الشعائر الحسينية – إحياؤها وأبعادها


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-03

النسخة: 2015


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على رسوله خير البريّة أجمعين محمّد وآل بيته الطيّبين الطاهرين المظلومين.
 
يُعتبر موضوع الشعائر الدّينيّة عموماً، والشعائر الحسينيّة خصوصاً، من المواضيع المهمَّة ذات الصلة بالمضمون الفكريّ والعقائديّ الذي تعكسه مراسم إحيائها.
 
فلهذا الموضوع أبعاده المختلفة، سواء العقائديّة أو السياسيّة، أو التاريخيّة أو الاجتماعيّة، أو الفقهيّة أو التربويّة، أو غير ذلك..
 
ونكاد نجزم بأنّ كلّ الأديان والمذاهب، بل كلّ الحركات والتيّارات الفكريّة عبر التاريخ وإلى عصرنا الحاضر، كان لديها أشكال مختلفة من الطقوس والعبادات أو العادات، تعبّر من خلالها عن متبنياتها الفكريّة أو العقائديّة أو غيرها، وتحاول إيصالها من خلال ذلك بأساليب وأشكال متعدّدة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 وفي الدّين الإسلاميّ أيضاً تنوّعت الشعائر الدّينيّة وتعدّدت وفق هذا المسار الطبيعيّ لأيّ فكر أو منهج أو عقيدة، فكان هناك مجموعة من الشعائر التي تعبّر عن العقيدة الإسلاميّة من صلاة جمعة أو جماعة أو حجّ أو غير ذلك..

 
وعند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام أيضاً وجدت مجموعة من الشعائر المذهبيّة الخاصّة بإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام، وخصوصاً فيما يتعلّق بالإمام الحسين عليه السلام، حيث اقتضت فرادة الحدث هناك وفظاعته واستثنائيّته إحياءً خاصّاً واستثنائيّاً، جاء استجابة لطلب الأئمّة عليهم السلام أنفسهم واقتداءً بهم، فقد روي عن صادق أهل البيت عليهم السلام أنّه قال لفضيل ابن يسار: "..أحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا"1
 
فكانت الشعائر الحسينيّة تعبيراً صادقاً عن الولاء والمحبّة والمودّة وتجديد العهد والبراءة من الظالمين والفاسدين والمنحرفين، ولوناً من ألوان حرارة العشق الذي لا ينضب ولا يبرد، كما رُوي عن الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ لقتل الحسين عليه السلام حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً"2.
 
وحيث كان لموضوع الشعائر الحسينيّة بعض التساؤلات حول سبب وجودها وأبعاده، وكيفيّة إحيائها وأشكاله، قمنا في معهد 



1 قرب الإسناد، ص 36.
2 مستدرك الوسائل ج 10، ص 318.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

المقدمة

 سيّد الشهداء عليه السلام بإعداد هذا الكتاب كمحاولة للإطلالة على هذا الموضوع، آملين أن نكون بذلك قد أسدينا خدمة في طريق إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام.

 
عملنا في الكتاب:
وقد استفدنا في إعداد هذا الكتاب من كتاب: "الشعائر الحسينيّة، كيف؟ ولماذا؟"، وهو بالفارسيّة، إذ قمنا بتعريبه واستخرجنا منه الفصلين الأساسيّين، وأضفنا إليهما بعض العناوين والروايات وحذفنا بعضاً آخر ممّا لا يتناسب وسياساتنا في المعهد، وأضفنا إلى الكتاب تمهيداً حول موضوع الشعائر، وأشرنا إلى جميع المصادر والمراجع في الهامش.
 
وقد أسميناه: "الشعائر الحسينيّة، إحياؤها وأبعادها".
 
والله تعالى نسأل أن يتقبّل منّا عملنا هذا بأحسن القبول، ويرزقنا به شفاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، ويجعله ذخراً لنا ولمحبّي الحسين عليه السلام، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 
الشعيرة والشعائر:
المحصَّل من كلمات اللغويّين وغيرهم أنّ الشعيرة تستعمل بكثرة بمعنى العلامة والاستعلام.
 
قال الجوهريّ في الصحاح: الشعائر أعمال الحجّ، وكلّ ما جُعل عَلَماً لطاعة الله تعالى، والمشاعر: مواضع المناسك، والمشاعر الحواس، والشعار ما ولي الجسد من الثياب، وشعار القوم في الحرب: علامتهم ليعرف بعضهم بعضاً، وأشعر الرجل همّاً، إذا لزق بمكان الشعار من الثياب في الجسد..1.
 
وقد تُضاف هذه الكلمة إلى لفظ الجلالة "الله" فيقال شعائر الله، وقد تُضاف إلى غيرها كالدّين أو الإسلام أو المذهب، فيقال الشعائر الدّينيّة أو الإسلاميّة أو المذهبيّة، وقد تضاف إلى معنى دينيّ خاصّ أو شخصيّة دينيّة، فيقال: شعائر الحجّ مثلاً، أو الشعائر الحسينيّة.



1 الصحاح, ج 2، ص 699.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

4

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 وقد ورد التعبير عن الشعائر في آيات عديدة من كتاب الله العزيز، وبتعابير مختلفة، نكتفي بعرض بعض منها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾1. وقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾2، وقال تبارك اسمه: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾3، وقال عزّ من قائل: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ﴾4، وكذلك قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾5، إلى غير ذلك من الآيات التي بمعناها..

 
فالشعائر- كما يتضح من معناها - مجموعة من الأمور التي يتمّ إقامتها من قبل جميع طبقات المجتمع وشرائح المجتمع الإسلاميّ، بدون اختصاص بفئة دون فئة، أو مجموعة دون مجموعة، يراد منها التركيز على جانب الإعلام الدّينيّ، كنشر الدّين، أو معنى من معانيه، أو حكم من أحكامه، بهدف إعلاء الدّين وإقامة معالمه في النفوس والسلوك الاجتماعيّ.



1  سورة المائدة، الآية: 2.
2  سورة الحجّ، الآية: 32.
3 سورة الحجّ، الآية: 36.
4 سورة البقرة، الآية: 158.
5 سورة الحجّ، الآية: 30.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

5

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 فالشعيرة الدّينيّة تحتوي على ركنين: ركن النشر والإعلام، وركن الإعلاء والاعتزاز وحفظ الهويّة الدّينيّة.

 
ومن هنا فلا يصحّ الاستهانة بهذه الرموز والشعارات الإسلاميّة، فإنّ لها دوراً كبيراً في تحديد الهويّة الحضاريّة للأمّة الإسلاميّة، لأنّ هذه الرموز والشعائر الدّينيّة سواء شعائر الحجّ أو الشعائر الحسينيّة أو شعائر الصلاة أو شعائر المسجد أو شعائر قبور الأئمّة عليهم السلام تعدّ بقاء للمعالم التاريخيّة والحضاريّة للمسلمين1.
 
الشعائر الحسينيّة:
وفي هذا السياق يقع الحديث عن الشعائر الحسينيّة، التي لها دور مزدوج بالغ الأهميّة:
فهي أوّلاً: وسائل للتعبير عن انشداد الجمهور إلى عاشوراء وارتباطهم العاطفيّ بهذا الحدث المهمّ، والذي يعتبر من أهمّ أحداث التاريخ الإسلاميّ.
 
ولها ثانياً: دور فاعل في إذكاء جذوة الثورة والتحريك لذكرى هذا اليوم الحسّاس في تاريخ المسلمين.
 
وبذلك فإنّ للشعائر الحسينيّة دور "التعبير" عن عواطف الجمهور، ودور "التفعيل" للحالة الثوريّة والحركيّة لهذا اليوم



1 أنظر: الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد، ص23،22و 32و ما بعدها..


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

6

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 الخطير في تاريخ الإسلام. ولا نعرف يوماً آخر في تاريخ الإسلام يستقطب عواطف الجمهور بقوّة ويفعّل في نفوسهم الحالة الحركيّة والعاطفيّة كهذا اليوم. ولا شكّ أنّ لهذه الشعائر قيمة كبيرة في كلّ ذلك1.

 
كما أنّ لها أدواراً عديدة تتصل بها هي أعمق من ذلك وأكبر نشير منها إلى:
الدور العميق في حفظ الرسالة الإسلاميّة، وبقاء الدّين الحقّ، الدّين المحمّديّ الأصيل، وإحيائه من جديد.
كذلك لها الدور الأساس في تثبيت أهداف نهضة الإمام الحسين عليه السلام في نفوس الموالين والمحبّين والمسلمين، كما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تعدّ إقامة الشعائر الحسينيّة من أوضح مظاهر إحيائه.
 
كما أنّ لها الدور الكبير في تثبيت مودّة أهل البيت عليهم السلام المفروضة على الأمّة في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾2، بما تحقّقه من إبراز للمحبّة، كما لها دور أساس في التبرّي من أعدائهم، فإنّ التألّم لمصابهم عليهم السلام



1 الشعائر الحسينيّة، إعداد السيّد محمود الغريفي، نقلاً عن مقالة للشيخ محمّد مهدي الآصفي بعنوان: الشعائر الحسينيّة ودورها الفاعل في تاريخ الأمّة، ص 103- 104.
2 سورة الشورى، الآية: 23.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

7

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 والحزن لحزنهم هو نوع من التولّي لهم والتبرّي من أعدائهم، بما يكشفه من تضامن معهم والوقوف في صفّهم، فإنّ علامة المودّة هي الفرح لمن تودّه، والحزن لحزنه، وعلامة البغضاء والعداوة هي الفرح لحزن المبغوض والحزن لفرح المبغوض.

 
وكذلك في إقامة هذه الشعائر إحياء لأمر الأئمّة عليهم السلام، حيث ورد عنهم القول: "رحم الله من أحيا أمرنا"1.2
 
الشعائر: تنوّعها وأشكالها:
وتختلف الشعائر الحسينيّة في طرق إحيائها من حيث الشكل والصورة، وتنقسم إلى أقسام عديدة: كإقامة المجالس، والبكاء، والإبكاء، واللَّطم، والمواكب والمسيرات، والزيارة، وإقامة التشابيه والمسرحيّات والتمثيل للواقعة، إلى غير ذلك من أشكال وألوان وصور الإحياء وكيفيّته.
 
وجلّ هذه الطرق والأشكال ممّا تعارف على إحيائها وإقامتها المحبّون والموالون، وتوارثوها من قديم الأزمان، في مختلف الأماكن والبلدان، وبمرأى ومسمع من العلماء والفقهاء، والمحبّين والأعداء3.



1  بحار الأنوار، ج 51، ص 2.
2 أنظر: الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد، ص38.
3  المصدر السابق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

 


8

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 إلّا أنّه وللأسف فقد دخل - وبشكل محدود - في بعض أشكال الإحياء ما يسيء إلى الشعائر الحسينيّة وقداستها وقيمتها، ويضرّ بأهدافها ودورها، ويؤدّي إلى نقض الغرض من توظيفها في خدمة الدّين وأهداف النهضة الحسينيّة المباركة، ممّا دعا العلماء الأعلام على مرّ العصور إلى الدعوة لتنزيهها عمّا يمكن أن يشينها ويضرّ بهدفيّتها.

 
ويعجبنا أن ننقل هنا بعضاً ممّا جاء في كلام للشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء يوصي به أصحاب المواكب وأهل إقامة العزاء والشعائر الحسينيّة:
 
ووصيّتي ونصيحتي ورغبتي وطلبي من كافّة إخواننا المؤمنين، أمران مهمّان: 
الأوّل: تنزيه المواكب الحسينيّة الشريفة من كلّ ما يشينها ويدنّسها ويخرج بها عن عنوان مظاهر الحزن والفجيعة، إذ ليس الغرض من تكرار فاجعة الطفّ كلّ سنة بل كلّ يوم اللهو واللعب بقصّة من الأقاصيص وعجيبة من الأعاجيب، بل في ذلك من الحكم السامية والأسرار المقدّسة ما يقصر عنه اللسان ويضيق به البيان، فاللازم تطهير تلك المواكب الشريفة عن كلّ ما يمسّ شرفها وكرامتها حتّى يترتّب عليها آثارها المشروعة وغاياتها الشريفة، التي من أجلها وفي سبيلها بذل الحسين، أرواحنا فداه، نفسه وأفلاذ قلبه وأعزّ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

9

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 أهل بيته وأصحابه، حتّى جرى عليه من زوابع الفجايع ما لم يجر على بشر ولا نحسبه يجري على أحد من بعده.

 
الأمر الثاني: ولعلّه أهمّ من الأوّل، ألا وهو رفض هذه الخلافات والمشاجرات التي لا تعود إلّا بالضرر المبيد والضعف المهلك علينا معشَر المؤمنين، إنّما اللازم المحتّم علينا (لا) سيّما في مثل هذه الأعصار أن نكون يداً واحدة أمام العدوّ الذي لا يزال يجدّ ويدأب في هدم بيوتٍ أذن الله أن تُرفع..1.
 
الخطوط العامّة لتوجيه الشعائر الحسينيّة:
ولهذا كان لا بدّ من رسم الخطوط والعناصر الأساسيّة لتوجيه الشعائر الحسينيّة، ونحن ننقل هنا ما ذكره بعض الأعلام في هذا المجال من خطوط وعناصر أساسيّة، وهي:
 
1- التمسّك بنصوص وروايات أهل البيت عليهم السلام في إقامة مجالس العزاء الحسينيّ وإقامة الشعائر الحسينيّة، وهذه الروايات كثيرة ومنتشرة في الكتب الموثوقة.
 
2- الشعائر الموروثة من سلفنا الصالح على أيدي العلماء العاملين منذ عصر الغيبة إلى اليوم، والتي تلقّاها علماؤنا جيلاً بعد جيل بالتأييد والدعم كإقامة مجالس العزاء ومواكب العزاء والبكاء والزيارة وما أشبه.



1 الآيات البيّنات في قمع البدع والضلالات، ص 10- 11.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

10

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 3- أن لا يكون في هذه الشعائر ما يسبّب وهناً أو ضعفاً لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ولا يعكس صورة سلبيّة أو موهونة لمذهب أهل البيت عليهم السلام.

 
4- أن تعكس ظلامة أهل البيت عليهم السلام والمآسي التي مرّت عليهم وتعكس ظلم الظالمين وتجرّؤهم على الله ورسوله وأوليائه.
 
5- أن تعكس ثورة أهل البيت عليهم السلام وحركتهم وخروجهم على الظالمين وعدم رضوخهم لهم.
 
6- أن تحفظ للجمهور عاطفته وانشداده لمأساة عاشوراء، ويصعّد هذه العلاقة والانشداد النفسيّ لمأساة الطفّ.
 
7- أن تعكس رسالة أهل البيت ووعيهم للإسلام ولمواقفهم ويكون مجالاً خصباً لدعوة الناس إلى الإسلام وتوجيههم إلى هدي أهل البيت عليهم السلام ومجالاً خصباً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعريف بمفاهيم الإسلام وهدي القرآن، ودعوة الناس إلى إقامة الصلاة وسائر فرائض الله سبحانه.
 
وكذلك ينبغي أن يسعى العلماء والخطباء دائماً إلى توجيه الشعائر والمجالس الحسينيّة وتهذيبها وإقامتها وفق برنامج مدروس1.



1 الشعائر الحسينيّة، إعداد السيّد محمود الغريفي، نقلاً عن مقالة للشيخ محمّد مهدي الآصفي بعنوان: الشعائر الحسينيّة ودورها الفاعل في تاريخ الأمّة، ص 111- 112.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

11

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 الإمام الخميني قدس سره والشعائر الحسينيّة:

يؤكّد إمام الأمّة روح الله الموسويّ الخميني قدس سره على ضرورة إحياء الشعائر الحسينيّة، والمحافظة على إحيائها، وعدم الإصغاء إلى أصوات المشكّكين أو المنحرفين أو الأعداء، فيقول قدس سره: ينبغي أن تحافظوا على مجالس عزاء الأئمّة الأطهار عليهم السلام فهذه المجالس هي شعائرنا الدّينيّة التي يجب أن نحافظ عليها. وهذه المجالس هي شعائر سياسيّة أيضاً ينبغي المحافظة عليها. ولا يغرّر بكم هؤلاء المتلاعبون بالأقلام ولا يستغفلكم هؤلاء الأشخاص ذوو الأسماء المختلفة والأهداف الانحرافيّة، فهم يريدون أن يأخذوا منكم كلّ شيء.
 
يجب أن تبقى المجالس الحسينيّة ومواكب العزاء على حالها، وينبغي أن يحيي الخطباء ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام، وليعِ الشعب قيمة هذه الشعائر الإسلاميّة، وليهتمّوا بهذه المآتم خصوصاً، فبإحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام يحيا الإسلام1.
 
ويمكن لنا أن نشير إلى بعض ما جاء في كلمات الإمام رضوان الله عليه في مجال الشعائر الحسينيّة، ضمن العناوين الآتية:



1 نهضة عاشوراء, الإمام الخمينيّ، ص 105- 106.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

12

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 1- التأكيد على ضرورة إحياء مجالس العزاء والشعائر الحسينيّة بشكل عامّ، كونها التي ساهمت في بقاء الإسلام وحفظه، وكذلك ساهمت في تحقيق الأهداف الحسينيّة، وكانت ولا تزال عنوان مواجهة ظلم الظالمين.


يقول قدس سره: إنّ الذي صان الإسلام وأبقاه حيّاً حتّى وصل إلينا نحن المجتمعين هنا هو الإمام الحسين عليه السلام الذي ضحّى بكلّ ما يملك وقدَّم الغالي والنفيس، وضحّى بالشباب والأصحاب من أهله وأنصاره في سبيل الله عزَّ وجلّ، ونهض من أجل رفعة الإسلام، ومعارضة الظلم...
 
ونحن السائرين على نهجه والمقتفين لآثاره، والمقيمين لمجالس العزاء التي أمرنا بها الإمام الصادق عليه السلام وأئمّة الهدى عليهم السلام، إنّما نكرّر عين ما كان، ونقول ما كان يقوله الإمام ويروم تحقيقه، ألا وهو مكافحة الظلم.
 
ونحن وخطباؤنا إنّما سعينا لإبقاء قضيّة كربلاء حيّة، قضيّة مواجهة الثلّة المؤمنة القليلة لنظام طاغوتيّ متجبّر، ونهوضها بوجهه مستمرّة متواصلة.
 
إنّ البكاء على الشهيد يُعدّ إبقاءً على اتقاد جذوة الثورة وتأجّجها، وما ورد في الروايات من: أنّ مَن بكى أو تباكى أو 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

13

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 تظاهر بالحزن فإنّ أجره الجنّة، إنّما يفسّر بكون هذا الشخص يساهم في صيانة نهضة الإمام الحسين عليه السلام1.

 
إنّ هذه المنابر وهذه المجالس والتعازي ومواكب اللطم هي التي حفظت لنا الإسلام2.
 
2- التوجّه إلى البعد السياسيّ لمجالس العزاء:
يقول قدس سره أيضاً: إنّ ما أودّ أن أعرضه على السادة الخطباء هنا هو أنّ قيمة العمل الذي يقومون به ومدى أهمّيّة مجالس العزاء لم تدرك إلّا قليلاً، ولربّما لم تدرك بالمرّة، فالروايات التي تقول: إنّ كلّ دمعة تُذرف لمصاب الحسين عليه السلام لها من الثواب كذا وكذا، وتلك الروايات التي تؤكّد أنّ ثواب من بكى أو تباكى... لم تكن من باب أنّ سيّد المظلومين عليه السلام بحاجة إلى مثل هذا العمل، ولا لغرض أن ينالوا هم وسائر المسلمين هذا الأجر والثواب بالرغم من أنّه محرز ولا شكّ فيه حتماً، ولكن لِمَ جُعل هذا الثواب العظيم لمجالس العزاء؟ ولماذا يجزي الله تبارك وتعالى من بكى أو تباكى بمثل هذا الثواب والجزاء العظيم؟



1 نهضة عاشوراء, الإمام الخمينيّ، ص 7-8. 
2 المصدر السابق، ص 92.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

14

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 إنّ ذلك يتّضح تدريجيّاً من ناحيته السياسيّة، وسيُعرف أكثر فيما بعد إن شاء الله. إنّ هذا الثواب المخصّص للبكاء ومجالس العزاء، إنّما يُعطى - علاوة على الناحية العباديّة والمعنويّة- على الناحية السياسيّة، فهناك مغزى سياسيّ لهذه المجالس.

 
لقد قيلت هذه الروايات في وقت كانت هذه الفرقة الناجية مبتلاة بالحكم الأمويّ، وأكثر منه بالحكم العبّاسيّ، وكانت فئة قليلة مستضعفة تواجه قوى كبرى.
 
لذا وبهدف بناء هذه الأقلّيّة وتحويلها إلى حركة متجانسة، اختطّوا لها طريقاً بنّاءً، وتمّ ربطها بمنابع الوحي، وبيت النبوّة وأئمّة الهدى عليهم السلام، فراحوا يخبرونهم بعظمة هذه المجالس واستحقاق الدموع التي تُذرف فيها الثواب الجزيل ممّا جمع الشيعة - على الرغم من كونهم آنذاك أقلّيّة مستضعفة - في تجمّعات مذهبيّة ولربّما لم يكن الكثير منهم يعرف حقيقة الأمر، ولكن الهدف كان بناء هيكل هذه الأقلّيّة مقابل الأكثريّة1.
 
3- صنع النماذج والنخب القياديّة والجهاديّة:
يقول قدس سره: إنّ هذه المجالس التي تذكر فيها مصائب سيّد المظلومين عليه السلام وتظهر مظلوميّة ذلك.. (الإمام) الذي ضحّى بنفسه وبأولاده وأنصاره



1 نهضة عاشوراء, الإمام الخمينيّ، ص 12- 13.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

15

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 في سبيل الله، هي التي خرّجت أولئك الشبّان الذين يتحرّقون شوقاً للذهاب إلى الجبهات ويطلبون الشهادة ويفخرون بها، وتراهم يحزنون إذا هم لم يحصلوا عليها.

 
هذه المجالس هي التي خرّجت أمّهات يفقدن أبناءهنّ ثمّ يقلن بأنّ لديهن غيرهم وأنّهنّ مستعدّات للتضحية بهم أيضاً.
 
إنّها مجالس سيّد الشهداء عليه السلام ومجالس الأدعية من دعاء كميل وغيره، هي التي تصنع مثل هذه النماذج وتبنيها، وقد وضع الإسلام أساس ذلك منذ البداية وعلى هذه الركائز، وقدّر أن يتقدّم ويشقّ طريقه وفق هذا المنهج1.
 
ولم يغفل الإمام رضوان الله عليه عن التوصية بترك بعض الممارسات الخاطئة التي تسيء إلى الشعائر فقال:
 
ينبغي أن تعلموا أنّكم إذا أردتم الحفاظ على نهضتكم فيجب أن تحافظوا على هذه الشعائر والسنن، وطبعاً فإنّه إذا كانت هناك أعمال وممارسات منحرفة وخاطئة يرتكبها أشخاص غير مطّلعين على المسائل الإسلاميّة فيجب أن تتمّ تصفيتها، لكنّ المواكب والمآتم ينبغي أن تبقى على قوّتها2.



1  نهضة عاشوراء, الإمام الخمينيّ، ص 18.
2 المصدر السابق، ص 111- 112.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

16

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 الإمام الخامنئيّ والشعائر الحسينيّة:

وعلى نفس الطريق سار وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ دام ظله بالتوصية بالاهتمام بإحياء المجالس والشعائر، وكذلك في التنبيه على تصفيتها من الشوائب التي تعرضها أحياناً.
 
قال دام ظله: ذكرى عاشوراء ليست مجرّد ذكر لبعض الخواطر والذكريات والأحداث فقط، وإنّما هي تبيان لحادثة في غاية الأهمّيّة، ولها عدد غير محدود من الأبعاد والجوانب التي تركت أعمق الآثار في حياة الأمّة الإسلاميّة على مرّ التاريخ.
 
إذاً فالتذكير بهذه الفاجعة هو موضوع يمكن أن يتبلور عنه كثير من الخيرات والبركات لأبناء الأمّة، لذا تلاحظون أنّ قضيّة البكاء والإبكاء على الإمام الحسين عليه السلام كانت تحتلّ مكانة متميّزة في زمن الأئمّة عليهم السلام. فلا يتصورنّ أحد أنّه مع وجود المنطق والاستدلال فما هي الحاجة للبكاء وما هي الحاجة للبحث في قضايا قديمة من هذا القبيل؟
 
إنّ هذا النوع من التفكير بيّن البطلان لأنّ لكلٍّ من هذه الأمور دوراً في بناء شخصيّة الإنسان وتكامله، فالعواطف لها دورها والمنطق والبرهان لهما دورهما المهمّ أيضاً. فالعاطفة لها 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

17

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 دور في حلّ كثير من المشاكل والمعضلات التي يعجز المنطق والاستدلال عن حلّها...

 
طبعاً فإنّ كلّ مشاعر وأحاسيس صادقة تنطوي على برهان فلسفيّ واستدلال عقليّ..

وحادثة عاشوراء تنطوي في طبيعتها وذاتها على بحر زاخر من العواطف الصادقة، فهذه الفاجعة جاءت نتيجة لثورة إنسان عظيم ومعصوم، إنسان لا يمكن التشكيك بمقدار ذرّة في شخصيّته المتسامية، ويقرّ جميع المنصفين في العالم بتعالي هدفه وهو: إنقاذ المجتمع من براثن الظلم والاستعباد...
 
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الفائدة التي يجب أن تُجنى من هذه الذكرى ومن هذه المجالس؟ وما هو الطريق لشكر هذه النعمة؟
 
...هذه النعمة الكبيرة هي التي تربط القلوب بمنابع الإيمان بالله وبالغيب مباشرة، وهي التي جعلت الحكّام الطواغيت على طول التاريخ يرتجفون خوفاً وفزعاً من عاشوراء ومن قبر الإمام الحسين عليه السلام. فقد بدأ هذا الخوف منذ زمن بني أميّة وتواصل إلى يومنا هذا...
 
وقد عرف إمامنا الراحل رضوان الله عليه - ذلك الرجل
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

18

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 وصاحب النظرة الثاقبة - كيف يستغلّ أيّام عاشوراء من أجل السعي إلى تحقيق أهداف الإمام الحسين عليه السلام العظيمة، فقد أعلن رضوان الله عليه بأنّ محرّم هو شهر انتصار الدم على السيف، وبهذا المنطق - وببركة شهر محرّم - انتصر الدم على السيف في إيران الإسلاميّة، وكما خطّط له الإمام الراحل رضوان الله عليه...

 
هناك أمور تقرّب الناس إلى الله وتعزّز تمسّكهم بتعاليم الدّين، ومن هذه الأمور هي مراسم العزاء التقليديّة، وأنّ ما أوصانا الإمام رضوان الله تعالى عليه بإقامة مراسم العزاء التقليديّة هو المشاركة في المجالس الحسينيّة ونعي الإمام الحسين عليه السلام، والبكاء عليه واللطم على الصدور في مواكب العزاء، وهي من الأمور التي تعزّز المشاعر الجيّاشة إزاء أهل البيت عليهم السلام1.
 
لماذا إقامة الشعائر الحسينيّة؟ وكيف تقام؟
والسؤال الذي يطرح نفسه: 
أوّلاً: لماذا إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام وإحياء شعائره؟ 



1  من خطاب له دام ظله ألقاه في جمع من العلماء والفضلاء بتاريخ 29 ذي الحجّة سنة 1414 هجريّ قمريّ.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

19

تمهيد: نظرة حول الشعائر الحسينيّة

 وثانياً: كيف نحيي هذه الشعائر وما هي أنواعها وأشكالها المقبولة والواردة عن أهل البيت عليهم السلام؟

 
وسوف نجيب عن هذين السؤالين تباعاً ضمن الفصلين الآتيين إن شاء الله تعالى.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

20

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 تمهيد:

يقع التساؤل أحياناً عن سبب تخصيص الإمام الحسين عليه السلام من قبل أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام بإقامة العزاء، وتطرح عادة إشكاليّة تقول: لماذا لا يقام هذا العزاء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ أو غيره من الشخصيّات المقدّسة في تاريخ الإسلام؟
وللإجابة عن هذا السؤال نقول:
أوّلاً: إنّ أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام يقيمون العزاء على مصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعتبرون أنّ فقده صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم المصائب، بل أصاب الأمّة الإسلاميّة بما لم تصب بمثله أبداً، وقد رووا ذلك عن أئمّتهم عليهم السلام، فعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "من أصيب بمصيبة فليذكر مصابه بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فإنّه من أعظم المصائب"1، وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: "إن أُصِبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك فاذكر مصابك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ الخلائق لم يصابوا بمثله قطّ"2



1 الكافي، ج 3، ص 220.
2 ن.م.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

21

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ثانياً: إنّ مصيبة الإمام الحسين عليه السلام وما جرى عليه من المصائب والمحن والرزايا من حيث طبيعة الفاجعة والمأساة وطريقة القتل واجتماع جميع المصائب عليه في يوم واحد وساعات معدودة، وحصاره ومنع الماء عنه واجتماع ذلك العدد من أعدائه لقتله، وغيرها من الأمور، مثّلت حالة استثنائيّة في تاريخ البشريّة، استدعت نوعاً من الإحياء للمناسبة يختلف عن طبيعة الإحياء المطلوب في جميع مناسبات الشخصيّات المقدّسة الأخرى من الأنبياء والأولياء والأصحاب والأنصار، وهذا ما أشارت إليه الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، فعن الإمام الحسن عليه السلام: "  لا يوم كيومك يا أبا عبد الله"1، وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "لا يوم كيوم الحسين عليه السلام"2.

 
ثالثاً: إنّ طبيعة الأهداف التي حملها الإمام الحسين في نهضته وثورته المباركة، ضدّ الظلم والجور، وفي مواجهة الانحراف، وطلباً لحفظ الدّين والرسالة وتعاليم القرآن وسيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، والتذكير بحقّ آل البيت عليهم السلام ووجوب مودّتهم، والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من الأهداف والعناوين، ومن ناحية أخرى فإنّ 



1  أمالي الصدوق، ص 177.
2 المصدر السابق، ص 547.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

22

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 طبيعة العدوّ الذي كان يواجهه الإمام عليه السلام وخطره على أصل الدّين والرسالة، كلّ ذلك افترض نوعاً من الاهتمام بالمناسبة لما فيه من إحياء للإسلام الذي جاء به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وحفظ لمسيرته وأهدافه، ومن هنا قيل: الإسلام محمّديّ الوجود حسينيّ البقاء.

رابعاً: إنّ الإمام الحسين عليه السلام هو ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسبطه وحبيبه، وإنّما نحزن عليه ونبكي مصابه لأنّه ابن رسول الله وأحد الأئمّة المعصومين الذين أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم عترته وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ولكونه أحد أركان السلسلة الطيّبة التي كان لها دور عظيم بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في بناء هذا الدّين وتشييد أركانه، ولعلّ هذا ما أشارت إليه الرواية عن عبد الله بن الفضل (الهاشميّ) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يا بن رسول الله، كيف صار يوم عاشورا يوم مصيبة وغمّ وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ واليوم الذي ماتت فيه فاطمة عليها السلام؟ واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين عليه السلام؟ واليوم الذي قتل فيه الحسن عليه السلام بالسمّ؟ فقال: "إنّ يوم قتل الحسين عليه السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيّام، وذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

23

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

كانوا خمسة، فلمّا مضى عنهم النبيّ، بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فكان فيهم للناس عزاء وسلوة، فلمّا مضت فاطمة عليها السلام كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام للناس عزاء وسلوة، فلمّا مضى منهم أمير المؤمنين كان للناس في الحسن والحسين عليهما السلام عزاء وسلوة، فلمّا مضى الحسن عليه السلام كان للناس في الحسين عزاء وسلوة. فلمّا قتل الحسين صلّى الله عليه لم يكن بقي من أصحاب الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة، فكان ذهابه كذهاب جميعهم، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة"1.
خامساً: إنّ البكاء على الإمام الحسين عليه السلام هو امتثال لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في ضرورة مودّة آل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وتأسيّاً بفعله صلى الله عليه وآله وسلم حيث أقام المآتم على ولده الحسين عليه السلام قبل شهادته وبكاه في مواضع عديدة.
وكذلك فإنّ هذا الأمر هو استجابة لطلب الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام الذين حثّوا على إقامة العزاء على الإمام الحسين عليه السلام وقاموا هم أنفسهم بفعل هذا الأمر.



1  بحار الأنوار، ج 44، ص 269, عن علل الشرائع للصدوق.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

24

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 وفي هذا الفصل نعرض لبعض الجوانب المهمّة التي توضح سبب إحياء هذا المناسبة من زوايا مختلفة:

إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام تأسيّاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام:
 
- التأسّي بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم:
يقول الله تعالى في هذا المجال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾1.

وهذا أمر واضح وصريح من الحقّ تعالى بأن نتّخذ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أسوة لنا، ولذا فإنّ من يريد أن يتخلّق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن يمتلك إيماناً واقعيّاً بالله تبارك وتعالى لا بدّ له أن يتّخذ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مثالاً وقدوةً له.

ويحدّثنا التاريخ والروايات أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان كثيراً ما يظهر محبّته وعلاقته القويّة بسيّد الشهداء عليه السلاموعندما كان يذكرُ أيّ شيء يتعلّق بمقتل الإمام الحسين عليه السلاميتغيّر حاله وكيانه ويصيبه الغمّ والحزن ويبكي بشدّة.

وممّا ينبغي الالتفات إليه هنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم بذلك قبل خمسين ونيّف من السنين قبل استشهاد سيّد الشهداء سلام الله عليه.



1 سورة الأحزاب، الآية: 21.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

25

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 وفي هذا المجال يروى لنا عبد الله بن محمّد الصنعانيّ نقلاً عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل الحسين عليه السلام جذبه إليه وقال لأمير المؤمنين عليه السلام: أمسكه، ثمّ يقع عليه فيقبّله ويبكي فيلتفت إليه (الحسين) ويقول: يا أبه لم تبكي؟ فيقول: يا بنيّ، أُقبِّل موضع السيوف منك وأبكي"1.

وفي رواية أخرى عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ جبرائيل أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسين يلعب بين يديه فأخبره أنّ أمّته ستقتله، قال فجزع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"2.
وروي أيضاً عن صفيّة بنت عبد المطلب أنّها قالت: "لمّا سقط الحسين عليه السلام من بطن أمّه دفعته إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم... فقبّل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بين عينيه، ثمّ دفعه إليّ وهو يبكي ويقول لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بنيّ قالها ثلاثاً..."3.
وكذلك في أواخر لحظات عمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان يحتضر أخذ الحسين عليه السلام ليودّعه فضمّه إلى صدره وراح يقبّله وهو يقول: "ما لي وليزيد لا بارك الله في يزيد"4.



1  كامل الزيارات، باب 22، رقم 4، ص146, الخصائص الحسينيّة ص75 (نقلاً عن بحار الأنوار، ج44، ص261).
2 نفس المصدر، باب 17، رقم1، ص128.
3 بحار الأنوار، ج43، ص243, الخصائص الحسينيّة، ص36, الأمالي للصدوق، ص83.
4 الخصائص الحسينيّة، ص37, بحار الأنوار، ج44، ص266.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

26

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 وينقل سعيد بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لمّا أن هبط جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بقتل الحسين عليه السلام، أخذ بيد عليّ عليه السلام فخلا به مليّاً من النهار فغلبتهما العبرة، فلم يتفرّقا حتّى هبط عليهما جبرائيل عليه السلام فقال لهما: ربّكما يقرؤكما السلام ويقول: قد عزمت عليكما لما صبرتما، قال فصبرا"1.

وقد أحصى العلّامة الأمينيّ رحمه الله في كتابه سيرتنا وسنّتنا، ما يقرب من عشرين مأتماً، روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه أقامها على الإمام الحسين عليه السلام، أخرجها من كتب وروايات أهل السنّة: فمأتم أقامه عند الميلاد في أوّل ساعة من ميلاده، ومأتم الرضوعة، ومأتم في رأس السنة، أي بعدما أتى على الحسين عليه السلام سنة كاملة، سبعة مآتم في بيت السيّدة أمّ سلمة أمّ المؤمنين، وثلاثة مآتم في بيت السيّدة عائشة، ومأتم في بيت السيّدة زينب بنت جحش أمّ المؤمنين، ومأتم في دار أمير المؤمنين عليه السلام، ومأتم في حشد من الصحابة، ومأتم في دار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومأتم يوم عاشوراء، ومأتم في كربلاء أقامه أمير المؤمنين عليه السلام.



1  كامل الزيارات، باب 16، رقم 1، ص121, بحار الأنوار، ج44، ص231.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

27

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 - التأسّي بأمير المؤمنين عليه السلام:

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾1.

وعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يا عليّ، من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله"2.
 
وقد وصل إلينا العديد من الروايات عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم - من كتب الفريقين (السنّة والشيعة) - تؤكّد على أنّ إطاعة أمير المؤمنين عليه السلام مساوية لإطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإطاعة هذين العظيمين مقارنة لإطاعة الله تعالى.
 
وهذا يشير بوضوح إلى كون أقوالهما وأفعالهما وكلّ ما يقومان به لا ينفكّ عن إرادة الحقّ تعالى وأنّ كلّ شيء عندهما هو من عند الله.
 
ولذا فإنّ الله تبارك وتعالى في القرآن الحكيم وبعد أمره بإطاعته وإطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنّه يأمر بإطاعة أمير المؤمنين عليه السلام كما ذكر المفسّرون من الخاصّة والعامّة بأنّ الآية المذكورة قد فسّرت بأنّها واردة في شأن أمير المؤمنين عليه السلام.
 
وقد أكّد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مراراً دعوته لأمّته بإطاعة أمير المؤمنين واتّباعه، وفي الواقع فإنّ معنى كلمة الشيعة 



1 سورة النساء، الآية: 59.
2  الصدوق، الأمالي، ص552.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

28

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 تعني المتابعة ولذا فإنّه كلّما كان الاتّباع والإطاعة لأمير المؤمنين عليه السلام قويَّيْن وكبيريْن كلّما اقتربنا من حضرته بشكل أكبر أيضاً.

ومن جملة الأعمال التي كان يقوم بها أمير المؤمنين عليه السلام إقامة العزاء والبكاء على سيّد الشهداء عليه السلام ولذا - واقتداءً به سلام الله عليه - فنحن نقيم العزاء ونبكي على ولده الحسين المظلوم عليه السلام.
وينقل عبد الله بن ميمون القدّاح عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مرّ أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاء في أناس من أصحابه فاغرورقت عيناه بالبكاء ثمّ قال: هذا مناخ ركابهم وهذا ملقى رحالهم وهنا تهرق دماؤهم، طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبّة"1.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام عند خروجه إلى صفّين فلمّا نزل بنينوى وهو بشطّ الفرات قال بأعلى صوته: "يا ابن عبّاس، أتعرف هذا الموضع؟"، قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: "لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي"، قال: فبكى طويلاً حتّى اخضلّت لحيته وسالت الدموع على صدره 



1  كامل الزيارات، باب 88، الرواية 12, بحار الأنوار، ج101، ص116.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

29

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 وبكينا معاً وهو يقول: "أوه أوه، ما لي ولآل أبي سفيان، ما لي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر، صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم..."1.

- التأسّي بالسيّدة الزهراء عليها السلام:
أقامت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام العزاء على ولدها الحسين عليه السلام في مناسبات كثيرة وستبقى كذلك إلى يوم القيامة فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "دخلت فاطمة عليها السلام على أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمع فسألته: ما لك؟ فقال إنّ جبرائيل أخبرني أنّ أمّتي تقتل حسيناً فجزِعَت وشقّ عليها فأخبرها بمن يملك من ولدها فطابت نفسها وسكنت"2.
وروى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له: "يا أبا بصير إنّ فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق فتزفر جهنّم زفرة لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيكبحونها ما دامت باكية ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض فلا تسكن حتّى يسكن صوت فاطمة"3.



1 الخصائص الحسينيّة، ص207, بحار الأنوار، ج44، ص252.
2 كامل الزيارات، باب 16، رقم 8، ص125.
3 نفس المصدر، باب 26، رقم 9، ص170.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

30

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 وفي رواية أخرى ورد أيضاً: "فإنّها تشهق كلّ يوم شهقة على ولدها حتّى يسكتها أبوها"1.

 
وورد أيضاً في وصف أحوال المحشر أنّه "يقبل الحسين عليه السلام ورأسه بيده فإذا رأته (فاطمة) شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا مؤمن إلّا بكى، ثمّ تأخذ في التظلّم وترفع القميص بيدها وتقول: إلهي، هذا قميص ولدي"2.
 
وقد أخبرنا أهل البيت عليهم السلام عن حالة سيّدة نساء العالمين عليها السلام عند البكاء على ولدها الشهيد عليه السلام بما رواه أبو بصير- في الرواية المتقدّمة- عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنّه قال له: "يا أبا بصير، إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم واليهم، يا أبا بصير، إنّ فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق" - إلى أن يقول- ثمّ قال لي: "يا أبا بصير، أما تحبّ أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليها السلام"، فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق، وما قدرت على كلامي من البكاء..3.



1 الخصائص الحسينيّة، ص186.
2 نفس المصدر، ص289 ـ 290, بحار الأنوار، ج43، ص224, الأمالي نقلاً عن الشيخ المفيد، ص130.
3 كامل الزيارات, باب 26, رقم 9، ص 169- 170.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

31

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ولوضوح حزن الزهراء عليها السلام على ولدها الإمام الحسين عليه السلام نرى دعبل الخزاعيّ ينشد في تائيّته المعروفة في محضر الإمام الرضا عليه السلام واصفاً حال سيّدة النساء عليها السلام:


أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلاً        

وَقَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ

إذاً لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ          

وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ في الْوَجَنَاتِ

أَفَاطِمُ قُوْمِيْ يَا ابْنَةَ الْخَيْرِ وَانْدُبِيْ    

نُجُوْمَ سَمَاوَاتٍ بِأَرْضِ فَلَاةِ






 


- التأسّي بالإمام الحسن المجتبى وبكاؤه على أخيه عليهما السلام:
ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "إنّ الحسين بن عليّ عليهما السلام دخل يوماً إلى الحسن عليه السلام فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يُصنع بك، فقال له الحسن عليه السلام: إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يدس إليّ فأُقتل به ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك فعندها تحلّ ببني أميّة 



1 بحار الأنوار، ج 45، ص 257.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

 


32

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار"1.

 
- التأسّي بالإمام السجّاد عليه السلام:
لمّا انفصل موكب السبايا من كربلاء طالبين المدينة، قال بشير بن حذلم: فلمّا قربنا منها نزل عليّ بن الحسين عليهما السلام فحطّ رحله، وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال: "يا بشير! رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه؟" قلت: بلى يا بن رسول الله إنّي لشاعر، قال: "فادخل المدينة وانعَ أبا عبد الله"، قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة فلمّا بلغت مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:



1 الخصائص الحسينيّة، ص212, بحار الأنوار، ج45، ص218, الأمالي للشيخ الصدوق، ص101, مثير الأحزان، ص23.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

33

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ بِهَا           قُتِلَ الْحُسَيْنُ فَأَدْمُعِيْ مِدْرَارُ

 الْجِسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلَاءَ مُضَرَّجٌ          وَالْرَأسُ مِنْهُ عَلَى الْقَنَاةِ يُدَارُ


 
قال: ثمّ قلت: هذا عليّ بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه، فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلّا برزنَ من خدورهنَّ مكشوفةً شعورُهُنَّ مخمّشةً وجوهُهنَّ، ضارباتٍ خدودَهنَّ، يدعون بالويل والثبور، فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه، وسمعت جارية تنوح على الحسين فتقول:


نَعَىْ سَيِّدِيْ نَاعٍ نَعَاهُ فَأَوجَعَا                       وَأَمْرَضَنِيْ نَاعٍ نَعَاهُ فَأَفْجَعَا
فَعَيْنَيَّ جُوْدَا بِالْدُّمُوْعِ وَأَسْكُبَا                      وَجُوْدَا بِدَمْعٍ بَعْدَ دَمْعِكُمَا مَعَا
عَلَىْ مَنْ دَهَى عَرْشَ الْجَلِيْلِ فَزَعْزَعَا            فَأَصْبَحَ هَذَا الْمَجْدُ وَالْدِّيْنُ أَجْدَعَا
عَلَىْ ابْنِ نَبِيِّ اللهِ وَابْنِ وَصِيِّه                     وَإِنْ كَانَ عَنَّا شَاحِطَ الْدَارِ أَشْسَعَا
 

 
ثمّ قالت: أيّها الناعي جدّدت حزننا بأبي عبد الله وخدشت منّا قروحاً لمّا تندمل، فمن أنت رحمك الله؟ فقلت: أنا بشير بن حذلم، وجّهني مولاي عليّ بن الحسين عليهما الصلاة والسلام وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله ونسائه، قال: فتركوني مكاني وبادروا فضربت فرسي حتّى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب الناس حتّى قربت من باب الفسطاط وكان
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

 


34

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 عليّ بن الحسين عليهما السلام داخلاً ومعه خرقة يمسح بها دموعه، وخلفه خادم معه كرسيّ فوضعه له وجلس عليه، وهو لا يتمالك من العبرة وارتفعت أصوات الناس بالبكاء، وحنين الجواري والنساء، والناس من كلّ ناحية يعزّونه فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة فأومأ بيده أن: اسكتوا، فسكنت فورتهم فقال عليه السلام:

 
"الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدّين، بارئ الخلائق أجمعين الذي بَعُدَ فارتفع في السماوات العلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأمور، وفجائع الدهور، وألم الفجائع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاضعة، الكاظّة الفادحة الجائحة، أيّها الناس! إنّ الله - وله الحمد - ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قتل أبو عبد الله وعترته، وسبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة، أيّها الناس! فأيّ رجالات منكم يُسَرُّون بعد قتله؟ أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضنُّ عن انهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان ولجج البحار والملائكة المقرّبون، وأهل السماوات أجمعون، أيّها الناس! أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

35

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام، أيّها الناس! أصبحنا مطرودين مشرّدين مذودين شاسعين عن الأمصار، كأنّا أولاد ترك وكابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين، إنْ هذا إلّا اختلاق والله لو أنّ النبيّ تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاءة بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، وأوجعها وأفجعها، وأكظّها، وأفظّها، وأمرّها، وأفدحها، فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا إنّه عزيز ذو انتقام"1.

 
وقد ورد في أحوال الإمام السجّاد عليه السلامأنّه بعد واقعة كربلاء وإلى آخر عمره المبارك بقي يبكي على مصيبة أبيه ويقيم العزاء عليه حتّى قيل- كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام- إنّه: "ما وضع بين يديه طعام إلّا بكى على الحسين، حتّى قال له مولى له: جُعلت فداك يا بن رسول الله، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة لذلك"2.



1 بحار الأنوار، ج 45، ص 147- 149.
2 كامل الزيارات، باب 35، رقم 1.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

36

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 وفي موضع آخر يقول الإمام الصادق عليه السلام: "وكان جدّي إذا ذكره (الحسين عليه السلام) بكى حتّى تملأ عيناه لحيته وحتّى يبكي لبكائه رحمة له من رآه"1.

 
وورد في أحواله سلام الله عليه بعد استشهاد والده أنّه: "إذا أخذ إناءً ليشرب ماءً بكى حتّى يملأه دمعاً"2.
 
ولم يكتف الإمام عليه السلام بالبكاء على أبي الشهيد عليه السلام، بل كان يحثّ شيعته على البكاء ويرغّبهم فيه، فعن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: "كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ عليهما السلام دمعة حتّى تسيل على خدّه، بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه فينا لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا، بوّأه الله بها في الجنّة مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة ما أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنّار"3.



1 كامل الزيارات، باب 26، رقم 168.
2 ابن شهرآشوب، المناقب، ج4، ص166.
3 كامل الزيارات, باب 32, الرقم 1، ص 201.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

37

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 - التأسّي بالإمام الباقر عليه السلام:

عن مالك الجهنيّ من أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتّى يظلّ عنده باكياً لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة بثواب ألفي حجّة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة، وثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع الأئمّة الراشدين عليهم السلام" قال: قلت: جعلت فداك فما لمن كان في بُعْدِ البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟ قال: "إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره وأومأ إليه بالسلام واجتهد على قاتله بالدعاء وصلّى بعده ركعتين يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال، ثمّ ليندب الحسين عليه السلامويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً في البيوت وليعزّي بعضهم بعضاً بمصاب الحسين عليه السلام..."1.
 
- التأسّي بالإمام الصادق عليه السلام:
يروي أبو الفرج الأصفهانيّ أنّه عندما تشرّف السيّد الحميريّ بالمحضر المقدّس للإمام الصادق عليه السلام قام عليه السلام بإجلاس 



1 كامل الزيارات، باب 71، رقم 9، ص326.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

38

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 أهل بيته خلف الستر وطلب من الحميريّ أن ينشده أبياتاً في رثاء جدّه المظلوم الحسين عليه السلام... قال: فرأيت دموع جعفر تنحدر على خدّيه وارتفع الصراخ من داره حتّى أمره بالإمساك فأمسك1.

 
وكذلك ينقل عبد الله بن غالب يقول: دخلت على أبي عبد الله عليه السلامفأنشدته مرثيّة الحسين عليه السلام فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع:
 
لِبَلِيَّةٍ تسقوا حُسَيْناً    بِمِسْقَاةِ الْثَرَىْ غَيْرَ الْتُّرَابِ
 
فصاحت باكية من وراء الستر: وا أبتاه2.
 
وروي عن أبي هارون المكفوف أيضاً أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: "أنشدني" فأنشدته، فقال: "لا، كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره"، قال فأنشدته:
 
أُمْرُرْ عَلَىْ جَدَثِ الْحُسَيْنِ   فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الْزَّكِيَّة
 
قال: فلمّا بكى أمسكت أنا، فقال: "مر"، فمررت، قال: ثمّ قال عليه السلام: "زدني"، قال: فأنشدته:
 
يَا مَرْيَمُ قُوْمِيْ فَانْدُبِيْ مَوْلَاكِ     وَعَلَىْ الْحُسَيْنِ فَأَسْعَدِيْ بِبُكَاكِ



1 الأغاني، ج7، ص7, النقد النزيه، ص197 و198.
2 كامل الزيارات، باب 33، رقم 3، ص209 و210.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

39

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 قال: فبكى وتهايج النساء...1.

 
وتشير هذه الروايات مضافاً إلى تشويق الناس وترغيبهم بإقامة العزاء على سيّد الشهداء أنّه نفسه سلام الله عليه أقام مجالس العزاء وكان يبكي ويتفجّع على الحسين عليه السلام.
 
- التأسّي بالإمام الكاظم عليه السلام:
ينقل إبراهيم بن أبي محمود رواية عن الإمام الرضا عليه السلام قال فيها: "كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه"2.
 
وممّا يُنقل في تشجيع الإمام الكاظم عليه السلام لإنشاد الشعر في جدّه الإمام الحسين عليه السلام، أنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر عليهما السلام بالجلوس للتهنئة - في بعض الأعياد - وقبض ما يحمل إليه... فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنّونه ويحملون إليه الهدايا والتحف وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السنّ فقال له: يا بن بنت رسول الله إنّني رجل صعلوك لا مال لي، أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن عليّ:



1 كامل الزيارات، باب 33، رقم 5، ص210 و211.
2 بحار الأنوار، ج44، ص283 و284, من وهج العشق الحسينيّ، ص157.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

40

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 عَجِبْتُ لِمَصْقُوْلٍ عَلَاكَ فِرِنْدُهُ          يَوْمَ الْهَيَاجِ وَقَدْ عَلَاكَ غُبَارُ

 وَلِأَسْهُمٍ نَفَذَتْكَ دُوْنَ حَرَائِرٍ             يَدْعُوْنَ جَدَّكَ وَالْدُّمُوْعُ غِزَارُ
أَلَا تَقَضْقَضَتِ الْسِّهَامُ وَعَاقَهَا           عَنْ جِسْمِكَ الْإِجْلَالُ وَالْإِكْبَارُ


 
قال عليه السلام: "قبلت هديّتك، اجلس بارك الله فيك"، ورفع رأسه إلى الخادم وقال: "امض إلى أمير المؤمنين وعرّفه بهذا المال وما يصنع به؟" فمضى الخادم وعاد وهو يقول: كلّها هبة منّي له يفعل به ما أراد، فقال موسى عليه السلام للشيخ: "اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك"1.
 
- التأسّي بالإمام الرضا عليه السلام:
سار الإمام الرضا عليه السلام في مورد مصيبة سيّد الشهداء على سنّة وسيرة أسلافه من الأئمّة الصالحين المعصومين عليهم السلام فأقام مجالس العزاء على جدّه الحسين عليه السلام يذرف دموع الغمّ والحزن على مصابه ويتلو المراثي عليه ويرغّب غيره في القيام بذلك.



1 مناقب آل أبي طالب ج 4، ص 319.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

41

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 يروي الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه: أنّ دعبل قرأ على الإمام الرضا عليه السلام قصيدة شعريّة ولمّا وصل إلى قوله:



أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلاً        وَقَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ فُرَاتِ
إذاً لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ          أَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ في الْوَجَنَاتِ

 
لطمت النساء وعلا صراخ من وراء الستر وبكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً..1.
 
وفي رواية أخرى يقول الإمام الرضا عليه السلام لإبراهيم بن أبي محمود: "... إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كربٍ وبلا، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"2.
 
وورد في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال لابن شبيب: "يا بن شبيب، إن كنت باكياً لشيءٍ فابك الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش وقُتل مع ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته ما لهم في الأرض من شبيه"3.



1 النقد النزيه، ص197، نقلاً عن عيون أخبار الرضا, معاهد التنصيص.
2 بحار الأنوار، ج44، ص283 و284.
3 الخصائص الحسينيّة، ص248, بحار الأنوار، ج45، ص286, أمالي الصدوق، ص112, عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج1، ص299.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

42

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 - التأسّي بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف:

إنّ إمام الزمان حضرة بقيّة الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف مفجوع ومصاب بعزاء جدّه الإمام الحسين المظلوم وزيارة الناحية الواردة عنه سلام الله عليه أفضل شاهد على ما نقول.
 
ففي هذه الزيارة مضافاً إلى أنّه سلام الله عليه يزور جدّه الحسين عليه السلام فإنّه يشير إلى المصائب التي حلّت به ويقوم بسردها ويرثي جدّه الغريب وينوح عليه.
 
ففي مقطع من هذه الزيارة يقول سلام الله عليه:
"السلام عليك سلام العارف بحرمتك المخلص في ولايتك المتقرّب إلى الله بمحبّتك، البريء من أعدائك، سلام من قلبه بمصابك مقروح، ودمعه عند ذكرك مسفوح سلام المفجوع الحزين، الواله المستكين، سلام من لو كان معك بالطفوف لوقاك بنفسه حدّ السيوف، وبذل حشاشته دونك للحتوف، وجاهد بين يديك ونصرك على من بغى عليك، وفداك بروحه وجسده وماله وولده، وروحه لروحك فداء، وأهله لأهلك وقاء، فلئن أخّرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتأسّفاً على ما دهاك وتلهّفاً حتّى أموت بلوعة المصاب وغصّة الاكتئاب".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

43

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ومن الممكن أن يقال إنّ هذه الزيارة كلّها بكاء وتفجّع وحرقة وذكر للمصيبة إلّا أنّنا نقرأ في مقاطع أخرى من هذه الزيارة قوله عليه السلام:

"فلمّا رأوك ثابت الجأش غير خائف ولا حاش، نصبوا لك غوائل مكرهم، وقاتلوك بكيدهم وشرّهم، وأمر اللعين جنوده فمنعوك الماء ووروده، وناجزوك القتال، وعاجلوك النزال، ورشقوك بالسّهام والنبال، وبسطوا إليك أكفّ الاصطلام، ولم يرعوا لك ذماماً، ولا راقوا فيك أثاماً في قتلهم أولياءَك ونهبهم رحالك، وأنت مقدّم في الهبوات ومحتمل للأذيّات، قد عَجِبَتْ من صبرك ملائكة السماوات، فأحدقوا بك من كلّ الجهات، وأثخنوك بالجراح، وحالوا بينك وبين الرواح، ولم يبق لك ناصر، وأنت محتسب صابر، تذبّ عن نسوتك وأولادك، حتّى نكسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها، وتعلوك الطغاة ببواترها، قد رشح للموت جبينك واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك"1.
 
وسنذكر هذه الزيارة بتمامها في القسم الأخير من هذا الكتاب.



1 الدعاء والزيارة، ص682 ـ 684.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

44

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 وقد أمر عليه السلام في دعاء الندبة أيضاً بالعزاء على الحسين عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام حيث يقول النادبون في هذا الدعاء: "فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعليّ صلّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فَلْتُذْرَفِ الدّموع وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون، أين الحسن؟ أين الحسين؟ أين أبناء الحسين؟..."1.

 
العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام إحياءٌ لأمر أهل البيت عليهم السلام 
لا شكّ في أنّ حفظ أحداث عاشوراء وذكر فضائل ومصائب الإمام الحسين عليه السلام يعدّ من المصاديق البارزة لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام . وهذا الأمر ثابتٌ بالوجدان إذ إنّ الأسباب الهامّة الباعثة على حفظ واقعة عاشوراء وبقائها حيّة على مرّ التاريخ هو هذه المجالس التي تقام للعزاء، والتي قام بها أهل بيت العصمة والطهارة مراراً وتكراراً وعملوا بترغيبنا وتشجيعنا على حفظ الأحداث والقضايا المرتبطة بعاشوراء وكما هو معروف عند العلماء فإنّ الأمر جنس الأجناس ودائرة الأمر أوسع من الشيء وعليه فكلّ ما يتصوّر من مصاديق الأمر فإنّه مشمولٌ له، ولذا فإنّ أهل البيت عليهم السلام يقولون لنا: أحيوا أمرنا أهل البيت.



1 إقبال الأعمال، مصباح الزائر, جمال الأسبوع, بحار الأنوار, مفاتيح الجنان.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

45

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 وفي هذا المقام سنكتفي بذكر ثلاث روايات فقط:

أـ ينقل الأزديّ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال لفضيل: "تجلسون وتتحدّثون؟" قال: نعم، جُعلت فداك. قال: "إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل، من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر"1.
 
ب ـ الرواية الثانية عن الإمام الباقر عليه السلام حيث يقول: "اجتمعوا وتذاكروا تَحُفَّ بكم الملائكة، رحم الله من أحيا أمرنا"2.
 
ج ـ ورد أيضاً عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "ومن جلس مجلساً يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"3.
 
إحياء شعائر سيّد الشهداء عليه السلام مظهر تبلْور المحبّة لأهل البيت عليهم السلام يقول الله تبارك وتعالى في محكم قرآنه الحكيم: ?قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى?4.



1 بحار الأنوار، ج44، ص282, قرب الإسناد، ص26.
2 كنوز الحكم، ص289.
3 بحار الأنوار، ج44، ص278, أمالي الصدوق، المجلس 17، رقم 4.
4 سورة الشورى، الآية: 23.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

46

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 اتفق علماء العامّة والخاصّة ومفسّروهم على نزول هذه الآية في حقّ وشأن الآل الأطهار للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام. ولذا لا بدّ لكلّ الأمّة من امتلاك المودّة والمحبّة لهؤلاء العظماء عليهم السلام.

 
وبالتالي فإنّ إطاعة أوامرهم عنوان للمودّة والمحبّة تجاههم وكذلك فإنّ الاقتداء بأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام عنوان لمودّتهم ومحبّتهم.
 
وأيضاً فإنّ الفرح لفرحهم عنوان آخر لمودّتهم ومحبّتهم.
 
وأخيراً فإنّ الحزن والغمّ لحزنهم وغمّهم ومصابهم عنوان للمودّة والمحبّة.
 
وفي هذا المجال رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "شيعتنا منّا وقد خُلقوا من فاضل طينتنا، وعُجنوا بنور ولايتنا، ورَضوا بنا أئمّة ورَضينا بهم شيعة، يصيبهم ما أصابنا، ويبكيهم مصائبنا، ويحزنهم حزننا، ويسرّهم سرورنا. ونحن أيضاً نتألّم بتألّمهم ونطّلع على أحوالهم، فهم معنا لا يفارقوننا ونحن لا نفارقهم"، ثمّ قال: "اللهمّ إنّ شيعتنا منّا، فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا استحيى الله أن يعذّبه بالنّار"1.



1 الخصائص الحسينيّة، ص166, منتخب الطريحيّ، ص268.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

47

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ولا يخفى أنّ أشدّ المصائب التي أوجعت قلوب أهل البيت عليهم السلام وأوردت عليهم الغمّ والحزن هو مصاب سيّد الشهداء عليه السلام . ولذا يجب علينا بأيّ نحو من الأنحاء إظهارُ الحزن والتفجّع على مصابه، وفي ذلك إظهارٌ لمودّتنا ومحبّتنا لأهل البيت عليهم السلام .

 
وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام في مورد زيارة سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام نقل عنه أنّه قال: "... من كان لنا محبّاً فليرغب في زيارة الحسين عليه السلام فمن كان للحسين عليه السلام زَوّاراً عرفناه بالحبّ لنا أهلَ البيت وكان من أهل الجنّة"1.
 
وفي موضع آخر ينقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من لم يأت قبر الحسين عليه السلام وهو يزعم أنّه لنا شيعة حتّى يموت فليس هو لنا بشيعة..."2.
 
وسوف يأتي معنا لاحقاً أنّ أحد مصاديق الشعائر الحسينيّة هو الذهاب لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام.
 
حيث إنّ الأمور المرتبطة بالإمام الحسين عليه السلام بالخصوص، وكما يُستفاد من الروايتين السابقتين، أنّه مضافاً إلى إظهار المحبّة والودّ تجاهه سلام الله عليه فإنّه أيضاً إظهارٌ للمحبّة تجاه أهل البيت عليهم السلام عامّة.



1 كامل الزيارات، باب 78، رقم 4، ص356. 
2 المصدر السابق، باب 78، رقم 3، ص356. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

 


48

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ولذا لو قام أيّ إنسان بأيّ أمر مهما صغر تجاه الساحة المقدّسة للإمام الحسين عليه السلام فكأنّه أظهر علاقته ومحبّته بكلّ أهل البيت عليهم السلام أيضاً.


إحياء الشعائر موجبٌ لأداء حقّ أهل البيت عليهم السلام 
وحيث إنّ الله تبارك وتعالى - ببركة وجود أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام والذين هم أفضل المخلوقات وأكملها وأقرب الأولياء إلى الله وخلفائه في الأرض- أفاض نِعَمَه العظيمة على هذه الدنيا فألبسها لباس الوجود وشملها برحمته الواسعة التي لا حدّ لها، ولذا فإنّ لأهل البيت عليهم السلام حقوقاً كبيرة في أعناقنا ولا سيّما لأولئك المهتدين أو السائرين في طريق الهداية.
 
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام ومع ابتلائهم بالمصائب الكثيرة في هذه الدنيا ورغم تسليمهم الكامل لله في سبيل تحصيل رضا الحقّ تعالى إلّا أنّ كلّ ذلك كان منهم من أجل هداية عباد الله وحفظ الدّين النبويّ والولاية العلويّة عليهم السلام ، وهذا ما قام به سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء حيث قدّم نفسه مسلّماً لأمر لله وفي سبيل تحصيل رضاه تبارك وتعالى.
 
ولذا فإنّنا نقرأ في زيارة الأربعين قوله: "وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى والشكّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

49

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 والارتياب إلى باب الهدى من الردى"1.

 
وبناءً على ذلك فإنّ لأهل البيت عليهم السلام وخاصّة سيّد الشهداء عليه السلام حقّاً كبيراً واجباً في أعناقنا، وكلام الإمام الصادق عليه السلام مؤيّدٌ لهذا المطلب حيث يقول عليه السلام : "... إنّ حقّ الحسين عليه السلام فريضة من الله واجبة على كلّ مسلم"2.
 
وروي أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام قوله لابن أبي يعفور والذي كان من أتباعه وشيعته، قال له: "فهلّا أتيت من كان أعظم حقّاً عليك منّي... قلت: ومن أعظم عليّ حقّاً منك قال: الحسين بن عليّ عليه السلام ..."3.
 
وبناءً على هذا القول وأمثاله لا بدّ علينا أن نبذل جهدنا في أداء حقّ الأئمّة عليهم السلام وخصوصاً سيّد الشهداء عليه السلام وإدخال السرور على قلوبهم.
 
وكذلك يُستفاد من بعض الروايات أنّه لو قام أحدٌ ما بأيّ شيءٍ تجاه سيّد الشهداء عليه السلام فإنّه مضافاً إلى أداء حقّ هذا الإمام العظيم يكون مؤديّاً لحقّ بقيّة الأئمّة المعصومين عليهم السلام . وبلا ترديد فإنّ أحد الأعمال الموجبة لحصول هذا الأمر هو احياء الشعائر الحسينيّة خاصّة، وبشكل عامّ كلّ عمل باعثٍ على



1 كامل الزيارات، باب 79، ص401، رقم 23. 
2 المصدر السابق، باب 43، رقم 5.
3 المصدر السابق، باب 69، رقم 8، ص315.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

50

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ترويج مذهبهم، وبالتالي فإنّ ذكر فضائلهم ومصائبهم وإحياء أمرهم وما جرى عليهم يعدّ من المصاديق البارزة لأداء حقّهم.

 
ومثالاً على ذلك فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في مجال العزاء والبكاء على سيّد الشهداء في ضمن إحدى الروايات قوله: "... وما من باكٍ يبكيه إلّا قد وصل فاطمة عليها السلام وأسعدها عليه ووصل رسول الله وأدّى حقّنا..."1.
 
وفي باب زيارة الإمام سيّد الشهداء عليه السلام والتي تعدّ من مصاديق الشعائر يقول الإمام الصادق عليه السلام : "لو أنّ أحدكم حجّ دهره ثمّ لم يزر الحسين بن عليّ عليه السلام لكان تاركاً حقّاً من (حقوق الله و) حقوق رسوله صلى الله عليه وآله وسلم"2.
 
وقد وردت روايات كثيرة في باب أداء حقوق أهل البيت عليهم السلام إلّا أنّ هذا المختصر لا يتّسع لذكرها.
 
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ عدم أداء حقوقهم وكذلك إذا لم نؤدّ - في صورة الاستطاعة - أيّ خدمةٍ لهم فإنّ ذلك لا يعدّ ترك أداء الحقّ فحسب، بل يعدّ ذلك جفاءً لهم ولحقوقهم والشاهد على هذا الكلام رواية عن الإمام الصادق عليه السلام ، يقول فيها لأحد أصحابه حنّان بن سدير: "يا حنّان بن سدير! تزور أبا عبد الله عليه السلام في كلّ شهر مرّة؟



1 كامل الزيارات، باب 26، رقم 8.
2 المصدر السابق، باب 43، رقم 5، ص238.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

51

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 قال: لا.

 
قال: ففي كلّ شهرين مرّة؟
 
قال: لا.
 
قال: ففي كلّ سنة مرّة؟
 
قال: لا.
 
قال: ما أجفاكم لسيّدكم!"1.
 
وفي هذا الصدد يقول بعض الأساتذة الكبار في بيان قول النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حول سيّد الشهداء عليه السلام: "اللهمّ اخذل من خذله"، قال: خذلان حقّ سيّد الشهداء عليه السلام معناه أنّه لو استطاع أيّ واحد في أيّ زمان أداء حقّ لهذا العظيم فلم يفعل فإنّه يكون مشمولاً بقوله: "من خذله" لأنّ فيه إطلاقاً وغير مقيّد بالزمان.
 
دعاء أهل البيت عليهم السلام لمقيمي العزاء ومن يحيي الشعائر
كما تقدّم معنا فإنّ إحياء الشعائر الحسينيّة يعدّ إحياءً لأمر أهل البيت عليهم السلام ومظهراً للمودّة والمحبّة تجاه ساحتهم المقدّسة وباعثاً لأداء حقّهم، ولذا لو تقلّد أحدنا بهذه القلائد فإنّه سيكون مشمولاً بدعائهم إذ إنّه كما أدخل السرور على قلوبهم فإنّهم يطلبون الرحمة والمغفرة له.



1 كامل الزيارات، باب 96، رقم 7، ص483.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

52

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ومثالاً على ذلك نشير إلى الدعاء الذي يرويه معاوية بن وهب حيث يقول: "استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فقيل لي: ادخل. فدخلت فوجدته في مصلّاه في بيته فجلست حتّى قضى صلاته فسمعته يناجي ربّه وهو يقول: اللهمّ يا من خصّنا بالكرامة ووعدنا بالشفاعة وخصّنا بالوصيّة وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي الحسين الذين أنفقوا أموالهم، واشخصوا أبدانهم، رغبة في برّنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك وإجابةً منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنّا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف واصحبهم واكفهم شرّ كلّ جبّارٍ عنيد وكلّ ضعيف من خلقك وشديد، وشرّ شياطين الإنس والجنّ، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا خلافاً منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حضرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وارحم تلك 

 

 

 

 

 

 

 

61


53

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا. اللهمّ إنّي استودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس حتّى توفّيهم على الحوض يوم العطش الأكبر..."1.

 
إحياء الشعائر الحسينيّة موجبٌ لهداية الناس وحفظ وإحياء رسالة عاشوراء
ورد في الرواية الشريفة: "كتب الله في يمين العرش: إنّ الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة"2.
 
إنّ إحدى القيم المنظورة من خلال إحياء الشعائر الحسينيّة هداية البشر وإنقاذهم ونجاتهم من الضلالة والهلاك حيث إنّ أصل قضيّة عاشوراء وأحداثها والمصائب التي أصابت سيّد الشهداء عليه السلام إنّما كانت من أجل نجاة عباد الله من الغرق في الضلالة والجهالة وإرشادهم إلى مسير الهداية والصراط المستقيم.
 
ونقرأ في الدعاء قبل زيارته سلام الله عليه: "وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى والشكّ والارتياب إلى باب الهدى من الردى"3.



1 كامل الزيارات، باب 40، رقم 2، ص228, وسائل الشيعة، ج10، ص320، باب 37، ح7, بحار الأنوار، ج101، ص8، باب 1، الحديث 30، الكافي كتاب المزار- , ثواب الأعمال.
2 الخصائص الحسينيّة، ص48, بحار الأنوار، ح43، ص262, أمالي الصدوق، ص478، المجلس 87.
3 كامل الزيارات، باب 79، ص401.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

54

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ولذا فإنّ حفظ قيم عاشوراء وإحياء فكر الإمام الحسين عليه السلام وأهدافه ورسالته يستتبع حصول هذا الأمر العظيم والكبير.

 
ومن العوامل المهمّة أيضاً والباعثة على حفظ وبقاء تلك القيم وإحياء رسالة عاشوراء في كلّ عام هو إقامة هذه المجالس للعزاء والمصيبة ولطم الرؤوس والصدور وإقامة الشعائر الحسينيّة. وقد ثبت بشكل قاطع على مرّ التاريخ أنّ الكثير من الناس قد اهتدوا بسبب هذه الشعائر الحسينيّة ونجوا من الضلالة، ولو سعى أحدٌ ما لجمع هذه الشواهد لألّف كتاباً ضخماً وقيِّماً.
 
إحياء شعائر سيّد الشهداء عاملٌ لإحياء الدّين
إنّ إحياء شعائر سيّد الشهداء لا يبعث على هداية البشر فحسب بل يوجب أيضاً حفظ وإحياء أصل الدّين والإسلام الحقيقيّ، أي شريعة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وولاية عليّ المرتضى عليه السلام ، لأنّ الإمام الحسين عليه السلام باستشهاده قام ببقاء الدّين وحفظه، والسبب في ذلك أنّ الإمام الحسين عليه السلام لو لم يقم بشكل قاطع ضدّ يزيد لما بقي في الأساس لا اسم الدّين ولا رسمه، وعليه فمن الواضح والبديهي أنّ المحافظة على ثقافة عاشوراء وقيمها وتاريخ كربلاء من خلال إقامة شعائر سيّد الشهداء ستُساهم في بقاء الدّين وحفظه أيضاً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

55

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ومع قليل من الملاحظة والتأمل نرى الدّين والتديّن والقيم الإلهيّة محسوسة وظاهرة في الأماكن - (سواء كانت صغيرة على مستوى العائلة أو كبيرة على مستوى المدن و...) - التي تقيم الشعائر الحسينيّة وبرامج عاشوراء ومجالس المصيبة والحزن.

 
وفي المقابل فإنّ المجتمعات التي لا يوجد فيها أيّ اسمٍ ولا أيّ ذكر لعاشوراء وشعائرها إمّا أنّه لا يوجد فيها أيّ خبر ولا أثر عن الدّين وإمَّا إذا وجد فإنّه قليل لا يعتدّ به. وحتماً فإنّ هذا الكلام ليس رأينا الشخصيّ فحسب، بل إنّ كلّ الدنيا تقبل وتذعن لهذه الحقيقة. ولذا قيل: "الإسلام محمّديّ الوجود وحسينيّ البقاء".
 
إحياء الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام تلبية لطلب النصرة
إنّ إقامة الشعائر الحسينيّة وإحياءها يحكيان هذا المطلب في الواقع ومفاده: أنّنا إذا لم نكن حاضرين في كربلاء عندما طلب سيّد الشهداء النصرة فإنّنا اليوم ننصره بحفظ وإحياء ذكراه وأهدافه التي قام من أجلها.
 
ومع قليلٍ من التأمّل ندرك أنّ بعض الشعائر ومراسم العزاء التي تقام حاليّاً على سيّد الشهداء مستوحاة من واقعة كربلاء،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

56

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ومثالاً على ذلك فإنّ الموالين عندما يلطمون على رؤوسهم وصدورهم يريدون أن يقولوا: يا حسين لم نكن معك لنكون مثل أطفالك الذين يضربهم الأعداء ..

 
وإذا قطعوا المسافات إلى مجالس العزاء والمصيبة وإلى زيارة لسيّد الشهداء يريدون أن يقولوا: يا حسين لم نكن في عاشوراء لنلبي نداءك: هل من ناصرٍ، لبّيك لبّيك ونأتي إليك.
 
ولبّ الكلام هو أنّ لسان حال المعزّين وأهل العزاء على الإمام الحسين عليه السلام في هذه الأيّام هو أنّنا نقول متحسّرين "يا أبا عبد الله يا ليتنا كنّا معك فنفوزَ فوزاً عظيماً".
 
إنّ هذه المجالس والمراسم مضافاً إلى كونها مظهرة للمحبّة والعشق لسيّد الشهداء عليه السلام فإنّها تواسي إمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وتقتدي به، حيث إنّه سلام الله عليه يخاطب جدّه في زيارة الناحية قائلاً له: "فلئن أخّرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك وتأسّفاً على ما دهاك وتلهّفاً حتّى أموت بلوعة المصاب وغصّة الاكتئاب".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

57

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 مواجهة أعداء الله بإقامة الشعائر والعزاء

ذكرنا فيما سبق أنّ إحياء الشعائر وإقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام يعتبر عاملاً مهمّاً لبقاء قيم عاشوراء وحفظ شعارات وأهداف الإمام الحسين عليه السلام ولذا فإنّ هذا نفسه يوجب أيضاً الإحساس بالعزّة وعدم الرضوخ للظلم عند الأمّة وهذا ما يشاهد بقوّة عند الشيعة بشكل خاصّ حيث إنّهم لا يسمحون لليزيديّين بسلب ونهب دينهم وإيمانهم، لأنّ الشيعيّ الذي يلطم رأسَه وصدرَه عشقاً لمولاه يسعى للتخلّق بأخلاق سيّد الشهداء عليه السلام والذي يعتبره إمامه ومقتداه، ولذا فإنّه لا ينسى كلام الإمام الحسين عليه السلام حيث يقول: "من كان مثلي لا يبايع مثله (يزيد)".
 
وكذلك أيضاً فإنّ كلام الإمام عليه السلام هذا ما زال ولا يزال يقرع أسماعه، حيث قال: "هيهات منّا الذلّة"1.
 
وبناءً على هذا فإنّ الشعائر في حدّ ذاتها اعتراض مؤثّر على اليزيديّين وأعداء الله، ولذلك فإنّ الحكام الظالمين على مرّ التاريخ، وفي سعيهم للتسلّط على رؤوس الشيعة وحكمهم ولتمرير أهدافهم الاستعماريّة فإنّهم يقومون ابتداءً بمحاربة الشعائر ومجالس العزاء الحسينيّة.



1 بحار الأنوار، ج45، ص83.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

58

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 إحياء الشعائر برجاء الثواب والمغفرة

يقول الله تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾1.
 
ويقول أيضاً: ﴿فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ﴾2.
 
إنّ الإنسان المؤمن يسعى دائماً في كلّ زمانٍ ومكان لنيل المغفرة والرحمة الإلهيّة وتحصيل الثواب والأعمال الصالحة والخيِّرة، لأنّ الله تبارك وتعالى يطلب من عباده المسارعة إلى تحصيل مغفرة الله والتسابق إلى فعل الخيرات.
 
ومن جملة الأمور الفيّاضة بفيض الله دائماً وباب رحمة الحقّ المفتوح أبداً ومنبع الخيرات والثواب الإلهيّ هو باب وطريق أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام عموماً، وسيّد الشهداء عليه السلام على وجه الخصوص.
 
ولذا فإنّ كلّ من له علاقة ما بالإمام الحسين عليه السلام وكلّ من تعلّق بأذيال هؤلاء الأئمّة الأطهار عليهم السلام نال بحار فيض الله الواسعة ورحمة الحقّ تعالى.
 
إنّ إحدى الطرق للارتباط بسيّد الشهداء عليه السلام ومن المصاديق البارزة له هو نفس إحياء شعائر الحسين عليه السلام والتي ذكرت الروايات الكثيرة الثواب الكبير جدّاً لها، وسوف نشير في هذا البحث إلى بعض النماذج منها:



1 سورة آل عمران، الآية: 133. 
2 سورة المائدة، الآية: 48.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

59

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 أـ رواية مسمع البصريّ عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "أما تذكر ما صُنع به؟ يعني الحسين عليه السلام قلت: بلى، قال: أتجزع؟ قلت: إي والله واستعبر بذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فامتنع عن الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي، فقال: "رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويأمنون إذا أَمِنَّا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها... ما بكى أحدٌ رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه، فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرٌّ، وإنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمُحبِّنا إذا ورد عليه حتّى إنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه..."1


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

1 كامل الزيارات، ص203 و204.
 
 

60

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 ب- في رواية أخرى عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال لإبراهيم بن أبي محمود: "... فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"1.

 
ج ـ ما ورد في باب زيارة الحسين عليه السلام عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال: "من زار الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء حتّى يظلّ عنده باكياً لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجّة وألفي ألف عمرة، وألفي ألف غزوة، وثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع الأئمّة الراشدين صلوات الله عليهم أجمعين..."2.
 
وفي هذا الباب ورد الثواب الكبير على بعض الأعمال إلّا أنّ هذا المختصر ليس مجالاً لذكرها.
 
إحياء أمرهم عليهم السلام يوجب حضور المعصومين عليهم السلام عند الموت:
عن مسمع بن عبد الملك كردين البصريّ - في حديث عن أبي عبد الله أنّه قال له: "أفما تذكر ما صُنع به (يعني الحسين عليه السلام)؟"، قلت: نعم، قال: "فتجزع؟"، قلت: إي والله



1 بحار الأنوار، ج44، ص283.
2 كامل الزيارات، ص325, بحار الأنوار، ج98، ص290.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

61

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 واستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فامتنع من الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي، قال: "رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أَمِنَّا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها"1.

 
إقامة الشعائر الحسينيّة موجبة لنيل شفاعة المعصومين عليهم السلام 
من الآثار والبركات المهمَّة التي تشمل حال مقيمي العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام أنّه في ذلك اليوم عندما يسود الخوف والفزع والقلق والاضطراب كلّ الخلق فيسعى كلّ واحد إلى من يلجأ إليه ويشفع له، فإنّ مقيمي العزاء على سيّد الشهداء ومحييّ الشعائر الحسينيّة في أمانٍ من ذلك الخوف والفزع وسينالون شفاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام. وفي هذا المجال نذكر لكم هذه الرواية نقلاً عن العلّامة المجلسيّ حيث يقول: رُوي أنّه لما أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: "يا أبت، متى يكون ذلك؟"



1 كامل الزيارات, الباب 32, الرقم 7، ص 203- 204.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

62

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 قال: "في زمانٍ خالٍ منّي ومنك ومن عليّ".

 
فاشتدّ بكاؤها وقالت: "يا أبت فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له".
 
فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "يا فاطمة إنّ نساء أمّتي (يبكين) على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين، أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة.
 
يا فاطمة، كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة"1.
 
وروى زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "... ما من عبد يُحْشَر إلّا وعيناه باكية إلّا الباكين على جدّي الحسين عليه السلام، فإنّه يُحْشَر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور بيّنٌ على وجهه والخلق في الفزع وهم آمنون والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظلّ العرش لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم ادخلوا الجنّة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه..."2.



1 بحار الأنوار، ج44، ص292 و293.
2 كامل الزيارات، باب 26،رقم 8، ص168.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

63

الفصل الأول: لماذا إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام؟

 وفي حديث الصادق عليه السلام لمسمع كردين أنّه قال له: "يا مسمع... وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ، وإنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتّى إنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه... (إلى أن قال): وما من عين بكت لنا إلّا نعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه من أحبّنا..."1

 




1 كامل الزيارات, باب 32, الرقم7، ص 204 - 205.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

64

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 تمهيد:

اتضح ممّا سبق أنّ إحياء شعائر سيّد الشهداء عليه السلام وإقامة العزاء عليه هو تأسٍّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام والأئمّة الطاهرين عليهم السلام.
 
وأنّها موجبة لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام وعنوان للمودّة والمحبّة لهم عليهم السلام وأداءٌ لحقّهم وأنّها وسيلة لهداية العباد، وأنّها إحياء لرسالة عاشوراء والدّين وأنّها عامل لحفظ القيم الإلهيّة وعنوان التأسّي بالإمام عليه السلام، وأنّها تحرّك ضدّ أعداء الله وموجبة للثواب والمغفرة وباعثة لنيل الكرامات وعناية المعصومين عليهم السلام وشفاعة أهل البيت عليهم السلام وعنوان لتفضيل أمّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأمم.
 
والسؤال المطروح هنا هو: كيف نقوم بإحياء الشعائر الحسينيّة؟ وفي الجواب لا بدّ من القول بأنّ أيّ شيءٍ يكون مصداقاً واقعيّاً لكلّيّ الشعائر فإنّه مطلوب وراجح، وهذا مذكور في الكثير من الأوامر في الكتب الفقهيّة، حيث إنّ الشارع المقدّس يطلب من المكلّف عملاً كلّيّاً أحياناً، سواء ذكر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

65

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 مصاديقه أو لم يذكرها أصلاً، وعلى كلّ حال فإنّ امتثال ذلك الفرد الجزئيّ يكون امتثالاً لكلّيّ الطلب.

 
وفي باب العزاء والشعائر أيضاً فقد أُمرنا بإقامة العزاء بنحو كلّيّ وقد ذُكرت بعض مصاديقه أحياناً وعليه لو اختلفت مصاديق العزاء وكيفيّته بين الأقوام والأماكن والبلاد المختلفة فإنّها تعدّ جميعها من مصاديق العزاء إن شاء الله تعالى.
 
ومن ثَمَّ فإنّ بعض هذه الشعائر يُعَدُّ من أفعال المعصومين عليهم السلام وبعضها الآخر قد أمروا به في الروايات الواردة عنهم، والبعض منها أيضاً ممضى من قبلهم بدلالة التقرير، وبعضٌ منها تعورف عليه بمرور الزمان بين الشيعة ومورد تأييد الفقهاء وأعاظم الشيعة أيضاً.
 
وثمّة مطلب آخر ها هنا أيضاً، وهو أنّ لهذه الشعائر أبعاداً مختلفة، ولكلّ منها بُعْدُه الخاصّ به حيث إنّ بعضها له بُعد فرديّ، وبعضها له بعد عائليّ، والثالث له بُعد اجتماعيّ، وأخيراً ما له بُعد عالميّ، وحتماً فإنّ هذه الأبعاد قابلة للجمع فيما بينها ولا تضادَّ بينها أصلاً.
 
ومن باب المثال نقول إنّ من المصاديق البارزة للشعائر الفرديّة يمكن الإشارة إلى البكاء على مصائب سيّد الشهداء، فإنّه وإن كانت له أبعادٌ أخرى أيضاً إلّا أنّه بالنسبة للشخص
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

66

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الباكي موجب لتصفية الروح وتوجه القلب والاطمئنان مضافاً إلى الثواب الإلهيّ الكبير الذي ينتظره أيضاً.

 
وفي مجال البُعد العائليّ يمكن التمثيل له بإقامة مجالس العزاء في البيوت والتي تبعث على الارتقاء والرشد الفكريّ والمعنويّ والاعتقاديّ لأفراد العائلة باعتبارها مجتمعاً صغيراً.
 
وأمّا في البعد الاجتماعيّ فإنّ من المصاديق البارزة له يمكن الإشارة إلى مواكب العزاء واللَّطم وتشكيل الهيئات الحسينيّة والتي تبعث على حفظ القيم الدّينيّة والأخلاقيّة في المجتمع، سواء كان على مستوى المدينة أم على مستوى الدولة.
 
وأخيراً في البُعد الدوليّ ذي المجال الأوسع والأشمل فإنّه يمكن في عالمنا المعاصر نشر وتعريف أهداف الإمام الحسين عليه السلام وشخصيّته العظيمة وأفكاره وما قام لأجله، عن طريق الوسائل الحديثة كالفضائيّات والانترنت وغيرها من وسائل الاتصال المعاصر. وحتماً فإنّ مثل هذا العمل سيبعث على نشر الإسلام الحقيقيّ في العالم كلّه وسيكون عاملاً مهمّاً في جذب الناس إلى الإسلام والدخول فيه وإعلان إسلامهم.
 
وما يهمّنا الآن في هذا المختصر أن نبيّن إجمالاً بعض الشعائر الحسينيّة، والتي إن وُفّقنا للقيام بها سابقاً فعلينا العمل والسعي لزيادتها وتوسيعها، وهي:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

67

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 1ـ إقامة مجالس العزاء

عن الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف فيما رُوي عنه في زيارة الناحية مخاطباً جدّه الإمام الحسين عليه السلام: "وأقيمت لك المآتم في أعلى علّيّين".
 
إنّ إحدى الشعائر الحسينيّة والتي لها أهمّيّة كبرى إقامة مجالس العزاء ومجالس ذكر مصيبة سيّد الشهداء عليه السلامفي أيّام العزاء، خصوصاً وفي باقي أيّام السنة عموماً. وهذا الأمر له بركاته العظيمة المعنويّة والماديّة لأهل المجلس والمقيمين له. وستؤدّي هذه المجالس إلى رفع البلاء عن صاحبها وشموله بالخيرات والبركات الإلهيّة.
 
وبغضّ النّظر عن بركات هذه المجالس - وكما أشرنا إليها سابقاً - فإنّ تديّن وإيمان أفراد العائلة سيحفظ ويزيد استحكاماً وقوّة، لأنّه وبكلّ بساطة عندما يقام مجلس عزاء على سيّد الشهداء عليه السلام في المنزل وتذكر مصائب الإمام الحسين عليه السلامفيه فإنّ ذلك المنزل سيُبعد عن الفساد والضلالة ويُصان من الآفات الفكريّة والاعتقاديّة. ومن ثَمَّ فإنّ إقامة المجلس وبغضّ النظر عن موضوعيّته في حدّ ذاته، فإنّه سيبعث على ترتّب بعض الشعائر الأخرى بالإضافة إليه، ومثالاً على ذلك فإنّ إقامة مجلس أهل البيت عليهم السلام سيستتبع بنفسه 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

68

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ذكر المراثي والندبيّات والبكاء وذكر فضائل ومصائب سيّد الشهداء عليه السلام وقد يقوم البعض بإطعام الطعام في مجلسه أيضاً.

 
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الأسلوب قد وصل إلينا بشكل قطعيّ عن طريق أئمّتنا المعصومين عليهم السلام حيث إنّهم سلام الله عليهم أقاموا مجالس العزاء على جدّهم المعظّم عليه السلام وأمرونا بإقامتها أيضاً وشجّعونا على ذلك.
 
يروي أبو الفرج الأصفهانيّ: أنّه لمّا دخل السيّد الحميريّ على الصادق عليه السلام، أقعد حرمه خلف الستر، ثمّ استنشده في رثاء جدّه الحسين عليه السلام فأنشده أبياتاً كثيرةً، قال - أي راوي الحديث - فرأيت دموع جعفر تنحدر على خدّيه، وارتفع الصراخ من داره حتّى أمره بالامساك فأمسك1.
 
وفي رواية أخرى يذكر أبو هارون المكفوف أنّه دخل على الإمام الصادق عليه السلام. فقال له: "يا أبا هارون، أنشدني في الحسين عليه السلام".
 
قال: فأنشدته، فبكى.
 
قال: "أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقّة -.
 
قال: فأنشدته:



1 النقد النزيه، ص197, الأغاني، ج7، ص7.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

69

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 أُمْرُرْ عَلَىْ جَدَثِ الْحُسَيْنِ       فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الْزَّكِيَة

 
قال: فبكى.
 
ثمّ قال: "زدني"، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر1.
 
وفي موضع آخر ورد عن أبي هارون قوله: فبكى وتهايج النساء2.
 
وفي رواية أخرى ورد في سندها أبو عمارة المنشد (الشاعر) قال فيها، قال لي الإمام الصادق عليه السلام: "يا أبا عمارة أنشدني في الحسين عليه السلام"، قال: فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، قال: فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتّى سمعت البكاء من الدار3.
 
وفي رواية أخرى ورد في سندها عبد الله بن غالب ذكر فيها أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله فأنشدته مرثيّة الحسين عليه السلام فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع:
لِبَلِيَّةٍ تَسْقُو حُسَيْناً     بِمِسْقَاةِ الثَّرَى غَيْرَ التُّرَابِ



1 كامل الزيارات، باب 33، ص208، ح1.
2 المصدر السابق، باب 33، ص209، ح5.
3 المصدر السابق، باب 33، ص209، ح2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

70

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 فصاحت امرأة من خلف الستر: وا أبتاه1.

 
وجاء في رواية أيضاً أنّ دعبل بن عليّ لمّا أنشد الرضا عليه السلام تائيّته المشهورة وانتهى إلى قوله:
أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلاً      وَقَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ فُرَاتِ
إِذًا لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاِطِمُ عِنْدَهُ         وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ فِي الْوَجَنَاتِ
 
لطمت النساء وعلا صراخ من وراء الستر وبكى الرضا عليه السلام بكاءً شديداً..2.
 
وكذلك روى أنّه: فقام عليه السلام من مكانه وضرب ستراً وقال للنساء: "اجلسن وراء الستر"، فأمر دعبل بالقراءة وقال: "من ذرفت عيناه على مصاب جدّي حشره الله يوم القيامة معنا في زمرتنا"3.
 
وفي رواية أخرى ينقل مالك الجهنيّ قول الإمام الباقر عليه السلام في ضمن أعمال يوم عاشوراء لمن كان بعيداً عن القبر الشريف والمطهّر فأراد زيارة الإمام الحسين عليه السلام، قال: " ... ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في



1 كامل الزيارات، باب 33، ص209، رقم 3.
2 النقد النزيه، ص197, نقلاً عن الصدوق ومعاهد التنصيص.
3 الخصائص الحسينيّة، ص241.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

 


71

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 داره بالبكاء عليه ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً في البيوت وليعزّي بعضهم بعضاً بمصاب الحسين عليه السلام"1.

 
ومن المقطوع به أنّ المجالس الحسينيّة تعدّ من أهمّ وأبرز مصاديق مجالس إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام والتي تقدّمت الروايات في ذكر فضلها.
 
وممّا يجدر ذكره أنّ من خصائص سيّد الشهداء عليه السلام إقامة مجالس العزاء عليه في خمسة أزمنة ماضياً ومستقبلاً، وقد ذكرها الشيخ جعفر الشوشتريّ في كتابه الخصائص الحسينيّة في العنوان السادس، المقصد الرابع مفصّلاً إيّاها بالبيان التالي:
 
الأوّل: قبل خلق آدم عليه السلام.
 
الثاني: بعد خلق آدم عليه السلامإلى ما قبل ولادة الإمام الحسين عليه السلام.
 
الثالث: بعد ولادة الحسين عليه السلامإلى ما قبل شهادته.
 
الرابع: بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام.
 
الخامس: في يوم القيامة.
 
وكذلك ذكر صاحب الخصائص في باب "المجلس الحسينيّ" أنّه يُستفاد من الروايات.
 
وجود أربع عشرة صفة لمجلس عزاء سيّد الشهداء عليه السلام وقد عدّدها كما يلي:



1 كامل الزيارات، ص325، باب 71، ح9, بحار الأنوار، ج101، ص290، باب 24، ح1, المصباح، ص714.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

72

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 1- أنّه مصلّى لله، أي أنّه محلّ صلواته على أهله.

 
2- أنّه مشهدٌ للملائكة المقرّبين.
 
3- أنّه محلّ نيل الدعاء من النبيّ والوصيّ والزهراء والمجتبى عليهم السلام.
 
4- أنّه منظر الحسين عليه السلام (أي أنّ الحسين ينظر إلى أهل المجلس ويراهم).
 
5- أنّه محلّ خطابه لأهل المجلس ومكالمته معهم.
 
6- أنّه محبوبٌ للصادق عليه السلام.
 
7- أنّه عَرَفَة.
 
8- أنّه المشعر الحرام.
 
9- أنّه الحطيم (الموضع بين باب الكعبة والحجر الأسود).
 
10- أنّه مطاف لبيت الله.
 
11- أنّه مخمّد للنيران المشتعلة.
 
12- أنّه قبّة الحسين عليه السلام.
 
13- أنّه منبعٌ لماء في الجنان وهو ماء الحيوان.
 
14- أنّه يصير تلو مجالس أوّلها قبل الخلق وآخرها في المحشر1.



1 الخصائص الحسينيّة، ص23 (مقدّمة المؤلّف).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

73

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 2ـ قراءة المصائب والمراثي في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام

من المصاديق البارزة للشعائر الحسينيّة - والتي لا بدّ للإنسان أن يسأل التوفيق لإقامتها - إنشاد المراثي وذكر المصائب في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام والمراد منها ذكر قصص عاشوراء ومظلوميّة سيّد الشهداء عليه السلام وأصحابه الأوفياء لعموم الناس ليعرفوا ما جرى من ظلمٍ على أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام فتحترق قلوبهم وتذرف دموعهم. 

ويمكن القول بشكل قطعيّ إنّ ذكر هذه المصائب يُعتبر من الأمور المؤثّرة جدّاً في بقاء عاشوراء.
 
وقد ورد في بعض الروايات أنّ الله تبارك وتعالى قد أخبر الأنبياء بمصائب سيّد الشهداء عليه السلام.
 
وفي روايات أخرى أنّ جبرائيل عليه السلام أخبر الأنبياء عليهم السلام بتلك المصائب.
 
وورد في بعض الروايات أيضاً أنّ الخمسة الأطهار من أهل البيت عليهم السلام وكذلك الأئمّة المعصومين عليهم السلام أخبروا بتلك المصائب وتحدّثوا عنها، وسوف نشير في هذا المختصر إلى بعض مواردها:
 
الله تعالى يخبـر النبيّ إبراهيم عليه السلام بمصيبة الحسين عليه السلام
في مقطع من رواية عن الإمام الرضا عليه السلام قال فيها: "قال
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

 


74

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الله تعالى: يا إبراهيم، فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي. فجزع إبراهيم لذلك وتوجّع قلبه وأقبل يبكي"1.

 
والنبيّ موسى عليه السلام
 ونقل أنّ نبيّ الله موسى عليه السلامناجى ربّه فقال في مناجاته: "يا ربّ، إنّ فلاناً عبدك الإسرائيليّ أذنب ذنباً ويسألك العفو. قال: يا موسى أعفو عمّن استغفرني إلّا قاتل الحسين. قال موسى: يا ربّ ومن الحسين؟ قال له: الذي مرّ ذكره عليك بجانب الطور. قال: يا ربّ ومن يقتله؟ قال: يقتله أمّة جدّه الباغية الطاغية في أرض كربلاء وتنفر فرسه وتحمحم وتصهل وتقول في صهيلها الظليمة الظليمة من أمّة قتلت ابن بنت نبيّها فيبقى ملقى على وجه الرمال من غير غسلٍ ولا كفن وينهب رحله ويسبى نساؤه في البلدان، ويُقتل ناصره وتُشهر رؤوسهم مع رأسه على أطراف الرماح. يا موسى، صغيرهم يميته العطش وكبيرهم جلده منكمش يستغيثون ولا ناصر ويستجيرون ولا خافر. قال: فبكى موسى عليه السلاموقال: يا ربّ، وما لقاتليه من العذاب. قال يا موسى: عذابٌ 



1 عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص209, بحار الأنوار، ج44، ص225 و226.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

75

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 يستغيث منه أهل النّار بالنّار، لا تنالهم رحمتي ولا شفاعة جدّه ولو لم تكن كرامة له لخسفت بهم الأرض"1.

 
النبيّ زكريا عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام
في رواية عن إمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف يشير فيها سلام الله عليه إلى قصّة زكريا عليه السلام فيقول: "... وذلك أنّ زكريا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرائيل عليه السلام فعلّمه إيّاها فكان زكريا عليه السلام إذا ذكر محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وعليّاً وفاطمة والحسن عليهم السلام سُرِّيَ عنه همّه وانجلى كربُه، وإذا ذكر اسم الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال عليه السلام ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟
 
فأنبأه الله تبارك وتعالى من قصّته فقال: ﴿كهيعص﴾2، فالكاف اسم كربلاء، والهاء هلاك العترة، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين عطش، والصاد صبره..."3.
 
جبرائيل يخبر النبيّ آدم عليه السلام بمصيبة الحسين عليه السلام
ورد في الرواية أنّ النبيّ آدم عليه السلام بعد أن أقسم على الله تبارك وتعالى بأسماء الخمسة عليهم السلام قال لجبرائيل الذي



1 بحار الأنوار، ج44، ص308, الخصائص الحسينيّة، ص195 و196.
2 سورة مريم، الآية: 1.
3 الاحتجاج، ص239, بحار الأنوار، ج14، ص178 وج44، ص223.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

76

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 لقّنه إيّاها: "يا أخي جبرائيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي، قال جبرائيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب. فقال: يا أخي وما هي (مصيبته)؟ قال: يُقتل عطشانَ غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصرٌ ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه، وا قلّة ناصراه حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدّخان، فلم يجبه أحدٌ إلّا بالسيوف وشرب الحتوف، فيُذبح ذبح الشاة من قفاه وينهب رحلَه أعداؤه وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنّان. فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى"1.

 
جبرائيل يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمصيبة الحسين عليه السلام في ليلة المعراج
في رواية مفصّلة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينقلها الإمام الحسن عليه السلام، قال: "أخبرني جدّي، قال: لمّا دخلت ليلة المعراج روضات الجنّات ومررت على منازل أهل الإيمان، رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة إلّا أنّ أحدهما من الزبرجد الأخضر والآخر من الياقوت الأحمر. فقلت: يا جبرائيل، لمن هذان القصران؟ فقال: أحدهما للحسن عليه السلام والآخر



1 بحار الأنوار، ج44، ص245 نقلاً عن كتاب الدرّ الثمين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

77

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 للحسين عليه السلام، فقلت يا جبرائيل: فلم لم يكونا على لون واحد؟ فسكت ولم يردّ جواباً، فقلت: لم لا تتكلّم؟ قال: حياءً منك، فقلت له سألتك بالله إلّا ما أخبرتني، فقال: أمّا خضرة قصر الحسن فإنّه يموت بالسمّ ويخضرّ لونه عند موته. وأمّا حمرة قصر الحسين فإنّه يقتل ويحمّر وجهه بالدم. فعند ذلك بكيا وضجّ الحاضرون بالبكاء والنحيب"1.

 
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومصيبة الحسين عليه السلام
المستفاد من التاريخ والروايات أنَّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومنذ اليوم الأوّل للميلاد المبارك لسيّد الشهداء عليه السلام وحتّى يوم شهادته وفي مناسبات مختلفة كان يذكر مصيبة ولده الحسين عليه السلام ويرثيه أحياناً فيبكي عليه.
 
ويروي الإمام الرضا عليه السلامعن آبائه عليهم السلام عن الإمام السجاد عليه السلام عن أسماء بنت عميس قولها: لمّا ولدت فاطمة الحسين عليه السلام... دفعته إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في خرقة بيضاء وبعد أن سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى ومن ثمّ قال: اللهمّ العن قاتله... ولمّا كان يوم سابعه جاءني النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "هلمّي ابني"، فأتيته به... وعقّ عنه... وحلق رأسه وتصدّق بوزن الشعر ومن ثمّ وضع الحسين عليه السلام في حجره ثمّ قال: "يا أبا عبد الله عزيزٌ عليّ ثم بكى".



1 بحار الأنوار، ج44، ص145.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

78

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 فقالت أسماء: بأبي أنت وأمّي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأوّل. فما هو؟

 
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أميّة لعنهم الله، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة..."1.
 
وفي رواية أخرى عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال: "خرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى سفرٍ فوقف في بعض الطريق واسترجع ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾ ودمعت عيناه فسئل عن ذلك، فقال: هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات يقال لها كربلاء يُقتل فيها ولدي الحسين وكأنّي أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها. وكأنّي أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا، وقد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد- لعنه الله- فوالله ما ينظر أحدٌ إلى رأس الحسين ويفرح إلّا خالف الله بين قلبه ولسانه وعذبه الله عذاباً أليماً.
 
ثمّ رجع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مغموماً مهموماً كئيباً حزيناً فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين وخطب ووعظ الناس، فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين وقال: اللهمّ إنّ محمّداً عبدك ورسولك وهذان أطايب عترتي وخيار



1 بحار الأنوار، ج44، ص250 و251 نقلاً عن أمالي الصدوق.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

79

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 أرومتي وأفضل ذرّيّتي ومن أخلفهما في أمّتي وقد أخبرني جبرائيل أنّ ولدي هذا مقتولٌ بالسمّ والآخر شهيد مضرّجٌ بالدم اللهمّ فبارك له في قتله واجعله من سادات الشهداء. اللهمّ ولا تبارك في قاتله وخاذله وَأَصْلِهِ حرّ نارك واحشره في أسفل درك الجحيم.

 
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "فضجّ الناس بالبكاء والعويل..."1.
 
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "كان الحسين عليه السلام مع أمّه عليها السلام تحمله فأخذه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقال: لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك. قالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبت أيّ شيءٍ تقول؟ قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذٍ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل وكأنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم. قالت: يا أبة، وأين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: موضع يقال له: كربلاء، وهي دار كربٍ وبلاء علينا وعلى الأمّة (الأئمّة) يخرج عليهم شرار أمّتي، لو أنّ أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلّدون في النّار..."2.



1 بحار الأنوار، ج44، ص247 و248.
2 تفسير فرات الكوفيّ, ص 55 و 56, بيحار الأنوار, ج44, ص 264.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

80

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 أمير المؤمنين عليه السلام ومصيبة سيّد الشهداء عليه السلام

إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً وفي موارد كثيرة سواءً مع أهل بيته أو مع أصحابه كان يخبرهم عن المستقبل ويذكر لهم مصيبة سيّد الشهداء عليه السلام.
 
رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مرّ أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاء في أناسٍ من أصحابه، فلمّا مرّ بها اغرورقت عيناه بالبكاء ثمّ قال: هذا مناخ ركابهم، وهذا ملقى رحالهم، وهنا تهرق دماؤهم، طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبّة"1.
 
مصيبة الإمام الحسين عليه السلام على لسان أخيه الإمام الحسن عليه السلام
روي عن الإمام الصادق عليه السلامعن أبيه عن جدّه عليهما السلام، قال: "إنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام دخل يوماً إلى الحسن عليه السلامفلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يُصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام: إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يدسّ إليّ فأُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك 


 

1 كامل الزيارات، باب 88، رقم 12.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

81

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وانتهاب ثقلك فعندها تحلّ ببني أميّة اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ويبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار"1.

 
الإمام الحسين عليه السلام يرثي نفسه
قام سيّد الشهداء عليه السلام نفسه بذكر المصائب التي ستجري عليه أمام الناس، وفي مواضع عديدة:
 
منها لمّا ودّع قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم، خرج إلى القبر فصلّى ركعتين، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول: "أللهمّ! إنّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابن بنت محمّد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، أللهمّ! وإنّي أحبّ المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام! بحقّ هذا القبر، ومن فيه (إلّا) ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى". قال: ثمّ جعل الحسين عليه السلام يبكي، حتّى إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ساعة، فرأى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قد أقبل في كبكبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتّى ضمّ الحسين عليه السلام إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بنيّ، يا حسين! كأنّك عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمّتي، وأنت في



1 الأمالي للصدوق، المجلس 24، رقم 3, بحار الأنوار، ج45، ص218.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92
 

82

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ذلك عطشان لا تُسقى وظمآن لا تُروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة! فما لهم عند الله من خلاق، حبيبي يا حسين! إنّ أباك وأمّك وأخاك قد قدموا عليّ، وهم إليك مشتاقون، وإنّ لك في الجنّة درجات لن تنالها إلّا بالشهادة". فجعل الحسين عليه السلام ينظر في منامه إلى جدّه صلى الله عليه وآله وسلم ويسمع كلامه، وهو يقول: "يا جدّاه! لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا أبداً، فخذني إليك واجعلني معك إلى منزلك". فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "يا حسين! إنّه لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى ترزق الشهادة، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فإنّك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تُحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنّة". فانتبه الحسين عليه السلام من نومه... فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطّلب، فلم يكن ذلك اليوم في شرق ولا غرب أشدّ غمّاً من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا أكثر منه باكياً وباكية1.

 
وروى أنّه عليه السلام لمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً فقال: "الحمد لله ما شاء الله ولا قوّة إلّا بالله وصلّى الله على رسوله، خُطَّ الموت على وُلد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان 



1 موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام، ص 350.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

83

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن منّي أكراشاً جوّفاً، وأجربة سغّباً لا محيص عن يوم خطّ بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصير على بلائه ويوفّينا أجر الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لُحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده. ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنّني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى"1.

 
وعن عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام أنّه قال: "إنّي والله لجالس مع أبي في تلك الليلة وأنا عليل وهو يعالج سهاماً له وبين يديه جون مولى أبي ذرٍّ الغفاريّ إذ ارتجز الحسين عليه السلام:
يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ        كَمْ لَكَ فِي الْإِشْرَاقِ وَالْأَصِيْلِ
مِنْ صَاحِبٍ وَمَاجِدٍ قَتِيْلِ         وَالْدَّهْرُ لَا يَقْنَعُ بِالْبَدِيْلِ
وَالْأَمْرُ فِي ذَاكَ إِلَى الْجَلِيْل          وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكُ السَّبِيْلِ"
 
قال: "وأمّا أنا فسمعته ورددت عبرتي. وأمّا عمّتي فسمعته 



1 اللهوف على قتلى الطفوف، ص 38.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

84

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 دون النساء فلزمتها الرّقّة والجزع فشقّت ثوبها ولطمت وجهها وخرجت حاسرة تنادي: وا ثكلاه! وا حزناه! ليت الموت أعدمني الحياة، يا حسيناه، يا سيّداه، يا بقيّة أهل بيتاه، استقلت ويئست من الحياة، اليوم مات جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمّي فاطمة الزهراء وأبي عليّ وأخي الحسن، يا بقيّة الماضين وثمال الباقين. فقال لها الحسين: يا أختي، "لو ترك القطا لنام". قالت: "فإنّما تغتصب نفسك اغتصاباً فذاك أطول لحزني وأشجى لقلبي وخرّت مغشيّاً عليها فلم يزل يناشدها واحتملها حتّى أدخلها الخباء"1.

 
ونقل عن سكينة بنت الحسين عليه السلام أنّها قالت: لمّا قُتل الحسين عليه السلام اعتنقته فأُغمي عليّ فسمعته يقول:
 
شِيعَتِي مَا إِنْ شَرِبْتُم رَيَّ عذب فاذكُروني       أوْ سَمِعْتُمْ بِغَرِيبٍ أوْ شَهيدٍ فَانْدبُونِي
 
فقامت مرعوبة قد قُرِّحت مآقيها وهي تلطم خدّيها2.
 
مراثي السيّدة زينب الكبرى عليها السلام
قامت السيّدة زينب عليها السلام بعد استشهاد أخيها الإمام الحسين عليه السلام وحتّى نهاية عمرها المبارك بذكر مصائب أخيها ورثائه وكانت تبكي ويبكي من حضر في مجلسها.



1 مقاتل الطالبيّين، ص 75.
2 مصباح الكفعميّ، ص 741.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

85

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 يروي حميد بن مسلم أحداث ما جرى بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام فيقول: فوالله لا أنسى زينب بنت عليّ عليهما السلام وهي تندب الحسين بصوت حزين وقلبٍ كئيب: "وا محمّداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمّل بالدماء مقطّع الأعضاء وبناتك سبايا، إلى الله المشتكى وإلى محمّد المصطفى وإلى عليّ المرتضى وإلى حمزة سيّد الشهداء. وا محمّداه، هذا حسين بالعراء يسفي عليه الصبا قتيل أولاد البغايا، يا حزناه يا كرباه! اليوم مات جدّي رسول الله يا أصحاب محمّداه، هؤلاء ذرّيّة المصطفى يساقون سوق السبايا".

 
وورد في بعض الروايات أنّها قالت: "يا محمّداه، بناتك سبايا وذرّيّتك مقتّلة تسفي عليهم ريح الصبا، وهذا حسين مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا، بأبي من فسطاطه مقطّع العرى، بأبي من لا هو غائبٌ فيرتجى ولا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتّى قضى، بأبي العطشان حتّى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جدّه رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبيّ الهدى..."1.
 
 قال حميد بن مسلم: فأبكت والله كلّ عدوّ وصديق.



1 بحار الأنوار، ج45، ص58 و59.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

86

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 مراثي الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في عزاء جدّه الإمام الحسين عليه السلام

 
تقدّم معنا في الفصل الأوّل بعضٌ من المراثي وذكر المصائب التي جاءت عن الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف في زيارة الناحية في عزاء جدّه الإمام الحسين، وسوف نشير في هذا الفصل إلى بعض المقاطع الأخرى من هذه الزيارة المفجعة حيث يتابع سلام الله عليه سرده لأحداث عاشوراء فيقول:
 
"وأسرع فرسك شارداً إلى خيامك محمحماً باكياً فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً ونظرن سرجك عليه ملويّاً برزن من الخدور، .. على الخدود، لاطمات الوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العزّ مذلّلات وإلى مصرعك مبادرات. والشمر جالس على صدرك مولع سيفه على نحرك قابض على شيبتك بيده، ذابحٌ لك بمهنّده، قد سكنت حواسك وخفيت أنفاسك، ورفع على القنا رأسك، وسبي أهلك كالعبيد وصُفِّدوا في الحديد فوق أقتاب المطيّات، تلفح وجوههم حرّ الهاجرات يساقون في البراري والفلوات أيديهم مغلولة إلى الأعناق، يطاف بهم في الأسواق، فالويل للعصاة الفسّاق، لقد قتلوا بقتلك الإسلام..."1.



1 الدعاء والزيارة، زيارة الناحية المقدّسة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

87

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 إنّ أهل البيت عليهم السلام ومضافاً إلى أنّهم أنفسهم يذكرون مصاب سيّد الشهداء عليه السلام وما جرى عليه، واصطلاحاً يقيمون المجالس عليه، فإنّهم أيضاً عندما يرون ويسمعون أحداً ما يقيم المجالس ويتلو المراثي ويذكِّر الناس بمصائب الإمام الحسين عليه السلامفإنّهم يُسرُّون بذلك ويفرحون ويحمدون الله تبارك وتعالى على ذلك ويدعون لمن يقيم العزاء ويشارك فيه.

 
ينقل ابن قولويه أنّ الإمام الصادق عليه السلام ذكر مصائب جدّه الإمام الحسين عليه السلام لعبد الله بن حمّاد البصريّ، وممّا قاله له: "..فإنّه غريب بأرض غربة، يبكيه من زاره، ويحزن له من لم يزره، ويحترق له من لم يشهده، ويرحمه من نظر إلى قبر ابنه عند رجله في أرض فلاة، لا حميم قربه ولا قريب، ثمّ منع الحقّ وتوازر عليه أهل الردّة حتّى قتلوه وضيّعوه وعرّضوه للسباع، ومنعوه شرب ماء الفرات الذي يشربه الكلاب، وضيّعوا حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيّته به وبأهل بيته، فأمسى مجفوّاً في حضرته، صريعاً بين قرابته وشيعته بين أطباق التراب، قد أوحش قربه في الوحدة والبعد عن جدّه والمنزل الذي لا يأتيه إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان وعرف حقّنا...".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

88

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 قال عبد الله بن حمّاد: ثمّ قال الإمام الصادق عليه السلام: "بلغني أنّ قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ونساءٌ يندبنه وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ، وقاصٍّ يقصّ ونادبٍ يندب وقائل يقول المراثي".

 
فقال له عبد الله: فداك نفسي، قد شاهدت بعضاً من ذلك.
 
فقال عليه السلام: "الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهدرونهم (يهذون بهم) ويقبّحون ما يصنعون"1.
 
3- الإبكاء في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام
إنّ الإبكاء في عزاء سيّد الشهداء عليه السلاميُعتبر من الشعائر الحسينيّة وله منزلة ومقام كبير جدّاً، وسواء كان هذا الإبكاء بسبب المراثي أو مجالس العزاء أو كان العزاء بنحوٍ أوجب بكاء المجتمعين على العزاء والمجالس كلطم الصدور ونحوه، وبشكل عامّ كلّ ما يوجب بكاء الناس وذرف الدموع على سيّد الشهداء عليه السلام. يروي الشيخ الصدوق رحمه الله عن عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبيه عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: 



1 كامل الزيارات، باب 108، رقم1, وسائل الشيعة، ج14، ص599, بحار الأنوار، ج101، ص73, مستدرك الوسائل، ج10، ص251.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
99

89

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 "... من ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون..."1.

 
وينقل العلّامة الكبير المجلسيّ رحمه الله عن السيّد ابن طاووس أنّه قال: رُوي عن آل الرسول عليهم السلام أنّهم قالوا: "من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنّة، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنّة ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنّة، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنّة، ومن تباكى فله الجنّة"2.
 
وفي رواية قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام لجعفر بن عفّان: "ما من أحدٍ قال في الحسين عليه السلام فبكى أو أبكى إلّا وأوجب الله له الجنّة وغفر له"3.
 
وفي رواية مفصّلة يقول الله تبارك وتعالى فيها لموسى عليه السلام حول سيّد الشهداء عليه السلام: "يا موسى، كتبت رحمة لتابعيه من عبادي واعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرّمت جسده على النّار"4.



1 عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص294, الأمالي، المجلس 17، رقم 4, بحار الأنوار، ج44، ص278.
2 عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص294, بحار الأنوار، ج44، ص278.
3 الخصائص الحسينيّة، ص246.
4 بحار الأنوار، ج44، ص308.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

90

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 4- البكاء على مصائب سيّد الشهداء عليه السلام

من أبرز مظاهر العزاء على سيّد الشهداء عليه السلاموالأنصار والأصحاب الأوفياء للإمام الحسين عليه السلامذرف الدموع والبكاء على مصائب الإمام عليه السلاموفي مجالس العزاء عليه، حيث إنّ البكاء على الإمام الحسين من الفضائل الجديرة بالاهتمام، ولذا فإنّ من كان من أهل البكاء والدمعة لا بدّ له أن يعلم قدر ذلك وقيمته وأن يغبط نفسه ويفتخر لامتلاكه هذه الفضيلة.
 
إنّ البكاء على مصائب الحسين عليه السلام له آثاره الوضعيّة العالية وآثار ماديّة ومعنويّة دنيويّاً وأخرويّاً.
 
ومضافاً إلى هذا فإنّ البكاء على الإمام الحسين عليه السلام هو الإكسير الأعظم (أي دواء ما لا دواء له)، وأنّ الإنسان المؤمن بذرفه لبعض الدموع على الإمام الحسين عليه السلامسيحصِّل المقامات المعنويّة العالية والراقية فضلاً عن أنّ البكاء عليه علامة على سلامة العقل والفطرة الطاهرة والقلب الممتلئ بالعاطفة والرحمة والمروءة والغيرة، يقول الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام لابن شبيب: "يا بن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن عليّ بن أبي طالب"1.



1 الأمالي للصدوق، ص112، المجلس 27، رقم 5, عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص299.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
101

91

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وقال سلام الله عليه لإبراهيم بن أبي محمود: "فعلى مثل الحسين فليبك الباكون"1.

 
وقد ورد في الروايات المعتبرة آثارٌ وفضائل قيمة للبكاء وسوف نشير ها هنا إلى بعض مواردها:
أ- روى زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له: "يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين عليه السلام أربعين صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإنّ الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإنّ الجبال تقطّعت وانتشرت، وإنّ البحار تفجّرت، وإنّ الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام... وكان جدّي إذا ذكره بكى حتّى تملأ عيناه لحيته وحتّى يبكي لبكائه رحمة له من رآه، وإنّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء والسماء من الملائكة... وما من عين أحبّ إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باكٍ يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة عليها السلام وأسعدها عليه ووصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدّى حقّنا، وما من عبد يحشر إلّا وعيناه باكية إلّا الباكين على جدّي الحسين عليه السلام فإنّه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه، والسرور بيّنٌ على 



1 الأمالي للصدوق، ص112، المجلس 27، رقم 2, بحار الأنوار، ج44، ص284.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

92

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وجهه، والخلقُ في الفزع وهم آمنون والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظلّ العرش لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم: ادخلوا الجنّة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه. وإنّ الحور لترسل إليهم: إنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين، فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة، وإنّ أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النّار، ومن قائلٍ ما لنا من شافعين ولا صديق حميم وإنّهم ليرون منازلهم وما يقدرون أن يدنوا إليهم ولا يصلون إليهم، وإنّ الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم ومن خدّامهم على ما أعطوا من الكرامة، فيقولون: نأتيكم إن شاء الله، فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقاً إذا هم خبّروهم بما هم فيه من الكرامة وقربهم من الحسين عليه السلام فيقولون: الحمد لله الذي كفانا الفزع الأكبر وأهوال القيامة ونجّانا ممّا كنّا نخاف. ويؤتون بالمراكب والرحال على النجائب، فيستوون عليها وهم في الثناء على الله والحمد لله والصلاة على محمّد وآله حتّى ينتهوا إلى منازلهم"1




1 كامل الزيارات، ص167، باب 26، ح8, بحار الأنوار، ج45، ص207, مستدرك الوسائل، ج10، ص313.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

93

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ب ـ روى مسمع بن عبد الملك كردين البصريّ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له: "ما بكى أحدٌ رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لاطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حَرّ"1.

 
ج ـ روى محمّد بن مسلم عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام عن أبيه الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال: "أيّما مؤمنٍ دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ عليهما السلام دمعة حتّى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمنٍ دمعت عيناه حتّى تسيل على خدِّه فينا لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنّة مبوّأ صدقٍ، وأيّما مؤمنٍ مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة ما أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه ومن النّار"2.
 
دـ روى أبو هارون المكفوف عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "وَمَنْ ذُكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينيه من 



1 كامل الزيارات، ص204، باب 32، ح7.
2 المصدر السابق، باب 32، ح1، ص201, تفسير القمّيّ، ص616, ثواب الأعمال، ص47, مقدّمة اللهوف لابن طاووس.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

94

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله - عزَّ وجلَّ- ولم يرض له بدون الجنّة"1.

 
هـ- قال الإمام الصادق عليه السلام لعبد الله بن بكير: "... إنّ الحسين عليه السلام مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه يرزقون ويحبرون وإنّه لعلى يمين العرش متعلّقٌ به يقول: يا ربّ، أنجز لي ما وعدتني، وإنّه لينظر إلى زوّاره وإنّه أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده، وإنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي، لو علمت ما أعدّ الله لك لفرحت أكثر ممّا حزنت وإنّه ليستغفر له من كلّ ذنبٍ وخطيئة"2.
 
و- روى الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر"3.
 
ز- روى الفضيل بن فضالة عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مَنْ ذُكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم الله وجهه على النّار"4.



1 كامل الزيارات، ص202، باب 32، ح3, بحار الأنوار، ج44، ص281.
2 المصدر السابق، ص206، باب 32، ح8, بحار الأنوار، ج27، ص300 وج44، ص292.
3 المصدر السابق، ص207، باب 32، ح9, بحار الأنوار، ج44، ص284.
4 المصدر السابق، ص207، باب 32، ح12.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

95

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ح- روى الحسن بن فضّال عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذُكِّر بمصابنا وبكى وأبكى لم تبك عيونه يوم تبكي العيون"1.

 
ط- ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "شيعتنا منّا وقد خُلقوا من فاضل طينتنا وعُجنوا بنور ولايتنا ورَضوا بنا أئمّة ورَضينا بهم شيعة، يصيبهم ما أصابنا (وتُبكيهم مصائبنا) ويُحزنهم حزننا ويَسرّهم سرورنا ونحن أيضاً نتألّم بتألمّهم ونطّلع على أحوالهم، فهم معنا لا يفارقونا ونحن لا نفارقهم..."، ثمّ قال: "اللهمّ إنّ شيعتنا منّا فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا استحى الله أن يعذّبه بالنّار"2.
 
ي- روى إبراهيم بن أبي محمود عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"3.



1 بحار الأنوار، ج44، ص278, نقلاً عن الأمالي للصدوق، المجلس 17, من وهج العشق الحسينيّ، ص107. 
2 الخصائص الحسينيّة، ص166, منتخب الطريحيّ، ص268 و269.
3 أمالي الصدوق، المجلس 27، رقم 2, بحار الأنوار، ج44، ص284.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
106

96

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ك- روى الريّان بن شبيب عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "... يا بن شبيب، إن بكيت على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر الله لك كلّ ذنبٍ أذنبته، صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً"1.

 
ل- نقل العلّامة الكبير المجلسيّ رواية ورد فيها أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال لابنته السيّدة الزهراء عليها السلام: "يا فاطمة، إنّ نساء أمّتي (يبكين) على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة، يا فاطمة، كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنّة"2.
 
ن- عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال الحسين عليه السلام: أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلّا بكى"3.



1 أمالي الصدوق، المجلس 27، رقم 5, عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص299, بحار الأنوار، ج44، ص286.
2 بحار الأنوار، ج44، ص293.
3 كامل الزيارات, 215، باب 36، الحديث 6.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

97

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 توضيح: العبرة - بالفتح فالسكون -: وهي تجلّب الدمع، أو تردّد البكاء في الصدر1. وقوله: "أنا قتيل العبرة" أي: القتيل الّذي تسكب عليه العبرات، كما قال صلوات الله عليه: "أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر"2، ومن هذا القبيل قول الإمام الصّادق عليه السلام: "نظر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحسين بن عليّ عليهما السلام وهو مقبل، فأجلسه في حجره، وقال: إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً، ثمّ قال عليه السلام: بأبي قتيل كلّ عبرة"، قيل: وما قتيل كلّ عبرة يا بن رسول الله؟ قال: "لا يذكره مؤمن إلّا بكى"3، فتكون إضافة العبرة إليه من باب تأكيد الصلة بين ذكر مقتله وبين البكاء، كقول الشاعر:

فَابكِ دَماً عَلَى قَتِيلِ العَبْرَه        وَالسَّيِّدِ السِّبْطِ شَهِيدِ العِتْرَه
عَبْرَةُ كُلِّ مُؤمِنٍ وَمُتَّقِي              فَمَا بَكَى بَاكٍ عَلَيْهِ فَشَقِي
وَإنْ يَفُتْكَ أنْ تَكُونَ بَاكِي          فَلا يَفُتْكَ الأَجْرُ بِالتَباكِي4



1 مجمع البحرين, ج 3, ص 394، مادّة "عبر".
2 كامل الزيارات, ص 215، باب 36، الحديث 3, أمالي الصّدوق, ص200، المجلس 28، الحديث 8.
3 مستدرك الوسائل, ج1,0ص 318، باب 49 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 13، وجامع أحاديث الشيعة, ج 12, ص555، باب 82 من أبواب كتاب المزار، الحديث 18.
4 المقبولة الحسينيّة, ص30.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108

98

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 5- الجزع والحزن في عزاء سيّد الشهداء

ورد في دعاء الندبة قوله عليه السلام: "فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعليّ صلّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع وليصرخ الصارخون ويضجّ الضاجّون ويعجّ العاجّون... أين الطالب بدم المقتول بكربلا... هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جَزوع فأساعد جزعه إذا خلا...؟".
 
من مظاهر العزاء على سيّد الشهداء والتي لها أهمّيّة كبرى، الجزع على مصائب الإمام الحسين عليه السلام، إذ وكما يُستفاد من الروايات، فإنّ للجزع عليه مكانة مهمَّة في الشعائر الحسينيّة، روى مالك الجهنيّ عن الإمام الباقر عليه السلام قوله في أعمال يوم عاشوراء: "... ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه، ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين"1.
 
وروى عليّ بن أبي حمزة عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السلام فإنّه فيه مأجور"2.



1 كامل الزيارات، ص326، باب 71، ح9.
2 المصدر السابق، ص202، باب 32، ح2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

99

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ومن ثَمَّ فإنّ أهل البيت عليهم السلام وفي مورد دعائهم لشيعتهم والمقيمين للعزاء خصّوا بالذكر أهل الجزع على الإمام الحسين عليه السلام، فقد ورد في صحيحة معاوية بن وهب أنّ الإمام الصادق عليه السلامتوجّه نحو الله قائلاً: "... فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلّبت على حفرة (قبر) أبي عبد الله عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا"1.

 
وروى مسمع بن كردين أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال له: "يا مسمع، أنت من أهل العراق، أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟" قلت: لا. أنا رجل مشهور عند أهل البصرة وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، وعدوّنا كثير من أهل القبائل من النُّصَّاب وغيرهم ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثّلون بي. قال لي: "أفما تذكر ما صنع به؟" قلت: نعم. قال: "فتجزع؟"، قلت: إي والله، واستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فامتنع عن الطعام حتّى يستبين ذلك في وجهي.قال: "رحم الله دمعتك، أما أنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون



1 وسائل الشيعة، ج14، ص411، نقلاً عن الكافي، ج4، ص583.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

100

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 لخوفنا، ويأمنون إذا أَمِنَّا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك، ووصيّتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأمّ الشفيقة على ولدها"1.

 
وكما تقدّم معنا فإنّ رأس سلسلة أهل الجزع على مصائب سيّد الشهداء عليه السلام قبل شهادته هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمّا بعد شهادته فقد واصل هذا الطريق الإمام السجّادعليه السلام، وفي هذا الصدد يَروي قدامة بن زائدة عن أبيه عن الإمام السجّادعليه السلام: "وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحُملت حرمه ونساؤه على الأقتاب، يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا، فعظم ذلك في صدري، واشتدّ لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج وتبيّنت ذلك منّي عمّتي زينب الكبرى بنت عليّ عليهما السلام فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟. فقلت: وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مضرّجين بدمائهم مرمّلين بالعراء، مسلّبين لا يكفّنون، ولا يوارون، ولا يعرّج عليهم أحد ولا يقربهم بشر، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر؟!"2.



1 كامل الزيارات، ص‏203، باب 32، ح‏7.
2 المصدر السابق، ص‏445، باب 32.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
111

101

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وينقل الشيخ المفيد رواية عن الإمام السجّاد عليه السلام، قال فيها: "إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرّضني، إذ اعتزل أبي في خباء له... وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول: يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ...

 
وأمّا عمّتي (زينب عليها السلام) فإنّها سمعت ما سمعت وهي امرأة، ومن شأن النساء الرّقّة والجزع... حتّى انتهت إليه فقالت: واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة...
 
ثمّ لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشيّاً عليها"1.
 
هذا ويستفاد من زيارة الناحية - التي تقدّم ذكر بعض مقاطعها - أنّ مولانا المظلوم إمام العصر والزمان عليه السلام وفي عصر هذه الغيبة المظلم فإنّه عليه السلام يجزع على جدّه الغريب من كثرة البكاء والتأوّه وألم المصيبة.
 
6- التباكي على الإمام الحسين عليه السلام
المراد من التباكي: إظهار البكاء باستشعار الحزن في القلب وحثّ النفس على البكاء، أو فعل تكلّف البكاء، وليكن ذلك بدافع التقرّب إلى الله جلَّ وعلا ليكون عبادة، لا بدافع الرياء



1 بحار الأنوار، ج‏45، ص‏2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

102

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 والسمعة وإيهام الناس أنّه يبكي. والتباكي هنا كالتباكي من خشية الله، على ما في وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذرّ: "يا أبا ذرّ، من استطاع أن يبكي قلبه فليبك، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك"1.

 
إنّ دائرة الشعائر الحسينيّة واسعة إلى حدّ شمولها لمن أظهر العزاء والتباكي على مصائب سيّد الشهداءعليه السلامولذا فإنّه يعدّ ممّن يقيم العزاء ويشمله شعاع الرحمة والثواب الإلهيّ، وفي هذا المجال ينقل العلّامة المجلسيّ عن ابن طاووس رواية عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام قالوا فيها: "من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنّة... من بكى وأبكى واحداً فله الجنّة، ومن تباكى فله الجنّة"2.
 
وذكر الشيخ جعفر الشوشتريّ في الخصائص رواية تقول: "من بكى أو أبكى أو تباكى وجبت له الجنّة"3.
 
وفي ضمن رواية مفصّلة - تقدّم ذكرها - فإنّ الله تبارك وتعالى يخاطب النبيّ موسى عليه السلام حول سيّد الشهداءعليه السلام، قال: "... واعلم أنّ من بكى عليه أو أبكى أو تباكى، حرّمت جسده على النّار"4.



1 الشعائر الحسينيّة المنصوصة، ص 21.
2 بحار الأنوار، ج‏44، ص‏288.
3 الخصائص الحسينيّة، ص‏16.
4 بحار الأنوار، ج‏44، ص‏308, الخصائص الحسينيّة، ص‏196.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
113

103

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وفي رواية أخرى - تقدّم ذكرها مفصّلاً - فإنّ الحقّ تبارك وتعالى يخاطب موسى عليه السلام أيضاً، قائلاً له: "... يا موسى، ما من عبدٍ، من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفى إلّا و كانت له الجنّة ثابتاً فيها"1.

 
7- لطم الصدور في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام
ومن مظاهر العزاء التي لها تأثير مهمّ وكبير ومشهور بين الرجال والنساء من المؤمنين لَطْمُ على الصدور وهو أمر متعارفٌ بين الكبار والصغار رجالاً ونساءً بل وحتّى عند الأطفال أنّ اللطم من الشعائر التي قام بها أهل البيت عليهم السلام في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام بل ورد أنّ الحور العين أيضاً شاركت في اللطم على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام.
 
وينقل الشيخ الطوسيّ رواية عن خالد بن سدير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ولقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميّات على الحسين بن عليّ عليهما السلام وعلى مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب"2.
 
وكذلك يروي الشيخ الصدوق أنّه عندما أنشد دعبل قصيدته التائيّة المشهورة في محضر الإمام الرضا عليه السلام، وعندما وصل إلى هذا المقطع:



1 مجمع البحرين، ج‏3، ص‏406, مستدرك الوسائل، ج‏10، ص‏319.
2 تهذيب الأحكام، ج‏8، ص‏325, الشعائر الحسينيّة في الميزان الفقهيّ، ص‏196.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
114

104

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلاً    وَقَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ فُرَاتِ‏

إِذاً لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ‏       وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ فِي الْوَجَنَاتِ‏
 
قال: لطمت النساء وجوههن وعلا الصراخ من وراء الستر وبكى الرضا عليه السلام..1.
 
وفي مقطع من زيارة الناحية للإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ورد فيها قوله: "... فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّاً، ونظرن سرجك عليه ملويّاً، برزن من الخدور، .. على الخدود لاطمات، الوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العزّ مذلّلات وإلى مصرعك مبادرات"2.
 
ويذكر السيّد ابن طاووس في أحداث عصر عاشوراء قوله: "فلمّا نظرن النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههن"3.
 
وجاء في زيارة الناحية الصادرة عن إمام العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وأقيمت لك المآتم في أعلى علّيّين، ولطمت عليك الحور العين"4.



1 عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج‏2، ص‏263.
2 الدعاء والزيارة - زيارة الناحية.
3 بحار الأنوار، ج‏45، ص‏58.
4 الدعاء والزيارة - زيارة الناحية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
115

105

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 إنّ الروايات الواردة في اللطم جاءت على نحوين حيث صرّح بعضها بلطم الخدّ، وأمّا بعضها الآخر فقد ذكر مطلق اللطم.

 
وقد أشارت كتب اللغة إلى أنّ اللطم يشمل لطم الخدّ ولطم الصدر. والجدير ذكره أنّ لطم الخدّ أكثر إيلاماً ووجعاً من لطم الصدر. ولا بدّ أن لا ننسى هذه النكتة ومفادها أنّه يمكن القول وكما يستفاد من كتب اللغة أنّ اللطم الواقعيّ يصدق على أيّ موضع سواء كان الخدّ أو الصدر..
 
ونقل الطبري في "تاريخه" بقوله: قال أبو مخنف: حدّثني الحارث بن كعب وأبو الضحّاك، عن عليّ بن الحسين، قال: "إنّي جالس في تلك العشيّة الّتي قتل أبي صبيحتها، وعمّتي زينب عندي تمرّضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء لـه، وعنده حُوَيّ، مولى أبي ذرّ الغفاريّ وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول: 
يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ       كَمْ لَكَ فِي الْإِشْرَاقِ وَالْأَصِيْلِ
مِنْ صَاحِبٍ وَمَاجِدٍ قَتِيْلِ            وَالْدَّهْرُ لَا يَقْنَعُ بِالْبَدِيْلِ
وَالْأَمْرُ فِي ذَاكَ إِلَى الْجَلِيْلِ         وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكُ السَّبِيْلِ"

قال: "فأعادها مرّتين، أو ثلاثاً، حتّى فهمتها، فعرفت ما
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
116

106

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي، ولزمت السكون، فعلمت أنّ البلاء قد نزل، فأمّا عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت، وهي امرأة، وفى النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها، وإنّها لحاسرة، حتّى انتهت إليه، فقالت: وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمّي، وعليّ أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي، وثِمال الباقي". قال: "فنظر إليها الحسين عليه السلام، فقال: يا أخيّة، لا يُذهبنّ حِلمَكِ الشيطان، قالت: بأبي أنت وأمّي يا أبا عبد الله، استقتلت، نفسي فداك، فردّ غصّته، وترقرقت عيناه، وقال: لو ترك القطا ليلاً لنام، قالت: يا ويلتي، أفتغصب نفسك اغتصاباً! فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ على نفسي، ولطمت وجهها، وأهوت إلى جيبها وشقّته، وخرّت مغشيّاً عليها"1.

 
ورواها الشيخ المفيد في "إرشاده"، والطبرسيّ في "إعلام الورى"2.
 
وأمّا ما ورد في ذيلها من قول الإمام الحسين عليه السلام للعقيلة زينب عليها السلام: "يا أخيّة، إنّي أقسم عليك، فأبرّي قسمي: لا تشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور، إذا أنا هلكت"، فهو لا يصلح لإثبات الحرمة،



1 تاريخ الطبري, ج5, ص 420.
2 الإرشاد, ج 2, ص 93، مع اختلاف يسير، وإعلام الورى, ج 1, ص 457، مع اختلاف يسير.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

 


107

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 أو الكراهة، من جهة ضعف سنده، ولمخالفته لإجماع الطائفة، مضافاً إلى معارضته لنصوص مصرّحة بجواز ذلك في مأتم الإمام الحسين عليه السلام، وغيره من الأئمّة عليهم السلام.

 
هذا، وقد يقال في توجيه دلالته - بحيث يتناسب مع الجواز -: إنّ قوله عليه السلام ذلك من باب شفقته على أخته وأهله وعياله، أو من جهة الخوف من شماتة الأعداء، بقرينة قوله عليه السلام: "مهلاً، لا تشمتي القوم بنا"1.
 
8- زيارة سيّد الشهداء عليه السلام
تعتبر زيارة سيّد الشهداءعليه السلام من أهمّ وأكبر مظاهر الشعائر الحسينيّة، وقد اهتمّ أهل بيت العصمة والطهارة عليهم الصلاة والسلام اهتماماً كبيراً فذكروا فضائلها، وأكّدوا عليها مراراً وتكراراً وفي مناسبات مختلفة، وحثّوا الناس ورغّبوهم فيها وأشاروا إلى الكثير من فضائلها.
 
وإنّ تأكيد الأئمّة عليهم السلام على الالتزام بالزيارة وصل إلى حدّ استفاد منه بعض العظماء القول بوجوبها مرّة واحدة في السنة على القادرين والميسورين.
 
وممّا يجدر ذكره أنّ المستفاد من الروايات أمران: أوّلهما الإيصاء بمطلق الزيارة وهذا ينطبق على كلّ زمان، وثانيهما 
 



1 بحار الأنوار, ج 44, ص 391.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
118

108

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ورود الأمر بالزيارة في بعض المناسبات والأيّام المخصوصة.

 

 
وسوف نشير فيما يلي إلى ما ورد في كتب الأصحاب بناءً على الروايات الشريفة.
1- في ليالي الجمعة.

2- أيّام الجمعة.

3- الليلة الأولى من شهر رجب.

4- اليوم الأوّل من شهر رجب.

5- ليلة النصف من شهر رجب.

6- يوم النصف من شهر رجب.

7- اليوم الثالث من شهر شعبان.

8- ليلة النصف من شهر شعبان.

9- يوم النصف من شهر شعبان.

10- تمام أيّام شهر رمضان المبارك.

11- الليلة الأولى من شهر رمضان.

12- ليلة النصف من شهر رمضان.

13- ليالي القدر.

14- أيّام القدر.

15- الليلة الأخيرة من شهر رمضان.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
119

109

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 16- العشر الأواخر من شهر رمضان.


17- ليلة عيد الفطر.

18- يوم عيد الفطر.

19- ليلة يوم عرفة.

20- يوم عرفة.

21- ليلة عيد الأضحى.

22- يوم عيد الأضحى.

23- أيّام التشريق (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجّة).

24- يوم عيد الغدير.

25- يوم المباهلة.

26- يوم نزول آية هل أتى.

27- ليلة عاشوراء.

28- يوم عاشوراء.

29- يوم الثالث عشر من المحرّم.

30- يوم الأربعين.

31- مساء كلّ يوم جمعة (ليالي السبت).

32- يوم عيد النوروز.
 
.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
120

110

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وبناءً على هذا فإنّه وفي طول أيّام السنة لدينا ما يقرب من 240 زيارة خاصّة. نعم ربّما تتداخل بعض هذه الأيّام والزيارات مع بعضها البعض إلّا أنّ الأثر والثواب الخاصّ على تلك الزيارات يترتّب معاً. ومثالاً على ذلك إذا صادف ليلة يوم الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك (ليلة القدر)

مع ليلة الجمعة مع عيد النوروز فإنّه يترتّب على ذلك خمس زيارات مخصوصة. أوّلها بعنوان ليلة الجمعة والثانية بعنوان ليلة القدر، والثالثة بعنوان مطلق شهر رمضان والرابعة بلحاظ العشر الأواخر من شهر رمضان والخامسة بلحاظ عيد النوروز.
 
ومن الواضح أنّ فضائل وآثار زيارة وزائر الإمام الحسين عليه السلام كبيرة جدّاً ولا يسعها هذا المختصر بل إنّها تحتاج إلى كتاب كبير ومستقلّ لذكرها، ولكن رعاية للاختصار سوف نشير إلى بعضها:
 
ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "... ولو يعلمون ما في زيارته من الخير ويعلم ذلك الناس لاقتتلوا على زيارته بالسيوف، ولباعوا أموالهم في إتيانه"1.
 
وفي رواية أخرى قال سلام الله عليه لصفوان: "أهون ما يكسب زائر الحسين عليه السلام في كلّ حسنة ألف ألف حسنة، والسيئة واحدة، وأين الواحدة من ألف ألف؟". ثمّ قال: "يا صفوان، أبشر فإنّ لله ملائكة معها قضبان من نور فإذا أراد الحفظة أن تكتب على زائر الحسين عليه السلام سيّئة، قالت الملائكة للحفظة: كُفّي، فتكفّ، فإذا عمل حسنة، قالت لها: اكتبي، أولئك الذين يبدّل الله سيئاتهم حسنات"71.



1 كامل الزيارات، ص‏178، باب 27، رقم 19.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
121

111

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وقال سلام الله عليه في رواية أخرى لأبان بن تغلب: "من زار الحسين عليه السلام كتب الله له بكلّ خطوة حسنة ومحا عنه بكلّ خطوة سيّئة، وغفر له ما تقدّم من ذنب وما تأخّر"1.

 
وقال سلام الله عليه أيضاً لصفوان: "ولو يعلم زائر الحسين عليه السلام ما يدخل على رسول الله، وما يصل إليه من الفرح وإلى أمير المؤمنين وإلى فاطمة والأئمّة والشهداء منّا أهل البيت وما ينقلب به من دعائهم له، وما له في ذلك من الثواب في العاجل والآجل، والمذخور له عند الله، لأحبّ أن يكون ما ثمَّ داره ما بقي. وإنّ زائره ليخرج من رحله فما يقع فيؤه على شي‏ء إلّا دعا له، فإذا وقعت الشمس عليه أكلت ذنوبه كما تأكل النّار الحطب، وما تبقي الشمس عليه من ذنوبه شيئاً فينصرف وما عليه ذنب وقد وقع له من الدرجات ما لا يناله المتشحّط بدمه في سبيل الله، ويوكل به ملك يوم مقامه ويستغفر له حتّى يرجع إلى الزيارة أو يمضي ثلاث سنين أو يموت"2
 
وقال الإمام الرضا عليه السلام في رواية للحسين بن محمّد القمّي، قال له: "من زار قبر أبي عبد الله عليه السلام بشطّ الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه"3.



1 المصدر السابق، ص‏545، باب 108، رقم‏6, تأويل الآيات ج‏1، ص‏383.
2 كامل الزيارات، ص‏546، باب 108، رقم‏9.
3 المصدر السابق، ص‏495، باب‏98، رقم‏17, بحار الأنوار، ج‏101، ص‏14, مستدرك الوسائل، ج‏10، ص‏343.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

112

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وكذلك ورد في فضيلة زيارة سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عرفة رواية عن الإمام الصادق قال فيها ليونس ابن ظبيان: "من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجّة مع القائم وألف ألف عمرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعتق ألف ألف نسمة وخملان ألف ألف فارس في سبيل الله، وسماه الله عزَّ وجلَّ: عبدي الصدّيق آمن بوعدي وقالت الملائكة، فلان صدّيقٌ زكّاه الله من فوق عرشه وسمّى في الأرض كروبيّاً1"2.

 
ورُوي عن الإمام الصادق عليه السلام حول فضيلة زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء أنّه قال: "من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عاشوراء أو بات عنده كان كمن استشهد بين يديه"3.
 
وكما أنّ زيارة الشخص بنفسه لها فضائل كثيرة كذلك فإنّ الاستنابة في الزيارة لها فضائلها وثوابها أيضاً كما ذكر الشيخ جعفر الشوشتريّ وخاصّة لمن لا يقدر أو يوفّق للزيارة بنفسه.
 
وذكر أنّ الاستنابة تارة تكون بإرسال نائب عنه للزيارة 



1 المصدر السابق، ص‏279، باب‏59، رقم‏2, ثواب الأعمال، ص‏110, تهذيب الأحكام، ج‏6، ص‏45, وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏411.
2 الكروبيّون مخفّفة الراء, أي سادة الملائكة.
3 كامل الزيارات، ص‏321، باب‏70، رقم‏10, وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏460, بحار الأنوار، ج‏101، ص‏88, مستدرك الوسائل، ج‏10، ص‏285.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
123

113

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وتارة ثانية تكون بتهيئة أسباب السفر لأيّ شخص فيوفّق لزيارة الإمام عليه السلام، وتارة ثالثة بأن يزور الإنسان زوّار الإمام الحسين عليه السلام.

 
وهناك طريق آخر وهو أن يقوم الإنسان بزيارة سيّد الشهداء عليه السلام عن بعدٍ بأن يتوجّه إلى قبر الحسين عليه السلام فيزوره ويسلّم عليه. وقد ورد هذا المعنى في رواية زيارة عاشوراء المعروفة، حيث إنّ الإمام الباقر عليه السلام قال لعلقمة "إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله تعالى"1.
 
وفي مقابل كلّ ذلك قد ورد الذم لمن يُعرِض عن زيارة سيّد الشهداء عليه السلام في الكثير من الروايات ولمناسبة الموضوع سوف نشير إلى البعض منها:
 
أ - "كان منتقص الإيمان وإن دخل الجنّة كان دون المؤمنين في الجنّة"2.
 
ب - "فليس هو لنا بشيعة، وإن كان من أهل الجنّة فهو من ضيفان أهل الجنّة"3.



1 المصدر السابق، ص‏323، باب 71، رقم‏2, مسار الشيعة ص‏20, مصباح المتهجّد، ص‏713, بحار الأنوار، ج‏101، ص‏154, وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏477. 
2 المصدر السابق، ص‏355، باب 78، رقم‏1.
3 المصدر السابق، ص 356، باب 78، رقم‏3.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
124

114

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ج - "من ترك الزيارة من غير علّة فهو رجل من أهل النّار"1.

 
د - "من ترك الزيارة وهو قادر على ذلك فقد عقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقّنا"2.
 
هـ - "كان تاركاً حقّاً من حقوق الله تعالى وحقوق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"3.
 
و - "أنّه جفاء للحسين عليه السلام"4.
 
ز - "من لم يزر قبر الحسين عليه السلام فقد حرم خيراً كثيراً، ونقص من عمره سنة"5.
 
9- المشي إلى الزيارة
وهذا العمل من المؤمنين راجح شرعاً بأعلى مراتب الرجحان، للروايات الكثيرة المستفيضة الدالّة على ذلك: 
 
منها: عن أبي سعيد القاضي، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في غريفة له - وعنده مرازم - فسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ قدم يرفعها ويضعها، عتق رقبة من ولد إسماعيل"6.



1 ن.م، ص‏357، باب 8، رقم‏5, بحار الأنوار، ج‏101، ص‏5, وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏432. 
2 الخصائص الحسينيّة، ص‏301, بحار الأنوار، ج‏98، ص‏2.
3 المصدر السابق، ص‏301.
4 ن.م.
5 بحار الأنوار، ج‏98، ص‏48.
6 كامل الزيارات, ص257، باب 49، الحديث 9, وسائل الشيعة, ج14, ص 441، باب 41 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 6، مع اختلاف يسير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
125

115

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ومنها: عن أبي الصامت، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول: "من أتى قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة، ورفع له ألف درجة"1.

 
ومنها: عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "من زار الحسين عليه السلام من شيعتنا لم يرجع حتّى يغفر له كلّ ذنب، ويكتب له بكلّ خطوة خطاها، وكلّ يد رفعتها دابّته، ألف حسنة، ومحي عنه ألف سيّئة، وترفع له ألف درجة"2.
 
ومنها: عن بشير الدهّان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّ الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام، فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه، ثمّ لم يزل يقدّس بكلّ خطوة حتّى يأتيه، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى، فقال: عبدي سلني أعطك، ادعني أجبك، اطلب منّي أعطك، سلني حاجة أقضها لك"، قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: "وحقّ على الله أن يعطي ما بذل"3.
 
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على فضيلة المشي لزيارة الحسين عليه السلام.



1 وسائل الشيعة, ج14, ص440، باب 41 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 3.
2 كامل الزيارات, ص 256، باب 49، الحديث 8.
3 المصدر السابق, ص253، باب 49، الحديث 2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
126

116

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 10- نظم الشعر والنثر في مصاب سيّد الشهداء عليه السلام

لا ريب في أهمّيّة الشعر في المجتمع البشريّ في جذب القلوب، وتسخير العقول، وبثّ روح النشاط، وتحريك الإرادة الخاملة في نفس وروح مستمعه، بحيث يجعله كأنّه يعيش الواقعة، وكأنّه يراها أمام عينيه، فهو بمثابة وسيلة إعلاميّة، يستطيع الشاعر من خلالها لفت أنظار الناس إليه، وتبيين الحقّ، والدعوة إليه، ودحض الباطل، وكشف حقيقته، ‏ولهذا عدّ أعظم دعاية وتبليغ وإعلام، خصوصاً في تلك العصور، حيث كان سيفاً صارماً، بيد موالي أئمّة الدّين، وسهماً مغرقاً في أكباد أعداء الله، ومجلّة دعاية إلى ولاء آل الله في كلّ صقع وناحية، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - لمّا سئل عن الشعراء - قال: "إنّ المؤمن مجاهد بسيفه ولسانه، والّذي نفسي بيده لكأنّما ينضحونهم بالنبل"1.
 
وعن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحسّان ابن ثابت: "اهج المشركين، فإنّ جبرئيل معك"2.



1 مجمع البيان, ج 7, ص 326، تفسير سورة الشعراء، الآية: 227, سير أعلام النبلاء, ج2, ص 525، مع اختلاف يسير.
2 مسند أحمد, ج5, ص 363، الحديث 18055, صحيح البخاري, ج 5, ص 61، الحديث 4124، وروى أيضاً في موضع آخر: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لحسّان يوم قريظة:"اهجهم أو هاجهم وجبريل معك". المصدر المتقدّم، الحديث 4123، وانظر: المصنّف, ج6, ص172، الحديث 18, المعجم الأوسط, ج1, ص 333، الحديث 1209, المعجم الصغير, ج2, ص4، مع اختلاف يسير, كنز العمّال, ج 3, ص580، الحديث 7995، وأضاف: "إذا حارب أصحابي بالسلاح فحارب أنت باللسان".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

117

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وعن الكميت بن زيد الأسديّ، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال: "والله يا كميت، لو كان عندنا مال لأعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحسّان بن ثابت: لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا"1.

 
ولهذه الغايات الجليلة السامية نجد أئمّة أهل البيت عليهم السلام قد أولوا هذا الموضوع اهتماماً بالغاً، فكانوا يكرمون شعراءهم، ويبذلون لهم المال ممّا يغنيهم به عن التكسّب والاشتغال بغير هذه المهمّة، ويقرعون مسامعهم بتلك الجمل الشريفة من مدحهم والثناء عليهم، ويبشّرونهم بما أعدّه الله تعالى لهم من الأجر المحمود.
 
فعن محمّد بن سهل، قال: دخلت مع الكميت على جعفر الصّادق في أيّام التشريق، فقال: جعلت فداءك، ألا أنشدك؟ قال: "إنّها أيّام عظام"، قال: إنّها فيكم، قال: "هات"، فأنشده قصيدته... 
 
فكثر البكاء، وارتفعت الأصوات. فلمّا مرّ على قوله في الحسين رضي الله عنه:
 
كأنّ حسيناً والبهاليل حوله      لأسيافهم ما يختلى المتبتّل 
وغاب نبيّ الله عنهم وفقده      على الناس رزء ما هناك مجلّل



1 الكافي, ج8, ص89، الحديث 75، واختيار معرفة الرّجال: ص 279/365، مع اختلاف يسير, وسائل الشيعة, ج14, ص594، باب 104 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 2.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
128

118

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 فلم أر مخذولاً لأجل مصيبة     وأوجب منه نصرة حين يخذل

 
فرفع جعفر الصّادق رضي الله عنه يديه، وقال: "اللّهمّ اغفر للكميت ما قدّم وأخّر، وما أسرّ وأعلن، وأعطه حتّى يرضى"، ثمّ أعطاه ألف دينار وكسوة، فقال له الكميت: والله ما أحببتكم للدنيا، ولو أردتها لأتيت من هو في يديه، ولكنّني أحببتكم للآخرة، فأمّا الثياب الّتي أصابت أجسادكم فإنّي أقبلها لبركتها، وأمّا المال فلا أقبله1.
 
وعن عبد الله بن الفضل الهاشميّ، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "من قال فينا بيت شعر بنى الله تعالى له بيتاً في الجنّة"2.
 
وفي الروايات أنّ جعفر بن عفّان تشرّف بلقاء الإمام الصادق عليه السلام فأجلسه إلى جانبه وقال له: "يا جعفر"، قال: لبيك، جعلني الله فداك. قال: "بلغني أنّك تقول في الحسين عليه السلام وتجيد". قال له: نعم جعلني الله فداك. قال: "قل". فأنشده حتّى بكى صلّى الله عليه ومن حوله، وحتّى سالت الدموع على وجهه ولحيته.



1 خزانة الأدب, ج1, ص70.
2 عيون أخبار الرّضا, ج1, ص15، مقدّمة المصنّف، الحديث 1, وسائل الشيعة, ج14, ص597، باب 105 من أبواب المزار وما يناسبه، الحديث 1.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
129

119

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ثمّ قال: "يا جعفر، والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون ها هنا ليسمعوا قولك في الحسين عليه السلام ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر، ولقد أوجب الله تعالى لك - يا جعفر - في ساعتك هذه الجنّة بأسرها وغفر الله لك". ثمّ قال: "يا جعفر ألا أزيدك؟"، قال: نعم يا سيّدي. قال: "ما من أحدٍ قال في الحسين عليه السلام فبكى أو أبكى إلّا وأوجب الله له الجنّة وغفر له"1.

 
وكذلك ينقل ابن قولويه بسنده عن عبد الله بن حمّاد في رواية أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال له: "بلغني أنّ قوماً يأتونه - يعني الحسين عليه السلام- من نواحي الكوفة وأناساً من غيرهم ونساءً يندبنه، وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ، وقاصٍّ يقصّ ونادب يندب وقائل يقول المراثي". فقلت له: نعم جُعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف. فقال: "الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا، ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهذونهم (يهدّدونهم) ويقبّحون ما يصنعون"2.
 
وكما ترون فإنّ الإمام عليه السلام عندما علم بأنّ هناك من يقيم المصائب والمجالس والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام وبأيّ 



1 الخصائص الحسينيّة، ص246.
2 كامل الزيارات، ص539، باب 108، رقم 1.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
130

120

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 نحوٍ كان فإنّه شكر الله على ذلك وحمده ومدح هؤلاء الذاكرين للحسين عليه السلام.

 
وروى أبو هارون المكفوف أنّه بعدما أمره الإمام الصادق عليه السلام بإنشاد الشعر على جدّه الحسين عليه السلام فأنشده فبكى الإمام عليه السلام، ومن ثمّ أنشده فبكى الإمام عليه السلامأيضاً وقال له: "يا أبا هارون، من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت له الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت له الجنّة، ومن ذُكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنّة"1.
 
وكذلك رُوي عن أبي عمارة المنشد أنّه أُمر من قبل الإمام الصادق عليه السلام بإنشاد الشعر على سيّد الشهداء عليه السلام فأنشده ثلاث مرّات وفي كلّ مرّة كان الإمام عليه السلام يبكي كثيراً ومن ثمّ قال له الإمام الصادق عليه السلام: "يا أبا عمارة، من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام



1 كامل الزيارات، ص208، باب 33، ح1, بحار الأنوار، ج44، ص288.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
131

121

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 شعراً فأبكى أربعين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى عشرة فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى فله الجنّة، ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فتباكى فله الجنّة"1.

 
وفي رواية أخرى يروى أبو هارون المكفوف عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له: "يا أبا هارون، من أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى عشرة فله الجنّة، ثمّ جعل ينقص واحداً واحداً حتّى بلغ الواحد، فقال: من أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى واحداً فله الجنّة، ثمّ قال من ذكره فبكى فله الجنّة"2.
 
وكذلك يمكن الاستفادة ها هنا من إطلاق روايات الإبكاء والتي تقدّم ذكر بعضها معنا، بمعنى أنّ الإبكاء مطلوب بأيّ نحوٍ كان.



1 كامل الزيارات، ص209، باب 33، رقم 2, وسائل الشيعة، ج14، ص595, بحار الأنوار، ج44، ص282. 
2 المصدر السابق، ص216، باب 33، رقم 5.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

122

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ومثالاً على ذلك الرواية الواردة عن الإمام الرضا عليه السلام حيث قال: "من تذكّر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون"1.

 
11- لبس السواد في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام
يعتبر لبس السواد - عند جميع البشر، باختلاف طوائفهم وفرقهم ودولهم، منذ قديم الزمان وسالف العصر إلى الآن - رمزاً وشعاراً لإظهار الحزن والتألّم عند المصيبة والكارثة، فإذا فقد عندهم حبيب تراهم يلبسون السواد، وما ذلك إلّا علامة، ليعرف الناظر إليهم أنّهم أهل مصيبة وعزاء.
 
وممّا يجدر ويليق بجميع المؤمنين أن يرتدوا اللباس الأسود في أيّام عزاء أهل البيت عليهم السلام وخاصّة في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام. وبالتالي أن تظهر عليهم حالة العزاء على الحسين عليه السلام لأنّه لا مصيبة أعظم من مصيبته ومصائبهم، ولذا لا بدّ للإنسان المؤمن أن يبذل وسعه وجهده في إظهار الهمّ والغمّ والحزن في عزائهم ومصائبهم عليهم السلام، وليكون من مصاديق قولهم "المهموم لهمّنا".
 
وقد ورثت الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة هذا الشعار عن أئمّتهم عليهم السلام، تعبيراً منهم عن عظم الفاجعة والمجزرة



1 عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص294, بحار الأنوار، ج44، ص278.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
133

123

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الكبرى الّتي جرت على ريحانة رسول الله ‏ صلى الله عليه وآله وسلم، وإظهاراً لمظلوميّته عليه السلام، وانتصاراً لأهدافه، واستنكاراً لما أصابه من أنواع البلاء والمحن.

 
ومن هنا كان لا بدّ لهم عند لبس السواد ولباس العزاء أن يقتدوا بأهل البيت عليهم السلام، حيث ورد في بعض الروايات المرتبطة بأحوال أهل بيت الطهارة والعصمة عليهم السلام وأولياء الله أنّهم كانوا يلبسون السواد في عزاء بعضهم البعض. وفي هذا المجال يُروى عن الأصبغ بن نباته أنّه قال: دخلت مسجد الكوفة بعد قتل أمير المؤمنين عليه السلام ورأيت الحسن والحسين لابسي السواد1.
 
وقال ابن أبي الحديد أيضاً في شرح نهج البلاغة: وكان خرج (الحسن بن عليّ عليه السلام) إليهم - إلى الناس بعد شهادة أبيه - وعليه ثياب سود"2.
 
وبذلك يمكن دخول لبس السواد في المستحبّات، لكونه مصداقاً لإظهار الحزن على مصابهم عليهم السلام الّذي دلّت الأدلّة الصحيحة على رجحانه واستحبابه، وكونه موجباً للتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى.
 
ويدلّ عليه أيضاً ما تقدّم: من اندراجه تحت إطلاق قوله



1 المامقانيّ، مجمع الدرر في المسائل الاثنيّ عشر، ص4.
2 شرح نهج البلاغة، ج16، ص22, الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد، ص386.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

124

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾1، وقوله عليه السلام: "فرحم الله من أحيا أمرنا".

 
السّلام: "فرحم الله من أحيى أمرنا". 
 
وجملة من النّصوص:
منها: ما رواه البرقيّ عن الحسن بن ظريف بن ناصح، عن أبيه، عن الحسين بن زيد، عن عمر بن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم2
 
إنّ هذه الرواية بظاهرها دالّة على أنّ لبسهنّ للسواد في مأتم وعزاء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام كان بمرأى ومنظر الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام، فعدم ردعه عن ذلك يكشف عن رضاه بهذا الفعل ورجحانه، هذا مضافاً إلى أنّ فعل الصدّيقة الصغرى زينب بنت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الّتي هي عالمة غير معلّمة، فهمة غير مفهّمة، وتالية تلو المعصوم في الكمالات والفضائل والدرجات العالية، وهي الّتي كانت لها نيابة خاصّة عن الإمام عليّ بن



1 سورة الحج, الآية: 32.
2 المحاسن, ج2, ص195، باب الإطعام في المأتم، الحديث 1564, وسائل الشيعة, ج3, ص238، باب 67 من أبواب الدفن، الحديث 10، وفيه: "عن عمرو بن عليّ" بدل"عمر بن عليّ"، و"لبس نساء" بدل "لبسن نساء".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

125

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الحسين عليه السلام، وكان يُرجع إليها في الحلال والحرام1، دليل على أنّ لبس السواد مطلوب للّه، ودستور لشيعة أهل البيت عليهم السلام ومحبّيهم ومواليهم، في كيفيّة إقامة العزاء ومراسم الحزن على أبي الأحرار الحسين الشهيد عليه السلام.

 
ومنها ما ذكره العلّامة المجلسيّ والمحدّث النوريّ رحمة الله تعالى عليهما: أنّ يزيد لعنه الله استدعى بحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهنّ: أيّما أحبّ إليكن المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة... قالوا: "نحبّ أوّلاً أن ننوح على الحسين عليه السلام، قال: افعلوا ما بدا لكم... فلم تبق هاشميّة ولا قرشيّة إلّا ولبست السواد على الحسين عليه السلام"2.
 
وروى أبو مخنف أيضاً أنّ النعمان بن بشير عندما أوصل خبر شهادة سيّد الشهداء عليه السلام إلى المدينة فلم يبق في المدينة مخدّرة إلّا وبرزت من خدرها، ولبسوا (أي أهل المدينة) السواد وصاروا يدعون بالويل والثبور3.
 
وينقل عماد الدّين إدريس القرشيّ عن أبي نعيم الأصفهانيّ بسنده قال: عن أم سلمة - رضوان الله عليها - أنّها لمّا بلغها مقتل الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام ضربت قبّة سوداء في



1 أنظر: كمال الدّين, ج2, ص501، باب 45، الحديث 27. 
2 بحار الأنوار، ج45، ص196, مستدرك الوسائل، ج3، ص327.
3 مقتل أبي مخنف، ص222, الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد، ص388.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

126

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولبست السواد1.

 
وذكر العلّامة المجلسيّ رحمه الله أنّ السيّدة سكينة عليها السلام رأت بعد شهادة أبيها رؤيا رأت فيها جدّتها الزهراء عليها السلام وعليها ثياب سود2.
 
وروى ابن قولويه بسنده عن هشام بن سعد أنّه قال: أخبرني المشيخة أنّ الملك الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بقتل الحسين بن عليّ عليه السلام، كان ملك البحار، وذلك أنّ ملكاً من ملائكة الفردوس نزل على البحر فنشر أجنحته عليها ثمّ صاح صيحة، وقال: يا أهل البحار البسوا أثواب الحزن، فإنّ فرخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مذبوح ثمّ حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات فلم يبق ملك فيها إلّا شمّها وصار عنده لها أثر ولعن قتلته وأشياعهم وأتباعهم3.
 
12- تربة سيّد الشهداء عليه السلام (التربة الحسينيّة)
من جملة آثار سيّد الشهداء عليه السلام التي يجب علينا تقديرها والاعتقاد بها تربته سلام الله عليه والتي كانت مورد توصية أهل البيت عليهم السلام، وقد ذكروا لها آثاراً وبركات عجيبة.



1 عيون الأخبار وفنون الآثار، ص109, سياهپوشى در سوك أئمه نور عليهم السلام  (لبس السواد في عزاء أئمّة النور عليهم السلام)، ص130.
2 بحار الأنوار، ج45، ص195.
3 كامل الزيارات، ص143، باب 21، ح3.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

127

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 إنّ إحياء هذا الأثر يتمّ عبر عدّة أمور:

 
السجدة على تربة سيّد الشهداء عليه السلام
روى معاوية بن عمّار أنّه: كان لأبي عبد الله عليه السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله عليه السلام، فكان إذا حضرت الصلاة صبّه على سجّادته وسجد عليه، ثمّ قال عليه السلام: "السجود على تربة الحسين عليه السلام يخرق الحجب السبع"1.
 
وذكر الشيخ الصدوق رحمه الله: قال الصادق عليه السلام: "السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى الأرض السابعة"2.
 
التسبيح بتربة سيّد الشهداء عليه السلام
رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أدار الحجير من تربة الحسين عليه السلام فاستغفر مرّة واحدة كتب الله له سبعين مرّة، وإن أمسك السبحة ولم يُسبّح بها ففي كلّ حبّة منها سبع مرّات"3.
 
وذكر الشيخ الطوسيّ في رواية عن بعض أصحاب الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنّه تشرّف بلقائه فقال الإمام عليه السلام له: "لا تستغني شيعتنا عن أربع: خمرة يصلَي عليها، وخاتم يُتختَّم به، وسواك يُستاك به وسبحة من طين قبر أبي عبد



1 مصباح المتهجّد، ص511, بحار الأنوار، ج98، ص135.
2 من لا يحضره الفقيه، ج1، ص268، رقم 829.
3 مصباح المتهجّد، ص512, بحار الأنوار، ج98، ص136.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
138

 


128

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الله الحسين عليه السلام، فيها ثلاث وثلاثون حبّة، متى قلّبها ذاكراً لله كتب له بكلّ حبّة أربعون حسنة، وإذا قلّبها ساهياً يعبث بها كتب له عشرون حسنة"1.

 
وذكر الشيخ الصدوق: قال الصادق عليه السلام: "... من كان معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلام كُتب مسبِّحاً وإن لم يسبّح بها"2.
 
الاستشفاء بتربة سيّد الشهداء عليه السلام
وردت روايات كثيرة في باب الاستشفاء بتربة الحسين عليه السلام وسوف نشير ها هنا إلى بعضها:
 
روى ابن قولويه بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ في طين الحائر الذي فيه الحسين عليه السلام شفاءً من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف"3.
 
وروى أيضاً بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لو أنّ مريضاً من المؤمنين يعرف حقّ أبي عبد الله عليه السلام وحرمته وولايته أخذ له من طين قبره على رأس ميل كان له دواء وشفاء"4.



1 تهذيب الأحكام، ج6، ص75, بحار الأنوار، ج98، ص132.
2 من لا يحضره الفقيه، ج1، ص268، رقم 829.
3 كامل الزيارات، باب 92، ص467، رقم5.
4 نفس المصدر، رقم 6.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
139

129

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً أنّه قال: "إذا أكلته (تراب الحسين) تقول: اللهمّ ربّ هذه التربة المباركة وربّ هذا الوصي الذي وارَتْهُ صلِّ على محمّد وآل محمّد واجعله علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كلّ داء"1.

 
التبرّك بتربة سيّد الشهداء عليه السلام
رُوي عن أبي اليسع أنّه قال: دخل رجل على الإمام الصادق عليه السلام فقال له: آخذ من طين قبر الحسين عليه السلام يكون عندي، اطلب بركته؟ قال عليه السلام: "لا بأس بذلك"2.
 
وعن ابن أبي يعفور قال: قلت للصادق عليه السلام: يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه السلام فينتفع به، ويأخذ غيره فلا ينتفع به؟! فقال: "لا والله الذي لا إله إلّا هو ما يأخذه أحدٌ وهو يرى أنّ الله ينفعه به إلّا نفعه الله به"3.
 
يُستفاد من هذه الرواية أنّ من يريد تناول هذه التربة بقصد الاستشفاء والانتفاع بها أو أن تكون معه لا بدّ أن يعتقد اعتقاداً راسخاً بأنّ الله سيعطيه بسبب هذه التربة الشفاء والنفع لكي تؤثّر هذه التربة أثرها.



1 من لا يحضره الفقيه، ج2، ص362, وسائل الشيعة، ج14، ص524, كامل الزيارات، باب 94، ص477. 
2 كامل الزيارات، باب 92، ص466، رقم 3.
3 نفس المصدر، باب 91، ص461، رقم 1.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

130

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 تربة سيّد الشهداء عليه السلام حرز وأمان

روى الشيخ الطوسيّ بسنده عن الحارث بن المغيرة أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال له: "... إذا خفت سلطاناً أو غير سلطان، فلا تخرجنّ من منزلك إلّا ومعك من طين قبر الحسين عليه السلام فتقول: اللهمّ إنّي أخذته من قبر وليّك وابن وليّك فاجعله لي أمناً وحرزاً لما أخاف وما لا أخاف، فإنّه قد يرى ما لا يخاف".
 
قال الحارث بن المغيرة: فأخذت كما أمرني، وقلت ما قال لي، فصحّ جسمي، وكان لي أماناً من كلّ ما خفت وما لم أخف - كما قال أبو عبد الله عليه السلام - فما رأيت مع ذلك- بحمد الله- مكروهاً ولا محذوراً1.
 
وورد في عدّة روايات عن الإمام الباقر والصادق عليهما السلام أنّ تربة الحسين عليه السلام: "أمان من كلّ خوف".
 
ومن جملة هذه الروايات ما رواه العلّامة المجلسيّ عن ابن قولويه بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "إذا أخذت الطين فقل: اللهمّ بحقّ هذه التربة، وبحقّ الملك الموكل بها، وبحقّ الملك الذي كَرَبَها، وبحقّ الوصي الذي هو فيها، صلِّ على محمّد وآل محمّد، واجعل هذا الطين شفاءً من كلّ 



1 الأمالي للطوسيّ، ج1، ص325, بحار الأنوار، ج98، ص118.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
141

131

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 داء وأماناً من كلّ خوفٍ، فإن فعل ذلك كان حتماً شفاء له من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف"1.

 
تحنيك المولود بتربة سيّد الشهداء عليه السلام
في رواية عن الحسين بن أبي العلاء قال: سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول: "حنّكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السلام فإنّها أمان"2.
 
وضع التربة في حنوط الميت وقبره
قال محمّد الحميريّ: كتبت إلى الفقيه أسأله: هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر وهل فيه فضلٌ؟
 
فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: تسبّح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه، ومن فضله أنّ المسبّح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيُكتب له ذلك التسبيح. قال: وكتبت إليه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع، ومنه نسخت: يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله3.
 
وعن جعفر بن عيس قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: "ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسّده بالتراب أن يضع



1 كامل الزيارات، باب 93، ص469، رقم 4, بحار الأنوار، ج98، ص127.
2 المصدر السابق، باب 92، ص466، رقم 2.
3 تهذيب الأحكام، ج6، ص76, بحار الأنوار، ج98، ص132 و133.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

132

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 مقابل وجهه لبنة من طين الحسين عليه السلام ولا يضعها تحت رأسه"1.

 
تربة كربلاء المقدّسة
روى الصدوق رحمه الله بسنده عن هرثمة بن أبي مسلم أنّه قال: "غزونا مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام صفّين فلمّا انصرفنا نزل بكربلاء، فصلّى بها الغداة. ثمّ رفع إليه من تربتها فشمّها، ثمّ قال: واهاً لك أيّتها التربة، ليحشرنّ منك أقوام يدخلون الجنّة بغير حساب"2.
 
13ـ شرب الماء وتذكر عطش سيّد الشهداء عليه السلام
من مصاديق الشعائر الحسينيّة التي يجب علينا العمل بها واحياؤها والمحافظة عليها وتوصية الآخرين بها أن نتذكّر عطش سيّد الشهداء عليه السلام عند شرب الماء الزلال، حيث أوصى الإمام عليه السلام شيعته بذلك في أواخر عمره الشريف بوساطة السيّدة سكينة قائلاً لها:
 
شيعتي ما إن شربتم ريَّ عذبٍ فاذكروني     أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني3



1 مصباح المتهجّد، ص511, بحار الأنوار، ج98، ص136. 
2 الأمالي للصدوق، المجلس 27، رقم 6, بحار الأنوار، ج44، ص255.
3 مصباح الكفعميّ، ص741.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
143

133

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وطبقاً للروايات الكثيرة فإنّه يترتّب على ذلك ثواب كبير وسوف نشير ها هنا إلى بعضها:

 
روى ابن قولويه بسنده عن داوود الرقّيّ قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ استسقى الماء، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثمّ قال لي: "يا داود، لعن الله قاتل الحسين عليه السلام، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن قاتله إلّا كتب الله له مائة ألف حسنة وحطّ عنه مائة ألف سيّئة ورفع له مائة ألف درجة وكأنّما اعتق مائة ألف نسمة وحشره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد"1.
 
وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّي ما شربت ماء بارداً إلّا وذكرت الحسين عليه السلام"2.
 
14ـ إطعام الطعام عن روح سيّد الشهداء عليه السلام
من مصاديق الشعائر الحسينيّة أيضاً إطعام الطعام في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام، ولهذا الطعام الحسينيّ آثارٌ عجيبة على أرواح الناس وأبدانهم ولذا نجد أكثر الناس يأكلون من سفرة الحسين عليه السلام فقط وفقط لأنّها باسم سيّد الشهداء عليه السلام وطلباً للبركة والشفاء وبغضّ النظر عن هذا 



1 كامل الزيارات، باب 34، ص212، رقم1.
2 وسائل الشيعة، ج7، ص122, الخصائص الحسينيّة، ص117.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
144

134

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الأمر فإنّ أصل الإطعام مطلوب وله فضيلة وثواب إلّا أنّه في عزاء سيّد الشهداء ونسبته إليه يصبح الأمر به آكد وأكثر استحباباً..... 

 
وروى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله - تبارك وتعالى - اطلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منّا وإلينا"1.
 
ولا بدّ من التذكير ها هنا بأنّه يُستفاد من الرواية السابقة أنّ بذل المال والنفس من أجل سيّد الشهداء وأهل البيت عليهم السلام لا ينحصر في الإطعام فقط بل وإنّ كلّ أمرٍ يرتبط بهؤلاء العظام الأطهار عليهم السلام مطلوب وله أجره وثوابه من قبيل الخدمة في مجالس العزاء والمساعدة في طبخ الطعام في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام و... الخ.
 
ولا إشكال في استحباب إطعام الطعام بصورة عامّة، وأنّه من السنن والخصال الحميدة المندوبة والمدعوّ إليها، ووردت فيه الآيات والأخبار.
 
أمّا الآيات:
فمنها: قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾2.
 
ومنها: قوله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ 



1 الخصال، حديث الأربعمائة, بحار الأنوار، ج44، ص287.
2 سورة الإنسان، الآية: 8.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
145

135

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾1.

 
ولا شكّ في: أنّ من ينفق أمواله في إطعام الطعام بقصد إحياء أمر الأئمّة - قربة إلى الله تعالى - يكون قد أنفقها في سبيل الله تعالى.
 
وأمّا الروايات: فهي على نوعين: عامّة لموارد الإطعام، وخاصّة في الإطعام في المآتم. 
 
أمّا الروايات العامّة:
فمنها: ما رواه محمّد بن جعفر، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السلام، قال: "من أشبع جوعة مؤمن وضع الله له مائدة في الجنّة، يصدر عنها الثقلان جميعاً"2.
 
ومنها: عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "شبع أربعة من المسلمين يعدل محرّرة من ولد إسماعيل عليه السلام"3.‏
 
ومنها: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "لأن أطعم رجلاً من المسلمين أحبّ إليّ من أن أطعم أفقاً من



1 سورة البقرة، الآية: 261.
2 ثواب الأعمال, ص 167, وسائل الشيعة, ج24, ص323، باب 43 من أبواب آداب المائدة، الحديث 1، ولكن فيه "محمّد بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد عليه السلام".
3 المصدر السابق, ص167, وسائل الشيعة, ج 2, ص324، باب 43 من أبواب آداب المائدة، الحديث 4، وفيه "من أشبع أربعة من المؤمنين".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

136

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الناس"، قلت: وما الأفق؟ قال: "مائة ألف، أو يزيدون"1.‏

 
وأمّا الروايات الخاصّة:
فمنها: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "لمّا قتل جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام أن تتّخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ثلاثة أيّام، وتأتيها، وتسلّيها ثلاثة أيّام، فجرت بذلك السنّة أن يصنع لأهل المصيبة ثلاثة أيّام طعام"2.
 
وأمّا ما ورد بخصوص الإطعام في مأتم الإمام الحسين عليه السلام:
فمثل معتبرة عمر بن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: "لمّا قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم"3.
 
فيتبيّن من هذا: أنّ إطعام الطعام في مأتم أبي عبد الله الحسين والأئمّة عليهم السلام أمر مرغوب فيه، قد ندب إليه الشرع الحنيف، وأنّه من الطاعات والباقيات الصالحات.



1 الكافي, ج2, ص205، كتاب الإيمان والكفر، باب 272، الحديث 2.
2 المحاسن, ج2, ص193، كتاب المآكل، باب الأحكام في المأتم، الحديث 196، والكافي, ج 3, ص209، كتاب الجنائز، باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة واتّخاذ المأتم، الحديث 1، مع اختلاف يسير.
3 المصدر السابق, ص195، كتاب المآكل، باب الإطعام في المأتم، الحديث 200, وسائل الشيعة, ج3, ص238، باب 67 من أبواب الدفن، الحديث 10.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
147

137

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 15ـ فضل سقي الماء:

قد وردت روايات كثيرة من الخاصّة والعامّة تدلّ على فضله:
 
أمّا روايات الخاصّة، فهي على طائفتين:
 
الطائفة الأولى: وهي الّتي دلّت بإطلاقها على فضل سقي الماء:
منها: ما رواه معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة، ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه الماء كان كمن أحيا نفساً، ومن أحيا نفساً فكأنّما أحيا الناس جميعاً"1.
 
ومنها: ما رواه أبو حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: "من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم"2.
 الطائفة الثانية: وهي الروايات الواردة بخصوص فضل سقي الماء يوم عاشوراء عند قبر الحسين عليه السلام:
منها: ما ورد عن محمّد بن أبي سيّار المدائنيّ بإسناده، قال: "من سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسين عليه السلام كان كمن سقى عسكر الحسين عليه السلام وشهد معه"3.



1 الكافي, ج4, ص58، كتاب الزكاة، باب 41، الحديث 3, من لا يحضره الفقيه, ج , ص64، الحديث 1724, وسائل الشيعة, ج 9, ص473، باب 49 من أبواب الصدقة، الحديث 3.
2 المصدر السابق, ج2, ص206، كتاب الإيمان والكفر، باب 86، الحديث 5, ثواب الأعمال, ص 166، الحديث 2. 
3 كامل الزيارات, ص324، باب 71، الحديث 6.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
148

138

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 خاتمة


في فوائد من دعاء الإمام الصّادق عليه السلام لزوّار جدّه الإمام الحسين عليه السلام:
روي هذا الحديث بسند معتبر، عن معاوية بن وهب، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو في مصلّاه، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه، ويقول: "يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشّفاعة، وحمّلنا الرسالة، وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا علم ما مضى، وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي  الحسين بن عليّ صلوات الله عليهم، الّذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم، رغبة في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد صلّى الله عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافهم عنّا بالرضوان، واكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الّذين خلّفوا بأحسن الخلف، واصحبهم،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
149

139

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، وكلّ ضعيف من خلقك أو شديد، وشرّ شياطين الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم. اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا، خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه الّتي غيّرها  الشمس، وارحم تلك الخدود الّتي تقلّبت على قبر أبي عبد الله عليه السلام، وارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها، رحمة لنا، وارحم تلك القلوب الّتي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة الّتي كانت لنا. اللّهمّ إنّي أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتّى ترويهم  من الحوض يوم العطش" .

 
ويستفاد من هذا الحديث عدّة فوائد:
الأولى‏: أنّ الأئمّة عليهم السلام هم أكرم الخلق عند الله عزّ وجلّ، والكرامة الّتي لهم من الله سبحانه وتعالى مختصّة بهم، ولا يشاركهم أحد فيها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
150

140

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الثانية: أنّ للأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين‏ مقام الشفاعة - في يوم الحشر والنشر - للمذنبين من المؤمنين، وهذا المقام مقام تكريم لهم، وإعظام لشأنهم، وإظهار لشرفهم، وإجلال لمكانهم من قبل الله عزّ وجلّ. 

 
والنصوص في أصل الشفاعة متواترة بين المسلمين عموماً وخصوصاً:
 
فمنها: ما رواه الفريقان عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: "ادّخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي1".
 
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليخرجنّ قوم من النّار بشفاعتي، يسمّون الجهنّميّين"2.
 
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشّهداء"3.



1  التبيان في تفسير القرآن, ج1, ص213, تفسير سورة البقرة، الآية: 48, بحار الأنوار, ج8, ص62، مسند أحمد, ج2, ص602، وفيه: "أؤخّر دعوتي, شفاعة لأمّتي إلى يوم القيامة", سنن ابن ماجة, ج2, ص1441، الحديث 4310 وفيه: "إنّ شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمّتي", المستدرك على الصحيحين, ج1, ص69، وفيه: "الشفاعة لأهل الكبائر من أمّتي"، والمصدر نفسه ج2, ص382، وفيه:"إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي"، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.
2 سنن ابن ماجة, ج2, ص1443، الحديث4315, سنن أبي داود, ج4, ص236، الحديث 4740، مع اختلاف يسير, والجامع الصغير, ج2, ص448، الحديث 7552، مع اختلاف يسير. 
3 المصدر السابق، الحديث 4313, الجامع الصغير, ج1, ص434، الحديث 2834، مع اختلاف يسير، والمصدر نفسه ج2, ص761، الحديث 10011 وقال عنه في الحاشية: إنّه حديث حسن, روضة الواعظين, ص11، مع اختلاف يسير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
151

141

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وممّا دلّ على شفاعتهم عليهم السلام: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيّكم، وأهل بيت نبيّكم"1.

 
ومنها: ما ورد في معتبرة معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن‏ قول الله تعالى: ﴿لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾2، قال‏: "نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم، والقائلون صواباً"، قلت: جعلت فداك، وما تقولون (إذا تكلّمتم)؟ قال: "نمجّد ربّنا، ونصلّي على نبيّنا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردّنا ربّنا"3
 
وقال الصّادق عليه السلام: "شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأمّا التائبون فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ما على المحسنين من سبيل"4.
 
وعن معاوية بن وهب - أيضاً - قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قوله: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ قال: "نحن أولئك الشافعون"5. 



1 بحار الأنوار, ج8, ص43، الحديث 39، الجامع الصغير, ج2, ص86، الحديث 4942، مع اختلاف يسير, كنز العمّال, ج14, ص390، الحديث 39041، مع اختلاف يسير. 
2 سورة النبأ، الآية: 38.
3 المحاسن, ج1, ص292، باب شيعتنا آخذون بحجزتنا، الحديث 580, الكافي, ج1, ص501، كتاب الحجّة، الباب 165، الحديث 91.
4  من لا يحضره الفقيه, ج3, ص574، الحديث 4964.
5 المحاسن, ج1, ص292، باب شيعتنا آخذون بحجزتنا، الحديث 581, تفسير العيّاشي, ج1, ص136، تفسير سورة البقرة، الحديث 450، مع اختلاف يسير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
152

142

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 والحاصل: أنّ شفاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام من الأصول المسلّمة في الشريعة الإسلاميّة، فقد نطق بها القرآن الكريم، والنصوص المتواترة، فضلاً عمّا ادّعي عليها من إجماع المسلمين، واعترف بها العقل السليم، والحديث عنها يحتاج إلى كتاب مستقلّ، وهو خارج عن نطاق هذا الكتاب.

 
الثالثة: أنّ الأئمّة الهداة صلوات الله عليهم أجمعين هم المعيّنون‏ بنصّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة والخلافة من بعده، حيث جعلهم أوصياءه المنتخبين‏، وخلفاءه المنصوصين‏ في أمّته‏، وحججاً على الخلق أجمعين، فيجب الإقرار بإمامتهم، والتسليم لهم، والانقياد لأمرهم، والأخذ بقولهم، ويكون الرادّ عليهم كالرادّ على الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم، والرادّ على الرّسول كالرادّ على الله تعالى، وهم اثنا عشر إماماً، قد جاء النصّ على عددهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث صحيحة اتفق المسلمون‏ على روايتها. 
 
فعن جابر بن سمرة، أنّه سمع النبيّ يقول: "لا يزال الدّين قائماً حتّى تقوم الساعة، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش"1.



1  الخصال, ص473، باب الاثني عشر، الحديث 29, مناقب آل أبي طالب, ج1, ص289, مسند أحمد, ج6, ص93، الحديث 20319, صحيح مسلم, ج 3, ص1453، الحديث 1822, المعجم الكبير, ج2, ص199، الحديث 1809, كنز العمّال, ج12, ص33، الحديث 33855.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
153

143

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وعن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "يكون بعدي عدّة نقباء موسى عليه السلام"1.

 
وعن الحمويني بإسناده عن عبد الله بن عبّاس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون"2.
 
وعن جابر بن يزيد الجعفيّ، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول: لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ﴾، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ 
 
فقال عليه السلام: "هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين (من) بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن والحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، 



1  الخصال: ص511، أبواب الاثني عشر، الحديث 10, الغيبة للطوسي, ص133، الحديث 97, الجامع الصغير, ج1, ص350، الحديث 2297، مع اختلاف يسير, كنز العمّال, ج6, ص89، الحديث 14971، ولكن ورد فيه: "إنّ عدّة الخلفاء بعدي"، والمصدر نفسه 12: 33، الحديث 33859، مع اختلاف يسير. 
2  فرائد السمطين, ج2, ص99، باب 31، الحديث 425، ورواه الصّدوق في كمال الدّين وتمام النعمة, ج1, ص280، باب 24، الحديث 28.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
154

144

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وكنيّي، حجّة الله في أرضه، وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن عليّ، ذاك الّذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان"، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ 

 
فقال عليه السلام: "إي والّذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيؤون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب. يا جابر، هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلّا عن أهله"1.
 
والحاصل: أنّ من نظر في مجموع الروايات الكثيرة الواردة في‏ هذا المجال يجد: أنّها قد أخذت أوصافاً وعناوين خاصّة لا تنطبق إلّا على‏ الأئمّة الاثني عشر المعروفين عليهم السلام، ولا تصدق على غيرهم، وهذا بنفسه يعدّ من معجزات صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم وإخباره عن المغيّبات.
 
الرابعة: بمقتضى علوّ شأنهم وفضلهم، ورفعة كرامتهم عند الله عزّ وجلّ، وكونهم أئمّةً وهادين للخلق، فقد منحهم الله 



1 كمال الدّين, ج1, ص253، باب 23، الحديث 3, أعلام الورى, ج2, ص181, كشف الغمّة, ج2, ص1005، مع اختلاف يسير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
155

145

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 تعالى علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فورّثهم علم الكتاب الّذي فيه تفصيل كلّ شيء، وعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولمّا كان صلى الله عليه وآله وسلم أعلم من جميع الأنبياء والمرسلين فهم عليهم السلام أيضاً كذلك، وقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الحديث المتواتر- قوله: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب"1.

 
وعن أبان بن تغلب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنّة ربّي، جنّة عدن غرسها بيده، فليتولّ عليّاً، وليتولّ وليّه، وليعاد عدوّه، وليأتمّ بالأوصياء من بعده، فإنّهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم الله فهمي وعلمي. إلى الله أشكو من أمّتي المنكرين لفضائلهم، القاطعين فيهم صلتي. وأيم الله ليقتلنّ ابني، لا أنالهم الله شفاعتي"2.
 
وعن بريد بن معاوية، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ﴿قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾3، قال:



1 شرح الأخبار, ج1, ص89، الحديث 2, المستدرك على الصحيحين, ج3, ص127, الجامع الصغير, ج1, ص415، الحديث 2705, كنز العمّال, ج11, ص600، الحديث 32890. 
2 بصائر الدرجات, ج1, ص73، باب22، الحديث 5, الكافي, ج1, ص266، كتاب الحجّة، باب ما فرض الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الكون مع الأئمّة عليهم السلام، مع اختلاف يسير, كنز العمّال, ج12, ص103، الحديث 34198، مع اختلاف في بعض ألفاظه.  
3 سورة الرّعد، الآية: 43.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
156

146

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 "إيّانا عنى، وعليّ عليه السلام أوّلنا، وعليّ أفضلنا وخيرنا بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم"1.

 
وعن مثنّى، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾2، قال: "نزلت في عليّ عليه السلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وفي الأئمّة بعده"3
 
وعن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: "ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّه جمع القرآن كلّه - ظاهره وباطنه - غير الأوصياء"4.
 
والحاصل: أنّهم‏ - صلوات الله عليهم أجمعين - هم الواقفون على ظاهر الكتاب وباطنه، والعارفون بناسخه ومنسوخه‏، ومحكمه ومتشابهه، ومجمله ومفصّله، وعامّه وخاصّه، ومطلقه ومقيّده، وعندهم علم الأنبياء والرسل، وعندهم علم جدّهم صلى الله عليه وآله وسلم، وعندهم الجفر والجامعة وغيرهما، والأخبار بذلك وغيره - من أنواع علومهم عليهم السلام - فوق التواتر، فمن أرادها



1 بصائر الدرجات, ج5, ص283، باب 1، الحديث 12، والمصدر نفسه, ج5, ص284، باب 1، الحديث 20, الكافي, ج 1, ص286، كتاب الحجّة، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام عندهم جميع الكتب الّتي نزلت من عند الله عزّ وجلّ، الحديث 6, مناقب آل أبي طالب, ج4, ص400، وفيه: يزيد ابن معاوية, وسائل الشيعة, ج27, ص181، باب 13 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15. 
2 سورة الرّعد، الآية: 43.
3 بصائر الدرجات, ج5, ص282، باب 1، الحديث 10.
4 المصدر السابق, ج4, ص256، باب 6، الحديث 1, الكافي, ج1, ص284، كتاب الحجّة، باب 91، الحديث 2، وفيه: "إنّ عنده جميع القرآن كلّه" بدل "إنّه جمع القرآن كلّه".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
157

147

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 فليطلبها في كتاب "بصائر الدرجات" للصفّار1، و"الكافي" للكليني2‏، وغيرهما من الكتب.

 
الخامسة: أنّ الله - تبارك وتعالى - جعل قلوب بعض الناس - وهم المؤمنون الطيّبون الطاهرون - تحنّ إليهم بالحبّ والولاء، وتشتاق إلى لقائهم في الدنيا والآخرة، وهذا الحنين والشوق إنّما نشأ من عالم الذّر، وعالم الأرواح، وعالم الطينة، لأنّ أبدان وأرواح محبّيهم وشيعتهم مخلوقة من فاضل طينتهم عليهم السلام. 
 
فعن أبي حمزة الثماليّ، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "إنّ الله عزّ وجلّ خلقنا من أعلى علّيّين، وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا منه، وخلق أبدانهم من دون ذلك، وقلوبهم تهوي إلينا، لأنّها خلقت ممّا خلقنا منه - ثمّ تلا هذه الآية - ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾3، وخلق عدوّنا من سجّين، وخلق قلوب شيعتهم ممّا خلقهم منه، وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم، لأنّها خلقت ممّا خلقوا منه - ثمّ تلا هذه الآية - ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ *  كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾4.



1 بصائر الدرجات,ج3, ص208 219، باب 14.
2 الكافي, ج1, ص294 298، كتاب الحجّة، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام. 
3 سورة المطفّفين، الآية: 18 21.
4 الكافي, ج2, ص6، كتاب الإيمان والكفر، باب طينة المؤمن والكافر، الحديث 4.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
158

148

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وعن حنان بن منذر، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّ الله عجن طينتنا وطينة شيعتنا، فخلطنا بهم، وخلطهم بنا، فمن كان في خلقه شيء من طينتنا حنّ إلينا، فأنتم - والله - منّا"1.

 
والروايات الّتي تشير إلى العلاقة بين أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم كثيرة:
فعن سلام الخثعمي، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام، فقلت: يابن رسول الله، قول الله تعالى: ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾2، قال: "يا سلام، الشجرة محمّد، والفرع عليّ أمير المؤمنين، والثمر الحسن والحسين، والغصن فاطمة، وشعب ذلك الغصن الأئمّة من ولد فاطمة عليها السلام، والورق شيعتنا ومحبّونا أهل البيت..."3.
 
وعن مينا بن أبي مينا مولى عبد الرّحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها"، وزاد عبد الرزّاق: "وشيعتنا ورقها. الشجرة أصلها في جنّة عدن، والفرع والورق والثمر في الجنّة"4.




1 بصائر الدرجات, ج1, ص29، باب 9، الحديث 8. 
2 سورة إبراهيم، الآية: 24. 
3 شواهد التنزيل, ج1, ص406، الحديث 428. 
4 أمالي الطوسي, ص610، المجلس 28، الحديث 10, بحار الأنوار, ج35, ص31, المستدرك على الصحيحين, ج3, ص160، مع اختلاف يسير, شواهد التنزيل, ج1, ص408، الحديث 431، مع اختلاف يسير.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
159

149

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 وعن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم"، قال: قلت: جعلت فداك، ما أوّل النعم؟ قال: "طيب الولادة..."1.

 
وعن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه، قال: كنّا ننور أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب، فإذا رأينا أحداً لا يحبّ عليّ بن أبي طالب علمنا: أنّه ليس منّا، وأنّه لغير رشده2.
 
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "معاشر الأنصار، اغدو أولادكم على محبّة عليّ"، قال جابر: كنّا نبور أولادنا في وقعة الحرّة (كذا) بحبّ عليّ، فمن أحبّه علمنا أنّه من أولادنا، ومن أبغضه أشفينا منه3.
 
وعن أنس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهر عليّاً يوم خيبر فقال: "يا أيّها النّاس، امتحنوا أولادكم بحبّه، فإنّ علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدىً، فمن أحبّه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم"4.
 
وعن ابن الزبير، عن جابر: أمرنا رسول الله: أن نعرض أولادنا على حبّ عليّ بن أبي طالب5.



1 تهذيب الأحكام, ج4, ص125، باب 39، الحديث 401, وسائل الشيعة, ج9, ص547، باب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 10.
2 تاريخ دمشق, ج42, ص287.
3 شواهد التنزيل, ج1, ص343، الحديث 475. 
4 تاريخ دمشق, ج42, ص288. 
5 ميزان الاعتدال, ج1, ص506 / 1904, لسان الميزان, ج2, ص271/2530.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
160

150

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 السادسة: أنّ حجّة الله في أرضه وخليفته على عباده‏ الإمام الصّادق عليه السلام قد دعا لزوّار قبر الحسين عليه السلام بدعاء خاصّ لهم، ينبغي للمؤمنين‏ أن يغتنموه، وهو يدلّ على لزوم شدّة الاهتمام بإحياء ذكرى استشهاد سيّد الشهداء عليه السلام، والمواظبة على زيارته من قريب وبعيد.

 
السابعة: أنّ قوله عليه السلام: "رغبة في برّنا" يدلّ على: استحباب الإنفاق‏ والبذل في كلّ ما يمت بصلة برّ إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام، سواء كان في الزيارة أو غيرها، بل عموم التعليل في قوله عليه السلام: "رغبة في برّنا، ورجاء لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم" شامل للشعائر الحسينيّة بمختلف أشكالها، من إقامة مجلس العزاء، وإنشاء الشعر وإنشاده في مدحهم ومصيبتهم عليهم السلام، والبكاء، ولطم الخدود والصدور، ولبس السواد، والخروج إلى الشوارع والطرقات على شكل كراديس منتظمة للدلالة على عظم المصاب، وإخراج التشابيه، إلى غير ذلك من صور وأشكال العزاء الحسينيّ، وشموله مشروط بعدم كون الفعل محرّماً في نفسه، أو مستلزماً لمحرّم، أو صار محرّماً بالعنوان الثانويّ.
 
الثامنة: يدلّ قوله عليه السلام: "وغيظاً أدخلوه على عدوّنا" على: أنّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
161

151

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 هذه المجالس والشعائر الحسينيّة - الّتي فيها ذكر لمصائب محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وبيان لمظلوميّتهم - كالسهام في عيون أعداء آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وكالرماح المشرعة في وجوههم، لأنّ فيها تعريتهم وتقريعهم وخزيهم وفضيحتهم وكشف بدعهم وانحرافهم‏، لذا تجدهم يبذلون أقصى جهدهم للطعن والاستهزاء والسخرية، والتشكيك في هذه المجالس. 

 

 
التاسعة: يدلّ قوله عليه السلام: "اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا" على: أنّ أعداء الله عزّ وجلّ وأعداء آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم يعيبون على شيعة أهل البيت عليهم السلام ومواليهم‏ قيامهم بالأعمال الّتي رسمها لهم أهل البيت عليهم السلام، ليرفعوا ما يوجب التشهير والتنديد بهم بين الملأ جهاراً نهاراً، فهم يريدون ليطفئوا نور الله بمكرهم، ولكنّ الله شاء غير ما يشاؤون، ودبّر غير ما يدبّرون، فقد أراد الله لهذه المجالس الحسينيّة والمواكب العزائيّة أن تبقى إلى يوم القيامة، كما تذكر الصدّيقة الطاهرة زينب الكبرى عليها السلام بما سمعته عن أمّ أيمن، عن جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقولها - وهي تحدّث الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام -: "ينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور










 
 
 
162

152

الفصل الثاني كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

 الليالي والأيّام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً، وأمره إلّا علوّاً"1.

 
وفعلاً كان كما أخبر به صلى الله عليه وآله وسلم.
 
وهذه إحدى معاجزه الظاهرة الدالّة على صدقه، وأنّ ما جاء به من عند الله تعالى لا من عند نفسه. 
 
أضف إلى ذلك فإنّ زينب الكبرى عليها السلام قد أقسمت ببقاء ذكر أهل البيت عند مخاطبتها يزيد قائلة: "فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا"2.
 
وعليه فمن اللازم على شيعة أهل البيت عليهم السلام ومواليهم - زادهم الله عزّاً وشرفاً - الإكثار من إقامة هذه المجالس، والحضور فيها، والإنفاق عليها لأجل تشييدها على أحسن وجه، وأتمّ نظام، وعدم الإصغاء إلى تشكيكات المشكّكين وأغراض المنحرفين.
 
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين3.



1 بحار الأنوار, ج45, ص179، باب 39، الحديث 30.
2 المصدر السابق, ص135، باب 39، الحديث 1.
3 الداوري الشيخ مسلم, زيارة عاشوراء تحفة من السماء, ص 324 339 بتصرف قليل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
163

153

الفهرس

 الفهرس

5

المقدّمة

7

عملنا في الكتاب

9

تمهيد نظرة حول الشعائر الحسينيّة

9

الشعيرة والشعائر

11

الشعائر الحسينيّة

13

الشعائر تنوّعها وأشكالها

15

الخطوط العامّة لتوجيه الشعائر الحسينيّة

17

الإمام الخميني قدس سره والشعائر الحسينيّة

18

1- التأكيد على ضرورة إحياء مجالس العزاء

19

2- التوجّه إلى البعد السياسيّ لمجالس العزاء

20

3- صنع النماذج والنخب القياديّة والجهاديّة

22

الإمام الخامنئيّ والشعائر الحسينيّة

24

لماذا إقامة الشعائر الحسينيّة؟ وكيف تقام؟

27

الفصل الأوّل: لماذا إقامة العزاءعلى سيّد الشهداء عليه السلام؟

29

تمهيـــــد

33

إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام تأسيّاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام

 

 

 

 

 

 

 

165


154

الفهرس

 

33

- التأسّي بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

36

- التأسّي بأمير المؤمنين عليه السلام

38

- التأسّي بالسيّدة الزهراء عليها السلام

40

- التأسّي بالإمام الحسن المجتبى وبكاؤه على أخيه عليهما السلام

41

 - التأسّي بالإمام السجّاد عليه السلام

46

 - التأسّي بالإمام الباقر عليه السلام

46

 - التأسّي بالإمام الصادق عليه السلام

48

 - التأسّي بالإمام الكاظم عليه السلام

49

 - التأسّي بالإمام الرضا عليه السلام

51

 - التأسّي بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

53

العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام إحياءٌ لأمر أهل البيت عليهم السلام

54

إحياء شعائر سيّد الشهداء عليه السلام مظهر تبلْور المحبّة لأهل البيت عليهم السلام

57

إحياء الشعائر موجبٌ لأداء حقّ أهل البيت عليهم السلام

60

دعاء أهل البيت عليهم السلام لمقيمي العزاء ومن يحيي الشعائر

62

إحياء الشعائر الحسينيّة موجبٌ لهداية الناس وحفظ وإحياء رسالة عاشوراء

63

إحياء شعائر سيّد الشهداء عاملٌ لإحياء الدّين

64

إحياء الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام تلبية لطلب النصرة

66

مواجهة أعداء الله بإقامة الشعائر والعزاء

67

إحياء الشعائر برجاء الثواب والمغفرة

69

إحياء أمرهم عليهم السلام يوجب حضور المعصومين عليهم السلام عند الموت

70

إقامة الشعائر الحسينيّة موجبة لنيل شفاعة المعصومين عليهم السلام

 

 

 

 

 

 

 

 

166


155

الفهرس

 

73

الفصل الثاني: كيفيّة إقامة الشعائر والعزاء على سيّد الشهداء عليه السلام

75

تمهيـــــد

78

1- إقامة مجالس العزاء

84

2-  قراءة المصائب والمراثي في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام

84

الله تعالـــى يخبــر النبــيّ إبراهيم عليه السلام بمصيبة الحسين عليه السلام

85

والنبيّ موسى عليه السلام

86

النبيّ زكريا عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام

86

جبرائيل يخبر النبيّ آدم عليه السلام بمصيبة الحسين عليه السلام

87

جبرائيل يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمصيبة الحسين عليه السلام في ليلة المعراج

88

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومصيبة الحسين عليه السلام

91

أمير المؤمنين عليه السلام ومصيبة سيّد الشهداء عليه السلام

91

مصيبة الإمام الحسين عليه السلام على لسان أخيه الإمام الحسن عليه السلام

92

الإمام الحسين عليه السلام يرثي نفسه

95

مراثي السيّدة زينب الكبرى عليها السلام

97

مراثي الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في عزاء جدّه الإمام الحسين عليه السلام

99

3- الإبكاء في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام

101

4- البكاء على مصائب سيّد الشهداء عليه السلام

109

5- الجزع والحزن في عزاء سيّد الشهداء

112

6- التباكي على الإمام الحسين عليه السلام

 

 

 

 

 

 

 

167


156

الفهرس

 

114

7- لطم الصدور في عزاء سيّد الشهداء  عليه السلام

118

8- زيارة سيّد الشهداء عليه السلام

125

9- المشي إلى الزيارة

127

10- نظم الشعر والنثر في مصاب سيّد الشهداء عليه السلام

133

11- لبس السواد في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام

137

12- تربة سيّد الشهداء عليه السلام (التربة الحسينيّة)

138

السجدة على تربة سيّد الشهداء عليه السلام

138

التسبيح بتربة سيّد الشهداء عليه السلام

139

الاستشفاء بتربة سيّد الشهداء عليه السلام

140

التبرّك بتربة سيّد الشهداء عليه السلام

141

تربة سيّد الشهداء عليه السلام حرز وأمان

142

تحنيك المولود بتربة سيّد الشهداء عليه السلام

142

وضع التربة في حنوط الميت وقبره

143

تربة كربلاء المقدّسة

143

13-شرب الماء وتذكر عطش سيّد الشهداء عليه السلام

144

14- إطعام الطعام عن روح سيّد الشهداء عليه السلام

148

15- فضل سقي الماء

149

خاتمة

149

في فوائد من دعاء الإمام الصّادق عليه السلام لزوّار جدّه الإمام الحسين عليه السلام

 

 

 

 

 

 

 

 

168


157
الشعائر الحسينية – إحياؤها وأبعادها