زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني 1440 هـ


الناشر: دار المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2018-09

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين عليهم السلام، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وبعد...
 
لا يقتصر مفهوم إحياء الأمر على إقامة المراسم، ومجالس الفرح والحزن، أو بعض الأنشطة العامّة، فلا بدّ لتحقّقه من الاعتقاد والالتزام بمجموعة من المبادئ، تبدأ بمعرفة أهل البيت عليهم السلام والعقيدة الصحيحة بهم عليهم السلام، والإيمان الواعي بنهجهم ومبادئهم، والعمل بهذا النهج والمبادئ والقيم؛ وذلك لأنّ معرفة أهل البيت عليهم السلام وولايتهم والإيمان بهم، وأنّهم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسم المطهّرون، وولاة الأمر وخلفاؤه على العباد والبلاد، أساس البنية الإيمانيّة والعقائديّة للإنسان المسلم لناحيتي الإيمان والعمل. وقد حثّت الروايات على معرفتهم، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن مَنَّ الله عليه بمَعرِفةِ أهلِ بيتي وولايتهم فقد جمع الله له الخيرَ كله"1.
 

1-  الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، إيران - قم، 1417ه، ط1، ص561.
 
 
 
 
7

1

المقدمة

 ومحرّم اسم الشهر الأوّل من السنة الهجريّة. وسمّي هذا الشهر محرّماً لأنّ أهل الجاهليّة كانوا يُحرّمون الحرب فيه أيّام الجاهليّة. وقد جُعل أول يوم منه بداية السنة الهجريّة1. لكنّ بني أميّة لم يحفظوا لهذا الشهر حرمته فأراقوا دم سيّد الشهداء عليه السلام وأهل بيته من بني هاشم، وأصحابه الخلّص. وإلى هذا أشار الإمام الرضا عليه السلام بقوله: "إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرّمون القتال فيه، فاستُحِلّت فيه دماؤنا وهُتِكت فيه حرمتنا، وسُبيت فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمت النيران في مضاربنا، وانتُهب ما فيها من ثقلنا، ولم يُترَك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسم حرمةٌ في أمرنا"2.

 
قال السيد الحميري:
في حرام من الشهور أحلّت
                   حرمة الله والحرام حـرام3
 
ولهذا يعيد شهر محرّم إلى الأذهان ذكريات واقعة الطفّ، فصار حلوله يخيّم على القلوب بالحزن، ويدفع محبّي الحسين عليه السلام إلى إقامة مجالس العزاء حزناً على مصيبته، فيطغى طابع الحزن والبكاء على جميع البلدان والمدن الشيعيّة، وتُذرف الدموع حزناً على شهداء كربلاء.
 

1-  وإن كان الرأي الأصح أن بداية السنة الهجرية شهر ربيع الأوّل على تفصيل في محله.
2-  ابن شهر آشوب، مشير الدين أبو عبد الله محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، العراق - النجف الأشرف، 1376ه - 1956م، لا.ط، ج3، ص238.
3-  ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص239.
 
 
 
8

2

المقدمة

 ولهذا يستعدّ الموالون والمحبّون في أقطار العالم لاستقبال هذا الشهر الحزين بمصيبة الحسين وزينب عليهما السلام، وبقيّة الأهل والأصحاب، انسجام1.

 
وهذا الكتاب "زاد عاشوراء" خير مساعد للخطيب والمحاضر الحسينيّ، بما يتضمّنه من مضامين لمحاضرات ودروس ومواعظ غنيّة بشواهدها، وغالباً ما تلامس احتياجات الناس، وتراعي المستوى العامّ عندهم. وقد تضمّن عشرين محاضرة ليستفاد منها في تنوّع المحاضرات وعدم الوقوع في التكرار.
 
والحمد لله رب العالمين
مركز المعارف للتأليف والتحقيق
 

1-  الطبرسي، الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408ه - 1987م، ط1، ج10، ص318.
 
 
 
 
9

3

المقدمة

 السياسات والتوجيهات العامّة

للخطاب العاشورائي
 
أولاً: السياسات العامّة
1. تأكيد أهميّة الجانب المعنويّ الذي يحقّقه الارتباط بالله تعالى والتوكّل عليه، وأهميّة هذا الجانب في استنزال المدد الإلهيّ للنصر على الأعداء، ولو قلَّ المؤمنون وكثر أعداؤهم.
2. ربط الناس بالتّكليف الإلهيّ على قاعدة كونه الموجِّه لموقف الفرد والأمّة.
3. توجيه الناس نحو العمل للآخرة، لضمان استمرار الحياة بسعادة باقية، وإبراز دور الشهادة في تحقيق ذلك.
4. غرس روح التضحية في أبناء الأمّة، لكون معركة الحقّ ضدّ الباطل لا بدّ لها من تضحيات، وتضحيات الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء الدليل الواضح على ذلك.
5. الإرشاد إلى دور الولاية في توجيه الأمّة وترشيدها، وإلى أنّ وحدة الوليّ والقائد هي الضمان لوحدة الأمّة وعزِّها.
6. تأكيد ضرورة وحدة المسلمين صفّاً واحداً أمام أعدائهم.
7. تحديد طواغيت العصر ويزيديّيه المتمثّلين اليوم في الدرجة
 
 
 
 
11

4

المقدمة

 الأولى بأمريكا وإسرائيل، والتطرّق إلى الممارسات الإرهابيّة التي يمارسها هؤلاء الطواغيت ضدّ مسلمي العالم ومستضعفيه.

8. بيان تكليف الأمّة في نصرة المظلومين.
9. التشديد على ضرورة الثبات في معركة الحقّ ضدّ الباطل، ودوره في تحقيق النصر الإلهيّ.
10. إبراز التشابه بين ثورة الإمام الحسين عليه السلام ومعركتنا ضدّ الباطل، سواء على مستوى الأهداف وممارسات الأعداء، أو على مستوى مشاركة الشرائح المتنوّعة في المجتمع لنصرة الحقّ (من شبّان، وشيوخ، ونساء، وأطفال، وطبقات اجتماعيّة متفاوتة).
11. اللفت إلى ضرورة التكافل الاجتماعيّ في الأمّة بما يؤمِّن القوّة الداخليّة للمجتمع في معركته ضدّ الباطل.
12. تقوية علاقة الناس بصاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف، وبيان مسؤوليّتهم في التمهيد لظهوره المبارك، واستعدادهم لاستمرار التضحية بين يديه.
 
ثانياً: التوجيهات العامّة
نقتبس من كلام الإمام الخمينيّ قدس سره بعض التوجيهات المهمّة للمحاضرين والخطباء الحسينيّين، وهي:
1. دعا قدس سره إلى تفعيل مجالس الإنشاد للشعر الحسينيّ والاستماع إليها، فقال: "فلْتُقم مجالس ذكرى سيّد المظلومين والأحرار بجلال أكثر
 
 
 
 
12

5

المقدمة

 وحضور أكثر، فهي مجالس غلبة قوى العقل على الجهل، والعدل على الظلم، والأمانة على الخيانة، وحكومة الإسلام على حكومة الطاغوت".

 
2. اعتبر قدس سره أنّ البكاء في ثقافة عاشوراء سلاح جاهز على الدوام يمكن رفعه عند الحاجة بوجه الظالمين. والدموع هي لغة القلب، والبكاء هو صرخة عصر المظلوميّة. قال الإمام الخمينيّ: "إنّ البكاء على الشهيد إحياء للثورة، وإحياء لمفهوم أنّ فئة قليلة تقف بوجه إمبراطور كبير... إنّهم يخشون هذا البكاء، لأنّ البكاء على المظلوم صرخة بوجه الظالم"و "لترتفع راياتُ عاشوراء المدمَّاة أكثرَ فأكثر معلنةً حلول يوم انتقام المظلوم من الظالم".
 
3. وفي توجيهه المباشر للخطباء الحسينيين، قال الإمام الخمينيّ قدس سره:
- إنّ على الخطباء أن يقرأوا المراثي حتّى آخر الخطبة، ولا يختصروها بل ليتحدّثوا كثيراً عن مصائب أهل البيت عليهم السلام.
- ليهتمّ خطباء المنابر، ويسعوا إلى دفع الناس نحو القضايا الإسلاميّة وإعطائهم التوجيهات اللازمة في الشؤون السياسيّة والاجتماعيّة.
- يجب التذكير بالمصائب والمظالم التي يرتكبها الظالمون في كلّ عصر ومصر.
- أوّل شي‏ء يجب أن تهتمّوا به هو رسالة الثورة في المصيبة، وفي المدح وفي الأخلاقيّات والوعظ.
 
وعن كيفيّة إقامة مراسم العزاء يتحدّث الإمام الخمينيّ قائلاً: إنّه سؤال موجَّه إلى جميع من يشعر بالمسؤوليّة في هذه القضيّة،
 
 
 
 
13

6

المقدمة

 وباعتقادي أنّ هذه المجالس يجب أن تتميّز بثلاثة أمور:

أ. تكريس محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم في القلوب؛ لأنّ الارتباط العاطفيّ ارتباط قيِّم ووثيق.
ب. إعطاء صورة واضحة عن أصل قضيّة عاشوراء، وإظهارها للناس من الناحية الثقافيّة والعقائديّة والنفسيّة والاجتماعيّة.
ج. تكريس المعرفة الدينيّة والإيمان الدينيّ، والاعتماد على آية شريفة أو حديث شريف صحيح السند، أو رواية تاريخيّة ذات عبرة.
 
4. على أيّ منبر صعدتم وأيّ حديث تحدّثتم، بيّنوا للناس يزيد هذا العصر وشمر هذا العصر ومستعمري هذا العصر.
 
وكذا نجد في كلمات الإمام الخامنئيّ دام ظله الكثير من التوجيهات المتعلّقة بالمضمون الفكريّ للمجالس، حيث يقول:
1. من الخطأ أن يواظب المرء في مجلس العزاء، أو في الهيئة المقيمة للعزاء، على أن لا يدخل في مواضيع الإسلام السياسيّ. ولا يعني هذا الكلام أنّه كلّما وقعت حادثة سياسيّة وجب أن نتكلّم فيها في مجالس العزاء.
2. إنّ فكر الثورة والفكر الإسلاميّ، والخطّ المبارك الذي أرساه الإمام قدس سره: في هذا البلد، وتركه لنا هو ما ينبغي أن يكون حاضرًا في إحياء هذه المراسم.
3. إنّ أكثر من يليق به القيام بإحياء عزاء سيّد الشهداء، هم هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، هؤلاء المحاربون (المقاتلون).. هؤلاء
 
 
 
 
14

7

المقدمة

 الشّباب. وعليكم أنتم أن تعرفوا قدر هذا الأمر، وأن تعملوا على توجيهه. اعملوا على التوجيه.

4. الالتفات إلى أنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت لتأدية واجب عظيم وهو إعادة الإسلام والمجتمع الإسلاميّ إلى الخطّ الصحيح، أو الثورة ضدّ الانحرافات الخطيرة في المجتمع الإسلاميّ. وهذا الواجب يتوجّه إلى كلّ فرد من المسلمين عبر التاريخ، وهو أنّه على كلّ مسلم لزوم الثورة حال رؤية تفشّي الفساد في جذور المجتمع الإسلاميّ.
5. الالتفات إلى أنّ الإمام الحسين عليه السلام أحيا بثورته خطّ جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسم ونهجه، وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حسينٌ منِّي وأنا من حسين"1.
 

1-  الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، إيران - قم، 1417هـ، ط1، ج1، ص425.
 
 
 
 
15

8

المحاضرة الأولى

 المحاضرة الأولى

إحياء مجالس أهل البيت عليهم السلام وزيارتهم


الهدف العام
التعرّف إلى قيمة إحياء مجالس الإمام الحسين عليه السلام وثواب زيارته في الروايات الشريفة.

المحاور الرئيسة
- إحياء مجالس أهل البيت عليهم السلام 
- فضل البكاء على أهل البيت عليهم السلام وخاصّة على سيّد الشهداء
- ذكر مصائب أبي عبد الله عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام 
- السلام على الحسين وثواب زيارته
- فضيلة الصلاة عند الإمام الحسين
- تربة الحسين عليه السلام
 
 
 
 
 
17

9

المحاضرة الأولى

 تصدير الموضوع


روي عن الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام قال: "... يا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجِنَانِ فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وَافْرَحْ لِفَرَحِنَا وَعَلَيْكَ بِوَلَايَتِنَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَحَبَّ حَجَراً لَحَشَرَهُ اللَّهُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

في إحياء مجالس أهل البيت عليهم السلام 
أهمية مجالس أهل البيت عليهم السلام:
روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال لفضيل: تجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم. فقال عليه السلام: "إِنَّ تِلْكَ الْمَجَالِسَ أُحِبُّهَا فَأَحْيُوا أَمْرَنَا فَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا"1.

فضلِ البكاء عليهم وعلى سيّد الشهداء عليه السلام 
من يليق بالبكاء عليه؟:
... عن الريان بن شبيب عن الرضا عليه السلام في حديث أنّه قال: "يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ‏ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ وَقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ شَبِيهُونَ وَلَقَدْ بَكَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ
 

1- الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، إيران - قم، 1414ه، ط2، ج 14، ص 501.
 
 
 
18

10

المحاضرة الأولى

 إِلَى أَنْ قَالَ: يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ بَكَيْتَ عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام حَتَّى تَصِيرَ دُمُوعُكَ عَلَى خَدَّيْكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتَهُ صَغِيراً كَانَ أَوْ كَبِيراً قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيراً يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَلْقَى اللَّهَ عزّ وجلّ وَلَا ذَنْبَ عَلَيْكَ فَزُرِ الْحُسَيْنَ عليه السلام يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَسْكُنَ الْغُرَفَ الْمَبْنِيَّةَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ النَّبِيِّ وَآلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَالْعَنْ قَتَلَةَ الْحُسَيْن‏ يَا ابْنَ شَبِيبٍ إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجِنَانِ فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا وَافْرَحْ لِفَرَحِنَا وَعَلَيْكَ بِوَلَايَتِنَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَحَبَّ حَجَراً لَحَشَرَهُ اللَّهُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"1.


ثواب البكاء على الحسين عليه السلام:
عن الإمام الرضا عليه السلام: "فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَام"2.

الجزع والبكاء للحسين عليه السلام:
صحيحة معاوية بن وهب... عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام: "أَيْنَ أَنْتَ عَنْ قَبْرِ جَدِّيَ الْمَظْلُومِ الْحُسَيْنِ؟ قَالَ: إِنِّي لَقَرِيبٌ مِنْهُ، قَالَ: كَيْفَ إِتْيَانُكَ لَهُ؟ قَالَ: إِنِّي لآَتِيهِ وَأُكْثِرُ، قَالَ: ذَاكَ دَمٌ يَطْلُبُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ: كُلُّ الْجَزَعِ وَالْبُكَاءِ مَكْرُوهٌ مَا خَلَا الْجَزَعَ وَالْبُكَاءَ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ"3.
 

1- المصدر نفسه، ص 502.
2- المصدر نفسه، ص 504.
3- المصدر نفسه، ص 505.
 
 
 
19

11

المحاضرة الأولى

 بكاء كلّ العالم على الحسين عليه السلام:

... عن الحسين بن ثوير قال: كنت أنا ويونس بن ظبيان والمفضل بن عمر وأبو سلمة السراج جلوساً عند أبي عبد الله عليه السلام ، وكان المتكلّم منّا يونس، وكان أكبر سنّاً، فقال له: "جُعِلْتُ فِداكَ إنّي أَحْضُرُ مجلِس هؤلاء القوم؛ يعني وُلْدَ العبَّاس، فما أقول؟ فقال إذا حَضَرْتَ فَذكَرْتَنَا فَقُل: اللَّهُمَّ أَرِنَا الرَّخَاءَ وَالسُّرُورَ فَإِنَّكَ تَأْتِي عَلَى مَا تُرِيدُ، فقلت: جُعِلْتُ فداك إنّي كثيراً ما أَذْكُرُ الحُسَيْنَ عليه السلام فَأَيَّ شي‏ءٍ أقول؟ فقال: قُلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُعِيدُ ذَلِكَ ثَلَاثاً فَإِنَّ السَّلَامَ يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ وَ مِنْ بَعِيدٍ ثُمَّ قَال:‏إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنَ عليه السلام لَمَّا قَضَى بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَنْ يَنْقَلِبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا وَمَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى بَكَى عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ عليه السلام إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَشْيَاءِ؟ قَالَ:لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ الْبَصْرَةُ وَلَا دِمَشْقُ وَلَا آلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّه"1.

‏فضيلة البكاء عند ذكر أهل البيت عليهم السلام:
عن فضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "مَنْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَلَوْ مِثْلَ جَنَاحِ الذُّبَابِ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْر"2.
 

1- الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج4، ص 575-576.
2- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج14، ص 500.
 
 
 
 
20

12

المحاضرة الأولى

 ذِكر مصائب أبي عبد الله عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام 

فضيلة ذكر مصائب أهل البيت عليهم السلام:
... عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال عن أبيه قال: قال الرضا عليه السلام: "مَنْ تَذَكَّرَ مُصَابَنَا فَبَكَى وَأَبْكَى لَمْ تَبْكِ عَيْنُهُ يَوْمَ تَبْكِي الْعُيُونُ وَمَنْ جَلَسَ مَجْلِساً يُحْيِا فِيهِ أَمْرُنَا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوب"1.

في السلام على الإمام الحسين عليه السلام وثواب زيارته
أقلّ ما يزار به الحسين عليه السلام:
... قال: (يونس بن ظبيان) له (أبي عبد الله عليه السلام ): "إِنِّي كَثِيراً مَا أَذْكُرُ الْحُسَيْنَ عليه السلام فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ أَقُولُ؟ فَقَالَ: قُلْ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، تُعِيدُ ذَلِكَ ثَلَاثاً فَإِنَّ السَّلَامَ يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ وَمِنْ بَعِيد"2.

ثواب زيارة الحسين عليه السلام شوقاً إليه:
... عن صفوان بن يحيى، عن أبي أسامة زيد الشحّام قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام تَشَوُّقاً إِلَيْهِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْآمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأُعْطِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَكَانَ تَحْتَ لِوَاءِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَيُسْكِنَهُ فِي دَرَجَتِهِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"3.
 

1- المصدر نفسه، ج14، ص 502.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 575.
3- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج14، ص 497.
 
 
 
21

13

المحاضرة الأولى

 ثواب زيارة الحسين عليه السلام تقرّباً إلى الله:

... عن محمد بن سنان عن حذيفة بن منصور، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام لِلَّهِ وَفِي اللَّهِ أَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ وَآمَنَهُ يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَلَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ"1.

زيارة أبي عبد الله عليه السلام أفضل الأعمال:
عن أبي عبد الله عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ زِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، فَقَالَ: "إِنَّهُ أَفْضَلُ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَعْمَالِ"2.

صحيحة أبي أيوب: ... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "حَقٌّ عَلَى الْغَنِيِّ أَنْ يَأْتِيَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ وَحَقٌّ عَلَى الْفَقِيرِ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً"3.

دعاء الأئمة عليهم السلام لزوار الحسين عليه السلام:
صحيحة معاوية بن وهب: روى الصدوق عن أبيه، ... عن معاوية بن وهب قال: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَقِيلَ لِي: ادْخُلْ، فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ فِي مُصَلَّاهُ فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ وَهُوَ يَقُولُ: "يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ وَخَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ وَوَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ وَأَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ وَجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي
 

1- المصدر نفسه، ج14، ص 499.
2- المصدر نفسه، ج14، ص 499.
3- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1364ش، ط3، ج 6، ص 42- 43.
 
 
 
22

14

المحاضرة الأولى

 إِلَيْنَا اغْفِرْ لِي وَلِإِخْوَانِي وَلِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِيَ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا وَسُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَإِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ وَاكْلَأْهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

وَاخْلُفْ عَلَى أَهَالِيهِمْ وَأَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ خَلَّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَفِ وَاصْحَبْهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَكُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ شَدِيدٍ وَشَرَّ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَمَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَقَرَابَاتِهِمْ.
اللَّهُمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا عَابُوا عَلَيْهِمْ خُرُوجَهُمْ فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الشُّخُوصِ إِلَيْنَا وَخِلَافاً مِنْهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا.
فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ وَارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَارْحَمْ تِلْكَ الْأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا وَارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ وَاحْتَرَقَتْ لَنَا وَارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ تِلْكَ الْأَنْفُسَ وَتِلْكَ الْأَبْدَانَ حَتَّى تُوَافِيَهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يَوْمَ الْعَطَشِ".

... ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاوِيَةُ لِمَ تَدَعُ ذَلِكَ؟ قُلْتُ:لَمْ أَدْرِ أَنَّ الْأَمْرَ يَبْلُغُ هَذَا كُلَّهُ، قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ مَنْ يَدْعُو لِزُوَّارِهِ فِي السَّمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْعُو لَهُمْ فِي الْأَرْضِ يَا مُعَاوِيَةُ لَا تَدَعْهُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَأَى مِنَ الْحَسْرَةِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ كَانَ عِنْدَهُ.
أَمَا تُحِبُّ أَنْ يَرَى اللَّهُ شَخْصَكَ وَسَوَادَكَ فِيمَنْ يَدْعُو لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
 
 
 
 
 
23

15

المحاضرة الأولى

 صلى الله عليه وآله وسلم وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْأَئِمَّةُ عليهم السلام ؟

أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ يَنْقَلِبُ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا مَضَى وَيُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُ سَبْعِينَ سَنَةً؟
أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ تُصَافِحُهُ الْمَلَائِكَةُ؟
أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً فِيمَنْ يَخْرُجُ وَلَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ فَيُتْبَعَ بِهِ؟
أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ يُصَافِحُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ؟"1.

أمر الناس بزيارة الحسين عليه السلام:
عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: "مُرُوا شِيعَتَنَا بِزِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَإِنَّ إِتْيَانَهُ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ وَيَمُدُّ فِي الْعُمُرِ وَيَدْفَعُ مَدَافِعَ السُّوءِ وَإِتْيَانَهُ مُفْتَرَضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ يُقِرُّ لَهُ بِالْإِمَامَةِ مِنَ اللَّه"2.

آثار زيارة الحسين عليه السلام في الآخرة:
صحيحة زيد الشحّام...عن صفوان بن عيسى عن أبي أسامة زيد الشحّام قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "مَنْ أَتَى قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام تَشَوُّقاً إِلَيْهِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْآمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأُعْطِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَكَانَ تَحْتَ لِوَاءِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَيُسْكِنَهُ فِي دَرَجَتِهِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"3.
 

1- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج14، ص 411-412.
2- الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج 6، ص 42.
3- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 14، ص 497.
 
 
 
 
24

16

المحاضرة الأولى

 زيارة الحسين يوم عاشوراء:

صحيحة زيد الشحام: ... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كَمَنْ زَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِي عَرْشِهِ"1.

فضيلة الصلاة عند الحسين عليه السلام 
فضيلة الصلاة عند قبر الحسين عليه السلام:
... عن أبي جعفر عليه السلام قال: "قَالَ لِرَجُلٍ: يَا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ إِذَا عَرَضَتْ لَكَ حَاجَةٌ أَنْ تَأْتِيَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَتُصَلِّيَ عِنْدَهُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَسْأَلَ حَاجَتَكَ؟ فَإِنَّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عِنْدَهُ تَعْدِلُ حَجَّةً وَالصَّلَاةَ النَّافِلَةَ تَعْدِلُ عِنْدَهُ عُمْرَةً"2.

تربة الحسين عليه السلام 
الانتفاع بطين قبر الحسين عليه السلام:
عن ابن أبي يعفور قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: يَأْخُذُ الْإِنْسَانُ مِنْ طِينِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَأْخُذُ غَيْرُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ، فَقَالَ: "لَا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا يَأْخُذُهُ أَحَدٌ وَهُوَ يَرَى أَنَّ اللَّهَ يَنْفَعُهُ بِهِ إِلَّا نَفَعَهُ بِهِ"3.
 

1- الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج 6، ص 51.
2- المصدر نفسه، ج 6، ص 73.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 588.
 
 
 
25

17

المحاضرة الثانية

 المحاضرة الثانية

الجهاد والشهادة درب المخلَصين


الهدف العام
التعرّف إلى فضل الجهاد والشهادة والتأسّي بالمدرسة الحسينية الكربلائية.

المحاور الرئيسة
- الجهاد تجارة مع الله
- الأجر الخاص والدرجة الرفيعة للمجاهدين
- الجهاد أشرف الأعمال
- الجهاد باب من أبواب الجنة
- اصطفاء الشهداء
- بشرى المجاهدين
- أشرف الموت قتل الشهادة
- منزلة الشهيد وثوابه
- مدرسة الشهادة الحسينية
 
 
 
 
27

 


18

المحاضرة الثانية

 تصدير الموضوع


روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم مع العزَّة والمنعة، وهو الكَرَّةُ، فيه الحسنات والبشرى بالجنّة بعد الشهادة".

شرف الجهاد وعزة المجاهدين
الجهاد تجارة مع الله:
يبيّن القرآن الكريم أهمّيّة الجهاد، بحيث يعُدُّ الله نفسه مشتري أرواح المؤمنين الذي يجاهدون وأموالهم، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ1.

الأجر الخاص والدرجة الرفيعة للمجاهدين:
لقد صرّح الله تعالى بحبه للمقاتلين في سبيله، وهي درجة خاصة ومنزلة رفيعة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾2.

ووعد الله المقاتلين في سبيله بالأجر العظيم، حيث قال: ﴿فَلْيُقَاتِلْ
 

1- سورة التوبة، الآية 111.
2- سورة الصف، الآية 4.
 
 
 
28

19

المحاضرة الثانية

 فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا1، واعتبرهم الفائزين في هذا العالم وبشّرهم برحمة منه ورضوان، وجنّات تجري من تحتها الأنهار، وخصّهم بها دون العالمين: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ2.


الجهاد أشرف الأعمال:
روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم مع العزَّة والمنعة، وهو الكَرَّةُ، فيه الحسنات والبشرى بالجنّة بعد الشهادة"3.

وروي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعث بسريّةٍ كان فيها ابن رواحة، وتحرّك الجيش مع الفجر نحو المنطقة المحدّدة، ولكنّ ابن رواحة تخلّف عنه ليصلّي وراء النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم . وبعد الصلاة، رآه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "ألم تكن في ذلك الجيش؟" فأجاب: بلى، ولكنّي أحببتُ أن أصلّي خلفك هذه الصلاة ثمّ ألحقَ بهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسُ محمدٍ بيده لو أنفقتَ ما في الأرض جميعاً ما أدركتَ فضلَ غدوتهم"4.
 

1- سورة النساء، الآية 74.
2- سورة التوبة، الآيتان 20-21.
3- الشيخ الحويزي، تفسير نور الثقلين، تصحيح وتعليق السيد هاشم الرسولي المحلاتي، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1412ه.ق - 1370 ش، ط 4، ج 1، ص 408.
4- الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، 1403ه.ق - 1983م، ط 2، ج 2، ص 20.
 
 
 
29

20

المحاضرة الثانية

 الجهاد باب من أبواب الجنة:

روي في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام قال: "إنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة، فتحهُ الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودِرعُ الله الحصينةُ، وجُنّتهُ الوثيقة"1.

فضل الشهادة ومنزلة الشهيد
اصطفاء الشهداء:
قال تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ2، وفيها إشارة واضحة إلى أن الله تعالى يصطفي من هذه الأمة ثلّة من المؤمنين يتّخذهم شهداء، لما لديهم من الفضل والكرامة عند الله. وقوله تعالى أيضاً ﴿وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ3 الخاص بهم والذي خصّهم المولى عزّ وجلّ به لأنّهم ببساطة أبوا إلّا أن يشتروا الدنيا بالآخرة فكان أجرهم عند الله عظيماً وعظيماً جداً: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا4.
 

1- السيد الرضي، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام ، شرح الشيخ محمد عبده، دار الذخائر، إيران - قم، 1412ه.ق - 1370 ش، ط 1، الخطبة 27، ج 1، ص 76.
2- سورة آل عمران، الآية 140.
3- سورة الحديد، الآية 19.
4- سورة النساء، الآية 74.
 
 
30

21

المحاضرة الثانية

 أشرف الموت قتل الشهادة:

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أشرف الموت قتل الشهادة"1، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فوق كل ذي برٍّ برٌّ حتّى يُقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ"2. والبرّ هو الخير وهو الطّاعة، وكمال الخير ومظهر الطّاعة الحقيقيّة لله تعالى هما مرتبة الشّهادة.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصفّ الأوّل، فلا يلفتون وجوههم حتّى يُقتلوا، أولئك يتلبَّطون في الغرف العلى من الجنة، يضحك إليهم ربك، فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه"3.

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: "ما من قطرةٍ أحبُّ إلى الله عزّ وجلّ من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله، وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها العبد إلّا الله عزّ وجلّ"4.

ولذلك كان الأئمة عليهم السلام يتمنّون دائماً الشهادة في سبيل المولى تعالى، ففي الدعاء عن الإمام السجاد عليه السلام: "حمداً نسعدُ به في السّعداء من أوليائه، ونصيرُ به في نظم الشهداء بسيوف أعدائه"5.
 

1- المجلسي، العلامة محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، مؤسسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ه - 1983م، ط2، ج 97، ص 8.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 348.
3- أحمد بن حنبل، المسند مسند أحمد-، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج 5، ص 287.
4- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 11، ص 247.
5- الإمام زين العابدين عليه السلام ، الصحيفة السجادية، دفتر نشر الهادي، إيران - قم، 1418ه، ط1، ص 32.
 
 
 
 
31

22

المحاضرة الثانية

 منزلة الشهيد وثوابه:

للشهيد منزلة عظيمة عند الله تبرز بوضوح من خلال أنواع الجزاء الأخرويّ الذي وعُدوا به من عند الله تعالى:
أ. الشهداء أهل الجنة: يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ *  سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ1. تذكر الآية الشريفة ثلاث مواهب خصّ الله تعالى بها الشهداء وهي:
- أنّه تعالى سيهديهم إلى منازل السعادة والكرامة، والكمالات الإنسانية، والمقامات السامية، والفوز العظيم، ورضوانه.
- أنّه سيصلح حالهم بالمغفرة والعفو فيصلحون لدخول الجنة، ويحييهم حياةً يصلحون بها للحضور عند ربّهم بانكشاف الغطاء، ويهبهم هدوء الروح، واطمئنان الخاطر، والنشاط المعنويّ والروحيّ.
- أنّه سيدخلهم الجنّة التي وعدهم بها وادّخرها لهم، والتي سبق وأن عرّفها لهم إمّا في الدنيا عن طريق الوحي والنبوّة، وإما بالبشرى عند القبض.

ب. سبع خصال من الله: روي عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "للشَّهيد سبع خصال من الله: من أول قطرةٍ من دمه مغفورٌ له كلّ ذنب،
 

1- سورة محمد، الآيات 4-7.
 
 
 
32

23

المحاضرة الثانية

 والثانية يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، وتمسحان الغبار عن وجهه، وتقولان: مرحباً بك ويقول هو مثل ذلك لهما. والثالثة يُكسى من كسوة الجنة. والرابعة تبتدره خزنة الجنة بكل ريح طيّبة أيّهم يأخذه معه. والخامسة أن يرى منزله. والسادسة يقال لروحه: اسرح في الجنّة حيث شئت. والسابعة أن ينظر في وجه الله وإنها لراحة لكل نبيّ وشهيد"1.


ج. الشهداء أحياء: قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ2، ويستبشرون بهم كما قال تعالى: ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ3.

د. غفران الذنوب: قال الله تعالى ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ4، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "الشهادة تكفّر كلّ شيء إلّا الدَّيْن"5.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من قُتل في سبيل الله لم يعرّفه الله شيئاً من سيئاته"6
 

1- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 15، ص 16.
2- سورة آل عمران، الآية 169.
3- سورة آل عمران، الآية 170.
4- سورة آل عمران، الآية 157.
5- المتقي الهندي، علاء الدين عليّ المتقيّ ابن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير الشيخ بكري حياني - تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409ه - 1989م، لا.ط، ج 4، ص 397.
6- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 5، ص 54.
 
 
 
33

24

المحاضرة الثانية

 ه. رفع فتنة القبر عن الشهيد: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لقي العدوّ فصبر حتّى يُقتل أو يغلب لم يُفتن في قبره"1،


و. الدخول إلى عرصة القيامة بمراسم البهاء: ورد عن الإمام عليّ عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "فوالذي نفسي بيده لو كان الأنبياء على طريقهم لترجَّلوا لهم ممّا يرونَ من بهائهم..."2.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مثل النّاس يوم القيامة إذا قاموا لربّ العالمين مثل السّهم في الْقُربِ ليس له من الأرض إلّا موضع قدمه كالسّهم في الكِنَانَةِ3 لا يقدر أن يزول ها هنا ولا ها هنا"4...

الشهداء من أهل الشفاعة:
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ فيُشفّعهم: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء"5.

مدرسة الشهادة الحسينية:
مع شهادة الإمام الحسين عليه السلام صارت كربلاء هي المكان أبداً، وصارت عاشوراء هي الزمان دوماً، وأضحت خطى أبي عبد الله عليه السلام
 

1- المتقي الهندي، كنز العمال، مصدر سابق، ج 4، ص 282.
2- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 11، ص 12.
3- الكنانة، جعبة السهام.
4- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 8، ص 143.
5- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1403ه - 1362ش، لا.ط، ص 156.
 
 
 
34

 


25

المحاضرة الثانية

 منهاج الحياة: "إِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَالْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَما"1.


ولقد صرّح سعد بن عبد الله الحنفيّ للإمام عليه السلام عن الروح التي يحملها أصحابه في كربلاء قائلاً: "والله لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم، والله لو أعلم أنّي أُقتل ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق ثمّ أُذرى ويُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حِمامي دونك وكيف أفعل ذلك وإنّما هي موتة أو قتلة واحدة ثمّ هي بعدها الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا"2.

حتّى غدا الموت عندهم أحلى من العسل، كما كان حال أصغرهم؛ القاسم بن الحسن عليهما السلام عندما سأل إمامه مستفهماً: "...وأنا فيمن أقتل؟ فأشفق عليه الإمام عليه السلام وقال له: يا بنيّ كيف الموت عندك؟ فقال القاسم بن الحسن: يا عمّ أحلى من العسل!"3.

وعندما أذن الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه بالانطلاق وجعلهم جميعاً في حلّ من أمرهم، انتفض مسلم بن عوسجة من مكانه بعد سماع كلام إمامه وقال: "والله لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق ثمّ أُذرّى يُفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي من دونك. وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟ ثمّ قام زهير بن القين رحمه الله وقال:
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 44، ص 192.
2- المصدر نفسه، ج 45، ص 70.
3- السيد هاشم البحراني، مدينة المعاجز، الشيخ عزة الله المولائي الهمداني، قم - إيران، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1413هـ، ط 1، ج 4، ص 215.
 
 
 
35

26

المحاضرة الثانية

 والله لوددت أنّي قتلت ثمّ نُشرت ثمّ قُتلت حتّى أُقتل هكذا ألف مرّة وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك لفعلت"1.


لهذا استحقّوا قول إمامهم فيهم ومدحه لهم: "اللهمّ إنّي لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي، ولا أصحاباً هم خير من أصحابي"2.

وبعد أن وجد عليه السلام فيهم العزم على ملاقاة الحتوف والرضا بالمقدور قام عليه السلام وبشّرهم: "إنّكم تُقتلون غداً كلّكم ولا يفلت منكم رجل، قالوا: الحمد لله الذي شرّفنا بالقتل معك، ثمّ دعا فقال لهم: ارفعوا رؤوسكم وانظروا فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنّة وهو يقول لهم هذا منزلك يا فلان فكان الرّجل يستقبل الرّمّاح والسّيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزلته من الجنّة"3.

ولهذه المنزلة الرفيعة لشهداء كربلاء خصّهم أئمتنا عليهم السلام بزيارة خاصة فيها معانٍ عظيمة وشهادات بمكانتهم التي وعدهم الله بها.

فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في زيارة العباس بن علي عليه السلام قوله:
"سلام الله وملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين...عليك يا ابن أمير المؤمنين...أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء...أشهد أنّك
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 44، ص 392.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 220.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 44، ص 298.
 
 
 
 
36

27

المحاضرة الثانية

 قُتلت مظلوماً وأنّ الله منجز لكم ما وعدكم...وأشهد أنّك مضيت إلى ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله...أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة وأعطيت غاية المجهود...(ثم يقول سلام الله عليه) فبعثك الله في الشهداء وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً"1. وما كان ليصل الشهداء إلى هذه المنزلة الرفيعة لولا صبرهم وبصيرتهم كما يقول الإمام عليه السلام في بقية الزيارة: "وأشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدياً بالصالحين".


ونقرأ في زيارة الإمام الصادق عليه السلام للشهداء أيضاً: "السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه، السلام عليكم يا أصفياء الله وأودّاءه، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأنصار نبيّه وأنصار أمير المؤمنين عليه السلام وأنصار فاطمة سيدة نساء العالمين"2.
 
 

1- ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات‏، تحقيق وتصحيح عبد الحسين‏ الأميني، دار المرتضوية، النجف،‏ ‏1397 هـ، ط 1، ص 256-258، زيارة العباس بن علي عليهما السلام.
2- ابن طاووس، علي بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة، تحقيق وتصحيح جواد قيومي الأصفهاني، نشر مكتب الإعلام الإسلامي‏، قم‏، 1418 هـ‏، ط 1‏، ج 2، ص 65، زيارة الحسين في يوم عرفة.
 
 
 
 
37

28

المحاضرة الثالثة

 المحاضرة الثالثة

العشرة ومخالطة الناس


الهدف العام
التعرّف إلى واجبات وآداب العشرة والمخالطة مع الناس ولا سيما الجيران والشيوخ

المحاور الرئيسة
- في الحبّ والمودة
- الصحبة والمخالطة والمحبّة
- نفحات السلام
- حقوق العِشرة
 
 
 
 
39

29

المحاضرة الثالثة

 تصدير الموضوع


عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إِذَا أَحْبَبْتَ رَجُلًا فَأَخْبِرْهُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ أَثْبَتُ لِلْمَوَدَّةِ بَيْنَكُمَا"1.

في الحبّ والمودّة
التحبّب إلى الناس:
عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إِنَّ أَعْرَابِيّاً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ لَهُ: أَوْصِنِي، فَكَانَ مِمَّا أَوْصَاهُ تَحَبَّبْ إِلَى النَّاسِ يُحِبُّوكَ"2.

إصفاء الودّ:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثَلَاثٌ يُصْفِينَ وُدَّ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ. يَلْقَاهُ بِالْبِشْرِ إِذَا لَقِيَهُ وَيُوَسِّعُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ وَيَدْعُوهُ بِأَحَبِّ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ.."3.

والإصفاء إخلاص الودّ من الصفوة، وهي خيار الشيء وخالصه.

التودّد إلى الناس:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: "التَّوَدُّدُ إِلَى النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْل"4.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 644.
2- المصدر نفسه، ج2، ص 642.
3- المصدر نفسه، ج2، ص 643.
4- المصدر نفسه، ج2، ص 643.
 
 
 
40

30

المحاضرة الثالثة

 كيف نتعرّف على محبة الآخرين لنا؟:

... عن الحسن بن الجهم قال: "قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام: لَا تَنْسَنِي مِنَ الدُّعَاءِ قَالَ أَوَتَعْلَمُ أَنِّي أَنْسَاكَ قَالَ: فَتَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي وَقُلْتُ: هُوَ يَدْعُو لِشِيعَتِهِ وَأَنَا مِنْ شِيعَتِهِ قُلْتُ: لَا لَا تَنْسَانِي قَالَ: وَكَيْفَ عَلِمْتَ ذَلِكَ قُلْتُ إِنِّي مِنْ شِيعَتِكَ وَإِنَّكَ لَتَدْعُو لَهُمْ فَقَالَ هَلْ عَلِمْتَ بِشَيْ‏ءٍ غَيْرِ هَذَا؟ قَالَ قُلْتُ: لَا قَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَا لَكَ عِنْدِي فَانْظُرْ إِلَى مَا لِي عِنْدَكَ..."1.

الصحبة والمخالطة
مخالطة الآخرين:
صحيحة معاوية بن وهب...، عن معاوية بن وهب قَالَ قُلْتُ لَهُ كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا وَبَيْنَ خُلَطَائِنَا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَيْسُوا عَلَى أَمْرِنَا قَالَ: "تَنْظُرُونَ إِلَى أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تَقْتَدُونَ بِهِمْ فَتَصْنَعُونَ مَا يَصْنَعُونَ فَوَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَعُودُونَ مَرْضَاهُمْ وَيَشْهَدُونَ جَنَائِزَهُمْ وَيُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَيُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ إِلَيْهِم"2.

من نصاحب؟:
موثقة عمار الساباطي: ... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "لَا عَلَيْكَ أَنْ تَصْحَبَ ذَا الْعَقْلِ وَإِنْ لَمْ تَحْمَدْ كَرَمَهُ
 

1- المصدر نفسه، ج2، ص 652.
2- المصدر نفسه، ج2، ص 636.
 
 
 
 
41

31

المحاضرة الثالثة

 وَلَكِنِ انْتَفِعْ بِعَقْلِهِ وَاحْتَرِسْ مِنْ سَيِّئِ أَخْلَاقِهِ وَلَا تَدَعَنَّ صُحْبَةَ الْكَرِيمِ وَإِنْ لَمْ تَنْتَفِعْ بِعَقْلِهِ وَلَكِنِ انْتَفِعْ بِكَرَمِهِ بِعَقْلِكَ وَافْرِرْ كُلَّ الْفِرَارِ مِنَ اللَّئِيمِ الْأَحْمَقِ.."1.


ممّن نحترز؟:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُوَاخِيَ الْفَاجِرَ وَلَا الْأَحْمَقَ وَلَا الْكَذَّابَ"2.

ما هي معرفة الحُمق؟:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ قَبِيلَتِهِ وَعَشِيرَتِهِ فَإِنَّ مِنْ حَقِّهِ الْوَاجِبِ وَصِدْقِ الْإِخَاءِ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَإِنَّهَا مَعْرِفَةُ حُمْقٍ"3.

مصاحبة الطريق:
موثقة مسعدة بن صدقة: في الكافي عن علي بن ابراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام صَاحَبَ رَجُلًا ذِمِّيّاً فَقَالَ: "لَهُ الذِّمِّيُّ أَيْنَ تُرِيدُ يَا عَبْدَ اللَّهِ فَقَالَ أُرِيدُ الْكُوفَةَ فَلَمَّا عَدَلَ الطَّرِيقُ بِالذِّمِّيِّ عَدَلَ مَعَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ لَهُ الذِّمِّيُّ أَلَسْتَ زَعَمْتَ أَنَّكَ تُرِيدُ الْكُوفَةَ
 

1- المصدر نفسه، ج2، ص 638.
2- المصدر نفسه، ج2، ص 640.
3- المصدر نفسه، ج2، ص 671.
 
 
 
42

32

المحاضرة الثالثة

 فَقَالَ لَهُ بَلَى فَقَالَ لَهُ الذِّمِّيُّ فَقَدْ تَرَكْتَ الطَّرِيقَ فَقَالَ لَهُ قَدْ عَلِمْتُ قَالَ فَلِمَ عَدَلْتَ مَعِي وَقَدْ عَلِمْتَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام "هَذَا مِنْ تَمَامِ حُسْنِ الصُّحْبَةِ أَنْ يُشَيِّعَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ هُنَيْئَةً إِذَا فَارَقَهُ وَكَذَلِكَ أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ لَهُ الذِّمِّيُّ هَكَذَا قَالَ قَالَ نَعَمْ قَالَ الذِّمِّيُّ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَبِعَهُ مَنْ تَبِعَهُ لِأَفْعَالِهِ الْكَرِيمَةِ فَأَنَا أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِكَ وَرَجَعَ الذِّمِّيُّ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَلَمَّا عَرَفَهُ أَسْلَمَ.."1.


نفحات السلام
أثر البدء بالسلام:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "السَّلَامُ تَطَوُّعٌ وَالرَّدُّ فَرِيضَةٌ"2.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ابْدَؤوا بِالسَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ فَمَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوه‏"3.

ردّ الجماعة:
صحيحة منصور بن حازم الكليني عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ثَلَاثَةٌ تُرَدُّ عَلَيْهِمْ رَدَّ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ كَانَ وَاحِداً عِنْدَ الْعُطَاسِ يُقَالُ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ وَالرَّجُلُ يُسَلِّمُ عَلَى
 

1- المصدر نفسه، ج2، ص 670.
2- المصدر نفسه، ج2، ص 644.
3- المصدر نفسه، ج2، ص 644.
 
 
 
43

 


33

المحاضرة الثالثة

 الرَّجُلِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَالرَّجُلُ يَدْعُو لِلرَّجُلِ فَيَقُولُ عَافَاكُمُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ وَاحِداً فَإِنَّ مَعَهُ غَيْرَهُ .."1.


كيفيّة ردّ جواب السلام:
صحيحة أبي عبيدة الحذّاء الكليني عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن جميل عن أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: "مَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عليه السلام بِقَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا عَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام لَا تُجَاوِزُوا بِنَا مِثْلَ مَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لِأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ عليه السلام إِنَّمَا قَالُوا رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ"2.

الأولويّات في التسليم:
صحيحة جرّاح المدائنيّ: ... عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ"3.

التسليم على النساء:
صحيحة ربعي بن عبد الله: رواها في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن أبيه عن حمّاد بن عيسى عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُسَلِّمُ عَلَى النِّسَاءِ وَيَرْدُدْنَ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُسَلِّمُ عَلَى النِّسَاءِ وَكَانَ يَكْرَهُ
 

1- المصدر نفسه، ج2، ص 645.
2- المصدر نفسه، ج2، ص 646.
3- المصدر نفسه، ج2، ص 646.
 
 
 
44

34

المحاضرة الثالثة

 أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الشَّابَّةِ مِنْهُنَّ وَيَقُولُ أَتَخَوَّفُ أَنْ يُعْجِبَنِي صَوْتُهَا فَيَدْخُلَ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا أَطْلُبُ مِنَ الْأَجْرِ"1.


حقوق في العِشرة
بعض من حقوق المسلم:
صحيحة ابن رئاب: ... عن اسحاق بن يزيد ومعمّر بن أبي زياد وابن رئاب قالوا: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ شَيْئاً حَتَّى ابْتَدَأَ هُوَ فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ أَلَا سَمَّتُّمْ إِنَّ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعُودَهُ إِذَا اشْتَكَى وَأَنْ يُجِيبَهُ إِذَا دَعَاهُ وَأَنْ يَشْهَدَهُ إِذَا مَاتَ وَأَنْ يُسَمِّتَهُ إِذَا عَطَسَ"2.

توقير الكبير:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَنْ عَرَفَ فَضْلَ كَبِيرٍ لِسِنِّهِ فَوَقَّرَهُ آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ"3.

حقّ الضيف:
موثقة السكونيّ: روى في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن النوفليّ عن السكونيّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ مِنْ حَقِّ الدَّاخِلِ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ أَنْ يَمْشُوا مَعَهُ هُنَيْئَةً إِذَا
 

1- المصدر نفسه، ج2، ص 648.
2- المصدر نفسه، ج2، ص 653.
3- المصدر نفسه، ج2، ص 658.
 
 
 
45

35

المحاضرة الثالثة

 دَخَلَ وَإِذَا خَرَجَ. وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي بَيْتِهِ فَهُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ.."1.


حق الجوار وحدود الجار:
أ. صحيحة جميل بن دراج: ... عن أبي جعفر عليه السلام قال: "حَدُّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَاراً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ.."2.

ب. علامة جار السوء: عن أبي جعفر عليه السلام قال: "مِنَ الْقَوَاصِمِ الْفَوَاقِرِ الَّتِي تَقْصِمُ الظَّهْرَ جَارُ السَّوْءِ إِنْ رَأَى حَسَنَةً أَخْفَاهَا وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً أَفْشَاهَا"3.

الفاقرة: الداهية يقال فقرته الفاقرة أي كسرت فقار ظهره. وقال: قصمت الشيء قصماً إذا كسرته.

ج. رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى فاطمة عليها السلام: عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "جَاءَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام تَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بَعْضَ أَمْرِهَا فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم كُرَيْسَةً وَقَالَ تَعَلَّمِي مَا فِيهَا فَإِذَا فِيهَا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَسْكُتْ.."4.
 

1- المصدر نفسه، ج2، ص 659.
2- المصدر نفسه، ج2، ص 669.
3- المصدر نفسه، ج2، ص 668.
4- المصدر نفسه، ج2، ص 667.
 
 
46

 


36

المحاضرة الثالثة

 د. حرمة الجار: عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: "قَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عليه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم كَتَبَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ أَنَّ الْجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرُ مُضَارٍّ وَلَا آثِمٍ وَحُرْمَةُ الْجَارِ عَلَى الْجَارِ كَحُرْمَةِ أُمِّه.."1.

 


1- المصدر نفسه، ج2، ص 666.

 

 

 

47


37

المحاضرة الرابعة

 المحاضرة الرابعة

الحياء خُلق الإسلام


الهدف العام
التعرّف على دور الحياء في تربية الإنسان في علاقته بربه وبالناس.

المحاور الرئيسة
- الحياء من الإيمان
- إذا ذهب الحياء ذهب الإيمان
- الحياء عاصم من العيب
- مواطن لا حياء فيها
- من حياء أمير المؤمنين وبالغ زهده
 
 
 
 
49

38

المحاضرة الرابعة

 تصدير الموضوع


رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ لِكُلِّ دين خُلُقاً، وإنَّ خُلُق الإسلام الحياء".

تمهيد
من صفات المسلم الحريص على طاعة ربِّه "الحياء"، فإنَّهُ خَيْرٌ كلُّه، كما ورد في النُّصوص الشريفة، فينضبط المتديِّن في قوله وفعله وشكله ضمن الموازين الشرعية والأعراف المحمودة السائدة، وذلك بترك ما يُخجل منه. روي عن علي عليه السلام قال: "وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ، وَيُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَةِ"1.

الحياء من الإيمان:
لا ننسى أنَّ ربَّنا سبحانه حَييٌّ، ونبيَّنا كان كثير الحياء موصوفاً بهذه الصِّفة حَتَّى أنَّهُ اشتُهر بها، رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنَّة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النَّار"2.

و"إنَّ لِكُلِّ دين خُلُقاً، وإنَّ خُلُق الإسلام الحياء"3.
 

1- الرضي، السيد محمد بن حسين، نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام -، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، دار الهجرة، إيران - قم، 1414ه‏، ط1، ص 459.
2- ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، إيران - قم، 1404ه‏، ط2، ص 394.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 8، ص 465.
 
 
 
50

39

المحاضرة الرابعة

 وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ كساه الحياء ثوبه خفي على النَّاس عيبه"1.


وكتب الإمام الصَّادق عليه السلام إلى أصحابه: "... وعليكم بالحياء والتنزُّه عمَّا تنزَّه عنه الصالحون قبلكم"2.

إذا ذهب الحياء ذهب الإيمان:
روي عن علي عليه السلام قوله: "لَا إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ وَالصَّبْرِ"3.

ورُوي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء هو الدِّين كلُّه"4.

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تَبِعَهُ صاحبه"5.

وعن الإمام الصَّادق عليه السلام: "لا إيمان لِمَنْ لا حياء له"6.

يقول الشيخ الأنصاري الَّذِي أوصى الإمام الخميني بقراءة كتابه (منازل السائرين): "قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾7.

في الآية إشعار بأنَّ الحياء ينشأ من الإيمان، وأنَّ الله يرى عبده "فإنْ لم تكن تراه فإنَّهُ يراك".
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 8، ص 23.
2- المصدر نفسه، ج8، ص 2.
3- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 488.
4- المتقي الهندي، كنز العمال، مصدر سابق، ج 3، ص 119.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 106.
6- المصدر نفسه.
7- سورة العلق، الآية 14.
 
 
 
51

40

المحاضرة الرابعة

 الحياء عاصم من العيب:

أ. روي عن علي عليه السلام قوله: "مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُ"1.
ب. وعنه عليه السلام: "مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ، وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ، وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ"2.
ج. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما كان الفُحْش في شيءٍ قط إلاَّ شانه، ولا كان الحياء في شيءٍ قط إلاَّ زانه"3.
د. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الله يُحبُّ الحيِيَّ المتعفِّف، ويُبْغض البذيء السائل المُلْحف"4.

مواطن لا حياء فيها:
أ. التعلم: عن الإمام علي عليه السلام: "وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الشَّيْ‏ءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ"5.

فالجهل مُردٍ، ومفتاح العلم المسألة والتعلم، وما التخبط والضلال إلا بترك العلم والمعرفة، والإنسان لم يولد عالماً، فحياؤه بقاؤه جاهلاً "مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ"6. فلا بد له
 

1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 508.
2- المصدر نفسه، ص 536.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 334.
4- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأمالي، دار الثقافة، إيران - قم، 1414ه‏، ط1، ص 39.
5- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 483.
6- عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام . الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 106.
 
 
 
52

41

المحاضرة الرابعة

 من رفع نقيصته، وبلوغه كماله من التزود بما يرفع ذلك ويرقيه إلى ما يليق به.


ب. القول بغير علم: عن الإمام علي عليه السلام: "وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ"1.

و"مَنْ تَرَكَ قَوْلَ (لَا أَدْرِي) أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ"2.

ج. إعطاء القليل: عن الإمام علي عليه السلام: "لَا تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ"3.

د. مواطن تحصيل الخير: عن الإمام علي عليه السلام: "قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ، وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ"4.

ه. ومما يستحى منه: الفرار من الزحف: عن الإمام علي عليه السلام: "وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ، وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ"5.

من حياء أمير المؤمنين وبالغ زهده:
ما ورد عنه عليه السلام "وَاللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي6 هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا، وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ أَلَا تَنْبِذُهَا عَنْكَ؟ فَقُلْتُ: اغْرُبْ7 عَنِّي فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى"8.
 

1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 482.
2- المصدر نفسه، ص 482.
3- المصدر نفسه، ص 479.
4- المصدر نفسه، ص 471.
5- المصدر نفسه، ص 97.
6- المِدرعة: ثوب من صوف.
7- اغْرُبْ: اذهب وأبعد.
8- المصدر نفسه، ص 229.
 
 
53

42

المحاضرة الخامسة

 المحاضرة الخامسة: الموت خير واعظ


الهدف العام
التعرّف على مؤثرية الموت في تربية الإنسان من خلال ما ورد في نهج البلاغة.

المحاور الرئيسة
- سرعة سفر أهل الدنيا
- شوق اللقاء والأنس بالموت
- أثر ذكر الموت في التربية
- فوائد ذكر الموت
- حتميّة الموت للإنسان
- سرعة انقضاء الدنيا وحلول الموت
- الاستعداد للموت
 
 
 
 
55

43

المحاضرة الخامسة

 تصدير الموضوع


عن أمير المؤمنين عليه السلام: "وَبَادِرُوا الْمَوْتَ وَغَمَرَاتِهِ، وَامْهَدُوا لَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَأَعِدُّوا لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ... وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ، وَمَدِينُونَ بِمَا قَدَّمْتُمْ، وَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكُمُ الْمَخُوفُ، فَلَا رَجْعَةً تَنَالُونَ، وَلَاعَثْرَةً تُقَالُونَ"1.

سرعة سفر أهل الدنيا:
يؤكّد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة أنّ الإنسان في هذه الدنيا مسافر، وسيرحل عنها إلى داره ومقره، حيث قال: "وَأَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ عَلَى سَفَرٍ مِنْ دَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَقَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالِارْتِحَالِ وَأُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ"2.

وقال عليه السلام أيضاً: "فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهَا [أي الدنيا] كَسَفْرٍ سَلَكُوا سَبِيلًا فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ، وَأَمُّوا عَلَماً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوهُ..."3.

وقال أيضاً: "إِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ بَيْنَا هُمْ حَلُّوا إِذْ صَاحَ بِهِمْ سَائِقُهُمْ فَارْتَحَلُوا"4.

شوق اللقاء والأنس بالموت:
إنّ شوق اللقاء والأنس بالموت لمن أبرز صفات الأولياء. وهذا
 

1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 281.
2- المصدر نفسه، ص 266، الخطبة رقم: 98.
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 98.
4- المصدر نفسه، قصار الحكم، رقم 403.
 
 
 
56

44

المحاضرة الخامسة

 الشوق نراه في أمير المؤمنين عليه السلام حيث كان يقول: "وَاللَّهِ لَابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ"1 ويقول أيضاً: "وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ لَمُشْتَاقٌ وَحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌرَاجٍ"2 ويقول تارة أخرى: "وَإِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاقٍ إِلَيَّ الْمَوْتُ"3.


ولمّا بشّره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشهادة، وسأله عن صبره حينذاك قال عليه السلام: "يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، وَلَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَالشُّكْرِ"4.

وهذا الخُلق تجسد في أولاده وأحفاده، ولذا نرى القاسم ابن الإمام الحسن عليهما السلام في كربلاء رابط الجأش مستبشراً ببشارة الشهادة وقائلاً لعمه الحسين عليه السلام لما سأله عن الموت: "يا عم أحلى من العسل"5، وهكذا كان أصحاب الحسين عليه السلام حيث وصفهم بقوله: "يستأنسونبالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمّه"6.

وقال عليه السلام: "وَلَوْلَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ"7.

وقال عليه السلام: "أَيْنَ عَمَّار،ٌ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ، وَأَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ،
 

1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 5.
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 62.
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 180.
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 156.
5- البحراني،مدينة المعاجز، مصدر سابق، ج4، ص٢١٥.
6- شرف الدين، السيد عبد الحسين، المجالس الفاخرة، مؤسسة المعارف الإسلامية، إيران - قم،1421ه، ط1، ص231.
7- نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة رقم: 193.
 
 
 
57

45

المحاضرة الخامسة

 وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ"1. فهؤلاء هم الذين "صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى"2.


ويركّز أمير المؤمنين عليه السلام في استذكار نِعَمِ الله تعالى في الجنّة، فيقول: "شوّقوا أنفسكم إلى نعيم الجنّة تحبوا الموت وتمقتوا الحياة"3.

ويقول عليه السلام أيضاً بعدما وصف الجنّة: "فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَى مَا يَهْجُمُ عَلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ، لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهَا، وَلَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِي هَذَا إِلَى مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالًا بِهَا"4.

ومع هذا كله فأمير المؤمنين عليه السلام يلفت انتباهنا إلى نقطة مهمة، وهي أن لا نتمنى الموت قبل أن نستعد له، فقد قال عليه السلام: "وَلَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلَّا بِشَرْطٍ وَثِيقٍ"5 أي لا تتمنّ الموت إلّا وأنت واثق من أعمالك الصالحة، وتحصيل ما يوجب رفع الدرجات في الآخرة.

أثر ذكر الموت في التربية:
إنّ من أهم دواعي التنفير من الدنيا والتزود للأخرى ذكر الموت. قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للإمام الحسن عليه السلام: "يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ،
 

1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 182.
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 137.
3- التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيد مهدي رجائي‏، نشر دار الكتاب الإسلامي‏، إيران- قم‏، 1410ه‏، ط2، رقم 5779، ص 414.
4- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 165.
5- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 69.
 
 
 
58

46

المحاضرة الخامسة

 حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ، وَشَدَدْتَ لَهُأَزْرَكَ، وَلَا يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ"1. ويقول أيضاً: "طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَاد،َ وَعَمِلَ لِلْحِسَابِ"2.


ويوصي عليه السلام المسلمين عموماً ويقول: "وَأُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَإِقْلَالِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ، وَكَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ، وَطَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ"3 وأيضاً: "أَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ"4.

وقد وصف عليه السلام خلّص صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: "وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِم"5.

فوائد ذكر الموت:
ولذكر الموت فوائد كثيرة ومنافع جمة، وقد ورد ذكر بعضها في نهج البلاغة وهي:
أ. ترك اللهو واللعب: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ"6.

ب. ترك الشهوات والملاذ الدنيوية: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أَلَا فَاذْكُرُوا هَادِمَ اللَّذَّاتِ، وَمُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ، وَقَاطِعَ الْأُمْنِيَاتِ
 

1- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 31.
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 39.
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 188.
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 112.
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 96.
6- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 138.
 
 
 
59

47

المحاضرة الخامسة

 عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ لِلْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ"1. وقال عليه السلام: "فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ، وَمُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ، وَمُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ"2. وقال عليه السلام: "اذْكُرُوا انْقِطَاعَ اللَّذَّاتِ، وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ"3.


ج. خشوع القلب: قال أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: "وَأَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ... وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ"4. وقال: "وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ، وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ"5.

د. القناعة: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ"6.

حتميّة الموت للإنسان:
إنّ من نتائج الانغمار في ملاذ الدنيا نسيان الموت، رغم ما نرى من كثرة الموتى حولنا، فكأنّ الموت فيها على غيرنا كُتب. وهذه آفة لا بدّ أن نتخلص منها ونتيقن بأنّنا ميتون. وتقريراً لذلك يذكر أمير المؤمنين عليه السلام شواهد ممن مات من الأنبياء والعظماء ويقول: "فَلَوْ أَنَّأَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا، لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عليه السلام الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وَعَظِيمِ الزُّلْفَةِ، فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ، وَاسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ، رَمَتْهُ قِسِيُّ الْفَنَاءِ بِنِبَالِ
 

1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 98.
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 229.
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 421.
4- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 31.
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 32.
6- المصدر نفسه، قصار الحكم: 339.
 
 
 
60

48

المحاضرة الخامسة

 الْمَوْتِ، وَأَصْبَحَتِا  لدِّيَارُ مِنْهُ خَالِيَةً، وَالْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً، وَوَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ، وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْقُرُونِ السَّالِفَةِ لَعِبْرَةً"1.


والموت يلازمنا ولا ينجو منه أحد، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ، وَلَا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ"2 "وَالدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ، وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلَاءُ "3.

وهذه الحتمية وهذا اللزوم لا ينفعه الفرار، إذ إنّ "الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ، وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ"4 والموت "طَالِبٌ حَثِيثٌ لَا يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ، وَلَا يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ"5. وقد قال عليه السلام أيضاً: "وَأَنْتُمْ طُرَدَاءُ الْمَوْتِ، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَكُمْ، وَإِنْ فَرَرْتُمْمِنْهُ أَدْرَكَكُمْ، وَهُوَ أَلْزَمُ لَكُمْ مِنْ ظِلِّكُمْ، الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ، وَالدُّنْيَا تُطْوَى مِنْ خَلْفِكُمْ"6. وأخيراً يوصي ابنه الإمام الحسن عليه السلام ويذكّره ويقول له: "وَأَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لَا يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ، وَلَا يَفُوتُهُ طَالِبُهُ، وَلَا بُدَّ أَنَّهُمُدْرِكُهُ"7.

سرعة انقضاء الدنيا وحلول الموت:
إنّ كلام أمير المؤمنين عليه السلام مشحون بتذكير سرعة انقضاء الدنيا وحلول الموت، فيقول عليه السلام: "إِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ، مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ، وَأَسْرَعَ
 

1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 182.
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 38.
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 45.
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 149.
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 122.
6- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 27.
7- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 31.
 
 
 
 
61

49

المحاضرة الخامسة

 الْأَيَّامَ فِي الشَّهْر،ِ وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ، وَأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ"1.


ويقول: "الرَّحِيلُ وَشِيكٌ"2 "مَا أَقْرَبَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ، وَأَبْعَدَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُ"3 "وَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ، وَقَلِيلِ مُقَامِهِ فِي مَنْزِلٍ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلًا"4 "إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَارٍوَالْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ فَمَا أَسْرَعَ الْمُلْتَقَى"5. ويحذرنا عليه السلام ويقول: "فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ الْمَوْتَ وَقُرْبَهُ"6

ويقول: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ"7.

الاستعداد للموت:
بعدما قررنا قلوبنا بالفناء، وأثبتنا لها الموت وسرعة حلوله، لا بدّ أن نستعد له ونأخذ حذرنا منه، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ، وَكُونُوا قَوْماً صِيحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا، وَعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا، فَإِنَّ اللَّهَسُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى، وَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ
 

1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 188.
2- المصدر نفسه، قصار الحكم: 177.
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم:113.
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 214.
5- المصدر نفسه، قصار الحكم: 490.
6- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 27.
7- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 28.
 
 
 
62

50

المحاضرة الخامسة

 إِلَّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ... وَإِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ الْعُدَّةِ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْغَداً"1.


ويقول: "تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ، وَأَقِلُّوا الْعُرْجَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَانْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ2. ويقول عليه السلام: "فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ الْمَوْتَ وَقُرْبَهُ، وَأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَخَطْبٍ جَلِيلٍ،بِخَيْرٍ لَا يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَداً، أَوْ شَرٍّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً"3.
 

1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 63.
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 204.
3- المصدر نفسه، الكتاب رقم: 27.
 
 
 
63

51

المحاضرة السادسة

 المحاضرة السادسة: سكرة الموت وأهوال القبر


الهدف العام
التعرف على أحوال المحتضر وأهوال القبر والاعتبار منها.

المحاور الرئيسة
- الاحتضار وسكرة الموت
- وصف حال المحتضر
- ظهور علامات الموت على المحتضر
- هول شدائد الاحتضار
- أهوال القبر
- وحشة القبر وضيقه وغربته
- القبر بيت الوحدة
- ضغطة القبر
- المساءلة في القبر
 
 
 
 
65

52

المحاضرة السادسة

 تصدير الموضوع


روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ، حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبينَ، وَأُنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّاراً، وَكَأَنَّ الْآخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَهُمْ دَاراً، أَوْحَشُوا مَا كَانُوا يُوطِنُونَ، وَأَوْطَنُوا مَا كَانُوايُوحِشُونَ"1.

الاحتضار وسكرة الموت:
قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ2.

وقال تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ3.

ابتداء من الاحتضار تبدأ رحلة الإنسان الأخروية، وهي عقبة مهولة ومصيرية، إما إلى الجنّة وإمّا إلى النار، وحقيق بالإنسان أن يستعد لها، ويطيل النظر حولها ليسلم من فزعاتها، إذ "إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ، أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَىعُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا"4.

أ. وصف حال المحتضر:
قال عليه السلام: "فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ، اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ،
 

1- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 188.
2- سورة ق، الآية 19.
3- سورة القيامة، الآيات 26 - 30.
4- نهج البلاغة، الخطبة رقم: 220.
 
 
 
66

53

المحاضرة السادسة

 وَحَسْرَةُ الْفَوْتِ، فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ، وَتَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ، ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاً، فَحِيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ مَنْطِقِهِ، وَإِنَّهُ لَبَيْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ،وَيَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ، وَبَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ، يُفَكِّرُ فِيمَ أَفْنَى عُمُرَهُ، وَفِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ،... فَلَمْ يَزَلِ الْمَوْتُ يُبَالِغُ فِي جَسَدِهِ حَتَّى خَالَطَ لِسَانَهُ وسَمْعَهُ، فَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ لَا يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ، وَلَا يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ، يُرَدِّدُ طَرْفَهُبِالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ، يَرَى حَرَكَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يَسْمَعُ رَجْعَ كَلَامِهِمْ، ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ الْتِيَاطاً بِهِ، فَقُبِضَ بَصَرُهُ كَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ، وَخَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ، فَصَارَ جِيفَةً بَيْنَ أَهْلِهِ، قَدْ أَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهِ، وَتَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ، لَايُسْعِدُ بَاكِياً، وَلَا يُجِيبُ دَاعِياً"1.


ب. ظهور علامات الموت على المحتضر:
ويصف عليه السلام الإنسان حال كونه طريح الفراش قد أيس منه أهله وأصدقاؤه: "فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا وَتَرْكِ الْأَحِبَّةِ، إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ، فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ، وَيَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ، فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِعَرَفَهُ فَعَيَّ عَنْ رَدِّهِ، وَدُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ، مِنْ كَبِيرٍ كَانَ يُعَظِّمُهُ، أَوْ صَغِيرٍ كَانَ يَرْحَمُهُ، وَإِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ، أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا"2.
 

1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 108.
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 220.
 
 
 
67

 


54

المحاضرة السادسة

 ه. المساءلة في القبر: من الشدائد التي تواجه الإنسان في القبر سؤال منكر ونكير إياه ومحاسبته، ولذا يُلقّن الميّت قبل الدفن وبعد الدفن. قال أمير المؤمنين عليه السلام: "حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ، وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ، أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ، وَعَثْرَةِالِامْتِحَانِ"1.

 


1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 220.

 

67


55

المحاضرة السادسة

 وقال عليه السلام: "فَيُوشِكُ أَنْ تَغْشَاكُمْ دَوَاجِي ظُلَلِهِ، وَاحْتِدَامُ عِلَلِهِ، وَحَنَادِسُ غَمَرَاتِهِ، وَغَوَاشِي سَكَرَاتِهِ، وَأَلِيمُ إِرْهَاقِهِ، وَدُجُوُّ أَطْبَاقِهِ، وَجُشُوبَةُ مَذَاقِهِ"1.


ج. هول شدائد الاحتضار:
وقال عليه السلام أيضاً في وصف تلك الشدائد: "فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ وَسَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ، وَلَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا، وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ"2.

أهوال القبر
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وَاذْكُرْ قَبْرَكَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ"3. ولما كان راجعاً من صفين مرّ على قبور بظاهر الكوفة فخاطبهم وقال: "يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ، وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ، وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ، يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ،يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لَاحِقٌ"4.

أ. وحشة القبر وضيقه وغربته: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ، قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ، وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ... وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً، وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً... ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً، وَجُذِبَ
 

1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 229.
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 20.
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 153.
4- المصدر نفسه، قصار الحكم: 123.
 
 
 
68

56

المحاضرة السادسة

 مُنْقَاد اًسَلِساً، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ، وَنِضْوَ سَقَمٍ، تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ، وَحَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ، وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ"1. 


ب. القبر بيت الوحدة: قال عليه السلام: "فَكَأَنَّ كُلَّ امْرِئٍ مِنْكُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ، وَمَخَطَّ حُفْرَتِهِ، فَيَا لَهُ مِنْ بَيْتِ وَحْدَةٍ، وَمَنْزِلِ وَحْشَةٍ، وَمُفْرَدِ غُرْبَةٍ"2.

ج. ضغطة القبر: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وَقَبْلَ بُلُوغِ الْغَايَةِ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ ضِيقِ الْأَرْمَاسِ... وَاخْتِلَافِ الْأَضْلَاعِ، وَاسْتِكَاكِ الْأَسْمَاعِ، وَظُلْمَةِ اللَّحْدِ، وَخِيفَةِ الْوَعْدِ، وَغَمِّ الضَّرِيحِ، وَرَدْمِ الصَّفِيحِ"3.

وقال عليه السلام: "وَكَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ... وَضَمَّكُمْ ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ"4.

د. تناخر الأجسام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ، وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ، وَعَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ، وَمَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ، وَصَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا، وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا"5.
 

1- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 110.
2- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 157.
3- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 190.
4- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 225.
5- المصدر نفسه، الخطبة رقم: 82.
 
 
 
69

57

المحاضرة السابعة

 المحاضرة السابعة: حفظ الإنسان بصون اللِّسان


الهدف العام
التعرَّف إلى قيمة اللِّسان ودوره في صون الإنسان أو ضياعه وانحرافه، والميزان الصحيح بين السُّكوت والكلام.

المحاور الرئيسة
- اللِّسان، قيمته وخطره
- اللِّسان والإيمان
- آفات اللِّسان
- عذاب اللِّسان
- كيف نستفيد من اللسان؟
- أيُّهما أفضل الكلام أم الصَّمت؟
 
 
 
 
71

58

المحاضرة السابعة

 تصدير الموضوع


قال الشاعر:
احـفظ لســانك أيهـا الإنســـــان
                             لا يلـــدغـنـّـك إنـــه ثعــبــان
كـم فـي المقابــر مـن قتيل لسـانه
                             كـانت تخـاف لقـاءه الشــجعــان

اللِّسان، قيمته وخطره:
اللسان مظهر إبداع الخلقة، وعجيب الصنعة، كما قال علي عليه السلام: "اعْجَبُوا لِهَذَا الْإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ وَيَسْمَعُ بِعَظْمٍ وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ"1.

وهو المعبر الحاكي، والمترجم الراوي لخلجات النفس وما يجول في الفكر. وهو جالب المحبّة، وباعث الفتنة، من أعظم الجوارح فعلاً وتأثيراً.

جراحاتُ السنانِ لها التئامٌ
                             ولا يلتامُ ما جرحَ اللسانُ

سأل سائل رسول الله، قال يا رسول الله أوصني، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "احفظ لسانك، وَيْحكَ وهل يَكُبُّ النّاس على مناخرهم في النّار إلّا حَصائِدُ ألسنتهم"2.
 

1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 470.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 115.
 
 
 
72

59

المحاضرة السابعة

 وعن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام أنّه قال: "إنّ لسان ابن آدم يشرف كلّ يوم على جوارحه، كلّ صباح، فيقول: كيف أصبحتم فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون: الله الله فينا ويناشدونه ويقولون إنّما نُثاب ونعاقب بِك"1.


وعن الإمام عليّ عليه السلام: "اللِّسان سَبُعٌ إن خُلِّيَ عَقَر"2.

ومثله أيضاً ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "كم من دم سفكه فم"3.

وعنه عليه السلام: "إنّ أكثر خطايا ابن ادم في لسانه"4.

اللِّسان والإيمان:
لا شكّ في أنّ الإيمان الحقيقيّ موطنه في القلب، واللِّسان ترجمان هذا القلب، فما يظهر على اللِّسان غالباً ما يكون تجلّياً لما يُضمر في القلب. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه، فمن استطاع منكم أن يلقى الله، سبحانه، وهو نقيّ الرّاحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللِّسان من أعراضهم فليفعل"5.
 

1- المصدر نفسه، ج 2، ص 115.
2- نهج البلاغة محمد عبده-، مصدر سابق، ج 4، ص 15، باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام ، الحكمة 60.
3- غرر الحكم، مصدر سابق، الحديث الحكمة- 4158، ص 512.
4- المتقي الهندي، كنز العمال، مصدر سابق، ج 3، ص 556.
5- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 292.
 
 
 
73

60

المحاضرة السابعة

 قال الشّاعر:

إنّ الكـلام لـفـي الـفـؤاد وإنـّمـا
                        جـُعـل اللِّسانُ على الـفـؤاد دليلا

آفات اللِّسان:
اللِّسان جارحة لها الصّدارة في الخطورة بين الجوارح، وتعتريه الكثير من الآفات والموبقات الواجب اجتنابها والحذر منها، منها:
أ. الخوض في الباطل: يقول المولى الكريم حكاية عن بعض أهل النَّار قولهم ﴿كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾1، والمراد منه الدُّخول في أيّ حديث وأيّ كلام، بلا حساب ولا تدبر ولا وعي. وقد ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أعظم الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضاً في الباطل"2.

ب. المراء والمجادلة: ورد في الحديث عن الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتّى يدع المراء، وإن كان محقّاً"3.

ج. الفحش والسّبّ واللّعن: عن الرّسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا اللّعان، ولا الفاحش، ولا البذيء"4.
 

1- سورة المدثر، الآية 45.
2- المتقي الهندي، كنز العمال، مصدر سابق، ج3، ص566، الحديث 7932.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج2، ص138.
4- الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1408ه - 1988م، لا.ط، ج 1، ص 97.
 
 
 
74

61

المحاضرة السابعة

 وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ من شرار عباد الله من تكره مجالسته لفحشه"1.


د. السُّخرية والاستهزاء: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ2.

ه. إفشاء السّرّ: السّرّ من أعظم الأمانات وإفشاؤه خيانة، والله لا يحبّ الخائنين. ورد في الحديث النَّبويّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي ذرّ رضوان الله عليه: "يـا أبـا ذرّ، المَجـالِس بِالأمـانَةِ، وإفشَـاءُ سرّ أَخِيكَ خِيـانَة"3.

و. الكذب: وهو من أعظم الخطايا، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أعظم الخطايا اللِّسان الكذوب"4.

ز. الغيبة: ورد النَّهي الصّريح عنها في القرآن الكريم: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ5. وروي عن الإمام الصَّادق عليه السلام أنّه قال: "من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه، وهدم مروءته، ليسقط عن أعين النّاس، أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشَّيطان فلا يقبله الشَّيطان"6.
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 22، ص 131.
2- سورة الحجرات، الآية 11.
3- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج12، ص307.
4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص135.
5- سورة الحجرات، الآية 12.
6- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص358.
 
 
 
75

62

المحاضرة السابعة

 عذاب اللِّسان:

روي عن الإمام الصَّادق عليه السلام قال: قال رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم: "يعذِّب الله اللِّسان بعذاب لا يعذِّب به شيئاً من الجوارح، فيقول: أي ربِّ عذَّبتني بعذاب لم تعذِّب به شيئاً، فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسُفك بها الدَّم الحرام، وانتُهب بها المال الحرام، وانتُهك بها الفرج الحرام، وعزَّتي وجلالي، لأعذِّبنَّك بعذاب لا أعذِّب به شيئاً من جوارحك"1.

كيف نستفيد من اللسان؟:
يجب العودة إلى توجيهات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام في كيفية الاستفادة من اللسان، حيث ورد عنهم:
أ. قول الخير دائماً: يقول تعالى في ذلك: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 2. وعن رسول‏ الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت"3.

ب. ذكر الله: فاللِّسان آلة ذكر الله. وقد جاء الأمر في الذِّكر الحكيم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا4.

ج. التَّفَكُّر قبل الكلام: ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "وإنَّ لسان المؤمن وراء قلبه، وإن قلب المنافق من وراء لسانه؛ لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلَّم بكلام تدبَّره في نفسه،
 
 

1- المصدر نفسه، ج2، ص 115.
2- سورة الإسراء، الآية53.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص667.
4- سورة الأحزاب، الآية41.
 
 
 
 
76

63

المحاضرة السابعة

 فإن كان خيراً أبداه، وإن كان شرّاً واراه، وإن المنافق يتكلَّم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه"1.


د. الصَّمت والسُّكوت: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من صمت نجا"2.

وعن النّبيِّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الصَّمت عبادة لمن ذكر الله"3.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "واجعلوا اللِّسان واحداً وليخزن الرَّجل لسانه، فإنّ هذا اللِّسان جموح بصاحبه، والله، ما أرى عبداً يتقي تقوى تنفعه حتى يختزن لسانه"4.

وعن النَّبيِّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكراً، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة"5.

وعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "إنَّ لله عباداً كسرت قلوبهم خشية الله، فأسكتتهم عن النِّطق وإنّهم لفصحاء عقلاء يستبقون إلى الله بالأعمال الزكيّة..."6.

أيُّهما أفضل الكلام أم الصَّمت؟:
روي عن النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: "السُّكوت خير من إملاء الشرّ وإملاء الخير خير من السُّكوت"7.
 
 

1- نهج البلاغة محمد عبده-، مصدر سابق، ج 2، ص 94، الخطبة 176.
2- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج12، ص251.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 294.
4- نهج البلاغة محمد عبده-، مصدر سابق، ج 2، ص 93، الخطبة 176.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص237.
6- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 12، ص 199.
7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 294.
 
 
 
 
77

64

المحاضرة السابعة

 وسئل الإمام زين العابدين عليه السلام عن الكلام والسُّكوت أيُّهما أفضل؟ فقال عليه السلام: "لكلِّ واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السُّكوت. قيل: كيف ذلك يا بن رسول الله؟ قال عليه السلام: "لأنَّ الله، عزّ وجلّ، ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسُّكوت، إنَّما بعثهم بالكلام، ولا استُحقت الجنّة بالسُّكوت، ولا استُوجبت ولاية الله بالسُّكوت ولا تُوِقِّيَتْ النَّار بالسُّكوت، إنّما ذلك كله بالكلام"1.


وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "ألا وإنَّ اللِّسان الصَّالح، يجعله الله للمرء، خير له من المال يورثه من لا يحمده"2.

وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام في رسالة الحقوق: "وأمّا حقّ اللِّسان فإكرامه عن الْخَنَى3، وتَعْوِيدهُ الخَيْرَ، وحَملُهُ على الأدب، وإِجْمَامُهُ4، إلّا لموضع الحاجة والمنفعة للدّين والدّنيا، وإعفاؤه عن الفضول الشَّنِعَةِ5 القليلة الفائدة الّتي لا يؤمن ضررها مع قلّة عائدتها، ويعدّ شاهد العقل والدّليل عليه، وتزَيّن العاقل بعقله، (و) حُسْنُ سيرته في لسانه، ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم"6.
 

1- المصدر نفسه، ج 68، ص 274.
2- نهج البلاغة محمد عبده-، مصدر سابق، ج 1، ص 233، الخطبة 120.
3- الخنى: الفحش في الكلام.
4- الإجمام: الإراحة.
5- الشّنعة: القبيح.
6- رسالة الحقوق للإمام زين العابدين. راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 71، ص 11-.
 
 
 
78

65

المحاضرة الثامنة

 المحاضرة الثامنة: التمحيص والإبتلاء


الهدف العام
فهم دور البلاء والتمحيص في تربية المؤمن وتهذيب سلوكه وعلاقته بالله تعالى.

المحاور الرئيسة
- التمحيص والابتلاء سنّة الأنبياء
- سرعة البلاء إلى المؤمن
- أسرار ابتلاء المؤمنين
- تعجيل تمحيص المؤمن
- تنوّع تمحيص المؤمنين
- فضل الرضى بالبلوى وترك الشكوى
 
 
 
 
79

66

المحاضرة الثامنة

 تصدير الموضوع


عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ العبد المؤمن ليكون له عند الله الدرجة لا يبلغها بعمله فيبتليه الله في جسده، أو يصاب بماله، أو يصاب في ولده، فإن هو صبر بلّغه الله إياها"1.

تمهيد
من جملة السُّنن التي جعلها الله جلَّ جلاله في خلقه، سُنَّة البلاء، التي لا ينجو منها بشر ليُمْتَحَنَ ويُخْتَبَر.

فكُلُّ ما يَمْتَحِنُ الله سبحانه عباده به يُسمَّى بلاءً، إنْ كان خيراً أَم شرّاً، قال عزّ وجلّ: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾2 كالأمراض والفقر والموت والعدوّ والحسد والوجع والنقص في الأموال والأنفس والثمرات... والجاه والزعامة والمسؤولية. قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾3.

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾4.
 

1- ابن همام الإسكافي، محمد بن همام بن سهيل‏، التمحيص‏، تحقيق وتصحيح ونشر مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، إيران - قم‏، 1404ه‏، ط1، ص 58.
2- سورة الأنبياء، الآية 35.
3- سورة الملك، الآيتان 1 – 2.
4- سورة البقرة، الآية 155.
 
 
 
80

67

المحاضرة الثامنة

 وورد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام: "إنَّ الله تعالى ليتعاهَدُ المؤمنَ بالبلاء كما يتعاهدُ الرجلُ أهلَهُ بالهدية من الغَيْبة، ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيبُ المريض"1.


التمحيص والابتلاء سنّة الأنبياء:
الدنيا للمؤمنين ليست بدار بقاء ومقام، إنّما دار تمحيص وامتحان، قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ2. فكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل. ألم يأتِ عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ما اُوذي أحد مثل ما اُوذيت"3 وورد عن الصادق عليه السلام: "إنّ أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الأمثل فالأمثل"4 من الأوصياء والأولياء؟

سرعة البلاء إلى المؤمن:
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان عليّ عليه السلام يقول: "إنّ البلاء أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي"5.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 255.
2- سورة العنكبوت، الآيتان 2 – 3.
3- المتقي الهندي، كنز العمال، مصدر سابق، ج 3، ص 130.
4- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 252. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 67، ص 200.
5- ابن همام الإسكافي، التمحيص‏، مصدر سابق، ص 30. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 64، ص 239.
 
 
 
81

68

المحاضرة الثامنة

 عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر عليه السلام: "يا زياد إنّ الله يتعهّد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهّد الغائب أهله بالهديّة، ويحميه الدّنيا كما يحمي الطبيب المريض"1.


عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: "المؤمن مثل كفّتي الميزان، كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه"2.

عن أبي عبد الله عليه السلام: عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "لا يبقى المؤمن أربعين صباحاً لا يتعهّده الربّ بوجع في جسده، أو ذهاب مال، أو مصيبة يأجره الله عليها"3.

أسرار ابتلاء المؤمنين:
يظهر للمتأمّل في الروايات أن الله يرعى عبده المؤمن، فيبتليه لما هو خير له، ويعطيه لما هو خير له.

أ. الابتلاء خير للمؤمن: روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران: ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن، إنّي إنّما أبتليه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، واُعطيه لما هو خير له وأنا أعلم بما يصلح عليه حال عبدي المؤمن، فليرض بقضائي، وليشكر نعمائي، وليصبر على بلائي، أكتبه في الصدّيقين إذا عمل برضائي، وأطاع لأمري"4.
 

1- ابن همام الإسكافي، التمحيص‏، مصدر سابق، ص 31. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 64، ص 240.
2- ابن همام الإسكافي، التمحيص‏، مصدر سابق، ص 31.
3- المصدر نفسه، ص 32.
4- المصدر نفسه، ص 55.
 
 
 
82

69

المحاضرة الثامنة

 ب. الابتلاء قرب من الله: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه وتعهّده بالبلاء، كما يتعهّد المريض أهله بالطرف ووكّل به ملكين فقال لهما: أسقما بدنه وضيّقا معيشته وعوّقا عليه مطلبه حتّى يدعوني فإنّي اُحبّ صوته، فإذا دعا قال: اُكتبا لعبدي ثواب ما سألني فضاعفاه له حتّى يأتيني، وما عندي خير له. وإذا أبغض عبداً وكّل به ملكين فقال: أصحّا بدنه، ووسّعا عليه في رزقه، وسهّلا له مطلبه وأنسياه ذكري فإنّي أبغض صوته حتّى يأتيني وما عندي شيء له"1.


ج. الابتلاء حماية من النار: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ العبد المؤمن ليطلب الإمارة والتجارة، حتّى إذا أشرف من ذلك على ما كان يهوى بعث الله ملكاً، وقال له: عِقْ عبدي وصدّه عن أمر لو استمكن منه أدخله النار، فَيُقْبل الملك فيصدّه بلطف الله فيصبح وهو يقول: لقد دُهيت ومن دهاني فعل الله به، وقال: ما يدري أن الله الناظر له في ذلك ولو ظفر به أدخله النار"2.

قال أبو جعفر عليه السلام: "ما أُبالي أصبحت فقيراً أو مريضاً أو غنياً، لأنّ الله يقول: لا أفعل بالمؤمن إلاّ ما هو خير له"3.
 

1- ابن همام الإسكافي، التمحيص‏، مصدر سابق، ص 56. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 90، ص 371.
2- ابن همام الإسكافي، التمحيص‏، مصدر سابق، ص 57. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 64، ص 243.
3- ابن همام الإسكافي، التمحيص‏، مصدر سابق، ص 57. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 151.
 
 
 
83

70

المحاضرة الثامنة

 عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الله عزّ وجلّ: "إنّ من عبادي المؤمنين لعباداً لا يصلح لهم أمر دينهم إلاّ بالغنى والسعة والصحة في البدن فأبلوهم بالغنى والسعة وصحة البدن، فيصلح لهم عليه اُمور دينهم.

وإنّ من عبادي المؤمنين لعباداً لا يصلح أمر دينهم إلاّ بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم فيصلح لهم عليه أمر دينهم، قال: وقال الله تعالى: وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي..."1.

تعجيل تمحيص المؤمن:
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "توقّوا الذنوب فما من بليّة ولا نقص رزق إلاّ بذنب حتّى الخدش والنكبة2 والمصيبة فإنّ الله تعالى يقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾"3 4.

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "ما من شيعتنا أحد يقارف أمراً نهيناه عنه فيموت حتّى يبتلى ببليّة تمحّص بها ذنوبه. إمّا في مال أو ولد وامّا في نفسه حتّى يلقى الله مخبتاً وما له من ذنب،
 

1- المصدر نفسه، ص 57.
2- البكة، خ، وفي البحار، الكبوة.
3- سورة الشورى، الآية 30.
4- ابن همام الإسكافي، التمحيص‏، مصدر سابق، ص 37. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 70، ص 362.
 
 
 
84

71

المحاضرة الثامنة

 وانّه ليبقى عليه شيء من ذنوبه فيشدّد عليه عند موته فيمحّص ذنوبه"1.


عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إن الله إذا كان من أمره أن يكرم عبداً وله ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل ذلك ابتلاه بالحاجة، فإن لم يفعل ذلك شدّد عليه الموت ليكافئه بذلك الذنب، وإذا كان من أمره أن يهين عبداً وله عنده حسنة صحّح بدنه، فإن لم يفعل ذلك به وسّع له في معاشه، فإن [هو] لم يفعل هوّن عليه الموت ليكافئه بتلك الحسنة"2.

عن عمر صاحب السابري قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "إنّي لأرى من أصحابنا من يرتكب الذنوب الموبقة فقال لي: يا عمر لا تشنّع على أولياء الله، إنّ وليّنا ليرتكب ذنوباً يستحقّ (بها) من الله العذاب فيبتليه الله في بدنه بالسقم حتّى يمحّص عنه الذنوب، فإن عافاه في بدنه ابتلاه في ماله، فإن عافاه في ماله ابتلاه في ولده، فإن عافاه في ولده ابتلاه في أهله، فإن عافاه في أهله ابتلاه بجار سوء يؤذيه، فإن عافاه من بوائق الدهور شدّد عليه خروج نفسه حتّى يلقى الله حين يلقاه، وهو عنه راض، قد أوجب له الجنّة"3.
 

1- المصدر نفسه، ص 38.
2- المصدر نفسه، ص 38.
3- المصدر نفسه، ص 39.
 
 
 
85

72

المحاضرة الثامنة

 تنوّع تمحيص المؤمنين:

أ. المرض والألم:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما من مؤمن إلاّ وبه وجع في شيء من بدنه، لا يفارقه حتّى يموت، يكون ذلك كفّارة لذنوبه"1.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة إلاّ حطّ الله به من خطاياه"2.

ب. التمحيص بالحزن والهمّ:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لا تزال الغموم و الهموم بالمؤمن حتّى لا تدع له ذنباً"3.
عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنّ العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يكن عنده من العمل ما يكفّرها ابتلاه الله بالحزن ليكفّرها"4.
عن الحارث بن عمر قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إنّ العبد المؤمن ليهمّ في الدنيا حتّى يخرج منها ولا ذنب له"5.

ج. التمحيص بذهاب المال:
عن المفضّل قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "كلّما ازداد العبد إيماناً ازداد ضيقاً في معيشته"6.
 
 

1- المصدر نفسه، ص 42. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 64، ص 242.
2- المصدر نفسه، ص 43.
3- المصدر نفسه، ص 44. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 64، ص 242.
4- المصدر نفسه، ص 44.
5- المصدر نفسه، ص 44.
6- المصدر نفسه، ص 45. الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 261. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 69، ص 49.
 
 
 
86

 


73

المحاضرة الثامنة

 عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "أكرم ما يكون العبد إلى الله أن يطلب درهماً فلا يقدر عليه. قال عبد الله بن سنان، قال أبو عبد الله عليه السلام هذا الكلام وعندي مائة ألف، وأنا اليوم ما أملك درهماً"1.

عن ابن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "المصائب منح من الله، والفقر عند الله مثل الشهادة، ولا يعطيه من عباده إلاّ من أحبّ"2.
عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "مياسير شيعتنا اُمناء على محاويجهم، فاحفظونا فيهم يحفظكم الله"3.

فضل الرضى بالبلوى وترك الشكوى:
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما من مؤمن إلاّ وهو مبتلى ببلاء، منتظر به ما هو أشدّ منه، فإن صبر على البليّة التي هو فيها عافاه الله من البلاء الذي ينتظر به، وإن لم يصبر وجزع نزل من البلاء المنتظر أبداً حتّى يحسن صبره وعزاؤه"4.

عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من ابتُليَ من شيعتنا فصبر عليه كان له أجر ألف شهيد"5.
 

1- المصدر نفسه، ص 45.
2- المصدر نفسه، ص 46. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 69، ص 50.
3- المصدر نفسه، ص 49. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 93، ص 131.
4- المصدر نفسه، ص 59. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 94.
5- المصدر نفسه، ص 59. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 94.
 
 
 
 
87

74

المحاضرة الثامنة

 عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ الله أنعم على قوم فلم يشكروا فصارت عليهم وبالاً، وابتلى قوماً بالمصائب فصبروا، فصارت عليهم نعمة"1.

 


1- المصدر نفسه، ص 60. عنه: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 94.

 

 

 

88


75

المحاضرة التاسعة

 المحاضرة التاسعة: أصول العلاقة الزوجية والأسرية


الهدف العام
التعرف على أصول العلاقة الزوجية والأسرية

المحاور الرئيسة
- تشكيل الأسرة في الإسلام
- أصول العلاقات الزوجية والأسرية
- الأصل الأول: علاقات المودّة
- الأصل الثاني: مراعاة الحقوق والواجبات
- الأصل الثالث: العلاقة الإيجابية بين الأخوة
- الأصل الرابع: التحذير من الطلاق:
- الأصل الخامس: تجنّب إثارة المشاكل والخلافات
 
 
 
 
89

76

المحاضرة التاسعة

 تصدير الموضوع


قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾1.

تشكيل الأسرة في الإسلام
الأسرة هي رابطة اجتماعية تتكوّن من زوج وزوجة وأطفالهما، يحكمها ويسيّر شؤونها نظام حقوق وواجبات. وقد تتسع لتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب على أن يكونوا في معيشة واحدة. والنكاح هو الوسيلة الوحيدة لتشكيل الأسرة، وهو الارتباط المشروع بين الرجل والمرأة، وهو طريق التناسل والحفاظ على الجنس البشري من الانقراض، وفيه يتحصّن الجنسان من جميع ألوان الاضطراب النفسي، أو الانحراف الجنسي، قال تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾2. وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "تزوّجوا فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أحبَّ أن يتبع سنتي فإنَّ من سنتي التزويج"3

أصول العلاقات الزوجية والأسرية
تحتاج كل أسرة إلى مجموعة من الأصول التربوية والاجتماعية، كي
 

1- سورة الروم، الآية 21.
2- سورة النور، الآية 32.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 5، ص329.
 
 
 
 
90

77

المحاضرة التاسعة

 تنتظم الحقوق والواجبات، وتحافظ على تماسكها المؤثّر والفاعل في المجتمع. وهو ما يؤكّد عليه الإمام الخامنئي دام ظله إذ يقول: "إنّ الرجل المؤمن، الرجل الذي يعمل في سبيل الله، ينبغي أن تكون كل ميادين وساحات حياته إلهية. إحدى هذه الساحات هي العلاقة مع العائلة، وبالخصوص مع الزوجة والأولاد...". وهذه الأصول عديدة منها:


الأصل الأول: علاقات المودّة
لقد اعتبر القرآن الكريم أنّ هذه الرابطة يجب أن تقوم على أمتن العلاقات والقيم الإنسانية؛ من السكينة والود والحب والرحمة والاحترام، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾1. وإن الطريق إلى السكينة يحتاج إلى عمل إنسانيّ في اتّجاهين: المودّة والرحمة، فالجعل في هذه الآية هو مشيئة إلهية وعمل إنسانيّ، والتوادّ هو أن أجعل نشاطي مع الآخر محاطاً بالحبّ القاصد وجه الله، حتّى في أخصّ العلاقات بين الزوجين، حيث يتوجّهون بها إلى مرضاة الله تعالى، فيثيبهم عليها سكينة وأمناً، والتوادّ في حدود القدرة، وقد يكون أحد الزوجين أقدر من الآخر، وهنا تدخل الرحمة؛ فالأمر ليس توادًّا فحسب، وإنّما يرحم أحدنا الآخر فيما لم يقدر عليه2.
 

1- سورة الروم، الآية 21.
2- يراجع تفسير الآية 21، من سورة الروم.
 
 
 
91

78

المحاضرة التاسعة

 تنتظم الحقوق والواجبات، وتحافظ على تماسكها المؤثّر والفاعل في المجتمع. وهو ما يؤكّد عليه الإمام الخامنئي دام ظله إذ يقول: "إنّ الرجل المؤمن، الرجل الذي يعمل في سبيل الله، ينبغي أن تكون كل ميادين وساحات حياته إلهية. إحدى هذه الساحات هي العلاقة مع العائلة، وبالخصوص مع الزوجة والأولاد...". وهذه الأصول عديدة منها:


الأصل الأول: علاقات المودّة
لقد اعتبر القرآن الكريم أنّ هذه الرابطة يجب أن تقوم على أمتن العلاقات والقيم الإنسانية؛ من السكينة والود والحب والرحمة والاحترام، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾1. وإن الطريق إلى السكينة يحتاج إلى عمل إنسانيّ في اتّجاهين: المودّة والرحمة، فالجعل في هذه الآية هو مشيئة إلهية وعمل إنسانيّ، والتوادّ هو أن أجعل نشاطي مع الآخر محاطاً بالحبّ القاصد وجه الله، حتّى في أخصّ العلاقات بين الزوجين، حيث يتوجّهون بها إلى مرضاة الله تعالى، فيثيبهم عليها سكينة وأمناً، والتوادّ في حدود القدرة، وقد يكون أحد الزوجين أقدر من الآخر، وهنا تدخل الرحمة؛ فالأمر ليس توادًّا فحسب، وإنّما يرحم أحدنا الآخر فيما لم يقدر عليه2.
 

1- سورة الروم، الآية 21.
2- يراجع تفسير الآية 21، من سورة الروم.
 
 
 
91

79

المحاضرة التاسعة

 روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي"1. و"من اتّخذَ زوجة فليكرمها"2. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته"3.


وقد أوصى أهل البيت عليهم السلام المرأة بطاعة الزوج. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أيّ أبواب الجنّة شاءت"4.

وعن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام: "جهاد المرأة حسن التبعّل"5. ومن العوامل المساعدة على إدامة المودّة والحب وكسب ودّ الزوج الانفتاح على الزوج وإجابته إلى ما يريد. عن الإمام الصادق عليه السلام: "خير نسائكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء وإذا لبست لبست معه درع الحياء"6.

وحدّد الإمام علي بن الحسين عليه السلام العوامل التي تعمّق المودّة والرحمة والحبّ داخل الأسرة فقال: "لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة
 

1- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج 3، ص 443.
2- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 1، ص 412.
3- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج 3، ص 443.
4- الطبرسي، الشيخ الحسن بن الفضل‏، مكارم الأخلاق‏، انتشارات الشريف الرضي‏، إيران - قم، 1412ه‏، ط4، ص201.
5- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج 3، ص 439.
6- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 5، ص 324.
 
 
 
92

80

المحاضرة التاسعة

 في عينها، وتوسعته عليها. ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال، وهي: صيانة نفسها عن كلِّ دنس حتّى يطمئنّ قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه"1.


الأصل الثاني: مراعاة الحقوق والواجبات
وضعت الشريعة الإسلامية حقوقاً وواجبات على كلِّ من الزوجين. ومن أهم حقوق الزوج حقّ القيمومة. قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ...﴾2. فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحقّ لأنّ الحياة الأسرية لا تسير بلا قيمومة.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جواب له عن سؤال امرأة عن حقّ الزوج على المرأة: "أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدَّق من بيتها شيئاً إلاّ بإذنه، ولا تصوم تطوّعاً إلاّ بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه.."3.

ولأهمية مراعاة هذا الحقّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تؤدّي المرأة حقّ الله عزّ وجلّ حتّى تؤدّي حقّ زوجها"4.
 
 

1- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 323.
2- سورة النساء، الآية 34.
3- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج 3، ص 438.
4- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص 250.
 
 
 
 
93

81

المحاضرة التاسعة

 ووضع المنهج الإسلاميّ حقوقاً للزوجة يجب على الزوج مراعاتها.


فروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جواب له عن سؤال جولة بنت الأسود حول حقّ المرأة: "حقّك عليه أن يطعمك ممّا يأكل ويكسوك مما يلبس ولا يلطم ولا يصيح في وجهك"1.

ومن حقّها مداراة الزوج وحسن صحبته لها. عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية: "إنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلِّ حال وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك"2.

ومن حقّ الزوجة وباقي أفراد العائلة إشباع حاجاتهم المادية. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حقُّ المرآة على زوجها أن يسدَّ جوعتها وأنْ يستر عورتها ولا يقبّح لها وجهاً فإذا فعل ذلك فقد أدّى والله حقّها"3.

الأصل الثالث: العلاقة الإيجابية بين الإخوة
أكّدت النصوص على تعويد الأطفال إقامة علاقة الاحترام والتراحم بينهم. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الأكبر من الأخوة بمنزلة الأب"4. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "حقّ كبير الأخوة على صغيرهم، حقّ الوالد على ولده"5.
 

1- المصدر نفسه، ص 218.
2- المصدر نفسه.
3- ابن فهد الحلي، عدة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح احمد الموحدي القمي، مكتبة وجداني، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص81 ـ
4- البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1410 - 1990م، ط1، ج6، ص210.
5- المصدر نفسه.
 
 
94

82

المحاضرة التاسعة

 وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا ويرحم صغيرنا"1.


وعن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أتته أخت له من الرضاعة، فلمّا نظر إليها سرّ بها، وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليها، ثم أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها..."2.

الأصل الرابع: التحذير من الطلاق
وضع الإسلام منهجاً في العلاقات وإدامتها للحيلولة دون الوصول إلى قرار فصم العلاقات الزوجية، وتهديم الأسرة. فحذّر من الطلاق في مواضع مختلفة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أوصاني جبريل عليه السلام بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة"3.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الهجران باعتباره مقدّمة للانفصال وانقطاع العلاقات فقال: "أيّما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حُشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدّرك الأسفل من النار إلاّ أن تتوب وترجع"4.

وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "ما من شيء ممّا أحلّه الله عزّ وجلّ أبغض إليه من الطلاق وإنّ الله يبغض الطلاق الذوّاق"5. وحثّ الإسلام
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص165.
2- المصدر نفسه، ج2، ص161.
3- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج 3، ص 440.
4- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص 202.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 6، ص 54. الذواق: السريع النكاح السريع الطلاق.
 
 
 
 
95

83

المحاضرة التاسعة

 على اتّخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع الطلاق، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبّة، ودعا إلى حلّ المشاكل والخلافات التي تؤدّي إلى الطلاق، فأمر بالعشرة بالمعروف. قال الله تعالى: ﴿... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾1.


الأصل الخامس: تجنّب إثارة المشاكل والخلافات
من أجل الوقاية من الخلافات والتشنّجات بين الزوجين، والتقليل من تأثيراتها النفسية والعاطفية أو تحجيمها وإنهائها، وضع الإسلام منهجاً متكاملاً إزاء الخلافات، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنّون عليهم ولا يظلمونهم"2.

وشجّع الإمام الباقر عليه السلام على تحمّل الإساءة، لأنّ ردّ الإساءة بالإساءة يوسّع دائرة الخلافات والتشنّجات، فقال عليه السلام: "من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنّة"3. وشجّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل على الصبر على سوء أخلاق الزوجة فقال: "من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه"4.

والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله مع زوجاته يخفّف الكثير من التشنّجات. وكذلك الاقتداء بسيرة أهل البيت عليهم السلام . عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "كانت لأبي عليه السلام امرأة وكانت تؤذيه فكان
 

1- سورة النساء، الآية 19.
2- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص 216 - 217.
3- المصدر نفسه، ص 216.
4- المصدر نفسه، ص 213.
 
 
 
 
96

84

المحاضرة التاسعة

 يغفر لها"1. ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن استخدام العنف مع الزوجة فقال: "أيُّ رجل لطم امرأته لكمة أمر الله عزّ وجلّ مالك خازن النيران فيلطمه على حرّ وجهه سبعين لكمة في نار جهنّم"2.


وشجّع الإمام جعفر الصادق عليه السلام على التفاهم لتجنّب الخلافات الحادّة فقال: "خير نسائكم التي إنْ غضبت أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى عني"3.

ونهى صلى الله عليه وآله وسلم الزوجة عن تكليف الزوج فوق طاقته فقال: "أيما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلاّ إن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته"4.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المنّ على الزوج فقال: "لو أنّ جميع ما في الأرض من ذهب وفضّة حملته المرأة إلى بيت زوجها ثم ضربت على رأس زوجها يوماً من الأيام. تقول: من أنت ؟ إنما المال مالي، حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس، إلاّ إن تتوب وترجع وتعتذر إلى زوجها"5.

وحذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مواجهة الزوجة لزوجها بالكلام اللاذع المثير لأعصابه فقال: "أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتى ترضيه.."6.
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج 3، ص 441.
2- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 14، ص 250.
3- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص 200.
4- المصدر نفسه، ص 202.
5- المصدر نفسه، ص 202.
6- المصدر نفسه، ص 214.
 
 
 
97

85

المحاضرة العاشرة

 المحاضرة العاشرة: اقتصاد الأسرة وتدبير شؤونها


الهدف العام
التعرّف على جانب من أسس تدبير شؤون الأسرة من الناحية الاقتصادية.

المحاور الرئيسة
- الإنفاق واقتصاد الأسرة
- تدبير شؤون الأسرة ونظمها
- العمل والمثابرة رأس مال اقتصاد الأسرة
- التربية على استثمار الموارد
- الدخل والكسب الحلال
- اجتناب الإسراف والتبذير
 
 
 
 
99

86

المحاضرة العاشرة

 تصدير الموضوع


عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في موعظةٍ للقمان الحكيم، يقول فيها: "اعْلَم أَنَّكَ سَتُسأَلُ غَدَاً إَذا وَقَفتَ بَينَ يَدَي اللهِ عزّ وجلّ عَن أربعٍ: شبابِكَ فيما أَبلَيتَهُ، وَعُمرِكَ فيما أَفنيتَهُ، وَمالِكَ مِمّا اكتَسبتَهُ وَفيما أَنفَقتَهُ، فَتَأَهَّبْ لِذلِكَ، وَأَعِدَّ لَهُ جَوابَاً"1.

الإنفاق واقتصاد الأسرة
قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.2

وعدّ القرآن الإمساك وعدم الإنفاق سبيلًا إلى التهلكة، قال تعالى: ﴿ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾3؛ كما عدّ الكنـز وحجب المال عن وظيفته الاجتماعيّة مدعاةً للعذاب الأليم: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ 4. وقد نفى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كمال الإيمان عمَّنْ يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم"5.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص135.
2- سورة البقرة، الآية 215.
3- سورة البقرة، الآية 195.
4- سورة التوبة، الآية 34.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 668.
 
 
 
100

87

المحاضرة العاشرة

 تدبير شؤون الأسرة ونظمها

لا يختلف اثنان في أنّ تدبير شؤون الأسرة يُعدّ من الأمور الرئيسة لكلّ إنسانٍ. ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلامٌ رائعٌ في هذا المجال، عندما خاطب ابن مسعود، قائلاً: "يا ابن مسعود، إذا عملتَ عمَلاً فاعملْ بعلمٍ وعقلٍ، وإيّاكَ وأنْ تعملَ عملاً بغيرِ تدبّرٍ وعلمٍ، فإنّه جلَّ جلالهُ يقولُ: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثَاً"1.

وقد أكّد الإمام جعفر الصادق عليه السلام على هذه الحقيقة، بقوله: "لا يَصلُحُ المؤمنُ إلا على ثَلاثِ خِصالٍ: التَّفقُّهِ في الدِّينِ، وحُسنِ التَّقديرِ في المعيشةِ، والصَّبرِ على النّائبَةِ"2.

وروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: "كانَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام يَحتطِبُ ويَستقِي ويَكنِسُ، وكانتْ فاطمةُ عليها السلام تَطحَنُ وتَعجِنُ وتَخبُزُ"3.

وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "اجْتَهِدُوا فِي أَنْ يَكُونَ زَمانُكُمْ أَرْبَعَ ساعاتٍ: ساعَةً لِمُناجاةِ اللهِ، وساعَةً لأَمْرِ الْمَعاشِ، وساعَةً لِمُعاشَرَةِ الإِخْوَانِ والثِّقَاتِ الَّذِينَ يُعَرِّفُونَكُمْ عُيُوبَكُمْ ويُخْلِصُونَ لَكُمْ فِي الْباطِنِ، وسَاعَةً تَخْلُونَ فِيها لِلَذّاتِكُمْ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وبِهذِهِ السّاعَة تَقْدِرُونَ عَلَى الثَّلاثِ ساعاتٍ. لا تُحَدِّثُوا أَنْفُسَكُمْ بِفَقرٍ، ولا بِطُولِ عُمُرٍ، فَإِنَّهُ مَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْفَقرِ بَخِلَ، ومَنْ حَدَّثَهَا بِطُولِ الْعُمُرِ يَحْرِصُ.
 

1- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص 458.
2- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 358.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص86.
 
 
 
101

88

المحاضرة العاشرة

 اجْعَلُوا لأَنفُسِكُمْ حَظّاً مِن الدُّنْيا، بِإِعْطائِها ما تَشْتَهِي مِن الْحَلالِ، وما لا يَثْلِمُ الْمُرُوَّةَ وما لا سَرَفَ فِيهِ، واسْتَعِينُوا بذلِكَ عَلَى أُمُورِ الدِّينِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ: لَيْسَ مِنّا مَنْ تَرَكَ دُنْياهُ لِدِينهِ، أَو تَرَكَ دِينَهُ لِدُنْياهُ"1.


العمل والمثابرة رأس مال اقتصاد الأسرة
كان ديدن أنبياء الله تعالى وأوليائه الصّالحين عليهم السلام على هذا النهج، حيث أشار الإمام موسى الكاظم عليه السلام إلى هذه الحقيقة. فعن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: رأيتُ أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرضٍ له وقد استنقعت قدماه في العرَق، فقلت: جُعلت فداك، أين الرجال؟ فقال عليه السلام: "يا عَليُّ، قَد عَملَ بِاليدِ مَن هُو خيرٌ مِنّي في أِرضِهِ، ومِن أبي". فقلت: ومن هو؟ فقال: "رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وأَميرُ المؤمِنينَ عليه السلام ، وآبائي كُلُّهُم كانوا قَد عَملُوا بأَيدِيهِم، وهُو مِن عَملِ النَّبييِّنَ والْمُرسَلينَ والأوصياءِ والصّالِحينَ"2.

وروي عن زرارة: أنّ رجلاً أتى الإمام الصادق عليه السلام ، فقال له: إنّي لا أُحسن أن أعمل عملاً بيدي، ولا أُحسن أن أتّجر، وأنا محارفٌ3 محتاجٌ! فقال له الإمام عليه السلام: "اعْمَلْ، فَاحمِلْ على رَأسِكَ، واسْتغنِ عَن النّاسِ، فإنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَد حَمَلَ حَجَراً عَلى عُنُقِهِ، فَوَضَعَهُ في حائطٍ مِن حيطانِهِ، وإنَّ الحجَرَ لَفِي مَكانِهِ ولا يُدرى كَمْ عُمقُهُ"4.
 

1- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 410.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص75-76.
3- المحارف: المحروم، يطلب فلا يُرزق، وهو خلاف المبارك.
4- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص67-77.
 
 
 
102

89

المحاضرة العاشرة

 التربية على استثمار الموارد

صرّح القرآن الكريم بمشروعيّة جمع الثروة، وأهمّيّة تأمين المصادر الاقتصاديّة واستثمارها في مجال الإنتاج، وأشار إلى أنّ الله تعالى خلق الإنسان من الأرض، وسخّرها له، وأوكل إليه إعمارها، حيث قال: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا1، وبالطبع، فإنّ عمران الأرض لا يتمّ إلا عن طريق الاستثمار.

وروى محمّد بن عذافر، عن أبيه، قال: أعطى أبو عبد الله عليه السلام أبي ألفاً وسبعمائة دينارٍ، فقال له: "اتَّجِر لِي بِها". ثمّ قال عليه السلام: "أَما إنّهُ لَيسَ لِي رَغبَةٌ في رِبحِها، وإنْ كانَ الرّبحُ مَرغوباً فيهِ، ولكِنِّي أحبَبتُ أن يَراني اللهُ عزّ وجلّ مُتعرِّضاً لفَوائدِهِ". قال: فربحت له فيها مائة دينارٍ، ثمّ لقيته، فقلت له: قد ربحت لك فيها مائة دينارٍ، ففرح أبو عبد الله عليه السلام بذلك فرحاً شديداً، وقال لي: "أَثبِتْها في رَأسِ مالِي"2.

وقد أوصى الإمام جعفر الصادق عليه السلام أحد أصحابه أن يشتري مزرعةً أو بستاناً، لأنّ الذي يمتلك رصيداً مادّيّاً يؤمّن حاجاته وحاجات عياله، سوف لا يعاني كثيراً، ويرتاح باله، لو تعرّض إلى نائبةٍ أو حادثةٍ. فقد روى محمّد بن مرازم، عن أبيه: أنّ أبا عبد الله عليه السلام قال لمصادف مولاه: "اتّخِذْ عقدةً أو ضَيعةً، فإنّ الرّجلَ إذا نزَلت بهِ النّازِلةُ أو المصيبةُ، فذَكرَ أنّ وَراءَ ظهرِهِ ما يقيمُ عيالَهُ، كانَ أسخَى لنفسِهِ"3.
 

1- سورة هود، الآية 61.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص76.
3- المصدر نفسه، ج5، ص92.
 
 
 
 
103

90

المحاضرة العاشرة

 وأوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس باستثمار أموالهم، وعدَّ ذلك من المروءة، حيث قال: "مِن المروءَةِ استصلاحُ المالِ"1.


وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّما أعطاكُمْ اللهُ هذهِ الفُضولَ مِن الأموالِ، لتُوجِّهوها حيثُ وَجّهَها اللهُ، ولَم يُعطِكُموها لتكنِزُوها"2.

الدخل والكسب الحلال
بما أنّ الدخل من مواضيع الأحكام الإسلاميّة، فمن الضروريّ للمسلم أن يعلم مصدر تحصيل دخله، وكيف يحصل عليه، وأين ينفقه. عن الإمام علي عليه السلام قال: "إنَّ مَعايشَ الخلقِ خمسَةٌ، الإمارَةُ والعِمارةُ والتِّجارَةُ والإجارَةُ والصَّدَقاتُ"3.

وروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "وأمّا وُجوهُ الحرامِ، مِن البيعِ والشِّراءِ، فكُلُّ أمرٍ يكونُ فيه الفسادُ مِمّا هو مَنهيٌّ عَنهُ، مِن جِهةِ أكلِهِ، وشُربِهِ، أو كسبِهِ، أو نِكاحِهِ، أو مُلكِهِ، أو إمساكِهِ، أو هِبَتِهِ، أو عاريَتِهِ، أو شَيءٌ يَكونُ فيهِ وَجهٌ من وُجوهِ الفَسادِ"4

وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض الروايات أطلقت على اقتناء المال الحرام عنوان (أكل السُّحت) وعدّته من كبائر الذنوب، إذ نهت عنه نهياً شديداً. لذا يجب القول: إنّ المراد من أكل السُّحت لا يعني بالضرورة
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج 3، ص 166.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص32.
3- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج19، ص35.
4- دستغيب، السيد عبد الحسين، كبائر الذنوب ﮔـناهان كبيرة-، لان، لام، 1363هـ.ش، ط 6، ج1، ص384 - 385
 
 
 
 
104

91

المحاضرة العاشرة

 الأكل والشرب، بل يعني مطلق التصرّفات بالأموال المحرّمة، وعدم إرجاعها إلى أهلها. وتوجد روايات مستفيضة حثّت الناس على ضرورة السعي في كسب لقمة العيش بطُرُقٍ مشروعّةٍ، نذكر منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العِبادَةُ سَبعونَ جُزءاً، أفضلُها طَلَبُ الحلالِ"1. وروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال: "مَن باتَ كالّاً مِن طَلَبِ الحلالِ، باتَ مَغفُوراً لَهُ2". وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال: "... فبَكِّروا في طَلبِ الرِّزقِ، واطلُبوا الحلالَ، فإنَّ اللهَ سيرزُقُكُم ويُعينُكُم عَليهِ"3.


وللإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام كلامٌ طويلٌ ذكر فيه ما حرّم الله تعالى، منه: "واجتنابُ الكبائرِ، وهي قَتلُ النَّفسِ التي حرَّمَ اللهُ تعالى، ... وأكلُ الرِّبا بَعدَ البيٍّنَةِ، ... والبَخسُ فِي المكيالِ والميزانِ، ... والإسرافُ، والتَّبذيرُ، والخيانَةُ"4.

اجتناب الإسراف والتبذير
أ- وجوب اجتناب الإسراف: "السّرف هو تجاوز الحدّ في كلّ فعلٍ يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر"5. ونستلهم
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 289.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78-79.
4- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، عيون أخبار الرضا عليه السلام ، تصحيح الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404ه - 1984م، لا.ط، ج2، ص 134.
5- الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، دفتر نشر الكتاب، لا.م، 1404ه، ط2، مادة "سرف".
 
 
 
105

92

المحاضرة العاشرة

 من آيات القرآن الكريم أنّ الإسراف يقابل التقتير، حيث قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ 1. وقد عدّ الله الإسراف من السُّنَن الفرعونيّة: ﴿... وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾،2 وتوعّد المسرفين بعذابٍ أليمٍ: ﴿... وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ3. ويُعدّ الإسراف في استهلاك الموارد الطبيعيّة تعدّياً على حقوق الآخرين، وإهداراً للثروة العامّة التي هي حقٌّ لجميع البشر والأجيال كافة. وحسب الرؤية الإسلاميّة، فإنّ نتيجة الإسراف والإنفاق المفرط ليست سوى إهدار الثروة العامّة، وبالتّالي حرمان الشّعب منها. قال الإمام عليّ عليه السلام في هذا الصدد: "السَّرفُ مَثواةٌ"4. وذلك لأنّ الإسراف خروج عن مستوى التوازن، أي عن حكم العقل والإذعان لأهواء النفس. فهو إهدارٌ للنعمة التي أكرم الله تعالى بها عباده، لإمرار معاشهم. ونتيجة هذا الإهدار هي البعد عن رحمة الله تعالى ورضوانه5.

 


1- سورة الفرقان، الآية 67.

2- سورة يونس، الآية 83.

3- سورة غافر، الآية 43.

4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 347.

 

5- مير معزيّ، حسين، نظام الإسلام الاقتصاديّ نظام اقتصادى إسلام-، منشورات المؤسّسة الثقافيّة للعلم والفكر المعاصر، إيران، 1378هـ.ش، ط1، ج 2، ص 102.

 

 

106


93

المحاضرة العاشرة

 ب- وجوب اجتناب التّبذير: التبذير: التفريق، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلِّ مُضيِّعٍ لماله، فتبذير البذر: تضييعٌ في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه1. والقرآن الكريم بدوره عدّ المبذّرين إخوانَ الشياطين، حيث قال تعالى: ﴿ِانَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾2. أمّا كون المبذّرين إخوان الشياطين، فذلك لأنّهم كفروا بنعم الله، حيث وضعوها في غير مواضعها تماماً، كما فعل الشيطان مع نِعم الله تعالى. ثمّ إنّ استخدام (إخوان) يعني أنّ أعمالهم متطابقةٌ ومتناسقةٌ مع أعمال الشيطان، كالأخَوين اللَّذَين تكون أعمالهما متشابهةً3.


وقد أنّب القرآن الكريم المسرفين والمبذّرين تأنيباً شديداً، وذمّ تصرّفاتهم في موارد كثيرة، حيث أكّد على أنّهم سيُحرَمون من محبّة الله تعالى: ﴿... كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ4، كما قال تعالى في الصدد نفسه: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾5.
 

1- الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، مصدر سابق، مادة "بذر".
2- سورة الإسراء، الآية 27.
3- الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، إيران - قم، 1426ه، ط1، ج8، ص453.
4- سورة الأنعام، الآية 141.
5- سورة الأعراف، الآية 31.
 
 
 
107

94

المحاضرة الحادية عشرة

 المحاضرة الحادية عشرة: الصلاة معراج المجاهدين


الهدف العام
تعزيز حضور عبادة الصلاة في حياة المؤمنين وعلاقتهم بالله تعالى.

المحاور الرئيسة
- الصلاة خير الأعمال
- الصلاة أحبّ الأعمال إلى الله ورسوله
- الصلاة معراج المجاهدين
- المصلون أحسن وجهاً
- تارك الصلاة كافر في سقر
 
 
 
 
109

95

المحاضرة الحادية عشرة

 تصدير الموضوع


عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة أنّه قال في كلام يوصي أصحابه: "تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ وَحَافِظُوا عَلَيْهَا وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وَتَقَرَّبُوا بِهَا فَإِنَّهَا كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً. أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾1، وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ وَتُطْلِقُهَا إِطْلَاقَ الرِّبَقِ2. وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْحَمَّةِ3 تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرن"4....

الصلاة خير الأعمال:
عن الإمام جعفر بن محمد الصادق، عن عليّ عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نجّوا أنفسكم، اعملوا، وخير أعمالكم الصلاة"5. وجاء في الوصية التي كتبها أمير المؤمنين عليه السلام ".. إنّي أوصيك يا حسن، وجميع أهل بيتي وولدي، ومن بلغه كتابي...، الله الله في الصلاة، فإنّها خير العمل"6.
 

1- سورة المدثر، الآيتان 42-43.
2- إطلاق الربق: قال الجوهري. الربق بالكسر حبل فيه عدّة عرى يُشدّ به البهم، والواحدة من العروة ربقة، والمراد أنّها تطلق أعناق النفوس من أغلال الذنوب إطلاق أعناق البهائم من الارباق.
3- الحمة: في الصحاح- الحمة العين الحارة يُستشفى بها الأعلّاء، وفي الحديث العالم كالحمة-.
4- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 316-317.
5- ابن الأشعث، محمد بن محمد، الجعفريات الأشعثيات-، مكتبة النينوى الحديثة، إيران - طهران‏، لا.ت، ط1، ص 34.
6- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 7، ص 52.
 
 
 
110

96

المحاضرة الحادية عشرة

 وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ أفضل الأعمال عند الله يوم القيامة الصلاة"1.


وعن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: ".. اعلم أنّ أفضل الفرائض بعد معرفة الله جلّ وعزّ الصلوات الخمس.. "2. واستفسر أبو ذر الغفاري من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: إنّك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الصلاة خير موضوع، فمن شاء أقلّ، ومن شاء أكثر"3.

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه، أو قال أقبل الله عليه، حتى ينصرف وأظلّته الرحمة من فوق رأسه إلى أُفق السماء، والملائكة تحفّه من حوله إلى أُفق السماء، ووكّل الله به ملكاً قائماً على رأسه يقول له: أيّها المصلّي لو تعلم من ينظر إليك ومن تُناجي ما التفتّ ولا زلت من موضعك أبداً" 4.

الصلاة أحبّ الأعمال إلى الله ورسوله:
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذر إنّ الله جعل قرّة عيني في الصلاة، وحبّبها إليّ، كما حبّب إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء، وإنّ الجائع إذا أكل الطعام شبع، والظمآن
 
 

1- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج 3، ص 42.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج80، ص 20.
3- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص 247.
4- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج ‏3، ص 265.
 
 
 
111

97

المحاضرة الحادية عشرة

 إذا شرب الماء روى، وأنا لا أشبع من الصلاة"1.


وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول: "أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء عليهم السلام ، فما أحسن الرجل يغتسل أو يتوضّأ، فيسبغ الوضوء، ثم يتنحّى حيث لا يراه أنيس، فيشرف عليه وهو راكع أو ساجد، إنّ العبد إذا سجد، فأطال السجود نادى إبليس: يا ويلاه أطاع وعصيت، وسجد وأبيت"2.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ليس عمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من الصلاة، فلا يشغلنّكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا، فإنّ الله عزّ وجلّ ذمّ أقواماً، فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾3 يعني أنّهم غافلون استهانوا بأوقاتها"4.

وفي حديث آخر ذكر فيه عليه السلام صفات لقمان الحكيم، ووصاياه لابنه، قال عليه السلام: "قال لقمان: وصم صوماً يقطع شهوتك، ولا تصم صوماً يمنعك من الصلاة، فإنّ الصلاة أحبّ إلى الله من الصيام"5.

الصلاة معراج المجاهدين:
أ. صلاة عليّ عليه السلام يوم صفّين: كان أمير المؤمنين عليه السلام في صفّين مشتغلاً بالحرب والقتال، وهو مع ذلك يُراقب الشمس،
 

1- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 528.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 3، ص 264.
3- سورة الماعون، الآية 5.
4- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج‏4، ص 113.
5- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج‏13، ص 411.
 
 
 
112

98

المحاضرة الحادية عشرة

 فقال له ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين ما هذا الفعل؟ قال: "أنظُر إلى الزوال حتّى نُصلّي"، فقال ابن عباس: هل هذا وقت صلاة؟ إنّ عندنا لشغلاً بالقتال عن الصلاة، فقال عليه السلام: "على ما نُقاتلهم؟ إنّما نُقاتلهم على الصلاة"1.


ب. صلاة الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء: تقول الرواية: ... فلم يزل يُقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان، فيبين ذلك فيهم لقلّتهم، ويُقتل من أصحاب عمر العشرة، فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.. فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين عليه السلام: يا أبا عبد الله!.. نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة.. أي نخشى أن نقتل قبل أن نصلّي هذه الصلاة، وهم لو قتلوا قبل الصلاة؛ لكانوا في أعلى درجات العليين.. هؤلاء مقاتلون والوقت لا زال فيه متسع.

فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: "ذكرتَ الصلاة!.. جعلك الله من المصلين، نعم هذا أول وقتها".. رفع الإمام رأسه إلى السماء: إما للدعاء، وإما للتأكد من زوال الشمس.. وقال: "نعم هذا أول وقتها"؛ أي لم يكن يتحمّل أن يؤخر الصلاة في يوم عاشوراء عن أوّل وقتها.

فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين، وسعيد بن عبد الله: "تقدمّا أمامي حتّى أصلّي الظهر".. فتقدّما أمامه في نحوٍ من نصف أصحابه
 
 

1- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج4، ص246.
 
 
 
113

99

المحاضرة الحادية عشرة

 حتّى صلّى بهم صلاة الخوف. ورُوي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدّم أمام الحسين عليه السلام ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل، كلما أخذ الحسين عليه السلام يميناً وشمالاً قام بين يديه، فما زال يُرمى به حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، اللهم أبلغ نبيك السلام عنّي.. وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك.. ثم مات رضوان الله عليه، فوُجد به ثلاثة عشر سهماً، سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.. وقف الحسين عليه السلام ليصلّي مع أصحابه تلك الصلاة الأخيرة من حياتهم المباركة.. فوقف سعيد أمام الحسين عليه السلام مدافعاً عنه، فكان يتمايل مع حركة الحسين؛ لئلّا يصيبه سهم من سهام الأعداء.


ج. صلاة الشهداء خبيب وحجر ومسلم: يذكر التاريخ ما حصل مع الصحابي الشهيد خبيب بن عديّ رضوان الله عليه، وذلك أنّ كفّار قريش لمّا اشتروه ممّن أسَروه أرادوا قتلَه، وخرجوا به إلى التنعيم، فقال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين أتّمهما وأحسنهما ثم أقبل على القوم فقال: أما والله لولا أن تظنّوا أنّي إنّما طوّلت جزعاً من القتل لاستكثرت من الصلاة، قال: فكان خبيب بن عديّ من أوّل من [صلّى] هاتين الركعتين عند القتل. قال: ثمّ رفعوه على خشبة فلمّا أوثقوه قال: اللهمّ إنّا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يُصنع بنا، ثم قال: اللهمّ أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تُغادر منهم
 
 
 
 
114

100

المحاضرة الحادية عشرة

 أحداً. ثم قتلوه رحمه الله1. ورأينا نفس هذا الموقف يتكرّر مع رجال من خيرة الشهداء كحجر بن عديّ، ومسلم بن عقيل رضوان الله تعالى عليهما.


المصلّون أحسن وجهاً:
سُـئل الإمام علي بن الحسينعليهما السلام: ما بال المتهجّدين بالليل من أحسن الناس وجهاً ؟.. قال عليه السلام: "لأنهم خلوا بالله، فكساهم الله من نوره"2. وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "صلاة الليل تُحسّن الوجه، وتُحسّن الخلق، وتُطيّب الريح، وتدرّ الرزق، وتقضي الدَّين، وتُذهب بالهمّ، وتجلو البصر" 3. وعنه عليه السلام قال:"كذب من زعم أنّه يُصلّي صلاة الليل وهو يجوع، إنّ صلاة الليل تضمن رزق النهار" 4. وروى عبد لله بن سنان، أنّه سأل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾5؟ قال: "هو السهر في الصلاة"6.

تارك الصلاة كافر في سقر:
أ. حكم تارك الصلاة: عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا تتهاون بصلاتك،
 

1- عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، السيرة النبوية، دار الجيل، بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص 126.
2- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج‏8، ص 157.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 84، ص 153.
4- المصدر نفسه، ص 154.
5- سورة الفتح، الآية 29.
6- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج 1، ص 473.
 
 
 
115

101

المحاضرة الحادية عشرة

 فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال عند موته: ليس منّي من استخفّ بصلاته، ليس منّي من شرب مسكراً، لا يرد عليّ الحوض لا والله"1. وعن أبي بصير قال: قال أبو الحسن الأوّل الإمام الكاظم عليه السلام: "لمّا حضر أبي الوفاة قال لي: يا بنيّ، إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة"2.


وروي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من ترك الصلاة متعمِّداً فقد كفر"3، وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: "تارك الفريضة كافر"4. وروى الإمام الصادق عليه السلام عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بين الكفر والإيمان إلّا ترك الصلاة"5.

ب. عقوبة تارك الصلاة: يكفي ما جاء في سورة المدّثّر، قال تعالى: ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ 6.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 3، ص 269.
2- المصدر نفسه، ج 3، ص 270.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 30، ص 673.
4- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج ‏4، ص 41.
5- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 79، ص 217.
6- سورة المدثر، الآيات 40 - 46.
 
 
 
116

102

المحاضرة الثانية عشرة

 المحاضرة الثانية عشرة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


الهدف العام
التعرّف على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودورهما في تحصين المجتمع.

المحاور الرئيسة
- أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهَاجُ الصُّلَحَاءِ
- الحكم الشرعيّ
- مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
 
 
 
 
 
 
 
117

103

المحاضرة الثانية عشرة

 تصدير الموضوع


رُويَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات، وسُلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"1.

مدخل
المعروف في اللغة يعني العمل الحسن، والمنكَر يعني العمل القبيح، يقول الراغب: المعروف اسم لكلّ فعلٍ يُعرف بالعقل أو بالشرع حُسنه، والمنكر ما يُنكر بهما2. وإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الإسلامية المهمّة. وهما من أسمى الفرائض وأشرفها، وبهما تقام الفرائض، ووجوبهما من ضروريات الدين، ومنكرهما مع الالتفات بلازمهما والالتزام بهما من الكافرين3. وإنّ هذه المسؤولية العالمية الكبرى قد وُضعت على عاتق المسلمين. قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾4.
 

1- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج ‏16، ص 123.
2- الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، مصدر سابق، ص 331.
3- الإمام الخميني، السيد روح الله الموسوي، تحرير الوسيلة، دار الكتب العلمية، العراق - النجف، 1390ه.ق، ط2، ج1، ص 462.
4- سورة الحج، الآية 41.
 
 
 
118

104

المحاضرة الثانية عشرة

 أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

بواسطة هذه الفريضة تؤدّى سائر الواجبات حتّى الجهاد في سبيل الله، وتُترك المحرّمات، ولهذا وردت تأكيدات كثيرة بشأن هذه الفريضة:
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ1.

﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾2.

﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾3.

﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾4.

وقد حذّرت الروايات الشريفة من إهمال هذه الفريضة وأن تركها له عواقب وخيمة:
أ.تسلّط الأشرار: مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَرَفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ: "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ"5.
 

1- سورة آل عمران، الآية 104.
2- سورة لقمان، الآية 17.
3- سورة التوبة، الآية 112.
4- سورة المائدة، الآيتان 78 - 79.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 5، ص 56.
 
 
119

105

المحاضرة الثانية عشرة

 ب. العذاب الإلهي: مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: "إِذَا أُمَّتِي تَوَاكَلَتِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَلْيَأْذَنُوا بِوِقَاعٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى"1.


ج.سلب بركات النعم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"2.

سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهَاجُ الصُّلَحَاءِ:
عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: "يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يُتَّبَعُ فِيهِمْ قَوْمٌ مُرَاؤونَ يَتَقَرَّؤونَ وَيَتَنَسَّكُونَ، حُدَثَاءُ سُفَهَاءُ، لَا يُوجِبُونَ أَمْراً بِمَعْرُوفٍ، وَلَا نَهْياً عَنْ مُنْكَرٍ إِلَّا إِذَا أَمِنُوا الضَّرَر،َ يَطْلُبُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرُّخَصَ وَالْمَعَاذِيرَ، يَتَّبِعُونَ زَلَّاتِ الْعُلَمَاءِ، وَفَسَادَ عَمَلِهِمْ، يُقْبِلُونَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَمَا لَا يَكْلِمُهُمْ فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَلَوْ أَضَرَّتِ الصَّلَاةُ بِسَائِرِ مَا يَعْمَلُونَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ لَرَفَضُوهَا كَمَا رَفَضُوا أَسْمَى الْفَرَائِضِ وَأَشْرَفَهَا. إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ، هُنَالِكَ يَتِمُّ غَضَبُ اللَّهِ عزّ وجلّ عَلَيْهِمْ فَيَعُمُّهُمْ بِعِقَابِهِ فَيُهْلَكُ الْأَبْرَارُ فِي دَارِ الْفُجَّارِ، وَالصِّغَارُ فِي دَارِ الْكِبَار
 

1- المصدر نفسه، ج 5، ص 59.
2- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج ‏16، ص 123.
 
 
 
120

106

المحاضرة الثانية عشرة

 إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهَاجُ الصُّلَحَاءِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ، وَتَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ، وَتَحِلُّ الْمَكَاسِبُ، وَتُرَدُّ الْمَظَالِمُ، وَتُعْمَرُ الْأَرْضُ، وَيُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ، وَيَسْتَقِيمُ الْأَمْرُ، فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ، وَالْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَصُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُمْ وَلَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَإِنِ اتَّعَظُوا، وَإِلَى الْحَقِّ رَجَعُوا، فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ، وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، هُنَالِكَ فَجَاهِدُوهُمْ بِأَبْدَانِكُمْ، وَأَبْغِضُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ غَيْرَ طَالِبِينَ سُلْطَاناً، وَلَا بَاغِينَ مَالًا، وَلَا مُرِيدِينَ بِظُلْمٍ ظَفَراً، حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَيَمْضُوا عَلَى طَاعَتِهِ"1.


الحكم الشرعيّ:
الأمر والنهي واجبان على نحو الوجوب الكفائيّ، فإذا تصدى لهما من به الكفاية لإنجاز المهمة وتحقيق الواجب سقط التكليف عن الباقين، غير أن الوجوب مستمر في عموم حالات المنكر ما دام المنكر موجوداً والمعروف متروكاً.

وإن من واجب المسلمين أن يقوموا بهذه المسؤولية الكبرى في مجالين:
المجال الأوّل: فيما بينهم وبالنسبة إلى سائر المسلمين .. فإنّ على كل مسلم أن يراقب سائر المسلمين أيضاً، يدعوهم إلى القيام بالأعمال الحسنة وينهاهم عن الأعمال القبيحة. وقد أثبت القرآن الكريم أيضاً ولاية المؤمنين بعضهم بالنسبة لبعضهم الآخر، قال
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 5، ص 55.
 
 
 
121

 


107

المحاضرة الثانية عشرة

 تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾1.


فالمسلم كما يجب عليه أن يقوم بالأعمال الحسنة ويتجنّب ارتكاب المحرّمات والسيئات كذلك يجب عليه أن يدعو سائر المسلمين والمؤمنين إلى الأعمال الحسنة وينهاهم عن الأعمال القبيحة والآثام.

المجال الثاني: بالنسبة إلى سائر سكّان العالم فإنّ رسول الإسلام بُعث لجميع البشر، ولينشر تعاليم الإسلام في العالم كلّه، ويكون الدّين كلّه لله. قال تعالى في القرآن الكريم: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾2.

مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إنّ الهدف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو فعل الواجب وترك الحرام. وإنّ القيام بهذه المسؤولية يجب أن يتمّ في مراحل وصور عدّة:
المرحلة الأولى: الإنكار القلبي .. فالمكلّف في هذه المرحلة ينزعج من فعل المنكر قلبياً، ويبدي نفوره وإنكاره القلبيّ بوسيلة ما، فإذا كان النهي عن المنكر بهذه الطريقة مؤثّراً لا يجوز التمسّك والتوسّل بالوسائل الأخرى.
 

1- سورة التوبة، الآية 71.
2- سورة التوبة، الآية 33.
 
 
 
122

 


108

المحاضرة الثانية عشرة

 المرحلة الثانية: الأمر والنهي اللسانيّان مع مراعاة المراتب المختلفة، نظير الوعظ برفق ولين، والعتاب، والخطاب، والتنديد، والتهديد.


المرحلة الثالثة: استخدام القوّة للحيلولة دون وقوع المنكر، وذلك أيضاً مع مراعاة المراتب المختلفة.

عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي حَدِيثٍ قَالَ: "فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ، وَالْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَصُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُمْ، وَلَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَإِنِ اتَّعَظُوا وَإِلَى الْحَقِّ رَجَعُوا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾1 هُنَالِكَ فَجَاهِدُوهُمْ بِأَبْدَانِكُمْ وَأَبْغِضُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ غَيْرَ طَالِبِينَ سُلْطَاناً وَلَا بَاغِينَ مَالًا، وَلَا مُرِيدِينَ بِالظُّلْمِ ظَفَراً حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَيَمْضُوا عَلَى طَاعَتِهِ"2.

أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...3.

وقال الله تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى4.
 

1- سورة الشورى، الآية 42.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 5، ص 56. الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 16، ص 131.
3- سورة النحل، الآية 125.
4- سورة طه، الآيتان 43-44.
 
 
 
123

109

المحاضرة الثانية عشرة

 ويجب أن يكون الأمر والنهي برفق ولين وهدوء، فقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله لعليّ عليه السلام: "يا عليّ إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق"1.


وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تحملوا على شيعتنا وارفقوا بهم فإنّ الناس لا يحتملون ما تحملون"2.
 
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 87.
2- المصدر نفسه، ج 8، ص 334.
 
 
 
124

110

المحاضرة الثالثة عشرة

 المحاضرة الثالثة عشرة: النصرة الحقيقية للإمام الحسين عليه السلام


الهدف العام
التعرّف على مواقف أصحاب الإمام الحسين وإخلاصهم لإمامهم حتى الشهادة.

المحاور الرئيسة
- طاعةُ القائد في المعركة
- طاعة أصحاب الإمام الحسين وتسليمهم لقائدهم
- ثبات الأصحاب عليهم السلام ليلة العاشر
- أثر حضور القادة في المعركة
 
 
 
 
125

111

المحاضرة الثالثة عشرة

 تصدير الموضوع


قال الإمام الحسين عليه السلام لأخته الحوراء زينب عليها السلام ، التي سألته قائلةً: "يا بن أمّي، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي أخاف أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة"، فبكى الحسين عليه السلام ، وقال: "أما والله لقد بلوتهم، فما رأيت فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن أمّه"1.

مقدِّمة
صحيحٌ أنّ الله تعالى فضّل المجاهدين في سبيله على القاعدين حيث قال: ﴿وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا2، ولكن ليس كلّ من حمل السِّلاح وانطلق لقتال العدوّ نال بركة الجهاد وثوابه، فكثير ممن قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لبثوا أن انقلبوا على أعقابهم خاسرين، قال تعالى: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ3.

طاعةُ القائد في المعركة
من أهمِّ الشُّروط التي يجب على المجاهد في سبيل الله الالتزام بها طاعة القيادة. قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
 
 

1- شرف الدين، السيد عبد الحسين، المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة، مراجعة وتحقيق محمود بدري، مؤسسة المعارف الإسلامية، إيران - قم، 1421ه، ط1، ص 231.
2- سورة النساء، الآية 95.
3- سورة المائدة، الآية 21.
 
 
 
126

112

المحاضرة الثالثة عشرة

 رِيحُكُمْ...﴾1. وإنَّ أوَّل عمل ركَّز عليه الإسلام في بداية ظهوره هو الطّاعة لله ورسوله، حيث قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ2، فالفوز في الدّنيا والآخرة مرهونٌ بطاعة الله وطاعة رسوله وأهل بيته أجمعين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾3.


كما ويَروي التاريخُ لنا حادثةً معبِّرةً، تحكي عن فداحة التخلُّفِ عن أوامر القيادة لما له من عواقب وخيمةٍ ، حين أعدَّ النَّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً قبل وفاته، وعيَّن قائداً عليه لم يتجاوز من العمر أكثرَ من عشرين سنة، وكان ذلك سبباً عند بعض الناس للتخلُّف والعصيان، فعلِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأمر وقال جملتَهُ المشهورةَ: "لعن الله من تخلَّفَ عن جيش أسامة"4.

طاعة أصحاب الإمام الحسين وتسليمهم لقائدهم
تروي المصادر التاريخية أنّ الإمام الحسين عليه السلام جمع أصحابه قرب المساء، وقال لهم: "...أما بعد: فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي؛ فجزاكم الله عنّي خيراً. ألا وإنّي لأظنّ أنّه آخر يوم لنا من هؤلاء، ألا وإنّي قد أَذِنْتُ لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ، ليس عليكم مني ذمام. هذا الليل
 

1- سورة الأنفال، الآية 46.
2- سورة النور، الآية 52.
3- سورة النساء، الآية 59.
4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 30، ص 432.
 
 
 
127

113

المحاضرة الثالثة عشرة

 قد غشيكم فاتّخِذوه جملاً"1. فبرزت المواقف البطولية من أصحابه، وأعلنوا صراحة طاعتهم لله ورسوله ووليّه، نذكر منها:


أ. موقف زهير بن القين:
قام زهير بن القين البجليّ رحمه الله فقال: "والله، لوددتُ أنّي قُتِلت ثمّ نُشِرت ثمّ قُتِلت، حتى أقتل هكذا ألفَ مرّة، وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك"2.

ب. موقف محمّد بن الحضرميّ:
"قيل لمحمد بن الحضرمي [وهو مع الحسين في كربلاء]: أُسر ابنك بثغر الريّ.

قال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحبُّ أنْ يُؤسر، ولا أن أبقى بعده.

فسمع قوله الحسين عليه السلام ، فقال له: "رحمك الله! أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك".

قال: "أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك"3.

ج. موقف مسلم بن عوسجة:
قام إليه مسلم بن عوسجة، فقال: "أنخلي عنك، ولَمَّا نُعذَرْ إلى الله
 

1- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق وتصحيح مؤسسة آل البيت عليهم السلام ‏، نشر مؤتمر الشيخ المفيد، إيران - قم، 1413ه‏، ط1، ج2، ص92.
2- المصدر نفسه.
3- ابن طاووس، السيّد عليّ بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف، أنوار الهدى، إيران - قم، 1417ه، ط 1، ص57.
 
 
 
128

114

المحاضرة الثالثة عشرة

 سبحانه في أداء حقِّك؟! أَمَا والله حتى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به، لقذفتهم بالحجارة. والله، لا نُخْلِيْكَ حتى يعلمَ الله أنْ قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك. والله، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أُحيا ثمّ أُحرق ثمّ أُحيا ثمّ أذرّى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا"1.


د. موقف القاسم بن الحسن:
القاسم بن الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين عليهم السلام ، غلام لم يبلغ الحلم، عندما سأله أبو عبد الله عليه السلام عن طعم الموت:
"قال له القاسم بن الحسن: وأنا فيمن يقتل؟
فأشفق عليه، فقال له: يا بنيّ، كيف الموت عندك؟!
قال: يا عمّ، أحلى من العسل.
فقال: إي والله، فداك عمّك! إنّك لأحد من يُقتل من الرجال معي، بعد أن تبلو ببلاء عظيم، وابني عبد الله"2.

ثبات الأصحاب عليه السلام ليلة العاشر
لقد أجاز الإمام الحسين عليه السلام أصحابه، وأعطاهم الرخصة بالذهاب ليلة العاشر من المحرّم، قائلاً: "إنّ هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني
 

1- الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج2، ص92.
2- البحرانيّ، السيّد هاشم، مدينة المعاجز، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، بإشراف الشيخ عزة الله المولائيّ، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، إيران - قم، 1414ه، ط 1، ج4، ص215.
 
 
 
129

115

المحاضرة الثالثة عشرة

 لم يُقبِلوا إليكم، فالنجاة النجاة، وأنتم في حلّ، فإنّكم إن أصبحتم معي قُتلتم كلكم". فقالوا: "لا نخذلك، ولا نختار العيش بعدك"1.


لكن ماذا كان موقف الأصحاب والآل؟
أ. العباس: رد العبّاس بن عليّ عليهما السلام، أمان الشمر قائلاً: "لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟" وفي رواية: فناداه العباس ابن أمير المؤمنين عليهما السلام: "تبّت يداك، ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدوّ الله. أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين بن فاطمة، وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟"2.

ب. زهير: وهذا زهير بن القين، يخاطب الشمر حين هدّده ورماه بالسهم، فيقول: أفبالموت تخوّفني؟ فواللَّه، لَلموتُ أحبُّ إليّ من الخلد معكم3.

ج. عابس بن أبي شبيب الشاكريّ: خاطب عابس الإمام عليه السلام ، قائلاً: "أمّا بعد، فإنّي لا أخبرك عن الناس، ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرَّك منهم. والله أحدّثك عمّا أنا موطّن نفسي عليه، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم، ولأضربنّ بسيفي دونكم حتى ألقى الله، لا أريد بذلك إلا ما عند الله"4.
 

1- الراونديّ، قطب الدين، الخرائج والجرائح، تحقيق مؤسّسة الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف بإشراف السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحيّ، مؤسّسة الإمام المهديّ، إيران - قم، 1409ه، ط 1، ج1، ص254.
2- السيد ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، مصدر سابق، ص54.
3- النويريّ، نهاية الأرَب في فنون الأدب، تحقيق وزارة الثقافة والإرشاد القوميّ، المؤسّسة المصرية العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج20، ص443.
4- الطبريّ، محمّد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص264.
 
 
 
130

116

المحاضرة الثالثة عشرة

 د. حبيب: قال الشيخ الكبير حبيب بن مظاهر: "رحمك الله! قد قضيت ما في نفسك بواجزٍ من قولك"، ثمّ قال: "وأنا، والله الذي لا إله إلا هو، على مثل ما هذا عليه"1.


وفي موقف آخر لحبيب عندما علِم من نافع بن هلال بأنّ السيدة زينب عليها السلام وباقي النساء في حال وجلٍ ورعب: قال: "يا أصحاب الحميّة، وليوث الكريهة، هذا نافع بن هلال يخبرني الساعة بكذا وكذا، فأخبروني عن نيّاتكم. فجرَّدوا صوارمهم، ورموا عمائمهم، وقالوا: أما والله يا بن مظاهر، لئن زحف القوم إلينا لنحصدنّ رؤوسهم، ولنلحقنّهم بأشياخهم، ولنحفظنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عترته وذريته.

فقال لهم حبيب: معي معي.

فقام يخبط الأرض بهم، وهم يعْدُون خلفه، حتى وقف بين أطناب الخيم، ونادى:
السلام عليكم يا ساداتنا، السلام عليكم يا معشر حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلّا في رقاب من يبتغي السوء فيكم، وهذه أسنّة غلمانكم آلوا أن لا يركزوها إلّا في صدور من يفرّق بين ناديكم"2.

أثر حضور القادة في المعركة
يجب أن لا يغيب عن بال أحد ما لحضور القادة في الميدان مع
 

1- المصدر نفسه.
2- السيّد عبد الحسين شرف الدين، المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة، مصدر سابق، ص233.
 
 
 
131

117

المحاضرة الثالثة عشرة

 المجاهدين من الأثر الكبير على المعركة والمجاهدين معاً، ومجريات الأحداث ونتائج المعركة شهادة كانت أو انتصاراً، وما للقيادة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمعارك ومن بعده حضور كل من الإمام عليّ عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام في قيادة المعركة، وما لوجودهم الشخصيّ في ميدان الحرب من دلالات تشريعية وتربوية وروحية عميقة، رسَخت عبر التاريخ في قلوب المجاهدين والمقاومين، وأصبحت عنصراً فاعلاً في كلّ الانتصارات. ومن هذه المدرسة تخرّج القادة الشهداء والمجاهدون في المقاومة الإسلامية في لبنان، فكانت قوة المقاومة وثباتها، وأصبح دم الشهداء عنصراً حاسماً في النصر.


وهذا ما شاهدناه في مجاهدي المقاومة الإسلامية في لبنان حيث جسّدت أقدس المعارك من خلال مواجهتها للعدوان الإسرائيليّ والحرب التكفيرية على المقاومة، وكان السلاح الأقوى في هذه الحرب الإيمان والإرادة والثبات والتوكّل على الله تعالى والطاعة له سبحانه. فالمجاهدون بحقّ كانوا رجال الله، وقد تولّاهم الله بعنايته ورحمته وتوفيقه وتسديده، وقائدهم السيد الملهم أعاد إلى الأذهان صوت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقيادته الإلهية الحكيمة، وشجاعة عليّ في خيبر، ولهذا أعلن باطمئنان ووثوق انتهاء زمن الهزائم وولادة زمن الانتصارات. قال الله تعالى: ﴿....  وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾1.
 
 

 
1- سورة الحج، الآية 40.
 
 
132

118

المحاضرة الرابعة عشرة

 المحاضرة الرابعة عشرة: الصدق منجاة


الهدف العام
التعرف على قيمة الصدق وأثره في تحصين الفرد والمجتمع

المحاور الرئيسة
- قيمة الصدق وأهميته
- من آثار الصدق
- الصدق عمل الجنة
- تأثير الصدق في حياة الإنسان
- بالصدق يصلح السلوك
 
 
 
 
 
 
 
133

119

المحاضرة الرابعة عشرة

 تصدير الموضوع


ورد في الرواية الشريفة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الصِّدقُ صلاح كُلِّ شيء والكِذبُ فَسـادُ كُلِّ شَيء".

قيمة الصدق وأهميته
مفردة الصدق متفق على حسنها ومدحها وأهميتها في كل المجتمعات البشرية؛ فهو زينة الحديث، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة. وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تتحدّث عن أهميّة الصدق وقيمته، ودوره في تحصين الشخصية. وما ورد في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام يعتبر أن الصدق: "رأس الإيمان، ودعامة الإيمان، ولباس الدين"، و"روح الكلام"، و"فيه صلاح كل شيء". وقد كرَّم أهلُ البيت عليهم السلام هذا الخلق الرفيع.

فقد تحدث القرآن الكريم عمّا يترتب من النتائج الايجابية والثواب العظيم على الصدق ﴿قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ 1.

فبعد أن تذكر الآية ظاهرة انحراف النصارى عن دائرة التوحيد وسؤال الله تعالى المسيح يوم القيامة عن سبب هذا الانحراف وتبرئة المسيح لنفسه من هذه التهمة تقول الآية: ﴿قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ
 

1- سورة المائدة، الآية 119.
 
 
 
134

120

المحاضرة الرابعة عشرة

 صِدْقُهُمْ ....﴾، وتبين ما يترتب من النتائج الايجابية والثواب العظيم على هؤلاء الصادقين وتقول: ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ...﴾.


ويخاطب الله جميع المؤمنين من موقع الأمر بتقوى الله تعالى الذي يقترن مع الصدق، حيث قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾1.

كما يبشر الله طوائف عدّة بالمغفرة والثواب الجزيل. والطائفة الرابعة منهم هم الصادقون والصادقات، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا2.

وورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في بيان أهميّة الصدق قوله: "لا تَنظُروا إلى كَثْرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهِم وَكَثْرَةِ الحَجِّ وَالمَعرُوفِ وَطَنطَنَتِهِم بِالَّليلِ وَلَكِنْ اُنظُرُوا إِلى صِدقِ الحَدِيثِ وَأَداءِ الأَمانةِ"3.

ونقرأ في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِن اللهَ عزّ وجلّ لَم يَبعَثْ نَبيّاً إلاّ بِصدقِ الحَدِيثِ وَأَداءِ الأمـانةِ إِلَى البِرِّ والفـاجِرِ"4.
 

1- سورة التوبة، الآية 119.
2- سورة الأحزاب، الآية 35.
3- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 303. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص9.
4- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص104.
 
 
 
135

121

المحاضرة الرابعة عشرة

 من آثار الصدق

أ. نماء العمل: ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حول تأثير الصدق في جميع أعمال الإنسان وسلوكياته قوله: "مَن صَدَقَ لِسانُهُ زكَا عَمَلُهُ"1، لأنّ الصدق يمثل الجذر والأساس لجميع الأعمال الصالحة.

ب. القرب من الصالحين: وفي حديث آخر عن الإمام الصادق أيضاً في كتابه إلى أحد أصحابه ويُدعى عبد الله بن أبي يعفور قال له: "انْظُرْ مَا بَلَغَ بِهِ عَلِيٌّ عليه السلام عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَالْزَمْهُ، فَإِنَّ عَلِيّاً عليه السلام إِنَّمَا بَلَغَ مَا بَلَغَ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ"2.

ج. النجاة: وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث يتحدّث فيه عن تأثير الصدق في نجاة الإنسان من الأخطار والمشكلات حيث يقول: "الزموا الصدق فإنّه منجاة"3.

حفظ الدين: وعن أهميّة الصدق يكفي أن نذكر الحديث الشريف الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: "الصِّدقُ رأسُ الدِّينِ"4. وعليه فالحفاظ على الدين يكون من خلال الصدق.

ويقول في حديث آخر: "الصِّدقُ صَلاحُ كُلِّ شَيء"5.
 

1- المصدر نفسه، ح3.
2- المصدر نفسه، ح5.
3- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 104.
4- الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق وتصحيح حسين الحسني البيرجندي‏، نشر دار الحديث، إيران - قم، 1418ه‏، ط1، ص 25.
5- المصدر نفسه، ص 44.
 
 
 
136

122

المحاضرة الرابعة عشرة

 ويقول في حديث آخر أيضاً: "الصِّدقُ أَقوى دَعـائِمِ الإِيمـانِ"1.


وفي رواية اُخرى يقول: "الصِّدقُ جَمـالُ الإنسـانِ وِدَعـامَةُ الإيمـانِ"2.

وأخيراً يضيف إلى ذلك تعبيراً مهمّاً آخر عن الصدق ويقول: "الصِّدقُ أَشرَفُ خَلائِقِ المُوقِنِ"3.

الصدق عمل الجنّة
جاء في حديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدّث فيه عن مفتاح الجنّة والنار ويقول: "إِنّ رَجُلاً جـاءَ إِلى النَّبِيِّ فَقـالَ يـا رَسُولَ اللهِ مـا عَمَلُ الجَنَّةِ؟ قَـالَ: الصِّدقُ، إِذا صَدَقَ العَبدُ بَرَّ وإذا بَرَّ آمَنَ، وإذا آمَنَ دَخَلَ الجَنَّةَ قَـالَ: يـا رَسُولَ اللهِ وَمـا عَمَلُ النَّارِ؟ قَالَ: الكِذبُ، إِذا كَذَبَ العَبدُ فَجَرَ، وَإِذا فَجَرَ كَفَرَ، وإِذا كَفَرَ دَخَلَ النَّارَ"4.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "أَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيَهُنَّ فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: صِدْقُ حَدِيثٍ، وَأَدَاءُ أَمَانَةٍ، وَعِفَّةُ بَطْنٍ، وَحُسْنُ خُلُق‏"5.

تأثير الصدق في حياة الإنسان
- الكذاب كالميت: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "الكَذِّابُ والمَيِّتُ سَواءٌ فإنَّ فَضِيلَةَ الحَيِّ عَلَى المَيِّتِ الثِّقَةُ بِهِ، فَإذا لَمْ يُوثَقُ
 

1- التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمد، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح مصطفى درايتي، مكتب الإعلام الإسلامي، إيران - قم، 1407ه‏، ط1، ص 218.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه، ص 217.
4- ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى‏، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام‏، مكتبة الفقيه‏، إيران - قم، 1410ه‏، ط1، ج 1، ص 43.
5- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص 74.
 
 
 
137

123

المحاضرة الرابعة عشرة

 بَكلامِهِ فَقَد بَطَلَتْ حَيـاتُهُ"1.


- جلالة القدر: الصدق يهب لصاحبه شخصية اجتماعية مرموقة، والإنسان الصادق يعيش حياة العزّة والكرامة دائماً، أمّا الكاذب فيعيش حالة الدناءة والحقارة والانتهازية. ولهذا ورد عن أمير المؤمنين أنّه قال: "عَلَيكَ بِالصِّدقِ فَمَنْ صَدَقَ فِي أَقوالِهِ جَلَّ قَدرُهُ"2.

- المحبة والثقة: الصدق يوطد أركان المحبّة ويعمّق وشائج المودّة بين أفراد المجتمع وبذلك يفضي على شخصية هؤلاء الأفراد نوراً وبهاءً أكثر، ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "يَكتَسِبُ الصَّادِقُ بِصِدقِهِ ثَلاثاً، حُسنُ الثِّقَةِ بِهِ والمَحَبَّةُ لَهُ وَالمَهـابَةُ مِنهُ"3.

بالصدق يصلح السلوك
ورد في الحديث الشريف عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه جاء رجل إليه صلى الله عليه وآله وسلم وقال: أنا يا رسول الله أستسرّ بخلال أربع، الزنا، وشرب الخمر، والسرقة، والكذب، فأيّتهنّ شئت تركتها لك، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "دع الكذب".

فلمّا ولّى همّ بالزنا فقال: يسألني فإن جحدت نقضت ما جعلت له وإن أقررتُ حِددْت، ثم همّ بالسرقة ثم بشرب الخمر ففكّر في مثل ذلك فرجع إليه فقال: قد أخذت عليَّ السبيل كلّه فقد تركتهنّ أجمع4.
 

1- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 220.
2- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص 333.
3- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 219.
4- ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي‏، إيران - قم، 1404ه‏، ودار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1378ه - 1959م، ط1، ج 6، ص 357.
 
 
 
 
138

124

المحاضرة الخامسة عشرة

 المحاضرة الخامسة عشرة: الإنسان بين التكريم والذم الهدف العام


الهدف العام
التعرف إلى نظرة الإسلام إلى خلق الإنسان من خلال الآيات القرآنية والروايات الشريفة.

المحاور الرئيسة
- التصوير القرآنيّ الإيجابيّ للإنسان
- التصوير القرآنيّ السلبيّ للإنسان
- حقيقة الإنسان
- الإنسان كائن مُخيَّر
- إرشاد الإنسان وتوجيهه
- رفع شبهة إجبار الإنسان
- دور سنّة الابتلاءات في تربية الإنسان
 
 
 
 
139

125

المحاضرة الخامسة عشرة

 تصدير الموضوع


قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً 1.

التصوير القرآنيّ الإيجابيّ للإنسان:
الإنسان في نظر الإسلام أكرم مخلوق بين الخلائق، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً 2. وتتجلّى مظاهر تكريم الإنسان في خلقه في أحسن تقويم، قال عزّ من قائل: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ3.

ولقد وُصفت خلقة الإنسان في القرآن الكريم على النحو الآتي:
قال تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ4.

في هذه الآية - بعد استعراض مراحل التكامل المادّي، وبلوغ مرحلة الاستعداد لقبول الروح المجرّدة - جاءت العبارة التالية: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا
 
 

1- سورة الإسراء، الآية 70
2- سورة الإسراء، الآية 70
3- سورة التين، الآية 4.
4- سورة المؤمنون، الآيات 14 – 17.
 
 
 
 
140

126

المحاضرة الخامسة عشرة

  آخَرَ ﴾ حيث وصف الخلق الجديد بأنّه خلق آخر، من هذا يستفاد أن آخر مرحلة من مراحل وجود الإنسان أي الصورة والنفس الإنسانية هي أسمى وأكمل من مراحل الوجود الإنساني السابقة.


وفي آية أخرى أيضاً يشرح قصّة خلق الإنسان على النحو التالي:
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ1.

في الآيات المذكورة أشار سبحانه إلى ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: أنّه لا بدّ - لنفخ الروح الإنسانية - من حصول القابلية والاستعداد في المادة، ولهذا جاء في الآية: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾.

النقطة الثانية: أنّ الله تعالى نسب الروح الإنسانية إلى نفسه، وقال: وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ، وذلك لأجل أن يُثبت قيمته العليا، يعني أنّ الله سبحانه بعد أن هيأ مادة البدن الإنسانيّ أفاض عليه الروح التي نسبها إلى نفسه والتي كانت من سنخ العالم الربوبيّ.

النقطة الثالثة: إنّ من امتيازات هذا الكائن الجديد هو أنّه يمتلك السمع والبصر والقلب، يعني أسباب تحصيل العلم، وبذلك يختلف عن المراحل السابقة.
 

1- سورة السجدة، الآيات 7 – 9.
 
 
 
 
141

127

المحاضرة الخامسة عشرة

 وفي آية أُخرى أيضاً يشير إلى النقطتين الأولى والثانية ويقول للملائكة: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾1. فقد فرّع الأمر للملائكة بالسجود على تسوية عنصر البدن الإنسانيّ ونفخ الروح المنسوبة إلى الله فيه، وهو شاهد على امتياز الوجود الإنساني، لأنّه كان بحيث صار مؤهّلاً ولائقاً لأن يصير مسجوداً للملائكة، وخليفةً لله في الأرض، له فطرة تنجذب إلى الله وإلى الكمال وتحبّهما.


يقول في القرآن الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً2.

ويقول: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ3.

ويقول: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾4.

ويقول: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ5.
 

1- سورة الحجر، الآية 29.
2- سورة الإسراء، الآية 70.
3- سورة البقرة، الآيات 31 – 33.
4- سورة البقرة، الآية 30.
5- سورة الروم، الآية 30.
 
 
 
142

128

المحاضرة الخامسة عشرة

 التصوير القرآنيّ السلبيّ للإنسان

ورد في طائفة من الآيات الكريمة ذمّ لهذا الإنسان نفسه...، حيث وُصف بأنه: الضعيف، والبخيل، والظالم، والجاهل، والكفور، والمشدود إلى متاع الدنيا، والطاغي، والعجول، و...

يقول تعالى في القرآن: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * ِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ 1.

ويقول: ﴿يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾2.

ويقول: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى3.

ويقول: ﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً4.

ويقول: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾5.

ويقول:﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾6.

ويقول: ﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا ﴾7.
 

1- سورة المعارج، الآيات 19 - 21.
2- سورة النساء، الآية 28.
3- سورة العلق، الآيتان 6 – 7.
4- سورة الإسراء، الآية 11.
5- سورة إبراهيم، الآية 34.
6- سورة هود، الآية 9.
7- سورة الإسراء، الآية 100.
 
 
 
143

129

المحاضرة الخامسة عشرة

 حقيقة الإنسان

لقد وُصف الإنسان في القرآن الكريم بنحوَين متضادّين .. ولهذا لا بد من الإجابة عن هذا السؤال:

ما هي حقيقة الإنسان؟ وكيف يمكن أن نجمع بين هذين الصنفين من الآيات؟

إنّ الإنسان ليس سوى حقيقة واحدة، ولكنه من ناحيةٍ حيوان، أُودِعت فيه الميول والنزعات الحيوانية في كيانه ووجوده، وتنبع الشرور والآثام من جانبه الحيوانيّ هذا؛ ولهذا يتعرض للذمّ ويوصف بتلك الصفات الذميمة.

ومن ناحية أُخرى هو إنسان ذو نفس مجرّدة ملكوتية، وهو نفحة إلهية مسانخة لعالم القدس ومناسبة لمنبع الخيرات، ومن هذا الجانب يميل إلى الكمال ويرغب في الفضائل والمكارم، والخيرات، ومن هذه الجهة كُرّم وتأهّل ليكون خليفة الله، ومسجود الملائكة.

الإنسان كائن مُخيَّر:
خُلق الإنسان مخيَّراً، حُرَّ الإرادة، قد وُهب العقل والتفكير، والإرادة والاختيار. ولهذا فإنّ أعمال الإنسان تنبع من رضاه ومن تصديق قوّة تشخيصه وتمييزه. والإنسان يرى نفسه دائماً أمام مفترق طريقين أو طرق عدّة يتوقف سلوك كلّ واحدةٍ منها على نظره ورأيه، وإرادته الشخصية. وقد أشار سبحانه إلى هذا الأمر في آيات كثيرة، منها:
يقول في القرآن الكريم: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ
 
 
 
 
144

130

المحاضرة الخامسة عشرة

 سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا1.


ويقول: ﴿وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا2.

ويقول: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾3.

ويقول: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ4.

ويقول: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ5.

ويقول: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ6.

وفي الحديث عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُود قَالَ: وَسَأَلْتُهُ (أبا الحَسَن) عَنِ اللَّهِ عزّ وجلّ هَلْ يُجْبِرُ عِبَادَهُ عَلَى الْمَعَاصِي؟

فَقَالَ: "بَلْ يُخَيِّرُهُمْ وَيُمْهِلُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا".

قُلْتُ: فَهَلْ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ؟

فَقَالَ: "كَيْفَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد﴾7؟".

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: "حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليهما السلام أَنَّهُ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يُجْبِرُ عِبَادَهُ عَلَى الْمَعَاصِي أَوْ يُكَلِّفُهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَلَا تَأْكُلُوا ذَبِيحَتَهُ وَلَا تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُ وَلَا تُصَلُّوا وَرَاءَهُ وَلَا تُعْطُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئاً"8.
 
 

1- سورة الدهر، الآيتان 2 – 3.
2- سورة آل عمران، الآية 145.
3- سورة الكهف، الآية 29.
4- سورة الشورى، الآية 30.
5- سورة الروم، الآية 41.
6- سورة البقرة، الآية 286.
7- سورة فصلت، الآية 46.
8- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 5، ص 11.
 
 
 
145

131

المحاضرة الخامسة عشرة

 إرشاد الإنسان وتوجيهه

يستفاد من هذه الآيات والأحاديث ونظائرها أن أعمال الإنسان وتصرفاته الحسنة أو السيئة تستند إليه نفسه، وأن فاعلها الحقيقيّ هو ذاته لا غير. لكن هذا لا يعني أنّ الإنسان يتمتّع بالحرية الكاملة في الاختيار والانتخاب وأن الإنسان مستقلّ في أفعاله، استقلالاً كاملاً، وأنّه غير محتاج إلى الله في هذا المجال، بل الإنسان كما يحتاج في أصل وجوده وبقائه إلى إيجاد الله وإفاضته فإنه يحتاج، كذلك، في أفعاله وآثاره الوجوديّة إلى الله تعالى وإلى إفاضاته فالإنسان لولا العطاء الإلهي عاجز عن القيام بأي فعل، والله عزّ وجلّ هو الذي يعطيه القدرة على القيام بالأعمال.

قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ1

وقال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ2.

وقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ3.

إنّ الإنسان، وإن كان كائناً مخيّراً حرّ الإرادة، لكنّه يجب أن يعتبر نفسه مسؤولاً تجاه الله، والنبيّ، وأن يلتزم بالضوابط والمقرّرات الدينية
 

1- سورة إبراهيم، الآية 4
2- سورة الشعراء، الآيات 78 – 81.
3- سورة النحل، الآية 93.
 
 
 
146

132

المحاضرة الخامسة عشرة

 ومسؤولاً عنها. انظروا إلى الحديث الآتي وإلى الآية التالية:

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ الصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ؟

فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقَهُ عَبَثاً وَلَمْ يَتْرُكْهُمْ سُدًى، بَلْ خَلَقَهُمْ لِإِظْهَارِ قُدْرَتِهِ، وَلِيُكَلِّفَهُمْ طَاعَتَهُ فَيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ رِضْوَانَهُ، وَمَا خَلَقَهُمْ لِيَجْلِبَ مِنْهُمْ مَنْفَعَةً، وَلَا لِيَدْفَعَ بِهِمْ مَضَرَّةً، بَلْ خَلَقَهُمْ لِيَنْفَعَهُمْ، وَيُوصِلَهُمْ إِلَى نَعِيمِ الْأَبَدِ"1.

﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ2.

لقد جاء الأنبياء ليُثبتوا للإنسان مسؤوليّته ويوضّحوا له تكاليفه، وواجباته، ومسؤوليّاته.

رفع شبهة إجبار الإنسان
ولرفع شبهة الإجبار والإكراه في أفعال الإنسان، نكتفي بما ورد عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ الْجَبْرُ وَالتَّفْوِيضُ فَقَالَ: "أَلَا أُعْطِيكُمْ فِي هَذَا أَصْلًا لَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلَا يُخَاصِمُكُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا كَسَرْتُمُوهُ".
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 5، ص 313.
2- سورة البقرة، الآية 213.
 
 
 
147

133

المحاضرة الخامسة عشرة

 قُلْنَا: إِنْ رَأَيْتَ ذَلِكَ.


فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ لَمْ يُطَعْ بِإِكْرَاهٍ وَلَمْ يُعْصَ بِغَلَبَةٍ وَلَمْ يُهْمِلِ الْعِبَادَ فِي مُلْكِهِ، هُوَ الْمَالِكُ لِمَا مَلَّكَهُمْ وَالْقَادِرُ عَلَى مَا أَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِنِ ائْتَمَرَ الْعِبَادُ بِطَاعَتِهِ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَنْهَا صَادّاً، وَلَا مِنْهَا مَانِعاً، وَإِنِ ائْتَمَرُوا بِمَعْصِيَتِهِ فَشَاءَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَ وَإِنْ لَمْ يَحُلْ وَفَعَلُوهُ فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَهُمْ فِيهِ" ثُمَّ قَالَ عليه السلام: "مَنْ يَضْبِطْ حُدُودَ هَذَا الْكَلَامِ فَقَدْ خَصَمَ مَنْ خَالَفَهُ"1.

دور سنّة الابتلاءات في تربية الإنسان
لقد تحدّث القرآن الكريم عن نماذج وأنواع عديدة من الاختبارات والابتلاءات التي قد يبتلى بها الإنسان. قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ2.

وقال سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ3.

﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ 4.
 
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 5، ص 16.
2- سورة البقرة، الآية 155.
3- سورة البقرة، الآية 214.
4- سورة آل عمران، الآية 186.
 
 
 
148

134

المحاضرة الخامسة عشرة

 ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ1.


فنستنتج من هذه الآيات وغيرها أنّ سنّة الامتحان جارية في الشؤون الفردية والاجتماعية. وإن وسائل الاختبار هي عبارة عن الخيرات، كالمال والنفس والولد، وعن الشرور، كالنقص في الأموال والأنفس والثمرات والعسر والصعوبة والجوع والخوف. وعليه فلازم وجود الامتحان وجود مثل هذه الأمور الحسنة والسيئة، ووجود اللذات والأمور السعيدة، ووجود الآلام والأمور التعيسة، حتّى تصبح وسيلة لاختبار الناس.

ونتيجة للامتحان يمتاز ويتميّز المؤمنون المجاهدون الصابرون الصادقون عن مدّعي الإيمان والجهاد والصبر والصدق وهم كاذبون.
 
 

1- سورة العنكبوت، الآيتان 2-3.
 
 
 
149

135

المحاضرة السادسة عشرة

 المحاضرة السادسة عشرة: الإنسانُ وقبولُ المسؤوليّة


الهدف العام
التعرّف إلى مسؤولية الإنسان أمام الله والنبيّ، وتجاه نفسه، وتجاه الآخرين.

المحاور الرئيسة
- الإنسان قابل لتحمّل المسؤولية
- مسؤوليات الإنسان الثلاث
- الأوّل: المسؤولية تجاه الله
- الثاني: مسؤوليّة الإنسان عن نفسه
- الثالث: مسؤولية الإنسان تجاه الآخرين
 
 
 
 
 
151

136

المحاضرة السادسة عشرة

 تصدير الموضوع


يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾.

الإنسان قابل لتحمّل المسؤولية
عندما نتأمّل في خلق الله نجد أنّ:
- الجمادات والنباتات لا تمتلك العلم والشعور، والإرادة والاختيار، لذلك ليست صالحةً للتكليف...

- الحيوانات لا تصلح أيضاً للتكليف، ولا تتحمل مسؤولية، وذلك لأنها تفتقر إلى العقل والتفكّر...

- الملائكة هي الأخرى ليست بحاجة إلى التشريع والتكليف بالأحكام لأنّها موجودات أعلى وأسمى من المادة والماديّات...، يقول القرآن الكريم حول الملائكة: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ1.

ويقول: ﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُون﴾2.

- الإنسان قابل لتحمّل المسؤوليّة، وهو بحاجة إلى التكليف، لأنّه كائن ذو بعدين، فهو من جانبٍ حيوان يتّصف بالخصائص الحيوانية مثل الإحساس والشعور والإرادة والحركة والشهوة والغضب، ومن جانب آخر هو يمتلك العقل والتفكير ويمكنه أن يفكّر في عواقب الأمور...، جاء في الحديث الشريف عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
 
 

1- سورة التحريم، الآية 6.
2- سسورة الصافات، الآيات 164 – 166.
 
 
 
152

137

المحاضرة السادسة عشرة

 جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عليه السلام فَقُلْتُ: الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ أَمْ بَنُو آدَمَ؟


فَقَالَ: "قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام: "إِنَّ اللَّهَ رَكَّبَ فِي الْمَلَائِكَةِ عَقْلًا بِلَا شَهْوَةٍ، وَرَكَّبَ فِي الْبَهَائِمِ شَهْوَةً بِلَا عَقْلٍ، وَرَكَّبَ فِي بَنِي آدَمَ كِلْتَيْهِمَا، فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَنْ غَلَبَ شَهْوَتُهُ عَقْلَهُ فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْبَهَائِمِ"1

إنّ الإنسان على أثر هذه الخِلقة وبحكم هذه التركيبة قابل لتحمّل المسؤولية ويمكنه أن يكون مكلّفاً. يقول تعالى في القرآن الكريم: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا 2.

مسؤوليات الإنسان الثلاث
إنّ الإنسان كائن مسؤول ومكلّف، أي إنه مسؤول تجاه تكاليف ووظائف ومسؤوليات واسعة ومتنوعة، وهي تتلخّص في ثلاثة أقسام:
1. مسؤولية الإنسان أمام الله والنبيّ.
2. مسؤولية الإنسان تجاه نفسه.
3. مسؤولية الإنسان تجاه الإنسان الآخر.

الأوّل: المسؤولية تجاه الله
إنّ الإنسان مكلّف عقلاً وشرعاً بأن يجدّ ويجتهدَ في طريق معرفة الخالق الذي أوجده وأوجد كل ما هو موجود في عالم الكون، فهو
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 57، ص 299.
2- سورة الأحزاب، الآية 72.
 
 
 
153

138

المحاضرة السادسة عشرة

 المالك الحقيقيّ له ولها جميعاً، وهو الذي منحه كلّ تلك الأنعم .. وعليه أن يطيع كلّ أوامره، وأوامر أنبيائه.


يقول تعالى في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ1.

ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً2.

ويقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ3.

ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ4.

الثاني: مسؤوليّة الإنسان تجاه نفسه
إنّ للنوع الإنسانيّ - هو الآخر - غايةً مقرّرةً يمكنه التحرّك نحوها. وإنّ الله الحكيم أنزل برنامج سعادة البشر وتكاملهم على أنبيائه المصطفين ليقوموا بتبليغه إلى البشرية، ولكنّهم مخيّرون - مع ذلك - في اختيار طريق السعادة، أو طريق الشقاء. وقد جعِلَتْ مسؤوليّة تربية النفس وتكميلها على عاتق البشر أنفسهم .. فإذا لم يجتهد الإنسان في هذا
 

1- سورة محمّد، الآية 33.
2- سورة النساء، الآية 59.
3- سورة الحشر، الآية 7.
4- سورة البقرة، الآية 21.
 
 
 
154

139

المحاضرة السادسة عشرة

 السبيل يكون قد ظلم نفسه، ولن ينال شيئاً سوى الخسران والشقاء.


يقول في القرآن الكريم: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ1.

ويقول: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ2.

ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ3.

يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: "وَأَمَّا حَقُّ نَفْسِكَ عَلَيْكَ فَأَنْ تَسْتَوْفِيَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَتُؤَدِّيَ إِلَى لِسَانِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى سَمْعِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى بَصَرِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى يَدِكَ حَقَّهَا، وَإِلَى رِجْلِكَ حَقَّهَا، وَإِلَى بَطْنِكَ حَقَّهُ، وَإِلَى فَرْجِكَ حَقَّهُ، وَتَسْتَعِينَ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِك"4.

ومن أقدس الواجبات وأهمها تجاه النفس حرمة قتلها، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا﴾5.

وإنَّ ممّا عُلِمَ من الدِّين بالضرورة وتواترتْ به الأدلّة من الكتاب والسُّنَّة حُرمةُ دم المسلم؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال، وحرمته أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرّفة، بل من الدنيا أجمع. وفي
 

1- سورة البقرة، الآية 286.
2- سورة البقرة، الآية 281.
3- سورة التحريم، الآية 6.
4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج71، ص10.
5- سورة النساء، الآيتان 29 - 30.
 
 
 
155

140

المحاضرة السادسة عشرة

 ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا"1. وأوّل ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء، يقول النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أوّلُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصّلاةُ، وأوّلُ ما يُقضَى بينَ النّاسِ في الدماءِ"2، وذلك لعظم خطرها يوم القيامة.


فإذا وصل التسخُّط بالعبد إلى قتل نفسه؛ فهو متوعّد بوعيد شديد، مصداقاً للآية السّابقة: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ أي: مهما اشتدّ عليكم الأمر، فإنّ لكم مخرجاً في رحمة الله، فتطلّبوها واسعوا إليها واتوا أسبابها؛ يرحمكم الله، فمَن ترك هذا الطريق وقتل نفسه أو غيره فإنّه سينتقل إلى عذاب أشدّ ممّا حاول الفرار منه. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن تردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنّم يتردّى فيها خالداً مُخلِّداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سُمًّا فقتل نفسه فسُمّه في يده يتحسّاه في نار جهنّم خالداً مُخلِّداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنّم خالداً مُخلِّداً فيها أبدا"3.

الثالث: مسؤولية الإنسان تجاه الآخرين (التكافل الاجتماعيّ)
إنّ الإنسان كائن اجتماعيّ يعيش في المجتمع، ويميل إلى النمط الاجتماعيّ للحياة ... وإنّ الحياة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقّق للبشر من دون التعاون والتعاضد ومن دون رعاية الحقوق المتقابلة.
 
 

1- النسائي، سنن النسائي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1348 - 1930م، ط1، ج 7، ص 82.
2- المصدر نفسه، ص 83.
3- النسائي، السنن الكبرى، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1411هـ، ط1، ج1، ص638.
 
 
 
156

141

المحاضرة السادسة عشرة

 - روي عن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ نَفَعَ عِيَالَ اللَّهِ وَأَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ سُرُوراً"1.


- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ مَنِ انْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ"2.

- ويقول تعالى في القرآن: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ3.

- ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ 4.

- عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: "مَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَمَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُنَادِي يَا لَلْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ"5.

- ويقول تعالى في القرآن: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ6.

روي عن أبي عبد الله عليه السلام: "لَا وَاللَّهِ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً أَبَداً حَتَّى يَكُونَ لِأَخِيهِ مِثْلَ الْجَسَدِ إِذَا ضَرَبَ عَلَيْهِ عِرْقٌ وَاحِدٌ تَدَاعَتْ لَهُ سَائِرُ عُرُوقِهِ"7
 
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 164.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 72، ص 23.
3- سورة المائدة، الآية 2.
4- سورة الحجرات، الآية 13.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 164.
6- سورة التوبة، الآية 71.
7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 71، ص 233.
 
 
 
157

142

المحاضرة السادسة عشرة

 قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.1


وقال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ2.

وقد نفى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كمال الإيمان عمّن يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم: "مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِع‏"3.

وقد عد القرآن الإمساك وعدم الإنفاق سبيلاً للتهلكة، بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾4.

وأمر القرآن الكريم بالإحسان إلى أفراد المجتمع: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ5.

وقد جعل الإسلام كل مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه‏"6، ودعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الاهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال: "مَنْ
 

1- سورة البقرة، الآية 215.
2- سورة البقرة، الآية 195. ويراجع سورة البقرة: الآيات 53 و261-262 و267.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 668.
4- سورة البقرة، الآية 195.
5- سورة النساء، الآية 36.
6- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص38.
 
 
 
158

143

المحاضرة السادسة عشرة

 أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ"1.


وعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه عليه السلام يَقُولُ: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِنِ اشْتَكَى شَيْئاً مِنْه وَجَدَ أَلَمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ جَسَدِه وأَرْوَاحُهُمَا مِنْ رُوحٍ وَاحِدَةٍ وإِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ لأَشَدُّ اتِّصَالاً بِرُوحِ اللَّه مِنِ اتِّصَالِ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا"2.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ عَيْنُه ودَلِيلُه لَا يَخُونُه ولَا يَظْلِمُه ولَا يَغُشُّه ولَا يَعِدُه عِدَةً فَيُخْلِفَه"3.

ونفهم الواجبات والحقوق الفردية والاجتماعية المنبثقة عن هذه القاعدة الاجتماعية التي يؤسّسها القرآن في الأخوّة الاجتماعية في ما روي عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام في رسالة الحقوق، حيث يقول: "وحقُّ أخيكَ، أن تعلمَ أنَّه يدكَ الّتي تبسطُها، وظهرُك الّذي تلتجىءُ إليهِ، وعزُّك الّذي تعتمدُ عليهِ، وقوَّتك الّتي تصولُ بها، فلا تتّخذْهُ سلاحًا على معصيةِ اللهِ، ولا عُدَّةً للظلمِ لخلقِ اللهِ، ولا تدعْ نصرتَه على نفسِه ومعونَتَه على عدوِّهِ، والحؤولَ بينَه وبينَ شياطينِه، وتأديةَ النصيحةِ إليهِ، والإقبالَ عليهِ في اللهِ، فإنِ انقادَ لربِّهِ وأحسنَ الإجابةَ لهَ، وإلَّا فليكُن اللهُ آثرَ عندَكَ وأكرمَ عليكَ منهُ"4.

وللتأكيد على الجانب العمليّ للعمل الاجتماعيّ تؤكّد النصوص على عنصرَي الحب والبغض كونهما العنصرين الناظمين للعلاقات
 
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 163.
2- المصدر نفسه، ج2، ص 166.
3- المصدر نفسه، ج2، ص 166.
4- ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 263 - 264.
 
 
159

144

المحاضرة السادسة عشرة

 الاجتماعية. في الحديث عن عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام: "مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّه وتُبْغِضَ فِي اللَّه وتُعْطِيَ فِي اللَّه وتَمْنَعَ فِي اللَّه"1.


ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير في من لا يألف ولا يُؤلف"2. وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "المؤمن مألوف، ولا خير في من لَا يَأْلَفُ ولَا يُؤْلَف"3. ومفردة "ألف" في اللغة العربيّة تدلّ على انضمام شيء إلى شيء4.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 125.
2- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص462.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص102.
4- ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، إيران - قم، 1404ه، ط 1، ج1، ص131.
 
 
 
160

145

المحاضرة السابعة عشرة

 المحاضرة السابعة عشرة: الوفاء بالعهد ونقضه


الهدف العام
التعرّف على قيمة الوفاء بالعهد في الدين الإسلامي، والآثار السلبية لنقضه.

المحاور الرئيسة
- قيمة الوفاء بالعهد في القرآن
- لا دين لمن لا عهد له
- وجوب الوفاء بالعهد
- الآثار السلبية لنقض العهد
- أقسام العهد
 
 
 
 
161

146

المحاضرة السابعة عشرة

 تصدير الموضوع


عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "ثَلَاثٌ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عزّ وجلّ لِأَحَدٍ فِيهِنَّ رُخْصَةً: أَدَاءُ الْأَمَانَةِ إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ بَرَّيْنِ كَانَا أَوْ فَاجِرَيْنِ"1.

قيمة الوفاء بالعهد في القرآن
يُعدّ الوفاء بالعهد من الفضائل الأخلاقية، وبعكس ذلك يُعدّ نقض العهد من أسوأ الخصال والرذائل الأخلاقية.

ولهذا نقرأ في الآيات القرآنية والروايات الإسلامية تعابير قوية وشديدة تبين قيمة الوفاء بالعهد وتذمّ الذين ينقضون العهد والميثاق. وإنّ سياق الآيات الشريفة يدل بصراحة على أنّ الوفاء بالعهد والميثاق له منزلة رفيعة ومكانة سامية، فهو أحد علائم الإيمان ويقع في مرتبة التقوى والأمانة، وعلى درجة من الأهمية بحيث إنّ المسلمين وغير المسلمين سيان في ذلك. وأيضاً تدل هذه الآيات على أنّ أحد أهم العوامل والأسباب في شقاء الإنسان وانحطاطه هو نقض العهد وعدم الوفاء به. جاء في حديث أنّ شخصاً سأل الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام قال: "أَخبِرنِي بِجَمِيعِ شَرائعِ الدِّينِ" قال الإمام في جوابه: "قَولُ الحِقِّ وَالحُكمُ بِالعَدلِ وَالوَفـاءُ بِالعَهدِ"2.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص162، ح15.
2- الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص 113.
 
 
 
162

147

المحاضرة السابعة عشرة

 نكتفي بنماذج من الآيات الكريمة بالآتي:

- قال تعالى: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ﴾1.

تذكر الآية ستّ صفات هي الإيمان بالله تعالى ويوم القيامة والملائكة والأنبياء والكتب السماوية، ثم تأتي بعدها مسألة الإنفاق في سبيل الله. وتشير أيضاً إلى إقامة الصلاة وأداء الزكاة. وتذكر في الصفة الخامسة من هذه الصفات (الوفاء بالعهد). وهذا التعبير يوضّح أنّ الوفاء بالعهد في دائرة المفاهيم الإسلامية والقرآنية مهمّ إلى درجة أنّه وقع رديفاً للإيمان بالله والصلاة والزكاة.

ـ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ2.

تستعرض الآية صفات المؤمنين الحقيقيين وتفتتح السورة آياتها بالقول ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ثم تذكر سبع صفات من الصفات المهمّة والأساسية للمؤمنين، وفي الصفة الخامسة والسادسة تقول: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾.

ـ وحول لزوم الوفاء بالعهد، قال تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾3. وتخاطب آية أخرى جميع المسلمين وتأمرهم بالوفاء بعهد الله، قال تعالى: ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ﴾4.
 
 

1- سورة البقرة، الآية 117.
2- سورة المؤمنون، الآية 8، سورة المعارج، الآية 32.
3- سورة الإسراء، الآية 34.
4- سورة النحل، الآية 91.
 
 
 
163

148

المحاضرة السابعة عشرة

 لا دين لمن لا عهد له

ورد في الروايات تعبيرات مهمّة تشير إلى أنّ جميع معالم الدين وأركانه يتلخص بالوفاء بالعهد بالنسبة إلى الخالق والخلق، وعلى الأقل أنّه أحد الأركان المهمّة للدين، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "لا دِينَ لِمَنْ لا عَهدَ لَهُ"1.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "أَصلُ الدِّينِ أَداءُ الأَمـانَةِ وَالوَفَاءُ بِالعُهُودِ"2.

وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً: "مـا أَيقَنَ بِاللهِ مَنْ لَم يَرع عُهُودَهُ وَذِمَّتَه"3.

فلا شك أنّ الإيمان الحقيقيّ والاعتقاد بالتوحيد الأفعاليّ في واقع الإنسان وقلبه يعدّ أحد الأسباب المهمة للوفاء بالعهد والالتزام به، لأنّ من ينقض العهد فإنّه يرتكب هذه الخطيئة من موقع الجهل بقدرة الله ورازقيته وبدافع من منفعته العاجلة فينسى ما وعد به الله تعالى على الوفاء بالعهد. ولهذا نقرأ في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "مِنْ دَلائِلِ الإِيمـانِ الْوَفـاءُ بِالْعَهْدِ"4.

وجوب الوفاء بالعهد
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "مَنْ كـانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَفِ إِذا وَعَدَ"5.
 
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج69، ص198، ح26.
2- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 86.
3- المصدر نفسه، ص 253.
4- المصدر نفسه، ص 252.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 364.
 
 
 
164

149

المحاضرة السابعة عشرة

 ونقرأ في عهد الإمام عليّ عليه السلام المعروف لمالك الأشتر (رضي الله عنه) تأكيد الإمام عليّ عليه السلام على مسألة الوفاء بالعهد في مقابل أيّ إنسان وأيّ طائفة من البشر، حيث قال: "وإنَّ عَقَدتَ بَينَكَ وَبَينَ عَدُوِّكَ أَو أَلبَستَهُ مِنكَ ذِمَّةً فَحُطَّ عَهدَكَ بِالوَفـاءِ وَارعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمـانِةِ، وَاجعَلْ نَفسَكَ جُنَّةً دُونَ مـا أَعطَيتَ فَإِنَّهُ لَيسَ مِنْ فَرائِضِ اللهِ شَيءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيهِ اجتِمـاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهوائِهِم وَتَشَتُّتِ آرائِهِم مِنْ تَعظِيمِ الوَفـاءِ بِالعُهُودِ وَقَدْ لَزِمَ ذَلِكَ المُشرِكُونَ فِيمـا بَينَهُم دُونَ المُسلِمِينَ لِمَا استَوبَلُوا مِنْ عَواقِبِ الغَدرِ"1.


وجاء في حديث آخر عن الإمام عليه السلام يُشبّه العهد بالطوق المحيط برقبة الإنسان ويقول: "إنَّ العُهُودَ قَلائِدُ فِي الأعنَـاقِ إِلى يَومِ القِيـامَةِ فَمَنْ وَصَلَها وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ نَقضَهـا خَذَلَهُ اللهُ"2.

وورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لا تَعتَمِد عَلى مَودَّة مَنْ لا يوفِي بِعَهدِهِ"3.

وأساساً يمكن القول بأنّ ميزان النجاح الأشخاص في حياتهم الدنيوية يرتبط بمدى التزامهم بعهودهم، فمن كان منهم أكثر وفاءً بعهده فهو أعزّ وأشرف في نظر الناس، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام في حديث آخر: "الوَفـاءُ حِصْنُ السُّؤدَدِ"4.
 

1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص442، الرسالة 53.
2- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 252.
3- المصدر نفسه، ص 418.
4- المصدر نفسه، ص 251.
 
 
 
165

150

المحاضرة السابعة عشرة

 ونقرأ في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام ما يشير إلى أنّ الوفاء بالعهد هو أحد علائم الصالحين والطاهرين من الناس حيث يقول: "بِحُسْنِ الْوَفـاءِ يُعْرَفُ الاْبْرارُ"1.


الآثار السلبية لنقض العهد
إنّ نقض العهد إذا ساد في أجواء المجتمع البشريّ، فإنّه يفضي إلى سلب الثقة بين أفراد المجتمع ويتلاشى عنصر الاتّحاد والتكاتف فيما بينهم، ولهذا نقرأ في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إِذا نَقَضُوا العَهدَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم عَدُوَّهُم"2.

وفي رواية عن الإمام عليّ أنّه قال: "وَالْخُلْفُ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ النّـاسِ"3.

وقد ورد في بعض الروايات أنّ الإنسان المؤمن إذا وعد غيره بشيء فإنّه بمنزلة النذر رغم عدم وجوب الكفارة عند عدم الوفاء به، كما يقول الإمام الصادق عليه السلام: "عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخـاهُ نَذْرٌ لا كَفّـارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللهِ بَدَءَ وَلَمِقْتِهِ تَعَرَّضَ وَذلك قَوْلُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾4"5.
 

1- المصدر نفسه.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 374.
3- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 444، الرسالة 53 في عهده إلى مالك الأشتر رضي الله عنه-.
4- سورة الصف، الآية 2.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 363.
 
 
 
166

151

المحاضرة السابعة عشرة

 أقسام العهد

هناك أنواع وأقسام للعهد حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
1 العهد مع الله.
2 العهد مع الناس.
3 العهد مع النفس.

أما العهد مع الله تعالى فالكثير من الفقهاء ذكروا في كتبهم الفقهية بحث العهد إلى جانب بحث النذر، وذكروا أنّه لو أراد الشخص أن يعاهد الله على أمر من الاُمور فعليه إجراء صيغة العهد وهي أن يقول مثلا: "عـاهَدْتُ اللهَ أَنَّهُ مَتـى شَفـانِي أَصومُ ثَلاثَةَ أَيّـام أَوْ أَتَصَدَّقُ بِكَذا وَكَذا". وحينئذ يجب عليه الوفاء بعهده هذا ولو إرتكب ما ينقض هذا العهد عليه دفع كفارة، وكفارته على المشهور هي كفارة إفطار يوم من شهر رمضان المبارك.

وأمّا العهد مع الناس فيشمل كل أشكال العقود والمواثيق بين أفراد البشر، وفيما لو تأطرت بقوالب شرعية وعقلائية فالوفاء بها واجب.

أما عهد الإنسان مع نفسه فهو أن يتعاهد الإنسان بأن يلتزم تهذيب النفس وإصلاحها في طريق التكامل الأخلاقيّ والمعنويّ والتحلّي بالصفات الحسنة والأعمال الصالحة، وهذا العهد له دور مؤثّر وبنّاء في سلوك خطّ التهذيب النفسيّ.
 
 
 
 
167

152

المحاضرة الثامنة عشرة

 المحاضرة الثامنة عشرة: العجلة والتسرّع وأثرها في السلوك


الهدف العام
التعرّف على نظرة الإسلام إلى مفهوم العجلة والتسرّع، والحث على المسارعة في الخيرات.

المحاور الرئيسة
- خُلق الإنسان من عجل
- مفهوم العجلة والتسرّع
- الآثار السلبية للعجلة والتسرّع
- المسارعة في الخيرات خُلق حميد
- طرق العلاج
 
 
 
 
169

153

المحاضرة الثامنة عشرة

 تصدير الموضوع


روي عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "مَنِ اِسْتَطَاعَ اَن يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِن أَرَبَعَة أَشياء فَهُوْ خَليقٌ بِاَنْ لا يَنْزِلَ بِهِ مَكرُوهٌ اَبَداً. قِيلَ وَمَا هِي؟ قَالَ: الْعَجَلَةُ وَاللِّجاجَةُ وَالعُجْبُ وَالتَّواني"1.

خُلق الإنسان من عجل
إنّ العجلة والتسرع في نظر الإسلام صفة سلبية. فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العَجَلَةُ مَذمُومَةٌ فِي كُلِّ أمْر اِلاّ فِيمَا يَدفَعُ الشَّرَّ"2. وتقع في مقابل القيم الأخلاقية الايجابية من الصبر والمثابرة والتأني، والصبر والتأني يعدّان من أهم الفضائل الأخلاقية والإنسانية.

وتتحدّث بعض الآيات عن طبيعة الإنسان وكأنّه في سلوكه وحركته في حياته إلى درجة من العجلة وكأنّ ذاته ونفسه قد عُجنت بالعجلة فهي عين العجلة. قال تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾3.

تشير هذه الآية إلى أنّ طبيعة الإنسان مخلوقة منذ اليوم الأوّل بالعجلة والتسرّع، ولكنّه يجب عليه استخدام هذه الحالة وسلوك طريق التسرّع والعجلة بعد توفّر المقدمات للعمل لا قبل ذلك
 

1- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 206.
2- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 267.
3- سورة الأنبياء، الآية 37.
 
 
 
170

154

المحاضرة الثامنة عشرة

  أمّا قوله تعالى ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ فهو إشارة إلى أنّ طبع الإنسان الأوليّ هو أن يتحرّك بسرعة باتّجاه إشباع حاجاته ورغباته البدنية والنفسية. وقد ورد هذا المضمون أيضاً في الآية 19 من سورة المعارج حيث يقول تعالى ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا 1 أي حريصاً وقليل الصبر.


وروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "وَاَعِرِفْ طَريقَ نِجاتِكَ وَهَلاكِكَ كَي لا تَدعُو اللهَ بِشَيء عَسى فِيهِ هَلاكُكَ وَاَنْتَ تَظُنُّ اَنّ فيهِ نَجاتُكَ قَالَ اللهُ تَعالى ﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً﴾2"3.

وفي آية أخرى يخاطب الله تعالى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ويوصيه بالصبر والاستقامة كما هي حالة الأنبياء الماضين. وبالرغم من أنّ التاريخ شاهدٌ على أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يتحرّك من موقع العجلة والتسرّع بل كان يسلك في خطّ المثابرة والصبر والاستقامة في كلّ أعماله وأفعاله، ولكنَّ الآية الشريفة جاءت لتؤكد هذا المعنى على نبيّنا الكريم وتقول: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ﴾4.
 
 

1- سورة المعارج، الآية 19.
2- سورة الإسراء، الآية 11.
3- الإمام الصادق، جعفر بن محمد عليهما السلام منسوب-، مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1400ه - 1980م، ط1، ص 143.
4- سورة الاحقاف، الآية 35.
 
 
171

155

المحاضرة الثامنة عشرة

 مفهوم العجلة والتسرّع

إنّ العجلة بما هي صفة ذميمة في سلوك الإنسان تظهر باشكال مختلفة، بمعنى أنّ الإنسان وقبل أن يوفّر مقدّمات العمل يُقدم على تحصيل النتيجة. وهذا العمل لا يترتّب عليه سوى الفشل أو يثمر ثمرة ناقصة. وهذا كما لو أنّ الإنسان قطف الثمرة قبل نضجها فإنّه يحرم نفسه من طيب هذه الثمرة أو تكون ذات فائدة قليلة، أو أنّه يقوم بنثر البذور على الأرض قبل أن يحرثها فتكون النتيجة تلف البذور أو قلّة المحصول الزراعيّ، ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الصدد: "وَمُجْتَنِي الثَّمَرةِ لِغَيرِ وَقتِ اِيناعِهَا كَالزّارعِ بِغَيرِ اَرْضِهِ"1.

أي أنه يتلف طاقاته ورأس ماله بدون أن يعود عليه بالفائدة المطلوبة. وصفة العجول: تقال للأشخاص الّذين لا يتمتعون بحالة الصبر في أعمالهم وأقوالهم وتعاملهم مع الآخرين ولغرض الوصول إلى هدفهم لا يسلكون الطريق الصحيح لذلك، فلهذا السبب فإنّهم يقعون في دوامة من المشكلات والنواقص في حركتهم الاجتماعية وسلوكهم في خطّ التكامل الماديّ والمعنويّ.

والصفة المقابلة للعجلة والتسرّع هي "التأنّي" والتريّث والتحمّل. ولا ينبغي أن تؤخذ "العجلة" بمعنى السرعة في الإقدام على العمل والّذي يحمل مضموناً إيجابياً في حركة الحياة، فالسرعة في العمل تكون بعد توفّر المقدّمات المطلوبة لذلك العمل وأن لا يدع الإنسان الفرصة
 

1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 52، الخطبة 5.
 
 
 
172

156

المحاضرة الثامنة عشرة

 تفلت من يده للحصول على النتيجة والثمرة، فمثل هذا العمل من الواضح أنّه يعدّ أحد العوامل المهمّة للفلاح والنجاة والموفّقية.


ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في بيان الفرق بين مفهوم العجلة والسرعة أو مفهوم التسرّع والسرعة قوله: "اِيّاكَ وَالعَجَلَةَ بِالاُمُورِ قَبْلَ اَوانِهَا، وَالتَّساقُطَ فِيها عِندَ اِمْكانِها"1.

الآثار السلبية للعجلة والتسرّع
ورد في روايات كثيرة ذمّ العجلة وبيان الآثار المترتّبة عليها، منها:
أ اليأس: من المعطيات السلبية للعجلة، حالة اليأس الّتي تصيب الإنسان عندما لا ينال مقصوده ولا يتسنّى له تحصيل النتيجة من عمله. وقد يفضي به هذا الحال إلى أن يسيء الظنّ بكلّ شيء حتّى بالتقدير الإلهيّ. ولذلك ورد في الحديث الشريف عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال: "فَلَا تَعْجَلْ عَلَى ثَمَرَةٍ لَمْ تُدْرِكْ وَإِنَّمَا تَنَالُهَا فِي أَوَانِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُدَبِّرَ لَكَ أَعْلَمُ بِالْوَقْتِ الَّذِي يَصْلُحُ حَالُكَ فِيهِ فَثِقْ بِخِيَرَتِهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ يَصْلُحْ حَالُكَ وَلَا تَعْجَلْ بِحَوَائِجِكَ قَبْلَ وَقْتِهَا فَيَضِيقَ قَلْبُكَ وَصَدْرُكَ وَيَخْشَاكَ الْقُنُوط"2.

ب. الحزن والغمّ: وقد ورد هذا المعنى في إحدى الكلمات القصار لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قال "العَجَلُ قَبْلَ الإمكانِ يُوجِبُ الغُصّةَ"3.
 
 

1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص 52، 444، الرسالة 53 عهده إلى مالك اشتر-.
2- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 75، ص 379.
3- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 267.
 
 
 
173

157

المحاضرة الثامنة عشرة

 ج. زيادة الخطأ: ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "إِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ فَإِنَّكَ إِذَا عَجَّلْتَ أَخْطَأْتَ حَظَّكَ"1. ويقول أمير المؤمنين عليه السلام "مَعَ العَجَلِ يَكْثُرُ الزَّلل"2، و"مَن عَجَل كَثُرَ عِثارُهُ"3.


د. الهلاك: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر "اِنَّما اَهْلَكَ النّاسَ الْعَجَلَةُ وَلَوْ اَنَّ النّاسَ تَثَبَّتُوا لَمْ يهلكْ أَحدٌ"4. وطبعاً المقصود من الهلكة هو الموت بسبب الحوادث غير المتوقّعة والّتي تكون معلولة بالعجلة وعدم التثبّت من الأمور.

ه. الغصّة: ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "الْعَجَلُ قَبلَ الْاِمْكانِ يُوجِبُ الغُصَّةَ"5، لأنّ العجلة تهدر أتعاب الإنسان وسعيه ولا يصل إلى نتيجة مطلوبة.

و. الندامة: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مَعَ التَّثَبُّتِ تَكونُ السَّلامَةُ وَمَعَ العَجَلَةِ تَكونُ النَّدامَةُ"6.

المسارعة في الخيرات خلق حميد
نقرأ في القرآن الكريم في آيات عدّة الدعوة إلى المسارعة في الخيرات والمسابقة في الحسنات، ومن ذلك ما ورد في الآية 114 من سورة آل
 

1- ورام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام‏، مصدر سابق، ج 2، ص 350.
2- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 267.
3- المصدر نفسه.
4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 340.
5- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 267.
6- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 338.
 
 
 
174

158

المحاضرة الثامنة عشرة

 عمران في وصف بعض المؤمنين الحقيقيين حيث يقول ﴿.. وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ1.


ويقول في سورة الأنبياء الآية 90 في وصف جماعة من الأنبياء العظام مثل زكريا ويحيى ويقول عنهم ﴿.. إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ...2.

ويقول في الآية 61 من سورة المؤمنين في شرح الصفات البارزة لهؤلاء المؤمنين: ﴿أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾3.

وهذا المعنى نفسه ورد في الآية 148 من سورة البقرة تحت عنوان المسابقة في الخيرات حيث تقول الآية ﴿...فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ...﴾4.

وقد ورد في الروايات الإسلامية إشارات جميلة وعميقة المعنى بالنسبة إلى هذا الموضوع، منها:
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اِنّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الخَيْرِ مَا يُعَجَّلُ"5.
- وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "بَادِرُوا بِعَمَلِ الخَيرِ قَبلَ اَن تُشغَلُوا عَنْهُ بِغَيرِهِ"6.
- وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "مَن هَمَّ بِخَير فَلْيُعَجِّلْهُ وَلا يُؤَخِّرْهُ"7.
 
 

1- سورة آل عمران، الآية 114.
2- سورة الأنبياء الآية 90.
3- سورة المؤمنين، الآية 61.
4- سورة البقرة، الآية 148.
5- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 142.
6- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 110.
7- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 142.
 
 
 
175

 


159

المحاضرة الثامنة عشرة

 - وجاء هذا المعنى أيضاً في حديث آخر بصورة مفصلة، قال الإمام الصادق عليه السلام: "اِذا هَمّ اَحَدُكُم بِخَير أَوَ صِلَة فَاِنّ عَن يَمينِهِ وَشِمالِهِ شَيطانَينَ فَلْيُبادِرْ لا يَكُفّاهُ عَن ذَلِكَ"1.

- وعن الإمام الباقر عليه السلام "مَن هَمَّ بِشَيْء مِنَ الخَيرِ فَلْيُعَجِّلْهُ فَاِنَّ كُلَّ شَيْء فيهِ تَأخيرٌ فَاِنَّ لِلشَّيطانِ فِيهِ نَظْرَةً"2.

ولهذا لا بدّ أيضاً من أن يفرّق الإنسان بين السرعة والمسارعة في أعمال الخير، وبين العجلة المذمومة الّتي تكون قبل توفّر مقدّمات العمل.

طرق العلاج
ولغرض التصدّي لهذه الرذيلة الأخلاقية وعلاجها أو الوقاية منها فقبل كلّ شيء يجب التفكّر في هذه العواقب الوخيمة والآثار السيئة لحال الاستعجال والتسرّع. فلو أنّ الشخص تفكّر في هذه الأمور والآثار السيئة، فإنّه سيدرك حتماً أنّ الاستعجال في العمل مضافاً إلى أنّه لا يوصله إلى مقصده ولا يحصل على غايته بسرعة فإنه قد لا يحصل عليها أبداً فيما بعد. ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّما أهلك الناس العجلة ولو أنّ الناس تثبّتوا لم يُهلك أحد"3.
 

1- المصدر نفسه، ج 2، ص 143 .
2- المصدر نفسه.
3- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 68، ص 340.
 
 
 
176

160

المحاضرة التاسعة عشرة

 المحاضرة التاسعة عشرة: الشكر وكفران النعمة


الهدف العام
التعرّف على الآثار السلبية لكفران النعم، والتربية على فضيلة الشكر.

المحاور الرئيسة
- معنى كفران النعمة
- الشكر وكفران النعمة في آيات
- عواقب كفران النعم
- الشكر قناة موصلة للنعم الإلهية
- أسباب ودوافع الكفران
- التربية على شكر الله تعالى
- شكر الخالق وشكر المخلوق
 
 
 
 
177

161

المحاضرة التاسعة عشرة

 تصدير الموضوع


ورد في حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "مَنْ شَكَرَ النِّعَمَ بِجِنـانِهِ استَحَقَّ المَزيدَ قَبْلَ أَن يَظهَرَ عَلَى لِسـانِهِ"1.

معنى كفران النعمة
الكفر يعني في الأصل الإخفاء. وبما أنّ الكافر يسعى في إخفاء وتغطية النعمة وقيمتها فسمّي عمله بالكفران.

ومن البديهيّ أنّ الكفران مرّة يكون بالقلب واُخرى باللسان وثالثة بالعمل. ففي قلبه لا يستشعر الإنسان أهمية تلك النعمة، ويصرّح بلسانه بقلّة النعمة وعدم أهمّيتها. وفي العمل لا يتحرّك من موقع الاهتمام بمواهب الله عليه، وبدلاً من أن يستعملها بالخير، يستعملها بالشرّ. ولذلك قال كبار علماء الأخلاق: "الشُّكْرُ صَرفُ العَبدِ جَمِيعَ مـا أَنْعَمَهُ اللهُ تَعـالى فِي مـا خُلِقَ لأجلِهِ"2.

والكفران هو عدم الاعتناء بالنعم وتحقيرها وتضييعها، وهو أيضاً من الرذائل الأخلاقية ذات العواقب الوخيمة، سواء كانت على الصعيد الفرديّ أو الاجتماعيّ. والكفران هو استعمال النعم في غير محلّها، فالعين التي وهبها الله تعالى للإنسان ليرى بها طريق الحق والآيات
 

1- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 280.
2- راجع: المازندراني، المولى محمد صالح بن أحمد، شرح أصول الكافي، تعليقات الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح السيد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1421ه - 2000م، ط1، ج 12، ص 492.
 
 
178

162

المحاضرة التاسعة عشرة

 الإلهية ويشخصّ بها الطريق السويّ من البئر لئلّا يقع فيها، فإذا به يستعملها في موارد الحرام، وكذلك اليد والأُذن وغيرهما من الجوارح أو المال والثروة.


جاء عن الإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال: "الذُّنُوبُ الَّتِي تُغَيُّرُ النِّعَمَ البَغيُ عَلَى النّاسِ والزَّوالُ عَنِ العادَةِ فِي الخَيرِ واصطِناعِ المَعرُوفِ، وَكُفرانُ النِّعَمِ وَتَركُ الشُّكْرِ"1.

الشكر وكفران النعمة في آيات
يزخر كتاب الله بالحديث عن الآيات التي تذمّ حالة الكفران، وتمدح حالة الشكر للنعمة، نذكر منها:

ـ قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾2.
تستعرض الآية كلام النبيّ موسى عليه السلام مع بني إسرائيل، حيث يذكّرهم بأمر إلهيّ مهمّ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾3، فذكّرهم النبيّ عليه السلام بقضية الشكر ومعطياته والكفران وآثاره السلبية وذلك بعدما انتصروا على فرعون ونالوا الاستقلال وذاقوا طعم الحرية والعظمة وظهرت منهم بوادر كفران النعمة. وجملة "لأزيدنّكم" فيها أنواع من التأكيدات، فهي وعد إلهيّ قطعيّ للشاكرين، بأنّه سيزيدهم من فضله، وفي الوقت نفسه
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج70، ص375.
2- سورة إبراهيم، الآية 7.
3- سورة إبراهيم، الآية 7.
 
 
 
179

163

المحاضرة التاسعة عشرة

 تهديد شديد ووعيد مخيف لكفّار النعم بأنّ عليهم أخذ العبرة من قصة بني اسرائيل عندما كفروا أنعُم الله "فتاهوا" في الصحراء أربعين سنة.


ـ قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ 1.

"الآية من الآيات تتوجّه بالخطاب إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وتبيّن أنّ كفران النعم الإلهية يمكن أن يؤدّي بقوم أو بمجتمع بأكمله إلى قعر جهنّم ولا يستبعد نزول العذاب الدنيويّ فيها حيث تبدّل دنياهم إلى جحيم لا يطاق. وقد اختلف المفسّرون في المقصود من النعمة في هذه الآية، فبعض قال: إنّها بركة وجود الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فالعرب المشركون قد كفروا بالنعمة بإنكارهم لدعوته ورفضهم الإذعان لرسالته فأحلّوا قومهم دار البوار، وفسّرها بعضهم الآخر بأهل البيت عليهم السلام حيث كفر بهم بعض الناس أمثال بني أُمية. ولكن على الظاهر أنّ مفهوم الآية أوسع من هذه الدوائر والاُطر في مصاديق الآية ويشمل جميع النعم الإلهية.

ـ قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ2.

تتحدث هذه الآية عن جماعة أنعم الله تعالى عليهم بنعمة ظاهرة وباطنة، نعمة الأمان والرزق الكثير والنعم المعنوية والروحية التي
 

1- سورة إبراهيم، الآيتان 28 - 29.
2- سورة النحل، الآية 112.
 
 
 
180

164

المحاضرة التاسعة عشرة

 نزلت عليهم بواسطة نبيّهم، ولكنّهم كفروا تلك النعم فعاقبهم الله تعالى بعقاب الجوع والخوف، ... ﴿فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾.


عواقب كفران النعم
تناولت الروايات الإسلامية آثار حالة الكفران المشؤومة وأضرارها، وتبيّن مدى خطورة هذه الرذيلة وآثارها السيئة على مستوى الحياة الفردية والاجتماعية وكيف أنّ الإنسان ينحدر من أوج الكرامة وذروة النعمة إلى قعر الذلّة والمسكنة، وتُسلب منه التوفيقات الإلهية ويبتعد عن الله تعالى ويقترب من الشيطان.
ـ عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أَسرَعُ الذُّنُوبِ عُقُوبَةً كُفرانُ النِّعْمَةِ"1.
ـ وعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أنّه قال: "سَبَبُ زَوالِ النِّعَمِ الكُفرانُ"2.
ـ وعنه أيضاً عليه السلام: "كُفرُ النِّعْمَةِ مُزيلُهـا وَشُكرُهـا مُستَدِيمُهـا"3.
ـ والاستدراج هو أحد عقوبات الباري تعالى ويعني أنّ الله تعالى يغدق على عبده الكافر نعمه ثم يسلبها منه حتى يحس بالألم والعناء الشديدين، وقد جاء في حديث عن الإمام الحسين عليه السلام: "الاستِدراجُ
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج66، ص70.
2- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 323.
3- المصدر نفسه.
 
 
 
181

165

المحاضرة التاسعة عشرة

 مِنَ اللهِ سُبحـانَهُ لِعَبدِهِ أَنْ يُسْبِغَ عَلَيهِ النِّعَمَ وَيَسلُبَهُ الشُّكرَ"1.


وفي حديث عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أنّه قال: "كُفرُ النِّعْمَةِ لُؤمٌ وَصُحْبَةُ الأحمَقِ شُؤمٌ"2.

الشكر قناة موصلة للنعم الإلهية
إنّ الإنسان المنعم يتوقّع الشكر من الطرف الآخر، أو ربّما يحتاجه في بعض الأحيان، سواء كان احتياجاً مادياً أو معنوياً. ولكن الباري، تعالى، هو الغنيّ عن العالمين، حتّى ولو كفر الناس جميعاً، فهو لا يحتاج لشكرهم، ومع ذلك فقد أكّد سبحانه على الشكر، فمثله كمثل باقي العبادات، ونتيجته تعود على نفس الإنسان. وإذا ما دقّقنا النظر قليلاً فسندرك أنّ الإنسان إذا قدّر النعم الإلهية سواء كان بالقلب أو اللسان أو بالعمل، فهو يستحقّ تلك النعمة، والله تعالى هو الحكيم لا يسلب النعمة من مستحقّها ، فعندما يشكر الإنسان النعم فلسان حاله يقول إنّني مستحقّ للنعم، وحكمة الباري لا توجب له النعمة فقط بل تزيده أيضاً3. وهذا ما نفهمه من الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام كما عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "بالشكر تدوم النعم ، وبالكفر زوالها ، وخير القول أصدقه"4. وعنه عليه السلام قال: "ثَمَرَةُ الشُّكرِ زِيادَةُ النِّعَمِ"5.
 

1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص117.
2- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 323.
3- الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأخلاق في القرآن الكريم، ج
4- الشافعي، محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام ، الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، إيران - قم، 1415ه، ط1، ج2، ص150.
5- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص207.
 
 
182

166

المحاضرة التاسعة عشرة

 وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه وبمجرّد الحمد والثناء يصدر الباري تعالى أمره بزيادة النعم على ذلك العبد، فقال: "مـا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبد مِنْ نِعمَة فَعَرَفَها بِقَلبِهِ وَحَمِدَ اللهَ ظـاهِراً بِلِسـانِهِ فَتَمَّ كَلامُهُ حَتّى يُؤمَرَ لَهُ بِالمَزيدِ"1.


وروي عنه عليه السلام أنّه قال: "مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ اشْكُرْ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْكَ وَأَنْعِمْ عَلَى مَنْ شَكَرَكَ فَإِنَّهُ لَا زَوَالَ لِلنَّعْمَاءِ إِذَا شُكِرَتْ وَلَا بَقَاءَ لَهَا إِذَا كُفِرَتْ"2.

وقد دلت النصوص على أنّ الشكر سبب لبقاء النعم، وكفرها سبب في زوالها، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾3. ومن آثار الشكر الجزاء الذي قال الله تعالى عنه: ﴿وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ 4، و﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾5 أي: سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم، فالمولى أطلق جزاء الشاكرين فلم يقيّده بشيء.

وعليه يمكن القول: إنّ أهل البيت عليهم السلام قد رسموا لنا في منهجهم التربويّ معادلة واضحة مفادها أنّ دوام النعم وبقاءها مسبّب عن دوام الشكر للمنعم واستمراره في آناء الليل والنهار. روي عن أبي عبد الله عليه السلام قوله: "من أعطي الشكر أعطي الزيادة يقول اللَّه عزّ
 
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص95، ح9.
2- المصدر نفسه، ج2، ص94، ح 3.
3- سورة إبراهيم، الآية 7.
4- سورة آل عمران، الآية 144.
5- سورة آل عمران، الآية 145.
 
 
 
183

167

المحاضرة التاسعة عشرة

 وجلّ ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾1"2. "مـا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبد مِنْ نِعمَة فَعَرَفَها بِقَلبِهِ وَحَمِدَ اللهَ ظـاهِراً بِلِسـانِهِ فَتَمَّ كَلامُهُ حَتّى يُؤمَرَ لَهُ بِالمَزيدِ"3.


والقرآن الكريم أشار في موارد عديدة إلى فضيلة الشكر عند الأنبياء العظام، وأمرهم بالشكر4. وقد خاطب آل داوود: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ5.

ويقول في مكان آخر إنّ شرط رضا الباري تعالى هو الشكر: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ...6.

أسباب ودوافع الكفران
التقصير في الشكر ينشأ من عدم معرفة الإنسان بالمنعم بصورة كاملة. وأساساً فإنّه لا يتحرّك في طريق التدبّر في النعم الإلهية. فمثلاً عندما ننظر إلى بدننا وما فيه من عجائب ودقائق وتفاصيل على مستوى الخلقة فسنتوجه إلى أهمية تلك النعم ويتحرك فينا حسّ الشكر لله تعالى. ولذلك قالوا: إنّ أول طريق للشكر هو المعرفة والتفكير بالمواهب والصنائع الإلهية وأنواع نعمه الظاهرة والباطنة.
 

1- سورة إبراهيم، الآية 7.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص95.
3- المصدر نفسه.
4- راجع: سورة النحل، الآية 212; سورة الإسراء، الآية 3; سورة لقمان، الآية 12; سورة سبأ، الآية 13.
5- سورة سبأ، الآية 13.
6- سورة الزمر، الآية 7.
 
 
 
184

168

المحاضرة التاسعة عشرة

 ويعتبر الإمام الخميني قدس سره أنّ ما ذكره المحقّقون في الشكر مبنيّ على المجاز والمسامحة، لأنّ الشكر لا يكون نفس المعرفة بالقلب، والإظهار باللسان، والعمل بالأعضاء والجوارح، بل هو حالة نفسية ناجمة عن معرفة المنعم والنعمة وأنّ هذه النعمة من المنعم، وتُنتج من هذه الحال الأعمال القلبية القالبية العمل بالجوارح1 وقد ذكر الإمام الصادق عليه السلام في كتاب "التوحيد" المعروف بتوحيد المفضّل حقائق توحيدية هامّة من موقع تحليل ماهية النعم الإلهية في تفاصيلها الدقيقة ومن خلالها ينفتح الإنسان على المنعم الحقيقي.


قال عليه السلام: "فَإنّه لَو لَم يَكُن لَهُ لِسان مُهيأ للكَلامِ وَذِهن يَهتَدِي بِهِ للاُمورِ لَم يَكُن لِيتَكَلَّمَ أَبَداً، وَلَو لَم يَكُن لَهُ مُهيأةً وَأَصـابِعَ للِكِتابَةِ لِيَكتُبَ أَبداً، واعتَبر ذَلِكَ مِنَ البَهائِمِ الّتي لا كَلامَ لَها ولا كِتابَةَ، فَأصلِ ذَلِكَ فَطرَةِ البـاري عَزَّ وجَلَّ ومـا تَفضّل بِهِ عَلَى خَلقِهِ، فَمن شَكَرَ اُثِيبَ، وَمَنْ كَفَرَ فإنَّ اللهَ غَنِيٌ عَنِ العـالَمِينَ"2.

التربية على شكر الله تعالى
جاء في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً، أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان في يوم من الأيّام راكباً ناقته وفجأة نزل وسجد خمس سجدات، وعندما قام وركب مركبه، قلت له: يا رسول الله رأيت منك اليوم
 

1- الإمام روح الله الموسوي الخميني، الأربعون حديثاً، الحديث الواحد والعشرون الشكر-، ص381.
2- المفضل بن عمر الجعفي، التوحيد، تعليق كاظم المظفر، مؤسسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1404 - 1984م، ط2، ص 40. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 58، ص 258.
 
 
 
185

169

المحاضرة التاسعة عشرة

 أمراً لم أره من قبل، فقال: "نِعَمٌ استَقبَلَني جِبرئِيلُ عليه السلام فَبَشَّرنِي بِبشـارات مِنْ اللهِ عزّ وجلّ فَسَجَدتُ للهِ شكُراً لِكُلِّ بُشرى"1.


وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه أمر بشكر جامع وكامل فقال: "إِذا أَصبَحتَ وَأَمسَيتَ فَقُلْ عَشرَ مَرّات: اللَّهُمَّ مـا أَصبَحتْ بِي مِنْ نِعمَة أو عـافِية مِنْ دِين أو دُنيـا فَمِنكَ وَحدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الحَمدُ وَلَكَ الشُّكرُ بِهـا عَلَيَّ يـا ربِّ حَتّى تَرضى وَبَعدَ الرّضا"2.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "شَرُّ النّاسِ مَنْ لا يَشكُرُ النِّعمَةَ وَلا يرعى الحُرُمَةَ"3.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عِندَ عـائِشة لَيلَتها فَقـالَتْ: يـا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَتعَب نَفسَكَ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مـا تَقَدمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمـا تأَخرَ؟ فَقَالَ: يـا عـائِشة أَلا أَكُونَ عَبدَاً شَكُوراً؟"4.

في حديث عن هشام بن الأحمر أنّه قال: "كُنتُ أَسِيرُ مَعَ أَبي الحَسن عليه السلام (الكاظم) فِي بَعضِ أَطرافِ المَدِينةِ إذ ثَنّى رِجلَهُ عَن دابَّتِهِ فَخَرَّ ساجِداً، فَأَطـالَ وَطـالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَرَكَبَ دابَّتَهُ فَقُلتُ: جُعلتُ فداك قَد أَطلتَ السُّجُودَ؟ فَقالَ: "إنّني ذَكَرتُ نِعمَةً أَنعَمَ اللهُ بِها عَلَيّ فأَحبَبتُ أَنْ أَشكُرَ رَبِّي"5.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص98، ح24.
2- المصدر نفسه، ج2، ص99، ح28.
3- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 322.
4- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص95، باب الشكر، ح6.
5- المصدر نفسه، ج 2، ص 98، ح 26.
 
 
 
186

170

المحاضرة التاسعة عشرة

 ويُعلم من هذه الرواية أنّ الأئمّة عليهم السلام ، كانوا ملتزمين بأداء الشكر لكلّ نعمة، وكانوا يوصون مريديهم ومحبّيهم بذلك أيضاً، حيث جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إِذا ذَكَرَ أَحَدُكُم نِعمَةَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَليَضَع خَدَّهُ عَلى التُّرابِ شُكراً للهِ، فَإِنْ كانَ راكِباً فَليَنزِل فَليَضَعَ خَدَّهُ عَلَى التُّرابِ، وإِنْ لَم يَكُن يَقدَرُ عَلَى النُّزُولِ للشُّهرَةِ فَليَضَع خَدَّهُ عَلى قَربُوسِه، وإن لَم يَقدر فَليَضَع خَدَّهُ عَلى كَفِّهِ ثُمَّ لِيحمِدَ اللهَ عَلى مـا أَنعَم عَليهِ"1.


وورد في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام ، أنّه قال لأحد أصحابه: "مـا أَنعَمَ اللهُ عَلَى عَبد بِنِعمَة صَغُرَتْ أَو كَبُرَتْ فَقَالَ الحَمدُ للهِ إلاّ أَدّى شُكْرَها"2.

ونقرأ في حديث ثالث عنه عليه السلام ، أنّ أحد أصحابه سأله: "هَلْ لِلشُّكرِ حَدٌّ إِذا فَعَلَهُ العَبدُ كَانَ شـاكِراً؟ قَالَ: نَعم، قُلتُ: مـا هُوَ؟ قَالَ: يَحَمدُ اللهَ عَلَى كُلِّ نِعمَة عَلَيهِ فِي أَهل وَمـال وإِن كانَ فِيمـا أَنعَمَ عَلَيهِ فِي مـالِهِ حَقٌّ أَداهُ، وَمِنهُ قَولُهُ عزّ وجلّ: ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾3..."4.

شكر الخالق وشكر المخلوق
ورد في الرواية المعروفة عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
 

1- المصدر نفسه، ج 2، ص 98، ح 25.
2- المصدر نفسه، ج2، ص96، ح14.
3- سورة الزخرف، الآية 13.
4- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص96، ح12.
 
 
 
187

171

المحاضرة التاسعة عشرة

 قوله: "مَن لَم يَشْكُرِ المُنعِمَ مِنَ المَخلُوقِينَ لَم يَشكُرِ اللهَ عزّ وجلّ"1.


وورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله، أنّه ورد في التوراة: "اُشكُرْ مَنْ أَنعَمَ عَلَيكَ وَأَنعِمْ عَلَى مَنْ شَكَرَكَ"2.

ونقرأ في المفاهيم القرآنية أنّ الله تعالى يأمر بتقديم الشكر للمخلوقين إلى جانب شكره تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾3.
 
 

1- الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، مصدر سابق، ج2، ص24.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص94.
3- سورة لقمان، الآية 14.
 
 
 
188

172

المحاضرة العشرون

 المحاضرة العشرون: المدرسة الأخلاقية عند أهل البيت عليهم السلام


الهدف العام
التعرّف على معالم المدرسة والسيرة الأخلاقية للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام ، والاقتداء بهم.

المحاور الرئيسة
- إحياء مجالس أهل البيت عليهم السلام 
- فضل البكاء على أهل البيت عليهم السلام وخاصّة على سيّد الشهداء
- ذكر مصائب أبي عبد الله عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام 
- السلام على الحسين وثواب زيارته
- فضيلة الصلاة عند الإمام الحسين
- تربة الحسين عليه السلام
 
 
 
 
189

173

المحاضرة العشرون

 تصدير الموضوع


ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ اللهَ عزّ وجلّ أَدّبَ نَبِيَّهُ فَأَحسَنَ أَدَبَهُ فَلَمّا أَكمَلَ لَهُ الأَدَبَ قَـالَ إِنَّكَ لَعلى خُلُق عَظِيم"1.

تعريف حسن الخلق
حسن الخلق عبارة عن مجموعة من الصفات والسلوكيات التي تتمثّل بمداراة الناس، البشاشة، الكلام الطيب وإظهار المحبّة، ورعاية الأدب، والتبسّم، والتحمّل والحلم مقابل أذى الآخرين وأمثال ذلك، فلو امتزجت هذه الصفات مع العمل وترجمها الإنسان في حركة الواقع الخارجيّ سمّي ذلك حسن الخلق. وفي حديث جامع جميل عن الإمام الصادق عليه السلام في تعريف حسن الخلق ورد أنّ أحد أصحاب الإمام سأله: مـا حَدُّ حُسنِ الخُلقِ؟ قال الإمام عليه السلام: "تَلِينُ جـانِبَكَ وَتُطَيِّبُ كَلامَكَ وَتلقى أَخـاكَ ببُشر حسن"2.

التربية الأخلاقية في القرآن
قال الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾3. تشير الآية إلى حسن الخلق العجيب للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث تعبّر عنه بالخلق
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص 226، ح4.
2- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج 4، ص 412. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص 389، ح 42.
3- سورة القلم، الآية 4.
 
 
190

174

المحاضرة العشرون

 العظيم. وانّ وصف النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الوصف يدلّ على أنّ هذه الصفة الأخلاقية من أعظم صفات الأنبياء. ومن الواضح أن الخلق العظيم للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يتمثّل في صبره وتحمّله في طريق الحقّ وسعة بذله وكرمه، وتدبير اُمور الرسالة والدعوة، والرفق والمداراة للناس، وتحمّل الصعوبات الكبيرة في مواجهة تحدّيات الواقع الصعب في طريق الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، وترك الحرص والحسد والتعامل مع الأعداء والأصدقاء من موقع العفو واللطف والمحبّة.


وأورد صاحب تفسير (نور الثقلين) في ذيل هذه الآية عن الإمام الصادق عليه السلام حيث سئل عن حسن الخلق في هذه الآية فقال: "تَلِينُ جـانِبَكَ وَتُطَيِّبُ كَلامَكَ وَتَلقى أَخـاكَ ببُشرِ حسن"1.

وقال تعالى محدّداً معايير السلوك مع المجتمع وعموم الناس: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ 2.

وردت هذه الآية في توجيه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعموم الناس، خصوصاً من هم في موقع المسؤوليّة، فانّ حسن خلق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو في الحقيقة رحمة إلهية له ولاُمّته، والنقطة المقابلة لهذا السلوك، وهو أن يكون الإنسان غليظ القلب وسيئ الخلق وخشناً في التعامل مع الآخرين، حيث تشير الآية إلى نتائج مثل هذا السلوك السلبي، وهي
 
 

1- العروسي الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين‏، تحقيق وتصحيح هاشم رسولي محلاتي، إسماعيليان‏، إيران - قم‏، 1415ه‏، ط4، ج5، ص391.
2- سورة آل عمران، الآية 159.
 
 
 
191

175

المحاضرة العشرون

 تفرّق الناس وانفضاضهم عن هذا الإنسان الخشن وإبتعادهم عنه.


وكلمتا (فظ) و(غليظ القلب) تردان بمعنى الخشونة والجفاء، وإحداهما في الكلام، والأخرى في السلوك والفعل. وعلى هذا الأساس استقطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبعد الناس عن الله تعالى والدين والأخلاق وجذبهم إليه وأصبح قدوتهم وأسوتهم في حسن الأخلاق.

وقال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 1

تقرّر هذه الآية أنّ المداراة واللّين محبّذان حتى مع الأعداء الشرسين، ويؤثران في أعماق نفوسهم تأثيراً بالغاً. وبالطبع فإنّ دفع السيئات بالحسنات له طرق ومصاديق مختلفة، أحدها أن يتعامل الشخص من موقع المداراة والأدب والبشاشة مع عدوّه المعاند والحقود، إلى درجة بحيث يمكن أن ينقلب هذا الإنسان الحقود إلى صديق محبّ، ويتحوّل من حالة العداوة والبغضاء إلى حالة الصداقة والمحبّة.

والوصول إلى هذه المرتبة من حسن الخلق بحيث يواجه الإنسان السيئات بعكسها من الحسنات ليست من شأن كلّ إنسان لأنها تحتاج إلى تسلّط كامل على قوى النفس ولا يستطيع ذلك إلاّ من اُوتي حظاً عظيماً من سعة الصدر وتخلّص من عقدة الانتقام.

دور حسن الخلق في التربية
هناك روايات كثيرة في كيفية التعامل مع الناس في حركة التفاعل
 

1- سورة فصلت، الآيتان 34 -35.
 
 
 
192

176

المحاضرة العشرون

 الاجتماعيّ. والتعبيرات الواردة في هذه الروايات عن هذه الفضيلة الأخلاقية إلى درجة من الكثرة والتأكيد أننا قلّما نجد نظيراً لها في النصوص الإسلامية. نختار من بين الروايات الكثيرة ما يلي:

ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الإِسلامُ حُسنُ الخُلُقِ"1.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أَكْثَرُ مَا تَلِجُ بِهِ أُمَّتِيَ الْجَنَّةَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ"2.

ونقرأ عن الإمام علي عليه السلام قوله: "عِنوانُ صَحِيفَةُ المُؤمنُ حُسنُ خُلُقِهُ"3.

وعنه عليه السلام قال: "أَكْمَلُكُم إِيمـاناً أَحسَنَكُم خُلقاً"4.

الثواب والآثار الماديّة والمعنوية للخلق الحسن
نقرأ في حديث عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الخُلْقُ الحَسَنُ يُذِيبُ السَّيِّئَةَ"5.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِنَّ صـاحِبَ الخُلقِ الحَسَنِ لَهُ مِثلُ أَجرِ الصَّائِمِ"6.
 

1- المتقي الهندي، كنز العمال، مصدر سابق، ج3، ص17.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص100، ح6.
3- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 200. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص392، ح59.
4- الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، مصدر سابق، ج 2، ص 38. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص387.
5- الكراجكي، محمد بن علي‏، كنز الفوائد، تحقيق وتصحيح عبد الله ‏نعمة، دار الذخائر، إيران - قم‏، 1410ه‏، ط1، ج 1، ص 135.
6- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص100.
 
 
 
193

177

المحاضرة العشرون

 وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "حسُنُ الخُلقِ يُثبِتُ المَوَدّةَ"1.


وفي حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "حُسْنُ الْأَخْلَاقِ يُدِرُّ الْأَرْزَاقَ"2.

وعنه عليه السلام قال: "فِي سَعَةِ الأخلاقِ كُنُوزُ الأرزَاقِ"3.

وورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِنَّ اللهَ تَبـارَكَ وَتَعالى لَيُعطي العَبدَ مِنَ الثَّوابِ عَلى حُسنِ الخُلقِ كَمـا يُعطي المُجـاهِدُ فِي سَبيلِ اللهِ"4.

وعنه عليه السلام أنّه قال: "البِرُّ وَحُسنُ الخُلقِ يَعمُران الدِّيـارَ وَيَزِيدانِ فِي الأَعمـارِ"5.

ومن مجموع هذه الروايات الإسلامية ندرك جيداً الأهميّة البالغة لحسن الخلق في حركة الحياة المادية والمعنوية للإنسان، ويتبيّن أنّ صاحب الخلق الحسن يتميّز على من يقوم الليل في العبادة والمجاهد في سبيل الله ويضاهيهما في الثواب حيث يطهّر حسن الخلق النفس الإنسانية من أدران الذنوب وتلوّثات الأهواء والنوازع الدنيوية...
 

1- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 45. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص148.
2- التميمي الآمدي، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص 255.
3- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 8، ص 23. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص53.
4- المصدر نفسه، ج2، ص101.
5- المصدر نفسه، ج2، ص100، ح8.
 
 
194

178

المحاضرة العشرون

 سيرة أهل البيت الأخلاقية

ومن أفضل الطرق لكسب فضيلة حسن الخلق وملاحظة نتائجها الإيجابية على واقع الإنسان هو الاقتداء بسيرة الأولياء العظام.

نقرأ في حديث عن الإمام الحسن عليه السلام أنّه قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم دَائِمَ البُشر، سَهلَ الخُلق، لَينَ الجَانبِ، لَيسَ بِفَظٍّ ولا غلِيظ ولا سَخّاب، ولا فَحّاش، ولا عيّاب، ولا مَدّاح، ولا يَتَغافَلُ عَمّا لا يَشتَهِي، ولا يُؤيس مِنهُ، قَد تَركَ نَفسَهُ مِنْ ثَلاث: كَانَ لا يَذُّمُ أَحداً، ولا يُعيّرُه، ولا يَطلُبُ عَورَتَهُ، ولا يَتَكَلَّمُ إِلاّ فَيما يَرجُو ثَوابَهُ، إِذا تَكَلَّمَ أَرقَ جُلساؤُهُ كَأَنّما عَلى رُؤوسِهِم الطَّيرُ، وإذا تَكَلَّمَ سَكَتُوا وإذا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لا يُسارِعُون عِندَهُ بِالحَديثِ، مَن تَكَلَّمَ نَصتُوا لَهُ حَتّى يَفرَغَ، حَدِيثُهُم عِندَهُ حَديث إِلَيهم، يَضحَكُ ممّا يَضحَكُونَ مِنهُ، وَيَتَعَجَّبُ ممّا يَتَعَجَّبُونَ مِنهُ، يُصبِّرُ الغريبَ عَلى الجَفوةِ فِي المنطِقِ، وَيَقُولُ: (إِذا رَأَيتُم صـاحِبَ الحَاجَة يَطلُبُها فَأَرفِدُهُ)، ولا يَقبَلُ الثَّناءَ إلاّ مِنْ مُكافئ، ولا يَقطَعُ عَلَى أَحد حَدِيثَهُ حَتّى يَجُوزَهُ فَيَقطَعُهُ بِانتهاء أَو قِيام"1.

ونقرأ في حالات الإمام عليّ عليه السلام في الرواية المعروفة أنّ الإمام كان قاصداً الكوفة فصاحب رجلاً ذميّاً فقال له الذمّي: أين تريد يا عبد الله؟ قال: اُريد الكوفة، فلما عدل الطريق بالذمّي عدل معه علي عليه السلام ، فقال له الذميّ: أليس زعمت تريد الكوفة؟ قال: بلى. فقال له الذميّ: فقد تركت الطريق، فقال عليه السلام: قد علمت، فقال له:
 
 

1- الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، مصدر سابق، ج 1، ص 318-319.
 
 
 
195

179

المحاضرة العشرون

 فلمَ عدلت معي وقد علمت ذلك؟ فقال له علي عليه السلام: "هذا مِن تمام الصُّحبةِ أَن يُشيِّعَ الرّجلُ صـاحِبهُ هُنيئةً إذا فارَقَهُ وَكَذلِكَ أَمرنـا نَبيِّنُا". فقال له الذميّ: هكذا أمركم نبيّكم؟ فقال: نعم، فقال له الذمّي: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، وأنا أشهد على دينك، فرجع الذمّي مع الإمام عليّ عليه السلام ، فلمّا عرفه أسلم1.


3 - وفي حديث آخر في تفسير الإمام الحسن العسكريّ أنّه قال: "حَضَرَتِ امْرَأَةٌ عِنْدَ الصِّدِّيقَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ عليها السلام فَقَالَتْ: إِنَّ لِي وَالِدَةً ضَعِيفَةً، وَقَدْ لُبِسَ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ صَلَاتِهَا شَيْ‏ءٌ، وَقَدْ بَعَثَتْنِي إِلَيْكِ أَسْأَلُكِ.
فَأَجَابَتْهَا فَاطِمَةُ عليها السلام عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ثَنَّتْ، فَأَجَابَتْ، ثُمَّ ثَلَّثَتْ [فَأَجَابَتْ‏] إِلَى أَنْ عَشَّرَتْ فَأَجَابَتْ، ثُمَّ خَجِلَتْ مِنَ الْكَثْرَةِ، فَقَالَتْ: لَا أَشُقُّ عَلَيْكِ يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ.
قَالَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام: هَاتِي وَسَلِي عَمَّا بَدَا لَكِ، أَرَأَيْتِ مَنِ اكْتُرِىَ يَوْماً يَصْعَدُ إِلَى سَطْحٍ بَحَمْلٍ ثَقِيلٍ، وَكِرَاؤُهُ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ، أَيَثْقُلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: لَا.
فَقَالَتْ: اكْتُرِيتُ أَنَا لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْ‏ءِ مَا بَيْنَ الثَّرَى إِلَى الْعَرْشِ لُؤْلُؤاً فَأَحْرَى أَنْ لَا يَثْقُلَ عَلَيَّ، سَمِعْتُ أَبِي [رَسُولَ اللَّهِ‏] صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: إِنَّ عُلَمَاءَ شِيعَتِنَا يُحْشَرُونَ، فَيُخْلَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ خِلَعِ الْكَرَامَاتِ
 
 

1- المجلسي، محمد تقي بن مقصود علي‏، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، تحقيق وتصحيح الموسوي الكرماني وحسين واشتهاردي على پناه‏، مؤسسة كوشانبور للثقافة الإسلامية، إيران - قم، 1406ه‏، ط2، ج 4، ص 227.
 
 
 
 
196

180

المحاضرة العشرون

 عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ عُلُومِهِمْ، وَجِدِّهِمْ فِي إِرْشَادِ عِبَادِ اللَّهِ.." 1.


وممّا ورد عن حلم الإمام الحسن عليه السلام أنّ شامياً رآه راكباً (في بعض أزقّة المدينة) فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السلام فسلّم عليه وضحك فقال:
"أيُّها الشّيخ أَظُنُّك غَريباً، وَلَعلَّك شُبّهت، فَلَو استَعتَبتَنا أَعتَبناكَ، وَلَو سَأَلتَنا أَعطَيناكَ، وَلَو استَرشَدتَنا أَرشدناك، وَلَو استَحمَلتَنا أَحملناكَ، وإن كُنتَ جـائِعاً أَشبَعنَاك، وَإِن كُنتَ عُرياناً كَسوناك، وإِن كُنتَ مُحتاجاً أَغنَيناكَ، وإِن كُنتَ طِريداً آويناكَ، وإن كانَ لَكَ حـاجَةً قَضيناها لَكَ، فَلَو حَركتَ رَحلَكَ إِلينا وَكُنتَ ضَيفَنا إِلى وَقتِ إرتحالِك كانَ أَعود عَلَيكَ، لأنَّ لَنا مَوضِعاً رَحِباً وَجاهاً عَريضاً وَمالاً كَثَيراً".

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال أَشهدُ أَنّك خَليفة الله في أرضه، اللهُ أَعلَمُ حيثُ يَجعلُ رسالتهُ. وكنتَ أَنت وأبوك أبغضُ خلق الله إليَّ، والآن أَنت وأبُوكَ أحبُّ خلق اللهِ إليَّ، وَحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبتهم2.

ـ وجاء في كتاب "تحف العقول": أنّ رجلاً من الأنصار جاء إلى الإمام الحسين عليه السلام يريد أن يسأله حاجة، فقال عليه السلام: "يـا أخـا الأنصار صُن وجَهك عَن بَذلِ المسألةِ وارفع حـاجتَك فِي رقعة فإنّي آت فِيها مـا سـاركَ إن شاء الله"، فكتب الأنصاريّ: يا أبا عبد الله إنّ لفلان
 

1- الإمام الحسن بن علي عليه السلام ، التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، تحقيق وتصحيح ونشر مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف‏، إيران - قم‏، 1409ه‏، ط1، ص 340.
2- راجع: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص344.
 
 
 
197

181

المحاضرة العشرون

 عليَّ خمسمائة دينار وقد ألجّ بي فكلّمه ينظرني إلى ميسرة، فلما قرأ الإمام الحسين عليه السلام الرقعة، دخل إلى منزله فأخرج صرّة فيها ألف دينار وقال عليه السلام له: "أَما خمسمائة فاقض بِها دينك وأمّا خمسمائة فاستعن بِها على دَهرِكَ ولا تَرفع حـاجتَكَ إلاّ إِلى أحد ثلاث: إِلى ذِي دين، أَو مروّة، أو حسب، فأمّا ذو الدين فَيصُون دِينُهُ، وأَمّا ذو المُروة فإنّه يستحي لمروّته، أَمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهكَ أن تَبذلُه فِي حاجتِكَ فَهو يَصون وَجهكَ أن يردَك بِغير قضاءِ حـاجتِك"1.


ـ ونقرأ في حالات الإمام الباقر: عن محمد بن سليمان عن أبيه قال: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، وَكَانَ مَرْكَزُهُ بِالْمَدِينَةِ يَخْتَلِفُ إِلَى مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَلَا تَرَى أَنِّي إِنَّمَا أَغْشِي مَجْلِسَكَ حَيَاءً مِنِّي لَكَ، وَلَا أَقُولُ إِنَّ فِي الْأَرْضِ أَحَداً أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَأَعْلَمُ أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ وَطَاعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي بُغْضِكُمْ، وَلَكِنْ أَرَاكَ رَجُلًا فَصِيحاً، لَكَ أَدَبٌ وَحُسْنُ لَفْظٍ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ إِلَيْكَ لِحُسْنِ أَدَبِكَ.

وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ لَهُ خَيْراً، وَيَقُولُ: "لَنْ تَخْفَى عَلَى اللَّهِ خَافِيَةٌ".

فَلَمْ يَلْبَثِ الشَّامِيُّ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى مَرِضَ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ، فَلَمَّا ثَقُلَ دَعَا وَلِيَّهُ، وَقَالَ لَهُ: إِذَا أَنْتَ مَدَدْتَ عَلَيَّ الثَّوْبَ فِي النَّعْشِ، فَأْتِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَأَعْلِمْهُ أَنِّي أَنَا الَّذِي أَمَرْتُكَ بِذَلِكَ.

قَالَ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ بَرَدَ وَسَجَّوْهُ، فَلَمَّا
 
 

1- الشيخ ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسم ، مصدر سابق، ص 247.
 
 
 
198

182

المحاضرة العشرون

 أَنْ أَصْبَحَ النَّاسُ‏ خَرَجَ وَلِيُّهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَنْ صَلَّى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام وَتَوَرَّكَ- وَكَانَ إِذَا صَلَّى عَقَّبَ فِي مَجْلِسِهِ- قَالَ لَهُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، إِنَّ فُلَاناً الشَّامِيَّ قَدْ هَلَكَ، وَهُوَ يَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ.


فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: "كَلَّا، إِنَّ بِلَادَ الشَّامِ بِلَادُ صِرٍّ وَبِلَادَ الْحِجَازِ بِلَادُ حَرٍّ وَلَحْمُهَا شَدِيدٌ، فَانْطَلِقْ فَلَا تَعْجَلَنَّ عَلَى صَاحِبِكَ حَتَّى آتِيَكُمْ"، ثُمَّ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأَخَذَ وَضُوءاً، ثُمَّ عَادَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ خَرَّ سَاجِداً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ.

ثُمَّ نَهَضَ فَانْتَهَى إِلَى مَنْزِلِ الشَّامِيِّ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ فَأَجَابَهُ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ فَسَنَّدَهُ، وَدَعَا لَهُ بِسَوِيقٍ فَسَقَاهُ، فَقَالَ لِأَهْلِهِ: "امْلَاؤا جَوْفَهُ، وَبَرِّدُوا صَدْرَهُ بِالطَّعَامِ الْبَارِدِ"، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى عُوفِيَ الشَّامِيُّ، فَأَتَى أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام فَقَالَ: أَخْلِنِي، فَأَخْلَاهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَبَابُهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ، فَمَنْ أَتَى مِنْ غَيْرِكَ خَابَ وَخَسِرَ وَضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً.

قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: "وَمَا بَدَا لَكَ؟".

قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي عَهِدْتُ بِرُوحِي وَعَايَنْتُ بِعَيْنِي، فَلَمْ يَتَفَاجَأْنِي إِلَّا وَمُنَادٍ يُنَادِي، أَسْمَعُهُ بِأُذُنِي يُنَادِي وَمَا أَنَا بِالنَّائِمِ: رُدُّوا عَلَيْهِ رُوحَهُ، فَقَدْ سَأَلَنَا ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ، وَيُبْغِضُ الْعَبْدَ وَيُحِبُّ عَمَلَهُ".
 
 
 
 
199

183

المحاضرة العشرون

 قَالَ: فَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام1.


وأورد (الكليني) في الجزء الأول من الكافي حول الإمام العسكري عليه السلام أنّه قال: "حُبِسَ أَبُو مُحَمَّدٍ (الإمام العسكري) عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ نَارْمَشَ وَهُوَ أَنْصَبُ النَّاسِ وَأَشَدُّهُمْ عَلَى آلِ أَبِي طَالِبٍ وَقِيلَ لَهُ: افْعَلْ بِهِ وَافْعَلْ يعني مِن السوء وَالأذى فَمَا أَقَامَ الإمام عِنْدَهُ إِلَّا يَوْماً حَتَّى وَضَعَ خَدَّيْهِ لَهُ وَكَانَ لَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَيْهِ إِجْلَالًا وَإِعْظَاماً فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ بَصِيرَةً وَأَحْسَنُهُمْ فِيهِ قَوْلًا"2.

آثار سوء الخلق
إنّ سوء الخلق من أهم عوامل إيجاد الكراهية والتنفّر والتفرّق بين أفراد المجتمع، ولهذا السبب ورد في الروايات تعبيرات شديدة تتحدّث عن سوء الخلق وأحياناً نقرأ فيها كلمات مذهلة ومخيفة عن النتائج الوخيمة والآثار السلبية لهذا المرض الأخلاقيّ، ومن ذلك نقرأ ما ورد في بعض هذه الروايات:
جاء في الحديث الشريف عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إيّاكُم وَسُوءَ الخُلقِ فإَنَّ سُوءَ الخُلقِ فِي النَّارِ لا مَحـالَةَ"3.

وجاء عن الإمام عليّ عليه السلام في تقريره لحالة سوء الخلق أنْ: "أشَدُّ المَصـائِبِ سُوءُ الخُلقِ"4.
 

1- الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 410-411.
2- الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج 1، ص508، ح8.
3- الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، مصدر سابق، ج2، ص31. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص383.
4- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص 118.
 
 
 
200

184
زاد عاشوراء للمحاضر الحسيني 1440 هـ