الشباب ذخيرة الإسلام


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-06

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
يقول اللَّه عزَّ وجلَّ في كتابه المبارك:
 
﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ... نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ 1.
 
يحكي اللَّه عزَّ وجلَّ في هذه الآيات الكريمة قصة أهل الكهف، وهم الفتية الذين كانوا في خدمة الملك "دقيوس" ملك مدينة "إفسوس" من بلاد الروم، حيث تقع في تركيا حالياً، وكيف آمن أولئك الشباب بربِّهم من خلال التدبر في أحوالهم وأحوال الدنيا.
 
والأمر المهم هو أنهم كانوا من المقربين إلى ذلك الملك، وكانت الدنيا تحت أيديهم ينالون منها ما يشاءون، لكنهم مع ذلك عندما وصلوا إلى رتبة الإيمان باللَّه تخلوا عن الدنيا وزينتها، وفرُّوا بدينهم إلى اللَّه طالبين منه العون والنصرة، وصادفوا في طريقهم راعٍ فأخبروه بقصتهم 
 
 


1- الكهف: 10-14.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 فآمن معهم وصار منهم وكان مجموعهم سبعة وكان معهم كلبُ الراعي، وعندما علم الملك بهربهم ذهب خلفهم مع جنوده حتى عثر عليهم في الكهف وكان ملك الموت قد قبض أرواحهم قبل وصوله بأمر من اللَّه، وعندما رآهم على تلك الحال أمر بسدِّ باب الكهف عليهم بالكلس والحجارة، وقال لجنده: "قولوا لهم ليقولوا لإلههم في السماء لينجيهم ويخرجهم من هذا الوضع".


المميَّز في القصّة أنهم كانوا شباباً توجهوا للَّه تعالى بعد إيمانهم به بصدق واخلاص، وخصوصيّة الشباب أن قابلية التغير والتحول موجودة عندهم بشكل أقوى وأكثر فاعلية من غيرهم، ويمكنهم أن يزدادوا هدىً ومعرفة حيث لم يصلوا إلى أرذل العمر، حيث تقل قدرتهم على المعرفة والعمل.

فالقصة تحاكي قصة الشباب في أي عصر حيث تتفتح أمامه في تلك السن أبواب الشهوة كلها.

فالإنسان بعد طي مرحلة الطفولة يدخل مرحلة "البلوغ" الحساسة جداً من حياة الإنسان، لأنه في هذه المرحلة تبدأ إدراكاته العقلية بالانفتاح على الدنيا، وتكون إمكاناته الجسدية في طور الاكتمال، ويبدأ مرحلة جديدة نسميها بمرحلة الشباب، وهنا ينزع الشاب إلى إثبات نفسه وتحقيق شخصيته المستقلة، فإذا لم يكن تحت المراقبة ولم يكن هناك إرشاد وتوجيه، فسوف يتفلت الشاب من كل الضوابط خصوصاً إذا كانت البيئة أو 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

المقدمة

 المحيط فاسداً أو غير صالح، ولم يكن الشاب قد تحصَّن في مرحلة ما قبل البلوغ بالتربية الإسلامية الصالحة.


وقد ورد في الأحاديث ما يشير إلى خطورة هذه المرحلة ــ مرحلة الشباب ــ فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

"الشباب شعبة من الجنون".

وعن الإمام الصادق عليه السلام:

"لستُ أحب أن أرى الشاب منكم إلاّ غادياً في حالين (إما عالماً أو متعلماً) فإن لم يفعل فرَّط وضيَّع، فإن ضيَّع أثِمَ، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق".

وعن الإمام الباقر عليه السلام:

"لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لم يتفقه لأدبته".

ولا شك أن هذه النصوص تشير إشارات واضحة وصريحة إلى مخاطر ترك الشاب يدخل معترك الحياة من دون حصانة فكرية وعقائدية وفقهية وأخلاقية وسلوكية، لأن ذلك سوف يؤدي حتماً إلى الوقوع في الذنوب والمعاصي والضياع كما يحلف بذلك الإمام الصادق عليه السلام.

ويؤكد الإمام الباقر عليه السلام بأنه حاضر لتأديب الشاب إذا لم يتفقه، والتفقه هنا يراد به التعلُّم الأعم الذي يشمل كل جوانب الإسلام لأنه بالعلم من جهة والتربية الصالحة من الجهة الأخرى يقدر على الوقوف عند 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

المقدمة

 الحدود والضوابط الشرعية ولا يتجاوزها لأنه يحمل سلاحاً رادعاً.


ولذا نجد في الأحاديث مدحاً كثيراً للشاب المؤمن الملتزم، ومن ذلك ما ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:

"ما من شاب يدع الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في طاعة اللَّه إلا أعطاه اللَّه أجر اثنين وسبعين صدِّيقاً".

وكذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم:

"إن أحبَّ الخلائق إلى اللَّه عزَّ وجلَّ شاب حدث السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله للَّه وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول (هذا عبدي حقاً)".

وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم:

"إن اللَّه يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعة اللَّه".

والشاب تقع عليه المسؤولية الكبرى تجاه نفسه، لأنه المسؤول الأول عن أفعاله، سواء تهيأت له التربية الصالحة في مرحلتي الطفولة والشباب أو لم تتهيأ، لأنه كشاب قد صار مكلَّفاً ومسؤولاً عن أفعاله وأعماله ولا عذر له عند اللَّه لو غفل عن تربية نفسه وعن تهذيبها وتأديبها، لأنه كمسلم لا بد أن يعلم أن هناك حدوداً وضوابط شرعية لا تجوز مخالفتها أو التعدي عليها لأنه يترتب عليها مسؤولية أمام اللَّه عزَّ وجلَّ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

المقدمة

 فالشاب المسلم ينبغي أن يلتفت إلى نفسه أولاً وقبل كل شيء ليحصنها بالارتباط باللَّه والاستعانة به والتوكل عليه، ثم يسعى إلى تأمين حياته إما من خلال التعلُّم ليكون عنصراً فاعلاً في المجتمع، كالطبيب أو المهندس أو غير ذلك من الاختصاصات المحتاجة إلى سنوات من الدراسة والتعب، أو أن يتعلم مهنة أو حرفة ما، ليقدم من خلالها خدماته للمجتمع أيضاً، لأن حياة الناس تحتاج إلى كل ذلك.


أما أن يعيش الشاب حياته بلا تعلُّم لاختصاصٍ ما أو مهنة وحرفة ما ويعيش عالة على أهله أو المجتمع، ويعيش الفراغ من كل هذه النواحي، فهذا هو الخطر بعينه، لأن هذا الفراغ هو المدخل للكثير من المفاسد، لأن الشاب لا بد أن يملأ ذلك الوقت الفراغ بشيء ما، ولن يجد مجالاً أمامه إلا العبث واللهو واللغو مع من يماثله من الشباب الفارغ والخالي، ومن هنا تتكون حلقات الفساد بين الشباب الذين قد يوغلون كثيراً في خط الانحراف، وقد لا يقتصر الأمر على افساد أنفسهم، بل قد يجرون معهم الكثير من أمثالهم أيضاً كما نرى ذلك في مجتمعاتنا وفي المجتمعات المعاصرة التي أهملت جانبي التربية والتعليم الصحيحين، وتركت الشباب عرضة لأصحاب العقائد الفاسدة والسلوك المنحرف في كل الاتجاهات الفكرية والأخلاقية.

من كل ذلك نقول إن الشباب هو المرحلة المفصلية في 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

المقدمة

 حياة الإنسان والتي تحدّد المسار لمستقبل حياته من خلال التوجه والسلوك الذي يتخذه في هذه المرحلة الحرجة، فإذا أحسن الاختيار ضمن حياته للحاضر والمستقبل، وإن أساء الاختيار خسر الحاضر ولن يضمن المستقبل، وقد أحسن السيد القائد الإمام الخامنئي في تشخيص مرحلة الشباب حيث يقول في خطابٍ له:


(أما الشاب فإنه يعيش حالة من تطور الأحاسيس والغرائز والنمو الجسدي والروحي وهو يخطو نحو عالم جديد بالنسبة له، وعلى الأغلب فإن المحيطين به من أهل وأفراد المجتمع يجهلون هذا التحول أو الانتقال الجديد، أو لا يهتمون لأمره، مما يدعو الشاب للشعور بالعزلة والوحدة، والشاب في مرحلة شبابه يواجه عالماً كبيراً يكتشفه للمرة الأولى حيث لم يسبق له تجربة هذا العالم، أو الاحتكاك بشخصياته التي يقابلها، ولهذا فإنه يشعر بحاجته للدليل والمرشد والعون الفكري، والمؤسسات التي ينبغي أن تمده بهذا العون قد لا تساعده أو لا تعطيه الوقت الكافي الذي يحتاج إليه).

فالشباب وهم رصيد الأمة لمستقبلها، أمانة في أعناق المجتمع الذي يعيشون فيه، خصوصاً في أعناق الفئة القادرة على التوجيه الصحيح والهادف، كما أن الشباب 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

6

المقدمة

 أنفسهم هم مسؤولون عن البحث عمن يأخذ بيدهم نحو سلوك طريق الإيمان الصحيح والاستقامة في الفكر والسلوك والتوجهات العملية في الحياة ليكونوا قادة المستقبل بنحو فاعل ومنتج ومفيد.


وبعد هذه المقدمة التي تشكل مدخلاً تعالوا نلج في الموضوع لنبحث الصورة النموذجية التي رسمها الإسلام للشاب المسلم من خلال البحث في صفات شباب الإسلام.
 
 
جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

7

الدرس الأول: صفات شباب الإسلام

 الدرس الأول: صفات شباب الإسلام  


الشباب في الإسلام

الشباب في دين اللَّه جلَّ جلاله يتحمَّل مسؤولية كاملة تجاه بارئه تبارك وتعالى فيما يُصطلح تسميته "بالتكليف الشرعي"، فيُصبح موضع توجهٍ للقيام ببعض الأمور وترك بعضها على سبيل الإلزام، على أن يُعاقب في حال المخالفة، دنيوياً وأخروياً، ومن جملة ذلك، القيام بالأدوار الاجتماعية المختلفة، والعبادية، والإنقاذية، والتطوعية، والسياسية، والجهادية، وطلب العلم، والمؤازرة، وسائر أنواع ما يُمكنه تحمُّله تحت عنوان "التكليف الشرعي" في حال البلوغ والقدرة وسائر الشروط الأخرى...

من هنا يُمكن للمتمعِّن والضليع في الأحكام الإسلامية الإلهية أن يرى بوضوح وتمييز أن الشاب، من وجهة نظر إسلامية، ليس طفلاً صغيراً ساذجاً تافهاً مهمَّشاً، همُّه بطنه وطلباتُه ولِعَبُهُ وعبثه "وتضييعُ وقته" ومَنْ يُسيِّر شؤونه، وبتعبيرهم "مراهقاً"، يعيش على هامش تطورات وأخطار الحياة، ومصير أمَّته.

بل على العكس تماماً، الشباب في الإسلام، له دوره الفاعل والحاسم والمتقدِّم، فنراه دائماً في الطليعة الجهادية، والمقدَّمة الميدانية، يُحيط بقضايا الأمة الأساس، كما كان ذلك في الرعيل الأول، وكلِّ تاريخ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

8

الدرس الأول: صفات شباب الإسلام

 الإسلام والأولياء والصلحاء، إلى يومنا هذا، حيث شهدنا حضور الشباب الذي شكل العمود الفقري للمقاومة الإسلامية الميدانية منذ أواسط الثمانينات، وفي عمليَّاتها الفاصلة، وحتى أيامنا هذه بعد التحرير والظفر وأيضاً من خلال حضور الشباب في كافة أشكال ووجوه صيانة الإسلام.


وليس هذا مستغرباً إلاَّ لِمَن يجهل الإسلام، أو مُستنكراً إلاّ لِمَنْ يُبغض دينَ اللَّه تبارك وتعالى.

والشاب الذي يريد بنائه الإسلام هو:

1- المتَّزن، المنضبط، الجاد، الهادىء، الحكيم، الذي لا ينصرف إلى شكله ومظهره وشعره، والحركات المشبوهة، والتصرفات المستنكرة... كما هو شائع، بل ومطلوب في عالم اليوم، المتخم بوهم التحرر، إلى حدِّ الانتحار! حتى غدا التحرر عبثاً ولهواً ومجوناً وعبودية لكل شيء إلا اللَّه.

وقد ورد في الحديث عن قدوة شبابنا رسول اللَّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوله:

"خير شبابكم مَنْ تشبَّه بكهولكم".

2- الملتزم، المتعبِّد، الساعي إلى رضا اللَّه جلَّ جلاله، الذي يقضي وقته فيما يُفتخر به في الآخرة، ولا يُخجل منه في الدنيا.

في الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:

"ما من شاب يَدَعْ للَّه الدنيا ولَهْوَها، وأهرم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

9

الدرس الأول: صفات شباب الإسلام

 شبابَه في طاعة اللَّه، إلاَّ أعطاه اللَّه أجر اثنين وسبعين صدِّيقاً".

 
وعندما أظهر أمير المؤمنين عليه السلام أَلَمَهُ من فساد الزمان، أشار إلى الشباب السيِّء الخُلُق، تماماً كزماننا هذا، كمظهرٍ للانحراف المضيِّع للطاقات والدور المأمول، فهو زمان
 
"القائلُ فيه بالحق قليل، واللِّسان عن الصدق كليل... أهلُهُ معتكفون على العصيان، مصطلحون على الادهان، فتاهم عارم" (شرس سيِّء الخلق).
 
(قارن كلام الإمام عليه السلام بما نحن فيه اليوم)1.
 
3- المقبل على التفقه، المحصِّلُ للعلم النافع الذي يحتاجه في سائر مواقع حياته، عن أمير المؤمنين عليه السلام:
 
"فالعلم في الصغر، كالنقش في الحجر".
 
والشاب الذي لا يتعلَّم2، يُنكِرُ الإسلام عليه ذلك، فالشاب المسلم إما طالبٌ للعلم وإمَّا معطٍ له إنْ كان أهلاً لذلك.
 
 
 

1- نهج البلاغة، الخطبة 223.
2- مفهوم العلم المقصود في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ والأحاديث الشريفة، مختلف تماماً عمَّا هو شائع اليوم، وما يُستشهد به في المناسبات... والأمر بحاجة إلى حديث مستقل. ونفس الكلام يَرِدُ في مفهوم العقل، التمدُّن، الحضارة، التجديد، الحداثة...



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

10

الدرس الأول: صفات شباب الإسلام

 رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام قوله:
 
"لو أُتيتُ بشاب من شباب الشيعة لا يتفقَّه، لأدَّبْتُه".
 
وعن مولانا الصادق عليه السلام:
 
"لستُ أُحبُّ أن أرى الشاب منكم إلاَّ غادياً في حالين: إمَّا عالماً أو متعلِّماً، فإنْ لم يفعل فرَّط، فإنْ فرَّط ضيَّع، فإنْ ضيَّع أَثِم، وإنْ أثم سكن النار، والذي بعث محمداً بالحق".
 
4- المُسخِّر لطاقته وحيويَّته ونشاطه وقوته في سبيل اللَّه تبارك وتعالى، وهذا دليل إدراكٍ لمعنى الشكر الحقيقي الذي ليس هو لَقْلَقَهُ لسان فقط كما يظن البعض، بل أعلى درجات الشكر الذي يُديم النِّعم، ألا وهو استعمالُ كلِّ العطايا الربانية في ما يُرضي اللَّه عزَّ وجلَّ.
 
وهذا من علامات عمق الإيمان، فكُلَّما ابتعد الشاب عن المعصية والتزم بما يرضى الخالق تعالى ويُحب، كُلَّما كان كبير الإيمان ثابت الجنان.
 
رُوي عن مولانا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:
 
"إنَّ اللَّه يُحبُّ الشاب الذي يُفني شبابه في طاعة اللَّه".
 
فالعبارة لم تذكر استخدام الشباب فقط بل افناؤه في سبيل اللَّه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

11

الدرس الأول: صفات شباب الإسلام

 وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:


"إنَّ أحبَّ الخلائق إلى اللَّه عزَّ وجلَّ شابٌ حَدَثُ السِّن في صورةٍ حسنة، جعل شبابه وجماله للَّه وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقاً".

صحيح أن الرواية ذكرت حسن المظهر والمنظر الذي لا ينكر محبوبيته ولكنها ركزت على جعله للَّه.

5- الغيور، الشاب المسلم غيور لا يرضى الاعتداء على مقدَّساته وحرماته ثم يجلس ساكتاً لا يُحرِّك ساكناً، فضلاً عن أن يكون راضياً أو مبتسماً... كما يحدث في المجتمع في هذا الزمان.

فالشاب المسلم لا يغضُّ الطَرْف عن العدوان، خاصة على المقدَّسات والأعراض... وفي هذا المجال، معروفةٌ فتوى العلماء رضوان اللَّه عليهم، في مَنْ مات دون ذلك فهو شهيد.

رُوي عن سيدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:

"إنَّ اللَّه ليُبْغِضُ الرجلَ يُدْخَلُ عليه في بيته فلا يُقاتل".

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:

"كان إبراهيم أبي غيوراً، وأنا أغير منه، وأرغم اللَّه أنف مَنْ لا يغار من المؤمنين".

وهذا كلُّه من علامة أهل الإيمان، وفي النص الشريف:

"إنَّ الغيرة من الإيمان".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

12

الدرس الأول: صفات شباب الإسلام

 وربَّما يجهل الكثيرون، خاصةً في هذه الأيام، أنَّ الغَيْرة واجبةٌ على الرجال1، وهذا للأسف ناتج عن حالة التفلُّت التي نراها عبر وسـائل الإعـلام، وكـثرة الاعتداءات والشواذات، واعتياد المفاسد، وشياع الاختلاط والمفاكهة بين الرجال والنساء، في الجلسات المنزلية أو العامة، بل في وسائل الإعلام كذلك، مع تحفُّظ الإسلام على ذلك.

 
6- الحياء، من خير صفات الشاب المسلم، وهو من أبرز صفات سيدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، خاصة في الكلام واللِّباس، وهما أمران يستحبَّان اليوم بشكل أكيد.
 
فمخالفة الحياء قولاً شائع من خلال السُّباب والشتائم والكلمات المحرَّمة التي تُطلق علناً في الشوارع والأماكن العامة وبصوت عالٍ، دون خجل. مع أن الرواية تصرح:
 
"ولا إيمان لِمَنْ لا حياء له".
 
ومن جملة ابتلاءاتنا، أنَّ بعض هذه الكلمات آخذةٌ بالانتشار والشياع في بعض البرامج التلفزيونية والنشاطات المسرحية، حيث تُسمى الأشياء بأسمائها، تحت عنوان الحرية والانفتاح وإضحاك الجمهور... ويُنسب منكرُ ذلك إلى "التزمُّت والظلامية"!
 
أما مخالفة الحياء في اللباس، فمن جملة مظاهره
 
 
 

1- انظر وسائل الشيعة الجزء 14، ص107، باب 77.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

13

الدرس الأول: صفات شباب الإسلام

 لبس "الشورت" للشباب والتجوُّل به في الأسواق، أو الوقوف على الشرفات، أو إظهار أكثر الجسم، أو لبس الثياب الضَّيِّقة الشفَّافة، أو فتح الأزرار ليُظهر الصدر..." ومَنْ لم يستحِ من النَّاس، لم يستح من اللَّه سبحانه".

 
فالحياء من صفات الشاب المسلم، لأنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان أشدَّ حياءً من الفتاة في خدرها، وإنْ كنا في زمان يعتبر البعض الحياء "عقدة نفسية"، وتركه انفتاح وجرأة!
 
وصدق اللَّه العظيم القائل:
 
﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ 1.
 
7- نُصرة الإسلام، هي القضية الأساس والهدف الأسمى للشاب المسلم الذي يكون دوماً مستعداً للتضحية والجهاد في سبيل اللَّه، وهو يعلم أنَّه بقدر ما نكون أقوياء بقدر ما نحافظ على وجودنا وحقوقنا واستقلالنا... وفوق كل شيء ديننا. وفي مرحلة الشباب لدينا فرصة لإعداد أنفسنا للجهاد والدفاع.
رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام:
 
"تسلَّحوا ولو بشبر من حديد".
 
وقد قيل إن لعلي عليه السلام بيتاً ليس فيه إلا مصحف... وسيف.
 
8- يُحبُّ المستحبات والسُّنن، ويتقيَّد بها ويحرص عليها، وهذا تعبير عن حبِّه لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وإنْ لم يلتزم شبابُ الإسلام بها، فَمَنْ يكون لها؟!
 
 
 

1- النور: 15.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

14

الدرس الأول: صفات شباب الإسلام

 وفي الحديث الشريف:

 
"ومَنْ أحيا سنَّتي فقد أحياني، ومَنْ أحياني كان معي في الجنَّة".
 
والسُّنة والآداب تكون في قيامه وقعوده، وعند نومه، وفور استيقاظه، وعند طعامه وجلساته ومشيته وعباداته... وأن يبقى دوماً على وضوء، ويُصلِّي الصلاة في أول وقتها1. أوليس الخير عادة فمتى يا ترى نبدأ بتعويد أنفسنا على الخير وترك السوء والشر.
 
رُوي عن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال:
 
"... واقتدوا بهَدْي نبيِّكم، فإنَّه أفضل الهدي، واستنُّوا بسُنَّته، فإنَّها أهدى السُّنن"2.
 
ويقول عليه السلام:
 
"أوِّه على إخواني الذين تَلَوُا القرآن فأحكموه، وتدبَّروا الفرض فأقاموه، أحيوا السُّنَّة، وأماتوا البدعة، دُعُوا للجهاد فأجابوا، ووثِقوا بالقائد فاتَّبعوه"3.
 
هذه بعض صفات الشباب المسلم الذين نأمل أن يفتح اللَّه على أيديهم الفتح المبين، وأن يُنجيِّ الضالين منهم من كيد الكافرين وعاداتهم ومسلكهم.
 
 
 

1- يُراجع مستحبات وسُنن وأخلاق النَّبي وآداب السلوك وهي موجودة في المكتبات.
2- نهج البلاغة المبارك، الخطبة 110.
3- المصدر نفسه، الخطبة 182.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

15

الدرس الثاني: قدوة الشباب

  الدرس الثاني: قدوة الشباب

 
بعد أن عرضنا لصفات الشباب المسلم بايجاز تعالوا نطل على سيرة حياة قائد الشباب في هذا العصر وقدوتهم الإمام الخامنئي دام ظله.

مع الإمام القائد

القائد دام ظله يتذكر أيام الشباب:

لا أتذكر متى بدأت أفكر في مستقبلي وماذا ينبغي أن أكون، إلا أن ما كان معلوماً لي ولأسرتي منذ البداية هو أن الكل كان يرغب بأن أصبح أحد طلاب العلوم الدينية، وكانت هذه رغبة والدي ووالدتي، وكانت رغبتي أنا شخصياً فقد كنت أحلم بتلك الدراسة.

لم يكن من المتوقع أن أرتدي ذلك الزي منذ نعومة أظفاري، إلا أن والدي وبسبب معارضته لكل ما كان يتخذه رضا خان البهلوي من قرارات ومنها منع ارتداء الزي الديني لم يكن ليسمح لنا بارتداء الملابس التي أراد أن يفرضها علينا رضا خان بالقوة. حيث أجبر الناس على التخلي عن الزي الوطني وارتداء الأزياء الأوروبية كوضع القبعة على الرأس وما شابه ذلك. إضافة لذلك فقد كان والدي يرغب في أن أواصل دراستي في الحوزة العلمية، أنا بدوري كنت أرغب بالدراسة في الحوزة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

16

الدرس الثاني: قدوة الشباب

 مرحلة الدراسة


لقد شرعت رسمياً بدراسة العلوم الدينية بعد أن أتممت المرحلة الابتدائية ولم أتجه بعدها للدراسة الثانوية، بل قرأت دروسها وحدي دون الالتحاق بالمدرسة. فقد كان جل اهتمامي ينصـبُّ على دروس الحـوزة العلمية، وعليه فيمكنني القول بأني منذ سن الثانية عشرة أخذت أفكر جدياً في مستقبلي فأصبحت طالباً للعلوم الدينية.

قبل ذهابي إلى قم، حضرت - إضافة إلى دراستي عند والدي - الدروس العامة في مشهد، وفي العطلة الصيفية كان والدي يضع لنا برنامجاً دراسياً ويباشرنا بالتدريس، ولهذا السبب لم يحصل توقف في دراستي خلافاً للذين كانوا يدرسون في الحوزات العامة والتي كانت تعطّل في شهري محرم وصفر وشهر رمضان المبارك وفي العطلة الصيفية، فأنهيت دروس السطوح جميعها وشرعت بالبحث الخارج وأنا في السادسة عشر من عمري.

التدريس

لقد شرعت بالتدريس في الأيام الأولى من دراستي الحوزوية أي بعد إتمام المرحلة الابتدائية في المدرسة مباشرة، وبدأت بتدريس كتاب (الأمثل: وصرف مير) لاثنين من علماء مشهد المسنّين، وحتى عام (1958م) حيث كنت مقيماً بمشهد، قمت بتدريس هذه الكتب (الصرف، النحو، المعاني، البيان، الأصول، والفقه).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

17

الدرس الثاني: قدوة الشباب

 وفي قم أيضاً قمت بالتدريس إلى جانب دراستي.


وبعد عودتي من قم إلى مشهد عام (1964م)، كان التدريس أحد برامجي الرئيسية والدائمة، وطوال هذه السنوات حتى عام (1977م)، قمت بتدريس السطوح العليا، (المكاسب والكفاية)، التفسير والعقائد.

أمنيات وهوايات

للأسف لم تكن لنا هوايات كثيرة آنذاك كالتي نشاهدها اليوم في عصرنا الحاضر. كانت هناك الحدائق العامة والمنتزهات، إلا أنها كانت قليلة ولا تلبي الحاجة، على سبيل المثال، كان في مدينة مشهد منتزه واحد داخل المدينة وأجواؤه ملوثة وفاسدة للغاية. ولم تكن طبيعة أسرتنا المحافظة لتسمح بالذهاب والتنزه هناك. لقد كانت تُمثِّل مراكز تستهدف نشر الرذيلة والفحشاء.

وقد كانت السلطة الحاكمة آنذاك تسعى لإفساد الأماكن العامة وإغراقها بالشهوات واللذات المستهجنة، قطعاً كانت تتم هذه الأمور وفق برامج وخطط مدروسة، هكذا كنا نعتقد. ثم تيقنا من ذلك بعد أن أطلعنا على بعض الحقائق والدسائس بهذا الخصوص. ولذلك كنا محرومين من متعة التنزه في الحدائق.

كانت متعتي ومنيتي أبان مرحلة الشباب في حضوري وسط الطلاب، أثناء الاستراحة وتجاذب أطراف الحديث في كافة الأمور، وكانت أجواء المدرسة ممهدة لتلك الجلسات والنقاشات، أضف إلى ذلك فقد كنا نجتمع في 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

18

الدرس الثاني: قدوة الشباب

 مسجد "كوهرشاد" مع بعض العلماء الأعلام الفضلاء، وطلبة العلوم الدينية ونخوض في الأبحاث العلمية، الثقافية والدينية، كانت هذه نزهتي ومتعتي آنذاك. كما كنت وما زلت أمارس الرياضة، ومما يؤسف له أن بعض الشباب قد عزفوا عن الرياضة وهذا ليس من الصواب. كنا نمارس رياضة السير على الأقدام وتسلق الجبال، وكنت أستغرق عدة ليال وأيام في تسلق جبال مشهد منتقلاً من هذا إلى ذاك، والسير على الأقدام من هذه القرية إلى تلك وكان يشاركني في ذلك بعض الأصدقاء. وما أجمل تسلق جبال البرز في طهران بهذا الارتفاع العظيم.


إنّي لأشعر بالأسف من هذا الفراغ الذي يجب أن يملأه الشباب، ينبغي أن يمارس الجميع الرياضة وفي طليعتهم شريحة الشباب طبعاً.

الاهتمام بالمطالعة

كنت كثير المطالعة في مرحلة الشباب، فبغض النظر عن الكتب الدراسية كنت أقرأ الكتب التأريخية، الأدبية، فنون الشعر والنثر، القصص والروايات، كنت أحب الروايات كثيراً وقد قرأت أغلب الروايات المشهورة آنذاك. وقد شغفت بالأحاديث النبوية إثر إجادتي للغة العربية بفضل دراستي ومتابعتي للدروس العربية. وما زلت أذكر جيداً تلك الأحاديث التي تعلمتها في فترة الشباب، كنت أدونها في دفتر صغير، والغريب أني قد لا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

19

الدرس الثاني: قدوة الشباب

 أستحضر بعض الأحاديث التي طالعتها خلال هذا الأسبوع، أو أمس في حين أتذكر كل ما دونته من أحاديث آنذاك. وعليكم أن تلتفتوا لهذه القضية، فاعلموا أن ما تقرأونه اليوم سوف لن يمحى من ذاكرتكم أبداً. حقاً أن مرحلة الشباب مرحلة ذهبية لا يمكن مقارنتها بما سواها من المراحل.


من جهة أخرى فقد كانت لوالدي مكتبة في البيت وقد طالعت أغلبها، طبعاً كنت أستعير بعض الكتب سيما القصص والروايات من مكتبة صغيرة قرب البيت كانت تعير الكتب. وكنت أتردد على مكتبة الحضرة الرضوية المقدسة أوائل دراستي الحوزوية في سن الخامسة أو السادسة عشر من عمري، وكنت أستغرق في المطالعة إلى الحد الذي لم يكن يجعلني أسمع الأذان الذي كان يرفع هناك بأعلى الصوت. كنت قريباً جداً من مكبرات الصوت إلا أني لم أكن أسمع، وبعد مدة كنا نلتفت أنه مرت ساعات على أذان الظهر، كنا نستأنس بالكتب. الذي ينبغي أن تعلموه بأني لم أكف عن المطالعة حتى الآن، بل ما زلت أطالع أكثر من أغلب الشباب.

نظم الشعر

ابتدأت إنشاد الشعر ونظمه منذ ريعان شبابي، إلا أني ولبعض الأسباب تخليت عن إنشاد الشعر في جمعية الأدباء التي أسست آنذاك في مشهد وكنت ناشطاً فيها منذ عدة سنوات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

20

الدرس الثاني: قدوة الشباب

 كانت تلك الأنشطة الأدبية حين كان لي من العمر عشرون أو واحد وعشرون سنة واستمرت حتى عام 1964 و1966، حيث بدأت النشاطات السياسية التي حالت بيني وبين الشعر.


نشاطات سياسية

أما حول دخولي ساحة الجهاد والمعترك اليساسي، كان لي من العمر ربما خمس عشرة أو ست عشرة سنة، حين قدم المرحوم نواب صفوي لمشهد وأخذ يلقي خطاباته، الأمر الذي جعله ينفذ إلى أعماق قلبي، ولم أكن في ذلك بدعاً من سائر الشباب الذين تعاطفوا معه وكان لهم مثل هذا العمر، وأني لأعزي ذلك لما كان يتمتع به من حركة دؤوبة ونشاط، وشجاعة، وإقدام وصراحة ممزوجة بالصدق والإخلاص. وهنا أستطيع القول بأني منذ ذلك الوقت أخدت أنزع إلى ممارسة الأعمال والأنشطة السياسية.

استشهد (نواب) بعيد مغاردته لمشهد بمدة قليلة، فخلَّفت شهادته جذوة متوهجة في قلوب محبيه ومواليه من الشباب. وهكذا، فنشاطي وتجربتي السياسية الواقعية إنما تمتد لسنوات 55 و56 فصاعداً.

لقد اعتقلت ست مرات ثم أودعت السجن مرة ونفيت أخرى. وقد استغرقت هذه المعاناة حدود ثلاث سنوات. بالطبع لقد كانت تلك الفترة التي عاشها الإيرانيون آنذاك عصيبة جداً.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

21

الدرس الثاني: قدوة الشباب

 لقد عشنا في مثل تلك الظروف، وكان القمع الذي كانت تعيشه الأمة قد بلغ ذروته بالشكل الذي جعلنا نتصور استحالة تفوه الناس بالسياسة أو إمكانية توزيع القصاصات والمنشورات بينهم. وكان يكفي أدنى شك وريب لاقتحام بيوت الناس واعتقالهم. وقد اقتحموا بيتنا عدة مرات (بيت والدي). وسلبوا كل ما كان يعود لي مثل أغلب أبحاثي العلمية ونتاجاتي الأدبية، ولم يعيدوها أو أعادوا بعضها.


ثم كانت الظروف السياسية معقدة للغاية سيما في ظل الرعب والإرهاب ومصادرة الحريات التي أشاعها النظام.

كانت لي أبان نشاطي السياسي محاضرات في التفسير كنت ألقيها على أسماع الشباب سيما من الطلبة الجامعيين، وذات يوم خلال طرحي لآيات بني إسرائيل، أسهبت في شرح أوضاع بني إسرائيل واليهود، فلم يمر وقت طويل حتى ألقي القبض عليّ وأودعوني السجن، طبعاً لا على أساس ما تحدثت به، بل ربطوا ذلك بمسائل أخرى.

كان أول ما استجوبت بشأنه، لم تحدثت ضد اليهود وبني إسرائيل؟ أتلتفتون أيها الأعزة؟ أي إن من يتعرض لتفسير آية بشأن بني إسرائيل، عليه أن يعد العدة ويتأهب للرد على استفسارات المحققين في الأجهزة الأمنية. فما الذي دفعه لاختيار آية تتحدث عن بني إسرائيل ليهاجمهم من خلالها ويسيء إليهم. ولكم أن 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

22

الدرس الثاني: قدوة الشباب

 تتصوروا أيها الأعزة صعوبة الظروف السياسية إلى جانب السياسات الهوجاء التي كانت تمارسها الحكومة ضد أبناء الشعب.


في ذلك الوقت عندما كنا في ساحة المواجهة، نفكر بشكل جدي وعميق ونبذل كل عزمنا بقدر ما نستطيع حتى نخرج الشباب من دائرة نفوذ ثقافة النظام، أنا شخصياً، كنت أذهب للمسجد مثلاً أعطي دروس التفسير، أخطب بعد الصلاة، أذهب للمحافظات أحياناً لإلقاء المحاضرات، والهدف الأساس من حركتي كان أن أسحب الشباب من "الفخّ الثقافي" المنصوب من قبل النظام، والذي عبّرت عنه في ذلك الحين، باسم "شبكة الصيد الخفية".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

23

الدرس الثالث: وصايا للشباب

 الدرس الثالث: وصايا للشباب

 
من وصايا الإمام الخميني قدس سره للشباب

بني!

إستفد من شبابك وعش طول عمرك بذكر اللَّه ومحبته (جلّ وعلا) والرجوع إلى فطرة اللَّه.

ما أكثر ما يخدعنا شيطان النفس نحن الشيَّب وأنتم الشبان بوسائل مختلفة فنحن الشيوخ يواجهنا بسلاح اليأس من الحضور وذكر الحاضر فينادي، لقد فاتكم العمر وتصرم وقت الإصلاح ومضت أيام الشباب التي كان ممكناً فيها الاستعداد والاصلاح...

وقد يتصرف معنا أحياناً بنفس الطريقة التي يتصرف بها معكم أيها الشبان، فهو يقول لكم: أنتم شبان ووقت الشباب هذا هو وقت التمتع والحصول على اللذَّات وأمثال هذه الوساوس الكثيرة التي يلقى بها في سمع الإنسان...

بني!

إذن: فانهض للمُجاهدة وأنت شابٌّ تمتلك قوةً كُبرى، واهرب من كلِّ شيء ما عدا الحبيب ــ جلاّ وعلا ــ وعزِّز بما استطعت ارتباطك به تعالى إن كان لديك ارتباط.

أمَّا إذا لم يكن لديك ذلك ــ والعياذُ باللَّه ــ فاسعَ للحصول عليه واجتهد في تقويته فليس هناك ما يستحق الارتباط به سواه تعالى...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

24

الدرس الثالث: وصايا للشباب

 بني!


أتحدث إليك الآن وأنت ما زلت شاباً، عليك أن تتنبه إلى أن التوبة أسهل على الشبان كما أن اصلاح النفس وتربيتها يتم بسرعة أكبر عندهم، أرواح الشباب رقيقة شفافة سهلة القياد، فالشاب يستطيع بسهولة ــ نسبياً ــ أن يتخلص من شر النفس الأمارة بالسوء ويتوجه نحو المعنويات...

فلينتبه الشبان، فالموت قريب من الشبان والشيوخ على حد سواء وأي من الشبان يستطيع الاطمئنان إلى أنه سيبلغ مرحلة الشيخوخة؟...

بني!

إرتبط بالغني المطلق حتى تستغني عمن سواه، واطلب التوفيق منه حتى يجذبك من نفسك ومن جميع من سواه ويأذن لك بالدخول والتشرف بالحضور...

بني!

إجهد في أن يكون سيرك في الصراط المستقيم ــ صراط اللَّه ــ واسعَ أن تكون حركات قلبك، وسكناته وسائر جوارحك في إطار التسامي والارتباط باللَّه...

بني!

إسعَ للعثور على نفسك المعجونة بفطرة اللَّه واستنقذها من مستنقع الضلال وأمواج العُجب والأنانية واركب "سفينة نوح" التي هي "ولاية اللَّه" "فإن من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك"...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

25

الدرس الثالث: وصايا للشباب

 ولدي العزيز!


إن اللَّه جلّ وعلا (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)... فهو ظاهر وكل ظهور هو ظهور له، ونحن بذاتنا حجب، فأنانيتنا وإنيتَّنا هي التي تحجبنا فَلْنَلُذْ به وَلْنَطْلب منه تبارك وتعالى متضرعين مبتهلين أن ينجينا من الحجب...

بني!

إنَّ ما هو مذموم وأساس ومنشأ جميع ألوان الشقاء والعذاب والمهالك ورأس جميع الخطايا والذنوب إنما هو "حب الدنيا" الناشيء من "حب النفس".

الدنيا المذمومة هي في داخلك أنت، والتعلق بغير صاحب القلب هو الموجب للسقوط...

بني!

تعرَّف إلى القرآن ــ كتاب المعرفة العظيم... فهذا الكتاب كتاب من المحبوب إليك وإلى الجميع وكتاب المحبوب محبوب... واعلم أننا لو أنفقنا أعمارنا بتمامها في سجدة شكر واحدة على أن القرآن كتابنا، لما وفينا هذه النعمة حقها من الشكر...

بني!

اجتهد واعمل للحد من الأهواء النفسانية التي لا حد لها ولا حصر واستعن باللَّه جلّ وعلا فإنه لا يصل أحد لشيء من دون عونه، والصلاة ــ معراج العارفين وسفر العاشقين ــ سبيل الوصول إلى هذا المقصد...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

26

الدرس الثالث: وصايا للشباب

 بني!


إنَّ الأدعية والمناجات التي وصلتنا عن الأئمة المعصومين عليهم السلام هي أعظم أدلَّة إلى معرفة اللَّه جلّ وعلا وأسمى مفاتيح العبودية وأرفع رابطة بين الحق والخلق كما أنها تشتمل في طياتها على المعارف الإلهية وتُمثِّل أيضاً وسيلة ابتكرها أهل بيت الوحي للأنس باللَّه جلت عظمته فلا تصدنك وساوس الجاهلين عن التمسك أو الأنس بها...

بني!

إسعَ أن تتجنب المجالس التي تُوقع الإنسان في الغفلة عن ذكر اللَّه فإن ارتياد مثل هذه المجالس قد يؤدي إلى سلب الإنسان التوفيق، الأمر الذي يعد بحد ذاته خسارة لا يمكن جبرانها.

بني!

إن ما يطمئن الجميع ويخمد نيران النفس المتمردة ويحد من إلحاحها واستزادتها في الطلب إنما هو الوصول إليه تعالى. والذكر الحقيقي له (جلّ وعلا)...

بني!

إن لم تكن من أهل المقامات المعنوية إسعَ أن لا تُنكر المقامات الروحانية والعرفانية لأن الإنكار من أخطر مكائد الشيطان والنفس الأمارة بالسوء التي تصد الإنسان عن بلوغ جميع المراتب الإنسانية والمقامات الروحانية...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

27

الدرس الثالث: وصايا للشباب

 بني!


... فليكن انتخابك للأصحاب من بين أولئك الصالحين والمتدينين والمهتمين بالأمور المعنوية ممن لا تغرنهم زخارف الدنيا ولا يتعلقون بها... وممن لا تلوث الذنوب مجالسهم ومن ذوي الأخلاق الكريمة فإن تأثير المعاشرة على الطرفين من اصلاح وافساد أمر لا شك في وقوعه...

استمع يا ولدي العزيز لنصيحة أب قَلِق محتار ولا تتعب نفسك بالانتقال بطرق هذا الباب أو ذاك الباب للوصول إلى المنصب أو الشهرة التي تشتهيها النفس فأنت مهما بلغت من مقام فإنك سوف تتألم وتشتد حسرتك وعذاب روحك لعدم بلوغك ما فوق ذلك...

بني!

لا ينبغي أن تدفعك الدنيا بإقبالها عليك وتحقيقها ما يشبع شهواتك إلى أن تتكبر وتفتخر على عباد اللَّه فما أكثر ما تعده أنت خيراً وهو شر لك...

بني!

اجعل نظرتك إلى جميع الموجودات وخصوصاً البشر نظرة رحمة ومحبة. أوليست الموجودات كافة واقعة تحت رحمة رب العالمين من جهات عديدة...

كذلك من الأمور الهامة التي ينبغي أن أوصي بها: الحرص على إعانة عباد اللَّه خصوصاً المحرومين والمساكين المظلومين فابذل ما في وسعك في خدمتهم 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

28

الدرس الثالث: وصايا للشباب

 فذلك خير زاد وهو من أفضل الأعمال لدى اللَّه تعالى، اسع في خدمة المظلومين وفي حمايتهم من المستكبرين والظالمين...


بني!

ما أحسن أن تلقن نفسك وتقنعها حقيقة واحدة وهي أن مدح المداحين وإطراء المطرين غالباً ما يهلك الإنسان ويجعله بعيداً عن التهذيب وأشد بعداً...

بني!

الذنوب حتى إذا كانت صغيرة بنظرك لا تستخف بها "انظر إلى من عصيت" وبهذا المنظار كل الذنوب عظيمة وكبيرة...

ابنتي!

اعلمي أن سوف تحملين على ظهرك يوماً حمل التأسف الثقيل على الشباب وسوف ترين أن قافلة العشاق المحبين للَّه فاتتكِ ولا سمح اللَّه...إذن اسمعي من هذا الهرم البائس الذي يحمل هذا الحمل وقد انحنى تحته أيام الشباب وأنسها وملذاتها سريعة الزوال.

ابنتي!

ما دام الشباب في يدكِ فجدي في العمل في تهذيب القلب وكسر الأقفال ورفع الحجب فإن آلاف الشباب الذين هم أقرب إلى أفق الملكوت يوفقون لذلك ولا يوفق هرم واحد.

القيود والأغلال والأقفال الشيطانية إذا غُفل عنها في 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

29

الدرس الثالث: وصايا للشباب

 مرحلة الشباب تضرب جذورها في كل يوم يمضي من العمر وتصبح أقوى...


من مكائد الشيطان الكبرى والنفس الأخطر منه أنهما يعدان الإنسان بالاصلاح في آخر العمر وزمان الشيخوخة ويؤخران التهذيب والتوبة إلى اللَّه إلى الزمان الذي تصبح فيه شجرة الفساد وشجرة الزقوم قوية والإرادة والقدرة على التهذيب ضعيفتين بل ميتتين...

ابنتي!

ضعي الغرور والآمال الشيطانية الكاذبة جانباً...وجدِّي في العمل وتهذيب نفسك وتربيتها فإن الرحيل قريب جداً...وكل يوم يمر وأنت غافلة يجعلكِ متأخرة...

ابنتي!

اهتمي برفع الحجب لا جمع الكتب...إنَّ اختزان العلوم لا يخفف الحجب بل يزيدها وينقل صاحبه من الحجب الصغار إلى الحجب الكبار. لا أقول اهربي من العلم والعرفان والفلسفة واقضي عمرك بالجهل فإن هذا انحراف...، أقول إسعي وجاهدي كي يكون الدافع إلهياً...

ابنتي!

في الطريق آفات كثيرة...، هذا اللسان الأحمر يطيح بالرأس النضر ويجعله ألعوبة للشيطان وأداة فيفسد الروح والفؤاد. لا تغفلي عن العدو الكبير للإنسانية والمعنوية هذا. احسبي مهما استطعت الأخطاء الكبيرة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

30

الدرس الثالث: وصايا للشباب

 لهذا العضو الصغير وانظري ماذا يفعل في ساعة من عمرك كان ينبغي أن تنفقيها للحصول على رضا الحبيب! وأية مصائب يسبب. إحدى هذه المصائب غيبة الأخوة والأخوات...


ابنتي!

الانشغال بالعلوم حتى العرفان والتوحيد إذا كان لاكتناز الاصطلاحات ــ وهو حاصل ــ أو لأجل نفس تلك العلوم فإنه لا يقرب السالك من الهدف بل يبعده عنه (العلم هو الحجاب الأكبر).

وإذا كان البحث عن الحق وعشقه هو الهدف ــ وهو نادر جداً ــ فذلك مصباح الطريق ونور الهداية...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

31

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 
روح الشباب عند الإمام الخامنئي دام ظله

يقول الإمام القائد آية اللَّه علي الحسيني الخامنئي دام ظله:

"وأنا حالياً لم أنقطع عن مرحلة الشباب كلياً، فأنا ما برحت أحس في ذاتي شيئاً من روح الشباب ولم أسمح لنفسي ــ والحمد للَّه ــ ولا أسمح لها، ولن أسمح لها في المستقبل بالإنحدار والوقوع في مخالب مشاعر الشيخوخة، أما الذين أسلموا أنفسهم بيد الشيخوخة لا يلتذون قطعاً بما يلتذ به الشباب في كل شؤون الحياة".

ماهية الشباب وأهميته:

إن الشباب غرس نامٍ يستبطن الكثير من صفات الخير والتألق والنورانية، وهذا النقاء والمحبة التي نتوسمها فيكم ــ أيها الأعزاء ــ إنما منشؤها قلوبكم الطاهرة النيرة، وإنني أبادلكم هذه المحبة، وإن قلب أبيكم الهرم مفعم بمحبتكم أيها الشباب.

فحيثما وجد الشباب وجدت البهجة والطراوة والسعادة والنقاء، فالشاب مظهر النشاط والحيوية وهو مكمن القابليات والمؤهلات النفسية، أي أن حيوية الشاب 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

32

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 وقابليته ومواهبه وجلده بإمكانها أن تصنع المعجزات، وما ذلك الاهمال إلا سلوك وفهم يتصف بالخطأ والانحراف.

 

كلمات القائد للشباب

وصية عامة:

إن ما نستطيع توصيتكم به هو:

أولاً: أن الشاب يجب أن يشعر بالمسؤولية، ويعتبر نفسه شخصاً مسؤولاً، وعليه أن يشق طريقه في الحياة، ولا يكون كريشة في مهب ريح الأحداث.

ثانياً: أن يتحرك في حياته بهدي الإيمان، لأن للإيمان دوراً كبيراً في تقدّمه في الميادين كافّة، وفي كل ما يعترض سبيله من عقبات.

ثالثاً: أن يكون على وعي وبصيرة من أمره.

إذا توفّرت هذه الخصال الثلاث لدى الشباب ــ وهو ليس بالعمل السهل طبعاً، ولكنه ممكن إلى حدّ كبير ــ أعتقد أنه يصبح قادراً على ضمان صحّة موقفه رغم كل التطورات التي تحصل في العالم من تقدم في حقل الاتصالات، وظهور حضارات جديدة في العالم، وزوال قوى كبرى من خارطة العالم.

تحصيل العلم:

إنكم ما زلتم في مرحلة الشباب وما زال خزينكم فياضاً ولا بد من الانتفاع بجانب من هذا الخزين للبذر 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

33

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 مستقبلاً، وما هو متعلق بسني شبابكم يمثل بذر المستقبل، فعليكم بحسن التخطيط لحياتكم، وثمة أمور تنفع المرء حتى نهاية حياته، ومنها ما تمتد منفعتها إلى ما بعد حياته أي النشأة الآخرة، ومنها ما ينفع الإنسان حين تعرضه لطوارق الحدثان، وحيث إن الحياة في هذه الدنيا ستمتد بكم عشرات من السنين، فيتحتم عليكم التزود بالعلم، فهو من جملة الأمور النافعة للإنسان حتى آخر عمره، وإذا ما ترتب عليه عمل صالح مستديم فإن منفعته ستمتد إلى ما بعد الموت. فطلب العلم فريضة جوهرية بالنسبة لكم.


الوعي:

أوجدوا في نفوسكم البصيرة والقدرة على التحليل لتكوين صورة شاملة في أذهانكم عن الوقائع الاجتماعية. إن لقدرة التحليل أهمية فائقة، وكل ما تعرضنا له نحن المسلمون من نكبات جاء بسبب ضعف قدرتنا على التحليل، وهكذا هو سبب الضربات التي لحقت بنا في صدر الإسلام والمراحل اللاحقة. ولهذه الظاهرة تفسيرات وتصورات كثيرة. لا تدعوا العدو يستغلّ انعدام البصيرة والوعي لدينا ويظهر لنا الحقائق بالمقلوب.

ــ أنا أعتقد أن الشباب، وخاصة في الوسط الجامعي، لا بأس عليهم بالبحث والنقاش، ولكن يجب أن تجري تلك النقاشات في ضوء الوقائع والأرقام. أو بتعبير آخر يجب إفضاء طابع واقعي على التحليلات.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

34

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 المسألة الثانية هي أن هذه النقاشات يجب أن لا تنتهي إلى الجدال، فالجدال أسلوب ذميم، وهو ما عبّرت عنه الأحاديث الشريفة بالمراء.


الإستفادة من التجارب:

يجب معرفة قيمة التجارب والأشخاص المجرّبين، ومن الطبيعي أن الاعتماد على المجرّب لا يعني إغلاق الأبواب أمام الطاقات الشابّة.

تقوى اللَّه واصلاح النفس وتهذيبها:

وربما يمكن القول أن التحول الأخلاقي أكثر صعوبة، ولهذا يبقى المخاطب الأول والمسؤول الأول في باب التحول الأخلاقي هم الشباب، حيث تكون جميع الأعمال أيسر وأسهل بالنسبة لهم.

إنّ الشبّان قلوبهم نيّرة وفطرتهم سليمة لم تتلوث، وتعلقهم بزخارف الدنيا ومغرياتها وتكتفهم بحبال حب المال والجاه والتسلط التي يرزح تحت قيودها سائر الناس، تكون أضعف وأقل بالنسبة للشباب، ولهذا يكون التحول الأخلاقي بين الشبان أيسر. وطبعاً لا ينبغي لمتوسطي الأعمار والكهول اليأس من إمكانية التغيير الأخلاقي في نفوسهم.

فنحن نريد من الجيل الشاب التدين والصلاح والورع، وأن يتصف في الوقت ذاته بالحيوية والنشاط والإبداع والخلاّقية، وأن يعمل ويتجّنب البطالة والكسل، ويجعل التقوى شعاراً له ــ وأعتقد أنني تحدثت ذات مرّة حول 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

35

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 هذا المعنى في خطبة صلاة الجمعة ــ ويكبح جماح نفسه، ويكرّس هذه الطاقة الهائلة المسمّاة بطاقة الشباب في سبيل رقيّه وتكامله وخدمة بلده وأسرته. هذا هو أملنا بالشباب. كما وأن لكل وقت متطلباته، فإذا ما خاض البلد حرباً نرتجي من الشباب شيئاً، وإذا كان البلد في حالة اعمار وبناء نرتجي منهم شيئاً آخر.


ــ إنه لمن الصواب جداً أن يتمسك الشاب بمنهج الإسلام في الحياة. فهو إذا كان متديناً، ينظر دوماً ويراقب مدى صحّة أو عدم صحّة فعله وسلوكه ودراسته وعلاقته وفهمه للأمور. وهذا التفكير ــ في صحة أو سقم سلوكه ــ بحد ذاتها تجسيد للتقوى.

ــ بتطهير أنفسكم الذي يتسنى للشباب عن طريق ولوج المعارف الدينية الإلهية وطرق أبواب العلوم الإنسانية والعمل الديني السليم. لأن كل ما يريده الإسلام هو إنزال ما لدينا من طاقات كامنة إلى حيز الفعل.

ــ هناك في القرآن الكريم نقطة أساسية لا بأس بعرضها على أسماعكم أيها الشباب الأعزاء، وتلك هي التزام التقوى. وحينما يريد المرء تجسيد صورة عن التقوى تتبادر إلى ذهنه معاني الصوم والصلاة والعبادة والذكر والدعاء. صحيح أن هذه المعاني بأجمعها يتضمنها مفهوم التقوى، إلا أن أياً منها لا يعكس بمفرده معناها. فالتقوى تعني مراقبة الذات وأن يلتفت الإنسان إلى كل عمل من أعماله، وأن يصدر كل فعل من أفعاله 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

36

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 عن قصد وفكر وإرادة وعزم واختيار، كمثل الإنسان الذي يمتطي فرساً ويمسك زمامه بيده ويعلم إلى أين يريد المسير. هذا هو مفهوم التقوى.


ــ أما من حُرم من التقوى فأفعاله وقراراته ومستقبله ليس طوع يديه، تشبههُ أحد خطب نهج البلاغة بمن لا يعرف الفروسية وأركب ــ لا برغبته ــ فرساً صعباً جموحاً، حتى وإن كان ركوبه برغبته فهو لا يعرف كيف يمسك برشام الجواد.. لا يدري أين يذهب به الفرس، أين ما ذهب به لا يملك خياراً آخر، ومثله لا نجاة له.

ــ إن الشباب يميل بشكل طبيعي إلى التنافس. حسناً، إنّ التنافس الذي نطمح إليه ونأمل أن يتمرس عليه الشباب هو أن يكون مع النفس الأمارة بالسوء الداعية إلى الانحطاط والرذيلة والمانعة عن السمو والتكامل، وكبح جماح تلك النفس. والشباب مدعوون لمقاومة نوازع الشهوة والنزوات وجميع الحوافز التي تدفعهم إلى مثل هذه الرذائل.

شوط الحياة لا يطوى بهذه السهولة.

فليس هناك من عمل مهم وجاد يمكن انجازه بسهولة، والإنسان إذا ما رام نيل شيء ثمين لا بدّ له من بذل شيء من الجهد وتحمل المشقّة.

حافظوا على الصلاة:

اعلموا يا أعزائي أن الإنسان عرضة على الدوام ......ولا بد للإنسان صغيراً كان أم كبيراً وشاباً كان أم 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

37

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 شيخاً أن يرتكب خطأ أو يحصل منه ذلك سهواً أو يقترف ذنباً ما. وإذا أراد المرء شق طريقه بنجاح في الحياة يمكن للصلاة أن تكون بمثابة تعويض له عن تلك الحالة.

 
هناك آية قرآنية شريفة ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾، الصلاة تزيح الظلمات وتذهب السيئات وتمحو أثر الذنوب من القلب. فالإنسان قد يتلوّث بالمعاصي وتغلّ يداه بأغلال الذنوب، غير أن التمسّك بالصلاة يبقي على هذا النور في وجود الإنسان ولا يسمح للمعاصي بالتغلغل إلى أعماق النفس.
 
رجائي إليكم هو أن تنظروا إلى الصلاة نظرة جادّة. من الطبيعي إنكم بأجمعكم من المواظبين على الصلاة، ولكن المطلوب منكم هو الخروج بالصلاة من حالة الكسل والخمول، والصلاة إذا لم نخرجها من حالة الترديد الببغاوي تصبح مداعاة للكسل، بمعنى أن المرء ينهض ويتوضّأ ويؤدي عملاً لا يدري ما هو. بينما لو تأمّلتم في معاني كلمات الصلاة لوجدتموها لا تستجلب الكسل، بل تغرس في النفس حوافز الشوق والرغبة، وتحث الإنسان على المسارعة نحو أداء الصلاة، ويتحقق عند ذلك معنى "حيّ على الصلاة".
 
إني لا أطلب منكم معرفة كل معاني الصلاة، لأن هذا العمل من شأن الخواص وأخص الخواص، وقد لا يتسنّى 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

38

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 حتّى لنا فهمها على هذا النحو، ولكن يجب على الأقل قراءة قسم من الصلاة بالتفات وحضور قلب، بمعنى التوجه إلى من تخاطبون وإلى معاني الكلمات التي تخاطبونه بها.

 
 
في مواجهة الغزو الثقافي
 
كونوا قدوة ولا تقلدوا الغربيين:
 
- التصريح الإلهي على لسان المؤمنين: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾، فعلى كل إنسان أن ينمي في نفسه القابلية كي يصبح قدوة للآخرين حيثما حل، ولا ينحصر ذلك بالاقتداء في صلاة الجماعة، بل يتعداه إلى العمل والفكر والسلوك.
 
- إنني أقول للشباب: يا أعزائي ويا أبنائي، دعوا التقليد وفكروا بذلك النهج والسبيل الذي فيه قوة لعقولكم وإرادتكم وتطهير وحصانة لأخلاقكم.
 
- لقد مرّ زمن أغمض المبهورون بالغرب عيونهم داعين لاستلهام كل شيء من الغرب، فما الذي تعلمه هؤلاء من الغرب؟ من المزايا الجديدة لدى الأوروبيين هي المخاطرة وهي كانت منطلق نجاحاتهم، فهل تعلم المبهورون بالغرب تلك الميزة، لا يعني على الاطلاق رفض التقنية والتقدم والعلم والتجارب الغربية، وليس هناك عاقل يقول بهذا. رفض الغرب معناه عدم القبول بتسلّط الغرب سياسياً واقتصادياً وثقافياً. وسأتحدث لكم هنا بشيء من الإيجاز 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

39

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 عن التسلط الثقافي الغربي، عسى أن تكون فيه فائدة لكم.


الفرق بين الغزو الثقافي والتبادل:

- لقد أوضحت غير مرة ما هو الفرق بين الغزو الثقافي والتبادل الثقافي، فالغزو الثقافي أمر سلبي أما التبادل الثقافي فهو إيجابي.. فتارة يبحث المرء بنفسه عن الطعام أو الدواء المناسب الذي من شأنه سد النقص في بدنه وينفعه فيتناوله إذا ما عثر عيه ويدخله إلى جوفه، وتارة لا نتناوله باختيارنا، بل إنهم يكبلوننا ويخدروننا ويزرقون في أبداننا ما يريدون لا ما نحتاجه نحن، أوليست هنالك .....

علينا أن نباشر العمل بسواعدنا وأيدينا نحن مع المحافظة على .....، وأن لا يقتصر جهدنا على الترجمة، فالبعض ليسوا على استعداد حتى على عرض الفكر المترجم على المعايير، مدعين عدم إمكانية مناقشته لأنه فكرة أو معادلة صادرة عن عالم نفس أو عالم اجتماع أو اقتصادي معين، ومن خالفه كأنما كفر! لكنهم وبعد عدة أيام يعدلون عن رأيهم ويلتزمون قولاً آخر فيتقبلون القول الثاني دون تحليل! إنه الشقاء بالنسبة لأي بلد.

معرفة الهوية

- إن أهم ما يحتاجه الشاب هو معرفة هويته وهدفه، يجب عليه أن يعرف من هو، وما الهدف من عمله وسعيه. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

40

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 فالعدو يحاول سلب الشاب هويته ومحو الأهداف التي يصبو إليها وتضبيب الآفاق أمامه، فيوحي إليه: إنك مخلوق مهين.


عليكم اختيار القدوة

فنحن الذين يجب أن نختار قدوتنا بأنفسنا. أي أن ننظر في أفق رؤانا ومعتقداتنا الحقّة ونلاحظ الصورة التي نرتضيها لأنفسنا من بين تلك الصور.. هكذا تصبح تلك الصورة وتلك الشخصية قدوة لنا. ولا أعتقد بوجود صعوبة في حصول الشاب المسلم وخاصة الشاب المطلع على حياة الأئمة وأهل البيت عليهم السلام في صدر الإسلام، على قدوة له.. الأشخاص القدوة ليسوا قليلين.

نموذج القدوة

إنكم تتحمسون اليوم وأنتم ترقبون فلسطين، وابنتنا العزيزة قالت: "يا ليت أبصارنا تمتد إلى فلسطين" فهل تعلمون ممَّ تعلم الفلسطينيون؟ فلسطين اغتصبت منذ خمسين عاماً، وخلال هذه المدة كانت فلسطين تغص بالشباب، ولكن ممَّ تعلم هذا الشاب الفلسطيني الذي اقتحم الميدان بهذه الصورة، وبمن اقتدى؟ قدوته الشاب اللبناني المجاهد المؤمن الطافح بالاخلاص، وهذا ما لا أقوله أنا بل هم الذين يصرحون به، فهم يرفعون صور السيد حسن نصر اللَّه الأمين العام لحزب اللَّه لبـنان أثناء 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

41

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 المسيرات التي ينظمونها في قاع غزة والضفة الغربية لنهر الأردن ــ وهي منطقة فلسطينية ــ وقد نصبوا راية حزب اللَّه على قبة المسجد الأقصى، نصبوها بالرغم من ممانعة الصهاينة، وهكذا فقد أصبح أسوة للشاب الفلسطيني، وإن أكثر المتابعين لمحطة المنار التلفزيونية التابعة لحزب اللَّه لبنان ــ والتي تبث برامجها على امتداد عشرين ساعة ــ هم من فلسطينيي الأراضي المحتلة! وهم يستمعون له وكأنهم ينتهلون ماءً عذباً، وليس فقط يكتفون بالاستماع إليه، بل يستقبلون كلماته كالعطاشى.


الجهاد

من وصايا الإمام الخامنئي دام ظله للشباب يتبين كم هو الأمل الكبير الذي يعقده على الجيل الشاب في ميادين العلم والعمل والجهاد حيث يقول عنهم "طليعة جيش الإسلام وهم أفضل المجاهدين في الخط الأمامي".

المطالعة

فمن سيرة الإمام القائد دام ظله يتبين أنه من أكثر الأشخاص مطالعة وقراءة وهو يقول: "إن الكتاب عنوان الحضارات وإن روح الإنسان وجسمه يغذيان ببركة الكتاب".

المشاركة بالأنشطة

إن النشاطات التي يمارسها الشباب تصقل شخصيّتهم 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

42

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 وتضمن لهم مستقبلاً مشرقاً. وأنا أوصي العوائل بمساعدة أولادها على المشاركة في ما يناسبهم من نشاطات. وأوصي الفتيات بعدم النظر إلى إرادة أسرهن وكأنّها عبء ثقيل.


أوصي الشباب بالمشاركة في النشاطات الاجتماعية، ولكن بشرط أن لا تكون تلك النشاطات حائلاً يعيقهم عن الدراسة. وعليهم أيضاً بترجيح النشاطات الاجتماعية ذات الطابع الديني الأوضح، لأن النشاطات الاجتماعية ذات الطابع الديني تخلو عادة من الضرر أو هي أقل ضرراً من غيرها فيما إذا كانت تنطوي على ضرر، إضافة إلى ما تشتمل عليه من إيجابيات النشاط الجماعي.

ممارسة الرياضة

إني أعتبر الرياضة واجبة لعموم الناس، بما فيهم الشباب والشيوخ رجالاً ونساءً.

ومعنى هذا أن الرياضة إذا كانت واجبة على الشباب، فهي واجبة علينا أيضاً، لأنها تدخل بالنسبة لمتوسّطي الأعمار في باب سلامتهم وتتوقف عليها حياة الشخص أو موته. بمعنى أنه إذا مارس الرياضة يعيش حياة سليمة، ولا يصاب بالمرض والكآبة. أما أهميتها بالنسبة للشباب فلأنها تمنحهم السلامة والنشاط والبهجة والجمال. وفي ضوء ما مرّ ذكره، أعتبر الرياضة واجبة لعموم الناس، رجالاً ونساءً، وبما يتناسب مع أعمارهم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

43

الدرس الرابع: من قدوة الشباب الى الشباب

 وبما أن هذا الحديث سيبثّ ويسمعه الشباب، لهذا أوصي الجميع بممارسة الرياضة.


وحينما أذهب أحياناً في الصباح إلى مرتفعات شمال طهران وأجد تلك الأماكن خالية من الناس أشعر بالاستياء بينما أشعر بالارتياح حينما أذهب إلى هناك أحياناً أيام الجمعة وأجد أعداداً غفيرة من الناس.

اغتنموا الفرصة

لم نجد كلاماً نختم فيه هذه الوريقات سوى العبارات التي يعبر فيها الإمام القائد دام ظله عن المعنويات العالية التي يعطيها الجيل الشاب لأمته وقادته حيث قال:

"عندما أكون مع الشباب وفي أوساطهم فإن احساسي كمن يتنشق نسيم الصباح، أشعر بالانشراح والبهجة وهناك شيء يخطر ببالي غالباً عند لقاء الشباب وقد فكرت به مراراً وهو هل يا ترى يعرف الشباب أي نجمة تشع من على جبينهم؟

أنا أرى هذه النجمة، لكن هل يرونها هم؟ نجمة الشباب غزيرة الضياء سعيدة الطالع، إذا شعر الشباب بهذا الشيء الغالي والمنقطع النظير... فإني أعتقد أنهم سيستفيدون منه بشكل كبير إن شاء اللَّه".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

44
الشباب ذخيرة الإسلام