وسلامته والوقاية من الإجراءات والأنشطة، وأرضيّات الفساد في المجالات النقديّة والتجاريّة والعملات الخارجيّة.
20- تقوية ثقافة الجهاد في إيجاد القيمة المضافة، وإنتاج الثروة، والإنتاجيّة، والابتكار، والاستثمار، والعمل المنتج، وإعطاء أوسمة الاقتصاد المقاوم للأفراد ذوي الخدمات المميّزة في هذا المجال.
21- توضيح أبعاد الاقتصاد المقاوم، ومناقشته خاصّة في المجالات العلميّة، والتعليميّة، والإعلام، وتحويله إلى مقولة عامّة ورائجة على المستوى القومي.
22- الحكومة مكلّفة بالقيام بالإجراءات التالية، لأجل تحقيق السياسات العامّة للاقتصاد المقاوم من خلال التنسيق والتعبئة الحيويّة لكلّ إمكانات البلد:
- تشخيص واستخدام الإمكانات العلميّة، الفنيّة، والاقتصاديّة، لأجل الحصول على قدرة الهجوم واتّخاذ التدابير اللازمة.
- رصد برامج العقوبات وزيادة تكاليف العدو.
- إدارة المخاطر الاقتصاديّة عن طريق تهيئة مشاريع ردّات الفعل الذكيّة، والفعّالة، والسريعة وبالوقت المناسب، في مقابل الأخطار والاختلالات الداخليّة والخارجيّة.
23- شفافيّة وملاءمة نظام التوزيع والتسعير والتحديث اليومي لأساليب الرقابة في السوق.
24- زيادة المعايير القياسيّة لكلّ المنتجات المحليّة والترويج لها.
78
66
بمناسبة يوم التشجير وبعد غرس شجرة
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
بمناسبة يوم التشجير وبعد غرس شجرة
المناسبـــة: أسبوع المصادر الطبيعية ويوم التشجير في إيران
الحضور: جمع من المسؤولين والمعنيين
المكان: طهران
الزمان:
14/12/1392 هـ.ش.
03/05/1435 هـ.ق.
05/03/2014 م.
79
67
بمناسبة يوم التشجير وبعد غرس شجرة
شارك سماحة الإمام الخامنئي دام ظله في يوم غرس الأشجار، وبعد غرسه لشجرتين كانت له الكلمة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
أوّلاً: لا بدّ من تقديم الشكر لكلّ الأشخاص العاملين في مجال توسعة الأراضي الخضراء في هذا البلد، ونسأل الله أن يمدّهم بالقوة.
ثانيًا: أطلب من جميع المسؤولين وجميع أفراد الشعب الأعزّاء، أن يُعطوا مسألة الأراضي الخضراء أهميةًّ، ولا يحرموا هذا البلد والشعب وحياة الناس من هذا العطاء الإلهي ومن هذه النعمة الإلهيّة الكبرى، والتي هي عبارة عن النبات والشجر وأمثال ذلك.
وتعتبر مسألة البيئة مسألة مهمّة جدًّا وقضيّة الغبار الذي يثار داخل البلد - وقد قدّم لي وزير الزراعة منذ أيام تقريرًا عن هذه المسألة وأضرارها - مسألة مهمّة جدًّا، ومن المناسب أن يتعاون وينسّق جميع المسؤولين في البلد وجميع الأقسام المتعدّدة في الدولة للحدّ من هذه الأضرار حيث تؤدي إلى أضرار كثيرة في البلد.
وأخيرًا، كانوا قد أرسلوا لي تقريرًا يتعلّق بهذا الموضوع (الغبار) وبالفعل يعتبر تقريرًا لافتًا لا بدّ من الاعتناء به.
وأتمنّى من جميع الناس المحافظة على الشجرة وأن يعطوا الأهميّة للمساحات الخضراء.
قالوا كشعار: "كلّ إيراني = شجرة واحدة" وهو شعار جيّد. اسعوا في هذه الأيام - والتي هي أيام زراعة الأشجار وفصل زراعة الأشجار - لزيادة زراعة الأشجار
81
68
بمناسبة يوم التشجير وبعد غرس شجرة
وللحد من اليد المؤذية التي تتعدّى أحيانًا على المساحات الخضراء ولا تسمحوا لها سواء كانت في غاباتنا أم في سهولنا أم في الساحات الخضراء في المدن أم تلك التي تكون حول المدن، وإن لم تتعاطوا مع هذه المسألة بقوة وحزم فإنّ ما تشاهدونها من سفوح البُرز في طهران إلى أعلى قمّة فيه سوف يملأ بالحديد والإسمنت، بمعنى أنّ هناك من يستغل ذلك (ويحرمنا من نعمة الطبيعة الخضراء).
وبعد أن قمتم بوضع البرامج لهذا الموضوع - وهذا بحد ذاته أمر جيّد - لا بدّ أن يُرى من العمل على تطبيق هذه البرامج، حتى تُرى بشكل محسوس، ولكي يشعر الإنسان منّا أنّ هناك عملًا أساسيًّا قد تحقّق.
وفّقكم الله سبحانه!
82
69
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
المناسبـــة: انعقاد المؤتمر الخامس عشر من الدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة
الحضور: أعضاء مجلس خبراء القيادة
المكان: طهران
الزمان:
15/12/1392 هـ.ش.
04/05/1435 هـ.ق.
06/03/2014 م.
83
70
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
بسم الله الرحمن الرحيم
نشكر الله على توفيقه، بأن أحيانا لنشهد لقاءً آخر مع هذا الجمع الجليل، فنستمع إلى مسائل عدّة ونعرض مسائل أخرى. أشكر رئيس مجلس الخبراء المحترم1 على التزامه بعقد هذا اللقاء في الوقت المحدّد، على الرغم من صعوبة الأمر، وما يتطلّبه من بذل جهد وصرف وقت، والشكر لجميع السادة المحترَمين أيضًا.
أهميّة ودور مجلس الخبراء
لقد ذُكر الكثير حول أهميّة هذا المجلس، نحن تحدّثنا سابقًا، وكذلك أنتم أيّها السادة، فقد بيّنتم هذا الأمر مرارًا، إنّ لهذا المجلس مكانة خاصّة بين مجموع أركان النظام الإسلاميّ ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة. لكن، في بعض الأحيان، بسبب الأوضاع والأحداث التي تقع - سواءً في الداخل أو في مجمل المسائل العالميّة - تتضاعف أهميّة دور هذا المجلس واجتماع كلّ هؤلاء العلماء والشخصيّات العظيمة وعلماء الدين البارزين والمجتهدين ويكون له أهميّة استثنائيّة، وباعتقادنا فإنّ زماننا الحالي هو من جملة هذه الأزمنة التي تزداد أهميّة المجلس فيها، حيث إنّ هناك مسائل مهمّة تدور حولنا، سواء المسائل المتعلّقة بنا بشكلٍ مباشر، أو المسائل التي - وإن لم تتعلّق مباشرة بنا - لا يمكن لنا أن نمرّ عليها مرور الكرام، كثيرة هي المسائل من هذا النوع حاليًّا في العالم وفي المنطقة. الأوضاع العامة - سواء في آسيا أو في إفريقيا وأوروبا - أوضاع شديدة التعقيد، أوضاع حسّاسة، وبالتأكيد، فإنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة لديه مواقف وأفكار في مواجهة هذه الأوضاع، إنّ النظرَ الدقيق وإعادة البحث والتحليل جزء من مسؤوليّاتنا جميعًا في هذا الزمان.
1 آية الله مهدوي كني.
85
71
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
نظرة إبداعيّة مبتكرة
لقد قلنا، يوجد في العالم حاليًّا معضلات كثيرة، وكذلك فإنّ مستوى تأثير الجمهوريّة الإسلاميّة في المعادلات الإقليميّة، وحتى في المعادلات العالميّة أحيانًا، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، بناءً على هذا، فإنّ على جميع أركان النظام ومن جملتها هذا المجلس، التحلّي بنظرة إبداعيّة مبتكرة وأساسيّة للمسائل، الأمر الذي يفرضه الواجب الشخصي والذاتي للعلماء - حيث إنّ العلماء هم هداة الأمّة ولديهم مسؤوليّات، وعليهم أن ينوّروا أذهان الناس، في النظام الإسلاميّ لا ينحصر عمل العلماء وواجبهم في طرح مسائل الصلاة والصوم، بل، إنّهم يوقظون الناس وينبّهونهم، ويوضّحون لهم الحقائق ويزيدون من بصيرتهم - وكذلك بالنظر إلى أنّ هذا المجلس هو مؤسّسة رسميّة وتقع على عاتقها واجبات ومسؤوليّات.
سأطرح مسألتين، تشمل الأولى نقاطًا حول القضايا الحاليّة في العالم. تلك القضايا التي تتعلّق بنا، وبالطبع، فإنّ هناك قضايا لا تتعلّق بنا، أطرح نقاطًا حول ما يتعلّق بنا في مجال المسائل العالميّة.
مراقبة التحوّلات العالميّة
النقطة الأولى: هي أنّ العالم يشهد تحوّلات مفصليّة، لا أحد يمكنه إنكار هذا الأمر، انظروا إلى منطقة شمال إفريقيا ومناطق إفريقيّة أخرى، وإلى منطقة آسيا، حيث برزت قوى في آسيا تستعرض قدراتها في العالم، وتقف في مقابل القوى التقليديّة في العالم، كذلك لاحظوا الوضع الموجود في أوروبا، العالم في معرض التغيّر. بالتأكيد، فإنّ التحوّلات العالميّة والتاريخيّة لا تتحقّق في زمنٍ قصير، فلا يمكن مثلًا أن نفترض أنّ تحوّلًا ما قد حصل وسيظهر بوضوح خلال ستّة أشهر أو سنة أو سنتين، كلّا، يجب الانتباه ورؤية علامات التحوّل، حتى إن احتاج هذا التحوّل إلى عشرين سنة كي يتحقّق ويتمّ بشكلٍ كامل، لكن علينا أن نفهم ماذا يجري في العالم. بناءً على هذا، فإنّ النقطة الأولى هي أنّ العالم يتعرّض لتحوّلاتٍ أساسيّة، علينا أن ندرك هذا الأمر جيدًا.
86
72
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
أوّلاً: الاضطراب الاجتماعي
النقطة الثانية: هي أنّ الهدوء الظاهري للجبهة العالميّة المتسلّطة - أي هذه القوى التقليديّة التي كانت حاكمة في العالم، سواء القدرة الأميركيّة أو القوى الأوروبيّة، والتي كانت تتمتّع بهدوء وسكون ظاهري من الناحية الاقتصاديّة والإعلاميّة، ومن ناحية الاستقرار الاجتماعي داخل بلدانها فكان يخيّم الاستقرار بالظاهر على حياتهم - قد تعكّر اليوم واضطرب، والإنسان يلاحظ علامات هذا الاضطراب والتوتّر.
لقد كان هؤلاء - ولا يزالون - مجهَّزين بكلّ الوسائل، المال وكذلك السلاح ووسائل الإعلام وكذلك بالعلم. وعليه، فإنّ القوى التي تمتلك كلّ هذه التجهيزات، ينبغي أن تنعم براحة البال وهدوء الخاطر، ولقد ساد هذا الهدوء، لسنوات متمادية، ولكنّه انكسر اليوم، وتعكّر صفوه.
الاضطراب في المجال الاقتصادي
لقد اضطرب هذا السكون في عدّة مجالات: أوّلاً، في المجال الاقتصادي - حيث إنّ الميزة الأهمّ لهم كانت التطوّر الاقتصادي والنمو الاقتصادي - وأنتم تشاهدون، كيف هو الوضع حاليًّا: أوروبا تعاني من أزمة اقتصاديّة، وكذلك أميركا تتعرّض لأزمة اقتصاديّة، ذلك الاقتصاد الذي كان مستقرًّا، ها هو اليوم يرسل إشارات الإفلاس. حسنٌ، افرضوا بأنّ حكومة بلدٍ ما عليها ديون أكثر من كلّ إجمالي الدخل القومي فيها، هذا هو الوضع الموجود حاليًّا في أميركا. حكومة مَدينة وعلى ما يبدو لا يوجد تصوّر لسبيل خلاصها من هذه الديون والقروض. لذلك تتوقّف العديد من الخطط والبرامج العامّة لديها، في أميركا نفسها الوضع هكذا. وأمّا في البلدان الكبرى والقويّة في أوروبا، فإنّ الوضع فيها كذلك، على الرغم من أنّهم قليلًا ما يعلنون ويصرّحون بهذا. رئيس الجمهوريّة الحالي في أميركا نفسها - ومنذ أن وصل إلى الرئاسة في الدورة الأولى - وعد الناس بتأمين خدمات الضمان الصحي الشامل
87
73
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
والعام للجميع، ولكن إلى اليوم، وبعد مرور حوالي ستة أعوام من انتخابه، لم ينجح بالقيام بهذا العمل، أي إنّ بلدًا يتمتّع بكلّ تلك الإمكانات والموارد، يُطلِق فيه رئيس الجمهوريّة وعودًا للشعب ولا يتمكّن من تنفيذها، هكذا هم وهكذا هو وضعهم. بناءً على هذا، فهم يواجهون في المجال الاقتصادي - والذي كان يمثّل القطاع الأهم لبلدان جبهة الاستكبار والقوى التقليديّة في العالم - أزمات ومشاكل، كذلك أوروبا - حيث يرى الجميع ويتابعون الأخبار ويسمعون - تشهد بلدانها المختلفة معضلات اقتصاديّة كثيرة.
الاضطراب في المجال الأخلاقي
كذلك، فإنّهم قد هُزموا وفشلوا في المجال الأخلاقيّ، حسنٌ، إنّ حضارة الغرب الحاليّة قد قامت على أساس الدفاع عن الإنسان، لقد بُنيت كلّ هذه الحضارة على أساس "الأومانيسم" (النزعة الإنسانيّة) وأصالة الإنسان، ما يعني بأنّ "الإنسانيّة" ستكون العنصر الأصلي والهدف الأصلي، والقبلة الأولى لهذه الحضارة، هذه الإنسانيّة قد سُحقت اليوم في نظام الغرب الحضاري، وجرى دوسها بالأقدام! الحقّ والإنصاف أنّهم قد تجرّعوا طعم الهزيمة. حسنٌ، لقد كانوا وحتى الأمس القريب، يغطّون ضعفهم وانكسارهم بلباس العلم والأدبيّات الجامعيّة، ولكن انكشفت نقاط ضعفهم بشكلٍ تدريجي وها هو باطن هذه الحضارة الماديّة - المعادي للإنسان وللفطرة الإلهيّة - يظهر على حقيقته. وإنّ القتل والنهب والعنف من نماذجه التي تراكمت يومًا بعد يوم، فلم تعد خافية على أحد. في السابق مثلًا، كان الإنجليز يرتكبون الجرائم في الهند وفي بورما، ولكنّهم كانوا وفي مناطق أخرى يقدّمون أنفسهم بشكلٍ مبهر ومحترم ومؤدّب، أمّا اليوم، فقد مضى ذلك الزمن وانقضى! الجميع اليوم على اطّلاع بما يجري من عنفٍ وإجرام. من ينقل كلام الناس1، يضع هذه الجرائم أمام أعين جبهة الاستكبار، إنّهم يقتلون ويعتدون وينهبون ويمارسون الشهوات
1 بمعنى من يحمل قضايا الناس.
88
74
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
التي تمسخ الإنسان: زواج الشاذّين جنسيًّا! وهو أمر آخر غير الشذوذ الجنسي نفسه وأشدّ منه خطورة بدرجات! حيث يتجاهرون علنًا بترويج المنكر المعادي للفطرة ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ﴾1، والذي ذُكر في القرآن. إنّهم يعترفون اليوم علنًا وصراحة، ويزوّجون الشاذّين، وتقوم الكنائس بتشريع الأمر ويصرّح رئيس جمهوريّة أميركا بأنّه يؤيّد هذا العمل ولا يخالفه! أي إنّ الستارة قد تمزّقت والغطاء قد انكشف عن ذلك الفساد الباطني والداخلي في مجال الشهوات وأمثالها.
إهانة المقدّسات ودعم الإرهاب
الدعم الصريح للإرهاب، حسنٌ، إنّكم تلاحظون ما يجري من أحداث في المنطقة، يوجد أشخاص يشقّون صدور الناس ويلوكون أكبادهم أمام عدسات التصوير، القوى الأوروبيّة تدعمهم، ولكن باحتياط، فهم لا يقولون مباشرة: إنّنا ندعم الجهة الفلانية، بل يقولون نحن ندعم جبهة المعارضة، وهكذا فهم يساندون الإرهاب، ذلك الإرهاب العنيف والمتوحّش والمفترس.
إنّهم يُهينون المقدَّسات، بكلّ سهولة، وبذريعة الحرية يلوّثون المقدّسات ويشوّهون الوجوه النورانيّة من خلال إهانة الأنبياء والعظماء، وليس فقط نبيّنا بل جميع الأنبياء. لقد قلت لبعض المسؤولين الثقافيّين - ومع الأسف، فإنّ الكثير من مسؤولينا الثقافيّين لا يتواصلون ميدانيًّا مع المسائل الثقافيّة - بأن يتابعوا ويقرؤوا الكتب المتنوّعة، غالبًا ما يكونون بعيدين عن الساحة. قلت لهم: إنّهم يهينون النبي موسى والنبي عيسى، وإنّهم يهينون الأنبياء العظام بشكلٍ صريح، هذا ما يجري حاليًّا. بناءً على هذا، فإنّ جبهة الاستكبار التي كانت تتحكّم بأوضاع العالم قد هُزمت أيضًا في الميدان الأخلاقي، أي إنّ إشكالات عديدة قد نزلت عليها في هذا المجال أيضًا.
1 سورة العنكبوت، الآية 29.
89
75
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
تزلزل أسس الحضارة الغربيّة
كذلك، فإنّ هذه الحضارة وحماة هذه الحضارة قد تعرّضوا للهزيمة في مجال منطق الهويّة أيضًا، لأنّ الأُسس العلميّة للحضارة الغربيّة الماديّة تتهاوى واحدة بعد الأخرى، لقد ظهر علماء وأبطلوا أفكارهم - سواء في مجال العلوم الإنسانيّة أو في مجال العلوم الأخرى - وهكذا تتزلزل، الآن، تلك الأسس العلميّة لهذه الحضارة.
وفي مجال القيمة والاحترام العالمي، الحقّ والإنصاف أنّه لم يبق أي ماء وجه لجبهة الاستكبار، أي إنّ جرائم الدول الغربيّة والحكومات المستبدّة التابعة لها قد صارت واضحة ظاهرة لكلّ شعوب العالم، هذه القوى مكروهة مبغوضة في العالم أجمع، وإن كان بعض رؤساء الدول والحكومات التابعة والحكومات الضعيفة والجبانة يصرّحون بشكلٍ آخر في مجاملاتهم، ولكنّ هذه القوى مبغوضة بين الشعوب. أميركا اليوم مكروهة أكثر من الحكومات الأخرى في العالم، في هذه المنطقة وكذلك في المناطق الأخرى، في المنطقة الإسلاميّة يتضاعف الكُره لأميركا، والوضع كذلك في بقيّة أنحاء العالم. بناءً عليه، فإنّ هؤلاء أيضًا قد هُزموا في مجال الاحترام والتقدير في العالم. وهذه مسألة مهمّة أيضًا: إنّه لم يبقَ شيء لتلك الجبهة المهيمنة والتي تمثّل الحكومة الأميركيّة رأس الحربّة لها بحيث تُعتبر الأقوى والأكثر استعدادًا للعمل والتدخّل، لكن ماء وجهها قد أُريق في العالم. هذه هي النقطة الثانية من النقاط التي أردتُ طرحها.
صحوة الشعوب الإسلاميّة
المسألة الأخرى حول حقائق وأوضاع العالم، صحوة الشعوب، قلنا سابقًا إنّها صحوة إسلاميّة في منطقة شمال إفريقيا والمنطقة العربيّة، وقد اعترض البعض بأنّ ما حصل ليس صحوة إسلاميّة، ولا علاقة للأمر بالإسلام، لكن ظهر بوضوح أنّ كلّ ما جرى يرتبط بالإسلام بشكلٍ كامل، حسنٌ، لقد أخمدوا هذه الجذوة بحسب الظاهر فقط، إلّا أنّها شعلة لا يمكن إطفاؤها. عندما يتولّد الشعور بالمسؤوليّة
90
76
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
والواجب عند شعبٍ ما، وعندما ينطلق الإحساس بالهويّة الإسلاميّة عند شعب ما، فإنّ هذا لا يمكن أن يزول بهذه السهولة، فلنفترض الآن بأنّ حكومة ما قدتمّ إسقاطها أو عزلها - بواسطة انقلاب أو بأي شكلٍ آخر - لكنّ تلك الروح التي وجدت بين الجماهير، تلك الثقة بالنفس واستعادة الهويّة الإسلاميّة، لا يمكن أن تزول بهذه البساطة وهي لن تزول، الآن. اليوم، وفي تلك المناطق، وفي تلك البلدان التي قامت فيها صحوة إسلاميّة، لا تزال حالة الاشتعال كغليان المرجل1، ولا صحّة بأنّ هذه الصحوة قد انتهت. إنّ هذه هي أيضًا من حقائق العالم، لقد بلغت الاستقامة الإسلاميّة أوجها.
الشعب الإيراني لن يتخلّى عن ثورته
هناك حقيقة أخرى، ولعلّها هي الأهمّ بين هذه الحقائق الواقعة. وهي مسألة الشعب الإيراني، حيث إنّ الشعب الإيراني وبعد مضي 35 سنة من بزوغ فجر الثورة، لم يكلّ ولم يملّ ولم يتخلّ عن الثورة، ولم يسحب يده ويصرف نظره عنها. لم يبتعد قطّ عن الروحيّة الثوريّة، لاحظوا ما حدث في يوم الثاني والعشرين من بهمَن (11 شباط) هذه السنة. إنّها ظاهرة، ولقد قلنا هذا مرارًا، أنّنا قد تعوّدنا على هذه الحادثة الشديدة الأهميّة (وهنا لديّ كلمة سأقولها لاحقًّا حول شبابنا بعد عرض الحقائق التي يجب الاهتمام بها). على كلّ حال، فإنّ هذه مسألة أساسيّة أيضًا. بناءً على هذا، نحن موجودون - الآن - في هكذا عالم: هناك - حولنا وفي أنحاء العالم - تجري حاليًّا أحداث تدلّ على التحوّلات الأساسيّة التي تقع، كذلك في بلدنا حيث يشهد نمو الفكر الإسلاميّ والاستقامة الإسلاميّة وسموّ وشموخ شجرة الحكومة الإسلاميّة والنظام الإسلاميّ. بناءً على هذا، وفق هذا التوجّه، ينبغي القول أنّ نظرتنا إلى قضايانا وقضايا العالم يجب أن تكون نظرة جديّة.
1أي القِدر.
91
77
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
الأمر الثاني الذي أطرحه، هو الأعمال التي تقع على عاتقنا حاليًّا، لقد دوّنت - أنا العبد - هنا عدّة مطالب وهي، بالطبع، ليست كلّ المطلوب. وكذلك فإنّ ما أقوله ليس كلامًا جديدًا، بل تعرفونه جميعًا أيّها السادة، ولكن تكرار هذه الأمور وقولها مفيد، تقع على عاتقنا أعمال كثيرة، منها ما أطرحه.
النظرة الواقعية
أحدها النظرة الواقعيّة، إنّ علينا أن نرى الحقائق الموجودة في مجتمعنا بشكلٍ واقعي. في العادة يتّجه النظر إلى الوقائع، بحسب طبيعة الإنسان، نحو نقاط الضعف. افرضوا بين كلّ الأشياء التي نراها، أنّنا نرى غلاء الأسعار أو عدم تحقّق بعض الأهداف الإسلاميّة، حسنٌ، إنّ هذه حقائق واقعيّة وغالبًا ما نراها - وبالطبع، فإنّ البعض يبالغ في حجم هذه المسائل - ولكن هناك حقائق أخرى موجودة أيضًا في هذا البلد، ويجب أن نراها أيضًا، مثل الحقيقة التي ذكرتها سابقًا، أي، واقع "صمود النظام القائم على الإسلام"، هذه حقيقة وواقع. لقد كان أعداء الإسلام وأعداء إيران يتوقّعون أن يتعب الشعب بعد سنة أو سنتين أو خمسة سنوات، وأن ينسى الناس ويتخلّوا عن الثورة، كما حدث في الكثير من ثورات العالم، حين أقول "الكثير"، فالحقيقة أنّه ينبغي أن أقول الجميع! ففي جميع الثورات التي وقعت في المئتي أوالمئتين وخمسين سنة الماضية في العالم، وعلى حدّ اطلاعي - أنا العبد لله - ففي تلك الثورات كلّها قد حصل هذا الأمر، بعد مضي فترة على الثورة، كان الاندفاع الثوري يخفّ والوهج الحماسي يخبو، إلى أن تنطفئ شعلتها تمامًا وتعود الأوضاع إلى سابق عهدها قبل الانتصار. لقد سافرت في زمان رئاسة الجمهوريّة إلى أحد البلدان الثوريّة بعد مرور حوالي سبعة أو ثمانية أعوام من انتصار الثورة هناك. ولقد كان رئيس ذلك البلد من الكوادر الثوريّة أيضًا، عندما وصلنا إلى محلّ إقامتنا كضيوف، لاحظت أنّ الوضع السابق نفسه قد تكرّر، وأنّه يشبه ما كان عليه زمان الحاكم المستعمر السابق والذي كان برتغاليًّا، كان ذلك البلد مستعمرة برتغاليّة
92
78
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
وعاد الوضع ليتكرّر: التشريفات الظاهريّة والآداب والمجاملات نفسها، لم يختلف أيّ شيء! حين انتصرت الثورة لم يكونوا كذلك ولكنّهم بشكلٍ تدريجي سقطوا وتماهوا مع عادات المستكبرين والمستبدّين السابقين وساروا على الأسلوب والمنهج نفسه، لم تسقط الثورة الإسلاميّة، الجمهوريّة الإسلاميّة لم تسقط، ولقد فشل أولئك الذين كانوا يريدون أن يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء وزمن عادات وأعراف وأساليب ما قبل الثورة إلى البلد وإلى الثورة. ولا تزال هذه الثورة تنطق بكلام الإسلام وفكره، فكر الاستقلال والصمود الوطني، فكر التنمية الذاتيّة الداخليّة، فكر العدل، لا تزال الثورة تجاهد وتعمل في سبيل هذه الأهداف الكبرى، كلّ هذه مسائل الثورة، إنّها أمور هامّة. هذه حقيقة واقعيّة.
الدوافع الدينية لجيل الثورة
هناك حقيقة أخرى ينبغي عدم الغفلة عنها، وهي الدوافع الدينيّة لجيل الثورة اليوم. أحيانًا نقول مثلًا، أنّنا نحن كبار السنّ والشيوخ الذين شهدنا مرحلة الثورة، وها نحن لا زلنا ثوريّين، ولكنّنا قد خسرنا أوّلاًدنا وشبابنا حيث إنّهم تخلّوا عن الروحيّة الثوريّة، ولكنّ الوضع ليس كذلك. نحن اليوم لدينا شباب ثوري، في جميع أنحاء البلاد، ومن مختلف الفئات والطبقات، لدينا الكثير الكثير من هؤلاء الشباب في الجامعات، شبابٌ مؤمن متديّن وثوريّ أيضًا، وأنا أعتقد، أنّ مستوى شأن هؤلاء الشباب هو أعلى من الشباب الثوري في بداية الثورة. لماذا؟ أوّلاً: لأنّ تلك الأيّام شهدت تلك الثورة العظيمة بحماسها وجاذبيّتها، ثانيًا: تلك الأيام لم يكن فيها إنترنت وكلّ وسائل الإعلام والإعلانات المتنوّعة هذه، شباب تلك الأيام لم يكن في معرض هذه الآفات والأخطار، أمّا شباب اليوم فهو في مواجهة كلّ هذه المشكلات، الإنترنت أمامه، وكلّ هذه الجهود التي تُبذَل لانحرافه وإفساده، لكنّ هؤلاء الشباب يثبتون على تديّنهم، يقيمون الصلاة ويهتمّون بها، يصلّون صلاة الليل والمستحبّات، يشاركون في إحياء المناسبات الدينيّة المهمّة يقفون بثبات مع الثورة، يطلقون
93
79
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
الشعارات الثوريّة النابعة من صميم القلب، إنّ هذه أمور مهمّة. إنّنا نعتقد بأنّ جيل الثورة اليوم هو من الافتخارات الكبرى. إنّ هذه حقيقة موجودة في الواقع، ويجب أن تُلاحظ وتُرى بوضوح.
طاقات وطنيّة هائلة
كذلك يوجد حقيقة أخرى يجب الالتفات إليها، وهي الاستعدادات والطاقات الوطنيّة التي لا تُعدّ ولا تُحصى، ولحسن الحظّ، فإنّ مسؤولي البلاد والمسؤولين الحكوميّين - الذين التقيتُ بهم وخاصّة في هذه الأيّام - بعد تشكيل الحكومة الجديدة، جميعهم يُقرّون ويؤمنون ويعرفون حجم هذه الطاقات الداخليّة الهائلة، حسنٌ، إنّ وجود هذه الاستعدادات والطاقات، بحمد الله، قد أدّى بهذا العبد الحقير ومن يشاركنا في الرأي إلى الوصول معًا إلى مسألة "اقتصاد المقاومة" هذا، وإلّا فإنّ بلدًا محرومًا من هذه الطاقات (الإمكانات) الداخليّة لا يمكنه أن يُوجد اقتصادًا مقاومًا. يتحقّق الاقتصاد المقاوم حين نمتلك نحن في داخل البلد استعدادات وموارد مناسبة. عندما يلتقي الإنسان بكلّ واحدٍ من هؤلاء المسؤولين الاقتصاديّين والمسؤولين المتابعين لهذه القضايا، يلاحظ كم يعدّدون هذه الطاقات الداخليّة الوفيرة، إنّ هذه المسألة أيضًا هي حقيقة شديدة الأهميّة.
بغض الأعداء وحقدهم
حقيقة أخرى يجب عدم الغفلة عنها، ألا وهي عداوة أعدائنا لنا. يجب الانتباه وعدم الغفلة عن عداوة الأعداء. فكما يقول الشاعر سعدي الشيرازي1:
عندما يعدم العدو كلّ حيلة يلوّح بسلسلة الصداقة وسيلة
وحينها، فإنّه يضرب بصداقته ضربة أقوى من كلّ العداوات وأشدّها خطرًا وضررًا2، ينبغي الانتباه لهذا الأمر وعدم نسيانه، هذه حقيقة واقعة، عدوّنا موجود
1 كلستان (سعدي)، الباب الثامن، في آداب الحديث.
2 هنا يشير إلى المكر الشديد والحيلة الماكرة بقالب الصداقة والابتسامات التي تخفي أشد العداوات.
94
80
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
وهو عدوّ الإسلام وعدوّ استقلالنا الوطني وعدوّ شعبنا، لأنّ شعبنا يتميّز بهذه السمات، نعم، لو تخلّى شعبنا عن الثورة ونفض يده منها وترك الثورة والإسلام واستسلم للمعتدي، لصار العدوّ راضيًا عن شعبنا ومادحًا له مثنيًا عليه، ولكنّه. الآن: معادٍ لهذا الشعب لهذا السبب1 ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾2 حيث تدلّ تصريحاتهم على حجم بُغضهم وعداواتهم العميقة. ﴿وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ﴾3 فما يقولونه ما هو سوى جزء من حقدهم الدفين يظهر في أقوالهم، وإلّا فإنّ قلوبهم تخفي أكثر من هذا بكثير، هذه حقيقة أيضًا، وينبغي تذكّرها دومًا وعدم نسيانها.
عجز العدو عن المواجهة المباشرة
حقيقة أخرى، وهي أنّ هذا العدو عاجزٌ عن مواجهة الشعب الإيراني والنظام الإسلاميّ. إن أردتم دليلًا على هذا العجز، فهو أنّ هذا العدو عندما لم يستطع المواجهة والصدام المباشر، لجأ إلى الحظر والعقوبات، وإلّا فإنّه لو تمكّن من المواجهة، فلماذا الحظر؟ وكذلك فإنّ الدليل على أنّ الحظر والعقوبات أيضًا لم تكن ذات جدوى ولن تكون في المستقبل أيضًا، هو أنّه يكرّر تهديداته بالاعتداء العسكري! حسنٌ، لو أنّهم استطاعوا بالوسائل والأساليب الرائجة والمستخدَمة عادة في العالم لقضوا على هذه الثورة وأذلّوا هذا الشعب، ولم يكونوا بحاجة إلى كلّ هذه التهديدات والضغوط وما شابه. على كلٍّ، فإنّ هذه العقوبات ليست أمرًا جديدًا ولقد ثبُتَ عدم جدواها. ولحسن الحظّ، اليوم، فإنّ هناك وحدة رأيٍ واجتماع وإجماع حول مسألة الاقتصاد المقاوم بين مسؤولي الحكومة المحترَمين، ورئيس الجمهوريّة المحترَم وكذلك الوزراء المعنيّين ورؤساء السلطتين الأخريين واللازم توجيه الشكر والتقدير لهم على هذا، حيث
1 أي، ثوريّته وإسلامه واستقلاله.
2 سورة آل عمران، الآية 118.
3 سورة آل عمران، الآية 118.
95
81
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
إنّهم تبنّوا ورحّبوا بهذه الفكرة في الواقع، وبطبيعة الحال، فإنّهم كانوا شركاء ومساهمين في هذه المسألة سواء في مجمَع تشخيص مصلحة النظام وفي المشاورات الخاصّة، وقد درسوا وطالعوا هذه القضيّة، وإنّ اتّفاقهم دليلٌ على فشل ما فرضوه على الشعب الإيراني من العقوبات الظالمة والناشئة من البُغض والحقد والكراهية، وإن شاء الله، فإنّ هذا الاقتصاد المقاوم سينتصر على هذه الألاعيب والخدع. هذه حقيقة أيضًا.
الاتكال على الله
وأطرح أيضًا حقيقة أخرى - بحمد الله، فإنّ الحقائق الجيدة كثيرة جدًّا - وهي أنّنا في كلّ مكان وفي أي مجالٍ اتّكلنا فيه على الله، واعتمدنا على قدرة جماهير الشعب، وكنّا مستعدّين للحركة الجهاديّة، كان النصر حليفنا، لاحظوا، كيف أنّنا منذ بداية الثورة وحتى الآن، كلّما أنزلنا الشعب إلى ساحة العمل وبدأنا باسم الله، وكانت حركتنا حركة جهاديّة، كُنّا ننتصر ونحقّق أهدافنا. لقد حصل هذا في أصل القيام بالثورة، نهض الناس ونزلوا إلى الشوارع والساحات، كانت فئات الشعب المتعدّدة في وسط الميدان، وكانت الحركة حركة جهاديّة، كذلك في دفاع الثمانية أعوام - سنوات الحرب الثماني لم تكن مزحة، لقد فرضوا حربًا على هذا البلد مدّة ثمانية أعوام - تصدّى الناس ونزلوا إلى ساح العمل. لقد أدرك الإمام (رضوان الله عليه) - سلامٌ على الروح الطاهرة لهذا الرجل العظيم وحشره الله مع الأنبياء والأولياء - سرّ القضيّة، وعرف ماذا يجب أن يفعل، لقد ألهمه الله وهداه لهذا، لقد أنزل الناس إلى وسط الميدان وتحرّك باسم الله. كذلك انتصرنا في حرب السنوات الثماني، وفي جميع الموارد الأخرى التي حضر الشعب فيها وكان اسم الله حاضرًا في قلوب الجماهير وعلى ألسنتها، وكان العمل عملًا جهاديًّا، كان النصر حليفنا، هذه حقيقة أيضًا.
96
82
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
نصرة الله وعونه
آخر ما أطرحه في مجال هذه الحقائق، هو أنّنا: أين كنّا وإلى أين وصلنا؟
﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ﴾1 لا يغيبَنّ عن بالنا، وننسى ذلك اليوم، الذي كنا فيه مستضعَفين، وقلّة قليلة مغلوبٌة على أمرها. هكذا كان الشعب الإيراني وكذلك كان المجتمع المتديّن المؤمن، كان هذا وضع علماء الدين وكذلك وضع الشباب الملتزم، كانوا مستضعفين وقلّة لا حول لها ولا قوّة، اليوم وبحمد الله، فإنّ الله تعالى قد شدَّ عضدهم ومنحهم القوّة والقدرة. أعتقد أنّ أحد واجباتنا أن نرى ونلاحظ هذه الحقائق وألّا ننساها ولا نغفل عنها، هذا واجب.
العلاقة مع الأعداء
هناك واجب آخر قد دوّنته هنا وينبغي أن نلتفت إليه دومًا وخاصّة في أيامنا هذه، وهو واجبنا في ترسيم الحدود بشكلٍ صحيح وصريح مع جبهة الأعداء، تعيين الحدود. تقول الآية الشريفة: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾2، لا يتحدّث القرآن عن التاريخ فقط، بل يصرّح بأنّ عليكم أن تكونوا هكذا أيضًا، عليكم أن تضعوا الحدود. وهذا لا يعني أن نقطع العلاقة مع الآخرين، انتبهوا حتى لا يشتبه الأمر فتُطرح عليكم مغالطة بأنّكم تقولون أنّنا معادون لكلّ العالم! كلّا، إنّ عليكم وضع الحدود وترسيمها كي لا تختلط بعضها ببعض. مثل الحدود الجغرافيّة، حين ترسمون الحدود الجغرافيّة بين بلدكم والبلدان المجاورة، فهذا لا يعني أنّكم لا تذهبون إلى تلك البلدان وهم لا يأتون إلى بلدكم، بل يعني إنّ هناك حدودًا تضبط الذهاب والإياب، حيث يُعلَم متى ذهبنا ومن ذهب وكيف ذهب، من دخل إلى البلد ومتى وكيف ولماذا، وضع الحدود
1 سورة الأنفال، الآية 26.
2 سورة الممتحنة، الآية 4.
97
83
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
في المجال الجغرافي هو بهذا الشكل والأمر مماثل له في الحدود العقائديّة. في هذه الآية الشريفة نفسها وبعد أن يبيّن الله تعالى هذه الأسوة الحسنة وأسلوب عمل إبراهيم، يقول ﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾1، أي إنّ وضع الحدود هذا ليس مانعًا من أن يقول إبراهيم لأبيه إنّني أُشفق عليك وأستغفر لك، كلّ هذا موجود. بناءً على هذا فإنّ معنى وضع الحدود هو أن نشخّص ونحدّد: من نحن ومن أنتم.
إنّني أظنّ بأنّ السورة المباركة "قل يا أيّها الكافرون" تبيّن هذا الترسيم للحدود: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾2، أي إنّ الحدود واضحة، ولا ينبغي أن تختلط وتضيع. إنّ الذين يسعون إلى التخفيف من وضوح هذه الحدود وجعلها باهتة أو محوها أو إزالتها، لا يخدمون بعملهم هذا الشعب أبدًا، ولا يخدمون البلد أبدًا، سواء في الحدود الدينيّة أو في الحدود السياسيّة.
الإستقلال والحرية
الاستقلال هو حدّ من حدود البلد، إنّ هؤلاء الذين يسعون للتخفيف من أهميّة استقلال الشعب وتضعيف هذا الاستقلال والقضاء عليه - بذريعة العولمة والانسجام والتوافق مع المجتمع الدولي - فيكتبون المقالات ويدلون بالتصريحات، إنّهم لا يقدّمون بهذا العمل أي خدمة لهذا البلد. أنتم تقولون، فليكن لدينا علاقات مع العالم، حسنٌ، ليكن لديكم علاقات، ولكن غاية الأمر أن يكون معلومًا مع من لديكم علاقات، ولماذا هذه العلاقات وكيف تتمّ، ينبغي أن تُحدَّد هذه الأمور وهذا معنى وضع الحدود وترسيمها. الأمر هو برأينا من الأمور التي ينبغي أن نلتفت إليها ونقوم بها، من واجباتنا أن نضع الحدود.
يقوم البعض، وبمجرّد أن تحدث مشكلة ما في البلد، بإلقاء اللوم فورًا على الذين استقاموا وثبتوا على مواقفهم (قائلًا): أريتم، عندما يُصرّ الإنسان على رأيه بهذا الشكل، فإنّ المشاكل ستتوالى عليه! هذا الأمر نفسه كان موجودًا في صدر الإسلام
1 سورة الممتحنة، الآية 4.
2 سورة الكافرون، الآيتان 2 - 3.
98
84
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
أيضًا: ﴿لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ﴾1 الله تعالى وضع أسسًا، فإذا لم نتحرّك وفق السنّة الإلهيّة سنبتلى بالمشاكل. وليس الأمر أن يُقال في معركة بدر ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾2، القضيّة ليست هكذا، (أي) أنّنا إذا استسلمنا للعدو فإنّ مشكلاتنا سوف تحلّ وتزول، كلا! في الواقع إنّ عليّ أن أتوجّه بالشكر إلى مسؤولي البلاد الذين يتكلّمون بشكل صريح واضح في مواجهة العدو، حيث يبيّنون بلغة صريحة عدم انفعال الشعب الإيراني وعدم انفعال الثورة، هذا الأمر ضروري جدًّا. ويجب أن نظهره ونخرجه بشكل خطاب ومنطق وبيان - وهذا ما سأقوله لاحقًا - وهذا أيضًا من قضايانا.
لا تهابوا الأعداء، إنّهم الأسوأ سمعة
من واجباتنا الأساسيّة أيضًا، إنّ علينا أن لا نخاف ولا نرتعب من عداوة الأشرار، العداوة موجودة شئنا أم أبينا. لا يمكن أن يوجد شعب يتمتّع بالفكر والعقيدة والحركة ويكون مصانًا (بمنأى) من عداوة الأعداء. باعتقادي أنّه اليوم، من سعادة الشعب الإيراني أنّ أعداءه هم الأكثر افتضاحًا والأسوأ سمعة في العالم! لاحظوا، كيف أنّ الحكومة الأميركيّة اليوم معروفة ومشهورة على المستوى العالمي، بأنّها لاعب عنيف ويداه ملطّختان بالإجرام وهذه هي حقيقة الأمر. أميركا اليوم هي هكذا على المستوى العالمي: لاعب عنيف متورّط بالإجرام ولا يتورّع عن ارتكاب أي عملٍ قبيح ونقض حقوق الشعوب والبشر، وكذلك فإنّ الإدارة الأميركيّة في داخل أميركا أيضًا صارت معروفة، كحكومة ونظام، بالكذب والتزوير وعدم الوفاء بالوعود والعهود. ولذلك فإنّ ثقة الشعب الأميركي، بهذه الحكومة وبرئيس الجمهوريّة الحالي وكذلك بالرئيس السابق - والتي ظهرت في أدنى مستوياتها وفق استطلاعات الرأي، تشير إلى رفض الناس هناك لهؤلاء ولسياساتهم. حسنٌ، هؤلاء هم أعداؤنا، عدوّنا
1 سورة آل عمران، الآية 168.
2 سورة آل عمران، الآية 154.
99
85
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
ليس حكومة محترَمة وحكومة ذات ثقة ومصداقيّة، هم هكذا. ولذلك ينبغي على الإنسان أن لا يسمح للخوف (منهم) أن يتسلّل إلى نفسه. والاعتماد على النصرة الإلهيّة هو أمرٌ بالغ الأهميّة، لقد قرأ سماحة الشيخ مهدوي1 الآية الشريفة حول قوم موسى وأنا سأقرأ قسمًا آخر، حيث إنّ بني إسرائيل عندما تحرّكوا رُحّلوا من مصر وقادهم موسى، شاهدوا جيش فرعون وقد لحق بهم ويكاد يصل إليهم: ﴿فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾2 حين رأوا بعضهم بعضًا من بعيد: ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾، أي إنّ أمرنا انتهى ومصيرنا الهزيمة، ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾3. انظروا إنّ هذا درسٌ وعبرة لنا: كونوا مع الله، وحينها هل يترك الله عبده إن كان العبد معه؟ ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾4. في قسمٍ آخر من قصّة النبي موسى، حين نكون مع الله ومن أجل الله، فإنّ الله تعالى سيعين وينصر. هذا أيضًا واجبٌ آخر، أن لا نخاف ولا نرتعب.
الحفاظ على الوحدة
وكذا مسألة الوحدة، الوحدة الوطنيّة، حفظ الاتّحاد، هذا من واجباتنا وتكاليفنا. القوى التكفيريّة تنشط حاليًّا ومع الأسف في بعض نقاط المنطقة، إنّ الخطر الأكبر لهذه القوى ليس في قتل الأبرياء وإن كانت هذه جريمة كبرى، ولكنّ الأخطر من ذلك هو أنّهم يلقون بسوء الظنّ بين الشّيعة والسنّة، إنّ هذا الأمر هو خطرٌ كبير، يجب علينا أن نمنع حالة سوء الظنّ هذه بحيث إنّه لا يفكّر الشّيعة بأنّ المجموعة الفلانيّة التي تتصرّف مع الشّيعة بهذا الشكل تمثّل جبهة أهل السنّة وهم يواجهونهم، ومن جهة أخرى أن لا يتأثّر أهل السُنّة بذلك الكلام والتهم والافتراء الذي يُلقى حول الشّيعة فتشتعل النيران أكثر، يجب الانتباه والحذر، على الشّيعة أن ينتبهوا وكذلك
1 رئيس مجلس خبراء القيادة.
2 سورة الشعراء، الآية 61.
3 سورة الشعراء، الآية 62.
4 سورة طه، الآية 46.
100
86
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
على السُنّة أن ينتبهوا. يجب على الجميع وفي كلّ أنحاء البلاد أن يعرفوا، على السُنّة وعلى الشّيعة أن يعرفوا حقيقة الأمر، وأن لا يسمحوا بإضعاف هذه الوحدة الموجودة حاليًا في البلاد، حيث إنّ أحد أبعاد الوحدة يتمثّل في وحدة المذاهب سُنّة وشيعة ووحدة القوميّات. إنّ إبراز التمايزات القوميّة والنفخ في نار النزعات القوميّة هو عملٌ خطير ولعبٌ بالنار، يجب الانتباه إلى هذا الأمر أيضًا.
الثقافة أساس الصمود
هناك مسألة أخرى هي مسألة الثقافة، حيث اتّضح الآن أنّ السادة قلقون، أنا - العبد لله - أيضًا قلق، إنّ مسألة الثقافة هي مسألة مهمّة. أساس هذا الصمود وهذه الحركة وفي النهاية الانتصار، إن شاء الله، قائمٌ على حفظ الثقافة الإسلاميّة والثقافة الثوريّة، وتقوية التيّار الثقافي المؤمن وتقوية هذه الشتلات التي نمت في الحقل الثقافي، وبحمد الله، فإنّ لدينا شبابًا مؤمنًا جيّدًا في مجال الثقافة والفنّ، من الذين قاموا بالأنشطة وجدّوا واجتهدوا، بعضهم شباب وبعضهم تجاوز مرحلة الشباب، نحن لا نعاني من قلّة العناصر الثقافيّة. إنّ علينا أن نلتفت ونهتمّ بالمسألة الثقافيّة، على الحكومة المحترَمة أن تهتمّ وكذلك على الآخرين أن يهتمّوا. إنّني أشارككم هذا القلق وآمل أن ينتبه المسؤولون الثقافيّون ويلتفتوا إلى ما يقومون به من أعمال. لا تتحمّل المسائل الثقافيّة المزاح ولا تقبل المسايرة وعدم الدقّة، فإن وقعت ثغرة ثقافيّة ما، فهي ليست كالثغرة الاقتصاديّة يمكن تداركها بالمال، أو تقديم المساعدات والدعم العيني مثلًا، الأمر ليس كذلك، في الثقافة لا يمكن ترميم الأوضاع بهذه السهولة، فهناك مشكلات كثيرة.
الحفاظ على الشباب الثوري
ففي الحقيقة يجب على الجميع أن يعرفوا قيمة الشباب المؤمن والثوري، واجب الجميع، الشباب المؤمن والثوري الذي يتصدّى ويضحّي بنفسه عند الشدائد، أيام الحرب المفروضة كان هؤلاء حاضرين في الميدان، وهم اليوم موجودون. إنّ الذين
101
87
في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة
ينظرون إلى هؤلاء الشباب نظرة سوء الظنّ أو أنّهم يلقون سوء الظنّ بهم بين الناس، لا يقدّمون خدمة إلى البلد ولا إلى استقلال البلد ولا إلى تقدّم البلد ولا إلى الثورة الإسلاميّة. يجب المحافظة على هؤلاء الشباب وتقديرهم ومعرفة قيمتهم وقدرهم، والحمد لله فهم ليسوا قلّة اليوم بل إنّهم كثرة. يجب علينا أن لا ندفغ هؤلاء الشباب المؤمنين وتحت عناوين متعدّدة نحو الانزواء والطرد والابتعاد، وبالتأكيد فهم لن ينزووا، إنّ هؤلاء الشباب المؤمنين مفعمون بالدافع، ولن يتراجعوا وينزووا تحت تأثير مثل هذه الكلمات والأجواء، إنّما يجب علينا أن نعرف قدر هؤلاء.
صناعة الخطاب، تقديم هذه الحقائق ببيانٍ منطقي علمي
والمسألة الأخيرة هي مسألة "صناعة الخطاب"، كلّ هذه النقاط التي ذكرناها ليست فقط من باب النصيحة أو النجوى وبثّ الشكوى بيننا حيث تتحدّثون فأستمع لكم، وأتحدّث فتستمعون إليّ، كلّا! يجب أن يتمّ إخراج وعرض هذه المسائل بشكل خطاب ومنطق. الخطاب يعني الاعتقاد العمومي، أي الشيء الذي يقبله العموم بشكل كلام وحديث، ويهتمّ الناس به فيكوّن توجّهًا لديهم، هذا الأمر لا يحصل من خلال الكلام فقط، بل يتحقّق عبر التبيين - البيان المنطقي والعلمي وبعيدًا عن المبالغات المتنوّعة - يجب نقل هذه المفاهيم وتقديمها بواسطة اللغة السليمة، اللغة العلميّة والمنطقيّة، اللغة الجميلة والسلسة.
إنّني آمل، إن شاء الله، أن يتفضّل الله تعالى بتوفيقاته على جميع السادة المحترمين، وأن يعيننا أيضًا ويهدينا ويأخذ بأيدينا، لنعرف أوّلاً، واجباتنا ومسؤوليّاتنا، إن شاء الله، وأن يمنحنا العزم الجدّي لنقوم بهذا الواجب.
"اللهم قوّ على خدمتك جوارحي، واشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي الجدّ في خشيتك والدوام في الاتصال بخدمتك".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
102
88
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
المناسبـــة: تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
الحضور: جمع من مسؤولي الأجهزة المختلفة ورجال الاقتصاد ومديري المراكز العلميّة والإعلاميّة والإشرافيّة
المكان: طهران
الزمان:
20/12/1392 هـ.ش.
09/05/1435 هـ.ق.
11/03/2014 م.
103
89
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بجميع الأعزّاء أخوة وأخوات، وأشكركم على تلبيتكم لهذه الدعوة، ومشاركتكم في هذا اللّقاء، وإن شاء الله، من خلال ما يُطرح في هذه الأجواء الوديّة، يُنجَزُ عملٌ في سبيل تقدّم البلاد، وتُخطى خطوة في طريق الوصول إلى الأهداف السامية للبلاد.
سياسات الاقتصاد المقاوم، شواخصٌ لطيّ الطريق
الهدف من تجشّمكم عناء الحضور وتشريفكم إلى هنا، هو أن يتمّ التحدّث قليلًا حول سياسات الاقتصاد المقاوم، والتي بُلّغت وأُعلن عنها مؤخّرًا1، وعن هذه السياسات والواجبات التي تلقيها هذه السياسات الهامّة والأساسية على عاتقنا جميعًا. لقد تمّ في السابق، إبلاغ سياسات متنوّعة ومتعدّدة في المجالات الاقتصادية، كسياسة الطاقة، وسياسة الإنتاج الوطني، وسياسة الأصل442، وسياسة توفير الأمن للاستثمار، وسياسات المياه وغيرها، وما تمّ التركيز عليه في تلك السياسات في كلّ قسمٍ هو تقديم خارطة طريق، أي إنّنا أردنا في مجال الإنتاج الوطني أو مسألة المياه أو مسألة الطاقة على سبيل المثال أن تُعرَض خارطة طريق، بحيث يقوم المسؤولون بالتقدّم بأعمالهم على أساسها. ولكن في هذه السياسات (الاقتصاد المقاوم) ليست المسألة مسألة خارطة طريقٍ فقط، بل يُطرح هنا أيضًا الشواخص3 السليمة لطيّ الطريق، تمامًا مثل علامات السير
1 30/11/1392 هـ.ش. (19/ 2/2014م).
2 في الدستور حول الخصخصة.
3 أو المؤشّرات.
105
90
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
وإشارات المرور والعبور. لقد تمّ تحديد واجبات ووظائف في البنود المختلفة لهذه السياسات، تُمثِّل في الحقيقة ضمانات صحيحة للحركة في هذا الطريق، أي إنّ هذه السياسات، والتي هي شاملة وعامّة وكليّة، قد حُدّدت في كلّ قسمٍ شواخص - وهي واضحة عند مطالعة بنود السياسات - وتوضّح الأعمال التي يجب القيام بها.
سياسات الاقتصاد المقاوم، النموذج الحيويّ المرن
في الحقيقة، إنّ مجموعة سياسات الاقتصاد المقاوم هي نموذج محليّ وعلميّ مستخرَج من ثقافتنا الثوريّة الإسلاميّة، متناسب مع أوضاعنا الحاليّة والمستقبليّة. وأنا، سأشرح كيف أنّ هذه السياسات لا ترتبط فقط بوضعنا وظروفنا الآن، بل هي تدابير طويلة الأمد لاقتصاد البلاد، يمكنها أن تحقّق أهداف نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في مجال المسائل الاقتصاديّة، ويمكنها أن تزيل المشكلات، وهي حيويّة في الوقت نفسه، أي إنّنا لم ننظر إلى هذه السياسات كإطارٍ مغلَق ومتحجّر، بل هي قابلة للاستكمال والتكيّف مع الظروف المختلفة التي يمكن أن تحدث في أي فترة من الزمن، وعمليًّا، فإنّ هذه السياسات توصل اقتصاد البلاد إلى حالة مرنة، أي إنّها تزيل وتمنع حالة انكسار الاقتصاد في مواجهة الخضّات المختلفة - والتي سأشير إليها في معرض الكلام -، لقد تمّت صياغة هذا النموذج بجهودٍ وتفكيرٍ مشترك لشخصيّات وأصحاب رأيٍ ومن خلال البحث في مجمَع تشخيص مصلحة النظام وحضور رؤساء السلطات الثلاث ومسؤولي البلاد، وجرت الاستفادة من الخبراء الاقتصاديّين لإعداد هذا النموذج بشكلٍ كامل، وفي الحقيقة، فإنّ إحدى ميزات هذا النموذج، هو أنّه مورد إجماع وتوافق حوله، أي إنّه أُشبع مناقشة في مجمَع تشخيص المصلحة وجرى تمحيصه والتدقيق بكلّ جوانبه وأبعاده، كان رؤساء السلطات الثلاث حاضرين في المجمَع وكذلك المسؤولون والمدراء المختلفون، جميعهم تباحثوا وتدارسوا الأمر، بحيث خرج هذا العمل دقيقًا ومتينًا وقويًّا.
106
91
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
الاقتصاد المقاوم، سياسة تبنّتها الكثير من البلدان
إنّ التوجّه نحو الاقتصاد المقاوم ليس خاصًّا بنا فقط، ففي الكثير من البلدان اليوم - وخاصّة في السنوات القليلة الماضية - وبعد التدهور الاقتصادي الشديد الذي حصل في العالم، انتبهت العديد من الدول ونهضت لتجعل اقتصادها مقاومًا، وبالتأكيد فإنّ كلّ بلدٍ له ظروفه الخاصّة. هذا الاقتصاد الرأسمالي له مشكلاته الخاصّة الناشئة من هذا الاقتصاد، وهذه المشكلات سرت من الغرب وأميركا إلى الكثير من البلدان، حيث إنّ الاقتصاد العالمي يشكّل بمجموعه كُلًّا مترابطًا ببعضه، وبالتأكيد هناك بلدان تتأثّر أكثر من بلدانٍ أخرى. بناءً على هذا، إنّ الكثير من البلدان قرّرت جعل اقتصادها مقاومًا، وبتعبيرٍ آخر، فإنّهم قد تبنّوا هذا الاقتصاد المقاوم بشكلٍ متناسب مع بلدانهم، وخطّطوا لتحقيقه.
الحاجة للاقتصاد المقاوم
أنا أعتقد أنّنا نحتاج إلى الاقتصاد المقاوم أكثر من غيرنا من البلدان، نحن نحتاج أكثر منهم لجعل اقتصادنا مقاومًا.
أوّلاً، لهذا السبب المشترك بيننا وبين البلدان الأخرى، فنحن مرتبطون بالاقتصاد العالمي، ونعمل على هذا الارتباط، ولا نريد، بأيّ وجهٍ من الوجوه، أن ننفصل وننعزل عن الاقتصاد العالمي، وهذا الأمر غير ممكن أيضًا في الظروف والأوضاع الحاليّة للعالم، بناءً عليه فنحن نتأثّر بما يحصل في العالم على الاقتصاد العالمي.
ثانيًا، بسبب الخصوصيّة التي نتمتّع بها، بسبب استقلالنا ومحافظتنا على عزّتنا، وإصرارنا على عدم رضوخنا لسياسات القوى الكبرى، كذلك فنحن نتعرّض لهجومٍ ونوايا سيّئة معادية لنا، أي إنّ هناك بالنسبة لنا - كما تشاهدون في الأوضاع الحاليّة - دوافع لمخالفتنا وإيجاد الاختلال والمشاكل والذرائع ضدّنا أكثر من العديد من الدول الأخرى. وعليه، يجب علينا الانتباه
107
92
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
والاهتمام أكثر من غيرنا بتقوية أسس الاقتصاد وجعله مقاومًا، وأن لا نسمح بحصول واقعٍ ما أو أحداثٍ أو خضّاتٍ مُربكَة أو نوايا سيّئة تترك آثارًا سلبيّة على اقتصادنا. بناءً على هذا، فإنّنا نحتاج إلى هذا الاقتصاد المقاوم.
خصائص نموذج الاقتصاد المقاوم
وسأطرح هنا فهرسًا، ولائحة إجماليّة لعناصر وخصائص نموذج الاقتصاد المقاوم. وقد وزّعت كلامي إلى ثلاثة أقسام: الأوّل هو فهرسة هذه العناصر، والثاني حول سبب اعتبارنا الاقتصاد المقاوم اليوم ضرورة ولماذا نسعى إليه، وأُشير ثالثًا إلى المقتضيات التي ينبغي علينا الالتزام بها في هذا المجال.
في هذا القسم الأوّل دوّنت عشر خصائص (مؤشرات)، أطرحها عليكم، وهي خصائص هذه السياسات (للاقتصاد المقاوم) والتي تمّ إبلاغها وفي الواقع، فإنّها تشكّل مكوّنات وعناصر هذه المجموعة.
تحريك العجلة الاقتصادية
أوّلاً: مسألة إيجاد التحرّك والحيويّة في اقتصاد البلاد وتحسين المؤشرات والشواخص الكليّة، مثل النموّ الاقتصادي والإنتاج الوطني وإيجاد فرَص العمل وخفض مستوى التضخّم وزيادة الإنتاجيّة والرفاهيّة العامّة. ولأجل تأمين هذه السياسات تمّ الالتفات إلى النشاط والحيويّة في اقتصاد البلاد وتحسين هذه الشواخص، والأهمّ بين هذه الشواخص، هو شاخصٌ أساسيّ ومفصليّ مهمّ هو العدالة الاجتماعيّة". أي إنّنا لا نقبل بأيّ وجهٍ من الوجوه بتحقّق رونق وازدهار اقتصادي دون تأمين العدالة الاجتماعيّة، ولا نؤمن بهذا أبدًا. يوجد بلدان وضْعُ الشواخص والمؤشّرات فيها جيّد ونموّها الاقتصادي عالٍ، ولكن التمييز والفروقات الطبقيّة، وغياب العدالة أمورٌ ظاهرة في تلك البلدان، إنّنا نعتبر هذا منافٍ لمنهج الإسلام وأهداف الجمهوريّة الإسلاميّة ولا ينسجم معها أبدًا. بناءً على هذا، فإنّ شاخص العدالة الاجتماعيّة من أهمّ الشواخص. يجب أن تستفيد الطبقات
108
93
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
المحرومة من التقدّم الاقتصادي للبلاد بكلّ معنى الكلمة. هذا هو العنصر الأول.
القدرة على المقاومة
ثانيًا: القدرة على المقاومة في مواجهة العوامل المهدِّدة والتي تضمنّتها هذه السياسات وركّزت عليها. وكما ذكرت، فإنّ بعض العوامل التي تؤثّر على اقتصاد البلدان كالهزّات الاقتصاديّة في العالم - والتي شهدها الاقتصاد العالمي في هذه السنوات الماضية وحصلت سابقًا - وهي تترك بصماتها على البلدان. لقد قلتُ مرّة، بأنّه عندما زار رئيس أحد البلدان في جنوب شرق آسيا إيران وكان لنا لقاء معه، في تلك الفترة التي حصل فيها انهيار اقتصادي عجيب في تلك المنطقة، كان هذا حديثه معي: "اعلموا فقط بأنّنا في ليلة واحدة فقط تحوّلنا من بلدٍ غنيّ إلى بلدٍ فقير!"، فالاقتصاد غير المقاوم هو هكذا. إذن، هناك عامل مؤثّر على الاقتصاد هو هذه الهزّات والخضّات المتنوّعة للاقتصاد العالمي والتي تسري من بلدٍ إلى بلدان أخرى، وهناك عامل الكوارث الطبيعيّة التي تحصل أحيانًا. هناك عاملٌ آخر هو الهزّات المعادية والهجوميّة كالحظر والعقوبات وما شابه. افرضوا مثلًا، بأنّه وفي مراكز القرار العالميّة قد أخذوا قرارًا حول قيمة النفط، على سبيل المثال، بأن تصبح قيمة البرميل ستّة دولارات، وهذا ما قد حصل سابقًا، هذه الأمور أغلبها ليس عاديًّا وعفويًّا، بل إنّها قرارات مدروسة ومتّخذة من قِبَل مراكز القرار. بناءً عليه، فإنّ العنصر الثاني هو القدرة على مقاومة هذه العوامل المهدِّدة، وفق التوضيح الذي ذُكر.
الاعتماد على الطاقات الداخليّة
النقطة الثالثة، هي الاعتماد على الطاقات والموارد الداخليّة، والتي تمّ إقرارها في هذه السياسات، وسأشير لاحقًا بشكلٍ مختصَر إلى هذه الطاقات والإمكانات سواء العلميّة منها أم الإنسانيّة أم الطبيعيّة أم الماليّة أم الجغرافيّة أم المناخيّة. إنّ لدينا موارد وطاقات هامّة، أي إنّه تمّ في هذه السياسات الاعتماد بشكلٍ أساسيّ
109
94
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
على الطاقات الداخليّة، والتي هي متنوّعة ومنتشرة بشكلٍ واسع. وهذا لا يعني أنّنا لا نلحظ أبدًا الإمكانات الخارجيّة، كلّا، بالتأكيد سنستفيد منها - وبالحدّ الأقصى - ولكن نظرنا واعتمادنا هنا وثقتنا أكثر ما تكون بالإمكانات الداخليّة، تركيزنا على إمكانات البلد الداخليّة وموارده المحليّة.
الحركة الجهاديّة
النقطة الرابعة، هي التوجّه الجهادي الملحوظ في هذه السياسات، الهمّة الجهاديّة، الإرادة الجهاديّة. لا يمكن التقدّم بواسطة الحركة العاديّة، لا يمكن أن تُنجَز الأعمال الكبرى بواسطة الحركة العاديّة والرتابة والغفلة والتثاقل أحيانًا وغياب الحساسيّة، المطلوب همّة جهاديّة وتحرّك جهاديّ وإدارة جهاديّة، هذا ضروريّ لهذه الأعمال. على الحركة أن تكون علميّة وفي الوقت نفسه مفعَمَة بالقوّة، وأن تتحلّى بالتخطيط الجيّد، وكذلك بالروح الجهاديّة. لقد طَرحتُ هذه المسألة في لقاءٍ مع رؤساء السلطات الثلاثة المحترَمين منذ عدّة أسابيع1، ولحسن الحظّ، فإنّ السيّد رئيس الجمهوريّة قال لي بحزمٍ: بأنّ الذين يتابعون هذه الملفّات في الحكومة مصمّمون على إنجاز الأعمال بهذه الحركة الجديّة والجهاديّة، هذا أمرٌ جيّد جدًّا، إنّ هذا مطلوب، ولا يمكن التقدّم بدونه.
محوريّة الشعب
النقطة الخامسة، هي محوريّة الشعب والتي تضمّنتها هذه السياسات. تدلّنا التجربة وكذلك تؤكّد التعاليم والمعارف الإسلاميّة، بأنّه حيثما يكون الناس، فإنّ يد الله معهم: "يدُ الله مع الجماعة"2 حيثما يكون الناس، تكون العناية الإلهيّة والعون والدعم الإلهيّ أيضًا، ودليل ذلك ونموذجه: دفاع السنوات الثمانية (الحرب المفروضة)، وكذلك (قيام) الثورة نفسها. ونموذجٌ آخر هو العبور من كلّ المصاعب والمحطّات الشاقّة خلال 35 سنة، لأنّ الناس كانوا حاضرين في الميدان، فإنّ
1 6/12/1392 هـ. ش. (25 / 2 / 2014م).
2 نهج البلاغة، الخطبة 127.
110
95
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
المسيرة قد تقدّمت، لكنّنا في المجال الاقتصادي، قلّما قدّرنا هذه المسألة والتفتنا إليها. لقد كانت سياسات الأصل441 والتي صادقنا عليها وأبلغناها تهدف إلى هذا الأمر، والحقيقة أنّه لم يؤدَّ حقّ هذه السياسات وواجباتها كما يجب. وأنا تحدّثت هنا، وفي تلك السنوات في لقاءٍ مع المسؤولين حول سياسات الأصل44،2 والجميع وافق، بأنّه قد تمّت أعمال تستحقّ الشكر والتقدير، ولكن المطلوب واللازم لم يتحقّق كما يجب. يجب علينا أن نعتمد على الناس، أن نقدّر حضورهم، يجب أن ينزل الناس بكلّ إمكاناتهم إلى وسط الميدان الاقتصادي، يوجد في هذه البلاد ناشطون ورجال أعمال، ومبتكرون، وأصحاب مهارة واحتراف، وأصحاب رؤوس أموال وطاقات لا حدّ لها ولا انتهاء، الحقيقة أنّ هذه الطاقات لا تُعدّ ولا تُحصى. وأنا العبد لله، طوال سنوات متمادية كان لي تواصل وارتباط عملي مع فئات الشعب المختلفة، وفي الوقت نفسه تَظهرُ لنا أحيانًا أمورُ، أرى أنّنا كنّا غافلين عنها أيضًا. يوجد في البلاد الكثير من العناصر المستعدّة للعمل، وذات المهارات والإبداعات، أو التي تحمل العلم والمعرفة أو التي تمتلك الرساميل في البلاد، وهي عناصر متعطّشة للعمل، يجب على الحكومة أن تهيّئ الأرضيّة اللّازمة لحضور هؤلاء، عليها أن ترشدهم إلى المجالات التي يستطيعون تفريغ طاقاتهم فيها، على الحكومة أن تدعمهم، وهذه هي المسؤوليّة الأساسيّة للحكومة. إنّ الدولة تضطر في بعض الأقسام إلى القيام بنشاطٍ اقتصادي، ولكن الأصل أنّه يجب أن يوكل النشاط الاقتصادي إلى الناس، وهذا الأمر قد أُقِرّ في هذه السياسات.
الاكتفاء الذاتي
المسألة السادسة، هي تأمين المواد الاستراتيجيّة والأساسيّة، وهي الغذاء
1 المادة 44: فقرة في دستور الجمهوريّة الإسلاميّة تحدّد السياسات الاقتصاديّة ومنها مسالة الخصخصة، وقد طلب الإمام الخامنئي قبل 4سنوات العمل على هذه المادّة وتحديد السياسات وشرحها ووضع المشاريع والخطط وفقًا لها، وهذا ما تمّ، حيث وضعت البرامج والمشاريع وهي في طور التنفيذ.
2 لقاء المسؤولين الاقتصاديين والعاملين على تنفيذ الأصل 44 في الدستور (30/11/1385هـ.ش.)، (19/2/2007م).
111
96
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
والدواء في الدرجة الأولى. يجب أن يتشكّل الإنتاج الداخلي ويتكوَّن بنحوٍ بحيث لا يواجه البلد أي مشكلة في مجال الغذاء والدواء تحت أيّ ظروفٍ وأوضاع، وهذا من العناصر الأساسيّة في هذه السياسات التي تمّ إبلاغها.
يجب أن يكون لدينا اكتفاء ذاتي، ويجب أن نلتفت إلى المجالات التي تتطلّب اكتفاءً ذاتيًّا بشكلٍ كامل.
تخفيف الارتباط بالنفط
النقطة السابعة، هي خفض التبعيّة للنفط، إنّ من أصعب آفاتنا الاقتصاديّة هي هذه التبعيّة. إنّ هذه النعمة الإلهيّة الكبرى (النفط)، قد أصبحت طوال العقود الماضية سببًا للانهيارات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة بالنسبة إلى بلدنا، يجب أن نفكّر بقرارٍ مصيريّ حول هذا الأمر. لا نقول هنا، بأن لا يُستفاد من النفط، بل أن يصل اعتمادنا على بيع النفط الخام إلى حدّه الأقلّ، يمكن للنفط أن يُقدَّمَ بشكل مشتقّاتٍ ومنتجات نفطيّة، وهذا ما تضمّنته هذه السياسات. هذا العمل هو عملٌ أساسي ومهمّ يجب إنجازه، وهو ما يحتاج إلى همّة عالية، وقد تناولنا هذا الأمر في البند الثالث عشر من هذه السياسات، ويجب أن يُنفّذَ هذا البند عمليًّا وبمنتهى الجدّية.
إصلاح نموذج الاستهلاك
النقطة الثامنة، هو إصلاح نموذج الاستهلاك، قضيّة الاقتصاد وعدم الإسراف، وتجنّب المصاريف الزائدة وعدم التبذير. بالتأكيد، فإنّ خطابي موجّه بالدرجة الأولى إلى المسؤولين، على المسؤولين أن يتجنّبوا الإسراف والهدر والمصاريف الزائدة بكلّ جدّيّة، ليس فقط في حياتهم الشخصيّة - وهذه مسألة من الدرجة الثانية في الأهميّة - بل في الدرجة الأولى في نطاق عملهم ومهامّهم. إذا التزمنا نحن مسؤولو البلد بهذا الأصل، فإنّ هذه الروحيّة وهذه الأخلاق والخصال ستسري حينها إلى الناس وتنتشر بينهم. كذلك فإنّنا نلاحظ اليوم، بين الناس والفئات
112
97
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
المتمكّنة والثريّة، الكثيرَ من الإسراف. يوجد إسرافٌ في الكثير من المجالات، نتحدّث أيضًا مع الناس، ولكنّ هذه المسألة هي من الأمور التي ينطبق عليها "كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم"1. على مسؤولي البلاد أن ينتبهوا ويلتفتوا إلى كلّ شؤون القطاعات التي يريدونها: ألّا يكون هناك إسراف، يجب أن يكون نموذج الاستهلاك نموذجًا قائمًا في الحقيقة على العقل والتدبير والمعايير الإسلاميّة. نحن لا نطلب من الناس التقشّف، كما يحاول البعض أن يروّج بعد أن تمّ إبلاغ السياسات الاقتصاديّة، ولم يكن حبر هذه الوثيقة قد جفّ، حتى سارع بعضهم إلى الترويج "بأنّهم يدعون الناس إلى التقشّف"، كلا، الأمر ليس كذلك بأيّ وجه من الوجوه، بل إنّه على العكس منه، إنّنا نعتقد أنّه عندما تُنجز هذه السياسات، فإنّ وضعَ الناس سيتحسّن، وإنّ الطبقات الضعيفة سترتاح ويزدهر وضعها. في البلد الذي يصل التضخّم فيه إلى المستوى المطلوب وكذلك تتوفّر فيه فرص العمل اللازمة، فإنّ عامّة الناس ستعيش براحة ورفاهيّة وطمأنينة. نحن لا نقول للناس أبدًا أن يتقشّفوا، بل نقول أن لا يكون هناك إسراف ولا هدر، إنّ الاستهلاكَ هو موضوعٌ وسوءَ الاستهلاك هو موضوع آخر مختلف تمامًا.
ولقد تحدّثت بالتفصيل عن هذا الموضوع قبل عدّة سنوات وفي خطاب بمناسبة حلول السنة الجديدة2. يجب علينا نحن المسؤولين أن نوجّه همّنا وهمّتنا إلى هذه القضيّة، إنّ الإسراف في الماء والإسراف في الخبز وفي المواد الغذائيّة، والإسراف في الدواء، والإسراف في وسائل المعيشة، والإسراف في أدوات التجميل والزينة وما شابه، يؤدّي إلى هدر قسمٍ هام من المصادر والموارد الحيّة في البلاد، وهذا من الأمور التي يجب أن تراعى بدقّة، الاستهلاك الجيّد والصحيح هو أمرٌ مختلفٌ عن الإسراف والتبذير وسوء الاستهلاك.
1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص 309.
2 1/1/1377 هـ.ش. (21/ 3/1998م).
113
98
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
مكافحة الفساد
النقطة التاسعة، هي مكافحة الفساد، إذا أردنا أن يحضر الناس في الميدان الاقتصادي، ينبغي أن يتمتّع هذا الميدان بالأمن، ولأجل استتباب الأمن هذا، ينبغي كفّ أيادي المفسدين والمستغلّين والمتحايلين على القانون ومخالفي القانون، هذه هي مكافحة الفساد، وهو ما ينبغي أن يُؤخذ على محمل الجِدّ، لحسن الحظّ، فإنّ المسؤولين اليوم يقولون بهذا، ولكن القول فقط لا يكفي. جميع المسؤولين - سواء كانوا مسؤولين تنفيذيّين أم مسؤولين قضائيّين أم مسؤولين تشريعيّين - مطالَبون بهذا الواجب. إذا كان وضع المجتمع والاقتصاد في البلد شبيهًا بمنزلٍ لا باب له ولا بوّابة، بحيث يدخل إليه من يشاء ويعمل به ما شاء كيفما شاء، يأخذ من أي واحد ما يحلو له ويأكل ما يطيب له! فمن الطبيعي عندها، أن يقف الإنسان النبيل الصالح الذي يطلب الرزق الحلال جانبًا ولا يُقدم على هكذا ميدان. الشفافية هي شرطٌ أساسيّ لمكافحة الفساد هذا، يجب التعامل بشفافية، يجب خلق أجواء للمنافسة، أجواء تتمتّع بالثبات والاستقرار، في هذه الأجواء سيشارك الناشط الاقتصادي وسيشعر بالأمن والأمان. عندها وفي هكذا أجواء، فإنّ النظام الإسلاميّ سيوفّر الدعم والتأييد لكل من يجني الثروة من خلال ابتكاره وإبداعه أو رأسماله أو خلقه لفرص العمل. إذا كانت الأجواء سليمة فإنّ جمع الثروة وتحقيق الأرباح هو أمرٌ مباح ومحل تأييد وحماية النظام. هذه هي النقطة التاسعة.
محوريّة العلم
والنقطة العاشرة من عناصر السياسات المقاومة، هي مسألة محوريّة العلم والتي هي من المؤشّرات البالغة الأهميّة. لحُسن الحظّ، فإنّ الوضع العلمي للبلاد اليوم يسمح لنا بامتلاك هذا الطموح والتحليق عاليًا، بأن نجعل اقتصادنا اقتصادًا مبنيًّا على العلم، حيث سأشير لاحقًا إلى هذا الأمر. إنّ لدينا وفرة كثيرة في أعداد العلماء والمتخصّصين والشركات المبنيّة على العلم والأشخاص المبدعين، وهذا
114
99
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
الأمر من أهمّ البنى التحتيّة للاقتصاد في أيّ بلدٍ، أي إنّ أهمّ بنية تحتيّة اقتصادية لبلدٍ ما هو وجود الموارد البشرية. إذا وجّهنا اهتمامنا لهذه النقطة، وهي النقطة العاشرة، بالتأكيد، فإنّ دورة اتّصال العلم بالثروة - وخاصة في الأقسام ذات المميّزات العالية - ستنطلق وتستمرّ وتنمو، وهذا ما سيتحقّق في الاقتصاد المقاوم، إن شاء الله. هذه هي أهمّ الشواخص التي تمّ التركيز عليها في هذه السياسات، وبالطبع، هناك أمورٌ أخرى أيضًا وردت في نصّ السياسات، ولكن الأهمّ هو هذه النقاط العشرة التي ذكرتها.
الاقتصاد المقاوم ليس سياسة مرحليّة
حسنٌ، السؤال الآن: هل أنّ طرح الاقتصاد المقاوم في الظروف الحالية، يدلّ على أنّنا نريد القيام بحركة مرحلية؟ لأنّ البلد حاليًا يتعرّض لحظر وعقوبات وضغوط وتُشنّ عليه حربٌ اقتصادية، مثلما أنّه، على سبيل المثال، تشكّل لجان فكر وعمل لمواجهة الحرب الاقتصادية، قد تمّ إبلاغ هذه السياسات لأجل هذا؟ جوابي هو "كلّا"، الأمر ليس كذلك بأيّ وجهٍ من الوجوه، هذه السياسات هي سياسات طويلة الأمد، هي مفيدة للوضع الحالي، وكذلك هي مفيدة أيضًا في المراحل التي لا يوجد فيها أيّ حظرٍ أو عقوبات، أي إنّ السياسات طويلة الأمد والتي يُبنى اقتصاد البلاد على أساسها، ليست تدبيرًا مرحليًّا، إنّ هذا تدبيرٌ طويل الأمد، هو سياسة استراتيجية.
هذه السياسات مرنة وحيويّة
بالتأكيد، إنّ بلدًا كبلدنا - بلدنا بلدٌ كبير، بلدٌ ذو أصولٍ عريقة، بلدٌ يتمتّع بموقعٍ ممتاز، وهو اليوم بلدٌ محترم وموقّر جدًّا في العالم، بلدٌ ذو ثقافة راقية، وماضٍ زاهر متألِّق، لديه أهدافٌ سامية، يطرح فكرًا جديدًا، بلدٌ بهذه الخصائص - يحتاج أن يكون اقتصاده متميّزًا بتلك الخصائص والشواخص التي أقرّت في سياسات الاقتصاد المقاوم. لقد قلنا بأنّ هذه السياسات ليست سياسات متحجّرة ومغلَقة
115
100
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
بحيث إنّه لو وُجدت فكرة جديدة1 أو نظرية جديدة أو أسلوب جديد في العالم، لا تتمكّن هذه السياسات من استيعاب هذا المستجدّ والاستفادة منه، الوضع ليس هكذا بأيّ وجهٍ من الوجوه، هذه السياسات الاقتصادية ذات مرونة وحيوية، يُمكن أن تُكمَّل وتنمو وتتوسّع، لكن خطّها المستقيم لن يتعرّض للتغيير.
دوافع إعداد هذه السياسات
في النصّ الذي أبلغناه، ذكرنا في مقدّمة هذه السياسات أربع نقاطٍ أساسية تمثّل الدافع والعامل لإعداد هذه السياسات، وهنا أكرّر هذه النقاط:
الطاقات الوفيرة
أوّلاً، تمّت الإشارة إلى الطاقات والإمكانات المادية والمعنوية والوفيرة للبلاد، ذكرنا هذه المسألة في مقدّمة السياسات وهي بالغة الأهميّة، إنّ طاقات البلاد كثيرة ومتنوّعة جدًّا، العديد منّا ليس عنده اطّلاع على وفرة هذه الطاقات والموارد العجيبة، أو أنّنا لا نولي اهتمامًا لأهميّتها، نحن نعلم والإحصاءات في متناول أيدينا ولكن لا نهتمّ. بعض المسؤولين هكذا، لديهم إحصاءات ولكن أهميّة المعلومات لا تلقى منهم أي اهتمام.
الموارد البشريّة
على سبيل المثال: في مجال الموارد البشرية التي أشرتُ إليها سابقًا، نحن الآن، من حيث الموارد البشرية والطاقات الإنسانيّة، وبالالتفات إلى امتلاك الطاقات الشبابية، نحن في الوضع الأفضل، حيث إنّ أكثر من 31% من عدد سكّاننا هم بين سنّ الخامسة عشر والتاسعة والعشرين، هذا وضعٌ ممتاز، وضعٌ استثنائيّ. وبالطبع، فإن لم يتمّ الاهتمام كما يجب، بالتوصية التي كرّرتها مرارًا حول وضع الجيل الشاب (قضية الإنجاب وتنظيم النسل)، فإنّنا سنخسر هذه الميزة في المستقبل القريب، وإن شاء الله، سيتمّ قريبًا إبلاغ سياسات خاصّة بتنظيم النسل، وهي الآن في طور
1 فكرٌ جديد.
116
101
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
الإعداد. حاليًا، وضعنا هكذا: أكثر من 31% من السكان هم في عمر الشباب، عدد الطلّاب الجامعيين 25 ضعف ما كان عليه عند انتصار الثورة - لقد تضاعف عدد السكّان منذ انتصار الثورة حتى الآن، مرتين، ولكن الجامعيين تضاعفوا 25 مرّة، أي إنّنا انتقلنا من 120،000 طالب وصولًا إلى 4،100،000 طالب جامعي، هذا أمرٌ مهمّ جدًّا، حدثٌ عظيم جدًّا، هذا النموّ مهم، وكذلك ما لدينا الآن، من طاقات جامعيّة مهمّ جدًّا - لدينا عشر ملايين خرّيج جامعيّ، 65000 أستاذ جامعيّ هم أكثر من عشر أضعاف العدد الذي كان عند انتصار الثورة، لدينا خمسة آلاف شركة علميّة تضمّ 17000 متخصّص وكادر، أنظروا إلى هذه الطاقات كم هي مهمّة، وكانت نتيجة هذا، أن أصبحنا وفق تقارير المؤسّسات التي تحدّد الدرجات العلمية للبلدان في المرتبة الخامسة عشر في العالم - في تقرير إحدى المؤسسات نحن في المرتبة السادسة عشر، وفي تصنيفٍ آخر نحن في المرتبة الخامسة عشر، في هذه الحدود - وهذه التصنيفات ترجع إلى العام2013 الميلادي. هذا أمرٌ بالغ الأهميّة. درجتنا في بعض الاختصاصات أعلى من هذا، في بعضها نحن ضمن البلدان السبعة الأوائل في العالم، وفي اختصاصات أخرى نحن ضمن البلدان الخمسة أو الأربعة الأولى في العالم. هذه هي البنى التحتيّة الأساسيّة: الموارد البشرية.
الموارد المعدنية
يوجد طاقة أخرى، هي الموارد المعدنية. المرتبة الأولى في النفط والغاز - والتي ذكرتها أوّل السنة الماضية1 - نحن الأوائل في مجموع ما لدينا من ذخائر جوفيّة في النفط والغاز. نحن في المرتبة الثانية في الغاز، وفي المرتبة الثانية أو الثالثة في النفط، وقد قدّم لي السيد رئيس الجمهوريّة تقريرًا منذ فترة بأنّنا الأوائل في ما يتعلّق بالغاز، وفي المرتبة الثانية في النفط بشكلٍ مؤكّد، هذا أمرٌ مهمّ جدًّا. لا يوجد بلد في العالم لديه ما لدى إيران من نفطٍ وغاز. يمثّل النفط والغاز حاليًا الشريان الحيوي
1 1/1/1391 هـ.ش. (21/ 2/2012م).
117
102
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
للعالم، الوضع هو هكذا، على الأقلّ حاليًا وسيستمرّ هكذا لسنواتٍ طويلة، وإلى الآن، غير معلوم متى سيتخلّص البشر من الحاجة إلى النفط والغاز ويستغنون عنهما. هذه المادة الأوليّة والحيوية متوفّرة في بلادكم أكثر من أيّ مكانٍ آخر في العالم، هل هذه طاقة قليلة؟ هل هو أمرٌ بسيط غير ذي شأن؟ وفضلًا عن النفط والغاز، هناك موارد معدنية أخرى: مناجم الذهب ومناجم الإسمنت ومناجم المعادن النادرة والمعادن الثمينة. تصل إلينا بعض التقارير المذهلة في بعض المجالات، هذه هي الطاقات المعدنية للبلاد. هناك طاقات وإمكانات صناعية ومعدنية متنوّعة ووفيرة. نحن في المرتبة السابعة عشر في المجال الاقتصادي في العالم - وهذا وفق التصنيفات والإحصاءات العالمية - مع ما لدينا من حوالي ألف مليار دولار كناتج إجمالي محلي.
البنى التحتيّة والموقع الجغرافي
البنى التحتيّة كشبكات الطرق والسدود، لدينا حاليًا أكثر من 600 سدّ بأحجام مختلفة في البلد، لقد استلمت الثورة الإسلاميّة إدارة هذا البلد، وكان لديه حوالي 15 سدًّا في كلّ أنحاء البلاد، واليوم يوجد أكثر من 600 سدّ كبير وصغير، بعض هذه السدود مهمّ وكبير جدًّا. وكذلك هي شبكات الطرق، الإحصاءات جيّدة. الإمكانات والمميّزات الجغرافية، الاتّصال بالمياه الحرّة، موقع البلاد بين تقاطع أربع جهات بين الشمال والجنوب والشرق والغرب وما ينتج من مسألة "الترانزيت"، وهي مهمّة جدًّا. التنوّع المناخي وموارد الطاقة النظيفة كطاقة الماء والشمس والطاقة النووية. كلّ هذه الإمكانات والموارد موجودة في البلد. بناءً على هذا، فإنّ هذه هي النقطة الأولى من النقاط التي تدفعنا إلى السعي نحو نموذجٍ ونمطٍ من الاقتصاد، اسمه "الاقتصاد المقاوم".
مشكلاتنا القديمة المزمنة
النقطة الثانية، هي المشكلات التي لدينا - المشكلات المزمنة والمشكلات القديمة، والتي لا إمكان لحلّها سوى بحركة اقتصادية جمعية، إحدى هذه المشكلات
118
103
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
هي التبعية والارتباط بالنفط وقد ذكرناها سابقًا. ومنها أيضًا التعوّد على الاستيراد - والأسوأ أنّها واردات دون أولويات لها، هذه العادة التي ابتُلينا بها - وللأسف، ولم نستطع التخلّي عنها - فنظرتنا موجّهة للإنتاج الأجنبيّ، وكذلك التضخّم المزمن والبطالة والضعف الموجود في بعض البُنى الاقتصادية والإشكالات الموجودة في أنظمتنا المالية - الأنظمة النقديّة والأنظمة المصرفيّة والأنظمة الجمركية - والإشكالات الموجودة في نموذج الاستهلاك، وكذلك في مسألة الإنتاج وفي الاستثمار، هذه مشكلات البلد، ويجب مواجهتها. وهذه المشكلات هي من الأمور التي تدفع كلّ إنسانٍ حريص، وكلّ مسؤولٍ ذي همّة وتحفّزه ليقوم بعملٍ وحركة كالاقتصاد المقاوم، وجود هذه المشكلات. وهي لن تُحلّ سوى بحركة جهادية وجمعيّة وحريصة ومستمرّة - بشرطها وشروطها، والتي سأتحدّث عنها لاحقًا.
التهديدات الاقتصادية
النقطة الثالثة، هي التهديدات الاقتصادية الخارجية، حسنٌ، لقد كان هناك حظر وعقوبات في السابق، ولكنّها تبدّلت منذ شتاء 1390هـ.ش. (2011م) إلى حربٍ اقتصاديّة، فلم يعد اسمها عقوبات هادفة، بل هي حربٌ اقتصادية شاملة ضدّ شعبنا. وسببها ليس المسألة النووية، ولا مسألة حقوق الإنسان، ولا المسائل الأخرى المشابهة، سبب هذه الحرب هو ما يعرفه أصحابها جيّدًا ونحن كذلك نعرفه، السبب هو روح الاستقلال لدى الشعب الإيرانيّ، السبب هو امتلاكنا لكلامٍ جديد، وفكرٍ جديد على أساس المباني الإسلاميّة، وسيشكّل نموذجًا وقدوة للبلدان الأخرى، والشعوب الإسلاميّة، إنّهم يعرفون بأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة إذا نجحت في هذه المجالات والميادين، فلن يكون ممكنًا أبدًا الوقوف بوجه رشد هذه الحركة في العالم ومنعها، هذه هي المسألة. لكنّهم يتذرّعون يومًا بالطاقة النووية، ويومًا آخر بتخصيب اليورانيوم، ومرّة أخرى بحقوق الإنسان وما شابه. لقد فرضوا الحظر والعقوبات علينا - في الأساس - قبل أن تُطرَح مسألة الطاقة النووية، وبعد هذه المسألة سيستمرّون هكذا. فلو وصلت المسألة النووية ومن خلال المفاوضات إلى
119
104
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
الحلّ، إن شاء الله، سترون مجدّدًا، كيف أنّ هذه الضغوط ستستمرّ، يجب أن نحقّق لبلدنا صيانة ومناعة في مواجهة هذه الضغوط، يجب تمتين البنية الداخلية. يجب أن نقوّي الاقتصاد حتّى ييأس العدو من محاولاته في هذا المجال، وعندما ييأس، سيرتاح بال الشعب والمسؤولين.
أزمات العالم الاقتصادية
النقطة الرابعة، هي الأزمات الاقتصادية العالمية، والتي أشرتُ أنّها ناتجة عن اقتصاد الغرب واقتصاد أميركا، في الحقيقة إنّ مشكلات أميركا قد سرت إلى أوروبا وورّطتهم معها، وإن كانت الأرضيّة عندهم مهيَّأة من قبل، وكذلك الأمر في أماكن أخرى. نحن لا نريد أن نبني سورًا حول أنفسنا، نحن لا نستطيع ولا نريد أن نقطع علاقاتنا مع العالم من الناحية الاقتصادية، فهذا الأمر ليس ممكنًا وليس مطلوبًا، بناءً على هذا فإنّنا نتأثّر بالمشكلات والأزمات الاقتصادية العالمية، ويجب أن نبني اقتصادًا مقاومًا. هذه هي الأسباب والدوافع الأربعة لوجوب الاقتصاد المقاوم. هذا هو القسم الثاني من كلامنا.
القسم الثالث، هو المقتضيات والتوقعات
حسنٌ، لقد طُرح الآن هذا المشروع الكبير، خارطة الطريق الشاملة والواسعة، إنّ مجرّد طرح السياسات لا يحلّ أي مشكلة، هذه بداية الطريق.
هناك أعمال وأمور يجب أن تتحقّق:
أوّلاً: وقبل كلّ شيء، وجود العزم الجديّ لدى المسؤولين والمدراء الأساسيين والناشطين بين جماهير الشعب، يجب أن يأخذوا قرارًا حازمًا، على مسؤولي البلاد - بالدرجة الأولى في السلطة التنفيذية، مسؤولي الحكومة، وكذلك السلطة التشريعية والسلطة القضائية، والأقسام والقطاعات المختلفة التي ترتبط بالمسائل الاقتصادية - أن يتمتّعوا بالعزم الجديّ والراسخ. إن لم يكن هناك قرار جديّ وحازم فلن يتحقّق التقدّم المنشود.
120
105
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
ثانيًا: النزول إلى ميدان العمل، حيث إنّ العمل هنا هو عمل صالح، كلّ من يقوم بعمل ويسعى في هذا المجال، سيكون حتمًا مصداقا لـ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾1. هذا مشروع كليّ، هذه خارطة طريقٍ كبرى، ويجب تبديلها إلى برنامج، إلى برامج متنوّعة، إذا حصل هذا، ستُحقَّق حينها الملحمة الاقتصادية بكل معنى الكلمة.
لقد أطلقنا على هذا العام اسم عام الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية، ولقد تحقّقت، بحمد الله، الملحمة السياسية، ولكن للأسف، فإنّ الملحمة الاقتصاديّة قد تأخّرت، ولكن الآن، وفي نهاية العام (الهجري الشمسي) ستكون هذه بداية لملحمة اقتصادية، وإن شاء الله، يجب المتابَعَة بشكلٍ قطعيّ في العام 1393 هـ.ش. بمنتهى الجديّة من قِبَل المسؤولين، وأن يبدأ تنفيذها بشكلٍ عمليّ.
المسألة الثالثة: هي تبديل السياسات إلى برامج وسياسات تشغيلية، وقد صدر الأمر بهذا العمل من قِبَل رؤساء السلطات الثلاث، لقد أصدر رئيس الجمهوريّة المحترَم، وكذلك رئيس السلطة التشريعية المحترَم، ورئيس السلطة القضائية المحترَم، أوامرهم إلى إداراتهم وأجهزتهم، بإعداد البرامج العمليّة في كلّ قسم، ولكنّي أريد أن أؤكّد هنا على مسألة الجدولة الزمانية، يجب أن تحدّدوا المراحل الزمانية. لقد اطّلعت على التعميم الصادر عن النائب الأوّل لرئيس الجمهوريّة إلى الأجهزة التابعة، يجب أن يوضع جدولة زمانية، ويحدّد مدى تقدّم العمل والمدّة المتوقعة للبرمجة وما بعد التنفيذ، يجب الإسراع في هذا الأمر، وأن يحدّد حصّة كلّ سلطة في البرامج. وكذلك حصّة ودور كلّ جهاز في السلطات المختلفة - وخاصة السلطة التنفيذيّة - وكذلك ينبغي تحديد الشواخص، وخاصة الزمانية منها، للتمكّن من الإشراف على العمل، وإدراك مدى تقدّمه وصحّة مسيره.
الأمر الرابع: هو التنسيق بين الأقسام المختلفة، وبالطبع، فإنّ على رؤساء السلطات وضع الآليّات والسبل الملائمة لهذا التنسيق، الذي سيساعد على
1 سورة العصر، الآية 3.
121
106
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
إنجاح العمل، التنسيق بين مجلس الشورى والحكومة، وبين المجلس والحكومة والسلطة القضائية. هناك أقسام لا يمكن التحرّك فيها دون تنسيق، وهناك أقسام أخرى يكون التنسيق فيها مؤثّرًا ولكن بدرجة أقلّ، على كلّ حال فالتنسيق ضروري. على رؤساء السلطات أن يعدّوا الآليّات المناسبة لهذا التنسيق، إن شاء الله.
المسألة الخامسة: هي الإشراف على جميع المستويات، يجب أن يكون هناك إشراف، ينبغي على رؤساء السلطات أن يشرفوا على الأجهزة التابعة لهم، وكذلك على مجمع تشخيص مصلحة النظام أن يقوم وفق المسؤوليّة الملقاة على عاتقه بممارسة دوره الإشرافي بشكل كامل ويتحقّق ممّا يحصل، كذلك، فإنّ القائد والأجهزة المختصّة عنده سيقومون بالإشراف، إن شاء الله. بناءً على هذا، فإنّ الإشراف من المقتضيات الأساسيّة.
المطلب السادس: هو إزالة الموانع، هناك موانع موجودة ويمكن إزالتها: يوجد موانع قانونيّة - وقد قلت لرؤساء السلطات في ذلك الاجتماع أنّ "وضع قانون فوق قانون" يزيد الأمور تعقيدًا، يجب إزالة القوانين المزاحمة، يمكن لمجلس الشورى أن يقوم بهذا العمل، وإلّا فإنّ لدينا حاليًّا قوانين، وإذا شرّعنا فوقها قوانينَ أخرى، فإنّها تحتمل التفسيرات المختلفة وتستجلب المشكلات، يجب التدقيق والتمحيص وكشف القوانين المزاحمة. كذلك يوجد موانع حقوقيّة وقضائيّة، ينبغي التعرّف عليها وإزالتها. ينبغي أن يشعر الناشطون الاقتصاديّون وأصحاب الأعمال والمبتكرون، وأصحاب رؤوس الأموال والعلماء، بأنّهم لا يواجهون موانع غير منطقيّة وأن يتمكّنوا من الحركة.
المقتضى السابع: والعمل السابع المطلوب هو "صناعة الخطاب"، يجب عرض تصوّر صحيح عن الاقتصاد المقاوم، بالتأكيد، فإنّ هناك مسؤوليّة وواجبًا على الهيئة العامّة للإذاعة والتلفاز ولكن الأمر ليس خاصًّا بها فقط. لدى الأجهزة الإعلاميّة المعادية للبلد وللثورة ولتقدّمنا الوطني، الكثير من الألاعيب والحملات
122
107
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
المضادّة وقد بدأوا بهذا - وشاهدناه نحن - وستزيد حملاتهم من الآن فصاعدًا على الاقتصاد المقاوم: خلق الذرائع والموانع والتهويل والتقليل من أهميّة ما هو في منتهى الأهميّة، إنّهم يقومون بمثل هذه الأعمال. ينبغي العمل في الجهة المقابلة لهم، على المسؤولين وأصحاب الفكر والحريصين أن يعرضوا صورة صحيحة عن هذه الحركة العظمى والعامة وأن يتمّ بناءَ خطابٍ وترويجَ ثقافة وأجواءٍ كي يعلم الناس حقيقة هذه الحركة ويؤمنوا بها ويطالبوا بها، في هذه الحالة، فإنّ هذه السياسات ستصبح عمليّة.
النقطة الأخيرة: التي أطرحها وأنهي بها كلامي، هي المراقبة والتغطية الإعلاميّة. ينبغي وجود مركز رصد قوي، يقظ ودقيق النظر يرصد ويراقب ويتابع تغطية تقدّم هذا العمل بمنتهى الدقّة، وأن يتمّ تجميع المعلومات وتصنيفها، ومن ثمّ الاستنتاج، حيث يمكنه أحيانًا أن يحدّد الحركة التي ينبغي القيام بها في كلّ فترة وفي كلّ مرحلة، ويضع شواخص القياس لكلّ قسم، وصولًا إلى تقديم الأخبار للناس من خلال وسائل الإعلام والإعلان، فالناس يحبّون أن يعرفوا. هذه هي مجموعة المسائل التي كنت أودّ أن أطرحها عليكم، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء.
نحن قادرون!
لقد بدأ عملٌ كبير، ونحن قادرون، إن شاء الله، أن ننجز هذا العمل الكبير، بكلّ همّة وبالتوكّل على الله تعالى، ونسير به خطوة خطوة ونتقدّم به بالسرعة المناسبة والمطلوبة. وبالشكل الذي أعتقد أنّ آثاره ونتائجه ليست طويلة الأمد، فالبرامج برامج طويلة الأمد، لكنّ النتائج ستتحقّق عاجلًا وقريبًا، إن شاء الله، أي إنّ البدء بجني ثمار هذا العمل والإحساس العام للناس بحلاوة نتائج هذا العمل، إن شاء الله، سيكون قريبًا وليس بعيدًا. إن شاء الله، سيشعر الناس بهذا في ظلّ هذه الحكومة ومن خلال التقدّم الذي يحصل والعمل الذي ينجز، ويتذوّقون حلاوة ثمار هذه الحركة العامة والكبرى.
123
108
في لقاء تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم
أسأل الله تعالى، أن يساعدنا جميعًا ويهدينا، وأن يعرّفنا على نقاط ضعفنا، وأن يجعلنا نرى ضعفنا ونقصنا، وأن يلهمنا موجبات رضاه ويوفّقنا للقيام بها. أشكركم جميعًا أيّها الإخوة والأخوات، حيث جلستم واستمعتم، أتوقّع أن يكون هذا الاستماع مقدّمة لحركة عامّة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
124
109
في المؤتمر التكريمي لـشير علي مردان خان بختياري
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في المؤتمر التكريمي لـشير علي مردان خان بختياري
المناسبـــة: إقامة مؤتمر تكريمي لـ شير علي مردان خان بختياري
الحضور: أعضاء هيئة المؤتمر
المكان: طهران
الزمان:
26/12/1392 هـ.ش.
15/05/1435 هـ.ق.
17/03/2014 م.
125
110
في المؤتمر التكريمي لـشير علي مردان خان بختياري
بسم الله الرحمن الرحيم
جميلٌ أن نرى وجوهًا وشخصيّات متألّقة بين مختلف قوميّات بلادنا ونقوم بالتعرّف عليها، ومن الظلم الكبير أن يرُضى بالغفلة عن شخصيّات بارزة ومضحيّة، وكان لها الكثير من الميّزات ويغفل عن تضحياتهم وجهادهم، وكما تفضّل الأخوة الكرام وذكروا، إنّ أهل بختيار وبالعموم العرق اللورِّي ـ القاطنون في مناطقة واسعة من بلاد إيران ـ كانوا من أفضل وأوفى الأعراق الإيرانيّة.
ومن أهم ميّزات الجمهوريّة الإيرانيّة التنوّع في الأعراق والقوميّات، ومع ذلك ـ ولله الحمد ـ جميعهم متحّدون فيما بينهم، وعندما نجد الشعوب الإيرانيّة مترابطة ومتّحدة ومتوادّة فيما بينها بكلّ ما للكلمة من معنى، وقد كانوا كذلك على مدى العصور الماضية، وما زالوا كذلك - ولله الحمد - متّحدين وبشكلٍ كامل، وحيث إنّ لكلّ شعب ميزاته وخصوصيّاته، فقد عهدنا أهل بختيار والعرق اللُورِّي بالصدق والطهارة والشجاعة والغيرة، ووقفوا على مرّ العصور ثابتين دفاعًا عن العقيدة الإسلاميّة، وعن العقائد المذهبيّة، لا سيّما التشيّع، ولمسنا ذلك في عصرنا هذا وشاهدناه بأمّ العين، فهم يحترمون السادة المنتسبين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويجلّون أهل بيت النبوّة عليهم السلام، وفي العموم هم يحترمون العلماء، وقد ذكروا لنا أنّه يوجد في مناطقهم شخصيّات علميّة غير معروفة، ولكن عندما ذهبت منذ سنوات إلى مدينة كُرد - على ما أذكر - تعرّفت على بعض من علماء (لور)، خصوصًا على بختياري، وقد عدّدوا لنا أسماء بعض الشخصيّات، وفي المحصّلة، إنّ مظلوميّة
127
111
في المؤتمر التكريمي لـشير علي مردان خان بختياري
هذا الشعب حتى في الشخصيّات العلمائيّة المشهورة فإنّها غير معروفة أيضًا، لذا يجب التحرّي والسعي عنها، وبما أنّكم - ولله الحمد - تتصدّون أنتم لهذا الموضوع، فمن المناسب جدًّا أن تكملوا عملكم هذا، وتبحثوا عن الشخصيّات، وتجدوها، طبعًا أعني الشخصيّات التي هي بالفعل كذلك، فلا بدّ من تحرّي الدقة، لا أن تكون شخصيّات مصطنعة.
كما أنّ ما تفضّلتم1 به هو صحيح بالكامل، لم يكن كبراء2 أهالي بختيار على حدٍّ سواء، نعم فقد جاؤوا إلى أصفهان وقاموا بأعمال كبيرة، ومع ذلك فهم ليسوا على حدّ سواء، وليست أهميّة وتألّق (علي مردان خان) في مشاركته مع أهالي بختيار في الثورة المشروطة - فقد كان في ذلك الوقت شابًّا يتراوح عمره بين ثمانية عشر أو عشرين سنة - ولكن كان من أهمّ أعماله مواجهته لرضا خان ومن بعدها أُسر وأُعدم على يد رضا خان، وصمد وقد أشار السيّد رضائي أنّ أمّ علي مردان خان - الجدّة - كانت ضدّ الإنجليز وضدّ الأجانب، وهذا في الواقع مؤشّر إلى كيفيّة تربية الأمّ أيضًا، وكيف تقوم ببناء وصقل شخصيّة ابنها، بمعنى أنّ هذه الأمّ قد استطاعت أن تنجب هذا الابن وتربّي هذه الشخصيّة اللامعة.
ويعتبر تكريم شخص مثل علي مردان خان وأمّه وشخصيّات من هذا القبيل، ممّن واجه الاستبداد ورضا خان وسلسلة البهلويّين المستبدّين عمل جيّد ولائق، وتوضيح توجّهاتهم وهذا العلم الذي رفعوه (لا إله إلا الله)، أعتبره أمرًا مهمًّا جدًّا حيث يعكس مواجهة هؤلاء الأشخاص ودفاععهم عن العقائد الدينيّة.
أتمنّى لكم التوفيق من الله سبحانه، وانتبهوا جيّدًا في تمييزكم الأشخاص الذين أخلصوا نيّاتهم لله سبحانه وجاهدوا بصدق، من أشخاص آخرين كان لهم أهداف أخرى، على كلّ الأحوال أتمنّى أن يحشر الله سبحانه وتعالى الماضين الأجلّاء العاملين الذين كانوا في مناطق متعدّدة من بلادنا مع أوليائهم ويرفع درجاتهم
1 السيد محسن رضائي.
2 عبّر سماحته: خوانين بختياري.
128
112
في المؤتمر التكريمي لـشير علي مردان خان بختياري
ويغفر لهم خطاياهم، ويوفّقكم أنتم لجبران كلّ التقصيرات ويعينكم على التعريف بالعلماء والعظماء والشخصيّات البارزة من بين هذه المجموعة. طبعًا في منطقة بروجورد ومناطق لورستان يوجد شخصيّات بارزة وكبيرة.وفّقكم الله وأيّدكم!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
129
113
بمناسبة عيد النوروز
نداء الإمام الخامنئي دام ظله
بمناسبة عيد النوروز (حلول العام الإيراني الجديد) عام الاقتصاد والثقافة بعزيمة وطنيّة وإدارة جهادية
المناسبـــة: عيد النوروز وحلول العام الإيراني الجديد 1393 هـ. ش.
المكان: طهران
الزمان:
29/12/1392 هـ.ش.
18/05/1435 هـ.ق.
20/03/2014م.
131
114
بمناسبة عيد النوروز
بسم الله الرحمن الرحيم
يا مقلّب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال.
اللهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها.
اللهم كن لوليّك الحجّة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، وليًّا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليلًا وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتّعه فيها طويلًا.
اللهم عجّل لوليّك الفرج واجعلنا من أعوانه وأنصاره وشيعته.
عيد النوروز
أبارك حلول العام الجديد لكلّ أبناء وطننا الأعزّاء، ولكلّ الإيرانيّين في أرجاء البلاد، وفي أيّ مكان من العالم يعيشون. وأباركه خصوصًا لعوائل الشهداء الكريمة، والمعاقين وزوجاتهم، ولكلّ الذين جاهدوا ويجاهدون، وتحمّلوا ويتحمّلون أعباءً وجهودًا في سبيل الإسلام وإيران. كما أبارك النوروز لكلّ الشعوب التي تحيي النوروز وتحتفي وتحتفل به.
لقد صادف حلول السنة الجديدة في هذا العام مناسبتين فاطميّتين، ومراسم ذكرى استشهاد سيّدة العالم الإسلاميّ العظمى الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام. وهذا الاقتران يستدعي، إن شاء الله، أن يتمكّن شعبنا من أن ينهل من بركات الأنوار الفاطميّة، وأن يضع نفسه في معرض إشعاعات تعاليم هذه السيّدة العظيمة، ويتنوّر بأنوار الهداية الإلهيّة التي أهديت لكلّ شعوب العالم بواسطة فاطمة الزهراء عليها السلام، وأهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
133
115
بمناسبة عيد النوروز
يجب أن يكون مرور الأعوام وتعاقب السنين المختلفة مدعاة تجربة وبصيرة لنا. ينبغي أن نستلهم الدروس من الماضي وننظر إلى المستقبل بعيون مفتّحة وقلوب واعية، ونتّخذ قراراتنا للمستقبل. أسأل الله تعالى، أن يمنّ على كل الإيرانيّين الأعزّاء في هذا العام الجديد بالسلامة في أجسامهم، والبهجة في أرواحهم، والأمن في نفوسهم، والسكينة الروحيّة، والتقدّم، والرقيّ، والسعادة. وأتمنّى أن يجود سبحانه وتعالى على شبابنا بالنشاط والحيويّة، وعلى رجالنا ونسائنا بالهمّة والإرادة والعزيمة الراسخة الصائبة للسير في طرق المجد، وعلى أطفالنا السرور والصحّة، وعلى عوائلنا بالأمن والمحبّة والألفة. ما يقع على عواتقنا من واجب هو النظر إلى الماضي لاستلهام العبر، والنظر إلى المستقبل من أجل البرمجة واتّخاذ القرارات.
أُعلن في العام الذي مضى أنّه عام الملحمة السياسيّة والملحمة الاقتصاديّة". وقد تحقّقت الملحمة السياسيّة، والحمد لله، على أحسن وجه في كلّ الميادين المتنوّعة، سواء في الانتخابات، أوفي التظاهرات الكبرى، أوفي مشاركة الشعب في الميادين المختلفة والأنشطة والمساعي التي بذلها المسؤولون وأبناء الشعب على مدى أيام السنة. ولقد كانت السنة الماضية سنة تبادل الحكومات وتداول السلطة، وقد تمّ هذا الشيء بهدوء وبمنتهى الأمن في البلاد، وظهرت، والحمد لله، حلقة جديدة في السلسلة الطويلة لإدارة البلاد.
وفي مسألة الملحمة الاقتصاديّة لم يحدث الشيء الذي كان يجب أن يحدث، والذي كان من المرتجى حدوثه. بُذلت جهود مشكورة، لكنّ العمل الكبير الذي كان يجب أن يقع في مضمار الملحمة الاقتصاديّة لا يزال أمامنا، ومن واجبنا أن نصنع هذه الملحمة. الاقتصاد قضيّة أساسيّة ومهمّة لبلادنا ولشعبنا، وفي نهاية عام 1392 تكوّنت، والحمد لله، بنية تحتيّة فكريّة ونظريّة للملحمة الاقتصاديّة. وأعلنت سياسات الاقتصاد المقاوم، والأرضيّة مهيّأة لبذل الجهود اللازمة في هذا المجال، إن شاء الله.
134
116
بمناسبة عيد النوروز
أمّا بالنسبة إلى العام 1393هـ.ش، فهناك قضيّتان يبدو لي أنّهما أهم من غيرهما. القضيّة الأولى هي قضيّة الاقتصاد، والثانية هي قضيّة الثقافة. ومن المتوقّع في كلا المجالين وفي الساحتين بذل جهود مشتركة بين مسؤولي البلاد وجميع أبناء الشعب. وإنّ الشيء المأمول لبناء الحياة والمستقبل لا يمكن تحقيقه من دون مشاركة الشعب. لذلك، فضلًا عن الإدارة التي يجب أن يقوم بها المسؤولون، فإنّ حضور الشعب ومشاركته في المجالين حالة ضروريّة ولازمة، في المجال الاقتصادي وفي المجال الثقافي. فمن دون مشاركة الشعب لن تتقدّم الأمور إلى الأمام ولن يتحقّق المقصود. يمكن أن يقوم الناس - في مختلف فئاتهم وتشكّلاتهم الشعبيّة، وبما لهم من إرادات وعزيمة وطنية راسخة - بدورٍ خلاق، ويحتاج المسؤولون أيضًا إلى دعم الشعب من أجل أن يتقدّموا بالأمور إلى الأمام بصورة صحيحة، وهم أيضًا يجب عليهم بالتوكّل على الله تعالى، والاستمداد من التوفيقات والتأييدات الإلهيّة، وبمساعدة الناس، أن يردوا ساحة العمل بشكل جهادي، سواء على الصعيد الاقتصادي أو على المستوى الثقافي، وسوف أقدّم إيضاحات كلّ هذه الأمور، إن شاء الله، في كلمتي لشعب إيران يوم الجمعة.
من هنا، أخال أنّ، ما هو أمامنا في هذه السنة الجديدة هو اقتصاد، يُراد له أن يزدهر بمساعدة المسؤولين والشعب، وثقافة تستطيع بهمم المسؤولين والشعب تعيين اتّجاه المسيرة الكبيرة لبلادنا وشعبنا. لذلك فقد جعلتُ شعار هذه السنة واسمها "الاقتصاد والثقافة بعزيمة وطنيّة وإدارة جهادية". نتمنّى أن يمدّ الله تعالى يد عونه لكلّ واحد من أبناء الشعب والمسؤولين المحترمين ليستطيعوا النهوض بواجباتهم على هذا الصعيد، وأن يُرضي عنّا القلب المقدّس لإمامنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويُرضيَ عنّا الروح الطاهرة للإمام الخمينيّ الجليل، وأرواح الشهداء الأبرار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
135
117
في الحرم الرضوي المطهّر
خطاب الإمام الخامنئي دام ظله
في الحرم الرضوي المطهّر
المناسبـــة: بدء السنة الإيرانية 1393 هـ.ش.
الحضور: جمع من المسؤولين وجموع غفيرة من أبناء الشعب الإيراني
المكان: مدينة مشهد المقدسة - حرم الإمام الرضا عليه السلام
الزمان:
01/01/1393 هـ.ش.
19/05/1435 هـ.ق.
21/03/2014 م.
137
118
في الحرم الرضوي المطهّر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، لا سيّما بقية الله في الأرضين. اللّهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، اللّهم صلّ على وليّك عليّ بن موسى عدد ما أحاط به علمك، صلاة دائمة بدوام عظمتك وكبريائك، اللّهم سلّم على وليّك علي بن موسى الرضا عدد ما في علمك، سلامًا دائمًا بدوام مجدك وعظمتك وكبريائك.
أشكر الله تعالى وأحمده، بأن تفضّل وأطال في عمري، كي نلتقي مجدّدًا مرّة أخرى وعامًا آخر، في جوار المرقد المنوّر والسماويّ، في هذا الجمع المفعَم بالشوق والمحبّة الصادقة، ونتحاور معكم، أيّها الأخوّة والأخوات الأعزّاء.
تهنئة بحلول السنة الجديدة
الواجب علينا أوّلاً، أن نتقدّم بالتهنئة مجدّدًا بمناسبة "النوروز" وحلول السنة الجديدة، لجميع الأخوة والأخوات ممّن يستمع كلامنا، ولكلّ الشعب الإيرانيّ. وأسأل الله تعالى أن تكون سنة حافلة بالبركة والحياة السعيدة للشعب الإيرانيّ، ولجميع مسلمي العالم، وأرجو الله تعالى أن يتفضّل بجعل هذه السنة التي بدأت، سنة تليق بشأن الشعب الإيرانيّ العظيم، سنة مليئة بالخير والبركة ومفعَمَة بالأفضال الإلهيّة، والعنايات الربّانيّة.
حركتان كبيرتان في العام 1392
نشير إلى مسألة حول العام 1392 الذي انقضى يوم أمس. لقد قلنا في البيان الأوّل أنّ الشعب الإيرانيّ نهض في العام 1392 هـ.ش. وسطّر - ما كان يُنتظر منه
139
119
في الحرم الرضوي المطهّر
- ملحمة سياسيّة. ومن المؤكّد أنّ الملحمة السياسيّة قد ظهرت وتجلّت أكثر ما يكون، من خلال حركتين كبيرَتَين للشعب الإيرانيّ: الأولى: هي حركة الانتخابات في النصف الأول من العام، والثانية هي التظاهرات الشعبيّة العظيمة في النصف الثاني في كلّ أنحاء البلاد. لقد تكلّمنا كثيراً حول الانتخابات، سواء عن هذه الانتخابات أو الانتخابات المتنوّعة كافّة التي جرت منذ انتصار الثورة حتّى الآن. كذلك حول التظاهرات الكبرى والعامّة في الثاني والعشرين من بهمن (11 شباط)، فإنّ - هذا العبد الحقير - وكذلك الآخرين قد تحدّثوا عن نقاطٍ كثيرة ولا أودّ أن أكرّرها، لكن يوجد مسألتان حول هذين الحدَثَين. يوجد حول كلّ من هذين الحدثين - والذي كان كلّ منهما عبارة عن إعلان وإعلام عامّين يظهران واقع بلدنا وشعبنا بكلّ معنى الكلمة، في مقابل الاتّهامات والافتراءات المغرِضة للإعلام العالميّ - توجد نقطة أودّ الحديث عنها قبل الكلام عن المسائل المتعلّقة بالعام الجديد 1393 هـ.ش.
1- المشاركة بالانتخابات
النقطة الأولى حول الانتخابات، فليلتفت الأخوة والأخوات الأعزّاء، إلى أنّه منذ انتصار الثورة حتّى الآن، لم ينخفض مستوى مشاركة الناس في الانتخابات، وهذا أمرٌ بالغ الأهمّيّة. في آخر انتخابات توجّه الشعب فيها إلى صناديق الاقتراع، أي: الانتخابات الحادية عشرة لرئاسة الجمهوريّة، بلغت نسبة المشاركة فيها 72 بالمئة، هذه النسبة هي نسبة مرتفعة بين الانتخابات في العالم ومؤشّر عالٍ، وكذلك فهي نسبة مرتفعة - أيضًا - بين الانتخابات التي جرت في إيران، منذ انتصار الثورة حتّى يومنا هذا، ماذا يعني هذا الأمر؟
140
120
في الحرم الرضوي المطهّر
الانتخابات والسيادة الشعبية الدينية
إنّ هذه المشاركة الواسعة في الانتخابات، هي علامة على أنّ سيادة شعبية دينيّة قد تكرّست في البلاد، وهذا يعني أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة قد نجح في ترسيخ هذه السيادة الشعبيّة، وهذا ليس بالشيء القليل! بلدٌ كان يرضخ قروناً متمادية، تحت سلطة الحكّام المستبدّين والديكتاتوريّين، فيصل إلى هذه الدرجة من مشاركة الناس في الانتخابات عبر السيادة الشعبيّة، لإيصال مرشّحيهم إلى السلطة بكلّ وعيٍ وحيويّة، وبحيث إنّه بعد مرور 35 عامًا على انتصار الثورة، تصل نسبة مشاركة الناس في الانتخابات إلى 72 بالمئة، ينبغي تقدير هذا الأمر ومعرفة قيمته. إنّني أقول لكم - أيّها الشباب - ولكلّ ذوي الفكر في مختلف أنحاء البلاد: لا نَكْفُرنَّ بهذه النعمة الكبرى، كما حدث في العام 1388هـ.ش. (2009م - الفتنة بعد الانتخابات) حيث إنّ البعض لم يقدّر النعمة الإلهيّة وكفر بها. كذلك يتناهى إلى الأسماع تشكيك البعض بنزاهة الانتخابات، أي: تكرار ادّعاء أعداء الشعب الإيرانيّ، وهذا كفرانٌ بالنعم أيضًا. لقد تحوّلت السيادة الشعبيّة إلى تيّارٍ طبيعيّ وعفويّ، لذلك فإنّ الناس في جميع أنحاء البلاد، في جميع قراهم ومدنهم يعتبرون أنّ واجبهم الحضور والاقتراع في صناديق الانتخابات، فيشارك 72 بالمئة من الناخبين، هذا أمرٌ مهمّ جدًّا، وهذه النسبة من المشاركة هي من النسَب المرتفعة جدًّا في العالم.
2- تظاهرات 22 بهمن، أكبر وأكثر حماسة
النقطة الثانية - التي ينبغي لإخواني وأخواتي الأعزّاء الالتفات إليها - حول تظاهرات الثاني والعشرين من بهمن (11 شباط): يوجد متابعون يهتمّون بحساب نسَب وأعداد المشاركين في المسيرات، وتخمين أعدادهم بواسطة آلات التصوير والأدوات المتنوّعة، ففي هذه السنة، قدّم لنا جميع الذين يرصدون ويدقّقون بالمسيرات وينشطون في هذا المجال، تقاريرَ حول أعداد الجماهير المشاركة في مسيرات طهران والمدن الكبرى والمعروفة، تبيّن إنّها أكبر من السنوات الماضية، وكذلك فإنّ المشاركة كانت أكثر حماسة وعنفوانًا، حيث كانت شعارات الناس
141
121
في الحرم الرضوي المطهّر
عميقة جدًّا، وذات معانٍ قويّة، وملؤها الحماس والاندفاع. لماذا؟
أدرك المحلّلون الذين يتابعون المسائل المتنوّعة، أمرًا مهمًّا، ونحن نعتقد أنّ فهمهم كان صحيحًا، حيث علّلوا كثافة المشاركة ونوعيّتها هذه السنة بأسباب تركت آثارها، وتميّزت بها السياسات الاستكباريّة، حيث كان أسلوب المستكبرين عارٍ عن الأدب، ولهجتهم مع الشعب الإيرانيّ مهينة بشكلٍ أكبر. عندما جرت مفاوضات في مجال المسائل النوويّة، أدلى السياسيّون الأميركيون بتصاريح يدّعون خلالها بأنّ الشعب الإيرانيّ قد تراجع، وتنازل عن مبادئه! لقد كان لحن كلامهم بالنسبة إلى الشعب الإيرانيّ لحنًا مهينًا، ويخلو من الأدب واللياقة، لقد سمع الشعب كلامهم وفهم رسالتهم.
عندما يكشف العدوّ عن وجهه الحقيقيّ، أو يقترب من الظهور على حقيقته في الميدان، فإنّ شعبنا يزداد دافعه وتعلو همّته أكثر للحضور والمشاركة، عندما رأى النّاس أنّ الأميريكيّين يسيئون الأدب تجاههم، ويدّعون بأنّهم قد ابتعدوا عن النظام، أرادوا أن يُثبتوا في الثاني والعشرين من بهمن بأنّهم موالون بكلّ وجودهم - ومن صميم القلب - للنظام الإسلاميّ والجمهوريّة الإسلاميّة، ولراية الإسلام الخفّاقة. وهذا يدلّ على حساسيّة شعبنا ونخوته وعنفوانه، مقابل خصومة وأحقاد أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة وأعداء إيران، هذه النقطة في ما يتعلّق بمسيرات الثاني والعشرين من بهمن.
وأمّا بالنسبة إلى السنة الجديدة هذه، فلقد دوّنت هنا ملاحظات، لديّ مجموعة أفكار، سأحاول عرضها بشكلٍ إجماليّ في هذا المجال المتاح لنا اليوم، لأنّ اليوم الجمعة ووقتنا محدّد حتّى موعد صلاة الجمعة، وإن شاء الله، فسأطرح في هذا الوقت المسائل، والأفكار التي لديّ، ولكن إن بقي بعدها ما ينبغي أن يُقال، فإنّي آمل بأن يتمّ توضيحه للرأي العامّ من خلال أصحاب الفكر، وعلماء المجتمع الذين يدركون جيّدًا سياسة الجمهوريّة الإسلاميّة حاليًّا، ويعرفون ما الذي يجب القيام به اليوم.
142
122
في الحرم الرضوي المطهّر
السير نحو الاقتدار الوطنيّ
ما أريد أن أطرحه اليوم، بشكلٍ مختصر وبعبارة واحدة، هي خلاصة القول: أنّه يجب على الشعب الإيرانيّ أن يقوّي نفسه، هذا هو جوهر كلامي، كلامٌ عن الاقتدار الوطنيّ. إنّني أقول لشعبنا العزيز: إنّ أيّ شعبٍ إن كان ضعيفًا ولم يسع لامتلاك أسباب القوّة، فإنّه سيصبح عُرضة لتسلّط الآخرين وهيمنتهم، وسيفرضون عليه منطقهم وأسلوبهم السلطويّ، أيّ شعب لا يكون قويًّا، سيبتزّه ناهبو العالم ويستغلّونه، يهينونه ويذلّونه إن استطاعوا، ويدوسونه بأقدامهم! هكذا هي طبيعة العالم الذي يُدار ويُحكَم بالأفكار الماديّة، كلّ من يشعر بالقوة والقدرة سيهيمن، ويتسلّط على الذين يشعرون بالضعف، سواء كان هذا على مستوى الأفراد أو على مستوى الشعوب.
يقول الشاعر المشهور:
إنّ الموت هو أمرٌ طبيعي للضعيف كلّ قويٍّ ضعُف أوّلاً ثمّ مات!
يُقال: إنّهم أحضروا دجاجًا مشويًّا أمام شخصٍ لم يكن يأكل الدجاج ولحم الحيوانات، نظر إليها ودموع الحسرة تنهمر من مقلتَيه"، وخاطب الدجاجة الموضوعة أمامه على المأدبة:
لِمَ لم تصبحي أسدًا شرسًا؟ كي لا يتمكّنوا من أخذكٍ فريسة للذبح
لو تمكّنتِ من الدفاع عن نفسك، وامتلكتِ القدرة الذاتية، لما تجرَّؤوا على ذبحك بهذا الشكل. وأنا لا أعتقد بقول ذلك الشاعر، ولا بقول أبي العلاء المعرّي، الذي نُقل عنه هذا الكلام، ولكنّني أعتقد أنّه في العالم الذي يتمّ إدارته على أساس الأفكار الماديّة، فمن الطبيعيّ أن يكون الموت مصير الضعيف - أنا أعتقد بهذا - إن لم يرجع شعبٌ إلى نفسه ويقوّي نفسه، فإنّ الآخرين سيتسلّطون عليه. بعض الشعوب تفصلها مسافات طويلة للوصول إلى القوّة، ولا أمل قريب بأن تُعدّ قدراتها وتُوجِدَ قوّتها، لتتمكّن من مواجهة المستبدّين وناهبي العالم. لكنّ شعبنا ليس كذلك، أوّلاً، نحن لدينا إمكانيّة كبيرة لإعداد القوّة، وكذلك فنحن نمتلك موارد وطاقات وفيرة،
143
123
في الحرم الرضوي المطهّر
والأهمّ - أيضًا - أنّ شعبنا قد سار نحو الاقتدار الوطنيّ، وقطع شوطًا كبيرًا في هذا الطريق، وعلى هذا الأساس أرى أنّ خارطة الطريق العامّة للعام 1393هـ.ش.، تتشكّل من هذين العنصرين اللّذين ذكرتهما في بيان أوّل السنة: الاقتصاد والثقافة بعزمٍ وطنيّ وإدارة جهاديّة.
قوّة الشعب في الاقتصاد والثقافة والعلم
أن يكون شعبٌ ما قويًّا لا يعني أن يمتلك أسلحة متطوّرة، بالتأكيد الأسلحة مطلوبة، ولكن لا يمكن لأيّ شعبٍ أن يصبح قويًّا فقط بامتلاك السلاح. عندما أنظر في هذا الأمر، أجد أنّ هناك ثلاثة عناصر أساسيّة للقوّة والاقتدار، ويتضمّن البيان الذي أعلنته بمناسبة أوّل السنة، عنصرين من هذه الثلاثة. إذا أصبحت هذه العناصر الثلاثة أهدافًا لشعبٍ ما فإنّه سيصبح قويًّا: أحدها الاقتصاد، والآخر الثقافة، والثالث العلم والمعرفة.
ولقد قِيل الكثير في السنوات العشرة أو الاثنتي عشرة الماضية حول العلم، وبحمد الله، فقد أثّر هذا الكلام كثيرًا. ها نحن نتقدّم اليوم في المجال العلميّ - ولعلّني سأشير لاحقًا إلى هذا في معرض حديثي - ولكن بالنسبة إلى الاقتصاد والثقافة فالحاجة ماسّة إلى اهتمامٍ استثنائيّ وغير عاديّ، كي نتمكّن من جعل اقتصاد البلاد بوضعٍ، لا يستطيع معه أحد في أيّ نقطة من العالم التأثير على اقتصاد بلدنا، ومعيشة شعبنا من خلال قرارٍ يتّخذه، أو حركة، أو جمود، وهذا الأمر في متناول أيدينا، نحن يجب أن نقوم بهذا العمل، وهو بناء ذلك الاقتصاد المقاوم الذي تمّ إبلاغ سياساته في الشهر الماضي، ولقد كان لي لقاء موسّع حوله مع المسؤولين والمديرين الأساسيّين في البلاد، وكانوا متجاوبين مع هذه السياسات، أي: رؤساء السلطات الثلاثة الذين شاركوا وساهموا بفاعليّة في إعداد هذه السياسات، قد رحّبوا وأعلنوا بأنّنا سننجز هذا العمل. وأنا أريد أن أتحدّث قليلًا اليوم مع شعبنا العزيز حول الاقتصاد المقاوم، ليسمع الناس مِن هذا العبد الحقير ما أريد طرحه.
144
124
في الحرم الرضوي المطهّر
الاقتصاد المقتدر (الاقتصاد المقاوم)
هو ذلك الاقتصاد المقتدِر، الذي لا ينهار ولا يقع رأسًا على عقب بسبب الاستفزازات العالميّة، أو الهزّات العالميّة، أو بسبب سياسات أميركا وغير أميركا، هو ذلك الاقتصاد المعتمِد على الناس.
يوجد ثلاثة أسئلة حول الاقتصاد المقاوم، والذي يمثّل في الحقيقة اقتصاد المقاومة، وأنا سأطرح هذه الأسئلة.
السؤال الأول: ما هو الاقتصاد المقاوم، وما هو غير (المقاوم)؟ ما هي خصائصه الإيجابيّة والسلبيّة؟ السؤال الثاني: هل إنّ الاقتصاد المقاوم الذي نطلق شعاره ممكن الحصول والتحقّق، أو أنّه خيال ووهم؟ السؤال الثالث: إذا كان الاقتصاد المقاوم ممكن التحقّق، فما هي مقتضياته وما هي الأعمال المطلوب إنجازها؟ وأنا اليوم، سأجيب عن هذه الأسئلة الثلاثة، هذا فيما يتعلّق بالاقتصاد، وبعدها سأطرح أفكارًا حول مسألة الثقافة، والتي هي برأيي مسألة شديدة الأهمّيّة.
ماهية الاقتصاد المقاوم
السؤال الأوّل: ما هو الاقتصاد المقاوم وما هو الذي ليس اقتصادًا مقاومًا؟
أوّلاً، هو نموذج علميّ متناسب مع حاجات بلدنا. هذا البُعد الإيجابيّ، ولكنّه ليس محصورًا ببلدنا فقط، حيث إنّ الكثير من البلدان حاليًّا، وبالالتفات إلى هذه الهزّات الاجتماعيّة والانهيارات الاقتصاديّة المفاجِئة في هذه العشرين أو الثلاثين سنة الماضية، قد فكّرت وأوجدت نماذج مشابهة للاقتصاد المقاوم بما يتناسب مع ظروفها وأوضاعها. فإذاً، الأمر الأول: إنّ الحركة التي نقوم بها نحن، تشكّل هاجسًا ومطلبًا لبلدان أخرى أيضًا، وليست خاصّة بنا فقط.
منابع الاقتصاد المقاوم
ثانيًا، حين قلنا إنّ هذا الاقتصاد المنشود هو اقتصاد ذاتيّ الإنتاج. فماذا يعني هذا الأمر؟ إنّه يعني أنّ الاقتصاد ينبع من داخل إمكانات وطاقات بلادنا وشعبنا، فرُشد هذه الشتلة ونموّ هذه الشجرة مستندان إلى إمكانات بلادنا، هذا هو معنى
145
125
في الحرم الرضوي المطهّر
"ذاتيّ الإنتاج" (التدفق الذاتي). ولكن في الوقت نفسه ليس اقتصادًا منطويًا على الذات، الاقتصاد المقاوم لا يعني أبدًا أن نحصر اقتصادنا ونحدّه داخل بلدنا، كلّا! اقتصادٌ داخليّ الإنتاج ولكنّه خارجيّ التوجّه، يرتبط ويتفاعل مع اقتصادات العالم، ويتعامل معها بقوّة. بناءً عليه فهو اقتصاد ذاتيّ الإنتاج، ولكنّه ليس منغلقًا على نفسه. أؤكّد على هذا الأمر، لأنّه في هذا المجال قد بدأت الأقلام والألسن والأذهان المغرِضة، بالافتراءات، والادّعاءات، وتردّد أنّ هؤلاء يريدون تحديد اقتصاد البلد وحصره في الداخل وحسب، وهم يطرحون أشكالًا وألوانًا من التحاليل، لكي يفصلوا الناس والمسؤولين ويبعدونهم عن هذه الطريق التي هي طريق السعادة، وأنا أذكر هذه الأمور لتنوير الرأي العامّ عندنا.
الاقتصاد والناس
ثالثًا، إنّ هذا الاقتصاد الذي يُطرح باسم الاقتصاد المقاوم هو شعبيّ مرتكِز على الناس، أي إنّه لا يتمحور حول الحكوميّ وهو ليس اقتصادًا رسميًّا حكوميًّا، إنّه اقتصاد شعبيّ، يتحقّق بإرادة الشعب ورأسمال (تمويل) الناس ومشاركتهم، ولكن عدم كونه حكوميًّا رسميًّا لا يعني أنّ الحكومة لا تتحمّل مسؤولية تجاهه، كلّا! إنّ على الحكومة مسؤوليّة التخطيط والبرمجة، وإعداد الأرضيّة المناسبة، وتهيئة الإمكانات اللّازمة، والإرشاد والمساعدة. العمل الاقتصاديّ والنشاط الاقتصاديّ بيد الناس، مُلك الناس، لكن الحكومة بوصفها مسؤولة في المجال العامّ، تقوم بالإرشاد والإشراف والمساعدة. وحين تلاحظ أنّ هناك من يريد أن يستغلّ الأوضاع، وارتكاب المفاسد الاقتصاديّة، فإنّها تقف بوجهه وتمنعه، وحين تلاحظ أنّ هناك من يحتاج إلى المساعدة، تمدّ له يد العون. بناءً على هذا، فإنّ توفير الظروف المناسبة هو واجب الحكومة، إنّها تسهّل الأمور.
الاقتصاد والعلم
رابعًا، قلنا: أنّ هذا الاقتصاد هو اقتصاد قائم على العلم، بحيث يستفيد من التقدّم العلميّ، ويعتمد على التطوّر العلميّ. يضع الاقتصاد على محور العلم، ولكن
146
126
في الحرم الرضوي المطهّر
هذا لا يعني أبدًا، أنّ هذا الاقتصاد محصور بالعلماء، وأنّ العلماء فقط يمكنهم أن يلعبوا دورًا في الاقتصاد المقاوم، كلّا! فكلّ التجارب والمهارات، تجارب أصحاب الصناعات والعمّال ذوي التجارب والمهارات المتنوّعة، يمكنها أن تؤثّر وتساهم بشكل كبير في هذا الاقتصاد، لذلك، حين يُقال: "محوريّة العلم"، فلا يعني هذا بأنّ ذوي التجربة والخبرة من الصناعيّين أو المزارعين، الذين قاموا بإنجازات وأعمال كبرى طوال سنوات متمادية على أساس التجربة - لا يمكنهم أن يلعبوا دورًا في الاقتصاد المقاوم. كلّا! إنّ لهم دورًا مهمًّا جدًّا.
الاقتصاد والعدالة
خامسًا، هذا الاقتصاد يدور حول محور "العدالة"، أي إنّه لا يكتفي بمؤشّرات الاقتصاد الرأسماليّ من قبيل النمو الوطنيّ أو الناتج الإجماليّ (القوميّ)، فالمسألة ليست في أن نقول بأنّ النموّ الوطنيّ قد ارتفع إلى هذا المستوى أو أنّ الناتج الإجماليّ وصل إلى ذلك الحدّ، كما تشاهدون في مؤشّرات الاقتصاد الرأسماليّ في العالم. والحال أنّه في بلدٍ ما، على الرغم من أنّ الناتج الإجماليّ قد ارتفع كثيرًا، فإنّ فيه أناسًا يموتون جوعًا! هذا لا نقبله ولا نؤمن به. بناءً على هذا، فإنّ مؤشّر "العدالة"، العدالة الاقتصاديّة والعدالة الاجتماعيّة هو من الشواخص المهمّة في الاقتصاد المقاوم، وهذا لا يعني عدم الاهتمام بالمؤشّرات العلميّة الموجودة في العالم، كلّا! ينبغي الاهتمام بها أيضًا، ولكن العمل يسير ويدور حول محور "العدالة". والعدالة في هذا البيان وهذا البرنامج لا تعني توزيع الفقر على الجميع، بل هي بمعنى إنتاج الثروة وزيادة الثروة الوطنيّة.
الاقتصاد والاستمرارية
سادسًا، عندما قلنا: إنّ الاقتصاد المقاوم هو الحلّ الأمثل لمشكلات البلد الاقتصاديّة، فهذا أمرٌ لا شكّ فيه، ولكنّه لا يعني أنّ هذا الاقتصاد متوجّه إلى مشكلات البلد الحالية فقط. حيث إنّ بعض هذه المشكلات يرتبط بالحظر والعقوبات المفروضة، وبعضها يرتبط مثلًا بكون البرنامج الفلانيّ كان خطأً. كلّا!
147
127
في الحرم الرضوي المطهّر
إنّ الاقتصاد المقاوم دائم ومستمرّ. الاقتصاد المقاوم هو بمعنى التقوية والتثبيت والتمتين لأسس الاقتصاد، ومثل هذا الاقتصاد - سواء كان في أوضاع الحظر والعقوبات أم في الظروف الأخرى - وهو الذي يثمر فينتج ويفيد الناس، هذا هو السؤال الأول.
التطبيق العملي للاقتصاد المقاوم
السؤال الثاني: هل إنّ البرنامج الاقتصاديّ الذي تطلقون عليه اسم الاقتصاد المقاوم هو أمرٌ خياليّ ورؤية تحلمون بها؟ أو إنّه قابل للتحقّق عمليًّا؟
والجواب هو كلّا! فمن الممكن حصوله وتحقّقه بشكلٍ كامل وعمليّ وحتميّ، لماذا؟ بسبب الإمكانات والموارد، فبلدنا يتمتّع بموارد استثنائيّة.
امكانات وموارد تطبيق الاقتصاد المقاوم
وسأشير هنا إلى بعض هذه الموارد، وهي من الأمور التي لا تتطلّب إحصاءات عجيبة وغريبة، بل هي أمام أنظار الجميع والكلّ يرونها بأُمّ العين.
1- الطاقات البشريّة
إحدى هذه الموارد المهمّة، مواردنا البشرية، فقدراتنا البشريّة هي إحدى أكبر طاقات بلدنا، وهذه فرصة كبيرة. لقد قلنا سابقًا: إنّ عدد الشباب في البلاد - ذوي الأعمار بين خمسة عشر وثلاثين عامًا - يشكّل الفئة والغالبيّة العظمى من عدد سكّان شعبنا، وهذا بحدّ ذاته مورد مهمّ. لدينا عشرة ملايين خرّيج جامعيّ، عشرة ملايين من شبابنا الذين درسوا طوال سنين وتخرّجوا من الجامعات. وحاليًّا لدينا أكثر من أربعة ملايين طالب جامعيّ سيتخرّجون خلال بضع سنوات، فليعلم شبابنا الأعزّاء، أنّ هؤلاء الملايين الأربعة من الطلاب الجامعيّين يعادلون 25 ضعفًا قياسًا مع عدد الطلاب الجامعيّين عند سقوط النظام الطاغوتيّ، لقد ازداد عدد سكان البلاد ضعفَين ولكن عدد الطلاب الجامعيّين تضاعف 25 مرّة عمّا كان حينها، اليوم لدينا هذا العدد من الطلّاب والخرّيجين، وإضافة إلى هؤلاء يوجد الملايين من أصحاب التجارب والمهارات. لاحظوا، أولئك الذين هبّوا في زمان الحرب لنصرة قوّاتنا المسلّحة. في زمان الحرب، كانت إحدى مشكلاتنا تعطّل الأجهزة والوسائل، وقصف المراكز المختلفة الذي كان يؤدّي إلى فقدان الوسائل اللّازمة لقوّاتنا، كوسائل النقل والحمل والمواصلات وما شابه. انطلق بعض الصناعيين وأصحاب
148
128
في الحرم الرضوي المطهّر
التجارب والمهارات من طهران والمحافظات - وأنا كنتُ شاهدًا على هذه المسائل في بدايات الحرب وكنتُ أراهم - ومؤخّرًا - بحمد الله توفّقنا، وعُدنا لنلتقي بمجموعة منهم، لقد كانوا شبابًا في تلك الأيّام، والآن بعد أن قطعوا كلّ تلك السنوات الطوال، لا يزالون بنفس تلك الروحيّة المفعَمة بالحماس والاندفاع. نزلوا حينها إلى ميادين الحرب وإلى الخطوط الأماميّة للجبهة، واستُشهد بعضهم، قاموا بأعمال الصيانة والترميم والتصنيع والابتكار: هذه الجسور العجيبة والغريبة والتي استفادت منها قوّاتنا المسلّحة بشكلٍ كبير، الإمكانات المتنوّعة، السيّارات، شقّ الطرقات وما شابه - كلّها تحقّقت على أيدي هذه الطاقات الخبيرة والماهرة، واليوم هم موجودون وأمثالهم الكثير إلى ما شاء الله، ممّن لم يتخرّج من الجامعات، ولكن لديه التجربة والمهارة اللتين تنفعان وتفيدان أحيانًا أكثر من الجامعيّين المتخصّصين بكثير، وهذه أيضًا من الموارد والطاقات التي لدينا، في المجال الزراعيّ وكذلك في المجال الصناعيّ.
2- مصادر الطاقة
من موارد البلد المهمّة المصادر الطبيعيّة - قلتُ السنة الماضية، وفي هذا المكان -: إنّ مجموع النفط والغاز لدينا هو الأوّل في العالم، أي إنّه لا يوجد بلد في العالم يمتلك ما لدى إيران من نفطٍ وغاز معًا. مجموع النفط والغاز عندنا أكثر من جميع بلدان الشرق والغرب. وهذه السنة - وفيما أنا أتحدّث معكم الآن - هناك اكتشافات جديدة في مجال الغاز، تشير إلى ارتفاع احتياط الغاز عمّا كان عليه السنة الماضية، هذا هو وضع النفط والغاز لدينا. يوجد في بلدنا أكبر احتياطيّ من مصادر الطاقة التي يحتاجها العالم في الإنارة، والتدفئة، والصناعة، والازدهار بواسطة الطاقة والنفط والغاز. بالإضافة إلى ذلك، هناك مناجم الذهب
149
129
في الحرم الرضوي المطهّر
والمعادن النادرة المنتشرة في كلّ أنحاء البلاد: الأحجار، والحديد، والمعادن، الأحجار الكريمة، أنواع المناجم والمعادن الأساسية التي تُعتبر أمّهات الصناعة، كلّها موجودة في بلدنا، هذه - أيضًا - طاقة كبرى.
3- الموقع الجغرافيّ
هناك موردٌ آخر، يتمثّل في موقعنا الجغرافيّ، حيث إنّنا جيرانٌ لخمسة عشر بلدًا نتشارك معًا في المواصلات. إنّ شبكة المواصلات والترانزيت من الفرص الكبرى للبلدان، وهذا متوفّر في بلدنا الذي يتّصل من الجنوب بالمياه الحرّة، ومن الشمال بالمياه المغلَقة. يعيش في هذه البلدان المجاورة لنا، ما يُقارب 370 مليون نسمة، يشكّلون في تواصلهم وارتباطهم فرصة كبيرة جدًّا لاقتصاد بلادنا. هذا بالإضافة إلى أسواقنا الداخليّة، حيث إنّ سوقًا يعدّ 75 مليون نسمة هو سوق مهمّ لأيّ اقتصاد في العالم.
4- البنى التحتيّة
من الموارد الموجودة - أيضًا - في بلدنا، البنى التحتيّة الصلبة والناعمة (البرمجيّات)، فالأقسام الناعمة مثل سياسات الأصل 44 (الخصخصة) ووثيقة الرؤية المستقبليّة1، وكذلك البرامج والأعمال التي أُنجزت في السنوات الماضية، وهناك بنى تحتيّة متنوّعة كالطرقات الدوليّة، والسدود، والجسور والمصانع وما شابه، وكلّها تشكّل أرضيّات جيّدة جدًّا لتقدّم اقتصاد البلاد، هذه موارد وطاقات لأيّ بلد.
الاقتصاد المقاوم ومواجهة العدو
حسنٌ، يمكن للبعض أن يقول: لو لم يكن هناك حظر وعقوبات، لكنتم استفدتم من هذه الموارد والطاقات بشكلٍ أكبر، ولكن مع وجود هذه العقوبات لا يمكنكم الانتفاع بها، هذا خطأ، هذا الكلام ليس صحيحًا. لقد استطعنا في الكثير من المسائل الأخرى أن نصل إلى مستويات عالية، ونتائج باهرة على الرغم من
1 (أفق الميثاق العشرينيّ 1404هـ. ش.).
150
130
في الحرم الرضوي المطهّر
وجود العقوبات والحظر، وإنّ "إنتاج العلم" هو أحد الأمثلة، والتطوّر الصناعي والتقني مثال آخر، لقد فُرضت علينا عقوبات في هذه المجالات، ولا تزال حتى الآن.
في مجال العلوم الحديثة والمتطوّرة، إنّ أبواب المراكز العلميّة الأساسيّة في العالم مغلقة أمام العلماء والطلاب الإيرانيّين، ولكن في الوقت نفسه، تقدّمنا في علوم النانو1، وكذلك في مجال الطاقة النوويّة وفي الخلايا الجذعيّة، وأيضًا في الصناعات الدفاعيّة والصواريخ والطائرات بدون طيّار، لقد تطوّرنا وتقدّمنا رغم أنف العدوّ، فلماذا لا يمكننا التقدّم في الاقتصاد؟! نحن الذين حصدنا كلّ هذه النجاحات في الساحات والميادين المختلفة، قادرون - إن عقدنا العزم ومضينا يدًا بيد - أن نحقّق الازدهار في الاقتصاد أيضًا. فلا ننتظر العدوّ متى يرفع الحظر؟ وننظر متى يوافق على النقطة الفلانيّة؟ فليذهب إلى الجحيم! ولننظر إلى أنفسنا ونرى ماذا يمكننا أن نفعل.
مقتضيات تحقيق الاقتصاد المقاوم
أطرح السؤال الثالث وأجيب عليه. وقد كان السؤال: لكي يتحقّق هذا العمل الكبير "الاقتصاد المقاوم" ما هي المقتضيات والمسائل المطلوبة؟ وما هي الأعمال الواجب إنجازها؟
أختصر الكلام لأقول:
دعم الانتاج الوطني
أوّلاً، يجب على المسؤولين دعم الإنتاج الوطنيّ. فهو الأساس والحلقة الأصليّة لتقدّم الاقتصاد. يجب على المسؤولين دعم هذا الارتباط الوطنيّ. كيف ذلك؟ أن يقدّموا الدعم القانونيّ في الأماكن التي تحتاج إلى سنّ قوانين وتشريعات؟ وفي الموارد التي يلزمها دعم قضائي، يجب أن يقدّموا اللازم،
1 علم النانو: هو دراسة خواصّ الجزيئّات والمركبَّات التي لا يتجاوز مقياسها الـ100 نانومتر (النانومتر= جزء من المليون من المليمتر).
151
131
في الحرم الرضوي المطهّر
هناك أماكن يحتاج الإنتاج الوطنيّ إلى دعم تنفيذيّ، يجب أن يشجّعوا وينجزوا أعمالًا مطلوبة. يجب أن يزدهر الإنتاج الوطنيّ.
زيادة الإنتاجية
ثانيًا، على أصحاب رؤوس الأموال والقوى العاملة (المنتجة)، أن تولّي أهمّيّة للإنتاج الوطنيّ أيضًا، بأيّ معنًى؟ بمعنى زيادة الإنتاجيّة1 والاستفادة من الإمكانات الموجودة بالحدّ الأقصى والأمثل، حين يعمل العامل، ينفّذ عمله بكلّ دقّة، "رَحِمَ اللهُ اِمرَءً عَمِلَ عَمَلاً فَأَتقَنَه"2، هذا هو معنى المنفعة والاستفادة، والذي نُقل عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فالرحمة الإلهيّة تشمل من ينجز عمله بدقّة، واحتراف، وإتقان. كذلك الذي يستثمر أمواله، فليسع إلى الاستفادة بحدّها الأقصى من تشغيل رأس ماله، فيخفّف مصاريف الإنتاج، لأنّ ضعف التدبير وسوء التدبير، وعدم التخطيط والبرمجة يؤدون إلى ارتفاع مصاريف الإنتاج، فيقلّ الربح ويقلّ العمل.
ثالثًا، أن يفضّل أصحاب رؤوس الأموال في البلد، الأعمال الإنتاجيّة على غيرها من الأنشطة. لقد رأينا كيف أنّ أشخاصًا لديهم رؤوس أموال - صغيرة أو كبيرة - وكان بمقدورهم أن يوظّفوها في مجالات ما ويكسبوا بذلك أرباحًا طائلة، لكنّهم لم يفعلوا ذلك، واتّجهوا نحو الإنتاج، قالوا: نريد أن نقوّي إنتاج البلد، إنّ عملهم هذا حسنة، إنّه صدقة، وهذا من أفضل الأعمال، الذين يمتلكون رؤوس أموال - صغيرة كانت أو كبيرة - فليوظّفوها في خدمة الإنتاج الوطنيّ للبلاد.
الترويج للإنتاج الوطني
الأمر الآخر، أن يقوم الناس وعلى مختلف المستويات، بالترويج للإنتاج الوطنيّ. ماذا يعني هذا؟ إنّه الأمر الذي طرحته هنا بإصرار، وتأكيد شديد منذ سنتين أو ثلاثة. ولحسن الحظّ، فإنّ العديد من الناس استجابوا وقاموا به، ولكن ينبغي على
1 أو بمعنى زيادة الربحية في الإنتاج.
2 الحر العاملي، وسائل الشّيعة، ج2، ص883.
152
132
في الحرم الرضوي المطهّر
الجميع أن يعملوا به، وهو عبارة عن "استهلاك الإنتاج الداخلي".
يا أعزّائي! عندما تشترون بضائع وطنيّة بدل البضائع الأجنبيّة، فإنّكم تخلقون فرص عمل بمقدار ما تشترون، وتدفعون العامل الإيرانيّ - أيضًا - إلى أن يُنزل ابتكاراته إلى الساحة. حين يتمّ شراء البضاعة الداخليّة، فإنّ منتجها لديه ابتكارات يومًا بعد يوم، حين تستهلكون بضائع محلّية الصنع، فإنّكم تزيدون بذلك الثروة الوطنيّة. في الماضي، في زمان الطاغوت (الشاه) راج استهلاك البضائع الأجنبيّة كعرفٍ وتقليد! حين كان الناس يذهبون للتسوّق، كانوا يسألون، أوّلاً: هل هذه البضاعة محليّة أم أجنبيّة؟، فإن كانت أجنبيّة رغبوا بها واشتروها! ينبغي أن نرجع ويصبح الأمر معكوسًا. لا نقول إنّ شراء البضائع الأجنبيّة حرام، ولكن شراء البضائع الوطنيّة أمر ضروريّ لجعل الاقتصاد مقاومًا، وهذه عملية تترك آثارها على كلّ شيء في هذا البلد. يجب الاهتمام بهذا الأمر، وهذا دور كلّ الناس. وبالتأكيد، فإنّ مسؤوليّة المسؤولين ومديري البلد هنا - كالكثير من المسائل الأخرى - هي أكبر من الآخرين، إن الكثير من المبالغات والإسراف والهدر في تصرّفات وسلوك الناس، يعود إلى مشاهدتهم لسلوك الذين يعتبرونهم "الأكابر"، إن زال الإسراف في المستويات العليا، فإنّه سيقلّ بين عموم الناس. بناءً على هذا، إنّ تفضيل الإنتاج الوطنيّ هو من الأعمال المطلوبة.
إن تقوية وتمتين أسس الاقتصاد هو من واجباتنا العامّة حاليًا، والجميع يمكنه أن يؤدي دورًا فيه: المسؤولون ورؤساء القوى الثلاثة، وكذلك عموم الناس، وأصحاب المهارات وأصحاب رؤوس الأموال، وكذا أصحاب الفكر، وبالتأكيد، فإنّ ما ذكرناه هو خلاصة ما ينبغي قوله، ويقع على عاتق أهل الفكر والنظر أن يشرحوا التفاصيل والجزئيّات.
الثقافة أهمّ من الاقتصاد!
القسم الثاني من كلمتي، حول الثقافة. بعبارة مختصرة أقول: يا أعزّائي! إنّ الثقافة أهمّ من الاقتصاد. لماذا؟ لأنّ الثقافة هي بمثابة الهواء الذي نتنفّسه، أنتم مضطرّون للتنفّس سواء شئتم أم أبيتم، إن كان هذا الهواء نظيفًا، فإنّ له آثارًا على
153
133
في الحرم الرضوي المطهّر
أجسادكم، وإن كان ملوّثًا، فله آثار أخرى مختلفة. إن ثقافة أيّ بلد كالهواء، فإن كانت سليمة، لها آثار. كنّا نتحدّث عن الإنتاج الوطنيّ، إذا أردنا تحقيق استهلاك الإنتاج الداخليّ بكلّ معنى الكلمة، ينبغي أن تترسّخ ثقافة استهلاك البضاعة الوطنيّة في أذهان الناس، إن أردنا من الناس أن لا يسرفوا، ينبغي أن يتكرّس هذا الاعتقاد لدى الناس، وهذا يعني "الثقافة"، الثقافة هي اعتقادات الناس، وإيمانهم، وعاداتهم، وتلك الأشياء التي يمارسها الناس دومًا في حياتهم اليوميّة، وهي تلهم الناس في حركاتهم وأعمالهم، الثقافة هي هذا، وعليه فهي مهمّة جدًّا. على سبيل المثال، في الميدان الاجتماعيّ، إن رعاية القانون واحترامه من قبل الناس هي ثقافة، التعاون الاجتماعيّ ثقافة، بناء الأسرة والزواج ثقافة، عدد الأطفال ثقافة، فإذا كانت التوجّهات والرؤى سليمة لدى الناس في هذه الأمور، فإنّ الحياة في المجتمع ستأخذ شكلًا محدّدًا، وإذا كانت خاطئة - لا سمح الله - فإنّ الحياة سيكون لها شكلٌ آخر مختلفًا، وسنُبتلى - لا سمح الله - بما وقع في البلدان التي انهار فيها بنيان الأسرة، وراجت الشهوات: ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾1. حيث وصلوا إلى ذلك المصير.
الاختراق الثقافي
بناءً على هذا، فإنّ تركيز الأعداء أكثر ما يكون على الثقافة. لماذا؟ بسبب هذا التأثير الكبير للثقافة. إنّ هدف حركة الأعداء ومركز تصويبهم في المجال الثقافي، هو إيمان الناس واعتقاداتهم. على المسؤولين الثقافيّين أن يرصدوا ويراقبوا النفوذ والاختراق الثقافيّ، الاختراقات الثقافيّة شديدة الخطورة، يجب أن يكونوا حسّاسين، يجب أن يكونوا واعين وأذكياء. لا نريد القول بأنّ كلّ الآفات الثقافيّة هي من صنع الأعداء، كلا! نحن مقصّرون أيضًا، المسؤولون على اختلاف مستوياتهم، المسؤولون الثقافيّون، المسؤولون غير الثقافيّين، قلّة العمل، الأعمال الخاطئة - كلّها ذات تأثير، نحن لا نلقي كلّ شيء على عاتق الأعداء، ولكن لا يمكننا التغافل عن حضور الأعداء في المسائل الثقافيّة. هكذا الوضع حاليًّا، وهكذا كان
1 سورة مريم، الآية 59.
154
134
في الحرم الرضوي المطهّر
منذ الأيّام الأولى للثورة، ألقت الأجهزة الإعلاميّة بكلّ ثقلها، وعملت بكلّ ما تملك من قوّة، كي يتراجع الناس عن اعتقادهم بأسس هذه الثورة. هذا عملٌ ثقافيّ؟! لقد تمّ استهداف إيمان الناس والهجوم عليه، إنّهم يهاجمون الاعتقادات القلبيّة للناس، لا يمكن للإنسان أن يتجاهل هذا الأمر.
الحريّة لا تعني التسيّب واللامبالاة!
وهنا يمكن أن يطرح سؤال، فيُقال: حسن، أنتم تقولون: إنّ على مسؤولي البلاد أن يكونوا حسّاسين، كم هو مقدار هذه الحساسيّة؟ ألا يتعارض هذا مع الحريّة والتي هي من شعارات الثورة ومن أصول الجمهوريّة الإسلاميّة؟ والجواب: كلا، إنّ هذا لا يتنافى أبدًا مع الحريّة، إنّ الحريّة مختلفة عن التسيّب واللامبالاة، الحريّة مختلفة عن التفلّت من جميع الضوابط. الحريّة - التي هي نعمة إلهيّة كبرى - لها ضوابط، وبدون ذلك، فإنّ الحريّة لا معنى لها، إن وُجِدَ في البلاد أشخاص يجهدون لاقتلاع إيمان الشباب من جذوره، لا يصحّ التفرّج على هذا الأمر باعتباره حريّة. تمامًا كمثل الأشخاص الذين يريدون ترويج الهيرويّين وغيره من المواد السامّة للبدن والمهلكة للعائلات، وتوزيعها على هذا وذاك، لا يمكن تجاهل الأمر. فأن نرى أشخاصًا يستخدمون الفنّ والبيان والأدوات المتنوّعة، يستخدمون الأموال، ليقطعوا الطريق على الناس، ويهاجموا إيمانهم، ويخترقوا الثقافة الإسلاميّة والثوريّة للناس، فنجلس لنتفرّج ونقول إنّها الحريّة، لا يوجد مثل هكذا حريّة في أيّ مكان في العالم! لا مكان هكذا في العالم. حتّى إنّ تلك البلدان التي تدّعي الحرّيّة، لديها خطوطٌ حمراء، تتشدّد فيها بكلّ حزم. انظروا إلى البلدان الأوروبيّة، حيث لا يجرؤ أحدٌ على التحدّث عن الهولوكوست، والتي من غير المعلوم إن كان لها أصل حقيقيّ أم لا، وإن كانت قد حصلت في الواقع، فكيف حدثت، إنّ أيّ تصريح عن الهولوكوست أو أيّ تشكيكٍ وسؤالٍ حولها يُعدّ من أكبر الذنوب والمعاصي لديهم! يمنعونه فورًا ويوقفون صاحبه ويعتقلونه ويلاحقونه قانونيًّا، ومن ثمّ يدّعون الحريّة. إنّ ما يعتبرونه خطًّا أحمر يقفون مقابل من يتجاوزه بكلّ شراسة وشدّة. كيف يُتوقّع
155
135
في الحرم الرضوي المطهّر
منّا أن نتجاهل ولا نبالي بالخطوط الحمراء الاعتقاديّة والثوريّة لبلدنا وشبابنا؟ إذا ما صُوِّب أحدهم سهامه مستهدفًا روح الاستقلال ويستهزئ (زاعمًا) بأنّ هذا تخلّف!، ما هو هذا الاستقلال؟ ويسعى جاهدًا للتنظير للتبعيّة! لا يمكن السّكوت مقابل هكذا شخص والتساهل معه، يجب التصدّي له ومواجهته. يهين أحدهم إحدى الضروريّات الأخلاقيّة والدينيّة للمجتمع، يسخر من اللغة الفارسيّة يحقّر الخصال الأخلاقيّة الإيرانيّة! هؤلاء موجودون حاليًّا، من الذين كَلَّ سعيُهم أن يدمّروا روح العزّة الوطنيّة لدى الشاب الإيرانيّ، بحيث يكرّرون نسبة الأخلاق السلبيّة لانتماء الشباب ويلقّنونهم: تعلّموا من الأوروبيّين، تعلّموا من الغربيّين، كيف أنّهم يتحمّلون بعضهم، أمّا نحن فلا نتحمّل بعضنا! هل هذه هي حقيقة الأمر؟ تمرّ شابّة تلتزم نوعًا (ما) بالحجاب، في شوارع البلدان الأوروبيّة والعواصم الأوروبيّة - حاليًّا وليس قبل عشرين أو خمسين سنة - يهاجمها الشباب، ويضربونها فيجرحونها أو يقتلونها أمام أعين الناس، فلا يجرؤ أحد أن يسألهم لماذا؟! يُشعلون النار بشخصٍ أمام أعين الناس، لأنّه ليس من أهل ذلك البلد! هل هذا هو تحمّل المخالف؟ هذا ما حدث مؤخّرًا، قبل أشهر، قامت مجموعة من هؤلاء الشباب "الشبّيحة" في إحدى المدن الأوروبيّة، بضرب أحد الإيرانيّين، ثمّ أراقوا البنزين عليه وأضرموا النّار فيه، ثمّ يقف الجيران، ليتفرّجوا على المشهد دون أيّ ردّة فعل! هل هذا هو تحمّل الآخر؟
الثقافة الغربيّة
أولئك الذين يحقّرون الشعب الإيرانيّ والهويّة الإيرانيّة والأعراف الإيرانيّة، أولئك الذين يزلزلون الركائز الإسلاميّة في الأذهان، أولئك الذين يسيئون إلى شعارات الثورة الأساسيّة، أولئك الذين يطرحون "الأسرة" كمؤسّسة لا قيمة لها ويروّجون أنّ الزواج بلا معنى - هؤلاء موجودون في مجتمعنا ويقومون بهذه الأعمال. أولئك الذين يعتبرون أنّ "اللّذّة" هي هدف مطلوب وقيمة. اللّذّة و"أصالة اللّذّة" هي تلك الهويّة المستوردة من الثقافة الغربيّة، حيث إنّ كلّ ما يؤدّي إلى اللذّة هو
156
136
في الحرم الرضوي المطهّر
أمرٌ جيّد، واحدٌ يلتذّ بالإدمان وآخر بالشهوات الجنسيّة، وثالث يحقّق لذّته بضرب الآخرين، كلّ ما يؤدّي إلى اللّذة يعتبرونه أمرًا مباحًا! لا يمكن التساهل واللامبالاة تجاه الأشخاص الذين يروّجون لهذه الأفكار. هناك من يروّج للإباحيّة.
مواجهة الثقافة الغربيّة
يجب أن تشعر الأجهزة بواجباتها ومسؤوليّاتها في (مواجهة) التخريب الثقافيّ. ما يقوم به مخرّبو الثقافة، هو ترويج الشكّ والتردّد بين الناس بدلَ العزم الوطنيّ الراسخ، إن لم يكن لدى الشعب عزمٌ راسخٌ، لا يمكنه الوصول إلى أيّ مكان، إنّهم يسعون لتضعيف العزم الراسخ للشعب في المسائل المهمّة المتعلّقة بمصير البلاد، وخلق الاضطراب والتشويش بين الناس، يضخّمون الشعور بالحقارة والدونيّة بدل الشعور بالعزّة الوطنية، والثقة بالنفس، والشبهات وضعف العقيدة بدل الإيمان الراسخ، وينشرون الشهوات وطلب اللّذات وما شابه بدل روح العمل والجهد والهمّة العالية - هذه أعمال يقومون بها حاليًا. يجب على الأجهزة الثقافيّة الرسمية للبلاد أن تقوم بواجباتها تجاه هؤلاء، ولا شكّ أنّ بعض الواجبات إيجابيّة وبعضها واجبات دفاعيّة، ويجب القيام بالاثنين، سواء الواجبات الإيجابية أم الواجبات الدفاعية، على أجهزتنا الإعلاميّة - سواء التابعة مباشرة للحكومة أو غير المرتبطة بشكلٍ مباشر بها - أن لا تخاف، ولا ترتعب من تهويل وضجيج الإعلام الأجنبيّ، كوسائل الإعلام التي يحلو لها تكرار كلام الأجانب، ولا ينبغي أن ينظّموا تصرّفاتهم وبرامجهم، على أساس ما تقوم به وسائل الإعلام تلك، هذا ما يتعلّق بالأجهزة الثقافيّة الرسميّة.
الدور الثقافي للشباب
ولكن هناك نقطة أهمّ، أخاطب فيها الشباب الذين بدأوا بالقيام بأنشطة وأعمال ثقافيّة، بشكلٍ عفويّ ودافع ذاتيّ، وبحمد الله، فإنّ نشاطهم صار واسعًا وكبيرًا. أريد أن أقول: هناك شباب في طهران والمدن المتعدّدة والمحافظات المختلفة، وهنا في مشهد، وفي الكثير من المدن الأخرى يقومون بأعمال ثقافيّة، بإرادتهم ورغبتهم
157
137
في الحرم الرضوي المطهّر
الشخصيّة ودافعهم ذاتي. لقد أنجزوا أعمالًا جيّدة جدًّا، اطّلعت على نماذج منها، بحمد الله. أقول لهم: فليستمرّوا بأعمالهم هذه وليتابعوها بمنتهى الجديّة. فليعلموا بأنّ هذا الانتشار والحضور للعمل الثقافيّ بين الشباب المؤمن والثوريّ، له دورٌ كبير جدًّا في تقدّم هذا البلد، وفي الصمود ومواجهة أعداء هذا الشعب. إضافة إلى هذا، إنّ على المرجعيّات الثقافيّة - من هي المرجعيّات الثقافيّة؟ أعني بها علماء الدين وأساتذة الجامعات والمثقّفين المستنيرين والفنّانين الملتزمين - عليهم جميعًا أن يستمرّوا بإلقاء نظراتهم النقديّة، حول الأوضاع الثقافيّة في البلاد، ويقدّموا الآراء والنصائح والتنبيه. وبالتأكيد، فإنّي أعتقد بأنّه ينبغي عرض الآراء الصحيحة، بمنطقٍ متينٍ وببيانٍ واضحٍ. ولا أوافق - هنا - على إطلاق التهم والشجار، لا أقبل بالتكفير واتّهام فلان وفلان. برأيي، إنّ الجماعة الثوريّة في البلاد، والتي تضمّ، ولله الحمد، عددًا لا يُحصى، من شبابنا ومفكّرينا ومثقّفينا وأساتذتنا وكبارنا وخرّيجينا، يمكنهم أن ينزلوا إلى الميدان بمنطقٍ متين، وأن ينتقدوا الأوضاع ويعلنوا نقاط الضعف والنقاط السلبيّة في وجه المسؤولين. يحدث أحيانًا، أن لا ينتبه المسؤول إلى ما يحصل على الأرض وداخل المجتمع، ولكن ذلك الشاب حاضر بين الناس، لذلك فهو يفهم ماذا يجري، وهذا ما أشرتُ إليه وقصدته من "العزم الوطنيّ والإدارة الجهاديّة" في مجال الثقافة.
المستقبل لكم ومن صنع أيديكم!
في ختام كلمتي، أتوجّه إليكم يا أبناء الشعب الإيرانيّ لأقول: اعلموا أنّ أوضاع وحقائق المجتمع العالميّ، لا تسير وفق إرادة أميركا ونواياها. ما أراده وسعى له الاستكبار العالميّ، والأعداء المعاندين للشعب الإيراني على الصعيد العالمي - لم يتحقّق ولن يتحقّق، إن شاء الله. لقد فشلت أميركا في فلسطين، لم تنجح الخطّة التي كانت قد رسمتها وسعت إليها كثيرًا، ولن تتحقّق إن شاء الله. لقد أرادوا تبديل فلسطين إلى وطنٍ يهوديّ، أي: أن لا يكون أيّ مجال للفلسطينيّ لكي يعيش في فلسطين، سواءَ كان مسلمًا أو مسيحيًّا، ما يعني إزالة فلسطين وإنهاء القضيّة من
158
138
في الحرم الرضوي المطهّر
أساسها. لقد خطّطوا لهذا العمل وبذلوا الكثير من الجهود في السنوات الأخيرة، لكنّهم لم يتمكّنوا من تنفيذه. لم تصل أميركا إلى ما تريده في فلسطين، وكذلك فإنّها فشلت في سوريا، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، ولم تصل إلى أهدافها، وكما تشاهدون مؤخّرًا في أوروبا، كذلك المخطّطات الأميركيّة باءت بالفشل. يجب أن نعرف جيّدًا في بلدنا العزيز أيضًا، كيف أنّهم وبعد ثلاثين سنة من العمل ضدّ هذه الثورة وضدّ شعبنا الثوريّ، لم يتمكّنوا من تحقيق ما أرادوا، والدليل هو حضور الناس هذا. لقد قال المسؤولون النافذون في الحكومة والنظام الأميركيّ هذا الأمر، بشكلٍ صريح، قالوا: نحن فرضنا الحظر والعقوبات على إيران، وشدّدنا هذه العقوبات، لنجرّ الناس إلى الشوارع ضدّ النظام، قالوها بمنتهى الصراحة "إنّ العقوبات تهدف إلى اقتلاع الثورة من جذورها، وإلى تحريض الناس، ليقفوا في وجه النظام الإسلاميّ". لكن ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة ما ذكرناه، وكيف جرت الانتخابات في 1392 هـ.ش. (2013م) بمشاركة كثيفة، وحضور كبير للجماهير، وكذلك المسيرات والتظاهرات في الثاني والعشرين من بهمن 1392 هـ.ش. (11 شباط 2014م) والتي فاقت أعداد المشاركين فيها كلَّ السنوات الماضية عددًا وحماسًا وانتشارًا واسعًا، وهذا هو الأمر نفسه الذي طالما كرّرته وقلته: ليَعلموا - شبابنا الأعزّاء - أن المستقبل لكم ومن صنع أيديكم. الأعداء محكومون بالهزيمة بتوفيق الله.
الأمل والرجاء من الله تعالى أن يهديكم جميعًا بتوفيقاته إلى دروب السعادة، وأن يرضي القلب المقدّس لولي عصرنا عنّا ويُفرحه منّا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
159
139
في زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان
المناسبـــة: ذكرى فكّ الحصار عن مدينة عبادان في محافظة خوزستان
الحضور: جمع من أهالي منطقة خوزستان
المكان: عبادان في محافظة خوزستان
الزمان:
06/01/1393 هـ.ش.
24/05/1435 هـ.ق.
26/03/2014 م.
161
140
في زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
الاقتدار والمكانة، رهن الجهاد والسعي
بصرف النظر عن العوامل المعنويّة وما وعده الله تعالى للمؤمنين والمجاهدين في سبيل الحق، حسب القوانين العاديّة لحياة المجتمعات البشريّة، فإنّ عزّة أي مجتمع واقتداره وسمعته ومكانته وهويّته، كلّ ذاك يرتبط بالجهاد والسعي الدؤوب. لا يمكن لأيّ شعبٍ أن يكتسب منزلة لائقة بين شعوب العالم أو في التاريخ، بالكسل والتراخي. وما يجعل الشعوب - في التاريخ وفي العصور التي تعيشها - شامخة بين سائر شعوب العالم هو الجهاد والسعي. ولهذا السعي - طبعًا - أشكال متنوّعة، فهناك السعي العلمي، وهناك السعي الاقتصادي، وهناك السعي بمعنى التعاون الاجتماعي بين الأفراد، هذه كلّها أمور لازمة وضروريّة. ولكن يأتي على رأس كلّ هذه المساعي، الاستعداد للتضحية بالأرواح، فهذا هو الذي يجعل الشعب شامخًا مرفوع الرأس بين الشعوب. إذا لم يكن بين أفراد شعب من الشعوب، من هم على استعداد للتضحية بأرواحهم وراحتهم في سبيل الوصول إلى الأهداف والمقاصد، فإنّ هذا الشعب لن يصل إلى أيّ نتيجة. العمل الذي قامت به الثورة من أجل شعب إيران هو أنّها أضاءت هذا الطريق أمامنا، فأدرك كلّ واحد من أبناء الشعب، وشعر بضرورة الجهاد في سبيل المبادئ والأهداف العُليا، والصمود بوجه أعداء هذه المبادئ، وقد صمدوا.
163
141
في زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان
قصة صمودٍ بوجه الاستكبار!
إنّ دفاعنا المقدّس وفترة حرب الأعوام الثمانية الزاخرة بالأحداث في هذا البلد، هما قصة صمود شعب إيران وصمود شبابنا بوجه خبث وعداوات الكفر والاستكبار العالميّين. صحيح أنّ الذي كان يقف أمامنا هو في الظاهر نظام البعث أو صدام - وقد كان خبيثًا ومعاديًا للإنسانيّة بما فيه الكفاية - لكنّه لم يكن وحدَه، فما جعل هذه الحرب تستمرّ ثمانية أعوام هو العناصر التي كانت تقف خلف ستار الاستكبار العالميّ، والتي كانت تشجّعه وتعدُّه وتمدّه بالقدرات والمعدّات. يوم اضطرّ أعداؤنا إلى التراجع والانسحاب من أراضي خوزستان هذه - التي شاهدتم الآن جوانب منها- (آنذاك)، أعطتهم حكومة أوروبيّة وسيلة ليستطيعوا مواصلة خبثهم وشيطنتهم وشرورهم في البحر، أعطتهم صواريخ. لم يكونوا يسمحون للعمليّات التي تحصل في المناطق الحربيّة أن تنهي الحرب وتحسم مصيرها، فقد كانوا يشجّعونه. أي إنّ يد الاستكبار العالمي، ويد هذه الحكومات الأوروبيّة والحكومة الأميركيّة، كانتا تسندان النظام البعثي الخبيث وتشجّعانه على مواصلة الأمر. لم يكونوا يريدون للجمهوريّة الإسلاميّة أن تخرج منتصرة مرفوعة الرأس من هذه الحادثة الكبرى، وكانوا يقولون ذلك بصراحة.
بعد هذه العمليّات التي حصلت في هذه المنطقة - منطقة دارخوين1، فقد كان هذا المكان ساحة لمعركة حاسمة جدًّا هي عمليّات ثامن الأئمّة - التي خطّط لها الحرس الثوري وجيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، بالتعاون معًا امتثالًا لأمر الإمام الخمينيّ، وحيث استطاعوا في هذه المنطقة فرض التراجع على العدو، وتحطيم المعنويّات التي اكتسبها بدعم الأجانب والأوربيّين له، وتدميرها، وفكّ الحصار عن عبادان. بعد هذه العمليّة، تتابعت العمليّات فكانت عمليّات "طريق القدس"، وبعدها عمليّات "الفتح المبين"، وبعدها عمليّات "إلى بيت المقدس"، كان
1 مدينة دارخوين: تُلفَظ داروخوين، وهي مدينة تقع في إقليم خوزستان المحاذي للعراق على بُعد 50 كيلومترًا شمال مدينة خرمشهر.
164
142
في زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان
مقاتلونا الأعزاء وشبابنا المضحّون، في هذه العمليّات المتتابعة، يعملون في إطار الجيش، وفي إطار الحرس الثوري، وفي إطار التعبئة والقوّات الشعبيّة، وعلى شكل مجموعات عشائريّة، وحتّى على شكل شرطة وقوّات درك ولجان ذلك اليوم، كانوا يعملون في ساحة الحرب ويقدّمون هذه التضحيات، وكان بوسع هذه العمليّات أن تُنهي الحرب، لكن جبهة أعداء النظام الإسلاميّ - وهم الأوروبيّون والحكومات الأوروبيّة والحكومة الأميركيّة - لم تكن تسمح بذلك، فقد كانت تشجّع الطرف الآخر، وتمنحه تجهيزات ومعدّات جديدة، وتبثّ فيه الأمل بالفوز في هذه الحرب، لذلك استمرّت هذه الحرب ثمانية أعوام، وليست مزاحًا ثمانية أعوام من الحرب. استمرّت الحروب الكبرى والمعروفة في العالم، خلال الفترات القريبة من زماننا، مدّة أربعة أعوام أو خمسة أعوام وستة أعوام وما إلى ذلك، بينما استمرّت هذه الحرب ثمانية أعوام، وفي منطقة واسعة امتدّت فيها المعارك والاشتباكات من الشمال إلى الجنوب، أي من المنطقة الشماليّة الغربيّة للبلاد إلى نهاية المنطقة الجنوبيّة هذه.
العدو وإضعاف النظام الإسلاميّ
كان هدفهم أن يجعلوا النظام الإسلاميّ يشعر بأنّه غير قادر على مواجهة هؤلاء الأعداء، أرادوا أن يفعلوا ما يجعل الجمهوريّة الإسلاميّة تظهر كمنظومة ضعيفة عاجزة. لكنّ الله تعالى أظهر يدَ قدرته، وحطّم بيد السنّة الإلهيّة الفولاذيّة فم أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة وأعداء راية الإسلام الخفّاقة، ومرّغ أنفهم بالتراب، وأثبت أنّ النظام الإسلاميّ باستناده إلى إيمان الشعب ومحبّته ومشاعره يستطيع في مواجهته لكلّ القوى الماديّة في العالم الدفاع عن نفسه، وأن يفرض على الطرف المقابل الاعتراف بالعجز. لقد اعترفوا بعجزهم، وبعدم قدرتهم على الوقوف بوجه القبضة الحاسمة للمؤمنين بالإسلام وبالوعود الإلهيّة، وأُحبِطَ إعلامهم وذهب أدراج الرياح. كانوا يحاولون إقناع شعب إيران - المؤمن بالآيات الإلهيّة الكريمة - بأنّك غير قادر على مواجهة القوى الماديّة في العالم، أرادوا إقناعه بهذا الشيء.
165
143
في زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان
وأقولها لكم - أيّها الإخوة الأعزاء ولكلّ الشعب الإيرانيّ -: يندحر أيّ شعب عندما يعتقد أنّه لا يستطيع فعل شيء، هذه بداية هزيمة أي شعب. لقد أرادوا بثّ هذا الشعور في قلوب الإيرانيّين خلال فترة الحرب المفروضة، لكنّ النتيجة كانت عكس ذلك. لقد أثبتت الحرب المفروضة، أي الدفاع المقدّس لشعب إيران، أنّ الشعب - في ظلّ اتّحاده وفي ظلّ إيمانه بالله، وفي ظلّ حسن ظنه بالله تعالى واعتقاده بصدق الوعود الإلهيّة - يمكنه اجتياز كلّ المنعطفات الصعبة، ويمكنه الوقوف بوجه الأعداء، وفرض الهزيمة والتراجع عليهم، هذا ما أثبتته لنا الحرب المفروضة.
أقول لكم: لا تدعوا ذكرى فترة الدفاع المقدس تُمحى من الخواطر والأذهان. إنّ المجيء إلى هذه المناطق الحربيّة - سواء في عطل النوروز أو على مدى العام، عمل حسن جدًّا وصحيح وعقلاني يقوم به شعب إيران، والحمد لله، أنّ هناك من يأتي إلى هذه المناطق على طول السنة ويزور هذه الأراضي والأماكن. حافظوا على ذكرى هذه الأماكن حيّة. هذه الأراضي وهذه الصحاري ونهر الكارون هذا وطريق أهواز - عبادان أو أهواز - إلى خرمشهر، هذه الأماكن المتنوّعة التي تعرّف لكم نفسها اليوم بأسماء مختلفة، شاهدة على أرقى التضحيات والجهاد والفداء. إنّني لا أنسى في الأشهر الأولى من الحرب - في شهور المحنة وعدم توفّر القوّات وانعدام الإمكانيّات والمعدّات والتدريب، وعدم توفّر التنسيق والتنظيم، في تلك الشدائد على المستويات الماديّة المختلفة - كان شبابنا يأتون بمعنويّات عالية من الأهواز هذه إلى مختلف المناطق، بما في ذلك هذه المنطقة، منطقة دارخوين. جاءت جماعة من الشباب المؤمنين المتديّنين - وأنا على معرفة ببعض شخوصهم - إلى قرية "محمدية" هذه القريبة من هنا، وحفروا خنادق فردية، وكانوا يخرجون في ظلام الليل من خنادقهم الفرديّة ويتقدّمون مئة متر أو مئتي متر إلى الأمام، ويحفرون هناك الخنادق ثانية، ويبقون في تلك الخنادق طول النهار تحت شمس خوزستان الحامية، ويتحمّلون الصعاب والشدائد، ويقتربون من العدو، إلى أن حان موعد العمليّة في شهر مهر من السنة التالية لهجوم العدو الذي حصل في آخر شهر
166
144
في زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان
شهريور 59 هـ.ش.(1980م)، في منطقة دارخوين هذه وكل هذه المناطق المحيطة بها بقوّات مقاتلة من الجيش والحرس الثوري والتعبئة وغيرها، وقد نالوا أجر تلك الشدائد وجزاء الصعوبات وأهدوه إلى الشعب الإيرانيّ. هذه ذكرياتٌ قيّمة، ويجب أن لا تسمحوا بنسيانها ومحوها من الخواطر.
أحداث خالدة وشخصيّات لن تُنسى
في كلّ واحدة من هذه المناطق وقعت أحداث، وكلّ واحد من هذه الأحداث لو وقع لبلد أو شعب لكان كافيًا لشموخ ذلك الشعب في التاريخ. فالأحداث التي وقعت في عمليّات بيت المقدس، أو ما حدث في عمليّات الفتح المبين، أو ما حدث بعد ذلك في عمليّات خيبر، كلّ ذرة من هذه العمليّات وهذه الشخصيّات التي أبدت هذه التضحيات وصنعت هذه الأحداث، يمكنها تسجيل مفاخر كبرى وخالدة ولا تُنسى لشعب إيران. يريد الأعداء أن ننسى، يريدون لقضيّة الدفاع المقدّس أن تُمحى من أذهاننا، وأن ننسى التضحيات، وأن لا نعرف الشخصيّات التي كان لها دور في هذه التضحيات، أو أن ننساها، هذا ما يريدونه. ويريد البعض تخطئة تلك الفترة وتخطئة أولئك النفر، وتخطئة ذلك الاتّجاه والمسار الذي رسمه الإمام الخمينيّ، الجليل الحكيم وعبد الله، الذي منّ عليه ربّه بالبصيرة، لأنّهم يعلمون أنّ كلّ ذرة وكل جزء من تلك الأحداث ممّا لا يقبل النسيان بالنسبة إلى الشعب الإيراني، وله تأثيرات بنّاءة كبيرة.
أعود وأقول للشعب الإيراني بأن يغتنم تحرّك "قوافل النور"1، وأتقدّم بالتقدير والشكر لكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء، الذين قدمتم من طرق بعيدة إلى هذه المنطقة وشكّلتم جزءًا من المجموعة العظيمة لتحرّك "قوافل النّور"، وأتمنّى أن
1 الترجمة الحرفيّة: "السائرون إلى النّور": هي تشكيل شعبي أو تجمّع حملات تطوّعيّة تحت عنوان "راهبان نور" تقوم بتنظيم قوافل ورحلات لزيارة المناطق الحربيّة والمحاور العسكريّة، التي كانت خلال الحرب المفروضة في ثمانينات القرن الماضي، وهي من الحملات الواسعة جدًّا الموجودة في كلّ إيران، في الجامعات، والمدارس، والمؤسّسات. يوجد كلّ سنة عدّة مواسم لهذه الزيارات أهمّها عند العطل الرسمية والمناسبات الرئيسة.
167
145
في زيارته لمنطقة عمليّات فكّ حصار عبادان في محافظة خوزستان
تكونوا جميعًا مأجورين، وأن تعودوا كلّكم من هذه المنطقة - إن شاء الله - بأيدٍ ممتلئة وزاد وفير وتجارب جمّة وبصيرة وأنوار إلهيّة معنويّة، حفظكم الله تعالى جميعًا.
اللّهم بمحمّد وآل محمّد احشر الأرواح الطيّبة لشهداء الحرب المفروضة الأبرار مع أوليائك. اللّهم خلّد ذكرى هؤلاء الأعزّاء والمضحّين في الخواطر وفي قلب تاريخنا. ربّنا اجعلنا نقف حتى النهاية بوجه الأعداء والعداء والخبث، بالروح والمعنويّات نفسها التي يرتضيها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أو أئمّة الهدى عليهم السلام. اللّهم انصر شعب إيران على أعدائه، واحشر الروح الطاهرة للإمام الخمينيّ الجليل مع أوليائه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
168
146
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة
المناسبـــة: ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام
الحضور: جمع من النساء النخبة في المجتمع
المكان: طهران
الزمان:
30/01/1393 هـ.ش.
19/06/1435هـ.ق.
19/04/2014م.
169
147
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية، أرحّب بالسيّدات، وأبارك الولادة السعيدة للسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وأسبوع المرأة، ويوم تكريم الأم. وكما تفضّلت السيدة بالقول، فإنّ اقتران هذه المناسبة الاجتماعيّة المهمّة للبلاد مع ولادة السيدة الزهراء عليها السلام - وخاصّة هذه السنة - يُعدّ فرصة للفهم ولأخذ الإرشاد من حياة تلك العظيمة.
الزهراء عليه السلام، مقامٌ معنويّ وتجلّي الخصال السامية
أوّلاً، إنّ المقامات المعنويّة لفاطمة الزهراء عليها السلام هي بين المقامات المعنويّة الأسمى لعددٍ محدودٍ من البشر. إنّها معصومة، العصمة هي ميزة خاصّة للمختارين الإلهيّين من بين البشر، وهذه العظيمة - فاطمة الزهراء عليها السلام - هي من جملة أولئك، وبالالتفات إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ هذه المرأة المسلمة المجاهدة في سبيل الله، كانت تبلغ العشرين من عمرها فقط - على اختلاف الروايات من الثامنة عشرة وحتى الخامسة والعشرين ، امرأة شابّة لديها هذه المرتبة المعنويّة العالية التي تضعها في الصف الأوّل بين الأولياء والأنبياء، بحيث سمّاها الرسل الإلهيّون "سيّدة نساء العالمين".
إضافة إلى هذا المقام المعنوي، فإنّ تجلّي خصال بارزة وأعمال مهمّة في الحياة الشخصيّة لهذه السيّدة العظيمة جعل كلّ واحد من هذه الأعمال والخصال درسًا وعبرة: تقواها وعفّتها وطهارتها وجهادها وتبعّلها وتربية أوّلاًدها، ووعيها السياسي وحضورها في الساحات الأهمّ لحياة الإنسان في تلك المدّة - سواء في مرحلة
171
148
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
طفولتها وصباها أم في مرحلة زواجها - كلّها دروسٌ وعبر، ليس فقط لكُنَّ أيّتها السيّدات، بل هي دروسٌ لكلّ البشريّة. بناءً على هذا، فإنّ هذا الاقتران هو فرصة، يجب علينا التمحيص في حياة فاطمة الزهراء، وجعل تلك الحياة نموذجًا وقدوة بكلّ معنى الكلمة، من خلال نظرة جديدة إليها.
المرأة في ظلّ النظام الإسلاميّ
وأمّا في ما يتعلّق بمسألة المرأة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وفي بلدنا ومجتمعنا، أذكر أوّلاً، أنّني غالبًا عندما ألتقي، في هذه المناسبة، مع سيّدات مسلمات ونساء مؤمنات ومتعلّمات - فإنّني أشكر الله من أعماق قلبي - حقًّا إنّها إحدى أكبر افتخارات النظام الإسلاميّ: إنّه في ظلّ النظام الإسلاميّ، لدينا كلّ هذه النساء الحكيمات والمتعلّمات، وذوات الفكر النيّر والمستوى العالي فكريًّا وعمليًّا في مجتمعنا، إنّها نعمة كبرى ومصدر افتخار.
اليوم، تحدّثت فقط هذه السيّدة المحترمة، ولكن كان لدينا لقاءات وجلسات متعدّدة، تحدّثت فيها سيّدات كُثُر، حين ألقت كلٌّ منهنّ كلمات، كانت تفتح من خلالها كوّة بنظرة متجدّدة، بفكر متجدّد للفكر الإنسانيّ.
إنّ تربية كلّ هؤلاء النّاس ذوي المستويات العالية والشخصيّات البارزة ذات الفكر الراقي، هي إحدى أكبر افتخارات النظام الإسلاميّ. واليوم، حين ننظر فنرى أنّ أسماء نسائنا تزيّن أغلفة الكتب المتنوّعة: الكتب العلميّة والبحثيّة والتاريخيّة والأدبيّة والسياسيّة والفنيّة، نلاحظ أنّ أفضل الكتابات والآثار المكتوبة للنظام الإسلاميّ اليوم - سواء المقالات أو الكتب - هي من تأليف سيّداتنا، وهذا مصدر افتخار حقًّا. الأمر الذي لا نظير له في كلّ تاريخنا، لقد شهدنا عهودًا ومراحل مختلفة، وكنّا على اطّلاعٍ على الجوّ الثقافيّ للبلاد، لم يسبق أن كان لدينا كلّ هذه الشخصيّات من النساء البارزات في المجالات المتنوّعة - سواء في المسائل الحوزويّة أم في المسائل الجامعيّة - وإضافة إلى هذا، كان البروز والظهور الناصع للهويّة والشخصيّة المستقلّة للمرأة الإيرانيّة، في ميادين الجهاد، ومنها ما ظهر في
172
149
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
الدفاع المقدّس وما تلاه حتّى أيّامنا هذه، كلّ زوجات الشهداء، زوجات الجرحى، أمّهات الشهداء، البقيّة الرائدة للذّين ضحّوا بأنفسهم في سبيل الله، ممّن تحلّوا بالإرادة المتينة والعزم الراسخ والصبر، فجعلوا كلّ إنسانٍ يخشع، فيخضع أمام تضحياتهم. في الحقيقة، إنّي- العبد لله - كلّما التقي هؤلاء النساء أشعر بالخضوع في محضرهنّ. إنّني أتواصل كثيرًا مع أمّهات الشهداء وزوجاتهم ومع زوجات الجرحى. هذه السيدّة المضحيّة التي تقضي سنوات عمرها لتدبير وتحسين حياة جريح قربة إلى الله، هذا ليس بالأمر البسيط، إنّ ذكر هذه المسائل سهلٌ على اللّسان، ولكن الواقع شيءٌ أرقى، تلك الأمّ التي قدَّمت اثنين أو ثلاثة أو أربعة من أبنائها في سبيل الله، وبقيت بعدهم صلبة ثابتة، وتدعونا نحن إلى الصمود والثبات! إنّ الإنسان ليشعر أمام كلّ هذه العظمة بالخشوع حقًّا. إنّ هذه حقائق واقع النساء في مجتمعنا وهي مهمّة وتبعث على الافتخار. حسنٌ، بحمد الله، إنّ هذا هو الجانب المنير والمتألّق لمسألة المرأة في البلاد.
قضيّة المرأة، حضورًا وهُويّة وسلوكًا
ولكنّ قضيّة المرأة في العالم اليوم، ومنها بلادنا، هي من القضايا التي لا تزال، ومن جهاتٍ متعدّدة، تستحقّ المتابعة والتأمّل والعمل والفكر.
أوّلاً، إنّ نصف عدد سكّان البلدان المختلفة هو من النساء، كيف يمكن الاستفادة بشكلٍ سليم من هذه الإمكانات والموارد العظيمة لما فيه مصلحة أيّ بلد، ومنها بلادنا؟
ثانيًا، إنّ مسألة الهويّة الجنسيّة هي إحدى أكثر مسائل الخلق حساسيّة ودقّة، فكيف يمكن جعلها في خدمة سموّ الإنسان وتعاليه، بدل أن تصبح في خدمة انحطاط البشر والتسافل الأخلاقيّ؟
ثالثًا، بسبب الفروقات الطبيعيّة بين جنس المرأة وجنس الرجل، كيف يمكن - سواء في المحيط الاجتماعي أم في داخل الأسرة - أن يؤسّس لسلوكٍ ويُصبح ملزِمًا بأن لا تتعرّض المرأة لأيّ ظلم؟ هذه مسائل بالغة الأهميّة. إنّنا إن وضعنا هذه المسائل
173
150
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
الثلاثة نصب أعيننا وجعلناها محورًا للتفكير والتأمّل والبحث والعمل، فسينتج عن ذلك مجموعة من الجهود والأعمال البحثيّة والمطالعات النظريّة والعمليّة. لا يتخيّلنّ أحد بأنّ ظلم النساء مسألة خاصّة بالمجتمعات المتخلّفة أو المجتمعات المتوحّشة مثلًا، كلّا، ففي المجتمعات التي يصطلح على تسميتها بالمتحضّرة - إن لم يكن ظلم النساء فيها أكثر - فإنّه بالتأكيد ليس أقلّ من المجتمعات الأخرى. حسنٌ، إنّها مسائل هامّة، ينبغي متابعتها والتصدّي لها وطرحها.
المرأة والأسرة، قضيّتان متداخلتان
لقد حوت كلمة السيّدة نقاطًا جيّدة، حيث إنّها ذكرت المسائل الأساسيّة التي تخطر في ذهن الإنسان حول هذه القضيّة. أشارت أنّنا سابقًا قلنا إنّ البلد يحتاج إلى مركز أو مجلس أعلى وما فوق السلطات الثلاث، يبحث في هذه المسألة الهامّة، ويعمل على حلِّ هذه القضايا، فهي من قضايانا الأساسيّة، مسألة المرأة ومسألة الأسرة، وبالطبع، فإنّ مسألة المرأة لا يمكن فصلها ولا تفكيكها عن مسألة الأسرة. وهذا ما سنشير إليه، إن أراد أحد أن يبحث في قضيّة المرأة منفصلة عن قضيّة الأسرة، فإنّه سيتعرّض لاختلالٍ في فهمها وكذلك في تشخيص العلاج والحلول المناسبة لها، يجب النظر في هاتَين المسألتين جنبًا إلى جنب على أنّهما مسألتان.
حسنٌ، هناك حاجة إلى هكذا مركز والذي لم يتمّ تشكيله حتّى الآن، لقد قلنا وطرحنا الموضوع سابقًا، وذكرنا بأنّنا لا نمتلك هكذا مركز مطالعات وعمل يتصدّى لإعداد استراتيجيّة صحيحة ومتعدّدة الأبعاد في مسألة المرأة، بحيث يلتفت إلى المواضيع التي طُرحت الآن وبعض المواضيع الأخرى، ويقوم بالبحث والمتابعة والتنفيذ، يجب أن يتمّ إيجاد هذا المركز، وبالطبع، فإنّ له مقتضيات ومتطلّبات كذلك.
شعارات الغربيّين الفارغة!
ما أقوله اليوم لكم عبارة عن نقطتَين أو ثلاثة: أوّلاً، إذا أردنا - سواء في هذا المركز الذي ذُكِر أم في أيّ مكانٍ أم جهازٍ آخر - أن نفكّر بشكلٍ صحيح حول
174
151
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
مسألة المرأة، وأن نتحرّك ولا نقع في الأخطاء، يجب علينا أوّلاً، أن نخلّي أذهاننا بشكلٍ كامل من الكلام والشعارات الفارغة التي أنتجها الغربيّون، حيث إنّ الغربيّين في قضيّة المرأة أساؤوا الفهم، وأساؤوا العمل، ثمّ طرحوا هذا الفهم الخاطئ، والعمل الخاطئ، المضلّ والمهلِك، الخاصّ بهم كعملة رائجة في العالم. وكلّ من ينطق بكلمة تخالف رأيهم، صاروا يهاجمونه بواسطة أجهزتهم الإعلاميّة الواسعة الانتشار ويعرّضونه لأشنع الحملات والتهويل، لا يُفسح الغربيّون المجال لأحد كي يتكلّم ويُظهر رأيه. إن كنتنّ تردن إيجاد استراتيجيّة صحيحة حول مسألة المرأة، ومتابعة هذه الاستراتيجيّة وإعداد برامجها التنفيذيّة ومستلزماتها، والتقدّم بها على المدى الطويل والوصول إلى النتيجة المطلوبة، فإنّ عليكنّ أن تخلّين أذهانكنّ من الأفكار الغربيّة حول المرأة. لا أقول أن نبقى دون اطّلاع ومعرفة، كلّا، نحن لسنا أنصار عدم الاطّلاع، إنّني مناصر للوعي والمعرفة، ولكن نرفض مرجعيّة تلك الأفكار بشكلٍ كامل. إنّ أفكار الغربيّين وآراءهم في مجال قضيّة المرأة لا يمكنها مطلَقًا أن تكون مصدرًا للسعادة، ولهداية المجتمع الإنسانيّ.
شعارات الغربيين اعتقادٌ ماديّ خاطئ
أوّلاً، إنّ أفكارهم قائمة على نظريّة معرفة ماديّة وغير إلهيّة، وهذا أمرٌ خاطئ وباطل. إنّ أيّ جهاز علميّ وفكريّ يُبنى على أساس معرفة ماديّة واعتقاد ماديّ، فإنّ نتيجته خطأ وغلط بالتأكيد. ينبغي أن يتمّ النظر إلى حقائق الخلق وفهمها ومتابعتها من خلال النظرة المعرفيّة الإلهيّة، والاعتقاد بوجود الله وقدرته، والحضور الإلهيّ والربوبيّة الإلهيّة. وعليه، فإنّ أساس وأصل وجذور الأفكار الغربيّة خاطئة كونها ماديّة.
شعارات الغربيين نظرة كسب وربح ماديّ
وثانيًا: إنّ في التوجّه الغربيّ إلى مسألة المرأة - كما يلاحظ الإنسان بوضوح في تاريخ الثورة الصناعيّة - تدخل نظرة التكسّب والربح الماديّ والاقتصاديّ، أي
175
152
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
إنّه في أوروبا التي لم يكن للمرأة فيها حقّ التملّك، وكلّ أملاكها كانت تصبح ملكًا للرجل وزوجها، ولم تكن تملك حتّى حقّ التصرّف في أملاكها الخاصّة، أو أنّه إلى الوقت الذي جرى فيه إقرار الديمقراطيّة في الغرب، لم يكن للمرأة حقّ المشاركة في الانتخابات، في هكذا عالم، فجأة يتمّ طرح مسألة الثورة الصناعيّة والمصانع، والحضور المؤثّر للمرأة العاملة في المصانع للعمل بأجرٍ أقلّ ولمصلحة الرأسماليّين! حينها فقط أقرّوا حقّ التملّك للمرأة، كي يتمكّنوا من جرّها إلى المصنع، فيعطونها أجرًا وحقوقًا أقلّ، وبالطبع، فإنّ نزولها إلى ميدان العمل والشغل كان له مستلزمات وتبعات ونتائج لا تزال تظهر تباعًا. بناءً عليه، إضافة إلى أنّ النظرة للمرأة هي نظرة غير إلهيّة ونظرة ماديّة، في الأساس، إنّ السياسات التي أوصلت أوروبا إلى الوضع الحالي وسادت في الغرب، ترافقت دومًا مع نظرة الكسب والربح الماديّ والاقتصاديّ.
شعارات الغربيين وسيلة لإخماد الشهوة
هناك بُعدٌ آخر يدفعنا إلى اجتناب النظرة الغربيّة هذه، هو أنّ المرأة في النظرة الغربيّة هي وسيلة لإخماد الشهوة، وهو أمرٌ لا يمكن إخفاؤه وإنكاره. إذا ادّعى أحدٌ هذا فمن الممكن أن يقوم أشخاصٌ بالاعتراض والتهويل عليه بأنّه كلّا، الأمر ليس كذلك أيّها السيّد!
ولكن عندما يشاهد الإنسان حياتهم، يدرك بوضوح أنّ هذه النظرة هي الحاكمة والسائدة.
في المحيط الاجتماعيّ كلّما كان لباس المرأة أقلّ كانت مرغوبة أكثر. إنّهم لا يتحدّثون هكذا عن الرجل، في الحفلات الرسميّة، ينبغي عندهم أن يحضر الرجل باللّباس الكامل، بربطة عنق وبنطال ولباس رسميّ أحيانًا، ولكنّ النساء عليهنّ أن يظهرن بشكلٍ آخر في هذه اللّقاءات الرسميّة، وهذا الأمر لا يوجد له أيّ فلسفة وحكمة أخرى غير تمتّع العيون المهووسة والخليعة للرجال، الوضع اليوم، هكذا في عالم الغرب، وعمليًّا، فإنّ أكبر ظلم تتعرّض له المرأة اليوم في العالم الغربي هو من هذا القبيل.
176
153
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
"كارتر" طلب التحرّك
أنا لستُ من هواة اقتطاع المطالب من الصحف، ولكن بالأمس أو أمس الأوّل، رأيتُ مطلبًا في صحيفة، وكان بالغ الأهميّة، فأحضرته كي أقرأه لكُنَّ هنا. فقد صدر كتاب للرئيس الأميركي السابق "جيمي كارتر" بعنوان: "طلبٌ بالتحرّك"، تعرّض فيه لموضوع انتهاك حقوق البشر والاعتداءات الوحشيّة ضدّ النساء. يقول جيمي كارتر في هذا الكتاب: "في كلّ عام، يتمّ شراء مئة ألف فتاة تمامًا كالإماء والرقيق! في أميركا يستطيع صاحب "بيتٍ للدعارة" أن يشتري فتاة - تكون عادة من أميركا اللّاتينيّة وإفريقيا - بمبلغ ألف دولار"!، كذلك يشير الكاتب إلى الاعتداءات الجنسيّة التي تحصل في أجواء الجامعات والكليّات، حيث يتمّ إثبات حالة واحدة فقط من كلّ خمسة وعشرين حالة اعتداء. كذلك يذكر "كارتر" بأنّه: "في الجيش الأميركي يتمّ محاكمة واحد في المئة فقط من المعتدين جنسيًّا".
- تدمع عين الإنسان عند قراءة هذه الوقائع -! أنتنّ تشاهدن في الصحف الكثير من هذه المعلومات، وأنا كذلك، ولكنّي لا أستند إليها، ولكن حسنٌ، إنّها وقائع وحقائق و"جيمي كارتر" بالنهاية هو شخصيّة معروفة وهذا كتابه. ما هذا الوضع الرائج في العالم؟ ما هذا التكريم للمرأة؟ يَكتبُ روائيّ غربيّ مشهور رواية كي يدلّ على أنّ الدعارة هي عملٌ شريف! وقد تمّ ترجمة روايته هذه إلى اللّغة الفارسيّة. ويشير فيها، بالطبع، كيف أنّ سماسرة الجنس يأتون من أميركا اللّاتينيّة، ويغرون الفتيات بالوعد والوعيد، ويأخذوهنّ ويبيعوهنّ إلى هذه النوادي، هذه الرواية عن أوروبا وليست عن أميركا. ويتمّ في هذا الكتاب إظهار الدعارة بأنّها مهنة شريفة، هذه هي ثقافة الغرب بالنسبة إلى المرأة. وهذا هو الاحترام الذي يكنّونه للمرأة هناك.
المساواة والعدالة في حقوق المرأة
إذا أردنا أن تكون نظرتنا إلى قضيّة المرأة، نظرة سليمة ومنطقيّة ودقيقة، فإنّ الشرط الأوّل أن نخلّي أذهاننا بالكامل من تلك الأفكار التي يطلقها الغرب حول المرأة - حول عمل المرأة والإدارة والمساواة الجنسيّة. من أكبر أخطاء التفكير الغربيّ في مسألة المرأة هو عنوان "المساواة الجنسيّة" هذا. العدالة هي الحقّ،
177
154
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
المساواة تكون أحيانًا حقًّا وأحيانًا باطلًا، لماذا ينبغي أن نسحب الإنسان الذي خُلق وأٌعِدَّ من ناحية طبيعية - سواء في البُعد الجسديّ أو العاطفيّ - من منطقة خاصّة من حياة البشر ونفصله عنها، ونقوم بجرّه إلى منطقة أخرى خلقها الله تعالى بميّزاتٍ خاصّة وتركيبٍ آخر؟! لماذا؟ أيُّ منطقٍ عقلائيّ في هذا الأمر؟ أيُّ شفقة وتعاطفٍ هذا؟ لماذا ينبغي أن يوكَل عمل الرجل إلى المرأة؟ أيّ افتخارٍ للمرأة أن تقوم بعمل الرجال؟ إنّني آسف، لأنّ السيّدات والنساء أنفسهنّ، يُظهرن أحيانًا حساسيّة تجاه هذه المسـألة، ويقلن: ما الفرق بيننا وبين الرجال؟
أساس نظرة الإسلام إلى المرأة والرجل
حسنٌ، نعم، في كثيرٍ من المسائل لا يوجد أيّ فرقٍ. نظرة الإسلام إلى المرأة والرجل هي نظرة إلى الإنسان، في مسألة الإنسانيّة وسير وسلوك المقامات المعنويّة، والإمكانات والاستعدادات الوافرة فكريًّا ومعنويًّا وعلميًّا لا يوجد أيّ فرق، ولكن القوالب جُعلت في قالبَين: قالبٌ لعملٍ خاصّ ونوعٍ من العمل، وقالبٌ آخر لعملٍ آخر مختلف، وبالطبع، فإنّ هناك أعمالًا مشتركة أيضًا. هل نحن نقدّم خدمة حين نُخرج أحد القالبَين من منطقته الخاصّة، ونأخذه إلى منطقة القالب الآخر؟ هذا هو العمل الذي يقوم به الغربيّون. إنّ الكثير من المعاهدات الدوليّة والعالميّة تهدف إلى هذه المسائل. ولقد خرَّبوا الحياة البشريّة بناءً على هذا الفكر الخاطئ، خرَّبوا أنفسهم ومن ثمّ يريدون أن يخرّبوا حياة الآخرين.
منهجية البحث عن حقوق المرأة
أنتنّ أيّتها السيّدات، وبحمد الله، عالماتٌ فاضلات وشخصيّات بارزة، وإنّني أكنّ لكنّ الاحترام وأستفيد كلّما عُقدت جلسات ولقاءات تحدّثت فيها السيّدات. ففي هذا المكان الذي نجلس فيه الآن، أُقيمت جلسة للأفكار الاستراتيجيّة حول المرأة والأسرة، عددٌ من السيّدات شاركنَ وألقَين كلمات - بدون مجامَلة - وفي الحقيقة لقد استفدتُ من كلامهنّ، ومن تلك المطالب التي ذكرنها، برأيي إن أردتنّ أن تقمن بعملٍ فكريّ بنيويّ لمسألة المرأة، ومشاكل المرأة، وما يعانيه مجتمع النساء في
178
155
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
كلّ مكان - ومن جملته في بلادنا - فإنّ الشرط الأوّل هو: أن تخلّصن أنفسكنّ وأذهانكنّ من الأفكار الغربيّة، والتي هي أفكارٌ شعاراتيّة خاطئة ومتحجّرة، وتدّعي الحداثة، ظاهره حديث وباطنه متحجّر، ظاهره عطوفٌ وباطنه السوء والخيانة، إنّ عليكنّ التفكير بشكلٍ مستقلّ عن الأفكار الغربيّة.
ارجعن للنصوص الإسلاميّة الأصيلة
والأمر الثاني اللّازم هو: أن تراجعن النصوص الإسلاميّة. اتّخذن - في الحقيقة - من القرآن والسُنّة والحديث والدعاء، والمتون الإسلاميّة، ومن كلمات الأئمّة عليهم السلام وسلوكهم، تلك الأصول والأُسس الأصليّة. إنّه وحي! والوحي من الله، الله هو خالقي وخالقكنّ. أنا لا أقول: بأن يقبل الإنسان بكلّ ما يجري على الألسنة والأفواه باسم الدين، كلّا، بل ينبغي الاستفادة من الدين الصحيح نفسه المستنبط بالأسلوب الصحيح، ومن قبل أهل هذا العمل واللّائقين لذلك، في الواقع يجب الاستفادة من كتاب الله ومن سُنّة الرسول وسيرة الأئمّة المعصومين عليهم السلام وكلماتهم، كي نصل إلى الاستراتيجيّة التي علينا اتّباعها في مجال مسائل النساء، ونحدّد الخطوط العامّة والأساسيّة من تلك المصادر.
البحث والإحصاء في قضايا النساء
برأيي، أنّ هذين هما العملان الأساسيّان، يوجد عملٌ ثالث أيضًا وهو أن نتصدّى لإحصاء المسائل الأساسيّة للنساء، ونتناول المسائل الأصليّة في الحقيقة، وليس مسائل الدرجة الثانية. إنّ التصدّي لمسألة الأسرة وخاصّة مسألة سلامة وأمن وهدوء وتكريم المرأة في جوّ الأسرة، هو من المسائل الأساسيّة. لدينا عدّة مسائل أساسيّة وهذه واحدة منها.
انظروا وابحثوا، لتعرفوا ما هي عوامل وأسباب سلب الهدوء والسكينة الروحيّة للمرأة في الأسرة؟ واسعوا على أساسها من خلال القانون والأساليب التبليغية والإعلاميّة، وبالوسائل والأدوات المتنوّعة، كي تزيلوا هذه الأسباب والعوامل. هذا هو أساس القضيّة.
179
156
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
المرأة هي مصدر الهدوء في البيت، مصدر هدوءٍ للرجل وللأبناء، صبيانًا وبنات، إن لم تتمتّع المرأة بهدوءٍ نفسيّ ومعنويّ، لا يمكنها أن توفّر هذا الهدوء للأسرة. وإنّ المرأة التي تتعرّض للإهانة والتحقير وتتعرّض لضغوط العمل، لا يمكنها أن تكون ربّة منزل ومدير للأسرة، في حين أنّ المرأة (أساسًا) هي مديرة الأسرة، هذه مسألة أساسيّة. وهي إحدى أكثر المسائل الأساسيّة (التي أشرتُ إليها)، والتي لم يتمّ الاهتمام بها كما يجب في محيط حياتنا - سواء في الأجواء القديمة أو في أجوائنا الجديدة - ويجب الالتفات والاهتمام بها.
المرأة ريحانة!
إنّ التصوّر بأنّ المرأة في البيت موجود من الدرجة الثانية، وهو مكلَّفٌ بخدمة الآخرين، هو تصوّر رائج بين الكثير منّا - البعض يقولونه علنًا، والبعض يستحي ولا يقوله ولكنّه يضمره في قلبه - هذا التصوّر هو تمامًا في النقطة المقابلة والمخالفة لما بيّنه الإسلام. لطالما كرّرت هذا الحديث المعروف بأنّ: "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"1، القهرمان في التعابير العربيّة الرائجة هو الموظّف العامل، كما يُقال مثلًا: "أَمَرَ قهرمانه بكذا" أي إنّ فلان صاحب ملك وأملاك كثيرة يأمر عامله المكلّف بمتابعة أمور الأملاك بكذا وكذا. لهذا العامل يُقال "قهرمان"، ويشير الحديث إلى أنّه لا تظنّن أنّ المرأة هي عامل لديك في المنزل عليه القيام بأعمال المنزل، الأمر ليس كذلك. حسنٌ، أنظرن، هذا بحدّ ذاته فصل يفتح من عدّة فصول: مسألة احترام عمل المرأة داخل المنزل وعدم إجبارها عليه، قابليّة شراء هذا العمل أي دفع المال مقابله، هذا هو، وهذه أشياء موجودة في الإسلام وفي الفقه الإسلاميّ، كما أشارت السيّدة في كلامها، الحقّ أنّ فقهنا فقه راقٍ (متقدّم) وممتاز. هناك أشياء يأخذ البعض بقسمٍ منها، وأشياء يتمّ نسيانها وتناسيها، وأشياء يتمّ قلبها من هذه الجهة إلى تلك، لأجل الانسجام مع الأفكار الغربيّة الفارغة والتهويليّة، ونحن شاهدنا أيضًا.
1 السيد الرضي، نهج البلاغة، الرسالة 31.
180
157
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
مجاراة الغربيين
يقوم البعض بتبديل وتغيير بعض حقائق وواضحات الأحكام الإسلاميّة كي لا ينزعج الغربيّون! يقول القرآن: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾1. لا ينبغي اتّباع الفكر الرائج في عالم الجهل والخرافة، بل يجب الوصول إلى الفكر الإسلاميّ واتّباعه والسير خلفه، حتى لو انزعج البعض وقالوا ما قالوا. هذه مسألة أيضًا.
بناءً على هذا، ينبغي إيجاد المسائل الأساسيّة، هي مسألة المنزل والأسرة: أمن المرأة في جو الأسرة، فرصة المرأة لظهور استعداداتها في محيط الأسرة وتدبير المنزل، فلا يكون هناك ما يمنعها من الدرس والمطالعة والوعي والفهم والكتابة - لمن هنّ من أهل هذه الأمور - يجب توفير الميدان لهذه الأعمال، هذا هو أساس القضيّة.
مسألة عمل النساء ليست من المسائل الأساسيّة، وبالتأكيد نحن لا نخالف عمل المرأة، أنا العبد لله، لا أعارض عمل النساء ولا إدارتهنّ، طالما لم تتعارض وتتنافَ مع تلك المسائل الأصليّة، إذا تعارضت فالمسائل الأساسيّة مقدّمة.
عمل المرأة
من الأعمال التي يجب أن تتمّ في هذا المجال الثالث الذي أشرت له بأن يتمّ النظر لملاحظة أي أعمال ومهن تتناسب مع هذه الخصوصيّات (للمرأة). بعض المهن لا تتناسب مع تركيب المرأة، حسن، لا ينبغي للنساء أن يسعين خلفها.
من الأعمال اللّازمة في هذا المجال أن لا يُفرض على المرأة تلك الإختصاصات التي تنتهي عمليًّا بتلك المهن (التي لا تتناسب مع المرأة). بحث الجامعة والإختصاصات وما شابه والتي يثير البعض الضوضاء، ويفتعل الأزمات حولها بأنّ هناك تمييزًا (بين الشباب والفتيات). مثل هذا التمييز ليس سيّئًا دائمًا، فالتمييز
1 سورة الأنعام، الآية 116.
181
158
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
عندما يخالف العدالة يكون سيّئًا ومرفوضًا. ولكن افرضوا مثلًا، حين يكون هناك فريق كرة قدم، فيُجعل أحد اللّاعبين مهاجمًا والآخر مدافعًا والثالث حارس مرمى، حسن، إنّ هذا تمييز أيضًا. ولو وُضع المدافع مكان المهاجم، فإنّ الفريق سيخسر المباراة. إذا وُضع المهاجم مكان حارس المرمى وهو لا يتقن هذه المهمّة، فالفريق حينها سيخسر. هذا تمييز، ولكن هذا التمييز هو عين العدالة.
يوضع أحدهم هنا، والآخر هناك وكلٌّ في مكانه. فلنرَ والحال هذه وبالتوجّه إلى الأهداف العليا، ما هي الدروس والتخصّصات المناسبة للسيّدات، ولنقدّم لهنّ هذه الدروس والتخصّصات، ولا نجبرهنّ هكذا: ولأنّكنّ اشتركتنّ في الامتحانات الرسميّة بهذا الشكل وحصلتنّ على هذه العلامات يجب عليكنّ حتمًا أن تدرسن الاختصاص الفلانيّ، بينما هذا الاختصاص لا يتناسب مع طبيعة المرأة الأنثويّة، وكذلك لا ينسجم مع أهدافها العليا، ولا المهنة التي يفرضها هذا التخصّص تتناسب معها. برأيي، إنّ هذه الأمور يجب أن تراعى في مجال عمل المرأة.
وخلاصة القول، علينا أن لا نعتبر أنّ عدم قيام المرأة بجميع المهن التي يقوم بها الرجل عيبًا أو نقصًا، كلّا، الأمر السيّئ هو الذي لا يتناسب مع الطبيعة الإلهيّة. هذا مجمل الكلام. وكنت قد دوّنت ملاحظات أخرى، ولكن أعتقد أنّ هذا المقدار كافٍ.
حلّ مشكلات المرأة بيد المرأة نفسها
إنّ مسألة المرأة مسألة مهمّة، وأفضل من يستطيع أن يتابع هذه المسألة ويحلّها هم السيّدات أنفسهنّ. ونحن لا نعاني نقصًا أبدًا في تعداد السيّدات المتعلّمات والمثّقفات وذوات الفكر النيّر والاستعداد، وذوات البيان الحسن والقلم المعبّر والحسّ المبادر، بحمد الله، هنّ اليوم كثيرات جدًّا في بلدنا. وكما ذكرت لم يكن لدينا أبدًا وفي أي مرحلة من تاريخ بلدنا كلّ هذه النسبة من النساء المتعلّمات والحكيمات، والشخصيّات البارزة، والشاعرات والباحثات والمحقّقات في الفروع المختلفة. لحسن الحظّ، هنّ كثيرات اليوم ببركة النظام الإسلاميّ، وبركة الإسلام، وبركة الجمهوريّة الإسلاميّة وببركة تلك النظرة الواضحة المنيرة التي تحلّى بها الإمام
182
159
في لقاء مجموعة من النساء النخبة
بالنسبة إلى قضيّة المرأة. وقد أشارت السيّدة1 إلى هذا، لم نمتلك هكذا وضع أبدًا في السابق في بلدنا.
يجب علينا، أن نشكر الله ونحمده على توفيقاته، ونسأله المزيد من هذا التوفيق، ونشكره على هذا التوفيق - الشكر لله هو ما ذكرته في طيّات كلامي - النظر إلى الإرشادات الإلهيّة وترك النظر إلى التعاليم الماديّة التي يحملها ويروّج لها الغربيّون والأميركيون حاليًّا، وبالمناسبة، فإنّهم وقحون جدًّا - وكأنّ لهم دَينًا على الآخرين يطلبونه - وفارغون جدًّا أيضًا! وإذا خالف أحدٌ أفكارهم وكلامهم، فإنّهم يهاجمونه إعلاميًّا، ولكن ينبغي عدم الاعتناء بهم، يجب أن تتقدّمن، بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 السيدة مولاوردي.
183
160
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
المناسبـــة: ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام
الحضور: جمع من الشعراء والمداحين
المكان: طهران
الزمان:
31/01/1393 هـ.ش.
20/06/1435 هـ.ق.
20/04/2014 م.
185
161
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لكم أيّها الأخوة والأخوات الأعزَّاء - بلابل (مدّاحي) وشعراء غزل محبّة أهل البيت عليهم السلام وآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - ذكرى مولد السيّدة الطاهرة والمعصومة عليها السلام، وولادة قائد الثورة العظيم.
الحمد لله على هذه الولادات، السِيَر وذكر الاستشهاد التي هي من النِعَم الكبيرة التي مَنَّ الله بها علينا، وهي مصدر إلهامٍ متواترٍ متتابعٍ لمجتمعنا الإسلاميّ والشيعيّ.
ذكرى ولادة أمير المؤمنين عليه السلام، وولادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وولادة الإمام الحسن عليه السلام، وولادة الإمام الحسين عليه السلام، وولادة السيدة الزهراء عليها السلام، ذكرى هؤلاء النجوم الساطعة وأعلام هداية البشر، تحيا في القلوب، وهذه فرصة يجب اغتنامها. كما نحمد الله، على هذه الاجتماعات التي تعقد منذ سنوات طوال، ببركة الأنوار الفاطميّة عليها السلام: فهي تثرينا وتثري أعمالنا وحياتنا، بل جميع أنحاء بلادنا1.
الأبعاد المعنوية للشخصيات السماوية
بالتأكيد، لن يقدر عقلٌ بشريّ محدود، حساب وقياس أبعاد شخصيّات سماويّة وعُلويّة كشخصيّة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. هذا ما ورد في أشعار الأصدقاء، فالعقل عاجزٌ عن تقييم وتقدير وقياس الأبعاد المعنويّة، لكن يمكن اتّخاذ السلوكيّات نموذجًا يُحتذى به. المقامات المعنويّة أمر، والسلوكيّات الماثلة للعيان أمرٌ آخر. هذا لا يعني أنّنا قادرون على استنساخ تلك السلوكيّات لأنفسنا، ليس الأمر كذلك، بل يمكن أن نستمرّ في المحاولة للوصول إلى ذلك. فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام:
1 بدأ عقد هذه الاجتماعات منذ عام 1984م.
187
162
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
"ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد وعفّة وسداد"1، بعد أن بيّن أسلوب حياته في ذلك المقام السامي، ومع كلّ تلك الإمكانات وعيشه بكلّ زهد، قال: لن تقدروا أن تحيوا مثلي، لكن يمكنكم أن تعينوني عليه، كيف؟ "بورع"، بورعكم، باجتناب المعاصي بالاجتهاد والسعي والجهد. هذا واجبي وواجبكم.
بناء المجتمع الإسلاميّ
لقد وضعوا لنا الأهداف، ورسموا الأهداف الفرديّة والشخصيّة، وأيضًا الأهداف الاجتماعيّة والسياسيّة والعامّة. في مجال الأهداف الشخصيّة، فإنّ الوصول إلى أوج مقام الكرامة الإنسانيّة يبقى هدفنا الأسمى. وقد قُدّمت الكثير من الوعود، كي نتمكّن من التحليق عاليًا والذهاب إلى أبعد الحدود في هذا الأمر. قدراتكم أنتم الشباب أكثر بكثير من قدراتنا، هذا بالنسبة إلى الأهداف الشخصيّة.
الأهداف الاجتماعيّة الكبيرة، إيجاد حياة طيبة إسلاميّة، ومجتمع إسلاميّ، مجتمع يُسنح فيه لأفراده الفرصة للوصول إلى تلك الأهداف: مجتمع عامر، مجتمع حرّ، مستقلّ، مجتمع يتمتّع بالأخلاق السامية، مجتمع متّحد مترابط، مجتمع تقي زاهد. هذه هي أهداف المجتمع الإسلاميّ: (إيجاد) الدنيا التي هي دار عبور للآخرة، الدنيا التي لا بدّ أن ترسل الإنسان إلى الجنّة، من الأهداف الاجتماعيّة والسياسيّة المهمّة للإسلام.
لقد رسموا خطوطها أمامنا. كيف السبيل إليها؟ وكيف نُحقّق أهدافها؟ كما قال عليه السلام: "أعينوني"، القول لأمير المؤمنين: ساعدوني، يعني أنّ كلّ ما سعى وجهد إليه أمير المؤمنين في حياته، قد أنفقه في سبيل هذا الهدف، وهو الوصول إلى هكذا دنيا بشريّة على مرّ التاريخ. ساعدوني (أعينوني) على تحقيق هذا الهدف. كيف؟ "بالورع" و"الاجتهاد"، بالسعي والجدّ، فالكسل ممنوع، البطالة ممنوعة، التعب ممنوع واليأس أيضًا ممنوع. عندما تتحقّق هذه الحركة العظيمة، تكونون قد
1 السيد الرضي، نهج البلاغة، الرسالة رقم 45.
188
163
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
أسعدتم قلب السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام المبارك وقلب أمير المؤمنين، لأنّهما سعيا كلّ هذا السعي، وجاهدا كلّ هذا الجهاد، في سبيل تحقّق ذلك الهدف.
في ظلّ الجمهوريّة الإسلاميّة، الفرصة متاحة
أعزّائي، أيّها الشباب الأعزّاء، هذه الفرصة متاحة اليوم للشعب الإيرانيّ، ولم تكن كذلك بالأمس، كانت صعبة بالأمس. هذه الفرصة متاحة اليوم، وفي عهد الجمهوريّة الإسلاميّة لجميع أفراد المجتمع، ليتحرّكوا بالنحو الصحيح، وليحيوا الحياة الصالحة، وليعيشوا بإيمانٍ وعِفَّة، لا يعني هذا أنّ طريق المعاصي قد أُقفل! لا! فطريق المعاصي سالك على الدوام، إنّما طريق الحياة السليمة والمؤمنة والعفيفة سالك في ظلّ الإسلام. بالطبع، إنّ لهذا النوع من الحياة ملذّاته الخاصّة، ومصاعبه الخاصّة أيضًا. ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾1. وُجد دائمًا خطّ الأعداء في مواجهة خطّ الأنبياء، مَن هم هؤلاء الأعداء؟ إنّهم شياطين الإنس وشياطين الجنّ. يوجد في مواجهة الصفّ الطويل والعريض للشياطين، صفّ المؤمنين الصلب والمنيع. لقد امتحَن الشعب الإيرانيّ هذا الأمر، واتّضح أنّه قادرٌ على الانتصار على عدوّه. وما زال الشعب الإيرانيّ، بحمد الله، متقدَّمًا في هذا الطريق. علينا أن نسعى. درس حياة الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام لنا هو: السعي والاجتهاد والجدّ والحياة بعفّة. كما كانت حياة تلك العظيمة، كلّها معنويّة، نورٌ وصفاء: "الطهرة الطاهرة المطهّرة التقيّة النقيّة (الرضيّة) الزكيّة"2. لقد أَرْخت تلك الطهارة والنقاء والتقوى والنورانيّة بظلالها، على معارفنا طوال تاريخ التشيّع.
1 سورة الأنعام، الآية 112.
2 ابن قولويه، كامل الزيارات, تحقيق عبد الحسين الأميني، نشر دار المرتضوية، النجف، الطبعة الأولى، 1397هـ، ص 310.
189
164
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
مسؤوليّة المدّاحين
ما أطرحه في هذا الاجتماع، والأهمّ من المواضيع الأخرى، متعلّق بالمسؤوليّة الكبرى التي تقع على عاتق مجموعة المدّاحين اليوم. الأخوة الأعزَّاء! إنّ سُنّة المدح، وأسلوب المدح والثناء على آل الرسول، هو افتخارٌ كبير، قد راج في مجتمعنا، والحمد لله، وتجذَّر، لقد كان من قبل، لكنّه كان محدودًا، أمّا اليوم فقد مُدَّت هذه المائدة وفُتِح الباب على مصراعيه. ينشط اليوم العديد في هذا الحقل، بل الآلاف، في جميع أنحاء البلاد، متوسّلين بالذوق والفنّ وجميع أساليب البيان وأقسامه. كلّ فرصة محفوفة بالمسؤوليّة. عندما لا تقدرون على التخاطب، تتحدّد مسؤوليّتكم، بينما، عندما تستطيعون مخاطبة الجماهير، تتوسّع مسؤوليّتكم.
أنتم القادرون على مخاطبة النّاس، بالفنّ والشعر، بالصوت واللّحن، تستطيعون التواصل مع النّاس، هذا يستدعي المسؤوليّة. إنّ امتلاك كلّ هذه الفرَص والإمكانات، بحدّ ذاته مسؤوليّة، وهي مسؤوليّة عليكم تأديتها على أكمل وجه. إذا استطاع مدّاحو البلاد اللّائقون لهذه المرتبة وهذا المقام، من القيام بمسؤوليّتهم، فسينتج عن ذلك تغيّر (تحوّل) في البلاد.
أهمية الشعر
لقد كرّرتُ هذا مرارًا: يكون لقطعة شعريّة تقرؤونها في مجلسٍ ما - بشكلٍ جيّد، عميقة المعنى، جميلة المضمون وتعليميّة - من الأثر ما يعادل أحيانًا أكثر من ساعة أو ساعتَين، أو حتّى ثلاث ساعات من الخطابة. هكذا الحال في بعض الأحيان. حسنًا، هذه فرصة جيّدة جدًّا. إذا تمكّن هؤلاء الآلاف من المدّاحين والشعراء الدينيين في جميع أنحاء البلاد، من مخاطبة جماهيرهم والقراءة لهم في المجالس والمحافل، مع مراعاة حدود وضوابط هذا العمل، فلتنظروا إلى ما ستؤول إليه النتائج! إنّ أعداءنا يستخدمون مئات الوسائل، مئات اللّغات ومعظم أنواع وأقسام الأعمال، في سبيل تخريب الاعتقاد، وتخريب الأعمال وتخريب مسير الجمهوريّة الإسلاميّة
190
165
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
بالدرجة الأولى، والعالم الإسلاميّ بالدرجة الثانية. يرى الكثير من أفراد المجتمع ويدرك ويعرف ما يقوم به الأعداء من (خلال) القنوات التلفزيونيّة والإذاعيّة إلى أنواع وأشكال الأعمال ووسائل التواصل الحديثة الإلكترونيّة وغير الإلكترونيّة، وهناك أمور نطّلع عليها نحن بشكلٍ أكبر، فأفراد الشعب لا يعلمون أيّ أعمالٍ معقّدة تجري في البلاد، في سبيل حرف أفكار عامّة الشعب، في سبيل حرف مسير حركة هذا الشعب، من أجل تركيع الإسلام، كي لا ينتشر نموذج التشيّع ومعارف الشّيعة في عالم الإسلام، تجري الكثير من الأمور.
إمكانات حصرية في مواجهة مساعي الأعداء
أجل، يمكن مواجهتهم عبر الإنترنت، وعبر الطرق المشابهة لطرقهم. بالطبع، فإنّ حجم أعمالهم أكبر بكثير، لكنّنا نمتلك وسائل خاصّة حصريّة، إحداها أنتم، جماعة المدّاحين. هذا التواصل والتخاطب وجهًا لوجه، وبالإفادة من الأدوات الفنيّة لنقل المفاهيم إلى الجمهور، وبأعداد كبيرة، نحن لا نتحدّث هنا عن مدّاحَيّن أو ثلاثة أو عشرة! بل الآلاف المنتشرين في أنحاء البلاد. نحن نملك وسائل حصريّة لا يملكونها هم. هذه المنابر من الوسائل الحصريّة، مجالس التعزية والهيئات الدينيّة كذلك. إذا كان لمنابرنا، ومدائحنا، وهيئاتنا، ولطميّاتنا مضمون لائق، فلن تستطيع أيّ وسيلة أخرى مواجهتها، أي إنّها حصريّة بالكامل. هذه هي الفرصة، ولا يجب الاستهتار بها أو إضاعتها. الأسوأ من إضاعة هذه الفرصة هو استغلالها في طريق السوء، إذا كانت نتيجة الاجتماعات الدينيّة والشعريّة والمدحيّة أو حتّى الخطابية هي هذه، فسيصدر منها عدم الثقة بالمستقبل واليأس منه، ونكون قد أضعنا هذه الفرصة وكفرنا بهذه النعمة. إذا خرج النّاس من المجالس والاجتماعات المدحيّة، دون اكتساب أيّ وعيٍ بالنسبة إلى أحوالهم وواجباتهم، نكون قد أهدرنا هذه الفرصة. إذا كانت جلساتنا، لا
191
166
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
سمح الله، جلسات كسر (فضّ) الوحدة1، فستضيع هذه الفرصة. إذا كان لحن كلامنا أو مضمونه بنحوٍ، يمكّن الأعداء من تحقيق أهدافهم، فسنكون ممّن يبدّلون نعمة الله، ﴿بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا﴾2، بدّلناها إلى نقمة. علينا أن نكون حذرين ومنتبهين.
الخلافات بين المسلمين، ورقةٌ بيد الأعداء
كرّرت أكثر من مرّة وهذا أمرٌ جليّ كضوء النهار للأشخاص الواعين المطّلعين على أوضاع العالم والعالم الإسلاميّ، إنّ النزاعات الطائفيّة بين المسلمين، ما هي إلّا ورقة بيد الأعداء: وما هي إلّا سيف بيد الأعداء: ظهور الخلافات للعلن والإفصاح عنها، النطق بكلام من شأنه تأجيج الضغائن من الأمور التي يستغلّها أعداؤنا أسوأ استغلال. إذا تصرّفنا بشكل يخدم تحقيق أهداف الأعداء، نكون ممن: ﴿بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا﴾، علينا أن لا نؤجّج الأحقاد الطائفيّة في جلساتنا، كم مرة علينا أن نكرّر هذا الكلام؟ لقد كرّرنا هذا كثيرًا. بعضهم غير مستعدّ للاستماع والاستجابة، ماذا عليكم أن تفعلوا كي تهدوا شخصًا معارضاً لطائفتكم رافضاً لعقيدتكم؟ هل تبدؤون بالإساءة إلى مقدّساته ومعاداته؟ سيؤدي هذا التصرّف إلى نفوره منكم بشكلٍ كامل، كما أنّ الأمل بهدايته سيصل إلى الصفر. هذا ليس السبيل لتحقيق ذلك. ترون كيف أنّ التشيّع يتعرّض للهجوم اليوم، وحتى الأشخاص الذين لم يسمعوا إلى اليوم باسم الشّيعة والسنّة - من المستكبرين - تراهم في إعلامهم الرسمي يؤكّدون على قضيّة أنّ إيران شيعيّة، الشّيعة في العراق، الشّيعة في البلد الفلاني! يؤكّدون دائمًا على موضوع الشّيعة والسنّة، لماذا؟ ذلك أنّهم وجدوا الوسيلة المثلى لإيجاد النزاع (المناحرة) بين المسلمين. أجل نحن نفتخر أنّنا شيعة علويّون، ونفتخر أنّنا وجدنا السبيل لمعرفة مقام الولاية، لقد رفع إمامنا العظيم لواء ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، لكنّه كان وسيلة للعالم الإسلاميّ - شيعة
1 أي، مثيرة للاختلافات والنفاق.
2 سورة إبراهيم، الآية 28.
192
167
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
وغير شيعة - ليشعروا بالفخر، وليفتخروا بإسلامهم. فهل نقوم نحن اليوم بعمل يؤدّي إلى تبديل هذا الشعور بالفخر، ومحبّة العالم الإسلاميّ للشيعة، إلى عدائيّة وكرهًا وأحقادًا؟! هذا ما يرمي إليه الأعداء، وواجبنا أن لا نسمح بذلك. هذا أمرٌ في غاية الأهميّة، ويجب الحذر الشديد تجاهه.
عليكم أن تنتبّهوا لذلك أكثر من غيركم. فلا تقوموا بشيء يؤدّي إلى تحقيق غايات الأعداء، وإلى شحذ سيفهم. هذا ما أوصى به كبارنا، وعلماؤنا، ومراجعنا والشخصيّات البارزة في عالمنا الإسلاميّ. هذه النقطة الأولى وهي نقطة أساسيّة.
ضوابط إحياء المراسم الدينية
النقطة الثانية: احذروا خلال إقامة المراسم الدينيّة من القيام بأيّ عملٍ من شأنه الإخلال بالضوابط الشرعيّة. إنّ أجواء المدائح والأناشيد الدينيّة، طاهرة ونزيهة، فلا تسمحوا بنفوذ ملوّثات عالم الفنّ الرائجة بين الناس الذين لا يعرفون أيّ ضوابط وأيّ قيودٍ شرعيّة وغير شرعيّة، وتغلغلها إلى عالم الفنّ الإسلاميّ والدينيّ، احذروا ذلك. يجب أن تكون الأجواء طاهرة، وطيّبة ونزيهة إلى جانب العفّة. هذه هي الأجواء التي نرمي للترويج لها، أجواء المعارف الإسلاميّة بقالبٍ شعريّ.
مدحٌ ملتزم مسؤول، جمهورٌ واعٍ يقظ
فلنسع عند اختيار ما يكون بمثابة مضمون ومحتوى في شعرنا، أن تكون كلّ كلمة معلّمة (درسًا). لا فرق، سواء في العزاء أم المصيبة أم المدح، كلّ ذلك يمكن اختياره بنحو ليكون معلّمًا (وباعثًا على الاعتبار)، ففي مرحلة قيام الثورة وحماية الثورة في شهر محرّم الذي كان آخر محرّمٍ في عهد الطاغوت - فقد جاء انتصار الثورة الإسلاميّة بعد شهري محرَّم وصفر - كانت هيئاتٌ تقرأ التعزية في مختلف المدن الإيرانيّة، وكانت كلّ تعزية بمستوى ومصاف خطبة طويلة وبليغة، توعّي النّاس، تنبّههم، وتعطيهم البصيرة. يجب أن يكون الحال كذلك على الدوام، أن
193
168
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
تكون التعازي غنيّة المضمون، هذا واجب قارئ التعزية، وهو عمل جذّاب ومدهش كثيرًا. هذه سُنّة قراءة التعزية، الأعمال والتصرّفات التي يقوم بها قارئ التعزية، مهمّة للغاية. وهي منحصرة بالشّيعة، أي خاصّة بنا فحسب. ولا وجود لمراسم دينيّة مشابهة في أماكن أخرى. هذا ما نمتاز به نحن، لذا يجب أن نُغني مضمونها. إذا تحقّقت هذه الأمور، إن شاء الله، فسيصبح المدّاحون من الأكثر تأثيرًا في مجال إصلاح النظام الفكري، والعملي للمجتمع الإيراني. وهذا ليس بالأمر البعيد المنال. تمامًا كما نلاحظ الآن، في أيّ مكان فيه مدّاحٌ مسؤول وملتزم، ينظم شعرًا جيّدًا وصحيحًا، فينشده بأسلوبٍ صحيح، فإنّه يترك في الحقيقة الأثر الكبير، يوقظ جمهوره ويبثّ فيهم الوعي. هذا من الأعمال التي لا يُعرف أيّ صدقة جارية بذلك القدر الذي يمكن أن يكون لها تأثير في تقدّم المجتمع. إنّه من الأعمال النادرة التي لها أجر كبير عند الله، عملٌ غاية في الأهميّة. أنتم، والحمد لله، تملكون هذه النعمة: الصوت الحسَن، القدرة على الإنشاد، اللّحن الجيّد، إذا اجتمعت هذه الأمور مع الخصائص التي أشرنا إليها، فسيتحقّق أحد أهمّ الأعمال التي تخدم أهداف النظام الإسلاميّ والجمهوريّة الإسلاميّة.
لدينا اليوم، ولحسن الحظّ، كمًّا من الأشعار الجيّدة، الشعراء الجيّدون، الشعراء الدينيّون والمذهبيّون. شعراء ينظمون الشعر في المسائل المتنوّعة، شعرًا من النوع الجيّد. الحمد لله، لقد استمعنا اليوم إلى بعضهم واستفدنا من أشعارهم، كان جيّدًا جدًّا. كان المدّاحون في القديم مضطرّين لحفظ الأشعار، وها قد ضربتهم بهذا التقليد عرض الحائط، وأرحتم أنفسكم. وأمسكتم الورق بأنفسكم، حسنًا، يمكن نظم وإنشاد الشعر والأشعار الجيّدة، وهو متوفّر هذه الأيّام، بحمد الله، بين أيدينا اليوم أحد أعظم النِعَم الإلهيّة.
إنّ المدّاحين، مع هذه القدرات الواسعة، والإمكانات الكبيرة، هم برأيي، أحد النِعَم الإلهيّة لبلادنا ولشعبنا.
194
169
في لقاء مدَّاحي أهل البيت عليهم السلام في ذكرى ولادة السيّدة الزهراء عليها السلام
وإنّ الشعراء الذين ينظمون الأشعار (لينشدها) المدّاحون ويقومون بمسؤولياتهم، هم - للعدل والإنصاف - ينجزون عملًا ضخمًا.
أسأل الله لكم التوفيق أيّها الأعزّاء، لاسيّما الشباب الذين يمثّلون حقلًا واسعًا من العمل، وأسأل الله أن يثيبكم جميعًا جزيل الأجر، وأن تشملكم رعاية حضرة بقيّة الله الأعظم (أرواحنا فداء له).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
195
170
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في
لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
المناسبـــة: يوم العمال
الحضور: جمع من منتسبي مجموعة مپنا الصناعية
المكان: طهران
الزمان:
10/02/1393هـ.ش.
30/06/1435هـ.ق.
30/04/2014 م.
197
171
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر الله تعالى على توفيقه اليوم، للحضور في اجتماعكم المتحمّس المحتشد، أيها الأعزاء، في هذا المركز البالغ الأهمية من مراكز العمل والاقتصاد والصناعة، واللقاء بكم أيها الأعزاء، بمناسبة يوم العامل، الذي كان على الدوام مناسبة مهمة بالنسبة لنا. الارتياح اليوم مضاعف بالنسبة لي، ولأقل إن من البرامج الجذابة بالنسبة لي بشكل طبيعي على طول السنة هو اللقاء بالعمال بمناسبة يوم العامل. وقد ترافقت هذه المناسبة في هذه السنة بزيارة هذا المركز النشيط والرائد، ومجموعة "مپنا" التي جمعت - والحمد لله - خصوصيات متعددة من تجليات العمل المنشود في البلاد إلى جوار بعضها، وهذان العاملان - (اللقاء بالعمّال وزيارة مجموعة مپنا) - هما اليوم، مبعث ارتياح وفرحة. كانت الزيارة اليوم مغتنمة جداً بالنسبة لي، واللقاء بكم أيها الأعزاء، والعمال والناشطون هو أيضاً فرصة مغتنمة أخرى.
أهمية شهر رجب وفضله
إننا على أعتاب شهر رجب، ورجب شهر العبودية لله، وشهر التوجّه لله وذكره. ونحن أبناء البلاد والمحبّين لمصير البلد والشعب، نعتقد - والجميع في البلاد تقريباً يعتقدون - أنه يمكن بمعونة الله وهدايته وتسديده القيام بالكثير من الأعمال، وقطع خطوات واسعة.
العامل في الإسلام
أذكر نقطتين على وجه الاختصار والإيجاز: النقطة الأولى تتعلق بقضايا العمل والعامل. ما شدّدنا عليه دوماً ونؤمن من أعماق كياننا، بأنه ضرورة للبلاد ولثقافة
199
172
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
البلاد العامة عبارة عن تكريم واحترام العمل والعامل. للعامل معنى عام. كان الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه) يقول: كان الأنبياء أيضاً عمالاً. وهذا هو الواقع. في مجموعتكم أيضاً - مدراؤكم وناشطوكم ومخططوكم وصناع فرص العمل عندكم - الذين يوفرون إمكانية تنمية العلم وتطويره ورفع جودته، وصولاً إلى كل واحد من العمال - العمال المتعلمين الخريجين، والعمال المهرة، والعمال أصحاب التجربة، إلى العمال العاديين - كلهم عمال. العمل نفسه محترم، والتحرك والسعي في الاتجاه الصحيح له احترامه بحدّ ذاته. هذه هي نظرة الإسلام. كل شيء يجب أن يتقوم على أساس هذا التكريم والاحترام. إذا طرحنا شيئاً باسم حقوق العامل ومنزلته، فيجب أن يكون على أساس هذا الاحترام للعمل وللعامل. وواقع القضية هو أن الحضارات الإنسانية، والتقدم المادي في العالم في كل العهود والعصور، وكذلك التقدم المعنوي والروحي والداخلي لكل إنسان لا يمكن أن يتحقق إلّا بالعمل. لا بدّ من العمل ولا مندوحة من السعي والمثابرة. هذه الآية - التي تلاها لنا اليوم المقرئ حسن الصوت -: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾1 معناها أن مكتسباتكم ليست إلّا في ظل مساعيكم وجهودكم وعملكم. ينبغي أن نفكر بهذا الشكل على كل المستويات. يجب أن نعمل.
التعاون في العمل
النظرة الخصامية بين العامل ورب العمل وما إلى ذلك، هذا تفسير خاطئ لحقيقة. الكل يجب أن يتعاونوا. بل إن نظرة التضاد والتعارض والتزاحم التي سادت الأفكار الغربيّة - وهي لا تختص بالماركسيّين، فقد كانت هناك قبل الماركسيّين أيضاً نظرة شائعة دارجة في الأفكار الغربيّة تقوم على التضاد والتعارض - نظرة مرفوضة من وجهة نظر الإسلام. إنها ليست بالنظرة المقبولة. في الإسلام هناك دعوة للألفة والائتلاف والوحدة والتعاون والتراحم. هذا هو أساس الفكر الإسلاميّ
1 سورة النجم، الآية 39.
200
173
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
في كل الأنشطة. وطبعاً، للتعامل حدوده وضوابطه، ولكل شخص حقوق ينبغي مراعاتها، وهي ممكنة التحقيق في ظل الحكومة الإسلاميّة. النظرة التعارضية خاطئة. والنظرة الصحيحة في الإسلام هي نظرة التعاون والتعامل والتواصل. هذه فكرة يجب أن تكون في كل شؤوننا وكل القضايا المتعلقة بالحياة. يضطر المرء للدفاع في مقابل الشخص الذي يريد توجيه الضربات للمكانة النفسية والروحية والفكرية والوجودية للإنسان والمجتمع، لكن السياق الأصلي هو التعاون والتعامل والائتلاف. هذه هي النظرة الأساسية للإسلام. نعتقد أن مجتمعنا العمالي يجب أن يكرّم ويحترم. نعتقد أن كل من يعمل ويقوم بعمله ويقوم به بشكل حسن جيد فهو محظيّ بالرحمة الإلهية. يقول: "رَحِمَ اللهُ اِمرَءً عَمِلَ عَمَلاً فَأَتقَنَه"1. الذي يقوم بعمله بوجه حسن وصحيح مشمول بالرحمة الإلهية. هذه هي النقطة الأولى وإحدى النقطتين الأساسيتين التي كان من اللازم أن أذكرهما.
النقطة الثانية تتعلق بالحقيقة التي يمكن مشاهدة واحدة من تجلياتها الجميلة في هذه المجموعة العاملة أي مجموعة مپنا. إنها حقيقة الكفاءة، الكفاءة الناتجة عن العلم والذكاء والمثابرة والإبداع والعزيمة الراسخة، والتي نشاهدها، لحسن الحظ، في هذه المجموعة. هي هذه نظرتنا لكل حركة البلاد.
العزيمة الوطنية والإدارة الجهادية
هو الشعار الذي طرح لهذا العام 1393هـ.ش.، لكنه ليس بالشيء الذي يتعلق بهذه السنة فقط، بل هو هويتنا وسمعتنا ومستقبلنا والشيء الذي يرسم مصيرنا. إذا كانت العزيمة الوطنية، وإذا توفرت الإدارة الجهادية، فسوف يتقدم الاقتصاد وتتطور الثقافة. والشعب الذي يكون له اقتصاد متقدم وثقافة متقدمة يرتقي إلى الذرى ولا تناله إهانة. قبل الثورة أهانونا لعشرات السنين. الشعب الإيراني بهذه السوابق، وبهذه الحضارة العريقة، وبكل هذا التراث الثقافي العميق، وبكل هؤلاء
1 الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله، شواهد التنزيل، لقواعد التفضيل، طبع طهران، 1411هـ، الأولى، ص5.
201
174
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
العلماء في مختلف الحقول والميادين على مرّ التاريخ، وصل به الأمر إلى حيث أن حكام هذا الشعب ومن أجل أمور البلاد الأساسية، كان يجب أن يبعثوا أناساً إلى السفارة البريطانيّة وسفارة أميركا؟ ليحصلوا على إذن من السفير البريطاني والسفير الأميركي. فهل إهانة أسوء من هذه لشعب؟ يوم لم يكن هناك أثر للعلم والمعرفة في أوربا والغرب، ويوم كان الجهل سائداً على تلك البلدان بالمعنى الحقيقي للكلمة، قدّمت إيران للعالم أمثال الفارابي وابن سينا ومحمد بن زكريا الرازي والشيخ الطوسي وغيرهم من الشخصيات العظيمة. هذا هو تراثنا، وهذا هو ماضينا. ما كان يجب أن نهان، وما كان يجب أن نسمح للقوى العالمية الناهبة أن تأتي وتمسك اقتصادنا بيدها، وتنهب نفطنا وتسيطر على مصادرنا، وتهين شعبنا من النواحي السياسية والاجتماعية. لكن هذا حصل.
الطاقات البشرية
إذا أراد الشعب الإيراني أن يكسب مكانته اللائقة فإن هذه المكانة معروفة. لقد قلت مراراً إن شعبنا يجب أن يصل إلى حيث يضطر الباحثون في العالم من أجل أن يبلغوا قمم العلم إلى إتقان اللغة الفارسية. هذه مكانة معرّفة ومطروحة. وقد نصل إلى هذا المستوى بعد خمسين عاماً، لا بأس.. فليكن. إذا أردنا أن نصل إلى هذه المكانة المعرّفة المطروحة يجب أن نستخدم العلم والذكاء والقدرة العالية على الحراك والفعل، والقدرة على الإبداع والابتكار، والعزيمة الراسخة في كل المجالات. يجب الارتفاع بمستوى الاقتصاد، والارتفاع بمستوى الاقتصاد غير ممكن ولا مفيد من دون نمو ثقافي. ينبغي للثقافة أيضاً أن ترتفع وتترقى.
نحن قادرون
إذن شعار هذه السنة شعار حياتنا وهو شعارنا الدائمي. ولحسن الحظ، فإن هذا هو ما يشاهده المرء في مختلف قطاعات المجتمع الاقتصادي والصناعي الناشط للبلاد بما في ذلك مجموعة "مپنا" هذه. طبعاً، كان لديّ تقارير، وقد شاهدت اليوم
202
175
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
جوانب من ما كنا قد قرأناه في التقارير. هذا يدل على أن الشعار الذي رفعه إمامنا الخمينيّ الجليل، أي شعار "نحن قادرون" هو شعار واقعي وليس مجرد شعار لفظي. هذا هو الحال حقاً. الأعمال التي كانت بالنسبة لبلادنا - من وجهة نظر بعض الخواص والمدارء - غير ممكنة تحصل اليوم بسهولة وانسيابية في مجموعتكم هذه.
لا أنسى، في الأعوام الأولى من عقد الستينيات (الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد) حينما كنت رئيساً للجمهوريّة، في منطقة من البلاد - لا أروم ذكر اسمها - كان لدينا محطة طاقة غازية نصف منتهية، وكنا نصرّ ونقول لهم إننا يجب أن ننهي هذه المحطة بأنفسنا. وجاءني بعض المسؤولين - والبعض منهم على قيد الحياة وبعضهم انتقل إلى رحمة الله وفارق الحياة - وقالوا: يا سيدي، هذا غير ممكن، لا تجهدوا أنفسكم عبثاً، ولا تبذلوا مساعي عبثية. جاءوا ليثبتوا لي ويقنعوني بأننا لا نستطيع، ويجب أن نطلب من تلك الشركة الصانعة وشركة أخرى في العالم أن تأتي، وكان ذلك في بحبوحة الحرب وفترة الحرب كانت فترة ضغوط كثيرة وحظر عسير.
واليوم، استطعتم أنتم شباب هذا البلد والناشطون فيه ومدراؤه الجهاديون الأعزاء أن ترفعوا أنفسكم إلى مرتبة عليا في إنشاء محطات الطاقة الغازية - المرتبة السادسة في العالم - هناك شركة في أميركا وشركة في ألمانيا وشركة في فرنسا وشركة في إيطاليا وشركة في اليابان، وأنتم تحتلون المرتبة السادسة في العالم، وأنتم تصنعون محطة طاقة غازية.. هذا شيء مهم جداً. في تلك الأعوام كانوا يقولون لنا إن هذا غير ممكن، ولكن بفضل المثابرة والهمّة والتوكّل على الله تعالى، وبتشجيع الطاقات الموهوبة، وبالعزيمة الراسخة التي أبداها المدراء الإيرانيون، حصل هذا الشيء. أريد أن أقول: يا أعزائي.. هذا المستوى الذي أنتم فيه اليوم ضاعفوه عشرة أضعاف، فهذا الشيء أيضاً قابل للتحقيق والحصول، وسوف يحصل. بعض الأشياء لا تستطيع الهمم الدانية والنظرة القاصرة أن تدركها
203
176
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
وتفهمها، لأنها لا تعرف طبيعة الإنسان، ولأنها لا تفهم المعونة الإلهية، ولا تدرك قدر وقيمة العزيمة الراسخة، وتنكر مواهبنا الداخلية الذاتية. وهذه بدورها من البلايا التي نزلت بشعب إيران. سنوات طويلة من الهيمنة الثقافية والسياسية والاقتصادية للأجانب على هذا البلد، رسّخت في الأدمغة فكرة أن الإيراني لا قدرة لديه، لاحظوا أية خيانة كبرى! الموهبة الإيرانية أعلى من المتوسط العالمي. الشاب الإيراني والموهبة الإيرانية تحتل درجات عالية في سلّم المواهب البشرية في العالم، وإذا بهم يتظاهرون بأنه لا توجد هنا مواهب. هذا ما يتعلق بقبل الثورة وقد بقي للأسف إلى سنوات بعد انتصار الثورة، فقد كان هناك أفراد تجذرت هذه الأفكار الخاطئة في أذهانهم.
الفخر والاعتزاز
ولأروي لكم أيها الأعزاء - الإخوة والأخوات - هذه الذكرى فأقول: جاءني شخص ليثبت أننا يجب أن لا نتابع مشاريع الطرق والطرق السريعة التي نريد إنشاءها. كان يقول إننا ليس لدينا مدير مشاريع.. ليس لدينا مدراء.. وكان يسوق الأمثلة. الأشياء التي تجعل الشعب متخلفاً هو هذه الأفكار. الحمد لله، أنتم في هذه المجموعة عمل عمالكم ومدراؤكم ومسؤولوكم ومصمموكم كلهم بشكل جيد، وصارت مجموعة "مپنا"، هذا اليوم مجموعة باعثة على الفخر والاعتزاز والمباهاة.. مباهاة البلد بكم، ومباهاتكم أنتم الذين استطعتم أن توجدوا هذه القدرات، وتعرضوها على الصديق والعدو.. يجب أن تتباهوا وتفخروا بذلك. كلكم في أي موقع كنتم، من عمال ومدراء ومسؤولين ومصمّمين ومبرمجين وقطاعات مختلفة يجب أن تفخروا لأنكم ساهمتم في تكوين هذه النتائج الجميلة والباعثة على الفخر.
دعم الانتاج المحلي
طبعاً، ينبغي دعم أنشطة هذه المجموعة والمجاميع المماثلة. ومن جملة أعمال الدعم أن تجد الأجهزة الحكومية نفسها مكلفة بعدم نحت منافسين أجانب لمنتجات
204
177
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
هذه المجاميع. هذا أحد جوانب الاقتصاد المقاوم الذي تحدثنا عنه. الإنتاج الداخلي هو العمود الفقري للاقتصاد المقاوم. إذا أريد للإنتاج الداخلي أن يزدهر، فمن المتيقن أنه يجب ضخّ المساعدات فيه والحيلولة دون الأمور والأشياء التي تمنع نموه وازدهاره، وكذلك يجب أن توفر لمنتجاته الأسواق، وتجري السيطرة بشكل من الأشكال على استيراد المنتجات المشابهة لمنتجاته - ولا نستخدم هنا كلمة المنع - بل يجب أن تخضع هذه العملية لمراقبة دقيقة وفق حسابات. كما يجب على الحكومة أن تساعد في خصوص العقود الخارجية التي تبرمها هذه المجموعة وأمثال هذه المجموعة. قلنا إن اقتصادنا داخلي التدفق خارجي النظرة. علينا أن ننمو ونتدفق وتتضاعف إمكانياتنا وقدراتنا من الداخل، ولكن يجب أن تكون لنا نظرتنا للخارج. الأسواق العالمية لنا، وينبغي أن نستطيع بهممنا وإبداعاتنا أن نتواجد ونشارك في هذه الأسواق، وهذه المشاركة غير متاحة من دون دعم الحكومة. طبعاً، يمكن لقطاعات مختلفة من الحكومة أن يكون لها نصيبها وإسهامها في هذا المجال.
الإدارة الجهادية والعون الإلهي
عامل "الإدارة الجهادية" المهم عبارة عن الثقة بالذات، والاعتماد على النفس، والتعويل على العون الإلهي. حين أشرت إلى الاسم المبارك للإمام الباقر عليه السلام، والاسم المبارك للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والتبرك بأيام شهر رجب في بداية حديثي، فهذا هو السبب. لنستمد العون من الله، ونتوكل عليه، في كل أعمالنا، ولتكن لنا ثقتنا بالعون الإلهي. حينما تطلبون العون من الله تعالى، فستنفتح الطرق أمامكم: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾1، هذا الرزق الذي تذكره هذه الآية والوارد في آيات أخرى، يصل لنا - أنا وأنتم - بأشكال مختلفة. أحياناً تنقدح في أذهانكم أفكار كالبرق وينفتح طريق كان مغلقاً، هذا بدوره رزق إلهي. وفي فترة ضغوط متراكمة يشرق فجأة
1 سورة الطلاق، الآيتان 2 و 3.
205
178
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
أمل وافر في قلوبكم، هذا أيضاً من الرزق الإلهي. إذن، يجب الاعتماد على العون الإلهي، واستخدام الذكاء والعلم وهذا بدوره من أركان المقاومة الاقتصادية - وقد جرى شرحه في موضعه - لا بدّ من المجاميع العلمية المحور ومجموعتكم هذه، لحسن الحظ، من النماذج البارزة للمؤسسات العلمية المحور، والاستعانة بالمثابرة والسعي الدؤوب، إذ ينبغي عدم الاستهانة والاستخفاف بالعمل، فلا تقنعوا بالتقدم الذي أحرزتموه، وتطلعوا وتشوقوا إلى مزيد من التقدم. الاقتناع بهذه الحدود التي توصلنا لها يصيبنا بالتوقف والركود والمراوحة. لا بدّ من إبداع وسير في طرق جديدة، وانتهاج طرق اختزالية.
البحث العلمي
من جملة النقاط التي سجلتها لأذكرها - ولحسن الحظ شاهدت اليوم أثناء زيارتي وتجوالي أنها تحظى بالاهتمام - قضية البحث العلمي والتنمية وهي على جانب كبير من الأهمية. الحمد لله، وجدت أنهم خصصوا قطاعاً وقسماً مهماً للبحث العلمي والتنمية. قضية أخرى هي التعاون والتواصل بين القدرات والطاقات في القطاعات المختلفة، حتى تكون على معرفة واطلاع بعضها ببعض. هل هذه الإمكانيات والقدرات الموجودة في "مپنا" معروفة لدى القطاعات الاقتصادية والصناعية الناشطة في البلاد؟ هل هم مطلعون عليها؟ هل جامعات البلاد على اطلاع كامل بإمكانيات وقدرات "مپنا"؟ وهل أنتم مطلعون على قدرات الجامعات؟ طبعاً، يقول الأعزاء الذي رفعوا التقارير1 إنهم ناشطون في هذا المجال، لكنني أروم التأكيد على هذه القضية.. قضية التعاون والاستفادة من إمكانيات البعض كما هي الأواني المستطرقة. لينتفع الكل من الكل، فهذا التعاضد والتكامل يؤدي إلى مزيد من التقدم.
1 السيد علي ربيعي وزير التعاون والعمل والرفاه الاجتماعي، والسيد عباس علي آبادي رئيس الهيئة الإدارية في مجموعة "مپنا".
206
179
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
الحظر وسيلة للتطوير
ذكر المدير المحترم السيد علي آبادي في حديثه نقطة - اعتقد أنا أيضاً بها وأؤيدها وتنبهت لها دوماً - قال: إنهم يرفعون الحظر عن أيّ موضع نكتسب فيه القدرات اللازمة. وهو على حق. الحظر يفرضونه على الأشياء والمواقع التي تكون فيها أيديكم مغلولة. وفي أي قطاع تستطيعون أن تبدوا عن أنفسكم تحركاً وتقدماً يشعر الطرف المقابل أن الحظر عملية عبثية وحمقاء ولا طائل منها. والمثال الواضح لذلك هو هذا اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمائة الذي كنا بحاجة ماسة له لمحطة طاقة طهران للأبحاث. كان مخزون البلاد آيلاً للنفاد، وبذلك سوف تتعطل محطة الطاقة هذه، وتغيب بذلك الأدوية الإشعاعية التي يحتاجها الناس وكانت تنتج هناك. وحاول المسؤولون أن يحصلوا على اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمائة. وقصة الألاعيب والتمثيليات التي أطلقها عتاة العالم - وعلى رأسهم أميركا وبعض القوى الأخرى - بشأن اليورانيوم المخصّب بنسبة عشرين بالمائة - قصة طريفة وطويلة وجديرة بالسماع لمعرفة ما الذي فعلوه!- كنا على استعداد لشراء هذه المادة، لكنهم تشبثوا بأنواع الحيل والألاعيب ليخلقوا عراقيل، إلى أن وصلت الجمهوريّة الإسلاميّة أخيراً إلى نتيجة أن تنتج بنفسها اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمائة. لكنهم لم يكونوا يصدقون أن هذا سيحدث، ولم يكونوا يصدقون حتى لو تم إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمائة، أن نستطيع بعد ذلك إنتاج الوقود منه، أي إنتاج قضبان الوقود وصفحات الوقود من هذا اليورانيوم. وقد استطاع شباب الجمهوريّة الإسلاميّة - شباب أمثالكم - والعلماء الشباب بذكائهم وإبداعاتهم وبالإدارة الجيدة أن يقوموا بهذا العمل. وبعد أن أدرك العالم كله الآن أن الجمهوريّة الإسلاميّة حصلت على هذه التقنية وأنتجت هذا المحصول وتستطيع الاستفادة من هذا المنتج، إذا بهم يتحركون، ويقول هذا الطرف تعالوا واشتروا منا، ويقول ذاك الطرف تعالوا واشتروا منا.. يقولون: إننا على استعداد لبيعكم هذه المادة، ولكن لا تنتجوها بأنفسكم.
207
180
في لقاء جمع من المنتسبين لمجموعة "مپنا" الصناعية
القوة والصلابة
هكذا هو العالم.. ضغوط العالم وألاعيبه والتمثيليات السيئة للقوى المختلفة الكبرى والصغرى في العالم أمام نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وأي نظام مستقل تابع لضعف هذا النظام وقوّته. أين ما كنتم ضعفاء ازدادت غرابة أطوارهم وألاعيبهم، وأين ما كنتم أقوياء ومقتدرين وتقفون على أرجلكم وتعتمدون على أنفسكم يضطرون أن يتعاملوا معكم بأدب أكثر ومنطق أكثر. هذا هو مفتاح حلّ كل مشكلات البلاد. يجب أن تتدفق البلاد من الداخل. يجب أن تأمّنوا أنفسكم داخلياً وذاتياً على المستوى الاقتصادي ولأجل مستقبلكم. والشعب الإيراني شعب موهوب وقادر، وطاقاتنا الإنسانية لا نهاية لها، كما أن ذخائرنا الطبيعية أيضاً كثيرة جداً، لحسن الحظ. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى جميعاً، ويوفقنا ويوفق مسؤولي البلاد وكل واحد من أبناء الشعب لنستطيع، إن شاء الله، العمل بواجباتنا.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
208
181
في لقائه أعضاء الهيئة الإدارية لجماعة الخيّرين بناة المدارس في إيران
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقائه أعضاء الهيئة الإدارية لجماعة الخيّرين بناة المدارس في إيران
المناسبـــة: إقامة مهرجان الخيّرين بناة المدارس في المدن
الحضور: أعضاء الهيئة الإدارية لجماعة الخيّرين بناة المدارس
المكان: طهران
الزمان:
15/02/1393هـ.ش.
05/07/1435 هـ.ق.
05/05/2014 م.
209
182
في لقائه أعضاء الهيئة الإدارية لجماعة الخيّرين بناة المدارس في إيران
بسم الله الرحمن الرحيم1
بناة المدارس
وجود جماعة الخيّرين بناة المدارس، وهي من المظاهر المباركة لثورتنا وبلادنا، يثبت عدة أمور: أحد هذه الأمور هو ما سبق أن قيل، وهو أن شعبنا أين ما يشعر بأن الموطن موطن حسن ومناسب لا يتحرج أبداً في الإنفاق. هذه نقطة مهمة جداً. البعض يعتبون فيقولون لماذا لم يتقدم الناس ويقدموا مساعداتهم في القضية الفلانية مثلاً. يجب بالتالي تقديم الإيضاحات للناس بأن هذا واجب وتكليف وشيء صحيح. وعندئذ سيتقدم الناس ويبادرون من أنفسهم. لاحظوا، أن هذه الحوزات العلمية مثال واضح لهذه القضية. الناس ومن دون أن يعرفهم أحد ومن دون أن يبعث عليهم أحد ويطلبهم ومن دون أن يحاسبهم، يأتون ويخمّسون أموالهم التي بذلوا لها الجهود، ويعطوننا خمسها.. يعطونها لرجال الدين، ولعلماء الدين ومراجع التقليد. والحال أننا لا نأخذ منهم كمبيالات ولا ضمانات ولا نطالبهم بشيء. أحياناً يبقون خلف أبواب الانتظار وفي طوابير الانتظار أياماً طويلة من أجل أن يأتوا ويعطوا هذا المال. لماذا؟ لأنهم يعتقدون أن هذا العمل صحيح وصالح وحسن.
و نموذجكم هذا نموذج آخر. تراه تاجراً وثرياً ومتمكناً وجمع مالاً هو ماله الخاص، ولن يسائله أحد لماذا تمتلك هذا المال؟ وكيف يجب أن تنفقه؟ لكنه يأتي بكل رغبته. لقد نقلوا لي بعض النماذج: بُنيت عشرات المدارس من قبل خيّر من الخيّرين. هذه ظاهرة قيمة جداً. من دون أن يكون له أي غرض سياسي أو شخصي
1 أقيم مهرجان الخيّرين بناة المدارس في المدن من آذار 2013 م إلى نيسان 2014 م، وبدأت مرحلة المحافظات من هذه المهرجان من الثامن من أيار 2014 م وتستمر إلى الحادي والعشرين من حزيران 2014 م.
211
183
في لقائه أعضاء الهيئة الإدارية لجماعة الخيّرين بناة المدارس في إيران
من ذلك. طبعاً، ثمة في العالم مؤسسات خيرية ظاهرها أنها خيرية، لكن باطنها ومحتواها إما سياسي أو أمني أو تجسسي، وهناك دوافع وحوافز تقف وراءها. أما هنا، فإن هذا الخيّر المتكفل ببناء المدرسة ليس له أي حافز سوى الخدمة، وسوى أداء عمل حسن صالح واكتساب الحسنات.. يأتي ويعطي هذا المال. إذن هذه هي النتيجة الأولى التي نستخلصها وهي أننا إذا استطعنا أن نتفاهم مع الناس، وندلل على حسن عمل معين وصحة طريق معين، فإنهم مستعدون لدفع تكاليف كبيرة من دون أن يطلب منهم أحد ذلك. وقد شاهدنا نماذج سابقة لذلك خلال فترة الدفاع المقدس وأمور أخرى. هذه نقطة.
تعليم الأبناء
النقطة الأخرى هي اهتمام الناس بأمر المدرسة. كانت هناك أعمال خيرية في السابق أيضاً، فكانوا يبنون الحسينيات والمساجد ويقومون بأعمال متنوعة، لكن الاهتمام بالمدرسة دليل على وجود ظاهرة في البلاد، فهو دليل على أن شعبنا والمتمكنين من المساعدة يدركون جيداً أهمية تعليم الأبناء. هذه بدورها نقطة أخرى يشعر بها المرء في هذه القضية.
الطاقات الشعبية
و النقطة الثالثة - والنقاط من هذا القبيل كثيرة، لكنني أذكر هنا هذه النقاط المعدودة فقط - التي يمكن للمرء أن يستنبطها من هذه العملية هي أنه في أي عمل وموضوع يحيل مسؤولو البلاد ومدراء البلاد الأصليون الأمور فيه إلى الناس، سينجح ذلك الموضوع ويتقدم إلى الأمام. إنها تجربة ويجب أن نتعلمها، وقد ذكرت هذا مراراً. تارة تكون النظرة ضيّقة ويمسك المسؤول الحكومي بزمام الأمر في يده حصرياً، فتكون النتيجة التوقف والمراوحة في ذلك الأمر. ولكن حين يعطي الأمر للطاقات الشعبية العظيمة اللامتناهية وللناس بمحفزاتهم وقدراتهم المادية والمعنوية، فإن الأمر سينمو ويزدهر.
212
184
في لقائه أعضاء الهيئة الإدارية لجماعة الخيّرين بناة المدارس في إيران
والأمر على هذا النحو هنا أيضاً. كانت لدينا بالتالي الكثير من المشكلات بخصوص المدارس. في بداية الثورة كانت هناك في البلاد مدارس فيها ثلاثة دوامات أو حتى أربعة دوامات، وقد زالت هذه الحالة، والحمد لله. وقد كان لمساعدات الناس دور كبير جداً، وينبغي أن تستمر هذه العملية إن شاء الله. أنتم أيها السادة، المسؤولون عن هذه القضية، والذين خضتم غمار هذه العملية الكبيرة والجميلة، واصلوا هذا العمل بشوق ورغبة وبتحفز، إن شاء الله، واعلموا أن الله تعالى سوف يوفيكم أجوركم، فهذا العمل فيه ثواب وهو حسنة وصدقة جارية. ونواياكم، بحمد لله، خالصة فحافظوا عليها خالصة وتقدموا بهذه المشاريع إلى الأمام.
توعية الرأي العام
طبعاً، يجب أيضاً توصية الإذاعة والتلفزيون ووسائل الإعلام لتعمل على توعية الرأي العام بوجود مثل هذه الأعمال والمشاريع. ولحسن الحظ، فإن أمثال هذه الأعمال أخذت تنمو وتنتشر في أطراف البلاد، وهي تزداد يوماً بعد يوم. وقد ظهر خيّرو العلاج في غضون هذه الأعوام الأخيرة وهم يقومون - الآن - بأعمال جيدة. على كل حال الخيرون في البلاد كثر وعددهم كبير ويرغبون في القيام بأعمال صالحة، وينبغي إرشادهم للأعمال والثقة بهم.
التعاون
سمعت أن الأعزاء الخيّرين بناة المدارس يتوقعون مزيداً من تعاون أجهزة التربية والتعليم معهم، ولحسن الحظ، لاحظت أن الدكتور السيد حافظي شكر الوزير المحترم ومعاونه1، وكان هذا مبعث سرور بالنسبة لي أن أشعر بوجود تعاون. لا يغيّروا أسماء المدارس، لنفترض أن الخيّر - باني المدرسة - أطلق عليها اسم شهيد له أو اسم شخص يحبّه، ليحفظوا هذه الأسماء، وليسهلوا الأمور على من يروم القيام بعمل بناء المدارس الخيّر، وليكرّموه، وهذا ما سيحصل، إن شاء الله.
1 السيد مرتضى رئيسي معاون وزير التربية والتعليم ورئيس مؤسسة تحديث وتنمية وتجهيز المدارس.
213
185
في لقائه أعضاء الهيئة الإدارية لجماعة الخيّرين بناة المدارس في إيران
والنقطة التي ذكرها السيد فاني1 أيضاً نقطة صحيحة تماماً، أي قضية تمتين بناء المدارس، وهي عملية مهمة جداً، ويجب الحفاظ على هذه المدارس التي تُبنى حتى لا تغدو قديمة وبالية بسرعة. تقبّل الله منكم وزاد من توفيقاتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 وزير التربية والتعليم الإيراني.
214
186
في لقائه أعضاء اللجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقائه أعضاء اللجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث
المناسبـــة: إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث
الحضور: أعضاء اللجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث
المكان: طهران
الزمان:
15/02/1393هـ.ش.
05/07/1435 هـ.ق.
05/05/2014 م.
215
187
في لقائه أعضاء اللجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم1
إنّ المؤسسات التي نشأت في الجمهوريّة الإسلاميّة، والشتلات التي أزهرت في المجال الاجتماعي والثقافي والديني، ليست واحدة أو اثنتان، وبحمد الله، فإنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة والثورة الإسلاميّة أثبت أنّه يمتلك قدرة الإنتاج والخلق والبناء في المجالات المختلفة، إنّ إنشاء المؤسّسات هذا هو أحد مظاهر قدرة الإنتاج، إحدى هذه المؤسّسات تتمثّل في مسألة الاعتكاف والتي تقومون أنتم أيّها السادة وبحمد الله بالتصدّي لها والقيام بها.
الاعتكاف
إنّ الاعتكاف هو في الواقع حجز النفس وحبسها في مكان محدّد وإيجاد تقييد وحدود في النفس. العكوف يعني الإغلاق والإقفال، وحصر النفس في نقطة معيّنة، لكي تتحقّق خلوة في القلب، فيستطيع الإنسان أن يجد فرصة للاتّصال الصميمي والصافي مع ربّ العالم، الاعتكاف هو هذا، أي إنّه عبادة تتضمّن الرياضة. الكثير من العبادات هي هكذا، تتمتّع ببُعد الرياضة. رياضات يفرضها الإنسان على نفسه بملء اختياره ورغبته طوعًا، لكي يسمو ويرتقي بباطنه ومعنويّاته وقلبه، الاعتكاف هو من جملة هكذا عبادات.
والمتعارف لدينا حاليًّا هو الاعتكاف لثلاثة أيام - حسنًا، لقد بحث الفقهاء أيضًا في هذه المسألة - ولكن يمكن الاستمرار والمتابعة حتى التسعة أو العشرة أيام
1 أقيم هذا المهرجان بتوجه علمي - ثقافي في يوم الثامن من رجب 1435 هـ. ق/ الموافق للثامن من مايو - أيار 2014 م.
217
188
في لقائه أعضاء اللجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث
في الاعتكاف. لقد أشرت حضرتك1، كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، حيث كان يبقى في المسجد ولا يخرج منه ويقوم بالأعمال داخل المسجد. الاعتكاف فرصة جيّدة، لحسن الحظ، فإنّ إقبال الناس هذه السنة عالٍ جدًّا، شوق الشباب وعشقهم للاعتكاف مدهش ومحيّر. لا أزال أذكر حين كنّا نعيش في مشهد، لم نكن نرى أصلًا كيف هو الاعتكاف في مسجد الإمام2 في الأيام البيض هذه3. ولعلّه حين ذهبت إلى هناك وشاهدت الاعتكاف، كان يأتي بعض طلّاب العلوم الدينيّة، اثنان أو ثلاثة، يختارون زاوية في باحة صحن المرحوم الحاج أبي الفضل - ذلك الصحن المرتفع - وينصبّون لهم خيمة للاعتكاف، ولعلّ مجموع الذين كانوا يعتكفون هناك لم يكن يصل إلى ثلاثين أو أربعين شخصًا. وفيما بعد، حين بُني مسجد السيد البروجردي، كان يأتي البعض حسب الظاهر ويعتكفون هناك، لم أشاهد اعتكافهم، ولكن كنت قد رأيت اعتكاف مسجد الإمام.
الاعتكاف في الجامعات
لقد كان هذا هو كلّ مظاهر هذه السنّة العريقة والغنيّة، ذات المعاني الراقية في تلك الفترة: في مدينة قم، ذلك العدد القليل! اذهبوا اليوم إلى جامعات البلاد لتشاهدوا ما يحصل - هذا غير الوضع في مسجد كوهرشاد (مشهد) ومسجد جمكران (قم) والمساجد الهامة الأخرى والأماكن التي تشهد توافد الناس احتشادهم، في مساجد الجامعات، مسجد جامعة طهران وغيره من الأماكن - سترون كيف أنّ طلابنا وشبابنا قد وقفوا في صفوف الانتظار قبل الاعتكاف، وانتظروا دورهم لتسجيل أسمائهم والكثير منهم لا يجد له مكانًا، ولا يتمكّن من التسجيل للاعتكاف، أي إنّه لا يتمكّن من المشاركة، هذا الشوق العام لهذه العبادة، وصل الى هذا الحد، حسن، هذه واحدة من البركات الإلهيّة.
1 مدير الحوزات العلمية في كل أنحاء البلاد.
2 أيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري ( وخصوصًا شهر رجب) التي يستحب فيها الاعتكاف.
3 مسجد الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
218
189
في لقائه أعضاء اللجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث
بركات الاعتكاف
بحمد الله، فإنّه تعالى هيّأ هذه الأرضيّة وأعطى هذا التوفيق وجذب قلوب الشباب نحوه بمغناطيس المحبّة الإلهيّة والذكر الإلهي، هذا الأمر الذي ينبغي اغتنامه والاستفادة منه، هذه فرصة. كلّ فرصنا تحمل في داخلها تهديدات أيضًا، لقد أشرتم، أحد الموضوعات المقرّر أن تناقش في مؤتمركم هذا مسألة معرفة الآفات1، خذوا مسألة معرفة الآفات والمشاكل هذه بمنتهى الجديّة. الاعتكاف هو مكان للعبادة، وبالطبع، العبادة ليست الصلاة فقط، بل إنّ التواصل الجيّد مع المعتكفين، العلاقة الأخويّة والودّية، التعلّم منهم، تعليمهم، تجربة نمط المعاشرة الإسلاميّة وتعلّمها، كلّها فرص تسنح في الاعتكاف، ويجب التخطيط والبرمجة لهذه الفرص. إنّ العمل الأهم يتمثّل في التخطيط والبرمجة. فإن لم توضع برامج جيّدة ولم يتم مساعدة جموع الشباب المتشوّقة والمتحمّسة التي تقصد المساجد للاعتكاف، فإنّ هذه الطاقات سوف تذهب هدرًا، وقد تصبح مضرّة. ينبغي أن تكون البرمجة ذكيّة وواعية وفي الوقت عينه واعية لمعنى الاعتكاف. لنفترض مثلًا أنّ أحدهم يأتي ويبرمج لعرض أفلام في مراسم الاعتكاف! الأفلام ممكن مشاهدتها في كلّ مكان. مشاهدة الأفلام لا تحتاج إلى أيام بيض، ولا إلى المسجد، وما إلى ذلك. الغاية من الاعتكاف هي الاقتراب من الله. انظروا ما الذي تستطيعون فعله لتقريب قلب المعتكف من الله وتقريب عقله وذهنه أيضًا من الله، وبالطبع، فإنّ الإنسان حينما يستأنس في باطنه وقلبه بالله تعالى سيترك ذلك تأثيراته على ظاهره وتظهر عليه علامات ذلك.
حينما تعتري الإنسان حالة الخشوع، فإنّ الخضوع أيضًا سيعقب الخشوع، وعندئذ سيؤثّر ذلك في حياته. الشاب الذي يخرج من الاعتكاف بعد ثلاثة أيام
1 إشارة إلى ما قاله مدير الحوزات العلمية في كل أنحاء البلاد بأن المهرجان الثالث للاعتكاف كان بالموضوعات التالية: الاعتكاف في مرآة الآيات القرآنية والروايات، وأحكام الاعتكاف وآدابه، وتشخيص آفات الاعتكاف، والآثار والبركات الفردية والاجتماعية للاعتكاف في المذاهب الإسلاميّة والأديان، وسبل نشر الروح المعنوية عن طريق الاعتكاف.
219
190
في لقائه أعضاء اللجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث
سيكون طاهرًا مغتسلًا، وسيتحلّى بطهارة معنويّة، ويكون ذلك ذخرًا له. هذا شيء على جانب كبير من الأهميّة والعظمة، ثلاثة أيام من الصيام والانقطاع عن متابعات الحياة المتعارفة والتوجه لله تعالى وللمعنويّات وللمعارف والتوحيد، هذه أشياء لها قيمة كبيرة. دقّقوا في تطبيق هذه الأشياء بصورة صحيحة وهدايتها وتوجيهها بصورة سليمة. ليكن الخطباء والمتكلّمون جيّدين وليتحدّثوا وليعلموا المعتكفين المعارف الدينيّة. وليجر تجنّب افتعال الأزمات والجدالات والضوضاء الهامشيّة مما يؤثّر عادة على المجتمع، ولنقض هذه الأيام الثلاثة بالاتّجاهات المعنويّة. وإذا خرجوا بعد ذلك، فهناك الكثير من الميادين والساحات والمجالات الحياتيّة يمكن للمرء أن يخوضها في المجتمع، ولكن ليكن الأصل في هذه الأيام الثلاثة هو الاتصال بالله، ولتجر البرمجة لذلك. هذا هو الأصل والأساس وسوف يتطوّر ويتنامى، إن شاء الله.
طبعًا، الدعم والضيافة وما إلى ذلك أمور جيدة. سمعت أنّ بعض هذه المساجد كأنّها تستفيد من شوق الناس وإقبالهم هذا وتتقاضى أموالًا كبيرة من الذين يقصدون الاعتكاف فيها! يجب أن لا يكون الأمر على هذه الشاكلة. لا عيب في تقاضي الأموال من المعتكفين، وهذا هو الأفضل - الأمر الذي يقدّم الناس فيه المساعدة الماليّة ويشتركون فيه ماليًّا سيكون مباركًا، فمن خصوصيّات أموال الناس ومساعداتهم أنّها مباركة - ولكن يجب التدقيق لكي لا تتحوّل هذه المراسم إلى أجهزة لكسب المال التجارة وما إلى ذلك.
أملنا أن يزيد الله تعالى من توفيقات المعتكفين يومًا بعد يوم، وأن تهطل أمطار الرحمة الإلهيّة على قلوبهم بالدرجة الأولى وببركة هؤلاء الشباب تهطل كذلك على قلوبنا السوداء، لنستطيع نحن بدورنا أيضًا أن ننهل من أنوارهم ومعنويّاتهم. وأعانكم الله أنتم أيضًا أيّها الأصدقاء، الناشطون في أمر الاعتكاف، لتستطيعوا، إن شاء الله، القيام بهذا الأمر وبهذه الصدقة الجارية على أحسن وجه.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
220
191
في لقائه المعلّمين والتربويّين
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه المعلّمين والتربويّين
المناسبـــة: أسبوع المعلّم
الحضور: آلاف المعلّمين والتربويّين من مختلف أنحاء البلاد
المكان: طهران
الزمان:
17/02/1393هـ.ش.
07/07/1435هـ.ق.
07/05/2014م
221
192
في لقائه المعلّمين والتربويّين
بسم الله الرحمن الرحيم
قدمتم خير مقدم، وعطّرتم بحضوركم الدافئ والصميمي - أيّها المعلّمون الأعزّاء ومدراء التربية والتعليم - أجواء عملنا وحياتنا.
أوّلاً، إنّه شهر رجب، فرصة لعبوديّة الله. يمكن لحياتنا بطولها وعرضها أن تكون أرضيّة للعبوديّة الصحيحة، حيث إنّ السعادة الحقيقيّة هي في هذه العبوديّة. بعض المناسبات تزيد من فرصنا، ومنها شهر رجب المبارك. لنعدّ أنفسنا ولندعو لبعضنا أن يوفّقنا الله لبناء ذاتنا في هذا الشهر، وفي شهر شعبان، وفي شهر رمضان المبارك، فنتقدّم خطوة إلى الأمام، ونتسامى إلى الأعلى.
تحيّة إلى المعلّم الشهيد
من جملة فرص هذا اللقاء، وهذا اليوم، أيضًا تقديم التحيّة لذكرى بعض الشهداء الأجلّاء، وعلى رأسهم شهيدنا العزيز المرحوم الشهيد آية الله مرتضى مطهّري، الذي هو مفكّرنا الكبير، ومعلّمنا، والمجاهد في سبيل الفكر والعقيدة الإسلاميّة. وقد وصل الى هذه السعادة حيث نال باستشهاده شهادة قبول جهاده الطويل من الله تعالى، هنيئًا له! وكذلك الشهيد محمد علي رجائي، والشهيد محمد جواد باهنر اللذان قضيا جلّ عمريهما في التربية والتعليم، إنسانان مجاهدان وتقيّان ومخلصان في خدمة التربية والتعليم في البلاد، ونحن شهدنا عن كثب جهود هذين العزيزين في هذه المجالات على مدى سنين طويلة، وخلال الفترة القصيرة من حياتهما بعد الثورة.
223
193
في لقائه المعلّمين والتربويّين
جميعنا مدينون لفضل المعلّم
إنّ لقاءنا بالمعلّمين في كلّ سنة له هدف أساسي وعدّة أهداف جانبيّة. الهدف الأساسي هو التكريم الرمزي للمعلّم. نرغب من خلال لقائنا هذا إظهار حبّنا لمنزلة المعلّم. هذه الخطوة الرمزيّة هي عمل واجب وضروري، يجب أن يكون تكريم المعلّم ومهنة التعليم عامًّا شاملًا في مجتمعنا، وينبغي أن يفتخر المعلّمون بكونهم معلّمين، أن يفتخر الجميع إذا ما سلّموا على المعلّم وأبدوا له الاحترام. كلّما ارتفع مقام المعلّم ارتقت منزلة التربية والتعليم في المجتمع.
إنّ قصر النظر في التعامل مع المعلّم هو خسارة للمجتمع، يجب العمل على منع هذا الأمر. النظرة للمعلّم ينبغي أن تكون نظرة تجليل وتكريم. الكثير من الأعمال والمهن والوظائف في البلاد لها بهارجها وبريقها ومظاهرها المتنوّعة، لكن منزلتها جميعًا هي أدنى بكثير من منزلة التعليم ومهنة التعليم. هذا ما يجب أن نفهمه وندركه جميعنا.
حينما يُروى عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "إنّما بعثت معلّمًا"1، فهذا أعلى افتخار أن يعتبر الرسول نفسه معلّمًا. مستويات التعليم ومضامينه هي متفاوتة ومختلفة، بالطبع، ولكن في المراتب العليا وفي مراتب ودرجات أمثالنا، فإنّ حقيقة التعليم واحدة، وهي مصدر افتخار، هذا هو ما نوَد بيانه. نرغب من خلال هذا اللقاء أن نعرب عن مدى احترامنا وتكريمنا للمعلّم. إنّنا مدينون للمعلّم وله الفضل والمنّة علينا، وعلى أبنائنا وأعزّائنا وعلى كلّ الذين يهمّنا مستقبلهم. كلّ الناس يشتركون في هذه القضيّة وجميعنا مدينون لفضل المعلّم ومنّته. هذه هو لبّ كلامنا وأصل القضيّة.
و لكن ثمّة نقاط جانبيّة، إحداها: خطابٌ إلى المعلّمين أنفسهم، وأخرى: نخاطب بها المدراء والمسؤولين في القطاع الهام والواسع للتربية والتعليم.
1 الشيرازي، محمد بن إبراهيم، شرح أصول الكافي، ج 2، ص 95.
224
194
في لقائه المعلّمين والتربويّين
ومسؤولية المعلم وواجباته العلمية
ما يتعلّق بالمعلّمين هو أن يعلَمَ المعلّم العزيز بأنّ عمله ليس التعليم فقط، أو بعبارة أخرى ليس تعليم مواد الكتب والعلوم المقرّرة فقط. على المعلّم أن يعطي العلم، وعليه في الوقت نفسه أن يعلّم منهج التفكير وعمليّة التفكير، وكذلك أن يشمل بعمله تعليم السلوك والأخلاق. إذا أخذنا التعليم بمعناه الواسع، فإنّه يشمل هذه الساحات الثلاث:
الأول: تعليم العلم، أي تدريس محتويات الكتب والعلوم التي ينبغي لأوّلاًدنا - رجال ونساء بلادنا في المستقبل - أن يتعلّموها، هذا واحد من الأعمال.
العمل الثاني: - وهو أهمّ من الأول هو - تعليم التفكير: يجب أن يتعلّم أطفالنا كيف يفكّرون - الفكر الصحيح والمنطقي - وينبغي أن تتمّ هدايتهم نحو التفكّر الصحيح. إنّ النظرة السطحيّة وتعليم السطحيّة في قضايا الحياة يشلّ المجتمع، ويسبّب الفشل والشقاء للمجتمع على المدى البعيد.
ينبغي تأصيل وترسيخ التفكير في المجتمع. لذلك، لاحظوا، إنّنا عندما نذكر الشهيد مطهّري مثلًا، لا نهتمّ فقط بعلم الشهيد مطهّري، بل نهتمّ أيضًا بتفكير الشهيد مطهّري. إذا امتلك شخصٌ ما تفكيرًا وفكرًا، فإنّ هذه الروح ستؤدّي إلى اكتشاف قضايا العلم المهمّة. إذا تمّ إعداد شبابنا وعلمائنا كمفكّرين، فإنّ ذخائر علومهم سوف تطرح العشرات، بل المئات من المسائل الجديدة وأجوبتها. إذًا، الاستفادة من العلم إنّما تصبح ممكنة بواسطة التفكير.
الأمر الثالث: هو السلوك والأخلاق: أي، تعليم السلوك والأخلاق، فهذه الأمور التي وردت في كلمة الوزير المحترم1: نمط الحياة ونوع السلوك.
نحن شعبٌ له مثله العليا وأفكاره السامية، وقممه الشامخة المحدّدة - إذا اتّسع المجال فسأطرح بعض النقاط في هذا المجال - التي نطمح للوصول إليها.
1 السيد علي أصغر فاني وزير التربية والتعليم الذي كان حاضرًا في اللقاء.
225
195
في لقائه المعلّمين والتربويّين
وهذا الأمر يستلزم أناسًا صبورين، عقلاء، متديّنين، مبدعين، مبادرين، شجعان، بعيدين عن الكسل، عطوفين، رحماء، ذوي سلوك مؤدّب، أتقياء، يشعرون أنّ آلام الآخرين هي آلامهم.
مهمّة المعلّم: صناعة الإنسان
صناعة الإنسان وتشكيل وبناء الإنسان المطلوب في الإسلام هو أمر يحصل بالتربية. كذلك، فإنّ كلّ الناس لديهم قابليّة التربية. قد يتقبّل البعض التربية متأخّرًا والبعض أسرع، البعض قد تترسّخ التربية لديه وتدوم أكثر، والبعض قد تفارقه بسرعة أكبر، لكن كلّ الناس معرّضون للتغيير والتبدّل الذي يحصل بالتربية. وهذا يرجع بالدرجة الأولى إلى عناصر أصليّة ومنها المعلّم. بالـتأكيد، فإنّ الأب والأمّ والأصدقاء وغيرهم مؤثّرون، لكنّ تأثير المعلّم هو تأثير أعمق وأبقى. هذه هي المهمّة التي يجب على المعلّم أن يأخذها على عاتقه.
بناءً على هذا، المعلّم يعلّم العلم، ويعلّم التفكير، ويعلّم الأخلاق والسلوك أيضًا. إنّ تعليم الأخلاق والسلوك ليس من قبيل تعليم العلم بحيث يقرأ الإنسان ويدرّس من الكتب فقط. درس الأخلاق لا يمكن نقله بواسطة الكتب، السلوك مؤثّر أكثر من الكتاب والكلام. أي إنّكم في الصف وبين التلاميذ تدرّسونهم بسلوككم. بالطبع، يجب القول والبيان بالكلام أيضًا، ويجب إسداء النصيحة، لكنّ السلوك تأثيره أعمق وأشمل. سلوك الإنسان يبيّن صدق الكلام، هذا هو ما نقوله للمعلّمين. هؤلاء الطلّاب أمانة في أيدي المعلّمين، يجب الانتباه لهذا المعنى والاهتمام به. إذا قام معلّمونا - إن شاء الله - برفع مستوى الأطفال والتقدّم بهم الى الأمام بهذا الأسلوب - أي بالنظر لهذه العناصر الثلاثة - ، فأتصوّر أنّ ذلك سيكون له تأثيرات أساسيّة كبيرة في مستقبل المجتمع. بالتأكيد، هناك الكثير من الأعمال الجيّدة أنجزت بعد الثورة على هذا الصعيد. حيث إنّ المعلّمين بالتزامهم وبحضورهم في الحالة الثوريّة - سواء في سنوات الدفاع المقدّس أم بعد ذلك - قدّموا الكثير من الإنجازات والتأثيرات. حينما أقرأ بعض هذه الكتب حول المعلّمين، أنّ تأثير المعلّم
226
196
في لقائه المعلّمين والتربويّين
الذي شارك في جبهات الدفاع المقدّس واستشهد على أفكار التلاميذ هو تأثير عميق وعجيب، وهذا ما يلاحظه الإنسان بوضوح.
"وثيقة التحوّل" تحتاج إلى برنامج عمليّ
هناك نقطة حول التربية والتعليم والإدارة هي مسألة "وثيقة التحوّل البنيوي في التربية والتعليم". إنّ وثيقة التحوّل - والتي تمّ تنظيمها وإعدادها وإقرارها، بحمد الله، في الأعوام الأخيرة - لم تحصل دفعة واحدة، منذ بدايات الثورة وانتصارها كانت هذه الوثيقة من الأحلام والآمال الكبرى. لأنّ نظام التربية والتعليم في بلادنا، كان قد قام على أساس تقليد نظم التربية والتعليم الغربيّة، بالشكل نفسه والمضمون نفسه وتقريبًا بالترتيب نفسه. كان لا بدّ من تحوّل أساسي في قطاع التربية والتعليم، سواء في الشكل والقالب أو في المضمون. حسن، لقد نضجت هذه الفكرة التي راودت الكثيرين طوال أعوام بشكل تدريجي لتظهر على شكل وثيقة التحوّل.
لا نقول إنّ وثيقة التحوّل هذه هي الحد الأعلى من الطموحات والتوقّعات، كلا، فلكلّ أمر هناك حد أعلى يمكن تصوّره - من الممكن، إن شاء الله، أن تعملوا وتتقدّموا إلى الأمام وتتراكم تجاربكم وتضيفوا بعد مضي زمن معيّن شيئًا إلى ما هو موجود عندكم اليوم - ولكن حاليًّا هذه الوثيقة هي بين أيدينا، ويجب التعامل معها بمنتهى الجديّة. ما أقوله وأوصي به المسؤولين والمدراء المحترمين، هو النظر بجديّة وحزم لوثيقة التحوّل البنيوي في التربية والتعليم، بشكلٍ عملي يتجاوز التصريحات الرسميّة.
حسن، إذا أردنا لوثيقة التحوّل هذه أن تتحقّق كما يجب - كما أشاروا إلى ما قلناه سابقًا- فمن الضروري وجود خارطة طريق وبرنامج. إذا لم تتحوّل أفكارنا، والأفكار الكليّة التي يتبنّاها المسؤولون والمخلصون، إلى برنامج عملي، فسوف تبقى في عالم الذهنيّات ولسوف تهترئ وتبلى. لا بدّ من برنامج إجرائي للعمليّات. أعدّوا هذا البرنامج التنفيذي بمشورة وإشراف المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة - والذي يمثّل مركزًا ثقافيًّا عظيمًا، ومرجعًا لاتّخاذ القرارات والمسؤولون مشاركون
227
197
في لقائه المعلّمين والتربويّين
فيه - وقوموا بصياغته وتدوينه ونفّذوه خطوة خطوة، حين تشعرون أنّ هذه الخطوة قد قطعت نعمل على قطع الخطوة اللاحقة بعدها. بعض الأعمال يجب إنجازها بشكل متزامن ومتواز ومع بعضها.
الكوادر المبدعة
هناك مسألة في جهاز إدارة التربية والتعليم هي مسألة الموارد البشريّة. كما أشاروا1، فإنّ قطاع التربية والتعليم يشكّل أكبر منظّمة ومجموعة رسميّة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. هناك أكثر من مليون موظّف يعمل في هذه المنظّمة العملاقة، وهم يتعاملون بشكلٍ مباشر مع إثني عشر مليون طالب، وبشكلٍ غير مباشر مع عشرات الملايين من أولياء الأمور. شبكة عظيمة كهذه على جانب كبير من الأهميّة.
وإنّ الطاقات والكوادر التي ينبغي أن تستخدم وتوظّف في مثل هذه الشبكة العظيمة يجب أن تتحلّى بخصوصيّات معيّنة. إحدى هذه الخصوصيّات هي أن يكونوا مفعمين بالدوافع والهمم العالية والنشاط. أمّا العناصر المتعبة والمستهلكة وعديمة الإبداع - من الذين أنفقوا كلّ ما كانوا قد تعلّموه سابقًا، ولا يعرفون شيئًا جديدًا آخر أبدًا - يجب عدم الاستعانة بها كعناصر أساسيّة وكوادر في مراكز القرار! لتكن الأولويّة للطاقات الشابّة والنشيطة والمتحفّزة والمتديّنة والثوريّة من الذين تكون القضيّة الأصليّة في التربية والتعليم هي هدفهم وهمّهم الأساس، أي تربية الإنسان. يجب الاستعانة بهؤلاء واستخدامهم والاستفادة منهم، هذه قضيّة. بناءً على هذا، فإنّ المسألة الأولى والأهم برأيي، على مستوى الإدارات العامة والمستوى العالي لقطاع التربية والتعليم، هي أن ينظروا ويدقّقوا ليروا من أيّة طاقات وكوادر بشريّة يستفيدون يجب أن يستقطبوا ويستخدموا الطاقات والعناصر المتديّنة والثوريّة والنشيطة والمحبّة والعاشقة لعملها والمستعدّة لخوض غمار الميادين الشاقّة في مجال أهداف التربية والتعليم، هذا هو العمل الأهم.
1 وزير التربية والتعليم.
228
198
في لقائه المعلّمين والتربويّين
دعم قطاع التربية والتعليم
المسألة الثانية هي جهات الدعم. واجب ومسؤوليّة جميع الأجهزة والمؤسّسات في الحكومة دعم قطاع التربية والتعليم. سواء المؤسّسات المختصّة بالتخطيط والميزانيّة أو الأجهزة التي تصادق على هذه الميزانيّات في مجلس الشورى الإسلاميّ، يجب عليهم جميعًا أن تكون نظرتهم للتربية والتعليم مثل هذه النظرة، فلا يتصوّروا أنّ هذا القطاع قطاع يستهلك التكاليف والميزانيّات فقط - وهذه نظرة مشهودة في بعض الأحيان، إذ يقولون إنّ جهاز التربية والتعليم هو قطاع يستهلك ويكلّف - كلّا، إنّه جهاز كلّما خصّصتم ميزانيّات، وأنفقتم عليه أكثر فستربحون أضعافًا مضاعفة. إنّه قطاع سيتخرّج منه صنّاع الثروة في المستقبل، وصنّاع العلم في المستقبل، وصنّاع الحضارة في المستقبل، ومدراء المستقبل. ليس من الصحيح أن نتصوّر أنّ التربية والتعليم تحمّلنا نفقات ومصاريف فقط. كلّا، فلا يوجد أرباح ومكاسب أكبر من مكاسب التربية والتعليم. كلّ ما تشاهدونه في كلّ أرجاء البلاد من مؤشّرات ومظاهر التقدّم والإنتاج والإبداع، فإنّ جذوره هنا. أصلحوا هذا القطاع فيصلح عندها كلّ شيء! بناءً على هذا، فإنّ إنفاق الأموال والميزانيّات على التربية والتعليم وتنمية المصادر الماليّة للتربية والتعليم من الأعمال الأساسيّة، التي نأمل أن يولّيها المسؤولون الحكوميّون الاهتمام اللازم.
التربية (الهدف الأسمى)
قضيّة أخرى هي أنّ المدراء الذين نختارهم - كما أشرت في أواسط كلمتي - يجب أن يكونوا مدراء ينصبّ اهتمامهم على القضيّة الأصليّة في التربية والتعليم. إنّ النزعات والتوجّهات السياسيّة والحزبيّة والفئويّة وما إلى ذلك هي سمّ مهلك للتربية والتعليم. لقد شاهدنا، في فترة من الفترات طوال هذه الأعوام المتمادية - حين جرى الاهتمام والتركيز على هذه الأمور أكثر - مدى الضرر والخسارة التي لحقت بالتربية والتعليم. راقبوا واحذروا! فليكن التعامل مع مختلف مسائل
229
199
في لقائه المعلّمين والتربويّين
قطاع التربية والتعليم بحيث تكون القضيّة الأهمّ بالنسبة لمدير أي قسم أو دائرة في هذا الجهاز العظيم الواسع قضيّة "التربية والتعليم"، أن تكون قضيّة "تربية الإنسان"، وتربية الطاقات الثوريّة. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء! أقول لكم هنا: إنّنا حينما نشدّد على الطاقات والكوادر الثوريّة والمتديّنة، فلأنّ أمامنا دربًا طويلًا، أمام هذا الشعب درب طويل. الهدف الذي رسمناه "نحن" للجمهوريّة الإسلاميّة على أساس التعاليم الأساسيّة للثورة - وحين نقول "نحن"، لا أقصد بها هذا العبد الحقير، بل المراد هو الشعب الإيراني، ومسؤولو الثورة وأصحاب الثورة وأهلها - هو هدف سام جدًّا. الهدف هو خلق مجتمع نموذجي. إنّكم تريدون وفي إطار إيران العزيزة - والواقعة من الناحية الجغرافيّة في منطقة حسّاسة جدًّا من العالم - أن تصنعوا مجتمعًا يكون ببركة الإسلام وتحت راية القرآن، أسوة ونموذج. نموذج في الأبعاد الماديّة والتقدّم المادي، وفي الوقت نفسه أسوة ونموذج في الأبعاد المعنويّة والأخلاقيّة.
مساوئ الحضارة الغربيّة
لقد حقّق الغربيّون نقلة نوعيّة في المجال المادي وقاموا بقفزة في فترة من الفترات، بيد أنّ هذه القفزة كانت منفصلة ومتعارضة مع الحركة الأخلاقيّة. كانت قفزة ماديّة مئة بالمئة. في البداية، لم يدرك أحد ما الذي حصل! لكن ها هم الآن، قد بدأوا يفهمون بالتدريج، فهم يشعرون بخسائر لا تعوّض تصيبهم شيئًا فشيئًا. لا يتوهمنّ أحد أنّ حضارة ماديّة محضة، وبعيدة عن المعنويّة ستستطيع أن تروي شعوبها ماءً هنيئًا زلالًا. كلا! سوف يلاقون الأمرّين، وهاهم الآن يعانون الأمرّين. ليس بسبب هذه التظاهرات في شوارع أوروبا وما إلى ذلك، كلا، إنّ مصيبة الغرب هي أعمق من هذه الأمور. إنّ حاجة الإنسان الضروريّة والأساسيّة، قبل كلّ شيء، هي للأمن الروحي والأمن الأخلاقي، والأمن الوجداني وراحة الضمير. وهذه الأمور مفقودة في البيئات الغربيّة، وسوف يزداد الوضع سوءًا يومًا بعد يوم. حين تطّلعون على ما يقوله كتّابهم ونقاّدهم ومفكّروهم، تشاهدون بوضوح كيف أنّهم ومنذ
230
200
في لقائه المعلّمين والتربويّين
سنوات ارتفعت أصواتهم، وقرعوا جرس الإنذار، وها هم ينشرون أخبار وأسرار الزوايا المظلمة والفاسدة، وكيف أنّ الفساد يتضاعف في مجتمعهم. هكذا هي الحياة الماديّة. نعم، هم تطوّروا من النواحي العلميّة والتقنيّة وما شابه، أنجزوا أعمالًا كبيرة، لكنّ الجانب الآخر من القضيّة بقي متروكًا ومعطّلًا، وهذا ما يشلّهم ويطرحهم أرضًا.
مجتمع الإسلام
إنّ المجتمع الذي يهدف إليه الإسلام هو مجتمع ذو مستوى عال من النواحي الماديّة، أي على مستوى الثروة والعلم ومستوى الحياة، وكذلك على مستوى الأخلاق والمعنويّات، أيضًا، يجب أن يكون في ذلك المستوى العالي، أو أعلى منه. هكذا مجتمع يصبح مجتمعًا إسلاميّا. إنّكم تريدون صناعة هذا المجتمع، وأمامكم درب طويل جدًا. هذا الهدف ممكن التحقّق، فلا يقولنّ أحد "لا يمكن"، بلى، فالكثير كان يظنّ أنّها غير ممكنة لكنّها تحقّقت بالفعل.
قوة الإبداع الإنساني
حين يشدّ شعب ما همّته ويقوّي عزيمته، فإنّه سيقوم بأعمال جبّارة. سينجز أعمالًا تاريخيّة. أثبتت مجتمعاتنا أنّها قادرة أن تكون كبيرة ومزدهرة وحيويّة وناضجة ومثمرة. الإنسان موجود لإتمام له، ولا انتهاء لآفاقه، ولا يمكن حصره وإحصاء تمام أبعاده. مع كلّ هذا التطوّر العلمي لا تزال الأجزاء الرئيسيّة من دماغ الإنسان غير معروفة. هذا ما يقوله العلماء المتخصّصون في أبحاث الدماغ! هذا الوجود الجسدي للإنسان غير معروف، فما بالك بالوجود المعنوي والروحاني والباطني للإنسان؟ قدرات الإنسان كبيرة جدًّا، إنّنا قادرون على القيام بأعمال كبيرة وكثيرة، بوسع الإنسان أن يوائم بين الرشد المادي والمعنوي بشكل كبير. حسن، نريد أن نصل إلى هذه الأهداف، وهذه الأهداف بحاجة إلى "إنسان"، فالإنسان قبل كل شيء آخر وهو أهم من "الطريق"، الحاجة إلى "إنسان". "الإنسان" الذي يسير على ذلك
231
201
في لقائه المعلّمين والتربويّين
الطريق أهم من الطريق نفسه. إذا لم يكن هناك سائر على الطريق، فلن ينفع الطريق المعبّد بالإسفلت! ولكن إذا كان هناك سائر ذو همّة عالية على الدرب، فلن يضرّه عدم وجود الطريق الإسفلتي. تشاهدون هؤلاء المتسلّقين إلى أين يصعدون في أعالي الجبال، لا يوجد طريق، لكن هناك أقدامٌ وهممٌ. يمكن التقدّم ويمكن الصعود إلى الأعالي، يمكن معرفة الطاقات والقدرات غير المعروفة واستخدامها. يمكن حل العُقد، الواحدة تلو الأخرى. كل هذا بحاجة إلى "إنسان".
وهذا الإنسان إنّما يتخرّج من قطاع التربية والتعليم. وكذلك للجامعات أهميّتها أيضًا، والأجواء في المجتمع بدورها مهمّة، والإذاعة والتلفاز كذلك، ولكن ليس لأيِّ من هذه المؤسّسات والأجواء والقطاعات أهميّة تلك الركيزة الأولى، أي المرحلة الابتدائيّة. تقع على عاتق المعلّمين والمدراء في هذا الجهاز العظيم مثل هذه المسؤوليّة، وعليه، فنحن نؤكّد ونعتمد على أن يكونوا متديّنين وثوريّين. بهذه الروح الدينيّة والثوريّة يمكن التقدّم في هذا الدرب، حتى لو كان وعرًا ومليئًا بالعقبات يمكن لهم التقدّم، ويمكن تجاوز الموانع والعقبات والعبور فوقها، بشرط وجود الروح الثوريّة والتديّن والالتزام الديني والثوري، هذه أيضًا نقطة هامة.
المناهج والبرامج الدراسيّة والكتب الدراسيّة
يجب الانتباه والتدقيق كثيرًا في الكتب الدراسيّة، إذ ينبغي أن تكون متقنة - فالمضمون والأفكار والكلام الضعيف في هذه الكتب مضرّ. ليس أنّه غير مفيد بل هو مضرّ - وكذلك الانحرافات السياسيّة أو الانحرافات الدينيّة أو الانحراف عن الحقائق والواقعيّات، في هذه الكتب مضرّة. الذين يتولّون مسؤوليّة هذه العمليّة يجب أن ينجزوا هذا العمل بمنتهى الأمانة والدقّة.
جامعة المعلّمين
وقد ذكرتُ هذا للوزير المحترم في الطريق قبل قليل. قلت له: "جامعة المعلّمين" هذه - أو "جامعة إعداد المعلّم" حسب التعبير القديم - هي جامعة، ولكنّها تختلف
232
202
في لقائه المعلّمين والتربويّين
عن الجامعات العاديّة. فضلًا عن الامتيازات الموجودة في الجامعات الأخرى، فإنّ ميزة "إعداد المعلّم" وتخريجه تختصّ فقط بهذه الجامعة. ولهذا الأمر طبعًا شروطه ومقتضياته. ينبغي الاهتمام بهذه الجامعة بمنتهى الجديّة.
قضيّة التربية و"المعاونيّة التربويّة"
كانت هناك تقصيرات وعدم اهتمام، وتعطّلت هذه المعاونيّة في فترة من الفترات ثم أعادوها ثم عطّلوها مرّة أخرى. "المعاونيّة التربويّة" - هي عبارة عن مجموعة تبذل كلّ جهدها وهمّتها في التصدّي للقضايا التربويّة، والتي هي تلك الجوانب والأبعاد الفكريّة والمعنويّة والثوريّة والسلوكيّة والأخلاقيّة - هي معاونيّة مهمّة جدًّا، سواء على مستوى الوزارة أو على المستويات الأدنى.
آمل أن يشملكم الله تعالى جميعًا بلطفه ورحمته، وإن شاء الله، تكون الروح الطاهرة لإمامنا الخمينيّ العزيز - الذي فتح أمامنا هذا الطريق - مسرورة منكم، وأن تكون أرواح الشهداء الأبرار الطيّبة، وخصوصًا الشهداء من المعلّمين ومن الطلبة الجامعيّين، مشمولة بالألطاف الإلهيّة، إن شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
233
203
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
المناسبـــة: ذكرى ولادة الإمام علي عليه السلام
الحضور: جمع من أهالي محافظة إيلام
المكان: طهران
الزمان:
23/02/1393 هـ.ش.
13/07/1435 هـ.ق.
13/05/2014 م.
235
204
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
بسم الله الرحمن الرحيم1
الحمد لله وصلّى الله على رسوله وآله الأطهرين الأطيبين.
أرحّب بكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، الذين قطعتم هذا الطريق الطويل، وتلطّفتم وجعلتم يوم عيدنا عيدًا بالمعنى الحقيقي للكلمة. نتمنّى أن ينزّل الله تعالى - ببركة مولود هذا اليوم - ألطافه المعنويّة والماديّة على الشعب الإيراني، وخصوصًا عليكم أيّها الإخوة والأخوات، الذين تفضّلتم بالمجيء من إيلام، وأن يشملكم بألطافه وهدايته الخاصّة.
مآثر إيلام ومفاخر أهلها
لقد عرفنا في ما مضى (دور) إيلام وأهالي إيلام - من عشائرها وأهالي مدنها وكلّ من فيها - وشاهدناه عن قرب، فقد كانت الألطاف الإلهيّة قد شملتكم - أيّها الأهالي - سواء في فترة الدفاع المقدّس أو بعد ذلك وإلى هذا اليوم: جهادكم وصمودكم ومقاومتكم ووفاؤكم العام الشامل، هذه ليست بالأمور الصغيرة. إنّها مفاخر بالنسبة للمجاميع الجماهيريّة - والحمد لله، على أنّكم سجّلتم هذه المفاخر وتسجّلونها وستسجّلونها في المستقبل أيضًا - واعلموا - خصوصًا أنتم أيّها الشباب الأعزّاء - أنّ هذا البلد لكم وأنّ مستقبله لكم، وأنتم من يجب أن تحملوا على عواتقكم القويّة أعباء هذه المسؤوليّة الكبيرة، كما فعل ذلك شباب الأمس ودافعوا عن الشرف الوطني وعن استقلال البلاد وعن الدين والإيمان وعن هويّتهم الوطنيّة، ومن المظاهر المهمّة لذلك هم أهالي إيلام. لقد شاهدت تضحيات الناس عن
1 قدم وفدٌ من مختلف شرائح أهالي محافظة إيلام إلى حسينيّة الإمام الخمينيّ قدس سره لتجديد الميثاق مع مبادئ النظام والقيادة تحت عنوان "قافلة الميثاق مع الولاية".
237
205
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
كثب، في سنوات 59 و60هـ.ش. (1980 - 1981 م) وفي تلك الآونة الصعبة، كان الناس كلّهم - من نساء ورجال - في الساحة يتعاونون، وكانت الشخصيّات البارزة والنخبة من أهالي محافظتكم ومنطقتكم يتحرّكون أمام صفوف الناس، واليوم أيضًا هذه هي القضيّة. ونتمنّى أن يمدّ الله تعالى يد عونه ويمنّ بتوفيقه على المسؤولين ليستطيعوا القيام بواجباتهم على أتمّ نحو، وهم طبعًا، في هذا الصدد، وينشدون حلّ عُقد المشاكل، يجب التعاون وعلى الجميع مدّ يد العون لتحقيق هذا الشيء.
معالم شخصية أمير المؤمنين عليه السلام
قيل الكثير عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، بيد أنّ الحقيقة كلّها لم تذكر بعد. ما قيل عن فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالألسن لحدّ الآن، وما جرى منها على الأقلام ليست كلّ فضائل الإمام أمير المؤمنين، بل هي جزء منها. يروى عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ لأخي عليًّا فضائل لا تُحصى"1 - فضائله لا تحصى - أي إنّ الناس عاجزون عن تعداد فضائله، أي إنّها فوق الإدراك والعقل والفهم البشري العادي، هذا هو الإمام أمير المؤمنين. طيّب، نحن نحتاج إلى نموذج وأسوة، إذن لننظر لأمير المؤمنين عليه السلام من هذه الزاوية.
في رأيي ينبغي النظر إلى حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلامفي ضوء عدّة معالم، سواء الكتّاب وأصحاب الأقلام والتحقيق، أو نحن الذين نريد المطالعة والبحث حول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، هناك في رأيي أربعة معالم تقف في المقدّمة، سأشير إليها على وجه الإجمال.
المقامات المعنوية
أحد هذه المعالم هو المراتب (المقامات) المعنويّة للإمام أمير المؤمنين، مرتبة المعرفة التوحيديّة، ومرتبة عبادته، ومرتبة تقرّبه إلى الله، ومرتبة إخلاصه
1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 26، ص 229.
238
206
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
- وهذه أشياء تخرج أعماقها وحقيقتها عن متناول أيدينا - ولقد أظهر كبار العلماء من شيعة وسنّة، وحتّى من غير المسلمين، كلّهم أظهروا عجزهم أمام هذا الجانب من شخصيّة الإمام أمير المؤمنين، فهو جانب موغل في العلو والشموخ والإشراف والسطوع في عين كلّ ناظر، فيعجز ولا يستطيع إدراك أبعاده، هذا جانب من الجوانب.
حين يتحدّث ابن أبي الحديد - وهو عالم سنّيّ معتزلي - عن خطبة من خطب الإمام أمير المؤمنين حول التوحيد في نهج البلاغة، يقول: "إنّه لجدير بأن يفخر إبراهيم خليل الرحمن بمثل هذا الابن"، وقد ولد من ذريّة إبراهيم كلّ هؤلاء الأنبياء، لكنّه يقول هذا عن الإمام أمير المؤمنين فقط. يقول: من الجدير أن يقول إبراهيم خليل الرحمن لابنه هذا: "إنّك ذكرت في التوحيد كلامًا في جاهليّة العرب لم أستطع ذكره في جاهليّة النبط، ولم أستطع التعبير عن هذه الحقائق"1. إنّ قائل هذا الكلام هو عالم سنّيّ معتزلي. هذا جانب من حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ذات الأبعاد (المغمورة) غير المعروفة، والتي تُعدّ بحقّ محيطًا عميقًا.
جهادُ الإمام عليّ عليه السلام
وهناك جانب آخر، هو جهاد أمير المؤمنين عليه السلام وهو جهاد وتضحيات هي قمّة التضحيات. ما قام به الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من تضحيات للإسلام وللدين ولحماية روح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلمولحفظ دين النبي ولشرف الأمّة الإسلاميّة وعظمتها، كان بحقّ جهادًا فوق طاقة البشر.
1 ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 7، ص 23. كلام ابن أبي الحديد: لو سمع النضر بن كنانة هذا الكلام لقال لقائله ما قاله على بن العباس بن جريح، لإسماعيل بن بلبل: قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا، ولكن لعمري منه شيبان وكم أب قد علا بابن ذرا شرف كما علا برسول الله عدنان إذ كان يفخر به على عدنان وقحطان، بل كان يقر به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن، ويقول له: إنه لم يعف ما شيدت من معالم التوحيد، بل أخرج الله تعالى لك من ظهرى ولدا ابتدع من علوم التوحيد في جاهلية العرب ما لم تبتدعه أنت في جاهلية النبط.
239
207
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
فقد كان منذ أوان الطفولة ومنذ أن عرف عليه السلام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مربّيًا له، ونشأ في حجره، واعتنق الإسلام في طفولته، وعلى مدى الأعوام الثلاثة عشر الصعبة في مكّة، ومن ثمّ في حدث الهجرة إلى المدينة البالغ الصعوبة، وبعد ذلك خلال فترة السنوات العشر من حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المباركة في المدينة المنوّرة وتلك الحروب والتضحيات والمعضلات، في كلّ تلك الفترات، كان هذا الإنسان إنسانًا واقفًا على قمّة التضحية وذروتها. وكذا الحال بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: فقد كان صبر الإمام علي بن أبي طالب تضحية، وكانت أعماله وخطواته تضحية، وكان تعاونه تضحية، وكان قبوله للخلافة تضحية، وكانت الأعمال التي قام بها خلال فترة خلافته القصيرة كلّها تضحيات متتابعة. إنّ كتاب تضحيات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بحدّ ذاته كتاب ضخم لكلّ قارئ، وهو مثير لدهشة الإنسان حقًا. إلى هذه الدرجة يمكن لإنسان وبعزيمته الراسخة أن يضحّي بروحه وسمعته وقدراته وشؤونه كلّها في سبيل الله! إنّ تصوّر هذا خارج عن طاقتي وطاقة أمثالي. هذا جانب من جوانب حياة الإمام أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام، والذي يمثّل بمفرده كتبًا ضخمة.
سلوك الإمام عليّ عليه السلام
المعلم الثالث، هو سلوك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام خلال فترة حكمه، سواء السلوك الشخصي أو السلوك الاجتماعي والحكومي. السلوك الشخصي هو حياة الزهد التي عاشها خلال فترة حكمه واقتداره. كانت تحت يده بلاد واسعة عظيمة من أقصى الشرق إلى مصر وإفريقيا - هذه المنطقة العظيمة - كانت كلّها تمثّل الدولة الإسلاميّة وتحت إمرة وحكومة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. هذا الحاكم الكبير المقتدر بهذا البلد الواسع الثريّ كانت حياته الشخصيّة، وسلوكه الشخصي أشبه بإنسان فقير معدم، فقد كان يعيش بثوب واحد ويأكل خبز الشعير اليابس ويتجنّب كل الملذّات الماديّة، إلى درجة أنّه هو نفسه يخاطب أصحابه وقادته والمسؤولين
240
208
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
في زمانه فيقول لهم: "إِنَّكم لا تَقدِرونَ عَلىذلِك"1، إنّكم لا تقدرون على ذلك، وقد كان على حق، فما من أحد يقدر على ذلك. الواقع، أنّه لأمر عجيب أن تكون الحياة الشخصيّة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام خلال فترة حكمه بهذه الصورة - أن يعيش في بيت متواضع جدًّا وتكون معيشته في الحدّ الأدنى، ويعيش مثل إنسان فقير معوز محتاج - ويخوض في كلّ هذه الأعمال الكبرى. وإنّ سلوكه الاجتماعي وإقامته للحق والعدل وصموده لتنفيذ الأحكام الإلهيّة مما يحيّر كلّ عقل أمام كلّ هذه العظمة والاقتدار. أي إنسان هذا؟ هذا ما عدا مراتبه ومقاماته المعنويّة، فهذا هو سلوكه السياسي. كيف عاش الساسة والحكام في العالم وكيف عاش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام؟ وهذا بدوره معلم مهمّ لم يعد له نظير لحد اليوم، ولن يكون له نظير. زهد أمير المؤمنين عليه السلام وسلوكه الشخصي وعبادته خلال فترة حكمه واقتداره. قالوا للإمام السجاد عليه السلام: يا بن رسول الله، لماذا تشقّ على نفسك كلّ هذه المشقّة، وتضغط عليها كلّ هذا الضغط، وتتعبّد كلّ هذه العبادة، وتزهد كلّ هذا الزهد، وتصوم كلّ هذا الصيام، وتتحمّل كلّ هذا الجوع؟ فبكى الإمام السجّاد عليه السلام وقال إنّ ما أقوم به ليس بشيء أمام ما كان يقوم به جدّي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فأين عملي من عمله! أي إنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان يرى سلوكه العبادي والزهدي صغيرًا مقابل السلوك الزهدي والعبادي للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، هذا شيء على جانب كبير من الأهميّة، هذا عن المعلم الثالث.
هدف عليّ عليه السلام: إيصال الناس إلى الجنّة
المعلم الرابع، هو الهدف الذي كان لأمير المؤمنين عليه السلام تجاه الناس خلال فترة حكمه، والذي يمثّل نقطة على جانب كبير من الأهميّة. وأريد أن أتوقّف قليلًا عند هذه النقطة.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إذا أطعتموني فسأحملكم إلى الجنّة. وعبارة
1 السيد الرضي، نهج البلاغة، الكتاب رقم 45.
241
209
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة نهج البلاغة هي: "فَإن أَطَعتُموني فَإنّي حامِلُكم، إن شاءَ اللهُ، عَلىسَبيلِ الجَنَّة"، يقول إذا سمعتم ما أقوله لكم وعملتم به، فإنّني سوف آخذكم إلى الجنّة، إن شاء الله. "وإِن كانَ ذا مَشَقَّة شَديدَة ومَذاقَة مَريرة"1، مع أنّ هذا الأمر صعب جدًا ومرّ جدًّا. هذه المسيرة ليست بالمسيرة الصغيرة أو السهلة. هذا هو هدف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: إيصال الناس إلى الجنّة، سواء على الصعيد الفكري (للناس)، أو على الصعيد الروحي والقلبي لهم، أو على صعيد حياتهم الاجتماعيّة.
هداية الناس وإرشادهم
إنّني أشدّد على هذه النقطة لأنّه يُسمع أحيانًا، هنا وهناك، عندما يجري الحديث عن الهداية والإرشاد وبيان حقائق الدين وما إلى ذلك، من يقول: يا سيّدي، وهل من واجبنا أن نأخذ الناس إلى الجنة؟ نعم، نعم، هو كذلك. هذا هو الفرق بين الحاكم الإسلاميّ وسائر الحكام: يريد الحاكم الإسلاميّ أن يعمل لكي يوصل الناس إلى الجنة ويتمتّعوا بالسعادة الحقيقيّة والأخرويّة والعقبائيّة2، لذلك عليه أن يمهّد الطرق. ليس الكلام هنا عن التعسّف والضغوط والإكراه، إنّما هو كلام عن المساعدة. إنّ فطرة البشر ميّالة للسعادة ويجب أن نفتح الطريق ونسهّل الأمور للناس ليستطيعوا إيصال أنفسهم إلى الجنّة. هذا هو واجبنا، وهذا هو العمل الذي حمل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أعباءه على كاهله وشعر بواجب أخذ الناس إلى الجنّة.
1 نهج البلاغة، الخطبة رقم 156.
2 من "العقبى" أو عقبى الدار.
242
210
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
سرّ الانتصار، قوّة الإيمان والعقيدة
إنّ المجتمع الإسلاميّ مجتمعٌ إذا ما عمل بالإسلام من النواحي الماديّة، فلا مراء أنّه سيتسنّم القمم، من حيث العلوم والصناعات التي يحتاجها ومن حيث المعيشة، ومن حيث العلاقات الاجتماعيّة ومن حيث العزّة والشرف الدنيوي والوطني والدولي. بيد أنّ هذا ليس هو كلّ ما يجب من أعمال (وحسب)، وليس كلّ الأهداف. إذا كانت حياتنا في الدنيا حياة طيّبة جيّدة وكانت لحظة موتنا لحظة تعاسة وخزي لنا فما الفائدة من ذلك؟ يقول الإمام السجّاد عليه السلام في دعاء الصحيفة السجّاديّة: "أَمِتنا مُهتَدينَ غَيرَ ضالّينَ، طائِعينَ غَيرَ مُستَكرِهين"1، يقول: اللهم اجعلنا حين نموت مهتدين غير ضالّين، وانقلنا من هذه الدنيا ومن هذه النشأة ونحن طائعين راغبين في الذهاب. من الذي ينتقل من هذا المعبر بطوع ورغبة؟ هو ذلك الشخص المطمئنّ إلى حسن حاله في الجانب الآخر من النقلة. أرأيتم شبابنا - شبابكم يوم ذاك - كيف ينزلون ساحات الخطر في ميادين القتال والحرب دون خوف، وفي هذه العمليّات التي أشاروا إليها2 - سواء في منطقة إيلام أو في منطقة خوزستان أو في منطقة المحافظات الغربيّة - أين ذهب هؤلاء الشباب وماذا فعلوا؟ لقد استسهلوا الموت3 واستصغروا الخطر، لأنّ قلوبهم تعرّفت على الحقائق. حينما يرى الإنسان الجانب الآخر ويرى تلك النعمة فسوف يطمئنّ إلى ذلك الجانب ويعيش براحة ويضحّي بسهولة ويصبر على المشاكل بسهولة، ويضع أقدامه في وديان الأخطار دون تردّد، ويتقدّم إلى الأمام، هنا تكمن القضيّة.
1 الصحيفة السجادية، الدعاء رقم 40.
2 أشار حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد تقي لطفي (إمام جمعة إيلام وممثل الولي الفقيه في المحافظة) في كلمته في بداية اللقاء إلى دور ومشاركة أهالي إيلام في مختلف العمليات العسكرية خلال الحرب المفروضة بما في ذلك عمليات فتح ميمك، وعاشوراء، ونصر 2، ونصر 4، والفتح المبين، ومحرم، ووالفجر1، والفجر3، والفجر5، والفجر6، وعاشوراء2، وكربلاء1.
3 استهانوا به.
243
211
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
لو أردنا الانتصار حتّى في مقاصدنا الدنيويّة، فيجب أن نقوّي إيماننا واعتقادنا وعملنا استعدادًا لذلك الجانب من حدود الموت. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأنّني أريد إيصال الناس إلى الجنّة، هذا هو واجبنا. يجب أن ننهى عن المنكر ونأمر بالمعروف، ونوفّر في البلاد أسباب عمل الخير واكتساب الحسنات، ونرفع أسباب الشرور والآفات، هذه واجبات المسؤولين في الحكومة.
"الاقتصاد المقاوم" سبيل العزّة والثقة
من جملة الأشياء التي تقرّب الناس إلى الجنّة تحسين معيشة الناس. "كادَ الفَقرُ أن يكونَ كفرًا"1. المجتمع الذي يكون فيه فقر وبطالة ومشاكل معيشيّة غير قابلة للحلّ وتباينات طبقيّة، وتمييز وهوّة طبقيّة لا يعيش حالة الاستقرار الإيماني. الفقر يجرّ الناس إلى الفساد والكفر، يجب استئصال الفقر. يجب أن يكون العمل الاقتصادي والنشاط الاقتصادي ضمن جدول أعمال المسؤولين وخططهم بشكل جدّي، والحمد لله، على أنّ المسؤولين ينشدون هذه الأمور ويتابعونها. يجب تنظيم الأفكار وتشخيص الطريق بصورة صحيحة والتحرّك بطريقة صائبة.
رفعنا شعار "الاقتصاد المقاوم". معنى الاقتصاد المقاوم أنّنا إذا اعتمدنا على طاقاتنا الداخليّة وإبداعات شبابنا وتوكّأنا على النشاطات الذهنيّة والسواعد في الداخل فسوف نتحرّر من تفاخر (فوقيّة) أعدائنا الخارجيّين ومنّتهم. هذا هو الطريق الصحيح. معنى الاقتصاد المقاوم هو أن ننظر ونشخّص الإمكانيّات والطاقات اللامتناهية الموجودة في الداخل ونبحث عنها وننشط ونفعّل هذه الإمكانيّات من خلال البرمجة الصحيحة والدقيقة من أجل توظيف واستخدام هذه المواهب. قلت قبل يوم أو يومين في أحد اللقاءات2، أين ما اعتمدنا على ابتكارات ومواهب شبابنا تفجّرت هناك الخيرات كالينابيع وتفتّحت بنحوٍ مفاجئ وازدهرت، في الشؤون المتعلّقة بالطاقة النوويّة، وفي القضايا ذات الصلة بإنتاج الأدوية، وفي
1 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 27، ص 247.
2 زيارته لمعرض منجزات القوة الجوية - الفضائية لحرس الثورة الإسلاميّة بتاريخ 11/05/2014 م.
244
212
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
قضايا العلاج، وفي الخلايا الجذعيّة، وفي النانو، وفي البرامج الصناعيّة الدفاعيّة، أين ما استثمرنا واعتمدنا على هذه الطاقات الشابّة والراغبة في العمل والمتديّنة والمخلصة في داخل البلاد وقدّرناها، استطعنا التقدّم إلى الأمام، يجب أن نولي اهتمامًا جدّيًّا إلى هذا الجانب. وكذا الحال بالنسبة للشؤون الاقتصاديّة، يجب تفعيل الإمكانيّات الاقتصاديّة، هذا هو طريق تقدّم البلاد. عندئذ سيتقدّم البلد من الناحية الماديّة والاقتصاديّة ومن حيث الاعتبار المكانة والهيبة الدوليّة ومن حيث العزّة الوطنيّة ومن حيث ثقة الشعب الإيراني بنفسه، ومن النواحي المعنويّة والأخلاقيّة والروحيّة.
هذا هو الطريق الذي "أميركا لا تستطيع ارتكاب أيّة حماقة"1. وقد ذكر أميركا من باب المثال. نعم أميركا لا تستطيع ارتكاب أيّة حماقة - وهي لم تستطع ذلك لحدّ الآن - وكذا الحال بالنسبة للقوى الأخرى، إنّها عاجزة عن ارتكاب أيّة حماقة. والحماقة هنا ليست فقط الحماقة العسكريّة، إنّما بالمعنى الجامع للكلمة هو أنّهم عاجزون عن ارتكاب أيّة حماقة. لا يستطيعون شلّ الشعب الإيراني وحبسه، ولا يستطيعون فرض التراجع والتخلّف عليه، ولا يستطيعون فرض الضغوط على شعب إيران بحيث يجبرونه، حسب أوهامهم، على الركوع، الشعب الإيراني لن يركع. نشكر الله، على أنّ شعبنا حيّ، نشكر الله، على أنّ شبابنا يسيرون في الدرب الصحيح. عندما ينظر البعض إلى الشباب، يرى نماذج2 سلبيّة معدودة، نعم، هناك حالات سلبيّة - لا أنّها غير موجودة - ونحن على علمٍ بها، بيد أنّ السلوك والقيم العامة لشعب إيران وشبابنا قيم دينيّة وقيم حبّ الدين والوطن، والإسلام والقرآن الكريم، والمعنويّة والروح الوطنيّة، وما إلى ذلك من المبادئ. يجب عدم نسيان هذا أو الغفلة عنه، شبابنا والحمد لله، شباب صالحون. من جملة واجباتنا أن نساعد على أن يبقى هؤلاء الشباب صالحين ويتقدّموا إلى الأمام بصورة حسنة ويكونوا، إن شاء
1 صحيفة الإمام ج 10، ص 516.
2 النماذج هنا حسب التعبير الفارسي بمعنى: العادات والسلوك.
245
213
في لقائه حشود أهالي محافظة إيلام
الله، مفيدين لبلادهم.
نتمنّى أن يُرضي الله تعالى الروحَ الطاهرة للإمام الخمينيّ الكبير عنّا. ونرجو أن يُرضي الله تعالى القلبَ المقدّس لإمامنا المهدي المنتظر (أرواحنا له الفداء) - وهو اليوم روح عالم الإمكان - عنّا ويُسرُّه بنا، ويجعلنا ممّن تشمله أدعية ذلك الإمام العظيم، وعسى أن يحشر شهداءنا الأعزّاء، إن شاء الله، مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
246
214
في مراسم تخرّج مجموعة من طلاب جامعة الإمام الحسين عليه السلام
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في مراسم تخرّج مجموعة من طلاب جامعة الإمام الحسين عليه السلام
المناسبـــة: تخريج دفعة من الطلاب من الحرس
الحضور: جمع من الضباط والطلاب المتخرجين من الحرس
المكان: طهران
الزمان:
31/02/1393 هـ.ش.
23/07/1435 هـ.ق.
21/05/2014 م.
247
215
في مراسم تخرّج مجموعة من طلاب جامعة الإمام الحسين عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة على رسوله وآله الطيّبين الطاهرين.
أبارك لكم أيّها الشباب الأعزّاء الخرّيجين، وكذلك للّذين حازوا رتبهم العسكريّة في هذا المركز من مراكز العلم والمعرفة والثقافة، الذي هو - والحمد لله - من الظواهر الطيّبة والمباركة للثورة الإسلاميّة. وأتقدّم بالشكر، على هذا التنظيم والاستعراض المبتكر والجميل، الذي أُجري حتى هذه الساعة في الساحة.
الحضارة الإسلاميّة الجديدة
لا ريب في أنّ ازدهار وتفتّح الشتلات ونموّها المتجدّد، في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، من أهم القضايا وأكثرها محوريّة. أيّة ثورة أو أيّة حركة أو نهضة في العالم إذا لم يكن لها نماء متجدّد مستديم، فسيكون محكومًا عليها بالفناء والزوال. لقد استطاعت الجمهوريّة الإسلاميّة طوال هذه الأعوام الخمسة والثلاثين أن تُظهر، في كلّ فترة من الفترات، تجليّات جديدة ومتناسبة مع الحاجة. كان هناك أفراد أبدوا قلقهم من حالات السقوط1، وقيل إنّ حالات النماء سوف تتغلّب على حالات التساقط ، وهذا هو ما حصل. المهم هو أن تتركّز نظرة الجيل الصاعد، وكلّ الذين يريدون للطاقات الشبابيّة أن تكون في خدمة الأهداف والمبادئ
1 المقصود: السقوط في الامتحان والبلاء في محطات الحياة واختباراتها، وهناك قول مهم يرد في كلمات الإمام الخامنئي دام ظله: أنّ نماءات الثورة والنظام هي اكثر من تساقطاتها، وبمعنى آخر: أي الثابتين على مبادئ الثورة وقيمها وأصول الإمام (كما عبر مرة في خطاب)سواء من الرعيل الأول والثاني أو من الأجيال اللاحقة وخصوصا الشباب هم أكثر من الذين تركوها في منتصف الطريق أو ابدوا عدم الاهتمام. وهذه الفكرة يطرحها سماحته في لقاءاته مع العلماء والطلاب والمسؤولين وكذلك في لقاءاته مع التشكيلات العسكرية، خاصة عند حديثه عن دور الخواص والبصيرة والمبادئ التي أرساها الإمام.
من ذلك خطبتا صلاة الجمعة بطهران في تاريخ 19/08/2005 م.
249
216
في مراسم تخرّج مجموعة من طلاب جامعة الإمام الحسين عليه السلام
السامية، أن تتركّز على المستقبل المشرق البعيد، فلا ننظر فقط إلى المديات القريبة، وإنّ المستقبل البعيد هو بناء الحضارة الإسلاميّة، وهي حضارة جديدة تتناسب واحتياجات وإمكانيّات البشريّة المعاصرة الجريحة من مختلف حوادث القرون الأخيرة. إنّها إنسانيّة جريحة وحزينة، تعاني فيها أجيال الشباب من اليأس والقنوط والكآبة. يستطيع الإسلام أن يوصل هذه الأجيال إلى آفاق جديدة ويدخل الفرحة والسرور على قلوبهم ويمنحهم الكرامة كما هي لائقة بالإنسان، هذه هي الحضارة الإسلاميّة الجديدة.
شباب الثورة نواة الحضارة الجديدة
وأنتم النواة المهمّة والأساسيّة والأصليّة في صناعة هذه الحضارة، المستقبل لكم. أنتم الشباب اليوم صنّاع مستقبل البلاد ومستقبل هذه الحضارة، وفي الحقيقة أنتم صنّاع مستقبل العالم. إنّ قسمًا من المجموعات الآخذة بالنماء والرشد في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تتخرّج وتولد في هذا القطاع، أي في جامعة الإمام الحسين عليه السلام. أين ما كنتم، سواء من كان في هذه الجامعة أو كلّ الشباب في أيّ مكان من البلاد ممّن يشعرون بالمسؤوليّة يمكنكم أن تقوموا بدور أساسي. هذه الجامعة مكان مهم، فهي مركز علمي، ومركز بحوث، ومركز تعاليم ثوريّة، ومركز إعداد فكري وروحي. اعرفوا أيّها الشباب قدر هذا، وليبذل المدراء والمسؤولون كلّ سعيهم، لينتفعوا من هذه الفرصة إلى أقصى الحدود، وهم يفعلون ذلك، والحمد لله.
التحديّات، حثٌّ على التقدّم
يواجه النظام الإسلاميّ اليوم تحدّيات. إنّ وجود التحدّي يعني التحرّك نحو الأمام ومضاعفة الإبداعات المتجدّدة. فوجود التحدّيات لا يصيب الأفراد الواعين، وذوي البصيرة والشجعان بالقلق، وإنّ وجود التحدّيات يدفع الأفراد الملتزمين للنظر إلى الإمكانيّات المتاحة والمتوفّرة، وربّما المعطّلة. وإنّ سبب هذه التحدّيات هو وجود القدرة على التقدّم، والقدرة على الثبات والمتانة، والقدرة على مضاعفة
250
217
في مراسم تخرّج مجموعة من طلاب جامعة الإمام الحسين عليه السلام
القوّة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، هذا ما يركّز أعداؤنا أنظارهم عليه.
نظام الهيمنة العالمية
أقول لكم أيّها الشباب الأعزّاء، هذه النقطة: أصيب العالم خلال القرن أو القرنين الأخيرين، من خلال بروز ظاهرة الاستعمار المخزية المشؤومة والاستكبار الدولي، بآفات كبيرة، وأهم هذه الآفات هو نظام الهيمنة. معنى نظام الهيمنة أن تتوزّع الشعوب على الأرض إلى قسمين: القسم الأول: مهيمن، والقسم الثاني: خاضع للهيمنة. لقد تعوّدت الحكومات الاستكباريّة على التسلّط والتعسّف واستخدام منطق القوّة والتدخّل - باستكبار وهيمنة - في اقتصاد الشعوب وثقافتهم وسياستهم. وتربيتهم، وأسلوب عيشهم ونمط حياتهم، وأرادت أن يكون كلّ شيء في العالم تحت تصرّفها وفي يدها. لقد تعوّدت الحكومات الغربيّة، والحكومة الأميركيّة على مدى العقود الأخيرة، على هذه الظاهرة البغيضة، وعلى أن تستخدم منطق القوّة والتسلّط، وعلى أن يكون الاقتصاد العالمي في أيديهم، وعلى أن تكون ثقافات الشعوب في أيديهم وتحت سيطرتهم، وباختصار، على أن يكون قرار البلدان الأخرى في يدها. لقد تعوّدوا على هذا الشيء. وحينما يقف شعبٌ وبلدٌ بوجه هذه العادة القبيحة، فإنّهم سوف يغضبون ويضطربون. وقد أدّت الثورة الإسلاميّة إلى أن يقف بلد كبير يقع في منطقة جغرافيّة حسّاسة يمتلك ثروات ومصادر غنيّة - أي بلد إيران العزيز - وبشعب مقاوم شجاع موهوب، أن يقف بوجه هذا السياق القبيح الكريه، هذا هو ما يغضبهم.
مواجهة الهيمنة سبب العداء
ما يثير الاضطراب لدى الاستكبار العالمي هو أنّ شعبًا - في هذا البلد المهم مع ما له من سوابق تاريخيّة غنيّة جدًّا وخصوصيّات فذّة - قد وقف بوجه هذه العادة القبيحة في الهيمنة والخضوع للهيمنة. هذا هو ما يغضب أميركا، وهذا هو ما يدفع جبهة متّحدة من المستكبرين للاصطفاف مقابل الجمهوريّة الإسلاميّة.
251
218
في مراسم تخرّج مجموعة من طلاب جامعة الإمام الحسين عليه السلام
وهذا الشيء نفسه هو أيضًا ما يجتذب قلوب شعوب العالم نحو شعب إيران. وهذا الشيء نفسه هو ما يجعل الكثير من الحكومات التي لا تتجرّأ على الوقوف بوجه نظام الهيمنة، ترتاح وتُسرّ لوقوف نظام الجمهوريّة الإسلاميّة بوجه نظام الهيمنة، مع أنّها لا تمتلك الجرأة والشجاعة لإبداء ارتياحها هذا، هذا ما نراه بوضوح في العلاقات الدوليّة.
إنّ سبب العداء لدى أعدائنا هو أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة قد وقف بوجه نظام الهيمنة، وبوجه العادة السيّئة على تقسيم العالم إلى مهيمن وخاضع للهيمنة، وباقي الأمور هي ذرائع. الذريعة اليوم هي الملفّ النووي، وفي يوم من الأيام تكون الذريعة حقوق الإنسان، وفي يوم آخر يتشبّثون بذريعة أخرى. يريدون صرف نظام الجمهوريّة الإسلاميّة عن الصمود بوجه العتاة والأشقياء والابتزازيّين، والمتعسّفين في العالم، وهذا ما لن يحصل طبعًا.
جهود الشعب دليل النجاح والتقدم
لقد أثبت شعب إيران قدراته في الميادين المختلفة: لقد أثبت شعب إيران أنّه يمكن من دون الاعتماد على أميركا تحقيق التقدّم العلمي، وتحقيق التقدّم الاجتماعي، وتحقيق الحضور والتأثير الدولي، وتحقيق العزّة السياسيّة في عالم الإنسانيّة. هذا ما أثبتته الجمهوريّة الإسلاميّة وهم منزعجون من هذا الشيء. أن يستطيع شعب وبلد ونظام - مستغنيًا عن المتسلّطين والناهبين والمهيمنين وقطّاع الطرق الدوليّين، وغير مكترث بهم، وحتى مع معارضتهم وعدائهم - أن يُخرج نفسه من المشاكل ويحقّق ذاته ويفرض وجوده وحضوره ونفوذه رغمًا عنهم وعن أنوفهم، فهذا هو ما يغضبهم. لقد غضبوا، فليغضبوا، وعلى حدّ تعبير شهيدنا العزيز المرحوم بهشتي: فليموتوا بغيظهم. لقد اختار الشعب الإيراني الطريق الصحيح، وقد عرف طريق الصواب. لقد علمنا أنّه يمكن ومن دون الاعتماد على القوى المتسلطة المهيمنة التقدّم إلى الأمام، وأن نكون أقوياء، وأن نفتح الساحات المجهولة وغير المفتوحة للفكر البشري والعلوم البشريّة، ونستطيع أن نستقطب
252
219
في مراسم تخرّج مجموعة من طلاب جامعة الإمام الحسين عليه السلام
إلينا قلوب الشعوب في العالم. هذا ما عرفناه وعملنا به وسوف نواصل هذا الدرب قدمًا ولا يستطيع العدو فعل شيء، وإنّ أكثريّة العالم هو إلى جانب نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. حتى أنّ شعوب البلدان المستكبرة - أولئك الذين يعلمون الحقائق - يباركون شعب إيران، ويمدحون الجمهوريّة الإسلاميّة، وينظرون لها بعين التكريم والاحترام. تريد الإمبراطوريّة الإعلاميّة للاستكبار أن تمنع وصول أخبار وتجربة الشعب الإيراني إلى أسماعهم، ولكن على الرغم منهم، فإنّ أعين وقلوب وألسنة جزء كبير من الناس في العالم قد امتلأت اليوم بمؤشّرات إيمان شعوب العالم وثقتها بشعب إيران وبالثناء على شعب إيران.
من هو المجتمع العالمي؟
إنّني لا أوافق استخدام تعبير "المجتمع العالمي" الكاذب مقابل الجمهوريّة الإسلاميّة، وهو التعبير الذي يستخدمه أعداؤنا. أي مجتمع عالمي؟ الذين يقفون مقابل الجمهوريّة الإسلاميّة ليسوا المجتمع العالمي، إنّما هم عدّة حكومات مستكبرة، وهي خاضعة في الغالب لنفوذ حفنة من أصحاب الشركات الصهاينة الناهبين المفضوحين. ليس هذا هو المجتمع العالمي، إنّما هم من يسمّون أنفسهم "مجتمعًا عالميًّا". المجتمع العالمي هو الشعوب، المجتمع العالمي هو الحكومات المظلومة التي لا تمتلك الجرأة والشجاعة على إبداء معارضتها، وإذا توفّرت لها الأجواء المناسبة فسوف تعارضهم. المجتمع العالمي هو العلماء والمفكّرون والخيّرون والأحرار والتحرّريّون الموزّعون على مختلف أنحاء العالم، والذين يدركون الحقيقة ويثنون عليها.
الإتقان في العمل
أنتم من يجب أن يفتح الآفاق، وسوف تفتحونها. أعدّوا أنفسكم، اصنعوا شخصياتكم وهوياتكم. حاولوا أن تكسبوا العلم وتقوموا بالبحوث العلميّة، في هذه الجامعة، وتعزّزوا البصيرة وتتقنوا الفنون القتاليّة، وأشدّد هنا على إتقان الفنون
253
220
في مراسم تخرّج مجموعة من طلاب جامعة الإمام الحسين عليه السلام
القتاليّة. الحمد لله، على أنّ المواهب جيّدة جدًّا، والقدرات جيّدة جدًّا، وتستطيعون القيام بأعمال كبيرة، فأعدّوا أنفسكم، لإنجاز أعمال كبيرة في المستقبل غير البعيد، إن شاء الله. بتوفيق من الله، ستكون أرواح الشهداء الطاهرة - وقد شاهدنا اليوم في هذه الساحة تجليّات من أرواح الشهداء الطاهرة - والروح المطهّرة لإمامنا الخمينيّ الكبير، والأرواح الطيّبة للأئمّة الأطهار عليهم السلام دعامة لكم، وعسى أن يكون القلب المقدّس لإمامنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف راضيًا عنكم، إن شاء الله، وأن تكونوا جميعًا مشمولين بأدعيته الزاكية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
254
221
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
المناسبـــة: انتخاب رئيس وأعضاء الهيئة الرئاسية في مجلس الشورى الإسلاميّ
الحضور: جمع من نواب مجلس الشورى الإسلاميّ
المكان: طهران
الزمان:
04/03/1393 هـ.ش.
25/07/1435 هـ.ق.
25/05/2014 م.
255
222
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة على رسول الله وعلى آله الطاهرين.
أرحّب بكم كثيرًا أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، كما قالوا1 فإنّ هذا الموعد السنوي فرصة - بالنسبة لي أنا أيضًا: ألتقي بوجوه النوّاب المحترمين عن قرب، وأسمع تقارير حول أنشطتهم هي في الغالب تقارير جيّدة ومرضية، وأذكر بعض النقاط والأمور - هذه فرصة بالنسبة إلينا، ونشكر الله، على أن وفّقنا لهذا اللقاء في هذه السنة أيضًا. أتقدّم بالتعازي بمناسبة يوم استشهاد الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، وأبارك أيام بعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وذكرى أيام ملحمة الثالث من خرداد الكبرى، وفتح خرمشهر، وجهاد شبابنا المخلص المضحّي.
المسؤوليّة، أداءُ الأمانة
الأمر المهم هو أن نتنبّه - سواء أنتم أو أنا العبد الحقير أو باقي المسؤولين - أين ما كنّا إلى أنّ ما في أيدينا هو أمانة، وأداء هذه الأمانة واجب إلزامي وشرعي. وسوف يسألنا الله تعالى عن ما فعلناه وعن ما لم نفعله، ينبغي أن نتنبّه لهذا الأمر، وإن فترة المسؤوليّة عابرة غير باقية.
فرصة العمر
لقد مضت من دورة المجلس التاسع التي تستمرّ أربعة أعوام، سنتان. كلّ أحداث العالم تمضي هكذا سريعة، وكذا الحال بالنسبة لعمر الإنسان. هذا التمثيل القرآني يهزّ الأعماق: النبتة الخضراء التي تنبت وتخرج من الأرض في بداية الربيع أو التي
1 رئيس مجلس الشورى الإسلاميّ.
257
223
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
تتبرعم من أغصان الأشجار اليابسة، نبتة خضراء جميلة، والمرء يستمتع بالنظر إلى الأوراق الخضراء وللخضرة في الربيع، فهي طريّة ويانعة وفي طريقها للرشد، ولا يمضي كثير من الوقت حتى يحين الصيف، فتبدي هذه النبتة ما أودع في داخلها من مواهب - سواء الفاكهة في الأشجار أو المحاصيل الزراعيّة - ولا يمضي كثير من الوقت أيضًا حتى يحين الخريف، فتتحوّل تلك النبتة الجميلة الخضراء الطريّة نفسها إلى أوراق يابسة، ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾1، هذا المنظر الجميل الجذّاب الطري يتبدّل إلى هشيم تذروه الرياح وتنشره هنا وهناك. ونحن أيضًا كذلك، فهذا هو التمثيل والعرض العيني لأعمارنا: تبدأ من مكان ما وتمرّ بالطفولة والشباب والطراوة والحيويّة والنشاط والإمكانيّات والآمال الكبيرة، ثم نصل إلى أواسط العمر فيبرز ما فينا من قدرات ومواهب بقدر هممنا ومساعينا، ثم ننحدر إلى الشيخوخة. يقول الشاعر:
بقيت طويلًا في هذه الديار القديمة إلى أن جعلتني أحاديث "دي" و"بهمن" باليًا عتيقًا2
نصبح قديمين بالين، ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾3، نصبح مثل تلك الأعواد اليابسة والهشيم. هذا هو العمر، وهذه هي طبيعة الحياة. يجب فهم هذه الحقيقة. طالما كان الإنسان شابًا لا يدرك هذا، وفي مثل أعمارنا يشعر المرء بهذا ويدركه أكثر. طول هذه الحياة أمام أنظارنا: الخضرة والطراوة والحيويّة والاستعداد والجاهزيّة، وبعد ذلك النضج تدريجيًّا، ومن بعد النضج الضعف والبلى تدريجيًّا. هذا ما يشاهده المرء أمام عينيه، يجب العمل وفق هذه النظرة.
1 سورة الكهف، الآية 45.
2 ديوان ناصر خسرو، القصيدة رقم 184. ودي وبهمن هما الشهران العاشر والحادي عشر من أشهر السنة الإيرانية.
3 سورة الكهف، الآية 45.
258
224
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
المسؤولية والحساب يوم القيامة
ثم أمام الحساب الإلهي، حيث ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾1 كلّ كلمة تصدر عنّا تسجّل وتكتب، وكلّ حركاتنا وأعمالنا وخطواتنا، بل كلّ أفكارنا وخطرات قلوبنا. ينبغي العمل بهذه الذهنيّة، أنتم على مقاعد مجلس الشورى الإسلاميّ، والهيئة الرئاسيّة المحترمة - وأبارك لهم أيضًا لأنّهم حظوا مرّة أخرى بثقة النوّاب2 - في موقع الرئاسة والإدارة، وأنا في موقعي، والمسؤولون الحكوميّون كذلك، يجب علينا جميعًا النظر بهذه المنهجيّة، ثمّة أمانة يجب أن نؤدّيها. ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾3. وأداء الأمانة هو بأن نعرف ما هو واجبنا، ونسعى من أجله في حدود الوسع - ولم يُطلب منّا أكثر من هذا - ونبذل الجهود، ونتقدّم إلى الأمام سريعًا إلى حيث نستطيع.
الكفاح، سرّ نشأة النظام الإسلاميّ وصموده
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ النظام الإسلاميّ قد تحقّق وأقيم بالكفاح، وما كان ليظهر بدون الكفاح، وكذا الحال بالنسبة لكلّ الأهداف والآمال الكبيرة في العالم. والحفاظ على النظام الإسلاميّ إنّما كان بالكفاح، فلولا كفاح الشعب ولولا كفاح الإمام الخمينيّ، ولولا كفاح المسؤولين في الميادين والساحات المختلفة، لما بقي هذا النظام ولكان انهار وزال من الوجود. وكما ترون في مناطق من العالم - وهي ليست بعيدة عنا - تقع حادثة وتتوفّر فرصة، بيد أنّ أصحاب هذه الفرصة لا يستطيعون الحفاظ عليها فيفقدونها. لاحظوا ما الذي يحدث في شمال إفريقيا وفي مناطق أخرى. كان يمكن أن يحدث مثل هذا المصير بعينه للجمهوريّة الإسلاميّة حيث تقع حادثة معيّنة أو حركة ويظهر النظام الإسلاميّ بشعارات برّاقة وجذّابة، ثم تتغيّر الأوضاع تمامًا بعد مدّة قصيرة
1 سورة ق، الآية 18.
2 انتخابات الهيئة الرئاسية في مجلس الشورى الإسلاميّ التي أجريت بتاريخ 28/05/2014 م.
3 سورة النساء، الآية 58.
259
225
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
ويزول النظام. ما حال دون وقوع هذا الشيء هو الكفاح، الكفاح المخلص والجدّي والعقلاني، فلا ننسى هذا الأمر. لا يريد أعداؤنا الاعتراف بأنّ شعب إيران عمل بطريقة عقلانيّة في طريق تقدّمه، بيد أنّ هذا هو واقع الأمر، فلو لم يكن العمل عقلانيًّا لما استقام ولما بقي النظام ولما تقدّم إلى الأمام ولما وصل إلى نتيجة، إذن، كان العمل عقلانيًّا. كان تحرّك شعب إيران تحرّكًا مخلصًا وصادقًا، "فَلَمّا رَأَى اللهُ صِدقَنا اَنزَلَ بِعَدُوِّنَا الكبتَ واَنزَلَ عَلَينَا النَّصر"1، هذا ما قاله الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. لقد ثبت صدق شعب إيران في الميادين والساحات المختلفة.
الكفاح، وتحقيق الأهداف
حسن، يمكن الجلوس في إحدى الزوايا والعثور على عيوب هنا وهناك، ومشاهدة بعض الإشكالات وتسجيل الاعتراضات. نعم، هذا واضح، ولكن يجب عدم تعميمه، إذ لا يصحّ تعميمه، وما يمكن تعميمه هو: الصدق والتحرّك والكفاح. إذا، ظهر النظام بالكفاح وبقي بالكفاح. وأقول إنّ مهمّتنا أنا وأنتم هي مواصلة ذلك الكفاح، إذ من دون الكفاح لا يمكن الوصول إلى تلك الأهداف، والسبب واضح. ليس السبب هو أنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة نظام ينشد الحرب، لا، ليس هذا هو واقع القضيّة بحال من الأحوال. عندما تريدون المرور بسفينة من منطقة في البحر فيها قراصنة، فيجب أن تتجهّزوا وتستعدّوا، هذه هي طبيعة العمل. يجب أن تتمكّنوا من الدفاع عن أنفسكم، وأن تتوفّر لديكم نيّة الدفاع ودوافعه وهمّته. إذا لم تتوفّر لديكم محفّزات الدفاع، فسيكون مصيركم معلومًا: سوف ينهبونكم ويشرّدونكم وتخسرون سفينتكم وتخسرون أرواحكم، أو تبقون على قيد الحياة بذلّة وأسر، هذه هي القضيّة في العالم.
1 السيد الرضي، نهج البلاغة، الخطبة رقم 56.
260
226
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
قراصنة العصر
والفرق بين القراصنة في العالم اليوم - وهم قراصنة بحر وبر وهواء وكلّ مكان - وبين القراصنة المعروفين في التاريخ والحكايات والأساطير والحقائق الخارجيّة هو أنّهم1 متسلّحون بالعلم. هذا ما حقّق لهم الاعتبار والشأن. والعلم جعل وجوههم تخرج عن تلك الحالة الوحشيّة في عيون الآخرين، والعلم زاد من ثروتهم. هذا هو فرقهم الوحيد. لقد عملوا بطريقة عقلانيّة ووصلوا إلى العلم، واستخدموه لكنّهم لم يتحلّوا بالأخلاق، لذلك يرتكبون الجرائم بسهولة، ويخونون المبادئ الإنسانيّة بسهولة، ويؤجّجون الحروب بسهولة، ويستخدمون الأسلحة الكيمياويّة بسهولة، ويعطون الأسلحة الكيمياويّة لمن يستخدمها بسهولة، ولا يكترثون لشيء، ويخفون هذه الممارسات في مقام الكلام والأدلّة بالألوان المبهرة والمسمّيات البرّاقة المتنوّعة ليحولوا دون أن يعلم أحد بشيء. أي إنّ جرائمهم فاقت جرائم القراصنة التقليديّين الذين تتحدّث عنهم الأساطير والأفلام، لأنهم يرتكبون الذنب الكبير ويظهرونه على أنّه عمل صواب.
إنّنا نواجه مثل هذا العالم، ونواجه مثل هذه الجبهة، ولا خيار أمامنا سوى الدفاع عن أنفسنا، هذا هو الكفاح.
النظام الإسلاميّ، شرفٌ واحترام لكرامة البشر!
الذين ينظّرون للاستسلام والتسليم وإطاعة المتسلّطين، ويتّهمون النظام الإسلاميّ بأنّه طالب حرب أو منظّر للحرب، إنّما يمارسون الخيانة والكذب. لا، فالنظام الإسلاميّ نظام إنساني، وهو نظام شرف واحترام لكرامة البشر، ونظام سلامة، ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾2. في كلّ هذه الساحات والمجالات، سواء في مجال إدارة البلاد أو مجال الأنشطة الاقتصاديّة المتنوّعة أو المجالات العلميّة والثقافيّة
1 أي قراصنة اليوم.
2 سورة النساء، الآية 128.
261
227
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
وغيرها، أو ميادين رسم السياسات والتخطيط، أو مجال التشريع وسنّ القوانين، أو مجال المفاوضات الخارجيّة وما إلى ذلك من ميادين ومجالات، يجب أن نعلم أنّنا في حال كفاح، وأنّنا ما زلنا نواصل درب الكفاح الذي أدّى إلى ظهور النظام الإسلاميّ وبقائه، هذا ما يجب أن نعلمه. ينبغي أن يسود هذا التفكير على كلّ أنشطتنا، وأن نأخذ هذه القضيّة بعين الاعتبار في كلّ عمل نقوم به. تريد قوى شياطين العالم تدمير أيّ مكان أو موقع من المواقع البشريّة لا يكون في خدمتهم، هذه هي نواياهم وقراراتهم، وأنتم تلاحظون بالتالي ما يفعلون، وكيف يريدون كلّ شيء لخدمتهم، وكيف يريدون للآخرين الاستسلام أمام قوّتهم وهيمنتهم وصراخهم العنيف، وإلّا فسوف يقاتلون ويفتعلون الخصومات. يجب تقوية الذات والصمود مقابل هؤلاء، هذا هو أساس الأمر. أنتم في مجال التشريع، والأجهزة الحكوميّة في مجال التنفيذ، والمسؤولون على اختلاف صنوفهم في القطاعات والمؤسّسات المتنوّعة، الكلّ ينبغي أن يتنبّه لهذه المسألة، هذا هو ما نقوله. العمل الأساسي الذي يقع على عاتق مجلس الشورى الإسلاميّ هو مواصلة الكفاح والنضال الذي أفضى إلى انتصار الثورة، وإلى بقاء هذه الثورة واستمرارها.
كفاح الأعداء
حسن، إلى متى سوف يستمر هذا الكفاح؟ الكفاح والجهاد بمعنى من المعاني لا ينتهيان - فالشيطان موجود دائمًا في عالم الدنيا - وبمعنى من المعاني يتغيّر شكل الجهاد حسب المواقع والظروف. إذا استطاعت البلدان والشعوب أن تعقد الهمم وتحرّر المجتمع البشري والمجتمع العالمي من تحت نير كابوس الاستعمار والاستكبار، فإنّ المشكلة سوف تُحلّ. بمعنى أنّ المشكلة الأساسيّة للبشريّة هي هذه. الأجهزة الاستكباريّة اليوم وعلى رأسها أميركا نزلت كالكابوس على جسد البشريّة وفكرها وروحها، وأحاطت بها وراحت تعتصرها وتضغط عليها وتمزّقها وتفسد حياتها. إذا استطاعت البشريّة أن تحرّر نفسها من هذه الظلال الثقيلة ومن
262
228
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
هذا الكابوس المرعب، عندئذ سوف تتنفّس الصعداء. وهذا بالطبع، ليس بالعمل السهل بل هو عمليّة صعبة وتحتاج إلى كفاح طويل مديد. وقد قطع شعب إيران خطوات واسعة على هذا السبيل. كان تأسيس النظام الإسلاميّ نفسه الخطوة الأوسع على هذا الدرب، وكان تشكيل مجلس التشريع الذي يعد تجسيدًا للسيادة الشعبية الإسلاميّة، وبدورات متعاقبة متتابعة، من أكبر الأعمال والإنجازات، ونفس تواجدكم وعملكم في هذا الموقع كنوّاب للشعب ومظهر للسيادة الشعبية الدينيّة هو بحدّ ذاته كفاح، فينبغي معرفة قدر هذا الشيء والتقدّم به إلى الأمام.
مسؤوليات مجلس الشورى الإسلاميّ وواجباته
رفعنا في بداية هذا العام شعار "الإدارة الجهاديّة"، وهذه الإدارة الجهاديّة لا تختصّ بالحكومة، بل تشمل مجلس الشورى الإسلاميّ أيضًا، وطبعًا، في مضمار أعمال ومسؤوليّات المجلس، أي التشريع والإشراف وهما المسؤوليّتان الأساسيّتان لمجلس الشورى الإسلاميّ. إذا جرى النهوض بهذه المسؤوليّات بشكل جدّي وبعيد عن الدوافع الشخصيّة وبمنأى عن أيّ شيء سوى خدمة مصالح البلد لكان ذلك أكبر عمل جهادي، هذا هو معنى العمل الجهادي. ينبغي عدم إشراك النوايا والدوافع المختلفة، بل يجب النظر للأولويّات. إنّني أؤكد على الاقتصاد المقاوم، وقد ذكرت في بداية السنة، وأوصيكم الآن أيضًا بأنّه يجب في الخطّة الخمسيّة السادسة التي أمامكم أن تشدّدوا على الاقتصاد والثقافة والعلم. الاقتصاد المقاوم خطوة واسعة وكبيرة يمكن اتّخاذها في هذا المجال، وتتحمّل الأجهزة الحكوميّة وأجهزة إدارة البلد - سواء مجلس الشورى الإسلاميّ أو الحكومة أو القطاعات والمؤسّسات المختلفة - واجبات في هذا النطاق. الاقتصاد المقاوم هو علاج مشكلات البلاد. لا يمكن البحث عن علاج مشكلات البلاد - سواء المشكلات الاقتصاديّة أو المشكلات السياسيّة - خارج هذه الحدود. يجب العمل وعلى كلّ من يجيد شيئًا أن يقوم به، ونحن نؤيّد ونعاضد وقد قلنا هذا مرارًا، فنحن ندافع
263
229
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
عن كلّ الذين لديهم مبادرات وإبداعات وتحرّكات في الميادين المختلفة - سواء الخارجيّة منها أو الداخليّة - وندافع عنهم دفاعًا قلبيًّا واقعيًّا وحقيقيًّا وليس دفاعًا صوريًّا، لكنّنا نعتقد أنّ الشيء الذي يعالج مشكلات البلاد يكمن في داخل البلاد وفي وجودنا، أنا وأنتم. نحن الذين نستطيع أن نبادر ونكون كفوئين قادرين ونعرف ما الذي يجب فعله وكيف نعمل، ونعلم ما هو الطريق الصحيح، ونبادر إلى عمل الشيء الصحيح بجرأة وشجاعة، وعندئذ سوف تعالج مشكلات البلاد دون شك، الاقتصاد المقاوم هذا خطوة كبيرة وواسعة.
الاقتصاد المقاوم، متابعة، تشريعٌ، فعمل
طبعًا، منذ اليوم الذي أعلنت فيها سياسات الاقتصاد المقاوم وتكرّر ذكرها1 بدأ مختلف المسؤولين - سواء في الحكومة أو في مجلس الشورى الإسلاميّ المحترم، أو في مختلف الأجهزة والمؤسّسات - يتحدّثون بالإيجاب والمديح والثناء عن هذه السياسات الخاصّة بالاقتصاد المقاوم، وقد قيل هذا كثيرًا، بيد أنّ تجربتي تقول لي إنّ المديح لا يكفي والثناء لا يجدي، بل لا بدّ من تحرّك. نعم، يأتي أفراد ويتحدّثون على مختلف المنابر العامّة أو في اجتماعات خاصة عن إيجابيّات ومزايا الاقتصاد المقاوم، وكلامهم في الغالب صحيح، ولكن يجب بالتالي العمل والمبادرة. ما تمّ القيام به في مجلس الشورى الإسلاميّ المحترم - وقد كانت تقارير ذلك متوفّرة عندي من قبل، وذكرها رئيس المجلس المحترم اليوم أيضًا2 - أعمال مشكورة، وقد مارس رجال الحكومة والسلطة التنفيذيّة أيضًا أعمالهم وأنشطتهم، ولكن ينبغي متابعة الأمور خطوة بعد خطوة، سواء في مجال التشريع أو في مضمار الإشراف. ففي مجال التشريع، من الأعمال المهمّة توفير القوانين المناسبة المساعدة أو إلغاء
1 تبليغ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم بتاريخ 18/02/2014 م.
2 جاء في تقرير رئيس مجلس الشورى الإسلاميّ: "بعد تبليغ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم، تم تشكيل أمانة عامة في مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلاميّ لتحقيق هذه السياسات بالتعاون مع المؤسسات والاتحادات العلمية في البلاد، واللجان التخصصية في مجلس الشورى الإسلاميّ، ومعاونيْ رئيس مجلس الشورى الإسلاميّ لشؤون القوانين والإشراف، وبإشراف نائب رئيس مجلس الشورى الإسلاميّ، وبالتنسيق مع الحكومة".
264
230
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
القوانين المزاحمة المعرقلة، وأهميّة هذه العمليّة الثانية ليست بأقلّ من العمليّة الأولى، فبعض القوانين معرقلة أو معارضة بحق. وعلى صعيد الإشراف يتولّى مجلس الشورى الإسلاميّ مهمّة الإشراف على أداء الحكومة التي تنفّذ هذا التحرّك الكبير، وتعمل مباشرة في ساحة التنفيذ. طبعًا، في مجال التشريع ينبغي على الحكومة المحترمة أن تقدّم اللوائح المناسبة، ومجلس الشورى الإسلاميّ لا يمكنه الاعتماد على المشاريع فقط، بل لا بدّ من لوائح. وأقولها هنا أيضًا، إنّه لا يوجد أي موقع آخر غير مجلس الشورى الإسلاميّ يمكنه المصادقة على القوانين والعمل في ما يتعلّق بقوانين الاقتصاد المقاوم وما شاكل من الأمور، والتدخّل في هذه الشؤون، إنّما مجلس الشورى الإسلاميّ هو الذي يجب أن يصادق على القوانين ويشرّعها ويشخّص الأمور ويصادق على ما يراه ضروريًّا، أو يلغي بعض القوانين.
مكافحة الفساد
العمليّة الأخرى المهمّة بين واجبات المجلس الإشرافيّة هي قضيّة مكافحة الفساد مكافحة حقيقيّة. مكافحة الفساد عمليّة مهمّة بحق. يجب أن لا نسمح بتكوّن بؤر فساد تكون معالجتها عمليّة صعبة. إذا كان هناك إشراف صحيح يمكن في بعض الأحيان ومنذ الخطوات الأولى الحيلولة دون الممارسات الخاطئة ووقوع المعاصي. وإذا لم نمنع هذه الممارسات في بداياتها ومنذ الخطوات الأولى وتفاقم المرض وتلوّث الجرح وفسد فسيكون العلاج صعبًا عسيرًا، هذا إذا أمكن العلاج - ويخشى أن لا يمكن العلاج أساسًا بسبب ما للأمر من عواقب ومضاعفات - ويكلّف خسائر كبيرة، لذا، ينبغي الوقاية من الفساد منذ البداية. ولحسن الحظ، فإنّ لدينا مثل هذه التجارب على الصعد السياسيّة والاقتصاديّة داخل النظام الإسلاميّ.
أسس خطة النهوض
أمّا بخصوص الخطة الخمسيّة السادسة والتي يجب الاستعداد لها وتدوينها وإعدادها، فالخطة السادسة معناها سياسات البلاد لخمسة أعوام قادمة. إنّكم
265
231
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
سوف تضعون، إن شاء الله، خارطة طريق عمليّة للبلاد لخمسة أعوام من خلال إعدادكم للخطة الخمسيّة السادسة.
هناك ثلاث نقاط رئيسيّة في هذا الباب مع أنّ الخطة يجب أن تكون شاملة ومستوعبة.
النقطة الأولى هي الاقتصاد، حيث ينبغي أن يتجلّى في الخطة الخمسيّة السادسة التشديد على الاقتصاد المقاوم.
والنقطة الثانية هي الثقافة، وأين ما نقول ثقافة فالمراد من الثقافة هو الثقافة الثورية والإسلاميّة، بمعنى توفير حراك ثقافي على أساس الإسلام والقيم الإسلاميّة، وتسيير المجتمع بمعنى الحركة الثقافيّة نحو الأهداف الإسلاميّة، وتعزيز الثقافة الإسلاميّة والعقيدة الإسلاميّة، والأعراف والآداب الإسلاميّة، والأخلاق الإسلاميّة والتقاليد الإسلاميّة، هذه هي الثقافة. ليس الأمر بحيث لو توفّرت الأدوات والوسائل الثقافيّة في البلاد كيفما اتّفق فسنكون مسرورين ونقول إنّ الثقافة قد تقدّمت، لا، التقدّم الثقافي والتأكيد والإصرار على الثقافة بمعنى الثقافة الثوريّة والثقافة الإسلاميّة والثقافة الدينيّة، وترويج وتقوية القيم الثوريّة والإسلاميّة. هذا هو قصدنا ومرادنا، وهذا هو المتوقّع منّي ومنكم - باعتبارنا جنود هذه الثورة - إذ يجب أن نصنع من صدورنا دروعًا ونتصدّى ونعمل من أجل الثورة.
والنقطة الثالثة هي العلم، وقد انطلقت الحركة العلميّة في البلاد بصورة جيّدة، والحمد لله، طوال هذه الأعوام التي تمتدّ إلى عشرة أو اثني عشر عامًا. هذه الحركة يجب أن لا تتباطأ أبدًا، بل يتعيّن أن تزداد سرعتها. إن الكثير من المفاخر والأمجاد الوطنيّة وجانب مهم من العزّة الوطنيّة وقسم كبير من الثروة الوطنيّة تحصل بفضل العلم. إن قضيّة العلم والبحث العلمي والتقدّم في المجالات العلميّة المختلفة واكتشاف مساحات مجهولة من العلم، قضيّة مهمّة جدًّا بالنسبة للبلاد. هذه النقطة أيضًا ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار والاهتمام في الخطة، إن شاء الله.
266
232
في لقائه نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ
متابعة سياسات السكان
وقضيّة أخرى هي قضيّة السكان، وقد تم تبليغ سياسات السكان1 وتجاوب المسؤولون والحمد لله مع هذه السياسات. وسمعت أنّهم في مجلس الشورى الإسلاميّ يدرسون مشروعًا بشأن زيادة الإنجاب والحيلولة دون انخفاض عدد السكان، وهذا شيء على جانب كبير من الأهميّة. لا تعارض أبدًا بين مراعاة الصحّة وسلامة الأمّهات والأبناء وحديثي الولادة - وهي قضيّة على جانب كبير من الأهميّة - وبين الحذر من مواصلة الخطأ الذي وقعنا فيه قبل سنوات، مشكلة انخفاض عدد السكان قضيّة مهمّة للغاية. بالنسبة للأعداء الذين تحدّثنا عنهم في بداية الكلمة لا شيء أفضل من أن تكون إيران بلدًا عدد سكانه عشرون أو ثلاثون مليون نسمة، ونصف هذا العدد من الشيوخ والكهول والعاطلين عن العمل، هذا أفضل شيء بالنسبة لهم. وإذا استطاعوا البرمجة والتخطيط لهذا الشيء، فإنّهم سوف يفعلون ذلك بالتأكيد، ولو استطاعوا إنفاق الأموال من أجل ذلك لأنفقوها يقينًا، وعلينا نحن أن يكون تحرّكنا مقابل هذا التحرّك، تحرّكًا صحيحًا ومنطقيًّا وعقلانيًّا وعلميًّا، وقد سمعت، لحسن الحظ، أنّ الأعزّاء في مجلس الشورى الإسلاميّ يتابعون هذه القضيّة، ونرجو من الله تعالى أن يعينكم.
كلامنا مع الإخوة والأخوات المؤمنين والمخلصين والصميميّين من أمثالكم لا ينتهي، فلدينا الكثير ممّا نقوله، كما أنّ لديكم الكثير ممّا تقولونه لنا، ولا يتوفّر المجال لذلك للأسف. نتمنّى أن يوفّقكم الله تعالى، إن شاء الله، ويعينكم لتستطيعوا مواصلة أعمالكم بالشكل الذي يرضي الله ويرضيكم إلى نهاية مسؤوليّتكم هذه، وإلى نهاية هذه الحياة.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 تبليغ السياسات العامة للسكان بتاريخ 20/05/2014 م.
267
233
في لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
المناسبـــة: ذكرى المبعث النبوي الشريف
الحضور: جمع من مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
المكان: طهران
الزمان:
06/03/1393 هـ.ش.
27/07/1435 هـ.ق.
27/05/2014 م.
269
234
في لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين وعلى صحبه المنتجبين ومن اتّبعهم إلى يوم الدّين.
المبعث أكبر عيد للبشرية
نبارك لكم جميعًا أيّها الحضّار الأعزّاء، الإخوة والأخوات، وضيوفنا الأعزّاء سفراء البلدان الإسلاميّة، الحاضرين في هذا المجلس، وكذلك أبناء شعب إيران الّذي أثبت تمسّكه برسالة بعثة النبيّ ونجاحه في الامتحانات الكبرى والعسيرة على هذا الطّريق، أبارك لكم جميعًا ذكرى بعثة نبيّ الإسلام المكرّم الذي هو في الواقع أكبر عيد للبشريّة.
كذلك أبارك هذا اليوم العظيم لجميع الشّعوب المسلمة، وللعالم الإسلاميّ، ولكلّ مسلمٍ يعيش في أيّ بقعة من العالم، وكذلك لجميع أحرار هذا العالم، أولئك الذين يستشعرون بعمق رسالة الحريّة والعدالة والإنسانيّة وكرامة الإنسان، ويفرحون لها.
البعثة ميثاق الفطرة واستثارة العقول
إخواني وأخواتي الأعزّاء! في ما يتعلق ببعثة النبيّ يجب تناول مجموعة من الكلمات والمقولات. ما هو ضروريٌّ اليوم، بالنسبة لنا كشعبٍ وعالم إسلاميّ، ويجب الالتفات إليه هو نقطتان أو ثلاثة أساسيّة: الأولى، هي تلك النقطة التي أشار إليها أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له في نهج البلاغة، وهي أنّ سبب بعثة النبيّ والأنبياء العظام الإلهيّين هو: "ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم
271
235
في لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
منسيّ نعمته... ويثيروا لهم دفائن العقول"1. فأشار إلى ضرورة إرجاع البشر إلى الفطرة الإنسانيّة، وأصل الخلقة المتلازمة مع الشّرف والكرامة، ويذكّرونهم تلك النّعم الإلهيّة التي نُسيت، ويبعثون ما دُفن من العقول من جديد: "ويثيروا لهم دفائن العقول".
حل المشاكل بالعقل والفكر
إنّ البشر وببركة العقل يمكنهم أن يدركوا رسالة الأنبياء، فلا يخشون المشاكل والصّعاب على طريق الأنبياء النّورانيّ ويتمكّنون من عبورها. تستطيع البشريّة ببركة العقل والفكر أن تستفيد من مفاهيم القرآن بصورة صحيحة. فلو أنّ المجتمع الإسلاميّ التزم بهذا البرنامج وهذه التّعاليم، فأعمل قوّة الفكر والعقل، وجعل هذا الأمر رائجًا وعامًّا، فإنّ مشكلات البشريّة الأساسيّة سوف تُحلّ، كما ستُحلّ المشاكل الأساسية للمجتمع الإسلاميّ.
انقاذ المسلمين بفهم القرآن والإسلام
انظروا اليوم، ترون كيف يجري ذلك النّهج الظّالم باسم الإسلام في إحدى مناطق العالم ضدّ الأبرياء. فمن أجل الإسلام تُرتكب المجازر بحقّ المسلمين. في أحد مناطق إفريقيا، وفي دولة أخرى، يتمّ قتل الإنسان لأنّه مسلمٌ، ويتمّ الاعتداء عليه وظلمه. وفي بقعة أخرى، يجري خطف بنات النّاس باسم الإسلام. وكلّ ذلك لأجل أنّ هؤلاء لم يدركوا حقيقة رسالة الإسلام للمسلمين. نحن المسلمون يجب أن نفهم القرآن والإسلام جيّدًا، ونصل إلى رسالة وتعاليم نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم بميزان عقلنا، وبمعونة وهداية الفكر البشريّ والإسلاميّ. عندما نغفل عن رسالة الإسلام حيث يقول القرآن الكريم: ﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾2، عندما نهجر القرآن، ولا ننظر بصورة صحيحة إلى مفاهيمه، ولا ندرك مجموع
1 السيد الرضي، نهج البلاغة، الخطبة 1.
2 سورة الفرقان، الآية 30.
272
236
في لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
المفاهيم القرآنية التي تشكّل منظومة كاملة لحياة الإنسان، سنزلّ ولن تتمكّن قوّتنا العقليّة من الإدراك الصّحيح للمفاهيم القرآنيّة.
قمع الفتنة بمصباح العقل والفكر
في عالم اليوم، هناك أعداءٌ يواجهون الإسلام بصورة علنيّة، ومواجهتهم تكمن بالدّرجة الأولى في إيجاد الخلافات. وأعمق الخلافات وأخطرها هي الخلافات العقائديّة والإيمانيّة. في عالم اليوم، يتمّ إيجاد القلاقل الإيمانيّة والعقائديّة من أجل الإيقاع بالمسلمين فيما بينهم بواسطة الأيادي الاستكباريّة. فتقوم فرقة بتكفير أخرى، وتحمل ثالثة على غيرها، وبدلًا من أن يتعاون الإخوة فيما بينهم ويتعاضدون، فإنّهم يتعادون ويتنازعون! يشعلون نيران الحرب بين الشّيعة والسّنّة، ويسعرون من نيران الاضطرابات القوميّة والطائفيّة. بالطبع، إنّ الأيادي التي تقف وراء هذه الأفعال معروفة. لو أُعملت قوّة العقل وأُضيء مصباح الفكر والوعي الذي أمرنا القرآن به للِحظنا أيادي العدوّ وأدركنا دوافعه.
التخويف من الشّيعة وايران غطاء
وفي عالم الإسلام اليوم، فإنّ الأجهزة الاستكباريّة ولكي تصل إلى أهدافها الاستكباريّة ولكي تخفي مشاكلها وتغطّي عليها، فإنّها توجد الخلافات بين المسلمين. فَتُوجِد ما يُسمّى برُهاب الشّيعة ورُهاب إيران1 من أجل الحفاظ على الكيان الصهيونيّ الغاصب. ومن أجل أن يحلّوا تلك التناقضات التي أدّت إلى هزيمة السّياسات الاستكباريّة في هذه المنطقة، يرون الحلّ في إيجاد الخلافات بين المسلمين. حسنٌ، يجب ملاحظة هذا الأمر وفهمه، وهذا ما هو متوقّعٌ من النّخب.
1 التخويف من الشّيعة أو اصطناع فوبيا الشّيعة وايران.
273
237
في لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
جاهلية العصر
ما تقوم الأجهزة السّياسيّة الاستكباريّة للغرب بترويجه هذه الأيّام هو تلك الجاهليّة التي كانت بعثة النبيّ من أجل القضاء عليها في بيئة حياة الإنسان. ونحن نشاهد اليوم، في هذا العالم، علائم تلك الجّاهليّة في الحضارة الغربيّة الفاسدة: كل ما يتعلّق بما ينافي العدالة، وما يرتبط بالتمييز، وإغفال كرامة الإنسان، وتضخيم القضايا والحاجات الجنسية. يخاطب القرآن الكريم زوجات النبيّ المكرّمات قائلًا: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾1، فمن علائم الجاهليّة الأولى هو تبرّج النّساء. ونشاهد اليوم، أنّ من أهم معالم الحضارة الغربيّة هو هذا التبرّج، هذه هي الجاهلية. غاية الأمر أنّها جاهلية تمكّنت من إخفاء الحقائق عن أعين الناس بواسطة ما تزوّدت به من أسلحة الإعلام المتطوّرة، يجب علينا نحن المسلمين أن نفهم هذه الأمور ونتعرّف عليها.
الحاجات المعاصرة للمجتمع الإسلاميّ
أوّلاً: البصيرة
يحتاج العالم الإسلاميّ اليوم إلى الرّجوع إلى الفكر واستعماله والاعتياد عليه وفهم القضايا وتحليلها بشكلٍ صحيح.
ثانيًا: والمعرفة الواقعية للعدو
يحتاج عالمنا الإسلاميّ اليوم إلى المعرفة الواقعية لجبهة عدوّ الأمّة الإسلاميّة، وعلينا أن نتعرّف على أعدائنا وأصدقائنا. يُشاهد أحيانًا كيف أنّ جماعة منّا نحن المسلمين تتعاون مع أعدائنا من أجل القضاء على أصدقائها وإخوانها! حسنٌ، إنّ هذا يوجّه إلينا ضربة، ويوقع الأمّة الإسلاميّة بالضّيق والضّعف، وكلّ ذلك ناشئٌ من فقدان البصيرة. إنّ عالم الإسلام يحتاج اليوم إلى البصيرة، وإلى هذا التّدبّر والفكر، وإلى إثارة دفائن العقول "ويثير لهم دفائن العقول".
1 سورة الأحزاب، الآية 33.
274
238
في لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
ثالثًا: الاتجاه
والحاجة الأخرى الأساسية للعالم الإسلاميّ هي الاتّحاد، ويجب تجاوز الخلافات الجزئية والخلافات المتعلّقة بالسلائق والاختلافات العقائديّة وتشكيل الأمّة الواحدة، ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾1، هكذا يقول الله.
ألا يكفي لأجل اتّحاد العالم الإسلاميّ الاعتقاد بالقرآن والنبيّ والإله الواحد والقِبلة الواحدة ووجود جبهة معادية واحدة؟ لماذا يوجد جماعة لا تفهم ذلك؟ لماذا لا يدرك البعض هذه الحقائق الواضح؟ ما هو هدف أميركا وجبهة الغرب من إيجاد هذا الخوف من إيران والشّيعة؟ لماذا لا يفكّرون بمثل هذه القضيّة؟ ينبغي أن يختلف المسلمون ويتمّ تقييد فكرهم وتضخيم القضايا الصّغيرة أمامهم حتّى يتمكّن النّظام الصهيونيّ الغاصب - والذي يُعدّ اليوم أكبر مصيبة للعالم الإسلاميّ - أن يعيش براحة ويتغلّب على مشاكله وعلى العوامل التي ستزيله من الوجود، والتي بحمد الله موجودة في أركانه!.
الوحدة والقرآن وصدق الوعد الإلهي
برأينا، إنّ الصّحوة الإسلاميّة قد وُجدت، وقد سعى أعداء الإسلام إلى قمع هذه الصّحوة وقد قاموا بذلك في بعض الأماكن لكنّ الصّحوة الإسلاميّة لا يمكن إسقاطها. لقد ارتفعت راية الاعتزاز بالإسلام وقوي الإحساس بالهويّة الإسلاميّة بين المسلمين في كلّ مناطق العالم، وسوف يقوى. لقد قام الشّعب الإيرانيّ في هذا المجال بحمل أعباء مسؤولياتٍ كبيرة وسوف يبقى كذلك. إنّ شعب إيران يتقدّم على أساس الإيمان بالقرآن ورسالة البعثة والوحدة الدّاخليّة والشّعور بالشّجاعة مقابل العدوّ وعدم الخوف منه، والشّعور بأمل الوعد بالنّصر الإلهيّ الذي هو وعدٌ
1 سورة الأنبياء، الآية 92.
275
239
في لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
إلهيٌّ صريح، حيث يقول ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾1 فهو بهذه الذّخائر العظيمة يتقدّم.
سنتقدم فاتحين..!
إنّنا بحمد الله، سنتقدّم فاتحين تلك الخنادق والقلاع واحدة تلو الأخرى من أجل الاستمرار في طريق مواجهة الظّلم والجّهل، إن شاء الله - وبحمد الله يتمتّع الشّعب الإيرانيّ بالتوفيق والعون الإلهيين - لقد تقدّمنا خطوة خطوة، وعبرنا المشاكل واحدة تلو الأخرى وسوف نستمرّ كذلك، بفضل الله وحوله وقوّته.
ها هم المسؤولون مشغولون في السّاحات المختلفة يملؤهم الإحساس بالمسؤولية. واليوم، بحمد الله، إنّ حكومتنا مندفعة، سعيًا وعملًا، بنَفَسٍ جديدٍ واستعدادٍ للعمل، وشعورٍ بالاعتزاز بالإسلام وبكونها مسلمة، والشعور بالعزّة المنطلقة من الإيمان بالله.
يوجد تحدّيات ومشاكل، هذه المشاكل موجودة على الطّريق. لو أردنا أن تكون الحياة عزيزة، فإنّ أصحاب العقل والتّدبير يتحمّلون المشاكل من أجل الوصول إلى العزّة والشّرف والكرامة الإنسانيّة، والقرب إلى الله.
أخطاء عدم امتلاك الوعي والبصيرة
أمّا الذين لا يملكون العقل، فإنّهم يتحمّلون المشاكل الموجودة في حياتهم بذلّة، ويتولّون الشياطين بدل الولاية الإلهية: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾2. المعادلة التي يختارها أولئك الذين لا عقل لهم، وأولئك الغافلون في الدّنيا، هكذا يكشفها (يفضحها) القرآن الكريم. فعوضًا عن أن يلجأوا إلى الله ويقبلوا الولاية الإلهيّة، وعوضًا عن التمسك بالهداية الإلهيّة يتمسّكون بولاية الشياطين وولاية أعداء الإسلام والبشريّة، من أجل أن يمنحوهم عزّة، ولكن هذه العزّة لا يمكن أن تحصل عبرهم. وأولئك
1 سورة محمّد، الآية 7.
2 سورة مريم، الآيتان 81 و 82.
276
240
في لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة
الذين عُبدوا، لن يكونوا شاكرين لهم: ﴿كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾، هذا هو بيان القرآن، البيان الواضح، ويجب أخذ الدّرس والعبرة منه، ويجب تحديد الطّريق، فسبيل الهداية القرآنيّة يوصل البشر إلى سعادتهم، ويجب أن نطلب العون والمدد من الله المتعال.
الجمهوريّة الإسلاميّة وحسن الظن بالوعد الإلهي
بحمد الله، إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، قد اعتمد منذ البداية وإلى اليوم في مواجهة الأعداء على هذا الوعد الإلهي الظّاهر. لقد وثقنا بقول الله ووعده، وأظهرنا حُسن الظّنّ، ولم نظهر سوء الظّنّ بوعد الله كما هو حال الكفّار، ولهذا انتصرنا. لقد انتصرنا في الثّورة، وفي الدفاع المقدّس، وفي المواجهات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة والدّوليّة المختلفة منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا. وسوف يكون الأمر كذلك في المستقبل، هذا هو طريق شعب إيران.
عظمة الشهداء
رحمة الله على إمامنا الجليل، الذي شقّ لنا هذا الطّريق، رحمة الله على شهدائنا العظام الذين ضحّوا بأنفسهم في هذا السّبيل، رحمة الله على شعب إيران الذي أظهر استعداده وجهوزيّته في جميع المراحل، ورحمة الله على مسؤولينا وحكومتنا الذين هم أصحاب الاستعداد للعمل والسّعي والتّضحيات.
والسلام عليكم ورحمة الله بركاته.
277
241
في لقائه أمير الكويت
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقائه أمير الكويت
المناسبـــة: زيارة أمير الكويت إلى إيران
الحضور: الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والوفد المرافق له
المكان: طهران
الزمان:
12/03/1393 هـ.ش.
04/08/1435 هـ.ق.
02/06/2014 م.
279
242
في لقائه أمير الكويت
استقبل الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والوفد المرافق له، وهذا أبرز ما قاله سماحته:
- إن منطقة الخليج الفارسي وأمنها يحظيان بالأهمية، وهما رهن بالعلاقات السليمة والجيدة بين دولها.
- إن جمهوريّة إيران الإسلاميّة - ومن هذا المنطلق - اعتمدت منذ السابق ولحد الآن سياسة إرساء علاقات سليمة مع دول الجوار في الخليج الفارسي.
- إن التقارب بين دول المنطقة والعلاقات السليمة تصب في مصلحة المنطقة أجمع، وإن تم تجاهل هذا الأصل، فإن اختلافات دول المنطقة وتباعدها ستعد عدوها المشترك.
- إن السبب الرئيسي لتنامي صلافة الكيان الصهيونيّ هو غياب العلاقات السليمة بين دول المنطقة، وإن الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران تعاملت دومًا مع دول المنطقة برحابة صدر.
- موضوع تنمية العلاقات بين العراق والكويت هو لمصلحة المنطقة، وفي خصوص تطورات سوريا، فإن الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران ستؤيد ما يقرره الشعب السوري مهما كان.
- إن بعض دول المنطقة تتغافل عن خطر الجماعات التكفيرية عليها في المستقبل، ولذلك لازالت تواصل دعم هذه الجماعات.
- إن بعض دول المنطقة ومن خلال مساعدتها للجماعات التكفيرية تدعم عمليات القتل والجرائم التي ترتكبها هذه الجماعات بمساعدة بعض الدول الأخرى في سوريا، ولكن هذه الجماعات وفي المستقبل القريب ستتحول
281
243
في لقائه أمير الكويت
إلى كارثة لتلك الدول الداعمة، وبالتالي سترغم الأخيرة على قمعها بتكلفة باهظة.
- إيران وقفت في السابق إلى جانب الكويت في الظروف الحرجة والمواقف الصادقة والحكيمة لهذا البلد حيال تطورات المنطقة، ويجب تسوية قضايا المنطقة بمثل هذه الرؤية والأسلوب.
- إن الأرضية ممَّهدة لتنمية العلاقات الاقتصادية بين الجانبين أكثر من ذي قبل، ويجب فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين على الصعيد الاقتصادي.
282
244
في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم العالميّة الحاديّة والثلاثين
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم العالميّة الحاديّة والثلاثين
المناسبـــة: المسابقات القرآنية العالميّة الحاديّة والثلاثين
الحضور: جمع من المشاركين في مسابقات حفظ وتلاوة القرآن الكريم
المكان: طهران
الزمان:
13/03/1393 هـ.ش.
05/08/1435 هـ.ق.
03/06/2014 م.
283
245
في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم العالميّة الحاديّة والثلاثين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة على نبيّه وآله الطاهرين.
أرحّب بكلّ الحضور المحترمين، وبالأخوة والأخوات الأعزّاء، وخصوصًا ضيوف الجمهوريّة الإسلاميّة، والأساتذة المحترمين، والقرّاء المحترمين، والحفّاظ المحترمين من البلدان الإسلاميّة الشقيقة. كما أشكر القائمين على هذه المراسم العظيمة الزاخرة بالمعاني والبركات - سواء مدراء الأوقاف أم المسؤولين المعنيّين أم الإخوة والأساتذة والشخصيّات البارزة الذين أداروا المسابقات خلال هذه الأيّام على أفضل نحو ممكن -، ونتمنّى أن تكونوا جميعًا مأجورين ببركة القرآن، إن شاء الله.
نعمة الإقبال على القرآن الكريم
ألسنتنا قاصرة عن شكر نعمة الإقبال على القرآن الكريم في بلادنا. إنّني كلّما شاهدت في الأخبار والتلفزيون أنّ شبابنا في كلّ أنحاء البلاد مقبلون على القرآن الكريم أشكر الله تعالى من صميم القلب، إنّها نعمة كبيرة. إنّنا ندرك هذه النعمة وعظمتها. لقد شاهدنا خلال عهد من العهود أنّ حفظ القرآن الكريم وتلاوته لم تكن مزدهرة في بلادنا. خلال فترة نظام الطاغوت كان الراغبون في القرآن الكريم موجودين في كلّ مكان لكن الإقبال على القرآن في البلاد لم يكن مزدهرًا وذا طابع عام شائع. واليوم، أينما ننظر، نجد أنّ شبابنا ورجالنا ونساءنا وأحداثنا يقبلون على القرآن الكريم، بفضل الجمهوريّة الإسلاميّة، فيتعلّمون القرآن ويختبرون تلاوته ويحفظونه.
285
246
في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم العالميّة الحاديّة والثلاثين
فهم القرآن الكريم والعمل به
وهذه طبعًا ليست الأهداف العُليا والنهائيّة، إنّما الهدف النهائي هو فهم القرآن الكريم والعمل به، غير أنّ هذه هي الخطوات التمهيديّة اللازمة. إذا شاع القرآن الكريم في مجتمع وازدهر، وشاع حفظه وشاع الأنس به بين مختلف شرائح ذلك المجتمع، فسوف يقترب ذلك المجتمع من العمل بالقرآن الكريم، وهذا ما نريده.
ميزة القرآن الكريم
القرآن نور وهداية وبيان وتبيان، والقرآن يتحدّث مع الإنسان ويتحدّث مع قلب الإنسان ومع باطن الإنسان. يجب الأنس بالقرآن والاقتراب منه، والفائدة الأولى يجنيها القلب المستعدّ الجاهز، فإذا وجدتم قلوبكم قريبة من القرآن الكريم، فاشكروا الله، وإذا وجدتم أنفسكم تتقبّل المعارف القرآنيّة بسهولة وتحملونها في قلوبكم، فاعلموا أنّ الله تعالى أراد أن يهديكم، ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾1، هذه هي ميزة القرآن. إذا اقتربت قلوبكم من القرآن الكريم واستأنستم به فاعلموا أنّ الله تعالى أراد هدايتكم، وهذه أكبر النعم الإلهيّة.
العالم الإسلاميّ ومشاكل العصر
أعزّائي.. يعاني العالم الإسلاميّ اليوم من مشكلات كبيرة. إنّكم ترون وتسمعون ومطّلعون. أكبر مشكلات العالم الإسلاميّ هي أنّه غير متفطّن لمؤامرة أعدائه وأياديهم الخبيثة. هذه واحدة من أكبر أو هي أكبر مشكلات العالم الإسلاميّ. خصوم العالم الإسلاميّ، والذين يثير اسم الإسلام النفور فيهم، والمستعدّون لمقارعة ومحاربة أيّة دعوة حق من أجل الحفاظ على مطامعهم الماديّة - والإسلام دعوة حق، فهو يدعو إلى الحق والعدل - هؤلاء ليسوا عاطلين (عن العمل) في العالم الإسلاميّ، وخصوصًا بعد ظهور الجمهوريّة الإسلاميّة، وبعد أن تأسّس في
1 سورة الأنعام، الآية 125.
256
247
في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم العالميّة الحاديّة والثلاثين
هذه النقطة الحسّاسة من جغرافيا العالم نظام قائم على أساس الإسلام، اشتدّت المؤامرات وتعقدّت، فالمؤامرات اليوم أكثر تعقيدًا من الماضي. هذا ما ينبغي للجميع في العالم الإسلاميّ أن يفهموه. يوقعون بيننا ويجعلون الأخوة في مواجهة الأخوة. سياسة أعداء الإسلام هي إشعال اقتتال بين الأخوة وحرب داخليّة بالنيابة عنهم في البلدان الإسلاميّة وبين المجتمعات الإسلاميّة وفي الأمّة الإسلاميّة. هم ينسحبون جانبًا ويتفرّجون علينا ونحن نتقاتل في ما بيننا.
حسنًا، هنا يجب معرفة العدو وفهم مؤامرته، وهذا نقص يعاني منه العالم الإسلاميّ.
أعداء الداخل
ثمّة بين الأمّة الإسلاميّة أفراد يضعون أيديهم في أيدي أعداء الإسلام من أجل مجابهة إخوتهم المسلمين، هذا واقع مشهود نعاني منه اليوم. يقتربون من الشيطان من أجل أن يحاربوا إخوتهم المسلمين ويجابهوهم ويقاتلوهم. ثمّة أشخاص اليوم مستعدّون للتعاون مع الكيان الصهيونيّ من أجل إسقاط إخوتهم المسلمين: ﴿اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾1. يتحالفون مع الشيطان ويضعون أيديهم في يده ويتصوّرون باطلًا أنّهم يسيرون في طريق الهداية. هذه هي المعايير القرآنيّة وهي معايير واضحة يضعها القرآن الكريم تحت تصرّفنا، ويجب أن نفهمها، فمتى نستطيع أن نفهمها؟ عندما نأنس بالقرآن وعندما نفتح قلوبنا على القرآن، وكلّ هذه المراسم مقدّمة لذلك.
آثار الأنس بالقرآن الكريم
أوصيكم أيّها الشباب الأعزّاء بأن تزيدوا من أنسكم بالقرآن الكريم: الذين يتواصلون مع القرآن ليعرفوا قدر هذا التواصل، والذين يحفظون القرآن ليعرفوا قدر هذا الحفظ، ليحفظوا لأنفسهم هذه الجوهرة الثمينة. المستأنسون بتلاوة القرآن
1 سورة الأعراف، الآية 30.
287
248
في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم العالميّة الحاديّة والثلاثين
الكريم لا يفلتوا هذا الزمام المبارك من أيديهم، ولا يتركوه، وليجعل المرتبطون بالقرآن التدبّر فيه وفي معانيه والتعمّق في مفاهيمه هدفهم. هذه أشياء تقرّبنا من القرآن خطوة خطوة. إذا أنسنا بالقرآن واقتربنا منه واستطاعت مفاهيم القرآن أن تؤثّر في قلوبنا، عندئذ نستطيع أن نأمل ونتفاءل بأن تحظى الأمّة الإسلاميّة بالعزّة الموعودة من قبل الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾1. في تلك الحالة سوف يمنّ الله تعالى على الأمّة الإسلاميّة بهذه العزّة. إذا أنسنا بالقرآن الكريم فستكون هذه هي الآثار والبركات.
أتقدّم بالشكر ثانية لكلّ القائمين على هذه المراسم من أساتذة ومشاركين في المسابقة والشباب الأعزّاء ومدراء هذه المراسم الجميلة العظمية، والجماهير التي أقبلت على هذه المراسم. أسأل الله تعالى أن يحفظكم جميعًا ويديمكم، كما نشكر المقدّم المحترم، والحَسَنُ البيان الذي أدار الجلسة - هنا وفي محلّ المراسم على ما يبدو - بشكل جميل2.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 سورة المنافقون، الآية 8.
2 السيد مجيد يراق بافان.
288
249
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
المناسبـــة: الذكرى السنوية الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
الحضور: جموع غفيرة من أبناء الشعب الإيراني
المكان: طهران - الحرم المطهّر للإمام الخمينيّ قدس سره
الزمان:
14/03/1393 هـ.ش.
06/08/1435 هـ.ق.
04/06/2014 م.
289
250
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾1، ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾2.
قال الله الحكيم في كتابه: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾3.
كلمتي في هذا اليوم الخالد والهام، سأُلقيها عليكم أيّها الأعزّاء - أخوة وأخوات - في ثلاثة أقسام:
في القسم الأوّل منها توجد حقيقة هامّة حول الجمهوريّة الإسلاميّة والاهتمام بها يُعدّ لنا اليوم بالغ الأهميّة. في القسم الثاني إشارة وبيان توصيفي مختصر عن النهج والمدرسة الخالدة لإمامنا العظيم. وإن كان قد قيل الكثير حول نهج الإمام، ونحن قلنا الكثير وسمعنا كذلك، ولكن هذا التوصيف المختصَر في هذه المرحلة ضروري ولازم بالنسبة إلينا، صورة مختصرة عن مجموعة ما أوجده الإمام العظيم في العالم المعاصر كظاهرة لا نظير لها. وفي القسم الثالث يتضمّن إشارة إلى تحدّيَين هامَّين في طريق الشعب الإيرانيّ ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة ويُعَدّ الاهتمام بهما مهمٌّ جدًّا لصحة حركتنا وسلامة سيرنا.
1 سورة الحشر، الآية 10.
2 سورة يونس، الآية 88.
3 سورة إبراهيم، الآيتان 24 و 25.
291
251
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
العالم والاهتمام بالجمهوريّة الإسلاميّة
في القسم الأول، تلك الحقيقة التي أشرتُ إليها هي أنّه وبعد مرور خمسٍ وعشرين سنة على رحيل إمامنا العظيم، فإنّ الشوق واللهفة للتعرّف عليه والاستماع عنه لم ينقصا وما زالا يتزايدان. الأمر الذي لا ينحصر في بلدنا، إنّما هذه الواقعيّة موجودة في دنيا الإسلام وأكثر من عالم الإسلام، ليس في بلدنا وحسب - حيث ينطلق حاليًّا الجيل الثالث للثورة - بل في كلّ العالم الإسلاميّ، حيث إنّ شباب عصر الاتّصالات والتواصل والإنترنت، والذين يتمكّنون من الاطّلاع على مسائل بعيدة عن محيطهم الخاص، يسعون جاهدين للاطّلاع والتعرّف أكثر فأكثر على قضايا الثورة الإسلاميّة والجمهوريّة الإسلاميّة، وحول هندسة هذا البناء العظيم. إنّ ظاهرة سيادة الشعب الدينيّة ونظريّة ولاية الفقيه من المسائل الشديدة الأهميّة والجذّابة للأوساط الفكريّة في العالم الإسلاميّ.
الأعداد وتشويه المفاهيم والانجازات
إنّ أعداءنا قاموا بمساعٍ حثيثة على نطاقٍ واسع ومنذ الأيام الأولى للثورة - وكلّما تقدّمنا إلى الأمام تضاعفت جهودهم، حيث استخدموا مئات، بل آلاف، الأجهزة والشبكات التلفزيونيّة والإذاعيّة والمواقع الإلكترونيّة - لتشويه صورة الجمهوريّة الإسلاميّة والإساءة إلى مؤسّسها وأنصاره، وهذا الأمر نفسه قد ساعدنا وكان في مصلحتنا! حيث أثاروا بأعمالهم هذه حسّ حبّ الاطّلاع والفضول عند المشاهدين والمستمعين في أنحاء العالم، فصاروا يريدون أن يعرفوا سبب كلّ هذا العداء، وسبب قذف التهم وتلطيخ السُمعة والافتراءات، وما هي حقيقة هذه الجهة التي يعادونها ويخاصمونها بهذا الشكل. بناءً على هذا، فإنّ أعداءنا قصدوا تشويه اسمنا وصورتنا فتكلّموا عنّا وعن إمامنا ونظامنا ولكن: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾1 هذا قول الله تعالى، هؤلاء وفي نيّتهم هذه بدأوا حركة على نطاقٍ واسع ولكنّها
1 سورة الطارق، الآيتان 15 و 16.
292
252
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
تحوّلت في النهاية إلى فرصة، حيث تحرّك حسّ الاستطلاع والفضول للتعرّف عند جمهور هذه الأجهزة والوسائل الإعلاميّة في أنحاء العالم.
سعيهم أبتر
إنّ الصحوة الإسلاميّة في البلدان الإسلاميّة وفي منطقتنا - حيث إنّ مشاعر العداء والاستكبار هي البُعد الأبرز والغالب فيها - هي بحدّ ذاتها علامة على حبّ الاستطلاع ذلك والاستجابة والتجاوب، وهذا الأمر مستمرٌّ ويتزايد. من الممكن أن تقدّم أجهزة المخابرات الغربيّة والأميركيّة تقارير إلى إدارتها بأنّها استطاعت أن تقمع الصحوة الإسلاميّة في منطقتنا وتقضي عليها. إذا كانوا يتخيّلون هذا الأمر، فهذا سيكون أيضًا خطـأ من الأخطاء الاستراتيجيّة والتحليلات الخاطئة لأعدائنا. من الممكن أن يجري قمع الصحوة الإسلاميّة لمدّة قصيرة وفي جزءٍ من العالم الإسلاميّ، ولكن بدون شكّ لا يمكن القضاء على هذه الصحوة وقطع جذورها. سوف تنتشر هذه الصحوة الإسلاميّة وتتزايد، إنّ هذا الوعي والفهم والإدراك وهذا الموقف والتوجّه في البلدان وبين جيل الشباب المسلم، ليس بالأمر الذي يمكن القضاء عليه بهذه السهولة، بالطبع، يبذل الأعداء جهودهم ومن الممكن أن يحقّقوا بعض النجاح في بعض المناطق لمدّة قصيرة، ولكن في نهاية الأمر إنّ سعيهم أبتر.
سيادة الشعب الدينية مواجهة وصمود
إنّ سبب حبّ الاستطلاع هذا، والموجود عند جيل الشباب اليوم خاصّة في العالم الإسلاميّ، حول ظاهرة سيادة الشعب الدينيّة، هو أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة ظاهرة قد مضى على ولادتها خمسة وثلاثون عامًا، وقد تعرّضت طوال كلّ هذه المدّة لحملات عدوانيّة وخصومات القوى المتسلّطة، فقد قاموا بحملات عسكريّة وكذلك حملات إعلانيّة واقتصاديّة أيضًا - حيث بدأ الحظر والعقوبات منذ بداية الثورة وجرى تشديدها، يومًا بعد يوم، حتّى وقتنا الحاضر - وقاموا بحملات سياسيّة أيضًا، هذه الجبهة الغربيّة القويّة قد فعلت كلّ ما قدرت عليه في مواجهة الجمهوريّة
293
253
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
الإسلاميّة خلال خمس وثلاثين سنة، قاموا بأعمال عسكريّة حيث ساعدوا ودعموا المعتدي عسكريًّا على البلد، أعانوا كلّ عدوّ للجمهوريّة الإسلاميّة في أيّ نقطة في العالم، شنّوا الحملات الإعلاميّة الواسعة، فرضوا الحظر والعقوبات الاقتصاديّة بأعلى حدٍّ ممكن وبشكلٍ لا سابق له، ولكن وفي المقابل فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة وفي مواجهة كلّ هذه الحالات والاعتداءات العنيفة والهمجيّة، ليس فقط لم تزل من الوجود ولم يُقضَ عليها، بل إنّها لم تنزوِ ولم تتقوقع على نفسها ولم ترضخ أبدًا لابتزاز الغرب، وتقدّمت يومًا بعد يوم، هذا الأمر الذي يشكّل ماهيّة حبّ الاستطلاع والفضول للتعرّف على تجربتها أكثر. أن تتكاتف القوى الكبرى عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وتضع أيديها بعضها بأيدي بعض، لتوحّد قواها ضدّ بلدٍ ودولة مدّة خمسة وثلاثين عامًا، فلا تسقط تلك الدولة، بل على العكس تزيد قوّتها، ولا ترضخ للابتزاز، ولا تهتمّ لكلّ أولئك المعتدين.
التطور العلمي والثقافي الفاعل
لقد أظهرت الجمهوريّة الإسلاميّة اقتدارها وقدرتها على البقاء في المجالات المختلفة. وعندما ينظرون اليوم إلى الجمهوريّة الإسلاميّة، فإنّهم يرون كيف أنّ الجيل الثاني والثالث للثورة يضمّ ملايين الطلاب الجامعيّين وآلاف الطلاب الحوزويّين الفضلاء، وآلاف الباحثين والمحقّقين وعشرات آلاف الأساتذة الجامعيّين والحوزويّين، وآلاف النخب العلميّة والفكريّة التي ذاع صيت بعضها وأصبحت معروفة على الصعيد العالمي، وآلاف العاملين والناشطين في المجالات السياسيّة والثقافيّة والإنتاجيّة والاقتصاديّة، هذا هو واقع مجتمعنا اليوم، لقد استطاعت الجمهوريّة الإسلاميّة في ميدان العلم والثقافة وعلى الرغم من الحظر والعقوبات كلّها، أن ترسل أقمارًا اصطناعيّة إلى الفضاء وكذلك أن ترسل كائنًا حيًّا إلى الفضاء وتعيده، وأن تنتج الطاقة النوويّة وأن تحتلّ مكانها بين الدول العشر الأوائل في العالم في العديد من العلوم الحديثة. ولقد أعلنت المراكز العالميّة
294
254
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
المتخصّصة أنّ معدّل تسارع العلم في الجمهوريّة الإسلاميّة هو ثلاثة عشر ضعف المتوسّط العالمي. تصدّر الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم الخدمات العلميّة والتقنيّة إلى البلدان المختلفة، وعلى الرغم من الحظر والعقوبات التي لا سابق لها، فإنّها تدير بلدًا يبلغ عدد سكّانه خمسة وسبعون مليونًا، ولها الكلمة الفصل والتأثير الأوّل في سياسات المنطقة، تقف بصلابة في مواجهة النظام الصهيونيّ الغاصب، والذي تدعمه قوى التسلّط والهيمنة العالميّة.
هذه الجمهوريّة الإسلاميّة لا تهادن ولا تصالح الظالمين وتدافع دومًا عن المظلومين، كلّ إنسانٍ واعٍ سيتحرّك عنده حبّ الاستطلاع ليعرف ما هي هذه الظاهرة وهذا الموجود؟، مع كلّ هذه العداوات وكلّ هذه القدرات الذاتيّة وعلامات الحياة والبقاء والصمود، هذه هي ماهيّة حبّ الاستطلاع. هذا في المجالات العلميّة والتقنيّة وما شابه.
سيادة الشعب الدينية
في مجال القضايا السياسيّة والاجتماعيّة، فإنّ التجلّي الراقي لسيادة الشعب الدينيّة قد عبَر خمسة وثلاثين عامًا منذ الثورة وحتّى الآن، وطوال هذه المدّة، كان لدينا اثنتان وثلاثون انتخابات عامة في هذا البلد، هل هذه مزحة؟ إنّها نموذج لا نظير له، إنّ الانتخابات في الجمهوريّة الإسلاميّة، ومن خلال هذه المشاركة الواسعة - بعضها أعلى من معدّل المتوسّط العالمي والعديد منها نسبته أعلى بكثير، مشاركة 70 % و72 %، انتخاباتنا هي هكذا - إنّما تمثّل مظهر السيادة الشعبيّة، يوجد نموذج آخر كذلك لا نظير له ولا شبيه، يتمثّل في ظاهرتين، ونحن كشعبٍ قد تعوّدنا عليهما ولكنّهما بالنسبة إلى المشاهد العالمي أمرٌ استثنائيّ وجذّاب وهامّ جدًّا، وهما عبارة عن مسيرات الثاني والعشرين من بهمن (11 شباط ذكرى انتصار الثورة) ومسيرات يوم القدس في شهر رمضان. يقيم الناس وبشكلٍ مستمر ودائم عرس الثورة في كل عام منذ خمسة وثلاثين عامًا، من خلال مسيرات وتظاهرات عظيمة
295
255
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
حاشدة في الأيام الباردة والطقس الثلجي لأواخر شهر بهمن. نحن قد تعوّدنا على هذا الأمر ولا نلاحظ أهميّته وعظمته، ولكنّ المشاهد العالمي يرى كلّ هذا وهو أمرٌ مدهش بالنسبة إليه، هذه أسباب تلك الجاذبيّة التي تثير حبّ الاستطلاع والتعرّف وتدلّ المعجبين والعقول المتأثّرة وأهل السؤال والاستفسار والباحثين عن طريقٍ جديد. إنّ الحقيقة العامة لزماننا هي عبارة عن الاهتمام والتوجّه وحبّ الاستطلاع العام في العالم الإسلاميّ، من قِبَل الشباب والمثقّفين والمفكّرين المستنيرين، وأهل الوعي والفهم والتعمّق في القضايا حول هذه الظاهرة التي تحقّقت وحصلت بتوفيقٍ إلهيّ، وتأييدٍ إلهيّ في إيران الإسلاميّة، وما زالت تنمو وتتكامل يومًا بعد يوم. هذا هو الأمر الأوّل.
الإمام الخمينيّ المهندس (المعمار) العظيم!
لقد تحدّثنا كثيرًا عن الإمام، ولعلّ البعض يتخيّل بأنّنا نبالغ، كلّا، ما قلناه حول إمامنا العظيم ليس مبالغة ولا مغالاة، بل هو جزء من الحقيقة والواقع، إنّ إمامنا العظيم والعزيز لديه من العمق والمعنى أكثر بكثير من كلّ ما وصفناه واستطعنا أن نبيّنه. كلّ ما لدى الشعب الإيرانيّ وما تشاهده وتدركه أعين وأفكار الشعوب في أنحاء العالم، كلّه من صنع وإنتاج اليد القادرة لذلك الإمام.
معرفة خريطة الإمام
إذا ما أردنا أن نسير ونتقدّم بشكلٍ صحيح، يجب علينا أن نعرف خريطة المعمار. إذا كان البحث يدور حول بناءٍ عاديّ كالمتعارف بين الناس، إن لم تكن الخريطة في متناول اليد ولم يُعلَم التصميم الأصليّ، فإنّ البنّائين ومهما كانوا محترفين ومتخصّصين، من الممكن أن يشتبهوا ويبنوا بشكلٍ خاطئ، يجب التعرّف على الخريطة الأساسية للاستفادة من فنّ البناء والإحياء، إذ وُجد أنّ الخريطة التي رسمها الإمام لم تكن نتاج فكر إنسانٍ فقط، لقد كان مؤيّدًا من عند الله، قطعًا ويقينًا، إنّ الإمام العظيم نفسه كان يعرف ذلك ويقرّ ويعلن، لقد قال: "بأنّ
296
256
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
كلّ ما جرى قد تمّ بيد القدرة الإلهيّة"، ولقد فهم الأمر بشكلٍ جيّد، ولقد أبصرت عينه الثاقبة (ذلك) بشكلٍ عميق. إنّ علينا أن ننتبه، وأن نتعرّف على هذه الخريطة كي نتمكّن من متابعة الطريق. إن لم نعرف الخريطة وانحرفنا عن تصميمها فإنّنا سنبتعد تدريجيًّا ويومًا بعد يوم عن المسير الأصليّ والصراط المستقيم، وحينها سنكون ابتعدنا عن الأهداف المطلوبة. لكي نصل إلى الهدف يجب أن لا نضلّ الطريق، ولأجل تحقّق هذا الأمر، يجب أن تكون الخريطة الأصليّة والأساسيّة دائمًا نصبّ أعيننا، علينا أن نعرفها وندركها جيّدًا.
أهداف خريطة الإمام
إنّ خريطة الإمام وعمله الأصليّ كان بناء نَظْم (نظام) مدني - سياسي على أساس العقلانيّة الإسلاميّة، وكانت المقدّمة اللّازمة لهذا العمل إزالة النظام الملكيّ - الذي كان في الوقت عينه فاسدًا وتابعًا وديكتاتوريًّا! لقد كان للنظام الملكيّ هذه الصفات الثلاثة: لقد كان مبتلى بأنواع الفساد الأخلاقيّ والمادي وغير ذلك، وكذلك كان تابعًا للقوى الأجنبيّة، لإنجلترا حينًا ولأميركا حينًا آخر، لقد كان مستعدًّا دائمًا للتخلّي عن مصالحه ومصالح البلاد من أجل مصالح الأجانب، وكذلك كان نظامًا ديكتاتوريًا ومستبدًّا، لم تكن الناس تريد النظام الملكيّ ولا ترغب به، كلّ واحدة من هذه الصفات تحتاج إلى كتب ومجلّدات لتبيانها.
إنّ المقدّمة اللازمة لذلك العمل الكبير الذي أراد الإمام أن يقوم به هي القضاء على هذا النظام الفاسد والتابع للديكتاتور، لقد شمّر عن ساعدَي الهمّة وتمّ القضاء على النظام. ليست القضيّة في بلدنا أن يسقط النظام الديكتاتوري ليحلّ محله نظام ديكتاتوري آخر أو شبه ديكتاتوري، المسألة الأساس هي أنّ تلك الصفات والخصوصيّات التي كانت عند النظام الملكيّ كان يجب أن تزول ويُقضى عليها ولقد أزالها الإمام العظيم واجتثّها من الأساس، ولقد كانت خطب الإمام وإرشاداته وعمله وسلوكه في هذا الاتّجاه.
297
257
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
الانتخابات والسيادة الشعبيّة في فكر الإمام
بالنسبة للنظم المدني والسياسي، هناك نقطتان أساسيّتان مرتبطتان بعضها ببعض. أو بمعنى آخر، هما وجهان لعملة واحدة. الأولى هي تفويض عمل البلاد للشعب عبر السيادة الشعبيّة ومن خلال الانتخابات. والثانية أن تكون هذه الحركة - النابعة بالأساس من الإسلام الأصيل وكلّ ما يتّصل بحركة السيادة الشعبيّة وتفويض العمل للشعب - في إطار الشريعة الإسلاميّة. هذان القسمان، هما بلمحة واحدة، بعدان لحقيقة واحدة.
لا يظنّنّ البعض أنّ الإمام العظيم قد أخذ الانتخابات من الثقافة الغربيّة ودمجها بالفكر الإسلاميّ والشريعة الإسلاميّة. لا ليس الأمر كذلك، فلو لم تكن الانتخابات والسيادة الشعبيّة والرجوع إلى رأي الناس، جزءًا من الدين وكانت غير مرتكزة على الشريعة الإسلاميّة، فالإمام لم يكن ليلتزم بها. وقد شرح ذلك الإنسان الصريح والحاسم هذه القضيّة. هذا الأمر هو من الدين، فالشريعة الإسلاميّة هي الإطار. في كافّة التقنينات، والإجراءات والعزل والتنصيب، والسلوكيّات العامة التابعة لهذا النظم السياسي والمدني، يجب أن تراعى الشريعة الإسلاميّة. وسيرورة العمل في هذا النظام هي من خلال السيادة الشعبيّة. أي إنّ كلّ فرد من الشعب، ينتخب النائب، وينتخب رئيس الجمهوريّة، أي ينتخب الوزراء عبر وسيط، ينتخب الخبراء، ينتخب القائد عبر وسيط، هذا العمل هو بيد الشعب. هذه هي الركيزة الأساسيّة لحركة الإمام العظيم.
هذا البناء العظيم الذي وضعه هذا الإنسان الكبير، يرتكز على هاتين القاعدتين. الالتزام بالشريعة الذي هو روح وحقيقة النظام الإسلاميّ. يجب أن يلتفتوا إلى هذا الأمر. فإذا تمّ تطبيق الشريعة الإسلاميّة بشكل تام في المجتمع، سوف يتمّ تأمين الحريّات العامّة والمدنيّة - حريّة الأفراد، الحريّة الفرديّة، وحريّة الشعب، أي الاستقلال - فالاستقلال هو الحريّة على نطاق الشعب، الذي لا يرتبط بأحد ولا بمكان.
298
258
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
الشعب الحرّ
إنّ الشعب الحرّ يعني الشعب الذي لا يكون بأيّ شكل من الأشكال تحت سيطرة مخالفيه، أو أعدائه أو الأجانب ـ يضمن الإسلام هذا الأمر، ويضمن العدالة في المجتمع، ويضمن المعنويّات. هذه هي العناصر الأربع الأساسيّة: الحريّة، الاستقلال، العدالة، المعنويّات. عندما تكون الشريعة الإسلاميّة حاكمة على المجتمع، تظهر هذه الظواهر الأساسيّة نفسها في نظم المجتمع الإسلاميّ. لذلك استند إمامنا العظيم على الشريعة الإسلاميّة التي هي روح الجمهوريّة الإسلاميّة. كما ارتكز أيضًا على السيادة الشعبيّة الدينيّة التي هي وسيلة وأداة مأخوذة أيضًا من الشريعة.
مدرسة الإمام: رفض الهيمنة
في مدرسة الإمام لا يمكن القبول والاعتراف بأي قدرة أو سيطرة حصلت من خلال التزوير أو الفرض بالقوّة.
في النظام الإسلاميّ لا معنى للظلم والسيطرة. في النظام الإسلاميّ هناك معنى للقدرة والاقتدار، القدرة النابعة من اختيار الناس ومن رأيهم. لكن القدرة الناشئة من الفرض والضغط والسلاح، لا معنى لها في الإسلام ولا في مدرسة الإمام. تلك القدرة التي نشأت من اختيار الناس هي القدرة المحترمة.
وصفة الإمام: احترام اختيار الناس، ومساعدة المظلوم
في مواجهة هذه القدرة يجب ألّا يتصدّى أحد، ويجب ألّا يلجأ آخرون إلى الظلم والفرض والسيطرة، إذا قام أحدهم بهذا العمل، فاسم عمله هو الفتنة. هذه وصفة جديدة عرضها الإمام للعالم وفصلًا جديدًا أضافه إلى الأدبيّات السياسيّة للعالم. هذه الوصفة الجديدة، إحدى عناصرها الأصليّة - كما أشرنا سابقًا - هي الإسراع لإعانة المظلومين ومجابهة الظلم. في زماننا هذا، إنّ المصداق الأكمل للمظلوميّة هو الشعب الفلسطيني وأنتم رأيتم أنّ الإمام العظيم قد أكّد من اليوم
299
259
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
الأول إلى اليوم الآخر من عمره، على فلسطين، دافع عنها، وأوصى الشعب الإيراني ومسؤولي البلاد بعدم نسياناها. فمساعدة المظلومين، والوقوف في وجه الظالم، رفض سيطرة (وضع اليد) الظالم، الإنكار الواضح لأبّهة وقدرة الظالم وكسر هذه الأبّهة. هذا أيضًا جزءًا من هذا النظام وهذه هي الوصفة الجديدة التي قدّمها إمامنا العظيم. هذه خلاصة، وصورة قصيرة وتوصيف مختصر لمجموعة النظم السياسيّة والمدنيّة التي أحضرها إمامنا الى البلاد بعد سقوط النظام الملكي، قدّمها وقبلها الشعب بشكل حاسم، وتحقّقت أيضًا.
الإمام واستمرار النجاح
هذه الوصفة كالكثير من الكلام السياسي، لا يجب أن تبقى بين طيّات الكتب. نزلت إلى أرض الواقع، طبّقت، تبلورت، بذل الشعب الإيراني الجهد، أظهر الوفاء، قدّم التضحيات، حفظها وحافظ عليها، وقوّاها يومًا بعد يوم إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن.
إذن لقد نجح الإمام، لقد نجح الإمام بشكل كامل في العمل الذي أراد القيام به. ولكن هل سيستمر هذا الإنجاز العظيم؟ وهل أنّ الخانات الفارغة في هذا الجدول - بشكل طبيعي يوجد خانات فارغة في هذه الجداول الاجتماعيّة والتاريخيّة - ستملأ؟ هذا الأمر يرتبط بشكل كبير بي أنا، وبكم وبمقدار الجهد الذي سنبذله. وبالوعي الذي سنظهره، وبمدى مراعاتنا لهذا الخط الواضح وحركتنا عليه. نعم، الأمر ممكن بالتأكيد. مع هذا الشعب الذي نراه، مع التجربة والحركة الناجحة، مع السير المستمر الذي أظهره الشعب في السنوات ال35 السابقة، وبعد رحيل الإمام في السنوات ال25 السابقة، نعم إنّ إكمال الطريق ممكن. ستملأ الخانات الفارغة، ستنجز الأعمال العظيمة، وهذا الشعب بإذن الله وقدرته سيصل الى أعلى القمم.
معرفة التحديات والموانع
لكن هذا الطريق، مثل الطرق المهمّة الأخرى المتّجهة نحو الأهداف الكبرى، فيها الكثير من التحدّيات والموانع. يجب أن نعرف هذه الموانع، كي نستطيع
300
260
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
تخطّيها. إذا لم نعرف الحاجز، فتخطّي هذا الحاجز والمانع إمّا سيكون صعبًا جدًّا أو مستحيلًا. إنّني اليوم، أبلغكم بهذه المواضيع، أنتم أيّها الحضور المحترم في هذا الاجتماع العظيم والحاشد، وفي الواقع لكلّ الشعب الإيراني الذي سيسمع هذا الكلام، شبابنا، مثقّفونا، نخبتنا الفكريّة، يجب أن يقفوا عند كلّ عنوان وكلّ قسم ويتفكّروا، يعملوا عليها، يبحثوا حولها. ليس فقط الأبحاث الفكريّة شبه التنويريّة، ولكن الأبحاث التطبيقيّة، العمليّة، الأبحاث التي تأخذ بعين الاعتبار الواقع. إنّ ما أقدّمه لكم اليوم هو عناوين عريضة للعمل الفكري (الثقافي) الذي سيتابعه الشباب، إن شاء الله، إذ أنّهم أفضل منّا وأكثر استعدادًا.
تحدّيان اثنان: خارجي وداخلي
سأتكلّم عن تحدّيين: تحدّ خارجي، وتحدّ داخلي. الخارجي هو ضغط الاستكبار العالمي. وهنا أقصد الضغط الأميركي دون مجاملة، إنّهم يرمون الحجارة. صحيح أنّه ربّما في تحاليل بعض المفكّرين السياسيّين لديهم، يعتبرون أن لا فائدة، لا يمكن مواجهة هذه الحركة العظيمة. لكنّهم يرمون الحجارة. يجب أن نعرف خطّة عملهم، هذه الخطّة الأميركيّة المفضوحة، هذه الخطّة الكبرى التي تمّ إفشاؤها من خلال الأبحاث، التقارير، الآراء والسلوكيّات الأميركيّة.
أميركا، دول العالم أقسام ثلاثة
إنّ أميركا تقسّم دول العالم، حركات العالم، البشر في العالم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأوّل هو المطيع لها، الدول المطيعة، الحركات السياسيّة والاجتماعيّة المطيعة، أو الأفراد المطيعين هؤلاء هم المجموعة الأولى. (القسم الثاني) بعض الدول ليست مطيعة، لكن يجب مداراتها، بعض الدول وبعض الشخصيّات وبعض الحركات، هي برأي أميركا كذلك ولكن يجب مداراتها، فهناك مصالح مشتركة معهم، وبالفعل، تمّ التكيّف معهم بطريقة ما. سأوضّح فيما بعد هذا الأمر.
301
261
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
القسم الثالث هي الدول غير المطيعة، لا يخضعون لأميركا، لا يرشون أميركا. برأي الأميركيين إنّ كلّ دول العالم، والحركات السياسيّة والاجتماعيّة والمدنيّة والاقتصاديّة في العالم وكلّ الشخصيّات المعروفة والمهمّة والمميّزة والمشهورة لا تخرج عن هذه الأقسام الثلاثة: إمّا سلّموا مصيرهم، وأطاعوا بشكل تام، إمّا مستقلّين ويجب مداراتهم وإمّا غير مطيعين، شجعان ومتمّردين حيث يجب التصرّف معهم بشكل مختلف.
سياسة أميركا ودول العالم
المجموعة الأولى هي الدفاع الكامل عنها. بالطبع، ليس الدفاع المجاني، بل يحمونها ويحلبون خيراتها. يستغلّون قدراتها (هذه الدول) في سبيل منافعهم (أميركا). إنّهم يأخذون أجرهم من هذه الدول، يستخدمونها وكما قلنا إنّهم يحلبون خيراتها، ولا يهتمّون بها. ولكن إذا صدر عن هذه الدول سلوكًا معيّنًا، يعتبر سيّئًا بالعرف العالمي، لا تدين أميركا هذا السلوك، بل تدافع عنه، وتبرّره. على سبيل المثال بعض الدول المستبدّة، والتي تدار من خلال أنظمة رجعيّة ومستبدّة إلى أبعد الحدود، لكنّهم جيّدون مع أميركا، يعطون أميركا، يخدمونها، هم من المجموعة الأولى. عندما يريد الأميركيون وصفهم، لا يقولون أنّها دول ديكتاتوريّة بل يقولون أنّها دول ذات نظام أبوي. ما معنى أبويًّا في النظام السياسي؟ ما معنى هذا؟ بلدان لا مجلس نوّاب فيها، لا انتخابات، لا قدرة على الكلام، لا أقلام حرّة، لا تعبير حرّ، وكلّ مخالفة بسيطة لإرادة الحاكم، يتمّ قمعها بكلّ حدّة وشدّة وقسوة. هذا البلد هو بلد أبويّ الحكم؟
صدام حسين في فترة من الحياة، كان من أولئك المطيعين، المسلّمين مصيرهم لأميركا. في تلك الفترة قدّموا له كلّ أنواع الدعم، وكانوا تحت أمره، أعطوه أسلحة كيميائيّة، خرائط حركتنا العسكريّة التي تُكشف بالأقمار الاصطناعيّة، أعطوه خرائط حربيّة، لأنّه كان يخدمهم، ضدّ النظام المتمرّد للجمهوريّة الإسلاميّة، هذا
302
262
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
النظام الإسلاميّ هو من المجموعة الثالثة، هذه إحدى المجموعات.
المجموعة الثانية، كما قلنا هي الدول التي تقتضي سياسة أميركا وخطّتها مداراتها. ما معنى مداراتها؟ أي إنّ هناك مصالح مشتركة يتمّ لحاظها، إنّهم يضعونهم بجانبهم، ولكن كلّما سنحت الفرصة يطعنونهم بالخنجر في قلوبهم، ويسرقون قلبهم، ولا يلتفتون لهم أبدًا. مثل أي بلاد؟ كالبلاد الأوروبيّة. هذا هو وضع البلاد الأوروبيّة اليوم. أميركا تراعيهم، لا يعني هذا أنّها تهتم لمصالحهم، لا بل تركلهم كلّما سنحت الفرصة. يتجسّسون عبر الانترنت والهاتف المحمول على الشخص الأوّل لأحد البلاد الحليفة لهم، دون أي خجل. وحين يتمّ اكتشاف الأمر، يقولون نعم، أعذرونا حصل هذا الأمر، لم يكن هناك خيار آخر، تمّ الأمر. ليسوا مستعدّين لأي اعتذار جدّي. فهمي للأمور السياسيّة هو أنّ الأوروبيّين قد وقعوا في خطأ استراتيجي كبير، عندما وضعوا أنفسهم في خدمة أميركا. يهتمّون للمصالح الأميركيّة، وأميركا لا تهتم لمصالحهم، وسيستمر الوضع على هذه الحال إلى ما لا نهاية، هذه هي المجموعة الثانية.
المجموعة الثالثة هي الدول التي لا ترضخ لأميركا. وسياسة أميركا تجاه هذه الدول تتلخّص في الاستفادة من أي وسيلة ممكنة ضد هذه البلاد غير المطيعة. أي وسيلة ممكنة، لا يعرفون حدًّا ولا قيدًا. إذا رأيتم أنّ بلدًا غير مطيع لأميركا، لكنّها لا تشنّ هجومًا عسكريًّا عليه أو لا تمارس الحظر عليه، فاعلموا أنّ هناك إشكالًا ما. أي إنّ هناك مانعًا في طريقهم. بلغة مبسّطة، لا تستطيع القيام بهذا الأمر لذلك هي لا تقوم به. لو كانت تستطيع لقامت به. إنّ الجريمة الوحيدة لهذا البلد غير المطيع - غير الحاضر للاستسلام أمام أميركا - أنّه أيضًا غير مستعدّ لتقديم رشوة، ليس حاضرًا ليقدّم مصالح أميركا على مصالحه، هذا يعني البلد غير المطيع. الأميركيون ولكي يُخضعوا هذا البلد، لا يتوانون عن فعل أي أمر. كلّ عمل ممكن بالنسبة إليهم، يقومون به. إذا لم يقدموا على خطوة ما، فلأنّهم غير قادرين!
303
263
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
أميركا والمؤمرات المعاصرة ضد الشعوب
حسنٌ، ما هي الأعمال التي يقوم بها الأميركيون الآن؟ لم يعد الهجوم العسكريّ بنظر الأميركيين اليوم أولويّة، لقد أدركوا أنّهم تضرّروا بملفّ العراق وأفغانستان حينما قاموا بالهجوم العسكريّ، وأدركوا أنّ الهجوم العسكريّ يمثّل خطرًا في بعض الأحيان على الدولة المهاجمة بنفس المقدار الذي يمثّله على الدولة التي تتعرّض للهجوم، لقد فهموا ذلك جيّدًا. لذلك يمكن القول بأنّهم صرفوا النظر عن الهجوم والتحرّكات العسكريّة، ولديهم طرقٌ أخرى.
إحدى هذه الطّرق هو أن يوكلوا مهمّة تحقيق أهدافهم داخل الدولة التي يستهدفونها بحملاتهم العدائيّة إلى عناصر داخل تلك الدولة. فالقضيّة لا تنحصر بإيران الِإسلاميّة والجمهوريّة الإسلاميّة، لأنّهم يقومون بهذه الأمور في كلّ مناطق العالم، ونحن نشاهد نماذج منها الآن. فإمّا أن يحصل الأمر بواسطة الانقلاب العسكريّ، حيث يدعمون بعض الأشخاص ليقوموا بهذا الأمر، فيسقطون ذاك النظام أو أجهزة الدولة، حكومة وسياسة، من خلال الانقلاب العسكريّ، عندما لا تستسلم لهم، فهذا هو أحد الطّرق.
ومن الطرق الأخرى، جرّ قسم من الشعب إلى الشوارع، حيث كانت تلك الثورات الملوّنة في كلّ مكان من هذه المناطق، من هذا القبيل، في السنوات الأخيرة. فتأتي حكومة على رأس الأمور، ومن الطبيعيّ إذا أتت حكومة على رأس الأمور بفضل 60 بالمئة من آراء الشّعب، فإنّ النسبة الباقية لا تكون قد صوّتت لها، فيتوجّه الأميركيون إلى هذه النسبة الباقية ويختارون من بينها بعض العناصر والقيادات ويحمِلونهم بالتطميع، وبالمال، وبالتهديد، على جرّ تلك النسبة الباقية، أو ما يمكن منها، إلى الشوارع. كذلك هو الأمر بالنسبة للثورات الملوّنة، هذه الثورة البرتقاليّة، وتلك الثورة المزعومة في المناطق المختلفة التي شوهدت في السنوات الأخيرة، كانت أيدي الأميركيين وراءها. نحن هنا لا نريد أن نحكم بشأن الأحداث التي تجري هذه الأيّام في منطقة من أوروبا، ولكنّ المرء عندما ينظر ويشاهد سناتورًا
304
264
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
أو مسؤولًا أميركيا، يتساءل ماذا يفعل في مظاهرات أقليّة ضدّ الدولة وماذا يمكن أن يفعله بحضوره هناك؟ فمن أعمالهم إسقاط الحكومات من خلال جرّ مجموعة من الناس إلى الشوارع والعصيان المدنيّ، لأنّ تلك الحكومة ليست مقبولة عندهم وليست حاضرة للخضوع لابتزازاتهم.
ومن الأعمال الأخرى، تفعيل المجموعات الإرهابيّة واستخدامها كما يحدث اليوم في العراق، وفي أفغانستان، وفي بعض الدول العربيّة في المنطقة، وقد فعلوا ذلك في بلدنا واستخدموا الجماعات الإرهابيّة لتغتال شخصيّات محدّدة. ففي بلدنا اغتالوا علماء ومتخصّصين في الطاقة النوويّة، وقبل ذلك فعلوا ذلك ببعض النخب السياسيّة والثقافيّة والشخصيّات العلميّة والروحيّة. وهؤلاء كانوا قد تربّوا في أحضان أميركا، وبعض هؤلاء حصلوا على رضا وقبول الأميركيين بسبب هذه الخدمات التي قدّموها لأميركا. ففي يومنا هذا يعيش المنافقون في أحضان أميركا ويشاركون في الاجتماعات المختلفة، وفي لجان الكونغرس الأميركي. تجد تلك العناصر المنافقة اليوم، أولئك الذين اغتالوا في هذا البلد أبناءه وشخصيّاته المهمّة وعلماءه وسياسيّيه، وافتعلوا الانفجارات تجدهم معهم في أميركا، هذه إحدى الطرق.
ومن الطرق الأخرى أيضًا إيجاد الخلافات في المستويات العليا للسلطة، فمنها: أن يوجدوا خلافًا وانقسامًا في الجهاز أو النظام الذي لا ينسجم معهم من أجل ازدواجيّة السلطة، أي إنّهم يفشلون في العديد من الأماكن ولكنّهم ينجحون في بعضها.
ومن الطرق أيضًا، أن يجعلوا قلوب وعقول الناس تنصرف عن أصولهم الاعتقاديّة والإيمانيّة من خلال دعاياتهم وغيرها من الطرق. وقد قام نظام الولايات المتّحدة الأميركيّة بكلّ هذه الأعمال تجاه إيراننا العزيزة والإسلاميّة، وقد هُزم هذا النظام - بفضل الله - في كلّ أعماله، الانقلاب العسكريّ، ودعم مشعلي الفتن، وجرّ الناس إلى الشوارع، ومواجهة الانتخابات، وإيجاد الانقسامات،
305
265
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
فكلّ هذه الأعمال قد قاموا بها أو يسعون للقيام بها وهم بحمد الله لم ينجحوا فيها كلّها. لماذا؟ لأنّ الشعب يقظ، وهو شعبٌ مؤمنٌ. وهنا ننتقل إلى ذلك التحدّي الثاني وهو التحدّي الداخليّ.
مواجهة أعداء الداخل (التحدي الداخلي)
إخواني وأخواتي الأعزّاء! إنّ التحدي الداخليّ لشعبنا هو أن نغفل وننسى ونبتعد عن روحيّة ووجهة نهضة إمامنا الجليل، فهذا هو أكبر خطر. فنشتبه في تحديد أعدائنا وأصدقائنا، ونخلط بين الجبهتين فلا نعرف العدوّ من الصديق، أو نشتبه في تحديد العدوّ الأصليّ من الفرعيّ فهذا خطرٌ.
إخواني الأعزّاء، أخواتي العزيزات، كلّ أبناء شعب إيران، عليكم أن تلتفتوا إلى أنّ البعض قد يعادونكم أحيانًا ولكنّكم إذا دقّقتم فلن تجدوا عدواتهم عداوة أساسيّة بل هي تابعة لعاملٍ آخر. فاكتشفوا العدوّ الأصلي فإنّ الإنسان إذا واجه عدوّه الفرعيّ، فإنّ قواه تذهب هدرًا ولن يصل إلى النتيجة المطلوبة.
العدو الأساس، خلف الجماعات التكفيريّة
في يومنا هذا يوجد مجموعة في مناطق مختلفة من العالم الإسلاميّ تسعى للقيام بأعمال قبيحة وسيّئة ضدّ إيران والشّيعة والتشيّع، تحت عنوان الجماعات التكفيريّة والوهابيّة والسلفيّة، لكن هؤلاء ليسوا أعداءً أساسيّين، فعلى الجميع أن يعرفوا ذلك، إنّهم يعادون ويرتكبون الحماقات ولكن العدوّ الأصلي هو من يحرّكهم ومن يدعمهم بالمال، هو ذلك الذي إذا وجد اندفاعهم قد ضعف يقوم بتحريكهم بالوسائل المختلفة. إنّ العدوّ الأساسيّ هو الذي يبذر بذور الخلاف والاختلاف بين تلك الجماعة الجاهلة وشعب إيران المظلوم، إنّه تلك الأيادي الخفيّة للأجهزة الأمنيّة والمخابراتيّة. لذلك قد قلنا مرارًا أنّنا لا نعتبر تلك الجماعات الحمقاء التي تواجه نظام الجمهوريّة الإسلاميّة تحت اسم السلفيّة والتكفير والإسلام عدوًّا أساسيًّا. إنّنا نعتبرهم مخدوعين، ونقول لهم: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ
306
266
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾1، فلو أخطأتم واشتبهتم وقمتم بقتل إخوانكم المسلمين، فإنّنا لا نعتبر أنّ علينا أن نقتلكم. بالتّأكيد، ندافع عن أنفسنا، فكلّ من يهجم علينا سوف يواجه قبضة محكمة فهذا طبيعيّ، لكن لا نعتقد أنّهم أعداءنا الأصليّين بل هم مخدوعون. إنّ العدوّ الأساسيّ هو الذي يقف خلف الستار، تلك اليد التي لا تخفى كثيرًا والتي تخرج من أكمام الأجهزة الأمنيّة وتمسك بزمام المسلمين من أجل أن توقع بينهم.
هذه هي تحدّياتنا الداخليّة: الانشغال بالخلافات داخل الدولة، أن تقوم الخلافات الفرعيّة والسطحيّة بإشغالنا وجعلنا في مقابل بعضنا البعض، وجعلنا غافلين عن القضايا الأساسيّة والخطوط الأصليّة. فهذا هو أحد مصاديق تلك التحدّيات الأساسيّة التي ذُكرت. إنّ افتقاد الانسجام الوطنيّ هو من تحدّياتنا. والابتلاء بالكسل والإحباط والتباطؤ في العمل واليأس وضعف الأمل وتصوّر أنّنا لا نقدر وأنّنا لم نقدر لحدّ الآن، كلّا، فكما قال الإمام إنّنا قادرون. يجب أن نمتلك العزم. العزم الوطنيّ والإدارة الجهاديّة يمكنها أن تحلّ كلّ هذه العقد. كل هذه التحدّيات الداخليّة عندنا يجب أن نواجهها. وكما ذكرنا يجب على شبابنا الأعزّاء ونخبنا وفضلائنا أن يجلسوا ويدرسوا هذه القضايا. فهذه هي العناوين الأساسيّة. إنّ اسم إمامنا الجليل وذكره وخطّة هذا المعمار الكبير يمكنها أن تعيننا في جميع هذه الفصول والعناوين وتمنحنا الأمل والنشاط والروحيّة مثلما فعلت وسوف تبقى في المستقبل بتوفيق الله.
اللهمّ! أنزل بركاتك على هذا الشعب العزيز.
اللهمّ! أنزل عونك على شبابنا الأعزّاء على طريق بناء أهداف النظام الإسلاميّ.
اللهمّ! احفظنا من الانحرافات. اللهمّ اجعل يد الشعب الإيرانيّ مقابل أعدائه
1 سورة المائدة، الآية 28.
307
267
في الذكرى الـ 25 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره
أقوى وانصرهم على أعدائهم واجعل قلب وليّ العصر المقدّس أرواحنا فداه متّجهًا إلينا بعين الرحمة وأن يشملنا بدعائه، واحشر روح إمامنا المطهّر وشهدائنا الأعزّاء مع النبيّ.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
308
268
بعد زيارته لمعرض دار الحديث
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
بعد زيارته لمعرض دار الحديث
المناسبـــة: زيارة معرض "دار الحديث"
الحضور: رئيس وأعضاء مؤسسة "دار الحديث"
المكان: طهران - حسينيّة الإمام الخمينيّ قدس سره
الزمان:
21/03/1393 هـ.ش.
13/08/1435 هـ.ق.
11/06/2014 م.
309
269
بعد زيارته لمعرض دار الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم1
نبارك أيام الولادة الفياضة لسيدنا بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتبرك أيام شهر شعبان بهذه الولادة الكبيرة السعيدة. نسأل الله تعالى أن يجعلكم ويجعلنا من أتباعه سلام الله عليه، ومن شيعته.
الموسوعة المهدوية
ونشكر حضرة الشيخ ري شهري وزملاءه الأعزاء المحترمين على هذه الهدية القيمة التي قدموها للمجتمع الإسلاميّ وللمجتمع العلمي بمناسبة هذا العيد، ألا وهي الموسوعة المهدوية2 مع هذه الخصائص التي ذكروها وهي خصائص مهمة3 - يبدو أن الكتاب قد وصلني قبل يومين وقد تصفحته كله، وبرأيي هو كتاب مميز ومهم، وإن شاء الله سوف نخصّص وقتاً لقراءة الكتاب من أوله إلى آخره - لكن العمل على جانب كبير من الأهمية وهو مشروع كبير. المهم هو أن يتنبّه الذهن إلى وجود حاجة وفراغ، وتتحفز الهمة لملء هذا الفراغ وسد هذه الحاجة. وقد تم إنجاز هذه الأعمال - وبالطبع، فإن أي عمل يصدر عنا نحن البشر لن يكون خاليًا من العيوب والنواقص - وليس المهم أن هذا الكتاب كامل أو جامع، وليست القضية في النقص وعدمه، بل المهم أن هذا الكتاب قد وجد، وقد كان هناك شعور بالحاجة إليه وتحفزت الهمم لإنتاجه وقد ظهر إلى النور، والحمد لله. إنني أشكره وزملاءه
1 قبل اللقاء زار سماحته دام ظله معرض النتاجات العلمية والبحثية لمؤسسة دار الحديث. وكان آية الله الشيخ محمد محمدي ري شهري (رئيس المؤسسة ) حاضراً في اللقاء.
2 في أثناء زيارة معرض النتاجات العلمية والبحثية لمؤسسة دار الحديث التي جاءت على أعتاب ذكرى ولادة الإمام المهدي المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف في الخامس عشر من شعبان، تمّ إطلاق موسوعة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
3 استطرد سماحته دام ظله : أظن أنهم جاؤوا بالكتاب أمس أو قبل أمس، ووجدت فرصة لتصفّحه على وجه السرعة.
311
270
بعد زيارته لمعرض دار الحديث
المحترمين شكراً من صميم القلب.
لنذكر نقطة حول هذه الأيام المباركة والوجود العظيم العزيز لسيدنا بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف، ونذكر نقطة أخرى بشأن مجْمَعِكُم ومركز بحوثكم ودار الحديث.
المهدوية، عقيدة الاديان
بشأن قضية الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف عملتم جيداً وسعيتم جيداً، ولديكم إحاطة بكل جوانب القضية. المهم هو أن الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر جزءٌ من الرؤية الكونية للأديان. أي إن الأديان الإلهية كما تطرح رؤية كونية عامة بشأن العالم والإنسان ونشأة الخلقة ونهاية مسار الحياة البشرية - رؤيتها حول الله والمعاد - فإن من أجزاء هذه الرؤية الكونية - هذه المجموعة الهائلة العظيمة التي تمثل البنى التحتية لكل الأفكار والرؤى والأحكام والقوانين والأنظمة في الأديان - قضية نهاية مسار قافلة البشرية في هذه الدنيا. إن قضية ذلك العالم وتلك النشأة هي قضية أخرى، فهي قضية عالم الآخرة. إن من القضايا التي يطرح حولها السؤال: إلى أين تذهب البشرية؟ إذا شبّهنا المجتمع الإنساني على مرّ التاريخ بقافلة تسير في مسار معين، سيطرح هذا السؤال: إلى أين تسير هذه القافلة؟ ما هو مقصد هذه القافلة؟ إلى أين تنتهي هذه المسيرة؟ هذا سؤال جدي ويجب الإجابة عنه في أية رؤية كونية. وقد أجابت الأديان عن هذا السؤال. وإجابات المذاهب والمدارس الفكرية غير الدينية ليست على شاكلة واحدة في هذا الصدد، لكن إجابة الأديان عن هذا السؤال واحدة ومتشابهة تقريباً، فلديها إجابة محددة. في حدود ما نعرفه عن الأديان الإلهية والأديان التي استُنسخت عن الأديان الإلهية - حتى لو لم تكن هي نفسها إلهية ولكن من الواضح أنها استقت أصولها وقواعدها من الأديان الإلهية - تعتقد كلها بأن هذه القافلة ستصل في نهاية الطريق إلى منزل منشود وصالح ومحبوب ومفرح.
312
271
بعد زيارته لمعرض دار الحديث
المهدوية وخاصية العدالة
والخاصيّة الأساسية لهذا الهدف أو المقصد هو "العدالة"، العدالة مطلب عام للبشرية منذ فجر تاريخها وإلى اليوم وإلى آخر يوم من عمرها. إنَّ الذين يحاولون في مرتكزاتهم وأفكارهم وأصولهم أن يجنحوا إلى التنويع والتغيير والتحوّل وما إلى ذلك لا يمكنهم إنكار أن من أهم مطالب الإنسانية منذ يومها الأول وإلى اليوم هو "العدالة". البشرية تنشد العدالة، ولم تغضّ الطرف يوماً عن هذا المطلب، وسوف يتحقق هذا المطلب في نهاية المطاف، وقد ورد في آثارنا: "يملَأُ الله بِهِ الاَرضَ قِسطاً وعَدلاً كما مُلِئَت ظُلماً وجَورا"1 - في معظم النصوص "كما مُلِئَت" وفي بعض النصوص "بَعدَ ما مُلِئَت" - وهذه إجابة كل الأديان. في الواقع إنَّ كل واحد من أبناء البشر يعلم إلى أين ستفضي هذه المسيرة العامة للبشرية.
عصر المهدوية
وإذا أردنا التشبيه يجب القول إن مسافراً أو قافلة تعبر منعطفات صعبة ومعابر عسيرة وجبالاً وودياناً ووحولاً وأشواكاً، وتقطع الطريق من أجل أن توصل نفسها إلى نقطة معينة، فأين هي هذه النقطة؟ هذه النقطة هي طريق أو جادة مهمة مفتوحة أو طريق مستوية وسهلة. كل ما نشاهده في تاريخ البشرية إلى اليوم هو مسيرة في طرق وعرة ومنعطفات صعبة ووسط أشواك جارحة ووحول ومستنقعات، وتسير البشرية على هذا الدرب لتصل إلى تلك الجادة، وتلك الجادة هي عصر المهدوية ومرحلة (عصر) ظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
طبيعة البشرية في عصر الظهور
ليس الأمر بحيث عندما نصل إلى هناك ستحصل حركة دفعية ثم ينتهي الأمر، لا، إنما هناك مسير (أيضا). وفي الواقع يجب القول إن الحياة الرئيسة (الأساسية) للبشرية وحياة الإنسان المنشودة الصالحة ستبدأ من هناك، وتبدأ
1 كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج 2، ص 567.
313
272
بعد زيارته لمعرض دار الحديث
البشرية لتوّها بالسير في طريق هو الصراط المستقيم الذي يوصلها إلى الهدف من الخلقة. إنه طريق يأخذ بأيدي (كل) البشرية إلى هناك، وليس بعض أفرادها، أي إن الأمر يتعلق بالمجاميع وليس بالأفراد. طبعاً، هذا لا يعني أن طبيعة البشرية ستتغير في ذلك الحين، لا، فطبيعة البشر هي طبيعة صراع ونزاع داخلي بين الخير والشر. هناك عقل الإنسان وطبعه، ولغرائز الإنسان أيضاً أحكامها ونزعاتها، وميول الإنسان ونزعاته الطبيعية تفعل فعلها، والعقل أيضاً يفعل فعله، وسيكون هذا النزاع قائماً في ذلك العهد أيضاً. ليس الأمر بحيث تتحول البشرية كلها في ذلك العهد إلى ملائكة، لا، سيكون هناك أيضاً نزاع وصالحون وطالحون، بيد أن الطريق والجادة ستكون سهلة ويسيرة ومساعدة على الصلاح والسير بصورة صحيحة نحو الهدف الحقيقي من المسيرة. هذه هي خصوصية ذلك الطريق الذي يمثل المعنى الحقيقي والواقعي لـ"العدل". وهذا أمر قطعي حتمي. وإن النجاحات والتوفيقات التي أحرزها البشر خلال هذا الطريق تؤيّد (تؤكد) هذا المعنى لذهن الإنسان المشكك في تحقق الوعود.
وعد الله بالمنقذ للبشرية
هذه الآيات التي تليت هنا تبدو لي آيات لافتة ومهمة. ثمة نقطة في هذه الآيات، حيث تُلقي أمّ موسى بوليدها النبي موسى عند بداية ولادته في الماء، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾1. يوجد هنا وعدان: أحد الوعدين وعدُ إرجاع موسى إلى أمّه، والوعد الثاني ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾، أي ذلك الوعد العام الذي أعطي لبني إسرائيل الذين كانوا ينتظرون منقذاً، وأن هذا المنقذ هو من عند الله وسوف يأتي وينقذ بني إسرائيل من فرعون. وقد أعطى الله تعالى في وحيه لأمّ موسى هذا الوعد الثاني أيضاً ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾، بمعنى أننا نرسله
1 سورة القصص، الآية 7.
314
273
بعد زيارته لمعرض دار الحديث
من عندنا ونجعله المرُسَلَ الذي من المفترض أن يحقق ذلك الوعد الكبير ويتحقق على يده ذلك الأمل العظيم. أعطى الله تعالى هذين الوعدين. أحد الوعدين وعد عاجل وقريب وهو ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾. وفي الآيات اللاحقة التي لم يقرأها السيد سبز علي1 للأسف، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾2. يقول سبحانه إننا حين نردّ موسى إلى أمه سوف تقر عينها ولكي لا تحزن، ولكن هناك أثر آخر لهذا الردّ وهو ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾. أي لتعلم أن هذا الوعد الذي قطعناه وأعطيناه - وقلنا إننا سنبعث منقذاً وشخصاً من المقرر أن يخرج بني إسرائيل من حالة الاستضعاف في مصر - إنما هو وعد صادق وصحيح، وليطمئن قلبها إلى هذا الوعد. بمعنى أن وعداً صغيراً من الله يتحقق من أجل أن يطمئن أي إنسان متدبّر في تحقق هذا الوعد الصغير إلى أن ذلك الوعد الكبير سيتحقق أيضاً.
الجمهوريّة الإسلاميّة، مصداق وعد الله
ما قد حققته البشرية من نجاحات، على مرّ التاريخ، عن طريق الدين وبواسطته هو هذه الوعود الصغيرة، ومن تلك الوعود الجمهوريّة الإسلاميّة. إن الجمهوريّة الإسلاميّة هي أحد هذه الوعود. فقد وعد الله تعالى أنكم إذا كافحتم وصبرتم وتوكلتم على الله تعالى، فسوف يمنحكم القوة والاقتدار من حيث لا تحتسبون ومن حيث تفتقدون الأمل بذلك. وقد تحقق هذا الشيء: فقد كافح الشعب الإيراني وصبر وصمد وضحّى ولم يبخل بالتضحية بالأرواح، ووقع ما لم يكن أحد ليتصوره! من كان يظنّ أن تَظْهَر في هذه المنطقة الحساسة وفي هذا البلد البالغ الأهمية، وفي مواجهة ذلك النظام المدعوم بشدة من قبل القوى الدولية حكومة وتنتصر ثورة وبلبوس الدين وعلى أساس الفقه والشريعة؟ من الذي كان يتصور مثل هذا؟ لا أحد. إذا قال قائل إنني كنت أعلم أن هذا سيحدث، إلّا إذا كان قد علم ذلك بطرق
1 القارئ الذي افتتح اللقاء بتلاوة آيات بينات من الكتاب الحكيم.
2 سورة القصص، الآية 13.
315
274
بعد زيارته لمعرض دار الحديث
غيبية، فالحسابات لم تكن تشير إلى هذا على الإطلاق، لكن هذا حدث. فلنعلم أن ذلك الوعد الأساس وذلك الأمر الكبير سيقع أيضاً هو الآخر. كان هذا نموذجاً لما سيحدث.
الانتظار نافذة للفرج
يجب الانتظار: إن نظرة الأديان هذه لنهاية مسار القافلة البشرية نظرة جد متفائلة وباعثة على الأمل. الحق أن روح الانتظار وروح التواصل مع ولي العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف وانتظار ظهوره وانتظار ذلك اليوم من أكبر منافذ الفرج على المجتمع الإسلاميّ. إننا ننتظر الفرج، وهذا الانتظار بحد ذاته فرجٌ. هذا الانتظارُ نفسُه نافذة للفرج ومبعث أمل ومصدر طاقة ويحول دون تفشّي الشعور بالعبثية والضياع واليأس والقنوط والتيه والحيرة حيال المستقبل. إنه يمنح الأمل ويرسم الخط والمسار. هذه هي قضية إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، ونتمنى أن يجعلنا الله تعالى من منتظريه بالمعنى الحقيقي للكلمة، ويقرّ أعيننا بتحقق هذا الوعد الإلهي.
أهمية الأعمال المنجزة في القضية المهدوية
بخصوص مجموع الأعمال التي قمتم بها أيها الإخوة والأخوات الأعزاء بإدارة جناب الشيخ ري شهري خلال هذه الأعوام، ينبغي عليّ حقاً أن أتقدم لكم بالشكر. لقد أُنجزتْ أعمال جيدة جداً وجديدة. المهم هو أن تتنشط الأذهان لمعرفة نقاط الفراغ والنقص، وهذا بحد ذاته فن كبير. تشخيص المشكلات فن وميزة مهمة. لينظر الإنسان ويشخّص مواطن النقص والفراغ. لقد خرجت مجموعتكم هذه من الاختبار مرفوعة الرأس، فقد شخّصت مواطن الفراغ وعقدت العزم والهمة على ملئها.
أهمية القرآن والحديث في قضية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
قضية القرآن الكريم والحديث قضية على جانب كبير من الأهمية. وفي قضية المهدوية وما يرتبط بها - كقضية الانتظار وقضية طول العمر وقضية فترة الحكم
316
275
بعد زيارته لمعرض دار الحديث
وقضية الواجبات المترتبة على منتظريه وباقي الأمور والقضايا في هذا النطاق - هي الحديث وما روي عن الأئمّة عليهم السلام مما لا يبقي مجالاً للشك والتردد، وهذا هو أهم شيء. وكما أشار الشيخ ري شهري - فإنني أيضاً - أعتقد أن الشواهد العقلية والاعتبارية يمكن النظر لها باعتبارها مؤيّدات، لكن الشيء الحاسم والقاطع هو المصادر الروائية والحديثية والقرآنية، والتي يجب الاعتماد عليها والاستفادة منها. طبعاً، يجب تنقيحها، وعدم الاعتماد على الكلام الضعيف. وإن ما نملكه من كلام قويم متين ليس بالقليل، فالكلام القوي والرصين والركائز الفكرية المتينة - والحمد لله كثيرة جداً في هذا المضمار - ويمكن الاعتماد عليها والانتفاع منها.
نسأل الله تعالى أن يوفقكم ونشكركم مجدداً على هذه الهدية القيمة التي قدمتموها في أيام هذا العيد المبارك إلى المجتمع الإسلاميّ، وإن شاء الله سوف يستفيد المجتمع العلمي والفكري من هذه العيدية على أتم وجه.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
317
276
في لقائه مع فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقائه مع فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"1
المناسبـــة: إحياء ذكرى شهداء الدفاع المقدس
الحضور: فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"
المكان: طهران
الزمان:
26/03/1393 هـ.ش.
18/08/1435 هـ.ق.
16/06/2014 م.
1 الجرف 143: إسم لمنطقة حربية، جرى اختياره كإسم للفيلم.
319
277
في لقائه مع فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"
بسم الله الرحمن الرحيم1
فيلم جميل، قصة شديدة الجاذبية لقد شاهدت الفيلم، كان فيلماً جميلاً جداً. نحن لسنا خبراء في عالم السينما، ولكن يمكن أن يتكوّن لدى المستمع نوع من الحسّ النقدي، إذا نظرنا إلى القصة - وإحدى الأساسيات التي تفتقر إليها أفلامنا هي القصة الجميلة، الشديدة الجاذبية - سنجد أن قصة هذا الفيلم جميلة وجذّابة، وأن فيه تعقيدًا قصصيًا، وقد جرى عرض هذا التعقيد خلال الفيلم ببراعة، كذلك الأمر بالنسبة للإخراج، فقد أنجزته السيدة آبيار - التي يفترض أنها حاضرة بيننا - بصورة جيدة جداً2، أما بالنسبة لدور البطولة الرئيسي - لا أعرف إن كانت السيدة زارعي حاضرة هنا أم لا3 - فقد لعبت حقاً الدور على أكمل وجه، وكان عملها جيدًا جداً، أما بالنسبة للمحتوى، فهذا الفيلم يُعدّ قيميّاً بالكامل. إني لأتعجّب كيف يمكن لبعض أن يتصوّر أن فيلم "شيار 143" مخالف للقيم وللدفاع المقدّس، لا أعلم من أين يمكن أن يفهم هذا من الفيلم4.
مشاعر الأمومة، لا توصف!
نعم، لقد بحثت هذه الأم في كل مكان من أجل العثور على علامة أو أثر لولدها، وهذا واضح جدًا، وهو أمرٌ طبيعيٌ للغاية، وها هنا تكمن أهمية موضوع الدفاع
1 حاز هذا الفيلم في مهرجان فيلم فجر الثالث والثلاثين على جائزة "أفضل فيلم برأي الشعب" وجائزة "أفضل ممثلة دور رئيسي".
2 كانت السيدة نرجس آبيار (الكاتبة والمخرجة) حاضرة في اللقاء.
3 لم تكن السيد مريلا زارعي (ممثلة الدور الرئيسي) حاضرة في اللقاء.
4 ذكر منتج الفيلم أن البعض قال إن الفيلم مستنكر للحرب ومخالف للقيم حتى، وقد قيل هذا في المراحل الأولى من تصوير الفيلم وخلال الإستحصال على رخصته.
321
278
في لقائه مع فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"
المقدس، الأم التي تحمل هذه الهوية، ولها هذه الكرامة، الأم التي تعيش هذا الشعور الذي لا يمكن وصفه. لأن شعور الأم تجاه ولدها غير قابل للوصف أبدًا، ونحن الذين لا نستطيع أن نكون أماً، لا ندرك واقعاً عظمة هذا الشعور ـ هذه الأم التي تحمل هذا الشعور، تتحمّل هجرة ولدها إلى جبهات الحرب، وتتحمّل شهادته وتفتخر بذلك. مرّت ثمان سنوات من الدفاع المقدس ولم نسمع أي شكوى من الأمهات خلالها أو بعدها، بل على العكس، ألفينا الأمهات أشجع من كثير من الآباء. لقد وفّقني الله للقاء بعض عوائل الشهداء والجلوس على سجادتهم، وتحت ظل بيوتهم، والتحدث معهم بصدق، ولم أرَ إلى الآن - لا أذكر أنّ مرةً واحدة حتى من بين الآلاف - أماً اشتكت من شهادة ولدها، بل على العكس تمامًا، كنا نرى الأمهات يعبّرن عن فخرهن، واعتزازهن ويرفعن رؤوسهن، هذا الأمر مهمٌ جداً. هذه الأم المستعدة للتضحية من أجل ولدها، بحيث لا تتحمّل أن يجوع ولدها في مكان عمله أو ما شابه ذلك، هذه المرأة المفعمة بمشاعر الأمومة هي نفسها تصبر على شهادته، تصبر على هجرته، تصبر على فراقه ولا تتأفف ولا تشتكي، هذه برأيي أمور مهمة للغاية، وقد جرى تمثيل هذا الدور بصورة جيدة جداً، وكان الإخراج واختيار المشاهد جيداً جداً، لقد كان فيلماً جميلاً جداً.
الدفاع المقدس، وسينما متقدمة
نعم، رأيي أيها السادة من رأيكم، فأنا أيضاً أرى أن مخزون الدفاع المقدس لم يستثمر في العمل السينمائي في بلدنا بعدُ، إن مستوى السينما عندنا عالٍ جداً، وهناك أشخاص من أهل هذا الفن وعارفون ومطّلعون وخبيرون، ويوثق بقولهم في فهم المسائل، وهم يرون أن سينما إيران تتمتّع بمستوى عالٍ في الإخراج والماكياج ولعب الأدوار وأمثال ذلك، وأنها من الأوائل في العالم، وهذا الأمر صحيح، ويجب أن يلتقي هذا المستوى الرفيع بهذا المخزون العظيم في الدفاع المقدس، ولحدّ الآن لم يحصل هذا الأمر بالشكل الصحيح. نعم، لقد شاهدنا موارد من هذا القبيل خلال
322
279
في لقائه مع فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"
هذه السنوات، إلا أنها قليلة بالنسبة إلى ما كان يمكن أن ينجز.
هناك بعض الأشخاص - ممّن لا أعرف كيف يمكن تحليل دوافعهم - يعارضون دخول السينما إلى معترك الدفاع المقدّس علناً! فلا أعرف كيف يفكر هؤلاء، يتذرعون بأن هذه حرب، وهذا عنف! لقد مرّ على اندلاع الحرب العالمية مائة عام - هذه السنة هي المائة - ولا زالوا إلى الآن يصنعون الأفلام عنها وعلى نطاق واسع جداً! في أميركا وفي أماكن أخرى كثيرة، حتّى أن بعض أخبرني أنهم يُدخلون تلامذة المدارس والثانويات إلى عالم صناعة الأفلام ويطلبون منهم العمل ويوفّرون لهم الإمكانات ليصنعوها، لأنهم يعتقدون أن هذا العمل يمكن أن يعرّف الجيل الجديد على الدوافع الحميدة لحكامهم.
الدفاع المقدس، مخزون هائل ونسيج محبوك
نحن نمتلك مفخرة عظيمة: لقد وقف العالم كله ضدنا، اجتمعوا في جبهة واحدة - وهذه حقيقة شاهدناها بأم العين جميعاً - لقد اصطف العالم كله ضدنا، لقد كانت كل القوى العسكرية حاضرة بنحو من الأنحاء في الجبهة المعادية لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة في الحرب المفروضة، واستمرّ حضورهم ثمان سنوات، ومع ذلك تفوّقت الجمهوريّة الإسلاميّة عليهم وانتصرت، هذا أمرٌ عظيم جداً، هذا أمرٌ جليلٌ جداً، هذه ظاهرة مهمة جداً في تاريخ أي شعب.
لقد كان التجمّع الفاعل الذي انخرط في الدفاع المقدّس نسيجاً محبوكاً، تركيباً عجيباً وغريباً، من النساء، والرجال، والآباء، والأمهات، والشباب، وأهل المدن والقرى، والتجار، وطلاب الجامعات والمدارس، ورواد المساجد، والحسينيات، فالجميع كان مشاركاً في هذه الحالة، كل صنف من هؤلاء يصلح لأن يكون موضوعاً، وهذه الموضوعات يمكن أن تدخل لمختلف المجالات الفنية في بلدنا، وتتفاعل مع السينما في بلدنا، وهذا ما فعلتموه - المنتج والمخرجة المحترمان - نظرتم بمنظار الأم، ونجحتم. وهذا أمرٌ مميزٌ جداً وقد أنجز بصورة جيدة.
323
280
في لقائه مع فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"
سينما الدفاع المقدس، إلى المسجد والمدرسة و..
حسناً، اذهبوا الآن إلى المسجد، وبيّنوا الأعمال التي قام بها الناس في المسجد من خلال نظرتكم الفنيّة، استخرجوا قصة واسردوها، اذهبوا إلى ثانوية (من الثانويات)، حيث كان المعلّم أحياناً يشجّع الطلاب على المشاركة في الجبهة، بينما يعارض ذلك معلم آخر أو مدير الثانوية، وكيف كان هؤلاء يذهبون إلى الجبهة بشوق عارم ويقدّمون التضحيات، ادخلوا إلى التجمعات التي كانت تؤمّن الدعم للحرب، حيث كانوا يقدّمون أموالهم وإمكاناتهم المتواضعة، ابحثوا عن الذين كانوا يشيّعون جثامين الشهداء، إن موضوع تشييع جثامين الشهداء ظاهرة عظيمة، هذه الأمور العظيمة التي كانت تحدث عندما يأتون بشهيد أو شهداء ويدخلون بهم إلى مدينة ما، هذه جميعها مواضيع يمكن أن تكون محورية ومركزية في السينما عندنا، إلا أن هذا الأمر لم يحصل لحد الآن.
لدينا آلاف الأبطال، لا حاجة للأساطير،
نعم ما تفضّلتم1 به صحيح، لا حاجة لدينا لاختراع الأساطير. فالآخرون مجبورون على اختراع الأساطير أو اكتشاف حالة خاصة والحديث عنها 100 عام و200 عام و500 عام! كأن يعثروا على امرأة ـ مثلاً ـ في مكان ما من العالم قدّمت تضحية ما، ويشهروا اسمها ليطرق مسامع البشرية جمعاء. لدينا المئات والآلاف من هذا النوع من النساء، والرجال، والشباب، هذا النوع من الأبطال، كل هؤلاء كانوا في بلدنا، وكان الدفاع المقدّس ساحةَ بروزهم وظهورهم. ويجب علينا أن لا نسمح بذهاب هذا التاريخ أدراج الرياح.
ها هم السادة الكوريّون أمامكم. فإن أعمالهم هذه تعجبني. فهم لا تاريخ لديهم، لذلك يقولون أسطورة "جومونك"، أسطورة فلان... وهذا يعني أنهم صفّوا حسابهم من البداية، هذه أسطورة، ليست واقعاً. يخترعون شيئاً، يصنعون تاريخاً لأنفسهم،
1 السيد محمد حسين قاسمي (أحد منتجي الفيلم).
324
281
في لقائه مع فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"
وعندما يشاهد الشاب الكوري هذه التضحيات وهذه التصرفات الشُجاعة، هذه الأعمال السينمائية العجيبة والغريبة، سيشعر بالحماس ويشعر بهويته، ويشعر بالفخر.
.. هي أمور واقعية، لخمسين سنة
نحن نجد هذه الأمور في حياتنا الواقعية، فهذه أمور حدثت فعلًا، فعلامَ لا نستثمرها؟ هذا برأيي قصور كبير. لا نقول تقصيرًا، وإنما هو بالحد الأدنى قصور كبير ـ ويجب تداركه. يجب برأيي أن نكتب ونتحدث ونصف ونشرح ما جرى في الدفاع المقدس لمدة خمسين سنة أخرى، وأن نستخدم الفنون على اختلاف أنواعها من أجل تبيين هذا الحدث العظيم.
على كل حال، أشكر المنتجين1، والمخرجة، والممثلين، وفريق العمل وكل من ساهم. فقد كان فيلماً جيداً، جلسنا شاهدناه واستمتعنا بمشاهدته، وتأثرنا به كسائر الناس، ونسأل الله أن ينتفع الناس به أقصى ما يمكن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 منتجا الفيلم: السيد محمد حسين قاسمي، وأبو ذر پور محمدي ( poor-Mohammadi).
325
282
في جلسة الأنس بالقرآن
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في جلسة الأنس بالقرآن
المناسبـــة: الجلسة القرآنية السنوية في بداية شهر رمضان المبارك 1435 هـ.ق.
الحضور: حشد من القرّاء والمدرسين من مختلف دول العالم
المكان: طهران
الزمان:
08/04/1393 هـ.ش.
01/09/1435 هـ.ق.
29/06/2014 م.
327
283
في جلسة الأنس بالقرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله وآله الميامين.
نحمد الله ونشكره أن أعطانا العمر، ووفقنا لنبدأ شهر رمضان هذا العام أيضًا بهذا المحفل النوراني. أرحّب بجميع القرّاء المحترمين، وحفّاظ القرآن، والقرآنيّين الأعزاء، وخاصة الأخوة الذين أعدّوا هذا اللقاء، والمقدّم المحترم. نسأل الله تعالى أن يجعلكم جميعًا من أهل القرآن في الدنيا والآخرة.
العمل الاستراتيجي: تقريب المجتمع من القرآن
إنّ العمل الذي يؤدّيه القرآنيّون اليوم في البلاد، هو برأيي، عمل استراتيجي ومهمّ. صحيح أنّ الأنس بالقرآن بالنسبة لقرّاء القرآن أنفسهم، وروح الأنس بالقرآن هو سبب علوّ درجات المعارف، ومبعث التعمّق بها - وهذا محفوظ في مكانه، أي إنّ ما تنهلونه من فيض، أنتم قرّاء القرآن والتالين له، هو بحدّ ذاته إنجاز مهم - إلّا أنّه يوجد إنجاز آخر وراء هذا، دائرته أوسع، وهو عبارة عن جعل المجتمع الإسلاميّ قريباً من فهم القرآن ومن الأنس بالقرآن والقرب منه، وهذا على قدر كبير من الأهميّة.
واليوم، إنّ ما يقوم به مجتمعنا القرآني، قرّاؤنا وحافظونا والمرتّلون وبقيّة العاملين في هذا السبيل، وما يسعون إليه، هو أنّهم في الواقع يقومون بهذه الحركة الاستراتيجية، وهو أمر مهم جدًّا، ويجب تقدير هذا الأمر.
الحقيقة هي أنّه، والحمد الله، قد تقدّم مجتمعنا القرآني كثيرًا خلال هذه السنوات الماضية. نقيم هذه الجلسة - منذ سنوات عديدة - مرّة كل عام، وإنّي أرى وأشاهد التقدّم الملموس للأنس بالقرآن وتلاوة القرآن بين شعبنا وشبابنا والموالين والمحبّين.
329
284
في جلسة الأنس بالقرآن
المجتمع والأنس بالقرآن الكريم
وإنّي أرى هذا الانتشار المتزايد (بهذا) المعنى، الحمد الله، هذا يستحق الشكر والثناء، إلّا أنّ المسافة الفاصلة بيننا وبين ما هو مطلوب ما زالت كبيرة، (وهذا الأمر) ليس بمعنى أنّ المستوى المطلوب لقارئ القرآن عندنا، سواء على مستوى الأفراد أو الفئات أو من حيث المجموع، هو أدنى من المستوى المطلوب أو أكثر من ذلك، لا، ليس هذا هو المقصود - الحمد لله لدينا قراء جيدون، سواء من حيث التلاوة أو الترتيل أو بلحاظ الأصوات والألحان، أو بلحاظ الاهتمام بالمعنى ونوعيّة التلاوة1 من خلال إحياء المعنى القرآني للمستمع، هو في مستويات عالية متقدّمة، فالتقدّم جيّد جدًّا من هذه النواحي بحمد الله - لكن على المستوى العام لمجتمعنا، الأمر ليس كذلك، لسنا في المستوى المطلوب وإن الفاصلة كبيرة، يجب أن يُصار إلى اتّخاذ تدابير في بلادنا وفي أوساط مجتمعنا ليصبح لدى جميع أفراد الشعب، بنحو ما، أنس بالقرآن، وأن تكون المفاهيم القرآنيّة واضحة بالنسبة إليهم، وأن يدركوا معاني القرآن، وأن يرجعوا إلى القرآن، وأن يتمكنوا ويحملوا، ولو بنحو إجمالي، المفاهيم القرآنيّة. يجب أن نصل إلى هنا (هذا الحدّ). ففي البلدان العربيّة يطوون هذه المرحلة بسرعة أكبر، أمّا في بلدنا - حيث إنّ لغتنا ليست عربيّة - تبدو هذه المرحلة أكثر صعوبة، ولكنّه لحسن الحظ - وقد أشرت إلى هذا مرارًا - أنّ كلمات القرآن كلمات معروفة بالنسبة إلينا، وإنّ فهم معانيها ليس صعبًا بالنسبة لشعبنا وأهلنا، وإنّ قدرًا من الأنس والتدريب والتمرين يمكنه أن يوجد هذا الشيء، حيث هو مطلوب لدينا، في مجتمعنا إن شاء الله.
بركات الأنس بالقرآن على المجتمع
فلتعلموا أيّها الإخوة الأعزّاء، أنّ النظام الإسلاميّ والمجتمع الإسلاميّ يُظهران من خلال الأنس المتزايد بالقرآن، استحكامًا ومتانة داخليّة، وهذه المتانة الداخلية
1 عبر سماحته بجملة: المحيي المعنى للمستمع.
330
285
في جلسة الأنس بالقرآن
هي التي تمكّن المجتمعات من التقدم في سبلها وحركتها المنشودة وتمنحها القوة في مواجهة التحدّيات. ينبغي الثبات من الداخل، ويحصل ذلك ببركة الأنس بالقرآن. يقوّي الأنس بالقرآن عرى الإيمان، ويضاعف التوكّل على الله، ويزيد من الثقة بالوعد الإلهي ويقلّل من الخوف من المشاكل الماديّة عند الإنسان، وإن الأنس بالقرآن يقوى الناس روحيًّا ومعنويًّا، ويقوي الثقة بالنفس، ويبيّن أمام الإنسان سبل التقرّب إلى الله. وإنّ منافع الأنس بالقرآن وفوائدها في هذا القسم هي هذه.
مجالسة القرآن الكريم
القرآن كتاب المعرفة، كتاب النور، وما جالس أحد القرآن إلّا قام عنه بزيادة أو نقصان: "زيادة في هدى أو نقصان في عمى"1، وهذا الكلام منسوب إلى أمير المؤمنين، حيث يقول: كلّ من يجالس القرآن، عندما ينتهي ويقوم، فإمّا يزيده هداية، وإمّا ينفص عنه جهلًا وضلالة، يوجد فيه زيادة أو نقصان، زيادة في الهداية ونقصان في العمى وفي الضلال، أي إنّه ينقص من ضلال الإنسان، تزداد هداية الإنسان، ووعيه وفهمه. إنّ الجلوس مع القرآن والقيام عنه هو هكذا، وهذا بالطبع يحصل مع التدبّر بالقرآن والاهتمام به.
قراءة القرآن بتوجه
ينبغي قراءة القرآن بتوجّه، ولنكن على علم أنّه ليس المطلوب هو محض تشكيل هذه الأصوات، ينبغي قراءة القرآن مع التوجّه والالتفات إلى المعاني والمقاصد القرآنيّة، وإذا ما حصل هذا، حينها سيجد المجتمع الإسلاميّ طريقه: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾2، يخرج الإنسان من ظلمات الخرافات ومن ظلمات الضياع، من ظلمة الخوف والأوهام، ﴿إِلَى النُّوُرِ﴾: نور الهداية، نور المعرفة، نور التقرّب إلى الله، نور الأنس بالخالق. هذه الخصوصيّات
1 نهج البلاغة، الخطبة 176.
2 سورة البقرة، الآية 257.
331
286
في جلسة الأنس بالقرآن
التي تظهر وتنشأ من خلال مجالسة القرآن والأنس بالقرآن وهذا ما نحتاجه، وهذا ما تحتاجه الأمّة الإسلاميّة اليوم.
تقوية البصيرة ومعرفة التحدّيات
تواجه الأمّة الإسلاميّة اليوم تحدّيات جديّة، وقد كرّرتُ ذلك كثيرًا، إنّ الالتفات إلى هذه التحدّيات ليس أن نشعر أنّ العدو قويّ وأنّه سينتصر علينا، ليس هكذا1، إنّ المجتمعات الإسلاميّة أمام تحدّيات، وإنّ مواجهة هذه التحدّيات هي فرصة لكي يتمكّن الإسلام من عبور مقاطع حركته التاريخيّة نحو العلى المنشود والمرجو، إن شاء الله، ويتقدّم إلى قمّة أخرى، وحركة أخرى ومرحلة أخرى، واليوم هكذا الأمر. في مراحل ما قبل الثورة الإسلاميّة، وقبل الصحوة الإسلاميّة، كان عالم الإسلام في غفلة، واليوم، هو في حالة يقظة. وإنّ الحوادث التي تحصل اليوم في العالم الإسلاميّ، إنّما تساهم في وعي الأمّة الإسلاميّة، تجعلنا أكثر وعيًا ويقظة ووضوحًا، وتحدد لنا واجباتنا بدرجة أفضل. إنّ أعداء الإسلام يمتلكهم الخوف والرعب من بصيرة المؤمنين والأمّة الإسلاميّة، يجب أن نقوّي هذه البصيرة باستمرار، وأوّل مرحلة هي هذه: أن نعرف هذه التحدّيات.
مواجهة الإسلام باسم الإسلام!
ما يلاحظ اليوم، في عالم الإسلام، أنّ أعداء الإسلام يواجهون الإسلام باسم الإسلام، وبلباس الإسلام، هذا التعبير نفسه الذي أطلقه إمامنا العظيم (رضوان الله تعالى عليه): الإسلام الأميركي في قبال الإسلام المحمّدي الأصيل2، الإسلام الأميركي إسلام ينسجم مع الطاغوت، مع الصهيونيّة، وقد ظهر لخدمة أهداف أميركا، فظاهره الإسلام واسمه الإسلام أيضًا، ولعلّ بعضهم يقيمون الشعائر الإسلاميّة، مع أنّه كما يسمع الإنسان - وحاليًّا لا نعرف بالدقّة - فإن الكثير من
1 الالتفات إلى التحدّيات.
2 صحيفة الإمام، ج67، ص309.
332
287
في جلسة الأنس بالقرآن
هؤلاء الأشخاص الذين ظهروا وبرزوا باسم الإسلام على ذلك النحو من التعصّب في بعض الدول - حاليًا في العراق وقبل ذلك في أماكن أخرى - غير ملتزمين بالأحكام والشرائع الدينيّة والواجبات الدينيّة الفرديّة، إلّا أنّ الثابت والمؤكّد أنّهم يتحرّكون في الجهة المخالفة للإسلام 180 درجة. يعتبر الإسلام أنّ مساعدة أعداء الدين وموافقتهم وولايتهم وولاية المستكبرين هي من الأشياء التي يجب على المؤمنين رفضها وتجنبها: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾1. إذا كنتم تتحرّكون في سبيل الطاغوت باسم الإسلام، اعلموا أنّ هذا الإسلام ليس هو الإسلام المنشود والمطلوب، ليس هو الإسلام الحقيقي، فيوجد في القضية خطأٌ وعيبٌ ما، واليوم الأمر هكذا. بالطبع، يمكن للإنسان أن يلاحظ أيادي العدو، وليكن على ثقة أنّ اليد الخبيثة للأجهزة المخابراتيّة والتجسّسيّة لأنظمة أعداء الإسلام لها دور مؤكّد - مباشر أو غير مباشر - في إيجاد هذا النوع من القضايا والمصائب التي تحل بالمسلمين. هؤلاء هم الذين يعدّون الساحة والمجال - مثلما نلاحظ - وإنّ دلائل ذلك وشواهده واضحة وظاهرة أيضًا.
معارف القرآن ومواجهة أعداء الإسلام
إذا ما أَنِسَتْ الأمّة الإسلاميّة بمعارف القرآن، ورفعت من مستوى معرفتها، فسوف يقلّ هذا النوع من الحوادث. إنّ اتّصال القلوب وارتباطها بالله تعالى يمنع هذه القلوب من أن ترتكب الخيانة في طريق الله، وهذا ما نأمل أن يظهر ويحدث. أنتم أيّها الشباب القرآني الذين تصرفون أعماركم وسنيكم وشبابكم وقواكم في سبيل القرآن، فلتكونوا شاكرين لله تعالى - وهذا توفيق كبير أن يوفّق الله تعالى الشباب والناشئة ليوجدوا هذا الأنس مع القرآن - اختاروا طريق القرآن. إنّ هكذا أمر كان مفقودًا في الحقبة السابقة، لم يكن القرآن رائجًا بين الشباب، ولم يكن موجودًا في أوساطهم. أمّا اليوم - والحمد الله - فإنّه يجد طريقه للرواج بين الشباب، وأنتم
1 سورة النساء، الآية 76.
333
288
في جلسة الأنس بالقرآن
من أسباب هذا الانتشار والمؤثّرين فيه. اعرفوا قدر هذا الأمر وشأنه.
وليسعَ الإخوة الناشطون والعاملون في مجال القرآن أن يكونوا في العمل أيضًا (مصداقًا) لـ: "كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم"1، وليثبتوا أنّهم - من ناحية الالتزام بالأحكام الدينيّة والضوابط الشرعيّة - من البارزين والمتقدمين في ذلك. فليظهروا ذلك حتى يكشفوا ويظهروا تأثير القرآن في عملهم هم: في ممشاهم العام، وفي السلوك وفي البواطن وفي الظواهر، أي في الظواهر الإسلاميّة، وفي اسلوب التعامل الإسلاميّ، يجب أن يراعوا هذه الأمور.
﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾2، فليظهر الإخوة الذين يأنسون كثيرًا بالقرآن هذه العلامة الخاصة بهم. إنّ ما تقومون به اليوم - والحمد لله هذه العلامة والإشارة القرآنيّة هي مصدر فخر كبير - من أجل الشباب والناشئة والمستمعين لكم يمكن أن يكون نموذجًا وقدوة، فيتعلّمون منكم. اسعوا أن تعلّموهم أشياء تقرّبهم من الله.
إلهي! نقسم عليك بمحمد آل محمد أن تحيينا بالقرآن، أن تجعلنا مع القرآن، أن تحيينا في طريق القرآن، وأن تميتنا في سبيل القرآن، وأن تحشرنا مع القرآن.
اللهمّ أرضِ عنّا القرآن، إلهي بمحمد وآل محمد اجعل هديّة هذا اليوم النّفيسة من هذا المجلس ومن هذا البرنامج ومن هذه التلاوات، لروح إمامنا العظيم الطاهرة، وإلى أرواح الشهداء الطاهرة.
إلهي! بمحمّد وآل محمد ثبّت أقدامنا في سبيل الإسلام، في طريق القرآن، في طريق الشهداء، ومجاهدي طريق الحقّ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج67، ص309.
2 سورة الأنفال، الآية 2.
334
289
في لقاء أساتذة الجامعات
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء أساتذة الجامعات
المناسبـــة: حلول شهر رمضان المبارك
الحضور: جمع من أساتذة الجامعات
المكان: طهران - حسينيّة الإمام الخمينيّ قدس سره
الزمان:
11/04/1393 هـ.ش.
04/09/1435 هـ.ق.
02/07/2014 م.
335
290
في لقاء أساتذة الجامعات
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
أرحّب بالإخوة والأخوات الأعزّاء، أساتذة الجامعة المحترمين، جمع العلماء الحاضرين هنا.
المفكّرون الملتزمون، من أكبر الثروات
لطالما كانت هذه الجلسة - بالنسبة لهذا العبد الحقير - من أحلى الجلسات، بسبب القضايا التي تُطرح فيها - والتي غالبًا ما تكون مفيدة وتمتاز بالعمق والخلفيّة الفكريّة والعلميّة - من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الجو العلمي نفسه الذي يخيّم على هذه الجلسة. وفي الأساس، فإنّ هدفنا الأصلي من هذه الجلسة هو إظهار احترامنا وتقديرنا بشكل رمزي للعلماء المفكّرين الملتزمين - والذين هم أكبر ثروات بلادنا -.
لديكم الكثير من الكلام في أذهانكم، وكلّ واحد منكم لديه قضايا يودّ طرحها والحديث عنها، ولو توفّرت الفرصة والتوفيق للاستماع إليها، فمن المؤكّد أنّ فيها فوائد، نأمل أن تُطرح هذه القضايا وهذه الأفكار في مكانها بشكل مناسب، في المجامع العلميّة وفي التبادل العلمي بين الجامعات، وأن يستفيد المسؤولون منها.
من المؤكّد، إنّ ما تمتلكه مجموعة أفكار علمائنا وذوي العمق الفكري على مستوى جامعات البلاد، مقارنة بمجموع مسائل البلاد، يشكّل بمجموعه ثروة عظيمة للعاملين على إدارة البلاد، ونأمل أن يتمّ الاستفادة منها. لكن، بالطبع، إنّ جلستنا المحدودة هذه لا تتّسع لاستيعاب جميع الآراء والأفكار.
أشكر الإخوة الأعزّاء والأخت العزيزة، حيث تحدّثوا خلال هذا اللقاء، وقد طرح
337
291
في لقاء أساتذة الجامعات
الجميع نقاطًا جيّدة ورائعة، وقد استفدنا من كلماتهم. وإن شاء الله سيتم الاستفادة من مجموع هذه الأفكار أيضًا في تخطيط البرامج وفي تبادل الآراء مع المسؤولين التنفيذيّين في البلاد، ويجب أن يُلمس أثر ذلك إن شاء الله.
حسناً، إنّ هدفنا تكريم العلم والعلماء، والاستماع لقضايا الأصدقاء والأساتذة وفهمها، وهذا ما كان يحصل حتى اليوم وإلى هذه اللحظة والحمد لله. وسأتحدّث أيضًا وأبيّن:
شهر رمضان: تصحيح العلاقات الإنسانيّة
إنّ أجواء شهر رمضان هي أجواء المعنويّات والصفاء والصدق والإخلاص، فلنبذل جهدنا للاستفادة من هذه الأجواء بحدّها الأقصى. ففيما يتّصل بعلاقتنا وارتباطنا القلبي بالله، علينا أن نقوّي هذه الرابطة المعنويّة وهذه العلاقة الشخصيّة بالله تعالى في هذه الأيام، سواء كانت لأجل حياتنا الأبديّة وحياتنا الأخروية - حيث إنّ الحياة الحقيقيّة هناك، وهي مفيدة لها - ، أم لأجل حياتنا الحاضرة، فهي مفيدة ومؤثّرة. إضافة إلى ذلك، علينا أن نسعى للاستفادة من أجواء المعنويّات والصفاء التي تعمّ مجتمعنا في شهر رمضان من أجل بناء العلاقة الصحيحة والمعنويّة بين أنفسنا والآخرين، وأن نتّخذ القرارات الصائبة والإجراءات الصحيحة، وأن نضفي على علاقاتنا حسن الظنّ والثقة والمحبّة والنصيحة بعضنا لبعض، وأن ننتفع من شهر رمضان بأن نوجد هذه اللطافة في علاقاتنا الاجتماعيّة والإنسانيّة، وأن نجعل من أجواء حياتنا وبلادنا أجواءً أكثر نورانيّة. هذا الأمر يمكن لكلّ واحد منّا أن يقوم به، أنتم أساتذة وتمتازون بمكانة علميّة رفيعة، وبالطبع، يمكنكم في هذا المجال أن تؤثّروا أكثر في محيطكم وبيئتكم سواءً على مستوى طلّاب الجامعات أم غيرهم.
القضيّة الأساس: تقوية الحركة العلميّة
لقد دوّنتُ عدّة نقاط سأطرحها عليكم، لأنّ هذا اللقاء هو فرصة مغتنمة بالنسبة إليّ، حيث يكون الإنسان أمام جمع من النخب الفكريّة والعلميّة. وإذ نفتخر دائمًا
338
292
في لقاء أساتذة الجامعات
بالقوى الإنسانيّة والطاقات البشريّة في البلاد، حسناً، إنّ أفضل هذه القوى وأكثرها تألّقًا وبروزًا هم هؤلاء العناصر الذين يقومون في الجامعة بتربية وإعداد الناس المتعلّمين والمثقّفين، أي أساتذة الجامعات المحترمون. إنّها فرصة لنا أن نطرح مسائل أمامكم وجهًا لوجه.
النقطة الأولى هي ما يرتبط بنهضة البلاد العلميّة - وهو موضوع بالغ الأهميّة - برأيي أنا العبد لله، فإنّ قضيّة الحركة العلميّة في البلاد هي - نظري ركن أساسي لحياة مستقبل شعبنا ومجتمعنا، بل - وبنحو ما - لحياة العالم الإسلاميّ. نحن منذ سنوات - لعلّها عشر أو اثنتي عشرة سنة - نشدّد ونؤكّد على المسائل العلميّة، وهذا الأمر قد أثمر وأعطى نتائج باهرة، أي إنّ هناك حركة علميّة ونهضة علميّة في البلاد قد انطلقت في الواقع، وتقدّمت وحقّقت إنجازات كبرى، وقد استمعتم لنموذج عنها من الأساتذة المحترمين، وهناك نماذج أكثر بكثير مما ذكره هؤلاء الأصدقاء هنا، فقد انطلق العمل وغدت الحركة العلميّة واقعًا معروفًا في العالم. وفي الحقيقة، فقد كشفت هذه الحركة العلميّة الستار عن النهضة العلميّة لبلدنا العزيز، لكن الشيء الذي يثير هواجسي هو أنّ حركتنا هذه لم تصل حتى الآن إلى نقطة الثبات. فنحن الآن مثل أناس يتحرّكون على منحدر نحو الأعلى. نعم، لقد انطلقنا وتقدّمنا وأنجزنا أعمالًا كثيرة أيضًا، إلا أنّنا ما زلنا وسط الطريق. نحن، ولأسباب عديدة، لا زلنا في منتصف الطريق -لا أريد الآن التفصيل في هذا المجال، حسناً، لقد تحدّثنا في مناسبات وأماكن مختلفة - فنحن نتقدّم ونصعد في هذا المنحدر الحاد، إذا ما توقّفنا سنتعرّض للسقوط والتدهور وليس فقط التوقّف، ولن يكون توقّف، فإذا ما توقّفت حركتنا، فإنّ إعادة الدفع بهذه النهضة وهذه الحركة وهذا التسارع العلمي سيكون أصعب ودونه عقبات، هذه هواجسنا. وهنا أودّ القول: ينبغي إمداد هذه الحركة العلميّة بكلّ قدرة وينبغي تقويتها، ينبغي العمل، فلا نقومنّ بشيء نصل معه لوضع تتوقّف فيه هذه الحركة. هذا هو موضوعنا الأوّل وقضيّتنا الأساس.
339
293
في لقاء أساتذة الجامعات
إدارة جهاديّة في مواجهة مخطّط العدو
بالتأكيد، توجد دوافع لدى جبهة أعدائنا لإيقاف حركة البلاد العلميّة. البعض لديه حساسيّة من كلمة "العدو" يعترضون فيقولون لماذا تكرّرون دائمًا "العدو" "العدو"؟ في حين أنّكم لو تأمّلتم القرآن من أوّله إلى آخره لرأيتم كم تكرّر عنوان "الشيطان" و"إبليس"، فقد ذكر مرارًا وتكرارًا. لا ينبغي الغفلة عن العدو، ليس عيبًا أن نعتبر العدو عدوًا، ونحن إذ نركّز على العدو، فليس معنى ذلك أن نغفل عن عيوبنا ومشاكلنا الداخليّة، لا ليس كذلك، "أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك"1، عدوّنا الداخلي أسوأ من كلّ الأعداء، عدوّنا نحن، نفسنا الطالبة للراحة والدعة، ضعف الهمّة والكسل والتساهل وعدم التدبير في تسيير أمورنا - وهذا معروف - وهو محفوظ في محلّه، لكن الغفلة عن العدو الخارجي هو خطأ استراتيجيّ كبير يعرّضنا للخسران. حسناً، ينبغي معرفة العدو ورؤيته، أمّا ما يُقال أنّه ينبغي أن تكون مواجهتنا على هذا النحو، وليس على ذاك النحو، فهذا بحث آخر، ينبغي فهم عداوته وتحديد خطّته. إنّ إحدى خطط العدو المهمّة إيقاف الحركة العلميّة في البلاد. جيّد، عندما نعرف ذلك، نعود إلى الجامعة ويتّضح هناك معنى ما طرحناه من الإدارة الجهاديّة2، لأنّ الجهاد عبارة عن ذلك السعي والجهد الذي يُبذل في مواجهة عدو ما، فليس كلّ سعي جهاد. الجهاد عبارة عن ذلك الجهد الذي يكون في مواجهة تحدّ معاد من جانب الطرف المقابل، هذا هو الجهاد، عندها يتّضح معنى الإدارة الجهاديّة هنا. لتعلموا أنّ الحركة العلميّة للبلاد ونهضتها العلميّة وتقدّمها العلمي هي في مواجهة تحدّ عدائي، والذي يجب أن يقف في مواجهة هذا التحدّي العدائي هو أنتم: المديرون والأساتذة والطلّاب. هكذا تصبح حركة جهاديّة وإدارة أي جهاز، سواء كانت إدارة جامعة أم إدارة وزارة أم إدارة أي قسم أو فرع من الأقسام المختلفة لهذه الساحة العظيمة ستكون إدارة جهاديّة.
1 الحلي، عدة الداعي، ص314.
2 بمناسبة بداية العام الهجري الشمسي (1393).
340
294
في لقاء أساتذة الجامعات
الجامعة بين أيادٍ مؤمنة بالتطوّر العلمي
بالتأكيد لدينا في ما مضى، في مرحلة ما، نماذج غير مرضيّة في الجامعات. كان لدينا أشخاص في جامعات البلاد المرموقة يدفعون النخب من الشباب إلى ترك البلاد، ويُقال كثيرًا حول هجرة العقول وهجرة الأدمغة، نعم، كان لدينا أشخاص يبحثون عن طلّاب النخبة ليجدوهم ويشجّعوهم على ترك البلاد والهجرة إلى الخارج. كان لدينا وضع كهذا في مرحلة ما، وقد رأينا ذلك في عهدٍ ما، وقد عبرناه وتجاوزناه. فقد كان هناك داخل الوزارة أشخاص يختلقون الذرائع لمنع الحركة العلميّة والتقدّم العلمي. بالطبع، من الممكن أن يكون ذلك بنظرهم مبَرّرًا لأسباب، إلّا أنّ واقع الأمر أنّه كان اختلاق ذرائع وموانع. ينبغي أن لا يتكرّر ذلك، فلا تُجعل الجامعة في أيدي أشخاص ينظرون إلى التقدّم العلمي وكأنّه لا شيء، فلا يولونه أي اهتمام، ولتكن في عهدة أشخاص يعشقون التطوّر العلمي، يقدّرون ويدركون أهميّة هذه المسألة من أجل مستقبل هذا الشعب ومصير هذه البلاد، هذا هو موضوعنا الأساس. وإنّ المخاطب بهذا الكلام هم المسؤولون الحكوميّون ومسؤولو الجامعات، وكذلك أنتم أساتذة الجامعات على حدّ سواء. لقد أطلقت الجامعات حركة، فلا تسمحوا بأن تتوقّف هذه الحركة. يجب أن تُكمِل هذه الحركة مسيرها وأن تتضاعف. أقول هنا - والآن لا مجال للشرح والتفصيل - ما زالت أمامنا مسافة وطريق طويل لنصل إلى تلك النقطة المنشودة على المستوى العلميّ، ينبغي بذل الكثير من العمل والجهد والسعي.
التقدم العلمي وإزالة آثار الحظر
على المدى القصير، أعتقد، أنا العبد - وهذا الاعتقاد ناشئ من مطالعات وآراء أهل الخبرة والاختصاص - أنّ الحظر - وهو من المسائل المطروحة اليوم والموجودة في الأذهان - يصبح عديم الأثر عند تحقّق التقدّم العلميّ. وإذا نظرنا أيضًا بنظرة قصيرة أو متوسّطة الأمد - بغضّ النظر عن المستقبل البعيد والطويل
341
295
في لقاء أساتذة الجامعات
الأمد - إذا أراد بلدنا أن يزيل أي أثر وتأثير للحظر المفروض - والذي يعدّ اليوم أداة في يد أعدائنا لإذلالنا، حيث إنّهم يفرضون العقوبات والحظر لكسر العنفوان الوطني وروح العزة، إضافة إلى الضغوط العمليّة لتضييق المعيشة على الناس وإذلالهم، ولهذا السبب كنّا نكرّر منذ سنوات عديدة بأن لا تراهنوا على الحظر وفك الحظر، فسيكون هذا الحظر عديم الأثر من خلال النظرة العلميّة إلى مسائل البلاد والاهتمام بالعلم وتشبيك العلم والصناعة والزراعة، وقد سمعتم ما أوضحه السادة الذين تحدّثوا في هذا المجال - ، فإنّ الساحة مفتوحة أمامنا للعمل، ويمكننا القيام بالإنجازات، فالشركات العلميّة المحور هي أحدى أكثر الأعمال أهميّة في مقولة الاقتصاد المقاوم الذي أُعلن وتمّ بحثه ودراسته، وقد أصبح مورد اتّفاق جميع الأطراف المعنيّين بقضايا البلاد. بالطبع، ينبغي التدقيق في تحديد الشركات العلميّة المحور، أي إنّه ينبغي تحديد المعايير والمميّزات وأن تصبح الشركة العلميّة المحور ضمن الإطار المعياري، فلا ينبغي أن يأتي أشخاص، باسم الشركة العلميّة، ويقومون بتلك الأعمال المعروفة والعاديّة في بعض الميادين الأخرى - كالسمسرة وما شابه - ويروّجون لها هنا ويتابعونها وكأنّها شركات علميّة. ينبغي أن يكون هذا النمط من الشركات "شركة علميّة البناء" بالمعنى الحقيقي للكلمة، ينبغي جعل هذا الأمر واحدًا من المحاور الأساسيّة.
المعرفة بالإنجازات العلمية
وهنا أريد الاستطراد قليلًا لأقول إنّ البعض ممّن لديهم مواقع ومنابر للحديث يشكّكون في أصل مسألة التقدّم العلمي للبلاد! إنّنا لا نرى مصلحة في ذلك، أي إنّ عملهم هذا ناتج في الحقيقة عن عدم اطّلاع. في إحدى المرّات، أبدى أحد المسؤولين رأيه في بعض المسائل العسكريّة، ولم يكن رأيه مطابقًا للواقع، قلت، أنا العبد، فليكن هناك رحلة وجولة "عسكرية" لمسؤولي البلاد، ليأتوا وليطّلعوا ويقوموا بزيارة إلى هذا المحيط العسكري، وليروا الحقائق والواقعيات، فيصبح لديهم اطّلاع أفضل على قدرات البلاد العسكريّة. والآن في المسائل العلميّة، فالأمر - مع
342
296
في لقاء أساتذة الجامعات
الأسف - كأنّه مشابه لذلك، ينبغي أن ننظّم رحلات وجولات "علميّة" لمسؤولي البلاد في المجالات المختلفة. لقد شرح الأصدقاء - الأساتذة - بعض هذه المجالات، ذكر أحد السادة تقنيّة "النانو" - بالطبع، ليست المسألة منحصرة فقط بتقنيّة النانو - قال إنّنا كمن يحفر بئرًا وما أن نصل إلى الرطوبة وأول مستوى الماء حتى ندع البئر، كلا فالأمر ليس كذلك، إنّهم يتابعون العمل ويكملون.
أولئك الذين هم حفّارو آبار، يكملون أعمالهم ويتابعون وقد وصلوا إلى نتائج وإنجازات عالية أيضًا. حسناً، على سبيل المثال، الطب في بلادنا هو من بين العلوم الطبّية الأكثر تقدّمًا في العالم، فنحن لسنا متخلّفين عن ركب العلوم في العالم ولسنا متأخّرين كثيرًا عن حدود العلم في الطب في العالم المعاصر، نحن قريبون جدًّا (في مجال الطب). وكذلك الأمر في المجالات الأخرى: التقنيّة النوويّة وعلم الذرّة، وعلم الخلايا الجذعيّة، والأعمال العظيمة من هذا القبيل كثيرة، فنحن لدينا تقدّم مهم وجيّد. والذين ليس لديهم اطّلاع لا يليق بهم أن يشكّكوا، حسناً، فليذهبوا ويقرأوا ويطّلعوا، وكما ذكرت فليذهبوا ويقوموا بسياحة علميّة وليصلوا بعدها إلى النتائج (الحقيقية). القضيّة الأساس عندنا هي ما ذكرناه. أتمنى على مسؤولي الوزارات المعنيّة ذات الصلة، والمسؤولين الحكوميّين المعنيّين ومَن هم على صلة بمسائل العلم والجامعة والصناعة، أن يأخذوا قضيّة التقدّم العلمي وارتباط العلم بالتقانة في البلاد على محمل الجدّ، أي أن لا يصدر منهم في الواقع أي تقصير فيما يتعلّق بهذه القضيّة. هذه المسألة هي قضيّتنا الأساس، وهي إحدى أكثر القضايا أهميّة ومحوريّة وفوريّة. عمل المطالعات والتحقيقات له مجاله وموقعه الخاص، (لكن) في الأبحاث، وما هو ضروري في هذا المجال: لا ينبغي برأيي أن يحصل أي تقصير.
الخارطة العلمية الشاملة
لقد تمّت المصادقة على الخارطة العلميّة الشاملة للبلاد، والحمد لله، وكما أفادوني ووصلني من تقارير، كانت محلّ قبول وترحيب أيضًا. وقد أعدّوا مجموعة وثائق
343
297
في لقاء أساتذة الجامعات
علميّة طبقًا لهذه الخريطة العلميّة، وقد نُظّمت وأُعلنت، وهناك مجموعة وثائق علميّة هي الآن في طور التدوين، وقد أخبرونا أنّ بعض مسؤولي الأقسام العلميّة قد طلبوا من المجموعة المكلّفة إجراء وتطبيق الخارطة العلميّة أن يقوموا بتدوين وثيقة علميّة للأقسام والمجالات التي يعملون فيها. جيّد، هذا الأمر هو عمل مهم وبنّاء في البلاد. وما يمكن أن يصبح مكمّلًا لهذا العمل هو أن يحدَّد لجامعات البلاد المختلفة، بناءً لما تتمتّع به من مزايا، دورها ونصيبها ومسؤوليّتها في مجموعة الخارطة العلميّة الشاملة، ولتعرف جامعات البلاد العريقة والجامعات المختلفة حصّتها في مجموعة هذه الوثيقة العظيمة لازدهار البلاد وتقدّمها العلمي، ولتمارس دورها في تلك الأقسام والمجالات الخاصّة المتعلّقة، أي بمعنى أن يتمّ إيجاد جدول شامل ولتعرف كلّ جامعة دورها وتقوم بتحديده من خلال ملء هذا الجدول. فمن الممكن أن يتمّ تقسيم الجامعات طبقًا للمميزات والاستعدادات وأن توكل حصّة كلّ جامعة إليها.
حاجات البلاد محور الأنشطة العلميّة
موضوع آخر دوّنته: لقد انبثقتْ حركة في العمل العلمي والنشاط العلمي، والحمد لله، وإنّ النقطة الأساس في الأنشطة والفعاليّات العلميّة هي أن تكون هذه الفعاليّات ناظرة إلى حاجات البلاد التي لم تؤمّن بشكل تام إلى اليوم. وكما أشار الأصدقاء، فإنّ للمقالات العلميّة المعروضة في بلادنا زبائن وراغبين في التعاون، بمعنى أنّ طلاب الأعمال العلميّة كثر في العالم، ولكنّ هذا الأمر غير كاف. نعم، يمكنكم أن تعدّوا مقالات وتصبح مصدرًا ومرجعًا يتمّ الرجوع إليها، وهذا مبعث فخر، وشيء جيّد، بالنسبة للبلاد أيضًا أمر جيّد جدًّا، وعلامة على التقدّم العلمي لها، إلّا أنّ الأهمّ من ذلك، هو بما أنّكم تعملون في مجال المسائل العلميّة، فليكن النظر إلى حاجات البلاد. حسناً، أنتم ترون اليوم أنّ أصحاب الرأي يطرحون مواضيع ويتحدّثون عن حاجات ويشيرون إلى النقائص ونقاط الضعف والخلل الموجود في المسائل المرتبطة بالصناعة والزراعة وإدارة الأزمات، والمسائل المتعلّقة بمسائل البلاد المختلفة، حسناً، يمكن القيام بأبحاث وتحقيقات، وإعداد المقالات العلميّة من أجل تلبية هذه الحاجات، وأن تكون ناظرة إلى تلبية وتأمين هذه الحاجات. هذه
344
298
في لقاء أساتذة الجامعات
مسألة مهمّة جدًّا أيضًا. فإذا ما بُذلت الجهود في ساحة جامعات البلاد، فهذه من أهم الخدمات التي تكون قد أُسديت إلى إدارة البلاد. البحث المساعد الذي يمكن أن تسديه الجامعات والبيئة العلميّة هو أن يكون لها تأثير في المجالات المختلفة، في قرارات المسؤولين، أن تكون الأعمال العلميّة ناظرة إلى حاجاتهم، سواء كان (هذا الأمر) من خلال المقالات العلميّة أم أبحاث التخرّج التي يقدّمها طلّاب الجامعات أم المناظرات العلميّة.
الأستاذ قدوة ونموذج
هناك نقطة أخرى أرى من المناسب ذكرها للأساتذة، وقد دوّنتها هنا، وهي أنّ للأستاذ مكانة مؤثّرة في أذهان طلّابه، وهذه هي خاصيّة "الأستذة"، بمعنى أنّ تفوّقكم العلمي على الطالب والعلم والتعلّم الذي تمنحونه إياه، يعطيكم موقعًا مؤثّرًا في ذهنه وفي شخصيّته، فاستفيدوا من هذا الموقع لتربية الطلّاب وتعليمهم. نحتاج اليوم إلى أن يكون شبابنا ذوي روحيّة متفائلة، ويتحلّون بالشجاعة والأمل، ولديهم ثقة بالنفس وإيمان وروحيّة بعد النظر والتفكير بالمستقبل وروحيّة الخدمة، نحتاج إلى أن يصبح الطالب هكذا. حسناً، يمكنكم أن تؤمّنوا هذا في البيئة العلميّة وفي الصفّ الدراسي. وعكس هذا الأمر ممكن أيضا! فيصبح الطالب - ومن خلال طرح التشكيك والاستهزاء أمامه بالأصول المقبولة في البلد - غير واثق بمستقبل البلاد، ضعيف الاعتقاد وغير مبال، يمكن أن يصبح هكذا. ليس المطلوب من الأستاذ أن يغذّي الطالب علميًّا وحسب، بل المتوقّع منه أيضًا أن يساهم في تقوية روحيّته وشخصيّته المعنويّة، يمكنكم أن تؤثّروا كثيراً في هذا المجال. اسعَوا أن تخرّجوا طالبًا مرتبطًا بالميول المعنويّة واحترام القيم الأسرية والعائليّة والمشاعر الوطنيّة، خرّجوا طالبًا معتقدًا ومؤمنًا بالثقافة الإسلاميّة. كان بعضهم يعمل على النقيض من ذلك تمامًا وطوال سنوات متمادية قبل انتصار الثورة، وبعد الثورة إلى اليوم، نشاهد أيضًا في الجامعات بعض الاتجاهات. حسناً، نحن نعرف، وأنتم أيضًا تعرفون أشخاصًا وحركاتٍ، وتعرفون أنّ هناك تيّارًا - ليس المقصود أسماء وأشخاصاً محدّدين - تهيمن عليه رهبة الثقافة
345
299
في لقاء أساتذة الجامعات
الغربيّة، فكلّ ما هو غربيّ مبعث فخر له، وكلّ ما هو محلّي ووطنيّ محلّ ازدراء وتوهين. لدينا أشخاص من هذا القبيل، وما ينبغي أن يكون هو عكسُ ذلك الشيء تمامًا. يمكن للأستاذ في جو الجامعة والدرس أن يخرّج الطالب الذي تحت يديه، مؤمنًا دينيًّا، محبًّا لوطنه ومستقبل بلاده ومصير شعبه، يمكن أن يخرجّه متفائلًا بروح الأمل والمعنويّات العالية ومؤمنًا بأصول النظام، ويمكنه أن يقوم بعكس ذلك. المتوقّع من الأستاذ هو هذا، لا ينبغي أن يؤدّي كلام الأستاذ إلى بثّ اليأس والإحباط في قلب الطالب الشاب، طبيعة الأستاذ وأخلاقه هي على هذا النحو أيضًا.
الجامعة رسالة الأستاذ
ما أودّ قوله للإخوة والأخوات الأعزّاء الأساتذة المحترمين - وفي ما مضى ذكرت ذلك مرارًا، في مثل هذه الجلسة وجلسات أخرى - : ليعتبر الأستاذ أنّ بيئة الجامعة هي عمله الأساسي ورسالته وتعلّقه الأساسي، وليس عمله الثاني، ليس العمل الفرعي والجزئي في مكان آخر. ليكن للأستاذ حضور في الجامعة، وليجلس ويتابع ويستقر فيها، وليقم بحلّ مشاكل الطلّاب العلميّة، ليوثّق علاقته بالطالب، ولا يكن الأمر مجرّد ذهابه إلى الجامعة وأداء وظيفة بشكل عام وإجمالي، وهذه نقطة أخرى ذكرتها. فليخصّصوا وقتًا للطلاب، وليتعاملوا معهم برأفة ومحبّة، فهذا العمل سوف يشجّع الطالب على بذل الجهد والسعي العلميّ، ومعنى هذا أنّ الطالب الجامعي سيقتدي بالأستاذ في متابعة البحث العلمي والاهتمام به، فيكون الأستاذ نموذجًا وأسوة له، ويتأثر به بشكل طبيعي.
المعارف الدينية في الجامعات
النقطة الأخرى هي ما يتعلّق بدروس المعارف الدينية، لدى أساتذة مواد المعارف فرصة ثمينة جدًّا في الجامعة. فبين أيديهم هذه المجموعة العظيمة من الطلاب، وهم أمام هذا الجمع المليوني لساعات كثيرة، إنّها فرصة قيّمة وعظيمة جدًّا. أمامكم أفضل الشباب، وإذا ما تعامل أستاذ المعارف مع طلّابه بذكاء وفطنة
346
300
في لقاء أساتذة الجامعات
مستندًا إلى عمق المعارف التي لديه، ومواكبًا لكلّ جديد في المسائل الفكريّة والعلميّة المختلفة، فسنحصل على أفضل النتائج والثمار من حضور أستاذ المعارف في الجامعة. برأيي، فإنّه من اللائق جدًّا ومن الجدير والمطلوب أن تهتم مؤسّسة الممثليّة (ممثلية الولي الفقيه في الجامعة) بهذه المسائل، وتدقّق وتخطّط حتى تتحقّق الاستفادة الواسعة من حضور الأساتذة من أجل تقوية إيمان الطالب وتمتين عمله، ومن أجل بناء شخصيّته الدينيّة والمعنويّة.
العلوم الإنسانية الإسلاميّة
المسألة الأخرى، ما يتعلّق بالعلوم الإنسانيّة، حيث إنّنا طرحنا هذا الموضوع منذ فترة، وقد سبق وتحدّثنا مرارًا عن أسباب ودوافع ذلك. نحن في حقيقة الأمر نحتاج إلى إيجاد تحوّل بنيوي في العلوم الإنسانيّة في البلاد. وهذا الأمر لا يعني أن نعتبر أنفسنا بغنًى عن الأعمال الفكريّة والبحثيّة والعلميّة للآخرين. كلا، فبعض العلوم الإنسانيّة هي من صناعة ونتاج الغرب، فهم عملوا في هذه الساحة، فكّروا وطالعوا كثيرًا، ينبغي الاستفادة من هذه المطالعات، لكن الكلام هو أنّ مبنى العلوم الإنسانيّة الغربيّة هو مبنى غير إلهي، مادي، غير توحيدي، وهذا لا ينسجم مع المباني الإسلاميّة، لا ينسجم مع المباني الدينيّة. تصبح العلوم الإنسانيّة صحيحة ومفيدة ومربّية للإنسان بشكل صحيح وسليم، وتنفع الفرد والمجتمع عندما تقوم على أساس الفكر الإلهي وطبقًا للرؤية الكونيّة الإلهيّة، وهذا غير موجود في معارف العلوم الإنسانيّة في الوضع الحالي، ينبغي السعي بهذا الاتجاه، وبذل الجهد والتفكير. بالطبع، هذا العمل ليس عملًا متسرّعًا عجولًا، بل عمل طويل الأمد، عمل مهم. وخلاصة الأمر، ينبغي على الأصدقاء القائمين على هذا العمل أن يعطوه السرعة المطلوبة والمناسبة، فكما أنّ التسرّع فيه غير مطلوب، كذلك فإنّ التأخير والتباطؤ فيه أيضًا غير مطلوب وغير مقبول، ينبغي العمل وبذل الجهد. بالطبع، سمعتُ ولديّ اطّلاع أنّه، إضافة إلى ما يُعمل عليه في المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة في هذا المجال، هناك العديد من أساتذة الجامعات أيضًا يقومون في هذا المجال
347
301
في لقاء أساتذة الجامعات
بأعمال مهمّة وباندفاع شخصي وتطوّع ذاتي، من المستحسن أن يتمّ وضعها على مسار وصراط واحد، أي أن تقوم هاتان المجموعتان بمضاعفة أعمالهما والتكامل معًا، حتى تحصل نتائج في هذا المجال - إن شاء الله - تعود على البلاد وعلى جامعات البلاد.
الجامعة والتجاذبات السياسيّة
الموضوع الأخير أيضًا - ويظهر أنّ الوقت قد انتهى - هو أنّني أرجو من مدراء الجامعات والمسؤولين الإداريّين أن لا يجعلوا الجامعات مسرحًا للتجاذبات والصولات السياسيّة ومحلًّا لأنشطة التيارات السياسيّة. إنّه لسمٌّ مهلك للحركة العلمية أن تتحوّل الجامعة إلى نواد ومنصّات سياسيّة، هذا الأمر الذي حصل في مرحلة ما، وهذا لا يعني رفض النشاط السياسي بين طلّاب الجامعات، كنت، أنا العبد، ولا زلت من المدافعين والمنادين بالعمل السياسي للطلّاب الجامعيّين -ولا زلت أعتقد بذلك - لكن امتلاك الرؤية السياسيّة والمشرب السياسي والفهم السياسي والنشاط السياسي هو أمر، وجعل الجامعة والصف والدرس والبيئة العلميّة مسرحًا لجولات وصولات العمل السياسي أمر آخر، هذان أمران مختلفان. إنّ هدوء الجامعة واستقرارها سيساعد على أن تؤدّي وظيفتها، وتقوم بعملها على مستوى مسائل العلم التي هي جميعها على قدر من الأهميّة، - ولا سمح الله - وإذا حدث العكس، فإنّ أوّل ضربة سنتلقّاها هي توقّف الحركة العلميّة في الجامعة، ويتبع ذلك في كلّ البلاد، أو أن تتباطأ هذه الحركة، وقد أشرت هنا الى أن "التوقّف" يعني التراجع والسقوط.
إلهي! نقسم عليك بمحمّد وآل محمّد أن تنزّل بركاتك في هذه الساعات الحسّاسة وفي هذه الأيّام المباركة على جامعة البلاد وعلى جامعيّينا وطلّابنا.
إلهي! اهدنا إلى السبيل الذي يؤدّي إلى هداية كلّ الشعب الإيراني وعزّة العالم الإسلاميّ.
348
302
في لقاء أساتذة الجامعات
إلهي! بمحمّد وآل محمّد هب لنا بصيرة لمواجهة التحدّيات المختلفة في المراحل المختلفة، اجعلنا مخلصين في الحركة التي نقوم بها.
إلهي! اشمل شهداءنا وخاصّة شهداء الجامعة وشهداء البرنامج النووي - وهم شهداء العلم، شهداء الجهاد العام للشعب الإيراني - بواسع رحمتك ومغفرتك وتفضّلك.
إلهي! ثبّت أقدامنا على درب هؤلاء الشهداء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
349
303
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
المناسبـــة: لقاءات سنوية مع مسؤولي النظام خلال شهر رمضان المبارك
الحضور: أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين في النظام الإسلاميّ
المكان: طهران - حسينيّة الإمام الخمينيّ قدس سره
الزمان:
16/04/1393 هـ.ش.
09/09/1435 هـ.ق.
07/07/2014 م.
351
304
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين.
أوّلاً، أرحّب بالأخوة والأخوات فردًا فردًا، والمسؤولين الأعزّاء والملتزمين في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. إنّها جلسة جيّدة جدًّا، وإن شاء الله، تكون مفعمة بالبركات والهداية الإلهيّة ومشعّة بنورانيّة هذا الشهر. كانت كلمة حضرة السيّد رئيس الجمهوريّة1 كلمة جيّدة جدًّا، شافية ووافية أيضاً. نأمل ببركة هذا الشهر وببركة الأدعية الزكيّة للصالحين والمؤمنين والصائمين، أن تتكلّل نوايا ومساعي مسؤولي البلاد بالنجاح والوصول إلى النتائج المرجوّة.
شهر رمضان المبارك (سبيل النجاة)
يُطَلق على شهر رمضان "المبارك"، هذا الشهر مباركٌ لأنّه سبيل النجاة من النار والفوز بالجنّة، حيث نقرأ في دعاء شهر رمضان: "وهذا شهر العتق من النار والفوز بالجنة"2، فالنار والعذاب الإلهي وكذلك الجنّة والنعيم موجودان في هذه الدنيا. إنّ ما يتحقّق في نشأة الآخرة هو باطن الموجود في هذه الدنيا: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾3. إنّ جهنّم هنا في هذه النشأة، في هذه الحياة،لمحيطة بالكافرين والظالمين والمعاندين والمخالفين، وكذا الجنّة.
أن نعبر من النار إلى الجنّة، فهذا عائد إلينا، يتحقّق هنا، وتُشاهد صورته الغيبيّة والباطنيّة والواقعيّة في تلك النشأة. يمكننا أن نطوي هذا السفر وهذا المسير من
1 الشيخ حسن روحاني.
2 الكليني، الكافي، ج4، ص75.
3 سورة التوبة، الآية 49.
353
305
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
جهنّم العمل السيّئ، والباطن السيّئ والفكر السيّئ، من جحيم هذه الدنيا، إلى جنّة العمل الحسن، والفكر الحسن، والسلوك الحسن والخلق الحسن، وتسمّى هذه الحركة: الإنابة والتوبة. لذلك ورد في الدعاء: "وهذا شهر الإنابة، وهذا شهر التوبة"1، يتحقّق العتق من النار والفوز بالجنّة بالإنابة والتوبة.
أدعية شهر رمضان والمعارف الإلهية
إحدى بركات شهر رمضان هي هذه الأدعية الواردة فيه. فهذه الأدعية تعلّمنا كيفيّة مخاطبة الله والاستعانة بالخالق والتوجّه إليه من جهة، وكذلك ومن جهة أخرى تعلّمنا أنواعًا من المعارف الكثيرة لن نجد لها مثيلاً حتى في الروايات الأخلاقية المعروفة.
اخترت فقرتين من أدعية هذا الشهر، سأذكرهما في بداية كلامي، واختياري لهما هو لحاجتنا إليهما:
نحن اليوم، كمسؤولي بلادنا العزيزة ومسؤولي نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، حاجتنا مبرمة إلى العمل الجدّي والمتواصل الممزوج بالإخلاص والصفاء، وتقودنا هذه الأدعية بهذا الاتجاه.
النية والعمل
الدعاء الأوّل، هو دعاء اليوم الأوّل من شهر رمضان المبارك، وقد اخترت منه هذه الفقرة: "اللهم اجعلنا ممّن نوى فعمل ولا تجعلنا ممّن شقي فكسِل ولا ممّن هو على غير عمل يتّكل"2، ثلاث جمل، الجملة الأولى: "اللهم اجعلنا ممّن نوى فعمل"، اللهم اجعلنا ممّن يقومون بالعمل بنيّة وتوجّه ومعرفة، العمل الهادف، العمل مع النيّة، العمل المعلوم وجهته وهدفه مسبقًا.
1 الكليني، الكافي، ج4، ص75.
2 ابن طاووس، علي بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة، مكتب الإعلام الإسلاميّ، قم، 1418هـ، الطبع الأولى، ج1، ص76.
354
306
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
الجملة الثانية: "ولا تجعلنا ممّن شقي فكسل"، الكسل يعني التقاعس والتراخي والبطالة، لا تجعلنا من هؤلاء. هذا ما يعلّمنا إياه الدعاء.
الجملة الثالثة: "ولا ممّن هو على غير عمل يتّكل"، لا تجعلنا من الذين يتّكلون على غير العمل. الجلوس والتمنّي والترجّي والثرثرة، وحياكة المواضيع لبعضنا في الاجتماعات دون أنّ نُتبعها بالعمل، اللهم لا تجعلنا من هؤلاء. لاحظوا، هذا هو الدرس الموجود في هذا الدعاء. يدخل المؤمن هذه الضيافة الإلهيّة في اليوم الأوّل من شهر رمضان بهذا النَفَس (بهذه الروحيّة). وهذه بحدّ ذاتها من الفوائد الكبيرة لهذه الضيافة. هذا الدعاء الأوّل.
إحكام الأعمال
الدعاء الثاني، الدعاء اليومي لشهر رمضان المبارك، "وأذهب عنّي فيه النعاس والكسل والسآمة والفترة والقسوة والغفلة والغرّة"1، اللهم جنّبني هذه الخصال وأبعدني عن هذه الخصوصيّات، وهي: الأولى "النعاس"، والثانية "الكسل" أي البطالة والتقاعس، والثالثة "السآمة" أي الملل والضجر، ثم "الفترة" أي التراخي والفتور واللامبالاة، القيام بالأعمال بفتور ولامبالاة وعدم إحكام الأعمال، ثم "القسوة"، قساوة القلب، أي التحجّر والخشبيّة، ثم "الغفلة"، الغفلة عن واقعنا ووضعنا، وما يجري علينا وما يحدث وما يحيط بنا. والأخرى: "الغرّة"، الغرور والانخداع، اللهم جنّبنا إيّاها. يا لها من دروس.
شهر رمضان وتحمل المسؤولية
جيّد، إنّ تطبيق هذه المفاهيم - وهي مفاهيم راقية وعظيمة - بالنسبة للمسؤولين والذين ينهضون بشؤون العمل والمجتمع، لهو أكثر أهميّة من تطبيقها من قِبل الأفراد العاديّين. عندما ندعو ونقول لا تجعلنا في معرض الكسل والغفلة والقسوة، فنحن نحتاج إلى هذا الطلب الإلهي وإلى هذه المراقبة من جهتين: الأولى:
1 الكليني، الكافي، ج4، ص75.
355
307
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
من الجهة الشخصيّة لأنفسنا كي لا ننزلق، ولا نخطئ، ولا نقع في المشاكل، ومن الجهة الأخرى في مجال عملنا ومسؤوليّتنا. أنتم بمثابة قبطان يقود السفينة، ومثل طيّار يوجّه الطائرة، المسألة ليست حفظ أنفسكم وحسب، هناك فرق بين شخص يقود سيّارته الخاصّة ويسير على الطريق لوحده، فمسؤوليّته هنا تكمن في المحافظة على حياته فحسب. أمّا أنتم فلا، لديكم جماعة هي في عهدتكم. هذا ما يثقل عاتقكم ويضاعف مسؤوليّتكم وضرورة التزامكم في ما يرتبط بهذه المسائل التي ذُكرت.
التقوى مفتاح العلم والمعرفة
إنّ شهر رمضان في ثقافتنا الدينيّة، هو شهر المواجهة بين الشيطان والسلوك الشيطانيّ من جهة، وبين السلوك الرحماني والطاعة والعبوديّة من جهة أخرى. يُقال إنّ الشيطان ملجوم - هذا من جانب - ويُقال إنّ شهر رمضان شهر الطاعة والعبوديّة، حيث إنّ أقصر كلمة وأعمقها معنًى هي كلمة "التقوى": ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾1. المسألة هنا في مواجهة الشيطان، والتقوى، إنّ عمل الشيطان هو الغواية. ما معنى الإغواء؟يعني إيجاد الخلل في جهاز (نظام) المحاسبة لديكم -هذا هو الشيطان - النقطة المقابلة، هي وظيفة التقوى، يسعى الشيطان لغوايتكم، أي أن يعطّل نظام العقل، نظام الفطرة، نظام القياس السليم المودع في وجود الإنسان، أي أن يُوقع الإنسان في خطأ المحاسبة. عمل التقوى هو النقطة المقابلة: ﴿إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾2، بمعنى أنّ التقوى تهبكم الفرقان أي العلم والفهم لفصل الحق عن الباطل، في الآية الكريمة الأخرى: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾3 تؤدّي التقوى إلى أن يفتح الله أمامكم منافذ العلم والفهم والمعرفة والإدراك.
1 سورة البقرة، الآية 183.
2 سورة الأنفال، الآية 29.
3 سورة البقرة، الآية 282.
356
308
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
الحذر من الشيطان وأساليبه
إنّ تأثير الشيطان في جهاز الحساب لدينا هو عن طريق الوعد والوعيد (يهدّد ويُمَنّي)، من جهة يعمد إلى تخويفنا، فتقول الآية الكريمة في القرآن من سورة "آل عمران" المباركة: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾1، ففي شأن الغزوة التي حصلت بعد معركة أحد -حيث جاءوا وأثاروا شائعة أنّ العدو آتٍ وسيقضي عليكم وسينتهي أمركم - قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ما معناه) ليحمل أولئك الذين جرحوا اليوم في معركة "أحد" سيوفهم وليأتوا، وحتى لو لم يأت أحد منهم سأذهب وحيدًا. تقدّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ أولئك الذين جُرحوا في معركة أحد سيوفَهم وذهبوا معه، وهَزَموا العدو الذي كان يكمن بالقرب من المدينة - كان الخبر صحيحًا - ويريد أن يباغت المسلمين ويهجم عليهم، ومن ثم عادوا، ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾2، ثم يقول: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ﴾3. إنّ أحد أعمال الشيطان إلقاء الرعب والتخويف: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾4 يخوّفكم من الفقر - لذا يُحتمل من معنى الآية الكريمة - أنّ هذا تهديدًا، ومن الجانب الآخر التطميع. من جهة أخرى يقدّم الشيطان وعودًا مخادعة، وهنا تقول الآية القرآنيّة الشريفة: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾5، يعدهم، ويمنّيهم، ويبعث الآمال في قلوبهم، ويرسم مستقبلًا ملوّنًا زائفًا وخياليًّا كالسراب أمام أعين المؤمنين به: ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾ إلّا أنّه خداع. التهديد من جهة، والتطميع من جهة أخرى، تماماً كسلوك أميركا والقوى الاستكباريّة اليوم، فهؤلاء يهدّدون من جهة، ومن جهة أخرى يعِدون. ليس الوعد شخصيًّا فقط، بل هي وعود عامة كليّة: "نفعل هذا نفعل ذاك"، ثم بعد ذلك
1 سورة آل عمران، الآية 175.
2 سورة آل عمران، الآية 174.
3 سورة آل عمران، الآية 175.
4 سورة البقرة، الآية 268.
5 سورة النساء، الآية 120.
357
309
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
لا يقومون بشيء، هم يكذبون، هذا هو عمل الشيطان. كلّ الأعمال التي يقوم بها الشيطان - هذا الإغواء والتطميع والتهديد - هي لأجل تعطيل نظام المحاسبة لدى الإنسان المؤمن لكي يقوم بحسابات خاطئة، عندما يتوقّف جهاز المحاسبة عن العمل، يفسد العمل.
المراقبة والمحاسبة
الحساب الخاطئ هو من أكبر الأخطار، قد يهدّد حياة الإنسان ومصير الإنسان في بعض الأحيان، ذلك أنّ قدرة الإنسان وقواه وإمكاناته هي في قبضة إرادته، وإرادة الإنسان خاضعة لتأثير جهاز المحاسبة لديه: إذا ما عمل جهاز المحاسبة بطريقة سيّئة، تقرّر إرادة الإنسان وتذهب في الوجهة الخاطئة، عندها ستعمل قوى الإنسان وكلّ قدراته في هذه الوجهة الخطأ. وهذا ما يجب مراقبته. وقد ذكرت أنّ المراقبة بالنسبة لشخص ليس في موقع المسؤوليّة أمرٌ، والمراقبة في شأني أنا وأنتم، الذين هم في موقع المسؤوليّة أمرٌ آخر. لنحذر أن لا تُصيب شياطين الإنس والجن نظام محاسبتنا بالخلل، وأن لا نسيء فهم الأمور. لا يقتصر الشيطان، على شياطين الجنّ، ليس هو إبليس وحسب: ﴿جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾1، فشياطين الجنّ والإنس يتعاونون ويساعد بعضهم بعضًا.
السنن الإلهية
وهنا أؤكّد: من الأخطاء في الحسابات أن نبقى أسرى العوامل (الأسباب) الحسيّة الملموسة والماديّة المحدودة فحسب، أي أن نغفل عن الأسباب المعنويّة والسنن الإلهيّة، والسنن التي أخبر عنها الله، تلك الأشياء والأمور التي لا تُرى بالعين. هذا أحد الأخطاء الكبيرة في الحسابات. يقول تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ
1 سورة الأنعام، الآية 112.
358
310
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾1، فهل هناك أوضح من هذا؟ إذا نفرتم في سبيل الله ونصرتم دين الله فسينصركم الله، هذه سنّة إلهيّة لا تقبل التغيير: ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾2، إذا ما تحرّكتم في سبيل إحياء الدين الإلهي وحافظتم على هذه الوجهة، سينصركم الله! هذا ما ذكره القرآن صراحة، بأنّه الوعد الإلهي. وقد جرّبنا ذلك عمليًّا. اعلموا أنّ هذه البرهة من تاريخ الثورة، التي ستكون موضع بحث وتحليل على طول التاريخ الممتدّ إلى الأجيال اللاحقة، لهي من أبرز مقاطع التاريخ تألّقًا. أن يقوم نظام على أساس الإسلام، في عالم مادي، عالم تهيمن عليه القوى الكبرى، عالم يواجه فيه الإسلام ومعارف الإسلام والقيم الإسلاميّة هجمة شاملة متعدّدة الأبعاد، بالتحديد في منطقة تخضع لتأثير تلك القوى الضالّة أكثر من أي مكان آخر في العالم، لهو أمر مدهش، وقد اعتدنا عليه، أنا وأنتم. إنّه: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، فلا تصبحوا عرضة للتزلزل، كما لم نقع به. لم يتزلزل الشعب الإيراني، بالرغم من كلّ هذا الضغط، والمؤامرات، والأذى، والتخاذل، ولم يخلي الساح. هذه إحدى السنن الإلهيّة.
الجمهوريّة الإسلاميّة، شجرة طيبة
تقول الآية القرآنيّة الشريفة: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾3، الكلمة الطيّبة، العمل الصحيح، الطاهر، هكذا هو العمل في سبيل الله، وهو الذي يبقى، تمتدّ جذوره في الأرض ويثبت ويؤتي أكله وثماره. لقد أصبح نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، تلك الكلمة الطيّبة، أكثر قوّة وثباتًا، كشجرة طيّبة. إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم، كنظام وحكومة ومجموعة سياسيّة، لا يقارن على مستوى الثبات مع ما كان الوضع عليه خلال السنوات الثلاثين الماضية. يقول الله
1 سورة محمّد، الآية 7.
2 سورة الأحزاب، الآية 62.
3 سورة إبراهيم، الآيتان 24 و 25.
359
311
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
تعالى في الآيتين التاليتين: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾1، يتكرّر هذا التثبيت مجدّداً. فينبغي رؤية هذه العوامل، يجب أن تدخل هذه العوامل في حساباتنا. لا يمكن لنا أن نحدّ كلّ عوامل (أسباب) السعادة والشقاء، والتقدّم والتخلّف، والنجاح وعدمه، في إطار العوامل الماديّة المعروفة التي تهواها قلوب أهل المادة وأصحاب المحسوسات، فهذه العوامل موجودة إلى جانبها.
معركتنا معركة الأنبياء
ما أريد التذكير به في هذا القسم من حديثي -الذي يتمحور حول هذا الأمر - أنّه ينبغي علينا اليوم أن لا نخطئ في حساباتنا، لا تَدَعوا العدو يؤثّر في نظام حساباتكم. لا تسمحوا له أن يخدعكم ويغويكم، ولا تدعوا وعده ووعيده يؤثّر فيكم. إنّ معركة الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم مع الاستكبار - التي بدأ بها مع قيام الثورة وما زال مستمرًّا بقوّة - هي نفسها معركة الأنبياء مع طواغيت عصرهم ومع شياطين الإنس والجنّ. نحن ننشُدُ قيمًا وأهدافًا راقية سامية، نروم تشكيل المجتمع الإسلاميّ، والنظام الإسلاميّ، والبلد الإسلاميّ، والأمّة الإسلاميّة، وتحقيق الآمال العظيمة للأنبياء والصدّيقين والشهداء. إنّ أنظمة (أجهزة) شياطين العصر هي جبهة واحدة، وبالطبع، يعارضون حركة كهذه. لذا يعمدون إلى التخريب، وإلحاق الأذى، ويهدّدون. وفي الوقت نفسه تكمل هذه الحركة الإلهيّة والحركة النبويّة طريقها وتتقدّم وتترك آثارها، وتتوسّع يومًا بعد يوم وتتجذّر وتتعمّق باطّراد، بالرغم من كلّ تلك البهرجة والبريق والزخرف، وتلك الأبهة الظاهريّة والقدرات الماديّة التي تمسك بها الجبهة المقابلة.
1 سورة إبراهيم، الآية 27.
360
312
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
مواجهة الاستكبار
هذا ما نشهده اليوم في سلوكيّات الاستكبار، والهدف هو إيجاد اختلال في نظام الحسابات وجهاز المحاسبة لدينا. لقد عجز الاستكبار في الميادين الأخرى، عن القيام بأيّ خطوة ما. كانت جبهة الاستكبار وما زالت، تملك في الميادين الواقعيّة، عاملين ماديّين فقط: الأوّل التهديد العسكري، والثاني الحظر، لا يملك الاستكبار أي شيء آخر غيرهما. إنّ يد الاستكبار مغلولة على مستوى قوّة المنطق والاستدلال والقدرة على إثبات الحقّانيّة. يمكنه فقط القيام بعملين اثنين: الأوّل التهديد العسكري - وهو ما يفعله - والثاني الحظر، ولهذان العاملان علاج وحلّ. ينبغي إفشال الحظر من خلال الاقتصاد المقاوم. هذه النقطة التي ذكرها اليوم رئيس الجمهوريّة، وتحدّث عنها أيضًا فيما مضى، وهي قضيّة صحيحة تمامًا: ينبغي وضع الخطط الاقتصاديّة ومتابعتها على أساس وافتراض بقاء الحظر. لنفترض أنّ هذا الحظر بأشكاله لم يتراجع قيد أنملة ولم يتضاءل ولو بمقدار رأس إبرة، ما بالك وهم أنفسهم يقولون ذلك. يقولون أنّ الحظر لن يتراجع قيد أُنملة، حتى أنّهم صرّحوا منذ الآن، أنّه إذا ما توصّلنا إلى اتفاق في القضيّة النوويّة، فلا يعنى هذا أنّه سيتم رفع جميع أشكال الحظر، وما زالت هناك أمور أخرى. هذا ما كنّا نردّده دائما. وقد تحدّثت مرارًا في مثل هذا الاجتماع وفي اجتماعات أخرى أنّ الملف النووي مجرّد ذريعة، فلو لم تكن المسألة النوويّة لأتوا بذريعة أخرى: قضيّة حقوق الإنسان، حقوق المرأة، يخترعون قضايا مختلفة، ولا يحتاج اختلاق الذرائع إلى كثير من الجهد، كما أنّ الجهاز الإعلامي والإمبراطورية الإعلاميّة في أيديهم أيضًا. لذا، فإنّ الحل والعلاج في قضيّة الحظر هي في الاقتصاد المقاوم، وسأتحدّث عنه ببضع كلمات بعد قليل.
التهديد العسكري
فهناك قلّة اليوم ممّن يأخذونه على محمل الجد. يقول الأميركيون، أنّ الإيرانيّين لا يأخذونه على محمل الجد. لسنا وحدنا من لا يعتبره جديًّا، فهناك الكثيرون في
361
313
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
العالم لا يرونه جديًّا. والمراقبون العالميّون1 لا يؤمنون كثيرًا بجديّة هذه التهديدات، ويرى المراقبون العالميّون والعارفون بالسياسة، أنّه لو كان الهجوم العسكري مجديًا لأميركا، لِما توانوا عنه لحظة واحدة. فهل سينزعجون لمقتل عدد من الناس، أو لأزمة تُفتعل في مكان؟ هل يخشى القتل أولئك الذين دعموا بكلّ وجودهم ذئبًا باسم "صدام" طوال مدّة ثماني سنوات، والذين أسقطوا طائرة الركّاب المدنيّة2 دون أي ذريعة أو سبب، وقتلوا مئات من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء الذين كانوا على متنها؟ أولئك الذين أينما وصلت أيديهم وتمكّنوا، افتعلوا أزمة وخلقوا اضطرابًا، هذه التجمّعات الملوّنة - بحسب قولهم "الثورات الملوّنة" - التي أوجدوها في هذه البلدان، في أيّ منها لم تكن للقوى الاستكبارية وعلى رأسها أميركا حضور وتدخّل؟ يخلقون الأزمات في البلدان، ولا يهمّهم إن أدّت تلك هذه الأزمات إلى الاقتتال وإلى الحروب الأهليّة. هل إنّ الذين هاجموا أفغانستان والعراق وقتلوا مئات الألوف من الناس - وقتلوا في العراق بعد انتهاء العمليّات العسكريّة بواسطة الأجهزة الأمنيّة وشركات القتل العميلة مثل "بلاك واتر" التي سبق وتحدّثت عنها3، حيث قتلوا الناس مرّة بعد أخرى في بغداد وسائر المناطق - هل هؤلاء يخشون قتل الناس وارتكاب المجازر؟ هل يولون أهميّة لهذه الأمور؟!
ليست القضيّة أنّهم لا يريدون التدخل العسكري لهذا السبب. ما فتئوا يكرّرون مقولة التهديد العسكري: إسرائيل تهدّد وأميركا تمنعها! جيّد، لماذا تمنعها أميركا؟ إذا كان الكلام واقعيًّا وصحيحًا، فلماذا (لا يفعلون)؟ ألِأنّ وجدانهم يعذّبهم إذا ما قاموا بهجوم عسكري على بلد ما، وقُتل جمعٌ من الناس فيه؟ لا، بل لأنّ هجومهم لن يكون ذا فائدة. أقول هذا وبالفم الملآن: لن يكون الهجوم العسكري على الجمهوريّة الإسلاميّة مجديًا لأي بلد. الأميركيون اليوم يخطّئون هجومهم على
1 المسؤولون أو الساسة والباحثون السياسيون.
2 طائرة الركاب المدنيّة التي أسقطها الأميركيون عام 1988 وكانت في رحلة من بندر عباس إلى دبي، أُسقطت في منطقة غير عسكريّة وكان على متنها 298 راكبًا، منهم 66 طفل تحت 12 سنة.
3 في جمع من الطلاب الجامعيّين والتعبويّين 2007- .
362
314
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
العراق، والنقطة المهمّة اللافتة هنا، أنّهم لا يعتبرون ذلك خطأ من باب أنّه جريمة، (لا)، يقولون أنّه لم يكن مجديًا لأميركا. بمعنى أنّه لو كان مجديّا لهم ومريحًا فلا مشكلة فيه. لا يقولون أنّنا أخطأنا لأنّنا قتلنا الناس، لأنّنا هاجمنا الناس العزّل، ولأنّ جنودنا كانوا يركلون أبواب بيوت الناس بأحذيتهم ويضرّجون النساء والأطفال بدمائهم أمام الملأ، لا يقولون ذلك. (والآن) يعاني جنودهم من مشاكل نفسيّة بسبب هذه الفجائع التي ارتكبوها، إلّا أنّهم لا يعترفون بذلك رسميًّا، يكتفون بالقول إنّ ذلك العمل لم يكن مفيدًا. جيّد، ولذلك فإنّ أيدي الأعداء خالية أيضًا، سواء في مجال الحظر أو التهديد العسكري: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾1، إذا ما كنّا مؤمنين، فلن يستطيع العدو فعل شيء. جيّد، والآن بما أنّ العدو لم يعد بمقدوره القيام بأي عمل في الميدان الواقعي ويده قاصرة عن التأثير، فما هو السبيل لديه؟ السبيل هو أن يضرب نظام المحاسبة لدى الطرف المقابل، منظومة المحاسبة لدينا أنا وأنتم، متوسّلين بالإعلام والعمل السياسي والعلاقات والاتصالات المختلفة، يعرفون أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة قادرة على الوصول إلى أهدافها، (فلذلك) ينبغي أن لا تسعى إلى ذلك، إن شاءت فهي قادرة، وهؤلاء يريدون فعل شيء حتى لا تسعى إلى تحقيق أهدافها.
اليوم، هذا ما يجهد إليه الاستكبار، على رأسه أميركا، وهي الحرب الناعمة التي تحدّثنا عنها قبل عدّة سنوات وتباحثنا حولها، كما تحدّث الآخرون عنها، وبحثوا وكتبوا.
عناصر قوة الجمهوريّة الإسلاميّة
لا يمكنهم أن يبدّلوا حساباتنا، فحسابات الجمهوريّة الإسلاميّة مرتكزة على أساس المنطق العقلاني! على أساس القوّة العاقلة. العناصر التي تشكّل هذه الحسابات هي أوّلاً: "الثقة بالله وسنن الخلقة"، ثانيًا: "معرفة العدو وعدم الثقة به".
1 سورة آل عمران، الآية 139.
363
315
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
ومن جملة موارد الثقة بالله وسنن الخلقة: الثقة بالشعب، والثقة بإيمان الشعب، والثقة بمحبّته، والثقة بدوافعه الصادقة، والثقة بصدق الشعب -حيث كان إمامنا الكبير مظهر هذه الثقة - والثقة بالنفس و"إنّنا قادرون"، والاستناد إلى العمل واجتناب البطالة والكسل، والثقة بالنصر الإلهي، والاستناد إلى التكليف والجهاد في سبيل التكليف، هذه هي الأشياء التي شكّلت منذ اليوم الأوّل وإلى اليوم مجموعة عناصر القوة العقلانيّة للنظام الإسلاميّ، وشكلت الركن والبناء التحتيّ لحركتها. راجعوا كلمات الإمام، فوصاياه وأوامره مشحونة بهذه المعارف وهذه المعاني: الاستفادة من التجارب، تجربة سلوك القوى المستكبرة مع الشعوب المسحوقة، والجهاد من أجل الاستقلال، والحفاظ على الاستقلال والحياة المستقلّة. ماذا يعني الاستقلال - يشكّك بعضهم في أصل مفهوم الاستقلال فما هو هذا الاستقلال - الاستقلال هو التحرّر من إرادة الأجانب وإرادة الآخرين: هذا هو معنى الاستقلال، هل يمكن لأيّ عقل إنكار ذلك؟ معنى الاستقلال هو أن يقوم أي شعب بتقرير مصيره بنفسه. كان هذا البلد ولسنوات متمادية فاقدًا لاستقلاله، كان له استقلال سياسي ظاهري، لكنّ العقل المدبّر لهذا النظام والبلد، كان بيد الآخرين الذين كانوا يقرّرون ويعملون، كان هناك أفراد في الداخل، بعضهم كان مرتبطًا بهم، وآخرون لم يكونوا كذلك إلّا أنّهم كانوا مجبرين ولا خيار لهم سوى اتّباعهم والسير معهم. الاستقلال هو الثبات والصمود في مقابل هذه حالة.
ليست المسألة اسم الإسلام!
حسن، معارضة الاستكبار تكون بهذه العقلانيّة. وإذا ما خامر أذهان البعض فكرة أنّ اسم الإسلام يؤدّي إلى أن يعارضوا الجمهوريّة الإسلاميّة، لا، فلا اسم الإسلام ولا المظاهر الإسلاميّة ولا الطقوس الإسلاميّة تجبر أي شخص على المعارضة.
364
316
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
قال الإمام ذات مرّة في إحدى كلماته1: عندما جاء الإنكليز واحتلّوا العراق في العقد الثاني من القرن العشرين، وسمع أحد ضبّاطهم شخصًا ينادي ويصرخ بصوت عال، حيث أثار استغرابه ودهشته - كان هناك شخص يؤذّن من على إحدى المآذن - سأل الضابط أهو ضدّنا؟ أجابه أحدهم: لا، فقال: لا بأس فليقل ما يشاء. إذا لم يكن الأذان ضدّه، (وكلمة) "الله اكبر" لا تصغّره، لا بأس، فليقل ما يريد. ليست المسألة اليوم اسم الإسلام وطقوس الإسلام وشعائره، فهناك اليوم بلدان تحمل اسم الإسلام ولديها طقوس إسلاميّة بنسب متفاوتة، لكنّ نفطهم وإمكاناتهم بيد الاستكبار ومصادرهم الحياتيّة (المعيشيّة) بتصرّف هؤلاء، ولا يوجد أيّ اعتراض عليهم، (لا بل) يحبونهم كثيرًا.
المصالحة مع إيران
قرأت مؤخًّرا كلمة مهمّة في مكان ما، قال أحد خبراء الحكومة الأميركيّة: المصالحة بين إيران وأميركا ممكنة، لكنّها غير ممكنة بين الجمهوريّة الإسلاميّة وأميركا، وهذا كلام صحيح: أن يكون إيرانيّ على رأس تلك العائلة البهلويّة - بحيث يجعل كلّ شيء تحت تصرّف هؤلاء - بالطبع، يكون التصالح معه ممكنًا وضروريًا، ويجب أن يكون أكثر من المصالحة أيضًا. القضيّة هي مسألة الجمهوريّة الإسلاميّة، الجمهوريّة الإسلاميّة تعني الاستقلال والحريّة والتزام الإيمان الإسلاميّ والحركة في طريق الإسلام، وعدم الخضوع لضغوطات الأعداء، ودعوة الأمّة الإسلاميّة للاتحاد - وهي النقطة المخالفة لما يريدون بالتحديد - بالطبع، هم يعادونه.
جيّد، هذا هو قولنا الأساس: لا تنسوا الثقة بالنفس، لا تنسوا الإيمان، والعمل، ولا تستسلموا للكسل واللامبالاة، والملل والسأم، لا تنسوا ذلك. هذه دروس شهر رمضان.
1 صحيفة الإمام، ج 7، ص 399 (ط. الفارسية).
365
317
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
الوصية للمسؤولين
كونوا أقوياء
وصيّة موجّهة إلى جميع المسؤولين. إنّ نظرة إلى أوضاع العالم السياسيّة وأوضاع المنطقة تشير إلى أنّنا في مقطع حسّاس بالمعنى الحقيقي للكلمة، هناك منعطف تاريخي. اعلموا هذا! إن لم تكونوا أقوياء ستتعرّضون للتعسف والضغط1 من أميركا والغرب بل ومن كائن كصدّام.
فعِّلوا عناصر القوّة
إن لم تكونوا أقوياء سيفرضون عليكم منطق القوّة، يجب أن تكونوا أقوياء. ما هي عناصر القوّة؟ كيف لهم أن يفهموا ويذعنوا أنّنا أقوياء؟ (إنها) الروحيّة والأمل والجهد والسعي ومعرفة الثغرات الاقتصاديّة، والثقافيّة، والأمنيّة -تعرّفوا على هذه الثغرات وقوموا بسدّها (ومعالجتها) - تضافر الأجهزة المعنيّة - فلتتعاون وليساعد بعضها بعضًا - تضافر الأجهزة مع الناس، هذه عناصر القوّة. هذه وصيّة، وهي للجميع (المسؤولين).
العمل المستمر
الوصيّة الثانية: اسعوا واعملوا ما استطعتم وطالما سنحت لكم الفرص، فالفرص محدودة. نحن أفراد آيلين للزوال، الفرص لدينا محدودة، لنعمل طالما نحن موجودون وقادرون. لا تقولوا أنّهم لا يدعونا (نعمل)، كلمة "لا يسمحون لنا" غير مقبولة. الكثيرون أيضًا يقولون ذلك، كانوا يقولون في الماضي أيضا، والآن بعضهم يقول أنّهم لا يسمحون لنا، ما معنى مقولة "لا يسمحون لنا"؟ أنتم لديكم قدرات وطاقات وإمكانات، سواء كنتم في المجلس أو الحكومة أو القوة القضائيّة أو القوّات المسلّحة، وسواء كنتم في الأقسام المختلفة من الحكومة، أنتم لديكم إمكانات استفيدوا منها، واعملوا، لا تسمحوا أن تمرّ لحظة بلا عمل.
1 عبر سماحته: ستسمعون بالقوة أي (التهديد).
366
318
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
المحافظة على أصول الثورة
الوصيّة الثالثة: نظّموا حركتم بناءً لأصول الثورة، اجتنبوا الخوض في الأمور الجانبيّة، اعملوا على حلّ مشاكل الناس.
التقارب بين القطاعات والسلطات في الدولة
الوصية الرابعة: أولوا أهميّة للتقارب بين القطاعات والتقارب بين السلطات، أكرّر وصيّتي لمسؤولي القوى الثلاث: ليعقدوا الاجتماعات المشتركة بشكل متتالي، فالكثير من المشاكل تحلّ في هذه الاجتماعات المشتركة، اجتماعات الحكومة والمجلس، السلطة القضائيّة والحكومة، السلطة القضائيّة مع المجلس، فإن هذه الاجتماعات وهذه اللقاءات وتبادل الآراء، والاستفادة من الأفكار المتبادلة تؤدّي إلى التآزر والتعاضد، ومسألة الإدارة الجهاديّة وصيّة مرتبطة بالجميع.
الوصية للحكومة
الوصيّة المتعلّقة بالحكومة والسلطة التنفيذيّة:
النقد البناء
أوّلاً، ليعلم الجميع أنّي أدعم الحكومة. وسوف أستخدم كلّ ما لدي من قدرة ووسع لمساعدة الحكومة. وأنا أثق بالحكومة وأؤيّدها وأدعمها مثل بقيّة الحكومات السابقة. أنا أثق بمسؤولي الحكومة رفيعي المستوى الذين أعرفهم، فكلّ الحكومات التي جاءت بعد انتصار الثورة منتخبة من الشعب، وقد دعمتُ كل الحكومات في العهود المختلفة - عندما كانت لدي مسؤوليّة آنذاك - فكلّ الحكومات كان لديها نقاط إيجابيّة وأخرى سلبيّة، ليس لأي حكومة أن تدّعي أنّ كلّ نقاطها إيجابيّة، وليس لأي شخص أن يقول أن كل نقاط الحكومة سلبية. الأفضل أن يكون النقد بناءً تخصصياً، لا مصلحة في إشهار النقد من على المنابر العامة، كما ينبغي أن يكون النقد - بالنسبة للحكومة الحاليّة - منصفًا ومحترما وشفوقًا، ولا يكون بمعنى تقصي العثرات والإيذاء. هذا هو الموضوع الأوّل.
367
319
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
الاقتصاد المقاوم
ثانيًا، أقول للمسؤولين: خذوا قضيّة الاقتصاد المقاوم على محمل الجدّ. جيّد، لقد تحدّث رئيس الجمهوريّة المحترم، والمسؤولون الآخرون أيضًا بنسب متفاوتة، تحدّثوا وأبدوا آراءهم. في المحصّلة، يجب العمل والسعي: "ولا ممّن هو على غير العمل يتّكل"1، فلا يصحّ أن نطلق اللسان بالكلام بينما نتحرّك ببطء في العمل. (الأساس) في الاقتصاد المقاوم، الاعتماد على الإنتاج الداخلي وعلى متانة (تمتين) البيئة الداخليّة للاقتصاد. وكذلك الازدهار الاقتصادي، الذي يتحقّق من خلال الإنتاج، ومن خلال تفعيل طاقات البلاد الداخليّة وإمكاناتها، وليس أي شيء آخر.
الوصيّة الأساس في مجال الاقتصاد المقاوم، وصيّة إلى البنوك: على البنوك أن تؤدّي دورها، ينبغي أن تتكيّف مع مواد سياسات الاقتصاد المقاوم وخطط الحكومة في هذا المجال، ويمكنها أن تؤدّي دورًا إيجابًّا، بالطبع، يمكن أيضًا أن يكون لها دورها السلبي. ووصيّتي الأكيدة إلى قطاع الصناعة والمعادن: ينبغي أن تضاعف حركتها، يتحمّل قطاع الصناعة والمعادن العبء الأساسي من أجل خروج البلاد من الركود والتخلّف الاقتصادي، ينبغي بذل الجهد والسعي المضاعف. اكتشفوا الطاقات والسعات، توجد إمكانات كثيرة، نشطوا هذه الطاقات.
أهمية الزراعة
في مسألة القطاع الزراعي، للزراعة أهميّتها الحيويّة، ينبغي أن تكون نظرة الحكومة وسياساتها إلى قطاع الزراعة نظرة دعم وحماية، هكذا هو الأمر في أي مكان من العالم، يتمّ مساعدة القطاع الزراعي ودعمه بواسطة الحكومات، مع أنّه ينبغي حلّ مشاكل القطاع الزراعي، ينبغي أيضًا حلّ مشاكل المزارعين والرعاة، أحيانًا يشتكون إلينا، وفي الواقع إنّ الإنسان يتألّم لبعض المشاكل التي تعترضهم.
الاعتدال
ثالثاً: إنّ شعار الحكومة هو "الاعتدال"، الاعتدال شعار جيد جدًّا ونحن أيضًا
1 ابن طاووس، الإقبال، ج1، (ص76).
368
320
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
نؤيّد شعار الاعتدال، وإن الإفراط سيّئ ومدان. ووصيّتي هنا: احذروا من إقصاء التيّارات المتديّنة تحت شعار الاعتدال. يقوم بعضهم بهذه الأعمال وأرى ذلك في الساحة السياسيّة في البلاد. يسعى بعضهم تحت شعار الاعتدال وشعار تجنّب الإفراط، إلى إقصاء التيّار المتديّن الذي يقف قبل غيره لمواجهة الشدائد والأخطار. وهذه التيّارات المتديّنة هي التي تمدّ يد العون إلى الحكومات في معترك المشاكل الواقعيّة بالمعنى الحقيقي للكلمة، احذروا ذلك. الإسلام هو مظهر الاعتدال فـ ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾1 هو اعتدال، وإنّ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ﴾2 اعتدال أيضاً، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتدال - هذا هو الاعتدال - ليس معنى الاعتدال أن نمنع الأعمال التي يشعر الفرد أو التيّار المؤمن، والمجموعة المؤمنة أنّها من واجباته.
وصيّة إلى التيارات السياسيّة والصحفيّة
لديّ وصيّة إلى الأخوة والمسؤولين عن التيارات السياسيّة والصحفيّة، التفتوا إلى أنّ فضاء الجدال ليس لمصلحة البلاد ونفعها، فلا يتلاعبنّ بعضهم بأعصاب الناس إلى هذا الحدّ الذي نشاهده. وإنّ الأمن الفكري والذهني مهم للناس. فلا ينبغي إثارة أجواء الخلاف والمشاجرة والمساهمة في تسعيرها. ولا ينبغي تكرار ما تقوله الصحافة الأجنبيّة - أنا أطالع يوميًّا عددًا لا بأس به من الجرائد كغيرها من الأمور التي أطالع الكثير منها، فيظهر أحيانًا في بعض الصحف كلام أو عناوين عريضة هي نفسها وردت في الصحف الأميركيّة. بالمناسبة، أحيانًا قد يرد ذلك في الجرائد الأميركيّة نفسها وغيرها أيضًا بحيث إنّه يأتي إلينا - كونوا على حذر، هذه أمور غير صحيحة.
1 سورة الفتح، الآية 29.
2 سورة التوبة، الآية 123.
369
321
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
الملف النووي
القضيّة الحسّاسة الحاليّة، الملف النوويّ، وكانت كلمة رئيس الجمهوريّة المحترم اليوم جيّدة وصحيحة تمامًا. (إنّ الواقع في هذه القضيّة) أنّ الطرف المقابل يريد أن "يرينا الموت لنرضى بالحمّى"1. هدفهم في إطار قضيّة حجم التخصيب وكميّته هو أن يرضوا الجمهوريّة الإسلاميّة بعشرة آلاف "سو" وهم بالطبع بدأوا بخمس مئة سو وألف سو، وعشرة آلاف سو هي حصيلة نحو عشرة آلاف جهاز طرد مركزي (سانتر فيوج) من النوع القديم الذي نمتلكه، بينما بحسب قول المسؤولين المعنيّين فإنّ الحاجة الأكيدة للبلاد هي 190000سو. من الممكن أن لا تكون هذه حاجة سنة أو سنتين أو خمس سنوات أخرى، لكن هذه هي حاجة البلاد الفعليّة. جيّد، ينبغي تأمين حاجة البلاد الفعليّة. أساس كلام الأميركيين في هذه القضيّة باطل وغير منطقي. لقد تمكن بلد يحتاج إلى الطاقة النوويّة بنفسه ومعتمدًا على قدراته وبدون أن يستجدي أحد أو أن يسلب أحدًا، من إيجاد هذا العلم وهذه التقنيّة لنفسه، فقامت قيامتهم وقالوا لا، لا ينبغي (لكم ذلك). جيّد، لماذا؟ أي منطق لهذه الـ "لا ينبغي"؟؟ يقولون أنّهم قلقون من القنبلة النوويّة! أوّلاً إنّ ضمانة الحدّ من السلاح النووي له سبله، لا مشكلة في ذلك. ثانيًا، إذا ما كان من أحدٍ يعتريه الخوف والقلق حقًّا فيما يتعلّق بالسلاح النووي فليست أميركا بالطبع، فأميركا نفسها لديها بضعة آلاف رأس نووي، وبضعة آلاف قنبلة نوويّة وقد استخدمتها. جيّد، فما القضيّة إذًا؟ من أنتم لتقلقوا أنّ البلد الفلاني قد امتلك سلاحًا نوويًّا أو لم يمتلك؟ في حين أنّ هناك مؤسسات مسؤولة، نعم صحيح، يمكنها أن تضمن ذلك. (بالطبع)، لضمان عدم الاستخدام، يعني الوضوح لعلّهم يعرفون ذلك، لكن الأساس في كلامهم أنّه كلام باطل غير منطقي.
بالطبع، نحن نثق بفريق التفاوض لدينا ونحن واثقون بأنّه لن يرضى التطاول على حقوق البلاد وحقوق الشعب وكرامته ولن يسمح بهذا العمل. إنّ مسألة حجم
1 حسب المثل الرائج: الكحل ولا العمى.
370
322
في لقاء مسؤولي النظام والعاملين فيه
التخصيب هي مسألة بالغة الأهميّة، ومسألة البحث والتوسّع ينبغي أيضًا الاهتمام به، الحفاظ على المنشآت التي لا يستطيع العدو تخريبها. فيركّزون على منشأة "فردو"، لأنّه ليس في متناول أيديهم، فيقولون أنّ المكان الذي لا يمكننا توجيه ضربة إليه يجب أن لا يمتلك الطاقة! وهذا أمر مضحك.
قضايا المنطقة والعراق
قضايا المنطقة والعراق، وهو فتنة في الواقع، وسوف يتمكّن الشعب المؤمن في العراق من إخماد هذه الفتنة والقضاء عليها بتوفيق من الله. وسوف تتقدّم شعوب المنطقة إن شاء الله يومًا بعد يوم نحو مزيد من الرشد والرقي المعنوي والمادي.
إلهي بمحمّد وآل محمّد نسألك أن تجعل ما قلناه وسمعناه لك وفي سبيلك وأن تتقبّله منّا.
إلهي وفّقنا للعمل والسعي بإخلاص. إلهي بمحمّد وآل محمّد ويسر لنا موجبات مرضاتك، ولا تحرمنا في هذا الشهر المبارك من رحمتك ومغفرتك. احشر الأرواح الطيّبة للشهداء وروح الإمام العظيم مع أوليائك. إلهي، بمحمّد وآل محمد، اجعلنا من عبادك الشاكرين الصابرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
371
323
في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
المناسبـــة: مولد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
الحضور: جمع من الشعراء ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام
المكان: طهران - حسينيّة الإمام الخمينيّ قدس سره
الزمان:
21/04/1393 هـ.ش.
14/09/1435 هـ.ق.
12/07/2014 م.
373
324
في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحّب بكم جميعًا، هذا اللقاء من اللقاءات الحلوة بالنّسبة لي - أنا العبد -.
بالتأكيد، كان الأمر هكذا دائمًا، كمائدة عليها ألوانٌ من الأطعمة، لكنّ غاية الأمر أنّ الشهية وحجم وقدرة المعدة لا يسمحان بأن يتناول المرء من جميع هذه الأطعمة، لهذا فإنّه يقوم عنها شبعًا، ولكنّه حريصٌ ونفسه تشتهيها، وهكذا نقوم عادة في هذا اللقاء، فالوعاء قد امتلأ، لكنّ الاشتهاء والرّغبة بالاستماع إليكم ما زالت موجودة خصوصًا أنّ المرء يشاهد، بحمد الله، أن تيّار وقافلة الشّعر في بلدنا تسير قُدُمًا، والشّعر الذي سمعناه اليوم في لقائنا، هذا في الواقع، لا يمكن مقارنته مع الشّعر الذي سمعناه قبل عشر أو اثنتي عشرة سنة. فالحمد لله، لقد حصل تقدّمٌ كبيرٌ.
أبارك ذكرى المولد السّعيد للإمام المجتبى عليه السلام، وأوجّه شكري لبعض الأصدقاء الأعزّاء الذين شاركونا في هذا اللقاء ومدحوا هذا الجليل1. وأذكّر بقرب ليلة القدر المباركة، فلنعظّم هذه الليالي، لأنّها تفتح أمامنا نوافذ قيّمة جدًّا، ولنجعل أنفسنا في معرض النّسائم المعنويّة والقدسيّة والحيّة التي تهبّ علينا من هذه النّوافذ، وبمشيئة الله تعالى سننعم بالفائدة جميعًا. وأنا العبد، ألتمس منكم الدّعاء، وإن شاء الله توفّقون.
الشعر، إظهار أفكار ومشاعر
سأتعرض لموضوع الشّعر في بضع جمل، فالشّعر في الأساس هو ظهور أفكار الشّاعر وأحاسيسه وأشواقه وحنينه وكلماته وأفكاره. إنّ الله تعالى يمنح الشّاعر قدرة، وقد أعطاه ذلك، لكي يتمكّن من بيان أفكاره وآرائه ومشاعره وأشواقه من
1 مجموعة من الشّعراء الموجودين في هذا اللقاء قرؤوا أشعارًا في مناقب الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
375
325
في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
خلال تركيب الحروف والكلمات، ومن خلال الموسيقى المتناسبة، وفي حلّة جذّابة ومؤثّرة، هذا هو الشّعر. بناءً عليه، وفي الدّرجة الأولى، إنّ دور الشّعر هو أن يكون استجابة للحاجة الباطنيّة للشّاعر، وهو إنتاجٌ معنويّ من الشّاعر لكي يتمكّن من تصوير المفاهيم والمعارف والحقائق الكامنة في نفسه وباطنه وإظهارها، وبيان ما في قلبه من أشواق وحنين. بناءً عليه، لو قام الشّاعر بصياغة شعره على أساس إظهار آلامه وأوجاعه الشخصية ومكنونات قلبه، فليس هذا بالأمر المستنكر، فالوضع الطّبيعيّ والأولي للشّعر هو هذا. إنّ الشّاعر يظهر مكنونات نفسه بهذه الكلمات لكنّ الدّور الأساسيّ للشّعر ليس هذا.
دور الشعر
أوّلاً: التأثير في الأذهان والبواطن
إنّ الدّور الأساسيّ للشّعر هو في التّأثير الذي يدخله شعركم على المخاطبين. فأنتم من خلال أشعاركم تشغلون خلوة المخاطبين. فللبشر خلوات وهذا من مميّزاتهم، لديهم خلوات، وباطن، وأسوار فيها أسرار، لديهم خصوصية ذاتية، وأنتم من خلال شعركم تحضرون في هذه الخلوات وتؤثّرون فيها وتغنونها. فهذا هو أحد أهم وظائف الشّعر. يمكنكم أن تحفظوا نضارة ونزاهة ولطافة ونشاط وحيويّة هذه الخلوات وهذه اللحظات الأشدّ خصوصيّة لأيّ إنسان يكون بمثابة مخاطبكم، في هذه المرحلة، أو هذا الموقع للوجود الإنسانيّ، بشعركم، ويمكنكم أن تغذّوا فكره وتوجّهوه، وذلك لأنّ خلوة البشر بأنفسهم هي في الواقع محلّ أفكارهم الشّخصيّة الذّاتيّة. فلكلّ إنسانٍ في باطنه وأعماقه مثل هذا المنتدى الفكريّ، بحيث يمكنكم أنتم بأشعاركم - هذا إذا امتلك هذا الشّعر القدرة على النفوذ، وتمكّن من أن يحضر في خلوة أذهان وقلوب النّاس - يمكنكم أن تصبحوا ركنا أساسيا لمندى فكر مخاطبكم. فهذا من أهم أدوار شعركم. وهذا أمرٌ مهمٌّ، لأنّ هذه الخلوة بالنّفس
376
326
في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
هي في الواقع المحلّ المؤثّر والبنّاء والذي يصنع شكل الجلوات1 والمظاهر. فأفكار الإنسان وقرارته المهمّة تنعقد في مثل هذه الخلوات. والبشر يتحرّكون من موقع عزيمة هذه الخلوات على الطّرق الصّحيحة أو المنحرفة. فهناك محلّ الفهم واتّخاذ القرارات وتشكّل الهويّة الأساسيّة للإنسان، وأنتم بإمكانكم أن تحضروا وتؤثروا فيها، وهذا من أهم أدوار الشّعر. فهذه الخلوة بالنّفس مهمّة جدًّا. وإنّ سعي الشّياطين اليوم هو أن يؤثّروا على خلوة النّاس والمخاطبين وشعبنا وكلّ الشّعوب، سواء كان شعبنا أم غيره، ويحقنونها بالقيم ويجعلون الناس في قبضة قيمهم وأفكارهم. فلو استطعتم أن تحقّقوا هذا الفنّ، وهذا الإقبال والتوفيق لأنفسكم بحيث يمكنكم الحضور في خلوة سامعيكم، وتثروها وتملؤوها بالمعنويّات، وبالوسائل التي تغني النّاس بالنشاطٍ والأملٍ والتحرّكٍ والتقدّم، فإنّكم بذلك تكونون قد نجحتم نجاحًا كبيرًا. وهذا هو الأمر الذي حقّقه شعراؤنا الكبار على مدى مئات السّنين. فأنتم ترون سعدي أو مولوي أو حافظ أو الفردوسي أو الخاقاني يسجّلون حضورًا في حياتنا المعنويّة وأذهاننا وأفكارنا، وقد تمكّنوا لمئات السّنين من التّأثير على أفكار مجتمعاتنا، وهم الذين حفظوا الهويّة الحقيقيّة لثقافتنا الوطنيّة وحملوها من جيلٍ إلى جيل ويدًا بيد.
ثانيًا: إصلاح القيم والسلوكيات الاجتماعية
وفي يومنا هذا، تُعدّ هذه القضيّة المهمّة الأساسيّة لشعرائنا. فلو حُفظت خلوة الإنسان هذه ـ حيث يمكنكم أن تؤدّوا دورًا أساسيًّا في هذا المجال ـ عندها يمكن أن نأمل بإصلاح القيم والسلوكيات الاجتماعيّة. ويمكن من خلال هذا الطّريق حلّ مشكلة السلوكيات الاجتماعيّة. فالنّاس إذا صلحوا من الباطن وصار لهم توجّهات ودوافع وأمل ونشاط يمكن أن نأمل بإصلاح القيم وجعلها في مكانها الصّحيح وعلى طريقها المطلوب. ومثل هذا الأمر يشكّل فرصة كبيرة لكم أيّها الشّعراء. وباعتقادي، أنا العبد، أنّ الله تعالى قد منحكم موهبة الشّعر هذه، وكم
1 بمعنى الواضحات، البينات.
377
327
في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
من الأشخاص يمتلكون الأفكار الجيّدة لكنّهم لا يمتلكون هذه الوسيلة الفعّالة! فلا يمتلكون مثل هذه الحنجرة الجميلة والدّافئة والمؤثّرة التي تمكنّهم من نقل تلك الأفكار، وأنتم تمتلكون هذه الحنجرة، فإذا تمكّنتم من استخدامها بصورة جيّدة، فإنّكم بذلك تؤدّون عملًا كبيرًا.
ثالثًا: التأثير الاجتماعي
القضيّة الأخرى فيما يتعلّق بالشّعر هو دوره الاجتماعيّ، فالشّعر حافظٌ للهويّة الوطنيّة. والهويّة الوطنيّة عبارة عن الخصائص الثّقافيّة وما فيها من مزايا، فهذه الأمور هي التي تشكّل الهويّة الثّقافيّة لأيّ شعب، وهي بذاتها أصلٌ وأساسٌ، فلو تمّ انتزاعها من أيّ شعب، فإنّ هذا الشّعب سيذوب وينقرض بكلّ ما للكلمة من معنًى. وقد يبقى متواجدًا ضمن بيئته الجغرافيّة، ولكن لن يبقى منه شيء ويكون بقاؤه كعدمه. فالهويّة الثّقافيّة هي التي تشكّل أبعاد حياة أيّة جماعة أو شعب. بإمكان الشّعر أن يقوّي هذه الهويّة الثّقافيّة ويغنيها ويغذّيها. وهنا مرّة أخرى نتطلّع إلى شعرائنا عبر التّاريخ فيما يتعلّق بالهويّة الثّقافيّة - وهم الذين مثّلوا حملة اللغة الكبارـ فسوف نرى أنّ رسالاتهم كانت مهمّة جدًّا: رسالة التّوحيد، ورسالة الاعتقاد بالله، ورسالة الصّلاح، وفي الواقع إنّ هذه القصائد الموجودة في هذا المجال مدهشة جدًّا. وأنا العبد، ليس لديّ اطّلاعٌ كبير على أشعار الشّعوب الأخرى، وفيما لدينا من اطّلاع فإنّ الشّعر الفارسيّ وللإنصاف - مثل بستان سعدي، وشاهنامه الفردوسي، وخماسيّة النظاميّ وديوان حافظ، ومثنوي المولوي - مليئة بالحكمة. فهي تموج بالحكمة بكلّ ما للكلمة من معنىً وفي هذه الكتب والأفكار السّامية. فيوجد في هذه الكتب أفكارٌ سامية جدًّا وعظيمة. فقد تمكّن هؤلاء من تحديد هويّة لشعبنا.
الهوية الثقافية
وأقول لكم هذا: إنّ كلّ ما لدينا من مميّزات ناشئٌ من هذه الهويّة الثّقافيّة. فلو لم تكن هذه الهويّة الثّقافيّة لما انتصرت ثورتنا. ولو لم تكن مثل هذه الهويّة الثّقافيّة لما وُجد إمامٌ كإمامنا الذي استطاع أن يوجد هذه النّهضة ويوصلها إلى خواتيمها،
378
328
في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
فإمامنا الجليل هو ابن هذه الثّقافة ووليدها. فهذه الهويّة الثّقافيّة هي التي ربّت إنسانًا كالإمام في المجتمع ويجب الحفاظ عليها. ويمكنكم أن تقوموا بهذا الدّور. ويجب أن يكون الشّعر حافظًا لهذه الهويّة، وهذه الهويّة هي في الواقع تلك العقلانيّة المعنويّة التي نعتمد عليها ـ قضيّة العقلانيّة المعنويّة والعقل الجمعيّ لهذا المجتمع. إنّ هذه الهويّة الثّقافيّة هي في الواقع تلك العقلانيّة ويجب عليكم أن تلتفتوا إليها في أشعاركم وتحافظوا عليها: الأخلاق الإسلاميّة السّامية، والحكمة المعنويّة والإلهيّة والإسلاميّة والتّوحيد والإيمان بالله والعدل والصّدق، وكلّ هذه الأمور التي نجدها في الشّعر الفارسيّ الفاخر. فلو وُجد هذا الدّافع في شاعر اليوم، فسيتّضح له ذاك الغزو الذي يتوجّه إلى هذه المنطقة.
إنّ مشكلة البعض هي أنّهم لا يرون هذا الغزو ولا يلتفتون إليه، فهؤلاء لا يدركون وجود جبهة أقسمت على اقتلاع هويّتنا الوطنيّة الإسلاميّة وهويّة شعبنا، فهؤلاء لا يدركون كلّ هذه العلائم والمظاهر وكما قيل في الشّعر:
إنّ ذئب الأجل يفتك بالأغنام واحدة تلو الأخرى ومازالت ترعى غافلة
هذا هو الإشكال في عملهم.
خصوصية الشعر
فالشّاعر ولمِا يتمتّع به من روحٍ فنّيّة ودقّة نظر، عندما توجد فيه مثل هذه الهواجس والأحاسيس فإنّه سيشعر بهذا الغزو حتمًا وسوف ينتفض لمواجهته لأنّ هذا من أعماله الأساسيّة، وباسم ربّ الرّوح والعقل، يدافع عن عقل هذا الشّعب وروحه. فهذه هي خصوصيّة الشّعر - هذا الشّعر السّامي والمهم. وبالتّأكيد، إنّ نطاق هذا العمل لا يُحدّ بشعبٍ واحدٍ بل يعمّ البشريّة. فعندما ننظر إلى أوضاع البشريّة في يومنا هذا، ونشاهد هذا الاعتداء والتّطاول على قيمها - سواءٌ كانت القيم الماديّة أو المعنويّة، وتمتدّ تلك اليد إلى استقلال الشّعوب، وثرواتها، ودينها، ومعنويّاتها، وأعراضها، وأخلاقها. فتلك القوى المتسلّطة تمدّ يدها مستخدمة وسيلة العلم - وهو الذي ينتج لهم الثّروات وبتبع ذلك يؤمّن لهم إعلامًا هائلًا يشمل
379
329
في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
العالم كلّه - فيفعلون ما يحلو لهم بهذا العالم، ويقلبون الحقائق بكلّ بساطة.
الحرب على غزّة
حسنٌ، افرضوا أنّ شخصًا ما قد قُتل في أيّ منطقة من العالم أو حيوانًا، فإنّهم يحدثون ضجّة عارمة، ولكن انظروا الآن في الهجوم على غزّة حيث ما زالت الطّائرات منذ عدّة أيّام تقصف وتقتل العشرات ـ والكثير من هؤلاء من الأطفال المظلومين والأبرياء ـ فإنّ هذا الأمر لا يعني لهم شيئًا. وليت الأمر أنّه لا يعنيهم بل إنّ أميركا وإنكلترا، كما طالعتم في الأخبار، يدعمون هذه الحملات والهجمات. هكذا هو عالمنا اليوم: يدعم كلّ أمرٍ سيّئٍ ومنحرفٍ ومنحطٍّ وفاسدٍ وقذرٍ ونجسٍ إذا كان لخدمة مصالحهم، ولا يرعوون أبدًا. وها هم يواجهون كلّ طهرٍ وقداسة وصدقٍ ويعارضونه. بل يواجهونه بكلّ وحشيّة طالما أنّه لا ينسجم مع مصالحهم، هكذا هو عالمنا اليوم.
الشعر ونصرة المظلوم
ما هي وظيفة الإنسان الشّاعر الذي يمتلك قوّة الشّعور والإدراك والفهم وقوّة البيان؟وماذا ينبغي أن يفعل؟ فبالإضافة إلى قدرتكم على بيان الحكمة حيث أنّ من الشّعر لحكمة، يمكنكم أن تكونوا مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾1، أو ﴿وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾2، حيث أنّ تتمّة هذه الآية متعلّقة بالشعراء. فيمكنكم أن تكونوا مصداق قوله تعالى: ﴿وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾، انتصرِوا وقوموا بدعم جبهة المظلومين واعلنوا الحقيقة وتكلّموا وبيّنوا الحقيقة بشعركم حيث يمكنكم أن تؤثّروا كثيرًا في هذه المجالات. فإنّ امتلاك مثل هذه الميزة هي نعمة إلهيّة وحجّة ربّانيّة، ولكلّ نعمة شكرٌ، ولكلّ حجة لا بدّ من إعداد الجواب، وإن شاء الله يزداد اهتمام إخواننا وأخواتنا الأعزّاء الذين شاركوا بهذا اللقاء فيما يتعلّق بهذا المجال أكثر ممّا حصل لحدّ الآن، وإن كنّا نرى لحسن الحظّ
1 سورة الشورى، الآية 41.
2 سورة الشعراء، الآية 227.
380
330
في لقاء مجموعة من الشّعراء والأدباء في ليلة ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
أنّ شعراءنا الشّباب وشعراء ثورتنا قد قدّموا لنا أعمالًا جيّدة وأشعارًا مميّزة. بالطّبع، إنّ كلّ هذه الأمور إنّما تحصل إذا كان الشّعر متمتّعًا بالبعد الفنّيّ، وهذه هي وصيّتنا الدّائمة. فالشّعر ليس مجرّد معنًى وليس مضمونًا فحسب، بل هو تركيبٌ وهيئة فنّيّة. إنّ الفنّ والنّسج والأسلوب الفنّيّ هو الشّرط الأساسيّ لكي يتمكّن هذا الشّعر من البقاء والتّأثير إن شاء الله. وأملنا أنّ يوفّق الله تعالى الجميع ويؤيّدكم، وإن شاء الله، تبقون دائمًا في خدمة القيم والحقيقة والصّدق. لقد استفدنا اليوم من الأشعار التي تُليت، وإن شاء الله، يمنح أنفاسكم يومًا بعد يوم المزيد من الدّفء والحميمية.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
381
331
في لقاء طلّاب الجامعات
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء طلّاب الجامعات
المناسبـــة: لقاءات سنوية مع طلّاب الجامعات خلال شهر رمضان المبارك
الحضور: جمع من طلّاب الجامعات
المكان: طهران - حسينيّة الإمام الخمينيّ قدس سره
الزمان:
01/05/1393 هـ.ش.
25/09/1435 هـ.ق.
23/07/2014 م.
383
332
في لقاء طلّاب الجامعات
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
نشكر الله تعالى على أنه في هذه المرحلة من الزمان، يشهد بلدنا وجود وحضور جمعٌ من الشباب المؤمن والمفعم بالنشاط والحماس والدافع ومن أهل المنطق والرأي في القضايا الرئيسية للبلاد. لقد كان لقاؤنا اليوم لقاءً جيداً جداً، وهذا يعود إلى مسألتين: إحداهما تتعلق بتفاصيل الكلمات التي ألقاها الأصدقاء هنا، نعم، لقد ذُكِرَتْ نقاط ومطالب جيدة ومفيدة.
من الممكن هنا أن أكون - أنا العبد الحقير - موافقاً على بعض هذه الأفكار أو غير موافق، المضمون هو جزء من القضية. لكن الجزء المهم في نظري والذي يستحق الثناء والتقدير، هو عبارة عن "الروح المفعمة بالنشاط والمطالبة عند جمع الطلّاب الجامعيّين"، والتي ظهرت جليّة في كلمات هذا العدد المحدود من الطلّاب، هذا أمر مهم.
الجامعيّون، روح ونشاط وحيوية
فمن الممكن أنّه في بعض هذه المطالبات، يوجد ما هو غير منطقي أحياناً أو ما هو غير ممكن التحقق أو غير مقبول، لكن نفس هذه الروحية المطالبة والدافعيّة للطلب والإرادة والتفكير والاقتراح والانتقاد أمر جيد ومطلوب.
وبالتأكيد ينبغي في جميع الأمور مراعاة الأخلاق والتديّن والحدود الشرعية، ينبغي الإنصاف وعدم التحيّز واجتناب "القول بغير علم"، وهذه الأمور كلها محفوظة في مكانها، الأمر المهم هو أن شبابنا الجامعيّ ينبغي أن يكون مطالِباً وعنده حوافز ودوافع، أن يكون نشيطاً وحاضراً في الميدان ومشرفاً على قضايا البلاد، وهذا ما
385
333
في لقاء طلّاب الجامعات
ألاحظ وجوده اليوم بحمد الله.
حسن، سنقف قليلاً عند بعض المطالب التي طرحها الأصدقاء. الأمر الأول، هو ما ذكرته وهو أني راضٍ ومسرور من روحية الشباب الجامعيّين - والذين هم على الأغلب ممثلو ونواب المنظمات الشبابية الجامعيّة - وأشكر الله على أن المرء يلمس فيهم النشاط والفكر والاندفاع والمطالبة وآمل - إن شاء الله - أن تبقى هذه الروحية عندكم إلى الوقت الذي ستتحملون فيه مسؤوليات الأعمال المختلفة في البلاد، لأنكم في المستقبل ستكونون مسؤولين ومدراء القطاعات في البلاد، وان شاء الله تبقى وتستمر عندكم هذه الروحية والنظرة الانتقادية والمطالبة المتلازمة مع الشعور بالمسؤوليّة والتكليف، فإن حصل هذا، فإن البلاد ستنجو من مشاكلها وتصل إلى النجاح والتقدم.
العمل العلميّ وحاجات البلاد
لقد ذكر الأصدقاء عدة مسائل أعتقد أنها تستحق الاهتمام والمتابعة، وهي مسائل مهمّة، هذه المسألة: "النظرة إلى العلم دون الاهتمام بفائدة العلم للبلاد"، والتي تكررت في كلمات عدد من الأصدقاء، هي كلام صحيح بشكل كامل، ولقد ذكرناه مراراً وتكراراً. إن العمل والجهد العلميّ الموجود في البلاد والجامعات اليوم، هو جهد حيوي وناجح ومورد مدح وتشجيع، لكن في نهاية الأمر ينبغي الالتفات - وعلى الجميع الاهتمام - بأن يكون العلم مقدمة للعمل، العلم النافع هو عبارة عن ذلك العلم الذي يلبي حاجات وأعمال البلاد ويكون مفيداً لحل مشكلات البلاد بمجرد إن تنشر، مثلاً، مقالاتنا العلميّة في مواقع ISI وما شابه أو حتى أن تصبح مرجعيات علمية، فإن هذا مجد علمي وافتخار ولكنه ليس المطلوب النهائي، يجب أن يتوجه العمل العلميّ نحو حاجات البلاد. وهذا ما قاله الأصدقاء وأنا أعيد التأكيد عليه أيضاً: مسؤولو التعليم العالي والمدراء الأساسيون حاضرون هنا، وإن شاء الله يهتمون بهذه النقطة.
386
334
في لقاء طلّاب الجامعات
العلاقة بين أساليب الإدارة الاقتصادية وثقافة المجتمع
هناك أمر آخر ذُكر في الكلمات وهو صحيح وأودّ التأكيد عليه، وهو العلاقة بين أساليب الإدارة الاقتصادية وثقافة المجتمع.
ما قيل "بأننا قد طرحنا مسألة الغزو الثقافيّ في السبعينيّات (التسعينيّات) في حين أنه كان هناك غزو اقتصادي"، فهذا كلام صحيح، ولا ننكره، لكن النظرة إلى الثقافة كمسألة أساسية وحياتية، ينبغي أن يلتفت إليها الجميع وعلى مختلف المستويات. في ذلك الزمان جرى اعتراض، أيضاً، على أساليب الإدارة الاقتصادية، ولكن الذي كان يحوز على الأهميّة أكثر (من غيره) حينها واليوم هو كذلك، هو النظرة إلى الاتجاهات الثقافيّة. بالطبع، نحن نقبل فكرة أن أساليب الإدارة الاقتصادية تترك تأثيرات على الثقافة، كذلك، فإن العكس صحيح.
زواج الشباب
هناك مسألة طرحت على الهامش وفي رأيي أنها ليست هامشية بل هي مسألة مهمّة. "مسألة زواج الشباب"، توقعنا أن تكون ردّة فعلكم هكذا1: إن زواج الشباب هو مسألة مهمّة. إنني قلق وأخشى أن تؤدّي نظرة اللامبالاة بمسألة الزواج - والتي مع الأسف توجد اليوم بشكل أو بآخر - إلى عواقب وخيمة في المستقبل وأن تُنزل بالبلاد خسائر جسيمة. حسنْ، لقد طرحتم اليوم مسألة الخدمة العسكريّة (خدمة العلم) وفي رأيي إن الخدمة العسكريّة ليست مشكلة، ويمكن إيجاد أفكار وحلول عملية لها أيضاً، وليس سبيل حل مشكلة الخدمة العسكريّة كمانعٍ لأمر الزواج، هو أن نقلل مدّة الخدمة، بل يمكن إيجاد أساليب أخرى، ولكن هذه مسألة واحدة.
الزواج والوضع الاقتصادي
الدافع للزواج، يجب أن يُبدّل ويتحوّل إلى إجراء عمليّ، أي: أن الزواج يجب أن يحصل ويتحقّق. حين يقول الله تعالى: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾2،
1 إظهار الرضا لدى الطلاب.
2 سورة النور، الآية 32.
387
335
في لقاء طلّاب الجامعات
فهذا وعد إلهيّ، ويجب علينا أن نؤمن ونثق بهذا الوعد كباقي الوعود الإلهيّة التي نثق بها. ان الزواج وتأسيس الأسرة لم يؤدِ يوماً ولا يؤدّي إلى تدهور الوضع المعيشيّ للشباب، لا أحد تصعُب معيشته بسبب الزواج! بل إن الزواج ربّما يؤدّي إلى الفرج واليسر. الأجواء الجامعيّة هي أجواء جيّدة ومناسبة لتوفير الأرضيّة اللازمة للزواج. في رأيي، على الطلّاب أنفسهم، وكذلك على أوليائهم وأهاليهم والمسؤولين المعنيّين في الجامعات، أن يفكّروا مليّاً بموضوع زواج الشباب، وأن يتخذوا القرارات الّلازمة، فلا نسمح بأن يستمرّ ارتفاع معدّل سن الزواج - ومع لأسف، فإنه اليوم مرتفع وخاصّة عند الفتيات -. يوجد بعض التصوّرات والأعراف والسنن الخاطئة حول الزواج، وهي راسخة والتمسّك بها مانع لترويج زواج الشباب، يجب أن تُعارض هذه السُنن وتُنتقض عمليّاً.
كسر التقاليد الخاطئة في الزواج
أنتم كشباب، إنكم مفعمون بالنشاط والمطالبة، وأنتم تقترحون وترغبون بكسر الكثير من العادات والتقاليد، وأرى أنّه يجب عليكم كسر هذه الأعراف والسنن الخاطئة، الموجودة في مسألة الزواج، هذه قضيّة أرى من الضروريّ التأكيد عليها. في الماضي كان من المتعارف أن يقوم بعض المؤمنين وأهل الخير بالتوسّط، والتعريف بفتيات مناسبات أو شبان مناسبين للزواج، وكانوا يسهلّون الزواج. يجب القيام بهكذا أعمال، في الواقع يجب أن توجد حركة في هذا المجال في المجتمع.
المواقف السياسية لطلاب الجامعات والولي الفقيه
هناك نقطة أخرى وردت في كلمات بعض الأصدقاء وكذلك في الأسئلة التي طرحها الطلّاب بشكل تقديريّ - طُرح سؤال على الطلّاب - وهو أنّه لو أُتيح لكم المشاركة في هذا اللقاء فماذا ستطرحون وماذا ستسألون؟! وجاءت الإجابات على شكل كتاب أكثر من 100 صفحة أحضروه لنا، وفيه آراء وأسئلة الطلّاب الجامعيّين، وهناك أيضاً قرأت هذا السؤال -: أنّه كيف يجب أن تتطابق المواقف السياسيّة،
388
336
في لقاء طلّاب الجامعات
للطلّاب الجامعيّين أو المنظمات الطلّابيّة، مع آراء القائد؟ وهذا السؤال قد طُرح هنا، أيضاً، بشكل آخر. برأيي إن هذا السؤال ليس سؤالاً مبرّراً، ولا ينبغي أن يكون الأمر هكذا، بأنّ كل المواقف التي يتّخذها أفراد الشعب - ومن جملتهم الطلّاب الجامعيّون والذين هم من الفئات الرائدة - يجب أن تكون متماثلة، وصدى للآراء التي يطرحها القائد! كلّا، أنتم بعنوان أناس مسلمين ومؤمنين وأهل فكر، يجب أن تنظروا وتستشعروا تكليفكم، وأن يكون عندكم تحليل ورأي - وسأوضح الأمر لاحقاً - حول الأشخاص والتيارات والسياسات والحكومات، ان تمتلكوا مواقف وآراءً خاصة. ولا يكن الأمر هكذا، أن تبقوا منتظرين لتروا ما هو الموقف الذي يتّخذه القائد بالنسبة إلى الشخص الفلانيّ، أو الحركة الفلانيّة، أو العمل الفلانيّ، أو السياسة الفلانية، ومن ثمّ تتخذون موقفاً على أساس ذلك الموقف، كلّا، فبهذا الشكل ستصل الأمور إلى حائط مسدود. لدى القائد واجبات، وسيقوم بها - إن أعانه الله تعالى ووفقه لإنجازها - وكذلك أنتم لديكم واجبات، أيضاً.
التقوى واتخاذ المواقف
أنظروا الى الساحة ومن ثم خذوا الموقف المناسب، منتهى الأمر أنّ المعيار ينبغي أن يكون التقوى، فلتكن التقوى معيارًا للمواقف والآراء. التقوى هي أن لا يصبح الإنسان أسير هوى النفس في تأييده ودعمه أو في مخالفته ومعارضته، ولا في انتقاده أو مدحه (للأشخاص أو التيارات)، راعوا التقوى في مواقفكم، فإذا فعلتم، فسيكون الانتقاد جيداً، وكذلك التأييد والمدح، سواء كانا للشخصيات أو الحكومة أو التيار السياسي الفلاني أو الحادثة السياسية الفلانية، لا يوجد أي إشكال في هذا. بالتأكيد، إذا طُرح رأي ما من قبل هذا العبد الحقير في مجال ما، فإن أولئك الذين عندهم حسن ظن به ويوافقون ويؤمنون بهذا الرأي، فمن الممكن أن يكون رأي القائد حينها من العوامل التي تؤثر في تشخيصهم للمسائل، ولكن هذا لا يعني بأن يسقط واجب الناس في مجال اتخاذ المواقف وإعلان الآراء! كلا، على كل واحد
389
337
في لقاء طلّاب الجامعات
أن ينظر (ويحلل ويقوم بواجبه). لقد ذكرت بأن المعيار هو أن يراعي التقوى، أي دون توجّه إلى هوى النفس، فإذا انتقدنا أو دعمنا أو رفضنا أحد ما أو حركة ما أو سياسة ما، فليكن في الواقع ناتجاً عن الشعور بالمسؤوليّة وأداء التكليف ودون تأثير الأغراض النفسانية، هذه نقطة أخرى أيضاً.
بصيرة الجامعي
أحد الأصدقاء قال بأن "النوم قد سُلب من عيون الطلّاب"، هذا أمر جيّد جداً.
في الواقع إذا شعر الطلّاب بهذا من جراء القلق والهواجس، بالتأكيد أتمنى أن تناموا بشكل كامل وفي الوقت المناسب! ولكن هذا التعبير "النوم سُلب من عيون الطلّاب" هو تعبير جيد! وإذا حصل هذا في الواقع فنحن سنكون راضين ومسرورين. فهذه الحالة من القلق والحساسية إزاء الأحداث المختلفة توجب على الإنسان أن ينظر إلى المسائل بعينٍ بصيرة.
الطالب الجامعيّ، وجدان واعي ويقظ
بالنسبة الى ما دوّنته هنا - لكي أطرحه - يشمل قسمين أو ثلاثة، أعرضها بشكل متناسب مع الوقت.
أوّلاً فلنعد طالبنا الجامعيّ كجزء من الجمع المعبّر عن الوجدان الواعي واليقظ للشعب والبلد، وهذه هي الحقيقة والواقع. إذا كان للطلّاب الجامعيّين في مجتمع ما توجّه معين وقاموا بحركة وطالبوا بمطالب معينة، فإن عملهم علامة على التوجه العام في المجتمع، والأمر هكذا في كل العالم.
إن الطالب الجامعيّ في الواقع هو من المجموعات التي تُظهر وتمثل الوجدان اليقظ للشعب واتجاهاته ومطالبه، لذلك يجب على الطالب الجامعيّ أن يتعامل بشكل واعٍ جداً وحساس، مع المسائل، عليه أن يدرك وضعه ووضع البنية المحيطة به ويتعرف على التهديدات والفرص والأعداء والعداوات. وبالتأكيد لا نتوقع أن يهمل الطالب درسه وأبحاثه وأعماله المتنوعة، ويتصدى فقط للعمل السياسي،
390
338
في لقاء طلّاب الجامعات
كلّا، فليس هذا ما نقصده، إننا نتوقع أن ينظر الطالب إلى المسائل بعين ثاقبة، ونظرة واضحة، وشعور بالمسؤوليّة والتكليف، وبحافز كافٍ، هذا توقعنا من الطالب الجامعيّ.
الكيان الصهيونيّ والطالب الجامعي
من المسائل التي نواجهها اليوم، مسائل تتعلق بمحيطنا الخارجي، مسائل المنطقة. المسائل الإقليمية ليست منفصلة عن مسائل البلد، هناك مسألة أساسية ومهمّة اليوم، هي مسألة فلسطين ومسألة غزّة. حسنٌ، أن مسائل غزّة والمصائب التي تنزل اليوم على أهالي غزّة - وما حدث له سوابق مشابهة أيضا - ينبغي النظر إليها من زاويتين:
الأولى: بأنّ هذه المسائل دليل على واقع النظام الصهيونيّ وحقيقته، هذا هو النظام الصهيونيّ، وأن هذا الأمر في رأيي: هو الأقل أهميّة في المسألة، فالنظام الصهيونيّ هو نظام قد قام، منذ ولادته غير الشرعية، على العنف الواضح وهم لا ينكرون هذا أيضاً، أسّسوا كيانهم وفق منهج "القبضة الحديدية"، وهم يعلنون هذا ويقولونه في كل عام، ويفتخرون به: إن سياستهم هي هذه.
الاستفتاء العام، إزالة إسرائيل
منذ العام 1948م وحين قام هذا النظام المزوّر بشكل رسمي وحتى اليوم، مضت 66 سنة وسياسة النظام الصهيونيّ هي هكذا. وبالطبع، قبل أن يُعلن هذا النظام رسمياً، وقبل أن يفرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، ارتكب الصهاينة في فلسطين جرائم ومجازر كثيرة، لكن هذه السنوات الـ66 وتحت اسم حكومة ونظام سياسي قد قاموا بكل ما استطاعوا من جرائم، بكل ما يخطر على الذهن من العنف والهمجية التي يمكن لنظام أن يقوم به ضد شعب ما، قاموا بكل هذا دون أي اكتراث، هذه هي حقيقة النظام الصهيونيّ، ولا علاج له ولا حلّ إلّا بزوال هذا النظام من الوجود.
391
339
في لقاء طلّاب الجامعات
إزالة النظام الصهيونيّ
وزوال النظام الصهيونيّ من الوجود، لا يعني بأي شكل من الأشكال قتل اليهود في المنطقة، بل يعني أن هذا المنطق الذي طرحه إمامنا العظيم "يجب أن تزول إسرائيل من الوجود" هو منطق إنساني، ولقد عرضنا للعالم آليات عملية لهذا، ولا أحد يقدر ان يرفض منطقياً هذه الآليات وهذا الحل، لقد اقترحنا أن يجرى بين الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة، وهم أهل هذه الأرض، استفتاءٌ عام واستطلاع لآرائهم، ويتم تحديد نوع النظام الحاكم على هذه المنطقة عبر الاستفتاء العام، فالناس هم الذين يحدّدون، هكذا يكون زوال النظام الصهيونيّ، ووسيلته هو هذا، (الاستفتاء) عملٌ يمكن إدراكه وفهمه وتقبّله بمنطق العالم اليوم وهو حل عملي. حتّى أننا أوضحنا وحددنا شكل هذا الاستفتاء وعلاقته بالأمم المتّحدة وبعض المراجع الدولية، وقد تم بحث هذا الأمر ومطالعته، أي: أنّه لا علاج لهذا النظام المتوحش وذي الطبيعة الذئبية، والذي تقوم سياسته على القبضة الحديدية وقسوة القلب، وعلى قتل الناس والأطفال والهجوم على المناطق، فلا يبالي بالتدمير والهمجية وكأنه لا يقوم بأي شيء، لا علاج له سوى الزوال والقضاء عليه، فإن جاء ذلك اليوم وزال من الوجود فما أحسن هذا، ولكن مادام هو موجوداً حالياً ولا يزال قائماً، فما هو العلاج والعمل؟ العلاج هو المقاومة الحازمة والمسلحة لهذا النظام، في المواجهة مع النظام الصهيونيّ، يجب أن تظهر يد القدرة من قبل الفلسطينيين. لا يظنّن أحد بأنّه إن لم تكن صواريخ غزّة، فإن النظام الصهيونيّ كان ليسالم ويتراجع، كلا.
يجب تسليح الضفة الغربيّة
انظروا الآن لتشاهدوا ماذا يفعل في الضفة الغربيّة! لا يوجد صواريخ في الضفة الغربيّة، لا يوجد سلاح، ولا حتّى بندقية، الوسيلة الوحيدة هناك والسلاح الموجود هو الحجر، لاحظوا ماذا يفعل هناك، يقوم بكل ما يقدر عليه وتصل اليه يداه، يدمر بيوت الناس ويخرب أراضيهم وحقولهم، ويقضي على حياتهم ويعمل يومياً
392
340
في لقاء طلّاب الجامعات
على إذلالهم وإهانتهم، يقطع عنهم الماء والكهرباء متى شاء، حتى شخصية مثل ياسر عرفات والذي تصالح معهم وقدّم لهم كل هذه التنازلات، لم يستطيعوا تحمله فحاصروه وأهانوه ثم دسّوا له السم وقتلوه. وليس الأمر بأننا إن لم نُظهر يد القدرة والقوة في وجه الصهاينة فإنهم سيرحمون الناس ويراعونهم ويؤدون حقوقهم، كلّا، إن العلاج الوحيد الموجود وإلى ما قبل الزوال النهائي لهذا النظام، هو عبارة عن قيام الفلسطينيين بمواجهته بكل ما يملكون من قوة، إذا واجهوا باقتدار وقوة فمن المحتمل أن يتراجع الطرف المقابل - وهو هذا النظام الذئبي المتوحش -، مثلما أنهم الآن يحاولون بشتى السبل الوصول إلى وقف إطلاق النار، أي إنهم لا حول لهم ولا قوة. إنهم يقتلون الناس، يقتلون الأطفال، يمارسون الهمجية والقسوة الخارجة عن أي حد وتصور للعقل البشري، ولكنهم في الوقت نفسه عاجزون، لقد سقطوا في ورطة كبيرة وموقف حرج، لذلك فإنهم يسعون لوقف إطلاق النار. ولهذا فإنني، العبد لله، أعتقد بهذا، اعتقادنا بأن الضفة الغربيّة يجب أن تُسلّح مثل غزّة، أيضاً. يدُ القدرة مطلوبة. كل الذين يهتمون بمصير فلسطين ومستقبلها، إذا كانوا يستطيعون القيام بعمل ما، فإن العمل المطلوب هو هذا، يجب أن يتم تسليح الأهالي في الضفة الغربيّة أيضاً. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يخفف من معاناة الفلسطينيين ومحنتهم هو امتلاكهم للقوة ويد القدرة، وأن يتمكنوا من استعراض قدرتهم، وإلّا فإنه لن يحصل أي أمر أو عمل، ينفع الفلسطينيين. وإن التعامل الهادئ والمروّض والمطيع والمتنازل المستسلم لن يخفف شيئاً من عنف ووحشية هذا الكائن الهمجي والخبيث وذي الطبيعة الذئبية.
يوم القدس، كونوا للمظلوم عوناً..
بالطبع، على شعوب العالم أن تقدم الدعم السياسي أيضاً، ولا شك في ذلك أبداً، كما أنكم اليوم تشاهدون خروج التحركات الشعبية في البلدان الإسلاميّة، وحتى في البلدان غير الإسلاميّة، وسيرى العالم، إن شاء لله، في يوم القدس العالمي
393
341
في لقاء طلّاب الجامعات
صرخة الغضب المدوية للشعب الإيراني، وسيظهر الشعب الإيراني، إن شاء الله، في يوم القدس حجم الدوافع والحماس التي لديه إزاء فلسطين. أرادت مجموعة من خلال شعار "لا غزّة لا لبنان" أن تظهر خلاف ذلك، كلا، فالشعب الايراني مؤمن بالدفاع عن المظلوم، "كونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً"1 هذا مطلب الشعب الإيراني الذي سيظهره للعالم. هذه نظرة لقضية غزّة ورؤية لها. إلا أن عالم الاستكبار اليوم. وعلى رأسه أميركا يدافع عن ارتكاب هذه الفاجعة، وهذه الجريمة، وهذا العنف الخارج عن حدود الوصف، ويُقدّم الدعم والحماية لها. في نظري، هذه رؤية أكثر عمقاً للقضية، هذا المهم، واليوم ينبغي الاستناد اليها.
مظلومية غزّة، قمة التوحش الغربي
وقفت قوى التسلط والهيّمنة الغربيّة - أي بضع دول غربية كبرى وغنية وقوية وعلى رأسها أميركا، ومن خلفها بريطانيا الخبيثة - وقفت بقوة من أجل الدفاع عن هذا النظام الغاصب والظالم وعديم الرحمة، هذه مسألة على قدر كبير من الأهميّة. فقد أعلنوا دعمهم بكل صراحة. هؤلاء عن ماذا يدافعون؟ عن تلك الفجائع والجرائم التي لا يمكن لأي إنسان منصفٍ ولأي إنسان عادي أن يقبل بعدم الاكتراث أمامها. يهاجمون منطقة صغيرة الحجم، جيبًا صغيرًا، اسمه غزّة، بهذا الشكل، بالطائرات والصواريخ وبالقوات البرية والدبابات، ويصبون على رؤوس الناس هناك حمم النيران بشتى أصنافها وأقسامها، إنه لأمر باعث على الدهشة واقعاً. أن تقتل كل هؤلاء الأطفال، وتدمّر كل هذه البيوت، وأن تقاسي الناس في بيوتها المرارة والألم المصاحب للتعذيب والمحن، ومع ذلك فهؤلاء الزعماء يدافعون عنها، ويقدمون لها الدعم. وبأي منطق؟ بمنطق يبعث على السخرية: أن يقول رئيس جمهوريّة أميركا إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن أمنها! حسن، أليس للفلسطينيين الحق في الدفاع عن أمنهم؟ هل هذا منطق مقبول، إن تهدد حكومة
1 نهج البلاغة، الرسالة 47.
394
342
في لقاء طلّاب الجامعات
بهذا الشكل - من أجل ما تسميه أمنها - حياة شعب وتضرب عليه حصاراً ظالماً ولا يقوم بردة فعل؟ هل من إنسان يقبل بذلك؟ كيف سيحكم التاريخ على هذا المنطق؟ إن رؤساء ومسؤولي هذه البلدان المستكبرة، لا يفهمون أنهم يريقون ماء وجوههم ووجوه بلدانهم وأنظمتهم أمام التاريخ!
النظام الليبرالي الغربي، انعدام القيم الأخلاقية
يقفون بكل وقاحة ويقولون: إننا ندافع عن إسرائيل! ولا يظهرون أي إشارة عمّا يحصل في المنطقة وأي جرائم ترتكب بواسطة هذا الكيان المخرب والخطير. هذا مؤشر على ان منطق الليبرالية الديمقراطية اليوم - هذا المنطق والنظام الفكري الذي يوجّه البلدان الغربيّة وتُدار اليوم على أساسه - لا يتمتع بأدنى مستوى من القيم الأخلاقية. لا يوجد فيه أية قيمة أخلاقية، إنه معدوم الحسّ الإنساني هم يفضحون أنفسهم في الواقع، إنهم يفضحون أنفسهم في قبال النظرة الحاكمة لشعوب العالم اليوم وأمام التاريخ غداً. ينبغي أن نحتفظ بهذا كتجربة مهمّة لنا وأن نعرف أميركا. هذه هي أميركا، والنظام الليبرالي الديمقراطي هو هذا. فهذا سيترك أثراً، بل ينبغي أن يترك أثراً في أعمالنا وفي أحكامنا وفي تعاملنا. فتلك الجبهة التي تقف اليوم في قبال نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وفي القضايا المختلفة هي في مواجهة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، أي: حكومة الولايات المتّحدة الأميركيّة وأذنابها، هؤلاء هم، وهذه هي حقيقتهم وواقعيتهم! لا يبدون أي تأثر أو أي شعور إزاء قتل الناس والأبرياء البتة، ويدعمون الظالم والمرتكب للمجازر المهولة والفجائع الكبرى ويدافعون عنه، كما يحصل على اليوم في غزّة. ينبغي أن يشكل هذا الأمر معياراً وميزاناً بالنسبة إلينا، بمعنى أنه ينبغي أن لا ينسى شعب إيران، ونظامنا الفكري، وطلّابنا الجامعيّون، ومفكرونا هذا الأمر. هذه هي أميركا اليوم. إن نظام الهيّمنة الغربي وأساسه الفكري الذي هو الليبرالية الديمقراطية هو هذا، وهو اليوم في مواجهة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة.
395
343
في لقاء طلّاب الجامعات
رصيد الغرب: المال والقوة وحسب
إن أكثر الناقضين لحقوق الإنسان من ساسة العالم اليوم، هم أولئك الذي يحكمون بضعة بلدان، فهؤلاء لا يؤمنون البتة بالإنسان ولا بحقوق الإنسان والإنسانية، وأن سلوكهم في غزّة وأمثال هذه الحوادث التي تقع في غزّة يثبت ذلك. هؤلاء لا يؤمنون أبداً بحقوق الإنسان، ولا بحرمة الإنسان ولا بكرامة الإنسان، لا يؤمنون بشيء. وأن الشيء الوحيد الذي يقبلونه ويقيمون له وزنا هو المال والقوة، وليس لديهم أي منطق آخر، وكل ما يتشدقون به فيما يتعلق بالحرية وحقوق الإنسان وأمثال ذلك إنما هو - في نظري - استهزاء بالحرية وبحقوق الانسان.
حسن، أمّا ونحن نقول هذا الكلام لا من بابِ النصيحة للأميركيين والرئيس الأميركي وللمسؤولين فيها، فهذا معلومٌ، إنما نقوله لأنفسنا حتى نفهم في تحليلاتنا وفي أحكامنا، وفي واجباتنا وتكليفنا من الذي نقف في مقابله، ومن هم هؤلاء الذين هم في مواجهتنا، ما هي منتهى أفكارهم، ينبغي أن نحدد واجبنا ووظيفتنا. إن ما هو مهم هو أن يكون لدينا تحليل وإدراك صحيح لسلوك الغرب اليوم. وإن معارضتهم للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وللثورة الإسلاميّة، والحركة الإسلاميّة، والصحوة الإسلاميّة، هو إحدى سياساتهم الكلية، وان السياسة العامة لنظام إلهيّمنة هي استعباد الشعوب والاستحواذ على مصائرها، ومن دون ان يكون لهم أدنى اهتمام بمصالح الشعوب ومطالب أفراد الشعب، هذه هي السياسة العامة والعريضة للاستكبار التي ينبغي الالتفات إليها، وإن الشعارات المعادية لأميركا، والمعادية للغرب والاستكبار والتي تطلق في بلادنا - ناظرة إلى هذه الحقيقة. لكن بعضهم بمجرد أن يسمع بشعار ضد الغرب أو ضد الأميركي يتصور مباشرة ان ذلك ناتج عن تعصب أو أنه لا خلفية منطقية وفكرية له! كلا، إن الرؤية المعادية للغرب ولأميركا في الثورة الإسلاميّة تستند إلى تجربة صحيحة، وإلى رؤية عقلانية صحيحة، وإلى حسابات صحيحة، وقلت في ذلك اليوم عندما التقيت بمجموعة مسؤولي النظام
396
344
في لقاء طلّاب الجامعات
والمسؤولين التنفيذيين1: إن الهدف الأساس للعدو هو إيجاد الاختلال في نظام المحاسبة لدينا. فعندما يختل نظام المحاسبة فسيعطي نتائج خاطئة، حتى لو كانت المعطيات (المدخلات) صحيحة، بمعنى ان التجارب، أيضاً، لن تكون مفيدة له هي الأخرى، عندما لا تعمل أجهزة المحاسبة بشكل صحيح، لا يُنْجَزْ العمل بشكل صحيح ولا تجري المحاسبة الصحيحة، فالتجارب لن تكون مثمرة ومفيدة، أيضاً.
حسنٌ، انظروا كيف كان تعامل الغرب ومسؤولي الحضارة الحالية في الغرب مع بلادنا خلال القرن الأخير، خلال الثمانين والتسعين سنة الأخيرة. لدينا كل هذه التجارب التي كنا نتلقى فيها الضربات من الغرب.
المفكرون المتغربون، أذلاء
لكن هناك مجموعة في بلادنا - المفكرون المتغربون المغربون المتيمون بالغرب - تَمْثُلُ هذه التجارب أمام أعينهم، إلا أنهم لا يتعلمون منها. حسنّ، هؤلاء رأوا أن الغربيين أتوا برضا خان وسلّطوه على هذه البلاد وأقيم بواسطة الانكليز نظامٌ ديكتاتوري "رضاخاني" غريب الأطوار، حيث جاؤوا ونصبوا على هذه البلاد شخصاً فظاً غليظاً فاقداً للمنطق وبعيداً عن أصول البلاد وأعرافها: ثم بعد ذلك أي في (أربعينيّات القرن الميلادي الماضي) جاءت هذه القوى نفسها واحتلت إيران، وفي واقع الأمر قسّموا المصالح فيما بينهم، فهؤلاء جاؤوا وأحكموا قبضتهم على النفط وفرضوا على البلاد معاهدات واتفاقيات ظالمة، وهم أنفسهم نظموا انقلاب الثامن والعشرين من خرداد2 وأسقطوا حكومة شعبية، مع كل ما في هذه الحكومة من عيوب، فهي في نهاية الأمر حكومة جاءت بآراء الناس. وهؤلاء أنفسهم حرفوا نهضة تأميم النفط عن مسارها، وقبضوا مرة أخرى على موارد البلاد الطبيعية والمادية، وهم أنفسهم ثبتوا خلال فترة طويلة ديكتاتورية محمد رضا على هذه البلاد ودعموه
1 لقاؤه في مسؤولي النظام، في اليوم التاسع من شهر رمضان المبارك 1435هـ.ق.(7/ 7 /2014م).
2 إسقاط حكومة مصدق.
397
345
في لقاء طلّاب الجامعات
بكل وجودهم، فخلال حكومة محمد رضا التي امتدت إحدى وثلاثين عاماً، بيعت ثروات البلاد المادية والمعنوية بأبخس الأثمان وأوصلوا الشعب الى بئس المصير، فأغرقوه في الفقر والجهل، وأطلقوا الفساد ليستشري في مختلف أر كان البلاد، في الواقع قضوا على ثقافة البلاد، وعلى دين الناس، وعلى كل شيء، وكان ذلك بدعم وحماية هذه الدول الغربيّة نفسها، ففي المواجهة مع ثورة الشعب الإيراني والحركة العظيمة للشعب الإيراني، وضعوا الموانع وعرقلوا كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، دعموا صدام ودافعوا عنه - مع أنهم أنفسهم لم يكونوا راضين عنه، لكن لأنه كان في مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة فقد دعموه بكل ما استطاعوا - هؤلاء الغربيون، الانكليز، أميركا، فرنسا: قد زودوه بالسلاح الكيميائي ووضعوا تحت تصرفه مختلف الإمكانات العسكريّة، حسن، هذه تجاربنا. أما أولئك المثقّفون المتغربون1، فلأن نظام حساباتهم قد تعطل، فهم لا يستفيدون من هذه التجارب ولا ينتفعون، ولا يستخلصون النتائج الصحيحة.
الثورة الاسلامية، العقلانية الصحيحة
إن إحدى أهم خدمات الثورة الإسلاميّة، هي إحياء العقلانية الصحيحة في البلاد. فأن تأتوا أنتم الشباب الجامعيّ فتحلّلوا قضايا المنطقة وتنظروا بعين فاحصة مدققة إلى المسائل، وتشخصوا العدو، وتحلّلوا حوادث المنطقة وتتحلّوا بالثبات والصمود، فهذا مؤشر على الحياة العقلانية لبلد من البلدان، وهذا ما منحتنا إياه الثورة.
يريد بعضهم اليوم العودة مرة أخرى إلى ذلك الوضع السابق. تريد هذه الحركات المتغربة نفسها - حركات مغرمة بالغرب تذل الشعب وتحقّر انجازاته وما لديه، وتهين ثقافته وهويته الوطنية خدمة لمصالح الغربيين - أن يعود أولئك مرة ثانية ويأتوا ليضعوا معايير لأمور البلاد وثقافتها ووجهتها. هذه الجماعة التي
1 بمعنى: المصابون بلوثة التغرب.
398
346
في لقاء طلّاب الجامعات
تعمل اليوم ضد الجمهوريّة الإسلاميّة من خارج البلاد، وتحت راية أعداء الشعب الإيراني اللدودين هم أولئك الذين يريدون في الحقيقة أن يعود ذلك الإهمال والغفلة - في نظام المحاسبات - ويسود ذلك الإغواء الشيطاني فيما يتعلق بعقلانية البلاد الذي كان موجوداّ في هذا البلد في مرحلة ما، أن يعود مجدداً ويسود. يجب الوقوف بوجههم. فالحركة اليوم في البلاد حركة صحيحة وعقلانية. أن ما أريد قوله بالنسبة إلى طلّاب الجامعات، أوصيهم ان يقوّوا ويعززوا قراءاتهم ومعارفهم الدينية ومطالعاتهم السياسية إلى جانب أعمالهم العلميّة. اسعوا إلى تعزيز القدرة على التحليل في أنفسكم. بالطبع، وأنا أنظر اليوم إلى كلمات1 الطلّاب فإني أشاهد نقاطاً بارزة وجيدة، وهذا في الواقع محل إعجاب وشكر وتقدير، لكن ضاعفوا من أعمالكم في هذا المجال ما استطعتم.
الطلّاب، خدمات البحث والتحليل
لم نصل اليوم في كلامنا إلى مسائل البلاد المختلفة - هذا الأمر نبقيه ونؤجله إلى لقاءات أخرى مع الطلّاب الجامعيّين أو (بقية) المجموعات وان شاء الله لأعرض مجموعة مسائل - (لكن) ينبغي على الطالب الجامعيّ أن يقدم للشعب التحليل والبحث في قضايا البلاد المختلفة، القضايا الاجتماعية، القضايا الاقتصادية والسياسية، بمعنى أنه ينبغي أن تستفيد الناس والشعب من أبحاث الطلّاب، ولتكن قدرة الطالب على البحث والتحليل على هذا النحو. وهذا الأمر يعتمد على المطالعة، ينبغي على الطلّاب أن يطالعوا. فلا تكونن نظرة الطالب صرف نظرة عاطفية وانفعالية، ولا يُقتصر في معطياتكم الذهنية على الجرائد، تعمقوا وغوصوا في المسائل، طالعوا ابحثوا. أن الكثير من كلمات الطلّاب التي القيت اليوم كلمات ينبغي أن يحدد وضعها في الجلسات الطلّابية وفي أبحاث الطلّاب ونقاشاتهم الحرة، وقد ذكرت سابقا، وما طرحناه (بعنوان) "منبر الفكر الحر" الذي يستلزم
1 الكلمات التي ألقاها عدد من الطلاب عند بداية اللقاء.
399
347
في لقاء طلّاب الجامعات
وجود أبحاث حرة للطلّاب في البيئة الجامعيّة، وأن الكثير من القضايا التي طرحها الاخوة هنا يمكن أن يحدد وضعها وموقعها وأن توضّح وأن يحدد في أبحاث الطلّاب النقاط السلبية والإيجابية لكل مسألة.
المنافسة في البحث والخطاب
النقطة التالية التي أطرحها، هي أن "التنافس في تقديم الخطاب" أمر جيد في الوسط الطالبي الجامعيّ بشرط تحمل الرأي المخالف. فلا ينبغي أن يُعْجَب1 من وجود الطرف المخالف، ولا ينبغي (له) أن يغضب ولا أن يخاف، فمن غير المقبول وجود أي واحدة من هذه الحالات الثلاث قبال الرأي المخالف، فإذا ما أثار وجود المخالف العجبَ في الانسان فمعنى ذلك هو أنه راض كثيرا عن نفسه فيعجب لوجود شخص مخالف له. ليس عجيبا! حسنٌ، لكل إنسان ولكل فكر ولكل جهة، وحركة، واتجاه مخالفون، وليس لنا أن نقول إن هؤلاء المخالفين على خطأ، كلا، فهناك نقاط ضعف تستدعي أن يخالفها أخرون. لذلك ينبغي أن لا يثير وجود المخالف تعجبنا، كما انه ينبغي ان لا يثير غضبنا وحفيظتنا إن هؤلاء مخالفون لنا، كلا، فالمخالف قابل للفهم والقبول. وكذلك لا ينبغي التوجّس والخوف، فالتوجس من وجود المخالف يشير إلى أن الإنسان غير مهتم بتبيين موقفه وغير واثق منه، كلا، لدينا منطق، نحكم جيدا أر كان هذا المنطق، وندخل ميدان التنافس في تقديم الخطاب ونبحث، ينبغي أن تكون روحية الطالب على هذا النحو. لذلك فإن البيئة الطلّابية ستكمل عملها بحمد الله بهذا النشاط نفسه الذي تمتاز به اليوم. فليتحمل الواحد منا الآخر، ولنتبادل الحديث والنقاش ولنقوّ الأسس والمباني، فليكن أساس العمل التقوى سواء في المجال العملي أو الميدان الفكري ولتُعرف المعايير والحدود للفكر الإسلاميّ وليُعرف العدو وأساليب عداوته.
1 بمعنى الاستغراب والدهشة.
400
348
في لقاء طلّاب الجامعات
نسال الله تعالى أن يوفقكم جميعًا، وأن يحفظ وجودكم - أيها الشباب -، ويديمكم لتقدم أهداف الثورة، وأن يضاعف يومًا بعد يوم نجاحكم، وإن شاء الله، أن تصنعوا - أيها الشباب - إن شاء الله مستقبلًا جيدًا لثورتكم ولبلدكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
401
349
في صلاة عيد الفطر السعيد
خطاب الإمام الخامنئي دام ظله
في صلاة عيد الفطر السعيد
المناسبـــة: خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد
الحضور: حشد من المسؤولين وعامة الشعب
المكان: طهران
الزمان:
07/05/1393 هـ.ش.
01/10/1435 هـ.ق.
29/07/2014 م.
403
350
في صلاة عيد الفطر السعيد
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين. أحمد الله وأستعينه وأستغفره وأتوكّل عليه.
نبشّر الإخوة والأخوات الأعزّاء في هذا اليوم الشريف المبارك بالرحمة والمغفرة الإلهيّة، ونبارك لهم يوم العيد. أنزل الله بركاته عليكم، وتقبّل أعمالكم الحسنة ومجاهداتكم العباديّة في أيّام شهر رمضان المبارك الحارّة ولياليه المفعمة بالبركات.
صرخة الشعب الإيراني
لقد انتهل شعب إيران، والحمد لله، من فيض شهر رمضان المبارك، ومجالس تلاوة القرآن الكريم، ومجالس الدعاء وذكر الله، ومجالس الإطعام، ومجالس ليالي القدر الفيّاضة والتوسّل والتضرّع التي كانت حافلة وقد عمّت البلد الإسلاميّ، ولله الحمد، هذا التوسّل والتضرّع والتوجّه إلى الله يوفّر الأرضيّة لنزول الرحمات والفيوض الإلهيّة. ومع نهاية شهر رمضان المبارك كانت لشعب إيران حركة عظيمة في يوم القدس العالمي، والتي أظهرت غضب هذا الشعب الحيّ الواعي وصرخته المدوّية بصوت عال وأوصلتها لأسماع سكان العالم. كانت هذه أحداث هذا الشهر الكبير والذي خرج منه شعب إيران، ولله الحمد، مرفوع الرأس، ووصل إلى يوم العيد.
405
351
في صلاة عيد الفطر السعيد
أعمالنا قطعة من الجنّة
أيّها الإخوة الأعزّاء، أيّها الأخوات العزيزات، إنّ كلّ واحد من الأعمال التي أدّيتموها في شهر رمضان كان عملًا صالحًا، وقطعة من الجنّة. حين تطلبون من الله تعالى في أدعية شهر رمضان المبارك أن يجعلكم من الفائزين بالجنّة، فمعنى ذلك أن تكون من نصيبكم، هذه الأعمال التي تتجسّم في الآخرة على شكل الجنّة الإلهيّة الموعودة1 وقد كانت من نصيبكم والحمد لله. اعرفوا قدر ما تعلّمتموه في شهر رمضان واحفظوه وادّخروه لأنفسكم.
موائد الإفطار
من جملة ما يشاهده المرء في شهر رمضان هذه السنة - وبين هذه الأعمال الفرديّة والعامة والشعبيّة والاجتماعيّة - رواج إطعام الطعام على موائد الإفطار العامة التي يقدّمها الناس بعضهم لبعض، وهو أمر شائع ومنتشر، والحمد لله. في السنة الماضيّة طُلبَ من شعبنا العزيز تقليل التحضيرات والتكلّف الزائد في طعام الإفطار، وكذلك زيادة عدد الضيوف على موائد الإفطار، وفي هذه السنة وصلتنا أخبار من المراكز العامّة ومن الأماكن المقدّسة، وممّا يحدث في الشوارع والحسينيّات وفي كلّ مكان من البلاد تدلّ على أنّ الناس عقدوا الهمم، ووسّعوا هذا العمل وقووه. وصيّتي هي أن تنمّوا وتنشروا أكثر فأكثر مثل هذه الأمور المؤثّرة في تكوين أسلوب الحياة الإسلاميّة.
مظاهرات يوم القدس
و قد كان يوم القدس - ونقولها للحق والإنصاف - يومًا عظيمًا. في ذلك الجوّ الحار، خرجت جماهير شعبنا - وهي صائمة - رجالًا ونساء، وخصوصًا النساء والسيدات بحجابهنّ وتحت عباءاتهن، والأطفال في أحضانهنّ، خرجن إلى المظاهرات. عندما يريد شعبٌ إثبات أنّه شعب حي، وعندما يريد استعراض جهوده
1 ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج 1، ص 25، "اَللهمَّ... هذا شَهرُ العِتقِ مِنَ النّارِ والفَوزِ بِالجَنَّة".
406
352
في صلاة عيد الفطر السعيد
وهمّته العامة - والتي لا تختصّ بجماعة أو فئة معيّنة بل هي همّة عموم الشعب - فإنّه يبرزها في مثل هذه المواطن، وقد أظهرها شعبنا العزيز فعلًا. أنزل الله بركاته عليكم أيّها الشعب العزيز، وزاد يومًا بعد يوم من عزّتكم وتقدّمكم ورفع سمعتكم، ومنَّ على مسؤولي البلاد بتوفيق الخدمة المتزايدة.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾1
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 سورة التوحيد، الآيات 1 - 4.
407
353
في صلاة عيد الفطر السعيد
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للهربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقيّة اللهفي الأرضين، وصلّ على عليّ أمير المؤمنين، وعلى الصدّيقة الطّاهرة سيّدة نساء العالمين، وعلى الحسن والحسين سبطي الرّحمة وإمامي الهدى، وعلى علي بن الحسين، وعلى محمّد بن عليّ، وعلى جعفر بن محمّد، وعلى موسى بن جعفر، وعلى علي بن موسى الرّضا، وعلى محمّد بن عليّ، وعلى علي بن محمّد، وعلى الحسن بن عليّ، وعلى الحجّة القائم.
الوصيّة الأساس، العمل بتقوى الله
أوصي الإخوة والأخوات المصلّين الأعزّاء - ونفسي - وكلّ شعب إيران بالعمل بتقوى الله. هذه التقوى مصدر خير في كلّ المجالات، بما في ذلك مجالات التقييم وإصدار الأحكام والآراء، والعمل في الشؤون الاجتماعيّة والدوليّة المهمّة والقضايا التي تخصّ العالم الإسلاميّ والشؤون الإنسانيّة.
غزّة، مظلوميّة أطفال وأمّهات
القضيّة الأولى في العالم الإسلاميّ اليوم هي قضيّة غزّة. ولربّما أتيح القول إنّ قضيّة غزّة هي القضيّة الأولى في عالم الإنسانيّة. كلب مسعور وذئب مفترس يهاجم أناسًا مظلومين. هل هناك أشخاص أكثر مظلوميّة من الأطفال الأبرياء الذين فقدوا أرواحهم مظلومين في هذه الهجمات؟ من هو أكثر مظلوميّة من الأمّهات
408
354
في صلاة عيد الفطر السعيد
اللواتي ضممن أطفالهن إلى أحضانهن وشاهدن بأعينهن موتهم وتمزيقهم؟ قام الكيان الصهيونيّ الغاصب الكافر بمثل هذه الجريمة اليوم أمام أنظار الإنسانيّة والعالم، وعلى البشريّة والناس أن لا تبقى ساكتة.
معاقبة المجرم وأعوانه
هناك ثلاث نقاط جديرة بالذكر في خصوص قضيّة غزّة: النقطة الأولى هي أنّ ما يقوم به ساسة الكيان الصهيونيّ في الوقت الحاضر هو مذابح عامة وفاجعة تاريخيّة هائلة، فلا بدّ من إدانة ومعاقبة المجرم، وإدانة من يدعمه على مستوى عالمي. وإنّ معاقبة هؤلاء شيء يوجب على المتحدّثين باسم الشعوب والمصلحين والمخلصين في العالم أن يطالبوا به. فلا يجب أن يخضع لمرور الوقت (لا ينتهي مع مرور الوقت). بل يجب أن يعاقبوا سواء كانوا على رأس السلطة أو إذا سقطوا وأزيحوا عن السلطة. والأمر يتعلق بمرتكبي هذه الجرائم وكذلك بالذين يدعمونهم علنًا، وهذا ما تسمعونه وترونه في الأخبار. هذه هي النقطة الأولى.
شعب صامد قبال عدوّ قذر
النقطة الثانية هي أن نشاهد قدرة الصبر والمقاومة لدى شعب يصمد على كلمته الحقة، فشعب محاصر من كلّ الجهات في منطقة صغيرة ومحدودة: البحر مغلق أمامهم، والبرّ مقفل في وجههم، والحدود مغلقة تمامًا. لا أمل لهم بتوفّر إمكانات (أساسيّات) الحياة وبقائها: مياه الشرب والكهرباء وإمكانيّات الحياة كلّها، وهذا بسبب عدوان العدو وهجماته، ولا معين لهم. يقف هذا الشعب مقابل عدو مسلّح خبيث عديم الرحمة، مثل الكيان الصهيونيّ ومسؤوليه وقادته - القذرين الخبثاء الأنجاس - الذين يضربون ويقصفون ليل نهار من دون إقامة اعتبار لأيّ شيء. لكن هؤلاء الناس صامدون مقاومون، وهنا يكمن الدرس والعبرة، هذا يدلّ على أنّ قدرة مقاومة الإنسان، وقدرة صمود الأمّ التي ترى ابنها قتيلًا أمامها، أو المرأة التي ترى زوجها أو أخاها أو أباها يتعذّب أمامها، أكثر بكثير ممّا نتصوّره في أذهاننا. فلنعرف
409
355
في صلاة عيد الفطر السعيد
قدرة أنفسنا. فالبشر أقوياء إلى هذه الدرجة فهم يستطيعون الصبر والصمود بهذا الشكل. مجموعة من الناس - نحو مليون وثمانمائة ألف إنسان - محاصرون محصورون في أربعمائة أو خمسمائة كيلو متر مربع من الأرض، بساتينهم تقصف، دكاكينهم وبيوتهم، طرق التجارة تغلق في وجوههم، طرق المعاملة والتواصل تغلق أمامهم، يتعرّضون لكلّ هذه الهجمات، ومع ذلك يصمدون ويصبرون. هذا مؤشّر على مستوى قدرة مقاومة شعب من الشعوب.
النصر آت
وأقولها لكم: إنّه في نهاية المطاف وبتوفيق الله وإذنه، سوف ينتصر هؤلاء على العدو. بل إنّ العدو المعتدي بدا من الآن نادمًا بكلّ حقارة على ما فعله، فقد تورّط ولا يدري ما الذي يفعله، فإذا عاد وتراجع أريق ماء وجهه، وإذا واصل واستمرّ تعقّد عليه الأمر، وازداد صعوبة يومًا بعد يوم. لذلك ترون أنّ أميركا وأوروبا وكلّ مجرمي العالم تعاضدوا ليفرضوا وقف إطلاق النار على شعب غزّة من أجل إنقاذ الكيان الصهيونيّ الذي تورّط واستعصى عليه الأمر إلى هذا الحين، وسيكون هذا هو حاله بعد الآن أيضًا. هذا عن النقطة الثانية.
يجب تسليح ودعم شعب فلسطين
أمّا النقطة الثالثة هي أنّ زعماء الاستكبار السياسيّين يقولون: يجب أن ننزع سلاح حماس والجهاد الإسلاميّ. ما معنى أن ننزع السلاح؟ معناه أنّ لدى هؤلاء عددًا من الصواريخ يمكنهم الدفاع بها عن أنفسهم بأدنى الحدود مقابل الهجمات الشرسة للعدو، ولكن يجب أن نسلبهم حتى هذا المقدار. بل يجب أن تكون فلسطين - بما في ذلك غزّة - (مشرّعة الأبواب) بحيث يستطيع العدو الصهيونيّ أن يهاجمها ويشعل فيها النيران متى ما أراد ذلك، من دون أن يستطيع الفلسطينيون الدفاع عن أنفسهم. هذا ما يريدونه. أصدر رئيس جمهوريّة أميركا فتوى بأنّه يجب نزع سلاح المقاومة! نعم، واضح أنّكم تريدون نزع سلاح المقاومة حتى لا تستطيع توجيه حتى
410
356
في صلاة عيد الفطر السعيد
هذا المقدار من الضربات في مقابل كلّ تلك الجرائم. ونحن نقول: على العكس، إنّ من واجب كلّ العالم، وخصوصًا العالم الإسلاميّ، المساعدة بكلّ ما يستطيعون لتجهيز شعب فلسطين.
اللهمّ انصر الإسلام والمسلمين، وانصر جيوش المسلمين، واخذل الكفّار والمعاندين والمنافقين، واستغفر الله لي ولكم.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
411
357
في لقاء مسؤولي الدولة وسفراء البلدان الإسلاميّة
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مسؤولي الدولة وسفراء البلدان الإسلاميّة
المناسبـــة: عيد الفطر السعيد
الحضور: مسؤولو الدولة وسفراء البلدان الإسلاميّة
المكان: طهران
الزمان:
07/05/1393 هـ.ش.
01/10/1435 هـ.ق.
29/07/2014 م.
413
358
في لقاء مسؤولي الدولة وسفراء البلدان الإسلاميّة
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
أبارك لكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء الحاضرون في هذا الاجتماع المفعم بالودّ والمحبّة، ونبارك لضيوفنا وسفراء البلدان الإسلاميّة الحاضرين هنا، فعسى أن يكون العيد مباركًا عليكم، إن شاء الله. كما أبارك العيد للشعب الإيراني الكبير، ولكلّ المسلمين في العالم وللشعوب المؤمنة الحرّة فيه.
عيد الأمّة الواحدة
من أهمّ خصوصيّات عيد الفطر كما يستشفّ من مجموع الآثار والروايات الصادرة عن عظماء الدين أنّه عيد الأمّة الواحدة: "اَلَّذي جَعَلتَهُ لِلمُسلِمينَ عيداً"1. إنّه عيد كلّ المسلمين. ومعنى ذلك أنّ نظرة الدين الإسلاميّ المقدّس وتعاليم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هي نظرة صناعة أمّة وبنائها. عندما يتأمّل الإنسان في الكثير من التعاليم الإسلاميّة، يرى دلائل ومؤشّرات السعي لصناعة الأمّة الواحدة. الأمّة الإسلاميّة اليوم متفرّقة، لا بمعنى تفرّق وتعدّد النحل والمذاهب المسلمة ووجود معتقدات مختلفة - فهذه حالة طبيعيّة ولا تتنافى مع تشكيل الأمّة الواحدة - إذ يمكن أن تكون هناك آراء ورؤى متنوّعة في المسائل الأصوليّة والفرعيّة من دون مساس بالأمّة الواحدة.
1 الشيخ الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 513، باب صلاة العيدين، جزء من دعاء القنوت في صلاة عيد الفطر.
415
359
في لقاء مسؤولي الدولة وسفراء البلدان الإسلاميّة
ما يفصل في الوقت الحاضر بعض المسلمين عن بعضهم الآخر هو السياسات والدوافع السياسيّة ودوافع طلب السلطة، وبوسع البلدان الإسلاميّة تجاوز هذه الدوافع. وهذا الأمر يقع على عاتق النخب السياسيّة وأصحاب السلطة والقوّة ومن يتوّلون المناصب الحكوميّة في البلدان الإسلاميّة. إذا تحقّق هذا فسوف تتحقّق القوّة والاقتدار بالمعنى الحقيقي للكلمة تَفُوق كلّ القوى العدوانيّة والمستكبرة. وإذا تحقّق هذا فلن يستطيع أحد فرض منطق القوّة على بلد إسلاميّ، ولن تستطيع أيّة قوّة ابتزاز البلدان الإسلاميّة والحكومات المسلمة. إذا تكاتفنا سويّة وركّزنا على مواطن الاشتراك، وإذا لم تفرّق بيننا حالات التعطّش للسلطة والأنانيّات والتبعيّات والفساد، فسوف تتكوّن قوّة تستطيع الدفاع عن حقوق واحتياجات كلّ واحد من أبناء المسلمين، الذين يصل عددهم إلى مليار ونصف المليار نسمة. والحال في الوقت الراهن ليس كذلك للأسف.
القضيّة الأولى، قضيّة غزّة
ما يتراءى أمام أعيننا في الوقت الحاضر هو شؤون غزّة وفلسطين. لماذا يعطي المعتدون الصهاينة الحق لأنفسهم - ولمجرّد أنّهم يمتلكون الأسلحة المدمّرة والطائرات والصواريخ والقنابل والنيران والبارود - بالاعتداء بهذه الطريقة على بلد إسلاميّ والتطاول عليه بشكل يلوّع قلب كلّ من يرى ذلك في العالم؟ لقد شاهدتم المظاهرات في البلدان الغربيّة. وهذا طبعًا، بالمقدار الذي تسمح به الرقابة الخفيّة التي تمارس على وسائل الإعلام العامّة، وبمقدار ما تسمح للناس بالاطّلاع عليه. لا تسمح الرقابة الخفيّة للناس بالاطّلاع على الحقائق وفهمها. الحقيقة أمرّ وأفجع بكثير ممّا ترويه وسائل الإعلام الغربيّة عن أحداث غزّة. ومع ذلك، لاحظوا كيف هزّ حتى هذا القدر مشاعر وقلوب الناس في بلدان لا تعرف عن الإسلام شيئًا. الأحداث مريرة ومفجعة وملوّعة إلى هذا الحد.
أمّا العالم الإسلاميّ، فليس لديه اليوم القدرة على القيام بردّة الفعل إزاء هذا
416
360
في لقاء مسؤولي الدولة وسفراء البلدان الإسلاميّة
العدوان وهذا التطاول، وهذه الغطرسة، وهذا السفك للدماء الذي يرتكبه الصهاينة، والعمل على إيقافه! لذلك بقي أهالي غزّة لوحدهم. بينما القوى المستكبرة الراضية بوجود الصهيونيّة في قلب الشرق الأوسط، والتي تتابع أهدافها السلطويّة عبر هذا الطريق، فلا تمتنع عن حماية المظلوم وحسب، بل وتدعم الظالم بكلّ وقاحة. هنا من واجب العالم الإسلاميّ أن يفعل شيئًا.
رسالتنا للعالم الإسلاميّ وللحكومات الإسلاميّة هي "استخدموا قدراتكم وطاقاتكم العامة وإمكانيّاتكم الوطنيّة والحكوميّة للدفاع عن المظلوم ودعمه وحمايته!". أفهِموا الأعداء بأنّ العالم الإسلاميّ لا يقرّ له قرار مقابل الغطرسة والعدوان. هذه هي رسالتنا للحكومات الإسلاميّة. إنّنا رغم كلّ اختلافاتنا في وجهات النظر مع بعض الحكومات الإسلاميّة في شتّى القضايا السياسيّة وغير السياسيّة، ولكن على الجميع أن يغضّوا الطرف عن اختلافاتهم من أجل هذه القضيّة. إنّ جزءً من الأمّة الإسلاميّة وقع مظلومًا بين مخالب ذئب سفّاح دموي، وراح يوغل بوحشيّته فيها، وعلى الجميع أن يهبّوا لمساعدته. هذا هو ما نقوله وهذه هي كلمتنا. قضيّة غزّة اليوم هي القضيّة الأولى في العالم الإسلاميّ. وهذا ما قال عنه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أَصبَحَ ولَم يهتَمَّ بِأمورِ المُسلِمين فَلَيسَ بِمُسلِم"1. يجب أن يصبح الاهتمام بهذا الأمر على رأس الاهتمامات كلّها في العالم الإسلاميّ. يجب على كلّ أبناء الشعب - وكلّ الشعوب، والحكومات خصوصًا، ومسؤولو البلدان ومسؤولو الحكومات - أن يفكّروا ويهتمّوا.
مساعدة المظلوم
يجب أن يُصار إلى عملين:
الأوّل: مساعدة المظلوم بمعنى توفير اللوازم والاحتياجات الحياتيّة له. فهم اليوم بحاجة إلى الغذاء والدواء والمستشفيات والماء والكهرباء، وإعادة بناء
1 الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ص 131.
417
361
في لقاء مسؤولي الدولة وسفراء البلدان الإسلاميّة
منازلهم ومدنهم ومساكنهم. من واجب العالم الإسلاميّ أن يوفّر هذه الاحتياجات. ويحتاجون أيضًا إلى السلاح. يريد العدو أن يخلّي أيديهم من السلاح لكي يهاجمهم متى أراد، إن كان بذريعة أو بدون ذريعة، من دون أن يظهروا أيّة ردّة فعل أو يحرّكوا ساكنًا. هذا ما يريده العدو، وعلى العالم الإسلاميّ أن يظهر إرادته وعزمه في مقابل إرادة العدو الباطلة. هذه هي العمليّة الأولى التي يجب أن تنفّذ ويصار إليها.
"ولِلمَظلومِ عَوناً"1 كونوا عونًا للمظلوم.. كونوا في مساعدة المظلوم. يقع واجب هذه المساعدة على عاتق العالم الإسلاميّ. إنّنا نقول للحكومات المسلمة - من هنا وسفراء الحكومات المسلمة حاضرون هنا - : تعالوا نتعاون ونتعاضد بهدف إيصال المساعدات إلى أهالي غزّة والتغلّب على العقبات التي يضعها الكيان الصهيونيّ في هذا الطريق. لنعمل سويّة في هذا السبيل ولنوصل لهم أنواع المساعدات.
مواجهة الظلم والظالمين
الواجب الثاني هو مواجهة ومعارضة الذين صدر عنهم هذا الظلم، وهذا الجور التاريخي الكبير، وارتكبوا هذه المذابح وانعدام الحياء والخجل في ارتكاب الجرائم وتقتيل البشر. وإنّ الإنسان ليحار حقًا من انعدام حيائهم، وهم يختلقون المبرّرات والأدلّة والذرائع لتقتيل الناس المدنيّين. إنّهم عديمو الحياء إلى هذا الحد! ينحتون الأدلّة والمبرّرات، لذبح الأطفال الصغار الأبرياء المظلومين. إنّهم وقحون إلى هذه الدرجة! هؤلاء الذين يرتكبون هذه الجريمة هم جناة وسفّاحون، لكنّهم ليسوا وحدهم، فكلّ من يدعم الصهيونيّة اليوم، سواء كان من مسؤولي البلدان المستكبرة مثل أميركا وبريطانيا وسواهما أو من الأوساط العامة (المجتمع الدولي) مثل منظّمة الأمم المتّحدة وأمثالها ممّن يدعمونهم بشكل من الأشكال، سواء بسكوتهم، أو بمواقفهم وكلماتهم غير المنصفة، هم أيضًا شركاء في الجريمة. من واجب العالم الإسلاميّ كلّه وجميع الحكومات الإسلاميّة وكلّ أبناء الشعوب المسلمة أن تعارضهم
1 نهج البلاغة، الكتاب رقم 47.
418
362
في لقاء مسؤولي الدولة وسفراء البلدان الإسلاميّة
وتواجههم، وتتبرّأ منهم وتظهر نفورها وكرهها لهم وتلومهم على مواقفهم هذه. هذا واجب عام. يجب، إن أمكن، فرض العزلة عليهم، وإذا استطاعوا فليتصدّوا لهم اقتصاديًّا وسياسيًّا. هذا هو واجب الأمّة الإسلاميّة.
شعب إيران.. متأهّب!
لقد أثبت الشعب الإيراني، والحمد لله، بأنّه قادر على الصمود في مثل هذه الميادين بعزيمة راسخة. وقد أثبتنا ذلك. إنّ شعب إيران لا يداري أحدًا مقابل هذا العدوان والخبث والعداء، ولا يتعامل بالمجاملات والمداهنة، ولا يلاحظ هذه القوّة أو تلك القدرة وهذه الشخصيّة أو تلك، إنّما يقول كلمته بصراحة. لاحظتم أنّ شعب إيران حضر في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك، وفي ذلك الجو الحار وهم صيام، رجالًا ونساء وفي كلّ أرجاء البلاد، وتظاهروا في الشوارع، وأوصلوا صرختهم المدويّة إلى أسماع العالم. كان هذا عملًا واجبًا وضروريًّا نهض به شعب إيران، وهذا الشعب صامد مستعد، ومتأهّب بقوّة لأيّ عمل ضروري آخر. وسوف تتحقّق - إن شاء الله - أهداف وآمال هذا الشعب، وأهداف وآمال الأمّة الإسلاميّة السامية - بتوفيق من الله - وعلى الرغم من أنوف الأعداء.
اللهم نقسم عليك بمحمد وآل محمد عرّفنا واجباتنا ووفّقنا للعمل بها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
419
363
في لقاء المسؤولين في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء المسؤولين في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
المناسبـــة: المفاوضات النووية مع مجموعة الدول 5+1
الحضور: المسؤولون في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
المكان: طهران
الزمان:
23/05/1393 هـ.ش.
18/10/1435 هـ.ق.
14/08/2014 م.
421
364
في لقاء المسؤولين في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
بسم الله الرحمن الرحيم
التقى سماحة الإمام السيّد علي الخامنئي مسؤولي وزارة الخارجيّة الإيرانيّة، وعلى رأسهم وزير الخارجيّة الدكتور محمد جواد ظريف، وسفراء ومسؤولي ممثّليّات إيران في الخارج، وفيما يلي فقرات هامة من كلمته:
- إنّ الجهاز الدبلوماسي في البلاد هو المدافع المرابط في الخطوط الأماميّة عن أهداف إيران ومصالحها الوطنيّة، وعدّد خصوصيّات الدبلوماسيّة الإيرانيّة وضرورة الدبلوماسيّة النشيطة والواعية خلال فترة الانتقال - البالغة الحساسيّة - إلى نظام عالمي جديد، وذكر نقاطًا مهمّة بخصوص عدم جدوى التعامل مع أميركا.
- تستطيع الدبلوماسيّة الواعية والنشيطة أن تحقّق مكتسبات سياسيّة واقتصاديّة وإنسانيّة واجتماعيّة مهمّة جدًّا، لا يمكن أن تتحقّق بأيّ خطوات أخرى بما في ذلك الحروب المكلّفة والكبيرة الأخطار، وهذا الواقع يشير إلى أهميّة ومكانة الجهاز الدبلوماسي في منظومة إدارة البلاد.
- وإنّ الأحداث التي وقعت خلال الأعوام الأخيرة في المنطقة دليلًا على هذا الواقع، إذ حاولت بعض القوى أن تحقّق مصالحها بالقوّة والسلاح لكنّها أخفقت، واستطاع البعض بدقّتهم وذكائهم وحراكهم، أن يحقّقوا مصالحهم بشكل جيّد.
- إنّ وزارة الخارجيّة هي الجيش الدبلوماسي المنظّم للبلاد، وفي قضيّة السياسة الخارجيّة تلعب أجهزة أخرى دورها أيضًا، لكن وزارة الخارجيّة باعتبارها منظّمة موظّفة، وجيشًا منظّمًا، تتولّى المسؤوليّة الرئيسيّة في هذا المجال.
423
365
في لقاء المسؤولين في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
شروط الدبلوماسيّة الناجحة
- تمثّل بعض الأهداف مطامح ومبادئ وطنيّة كبرى، بعضها يعدّ استراتيجيًّا وإقليميًّا، وبعضها الآخر مرحليًّا وموضعيًّا، وهذه الأهداف ينبغي أن تتحدّد على كافّة المستويات بدقّة، حتى تستطيع كلّ العناصر الناشطة في المجال الدبلوماسي أن تنهض بواجباتها على أحسن نحو.
- الشرط الثاني للدبلوماسيّة الناجحة هو "التنظيم المناسب"، ينبغي أن يكون هذا التنظيم على أساس النظر للأهداف، وفي ضوء الإمكانيّات والطاقات المتوفّرة.
- الشرط الثالث للدبلوماسيّة الناجحة هو التمتّع بعناصر مؤهّلة، وإنّ لمفهوم "المؤهّلات الدبلوماسيّة" "عناصر من قبيل الذكاء والفطنة والمهارة الدبلوماسيّة"، و"المرونة في مواضعه"، و"الصلابة والمناعة في المواقع الضروريّة"، و"الالتزام الصادق والعميق بالأهداف".
- فيما يتعلّق بعنصر "الذكاء الدبلوماسي"، تؤهّل هذه الخصوصيّة الإنسان لمعرفة أهداف وتحرّكات الأطراف المقابلة في المفاوضات والتعامل والسلوك، وبرمجة وتنفيذ تحرّكاته على أساس هذه المعرفة.
- إنّ المهارة الدبلوماسيّة هي استخدام المرونة والقوّة في مواقعها وفي المواطن المناسبة، وإنّ المعنى الآخر لهذه الخصوصيّة هو "المرونة البطوليّة"، وصلح الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من أعظم نماذجها في التاريخ.
- المرونة البطوليّة وخلافًا لبعض التفاسير، لها معنى واضح، ويمكن ملاحظة نموذجًا لها في رياضة المصارعة. فالهدف في مباريات المصارعة هو الفوز على المنافس، فإذا كان المصارع يتمتّع بالقدرة اللازمة، لكنّه لا يستخدم المرونة اللازمة في محلّها، فإنّه سيخسر بالتأكيد، لكنّه إذا استخدم المرونة والقوّة في مواقعها فسوف يصرع منافسه ويلقيه أرضًا.
424
366
في لقاء المسؤولين في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
- فيما يتعلّق بعنصر الالتزام العميق والصادق بالمبادئ والمثل والقيم والأهداف: إذا نشط الشخص في المجال الدبلوماسي من دون إيمان واعتقاد عميق بالأهداف، فلن يمكنه النجاح بكلّ تأكيد.
- إنّ الساحة الدبلوماسيّة أشبه بساحة الحرب، فالواقع أنّ الساحة الدبلوماسيّة هي ساحة "ملاواة" (كباش)، وإذا بادر شخص إلى هذه العمليّة من دون عقيدة راسخة بالهدف، فإنّه سوف ينهزم إمّا في المراحل الأولى أو في نهاية المطاف.
التحرّك الواسع والدؤوب أحد شروط الدبلوماسيّة الناجحة، فالتحرّك والتقدّم (الكبير) ضرورة لا تنفصل عن الدبلوماسيّة، ويجب الاهتمام بها اهتمامًا جدّيًّا.
- إنّ الفترة الراهنة فترة انتقال إلى نظام عالمي جديد: فقد دخل الساحة لاعبون جدد من آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينيّة، - إضافة إلى اللاعبين التقليديّين - وهم يحاولون تكريس مكانتهم في النظام الجديد المستقبلي.
- في هذه الفترة تكتسب الدبلوماسيّة القويّة والكفوءة أهميّة مضاعفة، ولهذا السبب فإنّ مهمّات وزارة الخارجيّة اليوم أكثر حساسيّة من الماضي.
- إذا استطاع الجهاز الدبلوماسي أن يسجّل في الفترة الحاليّة نشاطًا فاعلًا وواعيًا وذكيًّا ومقتدرًا، فإنّ مكانة وقوّة الجمهوريّة الإسلاميّة سوف تتكرّس على مدى عشرات الأعوام القادمة، وفي النظام العالمي الجديد كمكانة ممتازة، وبغير ذلك، فإنّنا لن نتمتّع في العالم المستقبلي بالموقع المناسب اللازم.
- إنّ "اقتناص الفرص والاستفادة الصحيحة منه" نقطة أخرى، على المسؤولين الدبلوماسيّين في البلاد التنبّه لها.
- التطوّرات الإقليميّة والعالميّة سريعة جدًّا، وينبغي رصدها بشكل آنيّ مستمرّ، والتحرّك بقوّة لتحليل أيّة حادثة أو تطوّر من دون تأخير، ومعرفة
425
367
في لقاء المسؤولين في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
علاقة هذه الحادثة بالأهداف والمبادئ، لتشخيص الموقف منها.
- إنّ "تكريس منطق الجمهوريّة الإسلاميّة" أي السيادة الشعبيّة الدينيّة هدف كبير. خوضوا في هذه القضيّة من دون تسرّع وارتباك، فهذا الهدف ممكن التحقيق خصوصًا في المنطقة الإسلاميّة.
- وإنّ التركيز على خصوصيّات ومميّزات الدبلوماسيّة الإيرانيّة في العالم من الأهداف المهمّة الأخرى للعاملين في السياسة الخارجيّة.
- وإنّ الالتزام بالمعايير الشرعيّة في السلوكيّات الفرديّة والاجتماعيّة وفي الأوساط الدبلوماسيّة وعدم التخوّف من هالة القوى الكبرى، وصراخهم وتهديداتهم بما في ذلك أميركا، هي خصوصيّة تمتاز بها الدبلوماسيّة الإيرانيّة، وينبغي الاهتمام لها اهتمامًا جدّيًا.
- لقد تحوّل عدم الخوف من القوى المهيمنة، بعد الثورة، إلى خصوصيّة بارزة لسياسة الجمهوريّة الإسلاميّة الخارجيّة، وهذه الخصوصيّة اجتذبت قلوب الشعوب، كما أنّها فرضت على ساسة العالم تقدير الثورة وإجلالها سواء اعترفوا بذلك علانية أو كتموه.
- إنّ "الدفاع الصريح والحاسم والحقيقي عن المظلوم" من الخصوصيّات الأخرى للدبلوماسيّة الإيرانيّة، لقد تجلّت هذه الخصوصيّة على مدى كلّ السنوات التي أعقبت الثورة في الدفاع عن شعب فلسطين والمجاهدين الفلسطينيّين واللبنانيّين، والحالات المماثلة الأخرى.
إنّ "المعارضة الجادّة لنظام الهيمنة" من الخصوصيّات الواضحة للسياسة الخارجيّة لجمهوريّة إيران الإسلاميّة، ولقد عارض المسؤولون الإيرانيّون، ويعارضون بكلّ شجاعة واقتدار ومن دون مجاملات، تواجد المهيمنين وخصوصًا أميركا في أيّ مكان من العالم.
- إنّ "تأمين المصالح الوطنيّة" من الأهداف المشتركة لكلّ الأجهزة الدبلوماسيّة في العالم، في الدبلوماسيّة الإيرانيّة، يمتاز "الحفاظ على
426
368
في لقاء المسؤولين في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
الرأسمال الوطنيّ" بالإضافة إلى السعي لتأمين المصالح الوطنيّة، بأهميّة بالغة، فلو لم تكن هناك أرصدة وطنيّة لبقي الجهاز الدبلوماسي من دون دعامة وسند، ولن يتحقّق تأمين المصالح الوطنيّة.
- "الهويّة الوطنّية والإسلاميّة والثوريّة والتاريخيّة" هي الرأسمال الوطني للإيرانيّين، وإنّ الاستقلال الناتج عن الثورة الإسلاميّة والدين والشعب المؤمن والشباب الثوري، والحكم مقابل الجشعين، والعلماء، والنخبة، والنشاطات العلميّة، هو من جملة عناصر الرأسمال الوطني، والتي ينبغي أن تصان على الصعيد الدبلوماسي لتأمين المصالح الوطنيّة.
- فيما يتعلّق بقضيّة التعامل والتواصل مع العالم، فهناك استثناءان لهذه القاعدة هما الكيان الصهيونيّ وأميركا.
- وهناك مجموعة أدلّة وأسباب لرفض التواصل مع أميركا: فالعلاقة مع أميركا والتفاوض معها - باستثناء حالات خاصّة - ليس عديم الفائدة بالنسبة للجمهوريّة الإسلاميّة وحسب، بل فيه ضرر، وهل هناك عاقل يسعى إلى عملٍ لا منفعة فيه؟!
- يحاول البعض تصوير الأمر بأنّنا لو جلسنا مع الأميركيين حول طاولة واحدة لكان في ذلك علاج للكثير من المشكلات، وطبعًا، كنّا نعلم أنّ الأمر ليس كذلك، لكنّ قضايا وأحداث السنة الأخيرة أثبتت هذه الحقيقة مرّات عديدة.
- في الماضي لم يكن بين المسؤولين الإيرانيّين والمسؤولين الأميركان أيّة علاقة، ولكن في السنة الأخيرة وبسبب المسائل النوويّة الحسّاسة والتجربة التي طرح الخوض فيها، تقرّر أن يتواصل المسؤولون معهم إلى مستوى وزارة الخارجيّة وتكون لهم معهم اجتماعات ومفاوضات، ولكن لم تثمر هذه العلاقات أيّة فائدة، وليس هذا وحسب بل إنّ لهجة الأميركان ازدادت حدّة وإهانة، وراحوا يطرحون توقّعات ومطالبات أكثر في جلسات التفاوض وفي المنابر العامّة.
427
369
في لقاء المسؤولين في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
- بالطبع، ردّ المسؤولون الإيرانيّون في الاجتماعات على مطالباتهم ردودًا أقوى وألذع أحيانًا، ولكن تبيّن في النهاية أنّ المفاوضات - وخلافًا لتصوّرات البعض - لا تساعد على أيّ شيء.
- لم يخفّف الأميركيون من حالات العداء وحسب، بل أضافوا عقوبات وأنواعًا من الحظر! طبعًا هم يقولون إنّ هذه الحالات من الحظر ليست بجديدة، لكنّها في الحقيقة جديدة، والتفاوض في موضوع الحظر أيضًا لم يكن له فائدة.
- نحن طبعًا لا نمانع من استمرار المفاوضات النوويّة، والعمل الذي بدأه الدكتور ظريف وزملاؤه وتابعوه لحدّ الآن على نحو جيّد سوف يستمرّ، ولكن كانت هذه أيضًا تجربة ثمينة أخرى للجميع كي نتنبّه إلى أنّ الجلوس مع الأميركان والحديث معهم لا يؤثّر أبدًا في تقليل عدائهم، ولا فائدة منه.
- أحد أضرار عمليّة التفاوض مع الأميركان أنّ هذه العمليّة تجرّ علينا تهمة التذبذب لدى الرأي العام للشعوب والحكومات، ويصوّر الغربيّون بإعلامهم الضخم الجمهوريّة الإسلاميّة وكأنّها مرتبكة وازدواجيّة.
- وهناك ضرر آخر لمجالسة الأميركان والاجتماع بهم، وهو توفير الأرضيّة لهم لطرح مطالب جديدة.
- إنّ التعامل مع الكيان الصهيونيّ أمر منتف موضوعيًّا: طالما استمرّ الوضع الراهن - أيْ عداء أميركا والتصريحات العدوانيّة للحكومة والكونغرس الأميركي لإيران - فإنّ التعامل معهم لن يكون له أيّ مبرّر أو وجه.
- إنّ ارتفاع مستوى كراهيّة الشعوب لأميركا هو بسبب تضامنها مع جرائم الصهاينة في غزّة، ما من أحد في العالم يبرّئ الأميركيين من المشاركة في جرائم ومذابح الكيان الصهيونيّ - الغاصب القاتل الكافر الظالم - ذي النزعة الذئبيّة، في غزّة، وعليه، فالأميركان يقفون الآن في موقف ينطوي على المزيد من الضعف.
428
370
في لقاء المسؤولين في وزارة الخارجيّة وسفراء وممثّلي إيران في الخارج
- إنّ منطق الفلسطينيّين في قضيّة وقف إطلاق النار منطق صحيح. إنّهم يقولون قبول وقف إطلاق النار، بمعنى أنّ الكيان الصهيونيّ المتوحّش السفّاح يستطيع ارتكاب أيّة فاجعة أراد، ومن دون أن يدفع أي ثمن، وهذا ما يعيد الأوضاع إلى أيام ما قبل الهجوم أي الحصار الشديد ومواصلة الضغوط.
- كما يقول الفلسطينيّون: يجب أن يكون هناك ثمن وكلفة لكلّ هذه الجرائم، والثمن هو إنهاء حصار غزّة، وما من إنسان منصف يمكنه رفض هذا المطلب الحق.
- حول أوضاع العراق: بتعيين رئيس الوزراء الجديد في العراق، إن شاء الله، ستحلّ العقد، وتسير الأمور، وتتشكّل الحكومة لتستطيع أن تعمل وتلقّن الذين يريدون الفتنة في العراق درسًا قويًّا.
- إنّني، أسأل الله تعالى دومًا أن يوفّق وزير الخارجيّة العزيز وزملاءه..
429
371
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
المناسبـــة: انعقاد المؤتمر السادس عشر من الدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة
الحضور: أعضاء مجلس خبراء القيادة
المكان: طهران
الزمان:
13/06/1393 هـ.ش.
08/11/1435 هـ.ق.
04/09/2014 م.
431
372
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
بسم الله الرحمن الرحيم1
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين.
أرحّب بالإخوة الأعزّاء، العلماء العظام، وثقاة وخبراء الشعب. إنّنا نفتقد حضور السيد مهدوي في هذه الجلسة، ونشعر بالأسف لأنّ هذا الأخ العزيز، وصاحب الشخصيّة المحترمة جدًّا يعاني منذ ثلاثة أشهر من المرض الشديد. ومن المناسب أن يهدي الأخوة الأعزاء سورة الحمد لشفائه. اللهم اشفه بشفائك، وداوه وعافه بعافيتك بحق محمد وآل محمد. كما إنّنا نذكر الأحبّاء والإخوة الذين فارقونا منذ مدّة، ونطلب المغفرة لهم: المرحوم السيد محمد الكيلاني، المرحوم السيد زرندي، المرحوم ماموستا مجتهدي، وأخيرًا السيّد جباري، رحمة الله عليهم.
ذو القعدة: الرجوع إلى الله
إنّه شهر ذو القعدة، يقول المرحوم الحاج ميرزا جواد ملكي (رضوان الله عليه): إنّ شهر ذي القعدة هو شهر التوبة، شهر الرجوع إلى الله، شهر مراقبة النفس، كي لا نكون - لا سمح الله - بأعمالنا نحارب الله ورسوله. ويقول: ذو القعدة هو شهر القعود عن محاربة أعداء الله، وبشكل أولى يجب أن يكون شهرًا، ينتبه الإنسان إلى عدم انجراره لمحاربة الله تعالى. وهذا العمل المعروف بعمل "أحد ذي القعدة"2، يؤكّد على القيام بهذا العمل.
للمرحوم الحاج الميرزا علي القاضي (رضوان الله عليه)، رسالة أرسلها لأصدقائه، ومريديه وتلامذته حيث يشرح حاله في هذه الرسالة. إنّ للمرحوم القاضي أشعارًا مهمّة باللغة العربيّة، وكان كما يعبّر السيد الطباطبائي "شاعرًا
1 جرى هذا اللقاء بمناسبة الجلسة السادسة عشرة من الدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة بتاريخ 1 و2 أيلول 2014 م. قبل كلمة الإمام الخامنئي قدم كل من آية الله السيد هاشمي الشهرودي النائب الأول لرئيس مجلس الخبراء وآية الله محمد يزدي النائب الثاني لرئيس مجلس الخبراء تقارير حول هذه الجلسة.
2 أربع ركعات ذكرت في كتاب المراقبات.
433
373
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
مفلقًا"، فهو برأي السيد الطباطبائي (رضوان الله عليه) شاعر مميّز. لديه قصيدة بليغة جدًّا مطلعها: "تنبّه فقد وافتكم الأشهر الحرم"، هذه القصيدة طويلة يوصي فيها تلامذته. هذه فرصة لنا، للناس كي يستفيدوا من بركات هذا الشهر الذي هو بداية للأشهر الحرم الثلاث. إنّ شهر ذي القعدة هو شهر ثامن الحجج عليه السلام أيضًا، الذي هو وليّ نعمة الجميع، على الأخصّ ولي نعمتنا نحن الإيرانيّين ـ فلنستفد، إن شاء الله، من بركات مضجعه ومرقده، وإن شاء الله، نقترب أكثر فأكثر من القيم الرضويّة.
الرؤية الشاملة لأوضاع العالم
بالنسبة للأوضاع الحاليّة للعالم وللبلاد، فقد حضّرت فكرة لأطرحها عليكم. بشكل مختصر، يجب أن تكون رؤيتنا لأوضاع العالم ولأوضاع المنطقة ومن جملتها أوضاع بلادنا رؤية شاملة. هذه الرؤية الشاملة، تهبنا المعرفة والبصيرة، لندرك موقعيّتنا، ومكانتنا ومكاننا في الوضع الحالي ونفهم في أيّ وضعيّة نحن. وتعلّمنا ما الذي يجب القيام به في المستقبل.
تغيّر العالم وتطوّره
في الرؤية الشاملة للعالم ومن ضمنها للمنطقة، يواجه الإنسان نقطة أساسيّة وهي أنّ النظام المستقر الذي كان حاكمًا في الدنيا هو في حالة تغيير وتبديل، هذا ما يفهمه الإنسان وما يراه. بعد الحرب العالميّة الأولى، ظهر نظام جديد في العالم وخصوصًا في منطقتنا، بعض القوى قويت وصارت قوى العالم الكبرى. ومنذ الحرب العالميّة الثانية - حوالي سبعين سنة مرّت على نهايتها - كان هذا النظام مستقرًّا وظهرت إدارة خاصّة للعالم. في الواقع، كان الغرب - إن كان بشكل النظام الإشتراكي أو الليبرالي، فالنظامان غربيّان - حاكمًا على إدارة العالم، وإدارة العالم تحت سيطرته. فآسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينيّة ومناطق عدّة من العالم كانت تتحرّك تحت نفوذ وهيمنة وإرادة هؤلاء طيلة السبعين سنة هذه. يرى الإنسان
434
374
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
بوضوح أنّ هذا النظام في حال تغيّر حيث سأشير باختصار إلى دلائل وعلامات هذا التغيير.
عوامل قوّة النظام العالمي.. ثبت بطلانها
حسنًا، عندما تكون الدنيا في حال تغيّر، فإنّ النظام العالمي يتغيّر، ويبدأ نظام جديد بالتشكّل. نحن بالطبع، سيكون لدينا واجبات أكثر أهميّة. في النظام العالمي الجديد، أين سيكون موقع الإسلام، موقع الجمهوريّة الإسلاميّة، وموقع بلدنا المهم إيران؟ يمكننا التفكير، ثم توقّع هذا الأمر، ثم السير في هذا الطريق. كان للنظام السابق - الذي بقي كما قلنا مسيطرًا على العالم سبعين سنة - قاعدتان: إحداهما فكريّة وقيميّة، والقاعدة الأخرى عمليّة أي عسكريّة وسياسيّة. وبرأيي، إنّ هاتين القاعدتين متزلزلتان اليوم، وثبت بطلانهما.
القاعدة الأخلاقية والفكرية
بما يتعلّق بالقاعدة الأخلاقيّة والفكريّة، كانت عبارة عن ادّعاء التفوّق الفكري والقيمي الغربيّ - الذي يشمل أوروبا وأميركا - على بقيّة مناطق وشعوب العالم. فقد رفعوا شعارات لا ربط لها بالتقدّم العلمي والصناعي، شعارات جذّابة ومضلّلة كشعار الحريّة، وشعار الديموقراطيّة، وشعار حقوق البشر، وشعار الدفاع عن الشعوب وعن كلّ فرد من البشر، وأرادوا بهذه الشعارات إثبات تفوّق نظامهم القيمي على بقيّة مناطق العالم، على أديان العالم، على الفرق الفكريّة وخاصّة الإسلام. وقد نجحوا في هذا الأمر، في عالمنا الإسلاميّ، هناك أفراد ومجموعات وشخصيّات سياسيّة، ودول، تؤمن بالفعل بتفوّق نظامهم القيمي، وهم ليسوا قلّة. اليوم أيضًا، هناك أشخاص في مجتمعنا يمتلكون هذه العقيدة.
القاعدة العملية (السياسية والعسكرية)
في القسم الثاني، أي القسم العملي - الذي هو القاعدة الثانية لقوّة وسيطرة الغرب على إدارة العالم - هناك قضيّة القدرات السياسيّة والعسكريّة، فإذا لم
435
375
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
تتأثّر الدول والشعوب والتيّارات المختلفة بالنظام القيمي وبذلك الجانب الأوّل، ولم تستسلم وقاومت، كانوا يواجهونها بالضغوط السياسيّة والعسكريّة، وكانوا يقومون بأعمال كثيرة كي يجبر كلّ من لم يتأثّر بالعامل الأوّل، من خلال ممارسة ضغط العامل الثاني أي الضغوط السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة، على السير معهم والتعاون معهم.
لقد رأينا هذا الأمر في العالم، وفي بلدنا أيضًا. إنّ الأجهزة الإعلاميّة للغرب، التي كانت تتطوّر يومًا بعد يوم وتصبح أكثر حداثة، وتزداد قدراتها، كانت تواجه الشعوب بشكل مستمرّ بهذين العاملين - أي عامل التفوّق القيمي وعامل السلطة العسكريّة والسياسيّة - وقد استطاعوا إقناع أصحاب الفكر، المتنوّرين، وبالتدريج عامّة الناس، بهذا الأمر.
اليوم، هذان العاملان ثبت بطلانهما، كلاهما، العامل الأوّل والعامل الثاني. هاتان الوسيلتان وهذان السلاحان - الذي كان الغرب بهما قادرًا على إدارة العالم وعمليًّا سيطر وأدار بهما العالم - هذان العاملان صارا بالتدريج ضعيفين.
انهيار قاعدة القيم والأخلاق
العامل الأوّل: أي العامل القيمي - أي تفوّق القيم الغربيّة على قيم بقيّة الشعوب والأديان، الإسلام وغيره - فقد تزلزل بعدّة دلائل. هناك عوامل أدّت إلى تزلزله. لقد دوّنت هنا عددًا من العوامل سوف أذكرها: إحدى هذه العوامل التي أدّت إلى بطلان النظام القيمي الغربي وسلطته المعنويّة: الأزمة الأخلاقيّة والمعنويّة المتزايدة في الغرب، وعلامتها البارزة هي انتشار الشعور بالخلأ، إحساس العبثيّة، عدم الإحساس بالأمن الروحي بين أفراد الناس، وخاصّة بين الشباب في الغرب، انهيار وزوال العائلة، إنّ مؤسسة العائلة في الغرب قد تزلزلت، وقد انهارت وزالت، وهذا يترتّب عليه آثار. قضيّة المرأة، بحيث إنّ التوجّه الذي اتّبعه الغرب تجاه المرأة، أدّى إلى أن تخضع حركة النسويّة - التي انطلقت منذ عشرات السنين - إلى
436
376
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
المساءلة من قبل المفكّرين والمتنوّرين وأصحاب الفكر. إنّهم يشعرون أنّ هذا الأمر كان فخًّا للمرأة، وقد فرضوا على المرأة موانع عجيبة وغريبة، وهذه قصّة طويلة.
مسألة تحويل المنكرات إلى قيم، على سبيل المثال يصبح الشذوذ الجنسي قيمة، ومخالفة هذا الشذوذ يصبح أمرًا غير قيمي! فإذا - اليوم في الغرب الأمر على هذا النحو - تمّ سؤال أحد الشخصيّات، مسؤول رسمي مثلًا، رئيس للجمهوريّة، أو شخصيّة معروفة، خلال مقابلة ما، فيقول هذا الشخص أنّه مخالف للشذوذ الجنسي، فهذا يعني نقطة سوداء في سجلّه في العالم، أي إنّ الفضاء الأخلاقي للغرب قد اتّجه بهذا الاتّجاه، على هذا النحو. وطبعًا، هو لن يتوقّف عند هذا الحدّ بل سيصل إلى أماكن أكثر بشاعة وسوء. وقد التفت لهذه القضيّة منذ وقت، منذ عدّة سنوات حوالي عشرة أو خمسة عشر سنة، بعض الخيّرين والمشفقين قد نبّهوا من هذا الأمر ولكن لا فائدة، عندما يسقط نظام أخلاقي ما في انحدار كهذا، لا يمكن توقيفه أبدًا، ولا مصير له إلّا الزوال. هذا عامل من عوامل بطلان القيم الغربيّة.
العامل الثاني: التوجّه للدين، وهذا في الواقع ردّة فعل على العامل الأوّل. بين الفئات المتعدّدة للدول الغربيّة، الميل للدين، حبّ الدين، وعلى الأخصّ حبّ الإسلام، التوجّه نحو الإسلام، التوجّه لفهم القرآن، تزايدت يومًا بعد يوم، هذا الأمر يعرفه المعنيّون جيّدًا. هذا أمر آخر من الأمور التي جعلت النظام القيمي والأخلاقي للغرب يتأزّم بشكل كبير.
العامل الثالث: وهو التناقض، التضاد العملي للغرب مع الشعارات المرفوعة. أي إنّ هؤلاء يتكلّمون عن الحريّة وعن الديموقراطيّة وعن حقوق البشر وغيرها، ولكن في التطبيق يخالفون هذه الشعارات ويخرقونها، ممّا جعل طرح هذه الشعارات اليوم من قبل الغربيّين في العالم أمرًا مستهجنًا، أي إنّ أصحاب الفكر يفهمون هذا الأمر. إنّ عدد الانقلابات التي قامت بها الدول الغربيّة والقوى الغربيّة ضدّ الدول المستقلّة - في الأغلب الدول الوطنيّة - عددٌ عجيب. وفق بعض التقارير،
437
377
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
إنّ أميركا بعد الحرب العالميّة الثانية إلى اليوم عملت على قلب النظام والانقلاب على خمسين حكومة. قامت بخطوات عديدة ومتنوّعة ضدّ خمسين دولة، خالفت العشرات من حركات المقاومة الشعبيّة المدوّنة في ملفّات أميركا وغيرها، استعملت القنبلة النوويّة، فالمرّة الوحيدة التي تمّ استعمال القنبلة النوويّة كان من قبل أميركا التي تتخطّى الجميع في الكلام عن البشر وحقوق البشر، قتلت أكثر من مئتي ألف إنسان - في أحداث اليابان1 - كما أصيب أكثر من هذا العدد بسبب هذه الحادثة، سجن غوانتانامو2، سجن أبو غريب3، الأحداث التي حصلت، المعتقلات السريّة في أوروبا4، أُثبت للجميع أنّ لديهم معتقلات سرّيّة يعذّبون الناس، ويحتجزونهم فيها دون محاكمة، وما زال الأمر مستمرًّا، والكلّ يرى. هذا أيضًا عامل ثالث أدّى إلى تأزيم النظام القيمي الذي يدّعيه الغرب.
العامل الرابع: اللجوء إلى العنف، والزور، والقمع، أنواع العنف، من بينها الحظر. أمام أعين شعوب العالم، نشاهد كيف أنّهم حين يلحظون أمرًا في بلد ما، أو مسألة عند شعب ما، ولا يستطيعون فرض سيطرتهم الثقافيّة على هذا البلد، وبالتالي حماية سلطتهم، يلجؤون إلى القوّة والتهديد، أحيانًا بالهجوم العسكري، أحيانًا بالاغتيال، أحيانًا بإيجاد حركات إرهابيّة، وكلّ هذا شاهدناه في الأيّام الأخيرة، وأمام أعين العالم، الهجوم على البلاد، الهجوم على العراق، الهجوم على أفغانستان، الحملات المتنوّعة وبأشكال مختلفة على باكستان، وأماكن أخرى. هذه أيضًا من الأمور التي أدّت إلى بطلان النظام القيمي للغرب.
العامل الخامس: وهو إيجاد الحركات كالقاعدة وداعش وغيرها، اليوم، هم
1 إلقاء قنابل نووية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي بأمر من الرئيس الأميريكي ضد الأمبراطورية اليابانية.
2 معتقل غوانتانامو: سجن في خليج غوانتانامو، جنوب شرق جزيرة كوبا يديره الجيش الأميركي.
3 معتقل أبو غريب: سجن في غرب بغداد، كان نظام صدام يعذب معارضيه فيه، وبعد الإحتلال الأميركي لبغداد تحول الى مكان لتعذيب المعارضين العراقيين على يد الجيش الأميركي.
4 تشير تقارير وكالات الأنباء الى وجود بعض المعتقلات السريّة في أوروبا للتحقيق مع المتهمين بالإرهاب وتعذيبهم.
438
378
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
يدّعون أن لا علاقة لهم بهذه الحركات. لكن الجميع يعرف، لقد نقلت أمرًا عن أحد المسؤولين الأميركيين المعروفين1 لكنّهم بعدها أنكروا الأمر. لكن كما يبدو الأمر كذلك، إنّهم يعترفون أنّ هذه الحركات هم من أوجدوها، حتى لو لم يعترفوا، لدينا شواهد على هذا الأمر، نحن نعلم. أنا لا أنسى المرحوم الشيخ "سعيد شعبان" - لا مشكلة الآن من ذكر اسمه - خلال فترة الحرب، قال لي: أنّ لديه معلومات أنّهم يحاولون إشغالكم من الشرق، قلت له: حسنًا شرقنا هي أفغانستان، قال: نعم ناحية أفغانستان. كان هذا قبل أن تظهر حركات طالبان والقاعدة في أفغانستان. لقد كان له اتّصالات وعلاقات مع المحافل السياسيّة والعلمائيّة لأهل السنّة، كان له حضور في أماكن حسّاسة، كان شخصًا محترمًا جدًّا، ولديه معلومات، قال: أنّه من واجبي أن أقول لكم هذا الأمر. بعد فترة وجيزة حصلت هذه الأحداث، ورأينا كيف سارت الأمور كما قال. إذن ليس هناك أيّ شبهة أنّ تأسيس هذه الحركات وإيجادها هي من صنع القوى الغربيّة وعملائهم في المنطقة.
من الممكن في بعض الأحوال ألّا يتدخّلوا هم مباشرة بل يتدخّل آخرون. لكن بالطبع، هم تدخّلوا مباشرة، في قضيّة طالبان، أنا لا أنسى حين كانوا يتحدّثون عن طالبان في المجلّات الأميركيّة، وكأنّهم يروّجون لهم. طبعًا، لا يروّجون بشكل مباشر لكن كيفيّة الإعلان عنهم، كان ترويجًا لطالبان، في بداية ظهورهم. إذن، هذه من العوامل التي زلزلت النظام القيمي في العالم اليوم الذي يدّعي التفوّق الغربي.
فالآن، لا أحد يتقبّل من القوى الغربيّة أن يقولوا نحن مؤيّدون لحقوق البشر، نحن داعمون للقيم الإنسانيّة. إنّ ما ورد في وثيقة الاستقلال الأميركي منذ مئتي عام قد تمّ نقضه عمليًّا.
1 كلمة سماحته دام ظله في لقاء وزير الخارجية وممثلي الجمهوريّة الإسلاميّة في الخارجية 13/ 8 / 2014م.
439
379
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
تهاوي القدرة العسكريّة الأمنيّة
أمّا العامل الثاني الذي كان عامل قدرة سياسيّة واقتصاديّة هو أيضًا قد ثبت بطلانه. إنّ أهمّ أمر أدّى إلى بطلان هذا العامل الثاني هو تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة. في إحدى المناطق القابعة بشدّة تحت سيطرة أميركا، تظهر حركة ثوريّة عظيمة بهذه الأبعاد الوجوديّة، نظام مرتكز على أفكار حاولوا جاهدين القضاء عليها، وهذا النظام - على الرغم من الهجمات المتنوّعة والمتعدّدة الهجمات السياسيّة، الاقتصاديّة، العسكريّة، الأمنيّة وغيرها - لم يضعف، بل، على العكس كان يقوى يومًا بعد يوم، وإلى اليوم نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هو نظام مقتدر بكلّ معنى الكلمة. بالطبع، إنّ النظام الإسلاميّ هو نظام مقتدر، ومظلوم في الوقت نفسه. لا تتنافى قدرة النظام مع المظلوميّة، في مرّة سابقة قلت1: مثل أمير المؤمنين عليه السلام الحاكم القوي للنظام الإسلاميّ في زمنه، وفي الوقت نفسه هو أكثر المظلومين مظلوميّة، وهكذا حال نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. قوّته لا تتنافى مع مظلوميّته، وهذه المظلوميّة اليوم ليست علامة على عدم القدرة، في الوقع إنّ قوّة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، أمر واضح، حتى أعداؤه يعترفون بهذا الأمر.
وكذلك الأحداث التي وقعت فيما بعد، صمود الأعوام الثمانية للجمهوريّة الإسلاميّة والشعب الإيراني في الدفاع المقدّس، لم يكن أمرًا بسيطًا، بل كان حدثًا بالغ الأهميّة، لقد أثبت هذا بأنّ القدرات العسكريّة والأمنيّة للقوّة المهيمنة على العالم، غير قادرة على أن تضعف صمود شعب أو توجّه له ضربة بحيث تستطيع أن تفرض نفسها على هذا الشعب كما كانت تفعل من قبل. كذلك الأحداث الأخرى التي وقعت بعد ذلك في المنطقة، أحداث فلسطين، أحداث لبنان، حرب الـ33 يومًا، حرب الـ22 يومًا، حرب الأيام الثمانية في غزّة، وهذه الحرب الأخيرة حرب الخمسين يومًا والتي هي في الحقيقة نموذج للمعجزات الكبرى. منطقة صغيرة محدودة
1 منها كلمته دام ظله في لقاء مدراء وأساتذة جامعة المصطفى العالمية، 27 / 1 / 2010.
440
380
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
ذات إمكانات شديدة التواضع، تستطيع بمقاومتها أن تركّع النظام الصهيونيّ الذي يمثّل رمز قوّة الغرب في المنطقة، حيث كان هذا النظام الصهيونيّ يصرّ على وقف إطلاق النار، لكنّهم لم يقبلوا، فازداد إصرارًا، وكانوا يقولون له لن نقبل بوقف إطلاق النار حتى تتحقّق هذه الشروط. وهذا ما حصل بالفعل. إنّ هذه واقعة مهمّة جدًّا، وتستحقّ التحليل، وهذا كلّه إنّما يدلّ على أنّ القوّة والتفوّق العسكري والسياسي للغرب قد ثبت بطلانه بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة.
ما هو دورنا اليوم؟
وهذا الاستنتاج اليوم في العالم الغربي، استنتاج رائج حيث يعتقد الكثير من الأشخاض النافذين في الغرب بأنّ الحرب لم تعد خيارًا معتبرًا ومجديًا للغرب، الكثير من السياسيّين في أميركا بشكل أساسي، وكذلك في بعض البلدان الأوروبيّة يطرحون هذه الفكرة، ويقولون: بأنّ الحرب لم تعد بالنسبة لنا خيارًا مجديًا. وهذا ما يعني بوضوح بأنّ القدرة العسكريّة الأمنيّة للغرب قد تهاوت وثبت بطلانها.
حسن، إنّ هناك قوى جديدة قد ظهرت في آسيا والشرق (كقوّة الصين وقوّة الهند وأمثالهما)، وهذا يوضح أبعادًا أخرى لهذه المسألة أيضًا.
حسن، هذا هو وضع المنطقة ووضع العالم، وهو دليل على أنّ النظام السابق للعالم لم يعد قادرًا على الاستمرار بحيث يدير الغربيّون العالم. هناك وضع جديد في طور التشكّل، وهو لم يأخذ شكله النهائي حتى الآن. نحن هنا ماذا يجب أن نفعل؟ أعتقد أنّ هناك أمرين مهمّين:
الوعي الفكري
الأوّل، أن لا يتمّ تحليل هذه الوقائع التي نشاهدها اليوم بشكل معكوس، فلا تحلّل بشكل خاطئ، ولا تفهم بشكل خاطئ، يجب أن يتمّ فهمها تمامًا كما هي، ليس في بلدنا فقط، بل هناك في منطقة آسيا، لا يزال يوجد حتى الآن أشخاص وبلدان وحكومات وسياسيّون وتيّارات لا تدرك هذه الحقيقة التي تمّ بيانها، فهم يعتقدون
441
381
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
بأنّه لا يوجد لدينا أمام الغرب سوى طريق واحد، وأنّ هذا التسليم والاستسلام، إمّا أن يتمّ برغبة وطواعيّة - أي قبول القيم الغربيّة والخضوع للنظام الذي يرسمونه وتنفيذ طلباتهم وتوقّعاتهم لأجل إدارة العالم - أو إن لم يسلّم بلد ما بشكل طوعي، ولم يتعاون معهم، ولم يذهب إليهم، ولم يظهر الطاعة لمشيئتهم وإرادتهم، فإنّه بالطبع، سيواجه الضغوط الاقتصاديّة أو الحظر أو الضغط السياسي أو الضغط العسكري، ولن يكون لديه حيلة سوى الاستسلام إمّا بشكل هادئ، وإمّا استسلامًا مصحوبًا بالصخب والضجيج! هذا التحليل موجود الآن، وهذا خطأ فادح. هذا التحليل تحليل خطر، في بلدنا أيضًا تسمع همسات في بعض الزوايا تردّد هذا التحليل. كلا، الأمر ليس كذلك، بل كما ذكرنا بأنّ القوّة الغربيّة كانت ترتكز على هاتين القاعدتين - القاعدة الأخلاقيّة والمعنويّة والقيميّة، والقاعدة العسكريّة والسياسيّة والأمنيّة والعمليّة - وكلاهما قد زلزلتا وتضعضعتا. يجب علينا أن ندرك هذه الحقيقة.
الدور الفعّال في صناعة العالم
الأمر المهم الثاني هو أن نعدّ أنفسنا لأداء دور في ظهور هذا النظام الجديد، أن نجهّز هذا البلد ليقوم بدور فعّال، وهذا لن يحصل إلّا بتقوية البلد، يجب أن نقوّي البلد، وهذه التقوية متوقّفة على الاستفادة من كلّ الإمكانات والقدرات التي نمتلكها داخل البلد وخارجه. فلنلتفت إلى أنّ إمكاناتنا وقدراتنا ليست فقط ما لدينا في الداخل، بل إنّ لدينا خارج البلاد إمكانات هائلة، لدينا أنصار ومؤيّدون، لدينا عمق استراتيجي في المنطقة، البعض يؤيّدنا لأجل الإسلام، والبعض لأجل اللغة. والبعض لأجل المذهب الشيعيّ، هذا عمق استراتيجي للبلد وجزء من قدراتنا وقوّتنا، ويجب الاستفادة من كلّ هذه القدرات والتي لا تنحصر في منطقتنا، نحن لدينا عمق استراتيجي في أميركا اللاتينيّة وفي أجزاء هامّة من آسيا كذلك، لدينا إمكانات للاستفادة، ويجب أن نستفيد منها. وهذا ما سيجعل البلد قوي ومقتدر.
442
382
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
عناصر قوة البلد
هناك ثلاث مسائل لها دور كبير في تقوية البلد: إحداها مسألة العلم والتقنيّة، والثانية مسألة الاقتصاد، والثالثة مسألة الثقافة. ينبغي أن نستثمر رصيدنا في هذه الأقسام الثلاثة فهي عناصر مفتاحيّة. حكوماتنا، مسؤولونا، شخصيّاتنا ونخبنا يجب أن ينشطوا ويعملوا بفاعليّة في هذه الأقسام الثلاث. وكذلك مسألة عدد السكان والتي هي مهمّة جدًّا ـ كما أشار بعض السادة وأكّدوا على هذه النقطة ـ وفي مكانها المناسب حيث إنّ عدد السكان لها تأثير كبير في القدرة الوطنيّة، ازدياد نسبة الجيل الشاب وكون البلد من البلدان الكبرى بالنسبة لعدد سكّانه له تأثير كبير في إيجاد القوّة والاقتدار.
الثقافة، المسألة الأهم
بالتأكيد، فإنّ الأهم في كلّ ما ذكرنا هو مسألة الثقافة وخاصّة على مستوى الاعتقادات وعقائد الناس. أنتم تلاحظون كم يستثمرون حاليًّا، ولقد تمّت الإشارة إلى أنّ الكثير من رؤوس الأموال والثروات العالميّة تصرف على تأسيس وسائل الإعلام المؤثّرة كالفضائيّات والإنترنت والخلوي وما شابه.. إنّهم يستثمرون وينفقون المبالغ الطائلة كي يتركوا أثرًا على عقائد الناس وإيمانهم وأفكارهم ويخرجوهم في الحقيقة من مجال تأثير النظام الإسلاميّ والقيم الإسلاميّة، وبالتأكيد فإنّ الترياق الشافي والعلاج الناجع لهذا، هو أن نتمكّن وفي المستويات المختلفة من امتلاك أفكار ونماذج تبيينيّة وإقناعيّة فيما يتعلّق بعقائد الناس وإيمانهم، يجب أن يتمكّن علماؤنا ومؤسّساتنا الثقافيّة ومؤسّساتنا الإعلاميّة وخطباؤنا وأجهزة الإذاعة والتلفاز عندنا أن تتمكّن من تثبيت هذه الاعتقادات في أذهان الناس وتعميقها، وبالطبع، فإنّ العلاقة المباشرة للعلماء مع الناس هي عامل وعنصر لا بديل له، لا شيء يحلّ محلّ هذه العلاقة، لا شيء حتى الإذاعة والتلفاز بما هما وسيلتين عامّتين وشاملتين لا يمكنهما أن يحلّا محل العلاقة المباشرة للعلماء والمفكّرين الدينيّين مع الناس.
443
383
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
دعم أجهزة الدولة، واجب!
إنّ مسألة الوحدة والتعاطف في البلد مسألة هامّة جدًّا. هناك اختلاف في الميول والأمزجة في المجالات السياسيّة - سواء في المجالات الأصليّة أو الفرعيّة - لكن هذه الاختلافات لا ينبغي أن تضرب وحدة البلد وتضامنه. يجب على الجميع أن يكونوا معًا، من الأمور الهامة أن يقوم الجميع بدعم المسؤولين، وهذا الدعم لا يتنافى أن يكون لديكم انتقاد أو إشكال على المسؤول الفلاني أو الحكومة أو السلطة القضائيّة أو مجلس الشورى، فالدعم والتأييد يجب أن يتمّ على كلّ حال. إضافة إلى ذلك فإنّه - والحمد لله - المسؤولون يبذلون جهودهم ويعملون بجد. في هذه السنة التي استلمت فيها الحكومة زمام الأمور، بذلت جهودًا كبيرة وتحقّقت الكثير من الأعمال والإنجازات. والإنسان يلمس هذا ويشاهده عن كثب، لقد قاموا بأعمال كثيرة وحقّقوا نجاحات مميّزة، وكذلك الأمر في السلطة القضائيّة والأجهزة المختلفة مشغولة بالعمل. لا أزال أذكر حين كان يأتي البعض للقاء الإمام وينتقدون الحكومة ويعتبون عليها لوجود بعض النواقص والإشكالات، فيقولون مثلًا: هناك مسألة ما حصلت في ذلك المكان، وكان الإمام يجيبهم أيّها السادة إنّ إدارة البلد عمل صعب! والحقيقة بأنّ القضيّة هي كذلك: إدارة الأجهزة عمل صعب. من الممكن أن يكون شخص ما خاليًا من العيوب والنواقص من الناحية الفكريّة والعمليّة ومن الناحية السلوكيّة أيضًا، ولكن الجهاز الذي يشرف عليه يعاني من مشكلات وعيوب، هذا أمر ممكن ويحصل عادة، أي إنّ شموليّة المتابعة والإشراف على القضايا من الأبعاد كافّة ليس بالعمل السهل، هذا ما يحصل. والحال أنّ هناك مشكلات أخرى أيضًا. بالتأكيد، لا أحد يرفض الانتقاد - طرح الإشكالات والإنتقادات ونقاط ضعف البرامج والسياسات التنفيذية - لا أحد ينكر هذا ولكن ينبغي أن لا يكون هذا بمعنى التخريب والوقوف مقابل بذل الجهد وما شابه، يجب أن نعتبر دعم ومساعدة الحكومة والأجهزة التنفيذيّة والعمليّة واجبًا علينا جميعًا. وإن شاء الله يتمّ القيام به.
444
384
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء
نرجو الله تعالى أن لا يحرم هذا الشعب من أفضاله - وإن شاء الله - لن يحرمه، هذا المقدار الموجود حاليًّا في البلد من الميول والتوجّه نحو المعنويّات يساعد حتمًا، توجد بعض الحالات حيث يصل الإنسان فيها إلى طريق مسدود، ولكن التوجّه إلى الله تعالى والتوسّل بذيل عنايات الرب يفتح هذه الطرق المسدودة في الحقيقة، وإن شاء الله، يجب أن نكمل بهذا الشكل. وكما كرّرنا دائمًا، عندما أنظر إلى الأمام وإلى الأفق وإلى المستقبل أراه منيرًا جدًا وواضحًا، وأعلم بأنّ مستقبل هذا البلد سيكون أفضل من ماضيه من جميع الجهات الماديّة والمعنوية بتوفيق الله وبحوله وقوّته، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
445
385
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
في لقاء رئيس وأعضاء مجلس الخبراء كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
المناسبـــة: ذكرى ولادة الإمام الرضا عليه السلام واقتراب موسم الحج لعام 1435 هـ. ق.
الحضور: المسؤولون والمشرفون في بعثة الحج
المكان: طهران
الزمان:
16/06/1393 هـ.ش.
11/11/1435 هـ.ق.
07/09/2014 م.
447
386
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك ذكرى الولادة السعيدة للإمام عليّ بن موسى الرضا ثامن الحجج عليهم السلام، لكم جميعًا أيّها الأعزّاء الأخوة والأخوات ممّن شرّفونا هنا، وكذلك أبارك لكلّ الشعب الإيراني العزيز وجميع المؤمنين والمسلمين في العالم.
ولاية الإمام الرضا عليه السلام
على الرغم من وجود نقاط بارزة وممتازة جدًّا في الحياة المباركة للأئمّة عليهم السلام طوال 250 عامًا من مدّة الإمامة، بحيث تستحقّ كل نقطة منها التحليل والاهتمام والبحث والتفسير وإعادة النظر فيها، لكنّ زمن إمامة الإمام الثامن عليه السلام هو من أفضل الفترات في هذا المجال. كانت بداية إمامة الإمام الثامن عليه السلام في ظلّ السلطة المستبدّة لهارون الرشيد، بعد الشهادة المظلومة لموسى بن جعفر في السجن، والضغوط الرهيبة التي كانت تمارس ضدّ أي شخص يحيد قيد أنملة عن أوامر أجهزة السلطة. لقد تولّى الإمام الثامن عليه السلام الإمامة في ظلّ هكذا أوضاع وظروف.
يوجد رواية تذكر أنّ أحد الأصحاب قد قال إنّ هذا الشاب، ابن موسى بن جعفر قد تولّى زمام المسؤوليّة في وقت كان "سيف هارون يقطِّر الدم"1، في هكذا أوضاع، استطاع هذا الإنسان العظيم وفي تلك الظروف القاسية، أن ينشر الخطّ المنير الواضح للسيرة النبويّة، ويروّج للمعارف القرآنيّة والإسلاميّة في مجتمع المسلمين، وأن يقرّب القلوب إلى منهج أهل البيت وعترة الرسول، إلى أن وصل الدور لخلافة المأمون، وما جرى من إصراره وضغوطه الشديدة لإحضار ذلك العظيم من المدينة
1 الكليني، الكافي، ج8، ص258.
449
387
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
إلى مرو، إلى خراسان التي كانت عاصمة الدولة العباسية، أي إنّهم كانوا قد نقلوا مركز الخلافة من بغداد إلى مرو، وقد عادت إلى بغداد - التي كانت مركز العباسيّين السياسي - فيما بعد - يطول شرح مسألة طلب المأمون ونظام الخلافة والدافع من دعوة الإمام والإصرار والضغوط التي مورست عليه - لقد أجرى المأمون حساباته وهذه الحسابات سياسيّة بحتة، وتهدف إلى تمتين قواعد حكمه وإضعاف حركة معرفة أهل البيت عليهم السلام، والعمل الذي كان الأئمّة العظام يقومون به، كانت هذه سياسة المأمون. وفي مواجهة هذه الحركة السياسيّة والدهاء من المأمون، وضع الإمام الثامن عليه السلام خطّة إلهيّة حكيمة ،، في جميع أقطار العالم الإسلاميّ. كانت حركة عظيمة، بالاتّكال على الله تعالى، وبالتدبير الإلهي، وبتلك النظرة الولائيّة الشافية، استطاع الإمام الثامن عليه السلام أن يقلب الخطّة المعادية للسلطة السياسيّة المتجبّرة والظالمة، وأن يحوّلها لصالح أهداف الحق والحقيقة. هذا فصل مجيد وناصع من تاريخ الأئمّة عليهم السلام.
المرقد المطهّر، مركزُ توجّهٍ وتوحيد
لقد كان لوجود هذا المرقد المطهّر في هذا الجزء من الوطن الإسلاميّ الكبير بركات وافرة. بحمد الله، قد تحقّق التواصل وتعمّقت أواصر العلاقة بين المسلمين من أقصى نقاط العالم - من الذين تنبض قلوبهم بمحبّة أهل البيت من جميع المذاهب والفرق الإسلاميّة - ببركة هذا المزار المطهّر، وهذا المضجع الشريف، وحرم أهل البيت هذا في خراسان.
كلّنا أمل - إن شاء الله - بأن تتضاعف يومًا بعد يوم بركات وجود هذا المرقد المطهّر الذي هو محطّ توجّه قلوبنا إلى معنويّات هذه العترة الطاهرة المطهّرة. هنا مضجع علي بن موسى الرضا عليه السلام مطاف ملائكة السماوات، محضر النفحات الإلهيّة. القلوب الطاهرة، القلوب العاشقة، أولئك الذين أودعوا قلوبهم هذه العترة المطهّرة، هناك يناجون الله تعالى بقلوبهم المشتاقة، إنّه مركز ذكر، مركز توجّه،
450
388
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
مركز توحيد، بركة مضجع الإمام الثامن (عليه آلاف التحيّة والسلام). كلّنا أمل بأن تشمل بركات عناية هذا العظيم حالنا جميعًا، كل الشعب الإيراني وجميع مسلمي العالم، وأن توجب ارتباط أمتن وأقوى بين المسلمين في الأيام القادمة كما حدث في الماضي.
الحجّ: فرصة الإصلاح
إنّ مسألة الحجّ هي مسألة مهمّة، فبالإضافة إلى ما يحتويه في باب المعنويّات والآثار البنّاءة، إنّ هذا السفر المعنوي بحدّ ذاته هو فرصة تماثل الفرص الكبرى في الحياة. إنّ أي شعب، يجب عليه أن يثبت وعيه وفطنته من خلال الاستفادة بشكل كامل من الفرص، واغتنامها بأفضل ما يكون.
الحجّ هو فرصة، ويجب على النظام الإسلاميّ والمجتمع الإسلاميّ والشعب المسلم أن يغتنموا جميعًا هذه الفرصة، لأجل إصلاح أمورهم الدينيّة المعنويّة، لإنارة قلوبنا الغافلة والتفات المجتمع الإسلاميّ أكثر إلى الألطاف الإلهيّة من جهة، وكذلك لأجل إصلاح الكثير من الأمور المهمّة للأمّة الإسلاميّة. يجب الاستفادة من معنويّات الحجّ، فهو مقام أنس بالله تعالى، ذكر الله تعالى، إحساس الحضور في المحضر الإلهي، كلّها تتوافر في الحجّ أكثر من أي وقت آخر. في الحرمين الشريفين وفي منى، في عرفات والمشعر، في نداء "لبيك اللهم لبيك" هذا، في الإحرام، في أن يشعر الإنسان أنّه يلبّي الدعوة الإلهيّة ويستجيب لها، كلّ هذا بحدّ ذاته فرصة عظيمة كي تقوّي القلوب الواعية والذكيّة علاقتها بالله تعالى. فلنعرّف قلوبنا أكثر على الله، هذه فرصة بالغة الأهميّة.
كونوا مؤثّرين
بالطبع، فإنّ المسؤولين وعلماء الدين المحترمين المرافقين للحملات، مدراء الحملات، الخادمين في منظّمة الحجّ، وكذلك في بعثة القائد، تقع عليهم واجبات أكبر وأثقل، أنتم خادمو ضيوف الله! واجباتكم أثقل، وهذه الواجبات والوظائف
451
389
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
ليست محدودة بأوقات القيام بالمناسك فقط، فبعد أن تنتهي تلك المراسم والمناسك، أو في الفاصلة بين مناسك العمرة ومناسك الحجّ حين يكون للحجّاج والزوّار المحترمين أوقات فراغ، فإنّ إرشاداتكم وتوجيهاتكم ورعايتكم للحجّاج فردًا فردًا أمر إلزامي وواجب. في هذه الفاصلة الزمنيّة - ذهاب الحجّاج إلى مكّة وإيابهم وأداء مناسكهم - على المسؤولين أن يشعروا بالمسؤوليّة في تلبية الحاجات الماديّة، والأهم منها تلبية الحاجات المعنويّة: من خلال الاهتمام والتذكّر، ونفخ روح الخشوع وروح التضرّع، والإعراض عن المشاغل المعروفة التي تلهي، حيث إنّنا في الأيام العاديّة مبتلون بمشاغل وملاهٍ تجعلنا غافلين. يجب أن نتجنّب هذه المشاغل في أيام الحجّ ونبتعد عنها، أن نركّز كل هممنا في أيام الحجّ على التوجّه والتذكّر، وبهذا الشكل يمكن للحاج أن يستشعر في نفسه تغيّرًا حقيقيًّا بعد سفر الحج. الكثير من الحجّاج يغيّرون أسلوب حياتهم الخاطئ السابق بشكل كلّي، ويرجعون إلى الطريق الصحيح، طريق الاستقامة والعبادة والطاعة للحقّ ببركة سفر الحج.
الحج وقضايا العالم الإسلاميّ
كذلك في مجال القضايا العامة للعالم الإسلاميّ والأمّة الإسلاميّة، يوجد واجبات ووظائف ثقيلة. يمرّ العالم الإسلاميّ اليوم بمرحلة خطيرة. لا يمكن القول أنّه زمن أصعب من الأزمنة السابقة، الأمر ليس بهذا الشكل، في الأزمنة السابقة، شهد العالم الإسلاميّ وشعوبه المسلمة أحداثًا ووقائع صعبة، وخاض امتحانات قاسية، وتعرّض لمشاكل متعدّدة. العالم الإسلاميّ اليوم في وضع خطير، ولكن الغد سيشهد مستقبلًا منيرًا مشرقًا ويشاهد من بين أمواج البلاءات، يجب رؤية هذا المستقبل، يجب حساب الأخطار وتحليلها ومقارنتها، وإلى الحدّ الممكن الذي تستطيعون، فليسع المبلّغ والناشط والناطق باللغات الأخرى، الحاج العادي، فليسع الجميع أن يكونوا مؤثّرين في رفع مشاكل العالم الإسلاميّ، من خلال الكلام وإقامة اللقاءات وتبادل الآراء وتبادل المعلومات.
452
390
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
مكائد الأعداء والمواجهة الصادقة
إنّ من أهم أساليب ومكائد أعداء الأمّة الإسلاميّة اليوم إيجاد الاختلاف، إنّهم يوجدون الاختلاف والتفرقة. إذا وافق الإنسان على أنّ الحركة الإسلاميّة والصحوة الإسلاميّة تمثّل تهديدًا للقوى الكبرى، فإنّه سيدرك بشكل طبيعي وبديهي أنّ القوى الكبرى تركّز كل جهودها لتفرّق بين المسلمين وتزرع بينهم الشقاق والاختلاف، كي تشغلهم ببعضهم البعض وتسلبهم فرصة التفكير. هذا هو العمل الذي تقوم به هذه القوى حاليًّا بكلّ عزمها وحولها وقوّتها، تقوم بتحريض عناصر الاختلاف بين الفرق الإسلاميّة - وخاصّة بين السنّة والشّيعة - بكلّ ما استطاعت من قوّة في العالم الإسلاميّ، تشحن القلوب بالبغض والحقد وسوء الظنّ، وهذا هو العمل الذي تمارسه أيادي الاستعمار حاليًّا. وللأسف، فإنّ أشخاصًا من بيننا ومن داخلنا نحن المسلمين - من أهلنا السنّة وأهلنا الشّيعة - يساعدون العدو على تحقيق هدفه، هؤلاء غافلون! غارقون في الغفلة عمّا يقومون به في مجال زرع البغض والعداوة والتظاهر بالخلاف والخصومة، ويصبّ عملهم في خدمة مصالح القوى الكبرى، لا يفهمون!
الحج فرصة لرفع الخلاف والأحقاد
اعملوا وحاولوا في الحج بمقدار استطاعتكم أن تخفّفوا من عدم التفاهم هذا ومن هذه الأحقاد الاصطناعيّة التي يبثّها أعداء الإسلام والأمّة الإسلاميّة داخل الأمّة، قلّلوا من هذا الجو وخفّفوا منه. إنّ المصلحة الكبرى للعالم الإسلاميّ اليوم، في أن يسود الصفاء والمودّة في قلوب الأخوة المسلمين، لديهم مشتركات، يريد العدو أن يزيل كلّ هذه المشتركات الموجودة بين المسلمين، يريد العدو أن يزيلها ويقضي عليها. حاليًّا، وفي بعض مناطق العالم الإسلاميّ، تقوم بعض وسائل الإعلام والجهات بمحاولة القضاء على هذه المشتركات، يروّجون ويشيعون أنّ للشيعة رأي مختلف في القرآن وهو غير رأي المسلمين! وكذلك حول الرسول، يعلنون ويروّجون
453
391
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
وينفقون الأموال الطائلة، يلقون بالاتهامات على إخوانهم المسلمين، لمصلحة القوى الاستكباريّة، لمصلحة أميركا والصهاينة وأعداء الأمّة الإسلاميّة. اعملوا قدر استطاعتكم كي تبطلوا عدم التفاهم وعدم الانسجام هذا وسوء الظنّ وهذه الأكاذيب.
إنّ اجتماع المسلمين في الحجّ هو فرصة كبرى، ينبغي عدم إضاعة هذه الفرصة، بل اغتنامها بأحسن ما يكون، من خلال تأليف قلوب المسلمين وتقوية محبّتهم لبعضهم، في اللقاءات: فليشارك الجميع معًا، وفي المراسم المعنويّة والعباديّة والصلاة: ليتشارك الجميع، فليسجدوا معًا لله تعالى وليعبدوا الله في مقابل بيت الله. انزعوا هذا السلاح من يد العدو.
فلسطين، القضيّة الأولى
أنتم تلاحظون اليوم "التكفير"، كيف أنّه عامل لأعداء الإسلام وأعداء الأمّة الإسلاميّة، ليس فقط الشّيعة، بل إنّهم يكفّرون أهل السنّة، يفجّرون مساجد أهل السنّة وأماكن صلاتهم لمصلحة النظام الصهيونيّ، كي يشغلوا الناس والمسلمين بعضهم ببعض، ويغفلوا بذلك عن مسألة فلسطين المهمّة ويغفلوا عن نفوذ أعداء الإسلام في قلب العالم الإسلاميّ. هذا هو الهدف! البعض بسبب سذاجته وبساطته وآخرون أيضًا بسبب دوافع خبيثة ونوايا سيّئة يقومون بمساعدة الأعداء وتسهيل عملهم، يجب الالتفات إلى هذا الأمر.
إحدى القضايا التي ينبغي أن تولّى اهتمامًا خاصًّا في الحج هي قضيّة فلسطين. قضيّة فلسطين هي القضيّة الأولى للعالم الإسلاميّ. ولحسن الحظّ، فإنّ المسلمين فيما يتعلّق بفلسطين قد أصبحت يدهم هي العليا، وبشكل تدريجي ها هم يتفوّقون، لاحظوا ما حصل في حرب الخمسين يومًا الأخيرة في غزّة، انظروا كيف أنّ جمعًا محدودًا ذا إمكانات متواضعة من الفلسطينيّين - الذين لا يملكون أسلحة متطوّرة ولا موارد هائلة، ولا طرق ارتباط واتصال خارج الحدود، ومحاصرون من كلّ
454
392
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
الجهات - استطاع أن يتغلّب وينتصر على النظام الصهيونيّ الذي يمثّل رمزًا لقدرة الغرب في المنطقة. استطاع الفلسطينيّون أن يفرضوا شروطهم على العدو، وأن يُفشلوا أهداف الهجوم على غزّة، وهذا إنّما يدلّ على أنّنا أقوياء في ذاتنا وداخلنا، إنّ لدينا طاقات وقدرات هائلة، نحن نستطيع أن ننزع أي اعتداء ونتغلّب عليه، نحن قادرون على الدفاع عن أنفسنا. يجب أن لا نستخفّ بقوّتنا، قوّة الإسلام، وقوّة القرآن والإيمان، قوّة الأمّة الإسلاميّة قوّة كبيرة وقادرة، يجب أن لا نستخفّ بهذه القوّة، فهي قادرة على رفع الظلم.
مهمتنا رفع الظلم
نحن لا نريد السيطرة على العالم، إنّما نريد رفع الظلم ونحن قادرون أن نقوم بهذا العمل. كلّ الحجّاج فردًا فردًا معنيّون في اغتنام هذه الفرصة الكبرى. ويمكن لكلّ حاجّ منهم أن يقوم بدور مهمّ. كلّ منكم يمكنه أن يؤدّي دورًا. أنتم قادرون على التأثير، عالم الدين يؤثّر بشكل والطبيب بشكل آخر، وكذلك مدير الحملة والحاج العادي، لكلٍّ منهم دوره وتأثيره وينبغي على كلٍّ منهم أن يعتبر الحجّ فرصة وأن يغتنم هذه الفرصة بأحسن وجه.
التقدم نحو الأفضل
بحمد الله، إنّ أوضاع الحجّ وأداء مراسم الحجّ قد اختلفت عن السابق بشكل كبير، لقد تمّ القيام بأعمال جيّدة، سواء من جهة الخدمات الرفاهيّة والماديّة أم من جهة الخدمات الروحيّة والفكريّة والمعنويّة، لكن يجب علينا عدم القناعة بهذا المستوى، يجب التقدّم نحو الأفضل. النواقص كثيرة، وهناك أعمال كثيرة يمكن القيام بها، وفرص عديدة بين أيدينا ويجب الاستفادة منها. كلّ الإخوة من المناطق المختلفة والمذاهب المتعدّدة - وهم نموذج التضامن والانسجام بين الشّيعة والسنّة في إيران - يستطيعون أن يقدّموا قدوة وأسوة للعالم الإسلاميّ. اليوم، والحمد لله، إنّ الإخوة الشّيعة والسنّة داخل البلاد هم يد واحدة وقلب واحد، يتعاونون معًا،
455
393
في لقاء المسؤولين والمشرفين في بعثة الحج
ويقومون بإنجاز أعمال كبرى معًا، والحج هو من هذه الأعمال الكبرى وغيرها من الإنجازات الهامّة التي تتمّ بالتعاون العام والتنسيق بين جميع أفراد الشعب الإيراني. إنّ هذا ممكن أن يكون نموذجًا ناجحًا للعالم الإسلاميّ، كلّنا أمل بأن يضاعف الله الألطاف والأفضال الإلهيّة يومًا بعد يوم على الأمّة الإسلاميّة، وعلى طلّاب الإصلاح في الأمّة الإسلاميّة، وإن شاء الله، يكون حجّكم مقبولًا، وتعودون إلى بلادكم بجوائز وكنوز ثمينة من هذا السفر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
456
394
إلى حجاج بيت الله الحرام لعام 1435 هـ. ق.
نداء الإمام الخامنئي دام ظله
إلى حجاج بيت الله الحرام لعام 1435 هـ. ق.
المناسبـــة: حلول موسم الحج لعام 1435 هـ. ق.
الزمان:
08/07/1393 هـ.ش.
05/12/1435 هـ.ق.
30/09/2014 م.
357
395
إلى حجاج بيت الله الحرام لعام 1435 هـ. ق.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
تحيّة شوقٍ، وسلامَ تكريمٍ، لكم أيّها السعداء الذين لبّيتم دعوة القرآن الكريم وسارعتم إلى ضيافة بيت الله الحرام.
أوّل الحديث هو أن تقدّروا هذه النعمة الكبرى حقّ قدرها، وأن تجهدوا للاقتراب من أهداف هذه الفريضة الفريدة بالتأمّل في أبعادها الفرديّة والاجتماعيّة والروحيّة والعالميّة، وأن تتضرّعوا إلى المضيف الرحيم القدير أن يعينكم على ذلك.
وأنا معكم - قلباً ولساناً - أسأل الربّ الغفور والمنّان أن يتمّ نعمته عليكم، وأن يمنّ عليكم بأداء حجّ كامل كما منّ عليكم بتوفيق الرحال إلى حجّ بيته الكريم، وأن يتقبّل منكم بكرمه ويعيدكم غانمين سالمين إلى دياركم، إن شاء الله تعالى.
في الفرصة المغتنمة لهذه المناسك الغنيّة الفريدة، إضافة إلى التطهير والبناء المعنوي والروحي الذي هو أسمى وأعمق مكتسبات الحج، فإنّ الاهتمام بقضايا العالم الإسلاميّ والنظرة الرفيعة الشاملة لما هو أهم وأرقى في سلّم أولويّات الموضوعات ذات الصلة بالأمّة الإسلاميّة هو في صدر واجبات الحجّاج وآدابهم.
اتحاد المسلمين رأس الواجبات
إنّ مسألة اتّحاد المسلمين وحلّ العقد المفرّقة بين أجزاء الأمّة الإسلاميّة من جملة هذه الموضوعات الهامّة ذات الأولويّة في يومنا الراهن.
الحجّ مظهر الوحدة والتلاحم وساحة الإخاء والتعاون. وعلى الجميع أن يتلقّوا درس التركيز على المشتركات وإزالة الخلافات، فالسياسات الاستعماريّة وضعت بيدها الآثمة منذ القدم مهمّة التفرقة في قائمة أعمالها لتحقّق مقاصدها الخبيثة.
459
396
إلى حجاج بيت الله الحرام لعام 1435 هـ. ق.
وبعد أن تبيّن للشعوب الإسلاميّة اليوم بوضوح عِداء جبهة الاستكبار والصهيونيّة بفضل الصحوة الإسلاميّة واتّخذت منها الموقف اللازم، قد ازدادت سياسة التفرقة بين المسلمين شدّة وعنفًا.
العدو المخادع
إنّ العدوّ المخادع بإشعاله نيران الحروب الأهليّة بين المسلمين يستهدف جرّ مقاومتهم وجهادهم إلى الانحراف، كي يبقى العدوّ الصهيونيّ وعملاء الاستكبار. وهم الأعداء الحقيقيّون في هامش من الأمن، وإنّ تجهيز المجموعات الإرهابيّة والتكفيريّة وأمثالها في بلدان منطقة غرب آسيا يأتي في سياق هذه السياسة الغادرة.
إنّ هذا لهو تحذير لنا جميعاً، أن نضع اليوم مسألة اتّحاد المسلمين في رأس قائمة واجباتنا الوطنيّة والدوليّة.
قضيّة فلسطين
قضية فلسطين هي الموضوع المهم الآخر إذ بعد مرور 65 عاماً على إقامة الكيان الصهيونيّ الغاصب، والمنعطفات المختلفة التي مرّت على هذه القضيّة الهامّة والحسّاسة، وخاصّة الحوادث الدامية في السنوات الأخيرة، فإنّ حقيقتين قد اتّضحتا للجميع.
الحقيقة الأولى أنّ الكيان الصهيونيّ وحماته المجرمين لا يعرفون حدّاً لفظاظتهم وقسوتهم ووحشيّتهم وسحقهم لكلّ المعايير الإنسانيّة والأخلاقيّة. يبيحون لأنفسهم كلّ جريمة وإبادة جماعيّة وتدمير وقتلٍ للأطفال والنساء والأبرياء العزّل، بل كلّ اعتداء وظلم بمقدورهم ارتكابه، ثم هم يفخرون بما ارتكبوه. والمشاهد المبكية في حرب الخمسين يوماً على غزّة هي آخر نموذج من هذه الجرائم التاريخيّة التي تكرّرت مراراً في نصف القرن الأخير.
الحقيقة الثانية هي إنّ هذه المجازر والمآسي لم تستطع أن تحقّق هدف قادة
460
397
إلى حجاج بيت الله الحرام لعام 1435 هـ. ق.
الكيان الغاصب وحماته. وخلافاً لما كان يجول في ذهن لاعبي الساحة السياسيّة الخبثاء من آمال حمقاء بشأن سطوة النظام الصهيونيّ ومنعته فإنّ هذا الكيان يقترب يوماً بعد يوم من الاضمحلال والفناء. إنّ مقاومة غزّة المحاصرة والوحيدة لمدّة 50 يوماً أمام كلّ ما أجلبه الكيان الصهيونيّ من قوّة إلى الساحة، وما حدث في النهاية من فشل وتراجع لهذا الكيان واستسلامه أمام شروط المقاومة، لهو مشهد واضح لهذا الضعف والهزال والانهيار.
الصمود والثبات
إنّ هذا يعني أنّ الشعب الفلسطيني يجب أن يزداد فيه الأمل أكثر من أي وقت مضى، وأن يزيد المناضلون من الجهاد وحماس من سعيهم وعزمهم وهمّتهم، وأن تتابع الضفّة الغربيّة مسيرة العزّ الدائمة بقوّة وصلابة أكثر، وأن تطالب الشعوب المسلمة حكوماتها اتّخاذ مواقف مساندة حقيقيّة وجادّة من قضيّة فلسطين، وأن تقطع الدول الإسلاميّة بصدق خطوات على هذا الطريق.
الإسلام الأميركي
الموضوع الثالث المهم وذو الأولويّة، هو ما ينبغي للناشطين المخلصين في العالم الإسلاميّ أن يفرّقوا بنظرة واعية بين الإسلام المحمّدي الأصيل والإسلام الأميركي، وأن يحذروا ويحذّروا من الخلط بين هذا وذاك. لقد اهتمّ إمامنا الراحل لأوّل مرّة بالتمييز بين المقولتين. وأدخل ذلك في القاموس السياسي للعالم الإسلاميّ.
فالإسلام الأصيل هو إسلام النقاء والمعنويّة، إسلام التقوى والسيادة الشعبيّة، إسلام ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾1. وإنّ الإسلام الأميركي هو تقمّص العمالة للأجانب، ومعاداة الأمّة الإسلاميّة بزيّ الإسلام!!
إنّ الإسلام الذي يشعل نيران التفرقة بين المسلمين، ويضعُ الثقة بأعداء الله
1 سورة الفتح، الآية 29.
461
398
إلى حجاج بيت الله الحرام لعام 1435 هـ. ق.
بدلاً من الثقة بالوعد الإلهي، ويشنّ الحرب على الإخوة المسلمين بدلاً من مكافحة الصهيونيّة والاستكبار ويتّحد مع أميركا المستكبرة ضد شعبه أو الشعوب الأخرى ليس بإسلام، إنّه نفاق خَطرِ مُهلك يجب أن يكافحه كلّ مسلم صادق.
إنّ نظرة مقرونة بالبصيرة وعمق التفكير توضّح هذه القضايا والموضوعات الهامّة في واقع العالم الإسلاميّ لكلّ باحث عن الحق، وتحدّد الواجبات والتكاليف الراهنة بلا غموض.
إنّ في الحج ومناسكه وشعائره فرصة مغتنمة لاكتساب هذه البصيرة، ومن المؤمّل أن تحظُوا أنتم أيّها الحجّاج السعداء بهذه الموهبة الإلهيّة بصورة كاملة.
أستودعكم الله العظيم جميعاً، وأسأله تعالى لكم قبول الطاعات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السيّد علي الخامنئي.
5 ذي الحجة 1435 هجرية قمرية - 8 مهر 1393
462
399
في حشد من مختلف شرائح الشعب
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في حشد من مختلف شرائح الشعب
المناسبـــة: عيد الغدير
الحضور: حشود من مختلف شرائح الشعب
المكان: طهران - حسينيّة الإمام الخمينيّ قدس سره
الزمان:
21/07/1393 هـ.ش.
18/12/1435 هـ.ق.
13/10/2014 م.
463
400
في حشد من مختلف شرائح الشعب
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لجميع الحاضرين في هذا اليوم، وهو يوم عيد الغدير المبارك وللإخوة والأخوات الأعزّاء في الأمّة الإيرانيّة الكريمة، ولجميع شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، بل ولجميع أولئك الأشخاص المتعلّقين بمحتوى هذا الدين الشريف والمطلّعين على حقائق الإسلام المعرفيّة، وهم يشعرون بلذّة هذا الإحساس، وأهنّئ الحضور الكريم، خاصّة أولئك الإخوة والأخوات اللذين قدموا من أماكن بعيدة إلى هذه الحسينيّة، وزيّنوها بحضورهم الكريم.
أعرض لكم جملة واحدة من باب مسألة الغدير، وجملة أخرى حول الوظائف الملقاة على عاتقنا، والتي ينبغي التوجّه إليها والتي هي اليوم موضوع الغدير والتي ينبغي استفادتها من معارف الغدير العميقة.
واقعة الغدير ثابتة لدى عموم المسلمين
إنّ مسألة الغدير قضيّة مهمّة جدّاً في تاريخ الإسلام، أوّلاً: إنّ أصل هذه الحادثة العظيمة والمهمّة، وهذا البيان الشريف للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه"1، لا ينقله خصوص الشّيعة، وإنّما يعدّ من المسلّمات عند عموم المسلمين، وأمّا أولئك الأشخاص الذين حاولوا أن يعترضوا على الحديث نجدهم لم يعترضوا على أصل صدور هذا الحديث، وإنّما ذهبوا إلى تأويل وتوجيه معنى الجملة في أصل هذه الحادثة، فإنّ أصل هذه الحادثة مسألة مسلّمة من الناحية التاريخيّة والإسلاميّة، والشبهات التي تطرح حول معنى هذه الجملة، والتي قد
1 الطبرسي، الاحتجاج، ج2، ص 450.
465
401
في حشد من مختلف شرائح الشعب
تخطر في ذهن بعض المحدَثين1، وغير الناضجين فكريّاً ومعرفيّاً في هذا اليوم، هي نفسها تلك الشبهات والاعتراضات التي ذُكرت قبل ألف سنة تقريبًا، وردّ عليها وأجاب عنها علماؤنا العظام، ولم يبقَ أدنى شبهة في أصل هذه المسألة والحادثة، ومعنى جملة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حين سأل الناس في منطقة غدير خم: "ألست أولى بكم من أنفسكم"2، - وبهذا إشارة منه إلى الآية القرآنيّة الكريمة: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾3 - وبعد هذا السؤال كانت هذه الجملة منه صلى الله عليه وآله وسلم: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه"، ومن المؤكّد أنّه لا يوجد أي مجال للشك في أصل هذه المسألة. وما تتضمنه هذه الجملة التاريخيّة الشريفة، والتي ينبغي أن تبيّن للأذهان، وهو غير موضوع تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة والخلافة بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ووصيّته له - وهو المعنى الرائج والشائع لهذه الجملة - إنّما هو مضمون مهم آخر في هذا البيان لا ينبغي الغفلة عنه، وهو تعرّض الإسلام لأمر الحكومة ومسألة سياسة الأمّة، وأهميّة هذا الموضوع من وجهة نظر الإسلام.
الغدير هو الردّ..
أولئك الأشخاص الذين سعوا لفصل الإسلام عن المسائل الاجتماعيّة وعن المسائل السياسيّة، وحاولوا حصر الإسلام بالمسائل الشخصيّة والمسائل الخصوصيّة لحياة الأفراد - وفي الواقع كانوا ينظرون نظرة سكولارية (علمانيّة) للإسلام، وقد سعى إعلام العدو وأيادي العدو أيضاً للترويج لهذه الرؤية بين المسلمين على طول التاريخ - إنّ الجواب والردّ على هؤلاء هو مسألة الغدير، فإنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الموقع الحساس، وفي آخر أشهر حياته وبناءً للتعاليم الإلهيّة والتكليف الإلهي بيّن مسألة أساسيّة ومهمّة، وهي عبارة عن التعرّض لمسألة الحكومة لما بعد زمان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. وإن مسألة تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام لم تكن بمعنى
1 أو الانتهازيين القاصرين والذين ليس لديهم عمق في المعرفة والانصاف.
2 جامع الأحاديث الشيعيّة، ج23، ص742.
3 سورة الأحزاب، الآية 6.
466
402
في حشد من مختلف شرائح الشعب
التنصيب في خصوص الجوانب المعنويّة فقط، بل يمكن القول إنّ الجوانب المعنويّة غير قابلة للتنصيب، وما هو قابل للتنصيب عبارة عن الحكومة والحكم والسياسة وقيادة المجتمع الإسلاميّ، وهذا ما أوصى به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، هذه نقطة مهمّة جداً في مسألة الغدير، والتي تعتبر جواباً مفحماً لأولئك الذين يظنّون ويصرّحون أنّ الإسلام بعيد عن المسائل السياسيّة والمسائل الحكوميّة، وأمثال ذلك.
وبناءً عليه، فإنّ هذا الأمر يكشف عن حقيقتين اثنتين، حقيقة تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام بعنوان أنّه الإمام بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وحقيقة مسألة التعرّض للحكومة والسياسة والإمامة وإدارة الأمّة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهذان موضوعان مهمّان جدّاً وحسّاسان، وهما موجودان في مسألة الغدير، ويعدّان جزءاً من المعارف التي يحملها الغدير ودرساً كبيراً لجميع المسلمين في هذا العصر، وفي عصور الإسلام المقبلة.
الغدير.. عقيدة
وما ينبغي في هذا اليوم التعرّض له والاهتمام به هو، أنّ مسألة الغدير مسألة اعتقاديّة، فالشّيعة وأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ومدرسة الإمامة ملتزمون ومتمسّكون بمسألة الغدير، وهذا أصلٌ وأساس للفكر الشيعيّ بلا شك، ولا مجال للبحث فيه. وإن من لديه شبهة ونقاش في هذا الصدد يمكنه طرحه والبحث فيه في المجامع العلمية وفي المجالس التخصصيّة، فليجلسوا وليتعرّضوا لهذا البحث. إنّ منطق الشّيعة قويٌ وحجّة الشّيعة حجّة قاطعة ولا شكّ فيها، لكن يجب أن لا يترك ذلك أثراً (سلبيًّا) على حياة الناس، وفي حياة المسلمين العامة، وتعاونهم والأخوة فيما بينهم.
عيد الغدير ومخططات الأعداء
وإنّ مسألة الاختلاف بين الفرق الإسلاميّة - سواء بين الشّيعة والسنّة أم بين الفرق المختلفة الموجودة في داخل كل فرقة من المذاهب الإسلاميّة الأساسيّة - هي إحدى مراكز أطماع أعداء الإسلام، لا خصوص أعداء التشيّع. فعلى مدى السنوات
467
403
في حشد من مختلف شرائح الشعب
المتمادية كانوا وما زالوا يسعون لإيجاد الاختلاف بين المسلمين، لأنّ الاختلاف بين المسلمين يؤدّي إلى استهلاك همم المسلمين وقدراتهم ودوافعهم وبذل ذلك كلّه في هذه المشاكل الداخليّة، والغفلة عن المسائل الخارجيّة وعن أعدائهم الكبار. وقد كانت هذه هي السياسة الأساسيّة للاستعمار على مدى السنوات المتمادية، وقد شاهد الأعداء بعد انتصار الثورة الإسلاميّة وتشكيل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة انتشار فكر ورؤية الجمهوريّة الإسلاميّة في العالم الإسلاميّ، فركّزوا على سياسة التفرقة بشكل أكبر وأصرّوا بشدّة على هذا الموضوع، وبذلوا الأموال حتى يفصلوا العالم الإسلاميّ عن الجمهوريّة الإسلاميّة.
سلاح "فرّق تسد"
إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وثورتنا العظيمة وإمامنا العظيم الشأن الذي استطاع أن يلفت أفكار وأذهان العالم الإسلاميّ إليه، وأن يجذب القلوب إليه، واستطاع أن يوجّه دوافعهم وحركاتهم باتجاهها1، وهذا ما أخاف العدو وأخاف الاستعمار والاستكبار والصهيونيّة، وبشكل أكثر وضوحًا، أخاف المنظومة السياسيّة في أميركا، لذلك لجأوا للتوسّل باستخدام ذلك السلاح القديم وهو سلاح ("فرّق تسد") أو "إيجاد التفرقة".
واليوم، وعلى مدى هذه السنوات المتمادية يسعون لزيادة رقعة الاختلافات بين الشّيعة والسنّة، وذلك من أجل صرف أذهان الفرقتين عن عدوّهم الأساسي الذي هو عدوّ الإسلام، لا عدو التشيّع بالخصوص ولا عدوّ التسنّن بالخصوص، لقد سعوا ليشغلوهم بعضهم ببعض، وهذه هي سياسة الاستعمار. وإنّ الخبير بهذه السياسة هو الأيادي السياسيّة والأمنيّة لحكومة بريطانيا الخبيثة، والتي كانت نشطة جدّاً في هذا المجال منذ القدم، وقد سعوا جاهدين، ويعرفون كيف يوجِدون التفرقة والاختلاف بين الفرق الإسلاميّة، وقد جرّبوا طرقها وهم يعرفونها ويعملون عليها.
1 الجمهوية الاسلامية ونظامها الفكري والسياسي.
468
404
في حشد من مختلف شرائح الشعب
مخاطر التكفير
وهذا تيّار "التكفير" - الذي ظهر اليوم في العراق وسوريا وبعض دول المنطقة، هو في الحقيقة يواجه جميع المسلمين، لا يواجه خصوص الشّيعة - هو من صنع أيادي المستعمرين أنفسهم، فهم صنعوا شيئاً باسم القاعدة، وشيئاً باسم "داعش"، لأجل مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة ولمواجهة حركات الصحوة الإسلاميّة، بالتالي هم قد هيمنوا عليه، أمّا اليوم فقد انقلب الأمر(وطالتهم النيران)، طبعاً، عندما ينظر الإنسان اليوم بنظرة تحليليّة دقيقة يرى أنّما تقوم به أميركا وحلفاؤها اليوم في ما سمّوه "المواجهة مع داعش" - والتي لا واقعيّة لها - يرومون في هذه المسألة توجيه عداوة المسلمين لتكون فيما بينهم، ويسعون ليتعرّض المسلمون لقتل بعضهم بعضًا، أكثر من السعي لإبادة نطفة هذه الحركة الخبيثة، وقد جعلوا سبب ذلك اليوم هذه المجموعة الجاهلة والمتعصّبة والمتحجّرة، وإلّا فالهدف هو الهدف، وهو السعي لصرف المسلمين عن عدوّهم الأساسي. ونحن - الشّيعة والسنّة وكلّ شخص مرتبط بالإسلام وكلّ شخص يرى حاكميّة القرآن ويقبل به - يجب علينا أن نعلم أنّ أميركا والسياسات الأميركيّة وسياسات الاستكبار وسياسات الصهيونيّة هم أعداء الإسلام هم الأعداء الواضحون للإسلام وأعداء حاكميّة الإسلام، وإن السعي الذي يسعون إليه اليوم هم أنفسهم قد أسّسوا له وسعوا له منذ خمسة وثلاثين سنة، فهم منذ خمسة وثلاثين سنة يسعون بأنواع مختلفة. بإذن الله وبحول الله وقوته، سوف يخسرون كل هذه الجهود التي هي ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة، وبفضل الله سبحانه وتعالى، سوف يخسرون في هذه المواجهة قطعاً.
الوحدة الإسلاميّة: أوجب الواجبات
إنّ وظيفة المسلمين اليوم - مسلمي الشّيعة منهم والسنّة - أن لا يساعدوا العدو من خلال تأجيج وإثارة مشاعر التفرقة بين بعضهم بعضاً. وعلى الشّيعة أن يعلموا أنّ هذه المشاعر وهذه الأحاسيس وهذه الاختلافات والمشاكل إذا أثيرت بين السنّة
469
405
في حشد من مختلف شرائح الشعب
والشّيعة، فإنّ المستفيد الأوحد هو العدوّ المشترك والعدوّ الأساسي، ولا ينبغي أن نسمح بذلك، وعلى السنّة أيضاً هذا التكليف نفسه، فالطرفان ينبغي عليهم مراقبة هذا الأمر، وأن لا يثيروا النعرات والحساسيّات فيما بينهم، ولا يهينوا مقدّسات بعضهم بعضا، ولا يشعلوا نار المشاكل الطائفيّة بين المسلمين والفرق الإسلاميّة، وخاصّة بين السنّة والشّيعة - والتي هي مُنى عين أعداء الإسلام - على الجميع أن يلتفت إلى هذا الأمر. فإذا قام شخص ما بعمل يؤدّي إلى إثارة حساسيّة الطرف الآخر، وإلى إيجاد العداوة. فليعلم وليكن على يقين أنّه بذلك يعين أميركا، ويساعد بريطانيا الخبيثة والصهيونيّة، ويساعد أولئك الأشخاص الذين أوجدوا "داعش"، و"القاعدة"، والتكفير من أجل إيجاد الاختلاف والتفرقة بين الشّيعة والسنّة.
وفي هذا اليوم، إنّ من أوجب الواجبات والوظائف في المجتمعات الإسلاميّة، والتي على الجميع أن يلتزموا بها، هي الوحدة الإسلاميّة، والأخوّة الإسلاميّة، والارتباط الحميم فيما بين المسلمين. طبعاً، إن المسلمين المؤمنين والمطّلعين، وأصحاب البصيرة والذين يعيشون في ظل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة يعرفون تكليفهم، وأتمنّى هنا وفي جميع الأماكن أن يلتزموا بهذه الوظائف وهذا التكليف.
أسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق للجميع والإفادة لكم وللعالم الإسلاميّ - إن شاء الله - من بركات عيد الغدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
470
406
يصدر حكماً للدورة الجديدة من المجلس الأعلى للثورة الثقافية
الإمام الخامنئي دام ظله
يصدر حكماً للدورة الجديدة من المجلس الأعلى للثورة الثقافية
المناسبـــة: الذكرى السنوية لتأسيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية
الزمان:
26/07/1393 هـ.ش.
23/12/1435 هـ.ق.
18/10/2014 م.
471
407
يصدر حكماً للدورة الجديدة من المجلس الأعلى للثورة الثقافية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن فلسفة وجود المجلس الأعلى للثورة الثقافية هي فهم الماهية الثقافية للثورة الإسلاميّة وتبيينها وتثبيتها وتكريسها، وإعادة التشكيل المستديم والمتجدد للجبهة الثقافية للثورة الإسلاميّة، ورصد وتمتين حالات التقدم الثقافي في البلاد بما يتناسب والإمكانيات والقدرات الهائلة لإيران الإسلاميّة الثورية.
إن الإدارة الاستراتيجية للتحديات في هذه الساحة عبر "الاستفادة المثلى والكاملة والكفوءة والمتزايدة من كل الفرص والإمكانيات"، وكذلك "إحباط التهديدات والآفات بنظرة حكيمة ومعقولة"، و"المواجهة الذكية لحملات المهاجمين والعدوانيين"، من جملة الواجبات الرئيسية لهذا المجلس. إن المجالات الأساسية والمفتاحية من قبيل: إنتاج العلم، ونمط الحياة، والتعليم والبحث العلمي، والثقافة العامة، والهندسة الثقافية، تمثل مفاصل مهمة أوكل تنظيمها في الجمهوريّة الإسلاميّة إلى المجلس الأعلى للثورة الثقافية.
إن التزام المجلس الأعلى للثورة الثقافية باسمه وعنوانه هو شرط لنجاحه في مهمّاته الخطيرة الملقاة على عاتقه.
بالنظر لانتهاء دورة أخرى من مسؤولية المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وعلى أعتاب دورة جديدة، يتم تنصيب الأعضاء الحقوقيين والحقيقيين لهذا المجلس، كما في الدورة الماضية مع إضافة مساعد رئيس الجمهوريّة لشؤون البرمجة والإشراف الاستراتيجي، ومساعدة رئيس الجمهوريّة لشؤون المرأة والأسرة، ورئيس مكتب الإعلام الإسلاميّ، إلى الأعضاء الحقوقيين للمجلس لدورة جديدة تستمر ثلاث سنوات.
473
408
يصدر حكماً للدورة الجديدة من المجلس الأعلى للثورة الثقافية
أرى من الواجب تقديم الشكر والتقدير للجهود والمساعي الدؤوبة والمثمرة لرئيس وأعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية المحترمين، وأمينه العام المحترم، وأمانته العامة خلال هذه الدورة، وأعلن عن النقاط التالية كأولويات عمل للمجلس في دورته الجديدة:
1- على الرغم من الجهود الجيدة للمجلس في متابعة الأولويات التي تم تبليغها في الأعوام الماضية، فإن الأولوية الأصلية للمجلس اليوم هي تحقيق القرارات وتنفيذها السريع والكامل، ومتابعتها حتى تحقيق النتيجة الكاملة.
2- بالنظر للاصطفافات الجدية بين أنصار الثقافة الثورية والإسلاميّة ومعارضيها المعاندين المتحفزين، يجب على المجلس الأعلى للثورة الثقافية ومن خلال تعامله الفعال والإبداعي مع هذه الاصطفافات الثقافية الواضحة، بث الأمل والثقة والتشجيع في قلوب محبّي الثقافة الدينية والثورية في داخل البلاد وخارجها، وفرض القلق واليأس على المعادين.
3- بالنظر لحالات الرشد والنمو الملحوظة، والتدفق الكبير للأنشطة الثقافية على مستوى الشعب، وخصوصاً بين الشباب المتدين الثوري، على الأجهزة الثقافية للنظام وعلى رأسها المجلس الأعلى للثورة الثقافية أن ترى لنفسها دور الحلقات المكملة والميسّرة والملهمة للأنشطة الشعبية التلقائية والشاملة على الصعيد الثقافي، وأن تقوم برفع الموانع والعقبات من طريقها.
4- إن رفع المستوى الكمّي والنوعي لاستهلاك وإنتاج المنتجات الثقافية، لن يكون ممكنًا دون وضع سياسات صحيحة، وخطوات متتابعة ومستمرة، واستدعاء كل الإمكانيات الوطنية واسثمارها في هذا المضمار. إن إعادة هندسة بنية الأعمال والإدارات الثقافية على أساس هذا التوجه هو من لوازم النجاح في هذا المواجهة الثقافية التاريخية. على المجلس الأعلى للثورة الثقافية أن يتمكن من إعادة تشكيل ومضاعفة كل الإمكانيات الصلبة والبرمجية، والطاقات الإنسانية في المجال الثقافي بما يتناسب والظروف المذكورة.
474
409
يصدر حكماً للدورة الجديدة من المجلس الأعلى للثورة الثقافية
5- المتابعة الجادة للتقدم والسرعة في المسيرة العلمية والتقنية للبلاد من الأولويات الأساسية في البلاد، والتي للمجلس الأعلى للثورة الثقافية دوره البارز فيها. والحمد لله، لقد اكتسب مضمار العلم والتقنية في البلاد خارطة طريقه، من خلال المصادقة على الخارطة العلمية الشاملة للبلاد وتبليغها، تشكلت اللجنة الإستراتيجية للخارطة العلمية الشاملة، وانطلقت الحركة في هذا المسار وإلى الآن كان لها آثار ونتائج جيدة، ومن الضروري متابعة هذه الحركة بمزيد من الجدّ والاهتمام، خصوصاً من قبل المسؤولين في السلطات الثلاث، وخصوصاً في الحكومة المحترمة. إن سرعة النمو العلمي للبلاد يجب أن لا تقل حتى بمقدار قليل بأية ذريعة من الذرائع، بل، ينبغي أن تزداد يوماً بعد آخر، وعلى المجلس الأعلى للثورة الثقافية أن يمارس دوره في الإشراف عليها ورصدها وتوجيهها بنحو جدّي وفعّال.
6- إن الهندسة الثقافية وموضوع التحول والتجديد في النظام التعليمي والعلمي للبلاد، سواء في التعليم العالي أو التربية والتعليم، وكذلك التحول في العلوم الإنسانية، والذي جرى التأكيد عليه في الدورات السابقة، لم تصل بعد إلى نتائجها المنشودة. وإن التأخر التأجيل لهذه الأمور سيسبب خسارة كبيرة للثورة الإسلاميّة، لذلك ينبغي النظر لهذه الأمور بمزيد من الجدّ، وأن تصل لنتائجها عبر إعادة نظر وبرمجة جديدة في غضون فترة زمنية معقولة وممكنة.
7- من الضروري التأكيد على عقد اجتماعات المجلس الأعلى للثورة الثقافية بشكل منظم وفي المواعيد المقررة، وكذلك الحضور الفاعل والبناء والمترافق مع البحث المتخصص للأعضاء، وخصوصاً رؤساء السلطات المحترمين في الاجتماعات والنقاشات، وتخصيص ما يلزم من وقت وهمّة لذلك من قبل كل الأعضاء، وخاصة الأعضاء الحقيقيين.
أسأل الله تعالى التوفيق لكل السادة.
السيد علي الخامنئي
475
410
للتعزية بوفاة آية الله مهدوي كني
بيان الإمام الخامنئي دام ظله
للتعزية بوفاة آية الله مهدوي كني
المناسبـــة: وفاة آية الله مهدوي كني
الزمان:
29/07/1393 هـ.ش.
26/12/1435 هـ.ق.
21/10/2014 م.
477
411
للتعزية بوفاة آية الله مهدوي كني
بسم الله الرحمن الرحيم
ببالغ الأسى والأسف تلقينا نبأ رحيل العالم المجاهد والمتقي آية الله الشيخ محمد رضا مهدوي كني رضوان الله عليه عن دار الفناء، وآلم قلوب محبيه ومريديه.
إن هذا العالم الجليل كان من الرعيل الأول للمجاهدين في درب الثورة الشائك، ومن الوجوه المؤثرة ونصيرًا حقيقيًا لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، ومن الأوفياء الغيارى والصادقين للإمام الراحل قدس سره، ومارس دوره في كل السوح المهمة للبلاد إبان الثورة بشجاعة وصدق.
إن الفقيد الكبير قد ظهر كعالم دين، ورجل صادق في السياسة وثائر صريح في كل مكان وزمان منذ التحاقه بمجلس الثورة، ومن ثم تشكيل اللجان الثورية في بداية تأسيس النظام الإسلاميّ، ومن ثم تسنمه منصب وزير الداخلية وقبوله التصدي لمنصب رئاسة الحكومة، حتى دخوله معترك إنتاج العلم وتربية الشباب الصالحين، وتأسيس جامعة الإمام الصادق عليه السلام، وإمامة صلاة الجمعة في طهران، وأخيرًا رئاسة مجلس خبراء القيادة، ولم يسمح أبدًا بأن تترك الأمور الشخصية والغايات الفئوية بالتأثير على نشاطه الواسع والمؤثر.
إن هذا الإنسان الكبير والمتقي استخدم كل ثقله للدفاع عن درب الثورة والنظام الإسلاميّ خلال العقود الماضية، فرحمة الله ورضوانه عليه.
إنني أتقدم بالعزاء لعائلته الكريمة وأخيه الفاضل، والشعب الإيراني وعلماء الدين العظام، وكل محبيه وتلاميذه ومن تربى على يده، سائلًا المولى القدير علو درجاته.
479
412
في لقاء المشاركين في الملتقى الوطني الثامن للشباب النخب
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء المشاركين في الملتقى الوطني الثامن للشباب النخب1
المناسبـــة: الملتقى والمؤتمر الوطني الثامن للشباب النخب
الحضور: جمع غفير من الشباب النخب في إيران وأصحاب المواهب
المكان: طهران - حسينيّة الإمام الخمينيّ قدس سره
الزمان:
30/07/1393 هـ.ش.
27/12/1435 هـ.ق.
22/10/2014 م.
1 قبل أن يبدأ الإمام الخامنئي بخطابه قدّم الدكتور سورنا ستّاري (المعاون العلمي والتقني لرئيس الجمهوريّة ورئيس مؤسسة النخب الوطنية) تقريرًا كاملًا.
481
413
في لقاء المشاركين في الملتقى الوطني الثامن للشباب النخب
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية الشباب
لا يوجد بالنسبة إلى شخص مثلي، يبلغ هذا السنّ ويتحمّل هذه المسؤوليّة، ما هو أجمل من لقاء جمعٍ مثل جمعكم هذا، أنتم الشباب الذين دخلتم ساحة الحياة العلميّة، وتبشِّرون بمستقبل مشرق لمستقبل هذا البلد. إنّ عيوننا - أنا وأمثالي - ناظرة إليكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقكم من خلال ما تمتلكونه من قوّة فكريّة وعزيمة وإرادة لبناء بلدكم ومنزلكم الذي تفتخرون به، بنحو يليق بهذا البلد العزيز ويليق بهذا التاريخ. فأهلًا وسهلًا بكم، ونحن مسرورون اليوم بزيارتكم هذه.
في الحقيقة لقد سررتُ جدًّا ممّا عرضه لنا السيّد ستّاري، السيّد ستّاري هو من النخبة، وكذلك والده الشهيد أيضًا - الشهيد منصور ستّاري - كان في الحقيقة من النخبة، سواء من الناحية الفكريّة والذهنيّة، أو من الناحية العلميّة والعمليّة، وكذلك من جهة الدافع والإيمان والحضور في المجالات الصعبة - أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشر عزيزنا الشهيد ستّاري مع أوليائه، ويوفّق السيّد ستّاري أيضًا لكلّ خير - فإنّ الأمور التي أتى على ذكرها هي في الواقع صحيحة بالكامل ومهمّة جدًا، ونسأل الله سبحانه لمؤسّسة النُخَب ولهذه المعاونية التي انطلقت بعد إصرارنا ومتابعتنا لعدّة سنوات، وها هي بدأت عملها وبلغت النضج والعطاء، أن يوفّقهم لأداء وظائفهم على أكمل وجه.
483
414
في لقاء المشاركين في الملتقى الوطني الثامن للشباب النخب
ما هي النخبة
أودّ أن أشير إلى مسألة مهمّة ولعلّها هي محور كلامي معكم: إنّ من الأمور المهمّة التي ينبغي على النخب في هذا البلد أن يفكّروا فيها جيدًا ويتعمّقوا فيها هي: أصل مقولة النخبة (النخبويّة) ومفهوم النخبويّة، فعليكم أن تنظروا لهذا المفهوم نظرة علميّة وحكيمة، فالنخبويّة تركيبٌ مؤلّف ومشكّل من استعداداتكم، وما قدّمتم من همّة في السعي والعمل، وبذلتم من مثابرة ومن تتّبع، وجميع هذه الأمور - الاستعداد والهمّة والمثابرة - هي عطاءات الله سبحانه وتعالى لكم، وهذا رزق إلهي منحه لكم، ﴿وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ﴾1، هذا الرزق الذي أعطاه الله لكم، وكذلك فإنّ الاستعداد والسعي وقابليّاتكم الذهنيّة، وكذلك الهمّة والمثابرة وما قدّمتموه في الدرس والبحث والمطالعة والعمل - فكثير من الناس يمتلكون الاستعداد والقابليّات ولكن ليس عندهم الهمّة والنشاط -، وكذلك المثابرة التي منحكم الله إياها، فبذلتم الوقت وجلستم وقرأتم وفكّرتم وطالعتم وبحثتم، وكلّ هذه الأمور بحاجة إلى صبر، وهذا التحمّل أيضًا يعدّ نعمة إلهيّة، إنّ كلّ ذلك رزق إلهي.
تكليف النخبة الإنفاق من رزقهم
وعندما نعرف مصدر هذا الاستعداد وهذه الهمّة، حينها نعرف أين ينبغي أن تُصرف، وأين ينبغي أن تبذل، وقد حدّد الله سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾2، أنّه لا بدّ من الإنفاق، وهذا الرزق الإلهي المقدّم لكم لا بدّ أن تنفقوا منه، وليس الإنفاق بمعنى أن يُخرج أحد من جيبه مالًا ليعطيه لأحد المحتاجين. إنّ هذا الرزق أرفع بكثير، وهو رزق ذو قيمة أغلى أيضًا، وكذلك إنفاقه يكون أغلى، ولا بدّ من إنفاقه، وإنفاق رزق العلم أن
1 سورة النحل، الآية 71.
2 سورة البقرة، الآيتان 2 و 3.
484
415
في لقاء المشاركين في الملتقى الوطني الثامن للشباب النخب
يكون في خدمة المجتمع، وفي خدمة تاريخكم، ومستقبلكم، وأن تضعونه في خدمة وطنكم وشعبكم، وهذا ما يوضّح ويحدّد تكليف النُخَب، فانفقوا هذا النحو من الرزق في سبيل الله، وابذلوه في خير ومصلحة عباد الله، وليكن خاليًا من أيّ مِنَّة - وهذا الأمر أيضًا أذكره لكم.
صحيح أنّ هذا الرزق الذي أعطاه الله لكم تقومون بتقديمه لعامّة الناس، لكنّكم أيضًا تستفيدون بنحوٍ آخر وبشكل دائم ومستمرّ من نتيجة هذا العمل وخدمتكم عامّة الناس، فالأمر بمثابة أخذٍ وعطاء، فالخبز نفسه الذي تأكلونه، وهذا اللباس الذي تلبسونه، وتلك الوسيلة التي تستخدمونها بالذهاب والإياب إلى أعمالكم، أليست هي نتيجة أعمال أولئك الذين لم يطلق عليهم اسم النخبة؟ فهؤلاء يقدّمون لكم نوعًا من الأعمال، وأنتم عليكم أن تقدّموا لهم نوعًا من الأعمال، هذه هي النخبة. إذا كان هكذا يتمّ الإنفاق فسوف يلحق ذلك الهداية الإلهيّة والمدد الإلهي. انظروا، في هذه الآية الشريفة ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾، أهدى هذا الكتاب وقدّم الهداية للمتقين. والمتّقون مَن هم؟ هم الذين ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾. وعندما تقومون بهذا الإنفاق سوف تكونون من عداد أولئك الأشخاص الذين تشملهم الهداية الإلهيّة، هذه الهداية، سواء في مجال اتساع نطاق النخبويّة1 أم في مجال التوفيق لكيفيّة بذل وتفعيل هذه النخبة، هي هداية الله سبحانه وتعالى.
النخبة تحضر حيث الحاجة
إن الهداية ستجعلكم حاضرين لملء أي فراغ موجود، وتستطيعون أن تتصدوا له وفي أي مكان، لا فرق بين ساحة وأخرى. انظروا، إنّ الشهيد شمران كان واحدًا من النخبة العلميّة، والجميع يعرفه كجندي وقائد ومقاتل، إلّا أنّه كان أيضًا أحد النُخَب العلميّة في الدرجة الأولى - أنا سمعت منه شخصيًا ومن الآخرين أيضًا - أنّه كان من الأشخاص والطلّاب أصحاب الدرجات العالية في المراكز العلميّة التي كان
1 بمعنى زيادة عدد ونوع النخبة.
485
416
في لقاء المشاركين في الملتقى الوطني الثامن للشباب النخب
يدرس فيها في أميركا، لقد كان نخبة علميّة بكلّ ما للكلمة من معنىً. إلّا أنّه شعر بوجود حاجة للمجيء والعمل في هذا المجال، فجاء واستفاد من ذلك الاستعداد ومن تلك القدرة والهمّة التي يمتلكها، ودخل إلى هذا العمل وقام بأعمال عظيمة جدًّا، هذا واحدٌ من النخبة.
مثالٌ آخر الشهيد مجيد شهرياري، الذي كان أيضًا واحدًا من النخبة. لم يكن عمل شهرياري متعلّقًا بالحرب، ولكن كان هناك مكانٌ خال ونقطةٌ فارغة هي محل حاجة. فذهب هذا الشهيد النخبة إليها وبدأ العمل فيها، وهكذا سائر شهدائنا النخبة الذين عملوا في الواقع.
وعلى كلّ حال، عندما نعلم أنّ هذه الأمور عطاءات إلهيّة، ونعم إلهيّة، ورزقٌ إلهي عندها نفهم أين ينبغي أن ننفق هذا الرزق الإلهي. هذا موضوع وهو أساس كلامي الذي كنت بصدد الحديث عنه.
علينا مواصلة الحركة العلميّة
أما بالنسبة لمسألة العلم والبحث، فقد تحدّثنا كثيرًا منذ سنوات - ولله الحمد لم يكن هذا الكلام بلا جدوى - وقد نهض البلد في السنوات العشر والاثني عشر الأخيرة بحركة علميّة حيّة، وموجّهة وجدّية. وبحمد الله، انطلقنا بشكلٍ كامل، لكن علينا أن نكمل هذا الطريق. وقد أكّدت - أنا شخصيًّا - في الحكم الأخير الذي صدر عن المجلس الأعلى للثورة الثقافية1، أنّه ينبغي للحركة العلميّة أن لا تتوقّف، لأنّ أيّ توقّف يترافق مع التأخّر، ونحن في سباقٍ عالمي، ونعاني من التأخير الكثير. والآن، تعتبر سرعة تقدّمنا جيّدة إلّا أنّ التأخّر كبيرٌ إلى حدٍ لم تتجاوزه سرعة تقدّمنا، ولحدّ الآن، لم يستطع أن يوصلنا إلى المحل المطلوب، لذلك لا بدّ أن نتابع السير ونسعى جاهدين. هذه الحركة العلميّة ضروريّة. وإذا ما استمرّت هذه الحركة العلميّة مع ما يلحقها من الحواشي والمتعلّقات - والتي يعدّ واحدًا منها تشكيل هذه الشركات العلميّة المحور والإقبال على الاقتصاد العلمي المحور. وهذه الأمور من
1 راجع حكم تعيين أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية في (26/07/ 1393هـ.ش.).
486
417
في لقاء المشاركين في الملتقى الوطني الثامن للشباب النخب
لوازم هذه الحركة العلميّة التي انطلقت - بحمد الله، فإنّنا سوف نوصل البلد إلى شاطئ النجاة -.
الدولة بإدارة الاستعدادات الداخليّة
لقد تحدّث منذ قليل عزيزنا السيّد ستّاري بكلامٍ صحيح، وقال: لا مكان للنخبة في بلد واقتصاد يعتمد على المصادر الجوفيّة، وتكون الثروة التي جاءت مع الريح هي الحاكمة، فلا يتمّ التعرّف على النخبة فيها، ولن يتمّ استقطابها ولا الشعور بالحاجة إليها أصلًا. وعندما نتّجه إلى استخراج ثروتنا التاريخيّة من أعماق الأرض، ونستمرّ في بيع الخام، ونصبح بحالة "ولد الثري الوطني"1 - لنقل هكذا، فإنّ أوّلاًد الأغنياء لا يعرفون قيمة المال، فهم يصرفون أيّ مال يصل إلى أيديهم - إذا أردنا إدارة البلاد بهذا الشكل، فلن يتم التعرّف على النخبة ولا الشعور بالحاجة إليهم، ولن يستطيعوا القيام بدور، وفي النتيجة سيكون مصير البلاد بيد واضعي السياسات العامة للنفط العالمي والمصادر الجوفيّة. وهذا ما يحدث في هذه الأيّام: تقوم سياساتهم على أن تنخفض قيمة النفط يومّا، فجأة ترون أنّ البرميل انخفض 20 دولارًا، فحتى الأمس كان يباع بسعر 105 دولارات، واليوم ينبغي أن يباع بقيمة 85 دولارًا، وهذه سياسة عالميّة، والدولة التي تربط اقتصادها بالسياسيّين والمنظّرين والمخطّطين الذين يفكّرون ويعملون خارج مصالحها، فمعلوم كيف سيكون مستقبلها. على الدولة أن تدار من خلال قواها الداخليّة، وبتعبيره الصحيح (أي السيّد ستّاري) أن تدار من خلال الذخائر التي هي فوق الأرض (الفوقية)، أي من خلال استعداداتنا الداخليّة، قوانا الإنسانيّة، ذكاء الشباب، ينبغي أن تدار الدولة بهذه الأمور، وإذا تحقّق هذا الأمر فإنّه لا يوجد قدرة في العالم تستطيع أن ترسم نهاية اقتصاد البلد أو أيّ شيء يتعلّق باقتصاد البلد، أو تتلاعب به كما تشاء، وعلى هذا الأساس لا بدّ من الذهاب باتجاه العلم والبحث، وهذا عمل ضروري، ومن
1 للتعبير عن ابن الثري المبذَر الذي لا يعرف قيمة ما لديه.
487
418
في لقاء المشاركين في الملتقى الوطني الثامن للشباب النخب
الطبيعي جدًّا أن لا نخلط بين إنتاج العلم الذي تحدّثت عنه، وبين تقديم البحوث والمقالات، فإنّ الإحصاءات التي تقدّم، والمقالات التي تنشر، هي مقالات علميّة، وبعضها قيّم جدًّا ويعدّ من المقالات المصدر والمرجع في العالم، وهذا أمر جيّد وله مكانته القيّمة في حدٍّ ذاته، ولكن ليس هذا هو كلّ القضيّة، أوّلاً يجب أن تكون المقالات إبداعيّة، وثانيًا لا بدّ أن تحاكي هذه المقالات الاحتياجات الداخليّة للبلد، وهذا ملقًى على عاتق الجامعات ومراكز البحوث العلميّة، وينبغي الاعتماد على هذا الأمر.
التقدّم العلمي، مسؤوليّة الجميع
وأذكر لكم هذا الأمر أيضًا، وهو أنّ التقدّم العلمي هو عمل الجميع، بمعنى أنّ المسؤولية على عهدة جميع مؤسّسات الدولة، فعلى المعاونية العلميّة ومؤسسة النُخَب مسؤوليّات مهمّة ولها شأنها، ولها أعمالها الخاصّة، ولكن تستطيع كلّ جامعات الدولة وكلّ المؤسّسات المختلفة في الدولة - وزارة التربية والتعليم، ووزارة العلوم، والمنظّمات المختلفة الموجودة في البلد - أن تساهم في لعب هذا الدور، وتستطيع هذه الخارطة العلميّة الشاملة - والتي تمّ تدوينها ونشرها بحمد الله - أن تحدّد وظيفة مؤسسات مختلفة ومتنوّعة، وينبغي علينا في كلّ منظومة جامعات البلاد أن نشكّل سلسلة علميّة متكاملة، وبالمعنى الواقعي، علينا أن نشكّل شبكة عظيمة إنتاج العلم في جميع المجالات والأقسام التي هي محلّ الحاجة، ويكون كلّ واحد منها مساعدًا للآخر ومكمّلًاله، فلا بدّ من التعاون بين كلّ من مراكزنا التحقيقيّة وكذلك جامعاتنا، وكذلك سائر المؤسّسات التي لها ارتباط ما بالمسائل العلميّة - وبعون الله سبحانه سيتحقّق هذا الأمر - وتتشكّل الشبكة العلميّة الشاملة.
أذكروا الله والجؤوا إليه
أيّها الشباب الأعزاء، أوصيكم جميعًا بتعزيز علاقتكم مع الله سبحانه وتعالى، مهما استطعتم، ولا بدّ أن تكون البرامج التي توضع لكم بصدد تقوية وتعزيز هذا
488
419
في لقاء المشاركين في الملتقى الوطني الثامن للشباب النخب
الأمر، فإنّ قلوبكم أيّها الشباب نقيّة طاهرة، ومنوّرة، وهي أكثر معرفة بالله سبحانه - تحدّثوا مع الله، اطلبوا من الله، الجؤوا إلى الله، تحدثوا معه عن آلامكم وآمالكم، حاولوا ما استطعتم أن توجدوا هذه الحالة في أنفسكم - واعلموا أنّ نجاحكم في المستقبل سيكون بشكل أكبر، وفي هذه الآية الشريفة: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾1، نجد قبل ذكر الإنفاق ذكر إقامة الصلاة، والصلاة هي مظهر الارتباط والاتصال بالله.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقكم جميعًا، وأن يرضى عنكم إمامنا العظيم وشهداؤنا الأعزاء، ويقومون بالدعاء لكم، كما أنّني دائمًا أدعو لكم أيّها الشباب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 سورة البقرة، الآية 3.
489
420
في مراسم تخرّج طلبة جامعات الضبّاط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في مراسم تخرّج طلبة جامعات الضبّاط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة
المناسبـــة: المراسم الثامنة لتخرّج طلبة جامعات الضبّاط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة
الحضور: جمع من الضباط والمتخرجين وبعض الجرحى وعوائل الشهداء
المكان: طهران
الزمان:
26/08/1393 هـ.ش.
24/01/1436 هـ.ق.
17/11/2014 م.
491
421
في مراسم تخرّج طلبة جامعات الضبّاط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله سبحانه وتعالى على النعمة التي أفاضها علينا، نعمة وجود الشباب المؤمن والضبّاط الطاهرين والمخلصين الذين يبشّرون جيش الجمهوريّة الإسلاميّة، ونظامها الدفاعي بمستقبل مشرق، أنتم أيّها الشباب الأعزّاء - سواء الشباب الذين أنهوا دراستهم في هذه الجامعة ووصلوا إلى درجة الضباط، أم الشباب الذين دخلوا للتوِّ إلى ساحة العلم والتجربة والإيمان وسوف يستفيدون، إن شاء الله، استفادة عظمى - أبنائي الأعزّاء والأبناء الأعزّاء والمتألّقين للشعب الإيراني، أبارك لكم جميع إنجازاتكم ونجاحاتكم، كما أشكر - من كلّ قلبي - جميع قادتكم ومسؤوليكم الذين أخذوا على عاتقهم هذا العبء الثقيل.
لقد كان برنامج هذا اليوم، برنامجًا جميلًا جدًا، وفي نفس الوقت غنيّ المضمون والمحتوى، وأسأل الله سبحانه أن يثبّت هذه الأقوال في روحكم وقلبكم وفكركم وعملكم لسنوات طويلة، وأن تبقوا على العمل بهذه الشعارات، والالتزام بهذا النهج.
القوى المسلّحة: اقتدار مع إيمان وبصيرة
تعتبر القوى المسلّحة في كلّ بلدٍ أحد أركان الاقتدار والقوة فيه، ومن المتيقّن أنّ أساس الاقتدار العسكري في أيّ بلدٍ يشكّل مظهر القدرات العامة أمام سائر الدول، ولكن لا ينبغي أن ننظر إلى معنى الاقتدار في نفس القوى المسلّحة نظرة بسيطة وساذجة، فالقوى المسلّحة المقتدرة هي تلك التي تكوّن وتوجه الكوادر والطاقات، وتشكّل الدافع لهم وتمنحهم المعنويّات والعزيمة الراسخة ليظهر في شخصيّتهم، وأساليب عملهم وسلوكهم وحركاتهم في ساحات المسؤوليّة. ولا يفيد الجمعُ ولا العدّة ولا الكثرة، ولا التدريبات العسكريّة ولا التجهيزات والمعدّات، ولا تسهم في
493
422
في مراسم تخرّج طلبة جامعات الضبّاط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة
صنع المستقبل والمصير ما لم يتعاضد مع الإيمان والبصيرة والعزيمة الراسخة والرؤية البعيدة المدى، إلى آخر صفوف العدو.
فالعدد الكبير في القوى المسلّحة أو في التجهيزات المتطوّرة أو حتى في التدريبات العصريّة، كلّ هذا لوحده لا يكفي لصناعة قوّة واقتدار البلد أو الشعب، ولا يؤدّي إلى اقتدار تلك الأمّة. فلا بدّ من توفّر عناصر الإيمان والعزيمة والشعور بالمسؤوليّة، وإدراك حقيقة مسؤوليّة القوى المسلّحة، هذه الأمور هي التي تستطيع أن تجعل القوى المسلّحة بالمعنى الحقيقي للكلمة ركن قوة الأمة واقتدارها.
استطاعت القوى المسلّحة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة - سواء جيش الجمهوريّة الإسلاميّة أم الحرس وقوى التعبئة وسائر الأفراد في مجموعة نظام القوّات المسلّحة - أن تثبت على مدى السنوات الطويلة (ثمانية أعوام من الدفاع المقدّس)، وأن يظهروا ما يختزنونه من قابليّات معنويّة وعلميّة، وقدرة على الإبداع وعزيمة راسخة، لذلك فإنّ العالم يحسب لهذه القوّات المسلّحة حسابها، ويأخذها على نحو جدي، ويعلم أنّه أينما كانت الساحة ساحة مسؤوليّة وساحة حرب وقتال في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، فسيكون أداء القوات المسلّحة متكاملًا وممتازًا.
القوى المسلّحة: خميرة الاقتدار المعنوي
أيّها الشباب الأعزّاء والأبناء الفدائيّون لهذا الشعب، الذين اخترتم لأنفسكم هذه الساحة الخطيرة، ورهنتم أنفسكم لرفع جاهزيّة مجموعة (منظومة) القوّات المسلّحة باطّراد، تدرسون وتتعلّمون وتفكّرون وتحقّقون وتقومون بكلّ أعمال النظم، وسائر الفنون العسكريّة بهذه النيّة، وبهذا الفكر وبهذه الهمّة العالية، وتريدون أن تكونوا بالمعنى الحقيقي للكلمة الركن المهم لاقتدار بلادكم.
إن لهذه الجامعة التي تتزيّن بالاسم المبارك لأمير المؤمنين عليه السلام مفاخر عدّة. فهؤلاء الشهداء الذين نرى صورهم النورانيّة في هذا المكان، جميعهم كانوا من هذه الجامعة، فهنا تربّوا واستطاعوا أن يفوا بدورهم. وهناك عددٌ من جنودنا
494
423
في مراسم تخرّج طلبة جامعات الضبّاط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة
وشهدائنا الأعزّاء من الشباب الجامعي لهذه الجامعة. فهذه الجامعة مكانٌ مبارك، فهي جامعة ومحلٌّ لتربية أناس تفتخر بهم الأمّة الإيرانيّة، ويعدّون أساسَ ومنشأ اقتدارها المعنوي، فعليكم أن تعرفوا قدرها، وأنّكم متواجدون في هكذا مركز ومشغولون ببناء أنفسكم في هكذا مكان، وعليكم أن تفتخروا بذلك.
إنّ عالم الإسلام اليوم، بل عالم البشريّة، يحتاج إلى رسالة الإسلام، ورسالة الأمّة الإيرانيّة الإسلاميّة، فهذا العالم اليوم مبتلًى بحوادث عديدة يصنعها الأنانيّون (المتعسّفون) والتوسّعيّون. إنّ عالم اليوم، من خلال الوسائل الجديدة والمخرّبة والمهلكة، هو بأيدي الكثير من الأشخاص الذين لا يعرفون سوى رغباتهم الفرديّة والجماعيّة، ولا يدركون معنى الفضيلة ولا يشمّون رائحة الإنسانيّة. في هكذا عالم، عندما يرتفع نداء الإسلام عاليًا، وعندما ترفرف راية الإسلام، فإنّه سوف يلفت إليه أنظار كلّ العالم، وهذا ما حصل فعلًا هذه الأيام. ومن الطبيعي جدًا أن تظهر ردّات فعل الأعداء، فهم يستخدمون الفنّ والسياسة والعسكرة، وشتّى الوسائل لكي يظهروا الإسلام بصورة سيّئة أمام العالم.
أنتم ورثة الشهداء
إنّ تخويف الناس من الإسلام هو من الأعمال (البرامج والخطط) الأساسيّة والمهمّة التي تقوم بها الشركات الفنيّة1 المعروفة في العالم. لماذا؟ لو لم يكن الإسلام مهدّدًا لمنافع عتاة العالم، لم تكن ردّات الفعل هذه لتظهر في المقابل. كما ترون، إنّهم يقومون بتشكيل جماعات باسم الإسلام وباسم الحكومة الإسلاميّة، يجهّزونها ويسلّحونها ويدعمونها، ليقوموا بقتل الناس الأبرياء، ويجعلون كثيرًا من الدول غير آمنة بسببهم، كلّ ذلك يشير إلى مدى نفوذ رسالة الإسلام (وانتشارها)، فهم يخافون من الإسلام الحقيقي ومن الإسلام الأصيل، الإسلام الذي حمله جيل الشباب الذي سبقكم في ساحات الحرب وفي ساحات السياسة وفي ساحات الثورة،
1 المقصود: السينما الهوليودية وسائر الأعمال الفنية الموجّهة في هذا الإطار
495
424
في مراسم تخرّج طلبة جامعات الضبّاط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة
وأظهروه للعالم، واليوم، أنتم ورثة أولئك الشهداء العظام وأولئك الرجال العظماء. وإنّ رسالة الإسلام، اليوم، رسالة للإنسانيّة ورسالة السلام والعزّة والافتخار ورسالة حياة يعمّها الأمن والأمان، وهذا ما لا يريده الأعداء في العالم أن يُعرف ولا أن تتعرّف عليه الأمم.
أعزائي، ادرسوا جيّدًا وتعلموا الدروس العسكريّة بشكل جيّد، وليكن ذلك متلازمًا مع مراعاة الضوابط الإسلاميّة والمباني الدينيّة، وعليكم أن تبدعوا، كما كان محقّقونا وعلماؤنا الشباب يقدّمون في الساحات العلميّة المختلفة المفاخرَ والإنجازات العلميّة، كذلك أنتم عليكم أن تقدّموا المفاخر العسكريّة وإنجازات النظم والتشكيل العسكري، والابتكارات الجديدة التي يمكن أن ترتقي بمؤسّسة عسكريّة إلى أعلى القمة، ابتكروا ذلك وعمّموه في أوساطكم.
أسأل الله سبحانه وتعالى لكم التوفيق والعناية - وإن شاء الله - سوف تشاهدون أنتم الشباب الأعزّاء مستقبلًا أفضل وأوضح وأرقى في هذا البلد، وسوف تكونون مساهمين بذلك الغد المشرق بشكل كامل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
496
425
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
المناسبـــة: انعقاد المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
الحضور: المشاركون في المؤتمر وجمع من العلماء من كل أنحاء العالم
المكان: طهران
الزمان:
04/09/1393 هـ.ش.
02/02/1436 هـ.ق.
25/11/2014 م.
497
426
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا المصطفى الأمين محمّد وآله الطّيّبين الطّاهرين المعصومين، وعلى صحبه المنتجبين والتّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.
بداية، أرحّب بضيوفنا الأعزّاء والحضور المحترمين، وعلماء المذاهب الإسلاميّة المختلفة الذين شاركونا في هذا اللقاء، ونشكر حضوركم الفعّال والمفيد في اللقاءات المهمّة لهذا المؤتمر، والتي دامت ليومين. ومن الضّروريّ أن أتشكّر علماء قم الكبار وفضلاءها، وخصوصًا حضرة آية الله مكارم الشّيرازيّ، وحضرة آية الله السّبحانيّ، الذي يعود إليهم إبداع هذه الفكرة ووضعها موضع التّنفيذ، وبحمد الله، لقد قاموا بالمقدّمات الأساسيّة لهذا العمل، وينبغي لهذه الحركة أن تستمرّ. لقد اطّلعت طيلة اليومين الماضيّين على كلمات الخطباء المحترمين بالإجمال، وأنا العبد، أريد أن أتعرّض لعدّة نقاطٍ أيضًا:
معًا في مواجهة التيّار التكفيريّ
أوّلاً، إنّ هذا المؤتمر هو لأجل تناول التيّارات التّكفيريّة التي تُعدّ تيّارات مضرّة وخطرة في العالم الإسلاميّ. إنّ التيّار التّكفيريّ، وإن لم يكن أمرًا جديدًا، حيث أنّه قد امتدّ عبر التّاريخ، وله سوابق تاريخيّة، إلّا أنّه قد اكتسب حياة جديدة وقوّة إضافيّة في السّنوات الأخيرة، بفضل خطّة الاستكبار والأموال التي ضخّتها بعض دُول المنطقة، ومن خلال تخطيط بعض الأجهزة الأمنية والمخابراتيّة للدّول الاستعماريّة ـ كأميركا وإنكلترا والنّظام الصهيونيّ. إنّ هذا اللقاء، وهذا المؤتمر، وحركتكم هذه، إنّما هي لأجل المواجهة الشّاملة لهذا التّيّار، وليس
499
427
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
منحصرًا بما يُسمّى اليوم بداعش. إنّ التيّار المعروف اليوم بداعش هو أحد فروع الشّجرة الخبيثة للتّكفير ولا يمثّلها كلّها، إنّ هذا الفساد الذي قامت به هذه المجموعة، وهذا الإهلاك للحرث والنّسل، وكلّ هذا الإهراق لدماء الأبرياء هو جزءٌ من جرائم تيّار التّكفير في العالم الإسلاميّ، ويجب أن ننظر بهذه العين إلى هذه القضيّة.
إنّني من قلبي أشعر بالأسف، لأنّنا نحن في العالم الإسلاميّ، الذين ينبغي أن نصرف كلّ طاقاتنا لأجل مواجهة الكيان الصهيونيّ، ومواجهة هذا العمل الذي يتمّ ضدّ القدس الشّريف والمسجد الأقصى، والذي ينبغي أن يهزّ كلّ العالم الإسلاميّ، مضطرّون اليوم للانشغال بتلك المصائب التي أوجدها الاستكبار داخل العالم الإسلاميّ، ولا بدّ من ذلك. في الواقع، إنّ تناول قضيّة التّكفير هو أمرٌ فُرض على علماء العالم الإسلاميّ، ونُخب وحكماء العالم الإسلاميّ أيضًا. إنّ هذا الأمر قد افتعله العدوّ كمشكلة للعالم الإسلاميّ، ونحن مضطرّون لمواجهته، في حين أنّ القضيّة الأساسيّة هي الكيان الصهيونيّ، وهي قضية القدس، وهي قضيّة القبلة الأولى للمسلمين والمسجد الأقصى، هذه هي القضيّة الأساسيّة.
التيّار التكفيريّ في خدمة الاستكبار
هناك نقطة لا يمكن إنكارها وهي أنّ تيّار التّكفير، والحكومات التي تدعمه وتحميه، إنّما تتحرّك كلّها باتّجاه النّوايا المبيّتة للاستكبار والصهيونيّة، وإنّ كلّ ما يفعلونه إنّما يخدم أهداف أميركا والدّول الاستعماريّة الأوروبيّة والكيان الصهيونيّ المحتلّ، والشّواهد على ذلك تجعل الأمر قطعيًّا. إنّ للتيّار التّكفيريّ ظاهرًا إسلاميّا، لكنّه من النّاحية العمليّة ليس سوى خدمة للتيّارات الاستعماريّة والاستكباريّة والسّياسيّة الكبرى التي تعمل ضدّ العالم الإسلاميّ، ويوجد شواهد واضحة في هذا المجال، ولا يمكن الغضّ عنها، وسوف أتعرّض لبعض هذه الشّواهد.
500
428
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
حرف الصحوة الإسلاميّة عن مسارها
أحدها: هي أنّ تيّار التّكفير قد استطاع أن يحرف حركة الصّحوة الإسلاميّة. لقد كانت هذه الحركة الإسلاميّة (الصحوة الإسلاميّة) حركة معادية لأميركا والاستبداد وعملاء أميركا في المنطقة، لقد كانت حركة انطلقت من بين عامّة النّاس، في بلدان شمال إفريقيا المختلفة، ضدّ الاستكبار وضدّ أميركا، وقد استطاع تيّار التّكفير أن يغيّر وجهة هذه الحركة العظيمة، المعادية للاستكبار ولأميركا وللاستبداد، إلى حربٍ بين المسلمين واقتتالٍ بين الإخوة. لقد كانت حدود فلسطين المحتلّة تمثّل الخطّ الأماميّ للنّضال في هذه المنطقة، فجاء هذا التيّار التّكفيريّ وحوّل هذا الخطّ الأماميّ إلى شوارع بغداد، ومسجد سوريا الجامع ودمشق، وشوارع باكستان والمدن المختلفة في سوريا، بحيث أصبحت هذه الأماكن هي الخطّ الأماميّ للمواجهة.
انظروا اليوم إلى أوضاع ليبيا وسوريا والعراق وباكستان، وانظروا ضدّ من تعمل وتُرفع تلك الطّاقات والسّيوف التي يحملها المسلمون! لقد كان من اللازم أن تُستعمل كلّ هذه الطّاقات والأسلحة ضدّ الكيان الصهيونيّ، فجاء هذا التيّار التّكفيريّ وبدّل وجهة هذا القتال، ووجّهه باتّجاه البيوت وإلى داخل مدننا وداخل بلداننا الإسلاميّة. لقد فجّروا عبوّة داخل مسجد دمشق الجامع، ووسط تجمّعات النّاس العاديّين في بغداد، وأطلق مئات الأشخاص في باكستان النّار على مئات الأشخاص. وعندما تنظرون إلى ليبيا فسوف تلاحظون هذه الوضعيّة وتشاهدونها، وهذه كلّها ليست سوى بعض جرائم التيّار التّكفيريّ، التي لا يمكن أن تُنسى عبر التّاريخ، والتي أدّت إلى كلّ هذه الأوضاع. لقد قاموا بتبديل هذا التحرّك وجعلوه في خدمة أميركا وإنكلترا، وفي خدمة الأجهزة المخابراتيّة لهذه الدّول وللموساد وأمثاله.
501
429
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
التنسيق مع الكيان الصهيونيّ
يوجد شاهدٌ آخر أيضًا، وهو قيام أولئك، الذين يدعمون هذا التيّار التّكفيريّ، بالتّنسيق مع الكيان الصهيونيّ من أجل أن يحارب المسلمين، ولا نجدهم يعترضون، في حين أنّهم يوجّهون كلّ أنواع وأشكال الضّربات والمؤامرات إلى الدّول الإسلاميّة وشعوبها، وبذرائع مختلفة.
تدمير اقتصاد الدول المسلمة
شاهدٌ آخر هو أنّ هذه الحركة المثيرة للفتنة، التي أوجدت هذا التيّار التّكفيريّ في البلدان الإسلاميّة ـ في العراق وسوريّا وليبيا ولبنان وبعض الدّول الأخرى ـ أدّت إلى تخريب البُنى التحتيّة المهمّة لهذه الدّول. فانظروا إلى عدد الشّوارع والمصافي والمناجم والمطارات والجادّات والمدن والبيوت التي تمّ تدميرها بسبب هذه الحروب الدّاخليّة، وعلى أثر كلّ هذا النّزاع بين الإخوة! فكم ينبغي أن يُصرف من وقت ومال وميزانيّات من أجل إرجاعها إلى وضعها السّابق؟! فكلّ هذه الأضرار والضّربات التي وُجّهت إلى العالم الإسلاميّ طيلة السّنوات السّابقة وإلى يومنا هذا، إنّما كانت بسبب هذا التيّار التّكفيريّ.
تشويه صورة الإسلام
شاهدٌ آخر، هو خدش التيّار التّكفيريّ لصورة الإسلام في العالم وجعلها قبيحة. لقد شاهد العالم كلّه في أجهزة التّلفاز كيف أنّهم يقومون بذبح إنسان من دون أن يحدّدوا له جناية، ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾1، لقد قام هؤلاء بالعمل بخلاف هذه الآية تمامًا، فقتلوا المسلمين، وذبحوا غير المسلمين الذين لا يتعرّضون لهم ولم يقاتلوهم، ونشروا تصوير ذلك في كلّ العالم، حتّى تشاهد الدّنيا كلّها هذه
1 سورة الممتحنة، الآيتان 8 و 9.
502
430
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
الصّورة. لقد شاهد العالم كلّه، كيف أنّ شخصًا يقوم بذبح شخصٍ آخر تحت اسم الإسلام، وكيف أنّه يستخرج قلبه ويأكله، هذا ما شاهده العالم، وقد قاموا بذلك كلّه تحت عنوان الإسلام، إسلام الرّحمة، إسلام التعقّل، إسلام المنطق، إسلام: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾، قاموا بتعريفه بهذا الشّكل، فهل يوجد من جناية أو جريمة أكبر من ذلك؟! وهل هناك أخبث من هذه الفتنة؟! هذا ما يرتبط بتيّار التّكفير.
ترك محور المقاومة وحيداً
الشّاهد الآخر هو أنّ هؤلاء قد تركوا محور المقاومة وحيدًا. فقد كانت غزّة لمدّة خمسين يومًا تقاتل لوحدها وتقاوم، ولم تهبّ الدّول الإسلاميّة لمساعدتها، ولم تبذل تلك الأموال والدّولارات النّفطيّة من أجل قطاع غزّة، بينما قد جعل بعض هؤلاء تلك الأموال في خدمة النّظام أو الكيان الصهيونيّ.
ضياع الطاقات الشبابية
والسيّئة الأخرى والشّاهد الآخر هو أنّ تيّار التّكفير قد قام بحرف كلّ هذا الحماس والعنفوان الموجودين عند الشّباب المسلم في كلّ أنحاء العالم الإسلاميّ. فنحن نشاهد اليوم حماس هؤلاء الشّباب في كلّ أرجاء العالم الإسلاميّ، وكيف أنّ الصّحوة الإسلاميّة قد أثّرت بهم، وكيف أنّهم كانوا مستعدّين للتحرّك في خدمة أهداف الإسلام الكبرى، إلّا أنّ تيّار التّكفير قد قام بحرف كلّ هذا الحماس والاندفاع، وجرّ هذه الجماعات من الشّباب الغافل والجاهل نحو ذبح المسلمين وارتكاب المجازر بحقّ النّساء والأطفال في قرية ما، فهذا من مساوئ تيّار التّكفير.
وجهة تيار التكفير
لا يمكننا أن نمرّ مرور الكرام على هذه القرائن والشّواهد، فكلّها تشير إلى أنّ تيّار التّكفير هو في خدمة الاستكبار وفي خدمة أعداء الإسلام وفي خدمة أميركا، وفي خدمة إنكلترا، وفي خدمة الكيان الصهيونيّ. بالطّبع، يوجد شواهد أخرى
503
431
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
أيضًا، وقد أُخبرنا أنّ طائرات النّقل الأميركيّة قد قامت بنقل المعدّات، التي كانت تحتاجها هذه الجماعة المعروفة بداعش، إلى تلك المراكز التي يستقرّ فيها هذا التّنظيم في العراق، وقدّمت لهم المساعدات، فقلنا لعلّ هذا الأمر قد حصل عن طريق الخطأ، إلّا أنّه تكرّر، وقد عرفنا فيما بعد أنّ هذا الأمر قد تكرّر خمس مرّات، فهل يمكن أن يحدث مثل هذا الخطأ خمس مرّات؟ هذا في الوقت الذي شكّلوا تحالفًا هو بالظّاهر ضدّ داعش، لكنّه في الواقع كذبٌ محض، فلهذا التّحالف أهداف خبيثة أخرى، وهم يريدون إحياء هذه الفتنة لكي يبقى الكلّ في حالة نزاعٍ وصراع، وتبقى الحرب الأهليّة بين المسلمين كما هي، فهذه هي أهدافهم، وبالطّبع، لن يفلحوا في النّهاية، اعلموا ذلك.
مهمّات كبرى
يوجد عدّة مهمّات كبرى يجب أن تُنجز. وأعرض عليكم، أنتم أيّها السّادة المحترمون الذين شاركتم في هذا المؤتمر على مدى يومين، وفكّرتم بسبل الحلّ، وقمتم بتشخيص المسؤوليّات، أعرض عليكم عدّة أعمال ضروريّة لا يمكن الغضّ عنها:
1- نهضة علميّة
أحدها: هو تشكيل نهضة علميّة ومنطقيّة شاملة من قبل جميع علماء المذاهب الإسلاميّة من أجل اقتلاع تيّار التّكفير، ومثل هذا الأمر لا يختصّ بمذهبٍ دون آخر، فعلى جميع المذاهب الإسلاميّة التي تتحرّق من أجل الإسلام، وتؤمن به وتحرص عليه، أن تشارك في تحمّل هذه المسؤوليّة، يجب القيام بحركة علميّة عظيمة. لقد قام أولئك، تحت شعارهم الكاذب باتبّاع السّلف الصّالح، بالنّزول إلى هذا الميدان. يجب أن نثبت براءة السّلف الصّالح ممّا يرتكبه هؤلاء ومن تلك الحركة التي يجرونها، وذلك وفق المنطق الصّحيح ومنطق الدّين. ويجب عليكم أن تخلّصوا الشّباب، فهناك مجموعة وقعت تحت تأثير هذه الأفكار المضلّة، وهؤلاء المساكين
504
432
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
يتصوّرون أنّهم يقومون بأعمالٍ صحيحة، فأصبحوا مصداق هذه الآية الشريفة: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾1. يتصوّرون أنّهم يجاهدون في سبيل الله، وهؤلاء هم الذين سيجيبون يوم القيامة ربّهم قائلين: ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾2.
هؤلاء هم المصداق لهذه الآية. فالذي قام بقتل عالمٍ مسلمٍ كبير في مسجد دمشق هو أحد هؤلاء، والذي يقوم بذبح المسلمين تحت حجّة الانحراف عن الدّين هو من هؤلاء، وذاك الذي يرتكب المجازر بحقّ الأبرياء في باكستان وأفغانستان وبغداد والمدن المختلفة للعراق وفي سوريا ولبنان، هو من هؤلاء الذين سيقولون يوم القيامة، ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ﴾.
وفي موضعٍ آخر من القرآن الكريم يقول الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾3، فالله تعالى لا يقبل منهم قولهم: ﴿رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ﴾، بل يقول: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾، فالتّابع والمتبوع في العذاب: ﴿تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾4، فيجب تخليص هؤلاء، يجب تخليص هؤلاء الشّباب، وهذا يقع على عاتق العلماء، فالعلماء متّصلون بالمحافل الثّقافيّة وبجماهير الشّعب، يجب عليهم أن يسعوا، لأنّ الله سبحانه وتعالى سيسألهم يوم القيامة عمّا فعلوا، فيجب عليهم أن يقدّموا، هذا عملٌ.
2- كشف حقيقة دعم السياسات الإستكباريّة
العمل الثاني الذي يُعدّ مهمًّا جدًّا هو: كشف دور السّياسات الاستكباريّة لأميركا وإنكلترا، فيجب توضيحها وكشفها، ويجب أن يعلم العالم الإسلاميّ كلّه ما هو دور السّياسات الأميركيّة في هذا المجال، وما هو دور الأجهزة المخابراتيّة لأميركا
1 سورة الكهف، الآيتان 103 و 104.
2 سورة الأحزاب، الآيتان 67 و 68.
3 سورة الأعراف، الآية 38.
4 سورة ص، الآية 64.
505
433
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
وإنكلترا والكيان الصهيونيّ في إحياء تيّار الفتنة التّكفيريّ، يجب على الجميع أن يعلموا هذا، ويجب أن يعلموا ما الذي يفعله هؤلاء ولأجل أيّ شيء، فالتّخطيط منهم، والدّعم منهم، والتّوجيه أيضًا يصدر منهم، كما أنّ المال يُضخّ من قبل عملائهم، أي الحكومات الموجودة في هذه المنطقة التي تدعم بالمال وتجرّ هؤلاء إلى سوء العاقبة، وتُوجِدُ للعالم الإسلاميّ كلّ هذه الصّعاب، فمثل هذا يُعدّ أمرًا ضروريًّا أيضًا، ويجب أن يُنجز.
3- الاهتمام بقضية فلسطين
العمل الثّالث الذي يجب أن يتحقّق حتمًا هو: الاهتمام بقضيّة فلسطين، فلا تسمحوا أن تُنسى قضيّة فلسطين والقدس الشّريف وقضيّة المسجد الأقصى، فهذا ما يريده هؤلاء، إنّهم يريدون أن يغفل العالم الإسلاميّ عن قضيّة فلسطين، وها أنتم ترون اليوم، كيف أنّ مجلس وزراء الكيان الصهيونيّ قد أعلن في هذه الأيّام يهوديّة دولة فلسطين، فقد أعلن أنّ فلسطين هي دولة يهوديّة، وقد كانوا يتابعون هذا الأمر ويسعون إليه قبل مدّة طويلة، وها هم اليوم، قد حقّقوه علنًا، وذلك على غفلة من العالم الإسلاميّ وشعوبه. ونجد أنّ الكيان الصهيونيّ مستمرٌّ في احتلال القدس الشّريف والمسجد الأقصى، وإضعاف الفلسطينيّين أكثر فأكثر، فيجب التوجّه إلى هذا الأمر، ويجب على جميع الشّعوب أن تطالب حكوماتها بقضيّة فلسطين، ويجب على علماء الإسلام أن يطالبوا دولهم وحكوماتهم لأجل متابعة القضيّة الفلسطينيّة، فمثل هذا يُعدّ من المسؤوليّات الأساسيّة المهمّة.
الجمهوريّة الإسلاميّة وقضية فلسطين
إنّنا نشكر الله، أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة دولة وشعبًا كلمتهم واحدة في هذا المجال، إنّ حكومة الجمهوريّة الإسلاميّة وإمامنا الجليل قد أعلنا سياسة دعم فلسطين ومعاداة الكيان الصهيونيّ ووضعا ذلك حيّز التّنفيذ، وها هو الأمر مستمرٌّ بعد مضيّ 35 سنة، ونحن مستمرّون على هذا الطّريق ولم ننحرف عنه، وشعبنا
506
434
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
كذلك فإنّه يتّبعه بكلّ رغبة. في بعض الأحيان، عندما يراجع بعض شبابنا ولا يسمعون جوابًا، يكتبون لنا رسالة ويرجون أن نسمح لهم بالذهاب إلى الخطوط الأماميّة لمحاربة الكيان الصهيونيّ، إنّ شعبنا يعشق مواجهة الصّهاينة، وإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة قد أثبتت هذا الأمر.
إنّنا بتوفيق الله وبفضله، قد تجاوزنا نطاق الخلافات المذهبيّة، إنّ ذلك الدّعم الذي قدّمناه لحزب الله الشيعيّ هو نفس الدّعم الذي قدّمناه لحماس وللجهاد وسوف نقدّمه، إنّنا لم نصبح أسرى الخلافات المذهبيّة، ولم نقل يومًا من الأيّام هذا شيعيّ وذاك سنّيّ، وهذا حنبليّ وذاك شافعيّ، وهذا زيديّ. لقد نظرنا إلى ذلك الهدف الأساسيّ، وقدّمنا الدّعم، واستطعنا أن نقوّي من عضد إخواننا الفلسطينيّين في غزّة وفي المناطق المختلفة، وإنّنا - بمشيئة الله - مستمرّون على هذا الطّريق، وإنّني أعلن - وسوف يحصل هذا حتمًا - بأنّ الضفّة الغربيّة يجب أن تتسلّح مثل غزّة، وأن تصبح جاهزة للدّفاع.
العدوّ ضعيف!
وأقول لكم أيضًا أيّها الإخوة الأعزّاء: لا تخيفنّكم هيمنة أميركا، فالعدوّ ضعيفٌ! إنّ عدوّ الإسلام وهو الاستكبار، أصبح أضعف من أيّ وقتٍ مضى طيلة الحقبات الماضية، عبر مئة سنة ومائة وخمسين سنة، إنّكم ترون دُول أوروبّا الاستعماريّة: تعاني من المشكلات الاقتصاديّة والسّياسيّة والأمنيّة وكل أشكال وأنواع المشاكل، وإنّ أميركا أسوأ منها، فهي تعاني من المشكلات الأخلاقيّة والسّياسيّة ومن الأزمات الماليّة الشّديدة، وسمعتها كقوّة عظمى تزداد انحدارًا يومًا بعد يوم في كلّ العالم، وليس في العالم الإسلاميّ فحسب، بل في كلّ العالم. وهذا الكيان الصهيونيّ قد أصبح أضعف بكثير من السّابق، هذا الكيان الذي كان يُطلق شعار من النّيل إلى الفرات، ويعلن ويصرّح بأنّ كلّ المنطقة الواقعة بين النّيل والفرات هي له، لم يتمكّن من احتلال الأنفاق الفلسطينيّة طيلة خمسين يومًا في غزّة، هوذا الكيان نفسه الذي
507
435
في المؤتمر العالميّ حول التيّارات المتشدّدة والتّكفيريّة في فكر علماء الإسلام
أعمل كلّ قوّته طيلة الخمسين يومًا لكي يتمكّن من تخريب الأنفاق الدّاخليّة لحماس والجهاد والفلسطينيّين واحتلالها وتدميرها لكنّه لم يتمكّن، هو ذا الكيان نفسه الذي كان يقول من النّيل إلى الفرات، انظروا كيف اختلف الأمر، وكم أصبح ضعيفًا.
إنّ مشاكل وأزمات أعداء الإسلام كثيرة، لقد فشل أعداء الإسلام في العراق، وكذلك في سوريا، وقبلها في لبنان، وهكذا كان مصيرهم في المناطق المختلفة، ولم تتحقّق أهدافهم، وأنتم ترون أميركا ومعها كلّ الدّول الأوروبيّة الاستعماريّة تجتمع لمواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة، وتُعمل كلّ إمكاناتها في قضيّة الملف النوويّ من أجل إخضاع الجمهوريّة الإسلاميّة، ومع ذلك لم يتمكّنوا ولن يتمكّنوا من ذلك، هذا هو ضعف الجبهة المقابلة. وأنتم - بمشيئة الله - سوف تزدادون قوّة يومًا بعد يوم، فالمستقبل لكم، ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾1.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1 سورة يوسف، الآية 21.
508
436
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
كلمة الإمام الخامنئي دام ظله
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
المناسبـــة: أسبوع التعبئة
الحضور: جمع كبير من قادة وعناصر التعبئة من مختلف أنحاء البلاد
المكان: طهران
الزمان:
06/09/1393 هـ.ش.
04/02/1436 هـ.ق.
27/11/2014 م.
509
437
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
بسم الله الرحمن الرحيم1
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله المنتجبين المطهّرين، وصحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
روحية التعبئة
في البداية أرحّب بكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أنتم نخبة المجتمع البسيجيّ2 في البلاد، الذين جعلتم العقل والفكر والعلم إلى جانب العشق والقلب، ووردتم ميداناً نهاية الحضور فيه النصر الحاسم والمحبوبيّة عند الله تعالى، إن شاء الله.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾3 ـ فهم يحبّون الله تعالى، والله أيضاً يحبّهم ـ وفي موضع آخر يعرّفهم أو يعرّف بعضهم فيقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾4، أي أنّ هذا الشابّ، والرجل، والمرأة، والنخبّويّ، والحكيم، والمؤمن، الذين وضعوا جميعاً كلّ إمكاناتهم وحياتهم على أكفّهم، ووردوا الميدان، وهذه هي الميزة نفسها التي نقول إنّها ينبغي أن تكون في التعبويّ. أسأل الله تعالى أن يعطيكم الأجر والثواب، ويوفّقكم، وأن لا يقطع هدايته ورعايته لحظة عنكم، ويزيدكم توفيقاً يوماً بعد يوم.
1 قبل كلمة سماحته، قدّم كلّ من الجنرال محمد علي جعفري (القائد العامّ لحرس الثورة الإسلاميّة)، والعميد محمد رضا نقدي (رئيس منظّمة التعبئة العامّة للمستضعفين) تقريراً.
2 المجتمع التعبوي.
3 سورة المائدة، الآية 54.
4 سورة الصفّ، الآية 4.
511
438
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
لقد كان خِطَابَا هذين الأخوين العزيزين - القائد العامّ لحرس الثورة الإسلاميّة المحترم، ورئيس منظّمة التعبئة العامّة للمستضعفين - متقنين وصحيحين، خطابان متينان وموزونان ومدروسان. وإنّي بدوري أعرض عليكم بعض الملاحظات.
التعبئة، منطقٌ وعلمٌ وعمل
لقد رأينا التعبئة في ميدان العمل منذ البداية إلى الآن، في جميع الميادين، وكلّها ميادين عمل. في الدفاع المقدّس: سنوات الحرب الثماني، في البناء، في التقنيّات المتنوّعة، ابتداءً من الخلايا الجذعيّة إلى الطاقة النوويّة، هذه كلّها أعمال التعبئة، من حضور الأطبّاء في المستشفيات القريبة من الخطوط الأماميّة للجبهة، حيث رأيت في تلك الفترة، تلك المستشفيات التي كان بمقدور الأعداء قصفها بالمدافع القصيرة المدى. لقد كان الأطبّاء من طهران، ومن القرى مستعدّين، وبمجرّد أن يُطلب منهم، كانوا ينطلقون حاملين حقائبهم التي كانت مهيّأة دوماً، ويلتحقون بالعمل في مثل هذه المواقع، من الأعمال الفنّيّة التعبويّة، ظهرت أعمال فنّيّة رائعة، فعّالة ومؤثّرة تكاملت يوماً بعد يوم حتى الآن - بحمده تعالى -، لقد شاهدنا البسيج في ميدان العمل في مختلف المواقع. غاية الأمر الميدان واسع جدّاً - حيث سأشير إلى ذلك في ما بعد، من الأعمال والجهود العلميّة، إلى الأعمال الفنّيّة، إلى الأعمال القتاليّة، إلى الأعمال البنائيّة، إلى الأعمال الاقتصاديّة وكلّ هذه الأمور. ما أرى أنّه قلّما عُمل عليه وينبغي أن يُعمل عليه ويُعالج هو مسألة الخلفيّة الفكريّة للتعبئة والقاعدة والمرتكز الفكري، التعبئة هي فكر، ومنطق، ومنظومة فكريّة. والسبب في أنّنا جميعنا نرى انجذاب المتعلّمين والنخب والنوابغ في الاختصاصات المختلفة إلى التعبئة، هو أنّ التعبئة ليست مجرّد حركة حماسيّة، هناك منطق قويّ يقف خلف التعبئة، وعندما يترافق هذا المنطق والعلم مع العمل، يحدث هذا الصخب، ويخلق هذه الحوادث العجيبة. ما هو أساس هذا الفكر؟
512
439
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
أسس الفكر التعبوي
أعرض هنا بضع كلمات مقتضبة حول هذا الفكر ـ الفكر الذي هو القاعدة للتعبئة، والخلفيّة والمرتكز الفكري لها، وسأعرض هنا نقطتين جديرتين بالتفكّر والبحث والعمل.
الركيزة الفكرية الأولى: الاحساس بالمسؤولية الإلهية
أساس هذا الفكر هو الاعتقاد بـ"مسؤوليّة الإنسان"، الإنسان موجود مسؤول. والنقطة المقابلة لهذا الفكر هي عدم الإحساس بالمسؤوليّة تحت عنوان وشعار: "دع عنك ذلك، تمتع بحياتك، اهتم بنفسك". إنّ الأساس الفكريّ للتعبئة هو هذه المسؤوليّة والوظيفة الإلهيّة، والتي أقول إنّ لها أسساً ومباني دينيّة متينة. ليس المقصود من المسؤوليّة هنا المسؤولية أمام النفس والعائلة والأقارب - فهذه المسؤوليّة موجودة - بل المسؤوليّة أمام حوادث الحياة، أمام مصير العالم، ومصير البلد ومصير المجتمع، سواءً المسلمين أو غير المسلمين. وهذا الإحساس بالمسؤوليّة ليس فقط تجاه أبناء دينه والمسلمين والمؤمنين، بل هو يشعر بالمسؤوليّة حتّى تجاه غير المسلمين وغير المؤمنين. هي النقطة المقابلة للاستلشاء، واللامبالاة، وحالة الكسل والهروب من المسؤوليّة وأمثال هذه الأمور. إنّ الركيزة الأساسيّة للتعبئة هي الإحساس بالمسؤوليّة.
المسؤولية في الإسلام
إنّ فكرة مسؤوليّة الإنسان هذه هي من واضحات الإسلام. أي لا يمكن لأحد أن يشكّ بأنّ الإسلام يعتبر الإنسان مثل هكذا موجود: موجود مسؤول، مطلوب منه العمل.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نموذجاً
لاحظوا الأحكام المختلفة: حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سبيل المثال. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني أنّكم جميعاً مسؤولون بأن تنشروا
513
440
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
المعروف والخير، وأن تأمروا به، والنهي عن المنكر (يعني) أن تنهوا عن القبائح والمنكرات، والأعمال الدنيئة، وتحولوا دونها بالوسائل المختلفة. ما معنى ذلك؟ معناه المسؤوليّة إزاء السلامة العامّة للمجتمع. الجميع مسؤولون: أنا، أنت، وهو مسؤول.
الجهاد الإسلاميّ نموذجاً
أو (لاحظوا مثلاً) مسألة الجهاد، الجهاد الإسلاميّ في الواقع هو مساعدة الشعوب التي تعيش في ظلّ السياسات الاستعماريّة والاستكباريّة والاستبداديّة التي لا يصل إليها نور الإسلام، ولا يصل إليها نور الهداية. الجهاد من أجل تمزيق هذه الأستار والحجب، هذا هو الجهاد الإسلاميّ. والبحث في أنّ الجهاد دفاعي أو ابتدائي وما شابه، هو بحث فرعي، البحث الأساسي هو: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ﴾1، فالآية تقول: لِمَ لا تقاتلون في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين، من أجل إنقاذهم؟ هذا هو الإحساس بالمسؤوليّة، أي إذهب وعرّض نفسك للخطر، وضع روحك على كفّيك في ميادين الخطر، من أجل إنقاذ المستضعفين، ومعنى هذا هو تلك المسؤوليّة نفسها.
الاهتمام بشؤون المسلمين
أو هذا الحديث المشهور: "من أصبح ولم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"2، وأمثاله، الكثير من الآيات والروايات الموجودة في النصوص الإسلاميّة، والتي هي من الأمور البيّنة في الإسلام، أي أنّ الإسلام أراد للإنسان أن يكون مسؤولاً على هذا النحو، مسؤولاً أمام نفسه، وأمام أقربائه، وأمام مجتمعه، أمام البشريّة. فإنّكم إن ذهبتم الآن، وفتّشتم عن هذا الفكر في النصوص الإسلاميّة، فإنّكم ستشاهدون أموراً مدهشة ولافتة على مستوى هذا الاهتمام، وهذا الإحساس بالمسؤوليّة.
1 سورة النساء، الآية 75.
2 الكليني، الكافي، ج2، ص163 (على اختلاف بسيط).
514
441
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
المسؤولية في الحرب
لقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله ويتضرّع إليه: "اللهم إهدِ قومي"1، وقومه كانوا أولئك الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يؤذونه، ويطردونه، ويهدّدونه بالقتل، والذين كانوا يجلبون له المتاعب، ومع ذلك كان يطلب من الله لهم الخلاص والشفاء والهداية! وعندما يسمع أمير المؤمنين عليه السلام بأنّ جيش معاوية قد أغار على تلك المدينة كان يقول بغصّة: "بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة"2، فكانوا يهينون النساء، ويسلبونهنّ أساورهنّ وأقراطهنّ، ومن ثمّ يتابع أمير المؤمنين قائلاً: "فلو أنّ امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديرًا"، أنظروا إلى أيّ درجة يصل الإحساس بالمسؤوليّة. لم يقل لو مات أمير المسلمين ما كان به ملوماً، بل امرءاً مسلماً. هذا هو الإحساس بالمسؤوليّة نفسه. هذه هي الركيزة الأساسيّة لحركة التعبئة: الإحساس بالمسؤوليّة الإلهيّة.
الركيزة الثانية: البصيرة والرؤية الواضحة
الركيزة الثانية المكمّلة لهذا الركيزة هي البصيرة، والرؤية الواضحة. فماذا تعني البصيرة؟ تعني معرفة الزمان، معرفة الحاجات، معرفة الأولويّات، معرفة العدوّ، معرفة الصديق، معرفة الوسيلة التي ينبغي استخدامها في مواجهة العدوّ، البصيرة هي هذه المعارف. لا يمكن المواجهة دوماً بسلاح واحد، ولا يمكن الورود إلى كلّ الميادين بسلاح واحد. علينا أن نعرف أيّ سلاح نستخدم؟ وأين هو العدو؟ لقد قلت مراراً، إنّ مَثَل الذين لا يمتلكون البصيرة - كهؤلاء المساكين الذين وقعوا في الفتنة (عام 88 هـ.ش.) - كمَثَل الذين يريدون توجيه ضربة للمعارض أو العدوّ في الضباب الكثيف، والغبار الغليظ، فإنّهم لا يعرفون أين هو العدوّ، من أولى شروط
1 ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص 192.
2 نهج البلاغة، الخطبة 27، والمعاهد هو غير المسلم الذي كان يعيش في كنف الإسلام، المسيحيّ، اليهودي.
515
442
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
ومقدّمات الحرب لدى الجيوش: الاستطلاع. أن تذهب وتستطلع أين يتواجد العدوّ. فلو ذهبت من دون استطلاع قد تضرب مكاناً يتواجد فيه الصديق، قد تضرب شخصاً ليس بعدوّ لك، وتكون بذلك قد قدّمت العون للعدو، قد يحصل هذا أحياناً. إن لم تكن البصيرة موجودة قد يحصل هذا، حيث جاء في الحديث الشريف: "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"1، فالشبهات والجهل وعدم الإدراك لا تهجم على العالم بزمانه، فهو يعرف ماذا يصنع، وإن لم يكن كذلك، ستحصل المشاكل حتّى لو كان يشعر بالمسؤوليّة.
لقد كان البعض أيّام المواجهة مع الشاه يشعرون بالمسؤوليّة، لكنّهم لم يكونوا يعرفون أين يصرفونها، كانوا يصرفونها في مواقع أدّت إلى إلحاق الضرر بالحركة الجهاديّة العظيمة للإمام، وكذلك بعد الثورة، وحتى الآن أيضاً يوجد مثل هكذا أناس. البعض لديه إحساس بالمسؤوليّة، ولديه الدافع، لكنّه يستخدم هذا الدافع بالنحو الخاطئ، وفي المكان الخطأ، لا يُظهر سلاحه في المكان المناسب، وهذا نتيجة لانعدام البصيرة.
لقد قلنا نحن قبل عدّة سنوات في مسألة "الفتنة": إنّ المسألة مردّها إلى البصيرة، لوى البعض شفاههم: البصيرة! نعم، البصيرة، فكلّما كانت المسؤوليّة والدافع أكبر، والإحساس بالمسؤوليّة أكبر، مع انعدامٍ للبصيرة، يصبح الخطر أكبر، وتنعدم الثقة بهذا الشخص الفاقد للبصيرة2، الذي لا يميّز العدوّ من الصديق، ولا يعرف أين ينبغي صرف هذا الشعور بالمسؤوليّة، وهذه الطاقة، وهذا الدافع. إذاً، هذا هي الركيزة الثانية التي هي غاية في الأهمّيّة. إن لم تكن هذه الركيزة الثانية موجودة، لأخطأ في أمره بالمعروف، ولأخطأ في جهاده، ولأخطأ في ما يهتمّ لأجله، ولأضلّ طريقه.
1 ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص 356.
2 أي أنّ انعدام البصيرة عند أولئك الذين يتحمّلون مسؤوليات أكبر وليدهم الدافع يؤدي إلى مخاطر أكبر.
516
443
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
الإمام مؤسّس التعبئة ومبيّن الاتجاه
رحمة الله ورضوانه على إمامنا العظيم، الذي فكّر في هذه الأمور كلّها، ذلك النظر الثاقب والبصيرة، تلك البصيرة الإلهيّة، فقد استلهم كلّ تلك الأمور اللازمة من الله تعالى، أُلهم ذلك القلب الطاهر كلّ هذه الأمور، من دون أن يدرس السياسة في مدرسة أو يتعلّمها لدى أحد. لقد أسس الامام "التعبئة"، وأشار أيضاً إلى "الاتّجاه".
لم يقل الإمام، تحرّكوا، إنطلقوا، أُشعروا بالمسؤوليّة، كونوا تعبويّين وحسب، أبدا، بل قال ماذا ينبغي عليكم أن تفعلوا. قال لنا: إصرخوا في وجه أميركا بكلّ ما أوتيتم من قوّة. هذا يعني "التوجيه"، يعني أن يعلّمكم ماذا تفعلون، وفي أيّ اتّجاه تسيرون، وبماذا تستدلّون، هذا ما علّمنا إيّاه الإمام.
الإمام والدفاع المقدس
لقد قال مراراً، في فترة الحرب، في السنوات الثماني لحرب الدفاع المقدّس: الحرب هي أولى الأولويّات. كنّا مسؤولين في البلاد - كنت أنا رئيس الجمهوريّة، وآخر يتصدّى لمسؤوليّة أخرى - كان لدينا آلاف الأنواع من الأعمال، قد يغفل المسؤول عندما يكون محاطاً بكلّ هذه الأعمال الإجرائيّة، (لكنّ) الامام دلّ الجميع على الطريق - المسؤولين، والشعب، والشباب - : (أن) الحرب هي أولى الأولويّات. وهكذا كان. وجّه الجميع أن اسعوا وراء هذا الأمر، هذا أمر مهمّ.
الإمام مشخّص الاتجاه، والاولويات
وفي موضوع الذهاب إلى سوريا من أجل قتال الاحتلال الإسرائيلي1، حينما كان شبابنا في غاية السرور، وأتى شخصان منهم إليّ - وقد أصبح كلاهما في عداد شهدائنا العظام - يريدان الذهاب والقتال، لم يكن الإمام يعلم ذلك، بعدها حين علم بالأمر، قال: إنّ طريق قتال إسرائيل يمرّ من العراق، وقد منعهم من
1 في ثمانينات القرن الماضي عقب اجتياح العدو الإسرائيلي للبنان عام 1982م.
517
444
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
ذلك. فعاد أولئك الذين كانوا قد غادروا. انظروا، هذا هو فهم الأولويّات، معرفة الأولويّات. كان الإمام يبيّن الطريق ويدلّ على الاتّجاه.
لقد قال: إنّ الحفاظ على النظام من أوجب الواجبات أو هو أوجب الواجبات، أي أنّ كلّ المسائل التالية هي فرع هذه المسألة. لقد دلّنا على هذا الاتجّاه. قد تختلف مع صديقك في وجهات النظر حول مسألة صغيرة أو كبيرة، لكنّكما في ما يتعلّق بالحفاظ على النظام مسؤولان بالقدر نفسه.
إرتكب أولئك الذين لم يفهموا كلام الإمام هذا، أخطاءً فادحة في بعض المواضع. كان الإمام يبيّن الاتّجاه. هكذا كان هذا الرجل العظيم يتحرّك.
حسنٌ، فالركيزة الفكريّة في الدرجة الأولى، هي الإحساس بالمسؤوليّة، فهذه الركيزة الفكريّة قويّة للغاية، بالنسبة لكم أنتم الذين تريدون السير في ميدان التعبئة، والشرط اللازم الذي يُعدّ الركيزة الثانية، هو البصيرة، فلا ينبغي أن نغفل لحظة واحدة عن هذين الأمرين. ذلك الإحساس بالمسؤوليّة - أي من أجل الله، صبراً واحتساباً1، أي: إلهي إنّني أعمل على هذا الاكتشاف العلمي، على هذه الدراسة، أبتدع هذا العمل الفنّي، أجاهد هذا الجهاد، أنجز هذا العمل الاقتصادي، هذه المعونة التي أقدّمها لزيد، هذا القتال الذي أقاتله لفلان، هو من أجلك، لأنّك أردت منّي أن أكون مسؤولاً، هذا هو الشعور بالمسؤوليّة والإحساس بالالتزام الإلهي، ومن ثمّ تأتي البصيرة: فنعرف أين نحن؟ وأين موقعنا؟ وما هو موقع الأعداء؟ من هو العدوّ؟ بأيّ سلاح ينبغي أن نواجه العدوّ؟ هذه هي الركيزة الثانية. من خلال هذه النظرة، يتّضح مجال ودائرة عمل التعبويّين، وتتّضح أيضاً ميادين نشاط التعبئة.
1 من جملة أدعية شهر رمضان المبارك.
518
445
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
نطاق عمل التعبوي، رسم المسار، التوجيه، النظم..
أمّا في ما يتعلّق بنطاق التعبويّين. فمن هو التعبويّ؟
كلّ إنسان ينشط في هذا المجال العقائدي والإنساني الذي تكلّمنا عنه، هو تعبويّ. بالطبع، إنّ قوّات التعبئة هي الرمز لهذه الثورة الشعبيّة الكبيرة العامّة والشاملة، هي مثال ورمز النظام والانضباط والاتّجاه الصحيح والتعليم والتربية. يشمل "التعبويّ"، اسم التعبويّ وشخصيّته، إنّ قوّات التعبئة هي ذلك الحصن الأساسي، والمكان والمركز والمقرّ الأساسي لهذه المظلّة الكبيرة التي تظلّل كلّ أفراد الشعب، هي الملهمة للنظم والتشكّل، والحضور، والحركة، سواءً في المجتمع، أو في الشرائح المختلفة، أو في الجامعات، والمدارس، والحوزات العلميّة، إنّ حضور قوّات التعبئة في أيّ مكان، هو بهذا المعنى: رسم المسار، التوجيه، الانضباط، النظم، وتحديد التكاليف المختلفة لهذه المجموعة إلى أن تنضج قواها وطاقاتها. وكما بيّن الإخوة الآن، الإمكانات هي إمكانات محدودة، وقد انتهت حتى الآن بأن أصبح عشرات الملايين هؤلاء مستعدّين، بحمد الله تعالى. هذه دائرة الحضور البشري للتعبويّين ونطاقه.
ميادين التعبوي، لا حدود لها
أمّا عن الميادين. فهي لا تنتهي. لا حدود للميادين. ميدان الدفاع، ميدان السياسة، ميدان البناء، ميدان الاقتصاد، ميدان الفنّ، ميدان العلم والتحقيق، الهيئات الدينيّة، مجالس العزاء، في كلّ مكان وبطرقها المختلفة، هذه ميادين حضور التعبئة، كلّ مكان (هو ميدان من ميادين التعبئة).
نماذج من نخب التعبئة
لنا في جميع هذه الميادين نماذج، نماذج بارزة أثبتت أنّها بارزة، وعظيمة. في الحرب لنا قادة عظماء، شخصيّات بارزة، بعضهم كان من النخب العلميّة، ذهبوا إلى الجبهة ليصبحوا جنوداً وفعّالين وحملة للسلاح، كالشهيد شمران. لقد كان
519
446
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
واحداً من النخب العلميّة، وكان من النخب الفنّيّة أيضاً، كان نفسه يقول لي: "أنا فنّان في التصوير". إلتحق بالجبهة، ارتدى اللباس العسكريّ، وأصبح عسكريّاً، (لكنّه) قبل أن يَرِد هذا الميدان كان من النخب العلميّة. البعض وقبل أن يرد هذا الميدان لم يكن من النخب، وإنّما هذا الميدان هو الذي أوصله إلى العلا، كالشهيد الاستاذ عبد الحسين البناء1، الذي كان معلّم بناء، ورد ميدان الحرب فحلّق إلى الشمس، إلى العلا، وأصبح من النخب. وأيّ نخبة هم! هؤلاء عظماء. لدينا في مجال العلم والتحقيق نخب بارزة، كالمرحوم كاظمي آشتياني الذي أطلق العمل في الخلايا الجذعيّة وهذه التشكيلات العظيمة، وعلّم أناساً كثيرين - وزملاؤه أيضاً كذلك، وهذه الحركة مستمرّة اليوم، بحمد الله تعالى - أو كالشهيد شهرياري، إنّنا نذكر هذه الأيّام اسم الشهيد شهرياري، لأنّها تصادف الذكرى السنويّة لاستشهاده2، البقيّة هم كذلك: رضايي نجاد، علي محمّدي، أحمدي روشن، هؤلاء كانوا نخباً أدّوا كتعبويين أعمالاً في مجال العلم والتحقيق، الشهيد شهرياري أدّى عملاً لائقاً بالتعبويّ، في ذلك اليوم الذي أرادوا فيه سدّ الباب بوجه الشعب الإيراني - من خلال الأساليب التي سمع بها الكثير من أفراد الشعب في وسائل الإعلام، وفي الأخبار، وكان الكثير منها أيضاً يُحاك خلف الستار، حيث سيتّضح في ما بعد حجم خبثهم وحقدهم - قالوا: "لن نبيعكم"، كي لا تصل العلاجات الإشعاعيّة إلى الناس، وليوقعوا الجمهوريّة الإسلاميّة في المشاكل، ولكي يتوقّف مركز طهران عن العمل. باشر المرحوم الشهيد شهرياري بالعمل، جهد وسعى، بحيث أُخبرنا في ما بعد بأنّه يمكننا إنتاج 20 % من اليورانيوم المخصّب، ومن ثمّ جاؤوا وأخبرونا بأنّهم صنعوا
1 هو الشهيد القائد عبد الحسين برونسي. وقد وصفه سماحته بالأستاذ البناء، لأنه كان يعمل في بداية شبابه كعامل بناء, فقد التحق بركب الثورة وشارك بقوة وفعالية كبيرة حتى الانتصار في 79م, ثم مشاركته الفعالة في جبهات القتال حيث كان ملاذا وأبا لألاف التعبويين والمجاهدين حيث عشقه القلوب فقد بثّ فيها وروحيات الإخلاص والتقوى والتواضع والصمود وتحمل المسؤولية..
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أهمية كتاب يحكي سيرته الجهاديّة والشخصيّة، حيث طبع في إيران مئات المرات وأنتجت عنه أفلامًا سينمائية. وتُرجم الكتاب في بيروت وطُبع بعنوان "تراب كوشك الناعم"، إصدار جمعية المعارف الثقافية.
2 الشهيد مجيد شرياري، استشهد بتاريخ 29 / 11 / 2010م في هجوم إرهابيّ.
520
447
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
أجهزة الطرد وصفائح الوقود، فَبُهِت العدوّ. هذا العمل كان عمل التعبويّ، لم يكن عملاً عاديّاً. في جميع هذه المجالات التي ذكرناها، كان ولا يزال هناك الآلاف من الأشخاص العظماء، يجدّون ويسعون، حيث سمّينا بعضهم بالإسم.
تصدير التعبئة، كأريج الزهور
حسنٌ، هذا الفكر الذي هو الفكر التعبوي، والذي أوجده إمامنا العظيم في إيران، قد صُدّر. لقد قلنا مراراً، إنّ مفاهيم الثورة ومفاهيم الإسلام هي كأريج زهور الربيع، لا يمكن لأحد أن يقف في وجهه، إنّه ينتشر، وينتقل إلى كلّ الأمكنة، هو النسيم المنعش الذي يعمّ بنفسه كلّ مكان ويبعث على الحياة، إنّهم يثيرون الضجيج، ويصرخون، لكنّه انطلق، وصُدّر، وتلاحظون الآن في الدول المختلفة، أنّ هذا الفكر ينشط في لبنان، في العراق، تحرّك الشباب العراقي مع جيشه واستطاع أن يحقّق هذه الانتصارات، الأمر كذلك في سوريا، وفي غزّة، وفي فلسطين، وفي اليمن، وأسأل الله أن يحصل هذا في القدس الشريف من أجل تحرير الأقصى.
التعبئة سرّ الانتصار
حسنٌ، لقد اتّضح هذا الأمر. وأقول الآن، هذا هو السبب في عدم انهزام إيران الإسلاميّة. وليعلم أولئك الذين يهدّدون النظام الإسلاميّ والجمهوريّة الإسلاميّة، لأنّها تقوم بهذا الأمر وذاك، أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لن تنهزم بفضل هذا الفكر التعبويّ والعمل والحركة التعبويّين. إنّ كلّ فرد إيراني تعبويّ بالقوّة، ما عدا عدّة معدودة هي إمّا مبتلاة بحبّ الذات أو حبّ الشهوة، أو حبّ المال، أو أنّها عميلة للأعداء، فإنّنا ندع هؤلاء جانباً، هؤلاء معدودون، ليسوا كثراً. الأكثريّة الحاسمة من الشعب الإيراني هم تعبويّون بالقوّة، وهذا هو سبب عدم انهزام نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. بالنهاية، ينبغي أن نكون جميعاً منتبهين، هناك اختبار دوماً، اختبار للجميع، لا ينبغي للحركة أن تضعف، ولا ينبغي أن نشتبه في اتّجاه الحركة، إنّ اتّجاه الحركة هو نحو الاستكبار، ومواجهة الاستكبار.
521
448
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
أميركا دولة مستكبرة
إنّنا نذكر أميركا مراراً وتكراراً، شعبنا، ونحن، (لأنّ) مشكلة أميركا هي الاستكبار، ولأنّ أميركا دولة مستكبرة، ولأنّ منهج أميركا منهج استكباريّ. لا شأن لنا بأميركا، كمجموعة مناطق جغرافيّة، أو كشعب، أو كجماعة إنسانيّة، إنّهم كسائر الشعوب الأخرى، إنّ مشكلتنا مع أميركا هي في الاستكبار الأميركي، إنّهم مستكبرون، متكبّرون، ظالمون، توسّعيّون، تأمّلوا في تصريحاتهم التي أدلوا بها في الأيّام السابقة في ما يتعلّق بالمفاوضات في الملفّ النووي، لقد فاوضوا لشهور عدّة ومن ثمّ مدّدوا لهذه المفاوضات، (بعدها) عادوا لتصريحاتهم القديمة.
المفاوضات النووية
حسنٌ، أقول في هذا المجال عدّة كلمات: أوّلاً، أنا لا أعارض تمديد المفاوضات، كما أنّي ولذلك السبب لم أكن أخالف أصل المفاوضات، وقد بيّنت للناس سبب عدم مخالفتي لأصل المفاوضات، وقد ذكرت في إحدى خطاباتي أسباب ذلك، والآن أيضاً أنا لا أخالف تمديد المفاوضات. أقول هذا إضافة إلى أنّ فريقنا المفاوض حقّاً وإنصافاً يسعى ويجدّ، يقف بثبات، يتكلّم بمنطق، لا يرضخ لمنطق القوّة، ويعمل، على الجميع أيضاً أن يلتفتوا إلى هذه المسألة. والحال أنّ الناس غالباً، غير مطّلعين على تفاصيل ما يحصل في هذه المفاوضات، لا، إنّهم يعملون بجدّ، ومنطق، وبحرقة، وبنحو منطقي. وذلك خلافاً للطرف المقابل، وعلى وجه الخصوص أميركا التي تتكلّم في كلّ يوم بكلام جديد ـ فتتكلّم بنحو في الجلسات الخاصّة وفي الرسائل التي تبعثها، وبنحو آخر أمام الرأي العامّ، وفي التصريحات العامّة، يتكلّمون اليوم بكلام، ويتراجعون عنه في الغد. عندما لا يكون الخطّ المستقيم والصراط المستقيم موجوداً، هذا ما يحصل بالنهاية.
إنّهم يريدون الاستفادة منّا ومن المفاوضات في مشاكلهم الداخليّة، لذا فإنّهم مجبرون على التكلّم هناك بنحو، والتكلّم هنا بنحو آخر - (أمّا) فريقنا
522
449
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
المفاوض فليس كذلك، إنّه يواجههم بمنطق وقوّة. وحتماً، بين هؤلاء المفاوضين، وهذه المجموعة التي تقف بوجه إيران، فإيران وحيدة، وهم جيش، إنّهم عبارة عن عدّة دول يقف خلف كلّ منهم جيشٌ من الدبلوماسيّين والعلاقات العامّة والمصوّرين والمحلّلين وما شابه - وأسوأ من الجميع الأميركيّون، والأكثر سوءاً بينهم البريطانيّون. حسنٌ، الآن وقد جرى التمديد لهذه المفاوضات ليعلم الجميع - الأشخاص الذين يفاوضون، أو الأشخاص القلقون داخل البلاد لهذه القضيّة، والذين يتطلّعون إلى هذه المفاوضات - إذا لم تصل هذه المفاوضات إلى نتيجة، فإنّ المتضرّر الأكبر هو أميركا وليس نحن. إنّا شفّافون مع شعبنا، نبيّن حقيقة الأمر لشعبنا، ونقول لهم، وقد أدركوا حتى الآن - ويمكن من خلال الشواهد المتعدّدة إثبات ذلك والاستدلال عليه -.
الاستكبار والحؤول دون التطور والازدهار
أنّ الهدف الحقيقي للاستكبار والغرب في مقابل إيران، هو الحؤول دون تطوّر الشعب الإيراني وتحصيله للقدرة، إن الهدف الواقعي هو الحؤول دون عزّة الشعب التي تزداد يوماً فيوماً، وإن المسألة النوويّة هي ذريعة، وهناك ذرائع أخرى إلى جانب هذه الذريعة. فالمشكلة الأساسيّة لديهم أن استعدادات الشعب الإيراني بدأت تظهر تدريجيّاً، والشعب يتقدّم من جميع الجوانب، السياسيّة، والعلميّة، والاجتماعيّة المختلفة، وهو يحصّل القوّة، وهم غير راضين عن ذلك، وغير مرتاحين، ويريدون الحؤول دون هذا الأمر، إنّ الحظر والضغوط يتمّان بهذا القصد، المقاطعة والضغوطات الاقتصاديّة تُمارس لهذا السبب، علّهم يستطيعون الحدّ من تقدّم الشعب الإيراني المطّرد، لذا، فإنّهم يقاطعون، يمارسون الضغوط، يمارسون الضغوط الاقتصاديّة. وحتماً، الضغوط الاقتصاديّة عامل مهمّ.
انهيار أميركا
إنّنا نتكلّم بصراحة مع شعبنا، وهم ليسوا كذلك، إنّ شعبهم غير راضٍ عن
523
450
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
أدائهم. وشعبيّة رئيس جمهوريّتهم تتناقص يوماً فيوماً، هذه نتيجة الاحصاءات التي يعلنونها هم.
حين انتُخب رئيس جمهوريّتهم هذا، كانت شعبيته واسعة، أمّا اليوم فهي تتناقص يوماً فيوماً. (لأنّ) الناس لا يؤمنون بنظامهم السياسيّ. كانت نسبة المشاركين في الانتخابات الأخيرة في أميركا متدنّية، وقد صرّحوا هم واعترفوا بذلك، أي أنّ الشعب غير راضٍ عن هذه التشكيلات وهذا النظام، وقد فقد الثقة به. قارنوا هذا بحضور 65 بالمئة و70 بالمئة من شعبنا أمام صناديق الاقتراع. لديهم الآن مشاكل مع عموم أفراد شعبهم، في قضيّة فرغسون وولاية ميسوري وأمثالها التي سمعتم أخبارها، هم يقاتلون شعبهم! تقول تقاريرهم الإخباريّة إنّ الشرطة الأميركيّة قتلت خلال عام واحد أكثر من 400 مواطن لأسباب مختلفة، الشرطة، ليس الجهاز القضائي! وإنّ علاقتهم مع مواطنيهم ليست على ما يرام، وشعبهم أيضاً غير راضٍ عنهم، إنّهم في مأزق، وبحاجة إلى تحقيق نجاح، وإلى انتصارٍ كبير، أمّا نحن فلا.
لن يضرّنا فشل المفاوضات (الاقتصاد المقاوم)
لقد تكلّم أحد أفراد الفريق المفاوض (الإيراني) قبل عدّة أيّام بكلام جيّد، فقال: إن لم نتوصّل إلى توافق، فلن تقع السماء على الأرض، ولن يكون ذلك نهاية العالم، حسنٌ، فليكن. هذا هو الكلام الصحيح.
لن يلحقنا أيّ ضرر، كما يتصوّرون، إنّهم يتصوّرون أنّه إذا ما حصل ذلك سيلحق بنا ضرر، لا، فهناك حلّ، وطريق الحلّ هو "الاقتصاد المقاوم" الذي يقلّل في البداية من آثار ضربات العدوّ، هذا في الأمد القريب، أمّا في الأمد المتوسّط والبعيد فإنّه يسمو بحركة الشعب الكبرى إلى الأعالي. هذا هو الاقتصاد المقاوم. لقد حكم الخبراء الاقتصاديّون بعد أن أعلنّا المقاومة الاقتصاديّة، بأنّ لدينا حلّاً، وهم ليس لديهم حلّ.
524
451
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
إيران والمجتمع الدولي
مع كلّ هذا، يتحرّكون بنحو مستكبر. لاحظوا تصريحاتهم في الأيّام الأخيرة، يأتون ويقولون: ينبغي على إيران أن تنال ثقة المجتمع الدولي. يسمّون أنفسهم المجتمع الدولي! فأميركا وبريطانيا وفرنسا، وعدّة دول مستكبرة أصبحوا هم المجتمع الدولي، أهذا هو المجتمع الدولي؟ هل إنّ حوالي 150 دولة عضواً في دول عدم الانحياز، التي اجتمعت في طهران قبل سنتين، هؤلاء ليسوا مجتمعاً دوليّاً؟ لقد وفد إلى طهران حوالى خمسين رئيس جمهوريّة ورئيس بلد ودولة، وشاركوا مشاركة فعّالة في هذا الاجتماع، ليسوا مجتمعاً دوليّاً؟ وهذه الدول العدّة ـ والتي هي دول ينقطع رؤساؤها في الأغلب عن شعوبهم ـ يشكّلون المجتمع الدولي؟ "عليكم أن تنالوا ثقة المجتمع الدولي"، أي ثقتنا، أي ثقة الأميركيّين! إنّنا لا نريد أن ننال ثقة أميركا. ونحن لا نحتاج إلى ثقة أميركا مطلقاً. فأنتم لا تشكّلون أيّ أهمّيّة بالنسبة لنا. إنّنا لسنا بحاجة إلى ثقتكم، كما أنّنا لا نثق بكم. وحتّى شعوبكم لا تثق بكم.
المسألة الأساس عندهم: إرضاء الشبكات الصهيونيّة
بعد ذلك يقولون: "يجب المحافظة على أمن إسرائيل". أوّلاً، إسرائيل تصبح يوماً بعد يوم أقلّ أمناً، سواءً حصل التوافق على الملفّ النووي أو لم يحصل، واعلموا أنّ أمن إسرائيل لن يكون مضموناً سواءً حصل التوافق أم لا. أمّا أن تقولوا يجب الحفاظ على أمن إسرائيل، فأقول: إنّ هذا كلام غير شفّاف. فإنّ المسألة الأساسيّة بالنسبة للمسؤولين الأميركيّين ليست أمن إسرائيل، المسألة الأساسيّة هي شيء آخر.
إن المسألة الأساسيّة لهؤلاء "الحضرات" (السادة)، هي المحافظة على إرضاء الشبكات الماليّة الصهيونيّة التي بيدها شريان حياتهم. هذه هي المسألة الأساسيّة بالنسبة لهؤلاء، وإلّا، فما أهميّة أن تبقى إسرائيل أو لا تبقى بالنسبة لهم؟ ما هو مهمّ بالنسبة لهم أنّهم وضعوا شريان حياتهم بيد شبكة المتموّلين الصهاينة،
525
452
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
هؤلاء الذين يقدّمون لهم الرشاوى، ويهدّدونهم أيضاً، يرشونهم - رشاوى ماليّة - ويأخذون منهم الأموال أيضاً، يرشونهم بالمناصب ويعدونهم بها، وإن لم يتواطأوا مع هؤلاء الذين يمسكون بنبض الاقتصاد في أميركا، فلن يصلوا إلى تلك المناصب الرفيعة - كرئاسة الجمهوريّة، والوزارات وأمثالها - هذه هي المسألة بالنسبة لهم. إنّهم أيضاً يهدّدون، فإن عَمِل هؤلاء خلافاً لإرادة تلك الشبكة الخطرة، فإنّها تهدّدهم، بإجبارهم على الاستقالة، أو بفبركة الفضائح لهم! حيث شهدتم في هذه السنوات الأخيرة أمثال هذه الأمور في الحياة الأميركيّة، يتّهمون أحدهم، يشوّهون سمعة آخر، يفبركون قضيّة فساد جنسي لأحدهم، يجبرون أحدهم على الاستقالة، يغتالون أحدهم، لقد جرى اغتيال بعض من هؤلاء الرؤساء والمسؤولين الكبار.
إنّ هؤلاء (الشبكات الصهيونيّة) أيديهم طائلة! أنتم (أيها الزعماء الأميركيون) تخافون منهم! تلاحظون هذا الأمر، المسألة ليست أمن إسرائيل، المسألة مسألة أمنكم. هؤلاء مستكبرون، هكذا يتكلّمون، ونحن أيضاً، لا نتوافق على شيء مع المستكبرين. حسنٌ، إن كان في البين كلام منطقيّ، فإنّنا نقبل، نقبل الكلام المنطقي، نقبل القرارات العادلة والحكيمة، أمّا حين يكون الأمر من باب القوّة والتوسّع، فلا، فإنّ الجمهوريّة الإسلاميّة من قاعدتها إلى رأسها، سواءً شعبها، أو مسؤولوها، لن يقبلوا، فليعلموا هذا.
أَدعو إلى الأخلاق البناء الأخلاقي للتعبئة
أقول لكم كلمتين أيّها التعبويّون الأعزّاء، وإلى كلّ التعبويّين في جميع أنحاء البلاد: إنّني أدعو التعبويّين الأعزّاء إلى الأخلاق، ماذا نعني بالأخلاق؟ نعني الحلم والتحمّل، الصبر والمقاومة، الصدق والصفاء، الشجاعة والتضحية، الطهارة والعفّة. فالتعبويّون بحاجة إلى هذا كي تبقى أجزاء هذا البنيان الراسخ قويّة. إن أردتم بقاء هذا البنيان الرفيع مستحكماً كقلعة راسخة وثابتة في مقابل العدوّ، عليكم أن تراعوا هذه الأمور، عليكم أن تظهروا التحمّل والصبر والأخلاق، والطهارة، أن تستحضروا
526
453
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
النماذج العظيمة في صدر الإسلام. علينا أن نبتعد عن التكبّر، والتفرعن. فمالك الأشتر، مع ذلك المنصب الذي كان مخصوصاً به، والشجاعة التي كان يتمتّع بها، والمنزلة التي كان يحظى بها عند أمير المؤمنين، كان يوماً يسير في أحد الأزقّة. فراح أحد الفتيان يسخر منه، ولم يكن يعرفه، ولربّما رماه بحصاة، رأى شخصاً مارّاً، وأراد أن يهزأ منه فرماه، وبعد أن عبر مالك الأشتر الزقاق، جاء من رأوا هذا المنظر إلى الولد وقالوا له: أتعرف ما فعلت، وبمن هزئت، فقال الولد لا، كونه لم يكن يعرف مالك الأشتر. فقالوا: هذا مالك الأشتر، ارتبك الولد، ولعلّه أسرع وحده أو برفقة والده، أو أصدقائه إلى مالك ليعتذر بطريقة من الطرق، وذلك لكي يتجنّبوا المشاكل، ذهبوا خلف مالك الأشتر فرأوه قد دخل المسجد وراح يصلّي، تقدّموا منه ليعتذروا، فقال مالك: لقد أتيت إلى المسجد لكي أصلّي وأدعو الله ليصفح عن خطأ ذلك الشابّ! أنظروا هذه الشفقة، هذا الإحساس بالمسؤوليّة، هذا الحلم، هذه العظمة، وهذه الأخلاق. يجب علينا - أنا وأنتم - أن نتعلّم هذه الأمور.
صلابة المعتقد والإيمان والعمل
كما أوصيكم وأؤكّد عليكم أن تنتبهوا لصلابة المعتقد والإيمان والعمل، وإلى عدم اهترائه، إنّنا في هذا المسير، حيثما نُواجه بالوساوس، وساوس المال، وساوس الشهوات، وساوس المنصب، وساوس الصداقة، نُصاب بالاهتراء، حاذروا كي لا تُصابوا بالاهتراء العقائدي، عليكم أن تؤثّروا في محيطكم، لا تدعوا المحيط يؤثّر فيكم، إن كان سيّئاً.
الارتباط التعبوي
علينا أن نجعل جميع الشرائح في تعبئتنا الوطنيّة الإلهية الشعبيّة العظيمة هذه، محطّ اهتمامنا، إذ أوصيت بالبعض على وجه الخصوص، حيث بدا لي أنّهم لم يكونوا محطّ اهتمام ـ وقد أوصيت القائد نقدي خاصّة - أن لا تكون شريحة أو جماعة مهملة. كما عليكم أن تبيّنوا الارتباط بين هذه الشرائح، أوجدوا مثل هذا
527
454
في لقاء أعضاء المجمع العالي لتعبئة المستضعفين
الارتباط، قد يحدث وتكون التعبئة الجامعيّة مثلاً، لا تعرف شيئاً عن تعبئة الأطبّاء، أو عن تعبئة المهندسين، أو تعبئة الصناعيّين، لا، فليطّلعوا، قد يستفيدوا من بعضهم. ففي كلّ قسم من أقسام التعبئة المختلفة شرائح يمكنها المساعدة في أعمال الشرائح الأخرى، أن تساعدها في تطوّرها، بيّنوا هذه الأمور، وطبّقوها في مجموعاتكم.
أطلبوا الأعمال الكبرى من التعبئة، إنّ أعمالاً كبيرة تتأتّى من كثير من أبناء شعبنا المستعدّين دوماً. على الحكومة أيضاً أن تساعد على هذا الأمر، على الأجهزة الحكوميّة في الأقسام المختلفة أن تساعد على تطوّر التعبئة وتنميتها. على مسؤولي الحكومة أيضاً أن يلتفتوا إلى هذه المشاكل الاقتصاديّة ـ كما قلنا سابقاً، إنّ أساس الاقتصاد المقاوم هو عبارة عن تقوية الانتاج الداخلي وخفض نسبة الواردات التي هي إمّا غير ضروريّة أو مشابهة للمنتجات الوطنيّة ـ وليطلبوا المساعدة من التعبئة، من خلال هذا الوضع، لا أشكّ أبداً أنّ المستقبل للشعب الإيراني، وكما قلت مراراً.
فلتهنأ روح إمامنا العزيز، ولتهنأ الأرواح المطهّرة لشهدائنا الأعزّاء، ونسأل الله سبحانه أن يُلحقنا أيضاً بأولئك الشهداء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
528
455
لملتقى الصلاة الثالث والعشرين
نداء الإمام الخامنئي دام ظله
لملتقى الصلاة الثالث والعشرين
المناسبـــة: ملتقى الصلاة للعام الثالث والعشرين
الزمان:
10/10/1393 هـ.ش.
09/03/1436 هـ.ق.
31/12/2014 م.
529
456
لملتقى الصلاة الثالث والعشرين
بدأ ملتقى الصلاة الثالث والعشرين أعماله صباح يوم الأربعاء 31/12/2014م في مدينة أهواز بقراءة نداء الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله.
في ما يلي نصه الذي قرأه حجة الإسلام والمسلمين "محسن قرائتي" رئيس لجنة إقامة الصلاة في إيران:
بسم الله الرحمن الرحيم
منذ سنين طويلة ونحن نشهد همة وتحفزاً مباركاً يجمع القلوب والأذهان من كل أنحاء البلاد في كل سنة إلى هذا الملتقى للتفكير حول الصلاة، وإشاعة نقاط وتذكيرات وتحذيرات حول هذه الفريضة الإسلاميّة الفذّة، وهذا العمود القويّ للدين والتدين، في أجواء المجتمع. هذا توفيق كبير لكم أنتم الذين تقيمون هذا الملتقى وموهبة من الله لكم أنتم الذين تستمعون وتنتفعون.
وقد حان الأوان لتقييم وحساب ثمار هذا الجهد القيّم في ميزان النظرة الواقعية، سواء في سلوكيات المتلقين الذين يُدعون إلى إقامة الصلاة وعدم الاستخفاف بها، وخصوصاً من الشباب واليافعين، أو في المواظبة على كيفية الصلاة والخشوع وحضور القلب فيها، والذي يعدّ روح هذا العمل الرحماني الصالح وجوهره، أو على مستوى الشعور بالمسؤولية من قبل الذين عُهدت إليهم هذه الوظائف في هذا الخصوص، وكذلك بناء المساجد ورعايتها، أو تنظيم إقامة الصلاة في المدارس والجامعات، أو إتاحة الفرص للمصلين أثناء الأسفار البرية والجوية، أو في الانتفاع من الأساليب الفنية في ترويج الصلاة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، أو في إنتاج المقالات والكتب لتبيين وشرح جماليات هذا العمل القصير والمفعم
531
457
لملتقى الصلاة الثالث والعشرين
بالمعاني، أو على المستويات الأخرى التي وضعت وظائف وواجبات على عاتق بعض المسؤولين.
ملتقى الصلاة خطوة مباركة ونافعة وله أجره بلا شك، ولكن من أجل أن يقترب هذا العمل القيّم من درجة كمال الأداء أكثر فأكثر، يجب المبادرة إلى هذا التقييم والحساب الواقعي العقلاني، واعتبار متابعة النتائج جانباً مهماً من هذا الإبداع.
أسأل الله العظيم لكم جميعاً التوفيق، وخصوصاً لرجل الدين العزيز الجليل حجة الإسلام الشيخ قرائتي.
السيد على الخامنئي دام ظله.
532
458
الفهارس العامّة
الفهارس العامّة
• فهرس الآيات الكريمة
• فهرس الأحاديث الشريفة
• فهرس الأدعية
• فهرس الأشعار
• فهرس أسماء الكتب
• فهر الأنبياء والأئمة عليهم السلام
• فهرس الأعلام
• فهرس الشعوب, الأقوام, الأديان والمذاهب
• فهرس الأماكن والبلدان
• فهرس الموضوعات والقضايا
• الفهرس التفصيلي للكتاب
533
459
الفهارس العامّة
فهرس أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام
60، 89، 96، 171، 189، 200، 239، 272، 275، 360
|
الأنبياء عليهم السلام
|
98، 192، 239، 291، 359، 360
|
إبراهيم الخليل عليه السلام
|
89، 100، 314، 315
|
النبي موسى عليه السلام
|
89
|
النبي عيسى عليه السلام
|
31، 33، 43، 89، 100، 168، 187، 218، 224، 238، 239، 240، 246، 257، 271،
274، 308، 314، 357، 415، 466، 467، 515.أنظر:(الرّسول الأعظم، الرسول الأكرم،
النبيّ، النبي الأعظم، النبي الأكرم، النبي المطهر، نبي الإسلام)
|
رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
|
164، 179، 185، 187، 317، 334، 373، 449، 450،
467. أنظر: (آل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، آل النبي الأكرم,
آله الكرام, أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, الأئمّة عليهم السلام، المعصومون، آل محمد)
|
أهل البيت عليهم السلام
|
السلام: 34، 187، 188، 189، 192، 205، 238، 239، 240،
241، 242، 244، 260، 271، 331، 408، 440، 465، 466، 467،
515، 527.أنظر: (أمير المؤمنين عليه السلام، الأمير، علي أمير المؤمنين عليه السلام،
مولى المتقين، إمام الأئمّة عليهم السلام)
|
الإمام علي بن أبي طالب عليه
|
133، 139، 169، 171، 172، 185، 187، 189، 408
|
فاطمة الزهراءعليها السلام
|
187، 408
|
الإمام الحسن عليه السلام
|
187، 247، 250، 408
|
الإمام الحسين عليه السلام
|
241، 243، 408
|
الإمام السجاد عليه السلام
|
205، 415
|
الإمام الباقر عليه السلام
|
31، 33، 35، 37، 39، 479
|
الإمام الصادق عليه السلام
|
257، 408، 449
|
الإمام الكاظم عليه السلام
|
66، 137، 139، 164، 408، 447، 449، 450
|
الإمام الرضا عليه السلام
|
408
|
الإمام الجواد عليه السلام
|
408
|
الإمام الهادي عليه السلام
|
218، 408
|
الإمام العسكري عليه السلام
|
135، 159، 163، 195، 246، 254، 291، 311، 312، 313، 316، 408
|
الإمام المهديّ المنتظرعجل الله تعالى فرجه الشريف
|
544
469