المقدمة
المقدّمة
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
تتصدّر مسألة (حقوق المرأة) معظم القضايا والمسائل المطروحة للنقاش والبحث في عالمنا المعاصر.
وهذا البحث يهدف إلى طرح موضوع المرأة حقوق وأدوار وذلك من أجل إبراز الصورة الحقيقيّة والمشرقة للمرأة وحقوقها في الإسلام، ولكي تتعرّف المرأة المسلمة على
حقوقها الشرعيّة لتتمكّن من أن تنهض بدورها العظيم في المجتمع.
يقول الإمام الخميني دام الله ظله: "ولو جرّدوا الأمم من النساء الشجاعات والمربّيات للإنسان، فسوف تُهزم هذه الأمم وتؤول إلى الانحطاط"1.
والجدير بالذكر، أن نُشير إلى أنّ معظم مادّة هذا
1- صحيفة الإمام، ج6، ص238، من حديث له في جمع من نساء قم، بتاريخ 6/3/1979م.
7
2
المقدمة
البحث من أفكار وآراء، قد تمّ اقتباسها وتهذيبها من جملة مصادر ومراجع تناولت مسألة مكانة المرأة وحقوقها في الإسلام، نذكر
منها:
نظام حقوق المرأة في الإسلام/الشهيد مرتضى المطهّري.
المرأة في مرآة الجلال والجمال/الشيخ جوادي آملي.
أسئلة وردود/الشيخ محمّد تقي المصباح اليزدي.
المرأة في ظلّ الإسلام/ الشيخ عبد الأمير الجمري.
ثلاثون سؤالاً وشبهة حول المرأة/مكتب الإمام الخامنئي دام الله ظله في سوريا.
نسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يكون هذا البحث بمثابة نافذة نُطلُّ منها على عظمة الإسلام من زاوية حقوق المرأة في الإسلام. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
مركز نون للتأليف والترجمة
8
3
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
تمهيد
لقد اهتمّ الإسلام العزيز بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدّ الّذي أنزلت سورة طويلة مسمّاة باسم "النساء" في القرآن الكريم. وهذا يدلّ على خطورة وأهمّية العنصر النسائي
في المجتمع الإنساني، وعلى اهتمام الإسلام بهذا العنصر، إلّا أنّ التاريخ والحاضر قد ظلمها، ولم يلتفت إلى خطورة دورها، فأنقص حقوقها وهدرها. ونحن ذاكرون بعض
حقوق المرأة العامّة في الإسلام، عسى أن يكون ذلك دافعاً لردّ بعض الشبهات الّتي قد تعتري بعض الناس حول وضع المرأة في الإسلام.
1 - حقُّ الإرث والدية
يُثير بعض الناس شبهة، تقول: إنّ الدِّين الإسلاميّ قد اضطهد المرأة، وظلمها عندما جعل حظّها من الميراث نصف حظّ الرجل، كما جعل ديتها في القتل نصف ديته، وهذا
معناه أنّ قيمة الرجل في الإسلام أعظم من قيمة المرأة؟!
11
4
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
أ - حقُّ الإرث
الجواب: إنّه كما كانت المرأة في العصر الجاهليّ لا يحقّ لها الإرث، بل كانوا يعتبرونها جزءاً من إرث الرجل الميت، فيورِّثها أبناءه، كذلك كانت المرأة الأوروبيّة في القرون الوسطى وحتّى عصر النهضة في القرن التاسع عشر، محرومة من الإرث.
ولكن عندما جاء الإسلام قرّر للمرأة الحقّ في الإرث، وأنّها ليست مالاً كي تورَّث. قال تعالى: ﴿وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾1.
فعلى ضوء هذه الآية الكريمة تمّ تثبيت حقّ المرأة بالإرث، وفي آية أخرى حدّد الله تعالى سهم المرأة بقوله: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾2 ؛ أي أنّ سهم المرأة من الإرث يُعادل نصف سهم الرجل، فالولد الذكر يرث ضعف ما ترثه البنت، ويرث الأخ ضعف ما ترثه الأخت، ويرث الزوج ضعف ما ترثه زوجته... ولكنّ هذا كلّه من حيث المبدأ، إلّا أنّه قد تختلف حصّة الرجل والمرأة في بعض فروع موارد الإرث ومشتقّاتها، بحيث إنّهما يتساويان أحياناً 3، بل
1-النساء: 7.
2-النساء: 11.
3-أي أنّ الاختلاف في الميراث هو في إرث الأولاد والزوجين، أمّا الأبوان فإنّهما يتساويان فيه، إذ نصيب كلِّ واحد منهما السدس ممّا ترك الولد.وهكذا في حالات أخرى.
12
5
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
وتزيد حصّة المرأة على حصّة الرجل في موارد أخرى. على أيّة حال ليست حصّة الرجل ضعف حصّة المرأة على الدوام.
وأمّا سبب تحديد الإسلام سهم المرأة ـ زوجةً أو أختاً أو بنتاً ـ بنصف سهم الرجل، فهو يعود إلى الوضع الخاصّ بالمرأة في المهر والنفقة. حيث لم يفرض عليها أيّ نفقة أو مهر، فعندما تكون تحت كنف أبيها تجب نفقتها عليه، وبعد أن تنتقل إلى كنف الزوج لا تتحمّل من نفقات حياتها وأسرتها أيّ شيء، بل أوجب الإسلام على زوجها نفقتها ما دامت على عاتقه، كما فرض على الرجل صِداقها ومهرها.
ومن هنا، فما يصل إليها من الميراث يبقى لها وتصرفه فيما تشاء أو تدّخره، بينما ما يأخذه الرجل يُنفقه عليها وعلى عياله، لذا اقتضت الحكمة الإلهيّة أن يُوزّع الميراث للرجل مثل حظّ الأنثيين، تعويضاً له عمّا يُنفقه ويبذله على أسرته.
يقول السيّد الطباطبائي في معرض تفسيره لآية ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾:
"إنّ التأمّل في سهام الرجال والنساء في الإرث يفيد أنّ سهم المرأة ينقص عن سهم الرجل في الجملة إلّا في الأبوين فإنّ سهم الأمّ قد يربو على سهم الأب بحسب الفريضة ولعلّ تغليب جانب الأمّ على جانب الأب أو تسويتهما لكونها في الإسلام أمسّ رحماً بولدها
13
6
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
ومقاساتها ككلّ شديدة في حمله ووضعه وحضانته وتربيته، قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾1 وخروج سهمها عن نصف ما للرجل إلى حدّ المساواة أو الزيادة تغليب لجانبها قطعاً.
وأمّا كون سهم الرجل في الجملة ضعف سهم المرأة فقد اعتبر فيه فضل الرجل على المرأة بحسب تدبير الحياة عقلاً وكون الإنفاق اللازم على عهدته، قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾2 والقوام من القيام وهو إدارة المعاش، والمراد بالفضل هو الزيادة في التعقّل فإنّ حياته حياة تعقّلية وحياة المرأة إحساسية عاطفية، وإعطاء زمام المال يداً عاقلة مدبّرة أقرب إلى الصلاح من إعطائه يداً ذات إحساس عاطفي.
و هذا الإعطاء والتخصيص إذا قيس إلى الثروة الموجودة في الدنيا المنتقلة من الجيل الحاضر إلى الجيل التالي يكون تدبير ثلثي الثروة الموجودة إلى الرجال وتدبير ثلثها إلى النساء فيغلب تدبير التعقّل على تدبير الإحساس والعواطف فيصلح أمر المجتمع وتسعد الحياة.
1-الاحقاف:15
2-النساء:34
14
7
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
و قد تدورك هذا الكسر الوارد على النساء بما أمر الله سبحانه الرجل بالعدل في أمرها الموجب لاشتراكها مع الرجل فيما بيده من الثلثين فتذهب المرأة بنصف هذين الثلثين من حيث المصرف، وعندها الثلث الّذي تتملّكه وبيدها أمر ملكه ومصرفه.
وحاصل هذا الوضع والتشريع العجيب أنّ الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصرف فللرجل ملك ثلثي ثروة الدنيا وله مصرف ثلثها، وللمرأة ملك ثلث الثروة ولها مصرف ثلثيها، وقد لوحظ في ذلك غلبة روح التعقّل على روح الإحساس والعواطف في الرجل، والتدبير المالي بالحفظ والتبديل والإنتاج والاسترباح أنسب وأمسّ بروح التعقّل، وغلبة العواطف الرقيقة والإحساسات اللطيفة على روح التعقّل في المرأة، وذلك بالمصرف أمسّ وألصق؛ فهذا هو السرّ في الفرق الّذي اعتبره الإسلام في باب الإرث والنفقات بين الرجال والنساء.
وينبغي أن يكون زيادة روح التعقّل بحسب الطبع في الرجل ومزيته على المرأة في هذا الشأن هو المراد بالفضل الّذي ذكره الله سبحانه في قوله عزّ من قائل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهمْ
15
8
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
عَلَى بَعْضٍ﴾61 الآية، دون الزيادة في البأس والشدّة والصلابة فإنّ الغلظة والخشونة في قبيل الرجال وإن كانت مزية وجوديّة يمتاز بها الرجل من المرأة وتترتّب عليها في المجتمع الإنساني آثار عظيمة في أبواب الدفاع والحفظ والأعمال الشاقّة وتحمّل الشدائد والمحن والثبات والسكينة في الهزاهز والأهوال، وهذه شؤون ضروريّة في الحياة لا يقوم لها قبيل النساء بالطبع.
لكنّ النساء أيضاً مجهّزات بما يقابلها من الإحساسات اللطيفة والعواطف الرقيقة الّتي لا غنى للمجتمع عنها في حياته، ولها آثار هامّة في أبواب الأنس والمحبّة والسكن والرحمة والرأفة وتحمّل أثقال التناسل والحمل والوضع والحضانة والتربية والتمريض وخدمة البيوت، ولا يصلح شأن الإنسان بالخشونة والغلظة لولا اللينة والرقّة، ولا بالغضب لولا الشهوة، ولا أمر الدنيا بالدفع لولا الجذب.
وبالجملة هذان تجهيزان متعادلان في الرجل والمرأة تتعادل بهما كفّتا الحياة في المجتمع المختلط المركّب من القبيلين، وحاشاه سبحانه أن يحيف في كلامه أو يظلم في حكمه أم يخافون أن يحيف الله عليهم، ولا يظلم ربّك أحداً وهو القائل: ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾2 وقد أشار
1-النساء:34
2-ال عمران:195
16
9
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
إلى هذا الالتيام والبعضيّة بقوله في الآية: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهمْ عَلَى بَعْضٍ﴾.
و قال سبحانه أيضاً: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ *وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾1 فانظر إلى عجيب بيان الآيتين حيث وصف الإنسان وهو الرجل بقرينة المقابلة بالانتشار وهو السعي في طلب المعاش، وإليه يعود جميع أعمال اقتناء لوازم الحياة بالتوسّل إلى القوّة والشدّة حتّى ما في المغالبات والغزوات والغارات ولو كان للإنسان هذا الانتشار فحسب لانقسم أفراده إلى واحد يكرّ وآخر يفرّ.
لكنّ الله سبحانه خلق النساء وجهّزهنّ بما يوجب أن يسكن إليهنّ الرجال وجعل بينهم مودّة ورحمة فاجتذبن الرجال بالجمال والدلال والمودّة والرحمة، فالنساء هنّ الركن الأوّل والعامل الجوهري للاجتماع الإنساني.
ومن هنا ما جعل الإسلام الاجتماع المنزلي وهو الازدواج هو الأصل في هذا الباب قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
1-الروم:20-21
17
10
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾1 ، فبدأ بأمر ازدواج الذكر والأنثى وظهور التناسل بذلك ثمّ بنى عليه الاجتماع الكبير المتكوّن من الشعوب والقبائل.
و من ذيل الآية يظهر أنّ التفضيل المذكور في قوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ الآية، إنمّا هو تفضيل في التجهيز بما ينتظم به أمر الحياة الدنيوية أعني المعاش أحسن تنظيم، ويصلح به حال المجتمع إصلاحاً جيّداً، وليس المراد به الكرامة الّتي هي الفضيلة الحقيقية في الإسلام وهي القربى والزلفى من الله سبحانه فإنّ الإسلام لا يعبأ بشيء من الزيادات الجسمانية الّتي لا يستفاد منها إلّا للحياة المادّية وإنمّا هي وسائل يتوسّل بها لما عند الله.
فقد تحصّل من جميع ما قدّمنا أنّ الرجال فضّلوا على النساء بروح التعقّل الّذي أوجب تفاوتاً في أمر الإرث وما يشبهه لكنّها فضيلة بمعنى الزيادة وأمّا الفضيلة بمعنى الكرامة الّتي يعتني بشأنها الإسلام فهي التقوى أينما كانت2.
ب - حقُّ الديَّة:
الديّة هي عبارة عن عوض ماليٍّ عن الإنسان المقتول
1-الحجرات:13
2-تفسير الميزان:العلامة الطبطبائي,ج4,ص217
18
11
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
سواء كان ذكراً أو أنثى، وتكون في الوقت نفسه جزاء وعقوبة للقاتل، كي يرتدع الناس عن اقتراف القتل.
ولكنّ الإسلام قد جعل ديّة المرأة نصف ديّة الرجل، وهذا الجعل والتشريع لا ينطلق من زاوية احتقار الإسلام للمرأة، ولا من زاوية عدم اعتبار قيمتها الإنسانيّة كما يتوهّم البعض.
بل المسألة هي خلاف ذلك تماماً، ويعود إلى أسباب وعلل أخرى، منها:
إنّ جسم الرجل أقوى من جسم المرأة، وبه يؤمّن نفقة العيال، ويتحمّل اقتصاد البيت، لذا فإنّ قتل الرجل ـ في الحقيقة ـ قتل لأسرته؛ لأنّه مصدر لرزقها واحتياجاتها، فلذلك كانت ديته ضعف دية المرأة، تغطية لنفقات أسرته، وجبراً لما فاتها من خيره وكسبه، بينما قتل المرأة لا يؤثّر على الأسرة من الناحية الماليّة والاقتصاديّة بشيء؛ لأنّ قيام الأسرة ونفقتها ليس على ذمّتها، فكانت ديّتها تعويضاً عن قتلها فقط.
وربّ قائل يقول: إنّ النساء في هذا العصر يُشاركن بشكل فعّال في كثير من الحقول الاقتصاديّة إلى جانب الرجل، فهل دية هؤلاء النسوة على النصف من دية الرجل أيضاً أم أنّهنّ يتساوين مع الرجل؟!
الجواب: إنّ تشريع القانون الإلهيّ يُلاحَظ فيه الحالات العامّة والغالبة، لا الحالات الفرديّة المحدودة،
19
12
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
ولا شكّ في أنّ مجموع الرجال في أيّ مجتمع ـ حتّى في عصرنا هذا ـ أكثر فعّاليّةً ونشاطاً من مجموع النساء. لذا القانون يُطبّق على كلّ الأفراد بلا استثناء حتّى أولئك الّذين لا تتوفّر فيهم حكمة القانون وغاياته، كالرجال غير المتزوِّجين مثلاً.
2- حقُّ التعلُّم
إنّ طلب العلم واكتساب المعرفة والثقافة في الإسلام لا يقتصر على الرجال دون النساء، بل هي دعوة إلى الجميع ومن حقِّ الجميع. فعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم" : طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم ومسلمة"1.
وعنه صلى الله عليه واله وسلم ـ أيضاً ـ قال: "من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها، وعلّمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم الله الّتي أسبغ عليه كانت له منعة وستراً من النار"2.
إذاً من حقِّ المرأة في الإسلام طلب العلم والتزوُّد بالمعرفة، فهذه هي السيِّدة الزهراء عليها السلام قدوة نساء العالمين، كان من ألقابها العالمة.
ولكنّ السؤال: ما هي ضوابط وأولويّات التعلُّم بالنسبة للمرأة؟
1-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص 177.
2-المتقي الهندي، كنز العمال، ج 16، ص 452.
20
13
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
الجواب:
أ- إنّ الإسلام عندما أعطى المرأة حقَّ طلب العلم، فإنّه أراد منها أن يكون ذلك في ظلِّ التمسُّك بحجابها ومراعاة الأحكام الشرعيّة، وعدم التأثُّر بالدعايات الباطلة الّتي تقول بأنّ العلم يتعارض مع حجابها ودينها.
ب- يرى الإسلام ضرورة تعلُّم المرأة وأهميّته، وذلك لجهة ما له من أثرٍ عظيم في تربية أجيال الأمّة. يقول الإمام الخميني دام ظله": إنّ المرأة كالقرآن كلاهما أوكل إليه مهمّة صنع الإنسان".
من هنا كان من أولويّات طلب العلم بالنسبة للمرأة، هو التزوُّد بالمعارف الإسلاميّة (كالعقائد والفقه والأخلاق)، وبالتحديد كلّ ما يتعلّق بالحياة الزوجيّة والأسريّة.
ج- كما أنّ من أولويّات طلب العلم بالنسبة للمرأة، هو التخصُّص في العلوم الّتي تتعلّق بالنساء، كالتخصُّص في الطبِّ بكافّة مجالاته وفروعه، حيث يترتّب على ذلك أثر مهمّ في المجتمع، ويدفع عن النساء الحرج والاضطرار وعدم الذهاب إلى الرجل مع وجود امرأة طبيبة.
د- أمّا بالنسبة لتعلُّم الفنون: كالخطّ، والرسم، والحياكة وما شابه ذلك، فإنّه لا مانع منه في الإسلام، كما لا يمنع الإسلام المرأة من حقِّ ممارسة الرياضة.
21
14
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
نعم، هناك بعض الفنون أو الألعاب الرياضية حرّم الإسلام مزاولتها، لما فيها من فساد وانحراف وتلويث للكرامة، وذلك من قبيل: الغناء والرقص... الخ.
1- حقُّ العمل والتملُّك
بالرغم من أنّ الإسلام لم يوجب على المرأة الإنفاق على نفسها أو على غيرها، لا في مرحلة وجودها في كنف أبيها، ولا حين تكون في كنف زوجها. ومع ذلك فقد أعطى الإسلام للمرأة حقّ العمل والتكسُّب والاستقلال الاقتصاديّ والماليّ عن الرجل (أباً أو زوجاً)، كما أعطاها حقّ التملُّك والتصرُّف بأموالها بصورة مستقلّة. قال تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ﴾1.
وفي حين عرفت المرأة المسلمة حقّها بالعمل والاستقلال الاقتصاديّ منذ ما قبل ألف وأربع مئة عام، فإنّ المرأة الأوروبيّة وبالتحديد الفرنسيّة، لم يُرفع الحجر عنها وعن أموالها إلّا في العام 1938م.
طبعاً، إنّ الإسلام حينما أعطى للمرأة حقّ العمل والتكسُّب، أوصاها بمراعاة الأحكام الشرعيّة والموازين الدينيّة، ومنها تجنُّب الاختلاط المحرّم، وخيرُ نموذج
1-النساء:32
22
15
الفصل الأوّل: الحقوق العامّة
للمرأة العاملة ابنتا شعيب عليه السلام بما تحملانه من عفّة وحجاب، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾1
ففي قولهما: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ تعليل لقصديهما للعمل، إذ هما لا أخ لهما ولا زوج، كما أنّ أباهما عاجز عن العمل، فأحوجهما الدهر أن تتصدّيا للعمل.
ولكنّ عملهما كان قمّة المراعاة والالتزام بالضوابط الشرعيّة، حيث ـ كما تُشير الآية ـ كانتا تعملان ولا تقفان مع الرِّعاء الأجانب حتّى لا يكون هناك اختلاط محرّم، بل تنتظران حتّى ينتهي الرجال من السقي فتسقيان.
وهنا تساؤل، ماذا لو تعارض حقّ المرأة في العمل مع حقّ الزوج في منعها من الخروج من المنزل؟
يقول الإمام الخامنئي دام الله ظله: "... الرجل يستطيع أن يمنع المرأة من الخروج من البيت بدون إذنه بشرط أن لا يكونا قد اشترطا أثناء العقد شرطاً يخالف هذا الحقّ "حقّ الزوج"... فمتى ما كان هناك شرطاً ضمن العقد فهذا بحث آخر. وإن خلا العقد من أيّ شرط فيجب على المرأة أن تطيع الرجل..."2.
1-القصص:23
2- الإمام الخامنئي دام الله ظله، مكانة المرأة في الإسلام، ص 23.
23
16
الفصل الثاني: ادوار المرأة
تمهيد
رغم أنّنا ما سنذكره في هذا الفصل حول حقوق المرأة العامّة أيضاً إلّا أنّنا برّزناه في فصل مستقل تحت عنوان أدوار المرأه لأهميّته.
حقُّ المشاركة في الفعّاليّات الاجتماعيّة والسياسيّة
أتاح الإسلام للمرأة مجالات واسعة لممارسة حقّها في المشاركة بفعّاليّة في العمل الاجتماعيّ أو السياسيّ أو الثقافيّ، نذكر منها ما يلي، وذلك إلى جانب مناقشة التساؤلات والشبهات الواردة حولها والردّ عليها:
1- المرأة ودورها في العمل الرساليّ والتبليغيّ
من أبرز تلك الفعاليّات الاجتماعيّة والثقافيّة ممارسة المرأة لدورها الرساليّ والتبليغيّ في المجتمع، وبالتحديد في الوسط النسائي، وهي مسؤوليّة لا تقتصر على النساء دون الرجال، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ
27
17
الفصل الثاني: ادوار المرأة
حَسِيبًا﴾1 ، وقوله: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾2.
فإنّه لا يخفى مدى تأثير تبليغ المرأة خصوصاً لجهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع النسائيّ، حيث إنّه توجد بعض الأحكام الشرعيّة الخاصة بالنساء يصعب على الرجل تبيينها وتبليغها لهنّ، كما يصعب عليهنّ سؤاله عنها، كأحكام الحيض والنفاس وغيرهما، وذلك لما في تلك المسائل الشرعيّة من جوانب الحياء والخجل وما شابه ذلك، وهذا بخلاف ما لو كانت المرأة هي الطرف الملمّ بتلك الأحكام الشرعيّة والمحاور للنساء، لتكون بديلاً عن الرجل في أداء دور التبليغ والبيان وشرح الأحكام الشرعيّة بين صفوف النساء، والتأثير عليهنّ في مجال الوعظ والإرشاد، بل إنّ أسلوب عرض المفاهيم الخاصّة بالنساء من جانب المرأة يتناغم مع ما تحمله من مشاعر وعواطف مشتركة مع النساء، وكلّ ذلك يحصل دون أدنى حرج أو حياء أو غيره.
وللمرأة في السيّدة الزهراء عليها السلام قدوةٌ ونموذجٌ في هذا السياق، حيث يُحدِّثنا التاريخ إنّ النبيّ صلى الله عليه واله وسلم كان كثيراً
1-الأحزاب: 39.
2-آل عمران: 104.
28
18
الفصل الثاني: ادوار المرأة
ما يعتمد على ابنته الزهراء عليها السلام في عرض أحكام الإسلام وتبليغها في المجتمع النسائيّ.
2- المرأة وحضورها في صلاة الجمعة والجماعة
لقد ورد في بعض الروايات مسألة عدم وجوب حضور المرأة صلاة الجمعة والجماعة، بما جعل البعض يتوهّم بأنّ ذلك فيه حرمان للمرأة لحقّها بالمشاركة في أهمّ فعاليّة دينيّة اجتماعيّة يُحييها المسلمون بشكل يوميّ وأسبوعيّ. ضمن تلك الروايات ما ورد في وصيّة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم للإمام عليّ عليه السلام قوله: "يا عليّ ليس على النساء جمعة ولا جماعة..."1.
نقول: إنّ الحرمان الوارد في الرواية هو في حدّ الرخصة وليس العزيمة، وبديهيّ أنّ هناك فرقاً بين الرخصة والعزيمة، فالعزيمة تعني أنّ نهياً عن شيء ورد ولا يحقّ لأحد القيام به (مثل): المسافر يجب أن لا يصلّي صلاة الظهر والعصر أو العشاء أربع ركعات، بل يُصلّيها ركعتين وجوباً وهذا ما يُسمّى اصطلاحاً بـ(العزيمة)؛ أي يجب الإطاعة والالتزام بالتكليف الشرعيّ. أمّا (الرخصة) فهي رفع الوجوب عن عمل ما، بدون أن يكون قد حُرّم هذا العمل، فمثلاً: كما هي نقطة بحثنا
1-الصدوق، الخصال، ص 511.
29
19
الفصل الثاني: ادوار المرأة
هنا، وهي مسألة حضور المرأة صلاة الجمعة، فإن قيل ليس واجباً عليها الحضور والمشاركة في صلاة الجمعة، فذلك لا يعني أنّها إذا حضرت فإنّ حضورها وصلاتها لن يكون مقبولاً أو ليس لها فضيلة وأمثال ذلك.
طبعاً، يعود هذا الأمر إلى إعفاء المرأة من بعض التكاليف الصعبة والشاقّة، والّتي تتطلّب جهداً وتعباً يفوق طبيعتها وتكوينها. فصلاة الجمعة هي من تلك التكاليف الّتي تتطلّب ـ في الأغلب الأعمّ ـ قطع مسافة بعيدة قد تُجهد المرأة وتُتعبها، حيث إنّه من المعلوم لنا بأنّ من أحكام صلاة الجمعة وشروط صحّتها، أن لا يكون هناك مسافة أقلّ من فرسخ1 بين موقع صلاة جمعة وأخرى، ومن هنا فإنّه في حال قلنا بوجوب المشاركة العينيّة ـ فرضاً ـ فإنّه يتطلّب من المصلّين قطع هذه المسافة للوصول إلى موقع الصلاة المحدّد، وهكذا عمل فيه شيء من الصعوبة والتعب المتزامنة مع فترة الظهيرة حيث درجات الحرارة المرتفعة غالباً. لذا أُعفيت المرأة من وجوب حضور صلاة الجمعة وقطع تلك المسافة، ولكن لو تحمّلت هذا العناء وحضرت في صلاة الجمعة، فصلاتها مقبولة، ولها الأجر والثواب كما للرجل على حدٍّ سواء.
وأمّا بشأن صلاة الجماعة أو صلاة العيدين فالأمر
1-الفرسخ يساوي 5.5 كلم تقريباً.
30
20
الفصل الثاني: ادوار المرأة
كذلك أيضاً، بما أنّ الحضور والمشاركة فيهما فيه شيء من التعب والجهد، وهذا ما قد يُرهق المرأة، فلم يُلزمها الإسلام بوجوب الحضور، وذلك تحت عنوان (الرخصة لا العزيمة)، وذلك بالرغم من أهمّيّة صلاة الجماعة في الإسلام وآثارها التربويّة والاجتماعيّة المتعدِّدة.
ولكن لو حضرت المرأة وشاركت في الصلاة وتحمّلت مشقّة ذلك، فصلاتها مقبولة وصحيحة، وتكسب الأجر والثواب كما الرجل دون تمييز أو تفضيل.
وفي سياق متّصل بهذا الموضوع، ترد هنا مسألة اشتراط الذكورة في إمامة الجمعة والجماعة، بما جعل البعض يعتقد بأنّ في ذلك امتيازاً للرجل وتفضيلاً له على المرأة!!
والجواب على ذلك، كما يلي:
لقد اتّفق الفقهاء على شرط الرجولة (الذكورة) في إمامة الجمعة أو الجماعة، ولا خلاف بينهم أو إشكال في ذلك، ولكنّ هذا الاشتراط لا يعني امتيازاً للرجل على المرأة، ولا يكشف عن تفوّقه عليها في ذلك، وإنّما هو مجرّد مسؤوليّة من المسؤوليّات الّتي تحتاج إلى مؤهّلات معيّنة ومحدّدة هي متحقِّقة في الرجل دون المرأة، كما في سائر المسؤوليّات الأخرى ـ كما سيأتي معنا لاحقاً ـ كالقضاء والرئاسة والمرجعيّة...
31
21
الفصل الثاني: ادوار المرأة
وربما كان اختصاص الرجل في هذا الأمر دون المرأة؛ للاعتبارات التالية:
أ- إنّ الإسلام كما يؤكِّد على أهمّيّة صلاة الجماعة وعظمتها بوصفها عبادة، فكذلك يؤكِّد على عفّة المرأة وسترها.
فكون المرأة إماماً في الصلاة بحيث ينظر الرجال وراءها لمتابعتها لا يُلائم كونها رمزاً للعفّة والستر والحياء.
ب- للمرأة أوقات تسقط عنها الصلاة، كما في الحيض والنفاس، فلو فرض وعيّنت امرأة في مسجد كإمام لصلاة الجمعة أو الجماعة، فيلزم أنّ تُعطّل الصلاة عندما يطرأ عليها عذرها.
وقد يقول قائل: يُمكن دفع ذلك باستنابة امرأة أو رجل مكانها في هذه الحالات. نعم، هذا ممكن ولكنّه موجب لإشكاليّة أخرى، وهي أنّه يلزم كلّما جاء النائب ليؤمّ الناس اطّلع المصلّون على حال المرأة وعذرها، وهذا ممّا يتحسّس منه الإسلام، كما هو موجب لوقوعها في الحياء والخجل أيضاً.
تبقى مسألة إمامة المرأة لمثيلاتها من النساء، فإنّه يوجد خلاف بين الفقهاء في جوازها، فذهب جمع إلى
32
22
الفصل الثاني: ادوار المرأة
الجواز كما عند الإمام الخامنئي دام الله ظله 5، وآخرون إلى اشتراط الرجولة في الجماعة سواء كانت للنساء فقط أم للرجال فقط، أم لهما معاً.
3-المرأة ومشاركتها في العمل الجهاديّ العسكريّ
قد يسأل بعض، هل للمرأة حقّ المشاركة في الجهاد العسكريّ وقتال العدوّ؟ أم أنّ هذا النوع من الأعمال خاصّ بالرجال؟ وإن كان لها ذلك فهل يختصّ ذلك بأعمال جهاديّة دون
أخرى؟!
الجواب: إنّ الجهاد هو حالة اجتماعيّة عامّة يعيشها المجتمع بكلّ شرائحه، ويقوم كلّ فرد في المجتمع بدوره الجهاديّ ضمن مساحته وإمكاناته الخاصة، فالرجل الّذي يحمل سلاحاً، وينطلق إلى ميدان الجهاد والشهادة هو في الحقيقة وليد بيئة صنعتها له امرأة: سواء كانت أمّاً أو أختاً أو زوجة...
فالمرأة شريكة الرجل في جهاده، وحضورها المتميِّز هو الّذي سهَّل مقدّمات النصر له، سواء لجهة تأمين احتياجات المجاهدين من طعام ولباس، أو لجهة مداواة الجرحى وإسعافهم، وغير ذلك من المهمّات الّتي تُعتبر مقدّمة للعمل
5-انظر: الإمام الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص 135.
33
23
الفصل الثاني: ادوار المرأة
الجهاديّ، وسبباً لاستمراره وتحقيق أهدافه المقدّسة.
وقد شهد التاريخ الإسلاميّ منذ صدر الإسلام نماذج بارزة للنساء اللواتي كان لهنّ الدور الفعّال في دعم العمل الجهاديّ ومساندة المجاهدين في ساحات القتال والشهادة، وهنا يحضر أبرز هذه النماذج وهو المتمثّل بالسيّدة زينب عليها السلام الّتي ساندت أخاها الإمام الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء. كما يحضر في زماننا المعاصر المرأة الإيرانيّة ودورها البارز خلال مرحلتي الثورة والحرب الّتي فُرضت على إيران، حيث حوّلت الأمّهات أبناءهنّ إلى جند مضحّين وشجعان في سبيل الإسلام والمسلمين.
يقول الإمام السيّد الخامنئي دام الله ظله:"إنّ دور النساء في الثورة كان دوراً أساسيّاً وخلال الحرب كان دورهنّ مصيريّاً، وسيكون دورهنّ في المستقبل أيضاً مصيريّاً إن شاء الله...".
وكذلك المرأة المسلمة الّتي دعمت المقاومة الإسلاميّة في لبنان حتّى حقّقت الانتصار في العام 2000م، وسطّرت أسطورة الصمود في العام 2006م، وما زالت تعمل على تربية المجاهدين وإعدادهم والدفع بهم نحو المرابطة على الجبهات لانتظار ساعة الفصل بإذن الله تعالى مع العدو الصهيونيّ.
إذاً دور المرأة وفعّاليّتها في العمل الجهاديّ
34
24
الفصل الثاني: ادوار المرأة
العسكريّ دور عظيم جدّاً لا يُمكن التغافل عنه أو التهاون فيه، ولكنّ السؤال: هل يُمكن لها أن تحمل السلاح بنفسها وتواجه العدوّ بشكل مباشر، كما يقوم الرجال بذلك تماماً؟!
الجواب: إنّه في حال الجهاد الدفاعيّ 1 ـ كما هو قائم اليوم ـ فإنّ واجب الجهاد يتوجّه إلى جميع المكلّفين سواء كانوا رجالاً أم نساءً، بل يجب عليهم حمل السلاح والمواجهة إذا تطلّب الدفاع ذلك.إلّا أنّ هذا يحتاج إلى تشخيص القيادة وما تضعه من خطط وتقسيم الأدوار بحسب ما تراه مناسباً من مصلحة جهاديّة تخدم العمل العسكريّ والمقاوم بشكل عام، فإذا شخّصت القيادة ضرورة مشاركة المرأة في حمل السلاح والقتال المباشر مع العدوِّ، وجب عليها القيام بذلك.
أمّا في حال الجهاد الابتدائيّ فقد أوجبه الشرع بالأساس على الرجال فقط، وأسقط وجوبه عن المرأة. ولا يعني ذلك حرمته على المرأة، وإنّما أسقطه الشرع عنها ولم يوجبه عليها لما يحمله من صعوبات خاصّة، تتطلّب أجساماً قويّة وصبراً وتحمّلاً بليغاً، لذا أسقط
1-هناك نوعان من الجهاد: ابتدائيّ ودفاعيّ. فالابتدائيّ هو الّذي تكون المعارك فيه على أرض الغير نتيجة غزو المسلمين لها وهذا النوع من الجهاد ليس محلّ ابتلاء في هذا الزمن وأمّا الدفاعيّ فهو الّذي تكون المعارك فيه نتيجة هجوم الأعداء على المسلمين وتهديدهم لهم...
35
25
الفصل الثاني: ادوار المرأة
عنها هذا النوع من الجهاد رفقاً ورأفة بها، ولكنّها لو تحمّلته جاز لها ذلك وتؤجر عليه.
4- المرأة ومسألة التصدّي للمرجعيّة الدينيّة العامّة
تحت هذا العنوان، يُطرح السؤال التالي: هل يرى الإسلام أهلية المرأة وأجازتها للتصدّي لمنصب المرجعيّة الدينيّة العامّة، وبالتالي يُجيز تقليدها والعمل بفتواها، وذلك أسوة بالرجل؟! وإن لم يُجز الإسلام ذلك، فماذا بالنسبة لمرجعيّة المرأة الدينيّة للنساء في الأحكام المختصّة بهنّ.
الجواب على ذلك، نوجزه فيما يلي:
أوّلاً: إنّ المشهور بين الفقهاء هو الرأي القائل بعدم جواز تصدّي المرأة للمرجعيّة الدينيّة العامّة، حتّى ولو اجتمعت فيها كلّ الشروط والمواصفات المطلوب توفّرها في من يتصدّى لهكذا موقع.
ثانياً: إنّ عدم صلاحيّة قيام المرأة بالتصدّي للمرجعيّة الدينيّة العامّة لا يُعدّ نقصاً فيها، ولا سلباً لحقٍّ من حقوقها، بل إنّ الله تعالى قد وضع عنها تحمُّل مثل هذه المسؤوليّة والأعباء، من منطلق التخفيف عنها والرأفة بها، لما في ذلك من حرج عليها فيما لو تصدّت للمرجعيّة الدينيّة؛ لأنّه منصب ومسؤوليّة يتطلّب
36
26
الفصل الثاني: ادوار المرأة
الاختلاط والتواصل والالتقاء مع مختلف شرائح المجتمع بشكل يوميٍّ، هذا فضلاً عن تلقّي الشكوى والردّ على الاستفتاءات وما تتطلّبه من جهد بدنيٍّ وذهنيٍّ، بل وتحمُّل مسؤوليّات كبرى وأعباء خطرة ترتبط بمصير الأمّة.
ثالثاً: إنّ عدم أهليّة المرأة للتصدّي للمرجعيّة الدينيّة العامّة، لا يعني ذلك عدم أهليّتها للتفقُّه والاجتهاد، والعمل بفتاوى نفسها، بل إنّ الإسلام بهذا المقدار قد أجاز لها ولا إشكال فيه؛ لأنّ الفقاهة كمال لا فرق في السعي نحوه بين الرجل والمرأة، بينما المرجعيّة الدينيّة وظيفة تنفيذيّة لها خصوصيّاتها الّتي تلائم الرجل أكثر من المرأة.
وبعبارة أخرى: إنّ التفقُّه والاجتهاد في الشريعة هو كمال، والمرأة تتساوى مع الرجل في حقِّ السعي نحو الكمال ونيل أعلى المراتب العلميّة، فهي قادرة ـ كما الرجل ـ على فهم النصوص الدينيّة وأن تصل إلى ما وصل إليه سائر الفقهاء والمجتهدين؛ لأنّ التفقُّه والاجتهاد غير مشروطين بالرجوليّة، ولكنّ توليّ منصب المرجعيّة مشروط بالرجوليّة؛ لأنّه عمل تنفيذيّ صعب وأمانة بيد المراجع، وحيث إنّ المرأة يصعب عليها القيام بهذه المسؤوليّة، فليس من مصلحتها ومصلحة الأمّة أن تتصدّى للمرجعيّة، فنحن كما لا نجد امرأة رسولاً ولا نبيّة ولا إماماً فكذلك الحال في المرجعيّة.
37
27
الفصل الثاني: ادوار المرأة
وجدير بالذكر هنا، أن نُشير إلى مسألة هامّة جدّاً، ألا وهي مسألة دور المرأة ـ وبالتحديد الأمّ ـ في تربية ورعاية الفقهاء والمراجع، وخيرُ نموذج يُذكر، والدة الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري ـ المرجع الأعلى في زمانه ـ حيث إنّه عندما سُئلت أمّه عن السبب الّذي أوصل ابنها (الشيخ الأعظم) إلى هذه المرتبة العلميّة العالية والمتقدِّمة، قالت: كُنت لا أُرضعه إلّا على وضوء...
رابعاً: اتّضح لنا ممّا سبق، أنّ الأعمال التنفيذيّة ـ كالتصدّي للمرجعيّة الدينيّة العامّة ـ هي بمثابة أمانة وليست مقاماً، كما هو منصب الوزارة ورئاسة الدولة وما شابه ذلك من
الأعمال التنفيذيّة. أمّا المقامات ـ أي المقامات المعنويّة ـ نعم، هي ملك للإنسان وليست أمانة وذلك من قبيل تحصيل الفقاهة والتقوى.
ومن هنا، فإنّ المرأة والرجل متساويان فيما يتعلّق بكمال وتزكية النفس وكلّ ما يتعلّق بالمقامات المعنويّة، أمّا في حدود ما هو أمانة ووظيفة تنفيذيّة فالأعمال مقسّمة بين الرجل والمرأة كلٌّ حسب قدراته واستعداداته تحقيقاً للعدل الإلهيّ.
خامساً: كلُّ ما تقدّم بيانه يتعلّق بمسألة مرجعيّة المرأة على الإطلاق.
38
28
الفصل الثاني: ادوار المرأة
5- المرأة بين القضاء والشهادة
يقول بعضٌ: إنّ ممّا يُعدُّ امتيازاً للرجال على المرأة في الإسلام، وفيه سلبٌ لحقوق المرأة وظلم لها، هو جواز تصدّي الرجل لمنصب القضاء وحرمان المرأة منه ولو كان في الجانب النسويّ دون الرجاليّ؟!
الجواب بما يلي:
أوّلاً: إنّ الواقع العمليّ لمهمّة ووظيفة القضاء، هو واقع صعب للغاية ووظيفة معقّدة جدّاً، ولذا كانت صفات القاضي وشروط تولّي وظيفة القضاء هي من نوع خاصّ ونمط محدّد، هذا فضلاً عن ما يتطلّبه القضاء من قوّة في الإدراك وعمق في البصيرة، ونفاذ في الفكر، وتجرُّد عن الذات، وبعد كبير عن التعاطف، وسموّ في الروح، وتوازن في التفكير، وسعة في التعقُّل، وعدالة عالية؛ ذلك كلّه لأنّ القضاء هو الفصل بين الحقِّ والباطل، وبين الشبهة والحقيقة...
ثانياً: لو أُمعن النظر في النصوص الدينيّة الّتي تُبيّن صفات القاضي، لرأينا بجلاء أنّ هذا المنصب ليس منصباً للرجال دون النساء فحسب، بل هو منصب لصنف خاصٍّ من الرجال تتوفّر فيهم بعض الخصال، لذا فممّا لا شكّ فيه أنّ الرجل أقدر من المرأة على تولّي منصب القضاء، لما يتطلّب من التعقُّل والتغلُّب
39
29
الفصل الثاني: ادوار المرأة
على العواطف، بينما المرأة في الأعمّ الأغلب تتميّز بدرجة كبيرة من الرقّة والعاطفة، بل بعيدة عن مظاهر العنف والشدّة والقسوة، وهذا ليس بغريب طالما هناك فوارق جسميّة ونفسيّة بين الرجل والمرأة، تجعل كلَّ واحد منهما له وظيفته الخاصّة به هو أقدر من الآخر على أدائها.
ثالثاً: لا ينبغي أن نفهم من تولّي الرجال لمنصب القضاء دون النساء تفضيل الإسلام للرجال على المرأة وتمييزاً له؛ لأنّ معيار الفضيلة والكمال ـ كما تقدّم الإشارة إليه ـ عند الله تعالى هو التقوى والعمل الصالح، لا المناصب والمواقع والوظائف التنفيذيّة كالقضاء وما شابه ذلك، والّتي هي في حقيقتها تكليف ومسؤوليّة على عاتق من يتصدّى لها، ولذا من أُسقطت عنه هذه المسؤوليّة ـ كما هو حال المرأة ـ لا يعني سلباً لحقٍّ من حقوقه لكي نقول بأنّه قد ظُلم.
رابعاً: قد يقول قائل: هناك في مجتمع النساء استثناءات، فرُبَّ امرأة أفقه من كثير من الرجال وأسمى في نشاطها وعقلها وتدبيرها، أفلا يحقُّ لها ـ إذا توفّرت فيها شروط القضاء وصفات القاضي ـ أن تتولّى منصب القضاء؟!
الجواب واضح: إنّ التشريع الإسلاميّ ينظر ـ دائماً ـ إلى الأعمِّ الأغلب من الأفراد، فإنّ وجود امرأة بهذه الصفات
40
30
الفصل الثاني: ادوار المرأة
ممّا لا يُنكر، ولكنّ ذلك نادر وقليل. والإسلام لا يرتّب أحكامه على الأفراد النادرة التحقُّق.
خامساً: وفي سياق متّصل بمسألة القضاء، يورد هنا إشكاليّة اعتبار شهادة المرأة نصف شهادة الرجل!!
وبعبارة أخرى: قال تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾1؛ أي جعلت الآية الكريمة شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، فهل المرأة ـ بنظر الإسلام ـ نصف إنسان؟!
الجواب على ذلك، يتطلّب طرح سؤالين رئيسين والردّ عليهما كي توضّح مسألة الشهادة في الإسلام وهما:
أ- لماذا الأصل أن يشهد الرجل؟
ب- إذا كان الرجل هو الأولى والأصلح لتحمُّل الشهادة وأدائها، فلماذا تُقبل شهادة المرأة ثمّ تُعتبر بمستوى نصف شهادة الرجل؟
للإجابة على السؤالين السابقين، ينبغي قول ما يلي: إنّ الغاية من الإشهاد وتحمُّل الشهادة وأدائها هي من أجل أن لا يضيع أو يُصادر حقّ، لذلك يستلزم وجود خصلتين بالنسبة
للشاهد، هما:
1-البقرة: 282.
41
31
الفصل الثاني: ادوار المرأة
الأولى: في مقام تحمُّل الشهادة: يجب أن يكون ذكيّاً فطناً يضبط الحقائق بدقّة.
الثانية: في مقام أداء الشهادة: أن لا يقع تحت تأثير العواطف، وأن يُدلي بما كان شاهداً عليه دون نقص أو زيادة. فلربّما يقع الشاهد في مقام أداء الشهادة تحت تأثير عواطفه ومشاعره، ويدوس على الحقّ فيُدلي بشهادته لصالح أحد أقربائه أو أصدقائه.لذا قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾1.
إذا ما قورن الرجل والمرأة في مجال امتلاكهما لهاتين الصفتين سيتّضح أنّ الرجال أفضل من النساء في كلا البعدين. بناءً على هذا، يكون الرجال أصلح من النساء لتحمّل الشهادة وأدائها. هذا بالإضافة إلى كثرة تواجد الرجال وسط المجتمع وأثناء وقوع الأحداث ومشاهدة الوقائع، من هنا كان الأصل أن يشهد الرجل. ولكن بالرغم من ذلك، فإنّ الإسلام يقبل بشهادة المرأة؛ لأنّه إن لم تكن شهادة المرأة مقبولة ومعتبرة فسوف تضيع الكثير من الحقوق في الكثير من الموارد، حيث إنّه ليس في كلِّ الأحوال
1-النساء: 135.
42
32
الفصل الثاني: ادوار المرأة
والظروف يُمكن توفُّر رجل أو رجلين، وعليه لا مفرّ من عدِّ شهادة المرأة معتبرة ومقبولة.
وأمّا بالنسبة لمسألة شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل واحد، فإنّ ذلك يعود إلى أنّ المرأة لا تتمتّع بالقدرة اللازمة، لا في مقام تحمُّل الشهادة ولا في مقام أدائها، وبالتالي فقد تنسى الواقعة أو تقع تحت تأثير عواطفها ومشاعرها، فتعدل عن الحقّ فتضلّ ـ كما أشارت الآية إلى ذلك ـ من هنا كان الاحتياط أن تُرفق معها امرأة أخرى كي يتضاءل الاحتمال بمصادرة الحقّ والوقوع في الخطأ.
وإن قيل: بثبوت بعض النساء على الحقّ، وعدم تأثُّرهنّ بعاطفتهنّ، نقول: هذا من الأمور الشاذّة والنادرة الّتي لا تخضع للقياس كي يُبنى عليها الحكم الشرعيّ.
وإذا كان من يُثير بوجه الإسلام، بأنّه ينتقص من المرأة عندما يجعل شهادة امرأتين بمنزلة شهادة رجل واحد، فليقل بأنّه ينتقص الرجل أيضاً؛ لأنّه لم يثبت الحكم بشهادته وحده، وإنّما بشهادة رجل آخر معه.
ثمّ إنّ الإسلام لم يقبل بشهادة المرأة فحسب، بل هناك الكثير من الموارد الشرعيّة الّتي لا يقبل فيها الشرع إلّا شهادة المرأة وحدها دون الرجل، وذلك من قبيل شهادتها على نفسها بالخلوِّ من الزوج، والطهارة من الحيض أو النفاس وغير ذلك.
43
33
الفصل الثاني: ادوار المرأة
6-المرأة ومسألة رئاسة الدولة
وردت بعض الروايات الّتي تمنع المرأة من التصدّي لرئاسة الدولة، كما جاء عن الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم قوله: "لن يُفلح قوم وليتهم امرأة"1. فهل المرأة ـ بنظر الإسلام ـ غير مؤهّلة للعمل السياسيّ والمشاركة في صنع القرار من خلال تولّيها المناصب العليا في الدولة ولا سيّما منصب رئاسة الدولة؟!
أم هذا ـ أيضاً ـ من مختصّات الرجال دون النساء، مع أنّ المرأة تملك أهليّة سياسيّة ووعياً سياسيّاً يُمكِّنها من قيادة النظام السياسيّ وتولّي بعض مسؤوليّاته؟!
الجواب على ذلك يوجز في أمور عدّة:
أوّلاً: إنّ العمل السياسيّ والمشاركة في الشأن العام لا يختلف أبداً عن العمل الاجتماعيّ والثقافيّ والاقتصاديّ والدينيّ، فكما يُمكن للمرأة الدخول في هذه الأعمال والأنشطة، كذلك يُمكنها الدخول في معترك العمل السياسيّ والمشاركة فيه دون أدنى فرق.
وذلك لأنّ العمل السياسيّ كما يترك أثره في الرجل، كذلك يترك أثره في المرأة، فكان لها الحقّ في المشاركة السياسيّة والتدخُّل في شؤونها وأوضاعها العامّة
1-الطوسي، الخلاف، ج 6، ص 213.
44
34
الفصل الثاني: ادوار المرأة
ثانياً: لقد أقرّ الإسلام جملة من الحقوق السياسيّة للمرأة، يؤكِّد فيها على أهليّة المرأة للعمل السياسيّ والمشاركة في الشأن العام، حيث مُنحت المرأة حقّ المشاركة في البيعة والتصويت والانتخاب والاستفتاء وما شابه ذلك. كما منح الإسلام المرأة حقَّ اللجوء السياسيّ (الهجرة)، وحقَّ المشاركة في المؤتمرات السياسيّة، والهيئات والتنظيمات، فضلاً عن حقِّ المشاركة في الاجتماعات الاحتجاجيّة والتضامنيّة والمسيرات والاعتصامات وغيرها.
هذا وقد أعطى الإسلام للمرأة حقّ المشاركة في صنع القرار السياسيّ عبر إبداء الرأي في القضايا المطروحة والمستجدّة سواء من خلال الكتابة والعمل الصحفي أو من خلال التمثيل النيابي والبلدي، أو من خلال تولّي مناصب إداريّة واستشاريّة.
وما المرأة الإيرانيّة ـ اليوم ـ في كنف الجمهوريّة الإسلاميّة وتحت رعاية وقيادة الوليّ الفقيه، إلّا نموذجاً بارزاً على المستوى العالميّ، حيث نشهد سبل النمو والتطوُّر مهيّئة ومتاحة للمرأة الإيرانيّة في كافّة المجالات وعلى جميع الأصعدة، ليُبرزن كفاءاتهنّ وقدراتهنّ وابداعاتهنّ، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تعارض ذلك مع مهمّاتهنّ الأساسيّة في الحياة الزوجيّة والأسريّة،
45
35
الفصل الثاني: ادوار المرأة
هذا فضلاً عن وجوب مراعاة القيم الإسلاميّة والآداب العامّة في المجتمع.
ومن هنا كان تأكيد الإمام الخمينيّ دام الله ظله على دور المرأة في المجتمع، حيث قال: "يجب أن تُشارك النساء إلى جانب الرجال في النشاطات الاجتماعيّة والسياسيّة".
ثالثاً: أما بالنسبة لمسألة تولّي المرأة رئاسة الدولة، فالفقهاء متّفقون ظاهراً على أنّه لا يُمكن للمرأة شرعاً تولّي رئاسة الدولة، إذ يشترطون في ذلك الذكوريّة. ولعلّ السبب في ذلك يعود ـ إلى جانب الاستدلال الفقهيّ على المنع ـ إلى وجود خصائص في المرأة تحول دون تولّيها الرئاسة العامّة، وهي:
1-التركيب الفسيولوجيّ، والاختلاف الجسديّ والنفسيّ بين الرجل والمرأة تقتضي اختلافهما في مهمّات الحياة والمجتمع. حيث إنّ تركيبة المرأة الجسميّة والنفسيّة عادة تجعلها غير مؤهّلة لممارسة العمل القياديّ في مستوياته العالية، والّذي يحتاج إلى جهد بليغ وصبر كبير، وتحمُّل المشاق وتطلُّب الشجاعة والقدرة... وهذه أمور وخصائص في الأعمّ الأغلب تتواجد في الرجال دون النساء.
2-الظروف العائليّة والاجتماعيّة الّتي تعيشها المرأة
46
36
الفصل الثاني: ادوار المرأة
تمنعها من التصدّي لهذه المسؤوليّة المهمّة والخطرة، لما تتطلّبه من فراغ بال وتدبير بعيد عن العواطف والأحاسيس، فضلاً عمّا تتطلّبه من حنكة سياسيّة وثبات في المواقف، وجرأة في إبداء الرأي، وشجاعة في تطبيق القانون... هذه أمور ـ كما سبق وأشرنا ـ غير ميسورة في الأعم الأغلب في المرأة.
رابعاً: عدم تمكُّن المرأة من رئاسة الدولة، لا يعني انتقاصاً لها واعتبارها إنسانة من الدرجة الثانية، بل الدِّين الإسلاميّ دين النظام والمسؤوليّات، ولكلّ مخلوق مسؤوليّاته الخاصّة وبما يتناسب مع قدراته واستعداداته، بما يعكس ذلك عين العدالة الإلهيّة ورحمته سبحانه الواسعة في تحقيق خير الإنسانيّة وسعادتها.
فالعدالة هي إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ولا تعني المساواة حتّى مع اختلاف المؤهّلات والقدرات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
47
37