السيدة فاطمة الزهراء قدوة وأسوة


الناشر: دار المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2018-07

النسخة: 2018


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الطاهرين عليهم السلام، وبعد...

إنّ من الخصائص الهامّة في شخصية السيدة فاطمة عليها السلام هي شخصيتها القيادية التي امتازت بها، والتي ظهرت في حركتها خلال حياتها عمومًا، يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله في هذا الإطار: "لقد قامت فاطمة الزهراء عليها السلام بدور القائد الحقيقيّ. وكذلك قال إمامنا الخمينيّ الجليل: "لو كانت فاطمة الزهراء رجلاً لكانت رسولاً..."، هذه هي فاطمة الزهراء، إنّها قائد بكلّ معنى الكلمة، ومثل رسول من الرسل، ومثَل هادٍ لعموم البشريّة، فقد ظهرت الزهراء الطاهرة هذه البنت الشابّة وتجلّت بهذه الحدود والأبعاد والحجم، وهذه هي المرأة في الإسلام... فاطمة الزهراء عليها السلام امرأة إسلاميّة، إمرأة في أعلى مراتب المرأة المسلمة، أي إنّها في حدود قائد. لكنّ هذه المرأة نفسها التي هي من حيث الفضائل والمناقب والحدود كان يمكنها أن تكون رسولاً هذه المرأة نفسها كانت أمّاً وكانت زوجة وكانت ربّة بيت، ينبغي فهم هذه الأمور...".

وقد ورد على لسان أصدق البشر وأكملهم صلى الله عليه وآله وسلم، ما يحدّد منزلتها من الله تعالى، ومنه أنّها هبة إلهية، وحوراء إنسيّة، وممّا روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمة، وسيدة نساء المؤمنين"1.

ويسأل الإمام عليّ عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "يا رسول الله! أيُّ أهلك أَحَبُّ إليك؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "فاطمة بنت محمد"2.
 

1- النيسابوري، أبو عبد الله الحاكم، المستدرك على الصحيحين، إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج 3، ص 156.
2- الطبري، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبى، مكتبة القدسيّ، مصر - القاهرة، 1356ه، لا.ط، ص 36.
 
 
 
9

1

المقدمة

 ومن الواضح أنّ ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليس من باب العاطفة، والعلاقة الرحميّة الخاصّة، بقدر ما هو توجيه للأمة وتعريفها بالمقام الخاصّ للسيدة الزهراء عليها السلام عند الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والدور المُلقَى على عاتقها خلال حياة أبيها، والوظيفة التي ينبغي أن تقوم بها بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم.


وتكبر فاطمة وتشبّ، ويشبّ معها حبّ أبيها لها، ويزداد حنانه عليها، وتبادله‏ فاطمة هذا الحبّ، وتملأ قلبه بالعطف والرعاية فيسمّيها "أمّ أبيها"1.

(أمّ أبيها) صلوات الله عليها، إنّها كنية ما أجلّها وأعظمها! فهي تعبّر عن عمق الارتباط الروحيّ بين المانح العظيم المقدّس، والممنوحة الطاهرة المطهّرة بحكم التنزيه عن كلّ رجس ودنس، هذه الكنية هتاف ملأ الكون بصداه، ونداء لكلِّ جيل يتدبّر معناه، وتنبيه للأمّة بما ينبغي لها من توقير البتول وحفظ مقامها الشامخ في قلب الرسول.

وكانت الزهراء عليها السلام، أحبَّ الناس الى رسول الله2 صلى الله عليه وآله وسلم، وهي بهجة قلبه وبضعة منه، يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها، ويغضبه ما يغضبها، ويبسطه ما يبسطها، ويُؤذيه ما يُؤذيها، ويسرّه ما يسرّها3.

هذا الكتاب، السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة وأسوة، يتضمّن إطلالة على بعض الجوانب التربويّة والأجتماعيّة والجهاديّة من السيرة العطرة للسيدة الزهراء عليها السلام، وقد اعتمدنا فيه أسلوب النصّ التعليميّ الذي لا يغفل البعد الوجدانيّ، ما تطلّب زيادة جرعة الجانب الإنشائيّ في بعض الموارد التي حرصنا على عدم طغيانه على النصّ، ليبقى الجانب التعليميّ والثقافيّ هو الأصل بحسب سياستنا المعتمدة في المتون التعليميّة.

والحمد لله رب العالمين
مركز المعارف للتأليف والتحقيق
 

1- ابن الأثير، أسد الغابة، دار الكتاب العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج 5، ص 520.
2- الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج حمدي عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي، لا.م، لا.ت، ط2، ج 22، ص 397.
3- راجع: مسلم النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيريّ، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1903، لا.ت، لا.ط، ج4، ص94.
 
 
 
10

2

الدرس الأول: السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة

 الدرس الأول

 

السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى موقع القدوة وأهمّيتها ودورها في حياة الإنسان.
2- يبيّن أنّ السيدة فاطمة عليها السلام هي المصداق الواقعيّ الأتمّ للقدوة في حياة المرأة.
3- يبيّن طريق الاقتداء بالسيدة الزهراء عليها السلام بشكلٍ عامّ.
 
 
 
 
 
11

3

الدرس الأول: السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة

 تمهيد

تحتلّ مسألة القدوة والاقتداء مكانةً هامّة في حياة الإنسان، حتى إنّك تلاحظ أنّ أغلب الناس يسعون دائماً لاتّخاذ قدوة في أمور حياتهم المتنوّعة، يمشون على دربها ويتمثّلون بها. وهي مسألة لا تختصّ بعمر محدّد، بل نجد أنّ للصغير قدوته وأسوته، وكذلك الكبير أيضاً. وفي ذلك إشارة إلى أهمّية هذا المبدأ في حياة البشر، وإن اختلفت مصاديق القدوة بينهم وتنوّعت طرائق الاقتداء ومعايير اختيار القدوة، فإنّه تبقى مسألة القدوة على درجة كبيرة من الأهمّيّة في حياة الفرد والمجتمعات. وفي الدرس الأول من هذا الكتاب، ونظراً لأهمّية الموضوع، سوف نتعرّض لأصل قضية القدوة، وسوف نحاول الإجابة عن الأسئلة الأساسيّة الآتية: لماذا يحتاج الإنسان إلى قدوة في حياته؟ وهل يُمكنه أن يسير في حياته دون قدوة؟ وإن أراد الاقتداء، فبمن يقتدي؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟ وغيرها من الأسئلة.

معنى القدوة
"القُدْوَةُ اسم من اقتدى به، إذا فُعِل مثل فعله تأسّيا، وفلان‏ قُدْوَةٌ، أي يُقتدى به"1. أمّا في معنى الْأُسْوَةُ، فقالوا هي "كالقدوة، وهي الحالة الّتى يكون الإنسان عليها في اتّباع غيره"2.

وعليه، فالاقتداء والتأسّي هو التبعيّة للمُقتدى به والتسنّن بسنّته من قول أو فعل
 

1- المصطفوي، الشيخ حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، إيران، 1417ه، ط1، ج‏ 9، ص 238.
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 99.
 
 
 
13

4

الدرس الأول: السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة

 عمومًا، وهو المعنى الاصطلاحيّ أيضًا. فالاقتداء هو طلب موافقة الآخر في فعله، واتّباع شخصيّة تنتمي إلى القيم نفسها التي يؤمن بها المقتدي، وعادة ما يمثّل شخص المقتدَى به قدراً من المثاليّة والرقيّ والسموّ عند أتباعه ومحبّيه. والقدوة تنطوي في داخلها على نوع من الحبّ والإعجاب اللذين يجعلان المقتدِي يحاول أن يطبّق كلّ ما يستطيع من أقوال المقتدى به وأفعاله1.


لماذا أحتاج إلى القدوة؟
يندفع كلّ منّا في مراحل عمره الأولى لبناء شخصيّته بحسب موازين الكمال لديه ومصاديقه. ومثل هذا الاندفاع أمرٌ طبيعيّ بحكم الفطرة التي تعبّر عن الخلقة الأصيلة التي أودعها الله عزّ وجلّ فينا، وهي فطرة حبّ الكمال، حيث لا يخرج إنسان في هذا العالم عن هذه الفطرة ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾2, كما يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "وهاتان الفطرتان الإلهيّتان، إحداهما التنفّر عن النقص والناقص، والثانية هي العشق للكمال والكامل. والأوّل أصليّ ذاتيّ، والثاني تبعيّ ظلّي... ففي جميع سلسلة البشر، مع اختلافهم في العقائد والأخلاق والطبائع والأمزجة والأمكنة والعادات، في البدويّ منهم والحضريّ، والبدائيّ والمُتمدّن، والعالم والجاهل، والإلهي والطبيعيّ، هاتان الفطرتان مُخمّرتان، وإن كانوا محجوبينَ عنهما، ويختلفون في تشخيص الكمال والنقص والكامل والناقص"3.

فمتى وجد الإنسان كمالًا معيّنًا توجّه نحوه وانجذب إليه وطلبه، إلّا أنّ هذه التوجّهات تخضع عند كلّ إنسان لقناعاته ورؤيته الخاصّة للكمال، فمنهم من يرى مثلاً الكمال في المال والشهرة، ومنهم من يراه في السلطة، ومنهم من يراه في العلم والمعنويّات... وهكذا يختلف الناس في تحديد مصداق الكمال الذي يصبون إليه. والإنسان، متى ما وجد ذلك الكمال متجسّدًا في شخص معيّن، مال نحوه مباشرة حتى يصير قدوته التي
 

1- راجع: مقال حول القدوة أهمّيتها ودورها، شبكة المعارف الإلكترونية.
2- سورة الروم، الاية 30.
3- الإمام الخمينيّ، السيد روح الله الموسوي، الآداب المعنوية للصلاة، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص 70.
 
 
 
14

5

الدرس الأول: السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة

 يتأسّى ويقتدي بها. وإنّه من الصعوبة بمكان أن يتوجّه الإنسان في بناء شخصيّته نحو الكمال المنشود دون وجود النموذج الحقيقي، بل هو أمر مستحيل، لأنّ طبيعة الإنسان تتوجّه عادة نحو ما هو ملموس وواقعيّ. فالشخصيّة التي يطمح الإنسان أن يتأسّى بها سوف تبقى حلمًا ما لم يكن لها مصداق خارجيّ وحقيقي. لذا، ما لم يتجسّد الكمال ومصداقه في أمر خارجيّ، فسوف يُصاب الإنسان باليأس والخنوع.


فالقدوة هي ذلك الميزان الذي يقيس عليه الإنسان تصرّفاته، موضحاً له معالم الطريق الذي ينبغي عليه سلوكه، وما يتوجّب عليه فعله وتركه. والأهمّ من ذلك كلّه، إنّ وجود القدوة الحقّة في حياة الإنسان يتيح له إمكانيّة الوصول إلى الأهداف العالية، ويبعث في نفسه أملًا بأنّ هناك من استطاع الوصول قبله، فيشعل في قلبه حماسة تدفعه للاستمرار دومًا وعدم التوقّف، لأنّ حياة القدوة تمثّل له النموذج الأصحّ والأسلم ليجعل حياته وفقها، وتشكل ميزانًا لكلّ أموره وشؤونه. وهو ما سوف يسهّل عليه تجاوز الكثير من العوائق التي سوف تعترض طريق تكامله في قادم الأيام.

كيف أتّخذ قدوتي؟
إنّ اتّخاذ القدوة لا يكون بالجبر والإكراه، فلا يمكن لأحد أن يفرض على أيّ شخص آخر قدوة معيّنة، لأّن مسألة الاقتداء تابعة دوماً لقناعات كلّ فرد وميوله. فالمقتدي إنّما يتّخذ قدوته بما ينجسم مع مبادئه وتطلّعاته، بحيث يحرّكه شوقه ليصبح نموذجاً له. من هنا، ينبغي العناية والاهتمام البالغ في كيفيّة انتخاب القدوة، حتى لا تكون النتائج مخيّبة للأهداف والتطلّعات المنشودة.

يقول الإمام الخامنئي دام ظله في تبيان كيفيّة اتّخاذ القدوة: "أولاً، إنّ القدوة يجب أن لا يُعرّف ويُقدّم لنا كقدوة، ويقال لنا: هذا قدوتكم، فمثل هذا الاقتداء تعاقديّ ومفروض وخالٍ من الجذابيّة. فنحن الذين يجب أن نختار قدوتنا بأنفسنا، أيّ أن ننظر في أُفق رُؤانا ومعتقداتنا الحقّة ونلاحظ الصورة التي نرتضيها لأنفسنا من بين تلك الصور. هكذا تصبح تلك الصورة وتلك الشخصيّة قدوة لنا. ولا أعتقد بوجود صعوبة في
 
 
 
 
15

6

الدرس الأول: السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة

 حصول الشابّ المسلم، ولا سيّما الشابّ المطلّع على حياة الأئمة وأهل البيت عليهم السلام في صدر الإسلام، على قدوة له. الأشخاص القدوة ليسوا قليلين"1.


إذاً، فقناعاتي وعقائدي وما أؤمن به وما أطمح إليه هو ما سوف يحدّد لاحقاً هوية القدوة التي سأقتدي بها وشكلها. فالمؤمن على سبيل المثال الذي يستمدّ معتقداته وقيمه من دينه، وتكون طموحاته مبنيّة على أسس دينيّة، فإنّ قدوته وأسوته بطبيعة الحال هي من يجسّد التعاليم والقيم الدينيّة ومن يحمل مشروع ذلك الدين.

كيف أقتدي؟
الاقتداء لا يستلزم أن يعيش المقتدي والقدوة في الزمن نفسه، كما إنّه لا يستلزم أن يمرّا بالأحداث نفسها، بل إنّ التعرّف إلى الخطوط العريضة والقيم التي حكمت تصرّفات القدوة كفيل بأن يحقّق الاقتداء. فمتى عرف المقتدي الأسس التي سارت عليها قدوته، أمكنه أن يسير عليها ويطبّقها في حياته، كما يبيّن ذلك الإمام الخامنئي دام ظله هذه المسألة حيث يقول: "أنتِ سيدة تعيشين في عصر طغى عليه التطوّر العلميّ والصناعيّ والتقنيّ وعالمٍ رحبٍ وحضارة ماديّة زاخرة بمختلف المظاهر الجديدة، فما هي الخصائص التي يتحقّق فيها معنى الاقتداء بشخصيّة سبقك عهدها بألف وأربعمئة سنة مثلاً؟ هل تتوقّعين في القدوة التي تتأسّين بها أنْ يكون لها وضع كوضعك، تقتفين أثره في حياتك الحاليّة وتفترضين، على سبيل المثال، كيف كانت تذهب إلى الجامعة؟ أو كيف كانت تفكّر في القضايا العالميّة، أو ما شابه ذلك؟ لا، ليس الأمر كذلك، والأمور المطلوبة التي يُقتدَى بها ليست هذه، بل هناك في شخصيّة كلّ إنسان خصائص أصيلة يجب تحديدها أولاً، ثمّ ينظر إلى القدوة في ضوء تلك الخصائص والميّزات. لنفرض، على سبيل المثال، كيفيّة التعامل مع وقائع الحياة اليوميّة المحيطة بالإنسان، فقد تكون هذه الوقائع متعلّقة تارةً بعصر انتشار المترو والقطار والطائرة النفّاثة والحاسوب، وقد تكون تارةً أُخرى متعلّقة بعهد لا وجود لمثل هذه الأشياء فيه. إلّا أنّ الإنسان يجب أن يواجه وقائع الحياة اليوميّة
 

6- من كلمة لسماحته قدس سره في لقاء جمع الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلاميّة، بتاريخ 11 محرم 1419 هـ ق، في طهران، في إجابة عن سؤال إحدى الطالبات الجامعيّات، وهو: كيف يمكننا الاقتداء بحياة السيدة الزهراء عليها السلام؟
 
 
 
 
16

7

الدرس الأول: السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة

 وأحداثها، وبإمكانه التعامل معها على نحوين متفاوتين، من دون فرق بين العصرين، فهو إمّا أن يتعامل معها تعاملاً مسؤولاً، وإمّا أن يقف منها موقفاً لا مبالياً. 


ويتفرّع التعامل المسؤول بدوره إلى عدّة أنواع وأقسام، فبأيّ روحية وبأيّ نظرة مستقبليّة يكون التعامل؟ فالإنسان يجب أن يبحث عن تلك الخطوط العريضة والأساسيّة في الشخصيّة التي يتّخذها قدوة له، من أجل اتّباعها والسير على خطاها"1. إذاً، على المقتدي أن يبحث في حياة قدوته لاستكشاف تلك الأسس الحاكمة على حياتها واتّخاذها منهجًا وميزاناً، وبذلك يتحقّق الاقتداء.

السيدة فاطمة عليها السلام القدوة الحقيقيّة
بعد أن اتّضح معنى القدوة وموقعها في حياتنا وخصائصها، علينا البحث عن المصداق الحسن والواقعي لقدوة كلّ مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة، يقول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾2, حيث تبيّن لنا هذه الآية الكريمة وتعطينا فكرة واضحة عن النموذج الذي ينبغي علينا الاقتداء به، وهم ﴿الَّذِينَ هَدَى اللّهُ﴾، وفي موضع آخر يقول عزّ وجلّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾3, وتبيّن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الأسوة والنموذج الأحسن والأتمّ، ولكن ليس لجميع الناس بطبيعة الحال، بل لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا. وبالتالي، فإنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو القدوة الحقيقية لكلّ مؤمن متديّن ومؤمنة متديّنة. وكذا هو الحال بالنسبة لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن سار على خطاهم، فهم عليهم السلامقدوة كلّ تائق نحو الكمال الحقيقي والجمال الواقعي وملاذه.
 

1- من كلمة لسماحته في لقاء جمع الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلاميّة, بتاريخ 11 محرم 1419 هـ ق، في طهران، في إجابة عن سؤال إحدى الطالبات الجامعيّات، وهو: كيف يمكننا الاقتداء بحياة السيدة الزهراء عليها السلام؟
2- سورة الأنعام، الآية 90.
3- سورة الأحزاب، الآية 21.
 
 
 
17

8

الدرس الأول: السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة

 والإسلام العزيز، كدين، قد منّ على المؤمنات أيضاً أنّ قدّم لهنّ نموذجًا كاملًا من النساء، يلحظ خصوصيّاتهن ويجسّد حياتهن بمختلف أبعادها، وهذا النموذج هو السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. فالسيّدة فاطمة عليها السلام هي بنت الوحي والرسالة، وهي التي تربّت في حجر سيّد الخلق، فكانت الناطق العمليّ والمترجم السلوكيّ للإسلام في الحياة، كما يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ مختلف الأبعاد التي يمكن تصورّها للمرأة وللإنسان تجسّدت في شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام. لم تكن امرأة عاديّة، كانت امرأة روحانيّة ملكوتيّة..."1. فعندما نطّلع على سيرتها العطرة نجد أنّ أغلب الجوانب الحياتيّة التي تقاسيها المرأة - إن لم نقل كلّها - قد مرّت بها عليها السلام، حيث تقدّم لنا، بسلوكها النابع من الذوبان في الإسلام، الأسس والقواعد - على أقلّ تقدير - التي ينبغي اتّباعها في الحياة للالتحاق بها وتحقيق الهدف من الخلق. إنّ طريق الزهراء عليها السلام هو طريق العظمة، هو طريق رضى الله عزّ وجلّ والمراتب العلى، كما يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في إحدى كلماته مخاطباً النساء بمناسبة يوم المرأة: "إنكنّ حين رضيتنّ بأنْ يكون يوم ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام يوماً للمرأة، فهذا يرتّب على عواتقكنّ مسؤوليّات وتكاليف. يومكم، يوم المرأة ويوم الأمّ، وهو يوم فاطمة الزهراء عليها السلام، فما معنى هذا؟ إنّها خطوة رمزيّة وعمل رمزيّ (شعائري)، ومعناه أنّ المرأة يجب أن تسير على هذا الصراط، والعظمة والجلالة، وعلوّ المقام والقدر يتحقّق للمرأة في هذا الدرب، الدرب الذي تتوافر فيه التقوى والعفاف، والعلم والخطابة، والصمود في مختلف الميادين التي تحتاج إلى الصمود، وتربية الأبناء، والحياة العائليّة، وفيه الفضائل والجواهر المعنويّة كلّها. على النساء السير في هذا الاتّجاه2.

 


1- الإمام الخمينيّ، السيد روح الله الموسويّ، مكانة المرأة في فكر الإمام الخمينيّ قدس سره، مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخمينيّ قدس سره - قسم الشؤون الدولية، إيران، لا.ت، لا.ط، ص 12.

 

2- الإمام الخامنئيّ دام ظله، خطاب الولي 2011م، إعداد لجنة التأليف في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلاميّة الثقافية، لبنان - بيروت، 2012م، ط1، ص168، خطابه في ذكرى ولادة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام، بمناسبة ولادة بضعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات ، بتاريخ 12/05/2012م، 01/03/1390 ه.ش، 18/06/1432ه.ق.

 

 

18


9

الدرس الأول: السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة

 ولا يقولنّ لنا أحد أنّ السيدة فاطمة عليها السلام كانت معصومة فلا يصدر عنها إلّا الكامل من القول أو الفعل، وليست هذه حال الناس، فكيف يمكن أن يَقْتدي غير المعصوم بالمعصوم؟ أليس ذلك تكليفاً بما لا يُطاق؟


ففي سياق الإجابة نورد كلامًا للإمام الخمينيّ قدس سره، يقول فيه: "والإنسان الشرعيّ هو الذي ينظّم سلوكه وفق ما يتطلّبه الشرع، يكون ظاهره كظاهر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يقتدي بالنبيّ العظيم صلى الله عليه وآله وسلم ويتأسّى به في جميع حركاته وسكناته، وفي جميع ما يفعل وما يترك. وهذا أمر ممكن، لأنَّ جعْلَ الظاهر مثل هذا القائد أمر مقدور لأيّ فرد من عباد الله"1. فلو رجع الإنسان إلى نفسه ووجدانه لوجد أنّه يستطيع أن لا يعصي، ولكنّه يركن إلى الشيطان ونفسه الأمّارة، فالعصمة عن الذنوب والمعاصي أمر مقدور للجميع وإن احتاج إلى مجاهدة، إلّا أنّ هذا السلوك الظاهريّ المعصوم ليس مُختصًّا بالمعصوم، بل إنّ العديد من مراتب العصمة الأخرى أيضًا مُتاحة للإنسان، وهو أمر نشهده في سير العلماء. فقابليّة الإنسان أن يعصم نفسه تدفع الإشكال إن ورد، وإن كان للكمّل من خلق الله عليهم السلام من الأنبياء والسيدة فاطمة والأئمة خصوصيّة أنّ الله يصطفيهم ويعصمهم، ولديهم مراتب عصمة مختصّة بهم، وليس هذا محلّ البحث، وإنّما يبحث في علم العقائد والكلام، فنكتفي بالإشارة.
 

1- الإمام الخمينيّ، السيد روح الله الموسويّ، الأربعون حديثًا، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص4.
 
 
 
19

10

الدرس الأول: السيّدة فاطمة عليها السلام القدوة

 المفاهيم الرئيسة


- تحتلّ مسألة القدوة والاقتداء مكانةً هامّة في حياة الإنسان. والاقتداء هو طلب موافقة المقتدي بالآخر (المُقتدَى به) في فعله، واتّباع شخصية تنتمي إلى القيم نفسها التي يؤمن بها المقتدي.

- يندفع كلّ منّا في مراحل عمره الأولى لبناء شخصيّته بحسب ما يراه كمالًا، وهو اندفاع طبيعيّ بحكم فطرة حبّ الكمال التي تعبّر عن الخلقة الأصلية التي أودعها الله عزّ وجلّ فينا. ومتى وجد الإنسان ما يعتبره كمالًا متجسّدًا في شخص معيّن مال نحوه وصار قدوته التي يتأسّى ويقتدي بها.

- إنّوجود القدوة في حياة الإنسان يوضّح له معالم الطريق الذي ينبغي له سلوكه، وكيفيّة سلوك ذاك الطريق، وما يتوجّب عليه فعله وتركه، كما أنّ وجود القدوة الحقّة في حياة الإنسان يبيّن له إمكانيّة الوصول إلى الأهداف العالية.

- إنّ المؤمن الذي يستمدّ معتقداته وقيمه من دينه وتكون طموحاته مبيّنة على أسس دينيّة، ينبغي أن تكون قدوته مجسّدة لتلك التعاليم والقيم الدينية ويحمل مشروع ذلك الدين، فالعقائد والقناعات والطموحات بالنسبة للفرد هي التي تحدّد من ستكون قدوته.

- إنّ التعرّف إلى الخطوط العريضة والقيم التي حكمت تصرّفات القدوة كفيل بأن يُوجِد رابطة الاقتداء بين المقتدِي والمُقتدى به.

- قدّم الإسلام العزيز للمؤمنات نَموذجًا كاملًا من النساء، يلحظ خصوصياتهن ويُجسّد حياتهن بمختلف أبعادها، إنّها الزهراء عليها السلام. حيث تقدّم لنا الأسس والقواعد التي ينبغي اتّباعها في الحياة للالتحاق بها وتحقيق الهدف من الخلق، لذا فهي تمثّل القدوة الحقيقيّة للمؤمنة.

- إنّ السير على خُطى الزهراء عليها السلام في الحياة أمر مقدور عليه بالأصل، هذا مع كونها معصومة منزّهة عن الخطأ، إلّا أنّ تلك المرتبة من العصمة الظاهرية متاحة لكلّ من أراد والوجدان شاهد بذلك.
 
 
 
20

11

الدرس الثاني: سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام

 الدرس الثاني

سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى بركات ولادة السيدة فاطمة عليها السلام بحسب الروايات.
2- يشرح مراحل حياة السيدة الزهراء عليها السلام.
3- يبيّن آثار وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السيدة الزهراء عليها السلام.
 
 
 
 
 
21

12

الدرس الثاني: سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام

 تمهيد

بادئ ذي بدء وبعد أن تبيّنا أنّ السيدة فاطمة عليها السلام هي القدوة الحقيقيّة للمؤمنين عمومًا وللنساء خصوصًا، فإنّه لا بدّ لنا من التطرّق ولو سريعًا إلى سيرة حياتها العطرة، وذلك قبل الدخول في سيرتها التربويّة موضوع الكتاب، لتكون الطالبة على اطّلاع اجماليّ على سياق حياتها عليه السلاملما لذلك من دور في كسب الطالبة القدرة الإحاطة بالأحداث وفهم المطالب بشكل أفضل.

الولادة المباركة
أراد الله عزّ وجلّ أن يمنّ على نبيّه الأعظم بتحيّته وتحفته فَاطِمَةَ عليها السلام، فهبط جبرائيل عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بأن يعتزل السيدة خديجة عليها السلام أربعين صباحًا. فامتثل صلى الله عليه وآله وسلم لأمر بارئه وأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يومًا يصوم نهارًا ويتعبّد ليلًا، فلمّا كان تمام الأربعين هبط إليه جبرائيل عليه السلام وقال: "يَا مُحَمَّدُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَهُوَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَتَأَهَّبَ‏ لِتَحِيَّتِهِ‏ وَ تُحْفَتِه‏"، ثم هَبَطَ مِيكَائِيلُ وَمَعَهُ طَبَقٌ مُغَطًّى بِمِنْدِيلِ سُنْدُسٍ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم وَأَقْبَلَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام وَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ يَأْمُرُكَ رَبُّكَ أَنْ تَجْعَلَ اللَّيْلَةَ إِفْطَارَكَ عَلَى هَذَا الطَّعَامِ". ولمّا أفطر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قام لِيُصَلِّيَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ وَقَالَ: "الصَّلَاةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْكَ فِي وَقْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَ إِلَى مَنْزِلِ خَدِيجَةَ فَتُوَاقِعَهَا فَإِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ آلَى‏ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَخْلُقَ مِنْ صُلْبِكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ذُرِّيَّةً طَيِّبَة"، وكان انعقاد نطفة السيدة فاطمة عليها السلام في تلك الليلة1.
 

1- راجع: المجلسي، العلامة محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ه - 1983م، ط2، ج‏16، ص 79.
 
 
 
23

13

الدرس الثاني: سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام

 ثمّ إنّه بعد أن حملت السيدة خديجة عليها السلام بفاطمة عليها السلام، صارت فاطمة عليها السلام تؤنس وحدة أمّها في غياب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتحدّثها وهي جنين في بطنها، فقد اعتزلنها نساء مكّة وكنّ لا يدخلن عليها بسبب زواجها من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَوْماً فَسَمِعَ خَدِيجَةُ تُحَدِّثُ فَاطِمَةَ فَقَالَ لَهَا: "يَا خَدِيجَةُ مَنْ تُحَدِّثِينَ؟"، قَالَتِ: "الْجَنِينُ الَّذِي فِي بَطْنِي يُحَدِّثُنِي وَيُؤْنِسُنِي"1‏.


ثمّ لمّا حان موعد الولادة وجَّهَتْ السيدة خديجة عليها السلام إِلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَنْ تَعَالَيْنَ لِتَلِينَ مِنِّي مَا تَلِي النِّسَاءُ مِنَ النِّسَاءِ فَأَرْسَلْنَ إِلَيْهَا: عَصَيتِنا وَلَمْ تَقْبَلِي قَوْلَنَا وَتَزَوَّجْتِ مُحَمَّداً يَتِيمَ أَبِي طَالِبٍ فَقِيراً لَا مَالَ لَهُ فَلَسْنَا نَجِي‏ءُ وَلَا نَلِي مِنْ أَمْرِكِ شَيْئاً. فَاغْتَمَّتْ خَدِيجَةُ لِذَلِكَ، فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهَا أَرْبَعُ‏ نِسْوَةٍ طِوَالٍ‏ كَأَنَّهُنَّ مِنْ نِسَاءِ بَنِي هَاشِمٍ فَفَزِعَتْ مِنْهُنَّ لَمَّا رَأَتْهُنَّ فَقَالَتْ إِحْدَاهُنَّ لَا تَحْزَنِي يَا خَدِيجَةُ فَإِنَّا رُسُلُ رَبِّكِ إِلَيْكِ وَنَحْنُ أَخَوَاتُكِ أَنَا سَارَةُ وَهَذِهِ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ وَهِيَ رَفِيقَتُكِ فِي الْجَنَّةِ وَهَذِهِ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَهَذِهِ كُلْثُمُ بِنْتُ عِمْرَانَ أُخْتُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ‏ بَعَثَنَا اللَّهُ إِلَيْكِ لِنَلِيَ مِنْكِ مَا تَلِي النِّسَاءُ مِنَ النِّسَاءِ فَجَلَسَتْ وَاحِدَةٌ عَنْ يَمِينِهَا وَالْأُخْرَى عَنْ يَسَارِهَا وَالثَّالِثَةُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَالرَّابِعَةُ مِنْ خَلْفِهَا فَوَضَعَتْ فَاطِمَةَ طَاهِرَةً مُطَهَّرَةً فَلَمَّا سَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ أَشْرَقَ مِنْهَا النُّورُ حَتَّى دَخَلَ بُيُوتَاتِ مَكَّةَ وَلَمْ يَبْقَ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَلَا غَرْبِهَا مَوْضِعٌ إِلَّا أَشْرَقَ مِنْ ذَلِكَ النُّور2، وقد سمّاها الله عزّ وجلّ فاطمة.

وقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ ولادة السيدة فاطمة عليها السلام، إلّا أنّ المشهور بين مؤرّخي الإماميّة أنّه كان في يوم الجمعة في العشرين من جمادى الآخِرة في السنة الخامسة من البعثة3.
 

1- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قم، 1417ه، ط1، ص 593.
2- قطب الدين الراوندي، أبو الحسين سعيد بن هبة الله، الخرائج والجرائح، تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطحي، مؤسّسة الإمام المهدي، إيران - قم، 1409ه، ط1، ج‏2، ص 525.
3- راجع: أعلام الهداية، المجمع العالمي لأهل البيت، قم.
 
 
 
24

 


14

الدرس الثاني: سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام

 مراحل حياة السيدة فاطمة عليها السلام1

عاشت السيدة فاطمة عليها السلام في ظلّ أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أمّها خديجة الكبرى عليها السلام، ثمّ انفردت بأبيها حتّى هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى يثرب إذ كان يرعاها وترعاه بحنان الأمومة، وقد خاضت وهي طفلة صغيرة مرارات حصار قريش لأبيها والمسلمين في شعب أبي طالب، ثمّ في السنة التي خرج فيها بنو هاشم من الحصار في العام العاشر من البعثة، توفّيت السيدة خديجة عليها السلام. وفي العام نفسه تُوفّي عمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو طالب حامي الدعوة الإسلامية وناصر الدين، فسُمّي ذلك العام بـ (عام الحزن)، والزهراء عليها السلام عايشت كلّ تلك المحنة مع أبيها.

ثمّ لم تتوانَ قريش عن صبّ أذاها على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين بعد وفاة أبي طالب، فقرّر أن يهاجر صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الثالثة عشرة للبعثة من مكّة إلى يثرب حفاظًا على نفسه وإبقاءً على دعوته. وأوصى الإمام عليّاً عليه السلام بأن يبيت في فراشه تلك الليلة ليوهم المشركين الذين عزموا على قتله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أوصاه بأن يردّ جميع الأمانات التي كانت مودعةً عنده إلى أهلها ويسدّد الديون التي كانت عليه، وأنّه صلى الله عليه وآله وسلم عندما يصل إلى مأمنه سوف يرسل إلى الامام عليّ عليه السلام من يدعوه بالتوجّه إليه مع عائلته من الفواطم وغيرهن إليه.

وبعد أن وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى قباء أرسل إلى الإمام علي عليه السلام كتابًا يدعوه فيه للقدوم عليه مع الفواطم وهنّ السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وفاطمة بنت أسد أمّ الإمام عليّ عليه السلام، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب. ووصل بهنّ إلى حيث ينتظرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخلوا مدينة يثرب معًا، واستقبلتهم الجماهير بالاشعار والاهازيج والترحاب. ونزل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في دار أبي أيوب الأنصاريّ والسيّدة فاطمة عليها السلام معه، وبقيت معه هناك زهاء سبعة أشهر حتّى تمّ بناء المسجد ودار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتواضع المؤلّف من عدّة حجرات. ثمّ تزوّج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بسودة، ثمّ بأمّ سلمة وفوّض أمر الزهراء عليها السلام إليها.
 

1- راجع: تأريخ الاسلام، جمعية المعارف الإسلاميّة، مصدر سابق، ج1، ص 17 - 38.
 
 
 
25

15

الدرس الثاني: سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام

 حياة السيدة فاطمة عليها السلام ما بعد الهجرة

ما إن استقرّ أمر المسلمين بعض الشيء في المدينة، ودخلت السنة الثانية من هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتّى تقدّم لخطبتها أكابر قريش من أصحاب الشرف والمال والفضل، فكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يردّهم بوجهه الكريم ويقول: "أنتظر أمر الله بها"1. وبعد أن تقدّم الإمام عليّ عليه السلام لخطبتها نال بركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وموافقته، ووافقت السيدة فاطمة عليها السلام على زواجها منه عليه السلام، وقد كان أمر زواجهما من السماء، حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام عليّ عليه السلام: "أبشِرْ يَا عَلِيُّ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَكَ بِهَا فِي السَّمَاءِ قَبْلَ‏ أَنْ‏ أُزَوِّجَكَهَا فِي الْأَرْض‏"2، وتمَّ الزواج المبارك.

وقد ولدت السيدة فاطمة عليها السلام للإمام عليّ عليه السلام خمسة أولاد هم: الإمام الحسن عليه السلام، والإمام الحسين عليه السلام في السنة الثالية، ثمّ السيدة زينب عليه السلام وأمّ كلثوم ثمّ المحسن الذي أسقطته جنينًا3.

رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم4
رافقت السيدة فاطمة عليها السلام أباها في حجّة الوداع، وبعد إتمام شعائر الحجّ وحين الوصول إلى غدير خمّ، نزل عليه الأمر الإلهي: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾5. وكان الأمر هو إبلاغ المسلمسن بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وبعد هذا الأمر الإلهيّ أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة، فصلّاها بحرّ الظهيرة وظُلّل عليه من الشمس، فخطب صلى الله عليه وآله وسلم وقال:
 

1- البحرانيّ الأصفهانيّ، عبد الله بن نور الله‏، عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال (مستدرك سيدة النساء إلى الإمام الجواد عليه السلام)، تحقيق وتصحيح موحد أبطحي ومحمد باقر الأصفهاني، مؤسّسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، إيران - قم‏، 1413ه‏، ط1، ج‏11، قسم 1 فاطمة س، ص 451.
2- ابن شهرآشوب المازندراني، محمد بن علي‏، مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، نشر علامة، إيران - قم‏، 1421ه‏، ط1، ج‏3، ص 345.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 233.
4- راجع: تأريخ الاسلام، مصدر سابق، ج1، ص 60.
5- سورة المائدة، الآية 67.
 
 
 
26

16

الدرس الثاني: سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام

 (إنّي أوشك أن أُدعى فأجيب... ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى... فأخذ بيد عليّ عليه السلام، فقال: اللهم من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه...)1.


ثمّ أمر عليًّا عليه السلام بأن يجلس بخيمةٍ بإزاء خيمته ثمّ أمر المسلمين أن يدخلوا عليه يُسلّمون عليه بإمرة المؤمنين2. وصار المسلمون يُهنّئونه ويقولون له: "بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم.."3. وبعد أن تمَّ البلاغ بولاية علي عليه السلام، نزلت الآية الكريمة: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا4. وكانت السيدة فاطمة عليها السلام على طول الواقعة تتابع الأحداث والمواقف، لتكون شاهدةً على الولاية ومساندةً لمن بايعه المسلمون بالولاية في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولمّا ظهرت أمارات الرحيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتاب السيدة فاطمة عليها السلام حزنٌ شديد، وروت عليه السلام أنّه قال لها صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ جَبْرَئِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي‏ بِهِ‏ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ ولَا أَرَانِي إِلَّا وَقَدْ حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لُحُوقاً بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ فَبَكَيْت لِذَلِكِ ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكْت لِذَلِك‏"5. وبرحيل أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقدت فاطمة عليها السلام سندها الحقيقي، وانتابتها الأحزان فما رُئيت ضاحكةً بعده6.
 
 

1- أحمد بن حنبل، المسند (مسند أحمد)، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج 5، ص 355، الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1408ه - 1988م، لا.ط، ج 9، ص 104.
2- الشيخ الطبرسيّ، إعلام الورى بأعلام الهدى، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، إيران، 1417، ط1، ج1، ص262.
3- ابن المغازلي، مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام، انتشارات سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إيران، 1426ه - 1384ش، ط1، ص 19.
4- سورة المائدة، الآية 3.
5- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 595.
6- راجع: تأريخ الاسلام، مصدر سابق، ج1، ص 62.
 
 
 
 
27

17

الدرس الثاني: سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام

 السيدة فاطمة عليها السلام بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم1

انشغل عليّ عليه السلام وفاطمة عليها السلام وبنو هاشم ومعهم الصحابة الأجلّاء بفاجعة رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتجهيزه ودفن جسده الطاهر.

وبعد ذلك أصاب المرض السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وقد عُلِّلَ سبب ذلك بالعديد من الأسباب المرتبطة بالأحداث التي حصلت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم...، وقد اختلف المؤرّخون في مدّة بقائها بعده صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل: أربعون يومًا، وقيل: خمسة وسبعون يومًا، وقيل: ثلاثة أشهر وقيل خمسة أشهر أو ستة أشهر، لكنّ المشهور أنّها ارتحلت إلى الرفيق الأعلى بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشهر في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين للهجرة2.

وقد جاء عن أسماء أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام لمّا حضرتها الوفاة قالت لأسماء، "إنّ جبرائيل أتى النبيّ لمّا حضرته الوفاة بكافور من الجنّة، فقسّمه أثلاثاً، ثلثاً لنفسه، وثلثاً لعليّ، وثلثاً لي، وكان أربعين درهماً فقالت: يا أسماء ائتني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، وضعيه عند رأسي، فوضعته ثمّ قالت لأسماء حين توضّأت وضوءها للصلاة: هاتي طيبي الذي أتطيّب به، وهاتي ثيابي التي اُصلّي فيها فتوضّأت" ثم تسجَّت بثوبها ثمّ قالت: "انتظريني هُنيهةً وادعيني فإن أجبتك وإلاّ فاعلمي أنّي قدمت على أبي فأرسلي إلى عليّ".

وحين حانت ساعة الاحتضار وانكشف الغطاء نظرت السيّدة فاطمة عليها السلام نظرة حادّة ثمّ قالت: "السلام على جبرائيل، السلام على رسول الله، اللهمّ مع رسولك، اللهمّ في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام، ثمّ قالت: هذه مواكب أهل السماوات وهذا جبرئيل وهذا رسول الله يقول: يا بنية أَقدمي فما أمامكِ خيرٌ لك" وفتحت عينيها ثمّ قالت: "وعليك السلام يا قابض الأرواح عجّل بي ولا تعذّبني" ثمّ قالت: "إليك ربّي لا إلى النار" ثمّ أغمضت عينيها ومدّت يديها ورجليها.
 

1- تاريخ الإسلام، مصدر سابق، ص 65 - 73.
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 73-74.
 
 
 
28

18

الدرس الثاني: سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام

 فنادتها أسماء فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الحياة، فوقعت عليها تقبّلها وهي تقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام، ودخل الحسن والحسين فوجدا أمّهما مسجّاة فقالا: "يا أسماء ما ينيم أمّنا في هذه الساعة؟" قالت: يا ابنيّ رسول الله ليست أمّكما نائمة، قد فارقت الدنيا1.

 


1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص 186، بتصرّف.

 

 

 

29


19

الدرس الثاني: سيرة حياة السيدة فاطمة عليها السلام

 المفاهيم الرئيسة


- أراد الله عزّ وجلّ أن يمنّ على نبيه الأعظم بتحيّته وتحفته فاطمة عليها السلام، فهبط جبرائيل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأمره أن يعتزل خديجة عليها السلام أربعين صباحًا. ثمّ أمره أن يفطر في اليوم الأربعين على طعام أنزل له من الجنّة ويذهب إلى خديجة عليها السلام، وكان في تلك الليلة انعقاد نطفة السيدة فاطمة عليها السلام.

- كانت السيدة فاطمة عليها السلام تُؤنس وحدة أمّها بعد أن اعتزلتها نساء مكّة لزواجها بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولمّا حان موعد ولادتها تولّت أمرها أربع نساء من الجنة.

- المشهور أنّ ولادتها عليها السلام كانت في العشرين من جمادى الآخرة في السنة الخامسة من البعثة.

- خاضت السيدة فاطمة عليها السلام وهي طفلة صغيرة مرارات الدعوة، فعايشت حصار قريش في شعب أبي طالب، وخاضت محنة وفاة أمّها ووفاة أبي طالب حامي الدعوة. لكنّها وقفت إلى جانب والدها برغم ظروف محاربة قريش القاسية له صلى الله عليه وآله وسلم فكانت تسانده وتعضده وتحنو عليه.

- بعد أن عزم المشركون على قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هاجر إلى يثرب، ولمّا وصل إلى مأمنه أرسل إلى الإمام عليّ عليه السلام ليلحق به مع الفواطم ففعل، ودخلوا يثرب معًا حيث استقبلوا بالأهازيج والترحاب.

- بعد دخول السنة الثانية للهجرة تقدّم لخطبة السيدة فاطمة عليها السلام أكابر قريش وعادوا بالرفض. وبعد أن تقدّم الإمام عليّ عليه السلام لخطبتها نال بركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وموافقته، وموافقتها عليه السلام. وقد ولدت عليها السلام خمسة أولاد هم: الإمام الحسن عليه السلام، والإمام الحسين عليه السلام، ثمّ السيدة زينب وأمّ كلثوم ثمّ المحسن السقط.

- رافقت السيدة فاطمة عليها السلام أباها في حجّة الوداع، وشهدت مبايعة المسلمين للإمام عليّ عليه السلام. ولمّا ظهرت أمارات الرحيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتاب السيدة فاطمة عليها السلام حزنٌ شديد، وبرحيل أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقدت فاطمة عليها السلام سندها الحقيقيّ، فانتابتها الأحزان فما رُئيت ضاحكةً بعده.

- بعد وفاة أبيها مرضت عليها السلام مرضًا شديدًا كان فيه شهادتها عليها السلام، وقد أوصت أن تُدفَن سرّاً.
 
 
 
 
30

20

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 الدرس الثالث

أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى الأسماء المختلفة للسيدة فاطمة عليها السلام.
2- يتعرّف إلى بعض أسباب ومعاني أسماء السيدة فاطمة عليها السلام.
3- يتبيّن الدروس التربويّة من التسميات الفاطميّة.
 
 
 
 
 
31

21

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 تمهيد

أولى الإسلام العزيز تسمية الأولاد بمحاسن الاسماء أهميةً كبيرة، حتّى صار الاسم الحسن من حقّ الولد على والده حيث جاء عن النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: "حَقُ‏ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ إِذَا كَانَ ذَكَراً أَنْ يَسْتَفْرِهَ أُمَّهُ‏ وَيَسْتَحْسِنَ اسْمَهُ وَيُعَلِّمَهُ كِتَابَ اللَّهِ ... إِذَا كَانَتْ أُنْثَى أَنْ يَسْتَفْرِهَ أُمَّهَا وَيَسْتَحْسِنَ اسْمَهَا.."1. ولا يخفى على أحد أثر الاسم الحسن في الولد إنْ على الصعيد الفرديّ الذي يحثّه على كونه مسمًّى لاسمه أو على الصعيد الاجتماعيّ بعدم كونه موضع سخرية على أقلّ تقدير بل جعله موضع اعتزاز له، ذلك ومع أنّه يكثر وجود أشخاص يحملون أسماءً جليلة لا يمتّون إليها بصلة، فليست المناسبة بين الاسم وحامله حقيقيّةً دومًا، وليس حامل الاسم يعبّر عن اسمه في كلّ الأحيان.

لكنْ كيف هي الحال إذا كان المُسمَّى فاطمة عليها السلام والمُسمِّي هو الله جلَّ جلاله! فلا يمكن إلّا أن تكون الاسماء منطبقة على مُسمّاها، مبرزةً له، كاشفةً عن حقائق مخفية عن الانظار، غائبةً عن الأبصار. وقد كرّم الله عزّ وجلّ السيدة فاطمة عليها السلام مزيد تكريم وأضاف شرفًا إلى شرفها أن سمّاها بتسع أسماء من عنده فكشف لنا جلّ وعلا عن حقائق ما كنّا لنعيها لولا تلك الأسماء، حيث ورد عن أَبي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقُ عليه السلام أنّه قال: ‏"لِفَاطِمَةَ عليها السلام تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ اللَّهِ‏ عزّ وجلّ، فَاطِمَةُ وَالصِّدِّيقَةُ والْمُبَارَكَةُ وَالطَّاهِرَةُ وَالزَّكِيَّةُ وَالرَّاضِيةُ وَالْمَرْضِيَّةُ وَالْمُحَدَّثَةُ وَالزَّهْرَاءُ"2. وإنْ ورد للسيدة فاطمة عليها السلام أسماءً
 

1- الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1407ه‏، ط4، ج‏6، ص 49.
2- الصدوق، الشيخ محمد بن علي‏، علل الشرائع‏، مكتبة داوري‏، إيران - قم‏، 1427ه‏، ط1، ج‏1، ص 178.
 
 
 
33

22

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 أخرى في الروايات والأخبار إلّا أنّنا سنكتفي بالحديث عن بعض هذه الأسماء لخصوصيّة ذكرها في هذا الحديث وأنّها تسميات للسيدة فاطمة عليها السلام عند الله عزّ وجلّ كما قال الإمام الصادق عليه السلام، فسنحاول تبيان بعض المعاني وجوانب الحكمة من بعض هذه الاسماء النورانيّة التي تخفي الكثير الكثير من الأسرار ومِن ثمّ نستقي عِبَرًا تربويّة مفيدةً لنا سلوكيًّا، علّ ذلك يقدّمنا خطوةً إضافيّة في معراج تعرّفنا إلى سيدتنا فاطمة عليها السلام.


في معنى اسم فاطمة1
وهو أوّل اسم سميت به عليها السلام عندما ولدت حيث جاء في الروايات أنّه "لَمَّا وُلِدَتْ‏ فَاطِمَةُ سَمَّاهَا اللَّهُ‏ تَبَارَكَ‏ وتَعَالَى‏ فَاطِمَةَ"2. وهو اسم له وقع عظيم في نفوس أئمتنا عليهم السلام أجمعين، فهم كانوا يتأثّرون أشدّ التأثّر عند ذكر اسم فاطمة في محضرهم كما يظهر ذلك في الاخبار والروايات. وقد حصل ذات مرّة أن ولدت ابنة لشخص يدعى السكوني وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، فقال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا مغموم مكروب، فقال لي: يا سكونيّ ما غمّك؟ فقلت: ولدت لي ابنة، فقال: يا سكونيُّ على الأرض ثقلها، وعلى الله رزقها، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك... فقال: ما سمّيتها؟ قلت: فاطمة. قال: آه آه آه ثمّ وضع يده على جبهته.. إلى أن قال أمّا إذا سمَّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها"3.

ولعلّ شدّة تأثرهم عليهم السلام مَردّه إلى مقامها النورانيّ العظيم من جهة ومن جهة ثانية يعود إلى الظلم الكبير الذي لا يقاس به ظلم والذي لحق بها عليها السلام رحيل أبيها صلى الله عليه وآله وسلم عن الدنيا. وقد وردت العديد من الروايات التي تبيّن جوانبًا مختلفةً في معاني اسم فاطمة نشير فيما يلي إلى بعضها:
1- المعنى الأول:
يُبيّن الإمام الصادق عليه السلام أنّ سبب تسمية السيدة الزهراء باسم فاطمة هو أنها فُطِمَت عن الشرّ حقيقةً، حيث قال في حديث مع أحد أصحابه: "تَدْرِي لِأَيِّ شَيْ‏ءٍ سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ عليها السلام؟ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي يَا سَيِّدِي، قَالَ: فُطِمَتْ مِنَ الشَّر"4. أي إنّها عليها السلام لا سبيل للشرّ إلى جنابها، وهو يمثّل كلّ مبعد عن الله عزّ وجلّ، من قولٍ أو فعلٍ حتّى تفكير ونيّة، وهذا الحديث يؤكّد أنّ الخير فقط الخير هو ما يكتنف وجود الزهراء المقدّس.
 

1- راجع: المسعودي، الشيخ محمد فاضل، الأسرار الفاطمية، تقديم السيد عادل العلوي، مؤسّسة الزائر في الروضة المقدسة لفاطمة المعصومة عليها السلام للطباعة والنشر - رابطة الصداقة الإسلاميّة، لا.م، 1420ه - 2000م، ط2، ص 387 - 395.
2- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج‏1، ص 178.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏6، ص 49.
4- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق‏، ص 592.
 
 
 
 
34

 


23

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 2- المعنى الثاني:

تخبرنا بعض الأحاديث أنّ من أسباب تسمية الزهراء عليها السلام بفاطمة لأنّها بولادتها فطمت - أي قطعت - أطماع كلّ ساعٍ نحو الاستيلاء على خلافة الدين بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لانحصار الولاية بالأئمة من ذريتها، ففي خبر عن أبي الحسن عليه السلام قال: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلِمَ مَا كَانَ قَبْلَ كَوْنِهِ فَعَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَتَزَوَّجُ فِي الْأَحْيَاءِ وَأَنَّهُمْ يَطْمَعُونَ فِي وِرَاثَةِ هَذَا الْأَمْرِ فِيهِمْ مِنْ قِبَلِهِ فَلَمَّا وُلِدَتْ فَاطِمَةُ سَمَّاهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى فَاطِمَةَ لِمَا أَخْرَجَ مِنْهَا وَجَعَلَ فِي وُلْدِهَا فَقَطَعَهُمْ عَمَّا طَمِعُوا فَبِهَذَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةَ لِأَنَّهَا فَطَمَتْ‏ طَمَعَهُمْ‏"1.

3- المعنى الثالث:
وردت أيضاً أخبار أخرى في معانٍ مختلفة لاسم فاطمة مرتبطة بشيعتها ومحبّيها، حيث جاء في بعض الروايات أنّها سمّيت فاطمة لأنّها فطمت هي ومن أحبّها عن النار، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إِنَّمَا سُمِّيَتْ ابْنَتِي فَاطِمَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَمَهَا وفَطَمَ مَنْ‏ أَحَبَّهَا مِنَ النَّار"2، حيث سيكون حبّ شيعتها لها وتولّيها سببًا في انفطامهم معها عن النار.
 

1- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج‏1، ص 178.
2- الإمام علي بن موسى عليه السلام، صحيفة الإمام الرضا عليه السلام، تحقيق وتصحيح محمد مهدي نجف، ‏ مؤتمر الإمام الرضا عليه السلام العالمي‏، إيران - مشهد، 1406ه‏، ط1، ص 45.
 
 
 
35

24

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 4- المعنى الرابع:

ومن جهةٍ أخرى أيضاً، تتحدّث الروايات عن أنّ السيدة الزهراء عليها السلام إنّما سمّيت فاطمة لأنّ فطامها كان العلم عن الجهل، حيث يقول الإمام الصادق عليه السلام: "لَمَّا وُلِدَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكٍ فَأَنْطَقَ بِهِ لِسَانَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم فَسَمَّاهَا فَاطِمَةَ ثُمَّ قَالَ إِنِّي فَطَمْتُكِ بِالْعِلْمِ..."1

ومع أنّ حقيقة اسم فاطمة أنّه مختصّ بالسيدة الزهراء عليها السلام إلّا أنّها تبيّن لنا من خلال تسمياتها عليها السلام كيف ينبغي للفاطميّة أن تغدو. فالفاطميّة هي تلك المقتدية بالزهراء التي تفطم نفسها عن كلّ شرّ وقبيح وغير لائق بها، وهي تلك التي تتّخذ العلم فطامًا لها وتميّزًا، وهي التي تفطم نفسها عن النار باللحاق بسيدتها والتعلّق بأذيال شفاعتها من خلال الاقتداء بسلوكها.

في معنى اسم الصِدّيقة2
وهو ثاني الأسماء المباركة للسيدة فاطمة عليها السلام وهو معروف ومذكور كثيرًا على لسان أهل البيت عليهم السلام، وقد سمّاها به الله تبارك وتعالى إجلالاً وإكراماً لمقامها السامي ولمّا وصلت إليه من التصديق بكلّ ما آتاها الله ورسوله.

والصِدّيق هو دائم التصديق، ويكون الذي يصدّق قوله بالعمل... وهو المصدّق. والصِدّيق مبالغة في الصدق والتصديق3.

وأياً كان المعنى المراد من الصديق فإنّ السيدة فاطمة عليها السلام تنطبق عليها جميع الأقوال، فهي عليها السلام كانت المداومة على التصديق بما يوجبه الحقّ جلّ وعلا حيث كانت المصدّقة بكل ما أمر الله به وبأنبيائه، فهي والمعصومون عليهم السلام المصداق الأبرز لقوله
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏1، ص 460.
2- راجع: القزويني، السيد محمد كاظم، فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلى اللحد، مكتبة بصيرتي، إيران- قم، 1414ه، لا.ط، ص 42 - 44. الشيخ محمد فاضل المسعودي، الأسرار الفاطمية، مصدر سابق، ص 396 - 398.
3- راجع: ابن منظور، محمد بن مكرم‏، لسان العرب‏، تحقيق وتصحيح جمال الدين الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- دار صادر، لبنان - ‏بيروت، 1414ه‏، ط3، ج 8، صدق.
 
 
 
36

25

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾1. فهي الصدّيقة الطيّبة التي صَدَّقَتْ بالله ورسوله وبما جاء به من عند الله تعالى وكانت المؤمنة بكلّ عقائدها الربّانية التي كانت تعمل على ضوء تلك القيم والمعتقدات، كما قد بُيّنت هذه المنقبة الكريمة للسيدة الزهراء عليها السلام على لسان المعصومين في أكثر من مناسبة وموقف، فقد ورد عن أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام أنّه قَالَ: "إِنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام صِدِّيقَةٌ شَهِيدَة"2، حتّى إنّها معروفة بالصِدّيقة الكبرى، حيث رُوِيَ عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال في معرض كلامه عنها عليها السلام: "... وَهِيَ الصِّدِّيقَةُ الْكُبْرَى، وَعَلَى مَعْرِفَتِهَا دَارَتِ‏ الْقُرُونُ‏ الْأُوَلُ"3..إذًا ففاطمة عليها السلام صدّيقة لجهة تصديقها الحقّ بما جاء عن الله عزّ وجلّ، وتصديق معتقداتها بأفعالها.


فإنّ كونها صديقة أيضاً هو أحد تجلّيات معنى العصمة في الحقيقة، إذ إنّ العصمة تستلزم دوام الصدق في القول والفعل وعدم شوب أيّ فعل أو قول ما ينافي الحقّ والصدق. وفي ذلك مزيد تعظيم وتبجيلٍ لها عليه السلام، وإشارة إلى أنّ صدقها لا يعلوه صدق، بل هي الصِدّيقة الكبرى، وإنْ وجد صِدّيق في مقابلها فليس ذلك بشيء إن لم يتوافق معها، فصدقها وقولها وفعلها المعيار، وقد أكّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه المسألة في حقّ الزهراء عليها السلام حيث قال: "يا عليُّ، إنّي قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك، فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة، ثمّ ضمَّها إليه وقبَّل رأسها، وقال: فداك أبوك يا فاطمة"4.

ولعلّ التركيز في صدقها وإبرازه بشكل جليّ وكبير لحكمة كشف عنها الزمن، نعني بذلك ما حصل في قضية هبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدك وحقّها في الإرث...، حيث كان لصدق الزهراء عليها السلام الدور الكبير في الدفاع عن حقوقها، والتي أدّت إلى الاعتراف بصدق مُدّعاها في قضية فدك، فقال: "وَأَنْتِ يَا خِيَرَةَ النِّسَاءِ وَابْنَةَ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ صَادِقَةٌ فِي قَوْلِكِ
 

1- سورة الحديد، الآية 19.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏1، ص 458.
3- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 668.
4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 22، ص 491.
 
 
 
 
37

26

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 سَابِقَةٌ فِي وُفُورِ عَقْلِكِ غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنْ حَقِّكِ وَلَا مَصْدُودَةٍ عَنْ صِدْقِك‏..."1.


وليست معركة الصدق محصورةٌ بالسيدة فاطمة عليها السلام، إذا إنّ باب الصدق والتصديق مفتوحٌ للجميع، وإن كانت عليها السلامهي النبراس، ولكنّها تعلّمنا أنه ينبغي للفرد أن يحيا بصدق بمعنى أن يقترن قوله الصادق بفعله الصادق وبعقيدته الحقّة، فيكون سلوكنا عاكسًا لمعتقدنا وقولنا، لا أن يكون قولنا في مكان وفعلنا مخالف له، وقد كبر ذلك عند الله كثيرًا حيث يقول جلّ جلاله في محكم كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾2. كما تعلّمنا أن نكون نحن بأنفسنا نبراسًا للصدق بحيث يشكّل قولنا القول الفصل، فالصادق هو الشاهد على غيره ولا يردّ قوله بقول، والحياة الاجتماعيّة أصرح دليل على ما نقول، إذ إنّه من انتهج الصدق في حياته يكون هو ملجأً لغيره في حسم الأمور والبناء عليها والتصرّف وفقها، وهو ما ترتضيه الزهراء عليها السلام لمواليها.

في معنى اسم الطاهرة3
"الطاهرة" هو من الأسماء الشريفة للسيدة فاطمة عليها السلام وهو من الأوصاف الذاتيّة لها عليها السلام كما لا يخفى. والطهارة هي بمعنى النزاهة والنظافة4، وللطهارة مراتب تتعدّى الظاهر. فيمكن أن تكون الطهارة هي الطهارة الظاهريّة من الخبائث ويمكن أن تكون طهارة الجوارح عن المعاصي والذنوب، ويمكن أن تكون طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة ويمكن أن تكون طهارة السرّ عمّا سوى الله وهي أعلى مرتبة. والطهارة بكلّ مراتبها موجودة ومتحقّقة في السيدة فاطمة عليها السلام، فهي الطاهرة المطهّرة عن كلّ رجس ظاهريّ أو باطنيّ والروايات تؤكّد ذلك كما سيتبين معنا.
 

1- الطبرسيّ، الشيخ أحمد بن علي، الاحتجاج على أهل اللجاج، تحقيق وتصحيح محمد باقر الخرسان، نشر المرتضى‏، إيران - مشهد، ‏1403ه‏، ط1، ج‏1، ص 104.
2- سورة الصف، الآيتان 2 - 3.
3- راجع، السيد محمد كاظم القزويني، فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد، مصدر سابق، ص 42 - 44. الشيخ محمد فاضل المسعودي، الأسرار الفاطمية، مصدر سابق، ص 396 - 398.
4- الطريحي، مجمع البحرين.
 
 
 
38

27

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 وأفضل دليل على طهارتها عليها السلام هو آية التطهير: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾1, التي تثبيت عصمتها المطلقة وعصمة وطهارة أهل الكساء الذين هم النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم والامام عليّ عليه السلام والإمامان الحسن والحسين عليه السلام وذلك باتّفاق عموم المسلمين إلّا من شذّ، فهم عليهم السلام المطَهّرون من كلّ رجس مطلقًا من أيّ نوع كان، وهم المنزّهون عن كلّ ذنب وكلّ نقيصة وكلّ مراتب طهارتهم هي انعكاس لطهارة أنفسهم وتنزّههم عليهم السلام عمّا سوى الله عزّ وجلّ، حيث إنّهم في إقبال قلبيّ وتوجّه كليّ إلى الله عزّ وجلّ واتّصال كامل بالخالق جلّ وعلا.


وعن طهارة السيدة فاطمة عليها السلام الظاهريّة، جاء في حديث عن أبي جعفرعليه السلام، عن آبائه، قال: "إنّما سمّيت فاطمة بنت محمّد" الطاهرة لطهارتها من كلّ دنس، وطهارتها من كلِّ رفث، ..."2.

أمّا فيما يخصّ تأسّينا واقتداءنا بالسيدة فاطمة عليها السلام، فإنّه وإنْ كانت بعض مراتب الطهارة مختصّة بها عليها السلاممن الباري عزّ وجلّ، إلّا أنّ هناك مراتب عديدة يستطيع كلّ مرءٍ تحصيلها، بل إنّ السيدة فاطمة عليها السلام تدعونا إلى اكتساب أعلى مراتب الطهارة. فالطهارة من الذنوب والمعاصي ومن كلّ نقص وعن كلّ ما لا يليق بالمؤمنة وصولًا إلى التطهّر عمّا سوى الله عزّ وجلّ هي مراتب نحن مدعوون إلى تحصيلها في هذا الحياة الدنيا.

في معنى اسم المحَدَّثة3
يُعتبر اسم المحدَّثة من أهمّ الاسماء التي أطلقت على السيدة فاطمة عليها السلام وأعظمها وأجلّها، ذلك لأنّه يعبّر عن كرامةٍ مخصوصة بها سجّلها لها التاريخ ولا يمكن نكرانها. وهو يبيّن بشكل واضح وجليّ درجتها السامية ومقامها الرفيع ورتبتها، حيث إنّ اسم المحدّثة
 

1- سورة الأحزاب، الآية 33.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43 ، ص 19.
3- السيد محمد كاظم القزويني، فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد، مصدر سابق، اسم المحدثة. الشيخ محمد فاضل المسعودي، الأسرار الفاطمية، مصدر سابق، اسم المحدثة.
 
 
39

28

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 يعني أنّ صاحب هذا الاسم يكون ملهمًا ومؤيدًا بالإفاضات الغيبيّة والعنايات الربانيّة بحيث تحدّثه الملائكة فيسمعها. 


وليس تحديث الملائكة وإفاضة العلوم والمعارف الربانيّة عبرهم مختصّاً بالأنبياء عليهم السلام، بل إنّه يمكن لغيرهم من الأتقياء المخلصين الاطّلاع على الوحي، كما تبين لنا الآيات الشريفة في الوحي الذي ألقي على السيدة مريم عليها السلام: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾1 مثلًا، وكذا حال أمّ النبيّ موسى عليه السلام التي أوحي إليها: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾2, ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الوحي المختصّ بالأنبياء والرسل عليهم السلام له سماته وخصائصه التي يتفرّد بها عن غيره من أنواع الوحي كأن يحمل تشريعات للناس وأحكاماً تخصّ دينهم.

ومع ذلك، وبرغم أنّ الزهراء عليها السلام ليست المحدّثة الوحيدة، إلّا أنّ لها خصوصية في المقام، حيث تبيّن لنا الأخبار أنّ الملائكة كانوا كثيرًا ما يتردّدون على منزلها الشريف، وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنّما سمّيت فاطمة محدَّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويُحدّثونها ، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأوّلين والآخِرين"3.

وقد سجّل التاريخ حادثة في غاية الأهمّية فيما يخصّ تحديث الملائكة للسيدة فاطمة عليها السلام، حيث تطالعنا الأخبار أنّه بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الدنيا وانقطاع الوحي، أصاب سيدة نساء العالمين عليها السلام غمّ، وحزنٌ شديد، فكان يأتي أشرف الملائكة
 

1- سورة مريم، الآية 17.
2- سورة القصص، الآية 7.
3- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج1 ص 182.
 
 
 
40

29

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 وأجلّها ليسلّيها ويزيل همّها وغمّها، وكانت نتيجة تلك اللقاءات الملوكتية في آخر أيّام حياتها مصحف فاطمة الذي يحوي علم ما كان وما يكون إلى قيام الساعة، فتقول الرواية عن أَبَي عَبْدِ اللَّهِعليه السلام قال: "إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً وَكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا وَكَانَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهَا وَيُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَمَكَانِهِ وَيُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وَكَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذَلِكَ فَهَذَا مُصْحَفُ‏ فَاطِمَةَ عليها السلام"1.


وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى أنّ الاتّصال بالعالم الغيبيّ الذي يُعدّ تحديث الملائكة من أقوى مصاديقه وأبرزها، هو ليس بالأمر المحصور المختصّ بالمعصومين عليهم السلام وإن كانت لهم خصائصهم وشؤونهم في هذا المجال الذي لا يبلغها أحد. إلّا أنّه كما كان لأمّ النبيّ موسى عليه السلام نصيبٌ في التسديد الغيبيّ الذي كان وحيًا كذلك يمكن لأيّ مؤمنة أن تستجلب التسديد والمدد الغيبيّ إلى حياتها وربّما تكاملت وارتقت بحيث تحدّثها الملائكة، فكلّ ما مرّ مرهونٌ بالأفعال والسلوك الذي يصدر عن الإنسان. وبعبارة أخرى، إنّ السير على خطى سيدة نساء العالمين عليها السلام والتأسّي بها لهو الطريق الصحيح والسليم لاستجلاب المدد الغيبيّ والانفتاح على ذلك العالم، ويؤكّد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذه الحقيقة فيقول: "لولا تزييد فى حديثكم وتمزيج‏ فى قلوبكم لرأيتم‏ ما أرى‏ ولسمعتم ما أسمع"‏2.‏

في معنى اسم الزهراء3
وهو آخر اسم من الاسماء التسعة التي ورد ذكرها في الحديث المتقدّم، وهو من أشهر أسمائها عليها السلامبعد اسم "فاطمة"، وقد وردت العديد من الأخبار التي تبيّن سبب تسميتها بهذا الاسم الشريف وهي أخبار تحدّثنا عن شيء من المقام المعنويّ للسيدة
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص 241.
2- صدر الدين الشيرازي، محمد بن إبراهيم، ‏شرح أصول الكافي، تحقيق وتصحيح محمد الخواجوي، نشر مؤسّسة الأبحاث الثقافية، إيران - طهران، 1425ه‏، ط1، ج‏1، ص 331.
3- السيد محمد كاظم القزويني، فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد، مصدر سابق، اسم الزهراء. الشيخ محمد فاضل المسعودي، الأسرار الفاطمية، اسم الزهراء.
 
 
 
41

30

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 الزهراء عليها السلام وولايتها في الكون بإذن الله عزّ وجلّ وموقعها في الوجود، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حديث طويل عن ابتداء خلق السماوات والأرض وخلق أنوار المعصومين، قال: "... ثم أظلمت المشارق والمغارب، فشكت الملائكة إلى الله تعالى أن يكشف عنهم تلك الظلمة، فتكّلم الله جلّ جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثمّ تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش، فزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء، ولذلك سمّيت "الزهراء" لأنّ نورها زهرت به السماوات"1.

وفي حديث آخر أنّها سمّيت بالزهراء، لأنّها متى قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماوات، حيث سئل الإمام الصادق عليه السلام: لماذا سمّيت بالزهراء، فقال: "لأنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض"2. كذلك في حديث آخر أنّها سمّيت بالزهراء لأنّها كانت تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام، فلمّا سئل الامام العسكريّ عن سبب تسميتها عليها السلام بالزهراء قال: "كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين من أوّل النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيّ"3.

وعلى أيّ حال، فكلّ ما مرّ ينطبق على السيدة فاطمة عليها السلام، وليس ثمّة تعارض بالأخذ بكلّ المعاني دفعة واحدة، إذا إنّ الأحاديث تبيّن لنا جوانب مختلفة من معاني اسم الزهراء، فتارة تبيّن معنى الزهراء في عالم الغيب وقبل الخلق وطورًا تبيّن معنى الزهراء في عالم الدنيا خلال حياة السيدة فاطمة عليها السلام. ولعلّ هذه الأحاديث تبيّن لنا أنّ الزهراء عليها السلام المزهرة، تزهر بوجودها المقدّس أينما حلّت وأينما كانت، في عالم الدنيا وعوالم الغيب. فاسمها هذا يعبّر عن الحقيقة التي بفضلها أضاءت وأزهرت السماوات
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج40 ، ص 44.
2- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، معاني الأخبار، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين بقم، إيران - قم، 1403ه‏، ط1، ص 64.
3- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج3، ص 330.
 
 
 
42

31

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 والأرضون ولا تزال. ولعلّ ما تقدّم من كلام حول اسمها الشريف هذا يكون خير محفّز لنا للتعلّق باسم الزهراء عليها السلام وإزهار سماء وجودنا بحقيقة هذا الاسم المقدّس، فنطلب إلى الله عزّ وجلّ أن يكشف عنّا ظلمات حياتنا ويجعلها مزهرة بفضل الزهراء كما طلبت الملائكة منه جلّ وعلا، فنستفيد بشكل شخصيّ من حقيقة الزهراء عليها السلام كما تستفيد كلّ عوالم الوجود منها، وباب ذلك واضح.. إنّه تتبّع آثارها والسير وفق مسارها.


وكم هو مبهج أن تكون الزهراء عليها السلام بهذا الاسم خصوصًا قدوةً لنا، فنكون مثلها "زهرائيّات"، فنمسي مصدرًا للإزهار ونشر الجمال وكلّ حسن ونور أينما حللنا، وخصوصيّات وجود المرأة من رقّة وعطف تساعدها أكثر من غيرها لتكون "زهراء"، انطلاقًا من عائلتها الصغيرة وصولًا إلى المجتمع الكبير، فنكون بحقّ مقتديات بالزهراء عليها السلام.
 
 
 
 
 
43

32

الدرس الثالث: أسماء السيدة فاطمة عليها السلام ومعانيها

 المفاهيم الرئيسة


• لِفَاطِمَةَ عليها السلام تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ اللَّهِ‏ عزّ وجلّ، هي: فَاطِمَةُ وَالصِّدِّيقَةُ والْمُبَارَكَةُ وَالطَّاهِرَةُ وَالزَّكِيَّةُ وَالرَّاضِيةُ وَالْمَرْضِيَّةُ وَالْمُحَدَّثَةُ وَالزَّهْرَاءُ. وهي أسماء تبيّن لنا حقائق خاصّة بفاطمة عليها السلام ومقاماتها عند الله عزّ وجلّ.

• "فاطمة" أوّل اسم سمّيت به عليها السلامعندما ولدت، وهو اسم له وقع عظيم في نفوس أئمّتناعليهم السلام. وقد ورد في الأحاديث عدّة أسباب لتسميتها بفاطمة، منها أنها سمّيت بفاطمة لأنّها فطمت عن الشرّ وهو يمثّل كلّ مبعد عن الله عزّ وجلّ، من قولٍ أو فعلٍ حتّى تفكير ونيّة.

• ومن جهةٍ أخرى، تتحدّث الروايات عن أنّ السيدة الزهراء عليها السلام إنّما سمّيت فاطمة لأنّ فطامها كان العلم عن الجهل، وقد كان لها ميزة وخاصيّة أنّها لا تطمث، أي لا تحيض كما حال النساء، بل إنّها لم ترَ أيّ حمرة في حياتها.

• سمّيت السيدة فاطمة بالصدّيقة، وقد ورد تعليل ذلك بأنّها كانت مُصدّقة بكلّ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عزّ وجلّ، وقد صدق قولها فعلها على الدوام.

• "الطاهرة" من الأسماء الشريفة للسيدة فاطمة عليها السلام وهو من الأوصاف الذاتيّة لها عليها السلام كما لا يخفى. وللطهارة مراتب تتعدّى الظاهر، كانت كلّها متحقّقة بالسيدة فاطمة عليها السلام، من طهارة ظاهرة حيث لم تكن تطمث، إلى طهارة الجوارح عن كلّ ذنب وطهارة النفس إلّا عن الاخلاق الحميدة عليهم السلام.

• يُعتبر اسم المحدَّثة من أهمّ الاسماء التي أطلقت على السيدة فاطمة عليها السلام وأعظمها وأجلّها، ذلك لأنّه يعبّر عن كرامةٍ مخصوصة بها سجّلها لها التاريخ. وسبب تسميتها بذلك هو مراودة الملائكة لها عليها السلام وتحديثها لها باستمرار في حياتها.

• يعتبر اسم "الزهراء" من أشهر أسماء السيدة فاطمة عليها السلام، وقد ورد في الأخبار أنّ سبب هذه التسمية هو إزهار السماوات بنور وجودها في بداية خلقها عليها السلام، ومن علل ذلك أيضًا أنّها متى قامت في محرابها أزهر نورها لأهل السماوات.
 
 
 
44

33

الدرس الرابع: المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام

 الدرس الرابع

المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف أنّ للسيدة فاطمة عليها السلام أبعادًا معنويّة باطنيّة أعظم من أبعادها الظاهريّة.
2- يتعرّف إلى أنّ المقام المعنويّ للسيدة فاطمة عليها السلام لا يُدرك.
3- يتعرّف إلى موقعيّة السيدة فاطمة عليها السلام عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام.
 
 
 
 
 
45

34

الدرس الرابع: المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام

 تمهيد

بعد أنْ عرّفنا أهمّية القدوة وموقعيّتها في حياتنا، وأنّ السيدة الزهراء عليها السلام هي قدوة حقيقيّة لکلّ الناس عمومًا وللمرأة خصوصاً، لا بدّ لنا الآن من الغوص في مَعين سيرتها العطرة لننهل منها المنهج القويم لتكاملنا والطريق العمليّ لتطبيق تعاليم الدين الحنيف. إلّا أنّه وقبل الخوض في تفاصيل سلوكيّاتها، ينبغي أن نتوقّف قليلًا للتعرّف إلى قدوتنا على نحو أعمق، لنعي عظم النعمة التي أرسلت إلينا ونكون على قدر المسؤوليّة، ونعرف من هي الشخصيّة التي نتعامل معها، فما يسعنا إلّا أن نقول بداية يا مريد الاقتداء والتأسي ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى1 وادي فاطمة حيث الحقّ الصرف، ولا شيء سواه.

أبعاد فاطمة عليها السلام المعنوية
إنّه لمن الجهل وقصر النظر والإجحاف في حقّ السيدة فاطمة عليها السلام وفي حقّ أنفسنا أيضًا أن نظنّ أنّ بعدها البشريّ يمثّل كامل حقيقتها عليها السلام، وأن نختزل السيدة فاطمة عليها السلام بما ظهر منها عليها السلام من سلوكيّات وأفعال في مرحلة معيّنة من التاريخ، الذي كان رهن الزمان والمكان اللذين عاشت فيهما، فما صدر عنها عليها السلام مرتبط ببيئتها ومجتمعها وأهليّة الناس في ذلك الوقت، وعدم ظهور أبعادها الأخرى ليس معناه عدم وجودها، فحقيقة الأمر أنّ الناس في ذلك الوقت لم يكونوا مهيئين لتقبّل المعرفة بحقيقة مقامها المعنويّ الذي لا يقلّ شأنًا عن مقام الأئمة عليهم السلام، كما كان الناس غير
 
 

1- سورة طه، الآية 12.
 
 
 
47

35

الدرس الرابع: المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام

 مؤهّلين للتعرّف إلى الأئمة عليهم السلام بكلّ أبعادهم.


ومع أنّ السيدة فاطمة عليها السلام مارست أدوارًا أُسريّة واجتماعيّة وجهاديّة وسياسيّة وكانت كلّ تلك الأبعاد حاضرة في حياتها، وقد تجلّت عظمتها الظاهرية من خلال تلك الأدوار، فهي التي جسّدت إرادة الحقّ في الدنيا بكلّ أفعالها بدءًا من حياتها الأسريّة وصولًا إلى حياتها الجهاديّة، حيث كانت صوت الحقّ الذي لا يساوم، وسطّرت مبادئ نصرة الحقّ والمطالبة به على جبين التاريخ، مع ذلك كلّه إلّا أنّ مقامها المعنويّ أعظم وأجلّ من كلّ ما ظهر منها، يقول الإمام الخامنئي دام ظله في هذا المجال: "أمّا المقام المعنويّ لهذه السيّدة العظيمة، بالنسبة لمقامها الجهاديّ والثوريّ والاجتماعيّ، فهو أعلى بدرجات. ففاطمة الزّهراء عليها السلام هي في الظاهر بصورة بشر، وامرأة، وامرأة شابّة أيضًا، ولكنّها في المعنى هي حقيقةٌ عظيمة، ونورٌ إلهيٌّ ساطع، وعبدٌ صالح، وإنسانٌ مميّز ومصطفى. هي شخصٌ قال فيه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام: "يا عليّ أنت إمام أمّتي وخليفتي عليها بعدي، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنّة، وكأنّي أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيبٍ من نور عن يمينها سبعون ألف ملَك، وعن يسارها سبعون ألف ملَك، وبين يديها سبعون ألف ملَك، وخلفها سبعون ألف ملَك تقود مؤمنات أمّتي إلى الجنّة"، أي إنّه يوم القيامة يقود أمير المؤمنين عليه السلام الرجال المؤمنين، وتقود فاطمة الزّهراء عليها السلام النساء المؤمنات إلى الجنّة الإلهيّة، فهي عِدْل أمير المؤمنين عليه السلام. هي الّتي إذا وقفت في محراب العبادة فإنّ آلاف الملائكة المقرّبين لله يُخاطبونها ويُسلّمون عليها ويُهنّئونها ويقولون لها ما كانوا يقولون في السّابق لمريم الطّاهرة1 عليها السلام: "يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين"2، هذا هو المقام المعنويّ لفاطمة الزّهراء عليها السلام"3. فالزهراء عليها السلام
 

1- سورة آل عمران، الآية 42.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص 24.
3- الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، إعداد لجنة التأليف في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلاميّة الثقافية، لبنان - بيروت، 2015م، ط2، ص 144.
 
 
 
48

36

الدرس الرابع: المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام

 عِدل أمير المؤمنين عليه السلام، هي الإنسان الكامل، الجامع لأرفع المقامات المعنويّة التي ظهر منها القليل القليل وما خفي أعظم، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في كلمة له بمناسبة يوم المرأة: "غدًا مولد الكائن الذي اجتمعت فيه المعنويّات، والمظاهر الملكوتيّة، والإلهيّة، والجبروتيّة، والملكيّة والإنسيّة. غدًا ميلاد الإنسان بجميع ما للإنسانية من معنى"1. فمقاماتها المعنويّة ثابتة وإن لم تظهر لنا بسبب عدم أهليّتنا، فلا يمكننا أن نرى السيدة فاطمة عليها السلام ونتعرّف إليها بعيدًا عن هذا الجانب مقتصرين على ظاهر أفعالها فقط، فإنَّ تلك النظرة المُجتزَأة تحجبنا عن معرفتها الحقيقيّة فنضل طريقنا بعد أن كان هدفنا هو الاهتداء بها.


مقام فاطمة عليها السلام لا يُدرك2
فذلك المقام الأسمى والذي عبّر عنه الإمام بالعبودية المطلقة لا يمكن أن يصل إليه أحد حتّى إنّه لا يمكن أن يدرك، وهو مقام خاصّ بالنبيّ وأهل بيته عليهم السلام. أمّا فيما خصّ السيدة الزهراء عليها السلام، فإنّ الإمام قدس سره يعترف بالعجز حتّى عن الكلام عنها فعندما طلبت منه زوجة ابنه أن يتحدّث عنها عليها السلام، كتب: "إنّك تطلبين منّي أن أتحدّث وأكتب عن هذه السيدة العظيمة، فكيف لي ولقلمي ولغة البشر الحديثُ عن سيدة كانت تستنزل جبرائيل، كمثل أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، بقدرة ما فوق الملكوت، من غيب عالم الملكوت إلى عالم الملك؟ وتجعل ما في الغيب ظاهراً في الشهادة! فدعيني إذاً أجتاز هذا
 
 

1- الإمام الخمينيّ، مكانة المرأة في فكر الإمام الخمينيّ، مصدر سابق، ص 13.
2- الامام الخمينيّ، الآداب المعنوية للصلاة، مصدر سابق، فصل عز الربوبية وذل العبودية.
 
 
 
49

37

الدرس الرابع: المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام

 الوادي المريع، وأقول إنّ فاطمة عليها السلام، التي هي هكذا في المراحل الإلهيّة الغيبيّة، قد ظهرت في عالم الشهادة وتجسّدت كما أبوها وبعلها في صورة بشر ظاهر، لتؤدّي دورها ورسالتها في شؤون عالم الملك من تعليم وتعلّم كافة، ونشر للثقافة الإسلامية، ومعارضة للطواغيت، وجد من أجل قيام حكومة العدل، وإحقاق حقوق البشرية، ودحض الدعاوى الشيطانية وتفنيدها"1.إذًا فالسيدة فاطمة عليها السلام قد تجلّت وظهرت في الدنيا للقيام بدور يعجز عنه غيرها، كما هي حال المعصومين جميعًا، وليس ذلك الدور الذي أدّته في حياتها هو كلّ حقيقة السيدة الزهراء عليها السلام.


ويقول الإمام قدس سره أيضاً في علوّ مقام السيدة الزهراء ورفعته: "وماذا يستطيع المرء أن يقول أو يدرك حول شخصيّة تتمتع بآلاف الأبعاد الإلهيّة يعجز عن تبيان كلّ منها القلم واللسان. إنّه ليس بوسع أحد أن يعرف شخصيّة الزهراء المرضيّة والصدّيقة الطاهرة عليها السلام سوى الذين ارتقوا مدارج الأبعاد الإلهيّة حتّى ذروتها، وهو ما لم يبلغه سوى أولي العزم من الأنبياء والخلّص من الأولياء كالمعصومين عليهم السلام... ويخطئ من يدّعي معرفة مقامها المقدس من العرفاء أو الفلاسفة أو العلماء. وكيف يمكن إماطة اللثام عن منزلتها الرفيعة وقد كان رسول الإسلام يتعامل معها في حال حياته معاملة الكامل المطلق!"2.

فالإمام قدس سره يبيّن كيفيّة كون مقامها الشامخ وعظمتها ليسا من الأمور التي يمكن إدراكها من قبل البشر، بل هي أمور خاصّة بها وبالكمّل من خلق الله عزّ وجلّ، أمّا أفعالهم في الدنيا فهي وإن كانت في أوج العظمة والجلال والكمال لكنّها لا تعبّر عن كامل حقيقتهم ومقامهم المعنويّ.

لكن ينبغي أن نشير إلى مسألة مهمّة في المقام، وهي أنّ العجز عن معرفة حقيقة المقام المعنويّ للسيدة الزهراء عليها السلام لا يعني أنّه لا يمكن للبشر الوصول إلى بعض درجات المقامات المعنويّة الرفيعة الخاصّة بالمعصومين عليهم السلام بل إنّه يمكن الوصول
 

1- رسالة الامام الخمينيّ إلى فاطمة الطباطبائي.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
50

38

الدرس الرابع: المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام

 إلى مراتبهم ودرجاتهم السامية فيما لو اتبعناهم بإحسان وكانوا هم من أخذ بأيدينا نحوهم، يقول الإمام قدس سره في معرض حديثه عن مقام الإخلاص لله عزّ وجلّ: "التخلّص بهذه المرتبة الكاملة، وان كان لا يتحقّق لغير الكُمّل من الأولياء والأصفياء... ولكن لا يجوز للمؤمنين والمخلصين أيضا أن يغضّوا النظر عن جميع مراتبه ويقنعوا بالإخلاص الصوريّ العمليّ والخلوص الظاهريّ الفقهيّ"1. إذًا، فجميع البشر قادرون بل هم مدعون للتكامل المعنويّ، إلّا أنّ المقامات المعنويّة للنبيّ وأهل بيته عليهم السلام هي من مختصّاتهم وتابعة لحقيقتهم، وتحقّق بعض مراتبها متوقّف على إذنهم وشفاعتهم وتبعيّتهم.


خصوصيّة السيدة فاطمة عليها السلام عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام
إنّنا عندما نطّلع على سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام نرى بشكل واضح مدى التقديس والتبجيل الخاصّ للسيدة فاطمة عليها السلام عندهم، فنلاحظ نوعًا من المعاملة الخاصّة معها حتّى قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها: "فداها أبوها"2، ويروى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا دخلت عليه فاطمة قام إليها وقبّل يديها وأجلسها في مجلسه3، وغيرها من الأحاديث التي يظهر منها عظم منزلة السيدة الزهراء عليها السلام ومكانتنها الخاصّة عند النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت بضعته وروحه التي بين جنبيه "وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَهِيَ نُورُ عَيْنِي وَهِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي وَهِيَ رُوحِيَ‏ الَّتِي‏ بَيْنَ‏ جَنْبَي"4.. هذا إضافة إلى مدى التعظيم الذي نشهده في طريقة تعامل الأئمة جميعهم عليهم السلامفيما يخصّ السيدة فاطمة عليها السلام....

ومن المؤكّد أنّ ذلك ليس نابعًا من رابطة القرابة والرابطة العاطفيّة مع السيدة فاطمة، فهي عليها السلام لم تكن روح الرسول وثمرة فؤاده لأنها ابنته، ولا حجّة على الأئمة عليهم السلام لأنّها أمّهم، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام لا يتعاملون مع الأمور بدوافع شخصيّة غير إلهيّة،
 

1- الامام الخمينيّ، الآداب المعنوية للصلاة، مصدر سابق، فصل في بعض آداب الاستعاذة.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 43، ص 20.
3- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص400، الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، ج5، ص317.
4- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 113.
 
 
 
51

39

الدرس الرابع: المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام

 وإن كانت مشاعر إنسانيّة نبيلة، فلا يصدر أيّ فعل عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة عليهم السلام لأسباب وميول شخصيّة، وهم في الحقيقة لا يعبّرون إلّا عن إرادة الله ومشيئته، فحبّهم في الله وبغضهم في الله، وحربهم لله وسلمهم لله، يقول الإمام الخامنئي دام ظله في هذا الإطار: "إنّ تقبيل يد فاطمة الزّهراء عليها السلام، من قبل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا ينبغي أن يُؤخذ أبدًا على معنىً عاطفيّ. فإنّ هذا أمرٌ خاطئٌ جدًّا وحقيرٌ جدًّا فيما لو تصوّرنا أنّه يُقبّل يدها لأنّها ابنته ولأنّه يُحبّها وحسب.


فهل يُمكن لشخصيةٍ بمثل هذه العظمة، وبمثل تلك العدالة والحكمة، الّتي كانت في النبيّ، يعتمد على الوحي والإلهام الإلهيّ أن ينحني احتراماً لابنته؟ كلّا، إنّ هذا أمرٌ آخر وله معنىً آخر. إنّه يؤكّد أنّ هذه الفتاة وهذه المرأة عندما ترحل من هذه الدنيا في عمر 18 أو 25 - قيل 18 وقيل 25 - تكون في أوج الملكوت الإنسانيّ وشخصًا استثنائيًّا"1.  لذا فإنّ هذا السلوك الخاصّ من قبل المعصومين أنفسهم مع السيدة الزهراء الذي لا نراه إلّا معها، يبيّن أن لتلك السيدة مكانة خاصّة عند الأئمة عليهم السلام تبعًا لمقامها عند الله، وقد تجلّت هذه الخصوصيّة في حياتها القصيرة وفي مواقفها وسلوكيّاتها أيضاً، وهو أمرٌ موكول بيانه إلى الدروس اللاحقة، حيث سيتبين معنا عمليًّا كيف كانت عليها السلامهي المحور الذي دار حوله المعصومون عليهم السلام وكيف كان دورها في الدنيا هو اللَّبِنة الأساسيّة التي انطلق منها كفاح المعصومين جميعًا.

موقفنا تجاه السيدة الزهراء عليها السلام
إنّ السير على خطى السيدة الزهراء عليها السلام في الحياة لازم لكلّ من أراد النجاة وطلب الكمال، فالمسار الذي رسمته لنا عليها السلام والذي جسّدت فيه إرادة الله في كلّ شيء والذي يعبّر عن الإسلام الحقيقيّ ببعده العمليّ خصوصًا بالنسبة للمرأة، هو في الحقيقة بوابة عبورنا نحو الملكوت، وطريق تكاملنا للوصول إلى الله عزّ وجلّ. إنّ تلك السيرة الظاهريّة لسيدة نساء العالمين هي طريقنا السليم نحو عالم الباطن والكمال المعنويّ،
 

1- الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص143.
 
 
 
52

40

الدرس الرابع: المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام

 وانتهاج نهجها في الحياة والاقتداء بها هو السبيل إلى باب الهداية والنجاة الذي لا يضلّ من اتبعه، إلّا أنّ ذلك يتطلّب الكثير من الجِدّ والجهد والعمل، في هذا المجال يبيّن الإمام الخامنئي دام ظله في معرض كلامه عنها عليها السلام لوازم اتّباعها عليها السلام، فيقول: "... يجب علينا أن نُقرّب أنفسنا إلى مركز النّور هذا، وإنّ لازم هذا التقرّب وخاصيّته هو التنوّر. يجب علينا أن نُصبح نورانيّين من خلال العمل، لا بواسطة المحبّة الفارغة، العمل الّذي تُمليه علينا هذه المحبّة وتلك الولاية وذاك الإيمان ويُطلَب منّا، بهذا العمل يجب أن نُصبح من هذه العترة والمتعلّقين بها. ليس من السهل أبدًا أن يصير المرء قنبرًا في بيت عليّ عليه السلام، ليس من السهل أن يصبح الإنسان سلمان: "سلمان منّا أهل البيت"1. نحن مجتمع الموالين وشيعة أهل البيت عليهم السلام نتوقّع من هؤلاء العظماء أن يعتبرونا منهم ومن حاشيتهم. "فلانٌ من ساكني تربة عتباتنا"، قلوبنا تريد أن يحكم علينا أهل البيت بهذه الطّريقة وهذا الأمر ليس سهلًا ولا يحصل بمجرّد الادّعاء. إنّ هذا يستلزم العمل والإيثار والتشبّه والتخلّق بأخلاقهم"2.


ولكي يكون عملنا صحيحًا ونورانيًّا علينا أن نكوّن صورة متكاملة عن أئمتنا عليهم السلام ولا سيّما حياة السيدة الزهراء عليها السلام مورد بحثنا، وأن نتعرّض لجميع أبعادها عليها السلام ولو بشكل مجمل، فلا نتمسّك بفعل صدر عنها ونهمل غيره، بل يجب أن يكون نمط حياتنا نمطًا فاطميًّا، وعلينا أن نحمل في أنفسنا روحية التعظيم لشأنها فهي ما دون الخالق وما فوق المخلوق، هي سيدة نساء العالمين وهي حجّة الله على الحجج الطاهرين..علّ تلك الروحيّة تكون شفيعة لنا لنكون من متبعيها الحقيقيين، فيجدر بنا أن تكون فاطمة قبلة حياتنا علها تصبح قبلة أرواحنا فتأخذ بأيدينا إلى عليائها، نحو الله.
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج10، ص 123.
2- الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص138.
 
 
 
53

41

الدرس الرابع: المقام المعنوي للسيدة فاطمة عليها السلام

 المفاهيم الرئيسة


• مارست السيدة فاطمة عليها السلام أدوارًا أُسريّة واجتماعيّة وجهاديّة وسياسيّة وكانت كلّ تلك الأبعاد حاضرة في حياتها، وقد تجلّت عظمتها الظاهريّة من خلال تلك الأدوار، ومع ذلك كلّه فإنّ مقامها المعنويّ أعظم وأجلّ من كلّ ما ظهر منها. وإنّه لمن الجهل وقصر النظر والإجحاف أن نختزل السيدة فاطمة عليها السلام بما ظهر منها من سلوكيّات وأفعال في مرحلة معيّنة من التاريخ، والذي كان رهن أهليّة الناس، والزمان والمكان اللذين وُجِدت فيهما.

• إنّ المقام المعنويّ الأسمى الذي عبّر عنه الإمام الخمينيّ بالعبوديّة المطلقة وهو مقام خاصّ بالنبيّ وأهل بيته عليهم السلاملا يمكن أن يصل إليه أحد بل لا يمكن أن يُدرَك.

• تجلّت السيدة فاطمة عليها السلام وظهرت في الدنيا بصورتها البشريّة للقيام بدور يعجز عنه غيرها، في شؤون عالم الملك كافة من تعليم وتعلُّم، ونشر للثقافة الإسلاميّة، ومعارضة للطواغيت، كما هي حال المعصومين جميعًا، وليس ذلك الدور الذي أدّته في حياتها هو كلّ حقيقة السيدة الزهراء عليها السلام.

• تبيّن لنا سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلاممدى التقديس والتبجيل الخاصّ للسيدة فاطمة عليها السلام عندهم، فنلاحظ نوعًا من المعاملة الخاصّة وليس ذلك إلّا دليلًا على عظم شأنها عند الله عزّ وجلّ.

• إنّ السير على خُطى السيدة الزهراء عليها السلام في الحياة لازم لكلّ من أراد النجاة وطلب الكمال، فالاقتداء بها هو في الحقيقة بوابة عبورنا نحو الملكوت، وطريق تكاملنا للوصول إلى الله عزّ وجلّ، إلا أن ذلك يتطلّب الكثير من الجد والجهد والعمل، فيصبح نمط حياتنا نمطًا فاطميًّا، وعلينا أن نحمل في أنفسنا روحيّة التعظيم لشأنِها فهي ما دون الخالق وما فوق المخلوق.
 
 
 
 
 
54

42

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 الدرس الخامس

السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتبيّن مكانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند السيدة فاطمة عليها السلام.
2- يتعرّف إلى أسباب كون الزهراء عليها السلام أمّ أبيها.
3- يستلهم الدروس التربويّة فيما يخصّ سلوكيّات التعاطي مع الأب وداخل العائلة.
 
 
 
 
55

43

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 تمهيد

خطّت السيدة فاطمة عليها السلام حياةً مليئة بالعظمة والجلال مع قصر مدّتها، فلا تكاد تطّلع على موقف قامت به الزهراء عليها السلام دون أن تُدهشك عظمة نفسها ورفعة أخلاقها، فهي وإن عاشت حياة تشبه حياة الجميع من حيث أبعادها، فقد كانت بنتًا وزوجةً وأمًّا ومبلّغة وكانت فقيرة وكانت تقوم بالأعمال المنزليّة... إلّا أنّها عليها السلام انفردت وتميّزت بتحويل تلك الحياة إلى مظهر لعظمة لا مثيل لها مبيّنة كيف يمكن لأيّ إنسان أن يتحوّل إلى عظيم في أبسط تفاصيل حياته وفي أخطرها، فهي التي لم تقبل أن تقدّم ثوبها القديم لسائلة جاءتها، بل آثرتها على نفسها وأعطتها ثوب عرسها الجديد الذي كان هديّة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم1 وهو موقف تفصيليّ، وهي التي انبرت بكلّ شجاعة للدفاع عن الإمامة وتصليح اعوجاج الأمّة، وهو موقف بحجم أمّة. هذا في عموم حياتها وسلوكياتها، أمّا فيما يخصّ سيرتها مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فتلك حكاية أخرى.

لم تشهد البشريّة على مستوى العلاقات العائليّة بين الناس، علاقة أسمى وأجلّ وأرفع من علاقة الزهراء عليها السلام بأبيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان حضور كلٍّ من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة فاطمة عليها السلام في حياتهما بارزًا جدًّا، فالنبيّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن مجرّد أب بالنسبة للزهراء عليها السلام، فهو إضافةً إلى أبوّته، هو الوليّ مفروض الطاعة والنبيّ المخبر عن الله عزّ وجلّ وهو المعلّم الحقيقي لها عليها السلام ومربّيها، لذا فالعلاقة التي جمعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة فاطمة عليها السلام لم تكن مقتصرة على الجَنبة (الناحية) العائليّة والعلاقة الوديّة
 

1- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 230.
 
 
 
57

44

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 بين الأب وابنته فقط، بل حوت العديد من الأبعاد وكلّها تحت رداء الأبوّة، فكلّ الأدوار التي كانت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حياة الزهراء عليها السلام كانت بلحاظ كونه أباها، فلا تعارض ولا تزاحم بين الأمرين. وفي هذا الدرس سنتعرّض لعلاقة الزهراء عليها السلام بأبيها بلحاظ كونه أباها، وستتولّى الدروس اللاحقة تبيان بعض الأبعاد الأخرى، ولأنّه على مستوى العلاقات العائليّة في حياة السيدة فاطمة عليها السلام كان الحضور الأكبر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنّنا سنركّز في تفاصيل علاقتها وسلوكيّاتها خصوصاً معه صلى الله عليه وآله وسلم إضافةً إلى بعض الإضاءات على سلوكيّاتها مع زوجاته.


أعظم البرّ، تعظيم ممزوج بالحبّ
إنّنا إذا اطّلعنا على سيرة السيدة الزهراء عليها السلام مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونمط سلوكيّاتها يبرز لنا بوضوح لنا حجم التعظيم الذي كانت تبديه له صلى الله عليه وآله وسلم، فيلاحظ أنّها كانت شديدة البرّ له صلى الله عليه وآله وسلم، فالمكانة الأولى هي دومًا للرسول في شتّى الأمور حتّى إنها كانت تُؤثِر تقديم الطعام له على ولديها1، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأولويّة الأولى للزهراء عليها السلام وقد بلغ برّها به وتعظيمها له درجة المهابة حتّى إنّها توقّفت ذات مرّة عن مناداته بـ "أبي" لما نزلت الآية: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا2, لكنّ الرسول عاد وطلب منها أن تناديه بأبي لا يا رسول الله وقال لها: "يا فاطمة، إنّها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك، أنت منّي وأنا منك، إنّما انزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر، قولي‏: يا أبة، فإنّها أحيا للقلب، وأرضى للربّ"3.

لكنّ تعظيم السيدة فاطمة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليس كأيّ تعظيم، فقد كان تعظيمًا ممزوجًا بالحبّ والعاطفة الصافية، وهذا يجسّد أرقى العلاقات البشريّة وأرفعها، وهو أروع البرّ، 
 

1- الراوندي، الخرائج والجرائح، مصدر سابق، ج‏2، ص 529.
2- سورة النور، الآية 63.
3- الحسينى الموسوي، محمد بن أبي طالب‏، تسلية المُجالس وزينة المَجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، تحقيق وتصحيح كريم فارس الحسون، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة،‏ قم - إيران، 1418ه‏، ط1،ج‏1، ص 521.
 
 
 
58

45

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 فهي لم تكن تتعامل معه تعامل المعظِّم للعظيم بعيدًا عن المشاعر، بل كان الحبّ هو الحاكم الثاني على تلك العلاقة، حيث نجد تعلّقًا فريدًا من الزهراء بأبيها، واهتمامًا لا مثيل له، وهي المكنّاة بأمّ أبيها1، لذا كانت تسعى في حاجاته على الدوام، فمتى احتاج الرسول إلى أيِّ شيء من طعام ومداواة جروح وإزالة همّ نجد الزهراء حاضرة بين يديه تلبيه دون أن يطلب.


محمد صلى الله عليه وآله وسلم ملجأ فاطمة عليها السلام
كانت السيدة فاطمة عليها السلام صغيرة السنّ لم تتجاوز الخامسة أو السادسة من عمرها عندما تُوفّيت السيدة خديجة عليها السلام، فأخذت تلوذ بأبيها وتدور حوله وتسأله عن أمّها وتقول: "أبتاه أين أمّي"، فكان الرسول يحزن رحمةً لها ويشفق عليها ، فيأتي جبرائيل ليقرئها السلام من الله عزّ وجلّ ويخبرها بمكان أمّها في الجنّة2. ومن ثمَّ، أمسى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الملجأ الآمن والركن الحنون الذي تتوجّه إليه فاطمة عليها السلام على الدوام، ولم يتغيّر ذلك السلوك حتّى عندما كبرت بل عندما تزوّجت، فبقي والدها هو من تذهب إليه لحاجاتها وتشتكي له، وهو يجيبها بكلّ حبّ وحنان، فنراها عندما كان يرهقها عمل المنزل وشؤونه تذهب إلى أبيها تطلب خادمة3، ولمّا كان يهمّها أمر ما تذهب فتشتكي أمورها لديه4، حتّى إنّها كانت تشتكي له مرضها وجوعها9 لعدم وجود طعام في منزلها5 وهي تمتنع عن مطالبة الإمام عليّ عليه السلام خوفًا من أن تكلّفه ما لا يطيق"6، فما أروع تلك العلاقة التي لم يغيّرها أيّ حال، بل كأنّ الزهراء عليها السلام بقيت
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 43، ص 19.
2- الراوندي، الخرائج والجرائح، مصدر سابق، ج‏2، ص 529.
3- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه‏، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين بقم‏، إيران - قم‏، 1413ه‏، ط2، ج 1، ص 320.
4- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 667.
5- المصدر نفسه، ج‏5، ص 529.
6- الطبري الآملي الصغير، محمد بن جرير بن رستم‏، دلائل الإمامة، تحقيق وتصحيح قسم الدراسات الإسلاميّة مؤسّسة البعثة، نشر مؤسّسة البعثة، إيران - قم‏، 1413ه‏، ط1، ص 69 – 70.
7- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 615 - 616.
 
 
 
59

46

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 ابنة أبيها العزيزة المدلّلة التي لا تفصح عن مكنوناتها لسواه قبل زواجها وبعده وبقي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الإنسان الأوّل المتربّع على عرش قلب فاطمة عليها السلام طوال حياتها.


السيدة فاطمة عليها السلام أمُّ أبيها
إنّ من تبعات التعظيم والحبّ اللذين جسّدا قواعد سلوك السيدة الزهراء عليها السلام تجاه أبيها صلى الله عليه وآله وسلم أن تسعى في حوائجه وأن تقوم بما يحقّق رضاه، وقد اهتمّت عليها السلامبالرسول صلى الله عليه وآله وسلم اهتمامًا لا مثيل له وأحاطته بمحبّة منقطعة النظير حتّى كنّيت بـ "أمّ أبيها"1. فعندما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مكّة قبل الهجرة وفي أوائل سني الدعوة العلنيّة، كانت معاداة قريش للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومواجهتها له تزداد حِدّة يومًا بعد يوم، فقد تجرّؤوا عليه صلى الله عليه وآله وسلم إلى حدٍّ كانوا يأمرون صبيانهم برميه بالحجارة2، وكانوا يضعون سلى البعير على ظهره وهو ساجد يصلّي3، وفاطمة في تلك الأحداث لم تتجاوز السادسة أو السابعة من عمرها فكانت تخرج إلى الكعبة حيث كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي وتزيل عنه صلى الله عليه وآله وسلم سلى البعير، وتنبري بكلّ شجاعة لتأنيب أرباب قريش وذمّهم، في وقت لم يجرؤْ أحد غيرها على ذلك، يقول الإمام الخامنئي دام ظله في هذا الإطار: "كانت فاطمة في تلك الظروف بمثابة الأم والمستشار والممرضة بالنسبة للرسول. ومن هنا أُطلق عليها (أُمّ أبيها) وهذه الصفة تتعلّق بتلك الفترة التي تكون فيها صبيّة عمرها ستّ سنوات أو سبع سنوات على هذا النحو... فتكون على هذه الدرجة من الشعور بالمسؤوليّة. ألا يمكن لمثل هذه الفتاة أن تكون قدوة للفتيات ليصبح لديهنّ شعور مبكّر بالمسؤوليّة إزاء القضايا المحيطة بهنّ، ويتفاعلن معها بنشاط، كان وجه فاطمة ينشرح بوجه أبيها وتنشط قواها وهي تزيل بمنديل العطف والحنان غبار الهمّ والحزن عن وجه أبيها
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 43، ص 19.
2- القميّ، علي بن إبراهيم، تفسير القميّ، تحقيق وتصحيح الموسوي الجزائري‏، دار الكتاب، إيران - قم، 1404ه‏، ط3، ج 1، ص 114.
3- الطبرسيّ، إعلام الورى، مصدر سابق‏، ص 47.
 
 
 
60

47

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 الذي كان قد تجاوز حينذاك الخمسين من عمره الشريف ودخل في سنّ الشيخوخة تقريباً، قبل أن تزيله بيدها"1.


وقد كانت حديثة العهد بوفاة أمّها، إلّا أنّها تحوّلت إلى أمّ لأبيها في وقت كانت تحتاج فيه إلى الأمّ، فقد كانت تتعامل معه وتحافظ عليه وتهتمّ به كاهتمام الأمّ بولدها الوحيد، يضيف سماحته فيقول: "ولم تُكَنَّ بـ "أمَ أبيها" اعتباطًا، فقد كانت الزّهراء إلى جانب أبيها، تزيل بيديها الصّغيرتين غبار الحزن والغمّ عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سواء في مكّة أو في شِعب أبي طالب مع كلّ شدائدهما، أو عندما بقي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحيدًا مكسور القلب بوقوع حادثتين في فترة قصيرة، هما وفاة خديجة عليها السلام ووفاة أبي طالب عليه السلام حيث أحسّ النبيّ بالغربة. هذا هو منشأ كنيتها بـ "أمّ أبيها"2.

فمع صغر سنّها وكثرة المصاعب والمحن التي مرّت بها وعايشتها منذ ولادتها من محاربة قريش للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحصارهم في شعب أبي طالب ووفاة أبي طالب حامي الرسول ووفاة أمّها بعيده، وصولاً إلى المحاولات المستمرّة لقتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما اضطرّهم للهجرة من مكّة في النهاية، والحروب المتتالية التي كانت تتولّى فيها مهمّة تمريض الرسول3 صلى الله عليه وآله وسلم، كلّ ذلك لم يضعف من عزيمة السيدة فاطمة عليها السلام، فما كان منها إزاء ذلك الواقع إلّا أنْ تحمّلت المسؤوليّة تجاه والدها وتجاه الرسالة كاملة وعوضت أبيها الجليل عن فقده أمّها خديجة عليها السلام فأمست أمًا لأبيها.

فاطمة عليها السلام سكنٌ لأبيها وموطن راحته
كثرت الأحاديث التي تروي أحداثًا حصلت في منزل الزهراء عليها السلام بحضور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهي تدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان دائم الحضور في حياة السيدة فاطمة عليها السلام وفي حياة أسرتها. فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتردّد كثيرًا على فاطمة وكثيرًا ما كان يأكل في بيتها، فيدخل عليها ويقول لها: "يَا بِنْتَاهْ كَيْفَ أَمْسَيْتِ رَحِمَكِ اللَّهُ عَشِّينَا غَفَرَ اللَّهُ لَكِ وَقَدْ
 

1- الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص142.
2- المصدر نفسه، ص 140.
3- الشيخ الطبرسيّ، إعلام الورى بأعلام الهدى، مصدر سابق، ص 193.
 
 
61

48

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 فَعَلَ"1. كما أنّ سرور الرسول بفاطمة لا يعادله سرور وفرح، فكان يأنس بوجودها كثيرًا فكانت آخر من يودّعه إذا أراد الخروج في سفر، وأول شخص يقبل عليه إذا عاد2، هذا إضافة إلى الروايات الكثيرة التي يبيّن فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حبّه للزهراء عليها السلام وأنّها أعزّ البرية عليه3، حتّى إنّه لشدّة ما يأنس بها كان يكثر تقبيلها4 إلى حدٍّ أنّه لم يكن ينام حتّى يقبّل عرض وجنتها كما في الحديث5.


وقد كانت تلك العلاقة واضحة لكلّ من يعرف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والزهراء عليها السلام من الأصحاب وزوجاته، حتّى إنّه ذات مرّة لمّا نزلت الآية ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ6 استعان الأصحاب بالزهراء عليها السلام لتسكين بكاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقد ظلّ يبكي بكاء شديدًا ولم يستطع أصحابه أن يكلّموه إلى أن أتوا بها عليها السلامفحدّثها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بما نزل7.

فاطمة عليها السلام تُؤثِر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
كان بيت السيدة فاطمة عليها السلام من أفقر منازل المسلمين، فلم تكن تملك وزوجها سوى جلد كبشٍ يفترشونه في الليل ويعلفون بعيرهم عليه في النهار8، وقد روي في العديد من الروايات أنّ منزلها عليها السلام لا طعام فيه وأنّها كانت تجوع إلى درجة تشتكي جوعها للرسول9 صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك فقد كانت تُؤثِر الرسول على نفسها وعيالها، ففي رواية أنّ جارتها أرسلت لها بعض الطعام ولم يكن عند الزهراء غيره، وكانت جائعة وولديها وكذا
 

1- الكوفي، فرات بن إبراهيم‏، تفسير فرات الكوفي‏، تحقيق وتصحيح محمد كاظم، طهران‏، مؤسّسة الطبع والنشر في وزارة الإرشاد الإسلاميّ‏، 1410ه‏، ط1، ص 85.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 235 - 236.
3- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الأمالي، تحقيق وتصحيح حسين أستاد ولي وعلي أكبر غفاري، نشر مؤتمر الشيخ المفيد، إيران - قم، 1413ه‏، ط1، ص 260.
4- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج1، ص 184.
5- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج3، ص 334.
6- سورة الحجر، الآيتان 43 - 44.
7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص87 - 89.
8- المصدر نفسه.
9- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏5، ص 528- 529.
 
 
 
62

49

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا أتتها جارتها بالطبق، أرسلت ولدها في إثر أبيها وقالت: "لَأُوثِرَنَّ بِهَذَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى نَفْسِي وَمَنْ‏ غَيْرِي"، فإذا بالبركة تحلّ على الطعام حتّى إنّهم أكلوا منه جميعهم بل أرسلت إلى زوجات التبيّ منه وأوسعت على جيرانها1. وكذا هو ديدن الزهراء عليها السلام ففي معركة الخندق، نراها تأتي أبيها بكسرة خبز من قرص خبزته ليسدّ جوعه بها فيقول لها: "أَمَا إِنَّهُ أَوَّلُ طَعَامٍ دَخَلَ فَمَ أَبِيكَ مُنْذُ ثَلَاثٍ"2.


فاطمة فخر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم
جاء في روايات أنّ الإمام عليّاً عليه السلام أصاب شيئًا من الغنيمة فأعطاه لفاطمة فعلّقت سترًا على بابها وأخذت سوارين من الفضّة ولبستهما، فلمّا أقبل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يرق له ما رأى فخرج من منزلها دون أن يتحدّث معها وليست تلك عادته ففهمت أنّ انزعاجه كان لمّا رأى، فما كان منها إلّا أن خلعت ما عليها وأرسلته إليه ليجعله في سبيل الله، فسُرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وقال: "فِدَاهَا أَبُوهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَيْسَتِ‏ الدُّنْيَا مِنْ‏ مُحَمَّدٍ وَلَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْخَيْرِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى مِنْهَا كَافِراً شَرْبَةَ مَاءٍ"3. فلم تكن سوى مصدر فخرٍ واعتزاز له صلى الله عليه وآله وسلم فحتّى إنّها أعرضت عن حلال الدنيا بغية رضاه وكسبًا لمودّته ولكونها عظيمة ابنة عظيم لا يليق بها سوى العظيم من الفعل الداعي للمفخرة.

فاطمة مع زوجات أبيها
لمّا هاجرت فاطمة عليها السلام إلى المدينة، أقامت في منزل أبيها مع زوجته أمّ سلمة، قبل أن تتزوّج بالإمام عليّ عليه السلام، وقد كلّف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم زوجته بالقيام بأمور الزهراء عليها السلام، إلّا أنّها عليها السلام كانت مؤدّبة تعرف بالأشياء فكانت أمّ سلمة تقول: "تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ، وَفَوَّضَ أَمْرَ ابْنَتِهِ إِلَيَّ، فَكُنْتُ أَدُلُّهَا وَأُؤَدِّبُهَا، وَكَانَتْ - وَاللَّهِ - آدَبَ مِنِّي، وَأَعْرَفَ‏ بِالْأَشْيَاءِ
 

1- الراوندي، الخرائج والجرائح، مصدر سابق، ج‏2، ص 528.
2- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، عيون أخبار الرضا عليه السلام، تحقيق وتصحيح مهدي ‏اللاجوردي، نشر جهان‏، إيران - طهران‏، 1420ه‏، ط1، ج 2، ص 40.
3- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 235. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 20، ص30 - 31.
 
 
63

50

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 كُلِّهَا"1، حتّى إنّها لمّا كانت تتأذّى من بعض أزواج أبيها بسبب افتخارهنّ على أمّها - السيدة خديجة - بأنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عرفها كبيرة في السنّ2، لم تكن تردّ بالمثل ولم تفتخر عليهنّ بشيء وهي صاحبة الفخر كلّه، ولم تكن تطلب إلى النبيّ أن يؤنّب أزواجه جراء ذلك. إنّ عظم أخلاق فاطمة وأدبها أدّى بها إلى أن تتعامل مع زوجات أبيها بالإحسان دومًا وإنّ بعضهنّ آذينها وجرّحن بها، حتّى إنّها كانت ترسل إليهنّ الطعام في العديد من المناسبات ومتى سنحت لها قدرتها المادّيّة، فنراها كلّما كان عندها طعام أخذت بتوزيعه عليهنّ3. هكذا كان سلوك الزهراء عليها السلام كانت المحسنة بل المبادرة بالإحسان داخل عائلتها، المفيضة بالعطف والحنان والسكن، الصابرة على أذيّة الأقارب في المسائل الشخصيّة، كانت العظيمة في أخلاقها العظيمة في سلوكها على كلّ حال.

 


1- الطبري، دلائل الإمامة، مصدر سابق، ص82.

2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 43، ص 43.

 

3- الراوندي، الخرائج والجرائح، مصدر سابق، ج‏2، ص 529.

 

 

 

64


51

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 دروس تربويّة لحياة فاطميّة

لِأنهج نهج سيدتي فاطمة عليها السلام في الحياة، يبنغي لي أن:
- يكون سلوكي تجاه والديّ سلوك المعظّم المحبّ.
- أحافظ على مكانة والديّ وعلاقتي المعنويّة بهما على كلّ حال (قبل الزواج، بعد الزواج..).
- أكون أمًّا عطوفًا على والديّ وأن أسعى في حوائجهما على الدوام.
- أكون مكان سكن وأنس لأهلي.
- أؤثر أهلي وحاجاتهم على نفسي، وأكون مدعاةً لفخرهم بي.
 
 
 
 
 
65

52

الدرس الخامس: السيدة فاطمة مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم

 المفاهيم الرئيسة


- انفردت السيدة فاطمة عليها السلام وتميّزت بتحويل حياتها التي كانت تشبه حياة جميع الناس من حيث أبعادها، إلى مظهر لعظمة لا مثيل لها مبيّنة كيف يمكن لأيّ إنسان أن يتحوّل إلى عظيم في أبسط تفاصيل حياته وفي أخطرها.

- لم تشهد البشريّة على مستوى العلاقات العائليّة، علاقة أسمى وأرفع من علاقة الزهراء عليها السلام بأبيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان كعبتها التي ما انفكّت تدور حولها.

- كانت الزهراء عليها السلام شديدة البرّ بأبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت تعظّمه تعظيمًا لا مثيل له إلّا أنّ ذلك التعظيم كان ممزوجًا بمحبّة صادقة صافية.

- أمسى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة السيدة خديجة الملجأ الآمن والركن الحنون الذي تتوجّه إليه فاطمة عليها السلام على الدوام، ولم يتغيّر ذلك السلوك عندما كبرت حتى عندما تزوّجت، فبقي والدها هو من تذهب إليه لحاجاتها وتشتكي له، وهو يجيبها بكلّ حبّ وحنان.

- كانت السيدة فاطمة عليها السلام حديثة العهد بوفاة أمّها، إلّا أنّها تحوّلت إلى أمّ لأبيها في وقت كانت تحتاج فيه إلى الأمّ، فقد كانت تتعامل معه وتحافظ عليه وتهتمّ به فمع صغر سنّها وكثرة المصاعب والمحن التي مرّت بها وعايشتها، كلّ ذلك لم يضعف من عزيمة السيدة فاطمة عليها السلام.

- شكّلت السيدة فاطمة عليها السلام موطن راحة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومصدر بهجة وسرور ومُفرّجة لهمومه على الدوام، فكان صلى الله عليه وآله وسلم كثير التردّد عليها، كما كانت بأفعالها مصدر فخر واعتزاز لأبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كانت هذه العلاقة والمكانة بينهما معروفة عند الجميع أنذاك.

- السيدة الزهراء عليها السلام هي المحسنة بل المبادرة بالإحسان داخل عائلتها، المفيضة بالعطف والحنان والسكن، الصابرة على أذيّة الأقارب، كانت العظيمة في أخلاقها العظيمة في سلوكها على كلّ حال.
 
 
 
 
66

53

الدرس السادس: زواج السيدة فاطمة عليها السلام

 الدرس السادس

زواج السيدة فاطمة عليها السلام


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى قصّة زواج السيدة فاطمة عليها السلام إجمالاً.
2- يستلهم الدروس التربويّة فيما يخصّ التعامل مع قضية اختيار الزوج.
3- يقتدي بالسيدة الزهراء عليها السلام في قضية ترتيبات الإقبال على الزواج.
 
 
 
 
67

54

الدرس السادس: زواج السيدة فاطمة عليها السلام

 تمهيد

عاشت السيدة فاطمة عليها السلام في كنف أبيها مدّة تقارب عشر سنوات، قضت المدّة الكبرى منها في مكّة قبل الهجرة1، وقد بقيت تحت ظلّه بعد الهجرة في المدينة ما يقرب السنة2، ولمّا بلغت مبلغ النساء حان وقت انتقالها إلى منزلها الجديد، منزلها هي وزوجها الإمام عليّ عليه السلام، لترسم معالم حياة جديدة تمارس فيها أدوارًا مختلفة فتكون فيها الزوجة والأمّ والمربّية على مستوى منزلها، وقد مكّنتها تلك الحياة أيضاً من القيام بأدوارٍ عديدة بقي صداها على مرّ التاريخ...

وفي درسنا هذا سنتطرّق إلى قصّة زواجها عليها السلام من حين خطوبتها إلى حين انتقالها إلى منزل الإمام عليّ عليه السلام، أي مقدّمات دخولها حياتها الجديدة، في محاولة لإلقاء الضوء على السلوكيّات التي صدرت عنها عليها السلامفي تلك المرحلة والأحداث التي كلّلت زواجها لاستلهام الدروس والعبر.

خطبة فاطمة عليها السلام
عندما بلغت السيدة فاطمة عليها السلام سنّ الزواج، الذي كان بين التاسعة والحادية عشرة على اختلاف الروايات3، تقدّم لخطبتها كبار الصحابة ووجهاء قريش. فهي إضافةً إلى شرفها وحسبها ونسبها بانتسابها للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة خديجة عليها السلام، كان لفاطمة عليها السلام حضورٌ مميّزٌ وشخصيةٌ فريدة، أدّت الأحداث التي حصلت معهم قبل
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 43، ص 7.
2- راجع: الأنصاري، إسماعيل، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج 4، ص 18.
3- المصدر نفسه، ج 4، ص18.
 
 
 
69

55

الدرس السادس: زواج السيدة فاطمة عليها السلام

 الهجرة في مكّة إلى بروز شخصيّتها وتبوُّئها مكانة مرموقة في المجتمع الإسلاميّ الأول، هذا إضافةً إلى حسنها وجمالها حيث وصفتها إحدى نساء النبيّ بأنّ لها وجهًا كوجه القمر1، إلّا أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن كلّ من خطبها بقوله: أنتظر أمر الله فيها2. إلى أن تقدّم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام طالبًا يد السيدة فاطمة عليها السلام، وقد كان قليل المال، فدخل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: "... قَدْ أَحْبَبْتُ‏ مَعَ مَا (قَدْ) شَدَّ اللَّهُ مِنْ عَضُدِي بِكَ أَنْ يَكُونَ لِي بَيْتٌ وَأَنْ تَكُونَ لِي زَوْجَةٌ أَسْكُنُ إِلَيْهَا وَقَدْ أَتَيْتُكَ خَاطِباً رَاغِباً أَخْطُبُ إِلَيْكَ ابْنَتَكَ فَاطِمَةَ.."3، فما كان من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلّا أن تهلّل وجهه فرحًا وسرورًا وقال: "أَبْشِرْ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَإِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ قَدْ زَوَّجَكَهَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُزَوِّجَكَهَا مِنَ الْأَرْضِ"4.


سكوتها إقرارها
كلّما كان يتقدّم الخطّاب من وجهاء قريش ومن هم ذوو الأموال والشرف لخطبة السيدة فاطمة عليها السلام، كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يسألها رأيها في ذلك، إلّا أنّها كانت تبدو عليها الكراهة والرفض، فهي لشدّة أدبها كانت تولّي وجهها عندما يسألها أبوها فيفهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك رفضها5. لكنّ الأمر اختلف عندما كان الخاطب عليّاً عليه السلام، إذْ قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما طلبها: "عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ"6، فدخل على ابنته عليه السلام وسألها رأيها فَسَكَتَتْ حياءً وخجلًا ومزيد تأدّب في حضرة أبيها وَلَمْ تُوَلِّ وَجْهَهَا ولَمْ يَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَه صلى الله عليه وآله وسلم كَرَاهَةً، فَقَامَ من عندها وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ سُكُوتُهَا إِقْرَارُهَا"7، وخرج زافًّا خبر الموافقة إلى الخاطب الشابّ معلنًا مباركته زواجهما لتبدأ ترتيبات الزواج المبارك.
 
 

1- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 355.
2- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 451.
3- الإربلي، الشيخ علي بن عيسى‏، كشف الغمة في معرفة الأئمة، تحقيق وتصحيح هاشم رسولي محلاتي، نشر بني هاشمي‏، إيران - تبريز، 1423ه‏، ط1، ج‏1، ص 356.
4- المصدر نفسه، ج‏1، ص 356.
5- الحرّ العامليّ، الشيخ محمد بن حسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، إيران - قم، 1409ه‏، ط1، ج 20، ص 275.
6- المصدر نفسه.
7- المصدر نفسه.
 
 
 
70

56

الدرس السادس: زواج السيدة فاطمة عليها السلام

 صداقها

كما هو معلوم فإنّ لكلّ زواج صداقاً، فطالب الزواج من خلال بذله الصداق يبيّن صدقه واستعداده الانفاق في سبيل زواجه. وعندما أتى الإمام عليّ عليه السلام يطلب الزواج بالزهراء عليها السلام سأله الرسول: "يَا أَبَا الْحَسَنِ فَهَلْ مَعَكَ شَيْ‏ءٌ أُزَوِّجْكَ بِهِ؟"1، فوضع الأمير عليه السلام كلّ ما يملك في تصرّف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل تحقيق الزواج فقال: "فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِي شَيْ‏ءٌ أَمْلَكُ سَيْفِي وَدِرْعِي وَنَاضِحِي وَمَا أَمْلَكُ شَيْئاً غَيْرَ هَذَا"2، فبيّن للرسول صلى الله عليه وآله وسلم قدرته المادّيّة وأنّه على استعداد أن يضع كلّ ما يملك في سبيل تحقيق الزواج ونيل رضى زوجته المستقبليّة وأبيها، إلّا أنّ الرسول قال له: "قَالَ أَمَّا نَاضِحُكَ وَسَيْفُكَ وَفَرَسُكَ فَلَا غَنَاءَ بِكَ عَنْهُمَا تُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَأَمَّا دِرْعُكَ فَشَأْنُكَ بِهَا"، فزوّجه على الدرع وطلب منه بيعها وأن يأتي بثمنها، فباعها وجاء بأربع مئةٍ وثمانين درهمًا ثمنًا لها وكان هذا صداق فاطمة3، وهو صداق قليل على المستوى المادّيّ عظيم على المستوى المعنويّ. ففاطمة عليها السلام وأبوها يُعلّمانِنا أنّ الصدق في الزواج وقيمة الزوجة لا دخل لها بثمن المهر، وهذه ابنة خاتم النبيين ومهرها من أقلّ المهور ولم يزدها ذلك سوى رفعة وشرفًا.

جهازها
بعد أن حصلت الموافقة على الزواج وجرى تحديد الصداق، جاء وقت تجهيز المنزل الجديد وتجهيز العروس، فدفع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قسمًا من مال الصداق إلى بعض أصحابه ليجهّزوا بيت فاطمة، وقسم تركه مع بعض زوجاته وقد كان ثمن وليمة العرس فيما بعد وخصّص قسمًا من المال لشراء الطيب لفاطمة عليها السلام. أمّا جهاز منزل فاطمة وعليّ عليهما السلام فكان الأشدّ تواضعًا وزهدًا، فكان مؤلّفاً من "قَمِيص بِسَبْعَةِ دَرَاهِمَ‏، وَخِمَار بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَقَطِيفَة سَوْدَاءَ خَيْبَرِيَّةٍ، َوسَرِيرٍ مُزَمَّلٍ بِشَرِيطٍ، وَفِرَشَينِ حَشْوُ أَحَدِهِمَا
 

1- الشيخ الإربلي، كشف الغمة، مصدر سابق، ج‏1، ص 356.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
 
 
 
71

57

الدرس السادس: زواج السيدة فاطمة عليها السلام

 لِيفٌ، وَحَشْوُ الْآخَرِ مِنْ جَزِّ الْغَنَمِ، وَأَرْبَعِ مَرَافِقَ مِنْ أَدَمِ الطَّائِفِ حَشْوُهَا إِذْخر، وَسِتْرٍ مِنْ صُوفٍ، وَحَصِيرٍ هَجَرِيّ، وَرَحَى الْيَدِ، وَمِخْضَبٍ‏ مِنْ نُحَاسٍ، وسِقْيٍ مِنْ أَدَمٍ، وَقَعْبٍ لِلَّبَنِ، وَشَيْ‏ءٍ لِلْمَاءِ، وَمِطْهَرَةٍ مُزَفَّتَةٍ، وَجَرَّةٍ خَضْرَاءَ، وَكِيزَانِ خَزَفٍ"1. هذا جهاز بنت سيّد المرسلين سيدة النساء أجمعين، لا يعدو كونه مقتصراً على أقلّ ضروريّات العيش لا حظّ له من أيّ كماليّات، يعينهما على دنياهما ولا يلهيهما عن آخرتهما، ولو شاءت الزهراء عليها السلام لكانت كلّ الأرض بما فيها وما عليها في خدمتها وتحت تصرّفها، لكنّها آلت إلّا أن تكون الزاهدة الأورع في الدنيا لتكون خير أسوة للجميع وخير أمةٍ راضية بما قسم الله لها من الدنيا.


عرسها
حصلت خطوبة الزهراء عليها السلام وجرى ترتيب أمورها وتجهيزها، وكان قد تبقّى أن تنتقل إلى منزلها الجديد مع زوجهاعليه السلام، إلّا أنّ ذلك قد دام شهرًا، إذْ إنّ الإمام علي عليه السلام كان قد امتنع عن طلب إدخال السيدة فاطمة عليها السلام عليه حياء منه من الرسول وتأدّبًا، ولم يزفّها الرسول إليه دون طلبه إجلالًا لها وتعظيمًا لشأنها، حيث تقول الرواية إنّ عقيلاً أخا الإمام عليّ عليه السلام قال له: مَا فَرِحْتُ بِشَيْ‏ءٍ كَفَرَحِي بَتَزْوِيجِكَ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم يَا أَخِي فَمَا بَالُكَ لَا تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَدْخُلُهَا عَلَيْكَ، فأجابه الإمام عليه السلام: "وَاللَّهِ يَا أَخِي إِنِّي لَأُحِبُّ ذَلِكَ وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ مَسْأَلَتِهِ إِلَّا الْحَيَاءُ مِنْهُ"، فذهبا وطلبا من زوج الرسول أمّ أيمن أن تتولّى المهمّة، فكلام النساء في أمور كهذه أسلم وأوقع بقلوب الرجال، فأوصلت الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "نَعَمْ وَكَرَامَة يَا أَبَا الْحَسَنِ أَدْخِلْهَا عَلَيْكَ فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ أَوْ فِي لَيْلَةِ غَدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"وكان زفاف فاطمة عليها السلام.

فأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نساءه أن يفرشْنَ لها البيت ويزيّنها، وتطيّبتْ من طيب كانت قد ادّخرته، ثمّ أقام صلى الله عليه وآله وسلم
 

1- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 40 - 41.
2- الشيخ الإربلي، كشف الغمة، مصدر سابق، ج‏1، ص 361.
 
 
 
72

58

الدرس السادس: زواج السيدة فاطمة عليها السلام

 الوليمة بما تبقّى من دراهم الصداق وأكل عموم المسلمين من الوليمة ببركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ثم زفّوا العروس الحوريّة على بغلة الرسول الشهباء، وسلمان يجرّها، والنبيّ يسوقُها وَحَمْزَةُ وَعَقِيلٌ وجَعْفَرٌ وَأَهْلُ الْبَيْتِ يَمْشُونَ خَلْفَهَا مُشْهِرِينَ سُيُوفَهُمْ وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قُدَّامَهَا يَرْجُزْن‏ وينشئْن الأشعار ويُردّدنها والرجال تقول الله أكبر1.


ذهابها عليه السلام إلى منزلها
لمّا انْصَرَفَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ هَلُمِّي فَاطِمَةَ" فَانْطَلَقَتْ، فَأَتَتْ بِهَا وَهِيَ تَسْحَبُ أَذْيَالَهَا وَقَدْ تَصَبَّبَتْ عَرَقاً حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَعَثَرَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "أَقَالَكِ اللَّهُ الْعَثْرَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" فَلَمَّا وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَشَفَ الرِّدَاءَ عَنْ وَجْهِهَا حَتَّى رَآهَا عَلِيٌّ عليه السلام، ثُمَّ أَخَذَ يَدَهَا فَوَضَعَهَا فِي يَدِ عَلِيّ عليه السلام وَقَالَ: "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ يَا عَلِيُّ نِعْمَ الزَّوْجَةُ فَاطِمَةُ وَيَا فَاطِمَةُ نِعْمَ الْبَعْلُ عَلِيٌّ انْطَلِقَا إِلَى مَنْزِلِكُمَا"، فأخذ الإمام عليّ عليه السلام بِيَدِ فَاطِمَةَ وَانْطَلَقَ بِهَا حَتَّى جَلَسَتْ فِي جَانِبِ الصُّفَّةِ وَجَلَس فِي جَانِبِهَا وَهِيَ مُطْرِقَةٌ إِلَى الْأَرْضِ حَيَاءً مِنِّه وَهو مُطْرِقٌ إِلَى الْأَرْضِ حَيَاءً مِنْهَا2، ثمّ إنّه لمّا أصبحا وحدهما ولم يبقَ عندهما أحد، بكت فاطمة عليها السلام، فقال عليّ أمير المؤمنين عليه السلام: "ما الذي يبكيك با ابنة العمّ؟! هلّا رضيتني بعلًا؟" فقالت عليها السلام له: "نِعمَ البعل أنت يابن العمّ..."3. فقام العروسان ليلتهما يتهجّدان لله عزّ وجلّ ويتعبّدان ويشكرانه على نعمه وعلى نعمة اجتماعهما".
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 43، ص 115.
2- المصدر نفسه، ص 96.
3- المرندي، لوامع الأنوار، ص 69.
 
 
 
73

59

الدرس السادس: زواج السيدة فاطمة عليها السلام

 دروس تربويّة لحياة فاطميّة

فاطمة هي ابنة أعظم خلق الله الذي كان ولي المسلمين وقائدهم ورئيس الدولة، وهي سيدة نساء العالمين من الأوّلين والأخرين وهي التي تقدّم لخطبتها أوجه وجهاء قريش ممّن لهم المال الكثير لكنّها لم تقبل بأيّ منهم، لم يكن لأيّ زينة مادّيّة وزخارف دنيويّة أدنى اعتبار في نظرها عليها السلام، فكانت أن قبلت بعليّ عليه السلام الذي لا يملك سوى سيفه ودرعه وفرسه وناضحه زوجًا لها، فقدّمت كعادتها القيم السامية والإيمان والأخلاق والآخرة على كلّ الدنيا، حتّى إنّ هناك مَنْ لام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على تزويجها بعليّ1 عليه السلام، فقدّمت بذلك مثالاً لكلّ فتاة تريد أن تختار زوجًا، فتكون معايير اختيارها أخرويّة وإن كانت ستتحمّل في الدنيا أشدّ المرارات، فكلّه يهون في سبيل تحقيق رضى الرحمان. كما أنّنا نعاين في قصّة زواجها كيف كانت فتاة مهذّبة أيّما تهذيب مع أبيها حتّى إنّها لم تعلن له صلى الله عليه وآله وسلم عن قبولها بعليّ عليه السلام حياء وتأدّبا ومزيد عفّة، وقد تولّى أبوها ترتيب أمورها بمعونة أزواجه وبعض الصحابة وهي الموقّرة في عليائها البارّة الراضية بما يرضاه أبوها. وهي التي بلغ جهازها من التواضع ما دفع الرسول ليقول: "اللهمّ بارك لقومٍ جُلّ آنيتهم الخزف"2. تلك هي فاطمة، فاطمة التي لم تنصرّف عن ذكر الله وحضوره طرفة عين حتّى قامت تصلّي وزوجها العزيز ليلة زفافهما، فاطمة التي قال فيها الأمير بعد ثلاثة أيّام من زواجهما عندما سأله الرسول كيف وجدت أهلك قال: "نِعَم العونُ على طاعة الله"3.
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 141.
2- الشيخ الإربلي، كشف الغمة، مصدر سابق، ج‏1، ص 359.
3- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 356.
 
 
 
74

60

الدرس السادس: زواج السيدة فاطمة عليها السلام

 لأنهج نهج سيدتي فاطمة، ينبغي لي:

- أن أقدّم المعايير الأُخرويّة من دين وأخلاق وغيرهما، على المعايير الدنيويّة في طالب الزواج.
- أن يبقى التهذيب والحياء والعفّة الحاكم على جميع تصرّفاتي، وخلال كلّ ترتيبات الزواج.
- أن يكون صداقي متواضعًا فليس قيمة العروس يثمن صداقها.
- أن يكون جهازي متواضعًا ويقتصر على متطلّبات الحياة ولا حظّ فيه للكماليات.
- أن أكون على وعي تامّ بطبيعة حياتي المقبلة عليها ولاسيّما الوضع المادّيّ، فأقبل عليها بانشراح.
- أن يبقى الله عزّ وجلّ حاضرًا دومًا في حياتي ولا أنساه، حتّى في أجمل اللحظات كليلة الزفاف، فأشكره على نعمه تلك.
 
 
 
 
75

61

الدرس السادس: زواج السيدة فاطمة عليها السلام

 المفاهيم الرئيسة


- عندما بلغت السيدة فاطمة عليها السلام سنّ الزواج، تقدّم لخطبتها كبار الصحابة ووجهاء قريش، إلّا أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن كلّ مَنْ خطبها بقوله: أنتظر أمر الله فيها، إلى أن تقدّم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام طالبًا يدها عليها السلام، وقد كان فقيرًا لا مال له فقال: "أَبْشِرْ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَإِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ قَدْ زَوَّجَكَهَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُزَوِّجُكَهَا مِنَ الْأَرْضِ".

- كلّما كان يتقدّم الخُطّاب للزهراء عليه السلام كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يسألها رأيها في ذلك، إلّا أنّها كانت تبدو عليها الكراهة والرفض، لكنّ الأمر اختلف عندما كان الخاطب عليّاً عليه السلام، حيث دخل عليها الرسول وسألها رأيها فَسَكَتَتْ حياءً وخجلًا وتأدبًا، وَلَمْ تُوَلِّ وَجْهَهَا ولَمْ يَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَرَاهَةً، فَقَامَ من عندها وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُ أَكْبَرُ سُكُوتُهَا إِقْرَارُهَا".

- وضع الأمير عليه السلام كلّ ما يملك في تصرّف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل تحقيق الزواج، إلّا أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل منه الدرع وكان ثمنه صداق السيدة فاطمة عليها السلام وكان أربعَ مئةٍ وثمانين درهمًا، وهو من أقلّ المهور ولم يزدها ذلك سوى رفعة وشرفًا.

- أمّا جهاز منزل فاطمة وعليّ عليهما السلام فكان الأشدّ تواضعًا وزهدًا. حيث اقتصرا فيه على أقل ضروريّات العيش معرضينِ عن كلّ ما هو كماليّ.

- أقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وليمة بما تبقّى من دراهم الصداق وأكل عموم المسلمين من الوليمة ببركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

- لما أصبحا وحيدين ولم يبق عندهما أحد، استأذنت زوجها: بأن تصلّي تلك الليلة فقام العروسان ليلتهما يتهجّدان لله عزّ وجلّ ويتعبّدان ويشكرانه على نعمه وعلى نعمة اجتماعهما.

- آثرت السيدة فاطمة عليها السلام الآخرة على الدنيا، فقبلت بعليّ صاحب الخصال الأُخرويّة على كلّ مَنْ عداه وكانت على استعداد لخوض غمار الحياة الصعبة بكلّ انشراح.
 
 
 
76

62

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 الدرس السابع

الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى معالم العلاقة التي سادت حياة السيدة فاطمة عليها السلام الزوجية.
2- يتعرّف إلى مكانة الإمام عليّ عليه السلام عند فاطمة عليها السلام من جهة كونه زوجها ومكانتها عنده.
3- يستلهم القواعد العامّة التي ينبغي أن تحكم العلاقات الزوجية.
 
 
 
 
77

63

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 تمهيد

يقول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً1, وهي آيةٌ في غاية الروعة تختصر بإتقان مهمّة الأزواج بعضهم تجاه بعض بأنْ يكون أحدهما سكنًا للآخر مع كلّ يحوي معنى السكن من مستلزمات، وتبيّن الإطار العامّ الذي ينبغي أن يحكم العلاقات الزوجيّة ألا وهو المودّة والرحمة!

أمّا الآن وقد وصل بنا المطاف إلى زواج السيدة فاطمة عليها السلام والإمام عليّ عليه السلام، فإنّنا سوف نتطرّق إلى خصائص علاقتهما الزوجيّة وكيف كانا أبرز مصداق وأجلاه للآية الكريمة وسيكون تركيزنا منصبّاً على سلوكيّات الزهراء عليها السلام في تلك العلاقة لنرى كيف قدّمت نموذجًا عمليًّا في الحياة الزوجيّة جسّدت فيه تعاليم الآية الشريفة أيّما تجسيد، ومثّلت القيم الإسلامية السامية بأرقى مستوياتها.. ومع أنّ الإمام عليّاً عليه السلام كان له أدوارٌ مختلفةً في حياة الزهراء عليها السلام ككونه الوليّ مفروض الطاعة بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مثلًا، إلّا أنّنا سنقتصر في هذا الدرس على موضوع علاقتهما الزوجيّة ونترك التطرّق للمواضيع الأخرى إلى دروس لاحقة.

فاطمة عليها السلام سكنٌ لعليّ عليه السلام
حفلت حياة السيدة فاطمة عليها السلام والإمام عليّ عليه السلام بالكثير من الصعوبات والمشقّات على مختلف الصعد، فالإسلام كان في بداياته عند زواجهما وكانا حديثي عهد
 

1- سورة الروم، الآية 21.
 
 
 
79

64

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 بالهجرة وكانت المعارك ما زالت في أوجها، وحسم أغلب المعارك متوقّف على مشاركة الإمام عليه السلام فيها... كلّ تلك الظروف إضافة إلى الوضع المادّيّ الصعب من شأنه أن لا يطيّب عيش الزوجين الجديدين، لكنْ ليست هذه هي حال الحبيبين، فكلّ تلك الظروف لم تضف إلى حياتهما سوى الحبّ والتضحية والإيثار والتحمّل في سبيل إسعاد الطرف الآخر، فعندما أراد الأمير عليه السلام أن يصف حاله مع السيدة فاطمة عليها السلام قال: "فَواللَّهِ مَا أَغْضَبْتُهَا وَلَا أَكْرَهْتُهَا عَلَى أَمْرٍ حَتَّى قَبَضَهَا اللَّهُ عزّ وجلّ إِلَيْهِ ولَا أَغْضَبَتْنِي َولَا عَصَتْ لِي أَمْراً وَلَقَدْ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَتَنْكَشِفُ‏ عَنِّي‏ الْهُمُومُ‏ وَالْأَحْزَانُ"1، فكلّ الهموم التي كانت تلمّ بقلبه الشريف عليه السلام، كانت تذهب ولا يبقى لها أثر بنظرة من فاطمة عليها السلام. لم تكن السيّدة فاطمة عليها السلام مجرّد سكن مادّيّ لزوجها فتؤمّن له حاجاته وتتصبّر على الوضع المادّيّ البالغ الصعوبة دون أن تعترض، بل إنّها كانت سكناً لنفسه وروحه عليه السلامما، حتّى بات نظره إليها كافية لأنْ تُزيل كلّ همومه وأحزانه وما أكثرها.


يتحدّث الإمام الخامنئي دام ظله عن هذه المسألة فيقول: "يتجسّد المثال الآخر في حياتها الزوجيّة، فقد يتصوّر بعض الناس أنّ الحياة الزوجيّة في طرف المرأة تعني الاهتمام بشؤون المنزل وإعداد الطعام وترتيب غرف البيت وتنظيفها وعندما يأتي الزوج من العمل تقدّم له الوسادة على غرار ما كان يفعله القدماء، الحياة الزوجيّة ليس معناها هذا وحسب، أُنظروا كيف كانت الحياة الزوجيّة لفاطمة الزهراء، على مدى السنوات العشْرِ التي قضاها الرسول في المدينة عاشت الزهراء مع أمير المؤمنين حياة زوجية استمرّت سنوات، وقعت في تلك الفترة معارك متعدّدة صغيرة وكبيرة، بلغت حوالَى ستين معركة، وشارك أمير المؤمنين في أغلبها، أُنظروا إلى حياة هذه الزوجة التي كانت في بيت زوج كان يشارك في المعارك باستمرار، لأنّ نتائجها تتوقّف على مشاركته فيها ولولاه لما كتب لها النصر، إضافة إلى انّ حياتها المعيشيّة لم تكن على ما يُرام من الرفاهية أو الغنى ولا تتعدّى ما سمعناه عنها في قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى
 

1- الشيخ الإربلي، كشف الغمة، مصدر سابق، ج‏1، ص 363.
 
 
 
80

65

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾1 بمعنى أنّها كانت تعيش حياة فقر وعوز على الرغم من كونها ابنة الرسول وزعيم الأمّة، وذلك يعني أنّها كانت تحمل كلّ الشعور بالمسؤوليّة. لاحظوا كم تستلزم وضعيّة هذه المرأة من صلابة حتّى تفيض بها على هذا الزوج ليكون متحرّراً من هموم الأهل والعيال وهواجسهم ومصاعب الحياة، ولتبعث فيه السكينة والطمأنينة، وتربّي الأولاد بتلك التربية العالية التي ربتهم عليها. فإذا قال قائل إنّ الحسن والحسين إمامان ومجبولان على العصمة، فزينب لم تكن إماماً، لكنّ فاطمة الزهراء ربّتها تربية صالحة خلال تلك السنوات القصيرة ..."2 ذلك كان سياق حياتها عليها السلام مع الأمير عليه السلام، كانت كاشفة همّه، مزيلة أحزانه، سكناً له، فيتقوّى بذلك على كلّ الدنيا ويؤدّي تكليفه على أحسن وجه.


فاطمة عليها السلام نِعمَ العون على الدنيا
كان الفقر يسود المجتمع الإسلاميّ في بداياته قبل فتح مكّة، وقد بقيت الأسرة الكريمة أسرة الإمام عليّ عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام تعيش الفقر المدقع فترة من الزمن، حتّى إنّ كثيرًا من الأوقات كان يخلو منزلهما من أيّ طعام3، بل إنّ بعض الروايات تتحدّث عن الزهراء عليها السلامكيف كانت تجوع بل ويزداد ألمها ويصفرّ لونها بسبب الجوع4، وكانت العائلة بأكملها تعاني الجوع، حتّى الحسنانِ الصغيرانِ5.. وفي ظلّ هذا الواقع ما كان موقف الزهراء؟! وهي التي تسعى العوالم في خدمتها إن شاءت، تلك السيدة الجليلة لم تعاتب زوجها قطّ على ضيق الحال، ولم تطالبه بما لا يطيق، بل إنّها كانت تحاول إخفاء كلّ تلك المعاناة ما استطاعت، كي لا تنغّص عيش زوجها وكي لا
 

1- سورة الإنسان، الآيتان 8 - 9.
2- خطاب الإمام الخامنئيّ دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلاميّة, في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 31.
4- البروجردي، آغا حسين، جامع أحاديث الشيعة، منشورات فرهنگ سبز، إيران - طهران، 1428ه‏، ط1، ج 35، ص661.
5- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 616.
 
 
 
81

66

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 تزيد همومه بسبب قلّة الحيلة، ففي رواية أنّ الأمير عليه السلام دخل المنزل وسأل السيدة فاطمة عليها السلام عن طعام ليأكل فقالت له: "وَالَّذِي عَظَّمَ حَقَّكَ مَا كَانَ عِنْدَنَا مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ‏ شَيْ‏ءٌ نَقْرِيكَ بِهِ"، فقال مستغربًا: "أفلا أخبرتني"، فأجابته: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم نَهَانِي‏ أَنْ‏ أَسْأَلَكَ‏ شَيْئاً فَقَالَ لَا تَسْأَلِي ابْنَ عَمِّكِ شَيْئاً، إِنْ جَاءَكِ بِشَيْ‏ءٍ (عَفْواً) وَإِلَّا فَلَا تَسْأَلِيهِ"1 وفي رواية أخرى قالت: "يَا أَبَا الْحَسَنِ، إِنِّي‏ لَأَسْتَحِيي‏ مِنْ‏ إِلَهِي‏ أَنْ أُكَلِّفَكَ مَا لَا تَقْدِرُ"2، ناهيك عن أنّها كانت على استعداد لتقديم كلّ مساعدة ومشاركة ممكنة لإعانة الزوج المجاهد الكادّ العامل في سبيل الله. وفي رواية أنّه اشتدّ عليهما الحال ذات مرّة، فذهب الإمام عليه السلام إلى جاره وكان تاجرًا يهوديًّا، فعرض عليه أن يأخذ منه أصواع طحين، مقابل أن تغزل له السيّدة فاطمة عليها السلام بعض الصوف، فوافق التاجر وأعطاه الصوف، فغزلته عليها السلام مقابل تلك الأصواع3. فنرى في سيرة السيّدة فاطمة عليها السلام كيف امتنعت عن مطالبة زوجها العزيز بأدنى متطلّبات الحياة، لمَ؟ لأنّها تأبى أن تحمّله ما لا يُطيق وتضيق عليه أكثر، وهي العارفة بأوضاع زوجها وأنّه لا يقصّر متى استطاع، ولا يبخل في حقّ أهل بيته قطعًا، وهي على وعيٍ تامّ بأسباب فقر زوجها، وهو الذي رهن حياته بل كلّ وجوده في خدمة الإسلام الذي لم يقوَ عوده بعد، وقد كان بقاء الإسلام واشتداد عوده مرهوناً بسيف عليّ عليه السلام، لذا والحال هذه، كانت السيدة فاطمة عليها السلام تحمل الروح التي تستوعب كلّ الظروف وتقدّم كلّ العون المادّيّ والمعنويّ بكلّ إيمان وثقة بالله وتسليم لقضائه في سبيل تحقيق ما هو أهمّ وأرقى، فكانت خير معين على الدنيا وهمومها.


فاطمة نِعمَ العون على طاعة الله
إنّ إعانة السيدة فاطمة عليها السلام للإمام عليّ عليه السلام لم تكن تقتصر على الإعانة المادّيّة، ولم تكن محصورة بالتقوّي على الدنيا وهمومها، بل إنّها كانت نِعمَ العون
 
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 31.
2- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 616.
3- المصدر نفسه، ص 257.
 
 
 
82

67

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 على طاعة الله1 حسب تعبير الإمام عليه السلام عندما سأله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كيف وجدها، وهو أمر في غاية الأهمّيّة في العلاقة بين الزوجين، فالحسابات الدنيويّة لا وجود لها في تلك العلاقة الشريفة، وكلّ ما يقوم به أحدهما تجاه الآخر هو لأجل الآخرة وفي سبيل الله، وبهذا المنطق نستطيع أن نفهم سلوكيّات الزهراء عليها السلام مع الأمير عليه السلام، حيث كان الله ورضاه وإعانة الزوج على الطاعة هو السبب الذي دفع بالزهراء لتحمّل الفقر المدقع الذي لم يسمح لهم باقتناء غير جلد الكبش2 الذي كانوا يعلفون عليه بالنهار وينامون عليه في الليل، وهو السبب الذي دفع الزهراء عليها السلام، لأن تخيط ثوبها في ما يزيد على عشْر رُقع3، وهو السرّ الكامن وراء تجرّعها غصّات الدنيا إلى حدّ تحمّلها الجوع هي وأطفالها الصغار مرارًا بقلب فرح مستبشر يزيل الهموم. فعندما تكون الزوجة على هذا المنوال تكون كما وصفها أمير المؤمنين "نعم العون على طاعة الله" فكلّ ذلك السلوك الذي لا مثيل له هو لأجل الإعانة على الطاعة وأداء التكليف الشرعيّ بكلّ المستويات.


فاطمة عليها السلام تهتمّ بأمور عليّ عليه السلام
احتلّت السيدة فاطمة عليها السلام مكانة كبيرة ومهمّة جدًّا في حياة الأمير عليه السلام، على مختلف الصعد، فلعلّه يصعب أن تعثر على محطّة أو موقف في حياة الإمام عليه السلام من حين زواجها به إلى حين استشهادها دونما أن يكون لفاطمة عليها السلام حضور، حتّى لو اقتصر الأمر على لمساتها وأنسام وجودها الشريف، وهذا يدلّ على عمق العلاقة بينهما ومتانتها ورقيها. فعلى صعيد احتياجات الإمامِ المادية نرى الزهراء عليها السلام هي من يتولّى القيام بهذه الأمور، فمثلًا عندما كان يرجع الإمام من الحروب كان يعطيها السيف لتغسله فيقول لها: "خذي هذا السيف فقد صدّقني اليوم"، وهي تقوم بدورها
 

1- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 356.
2- البحرانيّ الأصفهانيّ، عوالم العلوم، مصدر سابق، ص 472.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 88.
 
 
 
83

68

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 بتنظيفه وتحضيره له عليه السلام1. كما أنّها كانت تحوك الثياب وتغزلها بيدها، وقد كان للإمام عليّ عليه السلام قميص من غزلها يرتديه أثناء الحروب ويقي به نفسه2، وهو أمر يدلّ على عنايتها الفائقة بأموره عليه السلام. هذا إضافةً إلى أنّها كانت تهتمّ بطعامه وتغذيته حتّى على حساب نفسها وابنيها، فكانت تقدّم له الطعام القليل المتبقّي عندهم وتؤثره على نفسها وعلى الحسنين عليهما السلام دون علمه كيلا يتأذّى من قلّة ذات اليد3، ليتقوّى به! فأيّ مودّة تلك وأيّ حبٍّ هذا وأيّ احترام وتوقير يدفع بسيدة نساء العالمين إلى مثل تلك السلوكيّات مع زوجها!


فاطمة تفتخر بعليّ
تقدّم لنا السيدة فاطمة عليها السلام من خلال سلوكها وأفعالها درسًا عظيمًا في الاعتزاز بالنفس والافتخار بما له قيمة حقيقيّة ما خلا الأمور الزائفة، فكما مرّ معنا، مع أنّ الوضع الاقتصاديّ لزوجها كان صعبًا جدًّا وقد تقدّم لخطبتها أكابر أغنياء قريش ومع أنّ بعضهم قد لام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنّه زوجها فقيرًا4، فقد كانت تعيش الفخر والاعتزاز بزوجها ولم يكن وضعه المادّيّ ليؤثّر في نظرتها إليه والافتخار به، حتّى مع وجود من كان يروم الانتقاص من مكانتهما لفقرهما، حيث كانت نساء قريش يعيّرنها بفقر زوجها عليه السلام ما ويقلن لها زوّجك عائلًا5. ويبرز افتخار الزهراء عليها السلام واعتزازها بزوجها بشكلٍ جليّ في حديثها معه ومدى تبجيلها له حيث كان خطابها له يكتنف عبارات التعظيم، فمثلًا من العبارات التي كانت تقولها في حديثها معه: والذي عظّم حقّك6، يا أبا الحسن7، خير
 

1- البحراني، السيد هاشم بن سليمان‏، حلية الأبرار في أحوال محمّد وآله الأطهار عليهم السلام،‏ مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، إيران - قم، 1411ه‏، ط1، ج‏2، ص 432.
2- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 246.
3- المصدر نفسه، ج‏3، ص 246.
4- الشيخ الإربلي، كشف الغمة، مصدر سابق، ج‏1، ص 369.
5- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 344.
6- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 31.
7- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 616.
 
 
 
84

69

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 بعل1، والذي أكرمك بالوصيّة2... برز أيضاً ذلك بوضوح في خطبتها التي حاججت بها القوم في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت فضل عليّ عليه السلام على الجميع ومكارمه وخصائله التي لا تقارن حيث قالت: "... فَأَنْقَذَكُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم بَعْدَ اللُّتَيَّا وَالَّتِي وَبَعْدَ أَنْ مُنِيَ بِبُهَمِ‏ الرِّجَالِ وَذُؤْبَانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ‏ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ‏ أَوْ نَجَمَ قَرْنُ الشَّيْطَانِ‏ أَوْ فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ قَذَفَ‏ أَخَاهُ‏ فِي‏ لَهَوَاتِهَا فَلَا يَنْكَفِئُ‏ حَتَّى يَطَأَ جَنَاحَهَا بِأَخْمَصِهِ‏ وَيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ مَكْدُوداً فِي ذَاتِ اللَّهِ مُجْتَهِداً فِي أَمْرِ اللَّهِ قَرِيباً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ سَيِّداً فِي أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مُشَمِّراً نَاصِحاً مُجِدّاً كَادِحاً لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَأَنْتُمْ فِي رَفَاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ وَادِعُونَ‏ فَاكِهُونَ‏ آمِنُون‏"3.


إنّ مسألة افتخار الزوجة بزوجها بما هو حقٌّ وما هو قيّم عند الله، كافتخار فاطمة عليها السلام بجهاد علي في سبيل الله مثلاً، وعدم إعطاء الفقر المادّيّ قيمة، لهو أمر في غاية الأهمّيّة، وله قيمة تربوية عالية جدًّا فيما يخصّ تربية الأبناء، فعندما يكون سلوك الأمّ على هذه الشاكلة، فتعطي الأمور قيمتها انطلاقًا من معايير إلهيّة، فإنّ الأبناء بدورهم سيتعلّمون أن يثمّنوا الأشياء حسب ما له قيمة حقيقيّة عند الله عزّ وجلّ، فيكون الله هو المعيار في هذا المجال. وإنّ سلوك الافتخار والتعظيم من قبل الزوجة، أيضاً لِمَا هو جميل وحقّ في الزوج يستدعي تذكّر الأمور الجيدة فيه باستمرار ما يخفّف من وقع الهموم الدنيويّة أضف إلى أنّه يكرّس الاحترام بين الزوجين ما يستجلب مزيد مودّة ومحبّة ويترك آثاره المباشرة وغير المباشرة في علاقتهما وفي حياتهما وحياة أبنائهما بشكل كبير، كما يعطي الأمور الحقّة قيمتها دون الأمور الزائلة الدنيويّة.
 

1- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 356.
2- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 616.
3- الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 101 - 100.
 
 
 
85

70

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 طيب المعشر

إنّ اللطافة التي تظلّل العلاقة الزوجيّة من شأنها أن تجعل الحبّ غضًّا طريًّا وتضفي جوًّا من الهناء وطيب المعشر على الحياة، وهو أمر نجده في العلاقة بين الإمام عليّ عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام، ففي رواية أنّهما كانا يأكلان التمر ذات مرّة فمازح الإمام عليّ عليه السلام السيدة فاطمة عليها السلام فقال: "يَا فَاطِمَةُ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْكِ" فَردّت عليه وقالت: "وَاعَجَبَا مِنْكَ يُحِبُّكَ أَكْثَرَ مِنِّي وَأَنَا ثَمَرَةُ فُؤَادِهِ وَعُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ وَغُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ غَيْرِي"، فانطلقا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليحصلا على الجواب ويعرِفا من هو محبوب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فسألته فاطمة عليها السلام عن ذلك فأجاب: "أَنْتِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَعَلِيٌّ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْكَ"1، فما كان منهما إلّا أن بدآ حديث مفاخرة بينهما من أروع ما قيل!

إنّ حسّ الدُعابة والمرح إنْ ساد في الأسرة، من شأنه أن يزيّنَ حياتها باللطافة والتوادّ ويزيد الألفة والتراحم، ومن المؤكّد أنه ينبغي أن لا يتجاوز حدّ التأدّب والاحترام، وفي الموقف الذي عرضناه بين الإمام عليّ عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام خير شاهد على ذلك، ومن الجيد إيجاد أجواء لطيفة كهذه داخل الأسرة على الدوام، فتلك السعادة المهذّبة من شأنها أن تخفّف من وطأة المشاكل والصعوبات الدنيويّة فيكون البيت كلّه مكان سكنٍ وراحةٍ لأفراده.

علاقة تتجاوز الظاهر
إنّ العلاقة التي كانت بين الإمام عليّ عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام هي أعمق بكثير من أن تقتصر على ظاهر الأمور، فنلاحظ كيف كان كلٌّ منهما موضع سرٍّ للآخر، فنرى أنّه لمّا أرادت السيدة فاطمة عليها السلام أن تُسِرّ لأحد بعلمها قالت للأمير عليه السلام عندما دخل عليها: "أُدنُ لأحدّثك بعلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.."2، ولما كان يتنزّل
 

1- ابن شاذان القميّ، أبو الفضل شاذان بن جبرئيل‏، الفضائل، منشورات الرضي‏، إيران - قم‏، 1404ه‏، ط2، ص 80 - 82.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 8.
 
 
 
86

71

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 عليها جبرائيل بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليواسيها ويسلّيها كان الأمير عليه السلام موكلا بكتابة إنباءاته وقد جمعت في كتاب عرف بمصحف فاطمة1، ولمّا أخذ منها مرض موتها مأخذه طلبت أن يأتيها الإمام عليه السلام لِتُودِعَه وصيتها دون غيره فجرت بينهما جلسة خاصّة تذكّرا فيها سالف أيّامهما الجميلة وأوصته بكلّ ما أرادت2. هذا وقد كانت السيدة الزهراء عليها السلام قريبةً جدّاً من زوجها الإمام عليه السلام وتعلم بحاله إلى حدٍّ تعرف فيه حالاته العباديّة وما يحصل عليه في أوقات مناجاته مع الله عزّ وجلّ، فمثلًا لمّا جاءها أحد الأصحاب يروي لها ما رآه منه عليه السلام أثناء صلاته وبأنّه انقطع منه النفس فجاء يُعزّيها به سألته أن يصِف لها حال الإمام عليّ عليه السلام ففعل، فقالت له: "إنّها الغشية"3. إنّ تلك المواقف تكشف لنا عمق العلاقة التي سادت بين الإمام عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام، فقد تغلغل حبّهما بعضهما لبعض النابع من حبّهما لله عزّ وجلّ إلى أن أوصل علاقتهما إلى ذلك المستوى من المتانة والشدّة والعمق والجمال، بحيث كانا يعرفان بعضهما بعضاً عن كثب حتى في تلك الحالات الخاصّة مع الله.


أرقى الحبّ
عاش الزوجان المحبّان حياةً ملؤها الوئام والإيمان والمودّة والاحترام، وهي أمور في الحقيقة لعلّنا نجدها في زيجات أخرى، لكن ما كان بين عليّ عليه السلام وفاطمة عليها السلام لم يكن بين غيرهما. إنّ ذلك الثنائيَّ الآتي من عوالم الغيب لا مثيل له، لا شبيه له على الاطلاق، يمكن لجميع الأزواج أن يحبّ بعضهم بعضاً، لكن لن يرقى أحد إلى حبّ الإمام عليّ عليه السلام للسيدة فاطمة عليها السلام ولا إلى مستوى حبّ السيدة فاطمة عليها السلام للإمام عليّ عليه السلام، فذلك كان أرقى الحبّ. حبّهما هو الحبّ الخالص الذي لا شائبة فيه، وهو الحبّ الذي لا دخل للدنيا وللتعلّقات فيه، هو حبّ الكامل للكامل، هو الحبّ الكامل، ولعلّ ذلك هو ما يميّز هذا الثنائيّ الاستثنائيّ بعلاقتهما عن كلّ البشر. فلسائل أن يستفهم
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏1، ص 241.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 192.
3- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 79.
 
 
 
87

72

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 عن السرّ الكامن وراء كلّ السلوكيّات العظيمة الصادرة عن السيدة فاطمة عليها السلام مع الإمام عليه السلام وهي سلوكيّات يقلّ نظيرها بل لعلّه لا نظير لها، فيستفهم عن الدافع النفسيّ الذي منع السيدة فاطمة من المطالبة بأدنى متطلّبات العيش وعن السبب الكامن وراء اهتمامها الكبير بعدم إزعاج الأمير عليه السلام بإخباره بخلوّ المنزل من الطعام أيّاماً، وحرصها الشديد على مشاعره، ولعلّه يتّضح الجواب فيما يأتي. 


إنّه ولمّا كان الإنسان مفطورًا على شكر المنعم والخضوع له، فمن الطبيعيّ أن يحبّ الإنسان مَنْ يُنعم عليه ومن يؤمّن له حاجاته، ويقدّم له الشكر والامتنان على ذلك، فهي أمور فطريّة مجبولٌ عليها كلّ إنسان، ولسنا نتحدّث عن النعم المادّيّة الظاهريّة فقط، بل كلّ أنواع النعم، الظاهريّة والباطنيّة، المادّيّة والمعنويّة، وعظيم ذلك الإنسان الذي يستشعر النعم الباطنيّة المعنويّة فضلًا عن الظاهريّة المادّيّة فيشكر عليها. وعليه، فإنّه من المتوقّع أن نرى سلوكيّات الشكر والامتنان بين الزوجين اللذين يؤمّن كلٌّ منهما حاجات الآخر المادّيّة والمعنويّة، وهو السلوك المطلوب من الزوجة خصوصاً بسبب تولّي الزوج تأمين أغلب الحاجات المادّيّة.

أمّا فاطمة عليها السلام! فهي التي لم تنتظر أيّ نعيم مادّيّ من زوجها، حتّى أدنى متطلّبات العيش من مسكنٍ مريح ومأكل مشبع، بل امتنعت حتّى عن سؤاله، كما أنّها لم تكن تنتظر أن تحصل على جاهٍ اجتماعيّ بسبب زوجها، بل على العكس، فقد كان زواجها بالفقير سببًا لتعيير نساء الدنيا لها، لم تكن تريد من الإمام عليه السلام أيّ نعيم زائل لم تكن تنتظر منه سوى أن يكون هو، أكمل وأعظم آية وتجلٍّ لله عزّ وجلّ، ولذا كانت هائمة في حبّه، لا يعنيها أيّ شيء دونه فنراها تغمرها السعادة عندما يتحدّث الرسول عنه وعن مناقبه1 ونراها شديدة الحرص على عدم أيذائه بأيّ شيء، ونراها مستميتة في الدفاع عنه وعن حقّه فيما بعد عند غصب الخلافة وتُؤثِر حياته على حياتها... هو ذا السرّ، إنّه الله جلّ وعلا، ففاطمة لم تكن ترى عليّاً عليه السلام زوجها العزيز سوى أكمل وأروع آية
 

1- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 344.
 
 
 
88

73

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 حاكية عن الله فقد عظمت وتعالت في تعاملها معه إلى أن قال لها: "أَنْتِ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَأَبَرُّ وَأَتْقَى وأَكْرَمُ وَأَشَدُّ خَوْفاً مِنْ اللَّهِ مِنْ‏ أَنْ‏ أُوَبِّخَكِ‏ بِمُخَالَفَتِي.."1، فتعاملها معه لم يكن سببه أنّه يؤمّن لها حاجاتها الدنيويّة من مأكل ومشرب.. أو أيّ شيء من هذا القبيل، بل إنّ ذات السيدة الزهراء عليها السلام وشخصها وفنائها في الله عزّ وجلّ تأبى إلّا أن تصدر عنها أعظم الأفعال، وعندما يكون تعامل الإنسان موجّها صوب الله ولا يرى سوى آيات معبّرة عن جلال وجمال الله عزّ وجلّ تكون أفعاله على هذا المنوال.


أمّا عليّ عليه السلام! فهو ذاك العاشق الذي قلّ صبره عن فراقها وعظم ألمه عليها، فيقول: "قَدْ عَزَّ عَلَيَّ مُفَارَقَتُكِ وَتَفَقُّدُكِ إِلَّا أَنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ واللَّهِ جَدِّدْتِ عَلَيَّ مُصِيبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَقَدْ عَظُمَتْ وَفَاتُكِ وَفَقْدُكِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏ مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَفْجَعَهَا وَآلَمَهَا وَأَمَضَّهَا وَأَحْزَنَهَا هَذِهِ وَاللَّهِ مُصِيبَةٌ لَا عَزَاءَ لَهَا وَرَزِيَّةٌ لَا خَلَفَ لَهَا..."2، وقد هاج به الشوق عند دفنها فقال عليه السلام مخاطبًا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ وَأُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ والْغَبْرَاءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ وَهَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي.."3.

إنّ مكانة فاطمة عند الأمير هي أعلى من أن تُدرك، فإجلاله وتعظيمه لها في غاية الروعة، حيث كان يفاخر ويقول زوجتي خير نساء الأمة4، وكان يسعى دومًا لتأمين راحتها فيتألّم لحالها جرّاء عمل المنزل فيحثّها على طلب خادمٍ من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حتّى إنّه عليه السلام قد طلب ذلك لها من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرةً، فقال له: "... أَنَا وَاللَّهِ أُخْبِرُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - إِنَّهَا اسْتَقَتْ بِالْقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَ فِي صَدْرِهَا وَجَرَتْ بِالرَّحَى حَتَّى مَجِلَتْ يَدَاهَا وكَسَحَتِ الْبَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا وَأَوْقَدَتْ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتَّى دَكِنَتْ ثِيَابُهَا فَقُلْتُ لَهَا لَوْ أَتَيْتِ أَبَاكِ فَسَأَلْتِهِ خَادِماً يَكْفِيكِ حَرَّ مَا أَنْتِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْعَمَل‏.."5، بل كان
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 191.
2- المصدر نفسه.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏1، ص 459.
4- الشيخ الإربلي، كشف الغمة، ج‏1، ص 474.
5- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج‏1، ص 321.
 
 
 
89

74

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

  يساعدها في الأعمال المنزليّة متى استطاع وقد كان موكلاً بقسم من تلك الأعمال فيكنس ويسقي ويحتطب1، وفي ذات مرّة دخل عليهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فوجدهما يطحنان في الجاروش، فأراد أن يساعدهما، فسألهما: أيّكما أعيى‏؟ فقال له الإمام عليه السلام: فاطمة، فأخذ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الرحى عنها وأكمل الطحن هو والإمام عليّ عليه السلام2. عليّ عليه السلام هو ذا المحبّ العاشق، وهو العطوف الرؤوف الذي لم يستطع احتمال ألم فاطمة عليها السلام كلّما رأت قميص أبيها صلى الله عليه وآله وسلم بعد رحيله عن الدنيا فكانت كلّما رأته بكت وأغشي عليها، فغيّبه رحمةً بها3.


إنّ الحياة الذي تزيّنها فاطمة عليها السلام ويضمّها عليّ عليه السلام لا يمكن أن يُنغّص شيء عيشها ولا أيّ مصيبة تستطيع أن تزلزل أواصر العشق في ذلك المنزل المبارك، بل إنّ كلّ مشكلة ومصيبة تنزل تستجلب معها مزيد حبّ ومساندة وعطف وتماسك، تلك هي العلاقة التي يريدها الله ورسوله ويحبّها الله ورسوله، هي العلاقة التي باطنها بل ظاهرها حبّ الله وعشقه ومن ثمّ حبّ آياته وتجلّياته وخلقه، فعندما يكون الله هو الحاكم في العلاقة الزوجيّة نحصل على علاقة عليٍّ وفاطمة عليها السلام.
 

1- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق، ج 25، ص 508.
2- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 356.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 43، ص 157.
 
 
 
90

75

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 دروس تربويّة لحياة فاطميّة

لأنهج نهج سيدتي فاطمة عليها السلام في الحياة، يبنغي لي:
- أن يكون المنطلق الأساس الذي يحكم علاقتي مع زوجي هو وجهة العلاقة مع الله عزّ وجلّ، وأنه آية من آيات الله في هذه الدنيا.
- أن لا أدع طريقًا لمنغّصات الحياة من الفقر وضيق الوضع الاقتصادّيّ واعتبارات أهل الدنيا إلى حياتي الزوجيّة.
- أن أكون سكنًا لزوجي على مختلف الصعد، الدنيويّة والنفسيّة والروحيّة.
- أن يحمل وجودي الاستبشار وكشف الهموم والغموم عن زوجي.
- أن أهتمّ بكلّ ما يورث سكينة ومودّة ومزيد محبّة بيني وبين زوجي.
- أن أكون نِعمَ العونُ لزوجي على الدنيا.
- أن أكون نِعمَ العونُ لزوجي على طاعة الله وأداء تكليفه.
- أن أفتخز بزوجي بالأمور الحقّة، وأكرّس الاحترام بيننا.
- أن أهتمّ بأمور زوجي بنفسي ما يورث مزيد محبة وتوادّ.
- أن أكون طيّبة المعشر وأكرّس الأمور التي تلطّف العلاقة بيننا.
- أن أحاول جعل علاقتي بزوجي علاقة عميقة متينة مبنيّة على الثقة والمحبّة فأعرف أحواله وأراعيها.
- أن لا أطالب زوجي بأيّ أمر يفوق طاقته.
- أن أكون مرهفة الحسّ، شديدة الحرص على عدم إحداث أيّ إزعاج لزوجي فضلًا عن أذيّته.
- أن أسعى أن تكون علاقتي بزوجي خالصة من التعلّقات الدنيويّة، فلا يتغيّر سلوكي تجاهه سواء أمّن لي متطلباتي أم لا.
 
 
 
 
91

76

الدرس السابع: الحياة الزوجية للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 المفاهيم الرئيسة


- حفلت حياة السيدة فاطمة عليها السلام والإمام عليّ عليه السلام بالكثير من الصعوبات والمشقّات على مختلف الصعد، إلّا أنّ كلّ الهموم والأحزان كانت تزول بنظرة من السيدة فاطمة عليها السلام حسب تعبير الإمام عليه السلام فكانت أعظم سكنٍ له عليه السلام على الصعيد المادّيّ والمعنويّ.

- بقيت الأسرة العلويّة تعيش الفقر المدقع فترة من الزمن، حتّى أنّ كثيرًا من الأوقات ما كان يخلو منزلهم من أيّ طعام، ومع ذلك لم تكن الزهراء عليها السلام تشتكي أو تعاتب زوجها قطّ ولم تكن تحمله ما لا يطيق.

- كانت السيدة فاطمة عليها السلام تعيش الفخر والاعتزاز بزوجها ولم يكن وضعه المادّيّ ليؤثّر في نظرتها إليه. ويبرز في خطابها له بعبارات التعظيم وقد برز أيضًا في محاججتها القوم بفضائله في مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

- إنّ مسألة افتخار الزوجة بزوجها بما هو حقٌّ وما هو قيّم عند الله في غاية الأهمّيّة، فهو يربّي الأولاد على تقييم الأمور بمعايير إلهيّة، كما يكرّس الاحترام بين الزوجين ما يستجلب مزيد مودّة ومحبّة.

- إنّ اللطافة التي تظلّل العلاقة الزوجيّة من شأنها أن تجعل الحبّ غضًّا طريًّا وتضفي جوًّا من الهناء وطيب المعشر على الحياة، وهو ما نجده في العلاقة بين الإمام عليّ عليه السلام والسيدة فاطمة.

- كان كلّ من الإمام عليه السلام والزهراء عليها السلام موضع سرٍّ للآخر، فكان هو موضع وصاياها وكانت هي أعلم الخلق بحالات زوجها وقت العبادة ...

- إنّ ما يميّز هذا الثنائيّ الاستثنائيّ بعلاقتهما عن كلّ البشر هو الحبّ الخالص الذي كان يجمعهما، الذي لا شائبة فيه، ولا دخل للدنيا وللتعلّقات فيه. ففاطمة عليها السلام لم تنتظر أيّ نعيم مادّيّ زائل من زوجها، حتّى أدنى متطلّبات العيش من مسكنٍ مريح ومأكل مشبع، لم تكن تنتظر منه سوى أن يكون هو، أكمل وأعظم آية وتجلٍّ لله عزّ وجلّ.
 
 
92

77

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 الدرس الثامن

السيدة فاطمة عليها السلام الأم


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أبرز سلوكيّات السيدة فاطمة عليها السلام مع أولادها.
2- يتبيّن بعض أسس المنهاج التربويّ الذي سلكته السيدة فاطمة عليها السلام في تربيتها لأبنائها بشكل عامّ.
3- يستلهم الخطوط الأساسيّة فيما يخصّ مضمون تربية الأبناء وأسلوبها من خلال سلوكيّات السيدة فاطمة.
 
 
 
 
 
93

78

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 تمهيد

إنّ حياة السيدة فاطمة عليها السلام برغم أنّ مدّتها كانت قصيرة، لكنّها على مستوىً من العمق والتلالؤ والاتّساع ما يسمح للإنسان باكتشاف أسرار وكنوز جديدة كلّما حفر فيها بعمقٍ أكثر، واستلهام الدروس والعبر في شتّى أبعاد الحياة.

ولأنّ التربية هي أعظم أدوار الأمّ وأهمّها على الإطلاق فإنّنا في هذا السياق نجد أنّ السيدة فاطمة عليها السلام تقدّم لنا أفضل قدوة وأعظم نموذج فيما يخصّ تربية الأبناء، فهي قدّمت للبشريّة أولادًا صنعوا التاريخ وتسلّموا زمام قيادة البشر. وسنحاول في هذا الدرس أن نضيء على أبرز السلوكيّات التي مارستها سيدة الطهر فاطمة عليها السلام مع أولادها والتي تشكّل الخطوط العامّة لتربيتها لهم.

السيدة فاطمة عليها السلام تصبح أمًّا
اكتسب شهر رمضان المبارك، مزيد تشرّف وعظمة بولادة الابن الأكبر للسيدة فاطمة عليها السلام الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، في منتصفه فكان بدر التمام، ومعه اكتملت فرحة بيت النبوّة ومهبط الوحي، بأن أصبحت الزهراء عليها السلام أمًّا. إنّ الأمومة هي من أهمّ محطات حياة الأنثى، وهو دور لا تستطيع القيام به إلّا بالحبّ والسرور، وهو ما نراه عند سيدتنا فاطمة عليها السلام، التي كانت مبتهجةً بأولادها تظلّلهم بحبّها وحنانها، وكان افتتاح ذلك الخير كلّه في ولادة الإمام الحسن عليه السلام، فالبهجة والسرور عمّ الجميع إلى حدّ كان الصحابة كجابر الأنصاريّ يأتون لتهنئة السيدة الزهراء عليها السلام بمولودها1. ثمّ بعد
 

1- الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، مصدر سابق، ج‏1، ص 40.
 
 
 
 
95

79

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 الحسن عليه السلام رزقت السيدة فاطمة عليها السلام والإمام عليّ عليه السلام بالإمام الحسين عليه السلام، ومن بعده ولدت السيدة زينب الكبرى عليها السلام، ثمّ المحسن السقط1. وبالطبع فقد كان البيت النبويّ حريصًا على إتمام المراسيم والمستحبّات فيما يخصّ ولادة الأولاد، حيث تنقل الروايات كيف أذّن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأقام للحسن والحسين عند ولادتهما2 وحنّكهما بالتمر وسمّاهما بأمر من الله عزّ وجلّ، وعقّ عنهما في سابعهما3، وحلق لهما رأسيهما4. وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شديد الحرص على المواليد الأبرار، حتّى إنّه لمّا ولد الحسن عليه السلام، طلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أسماء بنت عميس وهي التي كانت ممّن حضر بين يدي الزهراء عليها السلام حين ولادتها أن تعطيه الحسن عليه السلام، فناولته إيّاه وكان حديث الولادة، وقد كانوا لفّوه بخرقة صفراء فنزعها صلى الله عليه وآله وسلم ورماها عنه، وقال: "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُنَّ أَلَّا تَلُفُّوا الْمَوْلُودَ فِي خِرْقَةٍ صَفْرَاءَ"، ودعا بخرقة بيضاء فلفّه فيها5.


مدخل إلى منهج السيدة فاطمة عليها السلام التربويّ
عندما نطّلع على حياة السيدة فاطمة عليها السلام من خلال ما وصل إلينا من أخبار مع قلّتها، نستطيع أن نخرج بأسس عامّة لنهجها التربوي، فيما يخصّ تربية الأبناء، وذلك من خلال سلوكيّاتها مع أولادها. وفي هذا المجال تقدّم لنا السيدة فاطمة عليها السلام مرّة أخرى رائعة من روائع السلوك البشريّ، فلسائل أن يقول، ما هو السرّ في تربية السيدة فاطمة عليها السلام لأولادها بحيث خرّجت في حضنها صنّاع التاريخ: الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام وزينب عليها السلام؟! فالتربية الفاطميّة لزينب عليها السلام مثلًا، وهي التي لم تكن معصومة كأخويها عليهم السلام أهّلتها لأن تقوم بدورٍ شكّل منعطفًا للتاريخ. يقول الإمام الخامنئيّ في هذا الصدد: "لاحظوا كم تستلزم وضعيّة هذه المرأة من صلابة
 

1- الطبري الآملي الصغير، محمد بن جرير بن رستم‏، نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة عليهم السلام‏، تحقيق وتصحيح باسم محمد أسدي، نشر دليل ما، إيران- قم‏، 1427ه‏، ط1، ص 221.
2- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 368.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏6، ص .24
4- المصدر نفسه، ص 34.
5- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 368- 367.
 
 
 
96

80

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 حتّى تفيض بها على هذا الزوج ... وتربّي الأولاد بتلك التربية العالية التي ربّتهم عليها. فإذا قال قائل: إنّ الحسن والحسين إمامان ومجبولان على العصمة، فزينب لم تكن إماماً، لكنّ فاطمة الزهراء ربّتها تربية صالحة خلال تلك السنوات القصيرة .. إذ لم تلبث فاطمة طويلاً من بعد وفاة الرسول!"1، إذاً ما هي الطريقة والمنهج اللذان اعتمدتهما الزهراء عليها السلام مع أولادها فأنتجا تلك الثمار؟


بعد ملاحظة سيرة السيدة فاطمة عليها السلام مع أولادها وسياق تعاملها معَهم، يمكننا وضع ثلاثة أسس عامّة تتسمُ بها التربية الفاطميّة، وهي تشكّل المنهج الذي اعتمدته في تربيتها لأبنائها، حيث كان مضمون التربية الفاطميّة قائمًا على التالي: القيم الحقّة المنبثقة من الدين وزرعها في نفوس الأولاد وجبل كيانهم عليها، وذلك من خلال تجسيدها لتلك القيم بشكلٍ عمليّ، فاعتمدت أسلوب القدوة والأسوة وتقديم النموذج، بحيث يندر أن نعثر على موقف كان للزهراء عليها السلام فيه وعظٌ مباشر لأولادها، إلّا أنّ ذلك كلّه هو تحت رداء الحبّ والحنان، ولعلّ هذا ما يميّز المنهج الخاصّ بالأمهات ولذا كان دور المرأة بكونها أمًّا لا بديل عنه. فعناصر تربيتها عليها السلام كانت: مضموناً قيميّاً، بأسلوب تقديم النموذج العمليّ، برداء الحبّ.

السيدة فاطمة عليها السلام تربّي بالحبّ
إنّ من أشدّ لحظات الأنثى فرحًا في حياتها هي عندما تصبح أمًّا، عندما ترى وليدها لأوّل مرّة، فكيف إذا كانت الأمّ فاطمة عليها السلام العارفة بحقيقة الأمومة وكيف إذا كان الوليد هو الحسن عليه السلام! ومن الجيّد لفت النظر إلى مدى أهمّيّة سيادة الفرح والسرور داخل العائلة، وأن يشعر الأطفال بأنّ أهلهم مسرورون بهم، فرحون بوجودهم، فيتربّوا بفرح ويعيشوا بفرح وطمأنينة، وهو ما نلاحظه في عائلة السيدة فاطمة عليها السلام في فحوى الروايات، بل إنّ بعض الروايات تبيّن كيف كان الإمام الحسن والإمام الحسين عليه السلام
 

1- خطاب الإمام الخامنئيّ دام ظله بمناسبة أسبوع الشباب في الجمهورية الإسلاميّة، في طهران، بحضور جمع من الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعية، بتاريخ 11/01/1419ه.ق.
 
 
 
97

81

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 يلعبان بين يدي أمّهما وكم كانت فرحةً بهما1، كذلك فقد كانت عليها السلام تلاعبهما وتناغيهما وتدلّلهما، فتقول للحسن مثلّا وهي تناغيه وترقّصه: "أشبه أباك يا حسن، واخلع عن الحقّ الرسن.."2 وتناغي الحسين وتقول: "أنت شبيه بأبي، لست شبيهاً بعليّ.."3. إضافةً إلى ذلك فإنّ الحبّ والحنان اللذين يبديها لسان الروايات في تعامل الزهراء عليها السلام مع أولادها تكاد تستشعرهما لشدّتهما، ويبدو ذلك واضحًا في خطابها لهما فتناديهما بأمثال: "يا ثمرة فؤادي، قرة عيني.."4، كما تروي لنا الأخبار كيف كانت تهتمّ بنفسها بأطفالها، فتمضغ لهم الطعام وتطعمهم عندما كانوا صغارًا...5، وتتولّى بنفسها عليها السلام تغسيلهم وترتيبهم6. وكذا كانت شديدة الحرص على مشاعر صغارها وعواطفهم ففي رواية أنّ الحسن والحسين كانا يكتبان ذات مرّة، فتحاكما إلى أمّهما لتحكم بمن خطّه أحسن، فكرهت أن تؤذي أحدهما فقالت: "سَلَا أَبَاكُمَا"، وكره الإمام عليّ عليه السلام أن يؤذي أحدهما فقال: سلا جدّكما... لكنّ الرسول لم يحكم بينهما ورُدّ الحكم إلى الزهراء عليها السلام، فما كان منهما إلّا أن قطعت عقدها ونثرت حبّاته وقالت: "أَنَا أَنْثُرُ بَيْنَكُمَا جَوَاهِرَ هَذِهِ الْقِلَادَةِ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ فَخَطُّهُ أَحْسَنُ"7، فكان كلّ واحد نصيبه كالآخر، وكلّ ذلك حصل حرصًا على مشاعرهما عليهما السلام، وهما إمامان معصومان! فحريٌّ بالمربّين من آباء وأمهات وغيرهم أن يكونوا مرهفي الحسّ تجاه الأطفال، ولا يعتبروا أنّ هذه مواقف تمرّ في حياة الطفل من دون أثر، وأنّ الحفاظ على مشاعره ومساعدته للاعتداد بنفسه ورؤية إنجازاته هو أمر بالغ الأهمّيّة في تربيته.



كذلك فإنّه ومع ضيق الحال المادّيّة بشكل عامّ، إلّا أنّ السيدة فاطمة عليها السلام، كانت
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏36، ص 361.
2- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 898.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه، ص 932.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏4، ص 115.
6- الشيخ الطبرسيّ، إعلام الورى بأعلام الهدى، مصدر سابق، ص 212.
7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 310.
 
 
98

 


82

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 تهتمّ بأن يلبس أولادها ثياب العيد أسوة بأبناء المدينة أقرانهم مثلًا، حيث تقول الرواية لما جاء العيد قال الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام لأمّهما: "قَدْ زَيَّنُوا صَبِيَّانَ الْمَدِينَةِ إِلَّا نَحْنُ فَمَا لَكَ لَا تُزَيِّنِينَا"، فَقَالَتْ: "ثِيَابُكُمَا عِنْدَ الْخَيَّاطِ فَإِذَا أَتَانِي‏ زَيَّنْتُكُمَا"1، وفي هذا الموقف أبعادٌ تربويّة هامّة جدًّا، حيث ينبغي أن يأخذ الآباء والمربّون بعين الاعتبار المحيط الذي يضعون الأولاد فيه، فبعد أن نؤمّن بيئة مناسبة لهؤلاء الأطفال، علينا أن نحافظ على شأنيتهم ومشاعرهم بما يتناسب مع البيئة، لما لذلك من تأثير في نفسيّة الطفل وشخصيّته، وإلّا فلنسعَ لتغيير البيئة التي لا تناسبنا حرصًا منّا على نفوس أطفالنا. وعليه، فإنّ كلّ تلك المواقف التي تحدّثنا عنها وغيرها تبيّن كيف كان للحبّ الفاطميّ السيادة في التربية، وكيف كان وعاء الحبّ هو الوعاء الحاوي لكلّ السلوكيّات التربويّة، فقد كانت بحقّ تربّي بالحبّ.


التربية بالقدوة والنموذج
إنّ تقديم النموذج الصالح الخيّر وعرضه أمام الآخرين وخصوصاً المربّين لهو أمر بالغ الأهمّيّة، وهو أسلوبٌ قرآنيّ في الحقيقة، حيث يقول الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾2. كما يؤكّد التربويّون فاعليّة هذا الأسلوب حديثًا، ذلك لأنّ النفس البشريّة ميّالة إلى الاختيار تنفر من الإجبار، فالتعليم بتقديم النموذج أوقع في النفس من الوعظ والتلقين الدائم وخصوصاً لدى الأطفال. وفي هذا الإطار، نجد السيدة فاطمة عليها السلام تقدّم لأولادها بل لكلّ البشرية أنموذجًا كاملًا قابلًا للتأسّي، فهي بتجسيدها القيم والمفاهيم الدينيّة في حياتها تدّل المربّين بشكل عمليّ على ما ينبغي القيام به، وهو أمر عامّ وشامل ينطبق على حياتها بأكملها، وهو أسلوب نراه يتكرّر في مواقفها مع أولادها. فمثلًا نراها متهجّدة متعبّدة، تقوم ليلها حتّى تتورّم قدماها وهو أمر لا تحكيه عن نفسها أبدًا كما أنّها لا توقظ أولادها
 
 

1- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 391.
2- سورة الأحزاب، الآية 21.
 
 
99

83

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 ليقوموا بالتعبّد مثلها على سبيل المثال، بل إنّ هذا الخبر قد وصل إلينا على لسان الإمام الحسن عليه السلام لمّا استيقظ ورأى أمّه واقفة في محرابها تصلّي الليل بطوله، وفي الموقف نفسه نراها تدعو لجيرانها ولا تدعو لنفسها ولمّا سألها الإمام الحسن عليه السلام عن ذلك قالت: الجار ثمّ الدار، فدلّته بشكل سلوكيّ على قيمة محبة الآخرين والدعاء لهم1، وكذا علّمت أطفالها كيف يزهدون في هذه الدنيا، ففي مرّة أرسلت ابنيها بسوارين أحضرهما لها الإمام علي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليبيعهما وينفق ثمنهما على الفقراء زهدًا منها بهذه الفانيات2... وغيرها الكثير من المواقف، فكلّ حياة الزهراء عليها السلام قدّمت فيها نموذجًا وقدوة صالحة وكانت تلك هي الطريقة التي غرست من خلالها القيم الحقّة في نفوس أولادها، وربّتهم على تعظيمها والدفاع عنها بكلّ وجودهم، حتّى لو استدعى ذلك فداء تلك القيم بالنفس والروح، وهو ما حصل.


التربية على القيم
عنما يعظّم الإنسان أمرًا ما ويغدو جزءًا من شخصيّته ويصير منبع تصرّفاته، يصبح هذا الأمر قيمة راسخة عند ذاك الإنسان، فالقيم هي تلك الأمور التي نعتقد بها، ونجلُّها ونحترمها، وهي المعايير التي نتصرّف على أساسها. وكلّما كانت القيمة التي ندين بها أهمّ بالنسبة إلينا وخطرها أشدّ، كان الحفاظ عليها والدفاع عنها أشدّ. كما أنّ القيم هي أكثر الأمور رسوخًا في نفس الإنسان، إذا ليس من السهل أن تتحوّل فكرة ما أو معتقد معيّن إلى قيمة عند الإنسان، كما ليس من السهل أن تفقد قيمة معيّنة موقعيّتها عنده بسهولة، فالمسائل القيميّة تتجاوز الفكر، إذ لا بدّ من أن يكون الفرد يعتقد بدءاً بأهمّيّة العلم مثلًا فيمارس سلوكاً يتناسب مع ذلك المعتقد كأن يتعلّم ويقرأ ويجالس العلماء ويعظّم المتعلّمين وينفر من الجهل ولا يقبل به.. ومن ثمَّ يضفي هذا السلوك النابع من الاعتقاد رسوخًا في النفس فيضفي نوعًا من القدسيّة عند الإنسان إضافة إلى القدسيّة
 

1- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج‏1، ص 182.
2- الطبرسيّ، الشيخ الحسن بن الفضل‏، مكارم الأخلاق‏، انتشارات الشريف الرضي‏، إيران - قم، 1412ه‏، ط4، ص 94.
 
 
 
100

84

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 التي يمكن أن يحوزها هذا المعتقد خصوصًا إذا كان مستقًى من منابع مقدّسة كالدين مثلًا فتزداد قدسيّته، فيتحوّل إلى قيمة، ويشتدّ رسوخها في النفس، فيمسي الإنسان على استعداد لأن يبذل في سبيلها الغالي والنفيس، وهو ما يميّز المسائل القيميّة عن غيرها، فتغدو النفس معجونة بها وتشكّل هويّتها، لذا فالتربية القيميّة أي التربية على القيم هي الأهمّ. وفي هذا الإطار، يمكن لنا أن نفهم مضمون التربية الفاطميّة لأولادها على أنّها تربية قيميّة، قائمة على زرع القيم في نفوسهم، حيث شكّلت تلك القيم النابعة من الدين، والتي تجسّدها الزهراء عليها السلاممضمون تربيتها لأولادها، كالتربية على قيمة العبادة، وقيمة النظافة، وقيمة الارتباط بالله، وقيمة الزهد، وقيمة التقوى، وقيمة مساعد الآخرين... وسوف نعرض في الفقرات اللاحقة بعض نماذج القيم التي ربّت السيدة فاطمة عليها السلام أطفالها عليها، مع الإشارة إلى وجود تفاوت في أهمّيّة تلك القيم فيما بينها بحسب تأثيراتها وانعكاساتها على سلوك الإنسان وبحسب موقعها في المنظومة الدينيّة.


1- قيمة الارتباط بالله
ممّا لا شكّ فيه ولا ريب هو قيمة الحضور الإلهي وعظمته في حياة البيت الفاطميّ عليهم السلام، وهي قيمة نستطيع فهمها واستنتاجها بأدنى نظر وقراءة لحياتهم الشريفة، فالعبادة وحضور القيم الدينيّة وكون رضى الله هو معيار التفاضل والسلوك وفق المعايير الإلهيّة كلّ ذلك من شأنه أن يرسي قيمة الارتباط بالله وجعلها أهمّ قيمة على الإطلاق.

وإذا أردنا التحدّث عن السيدة فاطمة عليها السلام في هذا الإطار نستطيع أن نرى شدّة الحضور الإلهيّ في كلّ حركة من حركاتها وكلّ سكنة من سكناتها عليه السلام، حيث نرى أنّ ارتباطها بالله هو الذي صبّرها على شظف العيش كما مرّ معنا، فيراها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعليها كساء من أجلّة الإبل وهي تطحن الشعير وترضع ولدها فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: "فَقَالَ يَا بِنْتَاهْ تَعَجَّلِي‏ مَرَارَةَ الدُّنْيَا بِحَلَاوَةِ الْآخِرَةِ" فَترد عليه: "يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى
 
 
 
 
 
101
 

85

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 نَعْمَائِهِ وَالشُّكْرُ لِلَّهِ عَلَى آلَائِه‏"1... فارتباطها بالله هو العنوان العامّ والقيمة الأسمى في حياتها عليه السلام، وهو ما تجلّى في سلوكيّاتها وبالتالي هو ما أنشأت أطفالها عليه، فزرعت في نفوسهم تلك القيمة.


إنّ قيمة الارتباط بالله من الأهمّيّة بمكان في حياة الفرد، حيث تمثّل إكسير الحياة في الحقيقة وهي سرّ التربية الناجحة، وهي قيمة القيم، والقيمة الحاكمة على كلّ القيم الأخرى، فعندما يثمّن الفرد حضور الله عزّ وجلّ في حياته، يصبح لديه منظارًا ثاقبًا وبصيرة هدى ونور ينوّر حياته كيفما حلّ وإن كان طفلًا، وإن الارتباط بالله من شأنه أن يغيّر نظرة الفرد حتى الطفل إلى الحياة، فمتى عرضت له الشدائد مثلًا يتمسّك بالقويّ المطلق، فيطمئنّ، ومتى نزلت به البلايا يراها امتحانات إلهيّة عليه النجاح بها، فعندما نربطه بالقويّ المطلق، والحقّ المطلق، والعدل المطلق، والحكيم المطلق والرحيم المطلق الذي لا يدبّر سوى مصلحتنا نكون قد أعطينا الطفل مفتاح النجاح في الحياة ومفتاح النجاح الأخرويّ.

وكما لا يخفى فإنّ توطين النفس على حضور الله في الحياة وتقديم رضاه على هوى النفس هو مربض جهاد النفس، فمتى سلكنا سلوك حياة السيدة فاطمة عليها السلام وربّينا أنفسنا على ذلك المنهج، وربّينا أولادنا من خلال تقديم ذلك النموذج إليهم في سلوكيّاتنا، نكون قد اختصرنا طريق أطفالنا وقدّمنا لهم العون الكبير في مسيرة جهادهم. ولعلّه هنا يكمن سرّ التربية الفاطميّة تحديداً، فالسيدة الزهراء اعتمدت التربية على القيم بأسلوب النموذج وكانت سيدة القيم هي قيمة الحضور الإلهيّ والارتباط بالله وهي التي ظلّلت حياتهم، فكانت نتيجة تربيتها الحسن والحسين وزينب.
 

1- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 342.
 
 
 
102

86

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 2- قيمة العبادة

إنّ للعبادة في حياة السيدة فاطمة عليها السلام مكانةً مهمّة جدًّا وهو ما ستتبيّن ملامحه في درس حياتها العباديّة. وهنا نقول إنّ السلوك العباديّ للسيدة فاطمة عليها السلام بيّن حجم اهتمامها بذلك البعد في حياتها بشكل عمليّ، وهو بعد الارتباط المباشر بالله عزّ وجلّ ومناجاته والاختلاء به. وقد كرّست السيدة الزهراء عليها السلام هذه القيمة وأكّدتها وأجلّت أهمّيّتها باهتمامها المستمرّ بها فهي المتعبّدة المتهجّدة في الليالي، حتّى كانت أعبد الناس1، وحتّى من خلال اهتمامها بتفاصيل العبادة كأعمال ما قبل النوم حيث علّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تقوم بأربعة أعمال قبل منامها (قراءة سورة التوحيد ثلاث مرات فكأنّها ختمت القرآن، وأن تصلّي على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأنبياء قبله فيكونوا شفعاءها يوم القيامة، وأن تستغفر لجميع المؤمنين فيرضوا عنها جميعاً، وأن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فكأنّها حجّت واعتمرت)2، واهتمامها بأوقات استجابة الدعاء3...، فكلّ تلك التفاصيل السلوكيّة تحكي عن إجلال وتعظيم للعبادة. وزيادة على كلّ سلوكها العباديّ في حياتها، فهي السيدة التي سلّمت روحها لبارئها عزّ وجلّ وهي تتعبّد4، فالعبادة هي الفعل الأخير الذي صدر عنها عليها السلام في الدنيا.

ولعلّ ذلك السلوك هو ما يؤدّي وينتج سلوكًا كسلوك السيدة زينب عليها السلام ليلة الحادي عشر من المحرّم، حيث نراها برغم أنّها نزلت عليها المصائب من كلّ حدَب وصوب وفقدت إمامها وكلّ أهلها في ساعة واحدة ومع ذلك قامت بين يدي ربّها تصلّي صلاة ليلها ولم تقطعها5.
 

1- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 341.
2- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 857.
3- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج‏7، ص 384.
4- إسماعيل الأنصاري، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ج 15، ص111.
5- باقر القرشي، السيدة زينب، بطلة التاريخ ورائدة الجهاد في الإسلام عرض وتحليل، دار التعارف، لبنان - بيروت، 1998، ط1، ص 260.
 
 
 
103

87

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 3- قيمة النظافة

عن النبيّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "النظافة من الإيمان"1. تحتلّ النظافة مكانة عظيمة جدًّا في الإسلام، ويتجلّى ذلك من خلال تركيز الدين في النظافة بل بتفاصيل النظافة حتّى تحدّث عن قصّ الأظفار وتسويك الأسنان وغيرها من الأمور التي أكّد الإسلام ضرورة مراعاة النظافة فيها. وقد كانت النظافة قيمة ذات أهمّيّة جمّة في حياة السيدة فاطمة عليها السلام وعائلتها. فلشدّة تعظيمها للنظافة، تنقل لنا الروايات كيف كانت تنظّف منزلها حتّى قال فيها الأميرعليه السلام: "كسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها"2، ما يدلّ على دوام قيامها بتنظيف منزلها، وتطالعنا الروايات كيف كانت تهتمّ بأطفالها على هذا الصعيد، فكانت تحرص على تغسيلهم وتنظيفهم وترتيب ملابسهم، وفي رواية أنّ الرسول جاء يطرق باب السيدة فاطمة عليها السلام فلم يجبه أحد فجلس ينتظر، وقد كانت تغسّل الحسن عليه السلام، ثمّ خرج الحسن عليه السلام وقد غُسل وجهه وعلق عليه سبحة فذهب نحو ذراعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم3.

وقد بلغ اهتمامها بالنظافة مبلغًا حتّى إنّها لما كُسر ضلعها عليها السلام ومرضت مرضاً شديداً كانت فيه شهادتها، نادت بأولادها وغسّلتهم ونظّفتهم وألبستهم ثيابهم وهي على تلك الحال في يوم شهادتها4، رحمةً بهم ولعلّه خوفًا من لا يقدر أحد على الاعتناء بنظافتهم ومتابعة شؤونهم انشغالًا باستشهادها، وفي ذلك عبرة كبيرة في إطار تربية الأبناء. فحرص الوالدين الشديد على النظافة هو ما يساعد الأطفال على تبنّي النظافة لاحقًا كقيمة في حياتهم وعدم التفريط فيها مهما كان الثمن، كما فعلت الزهراء عليها السلام وهي في قمّة ألمها، حيث آلت إلّا أن تطمئنّ إلى نظافة أيتامها وشؤونهم.
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج59، ص291.
2- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج‏1، ص 320.
3- الشيخ الطبرسيّ، إعلام الورى بأعلام الهدى، مصدر سابق، ص 212.
4- إسماعيل الأنصاري، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ج 15، ص 99.
 
 
 
 
104

88

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 لفتات تربوية

بعد العرض المتقدّم لبعض شذرات المنهج التربويّ للسيدة فاطمة عليها السلام نستطيع أن نتبيّن كيف ولماذا أنتجت التربية الفاطميّة عظماء كالإمام الحسن والحسين عليهما السلام وزينب عليها السلام، فإنّ التربية على القيم الحقّة الصحيحة بحسب المعايير الإلهيّة من شأنه صقل شخصيّة الطفل بالمحتوى اللازم لنضجه ورشده وغدوّه عظيمًا، لكنّ تلك التربية القيميّة لا تؤتي أكلها إلّا إذا طُبِّقت بالطريقة الصحيحة، نعني بذلك طريقة تقديم النموذج والقدوة من خلال سلوكيّات المربّي، وفي هذا الإطار لعلّ خصوصيّة الأمّ تتمحور في تقديمها حول كلّ ما سبق في قالب الحبّ والحنان والعاطفة. فعندما يكون الأطفال في أسرة ما مشبعين عاطفيّاً مقدّرين في أسرهم، مزوّدين بالقيم الصحيحة النابعة من الإسلام نكون قد أمنّا القاعدة السليمة لنضج الأطفال بأقلّ قدر ممكن من العقد، بل لعلّه دون عقد، ونكون قد قدّمنا لهم العون لاسترشادهم في الحياة واختيارهم سبيل النجاة فيكونون إسلاميي المحتوى والمضمون، وهو نهج ميسّر للجميع كما تبيّن معنا من خلال سيرة السيدة فاطمة عليها السلام، فلكي نربّي طفلًا يواجه الصعاب ويفهم القبح الموجود في الدنيا ويعرف كيف يتعامل مع الشدائد ليس عليه أن يختبر ذلك، فليس على الطفل أن يتعرّض للذل مثلًا ليعرف كيف يتعامل معه، بل إنّه علينا أن نُفهِمه العالم، أن نربطه بالقوّي المطلق، وذلك من خلال سلوكنا، فيرى التجارب أمامه ويعمل وفقها، وهو قادرٌ على ذلك.
 
 
 
 
105

89

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 دروس تربويّة لحياة فاطميّة

لأنهج نهج سيدتي فاطمة عليها السلام في التربية، عليّ الالتفات إلى:
- العمل على تربية أولاد يكونون صنّاع التاريخ وفق النعايير الإلهيّة.
- أن تكون التربية محاطة بالحبّ، مكلّلة بالفرح والسرور.
- أن أشبع أطفالي ومنزلي بالحبّ وأبيّن لهم محبّتي من خلال سلوكيّاتي معهم.
- أن أحافظ على مشاعر أطفالي وأحرص على أن لا يتأذّوا عاطفيًّا. وأن أقدّر إنجازات الأولاد وما يقومون به.
- أن أبتعد عن التوجيه المباشر للأبناء في المسائل العباديّة.
- أن تكون سلوكيّاتي قابلة لأن تشكّل نموذجاً وقدوة صالحة للأولاد.
- أن يكون مضمون تربيتي قائماً على القيم الحقّة التي نادى بها الدين، كالعبادة والارتباط بالله والنظافة.
- أن تكون قيمة الارتباط بالله هي سيدة القيم التي أربّي أولادي عليها.
- أن يكون لقيمة العبادة مكانةٌ مهمّة في حياتي فتشكّل قيمة بارزة يمكن للأولاد أن يتبنّوها.
- أن تشكّل النظافة قيمة هامّة وبارزة في حياة الأسرة لتشكّل أرضيّة صالحة لتبنّيها في حياتهم.
 
 
 
 
106

90

الدرس الثامن: السيدة فاطمة عليها السلام الأم

 المفاهيم الرئيسة


- تشكّل الأمومة أحد أهمّ محطّات حياة الأنثى، وهو دور لا تستطيع القيام به إلّا بالحبّ والسرور، وهو ما نراه عند سيدتنا فاطمة عليها السلام، وهي التي كانت مبتهجةً بأولادها تظلّلهم بحبّها وحنانها على الدوام.

- تولّى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مهمّة التأذين والإقامة للحسن والحسين عند ولادتهما وحنّكهما بالتمر وسمّاهما بأمر من الله عزّ وجلّ وعقّ عنهما في سابعهما وحلق لهما رأسيهما.

- إنّ سرّ تربية السيدة فاطمة عليها السلام لأولادها عليهم السلام يكمن في منهجها التربويّ، حيث كان مضمون التربية الفاطميّة قائمًا على القيم الحقّة المنبثقة من الدين وزرعها في نفوس الأولاد وجبل كيانهم عليها.

- إنّ ما نلاحظه في عائلة السيدة فاطمة عليها السلام في فحوى الروايات، أنّ جوّ السرور والفرح هو الذي كان سائدًا فيما بين الأولاد وأمّهم عليهم السلام تلاعبهم وتناغيهم وتدلّلهم، وتناديهم بكلمات محبّبة وتتولّى بنفسها عليها السلام تغسيلهم وترتيبهم.

- قدّمت السيدة فاطمة عليها السلام لأولادها بل لكلّ البشريّة أنموذجًا كاملًا قابلًا للتأسّي، فهي بتجسيدها القيم والمفاهيم الدينيّة في حياتها تدّل المربّين بشكل عمليّ على ما ينبغي القيام به، وهو أسلوب نراه يتكرّر في مواقفها مع أولادها.

- القيم هي الأمور التي نعتقد بها ونجلُّها ونحترمها وهي المعايير التي نتصرّف على أساسها وقد شكّلت القيم النابعة من الدين مضمون التربية الفاطميّة لأولادها، كالتربية على قيمة العبادة والتربية على قيمة الارتباط بالله...

- إنّ الارتباط بالله هو العنوان العامّ والقيمة الأسمى في حياة السيّدة فاطمة عليها السلام، وهو ما تجلّى في سلوكيّاتها وبالتالي هو ما أنشأت أطفالها عليه، فزرعت في نفوسهم تلك القيمة وكانت سيّدة القيم.

- إنّ السلوك العباديّ للسيّدة فاطمة عليها السلام بيّن حجم اهتمامها بذلك البعد في حياتها بشكل عمليّ، وقد أكدّت عليها السلام هذه القيمة باهتمامها المستمرّ بها فهي المتعبّدة المتهجّدة في الليالي.

- كانت النظافة قيمة ذات أهمّية جمّة في حياة السيدة فاطمة عليها السلام وعائلتها. فكانت تهتمّ بنظافة منزلها وأولادها على الدوام.
 
 
 
107

91

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 الدرس التاسع

السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أهميّة التدبير المنزليّ في حياة السيدة فاطمة عليها السلام.
2- يتبيّن بعض سلوكيّات السيدة فاطمة عليها السلام في تدبيرها لمنزلها.
3- يستخلص الخطوط التربويّة العامّة فيما يخصّ تدبير المنزل انطلاقًا من سلوكيّات السيدة فاطمة عليها السلام.
 
 
 
 
 
109

92

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 تمهيد

يُعدّ تدبير المنزل من أقدم مهامّ المرأة عمومًا داخل الأسر، وذلك للعديد من الاعتبارات، فهي الموجودة في المنزل أكثر من الرجل بشكلٍ عامّ وهي أيضًا الأقدر على متابعة شؤون المنزل في هذا الإطار، إضافةً إلى الاعتبارات الاجتماعيّة بغضّ النظر عن صوابها وخطئها... إلّا أنّه ومنذ سنوات خلت، جرى العمل على الحطّ من مكانة المرأة انطلاقًا من أنّ وظيفتها هي العمل المنزليّ، وأمسى التدبير المنزليّ سمة توسم بها المرأة لتهميشها والتقليل من شأنها وتسخيف دورها في الحياة. ولا يخفى على أحد أنّ كلّ تلك الأفكار هي وليدة المجتمع الغربيّ الذي يتلطّى بمقولة الحريّة المزعومة ليبرّر أفعاله، وها هو يدفع الأثمان الباهظة جرّاء ذلك من تفكّك الأسر وانحلال أخلاقيّ وغيرها من المشاكل الاجتماعيّة.

إلّا أنّه ليس ذلك رأي الإسلام في التدبير المنزلي وشؤونه، ولا تمثّل الرؤية التهميشيّة للمنزل مسلك سيدة نساء العالمين عليها السلام! وهي التي إن وجد فضلٌ أو كمالٌ في هذه الدنيا أو غيرها فقد كان من نصيبها، وإن وجد نقص أو أيّ أمرٍ لا يعلي من شأن المرأة ولا يُعدّ كمالًا لها فهي الأبعد عنه في أيّ مجالٍ كان. وعليه، علينا أن نتأمل في حياتها عليها السلام، ونتمعّن في أسلوب تعاملها مع قضية التدبير المنزليّ خصوصاً لنفهم من خلال سلوكها حقيقة الرؤية الإسلاميّة في ذلك، وهذا ما سنحاول معالجته في هذا الدرس.
 
 
 
 
111

93

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 ما هو التدبير المنزلي؟

قبل الشروع في البحث لا بدّ لنا من التعرّف إلى المعنى المراد من التدبير المنزليّ وربّة المنزل بدايةً. فربّة المنزل يقصد بها مدبّرة المنزل، مديرته، من تتولّى شؤونه على مختلف الصعد، فالربّ هو المدبّر والمربّي وهو الأولى بالتصرّف لأنه الأعلم بربيبه، فلا تنحصر مهمّته في تأمين بعض الحاجيّات، بل إنّ من مهمّة الربّ التربية وإيصال المتربّي إلى كماله.

يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله موضحًا المقصود بربّة البيت: "... (الدور) الذي تقوم به المرأة هو تربية الإنسان، معناه إنتاج أسمى وأرقى ثمرة ومتاع في عالم الوجود، ألّا وهو البشر. هذا هو معنى ربة البيت"1، فلا تنحصر مهمّة المرأة المتوليّة لشؤون منزلها بالأعمال المنزليّة وإن كانت تشكّل قسمًا مهمًّا منها، وهو ليس تقليلًا من شأنها بتاتًا بل إنه في صلب مهمات التربية والتدبير، أيضًا في هذا الإطار يقول سماحته دام ظله: "ما يحتاج له مجتمعنا اليوم هو أن يعرف ما معنى الأمومة؟ وما معنى ربّة البيت؟ ما معنى سيدة المنزل؟ فاطمة الزهراء بذلك الشأن وبتلك المرتبة وبذلك المقام والعظمة كانت ربّة بيت، وهذا ليس حطّاً من شأنها، إذ لا يمكن الحطّ من قدرها وهي بتلك العظمة، أو يمكن التقليل من شأن تلك العظمة؟ هذه العظمة محفوظة في محلّها، ولكن من شؤون ومن مشاغل هذه العظمة نفسها أنّها كانت زوجة وأمّاً وربّة منزل. لننظر لهذه المفاهيم من هذه الزاوية"2.

إذًا عندما نفهم أنّ التدبير المنزلي هو في حقيقته تربية لذاك المنزل وما يحويه من أفراد حتّى أشياء، تختلف عندها نظرتنا إلى هذه المهمّة العظيمة الملقاة على عاتق المرأة، التي أدّتها الزهراء عليها السلامعلى أكمل وجه وأحسنها، وهي مهمّة الأنبياء في الحقيقة لكن على مستوى المجتمع البشريّ عموماً (تربية البشر)، وهو ما سنحاول تبيانه في الفقرات اللاحقة، فكلّ ربّة منزل هي نبيّ في حدود أسرتها، إن نجحت في
 

1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في مداحي أهل البيت بمناسبة ولادة السيدة فاطمة عليها السلام 7102.
2- المصدر نفسه.
 
 
 
112

94

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 هذه التجربة المصغّرة علّها تتوجّه نحو تربية المجتمع كلّها ويكون النجاح حليفها.


تنظيم شؤون الحياة بين الإمام علي عليه السلام والسيدة الزهراء عليها السلام
إنّ من أهمّ القواعد الحياتيّة والعقلائيّة بين البشر هي العمل بالاتّفاق، وتقسيم المهامّ بين الأفراد والتزام كلّ طرف بما جرى الاتفاق عليه، وهو أمر قام به الإمام عليّ عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام بعيد دخولهما منزلهما الجديد، إذ تقول الرواية إنّهما احتكما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسألة الخدمة، فقضى صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليها السلام بخدمة ما دون الباب وقضى على عليّ عليه السلام بخدمة ما خلفه، وقد سُرّت السيدة فاطمة عليها السلام بذلك سرورًا كبيرًا وقالت: "فَلَا يَعْلَمُ مَا دَاخَلَنِي مِنَ السُّرُورِ إِلَّا اللَّهُ بِإِكْفَائِي‏ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم تَحَمُّلَ رِقَابِ الرِّجَال‏"1.

وبناءً على ذلك الاتّفاق كان الإمام عليّ عليه السلام ينقل الحطب ويجيء بالطعام ويستقي، وكانت السيدة فاطمة عليها السلام تعجن وتخبز وتطبخ وتهتمّ بنظافة المنزل2... فكان ذلك التقسيم للمهامّ بينهما عليهما السلام ما هو الأفضل والأنسب وهو ما يراعي قدرتهما وظروفهما، ولو كان هناك ما هو أفضل لأرشدهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليه.

وقد قامت الزهراء عليها السلام بقسمها من العمل، وإن لم يكن واجبًا عليها شرعًا بالعنوان الأولي، إلّا أنّ بناء الأسرة الصالحة يتجاوز الوقوف عند الواجبات الشرعيّة والأحكام الفقهيّة المحضة، فمن الحكمة وراء تلك الأحكام التي وضعت بين الزوجين رسم الحدود وضمان عدم تعدّي أحدهما على الآخر. إلّا أنّ المولى عزّ وجلّ ترك مساحة كبيرة جدًّا بين الزوجين وداخل الأسرة لجريان الاتّفاق بينهما النابع من المودّة وإرادة الصلاح للأسرة جميعها.

إلّا أنّه تجدر الإشارة إلى مسألة هامّة في هذا الإطار، أنّه وإن لم تكن الخدمة المنزليّة
 

1- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق، ج‏25، ص 506.
2- المصدر نفسه، ص 508.
 
 
 
113

95

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 من وظائف المرأة على مستوى الأحكام الشرعيّة بداية، أي إنّها ليست من المسؤوليّات التي أوجبها الشرع على المرأة فتأثم على تركها، وليست من حقوق الزوج، لكنْ في المسألة تفصيل، حيث إنّها عندما قبلت تلك المرأة بزوجها المستقبليّ ذي الكفاف الذي لا يستطيع إخدامها بعاملة في المنزل وقد رضيت بحياتها معه، فهي كأنّها التزمت ضمنًا بإيكال مسؤوليّة الخدمة المنزليّة إليها وإن بشكلٍ عامّ، فليس لها فيما بعد أن تنكفئ وتمتنع عن ذلك دون رضى الطرفين، حيث صار في قوة الاتّفاق الضمنيّ. وكيفما كان فإنّه يجدر بالزوجين أن يتّفقا على كلّ تلك المسائل ويكون الاتّفاق لازماً للطرفين متأسيين بالإمام علي عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام في ذلك، ليضمنا حياةً مستقرّة وسليمة بشكل مستمرّ ويؤمّنا جوًّا مناسبًا لتربية أولادهما وتكاملهم.


السيدة فاطمة عليها السلام تعمل في المنزل
يُنقل عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال في وصف حال السيدة فاطمة عليها السلام في المنزل: "إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدِي فَاسْتَقَتْ بِالْقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَ فِي صَدْرِهَا وَطَحَنَتْ بِالرَّحَى حَتَّى مَجِلَتْ يَدَاهَا وَكَسَحَتِ الْبَيْتَ‏ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا وَأَوْقَدَتْ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتَّى دَكِنَتْ ثِيَابُهَا فَأَصَابَهَا مِنْ ذَلِكَ ضُرٌّ شَدِيدٌ.."1، فبيّن لنا عليه السلام كيف كانت السيدة فاطمة عليها السلام تتولّى بنفسها عمل المنزل بشكل دائم فكان يصيبها التعب الشديد والضرر جرّاء ذلك، ولعلّ ذلك مردّه إلى طبيعة العمل في ذلك الوقت وكم كان شاقًّا، لكنّها مع ذلك كانت دائمة الاهتمام بمنزلها فتكنس وتطحن وتطبخ وتؤمّن حاجات منزلها من سقي وغيرها وتهتم لنظافة أولادها على الدوام.

أضف إلى ذلك أنها كانت على مستوى عالٍ من التدبير حيث كانت على دراية بالأمور التي تسهّل عليها وعلى عائلتها مسائل الحياة، فلم تكن بحاجة إلى إرسال الملابس إلى الخياط متى أصابها أيّ رتق مثلاً، بل كانت ترقّع الملابس بنفسها2 فكان ثوبها مخيّطاً
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج‏1، ص 321.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏8، ص 165.
 
 
 
114

96

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 في اثني عشر موضعاً1 مثلاً، كما كانت تغزل الصوف2. وربّات المنزل يعلمن ما لتلك المعارف من أهميّة في حياة المرأة وعائلتها وكم توفّر عليها من مال ووقت حيث لا تضطرّ إلى الاستعانة بالآخرين متى حصل أيّ خلل بسيط في منزلها، بل تمتلك القدرة على إصلاحه. هذا إضافة إلى أنّ السيدة فاطمة عليها السلام كانت لها شؤونها ومشاغلها الأخرى، لذا كانت تحرص على تقسيم عملها في المنزل بين الأيام، حيث يُروى عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه لمّا رآها قد أعدّت ماء لتغسيل أطفالها وحضّرت الطعام، فقال لها: "ما عهدتك تشتغلين بعملين من أعمال الدنيا في يوم واحد وما ذلك إلّا لسبب.."3 وهو اليوم الذي كانت شهادتها فيه، فكانت تريد الاطمئنان إلى استكمال حاجيّات أطفالها.


فهي ليست تلك المرأة المنكبّة على عملها المنزليّ المنشغلة به على الدوام، مع أنّه كان لديها أربعة أولاد، ولكنّها لم تكن لتغرق نفسها في خضمّ الأعمال المنزليّة على الدوام، فلا تهتم بأبعاد أخرى في حياتها، بل كانت تعمل في منزلها وتخصّص وقتًا لتعبّدها وتؤدّي ما عليها من مهامّ تجاه الناس كالردّ على الاستفسارات الدينيّة وغيرها من المهامّ... ويفهم من ذلك أنّها كانت تعمل بتدبير وبحسب الأولويّات فتُتِمّ بذلك حدّ الاعتدال دون الإفراط أو التفريط.

العائلة المتكافلة
تحدّثنا فيما سبق عن تقسيم الأعمال بين السيدة فاطمة عليها السلام والإمام علي عليه السلام، وأنّ الزهراء عليها السلام تولّت أمور المنزل الداخليّة وعليّاً عليه السلام تولّى الأمور الخارجيّة، إلّا أنّ ذلك لا يعني أن لا يقدّم كلّ طرفٍ المساعدة متى استطاع للطرف الآخر في سبيل تأمين راحته وهنائه. فقد كان الإمام عليّ عليه السلام يعمل داخل المنزل أيضًا حيث تقول الرواية إنّه كان يكنس البيت4 وكان يقدّم للسيدة الزهراء عليها السلام يد العون في الطبخ أيضًا فكان
 
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏8، ص 303.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 257.
3- إسماعيل الأنصاري، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ج17، ص 179.
4- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق، ج‏25، ص 508.
 
 
 
115

97

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 مثلًا ينقّي العدس والسيدة فاطمة عليها السلام جالسةٌ عند القدر تطهو الطعام1، كذلك ورد في الروايات أنّه كان عليه السلام يطحن معها عليها السلامعلى الجاروش2. ولم يقتصر الأمر على الإمام عليّ عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام، بل كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقدّم يد المساعدة أيضًا، ففي رواية أنّه صلى الله عليه وآله وسلم دخل منزلهما وهما يطحنان على الجاروش، فسألهما: "أيّكما أعيا؟"، فأجاب الإمام عليه السلام بأنّ فاطمة تعبت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قومي يا بنيّة"، وأخذ يطحن مكانها3.


إنّ روائع تلك العائلة الجليلة لا تنضب مهما تحدّثنا عنها، فالرأفة والرحمة والحبّ الذي كان يجمعهم يأبى أن يرى فرداً منهم آخر قد تعب ولا يعينه. إنّ التكافل بين أفراد العائلة الفاطميّة حتّى في أمور المنزل لهو مدعاة للعجب، فالإمام عليّ عليه السلام مُنكِّس رأس الشرك ومُحطِّم الأصنام وقسيم الجنّة والنار، ها هو ينقّي العدس لزوجته ويكنس المنزل، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم حبيب الله وصاحب المشروع الإلهيّ المسدّد، وقائد الأمّة جمعاء وزعيم المسلمين، ها هو يطحن نيابة عن ابنته، أيّ تكافل هذا؟ وأيّ عظمة تلك؟! فالأجدر بالجميع مراجعة حساباتهم تجاه ما يعتبرونه عظيمًا من أعمال، والتأسّي الفعليّ والعمليّ بأفراد هذا الأسرة الذين لا نظير لهم، وهو أمر في مقدور الجميع كما هو واضح، فليس المطلوب أن نفتح أبواب خيبر جميعنا لنتأسّى بعليّ بن أبي طالب عليه السلام بل المطلوب أن نؤسّس عائلات متكافلة إذا مرض عضو فيها تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى، عندها نستطيع أن نؤسّس مجتمعاً متكافلاً لا وجود فيه لحصون خيبر فلا نحتاج إذًا إلى نزع بابها.

أجر المرأة العاملة في بيتها
إنّ الأجر المعنويّ للمرأة التي تعمل في منزلها لهو أجر عظيم، ويفوق الكثير من
 

1- الميرزا النوري، حسين بن محمد تقي‏، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل‏، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، إيران - قم، 1408ه‏، ط1، ج‏13، ص 49.
2- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 356.
3- المصدر نفسه.
 
 
 
116

98

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 الواجبات المفروضة، وفي ذلك دلالة على أهمّيته وتشجيع الإسلام عليه، حيث جاء في رواية أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دخل على ابنته فاطمة عليها السلام ذات يوم ووجدها تطحن شعيرًا، فجعل يحدّثها وبدأ يقصّ عليها أجر المرأة العاملة في منزلها، فقال: "يا فاطمة! ما من امرأة طحنت بيديها إلّا كتب اللّه لها بكلّ حبّة حسنة، ومحا عنها بكلّ حبّة سيّئة. يا فاطمة! ما من امرأة عرقت عند خبزها، إلّا جعل اللّه بينها وبين جهنّم سبعة خنادق من الرحمة. يا فاطمة! ما من امرأة غسلت قدرها، إلّا غسلها اللّه من الذنوب والخطايا... يا فاطمة! ما من امرأة نسجت ثوبا إلّا كتب اللّه لها بكلّ خيط واحد مئة حسنة، ومحا عنها مئة سيّئة. يا فاطمة! أفضل أعمال النساء المغازل. يا فاطمة! ما من امرأة برمت مغزلها إلّا كان له دويّ تحت العرش، فتستغفر لها الملائكة في السماء. يا فاطمة! ما من امرأة غزلت لتشتري لأولادها أو عيالها، إلّا كتب اللّه لها ثواب مَنْ أَطعمَ ألف جائع، وأكسى ألف عريان. يا فاطمة! ما من امرأة دهّنت رؤوس أولادها، وسرّحت شعورهم، وغسلت ثيابهم وقتلت قمّلهم إلّا كتب اللّه لها بكلّ شعرة حسنة، ومحا عنها بكلّ شعرة حسنة، وزيّنها في أعين الناس أجمعين"1.


أجر الرجل العامل في بيته
وعلى غرار أجر المرأة العاملة في منزلها، نرى أنّ الأجر المعنويّ للرجل الذي يساعد زوجته في العمل المنزليّ عظيم جدّاً، حيث ورد عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام أنه قَالَ: "دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَفَاطِمَة عليها السلام جَالِسَةٌ عِنْدَ الْقِدْرِ وَأَنَا أُنَقِّي الْعَدَسَ قَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اسْمَعْ‏ وَمَا أَقُولُ إِلَّا مَا أَمَرَ رَبِّي، مَا مِنْ رَجُلٍ يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إِلَّا كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ عَلَى بَدَنِهِ عِبَادَةُ سَنَةٍ صِيَامُ نَهَارِهَا وَقِيَامُ لَيْلِهَا وَأَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ الصَّابِرِينَ وَدَاوُدَ النَّبِيَّ وَيَعْقُوبَ وَعِيسَى عليه السلام، يَا عَلِيُّ مَنْ كَانَ فِي خِدْمَةِ عِيَالِهِ‏ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَأْنَفْ كَتَبَ اللَّهُ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ الشُّهَدَاءِ وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَوَابَ أَلْفِ شَهِيدٍ وَكَتَبَ لَهُ‏ بِكُلِّ قَدَمٍ ثَوَابَ حِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ
 

1- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 524.
 
 
 
117

 


99

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 وَأَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عِرْقٍ فِي جَسَدِهِ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ، يَا عَلِيُّ سَاعَةٌ فِي خِدْمَةِ الْبَيْتِ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ سَنَةٍ وأَلْفِ حَجٍّ وَأَلْفِ عُمْرَةٍ وَخَيْرٌ مِنْ عِتْقِ أَلْفِ رَقَبَةٍ وَأَلْفِ غَزْوَةٍ وَأَلْفِ مَرِيضٍ عَادَهُ وَأَلْفِ جُمُعَةٍ وَأَلْفِ جَنَازَةٍ وأَلْفِ جَائِعٍ يُشْبِعُهُمْ وَأَلْفِ عَارٍ يَكْسُوهُمْ وَأَلْفِ فَرَسٍ يُوَجِّهُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ وَمِنْ أَلْفِ أَسِيرٍ اشْتَرَاهَا فَأَعْتَقَهَا وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ أَلْفِ بَدَنَةٍ يُعْطِي لِلْمَسَاكِينِ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى مَكَانَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، يَا عَلِيُّ مَنْ لَمْ يَأْنَفْ مِنْ خِدْمَةِ الْعِيَالِ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، يَا عَلِيُّ خِدْمَةُ الْعِيَالِ كَفَّارَةٌ لِلْكَبَائِرِ وَيُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَمُهُورُ حُورِ الْعِينِ ويَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ وَالدَّرَجَاتِ يَا عَلِيُّ لَا يَخْدُمُ الْعِيَالَ إِلَّا صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ أَوْ رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة"1.


السيدة فاطمة عليها السلام وفضة
تتحدّث العديد من الأخبار عن أنه كان للسيدة فاطمة عليها السلام جارية اسمها فضّة أخدمها إيّاها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تشاطرها الخدمة2، إلا أنّه وفي سياق تعاملنا مع هذه المسألة ينبغي الالتفات إلى عدّة ملاحظات:
أوّلًا: إنّ مسألة الإماء والعبيد في ذلك الزمن كان لها حيثياتها وخصوصيّاتها وقد كانت منتشرة على نطاق واسع، وهي لا تقارن بوجود عاملات في الخدمة المنزليّة في أيّامنا هذه.

ثانيًا: إنّ السيدة فاطمة عاشت فترة سنوات تتولّى هي مهامّ المنزل كلّها، حيث لم تكن فضّة موجودة عند انتقال الزهراء عليها السلام إلى منزل الإمام عليّ عليه السلام، وعليه فإنّ فضّة قد دخلت منزل السيدة فاطمة عليها السلام بعد سنوات من زواجها وذلك بعد أن كثرت وتعدّدت المهامّ المنوطة بها وبعد أن قوي عود الإسلام وبدأ بالانتشار وبدأ الناس يتعرّفون إلى الإسلام بطريقة أعمق.

ثالثًا: فإنّ وجود خادمة عند السيدة فاطمة عليها السلام على فرض صحّته، قد حصل بعد
 

1- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق‏، ج‏13، ص 49.
2- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 1043.
 
 
 
118

100

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 أن انتعش المجتمع الإسلاميّ كلّه، ولم يبقَ فيه من فقير يحتاج إلى أن يُنفق عليه وإلّا لما أقدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على تقديم جارية لابنته عليهم السلام أجمعين.


إضافةً إلى ما تقدّم، فإنّ الروايات التي تحدّثت عن السيدة فاطمة عليها السلام وفضّة تبيّن رفعة أخلاق الزهراء عليها السلام، حيث كانت شؤون المنزل مقسّمة بين السيدة فاطمة عليها السلام وفضّة، كما أنّ أيام العمل كانت مقسّمة بينهما، فيوماً تعمل فيه السيدة فاطمة عليها السلام ويوماً تعمل فيه فضّة، وفي رواية أنّ سلمان دخل منزل السيدة فاطمة عليها السلام فرآها تطحن بالرحى وعلى عمود الرحى دم سائل والحسين يتضوّر من الجوع، فاستغرب ذلك الموقف وقال لها: "يا بنت رسول اللّه، دَبَرت كفّاك، وهذه فضّة"، فقالت له: "أوصاني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أن تكون الخدمة لها يوماً، فكان أمس‏ يوم‏ خدمتها"1. فلم تكن سيدة نساء العالمين لترضى بأن تتعامل مع جاريتها إلّا وفق القيم الدينيّة والإنسانيّة الراقية، فأنتج البيت الفاطميّ العلويّ جارية كفضّة لم تتكلم فترة عشرين عامًا إلا بالقرآن2، حيث جاء في رواية أنّ فضّة بقيت طيلة عشرين عامًا ما نطقت إلّا بالقرآن فكانت إذا أرادت أن تتكلّم وتطلب أيّ شيء كانت تأتي بآية تدلّ على مرادها.

لفتات تربويّة
بعد كلّ ما سبق، نستطيع أن نخرج بخلاصة مفادها: أنّ التدبير المنزليّ والعمل في المنزل هو من المهامّ الجليلة الفائقة الأهمّية في الإسلام، وهذا أمر نفهمه من خلال سيرة السيدة فاطمة عليها السلام ومن خلال الأجر الجزيل الذي أقره الإسلام على تلك الأعمال للمرأة والرجل. لكن كما هو معروف فإنّ كلّ شيء في الإسلام يكتسب قيمته وقدسيّته جرّاء دوره في تكامل الإنسان وتقرّبه من الله عزّ وجلّ، فأين موقع التدبير المنزليّ من تكامل الإنسان حتّى يحظى بكلّ هذا التبجيل والتعظيم والاهتمام؟! وسنحاول تبيين المسألة فيما يلي:
إنّه لمّا كان هدف الإسلام هو تربية الإنسان وإيصاله إلى كماله بالقرب من الله عزّ وجلّ،
 

1- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 191.
2- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 344.ظ
 
 
 
119

101

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 كان كلّ ما في وجوده ينبغي أن يخدم هذا الهدف، مهما كان مهمًّا أو بسيطًا للوهلة الأولى. أيضًا في هذا الإطار بعث الأنبياء عليهم السلام للقيام بهذه المهمّة العظيمة على مستوى البشريّة (تربية الناس وإيصالهم إلى كمالهم)، ومن ضمن مهامّهم إصلاح الأرض التي هي مركب عروج الإنسان ومكان تكامله، إذ إنّه ما دام الفساد يغزو الأرض فلن يتحقّق الهدف من الخلق، وذاك الفساد ليس المقصود منه فساد الناس الأخلاقيّ فحسب، بل فساد البيئة أيضاً جرّاء التلوّث وتبعاته الخطيرة لتصبح الأرض بيئة ملائمة لتكامل ورقيّ الإنسان.. لكن ما علاقة هذا الكلام بموضوعنا!


البيت هو أرض الإنسان الأولى وبيئته الخاصّة والتي منها ينطلق نحو المجتمع الأكبر، وهو المكان الأول الذي ستبدأ عمليّة تفتح قابليّاته فيه، وسيبدأ مسيرة تكامله في وسطه. لذا ما دام ذلك البيت غير صالح، بأن كان متسخًا مثلًا أو غير مرتّب وغير منظّم ولا يؤمّن حاجات الإنسان بشكل سليم من مأكل وملبس مناسبين.. وغيرها من الحاجات الحياتيّة لن يكون تكامل الإنسان ميسّرًا بالحدّ الأدنى، بل ستكون الصعاب فيه محفوفة. فأوّل خطوة لتأمين التكامل لجميع أفراد الأسرة هو تأمين البيئة البيتيّة الملائمة، أي منزل مناسب لائق في إطار الضوابط الإسلامية. ولا يخفى على كلّ من خبر التدبير المنزليّ ما لذلك التدبير من آثار مهمّة مباشرة على سلوك جميع أفراد العائلة وحياتهم من الأم والأب والأولاد، فالتنظيم والترتيب بشكل مستمرّ مثلاً يربّي أولادًا مرتّبين منظّمين، ويوفّر الوقت والجهد على أفراد العائلة كلّهم، والنظافة الدائمة في المنزل تبعد الأمراض وتوفّر نفقات الطبابة على العائلة مثلًا، وكذا حال وجود الطعام في المنزل، فمن شأنه تنمية أفراد سالمين جسديًّا لا تشغلهم أمراضهم البدنية عن وظائفهم وتكاليفهم في الحياة. لذا فإنّه وكما ينبغي إزالة كلّ فساد من الأرض ومنه الفساد البيئيّ لتأمين الأرضيّة اللازمة لتكامل الإنسان وتفتح قابليّاته، كذا الحال في المنزل الذي هو أوّل منبت للأفراد.

وعليه، يمكن لنا في ضوء ما قدّمناه أن نفهم بعضًا من اهتمام الإسلام بالعمل والتدبير المنزليّ وفي ضوء رؤية كهذه نستطيع أن نضع العمل المنزليّ في خانته الصحيحة في حياتنا فيغدو مقدمة لتكاملنا وتكامل أسرنا وطريق عروج نحو الباري عزّ وجلّ.
 
 
 
 
 
120

102

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 دروس تربويّة لحياة فاطميّة

لأنهج نهج سيدتي فاطمة عليها السلام في الحياة، يبنغي لي:
- أن أعتبر أنَّ التدبير المنزليّ في حقيقته هو تربية لأفراده.
- أن يحتلّ عندي التدبير والعمل المنزليّ الموقع المناسب من الاهتمام.
- أن أنظّم شؤون منزلي وأتولّى المهامّ التي أقدر على تنفيذها بما يعود بالخير على الأسرة جمعاء.
- أن أتقيّد بتنفيذ مهامّي المنزليّة الموكلة إليّ لضمان صلاح المنزل واستمراريّته.
- أن أحافظ على نظافة منزلي دومًا.
- أن أقسّم أعمالي المنزليّة على الأيّام، فلا تشكّل تلك الأعمال الشغل الشاغل طَوال النهار.
- أن أحرص على تعلّم الحِرَف التي تساعدني في إدارة شؤون منزلي وتسهيل حياتي وحياة عائلتي، كالغزل والخياطة..
- أن أقدّم المساعدة على الدوام لأفراد العائلة متى استطعت في سبيل تأمين راحتهم.
 
 
 
 
 
121

103

الدرس التاسع: السيدة فاطمة عليها السلام ربّة المنزل

 المفاهيم الرئيسة


- ربّة المنزل هي مدبّرة المنزل ومديرته، ومن تتولّى شؤونه على مختلف الصعد، فهي الأولى بالتصرّف لأنّها الأعلم، فمهمّة الربّ هو التربية وإيصال المتربّي إلى كماله.

- احتكم الإمام عليّ عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مسألة الخدمة، فقضى صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليها السلام بخدمة ما دون الباب وعلى عليّ عليه السلام بخدمة ما خلفه، وهو التقسيم الأفضل لكليهما.

- كانت السيدة فاطمة عليها السلام تتولّى بنفسها عمل المنزل بشكل دائم فكان يصيبها التعب الشديد والضرر جرّاء ذلك، فتكنس وتطحن وتطبخ وتستقي وتهتمّ بنظافة أولادها...

- كانت الزهراء عليها السلام تحرص على تقسيم عملها في المنزل على الأيام، فما كانت لتُغرق نفسها في الأعمال المنزليّة على الدوام، بل كانت تعمل في منزلها بمقدار وتخصّص وقتًا لتعبّدها وتؤدَّي ما عليها من مهامّ تجاه الناس بحسب الأولويات.

- إنّ التكافل النابع من الرأفة والرحمة والحبّ هو عنوان للعائلة النبويّة العلويّة، حتّى في أمور المنزل. فنرى أنّه حتّى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليُّ عليه السلام يقدّمان يد العون في المنزل متى استطاعا.

- إنّ أجر المرأة التي تعمل في منزلها لهو أجر عظيم، وفي ذلك دلالة على أهمّيته الكبرى.

- قسّمت السيدة فاطمة عليها السلام أعمال المنزل بينها وبين جاريتها فضّة، فكان يومٌ على الزهراء عليها السلام ويوم على فضّة.

- للتدبير المنزليّ موقعيّة هامّة جدًّا في مسيرة تكامل الإنسان، ولعلّ ذلك السبب الكامن وراء اهتمام الإسلام به. فالبيت هو أرض الإنسان الأولى وبيئته الخاصّة وهو المكان الأول الذي تتفتّح فيه قابليّاته.
 
 
 
 
 
122

104

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 الدرس العاشر

حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى موقعيّة العبادة في حياة السيدة فاطمة عليها السلام.
2- يتعرّف إلى بعض الجوانب العباديّة في حياة السيدة فاطمة عليها السلام.
3- يستلهم بعض الدروس العمليّة التربويّة فيما يخصّ العبادة انطلاقًا من سيرة السيدة فاطمة عليها السلام.
 
 
 
 
123
 

105

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 تمهيد

رُوِي في بعض الأحاديث أنّه "مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا أَعْبَدَ مِنْ فَاطِمَةَ عليها السلام كَانَتْ تَقُومُ حَتَّى تَتَوَرَّمَ‏ قَدَمَاهَا"1. لعلّ هذا الحديث يُعبّر إجمالًا عن البعد العباديّ في حياة السيدة فاطمة عليها السلام تحديداً، فعندما نطالع سيرتها العطرة، كثيرًا ما يستوقفنا البعد العباديّ فيها، حيث كان له حضورٌ كبيرٌ في يوميّاتها عليها السلام. ربما قال أحدهم إنّه كان عندها من الوقت الكافي للتعبّد، وربّما أحال آخر كثرة تعبّدها إلّا أنّ ذلك العصر لم يكن فيه الكثير من الانشغالات والتفريعات الحياتيّة التي تأخذ بلبّ صاحبها وتشغله حتّى عن نفسه.

إلّا أنّ ذلك خلاف واقع سيدة النساء عليها السلام وحياتها، حيث سيتبين لنا في الدروس اللاحقة حجم الانشغال الذي كان يلفّ حياتها عليها السلام، وأنّها لم يكن عندها وقت لا عمل فيه لكي تملأه بالعبادة، بل كانت تتحيّن كلّ فرصة لتتعبّد، وتعطي العبادة والممارسات العباديّة أولويّة جمّة، فهي في خضمّ انشغالها الدائم، بدءًا بأمور المنزل وشؤونه -التي كانت تأخذ الكثير من الوقت والجهد في تلك العصور- وصولًا إلى انشغالها بأمور الأمّة جمعاء، نرى أنّها كانت متعبّدة مُتهجّدة حتّى وصفت بأعبد الناس. فلنا أن نسأل هنا عن السبب وراء هذا السلوك من السيدة فاطمة عليها السلام، وما الذي يدفعها إلى أن تفرّغ نفسها للعبادة ولا سيّما الصلاة والدعاء، مع كون كلّ حياتها لله عزّ وجلّ؟ وهو ما سنحاول تبيانه فيما يأتي.
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 43، ص 86.
 
 
 
125

106

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 بيان معنى العبادة في اللّغة والاصطلاح1

للإجابة عن التساؤل السابق، من الجيّد التوقّف عند معنى العبادة أولًا، فهي - أي العبادة - في اللغة الطاعةُ مع الخُضُوعِ، ومنه طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كان مذلّلًا بكثرة الوَطْء2، ويُقال عبّدت فلاناً أيْ ذلَّلته وإذا اتّخذته عبداً، قال تعالى: "أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيل3"َ. وقال الزمخشري: "العبادة أقصى غاية الخضوع والتذلّل، ولذلك لم تستعمل إلاّ في الخضوع لله تعالى لأنّه مولى أعظم النعم فكان حقيقاً بأقصى غاية الخضوع"4.

كما أنّ العبادة بحسب الاصطلاح هي المواظبة على فعل المأمور به... ثم استعمل العابد فيمن اتّخذ إلهًا غير الله، فقيل عابد الوثن وعابد الشمس5.

ومع أنّ العبادة أخذت معنى أضيق في الفقه الإسلاميّ، بوصفها مجموعة شعائر يؤدّيها العبد، مثل الصلاة والصوم والحجّ والزَكاة والخمس... وغيرها من الأحكام والتكاليف الشرعيّة، ولنسمّها العبادة بالمعنى الأخصّ، إلّا أنّها لا تنحصر بها، فمفهوم العبادة في الإسلام بشكّل عامّ وبعيدًا عن المصطلح الفقهيّ الخاصّ هو اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبّه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ولْنسمِّها العبادة بالمعنى الأعمّ، وهي تتضمّن غاية الذلّ لله تعالى مع المحبّة له. فكلّ عمل أريد به وجه الله والتقرّب إليه بما يحبّ ويرضى فهو عبادة، جاء عن الإمام الرضا عليه السلام: "ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة، وإنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله"6.
 

1- راجع: روح العبادة، لجنة التأليف في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الثقافية الإسلاميّة، ص 17 - 18.
2- ابن منظور، محمد بن مكرم‏، لسان العرب‏، تحقيق وتصحيح جمال الدين الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- دار صادر، لبنان - ‏بيروت، 1414ه‏، ط3، ج3، ص 21.
3- العلوي، عادل، تقرير درس السيد المرعشي، القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد، مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي قدس سره، 1422ه - 1380 ش - 2001م، إيران - قم، ط1، ج1، ص47.
4- الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1385ه-1966م، لا.ط، ج 1، ص 10.
5- الطريحي، فخر الدين بن محمد، مجمع البحرين‏، تحقيق وتصحيح أحمد الحسيني الأشكوري، نشر المرتضوي‏، إيران - طهران، 1417ه‏، ط3، ج 3، ص 92.
6- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص50.
 
 
 
126

107

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 وهذا المدلول الشامل للعبادة في الإسلام هو مضمون دعوة الرسل عليهم السلام جميعاً، وهو ثابتٌ من ثوابت رسالاتهم عبر التاريخ، فما من نبيٍّ إلّا أمر قومه بالعبادة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ1. فلا حصر ولا تحديد لنوع الأعمال أو الأفكار أو الأقوال، أو المشاعر التي يُعبد بها الله. فالصلاة، والصدقة، والجهاد، والتفكّر في خلق الله، ومساعدة الضعيف، وإصلاح الفاسد، ورفض الظلم... كلّ تلك الأعمال هي عبادة ما دام الداعي إلى فعلها، أو تركها، هو الاستجابة لأمر الله تعالى وتحقيق رضاه ومحبّته.


فيمكن أن يحوّل الإنسان كلّ حياته إلى عبادة، حتّى نومه وأنفاسه، ما دام الداعي هو حبّ الله ورضاه، فيتحوّل وجوده إلى وجود إلهيّ، جاء في الحديث القدسيّ:  "… وإنّه (العبد) ليتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أُحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته"2.

إلّا أنّه ومع كلّ ما تقدّم، يبقى للممارسات العباديّة من صلاة ودعاء وغيرها، خصوصيّة في هذا المجال. فلمّا كان الحبّ هو أصل العلاقة بين العبد وربّه، فلا بدّ للمحبّ من خلوة مع محبوبه، ويبقى المحبّ منتظرًا لكلّ فرصة سانحة للتقرّب من محبوبه أكثر والتعبير عن حبّه وعشقه له بطرائق خاصّة يرتضيها المحبوب، فشرّع الله لنا الصلاة مثلًا، لتعبّر عن صلة خاصّة بين العبد وربه، حيث كانت قرّة عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فروي أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاة"3. يقول الإمام الخمينيّ قدس سره أيضاً في هذا الصدد: "والحقّ تعالى يتجلّى لأوليائه الكُمّل تارة بالتجلّي اللطفيّ ويكون العشق والجذبة الحبية هادية لهم، كما في الحديث بأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
 

1- سورة الأنبياء، الآية 25.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 352.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج79، ص 211.
 
 
 
127

108

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 كان ينتظر الصلاة ويشتدّ عشقه وشوقه فيقول لبلال المؤذّن: "أرحنا يا بلال.."1. وليس الأمر مقتصرًا على الصلاة بل لكلّ عبادة فلسفتها وحكمتها وأسلوبها المقرّب إلى الله، وإن كانت الصلاة هي العبادة الجامعة.


فاطمة عليها السلام كلُّها لله
لم تكن حياة السيدة فاطمة عليها السلام لله فحسب، بل إنّها المعصومة الكاملة والأَمَةُ الحقيقيّة التي كان كلّ وجودها لله عزّ وجلّ. فوجودها الحقانيّ يبيّن لنا أنّ كلّ فعل بل كلّ خاطرة بل كلّ نفَسٍ صدر عنها عليها السلام لم يكن سوى تجلٍّ لإرادة الله عزّ وجلّ، وما يريده الله ويُحبّه هو مدار حياتها، فحياتها كلّها عبادة بالمعنى العامّ، ومع ذلك نراها تسعى جاهدةً لقيام الليل، والقيام بالمستحبّات، وكثرة الصلاة والدعاء. لمَ يا تُرى؟

عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانًا ويقينًا إلى مُشاشها، ففرغت لطاعة الله"2. فتفرّغها لطاعة الله وسعيها للوصال الدائم عبر الصلاة والتهجّد هو فرع معرفة الله التي تورث الحبّ والعشق، يقول الإمام الخمينيّ قدس سرهفي كلام له حول الصلاة: "إنَّ من أعلى مراتب الخسران والضرر الاكتفاء بصورة الصلاة وقشرها، والحرمان من بركاتها وكمالاتها الباطنية، التي توجب السعادات الأبدية، بل جوار ربّ العزّة ومرقاة العروج إلى مقام الوصول إلى وصال المحبوب المطلق الذي هو غاية آمال الأولياء ومنتهى أمنيّة أصحاب المعرفة وأولي القلوب، بل هو قرّة عين سيد الرسل صلى الله عليه وآله وسلم"3.. فالمحبّ والعابد يتحيّن الفرص للقاء محبوبه ومعبوده، وكلّ لحظة يستطيع فيها الاتصال بمحبوبه فلن يقصّر، ويفضل الاختلاء به وفي أوقات خاصّة، كلّ ذلك من مستلزمات العشق، لهذا نراها عليها السلام لا توفّر فرصة
 

1- الإمام الخمينيّ، السيد روح الله الموسوي، معراج السالكين (الآداب المعنوية للصلاة)، ترجمة السيد عباس نور الدين، نشر بيت الكاتب، لبنان - بيروت، 2009م، ط1،ص 75.
2- إسماعيل الأنصاري، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ج 21، ص 110.
3- الإمام الخمينيّ، معراج السالكين (الآداب المعنوية للصلاة)، مصدر سابق، ص 16.
 
 
 
128

109

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 للاتصال بالله عزّ وجلّ إلّا فعلت، حتّى مع انهماكها بمقتضيات الحياة نراها تحيي ليلها حتّى الفجر في عبادة ربّها، فعن الإمام الحسن عليه السلام، قال: "رأيت أمّي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتّضح عمود الصبح"1.


اهتمامها عليه السلام بتفاصيل العبادة
تروي لنا الأخبار أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد خصّ السيدة فاطمة عليها السلام والإمام عليّاً عليه السلام بالعديد من الصلوات والأذكار، فكان يُعلّمهم صلوات مستحبّة وأدعية كثيرة في حالات مختلفة كالتعقيبات عقيب الصلوات والدعاء عند رؤية الهلال وأعمال ما قبل النوم2، وفي رواية عن الزهراء عليها السلام قالت: "سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنَّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله عزّ وجلّ فيها خيرًا إلّا وأعطاه إيّاه..إذا تدلّى نصف عين الشمس للغروب، وكانت فاطمة عليها السلام تقول لأحدهم: اصعد إلى الظراب، فإذا رأيت عين الشمس قد تدلّت للغروب فأعلمني حتّى أدعو. فلا تزال تدعو حتّى تغرب الشمس، ثمّ تصلي"3. وفي ذلك دلالة على اهتمامها عليها السلام بالأمور التفصيليّة في العبادة والحرص على التعبّد الدائم والاهتمام بأيّ تفصيل فيه تقرّب إلى الله عزّ وجلّ ورضى، هذا إضافةً إلى العديد من الصلوات والأدعية المروية عنها عليها السلامحتّى إنَّها جمعت في كتب خاصّة4.

الاهتمام بعبادة الأهل
يقول الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى5, ويقول في موضع آخر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
 

1- إسماعيل الأنصاري، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ج 21، ص 107.
2- المصدر نفسه، ص 121-122.
3- المصدر نفسه، ص 117 - 118.
4- راجع: عبود، أسعد، صحيفة الزهراء عليها السلام، الإرشاد للطباعة والنشر، 1999م.
5- سورة طه، الآية 132.
 
 
 
129

 


110

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾1, فعلى الفرد أن يهتمّ بعبادة غيره وخصوصًا أهله، وعلاقتهم بالله وما يُقرّبهم إليه، لكن بطريقة حكيمة، بحسب الوسع والتأثير حتّى لا تأتي النتائج معاكسة. وقد كان من سلوك السيدة فاطمة عليها السلام أن تهتمّ بعبادة أهلها، حيث جاء في رواية عن عليّ عليه السلام أنّه قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوي فراشه ويشدُّ مئزره في العشر الأواخر من شهر رمضان، وكان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين..وكانت فاطمة عليها السلام لا تدَعُ أحدًا من أهلها ينام تلك الليلة وتداويهم بقلّة الطعام وتتأهَّب لها من النهار وتقول: محروم من حُرم خيرها"2، فكانت تهيّء الظروف لها ولعائلتها لإحياء الليلة وتتحضر للتعبُّد فيها.


الدعاء للآخرين
كانت السيدة الزهراء عليها السلام تولي الدعاء لجيرانها والمؤمنين والمؤمنات أهمّية كبيرة، فكانت تدعو لهم وتسمّيهم قبل أن تدعو حتّى لأولادها ونفسها، ففي رواية عن الحسن عليه السلام أنّه قال: "رأيت أمّي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمِّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء. فقلت لها: يا أمّاه! لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بُنيَّ، الجار ثمّ الدار"3.

الصلاة الحقيقيّة
يروى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه وصف صلاة السيدة الزهراء عليها السلام فقال: "وأمّا ابنتي فاطمة عليها السلام، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين...متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله، زهّر نورها لملائكة السماء كما يُزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمَتي فاطمة عليها السلام سيدة
 

1- سورة التحريم، الآية 6.
2- إسماعيل الأنصاري، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ج 21، ص 128.
3- المصدر نفسه، ص 108.
 
 
 
130

111

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 إمائي، قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي"1.


فصلاتها هي ذاك الوصال الذي يزهر في الملكوت، ليفيض من نوره على كلّ من يراه، حتّى إنّ الله عزّ وجلّ يفاخر ويباهي بها ملائكته. ومع أنّها الناجية المُنجية لشيعتها وما من أحد يدخل الجنّة دون شفاعتها فإنّها تقف بين يدي ربّها ترتعد فرائصها من خيفته، فهي العارفة بربّها وحقّه جلّ وعلا، فهيبته تأخذ بمجامع قلبها حتّى إنّها تهابه وتخافه، فالوقوف أمام العظيم يقتضي ذلك لمن كان له لبّ. ومع أنّ الله عزّ وجلّ دائم الحضور في حياتها إلّا أنّها تُقبل بقلبها على العبادة، تمسي بكلّ وجودها في محضر الله، إنّه الوقت الخاصّ، وقت الانقطاع إلى الله وقت ملاقاة المحبوب دون الالتفات إلى الكثرات.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في حديثه عن صلاة الأولياء التي تمثّل صلاة السيدة الزهراء عليها السلام أحد مصاديقها: "وحيث إنّ قلوب الاولياء مختلفة وحالاتهم متفاوتة بحسب التجلّيات اللطفيّة والقهريّة واستشعار العظمة والرحمة، فحيناً يحملهم الشوق إلى الملاقاة واستشعار الرحمة والجمال على السرور والبهجة ويقولون: أرِحنا يا بلال، وحيناً تجعلهم التجلّيات بالعظمة والقهر والسلطنة في حالة الصعق والارتعاش والرعدة"2.

تسبيح الزهراء عليها السلام، الحضور الدائم لله
كانت الزهراء عليها السلام قد لاقت ما لاقته من مشقّة العمل في المنزل، فاقترح عليها الإمام عليعليه السلام أن تطلب خادمة من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدةً... فقالت عليه السلام: رضيت عن الله وعن رسوله، رضيت عن الله وعن رسوله"3.

فما كان من الزهراء عليها السلام إلّا أن حوّلت تلك العطية الإلهيّة إلى سُنّة وسلوك يوميّ،
 

1- إسماعيل الأنصاري، الموسوعة الكبرى، مصدر سابق، ج21، ص 107.
2- الإمام الخمينيّ، معراج السالكين (الآداب المعنوية للصلاة)، مصدر سابق.
3- المسعودي، الأسرار الفاطمية، مصدر سابق، ص 290-291.
 
 
 
131

112

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 فصنعت سبحة ليتسنّى لها التسبيح بها متى شاءت، فعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "إنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت سبحتها من خيط صوف مفتّل معقود، عليه عدد التكبيرات، وكانت عليها السلام تديرها بيدها تكبر وتسبح حتّى قتل الحمزة بن عبد المطلب، فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلمّا قتل الحسين عدل بالأمر إليه"1.


ولم تقف بركات هذا التسبيح العظيم عند السيدة فاطمة عليها السلام مع كونه هديّة لها بداية، فقد كثرت الأحاديث التي تروي فضله وأهمّيته وأجر من سبّح به، ككون التسبيح به عند الأئمة دبر كلّ صلاة أحبّ إليهم من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم2. ولعلّنا نستفيد من تعامل السيدة فاطمة عليها السلام مع هذا التسبيح، سلوكًا عمليًّا سهل المؤونة لإبقاء ذكر الله حاضرًا في حياتنا دومًا، فالمؤمن يستطيع أن يحمل سبحته أينما كان وأن يردّد فيها تسبيح الزهراء عليها السلام بكيفيته - التي لها أسرارها - متى استطاع ذلك، بل يمكنُه أن يسبح بأصابعه دون سبحة، فيشكّل ذلك تذكيرًا دائمًا له بالله عزّ وجلّ وعبادة دائمة فيستعين بذلك على أموره كافّة، كما كان التسبيح استعانة لها في شؤون منزلها عليها السلام.

التوازن
إنّ التوازن والاعتدال أمران مطلوبان في كلّ شيء، فمن الخطأ أن ينزع الفرد نحو التفريط أو الإفراط في أيٍّ من شؤونه فينعكس ذلك سلبًا عليه، وفي المقام، لا بدّ من التوازن في موضوع العبادة، وهو ما نراه في حياة السيدة الزهراء عليها السلام، فمع أهمّية العبادة التي تبرز في حياة السيدة فاطمة عليها السلام، إلّا أنّنا لا نرى أنّها قصّرت في أداء أدوارها المُختلفة في حياتها، فلم تكن تمارس عبادتها على حساب أولادها وأهلها، بل كانت توازن بين الجميع. ففي رواية أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها يوماً وهي تصلّي، فسمعت صوته، فتوقّفت عن الصلاة وخرجت من المُصلّى فسلَّمت عليه. فمسح يده
 

1- إسماعيل الأنصاري، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ج21، ص 122.
2- المسعودي، الأسرار الفاطمية، مصدر سابق، ص 309 - 310.
 
 
 
132

113

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 على رأسها وقال: "يا بنية، كيف أمسيت رحمك الله؟ عشّينا غفر الله لك وقد فعل"1، فالرواية تشير إلى أنّها كانت منشغلة بتعبّدها لله عزّ وجلّ، إلّا أنّها لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أتى دارها ويريد الطعام، توقّفت عن أداء مُستحبّاتها وخرجت إليه لتقدّم له ما يحتاج إليه، وفي ذلك إشارة إلى كيفيّة ترتيب الأولويّات في حياة الفرد. ويبيّن الإمام الخامنئي دام ظله أهمّية التوازن بين أدوار المرأة في حياتها فيقول: "إنّ على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق بناء الذّات معنويًّا وأخلاقيًّا وأن تكون في الطّليعة في ميدان الجهاد والكفاح، وأن لا تهتمّ بزخارف الدّنيا ومظاهرها الرّخيصة، وأن تكون عفّتها وعصمتها وطهارتها بحيث تدفع بذاتها عين ونظرة الأجنبيّ المريبة تلقائيًّا، وفي البيت سكينة للزّوج والأولاد وراحة للحياة الزوجيّة، وتُربّي في حضنها الحنون والرّؤوف وبكلماتها اللطيفة والحنونة أولادًا مهذّبين بلا عُقد، وذوي روحيّة حسنة وسليمة، وتُربّي رجال المجتمع ونساءه وشخصيّاته. إنّ الأم أفضل من يبني، فقد يصنع أكبر العلماء آلة إلكترونيّة معقّدة جدًّا مثلًا، أو يصنعون أجهزة للصّعود إلى الفضاء، أو صواريخ عابرة للقارّات، ولكن كلّ هذا لا يُعادل أهميّة بناء إنسانٍ سامٍ، وهو عمل لا يتمكّن منه إلّا الأمّ، وهذه هي أسوة المرأة المسلمة"2.


إشارات تربويّة
أن نقتدي بالزهراء عليها السلام يعني أن نجعل حياتها معيارًا لنا، نرتّب أولوياتنا وفقه، فنصل إلى مرحلة يكون ظاهرنا كظاهر سيدة نساء العالمين عليها السلام وهو المرحلة الأولى، والسيدة الزهراء عليها السلام هي قدوة النساء فيما يخصّهنّ. ففي موضوع العبادة، ينبغي أن تحتلّ العبادة بمعناها الخاصّ (صلاة، دعاء، صوم...) حيّزًا من اهتماماتنا، ولا ندع للشيطان سبيلًا علينا، بأن نكتفي بالواجبات بطريقة شكليّة خالية من اللبّ والخشوع في الغالب، بحجّة انشغالاتنا الحياتيّة ووظائفنا، فلو احتسبنا أوقات الصلوات الخمس
 

1- إسماعيل الأنصاري، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ج21، ص 113.
2- الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص155.
 
 
 
133

114

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 على أن تؤدّى بروية وهدوء يساعد على الخشوع، وأضفنا بعض المستحبّات كالتعقيبات والادعية الصغيرة كتلك المروية عن سيدتنا فاطمة عليها السلام كما سيجيء نموذجًا منها، لا يتعدّى مجمل الوقت الساعة من النهار أو أقلّ، وكلّ منّا يستطيع احتساب الأوقات الضائعة أو التي تمرّ دون فائدة من نهاره، وهذه سيدتنا الزهراء عليها السلام المتهجّدة في ليلها أسوة لنا. هذا إضافةً إلى النتائج التربويّة التي يحملها سلوك كهذا على العائلة والأولاد، فرؤية الأطفال لأمّهم تصلّي وتراعي المستحبّات أفضل تربية لهم على الصعيد العباديّ، فلا تتوقّع الأم أن يحسن أولادها صلاتهم ويهتمّون بالجانب العباديّ دون أن تكون قد بيّنت بسلوكها اهتمامها الشديد بالعبادة، عندها لن تحتاج حتّى إلى الكلام، فهم سوف يحذون حذوها.

 

 

 

134


115

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 دروس تربويّة لحياة فاطميّة

لأنهج نهج سيدتي فاطمة عليها السلام في الحياة، يبنغي لي أن:
- يكون للممارسة العبادية أولويّة في حياتي.
- أهتمّ بتفاصيل العبادة وأولي المستحبات اهتمامًا لائقًا فلا أكتفي بالواجب.
- أهتمّ بعبادة أهلي ومن يتأثر بي.
- أعتمد مبدأ الإيثار فأدعو لغيري قبل دعائي لمن أحبّ ولنفسي.
- أحوّل تسبيح الزهراء إلى سلوك عمليّ للتذكّر الدائم لله.
- يكون التوازن قانونًا حاكمًا في حياتي العباديّة فلا أقع في التفريط أو الإفراط.
 
 
 
 
 
135

116

الدرس العاشر: حياة السيدة فاطمة عليها السلام العباديّة

 المفاهيم الرئيسة


- عندما نطالع السيرة العطرة للسيدة فاطمة عليها السلام، كثيرًا ما يستوقفنا البعد العباديّ فيها، حيث كان له حضورٌ كبيرٌ في يوميّاتها عليها السلام.

- العبادة لغةً هي الطاعة مع الخضوع، فكلّ عمل وافق إرادة الله وهو نابعٌ من الطاعة والخضوع له عزّ وجلّ. أما العبادة في الإسلام في الاصطلاح الفقهيّ فهي مجموعة شعائر يقوم بها العبد، مثل الصلاة والصوم.

- السيدة فاطمة عليها السلام هي المعصومة الكاملة التي كان كلّ وجودها لله عزّ وجلّ، وما يريده الله ويحبّه هو مدار حياتها، فحياتها كلّها عبادة بالمعنى العامّ، ومع ذلك نراها تسعى للتفرّغ للصلاة والتهجّد.

- كانت سيرة السيدة فاطمة عليها السلام قائمة على اهتمامها بتفاصيل العبادة والمستحبّات، حتّى كانت تدعو في ساعات معيّنة مخصّصة للاستجابة، وقد روي عنها العديد من الصلوات المستحبّة والأدعية المختلفة.

- كانت السيدة فاطمة عليها السلام تهتمّ بعبادة أهلها إضافةً لاهتمامها بعبادتها، حيث كانت تهيّء لهم الظروف المناسبة ليقووا بها على تعبّدهم. كما أنّها كانت عليها السلام حريصة على الدعاء لجيرانها في صلاتها، وكانت تقدّم الدعاء لهم على الدعاء لأولادها ونفسها.

- طلبت الزهراء عليها السلام خادمةً من أبيها، فعلّمها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تسبيحًا خيرًا لها من الخادمة، فصنعت عليها السلام سبحة من عُقَدِ الصوف بعدد التكبيرات.

- إنّ التوازن والاعتدال أمران مطلوبان في كلّ شيء، فمن الخطأ أن ينزع الفرد نحو التفريط أو الإفراط في أيٍّ من شؤونه وكذا في موضوع العبادة، وهو ما نراه في حياة السيدة الزهراء عليها السلام، فمع موقعيّة العبادة في حياتها عليها السلام، إلّا أنّنا لا نرى أنّها قصّرت في أداء أدوارها المختلفة في حياتها، فلم تكن تمارس عبادتها على حساب أولادها وأهلها.
 
 
 
 
136

117

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 الدرس الحادي عشر

 

الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يفهم موقعيّة قيمة العلم في حياة السيدة فاطمة عليها السلام.
2- يتبيّن بعض المعارف العلميّة التي كانت تقوم بها السيدة فاطمة عليها السلام.
3- يستخلص الدروس التربويّة فيما يخصّ التعامل مع قضية العلم والتعلّم في حياتها.
 
 
 
 
 
137

118

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 تمهيد

أولى الإسلام العزيز قضية العلم أهمّية كبيرة ورفع من شأنه كثيرًا، حتّى أمسى العلم والتعلّم من الخصائص التي ينبغي أن تشكّل شخصية المؤمن، فبات طلب العلم فريضة على كلّ مسلم1 كما جاء في الحديث، وصار الخطاب للجميع اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد2..

ومن باب التطبيق العمليّ في حياة المعصومين عليهم السلام، فإنّه إذا اطّلع الإنسان على سيرتهم العطرة وما يرتبط بحياتهم يستطيع أن يرى مدى اهتمامهم بالعلم وتعظيمهم له وحجم حضوره في حياتهم وأن ذلك العلم أحد أهمّ مميّزات المعصوم وأحد أسس احتياج الناس إليه. وفي إطار حديثنا عن السيدة فاطمة عليها السلام وهي التي تربّت وكبرت في حجر أبيها مدينة العلم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّنا سنُسلّط الضوء في هذا الدرس على قضية العلم والتعلّم في حياتها، وكيفيّة تعاملها مع هذه القضية، في محاولة لفهم موقعية العلم عند السيدة فاطمة عليها السلام، فننهل من معينها أسسًا لتعاملنا مع العلم والتعلّم في حياتنا.

علم السيدة فاطمة عليها السلام
جاء في الرواية أنّ الله عزّ وجلّ أعطى عشرة أمور لعشْر من النساء، أعطى التوبة لحواء زوجة آدم والجمال لسارة زوجة إبراهيم والحفاظ لرحيمة زوجة أيوب... والرضا لخديجة زوجة المصطفى والعلم‏ لفاطمة زوجة المرتضى3. فعلم السيدة فاطمة عليها السلام
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏1، ص 30.
2- القميّ، تفسير القميّ، مصدر سابق، ج‏2، ص 401.
3- ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 321.
 
 
 
 
139

119

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 هو عطيّة إلهيّة وهديّة ربّانيّة، ولو كان هناك ما هو أشرف وأرفع وأجلّ من العلم لكان من نصيب السيدة فاطمة عليها السلام فهي سيدة نساء العالمين المفضّلة على الخلائق أجمعين المتقدّمة عليهم بقربها من الله عزّ وجلّ، فلو كان شيء في الوجود أعظم عند الله من العلم لرزقها إيّاه عزّ وجلّ. كذلك فقد جاء في رواية عن الامام الصادق عليه السلام "أنّه لَمَّا وُلِدَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكٍ فَأَنْطَقَ بِهِ لِسَانَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم فَسَمَّاهَا فَاطِمَةَ ثُمَّ قَالَ إِنِّي فَطَمْتُكِ‏ بِالْعِلْمِ‏ وَفَطَمْتُكِ مِنَ الطَّمْث"1. فتكوين السيدة فاطمة عليها السلام مجبول بالعلم الإلهيّ حتّى كان فطامها العلم، وهو أمر وإن لم نستطع فهمه كما ينبغي إلّا أنّنا نستطيع أن نعيَ من خلاله أنَّ العلم لا ينفصل عن وجود السيدة فاطمة عليها السلام، وأنَّ ذلك العلم كان عطيّة إلهيّة من ربّ العزّة جلّ وعلا لكون السيدة فاطمة عليها السلام أهلاً ومحلًّا للاتّصال بالعلم الإلهيّ المطلق.


ومع أنَّ المواقف التي برز فيها علم السيدة فاطمة عليها السلام قليلة نسبيّا بحسب التدوين التاريخيّ، إلّا أنَّ تلك المواقف برغم قلتها ومحدوديتها تدّلنا على أنّ ما خفي من علمها أعظم بما لا يقبل القياس بما ظهر منه، حيث ورد في خبر عن عمّار أنّه كان ذات مرّة مع الإمام عليّ عليه السلام وقد ولج على فاطمة عليها السلام فلما بصرت به نادت: "اُدنُ‏ لاحدّثك‏ بما كان وما هو كائن وبما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة"، قال عمار: فرأيت أمير المؤمنين عليه السلام يرجع القهقرى فرجعت برجوعه، إذْ دخل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: "اُدنُ يا ابا الحسن"، فدنا فلمّا اطمأنّ به المجلس قال له: "تحدّثني أمّ أحدّثك؟" فقال: "الحديث منك أحسن يا رسول اللّه"، فقال: "كأنّي بك وقد دخلت على فاطمة وقالت لك كيت وكيت فرجعت، فقال علي عليه السلام: "نور فاطمة من نورنا"، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أولا تعلم"، فسجد عليّ شكراً للّه تعالى قال عمار: "فخرج أمير المؤمنين وخرجت بخروجه فولج على فاطمة عليها السلام وولجت معه"، فقالت: "كأنّك رجعت إلى أبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بما قلته لك؟" قال: "كان كذلك يا فاطمة"، فقالت: "اِعلمْ يا أبا الحسن أنّ اللّه تعالى خلق
 
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏1، ص 460.
 
 
 
140

120

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 نوري، وكان يسبّح اللّه جلّ جلاله ثمّ أودعه شجرة من شجر الجنّة فأضاءت، فلمّا دخل أبي صلى الله عليه وآله وسلم الجنّة أوحى اللّه تعالى إليه إلهامًا أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك ففعل، فأودعني اللّه تعالى صلب أبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ أودعني خديجة بنت خويلد عليها السلام فوضعتني وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن يا أبا الحسن، المؤمن ينظر بنور اللّه تعالى"1. وفي ذلك دلالة واضحة على ارتباطها الحقيقيّ بالعلم الإلهيّ ونطقها عنه، فعلمها من علم الله عزّ وجلّ.


وقد كان مصحفها عليها السلام من أهمّ النفائس العلميّة التي تركتها، وخير دليل على إمكانيّة اتّصالها بتلك العوالم بل استنزال العلوم والمعارف كما كان يفعل الأنبياء عليهم السلام، فمصحفها هذا الذي هو مجموع ما أخبرها به جبرائيل عليه السلام لمّا كان يتنزّل عليها بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيواسيها ويحسن عزائها ويخبرها بأحوال أبيها وأحوال شيعتها وما يجري من بعدها، وكان الإمام عليّ عليه السلام يدون ذلك، ويروى أنّ ذلك المصحف موجودٌ مع قائم آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف وسيظهر بظهوره المبارك بإذن الله2.

السيدة فاطمة عليها السلام وقيمة العلم
تُبرز لنا بعض السلوكيّات التي كانت تقوم بها السيدة فاطمة عليها السلام مدى تقديرها وتعظيمها للعلم، حيث كان العلم كقيمة له موقعٌ مهمٌّ جدًّا في حياتها عليها السلامحتّى أنّها عظّمت حريرة (لفافة) أعطاها إيّاها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لتتعلّم ما فيها، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيها: "ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو يسكت، إنّ اللّه يحبّ الخيّر الحليم المتعفّف، ويبغض الفاحش الضنّين‏ السأّال الملحف، إنّ الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة، وإنّ الفحش من البذاء، والبذاء في النار"3. وفي هذا السلوك دلالة واضحة على مدى اهتمامها بالعلم وحرصها ومحافظتها عليه.
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 8.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏1، ص 241.
3- المصدر نفسه، المقدمة، ص 7.
 
 
 
141

121

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 أضف إلى ذلك أنّها كانت دائمًا ما تتعلّم من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتحرص على نقل أحاديثه والرواية عنه، ففي رواية أنّها جاءت تشكو له بعض أمرها فأعطاها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كريسة وقال لها: "تعلّمي ما فيها، فَإِذَا فِيهَا مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَسْكُتْ"1، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان معلّمها المباشر ومن تأخذ عنه علومها.


كما أنّه في سياق نقلها الأحاديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم يروى أنّها قالت عليها السلام: "سَمِعْتُ أَبِي صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: "إِنَّ عُلَمَاءَ شِيعَتِنَا يُحْشَرُونَ فَيُخْلَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَعِ الْكَرَامَاتِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ عُلُومِهِمْ وَجِدِّهِمْ فِي إِرْشَادِ عِبَادِ اللَّهِ حَتَّى يُخْلَعُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَلْفُ أَلْفِ حُلَّةٍ مِنْ نُورٍ"9. حيث تبيّن هذه الأحداث الارتباط والعلاقة العلميّة الوثيقة بينها وبين الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّها ومع كونها كما تقدّم ترتبط بالعلم الإلهيّ بالأصل إلّا أنّ ذلك لم يكن ليتعارض أو يتنافى مع تعلّمها من أبيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي ذلك أسرار ودقائق ليس هذا محلّها، بل ما يعنينا أنّ الزهراء عليها السلاممع اتّصالها الغيبيّ بالعلم الإلهيّ كانت تتعلّم بالأسباب أيضًا، نعني بذلك أنّها كانت تلجأ إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فتنهل منه وتأخذ عنه صلى الله عليه وآله وسلم.

فاطمة عليها السلام العالمة، مركزًا للمراجعات
إنّ من أهمّ موارد إنفاق العلم هو التعليم، فزكاة العلم نشره2، وقد أمست سيدة نساء العالمين مركزًا للمراجعات والأسئلة الدينيّة للنساء. ويقول الإمام الخامنئي دام ظله في هذا الإطار: "كانت حياة فاطمة الزّهراء عليها السلام في جميع الأبعاد، حياةً مليئة بالعمل والسّعي والتّكامل والسموّ الرّوحيّ للإنسان. وكان زوجها الشابّ في الجبهة وميادين الحرب دائمًا، وكانت مشاكل المحيط والحياة قد جعلت فاطمة الزّهراء عليها السلام كمركزٍ لمراجعات النّاس والمسلمين. إنّها ابنة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المفرّجة للهموم، وقد صارت في حياتها
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏2، ص 667.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏2، ص 3.
3- الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق وتصحيح حسين الحسني البيرجندي‏، قم، نشر دار الحديث، 1418ه‏، ط1، ص 276.
 
 
 
142

122

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 في تلك الظّروف بمنتهى العزّة والسموّ"1. حيث كانت مبيّنةً لمعالم الدين بالنسبة للنساء والشخص الذي يلجأْنَ إليه في قضاياهنّ، ففي رواية أنّها جاءت إلى السيدة فاطمة امرأة لتسألها عن صلاة والدتها الضعيفة، فقالت لها: "إِنَّ لِي‏ وَالِدَةً ضَعِيفَةً وَقَدْ لُبِسَ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ صَلَاتِهَا شَيْ‏ءٌ وَقَدْ بَعَثَتْنِي إِلَيْكِ أَسْأَلُكِ فَأَجَابَتْهَا فَاطِمَةُ عليها السلام عَنْ ذَلِكَ فَثَنَّتْ فَأَجَابَتْ ثُمَّ ثَلَّثَتْ إِلَى أَنْ عَشَّرَتْ فَأَجَابَتْ ثُمَّ خَجِلَتْ مِنَ الْكَثْرَةِ فَقَالَتْ لَا أَشُقُّ عَلَيْكِ يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَتْ فَاطِمَةُ: "هَاتِي وَسَلِي عَمَّا بَدَا لَكِ أَرَأَيْتِ مَنِ اكْتُرِيَ يَوْماً يَصْعَدُ إِلَى سَطْحٍ بِحِمْلٍ ثَقِيلٍ وكِرَاهُ مِئَةُ أَلْفِ دِينَارٍ يَثْقُلُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: لَا، فَقَالَتْ: اكْتُرِيتُ أَنَا لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْ‏ءِ مَا بَيْنَ الثَّرَى إِلَى الْعَرْشِ لُؤْلُؤاً فَأَحْرَى أَنْ لَا يَثْقُلَ عَلَيَّ.."2. حتّى إنّها كانت محلًّا لحلّ الخصومات، فقد جاء في رواية أن "اخْتَصَمَ‏ إِلَيْهَا امْرَأَتَانِ‏ فَتَنَازَعَتَا فِي شَيْ‏ءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ إِحْدَاهُمَا مُعَانِدَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤْمِنَةٌ فَفَتَحَتْ عَلَى الْمُؤْمِنَةِ حُجَّتَهَا فَاسْتَظْهَرَتْ عَلَى الْمُعَانِدَةِ فَفَرِحَتْ فَرَحاً شَدِيداً فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: إِنَّ فَرَحَ الْمَلَائِكَةِ بِاسْتِظْهَارِكِ عَلَيْهَا أَشَدُّ مِنْ فَرَحِكِ وإِنَّ حُزْنَ الشَّيْطَانِ وَمَرَدَتِهِ بِحُزْنِهَا عَنْكِ أَشَدُّ مِنْ حُزْنِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ أَوْجِبُوا لِفَاطِمَةَ بِمَا فَتَحَتْ عَلَى هَذِهِ الْمِسْكِينَةِ الْأَسِيرَةِ مِنَ الْجِنَانِ أَلْفَ أَلْفِ ضِعْفٍ مِمَّا كُنْتُ أَعْدَدْتُ لَهَا وَاجْعَلُوا هَذِهِ سُنَّةً فِي كُلِّ مَنْ يَفْتَحُ عَلَى أَسِيرٍ مِسْكِينٍ فَيَغْلِبُ مُعَانِداً مِثْلَ أَلْفِ أَلْفِ مَا كَانَ لَهُ مُعَدّاً مِنَ الْجِنَانِ‏"3.


إنّ هذه الروايات والأخبار تُنبئنا بإنَّ السيدة فاطمة عليها السلام قد أسّست لنفسها مكانةً علميّةً رفيعة في المجتمع الإسلاميّ آنذاك، حتّى كانت تبيّن معالم الدين في مجالس للنساء، فتعملهنّ ما ينبغي لهنّ القيام به كما نفهم من بعض الروايات، حيث ورد في خبر أنّها كانت عليها السلام تخاطب النساء وتقول لهنّ: "ارضي‏ أبويْ‏ دينِكِ‏ مُحمّداً وعليّاً بسخط أبويْ نسبكِ، ولا ترضي أبوي نسبكِ بسخط أبويْ دينك، فإنّ أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمّد وعليّ عليهما السلام بثواب جزء من ألف ألف جزء من ساعة من طاعاتهما، وإنّ أبوي
 

1- الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص152.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏2، ص 3.
3- الشيخ الطبرسيّ، الإحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 19.
 
 
 
143

123

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 دينك محمّداً وعليّاً عليهما السلام إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما، لأنّ ثواب طاعات أهل الدنيا كلّهم لا يفي بسخطهما"1. ولم يقتصر الأمر على النساء فقط في إطار تبيان علومها عليها السلام، فقد جاء في بعض الروايات عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ أَخْبِرُونِي أَيُّ شَيْ‏ءٍ خَيْرٌ لِلنِّسَاءِ فَعَيِينَا بِذَلِكَ كُلُّنَا حَتَّى تَفَرَّقْنَا فَرَجَعْتُ إِلَى فَاطِمَةَ عليها السلام فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا عَلِمَهُ وَلَا عَرَفَهُ فَقَالَتْ: وَلَكِنِّي أَعْرِفُهُ خَيْرٌ لِلنِّسَاءِ أَنْ لَا يَرَيْنَ الرِّجَالَ وَلَا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَأَلْتَنَا أَيُّ شَيْ‏ءٍ خَيْرٌ لِلنِّسَاءِ خَيْرٌ لَهُنَّ أَنْ لَا يَرَيْنَ الرِّجَالَ وَلَا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ فَقَالَ مَنْ أَخْبَرَكَ فَلَمْ تَعْلَمْهُ وَأَنْتَ عِنْدِي فَقُلْتُ: فَاطِمَةُ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَقَالَ إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي"2.


خطب السيدة فاطمة عليها السلام من تجلّيات علمها
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "وفي أجواء العلم، كانت فاطمة الزّهراء عليها السلام عالمةً عظيمة، فتلك الخطبة الّتي ألقتها في مسجد المدينة بعد رحيل النبيّ، هي خطبة، بحسب كلام العلّامة المجلسيّ، يحتاج فطاحل الفصحاء والبلغاء والعلماء إلى أن يجلسوا ليفسّروا معاني كلماتها وعباراتها، لقد كانت بمثل هذا العمق، وبلحاظ جمالية الفنّ فهي مثل أجمل كلمات نهج البلاغة وأرقاها. تذهب فاطمة الزّهراء عليها السلام إلى مسجد المدينة وتقف أمام النّاس وترتجل، ولعلّها تتحدّث مدّة ساعة بأعذب العبارات وأجملها وأكثرها بلاغةً. فأمثالنا نحن الّذين نُعدّ من أهل الخطابة والكلام الارتجاليّ نفهم مدى عظمة هذه الخطبة، فتاة ابنة 18 أو 20 سنة وفي الحدّ الأكثر 24 سنة - فالعمر الدّقيق لحضرة الزّهراء عليها السلام غير مسلّم به - ومع كلّ تلك المصائب والصّعاب أتت إلى المسجد وخاطبت الجمع الغفير من وراء حجاب، بحيث بقيت كلمات هذه الخطبة، كلمة كلمة في التاريخ"3. فإنّ خطبها إن في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واحتجاجها على القوم وخطبتها في نساء المهاجرين والأنصار اللواتي
 

1- البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 867.
2- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج‏20، ص 67.
3- الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص151.
 
 
 
144

124

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 أتين لعيادتها قبيل استشهادها لهي خير شاهدٍ على علمها الرفيع، وقد بيّن القائد هذه المسألة من موقع خبرته، فالكلام الارتجاليّ ليس بالسهل على الخطباء أنفسهم، فكيف إذا كانت الخطبة من الفصاحة والدّقة والبلاغة والعمق والتفصيل والتبيان لمعالم الدين بما لا نظير له، وقد عكف الكثير من العلماء على شرح تلك الخطب وبيان دررها وسنورد بعض الفقرات من تلك الخطب ليتّضح المطلب، على أن يتناول الدرس اللاحق شرح قسم من خطبتها المعروفة بالخطبة الفدكيّة.


فمن خطبتها التي احتجّت بها على القوم لمّا منعوها فدك ما يأتي، قالت عليها السلام: "الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ وَلَهُ‏ الشُّكْرُ عَلَى‏ مَا أَلْهَمَ‏ وَالثَّنَاءُ بِمَا قَدَّمَ مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَدَأَهَا وَسُبُوغِ آلَاءٍ أَسْدَاهَا وَتَمَامِ مِنَنٍ أَوْلَاهَا جَمَّ عَنِ الْإِحْصَاءِ عَدَدُهَا وَنَأَى عَنِ الْجَزَاءِ أَمَدُهَا وَتَفَاوَتَ عَنِ الْإِدْرَاكِ أَبَدُهَا وَنَدَبَهُمْ لِاسْتِزَادَتِهَا بِالشُّكْرِ لِاتِّصَالِهَا وَاسْتَحْمَدَ إِلَى الْخَلَائِقِ بِإِجْزَالِهَا وَثَنَّى بِالنَّدْبِ إِلَى أَمْثَالِهَا وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .... وَأَشْهَدُ أَنَّ أَبِي مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اخْتَارَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ وَسَمَّاهُ قَبْلَ أَنِ اجْتَبَاهُ وَاصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنِ ابْتَعَثَهُ إِذِ الْخَلَائِقُ بِالْغَيْبِ مَكْنُونَةٌ وَبِسَتْرِ الْأَهَاوِيلِ مَصُونَةٌ وَبِنِهَايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ عَلَماً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَآيِلِ الْأُمُورِ وَحَاطَةً بِحَوَادِثِ الدُّهُورِ وَمَعْرِفَةً بِمَوَاقِعِ الْأُمُورِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ إِتْمَاماً لِأَمْرِهِ وَعَزِيمَةً عَلَى إِمْضَاءِ حُكْمِهِ وَإِنْفَاذاً لِمَقَادِيرِ رَحْمَتِهِ فَرَأَى الْأُمَمَ فِرَقاً فِي أَدْيَانِهَا عُكَّفاً عَلَى نِيرَانِهَا عَابِدَةً لِأَوْثَانِهَا مُنْكِرَةً لِلَّهِ مَعَ عِرْفَانِهَا فَأَنَارَ اللَّهُ بِأَبِي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ظُلَمَهَا وَكَشَفَ عَنِ الْقُلُوبِ بُهَمَهَا وَجَلَا عَنِ الْأَبْصَارِ غُمَمَهَا".

إلى أن قالت: "أَيُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنِّي فَاطِمَةُ وَأَبِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم أَقُولُ عَوْداً وَبَدْواً وَلَا أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً وَلَا أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ شَطَطاً ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَأُغْلَبُ عَلَى إِرْثِي... أَفَعَلَى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتَابَ اللَّهِ وَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ إِذْ يَقُولُ‏ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقَالَ فِيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا إِذْ قَالَ: ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾1 وَقَالَ‏: ﴿وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾2 وَقَالَ:‏
 

1- سورة مريم، الآيتان 5 - 6.
2- سورة الأنفال، الآية 75.
 
 
 
 
145

125

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾1 وَقَالَ:‏ ﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾2, وَزَعَمْتُمْ أَنْ لَا حَظْوَةَ لِي وَلَا أَرِثَ مِنْ أَبِي وَلَا رَحِمَ بَيْنَنَا أَفَخَصَّكُمُ اللَّهُ بِآيَةٍ أَخْرَجَ أَبِي مِنْهَا أَمْ هَلْ تَقُولُونَ إِنَّ أَهْلَ مِلَّتَيْنِ لَا يَتَوَارَثَانِ أَوَ لَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمِّي فَدُونَكَهَا مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً تَلْقَاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ والزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ وَالْمَوْعِدُ الْقِيَامَةُ وَعِنْدَ السَّاعَةِ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ‏ وَلَا يَنْفَعُكُمْ إِذْ تَنْدَمُونَ و﴿لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾3... ﴿مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾4"5.

 


1- سورة النساء، الآية 11.

2- سورة البقرة، الآية 180.

3- سورة الأنعام، الآية 67.

4- سورة هود، الآية 39.

 

5- الشيخ الطبرسيّ، الإحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 100.

 

 

 

146


126

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 دروس تربويّة لحياة فاطميّة

لأنهج نهج سيدتي فاطمة عليها السلام، ينبغي لي:
- أن يكون لقيمة العلم والتعلّم أهميّة كبيرة ومكانة مهمّة في حياتي.
- أن أسعى جاهدة للتعلّم دومًا وأحافظ على ما تعلّمته.
- أن أهتمّ بتزكية العلم من خلال إنفاقه وتبيين معالم الدين الحنيف.
- أن أكون حليمة في تقديمي معارفي للآخرين، فهم باب مفتوح لي على رضى الله عزّ وجلّ.
- أن أسعى لأن أطبّق ما تعلّمته في حياتي.
 
 
 
 
 
147

127

الدرس الحادي عشر: الحياة العلميّة للسيدة فاطمة عليها السلام

 المفاهيم الرئيسة


- إنّ علم السيدة فاطمة عليها السلام هو عطيّة إلهيّة وهدية ربّانية، ولو كان هناك ما هو أشرف وأرفع وأجلّ من العلم لكان من نصيب السيدة فاطمة عليها السلام، فتكوينها عليها السلام مجبول بالعلم الإلهيّ حتّى كان فطامها العلم.

- إنّ مصحف السيدة فاطمة عليها السلام هو من أهمّ النفائس العلميّة التي تركتها، وخير دليل على إمكانيّة اتّصالها بالعوالم الغيبيّة واستنزال العلوم والمعارف كما كان يفعل الأنبياء عليهم السلام، وهو مجموع ما أخبرها به جبرائيل عليه السلام لمّا كان يتنزل عليها بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكان الامام عليّ عليه السلام يدوّن ذلك.

- تُبرز لنا بعض السلوكيّات التي كانت تقوم بها السيدة فاطمة عليها السلام مدى تقديرها وتعظيمها للعلم، حيث كان العلم كقيمة له موقعٌ مهِمٌّ جدًّا في حياتها عليها السلام حتّى إنّ حريرة (لفافة) أعطاها إيّاها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لتتعلّم ما فيها كانت بالنسبة إليها تعدل حسنًا وحسينًا.

- إنّ الزهراء عليها السلام ومع كونها متّصلة بالعلم الإلهيّ المطلق إلّا أنّها كانت تتعلّم بالأسباب الطبيعيّة أيضًا ولا تنافي بين الأمرين. فكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو معلّمها، فتنهل منه معارفها وتنقل عنه العلوم، وقد روت عنه صلى الله عليه وآله وسلم العديد من الأحاديث.

- أمست سيدة نساء العالمين عليها السلام مركزًا للمراجعات والأسئلة الدينيّة للنساء حيث كانت مُبيّنةً لمعالم الدين لهنّ والشخص الذي يلجأن إليه في قضاياهنّ كما كانت تسعى في حلّ خلافاتهنّ أيضًا.

- شكّلت الخطب التي ألْقتها الزهراء عليها السلام في مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعلى نساء المهاجرين والأنصار خير شاهد على سموّ علمها ورفعته. وقد كانت خطباً فيها من الفصاحة والدقة والبلاغة والعمق والتفصيل والبيان لمعالم الدين بما لا نظير له، وقد عكف الكثير من العلماء على شرح تلك الخطب.
 
 
 
 
 
148

128

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 الدرس الثاني عشر

 

أضواء على الخطبة الفدكيّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى الخطبة الفدكيّة بشكلٍ عام.
2- يتبيّن كيف تجلّى علم السيدة فاطمة عليها السلام في الخطبة الفدكيّة.
3- يتبيّن بعض أبعاد التربية الولائيّة في الخطبة الفدكيّة.
 
 
 
 
149

129

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 تمهيد

کما بات معلومًا، أنّه لمّا عزم القوم على أخذ فدك، بعد تولّي الخلافة تقول الرواية إنّها عليها السلام: "لاثت خمارها1 على رأسها واشتملت بجلبابها2 وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"3 إلى أن انتهت إلى مسجد أبيها صلى الله عليه وآله وسلمحيث كان القوم في اجتمعوا، فأرادت أن تخطب فيهم، فنيطت4 دونها ملاءة، ثم خطبت خطبتها الشهيرة المعروفة بالخطبة الفدكية. وهي من أبلغ ما قيل على الإطلاق ولا يزال علماء الشيعة يعكفون على نقل هذه الخطبة الجليلة في كتبهم وتصنيف كتب متعدّدة في شرحها وتبيان مقاصدها وأهدافها ونتائجها وآثارها، لاشتمالها على العديد من المحاور ولكونها تجلّيًا واضحًا لمدى فصاحة السيدة فاطمة عليها السلام، وبلاغتها وسموّ علمها وفي هذا الدرس سنحاول الإضاءة على بعض المقاطع من الخطبة الشريفة، وتبيان بعض المقاصد ليتّضح لنا مدى سموّ هذه الخطبة وصاحبتها عليها السلام ولنتعرّف بشكل مباشر إلى بعض تجلّيات علوم الصديقة الكبرى عليها السلام.

الخطبة الفدكيّة تجلّي علم السيدة فاطمة عليها السلام
تُعتبر الخطبة الفدكيّة من أبرز محطّات تجلّيات علم السيدة فاطمة عليها السلام، لما حوته من مضمون لا يمكن أن يأتي به غير المعصوم الذي يتلقّى علومه من العلم المطلق،
 

1- أي لفته على رأسها.
2- أي جعلته شاملًا لجسدها.
3- الشيخ الطبرسيّ، الإحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 98.
4- أي علقت.
 
 
 
151

130

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 فبيّنت أنّها عالمة بكلّ شيء، وفي مختلف الأبعاد، على مستوى معرفة الله عزّ وجلّ والمعرفة التاريخيّة والمعرفة الاجتماعيّة والقراءة الدقيقة للواقع والمعرفة بأسرار العديد من العبادات والفرائض وعللها... وذلك لتكون حجّتها تامّة كاملة على القوم، هذا إضافة إلى الأسلوب الذي خرّجت به علمها ذاك، وهو على درجة من الفصاحة والبلاغة التي لا نظير لها.


ولتأكيد عظمة تلك الخطبة فهي لا تزال حيّة غضّة إلى يومنا هذا، يقول الإمام الخامنئي دام ظله في سياق حديثه عن الخطبة الفدكيّة: "كان العرب معروفين بقوّة حافظتهم. فكان يأتي شخصٌ وينشد قصيدة من 80 بيتًا وبعد أن يُنهي يقوم عشرة أشخاص ويكتبون هذه القصيدة، فهذه القصائد الّتي بقيت إلى يومنا هذا، في الأغلب هكذا حُفظت. كانت الأشعار تُتلى وتُحفظ في الأندية - أي في تلك المراكز الاجتماعيّة. وهذه الخطب وهذه الأحاديث كانت (تُحفظ) بهذه الكيفيّة أيضًا. لقد جلسوا وكتبوا وحفظوا وبقيت هذه الخطب إلى يومنا هذا. أمّا الكلمات الجوفاء فلا تبقى في التاريخ، فليس كلّ كلام يُحفظ، فلقد قيل الكثير الكثير، وأُلقي الكثير من الخطب والكثير من الأشعار ولكن لم تبقَ كلّها، ولم يعتنِ بها أحدٌ. كلّما نظر الإنسان إلى ذاك الشّيء الّذي حفظه التاريخ في قلبه، وبعد مرور 1400 سنة، يشعر بالخضوع، وهذا إنّما يدلّ على هذه العظمة. برأيي إنّ هذا يُعدّ بالنسبة للفتاة الشابّة قدوة"1.

محاور خطبة السيدة فاطمة عليها السلام
تطرّقت السيدة فاطمة عليها السلام في خطبتها إلى العديد من المواضيع الحساسة وذات الأهميّة، وفيما يلي نعرض المواضيع التي تحدّثت فيها:
أولًا: بدأت بالحمد والشكر لعظمة الله تعالى، والاعتراف بتوحيد الله سبحانه، والثناء عليه وذكر صفاته ونعمه ومننه جلّ وعلا.
 

1- الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص 152.
 
 
 
152

131

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 ثانيًا: عرّجت على مقام النبوّة، وعظيم صفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومنزلته في عالم الآخرة، وركّزت في نسبتها إليه صلى الله عليه وآله وسلم.


ثالثًا: بيّنت جهاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وما عاناه وما وصل المسلمون من فضلٍ بسبب أبيها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وبيّنت كيف كانت حال العرب قبل بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليهم.

رابعًا: بيّنت عظمة القرآن ودوره في الهداية لما استهدى به.

خامسًا: بيّنت الحكمة من بعض العبادات والواجبات الشرعيّة.

سادسًا: بينت بعض فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام وأنه الخليفة الشرعيّ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

سابعًا: فضحت المنافقين المتربّصين بأهل البيت عليهم السلام السوء، الذين أضمروا العداوة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في وانتهزوا الفرصة بعد وفاته.

ثامنًا: بيّنت مسألة فدك أمام الجميع وعرضت أدلّتها وبيّنت حقّها في فدك، وفي صحّة وراثتها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والاحتجاج عليهم بكلام الله عزّ وجلّ.

تاسعًا: استنهضت المسلمين لنصرتها، وقرّعتهم على سكوتهم وخذلانهم وخصوصًا الأنصار.

قبسات نورانيّة من الخطبة الفدكيّة
1- شكر الله على نعمه السابغة:
افْتَتَحَتِ السيدة فاطمة عليها السلام الْكَلامَ بِحَمدِ اللهِ وَالثناءِ عليه والصلاةِ على رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبكى القوم، فَلَما أمْسَكُوا عادَتْ فِي كلامِها، فَقَالَتْ عليها السلام:
"الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَلّ عَنِ الاحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الادْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها"1.
 

1- الشيخ الطبرسيّ، الإحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 98.
 
 
 
153

132

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 كما هو المعهود في خطب المعصومين عليهم السلام، فإنّهم أوّل ما يبتدئون به هو الحمد والثناء على الله سبحانه، فافتتحت السيدة فاطمة عليها السلام كلامها بذلك أيضًا، فبدأت بشكر المنعم الذي هو من الواجبات التي أوجبها العقل والدين. وقد أحاطت عليها السلام بحمدها وشكرها كلّ النعم، الظاهرة والباطنة، فالنعم الباطنيّة هي تلك التي ألهمنا إيّاها الله عزّ وجلّ وأعطانا قابليّة فهمها وتمييزها كالعلم والمعرفة مثلًا، فقالت: "وله الشكر على ما ألهم". ثمّ تابعت عليها السلام حمدها لله عزّ وجلّ بالثناء عليه سبحانه بما قدّم من النعم. فهناك نعم قدّمها سبحانه في الدنيا ونعم أخرى أخّرها للآخرة وهي الجنة والنعيم الدائم. إلّا أنّ تلك النعم تعطى للناس ابتداء سواء طلبوا ذلك أم لا، وسواء كانوا مستحقين لها أم لا، فتقول عليها السلام إنّ الله عزّ وجلّ قد أعطى الآلاء السابغة وهي النعم الشاملة الكاملة التامّة تفضّلًا، فكانت تلك النعم مِنناً من الله عزّ وجلّ على عباده وتفضلاً وإحساناً وليست استحقاقاً وجزاءً وهي منن متوالية غير منقطعة، وهي نعم تعالت على الإحصاء ولا يمكن أن تجازى ولا أن يدرك أبدها أو تعرف نهايتها. ثمّ إنّها وبعد بيانها لكلّ أنواع الفضل الإلهيّ، بيّنت عليها السلام طريق الاستزادة وإدامة النعمة، فأوضحت أنّ الله عزّ وجلّ ومع تمام مننه على عباده دعاهم إلى الاستزادة منها وبقائها عن طريق الشكر مع أنّ شكر المنعم أمر تسلتزمه فطرة الإنسان، وطلب منهم الحمد عليها بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم ودعاهم إلى طلب أمثالها من النعم الدنيويّة والأخرويّة ليكون ذلك مدعاةً لمزيد نعم وعطايا.


2- الملازمة بين التوحيد والإخلاص
ثم قالت: "وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها"1.

بعد أن بيّنت نعم الله عزّ وجلّ واستحقاقه تعالى للشكر والحمد الذي هو مقتضى فطرة الإنسان، بدأت عليها السلام ببيان أوّل شهادة تجعل الإنسان مسلمًا وهي كلمة "لا إله
 

1- الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص98.
 
 
 
 
154

133

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 إلّا الله"، فبيّنت التلازم بينها وبين الإخلاص، حتّى كان الإخلاص هو تأويل كلمة "لا إله إلا الله" وحقيقتها. والمراد بالإخلاص جعل الاعمال كلّها خالصة لله تعالى، وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة، وعدم التوسّل بغيره تعالى في شيء من الأمور، فإنّه من أيقن بأنّ الله عزّ وجلّ هو الخالق والمدبّر وبأنّه لا شريك له في الإلهيّة فحقّ له أن لا يُشركه في العبادة غيره، ولا يُتوجّه في شيءٍ من الأمور إلى غيره. والإخلاص أمر مقدور عليه للجميع بل إنّها عليها السلام بيّنت أنّ الله عزّ وجلّ قد ضمّن قابليّة التوحيد والإخلاص في قلب الإنسان وفيها دلالة على فطرية، فالأصل في الإنسان أن يكون موحدًا مخلصًا لما ضمّن الله عزّ وجلّ لذلك في قلبه، ولم يتوقّف سَيَلان تلك الكلمة الشريقة في القلب، بل إنّها سيّالة في كلّ وجود الإنسان وكذا في عقله، فقد أنار الله عزّ وجلّ في الفكر والعقل ما يتعقّل من تلك الكلمة كالبراهين والأدلّة وما يستنيط منها.


3- ليس كمثله تعالى شيء:
قالت عليها السلام: "الْمُمْتَنِعُ مِنَ الابْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلالْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الاوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الاشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلا تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ"1.

وهنا شرعت في تبيين صفات الله عزّ وجلّ التي هي باب معرفته سبحانه. فالله تعالى لا يرى بالبصر، ولا يمكن للألسن أن تصفه ولا يمكن للأوهام والخيالات أن تكيفه بكيف فهو الذي ليس كمثله شيء، وهذه العبارات تحوي العديد من المطالب والمسائل الاعتقادية التي ليس هذا محلّ البحث فيها، لكنّ السيدة فاطمة عليها السلام ترجمت لنا بطريقة مختصرة ومقتضية فحوى الآية الشريفة ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾2 وهو كمال التنزيه والتسبيح له جلّ جلاله. ثم بدأت تتحدّث عن بعض صفات الله عزّ وجلّ الفعليّة،
 

1- الشيخ الطبرسيّ، الإحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 98.
2- سورة الشورى، الآية 11.
 
 
 
155

134

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 فبيّنت أن خلقه عزّ وجلّ للأشياء كان ابتداعًا أيْ لا من شيء قبلها ولم يحتج إلى أمثلة يحتذي بها ليخلق، بل إنّه عزّ وجلّ قد كوّنها بقدرته المطلقة وذرأها بمشيئته. ثم نبّهت إلى أن كلّ الخلق لم يكن عن حاجة من الله عزّ وجلّ إليها وهو الذي تعالى عن كلّ حاجة ونقصٍ علوّا كبيرًا، فقد كوّنها وهو مستغنٍ عنها ولا تصله فائدةٌ منها على الإطلاق، لكنّ خلقه كان تثبيتًا لحكمته وليُظهر قدرته ولينبّه المخلوقات إلى طاعته، فمثل هذا الخالق الغنيّ عن مخلوقاته مستحقٌ للعبادة، وكان خلقه ليتمّ ويعِزّ دعوة الخلق إليه واستدلالهم عليه عبر أنبيائه ورسله عليهم السلام.


4- حكمة بعض التشريعات وأسرارها
ثمّ قالت: "فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للاخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ"1.

من هنا بدأت السيدة فاطمة عليها السلام في بيان الحِكمة من بعض الشرائع والواجبات الدينيّة وآثارها، فبدأت بالإيمان الذي هو الأصل المنجّي للإنسان، فأوضحت أنّ الإيمان بالله عزّ وجلّ هو تطهيرٌ للناس من الشرك، فالإيمان بالله عزّ وجلّ وبأنّه معنا يراقبنا ويرعانا ويشرف علينا ولا تخفى عليه خافية في السموات والأرض يطهر الإنسان من رجس الشيطان ومن رجس الشرك. ثم عرّجت على عمود الدين "الصلاة"، فقالت إنّ الصلاة هي تنزيهٌ للناس عن الكبر، فكلّ من كان يصلّي ويعيش الصلاة في جوارحه وكيانه قلبًا وقالبًا قولًا وعملًا ينزع منه الكبر ويتعلّم التواضع والخضوع والخشوع. كما بيّنت أنّ أداء الزكاة وإعطاء الحقوق الشرعيّة التي فرضها الله على عباده هي تزكية للنفس وقاية لها من البخل والشحّ في الانفاق وهي تجعل الرزق ينمو ويزيد.

أمّا الصيام فقد ذكرت السيدة فاطمة عليها السلام أنّه مدعاةً لتثبيت الإخلاص في النفوس، فالصيام هو مظهر من مظاهر العبادة الخالصة لله عزّ وجلّ لشدّة ما فيها من عناء على
 

1- الشيخ الطبرسيّ، الإحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 99.
 
 
 
156

135

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 الإنسان فيصعب احتماله ما لم يكن خالصًا لله عزّ وجلّ. ثمّ تحدّثت عن الحجّ وآثاره فهو "تشييدٌ للدين"، فالحجّ في الإسلام هو مؤتمر سنويّ عالميّ يجتمع المسلمون فيه ويأتون من جميع البلدان والأقطار ليؤدّوا مناسكهم ويتعارفوا، فيشدّ بعضهم عضد بعض، والحج يذكرهم بوحدتهم مع كلّ اختلافاتهم وبأنّهم سواسية في نظر الإسلام، فكلّما ازدادت أواصر الوحدة بين المسلمين انعكس ذلك تشييدًا وعزّة للإسلام. ثمّ بيّنت أنّ العدل هو تنسيقٌ للقلوب إذ إنّه لا يقوم نظام اجتماعيّ ولا يستقيم إذا لم يقم على العدالة بين الناس على اختلاف طبقاتهم وأشكالهم وأنواعهم، وعندما تتحقّق العدالة تصير القلوب متناسقة.


5- مقام الإمامة والجهاد ومنزلتهما في الأمّة:
إلى أن قالت عليها السلام: "وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأجْرِ، وَالامْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّة"1.

بعد أن تحدّثت السيدة فاطمة عليها السلام عن الحكمة من بعض الواجبات الفرديّة عمومًا، انطلقت لتبيين حِكُم بعض التشريعات والواجبات التي ترتبط بالمجتمع وآثارها، فبدأت عليها السلامبأصل أصول انتظام المجتمع وهو طاعة ولي الأمر، فقالت: "وطاعتنا نظامًا للملّة، وإمامتنا أمانًا من الفُرقة"، وقد بيّنت بشكل جليّ من خلال هاتين العبارتين المقتضبتين أنّه لا انتظام ولا استقرار للمجتمع ولا وحدة دون أهل البيت عليهم السلام، وأكدت من خلالهما أنّ الإمامة محصورةٌ فيهم (إمامتنا)، فانتظام الملّة واستقرارها ووحدتها منوطٌ بكون أهل البيت عليهم السلام هم أولياء الأمر وليس أيّ أحد غيرهم، فهم المعصومون الذين أذهب الله عزّ وجلّ عنهم الرجس وكانوا عليهم السلام لا ينطقون عن الهوى، لذا فإنّه لا يمكن أن يسود النظام العادل في المجتمع الإسلاميّ إلّا بالقادة المعصومين المنزّهين عن الزلل الذين عيّنهم الله تعالى على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، وعندما يسود النظام ويحلّ العدل تتوحّد كلمة المسلمين وفي ذلك أمانًا من أن تفترق الناس.
 

1- الشيخ الطبرسيّ، الإحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 99.
 
 
 
157

136

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 ثمّ تحدّثت عن الجهاد، وأنّه عزٌّ للإسلام، فالجهاد هو من الواجبات التي اعتمد عليها الدين الإسلاميّ للدفاع عن وجوده ووجود رجالاته الذين وجد الإسلام بوجودهم، وهو قوّة ومنعة يدفع به اعتداء المعتدين وكيد الظالمين وفيه تُحفَظ العِزّة والكرامة لكلّ أفراد الأمّة، فلولا الجهاد لما حصل الإسلام على عِزّته.


ولأنّ طاعة أهل البيت عليهم السلام وإمامتهم والجهاد في سبيل الإسلام يَحتاج إلى الكثير الكثير من الصبر والتحمّل، عرّجت السيدة فاطمة عليها السلام على الصبر وقالت: "والصبر معونةً على استيجاب الأجر"، وكأنّ في ذلك حثّاً على الصبر وترغيباً فيه لنيل الأجر، فبيّنت أنّ الصبر هو الذي يعين الإنسان على أن يكون له أجر يجزى به، أي إنّ الصبر يوجب الأجر والثواب وازديادهما.

كذلك وفي الإطار عينه، ولأنّ كلّ الواجبات التي تحدّثت عنها تحتاج إلى فريضة الأمر بالمعروف قالت: "والأمر بالمعروف مصحلةً للعامّة"، وذلك لتبيّن أنّ كلّ مسلم مسؤول عن تلك المصلحة العامّة، وأنّ الأمر بالمعروف هو السبيل لتحقيق صلاح الناس وهي فريضة واجبة على كلّ مكلّف بحسب علمه فيكون بذلك مسؤولًا أمام الله عزّ وجلّ عن تحقيق صلاح العامّة وعدمه.

6- برّ الوالدين حصانة:
قالت عليها السلام: "وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الارْحامِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصاصَ حِصْناً لِلدِّماءِ"1.

اهتمّ الإسلام اهتماماً شديدًا بالوالدين وجعل شكرهما من شكر الله عزّ وجلّ، وغضبهما مدعاةً لغضب الله عزّ وجلّ، لذا أكدّت السيدة الزهراء أهمّية العلاقة مع الوالدين القائمة على البرّ، فبرّهما يقي من سخط الله سبحانه وكأنّها تقول لنا، من يُرِدْ أن يبتعد عن سخط الله ويقي نفسه تلك التهلكة فعليه ببرّ الوالدين فهو سبيلٌ للنجاة.
 

1- الشيخ الطبرسيّ، الإحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 99.
 
 
 
158

137

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 7- صلة الأرحام:

ولمناسبة الحديث عن العلاقات العائليّة بيّنت السيدة فاطمة عليها السلام أنّ: "صلة الأرحام منماة للعدد"، فإنّه لا يخفى ما لصلة الأرحام من تداعيات إيجابيّة على الصعيد الاجتماعيّ، فإنّها الباب الأساس للتعاضد والتكافل العائليّ وشدّ الأواصر، ومدعاة للتزاوج فيكثر بذلك العدد وينمو، وهي أيضًا تطيل عمر المسلمين كما ورد ذلك في روايات عديدة وبإطالة العمر ينمو عدد المسلمين أيضًا.

8- "والقصاص حصنًا للدماء":
إنّ الإسلام هو نظام الله في الأرض وهذا النظام يجب أن يحافظ على أبنائه ومجتمعه من الانحراف ومن طبع الإنسان الانحراف عن الجادّة التي رسمها الله سبحانه له، ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾1, فسنّ سبحانه القصاص لحماية هذا المجتمع والنظام. فعندما يقاصص ويعاقب كلّ معتدٍ ويضرب على يد كلّ مجرم لا يعتدي الإنسان على أخيه الإنسان ولا يظلم أحدٌ أحدًا وهكذا تصلح حياة المجتمع والأفراد، لذا قالت السيدة فاطمة عليها السلام: "والقصاص حصنًا للدماء"، فعندما يُطبَّق القصاص ويحصل فعلاً الاقتصاص من الجناة، فإنّ ذلك سيشكّل رادعًا لغيرهم وفي الوقت عينه فلن يلجأ كلّ فرد إلى الاقتصاص بنفسه ممّن اعتدى عليه، لذا تُحقن وتحصّن الدماء.
 

1- سورة يوسف، الآية 53.
 
 
 
159

138

الدرس الثاني عشر: أضواء على الخطبة الفدكيّة

 المفاهيم الرئيسة


- تعتبر الخطبة الفدكيّة من أبرز محطّات تجلّيات علم السيدة فاطمة عليها السلام، لما حوته من مضمون لا يمكن أن يأتي به غير المعصوم الذي يتلقّى علومه من العلم المطلق، فبيّنت أنّها عالمة بكلّ شيء، وفي مختلف الأبعاد، على مستوى معرفة الله عزّ وجلّ والمعرفة التاريخيّة والمعرفة الاجتماعيّة والقراءة الدقيقة للواقع والمعرفة بأسرار العديد من العبادات والفرائض وعللها بفصاحة وبلاغة قلّ نظيرهما.

- تطرّقت السيدة فاطمة عليها السلام في خطبتها إلى العديد من المواضيع الحسّاسة: فتحدّثت عن الله عزّ وجلّ وصفاته ونعمه ومننه جلّ وعلا. ثمّ عرّجت على مقام النبوّة، وعظيم صفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومنزلته في عالم الآخرة، وركّزت في نسبتها إليه صلى الله عليه وآله وسلم وبيّنت جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما عاناه وما وصل المسلمون من فضلٍ بسبب أبيها صلى الله عليه وآله وسلم. ثمّ بيّنت عظمة القرآن ودوره في الهداية لما استهدى به. ووضّحت الحكمة من بعض العبادات والواجبات الشرعيّة. وبيّنت بعض فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام وأنّه الخليفة الشرعيّ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. واستنهضت المسلمين لنصرتها، وقرّعتهم على سكوتهم وخذلانهم وخصوصًا الأنصار.

- بيّنت السيدة الزهراء عليها السلام كلّ أنواع الفضل الإلهيّ على البشر، وأنّها محض منن وتفضل، وأوضحت طريق الاستزادة وإدامة النعمة عبر الشكر والحمد.

- أوضحت السيدة فاطمة عليها السلام الملازمة بين الإخلاص والتوحيد، إذ إنّ التوحيد الحقيقيّ يقتضي الاخلاص.

- بيّنت الزهراء عليها السلام بعض الصفات الإلهيّة ثمّ تحدّثت عن الحكمة من الخلق ألا وهي إظهار القدرة.

- أشارت السيدة فاطمة عليها السلام إلى الحكمة وبعض الأسرار الكامنة في العبادات، ككون الصلاة تنزيهاً عن الكبر والصيام تثبيتاً للإخلاص والحجّ تشييداً للدين.

- بيّنت عليها السلام بشكلٍ جليّ أنّه لا انتظام ولا استقرار للمجتمع ولا وحدة دون أهل البيت عليهم السلام، وأكّدت من خلالهما أنّ الإمامة محصورةٌ فيهم، فلا يمكن أن يسود النظام العادل في المجتمع الإسلاميّ بسواهم.

- أكّدت السيدة الزهراء على أهمّية العلاقة مع الوالدين القائمة على البرّ، فبرّهما يقي من سخط الله سبحانه كما شجّعت على صلة الرحم وبيّنت أنّها منماة. ثمّ أشارت إلى أهمّية القصاص وفائدته في الإسلام بحيث إنّه يكون حصنًا للدماء وحقنًا لها ووسيلة لحفظ النظام العامّ.
 
 
 
 
 
 
160

139

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 الدرس الثالث عشر

الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتبيّن موقعيّة السيدة فاطمة عليها السلام في الحياة السياسيّة.
2- يتبيّن كيف جاهدت الزهراء عليها السلام في سبيل إعلاء كلمة الحقّ وآثار ذلك الجهاد.
3- يستخلص الدروس التربويّة فيما يخصّ التعامل مع القضايا السياسيّة والجهاديّة من حياة السيدة فاطمة عليها السلام.
 
 
 
 
 
 
 
163

140

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 تمهيد

تعرّضنا في الدروس السابقة إلى العديد من الجوانب المعرفيّة والتربويّة المتعلّقة بحياة سيدة نساء العالمين عليها السلام، وبعد كلّ ما جرى استعراضه - ومع أنّه أقلّ القليل - ولا يتجاوز سطح التعرّف إلى السيدة فاطمة عليها السلام، إلّا أنّ المرء عندما يطّلع عليه، لا يسعه سوى أن يخرّ خاشعًا أمام عظمة هذه الشخصيّة الملكوتيّة. إلا أنّنا عندما نقلّب صفحات التاريخ المؤلم ونحلِّلها قليلاً نجد بأنّها عليها السلام لم تترك ساحة الجهاد حتّى آخر نفس في عمرها الشريف، بل بذلت كلّ أنفاسها عليها السلامعلى طريق الجهاد فرحلت إلى ربّها عزّ وجلّ صِدّيقة شهيدة.

إنّنا مع كلّ ذلك التاريخ المؤلم لسنا في صدد التطرّق إلى تفاصيل كل ما جرى، ولا في صدد الحديث عن الأسباب والنتائج، بل سنركّز في هذا الدرس على جانب من جهادها السياسي في بعض محطّات حياتها ولا سيّما في إطار دفاعها عن الرسالة الإسلامية والإمامة، وكيفيّة انخراطها في الحياة السياسيّة انطلاقًا من وظيفتها الرساليّة وتكليفها الإلهي.

الجهاد المنسجم مع طبيعة التكوين
إنّ للجهاد وجوهًا وأبعادًا مختلفة ومتعدّدة بحسب كلّ زمان ومقتضياته، ومدى تشابك وتداخل الأمور فيه وقوّة الأعداء ودهائهم.. وواجب الجهاد ملقىً على عاتق المسلمة كما هو على عاتق المسلم، فكلٌّ معنيٌّ بحفظ دينه والدفاع عنه، إلّا أنّ جهاد كلٍّ منهما يختلف عن الآخر بحسب طاقاته وقدراته وبما يتناسب وطبيعته التي خلقه الله عليها ودوره في الحياة، كما تختلف أساليب ووسائل الجهاد بينهما، وهذه النقطة تحديداً
 
 
 
 
165

141

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 نراها منارًا ساطعًا في حياة السيدة فاطمة عليها السلام، حيث إنّها خاضت غمار الجهاد طول حياتها بما يتناسب مع دورها في الحياة وقد ترك جهادها آثاره في الدين كلّه، فليس للمرأة أن تحصر الجهاد بالميادين التي كلّف بها الرجال من قتال بالسلاح ونحوه وتسعى لذلك وتسقط غيره من الجهاد عن الاعتبار، فجهاد السيدة الزهراء عليها السلام في مرحلة معيّنة كان في خطبتها الشهيرة التي ألقتها في مسجد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وفي مرحلة سابقة كان بالوقوف إلى جانب والدها وشدّ عضده..


فقد كانت الزهراء عليها السلام تقوم بما بتوجّب عليها من جهاد انطلاقًا من دورها كأنثى. بل إنّ كونها امرأة كان يحتِّم عليها أن تجاهد بطرائق مختلفة لا يقدر عليها غيرها من الرجال، فمساندتها للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من موقع "أمّ أبيها" في بداية حياتها كان له الأثر العظيم في النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مثلًا وبالتالي عمّ أثره في الإسلام كلّه، وكمثال آخر فإنّ دفاعها عن حقوقها والمطالبة بفدك وحصتها من الإرث، واحتجاجاتها على القوم هو من أكثر الأمور تأثيرًا في المجتمع والناس، وهو أمر ستتولّى الفقر اللاحقة بيانه.

فاطمة عليها السلام المجاهدة إلى جانب أبيها صلى الله عليه وآله وسلم
اتّسمت حياة الزهراء عليها السلام منذ نعومة أظفارها بالجهاد والدفاع عن الإسلام، فهي التي كانت إلى جنب أبيها منذ صغرها تمدّه بالعون وتقوّيه وترفده بالحبّ والحنان وتتحمّل في سبيل إعلاء كلمة الإسلام الجوع وهم في شعب أبي طالب، وتتحمّل تبعات الدعوة بكلّ روح مسؤولة دونما تأفّف واعتراض، حتّى استشهدت في مقتبل عمرها الشريف في سبيل الدفاع عن الإسلام.

وكانت منذ صغرها تقدّم التضحيات المطلوبة، ولم تتوقّف في أحلك المراحل وأصعبها، لهذا تجدها عليها السلام إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض المعارك التي خاضها صلى الله عليه وآله وسلم ضد المشركين كمعركة أحد، من خلال تضميد جراحات أبيها حيث تقول الرواية إنها لمّا كُسرت‏ رباعيته صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد‏ وهشّمت البيضة على رأسه، كانت فاطمة عليها السلام تغسل عنه الدم وعليّ عليه السلام يسكب عليها بالمِجنّ فلما رأت فاطمة عليها السلام أنّ الماء لا يزيد الدم إلّا كثرة
 
 
 
 
 
166

 


142

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 أخذت قطعة حصير فأحرقته حتّى إذا صار رماداً ألزمته الجرح فاستمسك الدم1، فكانت بمثابة الممرِّضة له عليهم السلام أجمعين.


ويبيّن الإمام الخامنئيّ هذه المسألة فيقول: "تُعتبر شخصيّة الزّهراء عليها السلام المطهّرة عليها السلام في الأبعاد السّياسيّة والاجتماعيّة والجهاديّة شخصيّة مميّزة بحيث إنّ جميع النّساء المجاهدات والثوريّات والمميّزات والسياسيّات في العالم يُمكنهنّ أن يأخذن الدروس والعبر من حياتها القصيرة ولكن المليئة بالمحتوى والمضمون. امرأةٌ وُلدت في بيت الثورة، وأمضت كلّ طفولتها في حضن أبٍ كان في حالة مستمرّة من الجهاد العالميّ العظيم الّذي لا يُنسى، تلك السيّدة الّتي كانت في مرحلة طفولتها تتجرّع مرّارات الجهاد في مكّة، وعندما حوصرت في شعب أبي طالب، لمست الجوع والصعاب والرّعب وكلّ أنواع وأصناف الشّدائد في مكّة، وبعد أن هاجرت إلى المدينة أضحت زوجة رجلٍ كانت كلُّ حياته جهادًا في سبيل الله...

فحياة فاطمة الزّهراء عليها السلام، وإن كانت قصيرة ولم تبلغ أكثر من عشرين سنة، لكنّها من جهة الجهاد والنّضال والسّعي والصّبر والثورة والدّرس والتّعليم والتعلّم والخطابة والدّفاع عن النبوّة والإمامة والنّظام الإسلاميّ كانت بحرًا مُترامياً من السّعي والجهاد والعمل وفي النّهاية الشهادة. هذه هي الحياة الجهاديّة لفاطمة الزّهراء عليها السلام الّتي هي عظيمة جدّاً واستثنائيّة وفي الحقيقة لا نظير لها، ويقيناً ستبقى في أذهان البشر - سواء اليوم أم في المستقبل - نقطةً ساطعةً واستثنائية"2. ففي كلّ مرحلة من مراحل الدعوة وفي كلّ محطّة من محطّات حياة الزهراء عليها السلام كان هناك جهاد معيّن ملقىً على عاتق السيدة فاطمة عليها السلام، حسب السمات الخاصّة بكلّ مرحلة.
 

 1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏20، ص 31.
2- الإمام الخامنئيّ، إنسان بعمر 250 سنة، مصدر سابق، ص 149.
 
 
 
167

143

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 السيدة فاطمة عليها السلام في قلب المعادلة السياسيّة

لم تكن السيدة فاطمة عليها السلام شخصيّة يمكن تهميشها وغضّ النظر عنها في المجتمع الإسلاميّ، حتّى في ذلك الوقت، فقد أسّست عليها السلاممع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شخصيّة أصبحت رقمًا صعبًا في الحياة السياسيّة، ذلك مع أنّ المجتمع آنذاك لم يكن يعطي المرأة مكانًا أو دورًا ذا أثر في الحياة الاجتماعيّة ناهيك عن الحياة السياسيّة. إلّا أنّ الوضع لم يكن كذلك مع السيدة فاطمة عليها السلام، فبفضل عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الدؤوب في بيان فضائلها ومكانتها وتعظيم شأنها، وبفضل سلوكها الفريد غير القابل للتجاوز، لم يعد بإمكان أحد أن يتجاوز فاطمة عليها السلام.

وقد ظهر ذلك بشكلٍ جليّ في مسألة فدك، حيث تُعدُّ تلك المحطّة من المحطّات المهمّة في حياة السيدة فاطمة عليها السلام. حيث كانت فدك أرضًا نحلها الرسول لفاطمة، بسبب كونها فيئًا لم يوجف عليها المسلمون بِخيلٍ ولا ركاب، فنزلت الآية ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾1, وأعطَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فدك للزهراء عليها السلام، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحت مبرّرات وعناوين كثيرة، من أهمها ما نُسب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم "نحن معاشر الأنبياء لا نورّث درهماً ولا ديناراً.."2، جُمعت ممتلكات ومتروكات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كافّة بما فيها فدك ووضِعت بتصرّف الحكومة...‏3.

لكنَّ السيدة فاطمة عليها السلام لم تستسلم وصرّحت بأنّ فدك وبعض متروكات النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حقّها الشرعي، وسعت للحصول عليها، تقول الرواية: "إنَّهُ لَمَّا أَجْمَعَ‏ أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ عَلَى مَنْعِ‏ فَاطِمَةَ عليها السلام فَدَكْ وَبَلَغَهَا ذَلِكَ‏، لَاثَتْ خِمَارَهَا عَلَى رَأْسِهَا... حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ- وَهُوَ فِي حَشَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ‏، فَنِيطَتْ دُونَهَا مُلَاءَةٌ فَجَلَسَتْ ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ‏ الْقَوْمُ لَهَا بِالْبُكَاءِ فَارْتَجَّ الْمَجْلِسُ ثُمَّ أَمْهَلَتْ هُنَيْئَةً حَتَّى إِذَا سَكَنَ
 

1- سورة الاسراء، الآية 26.
2- ابن طاووس، السيد علي بن موسى‏، طرف من الأنباء والمناقب‏، تحقيق وتصحيح قيس العطار، ‏نشر تاسوعاء، إيران - مشهد، 1420ه‏، ط1، ص 29.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏29، ص 194.
 
 
 
168

144

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 نَشِيجُ الْقَوْمِ وَهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ افْتَتَحَتِ الْكَلَامَ بِحَمْدِ اللَّهِ َ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ فَعَادَ الْقَوْمُ فِي بُكَائِهِمْ فَلَمَّا أَمْسَكُوا عَادَتْ فِي كَلَامِهَا.."1، وبدأت بخطبتها الشهيرة في تبيان حقّها، ولمّا لم تبقِ لهم أيّ ذريعة وبيّنت الحقّ للجميع حتّى أجابها زعيم القوم: "صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏ وَصَدَقَتِ ابْنَتُهُ مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ وَمَوْطِنُ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ وَرُكْنُ الدِّينِ وَعَيْنُ الْحُجَّةِ لَا أُبَعِّدُ صَوَابَكِ وَلَا أُنْكِرُ خِطَابَكِ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ قَلَّدُونِي مَا تَقَلَّدْتُ- وَبِاتِّفَاقٍ مِنْهُمْ أَخَذْتُ مَا أَخَذْتُ غَيْرَ مُكَابِرٍ وَلَا مُسْتَبِدٍّ وَلَا مُسْتَأْثِرٍ وَهُمْ بِذَلِكِ شُهُودٌ"2.


إنّ سلوك السيدة فاطمة عليها السلام يعلّمنا كيف يمكن للمرأة وهي في أعلى درجات العفّة والمحافظة على نفسها أن تكون في قلب الحياة السياسيّة، وتغدو شخصًا مؤثّرًا بقراراته وعداواته ومصالحاته، كلّ ذلك وهي في منزلها، ما خرجت إلّا عند اللزوم. صحيح أنّه لا يمكن للجميع أن يكون فاطمة عليها السلام، بل لا يمكن لأحد أن يكون فاطمة عليها السلام، حتّى يكون لها من الحضور في الحياة السياسيّة ما كان للزهراء عليها السلام، إلّا أنّ خطّ الزهراء السياسيّ الجهاديّ لا يزال حيًّا وسيبقى كذلك، فمن أراد السير على خطاها فالطريق واضح والخطّ بيّن، فليس المطلوب أن تكون كلّ امرأة بشخصها تشكّل القضية، بل إنّ انتسابها لذاك الخطّ السياسيّ الجهاديّ هو المطلوب.

فاطمة الشهيدة
إنّ من أهمّ النقاط الجهاديّة في حياة السيدة فاطمة عليها السلام دفاعها عن الولاية ودفاعها عن الإمام عليّ عليه السلام، فلم تكن الزهراء المجاهدة لتتوانى عن نصرة إمامها، حيث نرى كيف كانت مستميتة في الدفاع عنه عليه السلام، وهي لم تكن تدافع عن زوجها بل عن إمامها، فضحّت في سبيل ذلك بكلّ غالٍ ونفيس، وقد أرادت أن تبقى نبراساً للحقّ يخبر كلّ من أراد معرفة الحقيقة على مرّ التاريخ عن ظلامتها وما جرى عليها، فهي ابنة النبي الوحيدة 
 

1- الشيخ الطبرسيّ، الإحتجاج، مصدر سابق، ج‏1، ص 98.
2- المصدر نفسه، ج‏1، ص 104.
 
 
 
169

145

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 التي دفنت ليلًا ولم يحضر جنازتها إلّا خواصّها، وقبرها الشريف مجهول.


إنّ شخصيّة الزهراء سمحت لها بأن تصِرُّ على معاداة كلّ من ظلمها وتستشهد معلنةً غضبها عليهم حيث تقول الرواية وقد عادها القوم يسترضونها لكنّها أصرّت على موقفها...1، فكانت صوت الحقّ الذي لا يمكن إسكاته أبدًا، وحافظت على معركتها لتبقى ناصعة مشرقة واضحة المعالم لكلّ ذي لبّ.

قدّمت لنا السيدة فاطمة عليها السلام مثالَا مشرقَا في الدفاع عن الحقّ المتمثّل بالولاية، وهي تعلّمنا أن نستنفد كلّ الوسائل في ذلك السبيل، فهي التي لم توفّر أيّ نوع من أدوات القتال التي تقدر عليها إلّا واستخدمتها حتّى دافعت عن إمامها بجسدها الطاهر فمضت شهيدة مظلومة. فحريّ بنا أن نعرف ببصيرة الزهراء معالم المعركة ونخوضها بكلّ ما أوتينا من قوّة، وهو من أعظم الدروس التي ثبّتتها الزهراء عليها السلام على مرّ التاريخ.

السيدة فاطمة عليها السلام الشخصيّة القياديّة
لقد كان حسّ المسؤوليّة عند السيدة فاطمة عليها السلام عاليًا جدًّا، بحيث كانت تحمل مسؤولية الأمّة جمعاء وهمّها، يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله في هذا الإطار: "لقد قامت فاطمة الزهراء عليها السلام بدور القائد الحقيقيّ. وكما قال إمامنا الخمينيّ الجليل: لو كانت فاطمة الزهراء رجلاً لكانت رسولاً2. وكانت تحمل مسؤوليّة هداية البشر كما أبوها صلى الله عليه وآله وسلم، فهي كانت قائدًا بهذا المعنى وإن لم تكن القائد الظاهريّ الفعليّ، حيث إنّ هذه المهمّة كانت مهمّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده الامام عليّ عليه السلام إلّا أنّ الإسلام جاء ليصنع من كلّ فرد محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وعليّاً عليه السلام ومن كلّ مرأة فاطمة عليها السلام، جاء ليصنع قائدًا قادرًا على تسلّم زمام الأمور متى دعت الحاجة.
فنرى السيدة فاطمة عليها السلام مثلًا تنبري للدفاع عن الإسلام والولاية وتقود حركة الدفاع عن الولاية بنفسها لمّا دعتها مسؤوليّتها للقيام بذلك، فحسّها القياديّ نشهده ظاهرًا في
 

1- يراجع :كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج‏2، ص 869.
2- راجع: الإمام الخمينيّ، صحيفة الإمام تراث الإمام الخمينيّ قدس سره -، مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخمينيّ، طهران - إيران، 1430ه - 2009م، ط1، ج7، ص 250.
 
 
 
170

146

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 سلوكها تجاه قضية الدفاع عن الولاية، تلك الروح القياديّة التي تحمل في طيّاتها مسؤوليّة البشر أجمعين، وهي تلك الروحيّة التي قدمت حياتها وحياة جنينها قربانًا في سبيلها، يقول القائد في هذا الصدد: "تمتاز سيدة نساء العالمين الصِدّيقة الكبرى عليها السلام من حيث المعايير الظاهريّة والعقلانيّة بأبعاد وأحجام لا يمكننا تصوّرها لو اتّضحت لنا ظروف المدينة المنورة بعد رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والوضع الذي كان آنذاك وتصوّرنا القضية بصورة صحيحة، عندها سنستطيع أن ندرك أي عمل عظيم قامت به فاطمة الزهراء. كانت ظروفاً صعبة جدّاً ولا يمكن إيضاحها حتّى للخواصّ.


ولم يقم من كلّ أصحاب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم سوى عشرة أشخاص أو اثني عشر شخصاً في المسجد ليدافعوا عن الإمام عليّ بن أبي طالب وعن حقّه.. كلّ أولئك الأصحاب، وكلّ أولئك الأجلاء، وكلّ أولئك التالين للقرآن، وكلّ أولئك الذين سجّل التاريخ أسماءهم، وقد كان الزبير طبعاً من ضمنهم، فتذكّروا ذلك، هكذا كانت الظروف. في مثل هذه الظروف تأتي ابنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد وتلقي تلك الخطبة الغرّاء بذلك البيان العجيب والأداء الرائع وتبيّن الحقائق، أو تلك الخطبة التي ألقتها على نساء المدينة وهي على فراش المرض وهي مُثبتة وموجودة.

هذه ليست أبعاداً معنويّة بل هي الأبعاد التي بوسعنا فهمها. يمكن فهمها بهذه النظرة العاديّة العقلائيّة، بيد أنَّها من العظمة والجلال بحيث لا يمكن حصر حجمها وقياس أبعادها، بمعنى أنّها لا تقبل المقارنة بأيّة تضحية أخرى. كما لو يُقال مثلاً كم هو طول المجرّات وعرضها؟ نعم، يمكن قياسها وتعيين أمتارها وسانتيمتراتها، ولكنْ من الذي يستطيع ذلك؟ من الذي يفهم ذلك؟ من الذي يقدر عليه؟ هذه ليست جوانب إلهيّة ومعنويّة وملكوتيّة وعرشيّة، بل هي جوانب أرضيّة ولكنّها من العظمة بحيث لا يستطيع الناس العادّيون حصرها.

نحن نتحدّث عنها ونتلو مراثيها وعزاءها، وتتحرّق قلوبنا ونبكي، لكنّنا لا نستطيع تصوّر ما حدث حقّ تصوّره وكم هو عظيم ما قامت به السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام،
 
 
 
 
171

147

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 لقد قامت فاطمة الزهراء عليها السلام بدور القائد الحقيقيّ"1. فمثل هذا السلوك لا يقوم به إلّا القائد الحقيقيّ، فهي بفعلها قد رسمت الحدود ووضعت القواعد للمواجهة المقبلة في قضية الدفاع عن الولاية. إلّا أنّ المسألة لا تنحصر بذاك الفعل التاريخيّ وإن كنا ما زلنا نعيش تداعياته حتّى يومنا هذا، بل إنّ المسألة بجوهوها تكمن في كون شخصيّة المرأة المسلمة شخصيّة قياديّة تبرز وتقود وتتسلّم زمام المبادرة متى دعت الحاجة لذلك، حيث كانت تلك الحادثة التاريخيّة أحد تجلّياتها.

 


1- خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في ذكرى ولادة السيدة فاطمة عليها السلام مع مدّاحي أهل البيت عليهم السلام 7102.

 

 

 

172


148

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 دروس تربويّة لحياة فاطميّة

لأنهج نهج سيدتي فاطمة عليها السلام، ينبغي لي:
- أن أختار الجهاد منهجًا في حياتي.
- أن يكون جهادي متناسبًا مع طبيعتي كأنثى وانطلاقًا من أدواري في الحياة.
- أن أتحلّى بروح المسؤوليّة تجاه المجتمع والدين.
- أن أتحلّى بروح القيادة، وأتصرّف وفقها على الدوام.
- أن أتحلّى بالبصيرة التي تؤهّلني لتشخيص المواقف الملائمة في مختلف القضايا.
- أن أنخرط في المشروع السياسيّ الجهاديّ الذي خطّت السيدة فاطمة عليها السلام معالمه، وأعرف موقعي فيه.
- أن أسعى لأن يكون لي دورٌ مؤثّر في معركة الصراع بيت الحقّ والباطل.
- أن أدافع عن الحقّ والولاية متى دعت الحاجة بكلّ وجودي.
- أن أستنفد كلّ الوسائل في سبيل الدفاع عن الولاية.
 
 
 
 
173

149

الدرس الثالث عشر: الحياة السياسيّة والجهاديّة للسيّدة فاطمة عليها السلام

 المفاهيم الرئيسة


- إنّ للجهاد وجوهًا وأبعادًا مختلفة ومتعدّدة بحسب كلّ زمان ومقتضياته، وواجب الجهاد ملقىً على عاتق المسلمة والمسلم، لكنّ طبيعة جهاد كلّ منهما تختلف عن الآخر بحسب طاقاته وقدراته وبما يتناسب وطبيعته التي خلقه الله عليها ودوره في الحياة، كما تختلف أساليب ووسائل الجهاد بينهما، وهذه النقطة تحديداً نراها منارًا ساطعًا في حياة السيدة فاطمة عليها السلام.

- اتّسمت حياة الزهراء عليها السلام منذ نعومة أظافرها بالجهاد والدفاع عن الإسلام، ففي كلّ مرحلة من مراحل الدعوة وفي كلّ محطّة من محطّات حياة الزهراء عليها السلام كان هناك جهاد معيّن ملقىً على عاتق السيدة فاطمة عليها السلام، فكانت إلى جنب أبيها منذ صغرها تمدّه بالعون وتتحمّل تبعات الدعوة بكلّ روح مسؤولة، كما كانت تتولّى مهمّة تضميد جراحه صلى الله عليه وآله وسلم في المعارك.

- كانت فدك أرضًا زراعية نحلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للسيدة فاطمة عليها السلام، وقد كانت تشكّل المورد الماليّ الأهمّ لها ولأولادها عليهم السلام ولكن أُخذت فدك منها تحت عناوين ومبرّرات عدة.

- ذهبت الزهراء عليها السلام إلى مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، مكان اجتماع القوم وطالبت بحقّها في فدك، لكنّها لم تلقَ ناصرًا أو معينًا.

- لم تكن الزهراء عليها السلام شخصيّة يمكن تجاوزها في المجتمع الإسلاميّ حتّى على الصعيد السياسيّ، لذا نرى زعماء القوم، عادوا يلتمسون سماحها، لكنّها لم تصفح عنهم.

- قدّمت لنا السيدة فاطمة عليها السلام مثالَا مشرقاً في الدفاع عن الحقّ، وهي تعلّمنا أن نستنفد كلّ الوسائل في ذلك السبيل.

- إنّ من الخصائص الهامّة في شخصيّة السيدة فاطمة عليها السلام هي شخصيّتها القياديّة التي امتازت بها، والتي ظهرت في حركتها خلال حياتها عمومًا، ولا سيّما في قضية الدفاع عن الولاية.
 
 
 
 
174

150

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 الدرس الرابع عشر

السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
- يتعرّف إلى بعض خصائص السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة ومواقفها.
- يتبيّن عظم مكانة السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة.
- يتبيّن حاجة البشر بأجمعهم لشفاعة السيدة فاطمة عليها السلام، وبعض مقدّمات الشفاعة.
- يدرك أنّ مقامات السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة هي حصيلة سعيها في الدنيا.
 
 
 
 
175

151

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 تمهيد

إنّه ومع الاعتراف مسبقًا بالعجز عن الإحاطة بجوانب حياة السيدة فاطمة عليها السلام الدنيويّة ناهيك عن الجوانب الغيبيّة للزهراء عليها السلام، ومع كون الحديث عن المعصومة الكاملة لا ينضب ولا تكفيه المجلّدات، إلّا أنّنا فيما تقدّم من دروس حاولنا الإطلالة على مختلف أبعاد حياتها عليها السلامبخلفيّة روائيّة ومنظار تربويّ، ولكي يكتمل بحثنا لا بدّ لنا من التعريج قليلًا على حال السيدة الزهراء عليها السلام في عالم الآخرة ويوم القيامة، وذلك لأنّ الكتب الروائية تزخر بالأحاديث والأخبار التي تنبئنا عن مكانتها عليها السلامفي ذاك العالم، والأحداث التي ستجري في حضرتها. لذا سنحاول أن نتعرّف في هذا الدرس على هذه الأحاديث لنطّلع ولو بشكل مجمل على عظم مكانة السيدة فاطمة عليها السلام في الآخرة والتي كانت تبعًا لسعيها في الدنيا كما سيتبيّن، في محاولة لاستباط بعض الدروس التربويّة في هذا الاطار.

جلالة فاطمة عليها السلام في المحشر
ليس مستغربًا على السيدة فاطمة عليها السلام أن تأتي بجلالة لا نظير لها يوم المحشر، لكنّ اللافت في الروايات التي سنعرضها أنّها عليها السلامتتمتّع بخصوصيّات لا يشاركها فيها أحد من النساء قاطبةً حتّى إنّها لم تُروَ في حقّ غيرها سلام الله تعالى عليها. ففي حديثٍ أنّه لمّا سمعت السيدة فاطمة عليها السلام بأنّ الناس يخرجون في المحشر عراة استحييت واستوحشت ذلك حيث تقول الرواية إنّه دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى فَاطِمَةَ عليها السلام وَهِيَ حَزِينَةٌ فَقَالَ لَهَا: "مَا حَزَنَكِ يَا بُنَيَّةِ قَالَتْ يَا أَبَتِ ذَكَرْتَ الْمَحْشَرَ وَوُقُوفَ النَّاسِ عُرَاةً
 
 
 
 
177

152

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا بُنَيَّة إِنَّهُ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي جبرائِيلُ عليه السلام عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أنَّهُ‏ قَالَ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا ثُمَّ أَبِي إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ بَعْلُكِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْكِ جَبْرَئِيلَ فِي سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ فَيَضْرِبُ عَلَى قَبْرِكِ سَبْعَ قِبَابٍ مِنْ نُورٍ ثُمَّ يَأْتِيكِ إِسْرَافِيلُ بِثَلَاثِ حُلَلٍ مِنْ نُورٍ فَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسَكِ فَيُنَادِيكِ يَا فَاطِمَةُ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ قُومِي إِلَى مَحْشَرِكِ فَتَقُومِينَ‏ آمِنَةً رَوْعَتَكِ مَسْتُورَةً عَوْرَتُكِ فَيُنَاوِلُكِ إِسْرَافِيلُ الْحُلَلَ فَتَلْبَسِينَهَا وَيَأْتِيكِ رُوفَائِيلُ بِنَجِيبَةٍ مِنْ نُورٍ زِمَامُهَا مِنْ لُؤْلُؤٍ رَطْبٍ عَلَيْهَا مَحَفَّةٌ مِنْ ذَهَبٍ فَتَرْكَبِينَهَا وَيَقُودُ رُوفَائيلُ بِزِمَامِهَا وَبَيْنَ يَدَيْكِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ بِأَيْدِيهِمْ أَلْوِيَةُ التَّسْبِيحِ وَإِذَا جَدَّ بِكِ السَّيْرُ اسْتَقْبَلَتْكِ سَبْعُونَ أَلْفَ حَوْرَاءَ يَسْتَبْشِرْنَ بِالنَّظَرِ إِلَيْكِ... فَيَسِرْنَ عَنْ يَمِينِكِ فَإِذَا مِثْلُ الَّذِي سِرْتِ مِنْ قَبْرِكِ إِلَى أَنْ لَقِيَتْكِ اسْتَقْبَلَتْكِ‏ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ فِي مِثْلِ مَنْ مَعَكِ مِنَ الْحُورِ فَتُسَلِّمُ عَلَيْكِ وَتَسِيرُ هِيَ وَمَنْ مَعَهَا عَنْ يَسَارِكِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْكِ أُمُّكِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُولى الْمُؤْمِنَاتِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ بِأَيْدِيهِمْ أَلْوِيَةُ التَّكْبِيرِ فَإِذَا قَرُبْتِ مِنَ الْجَمْعِ اسْتَقْبَلَتْكِ حَوَّاءُ فِي سَبْعِينَ أَلْفَ حَوْرَاءَ ومَعَهَا آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ فَتَسِيرُ هِيَ وَمَنْ مَعَهَا مَعَكِ فَإِذَا تَوَسَّطْتِ الْجَمْعَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الْخَلَائِقَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَتَسْتَوِي بِهِمُ الْأَقْدَامُ..."1.


إذًا فالكلّ في انتظار فاطمة عليها السلام، تمشي أمامهنّ ليمشين، وما وجود الملائكة والحور وكلّ ما ذكرت الرواية وطريقة الاستقبال للزهراء عليها السلام من قبل أكمل نساء البشر إلّا دليل على عظم مكانة السيدة فاطمة عليها السلام وموقعها يوم القيامة، فهي سيدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين2 كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أخبرها صلى الله عليه وآله وسلم أنّها سيدة نساء أهل الجنّة حيث قال: "إنّك سيّدة نساء أهل الجنّة"3. ففاطمة عليها السلام هي السيدة دومًا وعلى كلّ حال، في الدنيا والآخرة، ولا يدانيها من ذلك أحد من النساء بل إنّ شرف غيرها من النساء هو باتّباعها والسير خلفها كما أسلفت الرواية في حال أكمل النساء.
 

1- تفسير فرات الكوفي‏، مصدر سابق، ص 445.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق‏، ص487.
3- الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 136.
 
 
 
178

153

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 فإنّ الأخبار أيضاً تُطلعنا على أن ظهور السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة يكون على مركب ولا كغيرها من الناس، ويكون مركبها ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغضباء حيث تقول الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إنّه قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ نَحْنُ فِي الْقِيَامَةِ رُكْبَانٌ أَرْبَعَةٌ لَيْسَ غَيْرَنَا، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنِ الرُّكْبَانُ، قَالَ: أَنَا عَلَى‏ الْبُرَاقِ‏ وَأَخِي صَالِحٌ عَلَى نَاقَةِ اللَّهِ الَّتِي عَقَرَهَا قَوْمُهُ وَابْنَتِي فَاطِمَةُ عَلَى نَاقَتِيَ الْعَضْبَاءِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ نُوقِ الْجَنَّةِ"1.


ولم يكتمل المشهد بعد، بل إنّ لسيدة الطهر من العفاف والستر والاكتناه والتبجيل ما يستدعي أمرًا إلهيًّا إلى جميع الخلائق، بغضّ الأبصار وتنكيس الرؤوس حتّى تمرّ سيدة الأكوان على الصراط!! ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام وهو يروي أحداث القيامة، وبعد عدّة أحداث يروي حدوثها يقول: "ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ‏ حَتَّى‏ تَمُرَّ بِنْتُ حَبِيبِ اللَّهِ إِلَى قَصْرِهَا فَتَمُرّ فَاطِمَةُ"2. فجلالة شأن السيدة فاطمة عليها السلام تأبى أن ينظر إليها البشر، كلَّ البشر حتّى وهي تمرّ بموكبها المهيب يوم القيامة نحو موطنها الأصليّ، وهو جنان الخلد وأعلى مراتب القرب الإلهيّ عند مليك مقتدر، وهي بعظمتها تلك وجلالها الذي لا يقاس تروي لنا أروع الحكايا عن عظمة بارئها وربّها الذي أبدع خلقها على صورته، فتقول في ذلك الموقف إنّ هذه العظمة والجمال والجلال ليس سوى مظهر من مظاهر الآيات يتحدّث عن عظمة وجلال الحقّ المطلق جلّ وعلا.

لقاء السيدة فاطمة عليها السلام الإمام الحسين عليه السلام
لا يقتصر دور السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة بدخول الجنّة تحفّها الملائكة والحور من كلّ جانب، بل إنّ للزهراء عليها السلام أدوارًا رئيسيّة في المحشر، منها شكاية الظلم الذي لحق بها إلى الله عزّ وجلّ والمطالبة بحقّ الإمام الحسين عليه السلام، حيث تذكر الرواية أنّها
 

1- الشيخ المفيد، الأمالي، مصدر سابق، ص 272.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏7، ص 336.
 
 
 
179

154

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 قبل أن تدخل الجنّة تلقى الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام وأوداجه تشخب دمًا1، فتحمل ثيابًا للحسين عليه السلام ملطّخة بالدم وتطالب بحقّه، وقد أخبر رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الموقف فقال: "‏تُحْشَرُ ابْنَتِي فَاطِمَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهَا ثِيَابٌ مَصْبُوغَةٌ بِالدَّمِ فَتَعَلَّقُ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَتَقُولُ يَا عَدْلُ احْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنَ قَاتِلِ‏ وَلَدِي،‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: فَيَحْكُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِابْنَتِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَإِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ يَغْضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ وَيَرْضَى لِرِضَاهَا"2.


فيتحقّق الوعد الإلهيّ بالاقتصاص من قتلة الإمام الحسين عليه السلام وكلّ من ظلم ولد فاطمة عليها السلام وبل يُقتَصّ الاقتصاص من كلّ من ظلم شيعة فَاطِمَةَ عليها السلام.

وفي حديث آخر عن الإمام عليّ عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يخبر فيه عن الاقتصاص من الظالمين، قال: ".... فَتَزْفِرُ جَهَنَّمُ عِنْدَ ذَلِكِ زَفْرَةً ثُمَّ يَخْرُجُ فَوْجٌ مِنَ النَّارِ فَيَلْتَقِطُ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ وَأَبْنَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَ أَبْنَائِهِمْ ويَقُولُونَ يَا رَبِّ إِنَّا لَمْ نَحْضُرِ الْحُسَيْنَ عليه السلام فَيَقُولُ اللَّهُ لِزَبَانِيَةِ جَهَنَّمَ: خُذُوهُمْ بِسِيمَاهُمْ بِزُرْقَةِ الْأَعْيُنِ وَسَوَادِ الْوُجُوهِ خُذُوا بِنَوَاصِيهِمْ فَأَلْقُوهُمْ‏ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْحُسَيْنِ مِنْ آبَائِهِمُ الَّذِينَ حَارَبُوا الْحُسَيْنَ فَقَتَلُوهُ.."3.

شفاعة السيدة فاطمة عليها السلام
لا ينتهي دور السيدة فاطمة عليها السلام، يوم القيامة بالاقتصاص من الظالمين وقتلة الإمام الحسين عليه السلام، بل إنَّها قد ادّخرت لنفسها موقفًا ومقامًا آخر، هو مقام الشفاعة. حيث تطالعنا الأخبار أنَّ السيدة فاطمة عليها السلام لا تدخل نعيمها المخلّد إلّا بعد أن تستنقذ كلّ موالٍ ومحبّ لها ولشيعتها من العذاب، ففي رواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبر السيدة فاطمة عليها السلام عن أحداث القيامة، قال لها: "... ثُمَّ يَقُولُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام يَا فَاطِمَةُ سَلِي حَاجَتَكِ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِ‏ شِيعَتِي،‏ فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ
 

1- تفسير فرات الكوفي‏، مصدر سابق، ص 446.
2- الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، مصدر سابق، ج‏2، ص 26.
3- تفسير فرات الكوفي‏، مصدر سابق، ص 446.
 
 
180

155

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 وُلْدِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَتَقُولِينَ: يَا رَبِّ شِيعَةَ شِيعَتِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: انْطَلِقِي فَمَنِ اعْتَصَمَ بِكِ فَهُوَ مَعَكِ فِي الْجَنَّةِ فَعِنْدَ ذَلِكِ يَوَدُّ الْخَلَائِقُ أَنَّهُمْ كَانُوا فَاطِمِيِّينَ فَتَسِيرِينَ وَمَعَكِ شِيعَتُكِ وَشِيعَةُ وُلْدِكِ وَشِيعَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ آمِنَةً رَوْعَاتُهُمْ مَسْتُورَةً عَوْرَاتُهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ عَنْهُمُ الشَّدَائِدُ وَسَهُلَتْ لَهُمُ الْمَوَارِدُ يَخَافُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَخَافُونَ وَيَظْمَأُ النَّاسُ وَهُمْ لَا يَظْمَئُونَ"1.


إنّ الرحمة التي يصورها لنا هذا المشهد البديع لا توصف، وما رحمة الفاطميّة إلّا مظهر للرحمة الإلهيّة، فالسيدة الكريمة تأبى دخول جنانها وترك أيّ محبّ لأحد من شيعتها فضلًا عن محبّي ولدها عليهم السلام أجمعين، وتصف رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام الصورة التي تستنقذ فيها فَاطِمَةَ عليها السلام لبشر، فيقول: "... فإذا صارت (السيدة فاطمة) على باب الجنّة تلتفت فيقول اللّه: يا بنت حبيبي ما التفاتك؟ فيقول: يا ربّ أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم، فيقول: ارجعي وانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذرّيتك فخذي بيده وأدخليه الجنّة، فتأتي وتلتقط شيعتها ومحبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الردي‏ء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلتفتون فيقول اللّه للشيعة: ما التفاتكم؟ فيقولون يا ربّ أحببنا أن نعرف قدرنا في هذا اليوم، فيقول الله: انظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة أو أطعمكم أو كساكم لحبّها أو سقاكم شربة من ماء أو ردّ عنكم غيبة فادخلوه الجنّة، فلا يبقى في النّاس إلّا شاكّ أو كافر أو منافق"2.

وبرغم كلّ ما تقدّم، ومع أنّ الرحمة الفاطميّة تكاد تعمّ أغلب البشر إلّا المعاندين الجاحدين، إلّا أنّ لتلك الشفاعة مقدمات وشروطاً كما لا يخفى، وهي أن يكون الإنسان من شيعة فاطمة عليها السلام الحقيقيّين، وذلك ليس بالأمر الهَيّن، والسيدة الأكمل سلام الله تعالى عليها هي بنفسها تبيّن تلك الشروط، حيث جاء في رواية أنّ رجلاً قَالَ لِامْرَأَتِهِ:
 

1- تفسير فرات الكوفي‏، مصدر سابق، ص 446.
2- تفسير فرات الكوفي‏، مصدر سابق، ص 651. والجزائري، السيد نعمة الله بن عبد الله‏، كشف الأسرار في شرح الاستبصار، تحقيق وتصحيح طيّب الموسوي الجزائري،، مؤسّسة دار الكتاب‏، إيران - قم‏، 1408ه‏، ط1، ج‏1، ص 34.
 
 
181

156

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 "اذْهَبِي إِلَى فَاطِمَةَ عليها السلام بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَسَلِيهَا عَنِّي، أَنَا مِنْ شِيعَتِكُمْ، أَوَ لَسْتُ مِنْ شِيعَتِكُمْ؟ فَسَأَلَتْهَا، فَقَالَتْ عليها السلام: قُولِي لَهُ: إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ بِمَا أَمَرْنَاكَ، وَتَنْتَهِي عَمَّا زَجَرْنَاكَ عَنْهُ فَأَنْتَ مِنْ شِيعَتِنَا، وَإِلَّا فَلَا. فَرَجَعْتُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا وَيْلِي - وَمَنْ يَنْفَكُّ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، فَأَنَا إِذَنْ خَالِدٌ فِي النَّارِ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ شِيعَتِهِمْ فَهُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ. فَرَجَعَتِ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ لِفَاطِمَةَ عليها السلام مَا قَالَ لَهَا زَوْجُهَا. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام: قُولِي لَهُ: لَيْسَ هَكَذَا فإنّ شِيعَتَنَا مِنْ‏ خِيَارِ أَهْلِ‏ الْجَنَّةِ. وَكُلُّ مُحِبِّينَا وَمُوَالِي أَوْلِيَائِنَا، وَمُعَادِي أَعْدَائِنَا، وَالْمُسَلِّمُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ لَنَا، لَيْسُوا مِنْ شِيعَتِنَا إِذَا خَالَفُوا أَوَامِرَنَا وَنَوَاهِيَنَا فِي سَائِرِ الْمُوبِقَاتِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَكِنْ بَعْدَ مَا يُطَهَّرُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِالْبَلَايَا وَالرَّزَايَا، أَوْ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ بِأَنْوَاعِ شَدَائِدِهَا، أَوْ فِي الطَّبَقِ الْأَعْلَى مِنْ جَهَنَّمَ بِعَذَابِهَا إِلَى أَنْ نَسْتَنْقِذَهُمْ بِحُبِّنَا مِنْهَا، وَنَنْقُلَهُمْ إِلَى حَضْرَتِنَا"1.


إذًا فكون المرء من شيعة فاطمة عليها السلام الحقيقيّين المتستحقّين لنيل شفاعتها يوم القيامة ليس بالأمر السهل والميسر، بل إنّه يستدعي الجِدّ ويستلزم العمل الشاقّ والالتزام بأوامرهم والانتهاء عن زواجرهم عليهم السلام أجمعين. وما ذلك إلّا تعبيرٌ وتأكيد لأولوية الالتزام بالشريعة الإلهيّة التي طبقها المعصومون عليها السلام في حياتهم وبيّنوها لنا وضحّوا بكلّ وجودهم من أجلّها وإبراز أهمّيتها.

وعليه فطريق تحصيل الشفاعة واضح، وبيّن، وساطع لا لبس فيه ولا خفاء، وهو نفسه طريق السير على خطى الزهراء عليها السلام والمعصومين عليهم السلام. ومع أنّ الطريق قد يبدو للوهلة الأولى وعراً وصعباً لأنّ فيه مخالفة الهوى وطاعة ربّ العزة، إلّا أنّ أيّام الدنيا توشك أن تنقضي مهما عمّر الإنسان فيها، وتوشك الآخرة أن تقع وهي تحمل معها الخلود الدائم إمّا في الجنّة وإمّا في النار، فلا ينبغي للعاقل أن يبيع خلوده وآخرته وسعادته الدائمة في سبيل أيامٍ معدودات في دنيا تحفّها النقائص من كلّ جانب. فمن تأمّل في حياة أئمتنا عليهم السلام عموماً وحياة الزهراء عليها السلام خصوصًا وجد أنّه مع أنّ البلايا والمصائب أحاطت بها من كلّ جهة ولم تبقَ
 

1- الإمام الحسن بن علي عليه السلام، التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، تحقيق وتصحيح مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، إيران - قم‏، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف, 1409ه‏، ط1، ص308.
 
 
 
182

157

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 لوعة إلّا عايشتها عليها السلام إلّا أنّها صبرت بعزم إلهيّ، حتّى أفيض عليها العوض الإلهيّ بما لا يقاس به عوض ولا يدانيه شرف. علّ ذلك يكون ذكرى لنا لترك هوانا ودنيانا والمسارعة في اللحاق بركب شيعة الزهراء عليها السلام فنكون من الناجين الآمنين من العذاب ومن خيار أهل الجنّة.


والمسألة الأخرى التي تجدر الإشارة إليها هي أنّ الشفاعة ليست مختصّة بالسيدة فاطمة عليها السلام فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومينعليهم السلام أيضًا لهم مقام الشفاعة، بل إنّ الروايات تحكي أيضًا عن نوع من الشفاعة للمؤمنين الموالين في هذا الإطار، فعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل يذكر فيه بعض طبقات الناس يوم القيامة أنّه قال: "وهَذِهِ الطَّبَقَةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ وَأَجَلُّهُمْ وَهُمْ أَصْحَابُ الْحِسَابِ وَالْمَوَازِينِ وَالْأَعْرَافِ وَالْجَهَنَّمِيُّونَ‏ الَّذِينَ يَشْفَعُ‏ لَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ فَيُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّين‏"1. إلّا أنّنا خصّصنا الحديث عن شفاعة السيدة فاطمة عليها السلام تحديداً لأنّها عليها السلام مورد بحثنا هذا ولكنّ ذلك لا يعني حصر مقام الشفاعة بالزهراء عليها السلام.

وإنّ طلب الزهراء عليها السلام للشفاعة هو طلبٌ في قمّة الرحمة والرأفة والرقّة والإنسانيّة والكمال، وهي بهذا الطلب تعلّمنا الكثير الكثير، فهي إضافةً إلى رسالتها، رسالة الحبّ والرأفة والرحمة والكمال، هي تعلّمنا أن نطلب بذكاء أعظم الطلبات من الله عزّ وجلّ، حيث إنّ طلبها للشفاعة هو نفسه المقام المحمود الذي طلبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الله عزّ وجلّ وسعى نحوه، إذًا فهي طلبت أعظم طلبٍ في الوجود من العظيم على الإطلاق وهي تعلم أنّها لن تُرَد خائبة، حاشا لله. وقد تحمّلت عليها السلامفي سبيل تحقيق طلبها ودعائها هذا كلّ ما قاسته في حياتها من مرارات وعذابات، فالشفيع هو شخصٌ ذو شأنٍ عظيمٍ عند الله عزّ وجلّ، وقد كان لها عليها السلامذلك الشأن، جرّاء سلوكها في حياتها. والشفيع هو الشخص الذي يسعى مريد الشفاعة نحوه، لينال رضاه وبالتالي ليحصل على الشفاعة، وعليه فإنّ هذ الطلب من الزهراء عليها السلام أوجد بشكلٍ تلقائيّ علاقة بينها وبين كلّ مريدٍ للنجاة، حيث لا يسلم أيّ إنسان من خطأ أو معصية، فالكلّ محتاج إلى فاطمة عليها السلام،
 

1- الهلالي، سليم بن قيس‏، كتاب سليم بن قيس الهلالي‏، تحقيق وتصحيح الأنصاري الزنجاني الخوئيني، نشر الهادي‏، إيران - قم‏، 1405ه‏، ط1، ج‏2، ص608.
 
 
 
183

158

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 الكلّ مرهون لفاطمة، الكلّ محتاج إلى شفاعتها عليها السلام، وهي بذلك تكون قد أوجدت سببًا قويًّا جدًّا للارتباط بها والسعي نحوها وطاعتها، وما ذلك إلّا سعيٌ نحو الله عزّ وجلّ ونحو طاعته وتطبيق شريعته.


إذًا فلنكن مثل السيدة فاطمة عليها السلام، تملأ مشاعر الرفق والرحمة قلوبنا وكلّ وجودنا، فنبقى نتحسّس طرق مساعدة الآخرين من حولنا، ولنكن مثل فاطمة عليها السلام نطلب بذكاء أعظم الطلبات وأجلّها، ولنطلب من العظيم المطلق والقادر المطلق ولنكن على يقين بالإجابة.

حال الآخرة نتيجة سعي الدنيا
يقول الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَة"1، وجاء في الذكر الحكيم: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾2. في هذين النصّينِ دلالة على حقيقةٍ مُؤدّاها أنّ أعمالنا في الدنيا هي التي سوف نراها غدًا في الآخرة، وهي ما سيتجلّى لنا. وعليه فإذا أردنا أن نطبق هذا المسألة على ما عرفناه عن حياة السيدة فاطمة عليها السلام ومواقفها يوم القيامة لوجدنا أنَّ كلَّ سنوات حياتها عليها السلامبحلوها ومرّها وعذاباتها والتي بلغت بين ال18 و ال 25 على اختلاف الروايات، كانت نتيجة تلك الحياة القصيرة في المدّة الزمنيّة أن بلغت الزهراء عليها السلام مقام الشفاعة للبشر وخصوصاً العاصين منهم، إذًا فكلّ ما جرى عليها وما صنعته في حياتها تجلّى في أبهى صورة وأكملها يوم القيامة. فهي المبجّلة التي تحفّ بها الحور والملائكة من كلّ ناحية تزفّها نحو مقرّها الأبديّ وهي الراكبة الآمنة روعتها المستورة عورتها وهي التي تختصم في ذلك الموقف فتأخذ بحقّ المظلومين وتشفي غلّهم من ظالميهم، وهي السيدة التي تأمر فتطاع في كلّ المخلوقات وهي التي تُدخِل الجنّة من تشاء وتُدخل النار من تشاء...
 

1- ابن أبي جمهور الأحسائي، محمد بن زين الدين، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق وتصحيح مجتبى العراقي، دار سيد الشهداء للنشر، إيران - قم، 1405ه‏، ط1، ج‏1، ص267.
2- سورة الزلزلة، الآيتان 7 ـ 8.
 
 
 
184

159

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 تلك هي فاطمة، بل هو شيءٌ فهمناه من الأحاديث عن تلك السيدة الصِدّيقة الطاهرة التي لا تنال كنهها الأوصاف ولا الأوهام، ويبقى أنّ ما نقلته لنا الأخبار من جلال وعظمة وأدوار محوريّة يوم القيامة إنّما هو حصيلة سعيها في الدنيا في الحقيقة، ونتائج ذلك السعي والجهاد والتضحية والفداء... فهي تعلّمنا أنّنا سنحيا أيامًا قليلة ولو تحمّلنا فيها ما تحمّلنا غير أنّها منقضية، فلنُمضِ أيّامنا القلائل بعظمة وتقوى وورع على خُطى سيدة الطهر فاطمة عليها السلام علّ أعمالنا تتجسّد يوم القيامة بما ينجّينا من تبعات ذنوبنا ومعاصينا.


لذا فإنّ ما تخبرنا به بعض الروايات من مواقف للسيدة فاطمة عليها السلام ليس سوى تجلٍّ لمسارها في الدنيا، كما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يَا فَاطِمَةُ اعْمَلِي‏ فَإِنِّي‏ لَا أَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً"1، إذا فلنلتفت ولندقّق أكثر في أعمالنا لـتكون خير ذخر لنا يوم القيامة والحشر الأكبر.
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏22، ص 465.
 
 
 
185

160

الدرس الرابع عشر: السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة

 المفاهيم الرئيسة


- تحضر السيدة فاطمة عليها السلام يوم المحشر بجلالة لا نظير لها، ولم تُروَ في حقّ غيرها سلام الله تعالى عليها.

- إنّ ظهور السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة يكون على مركب، ويكون مركبها ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغضباء. ولا تقف جلالتها عند هذا الحدّ بل إنّ عفافها وسترها واكتناهها يستدعي أمرًا إلهيًّا إلى جميع الخلائق بغضّ الأبصار حتّى تمرّ سيّدة الأكوان على الصراط، فيأتي النداء: غُضّوا أبصاركم حتّى تمرّ بنت حبيب الله..

- لا يقتصر دور السيدة فاطمة عليها السلام يوم القيامة على دخول الجنّة تحفّها الملائكة والحور من كلّ جانب، بل إنّ للزهراء عليها السلامأدوارًا رئيسة في المحشر، منها شكاية الظلم الذي لحق بها إلى الله عزّ وجلّ والمطالبة بحقّ الإمام الحسين عليه السلام.

- للسيدة فاطمة عليها السلام دورٌ آخر يوم القيامة بالغ الأهمّية يتمثّل في شفاعتها لشيعتها ومحبّيها، حيث تطالعنا الأخبار أنّ السيدة فاطمة عليها السلام لا تدخل نعيمها المخلّد إلّا بعد أن تستنقذ كلّ موالٍ ومحبّ لها ولشيعتها من العذاب.

- إنّ شفاعة السيدة فاطمة عليها السلام مرهونة بكون المرء من شيعتها ويتمثّل ذلك بالعمل بما أمرنا المعصومون والنهي عما زجرونا عنه كما تبيّن لنا الزهراء عليها السلام نفسها.

- ليست الشفاعة محصورة بالسيدة فاطمة عليها السلام فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومون عليهم السلام أيضًا لهم مقام الشفاعة.

- إنّ أعمالنا في الدنيا هي التي سوف تتجلّى لنا ونراها غدًا في الآخرة، وعليه فإنّ كلّ ما أخبرتنا عنه الروايات عن السيدة فاطمة عليها السلام وما فهمناه منها إنّما هو حصيلة سعيها في الدنيا في الحقيقة، ونتائج وثمار ذلك السعي والجهاد والتضحية والفداء...
 
 
 
 
186

161

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 ملحق

باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 

من الأحاديث المرويّة في السيدة فاطمة عليها السلام قبل هذا العالم
• عن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "خُلِقَ نُورُ فَاطِمَةَ عليها السلام قَبْلَ‏ أَنْ‏ يَخْلُقَ‏ الْأَرْضَ‏ وَالسَّمَاءَ"، فَقَالَ بَعْضُ النَّاس:ِ "يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَلَيْسَتْ هِيَ إِنْسِيَّةً"، فَقَالَ: "فَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ"، قَالُوا: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَكَيْفَ هِيَ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ"، قَالَ: "خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نُورِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ إِذْ كَانَتِ الْأَرْوَاحُ فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ"، قِيلَ: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ وأَيْنَ كَانَتْ فَاطِمَةُ"، قَالَ: "كَانَتْ فِي حُقَّةٍ تَحْتَ سَاقِ الْعَرْشِ"، قَالُوا: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَا كَانَ طَعَامُهَا"، قَالَ: "التَّسْبِيحُ وَالتَّقْدِيسُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيد"1.
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 4.
 
 
 
187

162

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 • عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَبَخْتَرَا فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ آدَمُ لِحَوَّاءَ مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً هُوَ أَحْسَنُ مِنَّا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جِبْرَئِيلَ ائْتِ بِعَبْدِي الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى فَلَمَّا دَخَلَا الْفِرْدَوْسَ نَظَرَ إِلَى جَارِيَةٍ عَلَى دُرْنُوكٍ مِنْ دَرَانِيكِ الْجَنَّة وَعَلَى رَأْسِهَا تَاجٌ مِنْ نُورٍ وَفِي أُذُنَيْهَا قُرْطَانِ مِنْ نُورٍ قَدْ أَشْرَقَتِ الْجِنَانُ مِنْ نُورِ وَجْهِهَا، فَقَالَ آدَمُ: حَبِيبِي جِبْرَئِيلُ مَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ الَّتِي قَدْ أَشْرَقَتِ الْجِنَانُ مِنْ حُسْنِ وَجْهِهَا؟ فَقَالَ: هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ نَبِيٍّ مِنْ وُلْدِكَ يَكونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، قَالَ: فَمَا هَذَا التَّاجُ الَّذِي عَلَى رَأْسِهَا؟ قَالَ: بَعْلُهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام... قَالَ: فَمَا الْقُرْطَانِ اللَّذَانِ فِي أُذُنَيْهَا؟ قَالَ وَلَدَاهَا الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، قَالَ: آدَمُ حَبِيبِي أخُلِقُوا قَبْلِي، قَالَ: هُمْ مَوْجُودُونَ فِي غَامِضِ عِلْمِ اللَّهِ‏ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ سَنَة"1.


• عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، عن اللّه تبارك وتعالى أنّه قال: "يا أحمد! لولاك لما خلقت الأفلاك‏، ولولا عليّ‏ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما"2.

من الأدعية المرويّة عن السيدة فاطمة عليها السلام
• "اللهمّ بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمتَ الحياة خيرًا لي وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، اللهمّ إنّي أسألك كلمة الإخلاص وخشيتك في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وأسألك قرّة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بالقضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك من غير ضرّاء مُضرّة ولا فتنة مُضلّة، اللهمّ زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديّين يا ربّ العالمين"3.
 

1- الأربلي، كشف الغمة، مصدر سابق، ج‏1، ص 457 - 456.
2- عوالم العلوم و المعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال (مستدرك سيدة النساء إلى الإمام الجواد)، ج‏11، قسم1، فاطمة عليها السلام، مصدر سابق، ص 44.
3- السيد حسين التويسركاني، مسند فاطمة الزهراء عليها السلام، دار القرآن الكريم، قم، ص 393 - 394.
 
 
 
188

163

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 • "سُبْحَانَ مَنْ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى خَوَازِنِ الْقُلُوبِ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ مُحْصِي عَدَدِ الذُّنُوبِ، سُبْحَانَ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، سُبْحَانَ الْمُطَّلِعِ عَلَى السَّرَائِرِ عَالِمِ الْخَفِيَّاتِ، سُبْحَانَ مَنْ‏ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، سُبْحَانَ مَنِ السَّرَائِرُ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ وَالْبَوَاطِنُ عِنْدَهُ ظَوَاهِرُ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ"‏1.


• من أدعية الأسبوع للسيدة فاطمة عليها السلام، دعاء يوم الجمعة: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَقْرَبِ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ، وَأَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْكَ، وَأَنْجَحِ مَنْ سَأَلَكَ وَتَضَرَّعَ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ كَأَنَّهُ يَرَاكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّذِي فِيهِ يَلْقَاكَ، وَلَا تُمِتْنَا إِلَّا عَلَى رِضَاكَ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ أَخْلَصَ لَكَ بِعَمَلِهِ، وَأَحَبَّكَ فِي جَمِيعِ خَلْقِكَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاغْفِرْ لَنَا مَغْفِرَةً جَزْماً حَتْماً، لَا نَقْتَرِفُ بَعْدَهَا ذَنْباً، وَلَا نَكْتَسِبُ خَطِيئَةً وَلَا إِثْماً، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَاةً نَامِيَةً دَائِمَةً زَاكِيَةً مُتَتَابِعَةً مُتَوَاصِلَةً مُتَرَادِفَةً، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ"2.

• دعاؤها عليها السلام في تسبيح الله سبحانه وتعالى: "سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي العزّ الشامخ المنيف، سبحان ذي الملك الفاخر القديم، سبحان ذي البهجة والجمال، سبحان من تردّى بالنور والوقار، سبحان من يرى أثر النمل في الصفا ووقع الطير في الهواء"3.

من الأذكار المرويّة عن السيدة فاطمة عليها السلام
• قولها عليها السلام بعد كلّ صلاة: سبحان الله - عشْرًا، الحمد لله - عشرًا، الله أكبر - عشرًا4.
 

1- الراوندي، الدعوات، (سلوة الحزين)، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي، إيران ـ قم، 1407هـ، ط1، ص 91.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏87، ص 339.
3- المصدر نفسه، ص 90.
4- صحيفة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ص 117.
 
 
 
 
189

164

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 • ذكرها عليها السلام في الغداة والعشيّ: "يا حيّ يا قيّوم، برحمتك أستغيث، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كلّه"1.


• حرز السيدة فاطمة عليها السلام: وهو دعاءٌ علّمته السيدة فاطمة عليها السلام لسلمان، فقالت: "إن سرّك أن لا يمسّك أذى الحمّى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه". ثمّ قال سلمان، علّمتني هذا الحرز، فقالت: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏، بِسْمِ اللَّهِ النُّورِ، بِسْمِ اللَّهِ نُورِ النُّورِ، بِسْمِ اللَّهِ نُورٌ عَلَى نُورٍ، بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ مُدَبِّرُ الْأُمُورِ، بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النُّورَ مِنَ النُّورِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ النُّورَ مِنَ النُّورِ وَأَنْزَلَ النُّورَ عَلَى الطُّورِ، فِي كِتابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ بِقَدَرِ مَقْدُورٍ عَلَى نَبِيٍّ مَحْبُورٍ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ بِالْعِزِّ مَذْكُورٌ وَبِالْفَخْرِ مَشْهُورٌ وَعَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ مَشْكُورٌ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ".

قال سلمان: فتعلّمتُهنّ، فوالله لقد علّمتهمنّ أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكّة ومن بهم الحمّى، فكلٌّ برِئ من مرضه بإذن الله تعالى2.

من الصلوات المذكورة عن السيدة فاطمة عليها السلام:
• صَلَاةٌ فِي لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ تُروى عَنْ مَوْلَاتِنَا فَاطِمَةَ عليها السلام، قَالَتْ: "عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم صَلَاةَ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ فَقَالَ: مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْحَمْدَ وَ "قُلِ‏ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ إِلَى قَوْلِهِ بِغَيْرِ حِسابٍ"، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ جَزَى اللَّهُ مُحَمَّداً مَا هُوَ أَهْلُهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلَى سَبْعِينَ سَنَةً وَأَعْطَاهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا لَا يُحْصَى3.‏

• صلاة علّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام والسيدة فاطمة عليها السلام، فقال لهما: "إِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَخُصَّكُمَا بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَيْرِ مِمَّا عَلَّمَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَ‏ وَأَطْلَعَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ فَاحْتَفِظُوا بِهِ، قَالا:َ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا هُوَ؟ قَالَ: يُصَلِّي أَحَدُكُمَا
 

1- المصدر نفسه، ص 124.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏43، ص 68.
3- المصدر نفسه، ج‏87، ص 304 - 305.
 
 
 
190

165

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 رَكْعَتَيْنِ يقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَآخِرَ الْحَشْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، مِنْ قَوْلِهِ لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ إِلَى آخِرِهِ، فَإِذَا جَلَسَ فَلْيَتَشَهَّدْ وَلْيُثْنِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وَلْيَدْعُ لِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ، ثُمَّ يَدْعُو عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ كُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ يَحِقُّ عَلَيْكَ فِيهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ إِذَا دُعِيتَ بِهِ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ كُلِّ ذِي حَقٍّ عَلَيْكَ، وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ عَلَى جَمِيعِ مَا هُوَ دُونَكَ أَنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا"1.


• عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِق عليه السلام قَالَ: "كَانَ لِأُمِّي فَاطِمَةَ عليها السلام صَلَاةٌ تُصَلِّيهَا عَلَّمَهَا إيّاها جِبْرَئِيلُ عليه السلام، رَكْعَتَانِ تَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْحَمْدَ مَرَّةً، وَإِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وفِي الثَّانِيَةِ الْحَمْدَ مَرَّةً، وَمِائَةَ مَرَّةٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ، فَإِذَا سَلَّمْتَ سَبَّحْتَ تَسْبِيحَ الطَّاهِرَةِ عليها السلام... وَتَكْشِفُ عَنْ رُكْبَتَيْكَ وَذِرَاعَيْكَ عَلَى الْمُصَلَّى، وتَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ، وَتَسْأَلُ حَاجَتَكَ تُعْطَاهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الدُّعَاءُ تَرْفَعُ يَدَيْكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَتَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِهِمْ وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ كُنْهَهُ سِوَاكَ...."2.

من أقوال السيدة فاطمة عليها السلام
• في ما هو خير للمرأة: قَالَ النَّبِيُّ لَلسيدة فاطمة عليها السلام: "أَيُّ شَيْ‏ءٍ خَيْرٌ لِلْمَرْأَةِ" قَالَتْ: "أَنْ لَا تَرَى رَجُلًا وَلَا يَرَاهَا رَجُل‏"3.

• في الإخلاص: عن السيدة فاطمة عليها السلام أنّها قالت: "مَنْ أَصْعَدَ إِلَى‏ اللَّهِ‏ خَالِصَ‏ عِبَادَتِهِ أَهْبَطَ اللَّهُ إِلَيْهِ أَفْضَلَ مَصْلَحَتِه"‏4.
 

1- السيد ابن طاووس، جمال الأسبوع، ص 127 - 128.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏88، ص 185.
3- ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب عليه السلام، مصدر سابق، ج‏3، ص 341.
4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 184.
 
 
 
191

166

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 • في كسب رضا أبوي الدِين: عن فاطمة عليها السلام أنّها قالت لبعض النساء: "أَرضِي أبوي دينك محمّد وعليّ بسخط أبوي نسبك ولا تُرضي أبوي نسبك بسخط أبوي دينك، فإنّ أبوي نسبك إنْ سخطا أرضاهما محمّد وعليّ بثواب جزء من ألف ألف جزء من ساعة من طاعاتهما، وإنّ أبوي دينك إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن يرضياهما، لأنّ ثواب طاعات أهل الدنيا كلّهم لا تفي بسخطهما"1.


• في كلامها عن عوذة الحسنين: عن عبد الله بن الحسن عليه السلام أنه قال: "حدّثتني أمّي فاطمة بنت الحسين عليه السلام عن فاطمة الكبرى بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين عليهما السلام ويعلّمهما هذه الكلمات كما يعلمهما السورة من القرآن، يقول: أعوذ بكلمات الله التامّة من شرّ كلّ شيطان وهامّة ومن كلّ عين لامّة"2.

ممّا روي عن السيدة فاطمة عليها السلام في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام
• في الولاية وحبّ عليّ عليه السلام: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَقَالَ:‏ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَاهَى بِكُمْ وَغَفَرَ لَكُمْ عَامَّةً وَلِعَلِيٍّ خَاصَّةً، وَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ غَيْرَ مُحَابٍ لِقَرَابَتِي هَذَا جِبْرَئِيلُ يُخْبِرُنِي أَنَّ السَّعِيدَ كُلَّ السَّعِيدِ حَقَّ السَّعِيدِ مَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ حَقَّ الشَّقِيِّ مَنْ أَبْغَضَ عَلِيّاً فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ"3.

• عَنْ فَاطِمَةَ عليها السلام قَالَتْ: "أَصَابَ النَّاسَ زَلْزَلَةٌ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، فَفَزِعَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَوَجَدُوهُمَا قَدْ خَرَجَا فَزِعَيْنِ إِلَى عَلِيٍّ عليه السلام، فَتَبِعَهُمَا النَّاسُ إِلَى أَنِ انْتَهَوْا إِلَى بَابِ عَلِيٍّعليه السلام فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عليه السلام غَيْرَ مُكْتَرِثٍ لِمَا هُمْ فِيهِ فَمَضَى وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى تَلْعَةٍ، فَقَعَدَ عَلَيْهَا وَقَعَدُوا حَوْلَهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى حِيطَانِ الْمَدِينَةِ تَرْتَجُّ جَائِيَةً وَذَاهِبَةً، فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ عليه السلام: كَأَنَّكُمْ
 

1- الموسوعة الكبرى عن السيدة فاطمة، مصدر سابق، ج 22، ص 543.
2- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ص 222.
3- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 182.
 
 
 
192

167

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 قَدْ هَالَكُمْ مَا تَرَوْنَ، قَالُوا: وَكَيْفَ لَا يَهُولُنَا وَلَمْ نَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، قَالَتْ: فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ الْأَرْضَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكِ اسْكُنِي، فَسَكَنَتْ، فَعَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ أَوَّلًا حَيْثُ خَرَجَ إِلَيْهِمْ، قَالَ: لَهُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ عَجِبْتُمْ مِنْ صَنْعَتِي، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها، فَأَنَا الْإِنْسَانُ الَّذِي يَقُولُ لَهَا: مَا لَكِ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها إِيَّايَ تُحَدِّثُ"1.‏


• سُئِلت السيدة فاطمة عليها السلام عن المطالبة بالخلافة، فقيل لها: يا سيدتي، فما باله (يعني أمير المؤمنين عليه السلام) قعد عن حقّه؟ فقالت: "يا أبا عمر لقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مثل الإمام كالكعبة إذ تؤتى ولا تأتي"2.

• عن السيدة فاطمة عليها السلام أنّها قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: زوجك أعلم الناس علمًا، وأولهم سلمًا، وأفضلهم حلمًا"3.

من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع السيدة فاطمة عليها السلام
• في حقّ الزوج: عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يا فاطمة! أفضل من ذلك كلّه (بعد ذكر أجر المرأة العاملة في بيتها) رضا اللّه، ورضا الزوج عن زوجته.
يا فاطمة! والّذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً لو متّ، وزوجك غير راضٍ عنك، ما صلّيت عليك.
يا فاطمة! أما علمت أنّ رضا الزوج من رضا اللّه، وسخط الزوج من سخط اللّه؟
يا فاطمة! طوبى لامرأة رضي عنها زوجها، ولو ساعة من النهار.
يا فاطمة! ما من امرأة رضي عنها زوجها يوماً وليلة، إلّا كان لها عند اللّه أفضل من عبادة سنة واحدة صيامها وقيامها.
 
 

1- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج‏2، ص 557.
2- العلامة التويسركاني، مسند فاطمة الزهراء عليها السلام، مصدر سابق، ص 292.
3- المصدر نفسه، ص 292.
 
 
 
193

168

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 يا فاطمة! ما من امرأة رضي عنها زوجها ساعة من النهار، إلّا كتب اللّه لها بكلّ شعرة في جسمها حسنة، ومحا عنها بكلّ شعرة سيّئة.

يا فاطمة! إنّ أفضل عبادة المرأة في شدّة الظلمة أن تلتزم‏ بيتها.
يا فاطمة! أيّ امرأة رضي عنها زوجها لم تخرج من الدنيا حتّى ترى مقعدها في الجنّة، ولا تخرج روحها من جسدها حتّى تشرب من حوضي.
يا فاطمة! ما من امرأة ماتت على طاعة زوجها إلّا وجبت لها الجنّة.
يا فاطمة! امرأة بلا زوج كدار بلا باب، امرأة بلا زوج كشجرة بلا ثمرة.
يا فاطمة! جلسة بين يدي الزوج أفضل من عبادة سنة، وأفضل من طواف.....
يا فاطمة! ما من امرأة عبست في وجه زوجها، إلّا غضب اللّه عليها وزبانية العذاب.
يا فاطمة! ما من امرأة منعت زوجها في الفراش، إلّا لعنها كلّ رطْب ويابس.
يا فاطمة! ما من امرأة قالت لزوجها أفٍّ لك، إلّا لعنها اللّه من فوق العرش والملائكة والناس أجمعون.
يا فاطمة! ما من امرأة خفّفت عن زوجها من كآبته درهماً واحداً، إلّا كتب اللّه لها بكلّ درهم واحد قصراً في الجنّة.
يا فاطمة! ما من امرأة صلّت فرضها ودعت لنفسها ولم تدع لزوجها، إلّا ردّ اللّه عليها صلاتها، حتّى تدعو لزوجها.
يا فاطمة! ما من امرأة غضب عليها زوجها ولم تسترض منه حتّى يرضى، إلّا كانت في سخط اللّه وغضبه، حتىّ يرضى عنها زوجها.
يا فاطمة! ما من امرأة لبست ثيابها وخرجت من بيتها بغير إذن زوجها، إلّا لعنها كلّ رطْب ويابس حتّى ترجع إلى بيتها.
يا فاطمة! ما من امرأة نظرت إلى وجه زوجها ولم تضحك له، إلّا غضب اللّه عليها في كلّ شي‏ء.
يا فاطمة! ما من امرأة كشفت وجهها بغير إذن‏ زوجها، إلّا أكبّها اللّه على وجهها في النار.
 
 
 
 
 
194

169

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 يا فاطمة! ما من امرأة أدخلت إلى بيتها ما يكره زوجها، إلّا أدخل اللّه في قبرها سبعين حيّة وسبعين عقربة، يلدغونها إلى يوم القيامة.

يا فاطمة! ما من امرأة صامت صيام التطوّع ولم تستشر زوجها، إلّا ردّ اللّه صيامها.
يا فاطمة! ما من امرأة تصدّقت من مال زوجها، إلّا كتب اللّه عليها ذنوب سبعين سارقاً

فقالت له فاطمة عليها السلام: يا أبتاه، متى تدرك النساء فضل المجاهدين في سبيل اللّه تعالى؟ فقال لها: ألا أدلّك على شي‏ء تدركين به المجاهدين وأنت في بيتك؟ فقالت: نعم يا أبتاه.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: تصلّين في كلّ يوم ركعتين تقرئين في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة، و"قل هو اللّه أحد" ثلاث مرّات، فمن فعل ذلك كتب اللّه له ولها ثواب المجاهدين في سبيل اللّه تعالى"1.

• دعاء لدفع الأرق: إنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْأَرَقَ، فَقَالَ: "قُولِي يَا بُنَيَّةِ، يَا مُشْبِعَ الْبُطُونِ الْجَائِعَةِ وَيَا كَاسِيَ الْجُسُومِ الْعَارِيَةِ وَيَا مُسَكِّنَ الْعُرُوقِ الضَّارِبَةِ وَيَا مُنَوِّمَ الْعُيُونِ السَّاهِرَةِ سَكِّنْ عُرُوقِيَ الضَّارِبَةَ وَأْذَنْ لِعَيْنِي نَوْماً عَاجِلًا"، فَقَالَتْهُ فَذَهَبَ عَنْهَا مَا كَانَتْ تَجِدُه‏2.

• عمل لدفع الرؤيا المكروهة: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "شَكَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَا تَلْقَاهُ فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا رَأَيْتِ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ فَقُولِي - أَعُوذُ بِمَا عَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْمُقَرَّبُونَ، وَأَنْبِيَاءُ اللَّهِ الْمُرْسَلُونَ، وَعِبَادُ اللَّهِ الصَّالِحُونَ، مِنْ شَرِّ رُؤْيَايَ الَّتِي رَأَيْتُ أَنْ تَضُرَّنِي فِي دِينِي ودُنْيَايَ وَاتْفُلِي عَلَى يَسَارِكِ ثَلَاثا"3
 
 

1- عوالم العلوم و المعارف والأحوال من الآيات و الأخبار و الأقوال - (مستدرك سيدة النساء إلى الإمام الجواد)، ج11، قسم1، ص 525 - 526.
2- السيد ابن طاووس، فلاح السائل و نجاح المسائل، مصدر سابق، ص 284.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، مصدر سابق، ج‏5، ص 111.
 
 
 
195

170

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 • دعاء لدفع الشدائد: عَنْ جَابِرٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَّمَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ عليها السلام هَذَا الدُّعَاءَ، وَقَالَ لَهُمَا: "إِنْ نَزَلَتْ بِكُمَا مُصِيبَةٌ أَوْ خِفْتُمَا جَوْرَ السُّلْطَانِ أَوْ ضَلَّتْ لَكُمَا ضَالَّةٌ فَأَحْسِنَا الْوُضُوءَ وَصَلِّيَا رَكْعَتَيْنِ وَارْفَعَا أَيْدِيَكُمَا إِلَى السَّمَاءِ وَقُولَا: يَا عَالِمَ الْغَيْبِ وَالسَّرَائِرِ يَا مُطَاعُ يَا عَلِيمُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا هَازِمَ الْأَحْزَابِ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، يَا كَائِدَ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى يَا مُنَجِّيَ عِيسَى مِنْ أَيْدِي الظَّلَمَةِ، يَا مُخَلِّصَ قَوْمِ نُوحٍ مِنَ الْغَرَقِ، يَا رَاحِمَ عَبْدِهِ يَعْقُوبَ، يَا كَاشِفَ ضُرِّ أَيُّوبَ، يَا مُنَجِّيَ ذِي النُّونِ مِنَ الظُّلُمَاتِ، يَا فَاعِلَ كُلِّ خَيْر،ٍ يَا هَادِياً إِلَى كُلِّ خَيْرٍ يَا دَالَّا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ يَا آمِراً بِكُلِّ خَيْرٍ يَا خَالِقَ الْخَيْرِ وَيَا أَهْلَ الْخَيْرِ، أَنْتَ اللَّهُ رَغِبْتُ إِلَيْكَ فِيمَا قَدْ عَلِمْتَ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ اسْأَلَا الْحَاجَةَ تُجَابَا إِنْ شَاءَ اللَّه‏"1.


• دعاء للأمر العظيم: عَنْ الإمام زَيْنِ الْعَابِدِينَ عليه السلام قَالَ: "ضَمَّنِي وَالِدِي عليه السلام إِلَى صَدْرِهِ يَوْمَ قُتِلَ وَالدِّمَاءُ تَغْلِي وَهُوَ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي دُعَاءً عَلَّمَتْنِيهِ فَاطِمَةَ عليها السلام وَعَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَعَلَّمَهُ جِبْرَئِيلُ عليه السلام فِي الْحَاجَةِ وَالْمُهِمِّ وَالْغَمِّ وَالنَّازِلَةِ إِذَا نَزَلَتْ وَالْأَمْرِ الْعَظِيمِ الْفَادِحِ، قَالَ: اُدْعُ بِحَقِّ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ وَبِحَقِّ طه وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ يَا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى حَوَائِجِ السَّائِلِينَ يَا مَنْ يَعْلَمُ مَا فِي الضَّمِيرِ يَا مُنَفِّساً عَنِ الْمَكْرُوبِينَ يَا مُفَرِّجاً عَنِ الْمَغْمُومِينَ يَا رَاحِمَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ يَا رَازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ يَا مَنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّفْسِيرِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَافْعَلْ بِي كَذَا وكَذَا"2.

• في أحكام الحائض: سئل أَبَو جَعْفَرٍعليه السلام عَنْ قَضَاءِ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ ثُمَّ تَقْضِي الصَّوْمَ‏، قَالَ: "لَيْسَ‏ عَلَيْهَا أَنْ‏ تَقْضِيَ‏ الصَّلَاةَ وَعَلَيْهَا أَنْ تَقْضِيَ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ...
 
 

1- المصدر نفسه، ج‏8، ص 214.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏92، ص 196.
 
 
 
196

171

ملحق: باقة من الروايات في السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام

 قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ‏ يَأْمُرُ بِذَلِكَ فَاطِمَةَ عليها السلام وَكَانَتْ تَأْمُرُ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنَاتِ‏"1.


• في حكم المسكر: عَنْ فَاطِمَةَ عليها السلام قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "يَا حَبِيبَةَ أَبِيهَا، كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْر"2.

• من تهاون بصلاته: عَنْ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ عليها السلام أَنَّهَا سأَلَتْ أَبَاهَا مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَتْ: "يَا أَبَتَاهْ مَا لِمَنْ تَهَاوَنَ بِصَلَاتِهِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء؟ قَالَ: يَا فَاطِمَةُ مَنْ تَهَاوَنَ بِصَلَاتِهِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً سِتٌّ مِنْهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا وَثَلَاثٌ عِنْدَ مَوْتِهِ وَثَلَاثٌ فِي قَبْرِهِ وَثَلَاثٌ فِي الْقِيَامَةِ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ، فَأَمَّا اللَّوَاتِي تُصِيبُهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا فَالْأُولَى يَرْفَعُ اللَّهُ الْبَرَكَةَ مِنْ عُمُرِهِ وَيَرْفَعُ اللَّهُ الْبَرَكَةَ مِنْ رِزْقِهِ وَيَمْحُو اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ سِيمَاءَ الصَّالِحِينَ مِنْ وَجْهِهِ وَكُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَرْتَفِعُ دُعَاؤُهُ إِلَى السَّمَاءِ وَالسَّادِسَةُ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ فِي دُعَاءِ الصَّالِحِينَ، وَأَمَّا اللَّوَاتِي تُصِيبُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأُولَاهُنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ ذَلِيلًا وَالثَّانِيَةُ يَمُوتُ جَائِعاً وَالثَّالِثَةُ يَمُوتُ عَطْشَاناً، فَلَوْ سُقِيَ مِنْ أَنْهَارِ الدُّنْيَا لَمْ يُرْوَ عَطَشُهُ، وَأَمَّا اللَّوَاتِي تُصِيبُهُ فِي قَبْرِهِ فَأُولَاهُنَّ يُوَكِّلُ اللَّهُ بِهِ مَلَكاً يُزْعِجُهُ فِي قَبْرِهِ وَالثَّانِيَةُ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ وَالثَّالِثَةُ تَكُونَ الظُّلْمَةُ فِي قَبْرِهِ، وَأَمَّا اللَّوَاتِي تُصِيبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ فَأُولَاهُنَّ أَنْ يُوَكِّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكاً يَسْحَبُهُ عَلَى وَجْهِهِ وَالْخَلَائِقُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَالثَّانِيَةُ يُحَاسِبُهُ حِسَاباً شَدِيداً وَالثَّالِثَةُ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَلَا يُزَكِّيهِ وَلَهُ عَذَابٌ أَلِيم‏"3.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج‏3، ص 105.
2- الطبري، دلائل الإمامة، مصدر سابق، ص 69.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، مصدر سابق، ج‏3، ص 24.
 
 
 
197

172
السيدة فاطمة الزهراء قدوة وأسوة