مجالس الناشئة


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-06

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
 

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إنِّما قَلْبُ الحَدَثِ كَالأَرْضِ الخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فيها مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ".

ها هي النهضة المباركة لسيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام تنبعث في أرواح المؤمنين وفي قلوب المتحرّرين من قيود الأنا الفرعونيّة.

وها هي النهضة المباركة لسيّد الشهداء عليه السلام تأخذ بيد الناس نحو الصلاح والإستقامة، فقد خرج الإمام الحسين عليه السلام طلباً للإصلاح في أمّة جدّه رسول الله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم حاملاً راية الهدى للأمّة جمعاء فكان الإسلام محمّديُّ الحدوث حسينيّ البقاء.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسينٌ منّي وأنا من حسين".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 وها هي أصوات المستضعفين تعلوا في كلّ أرجاء الدنيا صارخة يا لثارات الحسين عليه السلام.


وصارخة: والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، وصارخة: لبيك يا حسين.

ونحن على طريق الإمام الحسين عليه السلام ننظر إلى الأجيال الصاعدة وهي تتربّى في أحضان الروح المنتشرة في أجواء العالم المليء بالظلم والفساد والأفكار الشيطانيّة.

وفي ظلّ الغزو الثقافي الغربي نجد من واجبنا ومسؤوليتنا أن نقدِّم للشباب حديثي العهد كلّ الرعاية والاهتمام والثقافة الأصيلة.

ولهذا الغرض قام معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني بإعداد الإصدار الثالث من مجالس الناشئة بأسلوب مبسّط وسهل، بحيث تتناسب مع المستوى الفكري والنفسي لهذه المراحل من العمر، وقد سعينا جهداً بالابتعاد عن اللغة الصعبة والأشعار الشعبيّة وغيرها ممّا يصعب على هذا العمر استعابه بشكل مباشر.

وكلّ رجائنا من الخطباء المحترمين أن يضعوا الملاحظات ويوجِّهوا النقد البنّاء، على أمل الاستفادة لتطوير الكتاب في طبعات لاحقة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

المقدمة

 والله تبارك وتعالى نسأل أن يجعل عملنا مقبولاً وأن يحشرنا في زمرة الحسين عليه السلام وأصحاب الحسين عليه السلام الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام. 


والله من وراء القصد

معهد سيد الشهداء عليه السلام 
للمنبر الحسيني 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

اليوم الأول

 اليوم الأول  


الجهاد والشهادة 

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

دَع دَمعَ عَينِكَ سَائِلاً فَمُحَرَّمُ                   قَد أقبَلَتْ أحزانُهُ تَتَجَسَّمُ 

شهرٌ حَرامٌ مَا رَعوا لإلهِهِ                     وَنَبِّيهِ حُرُمَاً وقَد كَتَبَ الدَّمُ 

هَيهاتَ أنْ تَرقَى الدُموعُ بِمُقلَةٍ                رَأت المُصابَ ومَن بِهِ قَد صُرِّمُوا 

ورَأت عَطَاشَى الطَفِّ فَوقَ صَعيدِه            ما بَينَ مَقتولٍ قَضَى يَتَألَّمُ 

وحُماةُ دِينٍ أرخَصُوا أروَاحَهُم                لإمامِ حَقٍ للهُداةِ يَعلَمُ 

ومُخَدَّراتٌ للرِسَالَةِ شُرِّدَت                    عَجَبَاً لِهَذا الكَونِ لا يَتَهَدَّمُ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

4

اليوم الأول

 قال تعالى:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾. العنكبوت: 69

 
عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: " الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه".
 
- فضل المجاهدين: قال تعالى: ﴿لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾.النساء:95
 
فالإنسان المجاهد فضّله الله على غيره من الناس، ووعده بالأجر العظيم، بل الذي ينظر في بعض الروايات يجد أنّ المجاهد خير الناس، وصلاته أفضل من القاعد، ودعاؤه مستجاب عند الله.
 
صفات المجاهد:
 
هناك صفات لا بدّ أن تتوفّر في كلّ إنسان مجاهد، ومن هذه الصفات: 
 
- الإخلاص لله عزّ وجلّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

 


5

اليوم الأول

 - الشجاعة والقوّة.

 
- الإيثار والتضحيّة.
 
هذه بعض صفات المجاهد الذي يقاتل في سبيل الله، وينتصر على كلّ حال فينال إحدى الحسنيين إمّا النصر أو الشهادة.
 
مقام وفضل الشهداء: 
 
تعتبر الشهادة من نتائج الجهاد، فعادة ما يستشهد الإنسان أثناء عمله الجهادي. فما هو مقام هؤلاء الشهداء:
 
الشهادة هي أشرف الموت، كما ورد في الرواية: "أشرف الموت قتل الشهادة". وفي رواية أخرى: "فوق كلّ ذي برٍ برٌ حتى يقتل الرجل في سبيل الله فليس فوقه بر".
 
القرب من الله: يصل الشهيد إلى درجة يكون في جوار الله، كما قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.
 
في جوار الأنبياء والأولياء: ﴿فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا﴾.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

6

اليوم الأول

 ثمار الشهادة:


جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " للشهيد سبع خصال:

1ـ أوّل قطرة من دمه مغفور له كلّ ذنب. 

2ـ يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين. 

3ـ يكسى كسوة من الجنّة. 

4ـ تبتدره خزنة الجنّة بكلّ ريح طيّبة. 

5ـ يرى منزله في الجنّة. 

6ـ يقال له إسرح في الجنّة حيث شئت...". 

وأفضل الشهداء شهداء كربلاء، وذلك بحسب قول الإمام الحسين عليه السلام بحقّهم: "فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي". 

النعي:

فشهداء كربلاء اقتدوا بإمامهم الحسين عليه السلام الذي ضحّى بالغالي والنفيس ليحفظ دين جدّه صلى الله عليه وآله وسلم. فها هو الإمام زين العابدين عليه السلام يقع أسيراً، وها هي ربيبة بيت الوحي العقيلة زينب عليها السلام تسبى، وهل سمعنا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

7

اليوم الأول

 بامرأة هاشمية تسبى غير مولاتنا زينب عليها السلام ، هل هناك مصيبة تدمي قلب الزهراء عليها السلام أكثر من هذه المصيبة، سبي حبيبتها وفلذة كبدها الحوراء زينب عليها السلام . نعم سبوا زينب من بلد إلى بلد، وضربوا متنها، ومنعوها من توديع الشهداء وحتى من وداع أخيها الحسين عليه السلام.

نعم عزيز على أمير المؤمنين عليه السلام، وعلى الزهراء عليها السلام ، وعلى السجّاد عليه السلام أن يرى عمّته زينب مسبيّة في ديوان الطاغية يزيد.

وأعظَمُ مَا يُشجِي الغَيورَ دُخُولُهَا           على مَجلِسٍ مَا فَارَقَ اللهوَ والخَمْرَ

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

8

اليوم الثاني

 اليوم الثاني

 
العلاقة مع القرآن

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

وقَفَ الحُسينُ مُسَلِّمَاً وَمُوَدِّعاً                   قَبرَ الرسولِ وسيِّدِ الأطهارِ

وعلى الخُدودِ تَحدَّرت دمعاتُهُ                   يَشكُو الأسَى مِن صَولَةِ الكُفّارِ

ناجاهُ يا جدَّاه ُ يا خَيرَ الوَرَى                   كيفَ السَبيلُ لِطاعَةِ الغَفَّارِ

وعلى البِلادِ تَسَلَّطَت فُجَّارُها                    والدينُ أضحَى لُعبةَ الأشرارِ

ناداهُ مِن خَلفِ الغُيوبِ مُواسِياً                 وَلدي فَديتُكَ يا هُدى الأبرارِ

قد شاء ربُكَ أن تكونَ مُجَدِّداً                    شَرعَ الرسولِ وقُدوةَ الأخيارِ

صَبراً على حُكمِ الإلهِ وأمرِهِ                     لتكونَ دَوماً قِبلةَ الأحرارِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

9

اليوم الثاني

 قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾. إبراهيم: 1

 
القرآن الثقل الأكبر:
 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض". فالتمسّك بالقرآن الكريم تمسّك بالثقل الذي أمرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نتمسّك به لنصل إلى السعادة الحقيقيّة.
 
وتكمن أهميّة القرآن الكريم أنّه كلام الله عزّ وجلّ الذي أرسله لنا عبر أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما تكمن عظمة القرآن الكريم في أنّه نزل في أفضل الشهور- شهر رمضان-، وأفضل الليالي- ليلة القدر-.
 
فضل تلاوة القرآن الكريم:
 
إعلم أيّها العزيز أنّ الله تعالى وعد الإنسان الذي يقرأ القرآن ويتدبّر آياته أجراً عظيماً وقد ذكر تعالى ذلك في كتابه الكريم.
 
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾. فاطر:29

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

10

اليوم الثاني

 جاء عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "عدد درج الجنّة عدد آي القرآن، فإذا دخل صاحب القرآن الجنّة قيل له:اقرأ وإرقأ، لكلّ آية درجة، فلا تكون فوق حافظ القرآن درجة".

 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحسرة والظل يوم الحرور والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنّه كلام الرحمان وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان".
 
آداب تلاوة القرآن الكريم
 
توجد آداب على المسلم أن يلتزم بها حينما يريد قراءة القرآن وهي:
 
- الوضوء: قال تعالى: ﴿لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ 1.
 
- تنظيف الفم قبل التلاوة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: " نظّفوا طريق القرآن، قيل يا رسول الله: وما طريق القرآن؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أفواهكم.
 
قيل: بماذا؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: بالسواك".
 
- البدء بالاستعاذة من الشيطان الرجيم: قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ 2.
 
 
 
 

1- الواقعة: 79
2- النحل: 98
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

11

اليوم الثاني

 - القراءة بهدوء وتمعّن وخشوع وترتيل: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾1.

 
- الابتعاد عن الأصوات المنكرة والألحان الهزلية: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتهم، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يُرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانيّة، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، وقلوب من يعجبه شأنهم".
 
- الإصغاء والإنصات وحضور القلب والخشوع والتدبر: قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾2.
 
وقال تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾3.
 
الحسين عليه السلام خرج لحفظ القرآن:
 
إنّ خروج الحسين كان لهدف عظيم وهو حفظ الإسلام، وممّا خرج
 
 
 

1- الأنفال:2
2- الأعراف:204
3- الحشر: 21 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

12

اليوم الثاني

 لحفظه عليه السلام القرآن الكريم، فالإمام خرج ليحفظ دين جدّه صلى الله عليه وآله وسلم من الضلال والإنحراف، لأنّ يزيد وأمثاله قاموا بتفسير القرآن على غير حقيقته بحيث يناسب غاياتهم، وجعلوه طريقاً لمنافعهم الشخصيّة، لذلك ثار الإمام الحسين طالباً الإصلاح في أمّة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم.


فالإمام الحسين عليه السلام أراد بخروجه أن يحافظ على القرآن ويحفظ معانيه، فقدّم الغالي والنفيس في سبيل ذلك.

النعي:

وقبل أن يخرج من مدينة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، زار الحسين عليه السلام قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم يشكو حاله وما أصابه من خذلان الناس، وراح يصلّي ويبكي، ويدعو الله، فوضع رأسه على قبر جدّه صلى الله عليه وآله وسلم فغفا، فرأى في المنام أنّ جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين جماعة من الملائكة عن يمينه وعن يساره، وبين يديه، فضمّ الحسين عليه السلام، وقبَّل ما بين عينيه، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كربلاء بين عصابة من أمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى، وظمآن لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.. حبيبي يا حسين، إنّ أباك وأمّك وأخاك قدموا عليّ، وهم مشتاقون إليك، وإنّ لك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

13

اليوم الثاني

 في الجنان لدرجات لا تناهلها إلّا بشهادتك".


نعم يا شيعة علي، ويا أحبّة المهدي عليه السلام ، إنّ الحسين لم يصل إلى هذا المقام إلّا بالشهادة، لذلك قتل في كربلاء ظمآناً عطشاناً، ذبيحاً وقد قطعوا رأسه عن بدنه، وتركوا جسمه على الثرى وهو مخضب بدمه.

ضُمَّني عندَكَ يا جَدّاهُ في هذا الضَريحِ        علّّني يا جَدُّ مِن بَلوَى زَماني أستَريحُ

فَعَلا مِن دَاخِلِ القَبرِ بُكاءٌ ونَحيب              ُونِداءٌ بافتجاعٍ يا حبيبي يا حُسين

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

14

اليوم الثالث

 اليوم الثالث

 
إغاثة الملهوف

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء و سليب العمامة والردا، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

وجهُ الصباحِ عَليَّ ليلٌ مظلمُ                وربيعُ أيّامي عليَّ مُحرّمُ

والليلُ يشهدُ لي بأنّي ساهرٌ                إن طابَ للناسِ الرقادُ فهَوَّموا

قلقاً تُقلّبُني الهُمومُ بمَضجَعِي               ويَغَورُ فِكري في الزمانِ ويُتهِمُ

ما خِلتُ أنَّ الدّهرَ مِن عادَاتِه               تُروَى الكِلابُ بهِ ويَظمَى الضَيغَمُ

مثلُ ابنُ فاطمةٍ يَبيتُ مُشَرَّدا ً               ويَزيدُ في لَذَّاتِهِ مُتنعِّمُ

خرجَ الحسينُ مِن المَدينةِ خَائِفاً            كَخُروجِ مُوسى خَائِفاً يَتَكَتَمُ

وقد انجَلَى عَن مَكّةَ وهوَ ابنُها             وبهِ تَشَرَّفَتِ الحَطِيمُ وزَمزَمُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

15

اليوم الثالث

 قال الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من شهر محرّم: " أما من مغيث يغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حقّ ينصرنا"؟.


لقد اهتمّ الإسلام بخدمة المؤمن وإغاثته في أوقات الشدائد، حتى أنّ بعض الروايات أظهرت أهميّة هذا العمل وفضّلته على الكثير من الأعمال الأخرى.

فضل إغاثة المؤمن:

عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلّا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد". وعنه عليه السلام: "قضاء حاجة المؤمن أفضل من حجّة متقبّلة بمناسكها".

ثواب إغاثة المؤمن:

ذكرت الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أنّ لمغيث المؤمن أجر وثواب عظيمين في الدنيا والآخرة، ومن هذه الروايات: 

في الدنيا:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا نصره الله في الدنيا والآخرة"
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

16

اليوم الثالث

 في الآخرة:


عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قضى حاجة لأخيه المؤمن قضى الله عزّ وجلّ له يوم القيامة مائة حاجة من ذلك أوّلها الجنّة".

هذا فيما يتعلّق بالفضل والثواب.

أمّا من ناحية الخذلان، فقد وردت العديد من الروايات التي تذمّ الأشخاص الذين يخذلون إخوانهم.

جزاء خذلان المحتاج: عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام: "ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا".

لذلك على الإنسان المؤمن أن يعمل جاهداً على قضاء حوائج إخوانه من المؤمنين، لأنّ هذا الأمر محبوب عند الله، والذي يحبّه الله يثيب عليه، وبالتالي نحظى بالجنّة فنكون مع أحبّتنا من الأئمة عليهم السلام والمؤمنين.

وخذلان الإخوان أمر خطير سيّما إذا كانت حاجة المؤمن ملحّة وعاجلة،كما أنّ هناك أسباباً عديدة لخذلان المحتاج خاصّة حينما تكون نصرة المحتاج والملهوف تؤدي إلى القتل والشهادة، ويظهر لنا هذا الأمر في واقعة كربلاء فهناك الكثير ممن تخلّفوا عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام منهم عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ الذي قال للإمام عليه السلام حينما
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

17

اليوم الثالث

 طلب منه نصرته: والله إنّي لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد في الآخرة.. ولكن نفسي لم تسمح بعد بالموت.


نعي:

إنّ أمثال هؤلاء خذلوا إمامهم فويل لهم، وما سيكون موقفهم حينما تسألهم الزهراء عليها السلام عن سرّ تخلّفهم وخذلانهم لولدها الحسين عليه السلام ؟ وماذا سيجيبون؟! فهؤلاء تركوا الإمام عليه السلام الذي ترك مدينة جدّه وانتقل إلى مكّة، ومنها إلى العراق، بعد أن علم أنّ يزيد طلب قتله ولو كان معلّقاً بأستار الكعبة، فأسرع الإمام عليه السلام بالطواف وأحلّ من إحرام الحجّ وجعلها عمرة مفردة- لأنّه لا يريد أن يقتل في بيت الله فتستحلّ حرم الله بدمه عليه السلام-، فخرج إلى العراق ومعه أهل بيته.

وفي هذا اليوم قتل مسلم بن عقيل بالكوفة، وبعدما سمع الإمام الحسين عليه السلام بمقتل مسلم استدعى الإمام حميدة بنت مسلم- وهي طفلة صغيرة- أجلسها الإمام في حجره وأخذ يمسح على رأسها، نعم كان الله في عون سكينة بنت الحسين عليه السلام مساء العاشر من المحرّم، عندما أصبحت يتيمة تبكي وحدها لا تجد من يمسح على رأسها.

أمّا العقيلة زينب أمّ المصائب فكانت تقف حائرة تبكي لليتامى الذين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

18

اليوم الثالث

 تركهم الحسين عليه السلام بعد أن أصبح جثّة بلا رأس.


قد كنتُ في الحرَمِ المَنيعِ خَبيئَةً             واليومَ نَقْعُ اليَعمُلاتِ خِبائي

ماذا أقولُ إذا التقَيتُ بِشَامِتٍ               أنّي سُبيتُ وإخوتي بإزائي

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

19

اليوم الرابع

 اليوم الرابع

 
العبادة

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

لو كان ينفعُ للعليلِ غليلُ                فَاضَ الفُراتُ بِمَدمَعِي والنِيلُ 

كيفَ السُلُوُ وَلَيسَ بَعدَ مُصِيبَةِ          ابنِ عَقِيلٍ لِي جَلَدٌ وَلا مَعقُولُ 

أفديهِ مِن فَادٍ شَريعةَ أحمَدٍ               بِالنَفسِ حَيثُ النَاصِرونَ قَليلُ 

حَكَمَ الإلهُ بِِما جَرَى فِي مُسلِمٍٍ            واللهُ لَيسَ لِحُكمِهِِ تَبدِيلُ 

خذلوهُ وانقلبُوا إلى ابنِ سُميّةٍ          وعن ابنِ فَاطِمةٍ يزيدُ بَديلُ

آوَتهُ طَوعَةُ مُذْ أتَاهَا والعِدَى           مِن حَولِهِِ عَدْواً عليهِ تَجُولُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

20

اليوم الرابع

 ‏مكانة الصلاة:

 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكلّ شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة، فلا يشيننّ أحدهم وجه دينه". وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ليكن أكثر همّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين".
 
ثواب الصلاة:
 
عن سلمان الفارسي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ظلّ شجرة، فأخذ غصناً منها فنفضه فتساقط ورقه، فقال: "ألا تسألوني عن ما صنعت"؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ العبد إذا قام إلى الصلاة تحاتت عنه خطاياه كما تحاتّ ورق هذه الشجرة".
 
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الإنسان إذا كان في الصلاة فإنّ جسده وثيابه وكلّ شيء حوله يسبّح".
 
- الصلاة في أوّل وقتها:
 
إنّ الصلاة في أوّل وقتها هو الأمر المطلوب، فالإنسان الذي يؤخر صلاته ولا يبالي لأدائها ويسهى عنها يكون من الذين توعّدهم الله بالويل، قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

21

اليوم الرابع

 - صلاة الجماعة:


إنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يترك صلاة الجماعة حتى في كربلاء، ففي ليلة العاشر من المحرّم قال الإمام الحسين لأخيه العبّاس عليه السلام: "إرجع إليهم واستمهلهم هذه العشيّة إلى غد، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي أحبّ الصلاة له، وتلاوة القرآن وكثرة الدعاء، والاستغفار".

وفي يوم العاشر من المحرّم، نظر أبو ثمامة الصائدي في السماء وأخذ يقلّب وجهه فيها، ثمّ توجّه نحو الإمام الحسين عليه السلام، وقال: نفسي لنفسك الفداء، أرى هؤلاء قد اقتربوا منك والله لا تقتل حتى أقتل معك، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فأجابه الحسين عليه السلام: "ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين، وأقاموا الصلاة".

فالصلاة هي عمود الدين، هي التي صالح لأجلها الحسن عليه السلام، وخرج دفاعاً عنها الإمام الحسين عليه السلام، وقتل بسببها مسلم بن عقيل ذاك البطل الشجاع، وكان أوّل من استشهد في ثورة الإمام الحسين عليه السلام. مسلم ذاك السفير الأمين الذي لم يهب الموت، بل ذهب لأخذ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

22

اليوم الرابع

 البيعة للحسين عليه السلام، وكان يصلّي في المسجد مراراً وتكراراً، ولكن في صلاته الأخيرة بدأ جماعته وخلفه صفوف كثيرة ولكنه أتمّ صلاته وحيداً فريداً، عندما خذله الناس،كما فعلوا بالإمام الحسين عليه السلام. مسلم ابن عقيل لم يجد معيناً سوى طوعة، تلك المرأة التي أعانته إكراماً له ولأهل البيت عليهم السلام . ولكن بعد أن انكشف أمره وقبض عليه تألّم مسلم، وكان أكثر ما يؤلمه تلك الرسالة التي بعثها إلى الإمام الحسين عليه السلام والتي تتحدّث عن بيعة أهل الكوفة له. هذه الرسالة أبكت مسلماً، فحينما كانوا يقتادونه إلى قصر ابن زياد، قال له أحدهم: إنّ الذي يطلب ما تطلب لا يبكي إذا نزل به ما نزل بك. فقال مسلم: لست لنفسي أبكي، إنّما أبكي لأهلي المقبلين، أبكي لحسين وآل حسين.


النعي:

ولمّا أدخل مسلم إلى قصر بن زياد، أمر بأن يؤخذ إلى أعلى القصر فيقطع رأسه، ويرمى به من أعلى القصر، ففعلوا ذلك، ولكنّهم لم يكتفوا بذلك بل ربطوا رجليه بحبلٍ وجرّوه في أزقّة وشوارع الكوفة، والناس تنظر وترى ما حلّ به ولا تحرّك ساكناً.

وبعدما قتل مسلم وجرى له ما جرى، وصل الخبر إلى الإمام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

23

اليوم الرابع

 الحسين عليه السلام، وكان لمسلم بنت صغيرة تسمى حميدة، ذهب إليها الحسين عليه السلام بعدما طلب من العقيلة زينب إحضارها إليه. فوضعها في حضنه الشريف وراح يمسح على رأسها، أدركت حميدة عند ذلك ما يريد الإمام عليه السلام أن يخبرها به، لأنّه مسح على رأسها، ومسح الرأس يكون لليتيم. فقالت له: هل قتل أبي؟.


فجرت دموع الإمام على خدّيه، فعلا بكاء ونحيب النساء، فقال الإمام عليه السلام لحميدة: "بنيّة إن قتل أبوك فأنا أبوك، وبناتي أخواتك".

ولهُ ابنةٌ مسحَ الحسينُ برأسِها      واليتمُ مسحُ الرأسِ فيه دليلُ

لمّا أحسّت بيُتمِها صَرَخَت ألا      يا والدي حُزني عليك طويلُ


إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

24

اليوم الخامس

 اليوم الخامس

 
أهميّة الأخوة والصداقة

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

شَهدَ الحسينُ بأنّهم أنصارُ                 خطّوا سبيلاً للوفاءِ وسَاروا

هُم صَفوةُ الأقوامِ بعضُ شُيوخِه           هُم قِلّةٌ لكنّهم أحرارُ

هُم قُدوةُ الأنصارِ في يَومِ الوَغَى          أرَأيتَ إنْ جَلَّتِ الأخبارُ

أقوى مِن الإعصارِ عِندَ هُبوبِِه              ولِمثلِهم قَد يَنحَني الإعصارُ

أحلَى مِن الأقمارِ يَومَ تمامِها              فَتَناثَرت مِن فِعلِهم الأنوارُ

أغلَى مِن التِذكَارِ فوحُ عَبيرِهِم            شَهِدَ الحُسينُ بأنَّهم أنصارُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

25

اليوم الخامس

 اعلم أيّها العزيز أنّ الأخوة على قسمين: 

 
1- الأخ من الوالدين.
 
2- الأخ في الدين ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.
 
وحديثنا سيكون في القسم الثاني.
 
إنّ الإنسان المؤمن الناجح هو الذي يبني العلاقات الإجتماعية بشكل سليم ويجعل الأصدقاء من حوله بل يكثر منهم، فعن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "استكثروا الإخوان، فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة يوم القيامة".
 
وقد سمّي الأخ والصديق بذلك لنزاهتهم وأمانتهم، قال حبيبنا ومولانا الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما سمّوا إخواناً لنزاهتهم عن الخيانة، وسمّوا أصدقاء لأنّهم تصادقوا حقوق المودة"، فالصديق هو سندٌ وعونٌ عند الشدائد، بل هو المسكن والملجأ كما ورد عن صادق أهل البيت عليه السلام: "لكلّ شيءٍ شيءٌ يستريح إليه، وإنّ المؤمن ليستريح إلى أخيه المؤمن، كما يستريح الطير إلى شكله"، ومن منّا لا يرغب بهذه الراحة التي لو لم يكن لها فائدة غيرها لكفت، فكيف إن كان هناك العديد من الفوائد والثمرات التي يبشّرنا بها أهل البيت عليهم السلام فقد جاء في الحديث الشريف: "من استفاد أخاً في الله عزّ وجلّ استفاد بيتاً في الجنّة"، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "النظر إلى الأخ تودّه في الله عزّ وجلّ عبادة".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

26

اليوم الخامس

 وعليه فالتآخي والصداقة في الإسلام من الأمور المرغوبة والمطلوبة، والذي لا يتخذ أصدقاء وإخوة له يعيش في خسارة ووحدة، بل يكون كما وصفه أمير المؤمنين عليه السلام: "أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم".


ولكن هل نكثر من الأصدقاء أياً كانوا هؤلاء الأصدقاء؟ والجواب: أنّه لا بدّ لنا من الإلتزام بالضوابط والموازين التي حدّدها لنا الإسلام عبر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام في عمليّة اختيار الإخوة والأصدقاء، كما قال مولانا وحبيبنا وسيدنا الإمام الصادق عليه السلام: "واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك في طلبهم، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيّين، وما أنعم الله على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق لصحبتهم".

دور التآخي في المجتمع المؤمن:

يعتبر الإسلام أنّ المؤمنين يجب أن يكونوا كالجسد الواحد، فحينما يمرض عضو تتأثّر باقي الأعضاء لمرضه، فعن سيدنا ومولانا وطبيب قلوبنا الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

27

اليوم الخامس

 واحدة، وإنّ روح المؤمن أشدّ اتصالاً من اتصال شعاع الشمس بها". 


وعليه فإنّ تأثير الأخوّة والصداقة على الحالة الإيمانيّة العامّة كبير جداً، فمن فوائدهما:

القدرة على تجاوز الأزمات والصعاب التي تواجه المؤمنين.

تنميّة روح التعاون والإيثار والبذل والعطاء بين المؤمنين.

تقوية روح الجماعة وتخفيف الروح الفرديّة والأنانيّة.

أصناف الإخوان: 

جاء في الحديث الشريف عن سيّد العالمين بعد رسول الله أمير المؤمنين عليه السلام: "الإخوان صنفان: إخوان الثّقة، وإخوان المكاشرة ، فأمّا إخوان الثقة، فهم الكفّ والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حدّ الثّقة، فابذل له من مالك وبدنك، وصاف من صافاه وعاد من عاداه، واكتم سرّه وعيبه، واظهر منه الحسن، واعلم أيّها السائل انّهم أقلّ من الكبريت الأحمر، وأما إخوان المكاشرة، فإنّك تصيب لذّتك منهم، فلا تقطعن ذلك منهم، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

28

اليوم الخامس

 أصحاب الإمام الحسين عليه السلام: 


إنّ أرقى نموذج للأخوّة والصداقة وأسمى علاقة بين الأصحاب هي تلك العلاقة التي جسّدها أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في وقفتهم معه في كربلاء، حتى وصل الأمر أن يضحّوا بأنفسهم من أجله، فكانوا خير الأصحاب وخير الأوفياء، فقد قال فيهم مولانا الإمام الحسين عليه السلام: "فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي.. ولا أهل بيت أبرّ من أهل بيتي.. فجزاكم الله عنّي خيراً.. ألا وإنّي لأظن لنا يوماً من هؤلاء.. ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام.. وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يريدون غيري". فوقف أصحابه الأبطال أمثال حبيب بن مظاهر، وزهير بن القين، وسويد بن أبي المطاع، ونافع بن هلال البجليّ، وجون مولى أبي ذر، وغيرهم، يرفضون التخلّي عنه بل يستعدّون للشهادة بين يديه، فهذا مسلم بن عوسجة بطل معارك أذربيجان والذي بسيفه وسيوف أمثاله كان الفتح قال: "أنحن نخلّي عنك؟! ولم نعذر إلى الله في أداء حقّك، لا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

29

اليوم الخامس

 والله، لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك، حتى أكسر في صدورهم رمحي، وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقك أو أموت معك". وذاك سعيد بن عبد الله الحنفيّ يقول: "مولاي... والله لو علمت أنّي أقتل فيك، ثمّ أحيا، ثمّ أحرق حياً، ثمّ أذرى، يفعل بي ذلك سبعون مرّة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك.. وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة".

 
النعي: 
 
نعم هؤلاء هم أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، هؤلاء هم الأبطال، هم أهل الإيثار، الذين بذلوا الغالي والنفيس فداءً للحسين وأهل بيته عليهم السلام . 
 
في اليوم العاشر من شهر محرّم، بدأ الأصحاب يتقدّمون للقتال بعد استئذانهم من الإمام عليه السلام تارة فرداً فرداً وأخرى إثنان وأحياناً ثلاثة، حتى يستشهدوا رضوان الله عليهم، إلى أن سقط مسلم بن عوسجة، فمشى نحوه الإمام الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر، وكان ما يزال حيّاً، فقال الإمام عليه السلام: "رحمك الله يا مسلم، وتلا قوله تعالى:﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾. ثمّ دنا منه حبيب، وقال له: "لولا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

30

اليوم الخامس

 أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصيني بجميع ما أهمّك". نعم ماذا يوصي مسلم في حاله هذه؟ نعم، الله أكبر، ما أعظمها من وصيّة، التفت مسلم إلى حبيب وقال: "أوصيك بهذا الغريب- وأشار إلى الحسين عليه السلام- فقاتل دونه حتى الموت". وهكذا فعل حبيب، قاتل حتى استشهد بين يدي سيّدي ومولاي الإمام الحسين عليه السلام، نعم مات مدافعاً عن حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عندها مشى الإمام عليه السلام واتجه نحو حبيب فبكى وقال: " لله درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة". 


نعم، هذا حال أصحاب الحسين عليه السلام... وعندما استشهدوا بأجمعهم نادى الإمام الحسين عليه السلام: "يا حبيب بن مظاهر، يا زهيربن القين، يا مسلم بن عوسجة، يا فرسان الصفا، وأبطال الهيجا، ما لي أدعوكم فلا تجيبون وأناديكم فلا تسمعون".

يا حبيبَ القلوبِ رِزؤكَ مَهمَا       ذَكَرَتْهُ الرَاثُون شَقَّ القُلُوبا 

يا وَحِيداً حَامَيتَ دون وحيدٍ        حيثُ لا نَاصِرٌ يُرى أو مُجيبَا

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

31

اليوم السادس

  اليوم السادس

 
الإيثار

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

عَبَسَتْ وجوهُ القَومِ خَوفَ المَوتِ                 والعبّاسُ فِيهِم ضَاحِكٌ مُتَبَسِّمُ

قَلَبَ اليَمينَ عَلى الشِمَالِ وغَاصَ فِي              الأوسَاطِ يَحصُدُ في الرُؤوسِ وَيَحطِمُ 

بَطَلٌ تَوَرَّثَ مِن أبيهِ شَجَاعَةً                       فِيها أُنُوفُ بَنِي الضَلالَةِ تُرغَمُ 

صَبَغَ الخُيولَ بِرُمحِهِ حَتَى غَدَتْ                   سَيَّانَ أشقَرَ لَونُها والأدهَمُ 

ما كَرَّ غَضبَانَاً على مَلومَةٍ                         لّا وَحَلَّ بِها البَلاءُ المُبرَمُ  

لولا القَضَا لَمَحَا الوجودَ بِسَيفِه                   واللهُ يَقضِي ما يَشاءُ ويَحكُمُ 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

32

اليوم السادس

 قال تعالى: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ الحشر:9

 
- معنى الإيثار: معنى الإيثار هو أن تقدّم الآخر على نفسك، فإيثار الشيء تفضيله على غيره. فأنا حينما أريد أن أشرب الماء وأخي المؤمن عطشان أسقيه ثمّ أشرب وهكذا.
 
مكانة الإيثار:
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الإيثار أعلى الإيمان". وعنه عليه السلام: "الإيثار أشرف الكرم". وقال عليه السلام: " الإيثار أفضل عبادة وأجمل سيادة". 
 
وروي أنّ الله تعالى أوحى لنبيه موسى عليه السلام: "يا موسى، لا يأتيني أحد منهم قد عمل به ( أي بالإيثار) وقتاً من عمره إلّا استحييت من محاسبته وبوأته من جنّتي حيث يشاء".
 
صفات المؤثرين:
 
كاملون: عن الإمام الصادق عليه السلام في وصف الكاملين من المؤمنين: "هم البررة بالأخوة في حال العسر واليسر، المؤثرون على أنفسهم في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

33

اليوم السادس

 حال العسر".

 
أهل الأعراف: عن الإمام علي عليه السلام: "المؤثرون رجال من الأعراف".
 
نماذج أهل الإيثار:
 
أ- الإمام علي عليه السلام: من منّا ينسى أمير المؤمنين الذي آثر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حياته، حينما بات في فراشه دون خوف وتردد، فباهى الله تعالى به الملائكة وأنزل فيه: ﴿ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد﴾. البقرة: 207
 
ب- أبو الفضل العباس عليه السلام: حيث آثر الإمام الحسين عليه السلام في شرب الماء. 
 
المجلس: 
 
لمّا وصل إلى الفرات، بعد جهد ومشقّة حيث اعترضه الأعداء بقيادة عمر بن الحجاج الزبيدي(لعنه الله) كانوا على مشرعة الفرات، ليمنعوا وصول الحسين وأصحابه إلى الماء، ولكن العبّاس عليه السلام شقّ الصفوف وأبعدهم عن المشرعة، بعد أن قتل منهم ثمانين رجلاً. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

34

اليوم السادس

 وصل العبّاس إلى الماء، فمدّ يده وأخذ غرفةً من الماء وقلبه يلتهب من شدّة العطش، فأدنى الماء من شفتيه، وبمجرد أن أحسّ ببرودة الماء تذكّر عطش الحسين عليه السلام ، والطفل الرضيع، وسكينة الواقفة بانتظاره، والأكباد الحرّة، فرمى الماء من يده، وقال عليه السلام: لا والله لا أذوق بارد الماء وأخي الحسين عطشان، ثمّ ملأ قربته ودموعه تجري، وهو يردّد هذه الأبيات: 


يا نفسُ مِن بَعدِ الحُسينِ هُونِي          وَبَعدَهُ لا كُنتِ أنْ تَكونِي 

هَذا الحُسينُ وُاردُ المَنونِ                وَتَشرَبينَ بَارِدَ المَعينِ 

تاللهِ مَا هَذا شِعارُ دِينِي                   وَلا شِعارُ صَادِقِ اليَقينِ

ثمّ حمل القربة على كتفه وخرج من المشرعة متوجهاً نحو الخيام، وسلك طريق النخيل، حتى يحتمي بها من السهام، لكن عمر ابن سعد انتدب الجيش، وقال لئن وصل الماء إلى الحسين وشرب منه الحسين والعبّاس لا يدعان منكم أحداً، حُولوا بين العبّاس والخيام، فحال الجيش كلّه بين العبّاس و بين الخيام، فصار العبّاس يقاتلهم ويدفعهم عن طريقه، ويشقّ طريقه بصعوبة، ولكن في أثناء الطريق كمن له لعين من وراء نخلة، فلمّا مرّ به العبّاس ضربه بالسيف على يده اليمنى فقطعها، أخذ العبّاس
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

35

اليوم السادس

 سيفه بشماله وهو يقول: 


واللهِ إنْ قَطَعتُمُ يَمينِي        إنّي أُحَامِي أبَداً عن دِينِي 

وعن إمامٍ صَادِقِ اليَقينِ      نَجلِ النَبِيّ الطَاهِرِ الأمِينِ

وصار يهرول نحو الخيام، ويسرع في سيره، فكمن له لعين آخر وراء نخلةٍ فضربه على يده اليسرى فقطعها، فسقط السيف من يده، فضمّ القربة إلى صدره وأسرع نحو الخيام، فجاءته السهام من كلّ صوب، حتى صار بدن العبّاس كالقنفذ من كثرة السهام، جاءه سهم وقع في عينه اليمنى، وجاءه سهم نبت في صدره، وكلّ ذلك لا يهمّه ما دامت القربة سالمة، ما دام الماء موجوداً، ولكن لمّا جاء سهم وأصاب القربة فأريق الماء على الأرض، عند ذلك وقف العبّاس متحيّراً لا يدري ما يصنع، كيف يصل إلى المخيّم، بأيّ شيء يصل إلى الخيام والقربة قد أريق ماؤها؟! 

بينما هو واقف في حيرته، حيث لا يدين ليقاتل بهما، ولا ماء فيأتي به إلى المخيّم، جاءه لعين وضربه بعامود من حديد على أمّ رأسه، فسقط العبّاس من على ظهر جواده، منادياً: أخي أبا عبد الله أدركني. 

وما كانت إلّا ساعة، وإذا بالحسين قد رجع ماشياً على قدميه يقود فرسه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

36

اليوم السادس

 وراءه، يكفكف دموعه بطرف كمّه، استقبلته ابنته سكينة: أبا يا حسين، أين عمي العباس؟، فانتحب الحسين باكياً، وقال: بنيّة عظّم الله لك الأجر بعمّك العبّاس، فلقد خلّفته على شاطىء العلقمي مقطوع اليدين مرضوض الجبين، لمّا سمعت زينب صاحت:


 وا أخاه وا عباساه.

عباسُ تَسمَعُ زَينَبَاً تَدعوكَ مَن لِي          يَا حِمَايَ إذَا العِدَى نَهرُونِي

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون
والعاقبة للمتّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

37

اليوم السابع

 اليوم السابع

 
برّ الوالدين

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة: 

لم أنسَهُ والسِبط ُجَاثٍ حَولَهُ               يدعو بِدَمعٍ هَاطِلٍ مِدرارِ

يا كَوكَباً ما كانَ أقصرَ عُمرُهُ              وكذا تكونُ كواكبُ الأسحارِ 

وهلالُ أيامٍ مَضَت لَم يستَدِر               بَدراً ولَم يُهملْ لِوقتِ سرارِ 

عَجَّلَ الخُسوفُ عَليهِ قبلَ أوَانِهِ           فَطَوَاهُ قَبلَ مَظنَّةِ الأبدارِ 

فَكأنَّ قَلبِي قَبرُهُ وكأنَّهُ                     في طيِّهِ سِرٌ مِن الأسرارِ 

جاورتُ أعدائِي وجاوَرَ ربَّهُ               شتَّانَ بَينَ جِوارِهِِ وجِوَارِِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

38

اليوم السابع

 قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾. الإسراء 23-24

 
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "نظر الولد إلى والديه حبّاً لهما عبادة".
 
إعلم أخي الحبيب أنّنا لمّا نطيع أهلنا فإنّ ذلك رضاً لله عزّ وجلّ لأنّ رضا الله من رضا الوالدين، فلو طلب منك أحد والديك أو كلاهما طلباً تقدر عليه ولا يخالف أمر الله فمن باب برّهما يجب عليك أن تمتثل لأمر الله بإطاعتهما.
 
واعلم أنّ أمّك حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وغذّتك من دمها، وسهِرَت لتنام أنت، ومرِضَت لتشفى أنت.
 
واعلم أنّ أباك هو أصلك ومنه أتيت، وهو الذي يعمل ليل نهار ليؤمّن لك حاجاتك من علم وطعام ولباس وأمثالها، وبالتالي ألا يكفي هذا لنطيع أهلنا ونرضي الله بذلك؟!.
 
عقوق الوالدين:
 
وفي قبال البرّ بهما هناك العقوق، قال تعالى: ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

39

اليوم السابع

 تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًاً﴾. وقد فسّر الإمام الصادق عليه السلام أدنى العقوق قائلاً: "أدنى العقوق أفٍ، ولو علم الله عزّ وجلّ شيئاً أهون منه لنهى عنه". وعن الإمام الرضا عليه السلام: "حرّم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن التوفيق لطاعة الله عزّ وجلّ".

 
نموذج عن برّ الوالدين: علي الأكبر.
 
إنّ علي الأكبر ذلك الفتى الحيدريّ الحسينيّ الشجاع الذي عانى مع أبيه الإمام الحسين عليه السلام مرارات كربلاء وآلامها، لكنّه لم يأبه سواء وقع على الموت أم وقع عليه، طالما أنّه مع الحقّ فلا يبالي.
 
نعم علي الأكبر كان في كربلاء بارّاً لوالده، فقد رأى أنّ جيش بن زياد يعتدي على أهل بيت النبوّة، ويحاصر معسكرهم ويمنع عنهم الماء ويضيّق عليهم، فانتفض يريد الدفاع عن أبيه وإخوته وأهل بيته.
 
النعي:
 
لمّا استشهد الأصحاب نظر عليّ الأكبر فوجد القوم يستعدّون لقتل أبيه، فما كان منه إلّا أن جهّز نفسه لخوض المعركة، فحمل سيفه وتقدّم إلى أبيه الحسين عليه السلام يستأذنه، وكان أوّل من تقدّم من بني هاشم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

40

اليوم السابع

 وقف بين يدي الإمام عليه السلام طالباً منه الإذن في قتال أعداء الدين. لمّا نظر إليه الحسين عليه السلام بكى، وسالت دموعه على خدّيه، ثمّ رفع بصره إلى السماء وقال: "اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ". ثمّ أذن له. فتوجّه عليّ الأكبر نحو الميدان وهو يحمل عليهم بسيفه وينادي:


أنا عليُ ابنُ الحُسينِ ابنِ علي      نحنُ وبيتِ اللهِ أولى بالنَبي

تاللهِ لا يَحكُمُ فِينا ابنُ الدَعي       أضرِبُكُم بالسيفِ أحمِي عَن أبي

ضَربَ غُلامٍ هَاشِميٍّ عَلَوي

راح يقاتلهم قتال الأبطال حتى أنهكته كثرة الجراح وشدّة العطش، فعاد إلى أبيه الحسين عليه السلام، فوقف بين يديه وقال: "أبه، العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني، فهل لي بشربة ماء أتقوّى بها على العداء؟".

سيّدي يا أبا عبد الله من أين تأتي له بالماء؟ فأجابه الإمام عليه السلام: "بني علي عد إلى الميدان، ما أسرع الملتقى بجدّك رسول الله يسقيك شربة لا تظمأ بعدها أبداً". فعاد إلى الميدان، وراح يقاتل قتال الشجعان الأبطال، وإذا بلعين يضربه بالسيف على رأسه الشريف فيرديه، فرفع
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

41

اليوم السابع

 الأكبر صوته منادياً: "أبه يا حسين، عليك مني السلام، هذا جدّي رسول الله، قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبداً".


أقبل الحسين عليه السلام نحوه مسرعاً، جلس عند رأسه، وضعه في حجره، وراح ينادي: "بني علي على الدنيا بعدك العفا".

كَأنِّي بِالحُسينِ غَداً يُنادِي         عَلينَا يَا لَيالِي الوَصلِ عُودِي

رَجَوتُكَ يا عليُ تَعيشُ بَعدِي      وَتُوَسِّد جُثَّتي رَمْسَ اللحودِ

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون
والعاقبة للمتّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

42

اليوم الثامن

 اليوم الثامن

 
العلاقة مع القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف 

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

يا صاحبَ العَصرِ أدرِكنا فَليسَ لَنَا          وِرْدٌ هَنيءٌ وَلا عَيشٌ لَنَا رَغَدُ

طَالَت عَلينَا لَيَالِي الانتظارِ فَهَلْ             يا ابن الزَكيّ لليلِ الانتظارِ غَدُ

فانهَض فَدَتْكَ بَقَايَا أنفُسٍ ظَفَرَتْ           بِهَا النَوائِبُ لَمَّا خَانَهَا الجَلَدُ

هَبْ أنَّ جُندَكَ مَعدُودٌ فَجَدُّكَ قَد             لاقَى بِسَبعينَ جَيشَاً مَا لَهُ عَدَدُ

فَشَدَّ فِيهم بَأبطالٍ إذَا بَرَقَتْ                 سُيوفُهُم مَطَرُوا حَتفَاً وما رَعدُوا

يا آلَ أحمَدَ جُودُوا بالشِفاعَةِ لِي           فِي يومٍ لا وَالدٌ يُغنِي وَلا وَلَدُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

43

اليوم الثامن

 يقول تعالى: ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾1

 
الحديث عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو الحديث عن الحقّ في وجه الباطل، والعدل في وجه الظلم، فالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو القائم المنتظر الذي سيخرج ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المهدي منّا أهل البيت... يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.."2.
 
الانتظار:
 
بعد أن غاب مولانا صاحب العصر والزمان غيبته الكبرى، سمّي هذا العصر بعصر الغيبة، فماذا نفعل في هذا العصر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عزّ وجلّ"3. هنا نسأل أنفسنا: هل الانتظار هو بأن نجلس في البيت أو في المسجد والحسينية ونعتزل الناس والعمل في المجتمع، حتى يظهر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ؟! أم هناك أمر آخر نقوم به؟. والجواب: هناك نوعان من الانتظار:
 
 
 

1- القصص:5-6.
2- الحاكم النيسابوري، مستدرك الصحيحين، ج4،ص557.
3- الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1،عن البحار، ج52.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

44

اليوم الثامن

 1- الانتظار السلبي:


وهو أن نجلس في البيت أو في المسجد والحسينيّة ونعتزل الناس والعمل في المجتمع، وندعو الله ليظهر لنا القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف دون أن نحرّك ساكناً سوى الدعاء بتعجيل الظهور. 

2- الانتظار الايجابي:

وهو يعني التمهيد لخروج حبيب قلوبنا وقائدنا المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وذلك من خلال العمل والجهاد والالتحاق بالنهج المحمّديّ الأصيل، الذي يمهّد بالقول والفعل لظهور مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

يقول الإمام السيّد علي الخامنئي(دام ظله): "واجبكم اليوم أن تمهّدوا له الأمور، لكي يأتي وينطلق من تلك القاعدة المهيّئة... والتمهيد يتمّ بالالتزام بالأحكام الإسلاميّة والقرآنيّة..".

إذن فالانتظار الإيجابي هو المطلوب، وهو الذي يمهّد لتعجيل الفرج بظهور مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

أنصار القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف: 

لقد وردت الكثير من الروايات التي تتحدّث عن مواصفات أصحاب وأنصار الإمام المهدي عليه السلام ومن هذه المواصفات:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

45

اليوم الثامن

 الإيمان ومعرفة الله: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "ويحاً للطالقان، فإنّ لله عزّ وجلّ بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضّة، ولكن رجال مؤمنون عرفوا الله حقّ معرفته، وهم أنصار المهدي في آخر الزمان".


الشجاعة: ينقل صاحب كتاب البرهان حديثاً فيه صفات أصحاب المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فيقول: "يخرج إليه الأبدال من الشام وعصب أهل المشرق، وإنّ قلوبهم زبر الحديد، رهبان الليل، ليوث النهار".

الإخلاص: عن الإمام الباقر عليه السلام: "...كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو ناوى الجبال لناويناها معه".

العبادة والدعاء: كما مرّ في الحديث السابق: "فيسير مع قوم أسد النهار، رهبان الليل".

الثبات: "لا تزال عصابة من أمّتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها، لا يضرّهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحقّ إلى أن تقوم الساعة".

فالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يريد أبطالاً كأبطال كربلاء، ويريد تضحيات كتضحيات كربلاء، وهل يوجد تضحية أكبر من مصيبة الإمام الحسين عليه السلام بطفله الرضيع؟!
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

46

اليوم الثامن

 جاء في الحديث الشريف أنّ الإمام المهدي عليه السلام يأتي كربلاء ومعه مجموعة من أنصاره وشيعته، ويقف على قبر جدّه الحسين عليه السلام يزوره... وهو يقول: ما ذنب هذا الطفل الرضيع حتى يذبح... فيضجّ من حوله بالبكاء والنحيب...


إذا كانت لوعة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بهذه الحرقة لطفل جدّه الحسين عليه السلام، فكيف لنا أن نتصوّر أباه الحسين عليه السلام وهو ينظر إلى ولده الرضيع مخضّباً بدمه والسهم مشكوك في رقبته؟!، وهو يرفرف على صدره كالطير المذبوح... 

ولو تَراهُ حَامِلاً طِفلَهُ                رَأيتَ بَدراً يَحمِلُ الفَرقَدا 

بل كيف حال أمّه الرباب           وهي ترى رضيعَها مذبوحاً 

وكلُّ رَضيعٍ يَبتَغِي ثَديَ أمِّهِ         وَيرضَعُ مِن ألبانِها ثُمّ يُفطَمُ 

سِوَى أنَّ عبدَ اللهِ كان رِضاعَهُ      دِمَاهُ وَغَذَّتْهُ عن الدُرِّ أَسهُمُ 

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

47

اليوم التاسع

 اليوم التاسع

 
إطاعة الولي

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

وَقَفَ الفَتَى في سَاحَةِ المَيدَانِ               فَرأى الخُيولَ وصَولَةَ الطُغيَانِ

ورَأى الحُسينَ تَكاثَرتْ أعداؤهُ              بُغضَاً لهُ في طَاعِةِ السُلطانِ

فأتَى إليهِ مُواسِياً مُستَعطِفاً                  أرجوكَ عَمِّي رَحمةً بِجَنَاني

دَعنِي أذودُ عن الرسولِ وشَرعِهِ           عَلِّي أفوزُ بِجَنَّةِ الرِضوانِ

ومَشَى إليهم ثِائِراً ومُردِّداً                  إنْ تُنكِرونِي فالحُسامُ لِسانِي

أمضِي على دِينِ النبيِّ مُوَحِداً              ومُجَسِّداً بِقِتالِكُم إيماني
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

48

اليوم التاسع

 قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾. النساء: 59

 
إنّ الله يأمرنا في القرآن الكريم أن تكون الطاعة له تعالى وللنبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولأولي الأمر الذين هم أهل البيت عليهم السلام. ونحن نعلم أنّ الأئمة الذين تجب طاعتهم أوّلهم أمير المؤمنين عليه السلام وآخرهم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
 
أمّا في عصر غيبة الإمام المهدي فمن هو الذي تجب طاعته؟. والجواب: هو الولي الفقيه الجامع للشرائط.
 
والإمام الخميني قدس سره هو الولي الفقيه الذي أقام الجمهوريّة الإسلاميّة، والذي حقّق من خلالها حلم الأنبياء عليهم السلام ، فقام الإمام الخميني بإحياء الإسلام وتأسيس الدولة الممهّدة لمولانا صاحب العصر والزمان. وبعد رحيل الإمام الخميني قدس سره كان الفقيه الجامع للشرائط هو الإمام السيّد علي الخامنئي(دام ظلّه الوارف)، حيث ما زال يحافظ على هذه الدولة المهدويّة، ويعمل على التمهيد لظهور مولانا صاحب العصر والزمان.
 
جهاد الإمام الخامنئي:
 
للسيّد القائد تاريخ طويل ومشرق في عالم الجهاد، وهذا ما يظهر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

49

اليوم التاسع

 من المناصب التي ترأسها والمهام التي أوكلت إليه. فقد أرسله الإمام الخميني قدس سره عام 1963 إلى مشهد لنشر بذور الثورة في عدد كبير من القرى والمدن. ولولا ذهاب الإمام الخامنئي والشهيد شمران أثناء الحرب إلى مدينة الأهواز وأمرهما بحفر الخندق حول أطراف المدينة لسقطت المدينة.


كما تظهر شجاعته وصلابته من خلال مواقف عديدة أبرزها صلاة الجمعة التاريخيّة، حينما كان يخطب سماحته وكانت طائرات العدو في السماء مهدّدة صلاة الجمعة، وفي الأثناء وقع انفجار بين المصلّين سقط فيه العشرات بين شهيد وجريح، ولكنّ الإمام الخامنئي بقي يتابع الخطبة والصلاة واستطاع بقوّته وبتوفيق من الله وبأسلوبه أن يعيد السكينة والهدوء إلى جموع المصلّين.

نعي:

نعم أيّها الأحبّة، هكذا هم قادة الإسلام، هكذا هم الحسينيّون الكربلائيّون، فأبناء الحسين كباراً كانوا أم صغاراً، تتجلّى فيهم المحبّة والطاعة لأوامر القائد، ففي كربلاء كان الحسين عليه السلام الولي وكان أصحابه وأهل بيته من أوفى وأخلص المطيعين، فمن أصحابه زهير
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

50

اليوم التاسع

 ومسلم، ومن أهل بيته العبّاس وعلي الأكبر والقاسم، نعم القاسم ذلك الشبل الحيدريّ الذي لم يتجاوز ثلاثة عشر عاماً، أبى إلّا أن يقتل بين يدي عمّه عليه السلام. ففي ليلة العاشر من المحرّم جاء القاسم إلى عمّه الإمام الحسين عليه السلام ليسأله عن تكليفه ودوره يوم عاشوراء، نعم يا أنصار المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يجب أن نسأل عن تكليفنا كما فعل القاسم بن الحس عليه السلام، فقال له الإمام الحسين عليه السلام: "كيف ترى الموت"؟! فأجابه القاسم: بأنّه أحلى عندي من العسل، فأخبره الإمام الحسين عليه السلام أنّه سيقتل غداً في يوم العاشر.


بقي القاسم منتظراً وعد عمّه، ولمّا استشهد علي الأكبر، ولم يبق سوى الإمام الحسين عليه السلام والعباس عليه السلام وإخوته، اقترب القاسم ووقف بين يدي عمّه الحسين عليه السلام طالباً منه الإذن بالنزول إلى المعركة: فقال له الإمام عليه السلام: "أعزمت على الموت يا عمّ".

فقال القاسم وكيف لا أعزم وأنا لا أرى لك ناصراً ولا معيناً".

ثمّ قال له الإمام الحسين عليه السلام: " أنت وديعة أخي الحسن".

ثمّ نادى الحسين عليه السلام العقيلة زينب عليها السلام وطلب منها أن تحضر صندوقاً فيه ذكريات عن الإمام الحسن عليه السلام. فتح الصندوق فأخرج
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

51

اليوم التاسع

 رداءً للإمام الحسن عليه السلام ألبسه لولده القاسم، واخرج عمامة للإمام الحسن عليه السلام فألبسها للقاسم، واخرج سيفاً للحسن عليه السلام قلّده للقاسم، ثمّ قال له: "بني امش أمامي حتى املأ عينيّ منك"، فمشى القاسم، فراح الإمام الحسين عليه السلام يبكي ودموعه تنحدر على خدّيه الشريفين. 


ثمّ برز القاسم إلى المعركة وراح يضربهم بسيف أبيه، وأثناء القتال انقطع شسع نعله اليسرى، فانحنى ليصلحه، فضربه لعين على رأسه، فصاح القاسم: "أدركني يا عمّاه". فأسرع الحسين عليه السلام إليه فقتل قاتله، ثمّ جلس عند رأسه وهو يقول: "يعزُّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك شيئاً".

"هذا يوم كثر واتره وقلّ ناصره" 

فَراحَ يُصلحُ شِسعَ النعلِ في عَجَلٍ       وحولَهُ ضُرِبَت للموتِ أبواقُ

لِقاسم مِن حَشَى الأعمَاقِ آمَاقٌ           لِقاسم مِن لَظَى الأشواقِ أشوَاقُ

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون
والعاقبة للمتّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

52

اليوم العاشر

 اليوم العاشر

 
المسجد

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

مَدى الأيّامِ لا أنسَ حُسيناً                وقد رَضَّت مفاصِلَهُ الخُيولُ

على الرَمضاءِ مُلقىً دونَ رَأسٍ          سَليب الثوبِ مَوتورٌ قَتيل ُ

له تَبكي مَلائكةُ السَماءِ                  ويندبُهُ عَليٌّ والبَتولُ

غَريباً ثَاوِياً في الطَفِّ ظُلمَاً              لهُ الرحمنُ يَغضَب ُ والرسولُ

يقولُ اللهُ يا شرَ البَرايا                  قتلتُم صَفوَتي فمَنِ البَديلُ

يزيدُ الفِسقِ أمْ ابنُ الدَّعِيِّ              عُبَيدُ اللهِ ذا خَطبٌ جَليلُ

بَنو الزهراءِ في قَتْلٍ وأسْرٍ              وأبناءُ البَغايا تَستَطيلُ

جَزاكَ اللهُ في الأخرى ثَواباً             جِوار اللهِ والأجرُ الجزيلُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

53

اليوم العاشر

 جاء في الحديث الشريف عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من مشى إلى مسجد من مساجد الله، فله بكلّ خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات".


فالمسجد هو المكان المطهّر الذي نسبه الله إليه، فقال تعالى كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهّر في بيته، ثمّ زارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر".

كما أنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ من عبده أن يجلس في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبر أبا ذرّ الغفاري(رضوان الله عليه) قائلاً: "إنّ الله يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكلّ نفس تتنفّس فيه درجة في الجنّة، وتصلّي عليك الملائكة".

وتعظم الضيافة الإلهيّة للعبد المؤمن حينما يؤدي الصلاة في المسجد، فإنّ كلّ بقعة من بقاع المسجد تشهد على المصلّي يوم القيامة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "صلّوا في المساجد في بقاع مختلفة فإنّ كلّ بقعة تشهد للمصلّي يوم القيامة".

دور المسجد:

لقد شدّد الإمام الخميني قدس سره على دور المسجد وأهميّته فكان
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

54

اليوم العاشر

 يقول: "إنّ حفظ المساجد من الأمور التي يعتمد عليها وجود الإسلام اليوم". كما كان يطلب قدس سره من المؤمنين ويقول: "لا تهجروا المساجد فإنّ ذلك هو تكليفكم".


إنّ للمسجد دور كبير في حياة الإنسان والمجتمع، وهذا ما أكّدت عليه الكثير من الروايات الشريفة، ويمكن لنا أن نستنج العديد من العناوين من هذه الروايات:

بيت القرآن:
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما نصبت المساجد للقرآن".

بيت الصلاة والدعاء:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "عليكم إتيان المساجد فإنّها بيوت الله في الأرض.. فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء".

بيت العلم:
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من راح إلى المسجد لا يريد إلّا ليتعلّم خيراً أو ليعلّمه فله أجر حاجّ تامّ الحجّة".

بيت الأخوة:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يرجع صاحب المسجد بأقلّ من أحد
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

55

اليوم العاشر

 ثلاث: (منها) أخ يستفيده في الله".


بيت الدفاع عن المسلمين:
وهذا العنوان أطلقه الإمام الخميني قدس سره حيث قال: "المسجد أحد خنادق الدفاع عن الإسلام، والمحراب محلّ للحرب".

نعم المسجد هو أحد الخنادق، التي تأوي المجاهدين، فالإمام الحسين عليه السلام لم يخرج عبثاً، بل خرج لحفظ الإسلام من الضياع، لحفظ المساجد والصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

نعي:

في يوم العاشرمن المحرّم وقف الإمام الحسين عليه السلام وحيداً فريداً بعدما استشهد جميع أصحابه والشبّان من أهل بيته دفاعاً عن الصلاة والصوم والمسجد.. أو فقل عن الإسلام، وقف في ساحة كربلاء ينادي: "هل من ناصر ينصرنا" ولمّا لم يجد أحداً يجيبه لأنّ الناصرين قد استشهدوا وأهل الحقّ قد قتلوا. فما كان من الإمام الحسين روحي وروح العالمين له الفداء إلّا أن توجّه إلى الأعداء وراح يقاتلهم، فقتل منهم عدداً كبيراً، وفرّق جمعهم، ولكنّهم افترقوا عليه أربع فرق فرقة تضربه بالسيوف، وفرقة بالسهام، وفرقة بالرماح، وفرقة بالحجارة، إلى أن
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

56

اليوم العاشر

 جاءه حجر فأصاب وجهه، فانبعث الدم كالميزاب، فجعل الإمام عليه السلام يلطخ به وجهه ولحيته، وهو يقول:"هكذا أكون حتى ألقى جدّي رسول الله وأقول ياجدّاه قتلني فلان وفلان". ثمّ أخذوا يرمون سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروح الزهراء عليها السلام بالنبال والرماح، فسقط عن جواده، فأحاطوا به وراحوا يضربونه بالسيوف والرماح حتى أصبح جسده مثخناً بالجراح، وبقي هكذا إلى أن جاءه شمر اللعين وضربه بالسيف ثمّ احتزّ رأسه، فاستشهد روحي له الفداء... رحم الله من نادى: واحسيناه، وا سيّداه، وامظلوماه...


وبعد استشهاد الإمام عليه السلام هجم جيش عبيد الله بن زياد إلى الخيام، فأضرموا فيها النيران وأخرجوا من فيها سبايا.

فنحنُ الضائِعاتُ بِلا كَفيلٍ              ونحنُ النائِحاتُ على أخينا

ونحنُ السائِراتُ على المَطايَا          نُشَالُ على جِمالِ المُبغِضِين

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون
والعاقبة للمتّقين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

57
مجالس الناشئة