مجالس السبايا من الشام إلى المدينة


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-07

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

                                               بسم الله الرحمن الرحيم

 
المقدمة

والصلاة والسلام على رسوله المصطفى محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين المظلومين

هذا هو القسم الثاني من مجالس السبايا والذي يتناول ما جرى على أهل البيت عليهم السلام من مصائب وآلام في الشام مروراً بعودتهم إلى كربلاء ومن ثمّ رجوعهم إلى المدينة المنوّرة.

ونذكّر في هذه المقدّمة بما يلي:

1- حاولنا- قدر الإمكان- عرض المجالس التي يتداولها القرّاء عادة بعد عاشوراء مقتصرين على أهمّها.

2- اقتصرنا على ذكر القصائد والنعي الشعبيّ والمصيبة دون ذكر المحاضرة اتّكالاً منّا على قدرات الإخوة القرّاء وجدارتهم.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 وختاماً، فإنّنا نسأله تعالى أن يتقبّل منّا ومن الجميع، ويرزقنا شفاعة محمّد وآل بيته الطاهرين، ويعجّل في فرج قائم آل محمّد إنّه سميع مجيب..


                                        معهد سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

 مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام 


بِنَفْسِي إِماماً غُسْلُهُ فَيْضُ نَحْرِهِ                        وَفِي أَرْجُلِ الخَيْلِ العِتاقِ يُقَلَّبُ

بِنَفْسِي رَأساً فَوْقَ شاهِقَةِ القَنا                         تَمُرُّ بِهِ الأَرْياحُ نَشْراً فَتَعْذُبُ

كَأَنَّ القَنا الخَطَّارَ أَعْوادُ مِنْبَرٍ                           وَرَأسُ حُسَيْنٍ فَوْقَها قَامَ يَخْطِبُ

فَوَا أَسَفِي تِلْكَ الحُماةُ عَلى التُرْبِ                      وَنِسْوَةُ آلِ الوَحْيِ تُسْبَى وتُسْلَبُ

وراحَتْ بِعَيْنِ اللهِ أَسْرى حَواسِراً                         تُساقُ وأَسْتارُ النُّبُوَّةِ تُنْهَبُ

دَعَتْ قَوْمَها لَكِنَّها لِمْ تَجِدْهُم                          عَلى عَهْدِها فاسْتَرْجَعَتْ وهِي تَنْدُبُ

أَيا مِنْعَةَ الّلاجِِينَ والخَطْبُ وَاقِعٌ                      وَيا أَنْجُمَ السَّارينَ وَالّليْلُ غَيْهَبُ

أَلَيْسَتْ حُروفُ العِزِّ في جَبَهاتِكُم                      تُحَرِّرُها أَيْدِي الجَلالِ فَتُكْتَبُ

فَأَيْنَ حُماةُ الجَارِ هَاشِمَ كَيْ تَرى                        نِساها عَلى عُجْفِ الأَضَالِعِ تُجْلَبُ

وفِي الأَسْرِ تَرْنُو حُجَّةَ اللهِ بَيْنَها                        عَلِيلاً إلى الشَّاماتِ فِي الغُلِّ يُسْحَبُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

 سَرَتْ حُسَّراً لَكِنْ تَحْجِبُ وجْهَها                        عنِ العَيْنِ أَنوارُ الإِلهِ فَتُحْجَبُ


إلى أَنْ أَتَتْ فِي مَجْلِسِ الرِّجْسِ أَبْصَرَتْ                   ثَنايا حُسَيْنٍ وَهِيَ بِالعُودِ تُضْرَبُ

أبوذيّة:

هظمنه ما جرى اعلى احّد وشافه                       وبرى بينه العدو جرحه وشافه

على راس السبط تلعب وشافه                         عصا ايزيد ويسب حامي الحميّه

شعبي:

شوف الزمان اشلون خوّان                            من عگب اهلنه او ذيك الاوطان

نوگف أساره بين عدوان                              واحنه حراير سيد الاكوان

واگبالنه ابذاك الديوان                                بالخيزرانه نغل سفيان

يضرب ثنايا المات عطشان                           وبنصره امكيّف وفرحان

عساني انگتِل وروح ويّاك                             ولا شوفني مخضوب بدماك

ولا شوف الرجس يضرب ثناياك                      يريف اليتامى لا عدمناك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

 "السلام على الشيب الخضيب، السلام على الخدِّ التريب، السلام على البدن السليب، السلام على الثغر المقروع بالقضيب".


قال الراوي: وأدخل ثقل الحسين عليه السلام ونساؤه ومن تخلّف من أهله على يزيد وهم مقرنون في الحبال وزين العابدين عليه السلام مغلول، فلمّا وقفوا بين يديه وهم على تلك الحال، قال له عليّ بن الحسين عليه السلام: "أنشدك الله يا يزيد ما ظنّك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو رآنا على هذه الحال؟! موثّقين في الحبال عرايا على أقتاب الجمال؟!" فلم يبق في القوم أحد إلّا وبكى، فأمر يزيد بالحبال فقطعت وأمر بفكّ الغلّ عن زين العابدين عليه السلام. 

ثمّ وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلّا ينظرن إليه فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لينظران إلى الرأس وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس، فلمّا رأين الرأس صحن فصاح نساء يزيد وولولت بنات معاوية، فقالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام: أبنات رسول الله سبايا يا يزيد؟! فبكى النّاس وبكى أهل داره حتّى علت الأصوات..

بس هاي ما كانت على البال                       أطب المجلس وبزنودي الحبال
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

 وراسك بالطشت وتشوفه العيال                    وبيده العود ويوسِّم المبسم


وأمّا زينب عليها السلام فإنّها لمّا رأته..نادت بصوت حزين يقرح القلوب: يا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكّة ومنى، يا ابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء، يا ابن بنت المصطفى. فأبكت والله كلّ من كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت!.

ثمّ جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليه السلام وتنادي: يا حبيباه يا سيّد أهل بيتاه يا ابن محمّداه يا ربيع الأرامل واليتامى يا قتيل أولاد الأدعياء فأبكت كلّ من سمعها..

ثمّ دعا يزيد بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام ، فأقبل عليه أبو برزة الأسلميّ وقال: ويحك يا يزيد أتنكت بقضيبك ثغر الحسين ابن فاطمة عليها السلام أشهد لقد رأيت النبيّ يرشف ثناياه وثنايا أخيه، ويقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة فقتل الله قاتلكما..

يحسين راسك حين شفته                          تلعب عصا ايزيد اعلى شفته
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

6

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

 ذاك الوگت وجهي لطمته                         وصديت له بحرگه وندهته


يا سلوة الهادي ومهجته                         شلّت يمينك يلضربته

فغضب يزيد فأمر بإخراجه فأخرج سحباً..وجعل يزيد يتمثّل بأبيات ابن الزبعرى:

لَيْتَ أَشْياخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا                      جَزَعَ الخَزْرَجِ مِنْ وَقْعَ الأَسَل

لَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً                           ثُمَّ قَالُوا يا يَزيدُ لا تَشَل

قَدْ قَتَلْنا القَرْمَ مِنْ سَادَاتِهِم                     وَعَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فاعْتَدَل

لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالمُلْكِ فَلا                        خَبَرٌ جَاء وَلا وَحْيٌ نَزَل

لَسْتُ مِنْ خِنْدَفٍ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ                 مِنْ بَنِي أَحْمَدَ ما كانَ فَعَل 

وكان إلى جانبه مروان ابن الحكم لعنه الله فأخذ يقول فرحاً بقتل سيّد شباب أهل الجنّة وهو يلتفت إلى الرأس الشريف:

يا حَبَّذا بُرْدُكَ فِي اليَدَيْنِ                         وَلَوْنُكَ الأَحْمَرُ فِي الخَدَّيْنِ

أَخَذْتُ ثارِي وَقَضَيْتُ دَيْنِي                      شَفَيْتُ قَلْبِي مِنْ دَمِ الحُسَيْنِ

فقامت زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليهما السلام في مجلس يزيد وقالت:

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على رسوله محمّد وآله
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

7

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

  أجمعين، صدق الله كذلك يقول: "ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون".


 

أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أنّ بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة، وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، مهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ".

 

أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلدٍ، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من رجالهن وليّ، ولا من حماتهن حميّ، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه بدماء الشهداء، وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن، والإحن والأضغان، ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم:

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

8

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

 لَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً                  ثُمَّ قَالُوا يا يَزِيدُ لا تَشَل


منتحياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك؟ وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء ذريّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب، وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تناديهم، فلتردنّ وشيكاً موردهم، ولتودّن أنّك شللت وبكمت، ولم يكن قلت ما قلت، وفعلت ما فعلت.

اللهمّ خذ بحقّنا، وانتقم من ظالمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت إلّا جلدك، ولا حززت إلّا لحمك، ولتردنّ على رسول الله بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيّته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلمّ شعثهم، ويأخذ بحقّهم: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"، حسبك بالله حاكماً، وبمحمّد خصيماً، وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من سوّى لك، ومكّنك من رقاب المسلمين: "بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا"، وأيّكم شرّ مكاناً وأضعف جنداً.

ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك، إنّي لأستصغر قدرك،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

9

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

 وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرّى، ألا فالعجب كلّ العجب، لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفوها أمّهات الفراعل، ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلّا ما قدّمت يداك: "وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ"، فإلى الله المشتكى، وعليه المعوّل.


فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلّا فند، وأيّامك إلّا عدد، وجمعك إلّا بدد، يوم ينادي المنادي: "أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ".
فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

زينب تطب ديوان من گال                   ويّه الغرب عدوان وانذال

هيّه وجمع نسوان واطفال                     وامربطه الاطفال بحبال
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

10

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

 واعظم مصيبه التشده البال                  لا ستر عدهن لا من اظلال


ذاك الخدر عنهن مشه او شال               شملهن تشتت والحمل مال

ونظر رجل شاميّ إلى فاطمة بنت الحسين عليهما السلام فقال ليزيد: يا أمير المؤمنين هَبْ لي هذه الجارية تكون خادمة عندي! فارتعدت فرائص فاطمة من كلامه وتعلّقت بعمّتها زينب عليها السلام وقالت: يا عمّتاه أُوتمت وأُستخدم؟!

يخويه تحيّرت والله بيتاماك                   يحسين ما لي حيل فرگاك

والمثل هذا الوگت ردنا                     يا ريف اليتامى لا عدمناك

فقالت زينب عليها السلام للشاميّ: كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له، فغضب يزيد وقال: كذبت والله إنّ ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلّا والله ما جعل الله لك ذلك إلّا أن تخرج من ملّتنا، وتدين بدينٍ غير ديننا، فاستطار يزيد غضباً وقال: إيّاي تستقبلين بهذا الكلام؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك، قالت زينب عليها السلام: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك وجدّك إن كنت مسلماً، قال: كذبت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

11

مجلس دخول السبايا على يزيد في الشام

 فقال له يزيد: أعزب وهب الله لك حتفاً قاضياً..


لا والِدٌ لِي وَلا عَمٌّ أَلوذُ بِهِ                   وَلا أَخٌ لِي بَقَى أَرْجُوهُ ذُو رَحِمِ

أَخِي ذَبِيحٌ وَرَحْلِي قَدْ أُبِيحَ وَبِي              ضَاقَ الفَسِيحُ وَأَطْفَالِي بِغَيْرِ حَمِي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

12

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 
وَما أَنْسَ لا أَنْسَ النِّساءَ بِكَرْبَلا                  حَيارَى عَلَيْهِمُ المَصائِبُ صُبَّتِ

وَلَمَّا رَأَيْنَ المُهْرَ وَافَى وَسَرْجُه                      خَلِيٌّ تَوَافَتْ بِالنَّحِيبِ وَرَنَّتِ

وَلا أَنْسَ أُخْتَ السِّبْطِ زَيْنَبَ إذْ رَنَتْ             إِليهِ وَنادَتْ بِالعَوِيلِ وَحَنَّتِ

تَقولُ وَدَمْعُ العَيْنِ يَسْبِقُ نُطْقَها                   وَفِي قَلْبِها نَارُ المَصائِبِ شَبَّتِ

أَخِي يا هِلالاً غَابَ بَعْدَ كَمَالِهِ                   فَأَضْحَى نَهارِي بَعْدَهُ مِثْلَ لَيْلَتِي

أخِي أَيَّ رُزْءٍ أشْتَكِي وَمُصِيْبَةٍ                    فِراقَكَ أَمْ هَتْكِي وَذُلِّي وَغُرْبَتِي

أَمِ الجِسْمَ مَرْضُوضاً أَمِ الشَّيْبَ قَانِياً               أَمِ الرَأسَ مَرْفُوعاً كَبَدْرِ الدُّجْنَةِ

أَمِ العَابِدَ السَّجَّادَ أَضْحَى مُغَلَّلاً                  عَلِيلاً يُقاسِي فِي السَّرى كُلَّ كُرْبَةِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

13

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 أَمِ النِّسْوَةَ الّلاتي بَرَزْنَ حَوَاسِراً                       كَمِثْلِ الإِما يُشْهَرْنَ فِي كُلِّ بَلْدَةِ


وَيُحْضِرُها فِي مَجْلِسِ الّلهوِ شَامِتاً                     يَزيدٌ تَغَشَّاهُ الإِلهُ بِلَعْنَةِ

وَيُحْضِرُ رَأْسَ ابنَ النَّبِيِّ أَمامَه                         وَيَنْكُتُ مِنْهُ الثَّغْرَ بِالخَيْزَرَانَةِ

أبوذيّة:

شفنه من رزايا الدهر يامر                            عليّه الشمر گام يتشتّم يامر

ولا من الهواشم شخص يامر                         ويجي يشوف بت حامي الحميّه

شعبي:

يحسين راسك وين ما روح                            اگبالي وفوگ السمهري يلوح

والجسم بالطف عفته مطروح                          تلعب عليه الخيل وتروح

بالغاضرية تمسي مذبوح                               وعليلك يفت الروح بالنوح

ودمعه على الوجنات مسفوح                         وبناتك تلوع ابقلب مجروح
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

14

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 كان يزيد لعنه الله يحضر النساء والإمام زين العابدين عليه السلام إلى مجلسه مرّة بعد أخرى، وروي أنّه في إحدى المرّات قال لزينب عليها السلام: تكلّمي، فقالت: هو المتكلّم، فأنشد السجَّاد:


لا تَطْمَعُوا أَنْ تُهِينُونا فَنُكْرِمَكُم                      وَأَنْ نَكُفَّ الأَذَى عَنْكُم وتُؤذُونا

واللهُ يَعْلَمُ أنَّا لا نُحِبُّكُم                              ولا نَلُومُكُمْ أنْ لا تُحِبُّونا

فقال: صدقت يا غلام، ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين والحمد لله الذي قتلهما وسفك دماءهما، فقال عليه السلام: لم تزل النبوّة والإمرة لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد..

ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السلام:

ويلك يا يزيد إنّك لو تدري ماذا صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأخي وعمومتي إذاً لهربت في الجبال وافترشت الرماد ودعوت بالويل والثبور أن يكون رأس أبي الحسين ابن فاطمة وعليّ منصوباً على باب مدينتكم، وهو وديعة رسول الله فيكم، فأبشر بالخزي والندامة غداً إذا جمع النّاس ليوم القيامة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

15

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 فغضب يزيد لعنه الله وأمر بقتل الإمام عليه السلام ، فأنشأ الإمام السجّاد عليه السلام يقول:


أُنادِيكَ يا جَدَّاهُ يا خَيْرَ مُرْسَلٍ                 حَبِيبُك مَقْتُولٌ وَنَسْلُكَ ضَايِعُ

وَآلُكَ أَمْسَوا كَالإِماءِ بِذِلَّةٍ                      تُشاعُ لَهُمْ بَيْنَ الأَنامِ فَجائِعُ

يَروعُهُمْ بِالسَّبِّ مَنْ لا يَروعُهُ                  سُبابٌ وَلا رَاعِ النَّبِيِّينَ رَائِعُ

فَلَيْتَكَ يا جَدَّاهُ تَنْظُرُ حَالَنا                    نُسامُ ونُشْرَى كالإِماءِ نُبَايَعُ

ودفع الله تعالى عنه القتل..

وأحضر يزيد يوماً أهل البيت وأمر بمنبر وخطيب وقال للخطيب: اصعد واذكر مناقبنا ومثالب أعدائنا، فصعد الخطيب المنبر وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين عليهما السلام وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد لعنهما الله، فذكرهما بكلّ جميل، فصاح به عليّ بن الحسين عليهما السلام: ويلك أيّها الخاطب، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوّأ مقعدك من النّار.

ثمّ قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: يا يزيد ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلمات لله فيهن رضا ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب، فأبى يزيد عليه ذلك، فقال النّاس: 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

16

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 يا أمير المؤمنين، وما قدر ما يحسن هذا! فقال: إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّا، فلم يزالوا به حتّى أذن له، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، ثمّ قال:


أيّها النّاس أُعطينا ستّاً وفُضّلنا بسبع، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمّداً، ومنّا الصدّيق ومنّا الطيّار، ومنّا أسد الله وأسد رسوله، ومنّا سبطا هذه الأمّة، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي.

"أيّها النّاس أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن خير من اتّزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حجّ ولبّى، أنا ابن من حُمل على البراق في الهواء، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

17

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا لا إله إلّا الله، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدرٍ وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين رسول ربّ العالمين، أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأوّل من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين، وأوّل السابقين، وقاصم المعتدين، ومبيد المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، وناصر دين الله، ووليّ أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علمه، سمح سخي بهيّ، بهلول زكيّ، أبطحيّ رضيّ، مقدام همام، صابر صوّام، مهذّب قوام، قاطع الأصلاب، ومفرّق الأحزاب، أربطهم 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

18

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 عناناً، وأثبتهم جناناً، وأمضاهم عزيمةً، وأشدّهم شكيمةً، أسدٌ باسل يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة وقربت الأعنّة طحن الرحى ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز وكبش العراق، مكيّ مدنيّ، خيفيّ عقبيّ، بدريّ أحديّ، شجريّ مهاجريّ، من العرب سيّدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب".
 

ثمّ قال: "أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المجزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتّى قضى، أنا ابن طريح كربلا، أنا ابن مسلوب العمامة والردا، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السما، أنا ابن من ناحت عليه الجنّ في الأرض، والطير في الهواء، أنا ابن من رأسه على السنان يهدى، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تسبى".

 

"أيّها النّاس، إنّ الله تعالى وله الحمد ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن حيث جعل راية الهدى والعدل والتقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

19

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 فلم يزل يقول: أنا أنا.. حتّى ضجّ النّاس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد- لعنه الله- أن يكون فتنة، فأمر المؤذّن فقطع عليه الكلام.


فلمّا قال المؤذّن: الله أكبر الله أكبر، قال عليّ عليه السلام: لا شيء أكبر من الله، فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلّا الله، قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي، فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمّد هذا جدّي أم جدّك يا يزيد؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنّه جدّي فلمَ قتلت عترته؟! (فلم قتلت أبي ظلماً وانتهبت ماله وسبيت نساءه؟!).

فلم يجبه يزيد، وفرغ المؤذّن من الأذان والإقامة، وتقدّم يزيد فصلّى صلاة الظهر..

ثمّ إنّ يزيد بن معاوية أمر فأنزلوا آل الرسول وحرائر النبوّة والرسالة وبنات عليّ والزهراء عليهما السلام في محبسٍ لا يقيهم من حرّ ولا برد، وليس فيه سقف يظلّهم من حرارة الشمس، فكانت الشمس تصهرهم في حرارة الظهيرة، حتّى تقشّرت وجوههم من حرارتها..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

20

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 أَنْزَلُوهُم فِي خَرِبَةٍ لَيْسَ فِيها               غَيْرَ مَهْدِ الثَّرى وَسَقْفِ السَّماء


لا تَقِيهِم حَرَّ الهَجِيرِ بِظِلٍّ                وَهوَ يَصْلَى ولا لِهِيبَ ذُكَاء

وخرج زين العابدين عليه السلام يوماً من الخربة يتروّح، فلقيه المنهال بن عمر فقال له: كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ فقال: ويحك أما آن لك أن تعلم كيف أصبحت؟ أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا، وأصبح خير البريّة بعد محمّد صلى الله عليه وآله وسلم يُلعن على المنابر، وأصبح عدوّنا يعطى المال والشرف، وأصبح من يحبّنا محقوراً منقوصاً حقّه، وكذلك لم يزل المؤمنون، وأصبحت العجم تعرف للعرب حقّها بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تعرف لقريش بأنّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم كان منها، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم كان منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم كان منها، وأصبحنا أهل البيت لا يعرف لنا حقّ فهكذا أصبحنا يا منهال..

قال المنهال: فبينا نحن نتحدّث، وإذا بامرأةٍ خرجت وهي تنادي: إلى أين تمضي يا نعم الخلف ويا بقيّة السلف؟ فتركني وأسرع إليها، فسألت عنها فقيل: هذه عمّته زينب..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

21

مجلس الإمام زين العابدين عليه السلام في الشام

 هَتَفَتْ كُلُّ وَالِهٍ وَهيَ ثَكْلَى            وَدَمْعُ العَيْنِ فِي الخُدُودِ اسْتَهَلّا


قُلْ لِحادِي السَّرى إِذا شَدَّ رَحْلا         فَتَرَفَّقْ بِها فَما هِيَ إلّا

                     نَاظِرٌ دَامِعٌ وَقَلْبٌ مَرُوعُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

22

مجلس السيّدة رقيّة في خربة الشام

 مجلس السيّدة رقيّة في خربة الشام

 
لَهَفَ نَفْسِي لِزَيْنَبٍ وَهيَ ثَكْلَى                     يَتَلَظَّى قَلْبُها دُمُوعاً وَآها

كَمْ رَأَتْ فِي خَرابَةِ الشَّامِ أَحْزاناً                    تَسِيخُ الجِبالُ مِنْ بَلْوَاها

وَرَأَتْ ما يَمُضُّ مِنْ أَلَمِ اليُتْمِ                        مُصاباً يَعُزُّ عَنْ أَنْ يُضاهَى

هِيَ بِنْتُ الحُسيْنِ لَمْ تَعْرِفِ اليُتْمَ                   وَلَمْ تَدْرِ كَيْفَ تَنْعَى أَباها

لَمْ تَزَلْ تَسأَلِ الأَرامِلَ وَالأيتامَ                      عَنْهُ وَلَمْ تَحْصَلْ مُناها

رَأَتْ الوالِدَ العَطوفَ بِعَيْنِها                        فَهَبَّتْ مَذْعُورَةً مِنْ رُؤاها

وَاسْتَفاقَتْ مِنْ غَفْوَةِ الضَّيْمِ تَبْكِي                 تُنادِي فَلا يُجابُ نِدَاها

فَاسْتَفَزَّ الصُّراخُ نَوْمَ يَزِيدٍ                          وَهُوَ فِي قَصْرِهِ فأَبْدَى انْتِباها

قالَ ذَا رَأْسُهُ احمِلُوهُ إِلِيها                          فَعَسَى تَسْتَعيضُ عَنْهُ عَساها

وَانْحَنَتْ فَوْقَهُ تُقَبِّلُ فَاهُ                            وَهوَ مِنْ عَطْفِهِ يُقَبِّلُ فَاها
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

23

مجلس السيّدة رقيّة في خربة الشام

 وَتُنادِيهِ يا أَبِي أَيُ سَيْفٍ                           جَذَّ مِنْكَ الأَوْداجَ حتّى بَراها


يا أَبِي مَنْ تَراهُ خَضَّبَ مِنْكَ                        الشَّيْبَ بِالدَّمِ مَنْ تُرَى أَشْقاها

أبوذيّة:

ما حسّبت أطب يحسين شامات                   وشوف ابگتلك العدوان شامات

من الطشت ريحة مسك شامات                    من راسك يبن حامي الحميّه

شعبي:

فزت الطفلة بلا وعيّه                             وتريد أبوها حسين هيّه

نادتها زينب يا رقيّه                               زيّدتي أحزان العليّه

والله يا عمة اشها الرزيّه                           لمن سمع نسل الدعيّه

نادى اشجره بهاي المسيّه                         أسمع بكا وونّه شجيّه

گالوا لعد ابن الزكيّه                             طفلة وعليها تنوح هيّه

آمر اللي ما عنده حميّه                           يودولها راسه هديّه

من شافته جتها المنيّه                            وطاحت الطفلة اعلى الوطيّه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

 


24

مجلس السيّدة رقيّة في خربة الشام

 قالوا: إنّ عائلة الحسين عليه السلام وأرامل آل محمّد بعد قتل رجالهنّ يوم الطفّ، وسبيهنّ من بلدٍ إلى بلد كانوا يخفون على صغار الأطفال واليتامى قتل أوليائهم وآبائهم، فإن بكى يتيم أو يتيمة أباه أو أخاه ناغوه باللّطفّ، وأخبروه أنّه في سفر- يقصدون سفر الآخرة- فكانوا بهذا ونحوه يشغلون اليتامى والأطفال عن الشعور بألم اليتم ومرارة المصاب..


حتّى إذا جيء بهم إلى الشام، أنزلوهم في خربة إلى جنب قصر يزيد لعنه الله، وكانت للحسين عليه السلام طفلة صغيرة يحبّها وتحبّه، وقيل إنّ اسمها رقيّة، كانت مع الأسرى في خربة الشام، وكانت تبكي ليلاً ونهاراً، وهم يقولون لها هو في السفر، فينما هي نائمة ذات ليلة في الخربة، إذ انتبهت من نومها مذعورة باكية تقول: ائتوني بوالدي وقرّة عيني، أين أبي؟ الآن قد رأيته، ائتوني بأبي! أريد أبي!

وكلّما أرادوا اسكاتها ازدادت حزناً وبكاءً، فعند ذلك تعالى الصراخ من العيال والأطفال، حتّى وصلت الصيحة إلى يزيد فانتبه من نومه فسأل ما الخبر؟ فأخبروه أنّ طفلة للحسين عليه السلام رأت أباها في المنام فانتبهت تطلبه وتبكي..فقال اللعين: ارفعوا إليها رأس أبيها وحطّوه بين يديها تتسلّى به..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

25

مجلس السيّدة رقيّة في خربة الشام

 فزّت تنادي وصوتها يبيد                                صم الصخر ويذوب الحديد


أريدن أبوي الضيغم الجيد                               والتمن عليها المفاديد

كلما يسمعنها البكا ايزيد                              وصلت الصيحة المجلس ايزيد

نشدهم اشصاير حادث جديد                          أسمع بواكي يزلزل الميد

گالوله خدامه والعبيد                                   طفلة حسين ابوها تريد

جابوا وشافتهم من ابعيد                               صاحت هلا براسك يالعميد

يهلال عزنه ابليلة العيد                                 ليش اگطعت بينه يصنديد

فأتوا بالرأس مغطّى بمنديل ووضعوه بين يديها، فقالت: يا هذا إني طلبت أبي ولم أطلب الطعام، فقالوا: إن هنا أبوك، فرفعت المنديل ورأت رأساً، فقالت: ما هذا الرأس قالوا: رأس أبيك، فرفعت الرأس وضمّته إلى صدرها، وهي تقول: يا أبتاه من ذا الذي خضّبك بدمائك؟! يا أبتاه من ذا الذي قطع وريدك؟! يا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

26

مجلس السيّدة رقيّة في خربة الشام

 أبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سنّي؟!


يا والدي والله هظيمه                     أصير من صغري يتيمه

والنوح من بعدك لگيمه                   أتاري الأبو يا ناس خيمه
يفيي على ابناته وحريمه

يا أبتاه من لليتيمة حتّى تكبر؟! يا أبتاه من للنساء الحاسرات؟! يا أبتاه من للأرامل المسبيّات؟! يا أبتاه من للعيون الباكيات؟! يا أبتاه من للضائعات الغريبات؟! يا أبتاه من بعدك وا خيبتاه! يا أبتاه من بعدك وا غربتاه! يا أبتاه ليتني لك الفداء، يا أبتاه ليتني قبل هذا اليوم عمياء، يا أبتاه ليتني وسّدت التراب ولا أرى شيبتك مخضوبة بالدماء!!

يبويه من گطع راسك                       ويا هو السلّب اثيابك

يبويه غطى كل مصاب                     امصاب الماجره امصابك

عسى ابعيد البلى امخضّب                 وبفيض الدما اخضابك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

27

مجلس السيّدة رقيّة في خربة الشام

 گبل ما شوفك ابهالحال                     يريت انعمت عيناي


ولم تزل تُعوِل وتنوح وتبكي على أبيها، حتّى وضعت فمها على فم الشهيد المظلوم وبكت حتّى غشي عليها، (قال الإمام زين العابدين عليه السلام: عمّه زينب ارفعي هذه اليتيمة من على رأس والدي فإنّها قد فارقت الحياة).. 

عمّه يزينب گومي ليها                      شيليها عن راس وليها

ماتت الطفلة من بكيها                      واختي انكسر قلبي عليها

فحرّكوها فإذا هي قد فارقت روحها الدنيا..فارتفعت أصوات أهل البيت بالبكاء وتجدّد الحزن والعزاء ومن سمع من أهل الشام بكاءهم بكى فلم ير في ذلك اليوم إلّا باك وباكية.

وعن بعضهم: وأحضر لها مغسلة تغسلها، فلمّا جرّدتها من ثيابها قالت: لا أغسلها، فقالت لها زينب عليه السلام: ولم لا تغسليها؟ قالت: أخشى أن يكون فيها مرض، فإنّي أرى أضلاعها زرقاً، قالت: والله ليس فيها مرض، ولكن هذا من ضرب سياط أهل الكوفة..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

28

مجلس السيّدة رقيّة في خربة الشام

 يضربونه ونصفق بدينه                   ويشتمون حامينه وولينه


اتمنينه ابو فاضل يجينه                   يشاهد اخلافه اشصار بينه

قالت سكينة: فلمّا كان اليوم الرابع من مقامنا-أي في الشام- رأيت في المنام رؤيا.. رأيت امرأةً راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها فسألت عنها فقيل لي: فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وسلم أمّ أبيك، فقلت: والله لأنطلقنّ إليها ولأخبرنها ما صُنع بنا، فسعيت مبادرة نحوها حتّى لحقت بها فوقفت بين يديها أبكي وأقول: يا أمّاه جحدوا والله حقّنا، يا أمّاه بدّدوا والله شملنا، يا أمّاه استباحوا والله حريمنا، يا أمّاه قتلوا والله الحسين عليه السلام أبانا، فقالت لي: كفِّي صوتك يا سكينة فقد قطّعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين عليه السلام لا يفارقني حتّى ألقى الله به..

وين اليواسيني ابدمعته                    على ابني الذي حزوا رگبته

أويلاه يبني الما حضرته                   ولا غسلت جسمه ودفنته
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

29

مجلس السيّدة رقيّة في خربة الشام

 ولذلك جاء في بعض الروايات أنّه: إذا كان يوم القيامة تجيء فاطمة وبيدها اليمنى الحسن وبيدها اليسرى الحسين عليهما السلام، وعلى كتفها الأيمن قميص الحسن ملطّخ بالسمّ وعلى الأيسر قميص الحسين عليهما السلام ملطّخ بالدّم، فتنادي وتقول: ربّ احكم بيني وبين قاتلي ولدي. فيأمر الله الزبانية فيقول لهم: خذوه فغلّوه، فسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون..


لا بُدَّ أنْ تَرِدَ القِيامَةَ فَاطِمٌ                 وَقَمِيصُها بِدَمِ الحُسينِ مُلَطَّخُ

وَيْلٌ لِمَنْ شُفَعاؤُهُ خُصَماؤُهُ                وَالصُّورُ فِي حَرِّ الخَلائِقِ يُنْفَخُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

30

مجلس هند مع نساء أهل البيت في الخربة

 مجلس هند مع نساء أهل البيت في الخربة

 
بِنَفْسِي أَبِيَّ الضَّيْمِ فَرْداً تَزَاحَمَتْ                      جُموعُ أَعادِيهِ عَلَيْهِ تُكافِحُه

إلى أَنْ هَوى رُوحِي فِداهُ عَلَى الثَّرى                  لُقَىً مُثْخناتٌ بِالجِراحِ جَوارِحُه

وَلَمَّا أَتَى فِسْطاطَهُ المُهْرُ ناعِياً                       لَهُ استَقْبَلَتْهُ بِالعَوِيلِ صَوائِحُه

وَجِئْنَ لَهُ بَيْنَ العِدَى يَنْتَدِبْنَهُ                        بِدَمْعٍ جَرَى مِنْ ذَائِبِ القَلْبِ سَافِحُه

عَزِيزٌ عَلَى الكَرَّارِ أَنْ يَنْظُرَ ابْنَهُ                      ذَبِيحاً وَشِمْرُ ابنُ الضِّبابِيِّ ذَابِحُه

وَعِتْرِتُهُ بِالطَّفِّ صَرْعَى تَزورُهُم                       وُحُوشُ الفَلا حتّى احتَوَتْهُم ضَرائِحُه

أَيُهْدَى إلى الشَّاماتِ رَأْسُ ابنِ فاطِمٍ                 وَيَقْرَعُهُ بِالخَيْزَرَانَةِ كاشِحُه

وَتُسْبَى كَرِيماتُ النَّبِيِّ حَواسِراً                        تُغادِي الجَوَى مِنَ ثَكْلِها وَتُراوِحُه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

31

مجلس هند مع نساء أهل البيت في الخربة

 يَلُوحُ لَها رَأْسُ الحُسيْنِ عَلَى القَنا                  فَتَبْكِي وَيَنْهاها عَنِ الصَّبْرِ لائِحُه


وَشَيْبَتُهُ مَخْضُوبَةٌ بِدِمائِهِ                           يُلاعِبُها غَادِي النَّسِيمِ وَرائِحُه

أبوذيّة:

عليك أنعى يبو السجاد وحدي                وتوصّيني ابظعن الحرم وحدي

بگيت امحيّره يحسين وحدي                    عگب عينك يخويه انگطع بيّه

شعبي:

يهل الحميّه وين غبتون                         في كربلا عنا نزلتون

لوقف على درب لضعون                       وسايل اليرحون ويجون

يهل المدينة ليش ما تجون                       واكفان ويّاكم تجيبون

واقبور للموتى تحفرون                          والجسم أبو سكنه تدفنون
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

32

مجلس هند مع نساء أهل البيت في الخربة

 يروى أنّ هند زوجة يزيد كانت قبل أن يتزوّجها يزيد خادمة في بيت أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة، ولمّا قتل وأتوا بنسائه وبناته وأخواته إلى الشام لم يكن لها علم بقتل الحسين عليه السلام ، فدخلت امرأة على هند وقالت: يا هند الساعة أقبلوا بسبايا ولم أعلم من أين هم، فلعلّك تمضين إليهم وتتفرّجين عليهم، فقامت هند، ولبست أفخر ثيابها وأمرت خادمة لها أن تحمل الكرسيّ، فلمّا رأتها الطاهرة زينب التفتت إلى أختها أمّ كلثوم وقالت لها: أخيّه أتعرفين هذه الجارية؟ قالت: لا والله، قالت: هذه هند بنت عبد الله خادمتنا، فسكتت أمّ كلثوم ونكست رأسها..


فقالت هند: أراك قد طأطأت رأسك؟ فسكتت زينب ولم تردّ عليها جوابا. ثمّ قالت لها: أخيّه من أيّ البلاد أنتم؟ فقالت لها زينب: من بلاد المدينة، فلمّا سمعت هند ذكر المدينة نزلت من الكرسيّ وقالت: على ساكنها أفضل السلام، ثمّ التفتت إليها زينب وقالت: أراكِ نزلت من الكرسيّ؟ قالت هند: إجلالاً لمن سكن في أرض المدينة، ثمّ قالت لها: أخيّه أريد أن أسألك عن بيت في أرض المدينة، فقالت لها الطاهرة زينب عليها السلام: اسألي ما بدا لكِ، قالت: أسألكِ عن دار عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قالت لها زينب: وأنّى لك معرفة بدار عليّ؟ فبكت وقالت:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

33

مجلس هند مع نساء أهل البيت في الخربة

 إنّي كنت خادمة عندهم، قالت لها زينب: وعن أيّما تسألين؟ قالت: أسألك عن الحسين عليه السلام وأخوته وأولاده وعن بقيّة أولاد عليّ، وأسألك عن سيّدتي زينب وعن أختها أمّ كلثوم، وعن بقيّة مخدّرات فاطمة الزهراء؟


فبكت زينب بكاءً شديداً وقالت لهند: أمّا إن سألت عن دار عليّ عليه السلام ، فقد خلّفناها تنعى أهلها، وأمّا إن سألتِ عن الحسين عليه السلام فهذا رأسه بين يدي يزيد، وإمّا إن سألت عن العبّاس وعن بقيّة أولاد عليّ، فقد خلّفناهم جثثاً بلا رؤوس، وإن سألت عن زين العابدين عليه السلام فها هو عليل نحيل، لا يطيق النهوض من كثرة المرض والأسقام، وهذه أمّ كلثوم، وهذه بقيّة مخدّرات فاطمة الزهراء، وإن سألت عن زينب فأنا زينب بنت عليّ..

أنا زينب اليحكون عنّي                       سليت المصايب ما سلنّي

مصايب احسين الدوهنني                     نزلن على اعيوني وعمنّي

وخرجت هند حتّى شقّت الستر وهي حاسرة فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عامّ، فقالت: يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء بابي؟ فوثب إليها يزيد فغطّاها،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

34

مجلس هند مع نساء أهل البيت في الخربة

 وقال: نعم فأعولي عليه يا هند وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش، عجّل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله، قتله الله..


وذكر أبو مخنف وغيره أنّ يزيد لعنه الله أمر بأنّ يصلب الرأس على باب داره، وأمر بأهل بيت الحسين عليه السلام أن يدخلوا داره، فلمّا دخلت النسوة دار يزيد، لم يبق من آل معاوية ولا أبي سفيان أحد إلّا استقبلهنّ بالبكاء والصّراخ والنّياحة على الحسين عليه السلام وألقين ما عليهن من الثّياب والحلي وأقمن المأتم عليه ثلاثة أيّام..

ونقل عن هند زوجة يزيد قالت: كنت أخذت مضجعي فرأيت باباً من السماء وقد فتحت، والملائكة ينزلون كتائب إلى رأس الحسين وهم يقولون: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله، فبينما أنا كذلك إذ نظرت إلى سحابة قد نزلت من السماء، وفيها رجال كثيرون، وفيهم رجل درّي الّلون، قمريّ الوجه، فأقبل يسعى حتّى انكبّ على ثنايا الحسين يقبّلهما وهو يقول: يا ولدي قتلوك، أتراهم ما عرفوك، ومن شرب الماء منعوك، يا ولدي أنا جدّك رسول الله، وهذا أبوك عليّ المرتضى، وهذا أخوك الحسن، وهذا عمّك جعفر وهذا عقيل، وهذان حمزة والعبّاس، ثمّ جعل يعدّد أهل بيته
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

35

مجلس هند مع نساء أهل البيت في الخربة

 واحداً بعد واحدٍ، قالت هند: فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة، وإذا بنورٍ قد انتشر على رأس الحسين، فجعلت أطلب يزيد، وهو قد دخل إلى بيت مظلم، وقد دار وجهه إلى الحائط وهو يقول: ما لي وللحسين؟ وقد وقعت عليه الهمومات، فقصصت عليه المنام وهو منكّس الرأس..


يحسين راسك وين أودّيه                      أحطّه بقلبي لو أخليه
لو ناخذه الجدّك نودّيه                        نحكي مصايبنا ونشكيه

وَأَعْظَمُ ما يُشْجِي النُّفوسَ حَرَائِرٌ               تُضامُ وَحامِيها الوَحِيدُ مُقَيَّدُ
فَمِنْ مُوثَقٍ يَشْكُو التَّشَدُّدَ مِنْ يَدٍ               وَمُوثَقَةٍ تَبْكِي فَتَلْطِمُها اليَدُ
كَأَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ لِقَوْمِهِ                     خُذُوا وِتْرَكُمْ مِنْ عِتْرَتِي وَتَشَدَّدُوا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

36

مجلس ملاقاة جابر ويوم الأربعين

 مجلس ملاقاة جابر ويوم الأربعين

 
قُمْ جَدِّدِ الحُزْنَ فِي العِشْرِينَ مِنْ صَفَرِ                   فَفِيهِ رُدَّتْ رُؤوسُ الآلِ لِلْحُفَرِ

يَا زَائِرِي بُقْعَةً أَطْفالُهُم ذُبِحَتْ                          فِيها خُذُوا تُرْبَها كُحْلاً إلى البَصَرِ

وا لَهْفَتا لِبَناتِ الطُّهْرِ يَوْمَ رَنَتْ                        إلى مَصارِعِ قَتْلاهُنَّ وَالحُفَرِ

رَمَيْنَ بِالنَّفْسِ مِنْ فَوْقِ النِّياقِ عَلَى                    تِلْكَ القُبورِ بِصَوْتٍ هَائِلٍ ذَعِرِ

فَتِلْكَ تَدْعُو حُسَيْناً وَهيَ لاطِمَةٌ                       مِنْها الخُدودَ وَدَمْعُ العَيْنِ كَالمَطَرِ

وَتِلْكَ تَصْرُخُ وا جَدَّاهُ وا أَبَتا                          وَتِلْكَ تَصْرُخُ وا يُتْماهُ فِي الصِّغَرِ

فَلَوْ تَرَوا أُمَّ كُلْثومٍ مُناشِدَةً                            وَلْهَى وَتَلْثِمُ تُرْبَ الطَّفِّ كَالعِطْرِ

يا دَافِنِي الرَأْسَ عِنْدَ الجُثَّةِ احْتَفِظُوا                      بِاللهِ لا تَنْثُروا تُرْباً عَلَى قَمَرِ

لا تَدْفُنوا الرَأْسَ إلّا عِنْدَ مَرْقَدِهِ                         فَإنَّهُ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ وَالزَهَرِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

37

مجلس ملاقاة جابر ويوم الأربعين

  

لا تَغْسِلُوا الدَمَّ عَنْ أَطْرافِ لِحْيَتِهِ                    خَلُّوا عَلَيْها خِضابَ الشَّيْبِ وَالكِبَرِ

رُشُّوا عَلَى قَبْرِهِ مَاءً فَصاحِبُهُ                         مُعَطَّشٌ بَلِّلُوا أَحْشاهُ بِالقَطَرِ

لا تَدْفُنُوا الطِّفَلَ إلَّا عِنْدَ وَالِدِهِ                       فَإِنَّهُ لا يُطِيقُ اليُتْمَ فِي الصِّغَرِ

لا تَدْفُنُوا عَنْهُمُ العبَّاسَ مُبْتَعِداً                       فَالرَأْسُ عَنْ جِسْمِهِ حتّى اليَدَيْنِ بُرِي

أبوذيّة:

كسير ومحّد القلبي يجابر                            وتدري بالقدر حكمه يجابر

عن احسين لا تنشد يجابر                          هاذي عيلته الكانت سبيّه

شعبي:

يحسين يم گبرك لفينه                             واحسينه اخويه ضيوف اجينه

دگعد وشوف اشصار بينه                       من يومك الهاذه اربعينه

وامن الأسر خويه وسبينه                        يمك خواتك يبو اسكينه

تنشد على الگطعوا يمينه                        ايگوم ويردها المدينه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

38

مجلس ملاقاة جابر ويوم الأربعين

 خشي يزيد الفتنة وانقلاب الأمر عليه من وجود أهل البيت وبقائهم في الشام، فعجّل بإخراجهم إلى وطنهم إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمر النعمان بن بشير وجماعة معه أن يسيروا بهم ليلاً ويرفقوا بهم..

 
ولمّا وصلوا إلى العراق قالوا للدليل: مرّ بنا على طريق كربلاء..
 
يا عمه خل حادي الظعينه                      لقبور أهلنه يميل بينه
 
نوصل لعد عزنه وولينه                         نشكي الجره اوضيم العلينه
 
والله عگب عينه انسبينه                       وهل گرّب اعلينه أربعينه
 
ولكن قبل أن يصلوا كان قد سبقهم إلى كربلاء جابر بن عبد الله الأنصاريّ زائراً قبر الحسين عليه السلام ، فعن عطيّة العوفيّ قال: خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاريّ رحمه الله زائرين قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلمّا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثمّ ائتزر بازار، وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها سعد1 فنثرها على بدنه، ثمّ لم يخط خطوة إلّا ذكر الله حتّى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه فألمسته، فخرّ على القبر
 
 
 

1- نوع من العطر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

39

مجلس ملاقاة جابر ويوم الأربعين

 مغشيّاً عليه فرششت عليه شيئاً من الماء فأفاق.


ثمّ قال: يا حسين - ثلاثاً- ثمّ قال: حبيب لا يجيب حبيبه، ثمّ قال: وأنّى لك بالجواب، وقد شحطت أوداجك على أثباجك وفرّق بين بدنك ورأسك فأشهد أنّك ابن النبيّين وابن سيّد المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّد النقباء، وابن فاطمة سيّدة النساء، وما لك لا تكون هكذا وقد غذّتك كفُّ سيّد المرسلين، وربيت في حجر المتّقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفطمت بالإسلام، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة لفراقك ولا شاكّة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.

ثمّ جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين، وأناخت برحله، أشهد أنّكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتّى أتاكم اليقين والذي بعث محمّداً بالحقّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

قال عطيّة: فقلت لجابر: وكيف؟ ولم نهبط وادياً، ولم نعل جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

40

مجلس ملاقاة جابر ويوم الأربعين

 وأوتمت أولادهم وأرملت الأزواج؟ فقال لي: يا عطيّة سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أحبّ قوماً حشر معهم، ومن أحبّ عمل القوم أشرك في عملهم، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه، قال عطيّة: فبينما نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام، فقلت: يا جابر هذا سواد قد طلع من ناحية الشام، فقال جابر لعبده: انطلق إلى هذا السواد وأتنا بخبره، فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا لعلّنا نلجأ إلى ملجأ، وإن كان زين العابدين فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى، قال: فمضى العبد فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول: يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله! هذا زين العابدين قد جاء بعمّاته وأخواته!


فقام جابر يمشي حافي الأقدام مكشوف الرأس إلى أن دنا من زين العابدين عليه السلام ، فقال الإمام: أنت جابر؟! فقال: نعم يا ابن رسول الله، فقال: يا جابر، ههنا والله قتلت رجالنا! وذبحت أطفالنا! وسبيت نساؤنا! وحرقت خيامنا!

يجابر مات أبوي حسين ظامي                  بشط العلقمي والماي طامي

ولا واحد لفى من أهلي واعمامي               بس الخيل حول الخيم تفتر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

41

مجلس ملاقاة جابر ويوم الأربعين

 قالوا: بينما الإمام يتحدّث مع جابر وإذا بمنادية تنادي: وا حسيناه، وا أخاه..وإذا بها الحوراء زينب عليها السلام.. 


زينب تنادي على                        قبر حسين دلّوني

اشكي له الحال                          وگلّه اسودت متوني

اشكي له الحال                          وگلّه عمين عيوني

خويه أخبرك راح الحباب                وطبينا يخويه ديوان الاجناب

وگعدنا بخرابة على التراب               عفا قلبي يخويه اشلون ما ذاب

رمت بنفسها من على ظهر ناقتها.. بنات الرسالة رمين بأنفسهن من على ظهور رواحلهن..دنا منها الإمام عليه السلام قالت: خذ بيدي فلقد غشي على بصري أصبحت لا أرى، دلّني على قبر أخي، أخذ السجّاد بيدها، أقبل بها إلى قبر الحسين عليه السلام ، وضع يديها على القبر، فنادت: واحسيناه وا حسيناه.. أخي حسين هل غسّلوك أم كفّنوك أم بغير كفنٍ دفنوك؟!

لو ينكشف يحسين قبرك                 أشق اللحد واتمدد بجنبك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

42

مجلس ملاقاة جابر ويوم الأربعين

 ريت عمري قبل عمرك                  وانت اللي تكفني يا لحسين


يخويه نروح كلحنه فداياك               خذنا للقبر يحسين وياك

أهي غيبه يخويه واگعد اتناك            وگول سافر ويومين يرجع

وانكبّت فاطمة بنت الحسين عليه السلام على قبر أبيها، وأقامت الرباب على قبره، وأمّا أمّ كلثوم فقد نادت برفيع صوتها: اليوم مات جدّي المصطفى، اليوم مات أبي المرتضى، اليوم ماتت أمّي فاطمة الزهراء..

جينه وعلى قبرك گعدنه                ونخيناك يا عزنه وضمدنه

هاي المحامل گوم ردنه                 لرض المدينه ووطن جدنه

مهي مناسبه الغربه تردنه

ثمّ صاحت سكينة: وا محمّداه، وا جدّاه، يعزّ عليك ما فعلوا بأهل بيتك، ما بين مسلوب وجريح، ومسجونٍ وذبيح، وا حزناه، وا أسفاه..

قالوا: وأجالت زينب بطرفها يميناً وشمالاً، فقيل لها: لعلّك تريدين شيئاً؟ فقالت: قوموا بنا إلى قبر أبي الفضل العبّاس،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

43

مجلس ملاقاة جابر ويوم الأربعين

 فجاء بها الإمام زين العابدين عليه السلام حتّى أوقفها على قبر أبي الفضل العبّاس وهو باكي العين قائلاً: عمّه هذا قبر أخيك أبي الفضل رمت بنفسها على القبر منادية: وا أخاه وا عبّاساه..


صاحت يالحرم گومن امشنّه                    لعد اللي تكفلنه امن اهلنه

نريده يگوم ويردنه الوطنه                     ما هو اللي جابنه وبينه تكفّل

وجعلت زينب تقوم من قبر وتجلس عند قبر..

لقيم العزا واصبغ اهدومي                    سود اعلى اخوتي وروس گومي

وحرّم عليّه طيب نومي                       أنا الفاگدة وارخص ادمومي

واجتمع إلى أهل البيت نساء أهل السواد، فخرجت زينب في الجمع ونادت بصوت حزين مقرّح للقلوب: وا أخاه، وا حسيناه، وا حبيب رسول الله، وا ابن مكّة ومنى، وا ابن فاطمة الزهراء، وا ابن عليّ المرتضى، آه ثمّ آه..

يا نازِلِينَ بِكَرْبَلا هَلْ عِنْدَكُمْ                  خَبَرٌ بِقَتْلانا وَما أَعْلامُها

مَا حَالُ جُثَّةِ مَيِّتٍ فِي أَرْضِكُم                بَقِيَتْ ثَلاثاً لا يُزارُ مَقامُها

بِاللهِ هَلْ وَارَيْتُمُوها فِي الثَّرى                 وَهَل اسْتَقَرَّتْ فِي الُّلحودِ رِمامُها
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

44

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 
قِفْ بِالطُفُوفِ وَنُحْ بِقَلْبٍ مُكْمَدِ                 وَاسَأَلْ بِها عَنْ رَكَبِ آلِ مُحَمَّدِ

لَمْ أَنْسَ زَيْنَبَ إذْ دَعَتْ سُكَّانَها                  هَلْ تَعْلَمُونَ بِجُثَّةِ الظَّامِي الصَدِي

بِاللهِ هَلْ شِيلَتْ جَنازَتُهُ التِي                       بَقِيَتْ عَلَى حَرِّ الثَّرى المُتَوَقِدِ

فَيَخالُ لِي أَنَّ الجَوابَ أَتَى لَها                     تِلْكَ القُبورُ فَأَعْوِلِي وَتَنَهَّدِي

يا عَائِدُونَ بِرأسِ سِبْطِ مُحَمَّدٍ                      كِيْ تُوْدِعُوهُ وِجِسْمَهُ فِي مَرْقَدِ

مَهْلاً دَعُوهُ يُسائِلُ الجَسَدَ الَّذِي                   فَصَلَتْهُ آلُ أُمَيَّةٍ بِمُهَنَّدِ

مَاذا جَرَى بَعْدِي عَلَيْكَ مِنَ العِدا                لَمَّا بَقِيتَ وَأَنْتَ غَيْرُ مُوَسَّدِ

وَأنا أُخِذْتُ إلى دِمَشْقَ مَعَ العِدا                 وَضُرِبْتُ فِي سَوْطِ الطَليقِ المُفْسِدِ

وَكَأَنَّما الجَسَدُ الشَريفُ يُجِيبُهُ                     مِنْ بَعْدِ قَطْعِ الرَأْسِ قَدْ قَطَعُوا يَدِي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

45

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 وَغَدَتْ عَلَى صَدْرِي تَجُولُ خُيُولُهُم                عَمْداً تَرُوحُ إلى الطِرادِ وَتَغْتَدِي


وَتُرِكْتُ فَوْقَ الصَّعِيدِ مُجَرَّداً                       طاوٍ وَحَرُّ حَشاشَتِي لَمْ يَبْرُدِ

يا دافِنِي رَأْسَ الحُسينِ بِقَبْرِهِ                      رِفْقاً بِجِسْمٍ بِالسُّيوفِ مُبَدَّدِ

وَتَرَيَّثُوا حَتَّى تُقِيمَ مَناحَةً                        مِنْ فَوْقِ حُفْرَتِهِ بَناتُ مُحَمَّدِ

أبوذيّة:

اشكثر قاسيت من هالدهر مرّه                   ولا ثغري بسّم بالفرح مرّه

يحادي ظعني اعلى احسين مرّه                   نريد انودعه وننصب عزيّه

شعبي:

يخويه امن السبي جينه ولفيناك                  يخويه وللگبر كلنا گصدناك

يخويه ابنفسي أگعد اوياك                     يخويه اتيسرت من عقب عيناك

يخويه اشلون ولية اعداك                      يخويه لا كفن لا دفن عفناك

يخويه اتحيرت والله ابيتاماك                    يخويه كل مرار الگيته اهناك

يخويه اگبالي اوضربوا ثناياك                   يخويه وينشتم ممدوح الأملاك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

46

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 قالوا: لمّا وصلت السبايا إلى كربلاء توزّعت النساء على القبور وأخذت كلّ واحدة تنوح على قبر قتيلها، وهنا تخيّل كيف حال بنات رسول الله ونساء أهل البيت، كلّ واحدة عند فقيدها..


زينب تصب دمعات العيون                  وتصيح يالباللحد مدفون

اگعد وشوف أحوالنه اشلون                  وانظر يتاماك الينوحون

بدموع عبره وقلب محزون                     وضرب السياط أثّر بالمتون

الرباب أمّ عبد الله أقبلت والثكل بادٍ عليها منادية: سيّدي (يا زين العابدين) أين قبر ولدي الرضيع؟ دلّني عليه، فأقبل بها على قبر أبيه الإمام الحسين عليه السلام وعيناه تمطران دموعاً، وقال: ها هنا دفنت ولدك وأشار إلى جانب صدر الحسين عليه السلام على القبر الشريف..

يبني بجاه أبوك بجاه جدّك                    يبني تفك باب لحدك

أريد احط خدي اعلى خدك                أخاف تنام الليل وحدك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 51

47

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 رملة عند ولدها القاسم:


يبني أرد افكّ گبر النمت بيه                    أو بيك ارد اكلفه او بيك أوصيه

يا گبر جاسم عينك اعليه                      بتراب لحدك لا تغطيه

ما يحمل ابني خاف تاذيه

أمّ كلثوم عند أبي الفضل العبّاس عليه السلام:

اشلون الثرى تضم جسمك يا عباس           وانت طودها الشامخ اعلى النّاس

نور العين والتاج العلى الراس                   تاليها بقبر من غير تكفين

سكنة عند قبر أبيها الحسين عليه السلام:

هوت سكنه على قبر حسين تشكي          يا يابه الما كنت ترضى من ابكي

علمني شگول للناس شحكي                 لو گالوا يا سكنه الدللك وين

لم يجد السجّاد عليه السلام بُدّاً من الرحيل من كربلاء إلى المدينة بعد أن أقام ثلاثة أيّام، لأنّه رأى عمّاته ونساءه وصبيته نائحات الليل والنهار يقمْن من قبر ويجلسن عند آخر..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

48

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 فأمر عليّ بن الحسين عليه السلام بشدّ الرحال فشدّوها، فصاحت سكينة بالنساء لتوديع قبر أبيها، فدرن حول القبر فحضنت سكينة قبر أبيها وبكت بكاءً شديداً وحنّت وأنّت وأنشأت تقول:


ألَا يا كَرْبَلا نُودِعُكِ جِسْماً                     بِلا كَفَنٍ وَلا غُسْلٍ دَفِينا

ألَا يا كَرْبَلا نُودِعُكِ رُوحاً                      لِأَحْمَدَ وَالوَصِيِّ مَعَ الأَمِينا

للنسوان من صاحت اسكينه                   گومن خلّي انودعه ولينه

تدري بالظعن ناوي المدينه                     ويظل والدي بالطف رهينه

يوادي كربلا صاحت حزينه                   عنك جسم ابوي امودعينه

ابلا تغسيل برضك دافنينه                    وابذاري التراب امخضبينه

عفنه الولي غصبن علينه

وقيل لعليّ بن الحسين عليهما السلام: دع النساء تتزوّد من أهلها، فقال: يا قوم إنّكم لا ترون ما أرى، إنّي أخشى على عمّتي زينب أن تموت، إنّها تقوم من قبر وتجلس عند قبر..
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

49

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 يحسين لو بيدي الأمر كان إبنيت اعلى گبرك بيت الأحزان


فگدك تظن خويه عَلَيّ هان                   إلك تشتعل بالقلب نيران

يتالي هلي بيك الدهر خان                   يا هظمتي او فرحت العدوان

والتفت الإمام زين العابدين عليه السلام إلى عمّته زينب عليها السلام وقال: عمّه زينب قومي لنركب ونمضي، قالت: إلى أين يا بن أخي؟ قال: إلى المدينة، قالت: ومن ذا بقي لي في المدينة؟!

بعد شلنه يعمه بالمدينه                       وهاي قبور أهلنا يا ولينه

يعمه فراقهم يصعب علينه                    غابوا وما بقى منهم بقيّه

يعمّه بالمدينه بعد شلنه                      بقت ظلمه وخليّه ديار اهلنه

نريد بكربلا انگيمه حزنّه                    وعلى اگبور الأهل ننصب عزيّه 

(أخي أبا عبد الله، ستبقى في ذاكرتي، وفي قلبي، لا تنطفي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

50

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 نيران حزني عليك).


ثمّ انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة، قال بشير بن حذلم فلمّا قربنا منها نزل عليّ بن الحسين عليهما السلام فحطّ رحله، وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال: يا بشير! رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله إنّي لشاعر، قال: فادخل المدينة وانع أبا عبد الله، قال بشير: فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة فلمّا بلغت مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:

يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ بِها                   قُتِلَ الحُسَيِنُ فَأَدْمُعِي مِدْرَارُ

الجِسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلاءَ مُضَرَّجٌ                      وَالرَأْسُ مِنْهُ عَلَى القَناةِ يُدارُ

قال: ثمّ قلت: هذا عليّ بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه، فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلّا برزن من خدورهنّ مكشوفة شعورهنّ مخمّشة وجوههنّ، ضاربات خدودهنّ، يدعون بالويل والثبور، فلم أرَ باكياً أكثر من ذلك اليوم ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه، وسمعت جارية تنوح على الحسين فتقول:

نَعَى سيِّدي نَاعٍ نَعاهُ فَأَوْجَع                    وَأَمْرَضَنِي نَاعٍ نَعاهُ فَأَفْجَعا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

51

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 فَعَيْنَيَّ جُودا بِالدُّموعِ وَاسْكُبا                   وَجُودا بِدَمْعٍ بَعْدَ دَمْعِكُما مَعا


عَلَى مَنْ دَهَى عَرْشَ الجَلِيلِ فَزَعْزَعا             فَأَصْبَحَ هَذا المَجْدُ وَالدِّينُ أَجْدَعا

ثمّ قالت: أيّها الناعي جدّدت حزننا بأبي عبد الله وخدشت منّا قروحاً لمّا تندمل، فمن أنت رحمك الله؟ فقلت: أنا بشير بن حذلم وجّهني مولاي عليّ بن الحسين عليهما الصلاة والسلام وهو نازل في موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله ونسائه، قال: فتركوني مكاني وبادروا فضربت فرسي حتّى رجعت إليهم فوجدت النّاس قد أخذوا الطرق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطّيت رقاب النّاس حتّى قربت من باب الفسطاط وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام داخلاً ومعه خرقة يمسح بها دموعه، وخلفه خادم معه كرسيّ فوضعه له وجلس عليه، وهو لا يتمالك من العبرة وارتفعت أصوات النّاس بالبكاء، وحنين الجواري والنساء، والنّاس من كلّ ناحية يعزّونه فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة، فأومأ بيده أن: اسكتوا، فسكنت فورتهم فقال عليه السلام: "الحمد لله ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، بارئ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الأمور، وفجائع الدهور، وألم
 
.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

52

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 الفجائع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاضعة، الكاظّة الفادحة الجائحة، أيّها النّاس إنّ الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الإسلام عظيمة، قتل أبو عبد الله وعترته، وسبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة، أيّها النّاس! فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله؟ أم أيّة عين منكم تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها، فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان ولجج البحار والملائكة المقرّبون، وأهل السماوات أجمعون؟، أيّها النّاس! أيّ قلب لا ينصدع لقتله، أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه، أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام؟، أيّها النّاس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار كأنّا أولاد ترك وكابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، إن هذا إلّا اختلاق، والله لو أنّ النَّبيَّ تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاءة بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

53

مجلس الخروج من كربلاء والرجوع إلى المدينة

 مصيبة ما أعظمها، وأوجعها وأفجعها، وأكظّها، وأفظّها، وأمرّها، وأفدحها؟ فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا إنّه عزيز ذو انتقام".


يا مُصاباً زَلْزَلَ السَّبْعَ العُلَى                  وَلَهُ الكَوْنُ بَحُزْنٍ أَعْوَلا

وَنَجيعُ الدَّمْعِ نَادى قائِلاً                     كَرْبَلا لا زِلْتِ كَرْباً وَبَلا

                       مَا لَقِي عِنْدَكِ آلُ المُصْطَفَى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

54

مجلس أمّ البنين في المدينة

 مجلس أمّ البنين في المدينة

 
مَوْكِبٌ لِلشُجونِ تَهْفُو عَلَيْهِ                 عَذَباتٌ مِنْ رَايَةٍ سَوْدَاءِ

طَالَعَتْهُ الأَحْزانُ وَهيَ عُيونٌ                 مِنْ ثَنايا المَدِينَةِ الغَرَّاءِ

حِينَ وَافَى بِشْرٌ لَها وَهوَ يَنْعَى               بِمَراثِيهِ سَيِّدَ الشُهَداءِ

قَالَ شَجْواً فَهَزَّ مَسْجِدَ طَهَ                بِالمَآسِي وَرَيْعَ كُلِّ بِناءِ

لَيْسَ فِي يَثْرِبَ مُقامٌ كَرِيمٌ                  بَعْدَ قَتْلِ الحُسينِ فِي كَرْبِلاءِ

فَتَعالَى الصُّراخُ فِي كُلِّ بَيْتٍ                بِنَحِيبٍ يَعُجُّ بِالأَصْداءِ

وَأَتَى النَّاسُ يُهْرَعُونَ رِجالاً                وَنِساءً فِي نَدْبَةٍ وَشَقاءِ

لِلإِمامِ السَّجَّادِ وَهوَ المُعَزَّى               بِأَبِيهِ الذَّبيحِ مِنْ غَيْرِ ماءِ

لِليَتامَى وَلِلأَرامِلِ ثُكَّلاً                   مِنْ صَبايا وَصِبْيَةٍ وَنِساءِ

حَيْثَ ناحَتْ أُمُّ المَصائِبِ                ناحُوا لِعَويلِ العَقِيلَةِ الحَوْراءِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

55

مجلس أمّ البنين في المدينة

 ضَجَّةٌ لِلشُجونِ وَالوَجْدِ مِنْها                ضَجَّتِ الأَرْضُ وَالسَّما بِالبُكَاءِ


وَأُقِيمَتْ مَآتِمٌ فِي بُيوتٍ                     هِيَ كَانَتْ مَآتِمَ الأَرْزاءِ

أبوذيّة:

مصايب كربلا قلبي حزنّه                  ومواضي الدهر فوگاهن حزنّه

لون يحصل بوادي الطف حزنه            نقيمه اعلى السبط واهل الحميّه

شعبي:

يا تالي هلي يحسين يا سلوة هلي يحسين                  سهم الصابك ابقلبك 

تره صوّب القلب الدين                                  لا بعدك يجف دمعي ولا يهده وتنام العين

ليل انهار آنه ابهمّك وهمّك لا بعد ينزاح                  يا تالي هلي يحسين يا صبري على بلواي

يبن امي احترمت الماي عگبك لا شربت الماي           ابنوحك لعمي اعيوني

شِلي او شلّي ابحياتي هاي                              انكان إنت رحت يحسين

حزنك بالقلب ما راح
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

56

مجلس أمّ البنين في المدينة

 لمّا نادى بشير بن حذلم في المدينة وأخبر النّاس بقتل الحسين عليه السلام ، لم تبق في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلّا برزن من خدورهنّ، ضاربات خدودهنّ، وضجّت المدينة ضجّة واحدة..


قال الراوي:

ومن جملة من خرج من المخدّرات أمّ البنين زوجة أمير المؤمنين عليه السلام ، وعلى كتفها طفل للعبّاس عليه السلام ، حتّى دنت من بشير تسأله عن الحسين عليه السلام ، يقول بشير: رأيت امرأة كبيرة تحمل على عاتقها طفلاً وهي تشقّ الصفوف نحوي استقبلتني قائلة: يا بشير أعندك خبر عن الحسين عليه السلام ؟! قلت: نعم، ولكن أخبريني أنت أوّلاً من أنت لكي تسأليني عن الحسين عليه السلام ؟ قالت: يا بشير أنا أمّ البنين أنا أمّ أبي الفضل العبّاس، فعلمت أنّها ذاهلة، فأشفقت عليها، وخفت أن أخبرها بأولادها مرّة واحدة، فقلت: يا أمّ البنين- على الخبير سقطتي- أمة الله عظّم الله لكِ الأجر بولدك جعفر، قالت: يا ابن حذلم وهل سمعتني سألتك عن جعفر؟ أخبرني عن الحسين، قلت لها: يا أمّ البنين عظّم الله لك الأجر بولدك عثمان، قالت: يا ابن حذلم أخبرني عن الحسين، قلت: يا أمّ البنين عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت: يا ابن حذلم قلت لك أخبرني عن الحسين، فقلت لها: يا أمّ البنين عظّم الله لك
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

57

مجلس أمّ البنين في المدينة

 الأجر بولدك أبي الفضل العبّاس، لمّا سمعت بذكر العبّاس وضعت يدها على قلبها ثمّ قالت: يا ابن حذلم لقد قطّعت نياط قلبي أخبرتني بقتل أربعة من أولادي ولكن إعلم أنّ جميع أولادي ومن تحت السماء فداء لأبي عبد الله الحسين، يا بشر أخبرني عن الحسين، عند ذلك قال لها: يا أمّ البنين عظّم الله لكِ الأجر بالحسين، فلقد خلّفناه بأرض كربلاء جثّة بلا رأس، عند ذلك صاحت: وا ولداه وا حسيناه..


يگلها عظّم الله أجرك بالحسين                         بقى بوادي الطفوف من غير تكفين

اومشى السجاد بظعون النساوين                      ونصب بره المدينة إلهم امخيّم

يم البنين الأربعة الماحّد دفنهم                         دمهم غسلهم والترب صاير كفنهم

ومن الصبح زينب مشت للشام عنهم                 فوق الهزل مرّت وشافتهم مطاعين

يم النين الأربعة انذبحوا ظمايا                          وظلوا ثلاث تيام عالغبرا عرايا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

58

مجلس أمّ البنين في المدينة

 لو تشوفين على النهر صاحب الراية                   مقطوع راسه مگطّعه شماله ويمينه


قالوا ولمّا دخلت على زينب عليها السلام صاحت زينب عليها السلام بوجهها وا عبّاساه، وصاحت أمّ البنين: وا حسيناه..

وكانت بعد ذلك تخرج إلى البقيع كلّ يوم ترثي العبّاس وأخوته، تحمل ابن العبّاس عبيد الله، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة فيبكون لبكائها وشجي ندبتها، ومن قولها في رثاء ولدها العبّاس عليه السلام:

يا مَنْ رَأَى العَبَّاسَ                كَرَّ عَلَى جَماهِيرِ النَّقد

وَوَراهُ مِنْ أَبْناءِ حَيْدَرَ             كُلُّ لَيْثٍ ذِي لُبَدْ

أُنْبِئْتُ أَنَّ ابْنِيَ أُصِيبَ             بِرأْسِهِ مَقْطُوعَ يَدْ

وَيْلِي عَلَى شِبْلِي أَمَالَ            بِرَأْسِهِ ضَرْبُ العَمَدْ 

لَوْ كَانَ سَيْفُكَ فِي يَدَيْكَ           لَمَا دَنا مِنْكَ أَحَدْ

وقولها أيضاً في رثاء أولادها الأربعة:

لا تَدْعُوَنِّي وَيْكِ أُمُّ البَنِينِ                       تُذَكِّرِينِي بِلُيُوثِ العَرِين

كَانَتْ بَنُونُ لِي أُدْعَى بِهِم                      وَاليَوْمَ أَصْبَحْتُ وَلا مِنْ بَنِين

أَرْبَعَةٌ مِثْلُ نُسورِ الرُّبَى                          قَدْ وَاصَلُوا المَوْتَ بِقَطْعِ الوَتِين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

59

مجلس أمّ البنين في المدينة

 تَنازَعَ الخُرْصانُ1 أَشْلاءَهُم                     فَكُلُّهُم أَمْسَى صَرِيعاً طَعِين

 
يا لَيْتَ شِعْرِي أَكَما أَخْبَرُوا                   بَأَنَّ عَبَّاساً قَطِيعُ اليَمِين
 
وقيل: إنّها صنعت قبوراً رمزيّة لأولادها الأربعة وقبراً للحسين عليه السلام وكانت تجلس بينها وتندبهم.. 
 
يا لوالها اعليمن تنوحين                     اتگول البكا والنوح لحسين
 
أنا الفاگدة اثنين واثنين                    عليهن أرش بدمعة العين
 
أَحْبابَنا لا نَسْتَطِيعُ فِرَاقَكُم                  إِنَّ الفِراقَ يَفُتُّ فِي الأَعْضادِ
 
هَلْ مَوْعِدٌ لِمُلْتَقَى فَنُسَرَّ فِي                 رُؤْيَاكُم وَبِكُمْ يُضِيءُ النَّادِي
 
قَدْ أَفْجَعَتْنا النَّوَائِبُ بِفَقْدِكُم                وَالدَّهْرُ عَادَ جَمْعَنا بِبَدادِ
 
 

1-أي أسنّة الرماح
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

60

مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

 مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

 
هَذِهِ دَارُهُمْ تُهِيجُ شُجُونِي                     كَيْفَ حَبْسُ الدُّموعِ بَيْنَ الجُفُونِ

جُودِي بِالدَّمْعِ فَوْقَ خَدِّي جُودِي           هَذِهِ دَارُ صَحْبِنا يا عُيونِي

وَدَّعُونِي وَأَوْدَعُوا السَّهْمَ قَلْبِي                لَيْتَنِي ما بَقِيتُ مُذْ وَدَّعُونِي

أَيُّها الّلائِمُونَ كُفُّوا وَلَكِنْ                   بِمُصابِ ابنِ فَاطِمٍ ذَكِّرُونِي

تِلْكَ ذِكْرَى بِها تَهُونُ الرَزايا                وَهيَ مِنْ أُمَّهاتِ رَيْبِ المَنُونِ

تَرَكَتْ زَيْنَباً تُنادِي حُسيْناً                 يا ابنَ أُمِّي وَوَالِدِي رَوَّعُونِي

غَيَّرَتْنِي مَصائِبُ الطَّفِّ حَتَّى                أَنَّ مَنْ يَعْرِفُونِي لَمْ يَعْرِفُونِي

صِرْتُ أَدْعُو بَيْنَ العِدَى يا حُماتِي          وَهُم رَاقِدُونَ ما سَمْعُونِي

لَيْتَهُم شَاهَدوا عَنايَ وَذُلِّي                وَسِياطَ القُساةِ فَوْقَ مُتُونِي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

61

مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

 كُنْتُ ما بَيْنَهُم جَلِيلَةَ قَدْرٍ              لَكِنْ اليَوْمَ فِي السِّبا تَرَكُونِي


فإِذا ما نَدَبْتُ جَدَّاً وَعَمَّاً               وَأَباً فِي سِياطِهِمْ ضَرَبُونِي

أبوذيّة:

دمعتي احمرّت ابعيني ولا جيت                على الهامت بوادي الطف ولا جيت

تصيح اعتب يبو الغيرة ولا جيت              تحاميني وترد اخيول اميّه

شعبي:

يا دارهم وين الميامين               العباس وينه ووين الحسين

يا دراهم كنتِ زهيّه                وكانت قناديلك مضيّه

راحوا هلي من بين ايديّه           وظلّيت حرمه وأجنبيّه

ما كنّي ذيك الهاشميّه               عمّت عليّه الغاضريّه

يا دمعتي ظلّي جريّه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

62

مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

 ما حال بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا دخلن إلى المدينة وتذكّرنّ ذلك العزّ الذي خرجن به يوم خروج الحسين عليه السلام منها..


أمّا أمّ كلثوم فجعلت تبكي وتقول:

مَدِينَةَ جَدِّنا لا تَقْبَلِينا                 فَبِالحَسَراتِ وَالأَحْزانِ جِينا

خَرَجْنا مِنْكِ بِالأَهْلِينَ جَمْعاً            رَجَعْنا لا رِجالَ وَلا بَنِينا

وَكُنَّا فِي الخُروجِ بِجَمْعِ شَمْلٍ              رَجَعْنا حَاسِرينَ مُسَلَّبِينا

وَمَوْلانا الحُسينُ لَنا أَنِيسٌ             رَجَعْنا وَالحُسينُ بِهِ دُهِينا

فَنَحْنُ الضَّائِعاتُ بِلا كَفِيلٍ           وَنَحْنُ النَّائِحاتُ عَلَى أَخِينا

أَلَا فَأَخْبِرْ رَسُولَ اللهِ عَنَّا              بَأَنَّا قَدْ فُجِعْنا فِي أَبِينا

وَإنَّ رِجَالَنا بِالطَّفِّ صَرْعَى            بِلا رُؤوسٍ وَقَدْ ذَبَحُوا البَنِينا

وَأَخْبِرْ جَدَّنا أَنَّا أُسِرْنا                 وَبَعْدَ الأَسْرِ يا جَدُّ سُبِينا

وَرَهْطُكَ يا رَسُولَ اللهِ أَضْحَوا         عَرايا بِالطُّفُوفِ مُسَلَّبِينا

وَقَدْ ذَبَحُوا الحُسينَ وَلَمْ يُراعُوا          جَنابَكَ يا رَسُولَ اللهِ فِينا

فَلَوْ نَظَرَتْ عُيُونُكَ لِلأُسارَى         عَلَى أَقْتَابِ الجِمالِ مُحَمَّلِينا

رَسُولَ اللهِ بَعْدَ الصَّوْنِ صَارَتْ        عُيُونُ النَّاسِ نَاظِرَةٌ إِلَيْنا

وَكُنْتَ تَحُوطُنا حَتَّى تَوَلَّتْ            عُيُونُكَ ثَارَتْ الأَعْدا عَلَيْنا

ثمّ توجّهت إلى الزهراء عليها السلام:

أَفاطِمُ لَوْ نَظَرْتِ إلى السَبايا            بَناتِكِ فِي البِلادِ مُشَتَّتِينا
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

63

مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

 أَفاطِمُ لَوْ نَظَرْتِ إلى الحَيارَى                وَلَوْ أَبْصَرْتِ زَيْنَ العابِدِينا


فَلَوْ دَامَتْ حَياتُكِ لَمْ تَزالِي                 إلى يَوْمِ القِيامَةِ تَنْدُبِينا

وبعد أن وصل موكب السبايا إلى المدينة، دخلت العلويّات تتقدّمهنّ العقيلة زينب، حيث توجّهت إلى قبر جدّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخذت بعضادتي باب المسجد وصاحت: يا جدّاه إنّي ناعية إليك أخي الحسين..

يجدي گوم شوف احسين مذبوح             على الشاطي وعلى التربان مطروح

يجدي من الطعن ما بگت بيه روح            يجدي من العطش قلبه تفطّر

يجدي مات محّد وگف دونه                   ولا نغّار غمضله اعيونه

يعالج بالشمس منخطف لونه                 ولا واحد ابحلگه ماي گطّر

وصاحت سكينة: يا جدّاه إليك المشتكى ممّا جرى علينا فوالله ما رأيت أقسى من يزيد ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شرّاً منه ولا أجفى وأغلظ، فلقد كان يقرع ثغر أبي بمخصرته وهو يقول: كيف رأيت الضرب يا حسين!

يجدي اعزيزكم منحور نحره                    اولعبت خيل عدوانه اعلى صدره
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

64

مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

 يجدي وهشّمت العدوان ظهره                ولا مفصل ابجسمه موش مكسور


وأقبل عليّ بن الحسين عليهما السلام إلى قبر جدّه ومرّغ خدّيه وبكى وأنشد يقول:

أُناجِيكَ يا جَدَّاهُ يا خَيْرَ مُرْسَلٍ              حَبِيبُكَ مَقْتُولٌ وَنَسْلُكَ ضَائِعُ

أُناجِيكَ مَحْزوناً عَلَيْكَ مُؤَجَّلاً                أَسِيراً وَمالِي حَامِياً وَمُدافِعُ

سُبِينا كَما تُسْبَى الإِماءُ وَمَسَّنا              مِنَ الضُّرِّ ما لا تَحْتَمْلُهُ الأَضائِعُ

أَيا جَدُّ يا جَدَّاهُ بَعْدَكَ أَظْهَرَتْ               أُمَيَّةُ فِينا مُكْرَهاً وَالشَّنائِعُ

فضجّ النّاس بالبكاء والنحيب وهم يندبون ويصرخون: وا محمّداه وا عليّاه وا حسناه وا حسيناه..

لكن ما هي حالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند هذا النعي؟! لعلّ إلى هذا يشير حجّة آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة الناحية المقدّسة:

"فقام ناعيك عند قبر جدّك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فنعاك إليه بالدمع الهطول، قائلاً: يا رسول الله قتل سبطك وفتاك، واستبيح أهلك وحماك، وسبيت بعدك ذراريك، ووقع المحذور بعترتك وذويك. فانزعج الرسول وبكى قلبه المهول، وعزّاه بك الملائكة والأنبياء، وفجعت بك أمّك الزهراء، واختلفت جنود الملائكة المقرّبين، تعزّي أباك أمير المؤمنين، وأقيمت لك المآتم في أعلى عليّين، ولطمت عليك الحور العين، وبكت السماء وسكانها، والجنان
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

65

مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

 وخزّانها، والهضاب وأقطارها، والبحار وحيتانها، ومكّة وبنيانها، والجنان وولدانها، والبيت والمقام، والمشعر الحرام، والحلّ والإحرام..".


وأمّا الرباب عزيزة الحسين عليه السلام ، التي يقول فيها وفي ابنته سكينة:

لَعَمْرِكَ إِنَّنِي لَأُحِبُّ دَاراً                      تَكُونُ بِها سُكَيْنَةُ وَالرَبابُ

أُحِبُّهُما وَأَبْذُلُ جُلَّ مَالِي                     وَلَيْسَ لِعاتِبٍ عِنْدِي عِتابُ

فلمّا رجعت إلى المدينة أقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظلّ تحت سقف حتّى ماتت بعد قتله كمداً سنة 62 ه‍.

كانت إذا بزغت الشمس تأتي بابنتها سكينة وتجلس معها تحت الشمس وكانت الحوراء زينب عليها السلام تأتي إليها وتقول لها: رباب قومي عن حرارة الشمس، فتقول لها: سيّدتي زينب لا تلوميني إنّي نظرت إلى بدن العزيز أبي عبد الله تصهره الشمس على رمضاء كربلاء...

يزينب لا تلوميني على النوح                  شفت جسم الولي بالشمس مطروح

واعلى الگاع دم اتصبّ الجروح                وصدره ابخيل اميّه امهشمينه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

66

مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

 وكانت تجلس معها ابنتها سكينة فتخاطبها: بنيّة سكينة أين أبوك الحسين؟ فيعلو منها البكاء ثمّ تقول:


وَا حُسَيْناً فَلا نَسِيتُ حُسَيْناً                 تَرَكُوهُ عَارٍ عَلَى الرَمْضاءِ

وَا حُسَيْناً فَلا نَسِيتُ حُسَيْناً                 خَضَّبُوا شَيْبَهُ بِفَيْضِ الدِّماءِ

وبكت على الحسين عليه السلام حتّى جفّت دموعها، فصنعوا لها السويق لاستدرار الدمع..

وخطبها رجل من بعض الأشراف، فأبت وقالت: ما كنت لأتّخذ حِماً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 

ولم يسمع واعية مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن عليّ عليهما السلام، وخرجت أمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت بنعي الحسين عليه السلام ومعها أخواتها أمّ هاني وأسماء ورملة وزينب بنت عقيل بن أبي طالب تبكي قتلاها بالطفّ، حتّى انتهت إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلاذت به وشهقت عنده، ثمّ التفتت إلى المهاجرين والأنصار وهي تقول:

مَاذا تَقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُم                  مَاذا فَعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِرُ الأُمَمِ

بِعِتْرَتِي وَبِأَهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي                   مِنْهُم أُسارَى وَمِنْهُم ضُرِّجُوا بِدَمِ

مَا كانَ هَذا جَزَايَ إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ             أَنْ تَخْلِفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمِ

وسمع أهل المدينة في جوف الليل منادياً ينادي يسمعون صوته، ولا يرون شخصه:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

67

مجلس أهل البيت في المدينة وحالة بني هاشم

 أَيُّها القَاتِلُونَ ظُلْماً حُسَيْناً                      أَبْشِرُوا بِالعَذَابِ وَالتَنْكِيلِ


كُلُّ أَهْلِ السَّماءِ يَدْعُو عَلَيْكُم                  مِنْ نَبِيٍّ وَمَلِكٍ وَقَبِيلِ

لَقَدْ لُعِنْتُمْ عَلَى لِسانِ ابنِ دَاوُدَ                 وَمُوسَى وَعِيسَى صَاحِبِ الإِنْجِيلِ

وزينب عليها السلام لا تجفّ لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنحيب، وكلّما نظرت إلى عليّ بن الحسين عليهما السلام تجدّد حزنها وزاد وجدها..

كلما تشوفه عمّته يكثر حزنها                   واتگوم تبكي وتنتحب ويهل دمعها

تذكر مصايب كربلا والمشت                     عنهاذيك العشيرة الگضت بين سيوف اميّه

يا غَائِباً عَنْ أَهْلِهِ أَتَعُودُ أَمْ                       تَبْقَى إلى يَوْمِ المَعادِ مُغَيَّبا

يا لَيْتَ غَائِبَنا يَعودُ لِأَهْلِهِ                        فَنقُولُ أَهْلاً بِالحَبِيبِ وَمَرْحَبا

لَوْ كَانَ مَجْرُوحاً لَعُولِجَ جُرْحُهُ                      كَيْفَ العِلاجُ وَنُورُ بَهْجَتِهِ خَبا

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

68

مجلس استقبال محمّد بن الحنفيّة لموكب السبايا

 مجلس استقبال محمّد بن الحنفيّة لموكب السبايا

 
إِنْ كُنْتَ مَحْزُوناً فَما لَكَ تَرْقُدُ                  هَلَّا بَكَيْتَ لِمَنْ بَكاهُ مُحَمَّدُ

وَلَقَدْ بَكَتْهُ فِي السَّماءِ مَلائِكٌ                  زُهْرٌ كِرامٌ رَاكِعُونَ وَسُجَّدُ

أَنَسيتَ آلَ المُصطَفَى فِي كَرْبَلا                حَوْلَ الحُسَيْنِ ذَبائِحٌ لَمْ يُلْحَدُوا

كَيْفَ السُّلُوُّ وَفِي السَّبايا زَيْنَبٌ                تَدْعُو بِحُرْقَةِ قَلْبِها يا أَحْمَدُ

يا جَدُّ حَوْلِي مِنْ يَتامَى إِخْوَتِي                فِي الذُّلِّ قَدْ سُلِبُوا القِناعَ وَجُرِّدُوا

يا جَدُّ قَدْ مُنِعُوا الفُراتَ وَقُتِّلُوا               عَطَشاً فَلَيْسَ لَهُمْ هُنالِكَ مَوْرِدُ

يا جَدُّ مِنْ ثُكْلِي وَطُولِ مُصِيبَتِي             وَلِما أُعانِيهِ أَقُومُ وَأَقْعُدُ

يا جَدُّ ذا نَحْرُ الحُسيْنِ مُضَرَّجٌ                 بِالدَّمِ وَالجِسْمُ الشَّريفُ مُجَرَّدُ

يا جَدُّ ذا صَدْرُ الحُسيْنِ مُرَضَّضٌ             وَالخَيْلُ تَنْزِلُ مِنْ عَلاءٍ وَتَصْعَدُ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

69

مجلس استقبال محمّد بن الحنفيّة لموكب السبايا

 يا جَدُّ ذا ابنُ الحُسيْنِ مُعَلَّلٌ                 وَمُغَلَّلٌ فِي قَيْدِهِ وَمُصَفَّدُ


يا أُمِّيَ الزَهْراءَ قُومِي جَدِّدِي                وَجَمِيعَ أَمْلاكِ السَّما لَكِ يَنْجُدُ

هَذا حَبِيبُكِ بِالحَدِيدِ مُقَطَّعٌ                 وَمُخَضَّبٌ بِدِمائِهِ مُسْتَشْهِدُ

أبوذيّة:

صدعني الدهر يمحمد ولا خواي           وجمر يسعر بدلالي ولا خواي

جيتك لا ولد عندي ولا خواي            عفتهم جثث بارض الغاضرية

شعبي:

أنا بيا وجه أطب المدينه                 شگولن لليگول احسين وينه

شگولن لليناشدني من الناس             أخوك احسين وينه ووين عباس

أگول احسين ظل جثه بلا راس         وعباس البطل گطعوا يمينه

ويلي أنا لگعد على درب الظعون       وسايل اليرحون واليجون

كلمن إله غيّاب يلفون                 وأنا غايبي باللحد مدفون

يحسين منته نور العيون
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

70

مجلس استقبال محمّد بن الحنفيّة لموكب السبايا

 في بعض المقاتل أنّه لمّا دخل بشر بن حذلم المدينة وأخبر النّاس بقتل الحسين عليه السلام وضجّ النّاس بالبكاء والنحيب كان محمّد بن الحنفيّة مريضاً، ولم يكن له علم بذلك الخبر الفظيع، ينظر إلى عياله وبني هاشم وقوفاً بين يديه وكلّ واحد منهم قد تغرغرت الدموع من عينيه، قال: ما جرى؟ المدينة ترتجّ وهو رجل مريض ماذا يقولون له؟..فهم أنّ أخاه الحسين عليه السلام قد أقبل، فنهض لاستقباله فوقع وجعل تارة يقوم وتارة يسقط وهو يقول: لاحول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، فكأنّ قلبه أحسّ بالشرّ، فقال: إنّ فيها والله مصائب آل يعقوب، ثمّ قال: أين أخي أين ثمرة فؤادي أين الحسين؟ ولم يعلم بقتله؟..قدّموا لي جوادي، فقدّموا له الجواد وأركبوه على جواده وحوله خدّامه، لمّا علم الإمام زين العابدين عليه السلام بخروج عمّه محمّد جمع اليتامى الذين كانوا معه في الأسر، وأعطى لكلّ طفلٍ لواءً أسوداً وأمرهم أن يستقبلوا بتلك الألوية السوداء عمّه.


حتّى إذا خرج من المدينة لم يجد إلّا أعلاماً سوداً وأحسّ قلبه بالشرّ، فقال: ما هذه الأعلام السود؟ وصاح: قتل سيّدنا، قتل عزّنا، قتل أبو عبد الله، فعلتها بنو أميّة، وخرّ عن جواده إلى الأرض مغشيّاً عليه، فركض الخادم إلى زين العابدين عليه السلام ، وقال له: يا مولاي أدرك عمّك قبل أن تفارق روحه الدنيا،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

71

مجلس استقبال محمّد بن الحنفيّة لموكب السبايا

 فخرج وبيده منديل يمسح به دموعه إلى أن أتى عمّه فأخذ رأسه ووضعه في حجره، فلمّا أفاق قال: يا ابن أخي، أين أخي؟ أين قرّة عيني؟ أين نور بصري؟ أين أبوك؟ أين خليفة أبي؟ أين أخي الحسين عليه السلام ؟ فقال زين العابدين عليه السلام: يا عمّاه أتيتك ليس معي إلّا نساءً حاسرات، في الذيول عاثرات ناعيات نادبات، وللمحامي فاقدات.


يا عمّاه لو تنظر إلى أخيك الحسين يستغيث فلا يغاث، ويستجير فلا يجار، قتل وهو عطشان..

وأخذ السجّاد يقصّ على عمّه ما جرى عليهم من مصائب..

جيتك يعمي يمحمد                     وحيد وشمل عزي تبدد

عفت والدي ابكربلا امدد              ويعمي ابرمح راسه تصعّد

وآنه ويّه عمّاتي مگيد                   أخذونه من مشهد المشهد

بينما هم في الكلام إذ وصلت الحوراء زينب عليها السلام أمّ المصائب، لمّا نظر إليها محمّد بن الحنفيّة ما كاد يعرفها لأنّ الدهر والمصائب غيَّراها، لمّا نظر إليها قال: من هذه؟ زينب الهاشميّة؟ وإذا بها تقول: لا يا أخي أنا زينب المسبيّة!
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

72

مجلس استقبال محمّد بن الحنفيّة لموكب السبايا

 أنا زينب اليحكون عني                   سليت المصايب ما سلني


مصايب احسين الدوهنني                 نزلن على اعيوني وعمنّي

لمّا نظرت إلى أخيها محمّد، صاحت: أخي محمّد سلبونا، أخي محمّد أسرونا، ساروا بنا من بلدٍ إلى بلد..

إن صحت خويه يشتموني               وإن صحت أهلي يضربوني

خويه ومن الضرب ورمن متوني           ومن البكا عمين اعيوني

وأمّا عبد الله بن جعفر فقام ينادي: واحسيناه، فعلها بنو أميّة، حتّى أقبلت بنات الرسالة وإذا إمرأة تسلّم عليه فعرف نبرات صوتها قال: وعليكِ السلام، أزينب هذه؟ قالت: أنا زينب، قال: زينب قصّي عليَّ ما جرى عليكم..

قالت: يا بن العمّ نزلنا كربلاء، منعنا القوم شرب الماء المباح، وقتلوا أخي وإخوته وأبناءه وأطفاله، يا بن العمّ قتلوا أخي الحسين، هجموا علينا، نهبوا ما في خيامنا، ضربونا أسرونا..قال: أكملي، فقالت: أخشى عليك من الموت، فألحّ عليها، فقالت: دخلنا مجلس يزيد، فرأينا رأس الحسين عليه السلام بين يديه يضربه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

73

مجلس استقبال محمّد بن الحنفيّة لموكب السبايا

 بالخيزران وشتمنا ووضعونا بخرابةٍ لا ظلّ فيها..


فأخذ عبد الله يلطم على رأسه وينادي: وا حسيناه وا سيّداه وا ابن عمّاه..

شحكي او عليّ مرّت مصايب                منها القلب والكبد ذايب

طبينه ديوان الأجانب                         لا ساتر اليمنع او حاجب

واتشمّتت بينه النّواصب                      ميته ريت بين الغوالب

أو لا غربتي او هاي النّوايب

وعن حالة آل بيت رسول الله بعد كربلاء يقول الإمام الصادق عليه السلام: ما اختضبت منّا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتّى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة بعده وكان جدّي يعني عليّ بن الحسين إذا ذكره بكى حتّى تملأ عيناه لحيته وحتّى يبكي لبكائه رحمة له من رآه..

جَوْرُ الزَّمانِ رَمانِي مِنْهُ بِالعَجَب             وَحُكْمُهُ جَارٍ فِي السَّاداتِ بِالعَطَب

لَمْ يُبقِ ذا حَسَبٍ مِنِّي وَلا نَسَبِ            أَخِي ذَبِيحٌ وَرَحْلِي قَدْ أُبِيحَ وَبِي

ضَاقَ الفَسِيحُ وَأَطْفالِي بِغَيْرِ حَمِي

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

74

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 
قُرِحَتْ جُفُونُكَ مِنْ قَذًى وسُهادِ               إِنْ لَمْ تَفِضْ لِمُصِيبَةِ السَّجَّادِ

فَأَسِلْ فُؤادَكَ مِنْ جُفُونِكَ أَدْمُعاً                واقْدَحْ حَشاكَ مِنَ الأَسَى بِزِنادِ

وانْدُبْ إِماماً طاهِراً هُوَ سَيِّدٌ                  لِلسَّاجِدِينَ وزِينَةُ العُبَّادِ

ما أَبْقَتِ البَلْوَى ضَنًى مِنْ جِسْمِهِ             وَهُوَ العَلِيلُ سِوَى خَيالٍ بادِي

لَهْفِي عَلَيْهِ يَئِنُّ في أَغْلالِهِ                     بَيْنَ العِدَى ويُقادُ بِالأَصْفادِ

مُضْنىً وجامِعَةُ الحَدِيدِ بِنَحْرِهِ                 غُلٌّ يُعاني مِنْهُ شَرَّ قِيادِ

تَحْدُو بهِ الأَضْعانُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى                 بَلَدٍ وتُسْلِمُهُ إِلَى الأَحْقادِ

والشَّامُ إِنَّ الشَّامَ أَفْنَى قَلْبَهُ                    أَلمَاً وآلَ بِصَبْرِهِ لِنفَادِ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

75

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 لَمْ يَلْقَ فِيهِ سِوَى القَطِيعَةِ والعِدَى                    وشَماتَةِ الأَعْداءِ والحُسَّادِ


سَلْ عَنْهُ طَيْبَةَ هَلْ بها طَابَتْ لَهُ                      بَعْدَ الحُسَيْنِ نَواظِرٌ بِرُقادِ

هَلْ ذاقَ طَعْمَ الزَّادِ طُولَ حَياتِهِ                       إلَّا ويَمْزُجُ دَمْعَهُ بِالزَّادِ

أبوذيّة:

يريت الصاب كبد احسين منشال                   اوظل نايم على التربان منشال

اسلبوه او ما بگاله ثوب منشال                    او ولوه من طاح يوم الغاضرية

شعبي:

عجيب الشِرَب ماي ابشربته اتهنّه                     او مات احسين ظامي اولا شرب منّه

منهو الشاف مثل احسين وامصابه ابقلبه             انصاب وإيده انشلّت الصابه

يطلب ماي من احسين طلابه                       هذا امصاب لا دونه ولا عنّه

يللي تناشدني عليمن تهمل العين كل                 البكا والنوح والحسرة على احسين

حبه ابقلبي وتظهره ابصبها ادموعي                  مجبور في حبه ولا شوفه ابطوعي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

76

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 يا ليت قبل اضلوعه انرضت اضلوعي             ومن دون خده اتعفّرت مني الخدين


إبكي على امصابه كل صبح ومسيّه               ابكي وساعد عالبكا الزهره الزكيّه

لا زال تندب يا ضحايا الغاضريّه                  يحسين وين اللي يواسيني على احسين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

77

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 قال ابن نما: ثمّ دخل زين العابدين عليه السلام وجماعته دار الرسول فرآها مقفرة الطلول خالية من سكّانها خالية بأحزانها قد غشيها القدر النازل وساورها الخطب الهائل وأطلّت عليها عذابات المنايا وظلّلتها جحافل الرزايا وهي موحشة العرصات لفقد السادات..

 
وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: بكى عليّ بن الحسين على أبيه حسين بن عليّ عليهما السلام عشرين سنة، أو أربعين سنة1، وما وَضع بين يديه طعاماً إلّا بكى على الحسين، حتّى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة لذلك. 
 
وكان عليّ بن الحسين عليهما السلام يميل إلى ولد عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر، فقال: إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام، فأرقّ لهم.
 
وفي المناقب: وقيل: إنّه بكى حتّى خيف على عينيه. 
 
وكان إذا أخذ إناءً يشرب ماءً بكى، حتّى يملأها دمعاً، فقيل
 
 
 

1- الظاهر أنّ الترديد من الراوي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

78

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 له في ذلك فقال: وكيف لا أبكي؟ وقد منع أبي من الماء، الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش. 

 
وقيل له: إنّك لتبكي دهرك، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا، فقال: نفسي قتلتها، وعليها أبكي.
 
وعن الإمام الباقر عليه السلام: ولقد بكى على أبيه الحسين عليه السلام عشرين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلّا بكى، حتّى قال له مولى له: يا ابن رسول الله، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له: ويحك، إنّ يعقوب النبيّ عليه السلام كان له اثنا عشر ابناً، فغيّب الله عنه واحداً منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغمّ. وكان ابنه حيّاً في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي، وأخي، وعمّي، وسبعة عشر من أهل بيتي، مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني!!
 
وروي أنّه: أشرف مولى لعليّ بن الحسين عليهما السلام، وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا مولاي، يا عليّ بن الحسين، أما آن لحزنك أن ينقضي، فرفع رأسه إليه، وقال: ويلك- أو ثكلتك أمّك- والله لقد شكى يعقوب إلى ربّه في أقلّ ممّا رأيت، حتّى قال: "يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ"1، إنّه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي..
 
 
 

1-يوسف 84

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

79

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 واحد موزّع بالسيوف أوصال أوصال            وواحد بلا راس ولا يمنى ولا شمال


واحد ابساعة عرسه مجدّل بالرّمال               وعاين طفل مفطوم بسهام المنية 

ولم يغب عن ذهن الإمام زين العابدين المشهد الفظيع، الذي رأى فيه حرق خيام بنات الرسالة وعقائل الوحي، ومنادي القوم ينادي: "أحرقوا خيام الظالمين"، وقد فرَّت بنات الرسالة من خباء، إلى خباء والنّار تلاحقهن. أمّا اليتامى فقد علا صراخهن، فبين من تعلّق بأذيال عمّته الحوراء لتحميه من النّار، وبين من هام على وجهه في البيداء...

رَأَى اضْطِرامَ النَّارِ فِي الخَباء                 وَهوَ خَباءُ العِزِّ وَالإِباء

رَأَى هُجُومَ الكُفْرِ والضَّلالَة                 عَلَى بَناتِ الوَحْيِ وَالرِّسالَة

رَأَى فَرارَهُنَّ فِي البَيْداء                      وَهوَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ الأَرْزاء

شَاهَدَ فِي عَقائِلِ النُّبُوَّة                      ما لَيْسَ فِي شَرِيعَةِ المُرُوَّة

مِنْ نَهْبِها وَسَلْبِها وَضَرْبِها                  وَلا مُجِيرٌ قَطُّ غَيْرَ رَبِّها


روي أنّه دخل عليه يوماً أبو حمزة الثماليّ فوجده حزيناً كئيباً، فقال له يا ابن رسول الله أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقلّ؟ سيّدي إنّ القتل لكم عادة وكرامتكم من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

80

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 الله الشهادة، ألم يقتل جدّك عليّ بن أبي طالب بسيف ابن ملجم؟ ألم يقتل عمّك الحسن؟ فما هذا البكاء؟ فالتفت إليه الإمام زين العابدين عليه السلام وقال: شكر الله سعيك يا أبا حمزة، هل رأت عيناك أو سمعت أذناك أنّ علويّة سبيت لنا قبل يوم عاشوراء؟ قتل الرجال لنا عادة، ولكن هل سبي النساء لنا عادة؟ هل حرق الخيام لنا عادة؟ والله يا أبا حمزة ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلّا وذكرت فرارهن يوم عاشوراء من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء ومنادي القوم ينادي، أحرقوا بيوت الظالمين وهنّ يلذن بعضهن ببعض وينادين: واجدّاه وا محمّداه.. 


قلبي يبو حمزة تراه تفطّر وذاب                  مثل المصيبه اللي دهتني محّد انصاب

ذيك البدور اللي ابمنازلهم يزهرون                والليل كله من العبادة ما يفترون

سبعة وعشرة عاينتهم كلهم اغصون             فوق الوطية مطرّحين بحرّ التراب

وأعظم مصيبة زيّدت حزني عليّه                 داست على جسم العزيز خيول أميّة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

81

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 سلبوا عزنه وسيروا زينب سبيّه                     حسرى ومن كثر المصايب راسها شاب


ما نكست راسي لاجل فقد الأماجيد             ما گصروا بالغاضريّة زلزلوا الميد

نكّس راسي دخول زينب مجلس ايزيد             هذا اللي هضمني والقلب من شوفته انعاب

نعم فأعظم المصائب على قلب مولانا وأوجعها لفؤاده دخولهم الشام، ولذا يقال إنّه حينما سئل عن أشدّ المصائب وأدهاها قال: الشام، الشام..

ويخرج إلى السوق أحياناً، فإذا رأى جزّاراً يريد أن يذبح شاة أو غيرها، يدنو منه، ويقول: هل سقيتها الماء؟ فيقول له: نعم يا ابن رسول الله، إنّا لا نذبح حيواناً حتّى نسقيه ولو قليلاً من الماء، فيبكي عند ذلك، ويقول: وا أسفاه عليك أبا عبد الله الشاة لا تذبح حتّى تسقى الماء وقد ذبحت إلى جانب الفرات عطشاناً..

لا يُذْبَحُ الكَبْشُ حَتَّى يُسْقَى مِنْ ظَمَأٍ            ويُذْبَحُ ابْنُ رَسُولِ اللهِ عَطْشانا

وجاء عنه أنّه دخل يوماً، فرأى غريباً، فسلّم عليه، ودعاه إلى
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

82

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 بيته لضيافته، وقال له بحضور جمع من الناس: أترى لو أصابك الموت وأنت غريب عن أهلك، هل تجد من يغسّلك ويدفنك؟ فقال النّاس: يا ابن رسول الله، كلّنا يقوم بهذا الواجب، فبكى وقال: لقد قتل أبو عبد الله غريباً، وبقي ثلاثة أيّام تصهره الشمس بلا غسل ولا كفن!


وهكذا كانت حال أئمّة أهل البيت عليهم السلام مع جدّهم الإمام الحسين عليه السلام ، يبكونه ويرثونه ويحزنون لمصيبته..وهكذا هو حال إمام زماننا عجّل الله تعالى فرجه، فها هو يخاطب جدّه الحسين على ما في زيارة الناحية المقدّسة: "..فلئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك وتأسّفاً على ما دهاك وتلهّفاً، حتّى أموت بلوعة المصاب وغصّة الاكتياب..

يبن الحسن شيل اللوا وگوم                  يمندوب لأخذ الثار كل يوم

تنسه الغريب المات مظلوم                  عطشان ومن الماي محروم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

83

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 تنسه سبي زينب او كلثوم                     سارت سبايا وتطوي الحزوم


أَتَنْسَى أَبِيَّ الضَّيْمِ فِي الطَّفِّ مُفْرَداً             تَحُومُ عَلَيْهِ لِلوَداعِ فَواطِمُه
أَتَنْساهُ فَوْقَ التُّرْبِ مُنْفَطِرَ الحَشَى             تَناهَبُهُ سُمْرُ الرَّدَى وَصَوارِمُه
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

84

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 زيارة الأربعين

 
روى الشيخ الطوسيّ قدّس سرّه بسنده عن صفوان بن مهران الجمّال قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول: 

"السلام على وليّ الله وحبيبه، السلام على خليل الله ونجيبه، السلام على صفيّ الله وابن صفيّه، السلام على الحسين المظلوم الشهيد، السلام على أسير الكربات وقتيل العبرات، أللهمّ إنّي أشهد أنّه وليّك وابن وليّك، وصفيّك وابن صفيّك، الفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة، وحبوته بالسعادة، واجتبيته بطيب الولادة، وجعلته سيّداً من السادة، وقائداً من القادة، وذائداً من الذادة، وأعطيته مواريث الأنبياء، وجعلته حجّة على
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

85

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 خلقك من الأوصياء. فأعذر في الدعاء، ومنح النصح، وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة، وقد توازر عليه من غرَّته الدنيا وباع حظّه بالأرذل الأدنى، وشرى آخرته بالثمن الأوكس، وتغطرس وتردّى في هواه وأسخط نبيّك، وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين النَّار، فجاهدهم فيك صابراً محتسباً حتّى سفك في طاعتك دمه واستبيح حريمه، اللهمّ فالعنهم لعناً وبيلاً وعذّبهم عذاباً أليماً.


السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا بن سيّد الأوصياء، أشهد أنّك أمين الله وابن أمينه، عشت سعيداً ومضيت حميداً ومتّ فقيداً مظلوماً شهيداً، وأشهد أنّ الله منجز ما وعدك ومهلك من خذلك ومعذّب من قتلك، وأشهد أنّك وفيت بعهد الله وجاهدت في سبيله حتّى أتاك اليقين، فلعن الله من قتلك ولعن الله من ظلمك ولعن الله أمّة سمعت بذلك فرضيت به، أللهمّ إنّي أشهدك أنّي وليّ لمن والاه وعدوّ لمن عاداه، بأبي أنت وأمّي يا ابن رسول الله أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام الطاهرة، لم تنجسك الجاهليّة بأنجاسها ولم تلبسك المدلهمّات من ثيابها، وأشهد أنّك من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

86

مجلس حزن الإمام السَّجَّاد على أبيه الحسين عليهما السلام

 دعائم الدين وأركان المسلمين ومعقل المؤمنين، وأشهد أنّك الإمام البرّ التقيّ الرضيّ الزكيّ الهادي المهديّ، وأشهد أنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوى وأعلام الهدى والعروة الوثقى والحجّة على أهل الدنيا، وأشهد أنّي بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي، وقلبي لقلبكم سلم، وأمري لأمركم متّبع، ونصرتي لكم معدّة حتّى يأذن الله لكم، فمعكم معكم لا مع عدوّكم صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم وشاهدكم وغائبكم وظاهركم وباطنكم آمين ربّ العالمين"1


________________________________________
1- الطوسي: تهذيب الأحكام ج6ص113.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91 
 

87
مجالس السبايا من الشام إلى المدينة