حياة القلوب


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-05

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله الطيبين وصحبه المنتجبين.

طالما تكدر الحياةُ علينا صفوَ القلوب، وتعتم على أفئدتنا آثارُ الذنوب، فنبتعد عن الله سبحانه بعد أن تقرب إلينا، ونبغض لقاءه بعد أن تحبب إلينا، نخاف الموت وسكرته، وملك الموت وشدته، ونحيد من القبر ووحشته، فهو المجهول الذي لا ندركه، وهو الوحشة التي لا نطيق، والظلمة التي لا نتحمل، وبرزخٌ إلى يوم يبعثون، وكيف حالة الخروج؟ وهول البعث والنشور؟ وما هو الحساب؟ والصراط، والجنة والنار؟ والخلد والقرار؟

لعلها أسئلة لا يجيب عليها العقل، ويعجز عن سبر غورها الفكر، فيقف عاجزاً لا يجد سبيلاً، إلا سؤال الغيب والشرع، وأخبر الناس بها، من هو أعلم بطرق السماء من طرق الأرض، نعني أمير الكلام عليه السلام، فتكون الإجابات الشافية، والعظات الناجعة، في كلام الأمير، في النهج الشريف، فهو الطبيب الخبير، وهو من يخرج الكلام من قلبه فيُحيي القلوب، ويتكلم ليعيد الروح للأجسام الخاوية، فينعش ويُحيي، ويجلو بعبق أريج كلماته دَكَنَ الذنوب عن صفحات القلوب.

من النهج الشريف، كانت قبسات علنا نجد ناراً تكوي الأمراض الدفينة، أو نجد لأنفسنا الهدى، وقد عمل مركز نون للتأليف والترجمة على اقتباس عظات من
 
 
 
5

1

المقدمة

  كلام الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام وترتيبها بشكل موضوعي، ثم شرح المفردات الصعبة، ليسهل على الخطيب والقارئ فهم مطالب الإمام عليه السلام، وبعد ذلك عمل على إدراج موضوع يصب بالكامل في شرح الموعظة، ليختم بمسائل عملية ترتبط بواقع الحياة، ويسلط الضوء عليها لمعالجتها، ثم يختم بأهم المفاهيم الواردة في الموعظة والدرس. مقدماً مع ذلك فقرة للمطالعة، تضفي على القارئ لوناً جديداً جميلاً محبذاً، وتساعد الخطيب على الإلمام أكثر بخطبته.

شجمعية المعارف الاسلامية الثقافية
 
 
 
6
 

2

سكرة الموت

 الدرس الأول

سكرة الموت
 
"وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَق ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ"1.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام 
 
"وَ هُوَ يَرَى الْمَأْخُوذِينَ عَلَى الْغِرةِحَيْثُ لَا إِقَالَةَوَ لَا رَجْعَةَ كَيْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَ وَ جَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدنْيَا مَا كَانُوا يَأْمَنُونَ وَ قَدِمُوا مِنَ الْآخِرَةِ عَلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَ فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِوَ حَسْرَةُ الْفَوْتِفَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْوَ تَغَيرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ ثُم ازْدَادَ الْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاًفَحِيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وَ بَيْنَ مَنْطِقِهِوَ إِنهُ لَبَيْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ وَ يَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَى صِحةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَبَقَاءٍ مِنْ لُبهِيُفَكرُ فِيمَ أَفْنَى عُمُرَهُ وَ فِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ وَ يَتَذَكرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا أَغْمَضَ فِي مَطَالِبِهَا10 وَ أَخَذَهَا مِنْ مُصَرحَاتِهَا وَ
 
 

1- ق،19.
2- الغفلة.
3- لا فسخ ولا تراجع.
4- شدته وغشيته.
5- الحسرة على ما فات ومضى.
6- فسكنت لها أعضاءهم.
7- دخولاً.
8- كناية عن عجزه عن الكلام.
9- كناية عن بقائه عاقلا يدرك ما يحيط به.
10- لم يفرق بين حلال وحرام.
 
 
 
 
7

3

سكرة الموت

 مُشْتَبِهَاتِهَا قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَاوَ أَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَهُ يَنْعَمُونَ فِيهَا وَ يَتَمَتعُونَ بِهَا فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَيْرِهِوَ الْعِبْ‏ءُ عَلَى ظَهْرِهِوَ الْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَافَهُوَ يَعَض يَدَهُ نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَلَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ وَ يَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيامَ عُمُرِهِ وَ يَتَمَنى أَن الذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا وَ يَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ فَلَمْ يَزَلِ الْمَوْتُ يُبَالِغُ فِي جَسَدِهِ حَتى خَالَطَ لِسَانُهُ سَمْعَهُفَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ لَا يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ وَ لَا يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ يُرَددُ طَرْفَهُ بِالنظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ يَرَى حَرَكَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ وَ لَا يَسْمَعُ رَجْعَ كَلَامِهِمْ ثُم ازْدَادَ الْمَوْتُ الْتِيَاطاًبِهِ فَقُبِضَ بَصَرُهُ كَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ وَ خَرَجَتِ الروحُ مِنْ جَسَدِهِ فَصَارَ جِيفَةً بَيْنَ أَهْلِهِ قَدْ أَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهِ وَ تَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ لَا يُسْعِدُ بَاكِياً وَ لَا يُجِيبُ دَاعِياً ثُم حَمَلُوهُ إِلَى مَخَط فِي الْأَرْضِ فَأَسْلَمُوهُ فِيهِ إِلَى عَمَلِهِ وَ انْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ. 9

 
 

1- ما يطالبه الناس من حقوق.
2- ما أتاك من خير بلا مشقة
3- الحمل والثقل.
4- استحقها وعجز عن أدائها.
5- ظهر له.
6- في العجز وأداء الوظيفة
7- التصاقاً.
8- زيارته.
9- نهج البلاغة، الخطبة 190.
 
 
 
 
 
8

4

سكرة الموت

 تمهيد:


لو كان يخلد في الدنيا أحدٌ لكان الأنبياء والأولياء أحق بالخلود فيها. ولو كانت الدنيا تدوم لأحد لكان الأقوياء والملوك والأغنياء ما زالوا ينعمون بقوتهم وقصورهم فيها، لكن شاء الله أن يخط على جيد ابن آدم قلادة الموت، وينكت من أعماقه غصة الفوت، فلا مفر منه ولا مهرب، وليس هو إلا قنطرة يعبر منها إلى عالم آخر، وهكذا كانت مشيئة الله أن يدرك الموت كل من عليها، فكيف بحال من أدركه الموت؟ وما هي الصورة التي يكون عليها في تلك اللحظات العصيبة؟ هذا ما وصفه لنا الأمير في خطبته المذكورة، ونحن نشير إلى أهم المضامين منها: 

1- الموت يأتي فجأة

يحيا الإنسان في هذه الدنيا وهو يرسم خططاً لمستقبله، مؤملاً في الحياة كثيراً، ولا يضع في حسبانه أن ساعة الموت قد تحين في أي لحظة وتفاجئه، فتنزل به في غفلة من نفسه، وهو يعيش الأمان من هذا الخطر المحدق به، لم يستأذن ملك الموت من أحد، ولم يرسل الوفود للإخبار بقدومه لأحد، إنه الملك الذي يدخل البيوت دون استئذان، والقلوب دون رأفة وتحنان، فيصل الإنسان بفعله إلى أصعب لحظات تحل به، إنها سكرة الموت، وقد تطول وقد تقصر. ولكن هذه اللحظات التي لا بد أن تُلقي بثقلها على كل إنسان، هي في غاية الصعوبة. ولكن من يقدر على وصف هذه السكرة العسيرة غير الخبير، غير المعصومين عليهم السلام.

2 ـ صعبة سهلة

يصف الإمام الصادق عليه السلام في الرواية صعوبة هذه اللحظات على المذنب
 
 
 
 
9

5

سكرة الموت

  العاصي، ويسرها وسهولتها على المؤمن المطيع فيقول: "للمؤمن كأطيب ريحٍ يشَمه، فينعس لطيبه، وينقطع التعب والألم كله عنه. وللكافر كلسعِ الأفاعي، ولدغ العقارب وأشد !.

 
قيل: فإن قوماً يقولون: إنه أشد من نشرٍ بالمناشير! وقرضٍ بالمقاريض! ورضخٍ بالأحجار! وتدوير قطب الأرحية على الأحداق!.
 
قال عليه السلام: "كذلك هو على بعض الكافرين و الفاجرين..."1.
 
حواس تتعطّل وأخرى تراقب
 
عندما تحل سكرة الموت، تفتر لها الأطرافُ، فلا يقدر على الحراك، لا بيد ولا برجل، وتتغيرُ لها ألوانُ، ويصبح الجسد بتمامه مسجى، إلا البصر والسمع والعقل، فيبقى يراقب ببصره كل ما يجري حوله، ويسمع بأذنيه كل كلمة تقال أمامه، فهو مدرك تماماً لم يذهب عقله، وعلى حد تعبير الأمير عليه السلام: "وإنه لَبينَ أهله ينظر ببصرِه ويسمعُ بأذنِه، على صِحةٍ من عقلِه، وبقاءٍ من لُبه"، فهذه الحواس لم تتعطل ولم تُصب بأذى.
 
ولكنه لا يستطيع حراكاً، فهو لا يتمكن من النطق والكلام، ليعترض على أمرٍ، أو يحدث بما يفكر به، فهو الآن يؤمن بعجزه عن القيام بأي تغيير.
 
في هذه اللحظات يمر أمامه شريط حياته بتمامها، كيف مضى هذا العمر؟ وفيمَ أفناه؟ وما الذي كان يسعى إليه؟ ويتذكر ما بذله في سبيل جمع المال، من حلال أو حرام، لم يكن يظن أن تأتي هذه الساعة التي ينقطع عنه كل هذا المال، لا يتمكن من التصرف به، فقد أصبح ملكاً لآخرين وهم ورثته ينعمون به دون تعب ولا حساب، الذين يتمتعون بهذا المال، وهو يتحمل حساب وعذاب ما اقترفت يداه وهو يجمع هذا المال.
 
 

1- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 4 ص 2959.
 
 
 
10

 


6

سكرة الموت

3 ـ حسرة الفوت:

 
وفي هذه الأثناء يشعر المرء بالندم الشديد، والحسرة البالغة، كيف تعب وجهد لغيره، وها هو يحاسب ويعاقب على عمله هذا أشد حساب، وكيف غيره حصل على هذا الجنى وكل هذا المال دون تعبٍ ومشقة، ولا يحاسب عليه أبداً، "فيكونُ المهنأُ لغيرِه، والعبءُ على ظهرِهِ"، وعندها يتمنى ـ ولا يستطيع أن يحقق أمنية ـ فيندم ـ ولات حين مندم ـ "يتمنى أن الذي كان يغبطُه بها" ويقول في نفسه ليت هذه الأموال التي لي حاز مثلها، وبعض "يحسِدُه عليها" فيتمنى زوالها مني وتكون له، "قد حازَها دونَه" يا ليتها كلها لهم لمن يغبطني أو يحسدني، ولم أصرف عمري في جمعها، حتى لا أتحمل عبأها، ولا أشعر بهذه الحسرة والندم.
 
4ـ قبض الروح
 
قد أَوحشوا من جانبِه، وتباعدوا من قربِه. لا يُسعدُ باكياً، ولا يُجيبُ داعياً. ثم حملوه إلى مخط في الأرضِ، وأسلموه فيه إلى عملِهِ، وانقطعوا عن زورتِه1.
 
وشيئاً فشيئاً تصاب هذه الحواس ـ العين، الأذن والعقل ـ التي كانت تعمل قبل لحظات بالعطب، فلا يعود يرى ما يحيط به، ولا يسمع ما يقال ممن اجتمع حوله، "يرددُ طرفَهُ بالنظرِ في وجوهِهِم"، هل هو يودعهم في آخر لحظات الفراق! أو يوصيهم بأن لا يندموا كما ندم! لكن أقصى ما يمكن أن يفعله هو أن يرى حركات ألسنتهم، دون أن يسمع شيئاً من كلامهم، ثم يزداد الموت التصاقاً به، وتخرج الروح الوديعة في من جسده، فيصبح هذا الجسم جيفة بين أهله، ينفر حتى الأحبة منها، وهو بين لا يستطيع أن يجيب من ناداه، بيا أبي أو يا أمي أو يا أخي أو يا زوجي أو يا...، وكل من يبكي حوله لا يستطيع أن يخفف عنه أو يسعده.
 
وفجأة ينقلب المشهد إلى ضده، من حزنٍ ووداعٍ وحميمٍ، إلى نفورٍ واشمئزاز، هذا
 
 

1- زيارته.
 
 
 
11

7

سكرة الموت

 الحبيب الذي كان يبعث الحيوية في البيت، وهذا الجسم الذي كان كله نشاطاً وفرحاً وسروراً وحيوية، هذا الذي كنذا نبكي على فراقه، ونضمه ونشمه ونودعه، أصبح عائقاً في البيت، لو بقي لأفسد علينا الحياة، لا بد من التخلص منه، أصبح رعباً نخاف منه، أصبح جسداً وجيفةً، سرعان ما تفسد وتنتن، فيسرعون لغسلها وتكفينها ثم دفنها قبل أن تنبعث الرائحة الكريهة منها بعد الموت، كما يحصل مع كل إنسان.

 
5- بر الوالدين والتخفيف من سكرة الموت
 
هذه قصة سكرة الموت، ونزع الروح، ونهاية الجسد، بنهاية العمر، لذلك ألا يجدر بهذا الإنسان الذي يسعى ليبقى في راحة، والذي يخاف من هذه اللحظات التي لا مفر منها، أن يعمل لكي يهون منها، ولا تمر عليه صعبة ثقيلة كما وصفها أمير المؤمنين؟
 
وكما حذرت الروايات من شدة هذه اللحظات على الإنسان، فقد وردت الروايات ببيان سُبُل الخلاص أو التخفيف منها، لكي لا يعيشها الإنسان صعبة وثقيلة، ومن هذه السبل بر الوالدين.
 
فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "البار يطير مع الكرام البررة، وإن ملكَ الموت يتبسم في وجه البار، ويكلح في وجه العاق"1.
 
كما ورد في الرواية الإمام الصادق عليه السلام: "من أحب أن يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولاً وبوالديه باراً، فإذا كان كذلك هون الله عز وجل عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقرٌ أبداً"2.
 
ـ قصّة وعبرة
 
عن أبي عبد الله عليه السلام: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حضر شاباً عند وفاته، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: قل: لا إله إلا الله.
 
 

1- مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 15 ص 176.
2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 4 ص 2972.
 
 
 
12

8

سكرة الموت

 قال: فاعتقل لسانه مراراً، فقال لامرأةٍ عند رأسه: هل لهذا أم؟

 
قالت: نعم أنا أمه.
 
قال: أفساخطة أنت عليه؟
 
قالت: نعم، ما كلمتُه منذ ست حجج. 
 
قال لها: أرضِ عنه.
 
قالت: رضي الله عنه برضاك يا رسول الله. 
 
فقال: له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قل لا إله إلا الله.
 
قال: فقالها. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما ترى؟ 
 
فقال: أرى رجلاً أسودَ قبيحَ المنظر، وسخ الثياب، منتن الريح، قد وليني الساعة، فأخذ بكظمي. 
 
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قل "يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، اقبل مني اليسير واعفُ عني الكثير، إنك أنت الغفور الرحيم" فقالها الشاب. 
 
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انظر ما ترى؟ 
 
قال: أرى رجلاً أبيض اللون، حسن الوجه، طيب الريح حسن الثياب، قد وليني، وأرى الأسودَ قد تولى عني. 
 
قال صلى الله عليه وآله وسلم: أعد، فأعاد.
 
قال: ما ترى؟
 
قال: لست أرى الأسود، وأرى الأبيض قد وليني، ثم طفي على تلك الحال"1.
 
ـ برهما بعد الموت
 
قد يظن بعضٌ ممن مات أحد والديه أو كلاهما، بأنه لا يستطيع برهما، ولا الاستفادة من هذا السبيل، وهذا يعني أن السبيل لتخفيف سكرة الموت قد انسد أمامه، ولا يستطيع 
 
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 71 ص 75.
 
 
 
 
13

9

سكرة الموت

 بعد موتهما التخفيف عن نفسه من سكرة الموت. والحق أن رحمة الله بعباده أوسع من أن يحيطها إدراك مخلوق، فقد فتح الله عز وجل بابَ الرحمة لعباده، حتى بعد موت الوالدين، فبر الوالدين لا يختص بحياتهما، بل من لم يوفق لبرهما في حياتهما، أو كان عاقاً لهما في حياتهما، فإن باب تدارك ذلك مفتوح أمامه، وذلك بأن يبرهما بعد وفاتهما.

 
ففي الرواية عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إن العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما، ثم يموتان، فلا يقضي عنهما دينهما، ولا يستغفر لهما، فيكتبه الله عز وجل عاقاً، وإنه ليكون عاقاً لهما في حياتهما، غير بار بهما، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه عز وجل باراً"1
 
وعنه عليه السلام: "ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين أو ميتين، يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما، وله مثل ذلك، فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيراً كثيراً"2.
 
ختام:
 
فلنتأمل كثيراً في سكرات الموت، والغصة التي ستنتاب كل إنسانٍ، ولنسعى أن لا نعيش الغصة والحسرة، ونهتم بآخرتنا والعمل لها، فلا نجمع لغيرنا، ولنسعى جاهدين أن تخفف عنا سكرة الموت، وتكون أهون علينا من النومة الهادئة بعد عناء طويل، ويكون اسئناسنا بالموت كاستيناس الطائر الشريد للعش المهجور، ونعمل على بر الوالدين حيين كانا أم ميتين، بالصدقة أو الصلاة أو الصيام أو الحج عنهما، والله يضاعف الأجر للوالدين وللعامل أيضاً، "وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"3.
 

1- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 4 ص 3675.
2- م. ن. ج 4 ص 3675.
3- البقرة،261. 
 
 
 
14

10

سكرة الموت

 المفاهيم الاساس 


1- الموت أمر حتمي مقضي على هذا الإنسان، ولكن الإنسان يغفل عن ذلك.

2- تظهر ساعة الحسرة عند قبض الروح، وهي من أصعب اللحظات على بني آدم، وفي هذه اللحظات يتذكر ما جنى في عمره.

3- بر الوالدين سبب من أسباب التخفيف من سكرات الموت.

4- بر الوالدين يكون في حياتهما بحسن عشرتهما، وبعد وفاتهما بالتقرب بالطاعات عنهما. 
 
للمطالعة 

العديلة عند الموت

يعني العدول من الحق إلى الباطل في وقت الموت، وذلك أن يحضر الشيطان عند المحتضر، ويوسوس له حتى يوقعه في الشك، فيخرجه من الإيمان. ولذا ورد في الأدعية الاستعاذة منها. وقال فخر المحققين رحمه الله: فإذا أراد الإنسان أن يسلم من هذه الأشياء فليستحضر أدلة الإيمان والأصول الخمس بالأدلة القطعية ويصفي خاطره، ويخلي سره، فيحصل له يقين تام، فيقول عند ذلك: "اللهم يا أرحم الراحمين إني قد
 
 
 
 
15

11

سكرة الموت

 أودعتك يقيني هذا وثبات ديني وأنت خير مستودع وقد أمرتنا بحفظ الودائع فرده علي وقت حضور موتي" ثم يخزي الشيطان ويتعوذ منه بالرحمن، ويودع ذلك الله ويسأله أن يرده عليه وقت حضور موته. فعند ذلك يسلم من العديلة عند الموت قطعاً". فعلى طبق رأي هذا الأجل فإن قراءة دعاء العديلة المعروف واستحضار معناه في الذهن نافع للحفظ من خطر العديلة عند الموت.


وروى الشيخ الطوسي رحمه الله عن محمد بن سليمان الديلمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، فقلت له: جعلت فداك إن شيعتك تقول إن الإيمان مستقر ومستودع فعلمني شيئاً إذا أنا قلته استكملت الإيمان. قال عليه السلام: قل في دبر كل صلاة فريضة: "رضيت بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً وبالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً وبالكعبة قبلة وبعلي ولياً وإماماً وبالحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن صلوات الله عليهم أئمة، اللهم إني رضيت بهم أئمة فارضني لهم إنك على كل شئ قدير". ومن الأمور النافعة لهذه العقبة: المواظبة على أوقات الصلوات الفريضة. ففي الحديث أن ملك الموت قال: ".... إنه ليس في شرقها ولا في غربها أهل بيت مدر ولا وبر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما يتصفحهم في مواقيت الصلاة، فإن كان ممن يواظب عليها عند مواقيتها لقنه شهادة أن لا إله إلا الله ومحمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحى عنه ملكُ الموت إبليسَ".

 كتاب منازل الآخرة، الشيخ عباس القمي، ص 116.
 
 
 
16

12

ملك الموت

 الدرس الثاني

ملك الموت
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "هَلْ تُحِس بِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلًا أَمْ هَلْ تَرَاهُ إِذَا تَوَفى أَحَداً بَلْ كَيْفَ يَتَوَفى الْجَنِينَ فِي بَطْنِ أُمهِ أَيَلِجُعَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا أَم الروحُ أَجَابَتْهُ بِإِذْنِ رَبهَا أَمْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ فِي أَحْشَائِهَا، كَيْفَ يَصِفُ إِلَهَهُ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ"2.
 
 

1- يدخل
2- نهج البلاغة، الخطبة 113.
 
 
 
 
17

13

ملك الموت

 تمهيد

 
من أشد الساعات على الإنسان هي تلك الساعة التي يحين فيها خروج روحه من هذه الدنيا، حيث يتمثل أمامه ملك الموت ليقبض هذه الروح، وكلما اشتد تعلق الإنسان بهذه الدنيا كلما اشتدت عليه ساعة الموت، وذلك لما يراه من عظيم فراقه لهذه الدنيا، فقد ورد في الرواية عن الإمام زين العابدين َعليه السلام: "أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى"2.
 
إن شدة تعلق الإنسان بهذه الدنيا تجعله يرى في فراقها فراقاً للراحة والهدوء إلى العذاب الأليم، وأما المؤمن الذي لم يتعلق بهذه الدنيا فإنه سوف يراها خلاصاً وانتقالاً إلى عالم الراحة والسكينة، ففي الرواية عن الإمام زين العابدين َعليه السلام- لما سُئِلَ عن الموت-: "للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة، وفك قيود وأغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح، وأوطئ المراكب، وآنس المنازل، وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل عن منازل أنيسة، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها، وأوحش المنازل، وأعظم العذاب"2.
 
1- موقفان والخيار بيدك!
 
تتحدث الروايات الواردة عن أهل بيت النبوة عليهم السلام عن أحد موقفين لا بد وأن يمر بهما الإنسان في لحظات معاينة ملك الموت، صورة حسنة جميلة وصورة قبيحة مؤلِمَة، واختيار أي الصورتين هو بيد هذا الإنسان، فهو الذي يحدد الصورة التي يرغب أن يتلقاه ملك الموت بها. 
 
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 6 ص 159.
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 6 ص 155.
 
 
 
 
19

14

ملك الموت

 أ- الأول: موت المؤمن

 
قال تعالى: ﴿الذِينَ تَتَوَفاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ1.

 

 
تتحدث الآية عن صورة الملائكة التي يُوكَل إليها قبض روح الإنسان المؤمن، فتدخل الملائكة الموكَلة بقبض الروح وهي أعوان ملك الموت، فتبدأ على الإنسان بالسلام، وسلام الملائكة طمأنينة لهذا الإنسان، وتبشيراً له بالجنة2.
 
فقد ورد في الروايات في وصف صورة ملك الموت، إذا جاء ليقبض روح المؤمن بأنها صورة جميلة يتمناها الإنسان لما فيها من لقاء الله عز وجل.
 
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقفَ العبد الذليل من المولى، فيقوم وأصحابه لا يدنون منه حتى يبدأه بالتسليم ويبشره بالجنة".
 
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- وقد نظر إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار-: "يا ملك الموت! ارفق بصاحبي فإنه مؤمن، فقال ملك الموت: طب نفساً وقر عيناً، واعلم أني بكل مؤمن رفيق، واعلم يا محمد، أني لأقبض روح ابن آدم، فإذا صرخ صارخٌ من أهله، قمت في الدار ومعي روحه، فقلت: ما هذا الصارخ؟! والله ما ظلمناه، ولا سبقنا أجله، ولا استعجلنا قدره، وما لنا في قبضه من ذنب، وإن ترضوا بما صنع الله تؤجروا، وإن تحزنوا وتسخطوا تأثموا وتؤزروا"3.
 
نعم، من الطبيعي أن ينقبض الإنسان عندما يعلم بحلول أجله، ولكن من النعم الإلهية ما يسليه بل يجعله في غاية الشوق للانتقال إلى ذلك العالم، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام- لما سُئل هل يُكره المؤمن على قبض روحه؟-: "لا والله، إنه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك، فيقول له ملك الموت: يا ولي الله لا تجزع،فوالذي
 
 

1- نحل، 32.
2- ن لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 1 ص 136.
3- بحار الأنوار العلامة المجلسي – ج6 – ص170.
 
 
 
20

 


15

ملك الموت

 بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لأنا أبر بك وأشفَق عليك من والد رحيم لو حضرك، افتح عينك فانظر، قال: ويمثل له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم عليهم السلام، فيقال له: هذا رسول الله و... رفقاؤك... فما شيء أحب إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي"1.

 
إنها لحظة تنقلب إلى تمن بقبض هذه الروح، فهو ينتقل من الدنيا التي هي سجن لهذا المؤمن، إلى عام أرحب وأوسع، فيه لقاء الله، ومحبة الله، ورضوان الله.
 
ب- الثاني: موت الكافر
 
قال تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ2.

 

 
إنها صورة بشعة تتلقى فيها الملائكة الكافر والعاصي، عندما تقوم بقبض روحه، إنها تقوم بضربه من كل جانب، فهي تضربه من وجهه، فإذا أراد الهروب بدأت بضربه على دابره.
 
وورد عن سول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصفه لموت الكافر: "وإن كان لأوليائنا معادياً، ولأعدائنا موالياً، ولأضدادنا بألقابنا ملقباً"3، فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه، مثل الله عز وجلً لذلك الفاجر سادته الذين اتخذهم أرباباً من دون الله، عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه، ولا يزال يصل إليه من حر عذابهم ما لا طاقة له به. فيقول له ملك الموت: يا أيها الفاجر الكافر تركت أولياء الله إلى أعدائه، فاليوم لا يغنون عنك شيئاً، ولا تجد إلى مناص سبيلاً، فيرد عليه من العذاب ما لو قسم أدناه على أهل الدنيا لأهلكهم"4.
 
2-التولي التبري مفتاح الاختيار
 
إذا كان اختيار الإنسان هو المعيار في تحديد واحدة من هاتين الصورتين، فما هو طريق الاختيار؟ تتحدث العديد من الروايات أن المعيار في ذلك هو من يتولاه هذا
 

1- الكافي - الكليني - ج 3 ص 128.
2- محمد, 27
3- أي كان يصف أعداءنا - فيواليهم ويقدسهم.
4- بحار الأنوار العلامة المجلسي – ج6 – ص175
 
 
 
21

16

ملك الموت

 الإنسان، فإن كان موالياً لأولياء الله، استقبله ملك الموت بصورة حسنة، وإن كان موالياً لأعداء الله، استقبله ملك الموت بصورة بشعة قبيحة. لكن، ما هو التولي وما هو التبري؟

 
3- التولي يعني الطاعة
 

 

﴿يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدوهُ إِلَى اللهِ وَالرسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً1.

 

 
إن طاعة أولياء الله عز وجل فرض فرضه الله سبحانه وتعالى لأنه مفتاح وباب لطاعته، ولذا ورد عن أبي جعفر َعليه السلام قال: "بُنيَ الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن"2.
 
وعن أبي جعفرعليه السلام قال: "ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول:"منْ يُطِعِ الرسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَن تَوَلى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا""3.
 
ويتحدث الإمام الصادقَ عليه السلام في رواية أخرى عن حقيقة الشيعة، وعن صفاتهم والتي تتمثل بطاعة الله عز وجل، فيقول َعليه السلام: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران، من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة، فقال: يا جابر لا تذهبن بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول: أحب علياً وأتولاه ثم لا
 

1- النساء،59.
2- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 18.
3- الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 ص 186.
 
 
 
22

17

ملك الموت

 كون مع ذلك فعالاً؟ فلو قال: إني أحب رسول الله فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من علي َعليه السلام ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عز وجل (وأكرمهم عليه) أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع"1.

 
4ـ طاعة الولي الفقيه من طاعة الأئمة
 
أما في عصر الغيبة، فقد نصب الأئمة عليهم السلام الفقهاء من بعدهم نواباً لهم، فطاعة الفقهاء هي من طاعة الأئمة عليهم السلام فقد ورد في الرواية عن الإمام صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله"2.
 
فالإنسان الذي يعيش مسؤولية العمل بالتكليف الإلهي، ويحمل هم النجاة في يوم القيامة، عليه أن يُظهر ذلك في سلوكه بالتزامه بطاعة ولي الأمر، وأن يعلم أنه بذلك يصل إلى رضا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف  عنه، وحضوره لحظات احتضاره ليأنس بلقائه، فيخفف عنه ألم الاحتضار.
 

1- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 75.
2- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 ص 140
 
 
 
23

18

ملك الموت

 المفاهيم الاساس

 
1- الترغيب بلحظات الموت الذي لا مفر منه بالنسبة للمؤمنين.

2- الترهيب من لحظات الموت للعصاة والكافرين.

3- ارتباط كيفية نزع الروح بعمل الإنسان في هذه الدنيا.

4- بيان أثر الولاية لأولياء الله ومعاداة أعداء الله في الثبات في لحظات الموت.
 
للمطالعة
 
 ذكر الشيخ عباس القمي في كتابه منازل الآخرة ما ينفع في تجاوز هذه العقبة من عقبات الآخرة فذكر:
ـ المواظبة على أوقات الصلوات الفريضة. ففي الحديث أن ملك الموت قال: ".... إنه ليس في شرقها ولا في غربها أهل بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما يتصفحهم في مواقيت الصلاة، فإن كان ممن يواظب عليها عند مواقيتها لقنه شهادة أن لا إله إلا الله محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحى عنه ملكُ الموت إبليسَ". 

ـ وروي عن الإمام الصادقَ عليه السلام أنه كتب إلى بعض الناس:
"إن أردتَ أن يُختَمَ بخير عَمَلُكَ حتى تُقبَض وأنت في أفضل الأعمال، فعظم لله حقه،
 
 
 
24

19

ملك الموت

 أن تبذل نِعَمه في معاصيه، وأن تَغتَر بحلمه عنك، وأكرم كل مَن وجدته يذكرنا أو ينتحل مودتنا، ثم ليس عليك، صادقاً كان أو كاذباً، إنما لك نيتك، وعليه كذبه".


يقول الفقير: ومن النافع لحصول حسن العاقبة والوصول من الشقاوة إلى السعادة: قراءة الدعاء الحادي عشر من الصحيفة الكاملة: "يا مَن ذكره شرف للذاكرين... الخ". 

والمداومة على هذا الذكر الشريف: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب".

والمواظبة على تسبيح الزهراء عليها السلام . والتختم بخاتم عقيق، وبالخصوص إذا كتب عليه "محمد نبي الله وعلي ولي الله".

منازل الآخرة، الشيخ عباس القمي، ص 119.
 
 
 
25

20

وحشة القبر

 الدرس الثالث

وحشة القبر
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
 
أَفَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنونَ أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ فَبئْسَتِ الدارُ لِمَنْ لَمْ يَتهِمْهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَجَلٍمِنْهَا فَاعْلَمُوا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنكُمْ تَارِكُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا وَاتعِظُوا فِيهَا بِالذِينَ قَالُوا مَنْ أَشَد مِنا قُوةً، حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَلَا يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً2، وَأُنْزِلُوا الْأَجْدَاثَ3  فَلَا يُدْعَوْنَ ضِيفَاناً، وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصفِيحِ4 أَجْنَان5 وَمِنَ الترَابِ أَكْفَانٌ وَمِنَ الرفَاتِ6 جِيرَانٌ فَهُمْ جِيرَةٌ لَا يُجِيبُونَ دَاعِياً وَلَا يَمْنَعُونَ ضَيْماً وَلَا يُبَالُونَ مَنْدَبَةً. إِنْ جِيدُوا7 لَمْ يَفْرَحُوا وَإِنْ قُحِطُوا8 لَمْ يَقْنَطُوا جَمِيعٌ وَهُمْ آحَادٌ وَجِيرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ مُتَدَانُونَ لَا
 

1- الخوف.
2- أي أنهم محمولون على أكتاف الرجال مع أنهم لا يطلق عليهم أنهم ركبان، لأنهم أموات..
3- القبور.
4- الحجارة.
5- جمع جنين هو هنا القبر.
6-العظام البالية لسائر الناس.
7- جادت عليهم السماء بالمطر.
8- إذا أصابهم الجدب لم ييأسوا.
 
 
 
27

21

وحشة القبر

 يَتَزَاوَرُونَ وَقَرِيبُونَ لَا يَتَقَارَبُونَ حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ1 وَجُهَلَاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ لَا يُخْشَى فَجْعُهُمْ وَلَا يُرْجَى دَفْعُهُمْ اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطْناً وَبِالسعَةِ ضِيقاً وَبِالْأَهْلِ غُرْبَةً وَبِالنورِ ظُلْمَةً فَجَاءُوهَا كَمَا فَارَقُوهَا حُفَاةً عُرَاةً قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الدائِمَةِ وَالدارِ الْبَاقِيَةِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَما بَدَأْنا أَولَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنا كُنا فاعِلِينَ2. 3

 
 

1- الأحقاد.
2- نهج البلاغة، الخطبة رقم 111ـ في ذم الدنيا.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 6 ص 242.
 
 
 
28

22

وحشة القبر

 لا اختلاف ولا تمييز!

 
القبر هو أول منزل من منازل الآخرة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده ليس أقل منه"1.
 
تختلف معيشة الناس في هذه الدنيا، فأصحاب الأموال يعيشون في القصور، والفقراء يعيشون في الأكواخ. وأصحاب الأموال يملكون أفخر الأساس وأفخر الثياب، والفقراء لا يملكون كل ما يحتاجون إليه، بل يعيشون الحرمان، وهكذا تتفاوت أحوال الناس في بيوتهم في هذه الدنيا.
 
فإذا حل الموت بهذا الإنسان، فإن مصيره واحد، ومنزله واحد، سواء أكان يعيش في قصر أم في كوخ، فهو إلى حفرة، متحدة في الحجم، وفي الشكل وفي الأثاث.
 
فالكل محمول إلى ذلك المكان على الأكتاف، ولكن دون اختيار منه لذلك، بل أمره لأهله وقرابته والناس من حوله.
 
والكل يُوضَع في حفرة واحدة، ذات حجم واحد، حيطانها حجار من نوع واحد، أرضها تراب، ثيابه أكفان، وهذه الأكفان هي التراب، لأن القماش سيبلى.
 
جيران الأجساد الجدد، عظام بالية، لأشخاص دفنوا منذ زمن، قد يكون أخاً أو أباً أو عماً أو غيرهم.
 
كل ما يحدث في هذه الدنيا لا يؤثر عليهم، أَنَزَلَ المطر أم أصيب الناس بالقحط.
 
ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصف القبر: "لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة، وأنا بيت الوحدة، وأنا بيت التراب، وأنا بيت الدود، فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحباً وأهلاً... وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر فقال له القبر: لا مرحباً ولا أهلاً"3.
 
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 6 ص 242.
2- الكافي - الشيخ الكليني - ج 3 ص 242.
 
 
 
29

23

وحشة القبر

 دار الغربة، دار الوحشة

 
نطلق على من يعيش بعيداً عن أهل ووطنه، أنه غريب، ولكن هل تُقاس هذه الغربة بغربة الإنسان في قبره، نقرأ في دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام: "وتحنن علي محمولاً قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وجُد علي منقولاً قد نزلت بك وحيداً في حفرتي، وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك"1.
 
ولمدى صعوبة وحشة القبر هذه وردت الروايات بأن لا ينقل الميت إلى قبره دفعةً واحدة، بل ينقل على دفعات، فإذا حُمل الميت إلى قبره فلا يفاجأ به القبر، لأن للقبر أهوالاً عظيمة. ويتعوذ حامله بالله من هول المطلع. ويضعه قرب شفير القبر. ويصبر عليه هنيئةً ثم يقدمه قليلاً، ويصبر عليه هنيئة، ليأخذ أهبته، ثم يقدمه إلى شفير القبر2.
 
ـ طريق الخلاص: العمل الصالح
 
إن كل عقبة من عقبات الآخرة، ترتبط بشخصية الإنسان وسلوكه في هذه الدنيا، وطريق الخلاص من هذه العقبات مرتبط بما يقوم به الإنسان في هذه الدنيا.
 
ومن الأسباب الموجبة للخلاص من وحشة القبر ومن ضغطة القبر العمل الصالح.
 
فالعمل هو الرفيق الذي يبقى مع الإنسان في قبره إلى يوم القيامة، لا يفارقه ولا يتخلى عنه، فإن كان صالحاً كان صديقاً يشعر الإنسان بالسعادة لصحبته، وإن كان طالحاً فاسداً، كان صديقاً سيئاً ينغص على الإنسان سفره.
 
ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- لقيس بن عاصم وهو يعظه-: "إنه لا بد لك يا قيس من قرين يُدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، ولا تجعله إلا صالحاً، فإنه إن صلح آنست به، وإن فسد لا تستوحش إلا منه، وهو فعلك"3.
 

1- مصباح المتهجد - الشيخ الطوسي - ص 593.
2- منازل الآخرة والمطالب الفاخرة - الشيخ عباس القمي - ص 128.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 7 ص 229.
 
 
 
30

24

وحشة القبر

 فالإنسان في هذه الدنيا يعمل ويكد ويشقى ويبذل كل طاقته في ثلاث: المال، الأهل والعمل، ولكن الذي يرافقه إلى قبره هو الأخير فقط، وأما المال والأهل، فتتخلى عنه.

 
فقد ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما مثل أحدكم ومثل ماله وأهله وولده وعمله، كمثل رجل له ثلاثة إخوة، فلما حضرته الوفاة دعا إخوته فقال: إنه قد نزل بي من الأمر ما ترى فما لي عندك وما لي لديك؟ فقال: "لك عندي أن أمرضك ولا أزيلك وأن أقوم بشأنك، فإذا مت غسلتك وكفنتك وحملتك مع الحاملين، أحملك طوراً وأميط عنك طوراً، فإذا رجعت أثنيت عليك بخير عند من يسألني عنك" هذا أخوه الذي هو أهله فما ترونه؟ قالوا: لا نسمع طائلاً يا رسول الله! ثم يقول لأخيه الآخر: أترى ما قد نزل بي فما لي لديك وما لي عندك؟ فيقول "ليس لك عندي غناء إلا وأنت في الأحياء، فإذا مت ذهب بك في مذهب وذهب بي في مذهب" هذا أخوه الذي هو ماله كيف ترونه؟ قالوا: لا نسمع طائلاً يا رسول الله! ثم يقول لأخيه الآخر: أترى ما قد نزل بي وما رد علي أهلي ومالي فما لي عندك وما لي لديك؟ فيقول: "أنا صاحبك في لحدك وأنيسك في وحشتك، وأقعد يوم الوزن في ميزانك فأثقل ميزانك" هذا أخوه الذي هو عمله كيف ترونه؟ قالوا: خير أخ وخير صاحب"1.
 
سوء الخلق، مفسد للعمل
 
ورد أن سعد بن معاذ وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي، فمشى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازته دون حذاء أو رداء، ونزل في قبره، وسجاه في لحده، واهتم به، فلما رأت أم سعد ذلك قالت: يا سعد، هنيئاً لك الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أم سعد مه، لا تجزمي على ربك، فإن سعداًَ قد أصابته ضمة. ولما سئل رسول الله عن ذلك قال
 

1- كنز العمال - المتقي الهندي - ج 15 ص 752.
 
 
 
31

25

وحشة القبر

 صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، إنه كان في خلقه مع أهله سوء"1.

 
إن هذا الرجل على الرغم من إيمانه وصلاحه، والإكرام الذي ناله من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن ذلك كله لم يخفف عنه وحشة القبر وضغطته، وذلك لأنه كان مبتلى بسوء الخلق مع أهله.
 
وسوء الخلق موجب لفساد العمل، ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل"2.
 
حسن الخلق، كفّارة الذنوب
 
وفي المقابل، فإن ثمرة حسن الخلق تظهر في التكفير عن الذنوب، وبهذا يتخلص الإنسان من رفيق سيء كان سيثقل عليه صحبته ورفقته في قبره، وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد"3.
 
وحسن الخلق هو الوجه الذي يُقدم الإنسان به على الله عز وجل وهو في غاية الفرح والسرور، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما يقدم المؤمن على الله عز وجل بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه"4.
 

1- الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 468.
2- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 321.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 14 ص 464.
4- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 68 ص 375. 
 
 
 
32

26

وحشة القبر

 المفاهيم الاساس 

 
1-الاختلاف بين الناس في نوع العيش قائم في هذه الدنيا، وأما في القبر فالمنزل واحد للناس كافة.
 
2- وحشة القبر لا مفر منها، وصعوبتها ترتبط بمدى تعلق الإنسان بهذه الدنيا.
 
3- أفضل رفيق للإنسان في القبر هو العمل الصالح.
 
4- حسن الخلق ضروري، فهو باب من أبواب النجاة من أهوال يوم القيامة والفوز بالجنة. 
 
 
للمطالعة 
 
روي: أن فاطمة عليها السلام لما احتضرت أوصت علياًعليه السلام فقالت: "إذا أنا مت فتول أنت غسلي وجهزني، وصل علي وأنزلني قبري وألحدني، وسو التراب علي، واجلس عند رأسي قبالة وجهي، فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أُنس الأحياء". 
 
 
 
33

27

وحشة القبر

 صلاة ليلة الدفن

 
وروى السيد ابن طاووس رحمه الله عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا يأتي على الميت ساعة أشد من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة، فإن لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب مرة وآية الكرسي مرة، وقل هو الله أحد مرتين، وفي الثانية فاتحة الكتاب مرة وألهاكم التكاثر عشر مرات وسلم ويقول:
 
اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر ذلك الميت فلان بن فلان، فيبعث الله مِن ساعته ألف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب وحلة، ويوسع في قبره من الضيق إلى يوم ينفخ في الصور، ويعطى المصلي بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات، ويرفع له أربعون درجة".
 
صلاة أخرى 
 
يصلى لرفع وحشة الليلة الأولى في القبر ركعتين، يقرأ في الركعة الأولى الحمد وآية الكرسي، ويقرأ في الركعة الثانية الحمد وإنا أنزلناه عشر مرات، فإذا سلم يقول: "اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان"، ويذكر اسم الميت عوضاً عن "فلان".
 
 
 
34

28

سؤال القبر

 الدرس الرابع

سؤال القبر
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام 
 
"ثُم أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً1َ جُذِبَ مُنْقَاداً سَلِسا2 ثُم أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ3 وَصَبٍ4 وَنِضْوَ5 سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ6 وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِياً لِبَهْتَةِالسؤَالِ وَعَثْرَةِ8 الِامْتِحَانِ9".
 

1- متحيراً ويائساً.
2- طائعا سهلا.
3- الكال، المتعب.
4- المرض والألم.
5- الهزيل والمراد من هذه الجملة أنه يلقى في النعش كليلا متعباً هزيلاَ قد أخذ المرض منه حتى صيره رمة بالية وهيكلاَ خاوياَ.
6- حال الميت في قبره حيث لا يزوره أحد.
7- الحيرة.
8-السقطة.
9-نهج البلاغة، الخطبة، 83.
 
 
 
35

29

سؤال القبر

 سؤال ولا مفرّ من الجواب!

 
بعد أن يوضع الإنسان في القبر، ويُهال عليه التراب وينقطع عنه الناس. تعود إليه الروح من جديد، ويستنطق بالسؤال، ففي الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "كأن قد أوفيت أجلك، وقبض الملك روحك، وصرت إلى منزل وحيداً، فرد إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكاك منكر ونكير لمساءلتك، وشديد امتحانك"1.
وأما الأسئلة التي يوجهها له الملكان منكر ونكير فهي:
أ- مَن ربك؟ ومَن نبيك؟ وما دينك؟
 
ب- كيف كان عملك في هذه الدنيا؟
 
ففي الرواية عن الإمام زين العابدينعليه السلام: "ألا وإن أول ما يسألانك، عن ربك الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولاه. ثم عن عمرك فيما أفنيته، ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته، فخذ حذرك وانظر لنفسك، وأعد للجواب قبل الامتحان والمسائلة والاختبار"2.
 
النتيجة طبقاً للجواب
 
فإذا كان الجواب صحيحاً، ولا طريق للكذب هناك، فنتيجة ذلك نعيم مقيم إلى قيام الساعة، فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا مات المؤمن شيعه سبعون ألف ملك إلى قبره، فإذا ادخل قبره أتاه منكر ونكير فيقعدانه ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله، ومحمد نبيي، والإسلام ديني،
 

1- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 ص 2479.
2- الكافي- الشيخ الكليني- ج8 ص73.
 
 
 
37

30

سؤال القبر

 فيفسحان له في قبره مد بصره، ويأتيانه بالطعام من الجنة ويدخلان عليه الروح والريحان"1.

 
وأما إذا كان الجواب خاطئاً، فإن المصير كما ورد في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام:- بعد موت ابن أبي حمزة البطائني-: "إنه أقعد في قبره فسئل عن الأئمة عليهم السلام فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إلي فسئل فوقف، فضُرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً"2.
 
صورة منكر ونكير
 
لا شك في أن لحظات السؤال سوف تكون صعبة للغاية على من لم يتهيأ للجواب في هذه الدنيا، وسوف تكون سهلة يسيرة لمن كان حاضر الجواب في هذه الدنيا، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فإذا أُدخل قبره أتاه ملكان وهما فتانا القبر، يجران أشعارهما، ويبحثان الأرض بأنيابهما، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، فيقولان له: من ربك ومن نبيك وما دينك؟ فيقول: الله ربي، ومحمد نبيي، والإسلام ديني، فيقولان: ثبتك الله فيما تحب وترضى، وهو قول الله: "يُثَبتُ اللهُ الذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدنْيَا"، فيفسحان له في قبره مد بصره، ويفتحان له باباً إلى الجنة، ويقولان له: نم قرير العين نوم الشاب الناعم، وهو قوله: "أَصْحَابُ الْجَنةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مسْتَقَرا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا" ـ وأنتنه ريحاً، فيقول له: أبشر بنزل من حميم، وتصلية جحيم، وإنه ليعرف غاسله، ويناشد حامله أن يحبسه، فإذا دخل قبره أتياه ممتحناً القبر فألقيا عنه أكفانه، ثم قالا له: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟ فيقول: لا أدري! فيقولان له: ما دريت ولا هديت، فيضربانه بمرزبة3 ضربة ما خلق الله دابة إلا وتذعر لها ما خلا الثقلين4، ثم
 

1-بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج6، ص222.
2- م. ن، ج6، ص242.
3-مطرقة من حديد.
4- الإنس والجن.
 
 
 
38

31

سؤال القبر

 يفتحان له باباً إلى النار، ثم يقولان له: نم بشر حال. فهو من الضيق مثل ما فيه القنا من الزج حتى أن دماغه يخرج"1.

 
ـ الصلاة باب لحضور الجواب
 
ليس حسن اللسان والتعلم على أساليب الكلام هو الذي يجعل الجواب حاضراً عند سؤال القبر، فإن ذلك العالم عالم الحقائق والواقع، لا مجال فيه للاحتيال والفرار، بل الذي ينفع الإنسان في ذلك اليوم هو العمل الذي أداه في هذه الدنيا، وأهم تلك الأعمال هي الصلاة، فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادقعليه السلام: "إذا دخل المؤمن في قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبر مطل عليه، ويتنحى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة والزكاة والبر: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه"2.
 
إن الصلاة التي هي عمود الدين، وهي معيار قبول سائر الأعمال، لا بد وأن تكون أول ما يسأل عنه العبد، فقد ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "إن أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها"3.
 
ـ الصلاة المثمرة
 
لم يشرع الله عز وجل الصلاة إلا لحكمة ومصلحة، والله غني عن العالمين، فالمصلحة ترجع إلى العباد، وثمرة الصلاة ترجع إلى صلاح آخرة عباد الله، وهي إنما تؤتي ثمارها إذا قام بها العبد على وجهها، بأن حافظ على باطنها كما يحافظ على ظاهرها، فكما يهمك أن تأتي بالصلاة وأن لا تتخلف عن أدائها، عليك أن تهتم بالإتيان بها على ما أراده الله عز وجل، بأن تستحضر قلبك في هذه الصلاة، وذلك بالانصراف عن التفكير في الأمور الدنيوية أثناء الصلاة، لتفكر في ما أخبر عنه الإمام
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 6 ص 226.
2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 ص 2480.
3- م.ن، ص 1630.
 
 
 
 
39

32

سؤال القبر

 الرضا عليه السلام من علة تشريع الصلاة، حيث يقول عليه السلام: "إنها إقرار بالربوبية لله عز وجل وخلع الأنداد، وقيام بين يدَي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع والاعتراف، والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كل يوم خمس مرات إعظاماً لله عز وجل، وأن يكون ذاكراً غير ناسٍ ولا بطر، ويكون خاشعاً متذللاً راغباً طالباً للزيادة في الدين والدنيا، مع ما فيه من الإنزجار والمداومة على ذكر الله عز وجل بالليل والنهار، لئلا ينسى العبد سيده ومدبره وخالقه فيبطر ويطغى، ويكون في ذكره لربه وقيامه بين يديه زاجراً له عن المعاصي ومانعاً من أنواع الفساد"1.

 
فالصلاة التي لا يُقبل بها الإنسان بقلبه إلى الله عز وجل قد تسقط الواجب عنه، فلا يحاسب على تركها ولكنها لن تكون شافعة له عند سؤال منكر ونكير، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "يا كميل! ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق، إنما الشأن أن تكون الصلاة فُعلت بقلب نقي، وعمل عند الله مرضي، وخشوع سوي"2.
 
ويذكر الإمام الخميني أهمية حضور القلب في الصلاة فيقول:
"هو أن يعمد الإنسان إلى السعي لمعالجة النفس، وأن يشد أحزمة العزم لاستحصال – في الأقل- بعض مراتب حضور القلب، التي تسقط العبادات عن درجة الاعتبار من دونها، ولا تحظى بقبول الحضرة المقدسة... وتجدر معرفة أن منشأ حضور القلب في عمل من الأعمال، وعلة إقبال النفس عليه وتوجهها إليه هو أن يتلقى ذاك العمل بالتعظيم ويراه من المهمات"3.
 

1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ص 1631.
2- م.ن، ص 1632.
3- سر الصلاة، الإمام الخميني، ص63، دار التعارف
 
 
 
40

33

سؤال القبر

 المفاهيم الاساس

 
1- جواب الإنسان في القبر تابع لما كان يعتقده الإنسان في هذه الدنيا، وهذا يبرز لنا أهمية تعلم أصول الدين.
 
2- صورة الملكان منكر ونكير) تابعة لعمل الإنسان في هذه الدنيا، فإن كان عملاً صالحاً كانت صورتهما حسنة، وإلا كانت صورة منكرة.
 
3- الصلاة من الأعمال الموجبة لحضور الجواب عند سؤال الملكان، وقيمة الصلاة بمقدار حضور القلب عند أدائها. 
 
للمطالعة 
 
عن أحدهما عليهما السلام ـ يعني الإمام الصادق أو الإمام الباقر ـ قال: 
"إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستة صور، فيهن صورة أحسنهن وجهاً، وأبهاهن هيئة، وأطيبهن ريحاً، وأنظفهن صورة. 
 
قال: فتقف صورة عن يمينه وأخرى عن يساره وأخرى بين يديه، وأخرى خلفه، وأخرى عند رجله.
 
وتقف التي هي أحسنهن فوق رأسه.
 
فإن أوتي عن يمينه منعته التي عن يمينه، ثم كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الست.
 
 
 
41

34

سؤال القبر

 قال: فتقول أحسنهن صورة: ومن أنتم جزاكم الله عني خيراً؟ 


فتقول التي عن يمين العبد: أنا الصلاة.

وتقول التي عن يساره: أنا الزكاة.

وتقول التي بين يديه: أنا الصيام.

وتقول التي خلفه: أنا الحج والعمرة.

وتقول التي عند رجليه: أنا بر مَن وصلت من إخوانك. 

ثم يقلن: مَن أنت؟ فأنت أحسننا وجهاً وأطيبنا ريحاً، وأبهاناً هيئة. 

فتقول: أنا الولاية لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين". 

* وروى الصدوق في فضل صيام شعبان:
"ومَن صام تسعة أيام من شعبان عطف عليه منكر ونكير عندما يسألانه".

* وورد عن الإمام الباقر عليه السلام: في إحياء ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، وصلاة مائة ركعة فيها فضل كثير فمن جملته: "ودفع عنه هول منكر ونكير وخرج من قبره ونوره يتلألأ لأهل الجمع".

إن من خواص تربة النجف الطاهرة إنها تسقط حساب منكر ونكير عمن يدفن فيها.

 منازل الآخرة، الشيخ عباس القمي، ص 154
 
 
 
42

35

البرزخ

 الدرس الخامس

البرزخ
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام 
 
أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ1 وَفُراطُ مَنَاهِلِكُمْ2 الذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِز وَحَلَبَاتُ3 الْفَخْرِ مُلُوكاً وَسُوَقاً4 سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلًا سُلطَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ وَضِمَاراً5 لَا يُوجَدُونَ لَا يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الْأَهْوَالِ6 وَلَا يَحْزُنُهُمْ تَنَكرُ الْأَحْوَالِ وَلَا يَحْفِلُونَ7 بِالروَاجِفِ وَلَا يَأْذَنُونَ8 لِلْقَوَاصِفِ9 غُيباً لَا يُنْتَظَرُونَ وَشُهُوداً لَا يَحْضُرُونَ وَإِنمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتتُوا10 وَآلَافاً فَافْتَرَقُوا وَمَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَلَا بُعْدِ مَحَلهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وَصَمتْ دِيَارُهُمْ وَلَكِنهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدلَتْهُمْ بِالنطْقِ خَرَساً وَبِالسمْعِ صَمَماً وَبِالْحَرَكَاتِ
 
 

1- المتقدمون والسابقون منكم، أي الأجداد والآباء.
2-فراط مناهلكم: أي الذين وردوا إلى الموت قبلكم.
3- ساحات.
4- رعية.
5- لا يرجى رجوعهم.
6- المخاوف
7- لا يهتمون.
8- لا يستمعون متعجبين
9- الشدائد.
10- افترقوا.
 
 
 
43

36

البرزخ

 سُكُوناً فَكَأَنهُمْ فِي ارْتِجَالِ الصفَةِ1 صَرْعَى سُبَاتٍ جِيرَانٌ لَا يَتَأَنسُونَ وَأَحِباءُ لَا يَتَزَاوَرُونَ بَلِيَتْ بَيْنَهُمْ عُرى التعَارُفِ2 وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ فَكُلهُمْ وَحِيدٌ وَهُمْ جَمِيعٌ وَبِجَانِبِ الْهَجْرِ وَهُمْ أَخِلاءُ3 لَا يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً وَلَا لِنَهَارٍ مَسَاءً أَي الْجَدِيدَيْنِ4 ظَعَنُوا5 فِيهِ كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِما خَافُوا وَرَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِما قَدرُوا.6

 

1-ارتجال الصفة: أفضل وصف لهم دون تفكير وتأمل أنهم وقعوا على الأرض في حالة نوم.
2- بليت بينهم عرى التعارف: انقطعت العلاقة بينهم.
3- الأخلاء: الأصدقاء.
4- الجديدان: الليل والنهار.
5- ظعنوا: رحلوا
6- نهج البلاغة، الخطبة، 221.
 
 
 
 
44

37

البرزخ

 ـ عالم البرزخ

 
البرزخ لغةً الحاجز، والمراد هنا هو المرحلة الممتدة من الموت إلى البعث والنشور وقيام القيامة. قال الله تعالى: "وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"1.
 
وعالم البرزخ هذا هو عالم اجتماع الأرواح، فالأرواح المؤمنة تجتمع وتلتقي في نعيم ورحمة من الله، بل إنها تنتظر ما يقدم عليها من أرواح لتسأله الخبر عمن هم في هذه الدنيا، وبذلك يعرفون أنه ما زال حياً أو هوى في الجحيم، فقد ورد في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "إن الأرواح في صفة الأجساد في شجر في الجنة، تسائل وتعارف، فإذا قدمت الروح على الأرواح تقول: دعوها فإنها قد أقبلت من هول عظيم، ثم يسألونها ما فعل فلان وما فعل فلان، فإن قالت لهم: تركته حياً، ارتجوه، وإن قالت لهم: قد هلك، قالوا: قد هوى هوى"2.
 
وادي السلام
 
وأما مكان اجتماع أرواح المؤمنين فهو، وكما ورد في الروايات، وادي السلام في النجف الأشرف، ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام – لما قيل له إن أخي ببغداد وأخاف أن يموت به-ا فقال: "ما تبالي حيث مات، أما أنه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض ولا غربها إلا حشر الله روحه إلى وادي السلام، فقلت له: وأين وادي السلام؟ قال: ظهر الكوفة، أما كأني بهم حلق حلق قعود يتحدثون"3.
 

1- المؤمنون، 100.
2- الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 ص 330.
3- م.ن، ص 329.
 
 
 
 
45

 


38

البرزخ

 وادي برهوت

 
وأما أرواح الكفار، فإنها تعيش العذاب الأليم في عالم البرزخ، وهي تجتمع في مكانٍ واحدٍ لتتلقى العذاب. ففي الرواية عن الإمام الباقرعليه السلام: "إن لله ناراً في المشرق، خلقها الله ليسكنها أرواح الكفار، ويأكلون من زقومها ويشربون من حميمها ليلهم، فإذا طلع الفجر هاجت إلى وادٍ باليمن، يقال له: برهوت، أشد حراً من نيران بئر الدنيا فكانوا فيه يتلاقون ويتعارفون، فإذا كان المساء عادوا إلى النار إلى يوم القيامة"1.
 
ورغم هذا العذاب الذي يلقونه، فإنهم يدركون أن ما سيصيبهم من العذاب في يوم القيامة أشد مما هم فيه، فلذا يطلبون من الله أن يطيل الله عليهم حياة البرزخ، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام- في أرواح الكفار-: "في حجرات في النار، يأكلون من طعامها، ويشربون من شرابها، ويتزاورون فيها، ويقولون: ربنا لا تقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا"2.
 
ـ إياك والغيبة
 
إن لكل ذنب من الذنوب صورته التي يكون عليها فاعله في عالم البرزخ، والغيبة هي من كبائر الذنوب التي ورد في الروايات التحذير منها، وأما الصورة التي يكون عليها مرتكبها كما ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظفارهم، فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم"3.
 
هذه هي صورة مرتكب الغيبة في البرزخ، فليتدبر الإنسان في هذه العاقبة التي يصل إليها لو أنه فرط في مراعاة ذلك في الدنيا، فسرور ساعة في هذه الدنيا باستغابة إنسان يورث ندامة لا تقاس بها كل أفراح الدنيا.
 

1- م.ن، ص 339.
2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 ص 253.
3- م. ن. ج 3 ص 2328.
 
 
 
46

39

البرزخ

 علاج الغيبة

 
كيف يعالج الإنسان حالة الغيبة؟ وهي أمر يُبتلى به الإنسان في مجالس متعددة، وفي كل يوم؟
 
أولاً: على الإنسان أن يستحضر الإنسان دائماً خطورة هذا الذنب، وذلك باستحضار ما تقدم من الصورة البرزخية له، مضافاً إلى أن يتصور الإنسان نفسه في مكان ذلك الشخص الغائب الذي يتناوله بالحديث وذكر عيوبه، فهل يرضى لنفسه ذلك؟
 
ألست إنساناً كذلك الذي تستغيبه، وما يمنع من وقوعك فيما وقع فيه، حتى تقوم بذكر عيوبه، إن أفضل رادع لك عن الغيبة أن تتذكر أنك قد تقع في نفس ذلك العيب، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام- في النهي عن غيبة الناس-: "وإنما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب والمعصية، ويكون الشكر هو الغالب عليهم، والحاجز لهم عنهم، فكيف بالعائب الذي عاب أخاه وعيره ببلواه؟! أما ذكر موضع ستر الله عليه من ذنوبه مما هو أعظم من الذنب الذي عابه به؟! وكيف يذمه بذنب قد ركب مثله؟! فإن لم يكن ركب ذلك الذنب بعينه فقد عصى الله فيما سواه مما هو أعظم منه، وأيم الله! لئن لم يكن عصاه في الكبير وعصاه في الصغير، لجرأته على عيب الناس أكبر!"1.
 
ثانياً: الغيبة من حقوق الناس، ولا شك في أن حقوق الناس ترتبط بهم، فإذا وقَعت في الغيبة فإنك تجعل في عنقك حقاً لمن اغتبته، وهذا لا تتخلص منه بمجرد الاستغفار والتوبة، بل إن خروجك من هذا الذنب يتوقف على أن يعفو هو عنك ويصفح هو عن حقه، وإلا فإنك مطالب بهذا الحق في يوم القيامة، ولذا كانت الغيبة من أشد الذنوب، ففي الرواية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "الغيبة أشد من الزنا قيل: وكيف؟ قال: الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يُغفر له حتى يَغفر له صاحبه"2.
 

1- م.ن، ص 2329.
2- م.ن، ص 2329.
 
 
 
47

40

البرزخ

 تأثير الغيبة على الطاعات

 
إن بعض العبادات اليومية التي يقوم بها الإنسان ويلتزم بها كالصلاة، لا يمكن أن تؤثر أثرها على نفس الإنسان، لتجعله مستحقاً للثواب الإلهي الموعود إذا كان مبتلى بالغيبة، فقد ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من اغتاب مسلماً أو مسلمة لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلا أن يغفر له صاحبه"1.
 
نعم قد تجهد نفسك في المستحبات، وفي ظنك أن هذا سينفعك في يوم القيامة، وأنك تثقل بذلك ميزان أعمالك، وتفتح طريق الجنة أمامك في يوم القيامة، ولكنك ستفاجأ في يوم القيامة، بخلو كتابك من الأعمال الصالحة، حيث ينكشف لك أن عملك باطل بسبب غيبتك، ففي الرواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الله ويدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي! فإني لا أرى فيها طاعتي؟! فيقال له: إن ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي! فإني ما عملت هذه الطاعات! فيقال: لأن فلاناً اغتابك فدُفعت حسناته إليك"2.
 

1- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 ص 1636.
2- م.ن، ص 2330. 
 
 
 
48

41

البرزخ

 المفاهيم الاساس

 
1- عالم البرزخ هو عالم اجتماع الأرواح قاطبة.
 
2- وادي السلام هو مكان اجتماع أرواح المؤمنين، حيث تعيش الفرح والسرور.
 
3- وادي برهوت هو مكان اجتماع أرواح الكفار حيث تعيش العذاب الأليم.
 
4- الغيبة من كبائر الذنوب وصورتها في البرزخ قوم يخمشون وجوههم بأظافرهم.
 
5-علاج الغيبة: أن يستحضر الإنسان خطورة الذنب.
 
أن يستحضر دائماً أن الخلاص منها يتوقف على أن يعفو صاحب الحق عن حقه.
 
أن الله لا يقبل عبادة مرتكب الغيبة. 
  
للمطالعة
 
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اهدوا لموتاكم. 
 
فقلنا: يا رسول! وما هدية الأموات؟
 
قال صلى الله عليه وآله وسلم: الصدقة والدعاء. 
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: إن أرواح المؤمنين تأتي كل جمعة إلى السماء الدنيا بحذاء دورهم وبيوتهم، ينادي كل واحد منهم بصوت حزين:
 
 
 
 
49

42

البرزخ

 يا أهلي ويا ولدي ويا أبي ويا أمي ويا أقربائي! اعطفوا علينا يرحمكم الله، بالذي كان في أيدينا والويل والحساب علينا والمنفعة لغيرنا. 

 
وينادي كل واحد منهم إلى أقربائه: اعطفوا علينا بدرهم، أو برغيف، أو بكسوة يكسوكم الله من لباس الجنة.
 
ثم بكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكينا معه، فلم يستطع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتكلم من كثرة بكائه. ثم قال: أولئك إخوانكم في الدين، فصاروا تراباً رميماً بعد السرور والنعيم فينادون بالويل والثبور على أنفسهم، يقولون: يا ولينا لو أنفقنا ما كان في أيدينا في طاعة الله ورضائه، ما كنا نحتاج إليكم.
 
فيرجعون بحسرة وندامة، وينادون: أسرعوا صدقة الأموات".
 
منازل الآخرة، الشيخ عباس القمي، 162.
 
 
50

 


43

صيحة النشور

  الدرس السادس
صيحة النشور
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام 
 
حَتى إِذَا تَصَرمَتِ1 الْأُمُورُ وَتَقَضتِ2 الدهُورُ وَأَزِفَ النشُورُأَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ4 الْقُبُورِ وَأَوْكَار5 الطيُورِ وَأَوْجِرَةِ6 السبَاعِ وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ7 سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ8 رَعِيلًا9 صُمُوتاً10 قِيَاماً صُفُوفاً يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمُ الداعِي عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الِاسْتِكَانَةِ11 وَضَرَعُ الِاسْتِسْلَامِ وَالذلةِ12، قَدْ ضَلتِ
 
 

1- انقطعت وذهبت.
2-انقضت ومضت.
3-حل وقت البعث والحياة بعد الموت.
4-الضريح هو المكان الذي يوضع فيه الميت.
5-أعشاش.
6-بيوت السباع.
7- الأماكن التي تلقى فيها الأشياء.
8-خاضعين.
9- جماعات جماعات.
10- ملتزمين الصمت والسكوت فلا ينطقون.
11- الخضوع.
12- وهن وضعف الاستسلام والذلة والمهانة.
 
 
 
52

44

صيحة النشور

 الْحِيَلُ1 وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً2 وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً3 وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ4 وَعَظُمَ الشفَقُ وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ5 الداعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ6 وَنَكَالِ الْعِقَابِ وَنَوَالِ الثوَابِ.7

 

1- بطلت الحيل وتعطلت.
2- مهمومة مكروبة.
3- ذات صوت خفي.
4-كناية عن وصول العرق وهو ما يفرزه الجسم إلى الفم فجعلهم في عجز عن النطق.
5- اضطربت أسماع البشر لنهرة الداعي وزجرته لهم وصيحته عليهم.
6- المعاوضة وأخذ ما يستحق.
7-نهج البلاغة، الخطبة 83.
 
 
 
53

45

صيحة النشور

 نفختان: موت وحياة

 
قال تعالى: "وَنُفِخَ فِي الصورِ فَصَعِقَ مَن فِي السمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلا مَن شَاء اللهُ ثُم نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ"1.
 
تتحدث الآية بوضوح عن النفخة الأولى، التي تحل عندما لا يبقى أحد حي في هذه الدنيا، فيميت الله عز وجل الخلق جميعاً، فكل نفس ذائقة الموت.
 
وتأتي بعد ذلك النفخة الأخرى، حيث يقوم الناس للحساب، وقد ورد في الروايات أن بين النفختين زمن طويل.
 
ـ موقف عسير
 
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصورِ فَإِذَا هُم منَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِن كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لدَيْنَا مُحْضَرُونَ2.

 

 
إنه موقف عظيم، حيث يخرج الإنسان من عالم البرزخ إلى عالم القيامة، ويبدأ الحساب، إنها لحظات يعجز اللسان عن وصفها، ويعسر على كل إنسان تحملها، ولذا وردت الروايات بأن هذه الساعة هي من أوحش الساعات: فعن الإمام الرضا عليه السلام: "إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها، ويوم يُبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا"3.
 
 

1- الزمر، 68.
2- يس،51-52-53.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 6 ص 159.
 
 
 
 
54

46

صيحة النشور

 ـ الدنيا دار تكليف

 
إن الذي يأمن في هذه الساعة، ويسلم من الأهوال والشدائد، هو من تمكن من الالتزام بأوامر الله عز وجل ونواهيه في هذه الدنيا، فهذه الحياة هي دار التكليف، وأما الآخرة فهي دار جزاء وليست دار تكليف.
 
وطاعة التكاليف الإلهية هي حقيقة الإيمان من الإنسان، فلا يمكن للإنسان أن يعتبر نفسه مؤمناً، إذا لم يؤثر اعتقاده هذا بالله عز وجل على عمله في هذه الحياة، وهذه الطاعة تتقوم بركنين، الابتعاد عن المحرمات والعمل بالواجبات، وقد ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أصل الدين الورع، ورأسه الطاعة"1.
 
الدوافع نحو الطاعة
 
إن على الإنسان إذا أراد أن يربي نفسه على الطاعة، أن يتذكر على الدوام الأمور التالية:
أولاً: يكفي للإنسان في التزامه بالتكاليف أن يعلم أن هذه التكاليف هي لمصالح ترجع إليه، والله عز وجل غني عن العالمين، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم، لأنه لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه"2.
 
ثانياً: يكفي للإنسان أن يتذكر هول المصير الذي ينتظر العاصي لأوامر الله عز وجل، ليرتدع عن مخالفة التكليف الإلهي، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم، وسمعتم وأطعتم!"3.
 
ثالثاً: إن كل ما أمر الله به فهو حسن، وكل ما نهى عنه فهو قبيح، ولذا عليك التسليم بأي تكليف إلهي، سواء علمت المصلحة منه أم لم تعلم، بل إن على الإنسان أن يعترف بعجزه عن
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 74 ص 86.
2- نهج البلاغة، الخطبة 193.
3- نهج البلاغة، من كلام له، الحكمة 19.
 
 
 
55

47

صيحة النشور

 معرفة المصالح التي أرادها الله عز وجل لعباده في أوامره، والمفاسد التي أراد إبعادهم عنها في نواهيه.

 
رابعاً: لو أن الإنسان تأمل قليلاً في معصية الله ومخالفة أوامره، لوجد أنه بذلك يعصي من يحبه ويريد له الخير، ويطيع عدواً لا يريد له إلا الشر، فهل فكرت يوماً أن كل معصية تعصي الله عز وجل بها، فإنك تطيع الشيطان؟
 
وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام- في صفة أهل الضلال-: "دعاهم ربهم فنفروا وولوا، ودعاهم الشيطان فاستجابوا وأقبلوا"1.
 
الطاعة لله وللرسول ولأولي الأمر
 
إن من له حق الطاعة هو الله عز وجل فقط، فهو خالق هذه الإنسان ومدبره وبيده أموره كافة، ثم من أمر الله عز وجل بطاعته وهم الرسول والأئمة والفقهاء، قال تعالى: "يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ2".
 
وعن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله"3.
 
ثمار الطاعة
 
إن لطاعة الله عز وجل ثمار في هذه الدنيا، تظهر جلياً في شخصية الإنسان، وفي المجتمع الذي يعيش فيه، فضلاً عن الثواب الأخروي، والنجاة من العذاب الأبدي:
1ـ الوفاق وعدم الاختلاف: فإن الطاعة لله عز وجل ولرسوله باب لحل كل خلاف، قال تعالى: "يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدوهُ إِلَى اللهِ وَالرسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"4.
 
 

1-ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 ص 1752.
2- النساء، 59.
3-وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 ص 140.
4-النساء، 59.
 
 
 
 
56

 


48

صيحة النشور

 2ـ باب لمحبة الله: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أحب الله تعالى عبداً ألهمه الطاعة"1.

 
3ـ الراحة النفسية في العلاقة مع الناس: عن الإمام الهادي عليه السلام: "من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق"2.
 
المفاهيم الاساس 
 
1-في القيامة نفختان، نفخة إماتة ونفخة إحياء، ونفخة الإحياء هي من المواطن المهولة والموحشة للإنسان في يوم القيامة.
 
2- الدنيا دار تكليف، وطاعة الله في هذه الدنيا هي السبب في النجاة من أهوال القيامة.
 
3- دوافع الطاعة: العلم بأن التكاليف الإلهية هي لمصلحة العباد، تذكر أهوال القيامة، التسليم للتكاليف الإلهية.
 
4- لا طاعة إلا لله عز وجل ولرسوله وللأئمة وللولي الفقيه المنصب من قبل الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف. 
 
 

1- بحار الأنوار، ج100، ص26.
2- الكافي، الكليني، ج1، ص138. 
 
 
 
 
57

49

صيحة النشور

 للمطالعة 

 
ذكر الشيخ عباس القمي بعض ما يوجب الأمن من الفزع الأكبر في يوم القيامة فقال:
 
التاسع: روى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال:
"مَن أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده، فنفس كربته وأعانه على نجاح حاجته، كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون رحمة من الله، يجعل له منها واحدة يصلح بها معيشته، ويدخر له إحدى وسبعين رحمة لأَفزاعِ يوم القيامة وأهواله".
 
يقول المؤلف: قد رويت روايات كثيرة في ثواب قضاء حاجات الأخوة في الدين، ومن جملتها ما روي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال:
"مَن مشى في حاجة أخيه المسلم أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك، ولم يرفع قدماً إلا كتب الله له حسنة، وحط عنه بها سيئة، ويرفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله عز وجل له بها أجر حاج ومعتمر". 
 
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: 
"لَقضاءُ حاجة امرئ مؤمن أفضل من حجة وحجة وحجة حتى عد عشر حجج".
 
وروي: "أن عابِدَ بني إسرائيل كان إذا بلغ الغاية من العبادة صار مشاءً في حوائج الناس، عانياً بما يصلحهم". 
 
وروى الشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل القمي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى على الباب الثاني من الجنة مكتوباً:
 
 
 
58

50

صيحة النشور

 "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، لكل شيء حيلة وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال: المسح على رؤوس اليتامى، والتعطف على الأرامل، والسعي في حوائج المسلمين، وتفقد الفقراء والمساكين".


منازل الآخرة، الشيخ عباس القمي، ص188.
 
 
 
59
 

51

حساب الأعمال

  الدرس السابع

حساب الأعمال
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام 
 
"فَاتعِظُوا عِبَادَ اللهِ بِالْعِبَرِ النوَافِعِ وَاعْتَبِرُوا بِالْآيِ السوَاطِعِ وَازْدَجِرُوا بِالنذُرِ الْبَوَالِغِ وَانْتَفِعُوا بِالذكْرِ وَالْمَوَاعِظِ فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيةِ وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلَائِقُ الْأُمْنِيةِ وَدَهِمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ وَالسيَاقَةُ إِلَى الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ فَكُل نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا"1.
 
"وَذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللهُ فِيهِ الْأَولِينَ وَالْآخِرِينَ لِنِقَاشِ الْحِسَابِ وَجَزَاءِ الْأَعْمَالِ خُضُوعاً قِيَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَرَجَفَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ فَأَحْسَنُهُمْ حَالًا مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً وَلِنَفْسِهِ مُتسَعاً"2.
 
 

1- الخطبة، 85
2-الخطبة، 102
 
 
 
 
60

52

حساب الأعمال

 سوء الحساب

 
قال تعالى: "وَالذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ"1.
 
إن من أعظم أهوال يوم القيامة هو سوء الحساب، فما هو المراد من سوء الحساب؟ 
 
إن الله عز وجل أعدل العادلين، وفي يوم القيامة لا تظلم نفس شيئاً، ولذا كيف يكون سوء الحساب؟ إن سوء الحساب هو دقة الحساب، والمتابعة التامة لكل تفصيل من التفاصيل، فكل فعلٍ قام به الإنسان في هذه الدنيا صغيراً كان أو كبيراً، فإنه سوف يسأل عنه في يوم القيامة، وهذا ما ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام- لرجل شكاه بعض إخوانه-: "ما لأخيك فلان يشكوك؟ فقال: أيشكوني أن استقصيت حقي؟ ! قال: فجلس مغضباً ثم قالعليه السلام: كأنك إذا استقصيت لم تسئ؟ ! أرأيت ما حكى الله تبارك وتعالى: "وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ" أخافوا الله أن يجور عليهم؟ ! لا والله! ما خافوا إلاالاستقصاء، فسماه الله سوء الحساب، فمن استقصى فقد أساء"2.
 
فالعبد المؤمن الذي يذنب الذنب قد يناله العفو يوم القيامة، أو تشمله الرحمة الإلهية في ذلك اليوم، فينجو بذلك من جهنم، ولكن هل ينجو من السؤال الإلهي عن تلك الذنوب؟
 
إن هذه الذنوب وإن خفيت على الناس ولكنها لا تخفى على الله عز وجل، لأنه المطلع على كل شيء، "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرةٍ شَرا يَرَهُ"3.
 

1- الرعد، 21.
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 7 ص 266.
3- الزلزلة، 7-8.
 
 
 
 
62

53

حساب الأعمال

 وقد ورد في الرواية عن محمد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: "فَأُوْلَئِكَ يُبَدلُ اللهُ سَيئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رحِيمًا"؟ فقال عليه السلام: "يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يقام بموقف الحساب، فيكون الله تعالى هو الذي يتولى حسابه، لا يُطلع على حسابه أحداً من الناس، فيعرفه ذنوبه حتى إذا أقر بسيئاته قال الله عز وجل للكتبة: بدلوها حسنات، وأظهروها للناس، فيقول الناس حينئذٍ: ما كان لهذا العبد سيئة واحدةً، ثم يأمر الله به إلى الجنة، فهذا تأويل الآية، وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة"1.

 
ـ مَن يدخل الجنة بغير حساب؟
 
قال تعالى: ﴿إِنمَا يُوَفى الصابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ2.

 

 
تتحدث الآية عن الصابرين الذين تكتب لهم النجاة من الحساب، وللصبر أقسام، فالصبر قد يكون على البلاء الذي يحل بهذا الإنسان، فلا يخرج عن طاعة الله إلى معصيته، ولكن من أقسام الصبر، الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، فإن النفس الأمارة بالسوء تدعو الإنسان إلى المعصية، وترك الواجب، ومن يصبر على مخالفة هوى النفس وأوامرها هو الصابر، الذي ينجو من الحساب، ففي الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي منادٍ: أين الصابرون ليدخلوا الجنة جميعاً بغير حساب- إلى أن قال- قالت الملائكة لهم: من أنتم؟ قالوا: الصابرون، قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا على طاعة الله، وصبرنا من معصية الله"3.
 
ـ كلما ازداد العطاء عظم الحساب
 
إن الحساب الإلهي في يوم القيامة هو على العمل الذي يقوم به الإنسان في هذه
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 7 ص 262.
2- الزمر، 10.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 79 ص 138.
 
 
 
 
63

54

حساب الأعمال

  الدنيا، وكلما ازداد عطاء الله للإنسان في هذه الدنيا، من المال والجاه والولد، كلما ازدادت مسؤوليته، وكلما طال موقفه في يوم القيامة، لأنه سوف يسأل عن كل هذا، وذلك خلافاً لمن لم يكن ذا مالٍ ولا ذا جاهٍ ولا ذا ولد في هذه الدنيا، فإن حسابه يكون أخف بكثير، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة قام عنق من الناس حتى يأتوا باب الجنة فيضربوا باب الجنة، فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن الفقراء، فيقال لهم: أقَبْلَ الحساب؟ ! فيقولون: ما أعطيتمونا شيئاً تحاسبونا عليه، فيقول الله عز وجل: صدقوا، ادخلوا الجنة"1.

 
 
فالإنسان الذي يسعى في الليل والنهار في سبيل جمع المال، أو يدخل في عداوات وصراعات مع رحمه وإخوانه في سبيل الوصول إلى منصبٍ ما، عليه أن يتذكر أنه بذلك يسعى ليكون حسابه طويلاً في يوم القيامة.
 
أسرع بمحاسبة نفسك
 
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر"2.
 
إن أفضل طريق لكي يأمن الإنسان سوء الحساب في يوم القيامة، أن يسبق ذلك بمحاسبة نفسه في هذه الدنيا، فإنه بذلك يتمكن من أن يعالج ما قد اقترفه من الذنوب، بالتوبة والاستغفار، أو طلب العفو من الناس في حقوق الناس، كما أنه يتمكن من استزادة فعل الطاعات، عندما يجد من نفسه التقصير في ذلك، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه، فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنةً استزاد منها، وإن رأى سيئةً استغفر منها، لئلا يخزى يوم القيامة"3.
 
 

1- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 265.
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 67 ص 73.
3- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 ص.619
 
 
 
 
64

55

حساب الأعمال

 صلة الرحم، تهوّن الحساب

 
ورد في العديد من الروايات، أن صلة الرحم هي من أعظم ما يوجب تخفيف الحساب في يوم القيامة، نذكر منه رواية إسحاق بن عمار حيث قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصِلوا أرحامكم، وبروا بإخوانكم، ولو بحسن السلام ورد الجواب"1.
 
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام: "صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة، وهي منسأة في العمر، وتقي مصارع السوء، وصدقة الليل تطفئ غضب الرب"2.
 
ـ العفو في الدنيا يلازم العفو في الآخرة
 
يستفاد من الآيات القرآنية أن الناس في يوم القيامة ينقسمون إلى مجموعتين، فمجموعة يحاسبهم الله بيسرٍ وسهولة وبغير تدقيق، ﴿فَأَما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا3. وعلى العكس من ذلك هناك مجموعة يحاسبون بشدةٍ، حتى الذرة والمثقال من الأعمال يحاسبون عليه، كما حدث لبعض البلاد التي كان أهلها من العاصين، ﴿فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذبْنَاهَا عَذَابًا نكْرًا4. إن هذا الحساب الشديد هو نتيجة لما كان يقوم به هؤلاء في حياتهم، من استقصاء الآخرين حتى الدينار الأخير، وإذا ما حدث خطأ من أحد فإنهم يعاقبون بأشد ما يمكن، ولم يسامحوا أحداً حتى أبناءهم وإخوانهم وأصدقائهم، وبما أن الآخرة انعكاس لحياة الدنيا، فإن الله سبحانه وتعالى يحاسبهم حساباً شديداً على أي عمل عملوه بدون أدنى سماح، وعلى العكس فهناك أشخاص سهلون ومسامحون ومن أهل العفو، خصوصاً في مقابل أصدقائهم وأقربائهم وذوي الحقوق عليهم أو الضعفاء، ويغضون النظر عنهم وعن

 

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص157.
2-م.ن. ج 2 ص 157.
3-الانشقاق، الآية 8.
4- الطلاق، 8.
 
 
 
 
65

56

حساب الأعمال

كثير من زلاتهم الشخصية، وفي مقابل ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يشملهم بعفوه ورحمته الواسعة ويحاسبهم حساباً يسيرا1

 
المفاهيم الاساس 
 
1- سوء الحساب هو المداقة في السؤال عن كل عمل في هذه الدنيا، صغيراً كان أم كبيراً، وهو المسمى بالاستقصاء.
 
2- الصبر موجب لتهوين الحساب، ومن أقسامه الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية.
 
3- من الأسباب الموجبة للتخفيف من سوء الحساب: قلة جمع المال، محاسبة النفس في الدنيا، صلة الرحم.
 
 

1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 7 ص 385. 
 
 
 
 
66

57

حساب الأعمال

 للمطالعة 


عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: "إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من أهل الجنة: فقيرٌ في الدنيا، وغني في الدنيا، فيقول الفقير: يا رب على ما أوقف؟ فوعزتك إنك لتعلم أنك لم تولني ولايةً فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالاً فأؤدي منه حقاً أو أمنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفافاً على ما علمت وقدرت لي، فيقول الله جل جلاله: صدق عبدي خلوا عنه يدخل الجنة، ويبقى الآخر حتى يسيل منه من العرق ما لو شربه أربعون بعيراً لكفاها، ثم يدخل الجنة، فيقول له الفقير: ما حبسك؟ فيقول: طول الحساب، ما زال الشيء يجيئني بعد الشيء يغفر لي، ثم أسأل عن شيء آخر حتى تغمدني الله عز وجل منه برحمة وألحقني بالتائبين، فمن أنت؟ فيقول: أنا الفقير الذي كنت معك آنفاً، فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي.

بحار الأنوار- العلامة المجلسي- ج 7 ص 259.
 
 
 
 
67

58

الصراط

 الدرس الثامن

الصراط
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام
 
وَاعْلَمُوا أَن مَجَازَكُمْ1 عَلَى الصرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ2 وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ3 وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ4 فَاتقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ تَقِيةَ ذِي لُب5 شَغَلَ التفَكرُ قَلْبَهُ وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ6 وَأَسْهَرَ التهَجدُ غِرَارَ نَوْمِهِ7 وَأَظْمَأَ الرجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ8 وَظَلَفَ الزهْدُ شَهَوَاتِهِ9 وَأَوْجَفَ الذكْرُ بِلِسَانِهِ10 وَقَدمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ11 وَتَنَكبَ الْمَخَالِجَ12 عَنْ وَضَحِ السبِيلِ13 وَسَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالَِى النهْجِ الْمَطْلُوبِ14 وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلَاتُ الْغُرُورِ15 وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ16 ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى17 وَرَاحَةِ النعْمَى18 فِي أَنْعَمِ
 
 

1- عبوركم.
2- مواضع السقوط المباغت فيه.
3- المعاصي والانحرافات.
4- المرات والدفعات.
5- ذي عقل.
6- أتعب الخوف بدنه.
7- أن العبادة شغلته حتى عن النوم القليل.
8-وقت اشتداد الحر من يومه.
9- منع الزهد شهواته.
10- أسرع الذكر بلسانه.
11- لما خاف ارتكاب المعاصي في الدنيا، نال الأمان في الآخرة.
12- ابتعد ومال عن المشاغل.
13-جادة السبيل، الطريق الواضح.
14- الطريق الواضح.
15-لم تصرفه.
16-لم تخف عليه الشبهات.
17- الخبر المفرح.
18- سعة العيش ونعيمه.
 
 
 
 
68

59

الصراط

 نَوْمِهِ وَآمَنِ يَوْمِهِ وَقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً1 وَقَدمَ زَادَ الْآجِلَةِ سَعِيداً2 وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ3 وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ4 وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ5 فَكَفَى بِالْجَنةِ ثَوَاباً6 وَوَالًا وَكَفَى بِالنارِ عِقَاباً وَوَبَالًا وَكَفَى بِاللهِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً.7

 

1-جاز طريق الدنيا.
2-زاد الآخرة.
3-عمل مع الخوف من عقاب الله وعذابه.
4- أسرع إلى العمل الصالح في فسحة العمر التي يعيشها.
5- مضى إلى الأمام، فهو في الدنيا وينظر إلى الآخرة.
6-عطاء.
7-نهج البلاغة، الخطبة 83.
 
 
 
 
 
69

 


60

الصراط

 حال الناس على الصراط

 
من المواقف المهولة في يوم القيامة، الجواز على الصراط، وكما في كل موقفٍ من مواقف القيامة، فإن الحالة التي يكون عليها الإنسان في هذا الموقف تابعة لما كان عليه في هذه الدنيا. وقد وردت الرواية بوصف تلك الحالات، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ومنهم من يمضي عليه كمر الريح، ومنهم من يعطي نوراً إلى موضع قدميه، ومنهم من يحبو حبواً، وتأخذ النار منه بذنوب أصابها"1.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "الناس يمرون على الصراط طبقات: فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبواً، ومنهم من يمر مشياً، ومنهم من يمر2 متعلقاً قد تأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً".
 
ـ حفظ الأمانة والجواز على الصراط
 
ور د في الرواية عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: "قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: حافتا الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مر الوَصول للرحم، المؤدي للأمانة، نفذ إلى الجنة وإذا مر الخائن للأمانة، القطوع للرحم، لم ينفعه معهما عمل وتكفأ به الصراط في النار"3.
 
أنواع الأمانة
 
إن الأمانات التي يحملها الإنسان على عاتقه متعددة:
 
أ- المال: وهي عندما يودع شخص آخر لديك مالاً يخصه، ويطلب منك الاحتفاظ
 


1- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 ص 1611.
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج8 - ص 64.
3-الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص.152.
 
 
 
70

61

الصراط

 به، فإذا فرطت بذلك المال فقد خنت الأمانة، وقد وردت العديد من الروايات بالنهي عن ذلك وذمه: 

فعن الإمام الصادق عليه السلام: "اتقوا الله، وعليكم بأداء الأمانة إلى من ائتمنكم، فلو أن قاتل أمير المؤمنين عليه السلام ائتمنني على أمانة لأديتها إليه"1.
 
ب- السر: إذا ائتمنك شخص ما على سر، وطلب منك أن لا تخبر أحداً به، فأفشيت سره، فقد خنت الأمانة. فعن أمير الكلام الإمام علي عليه السلام: "لا تخن من ائتمنك وإن خانك، ولا تذع سره وإن أذاع سرك"2.
 
ج- النصيحة: إذا استنصحك أحدٌ ما، في أمر ما، فلم تخلص له النصيحة فقد خنت الأمانة، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "حق المستنصح أن تؤدي إليه النصيحة"3.
 
ومن أهم موارد النصيحة، هي النصيحة للمسلمين كافة، وهذه النصيحة لا تتوقف على أن يطلب المسلمون ذلك منك، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يصبح ويمسِ ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم"4.
 
ولا يقتصر أمر النصيحة على حضور الشخص، بل يجب ذلك حتى في غيبته، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب"5.
 
فإذا سمعت شخصاً يناله بسوء فإن النصيحة له هي أن تدفع عنه تلك الإساءة، بأن تبين الحقيقة للناس وتدفع الظلم عنه، ولو أنه فعلاً ارتكب ذنباً، فإن النصيحة له بمنع
 
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 72 ص 114.
2- مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 9 ص 136.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 71 ص 19.
4- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 4 ص 3278.
5- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 208.
 
 
 
 
71

62

الصراط

 فضحه بين الناس.

 
دـ التكليف أمانة: إن التكاليف الإلهية الثابتة على العباد هي أمانة في أعناقهم، فارتكاب المعصية والتخلف عن الطاعة هو من أنواع خيانة الأمانة، ففي الحديث أن علياً عليه السلام إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون، فيقال له: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: "جاء وقت الصلاة، وقت أمانة عرضها الله "عَلَى السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا""1.
 
محبة أهل البيت عليهم السلام جواز على الصراط
 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أثبتكم قدماً على الصراط أشدكم حباً لأهل بيتي"2. وعن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام قال:"قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: ما ثبت حبك في قلب امرئ مؤمن فزلت به قدم على الصراط إلا ثبتت له قدمٌ حتى أدخله الله بحبك الجنة"3.
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "يا علي! إذا كان يوم القيامة، أقعد أنا وأنت وجبرئيل على الصراط، فلا يجوز على الصراط إلا من كانت معه براءة بولايتك"4.
 
الأمانة في المحبّة
 
إن المحبة الحقيقية التي تنفع الإنسان في يوم القيامة، والتي تكون جوازاً له على الصراط، هي المحبة التي لا يتجاوزها الإنسان فيقع في خيانتها، ولذا ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام التحذير من التمسك بالمحبة كتبرير للمعصية، أو الاكتفاء بمجرد الانتساب لأهل البيت بالمودة والمحبة للفوز بالجنة، والنجاة من العذاب، ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام- لجابر الجعفي-: "يا جابر! بلغ شيعتي عني السلام، وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا وبين الله عز وجل، ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له. يا
 
 

1- سبأ، 72.
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 8، ص69.
3- م. ن. ج 8 ص 69.
4- م. ن. ج 8 ص 70.
 
 
 
72

63

الصراط

 جابر ! من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا"1.

 
إن من أخطر ما يصاب به الإنسان هو الغرور، فيبرر المعصية بمحبة أهل البيت عليهم السلام، وهل المحبة مجرد قول باللسان، هل تحب أحداً ثم تفعل ما يكرهه أو يؤذيه؟!
 
ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "والله ما معنا من الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله حجة، ولا نتقرب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولايتنا، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا!، ويحكم لا تغتروا !"2.
 
ومن أبيات جميلة للشيخ البهائي رضوان الله تعالى عليه في الحث على العمل وعدم الاقتصار على ادعاء القرابة أو التولي:
 
قومٌ فعلُوا خيراً فعلَوا         وعلى الدُرُج العُليا دَرَجوا 
دخلوا فقراءَ إلى الدنيا       وكما دخلوا منها خرجوا
يا مدعياً لطريقهم            قومْ فطريقُكَ منعوِجُ
تهوى ليلى وتنام الليل       وحقك ذا أمرٌ سمجُ
 
 

1- م .ن. ج 68 ص 179.
2- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 76.
 
 
 
 
73

64

الصراط

 المفاهيم الاساس 

 
1- العبور على الصراط أمرٌ حتمي، وإن اختلفت كيفياته، ﴿وَإِن منكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبكَ حَتْمًا مقْضِيا1.

 

 
2- ترجع كيفية العبور إلى كيفية عمل الإنسان في هذه الدنيا.
 
3-حفظ الأمانة من الأمور التي تجعل الإنسان يعبر على الصراط ليصل إلى الجنة.
 
4- للأمانة أنواع: المال، السر، النصيحة، التكليف من الطاعة والمعصية.
 
5-محبة أهل البيت عليهم السلام جواز على الصراط، شرط الأمانة في المحبة بالعمل بما أمروا به، والترك لما نهوا عنه. 
 
للمطالعة 
 
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: ﴿لما نزلت هذه الآية "وَجَاء رَبكَ وَالْمَلَكُ صَفا صَفا2 سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال بذلك أخبرني الروح الأمين أن الله لا إله غيره، إذا أبرز الخلائق، وجمع الأولين والآخرين، أتي بجهنم تقاد بألف زمام، مع كل زمام مائة ألف

 

 
 

1- مريم،71.
2- الفجر،22. 
 
 
 
 
74

65

الصراط

 ملك من الغلاظ الشداد، لها هدة وغضب وزفير وشهيق، وإنها لتزفر الزفرة، فلولا أن الله أخرهم للحساب لأهلكت الجميع. ثم يخرج منها عنق فيحيط بالخلائق البر منهم والفاجر، فما خلق الله عبداً من عباد الله ملكاً ولا نبياً إلا ينادي نفسي نفسي، وأنت يا نبي الله تنادي أمتي أمتي، ثم يوضع عليها الصراط أدق من حد السيف، عليها ثلاث قناطر: 

فأما واحدة فعليها الأمانة والرحم.
والثانية فعليها الصلاة.

وأما الثالثة فعليها عدل رب العالمين لا إله غيره، فيكلفون بالممر عليها، فيحبسهم الرحم والأمانة، فإن نجوا منهما حبستهم الصلاة، فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين، وهو قوله: "إِن رَبكَ لَبِالْمِرْصَادِ"، والناس على الصراط فمتعلق بيد، وتزول قدم، ومستمسك بقدم، والملائكة حولها ينادون يا حليم اعفُ واصفح، وعد بفضلك وسلم وسلم، والناس يتهافتون في النار كالفراش فيها، فإذا نجا ناج برحمة الله، مر بها فقال الحمد لله، وبنعمته تتم الصالحات، وتزكو الحسنات، والحمد لله الذي نجاني منك بعد اليأس، بمنه وفضله، إن ربنا لغفور شكور".

تفسير القمي- علي بن إبراهيم القمي- ج 2 ص 421


 
75

66

المغفرة والشفاعة

 الدرس التاسع

المغفرة والشفاعة
 
 
 
اللهُم أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ وَالتعْدَادِ1 الْكَثِيرِ إِنْ تُؤَملْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ وَإِنْ تُرْجَ فَخَيْرُ مَرْجُو اللهُم وَقَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لَا أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ وَلَا أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ وَلَا أُوَجهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ وَمَوَاضِعِ الريبَةِ وَعَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ الْآدَمِيينَ وَالثنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ اللهُم وَلِكُل مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ2 مِنْ عَطَاءٍ وَقَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلًا عَلَى ذَخَائِرِ الرحْمَةِ وَكُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ اللهُم وَهَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتوْحِيدِ الذِي هُوَ لَكَ وَلَمْ يَرَ مُسْتَحِقاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَالْمَمَادِحِ غَيْرَكَ وَبِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لَا يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلا فَضْلُكَ وَلَا يَنْعَشُ3 مِنْ خَلتِهَا4 إِلا مَنكَ وَجُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ وَأَغْنِنَا عَنْ مَد الْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ إِنكَ عَلى كُل شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ.5
 
 

1-الإحصاء والحساب.
2- معروف.
3-يرتفع، ومنه سمي النعش بذلك لأنه يرفع على الأكف.
4- فقر.
5-نهج البلاغة، الخطبة 91
 
 
 
76

67

المغفرة والشفاعة

 انتظار المغفرة

 
بعد أن يجتاز الإنسان ساعة الحساب، ويتقرر بحقه المصير الذي يستحقه، فإن السبل لا تنقطع أمامه، بل يبقى باب الأمل مفتوحاً لديه، من خلال التمسك بباب الرحمة والمغفرة الإلهية، فإذا شملته هذه الرحمة، ونال المغفرة، أمكن أن تكتب له النجاة.
 
ولكن الرحمة والمغفرة الإلهية لها أبوابها الخاصة، التي ترتبط بالإنسان في هذه الدنيا، ومن هذه الأبواب:
 
1ـ التوبة
 
وهي من أهم أبواب الوصول إلى المغفرة الإلهية، قال تعالى: ﴿وَإِني لَغَفارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُم اهْتَدَى1.

 

 
وفي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "التوبة تستنزل الرحمة"2.
 
ولكن ليس الحصول على التوبة والوصول إلى درجتها بهذه السهولة، وإنما على الإنسان أن يستجمع شروطها، لتكون توبته توبة نصوحاً، ومن أهم هذه الشروط عدم التسويف فيها، بل الإسراع والإقدام عليها قبل فوات الأوان، قال تعالى: ﴿وَلَيْسَتْ التوْبَةُ لِلذِينَ يَعْمَلُونَ السيئَاتِ حَتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِني تُبْتُ الآنَ وَلاَ الذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً3.

 

 
2ـ الاستغفار
 
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُم يَسْتَغْفِرْ اللهَ يَجِدْ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً4.

 

 

1- طه، 82.
2- مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 12 ص 129.
3- النساء، 18.
4- النساء, 110.
 
 
 
 
78

68

المغفرة والشفاعة

 والاستغفار كالتوبة لا بد من المبادرة إليه فوراً، وعدم تأجيل ذلك، وقد ورد في الرواية عن جعفر محمد عليهما السلام أنه قال: "إذا هم العبد بحسنة كُتبت له حسنة، فإذا عملها كُتبت له عشر حسنات، وإذا هم بسيئة لم تكتب عليه، فإذا عملها أجل تسع ساعات، فإن ندم عليها واستغفر وتاب لم يُكتب عليه، وإن لم يندم ولم يتب منها كتبت عليه سيئة واحدة"1.

 
ولكن الاستغفار الحقيقي لا يتحقق في ظل ارتكاب المعاصي، بل لا بد للإنسان أولاً: من أن يتجنب ارتكاب المعاصي، ثم يلجأ إلى الاستغفار، وإلا فإنه بذلك سوف يقع في محذور أكبر من ذلك، فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام: "المستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربه"2.
 
3ـ الشفاعة
 
من الأسباب التي جعلها الله عز وجل باباً لرحمته ولنيل مغفرته، شفاعة الذين أذن الله لهم بذلك ﴿مَنْ ذَا الذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ3.

 

 
والناس جميعاً محتاجون إلى الشفاعة، لنالوا بذلك درجة المغفرة، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما أحدٌ من الأولين والآخرين إلا وهو يحتاج إلى شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة"4.
 
نعم نيل الشفاعة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام يتوقف على توافر شروط ذلك، ومن تلك الشروط عدم الاستخفاف بالصلاة، بل الاهتمام بها والمحافظة عليها، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام لما أمر باجتماع قرابته حوله وقد حضرته الوفاة-: "إن شفاعتنا لن تنال مستخفاً بالصلاة"5.
 
 

1- الخصال - الشيخ الصدوق - ص 418.
2- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 7 ص 176.
3- البقرة، 255.
4- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 ص 1474.
5- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 47 ص 2.

 
 
79

69

المغفرة والشفاعة

 حسن الخلق والمودّة

 
إن نيل الشفاعة الإلهية، والتي هي بابٌ من أبواب المغفرة والرحمة يتوقف على التمسك بأسباب ذلك، ومن هذه الأسباب أن يمتلك الإنسان حُسن الخلق، وأن يتعامل بمودة مع سائر الناس، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أقربكم مني غداً وأوجبكم علي شفاعة: أصدقكم لساناً، وأداكم للأمانة، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس"1.
 
إن المودة مع الناس والاقتراب منهم يجعل منهم جسداً واحداً، وهو بابٌ من أبواب الإيمان، لأن الإنسان ومن خلال سلوك طريق المودة والرحمة، يتمكن من جعل الناس أقرب إلى الإيمان وأبعد عن العصيان، لأن الناس من طبعها أن تقتدي بمن تحبه وتوده، وقد ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا وإن ود المؤمن من أعظم سبب الإيمان"2، وفي المقلب الآخر لو أن المؤمن كان عاجزاً عن اكتساب مودة الإخوان، فإنه سوف يكون سبباً لابتعادهم عن طاعة الله، ولنفورهم عن الالتزام بالدعوة إلى الله.
 
ـ مفسدات الأخوة والمودة
 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "تحتاج الأخوة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء، فإن استعملوها وإلا تباينوا وتباغضوا، وهي: التناصف، والتراحم، ونفي الحسد"3.
 
نشهد في الكثير من الحالات كيف ينقلب الأخوة أعداء، وكيف تنقلب الأيام بينهم، من حالة المودة والرحمة والمحبة المتبادلة إلى حالة من البغضاء والشحناء والكراهية والعداوة، فتذهب السنونُ التي سادها الوئام والمحبة هدراً، ولا تؤثر في النفوس أثرها، وتبين الرواية أسباباً ثلاثة لذلك:
 

1- م. ن، ج 66 ص 381.
2- م. ن، ج 71 ص 281.
3-م . ن. ج 75 ص 237.
 
 
 
 
80

70

المغفرة والشفاعة

 الأول: التناصف، أي إعطاء كل ذي حق حقه، فإن من أهم أسباب العداوة أن يلجأ الإنسان إلى تضييع حق أخيه الإنسان، حتى لو كان ذلك عن غير عمدٍ، بل من باب التساهل والتسامح، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "لا تضيعن حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه"1.

 
الثاني: التراحم، فإذا أخطأ الآخرون معك، واعترفوا لك بخطئهم، فإن عليك أن تبادر اعترافهم ذلك بالمودة والرحمة، فلا تلجأ إلى القسوة عليهم، أو التشدد في مؤاخذتهم. ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "احتمل أخاك على ما فيه، ولا تكثر العتاب، فإنه يورث الضغينة، واستعتب من رجوت عتباه"2.
 
إن أفضل بابٍ لتدخل الرحمة إلى قلبك أن تتذكر مدى ما تحتاجه من رحمة الله عز وجل في يوم القيامة، ففي الرواية عن الإمام علي عنه عليه السلام: "إرحم من دونك، يرحمك من فوقك، وقس سهوه بسهوك، ومعصيته لك بمعصيتك لربك، وفقره إلى رحمتك بفقرك إلى رحمة ربك"3.
 
الثالث: الحذر من الحسد، فإن الحسد بابٌ من أبواب جهنم، إذا أصاب الإنسان بطلت الأخوة والمودة، وانقلبت عداوة وبغضاء، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "الحاسد يظهر وده في أقواله، ويخفي بغضه في أفعاله، فله اسم الصديق وصفة العدو"4.
 
 

1-نهج البلاغة، وصية الإمام لولده الحسن عليه السلام.
2-بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 74 ص 212.
3-ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 ص 1044.
4- م.ن. ج 1 ص 628.
 
 
 
81

71

المغفرة والشفاعة

 المفاهيم الاساس 

 
1- الأمل معقود في الآخرة على المغفرة الإلهية بعد الحساب.
 
2- أبواب المغفرة هي: التوبة، الاستغفار والشفاعة، ولكل شروطه الخاصة.
 
3- حسن الخلق هو من أبواب الرحمة والمغفرة الإلهية.
 
4- حفظ الأخوة يكون بالتناصف والتراحم. 
 
للمطالعة 
 
من وسائل الغفران في القرآن 
 
ثمة في كتاب الله أمورٌ كثيرة تكون أسباباً وعناوين للمغفرة ومحو الذنوب والسيئات، وفيما يلي نشير إلى بعض هذه العناوين:
 
1- التوبة: إذ في الآية الثامنة من سورة التحريم قوله تعالى: ﴿يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نصُوحًا عَسَى رَبكُمْ أَن يُكَفرَ عَنكُمْ سَيئَاتِكُمْ .

 

 
2- الإيمان والعمل الصالح: حيث نقرأ في سورة1 قوله تعالى: ﴿وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزلَ عَلَى مُحَمدٍ وَهُوَ الْحَق مِن ربهِمْ كَفرَ عَنْهُمْ سَيئَاتِهِمْ.

 

 
 

1- محمد: 2.
 
 
 
 
82

 


72

المغفرة والشفاعة

 3-التقوى: ونرى مصداقها في قوله تعالى: ﴿إَن تَتقُواْ اللهَ يَجْعَل لكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفرْ عَنكُمْ سَيئَاتِكُمْ.

 

 
4- الهجرة والجهاد والشهادة: ومصداقها قوله تعالى1﴿فَالذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفرَن عَنْهُمْ سَيئَاتِهِمْ.

 

 
5- صدقة السر: وذلك قوله تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ الصدَقَاتِ فَنِعِما هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لكُمْ وَيُكَفرُ عَنكُم من سَيئَاتِكُمْ

 

 
6-الإقراض: كما في قوله تعالى: ﴿إِن تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ.

 

 
7- اجتناب كبائر الذنوب: حيث يقول تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفرْ عَنكُمْ سَيئَاتِكُمْ.

 

 
وهكذا يتبين لنا أن أبواب المغفرة الإلهية مفتوحةٌ من كل مكان، وأن عباد الله بوسعهم طرق هذه الأبواب، والولوج فيها. وقد رأينا في الآيات الآنفة الذكر سبعة من هذه الأبواب، التي تضمن الخلاص لمن يلج أي واحد منها، أو كلها جميعاً.
 
 
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي- ج 15 ص 183
 
 

23-آل عمران: 195. 
 
 
 
 
83

 


73

الجنّة

 الدرس العاشر

الجنّة
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام 
 
دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَاتٌ وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ لَا يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا وَلَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا1 وَلَا يَهْرَمُ خَالِدُهَا2 وَلَا يَبْأَسُ3 سَاكِنُهَا.4
فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَمَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ5 عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذاتِهَا وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُيبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا6 وَفِي تَعْلِيقِ كَبَائِسِ اللؤْلُؤِ الرطْبِ فِي عَسَالِيجِهَا وَأَفْنَانِهَا7 وَطُلُوعِ تِلْكَ الثمَارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلُفِ أَكْمَامِهَا8 تُجْنَى مِنْ غَيْرِ تَكَلفٍ فَتَأْتِي عَلَى مُنْيَةِ مُجْتَنِيهَا9 وَيُطَافُ عَلَى نُزالِهَا
 
 

1- لا يرحل المقيم فيها.
2- لا يصاب بالهرم من يخلد فيها.
3- لا يشقى.
4- نهج البلاغة، الخطبة 85.
5- لزهدت نفسك.
6- الصوت الحاصل من ضرب الأشجار بعضها ببعض، والكثبان هي التلال.
7- فروع الأشجار التامة بما فيه من ثمر، والعساليج هي الغصون، وكذلك الأفنان.
8-وعاء ثمرها.
9-كناية عن بقائه عاقلا يدرك ما يحيط به.
 
 
 
84

74

الجنّة

 فِي أَفْنِيَةِ قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفقَةِ1 وَالْخُمُورِ الْمُرَوقَةِ2 قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتَمَادَى بِهِمْ حَتى حَلوا دَارَ الْقَرَارِ وَأَمِنُوا نُقْلَةَ الْأَسْفَارِ فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَيهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَى مَا يَهْجُمُ عَلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ3 لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهَا وَلَتَحَملْتَ مِنْ مَجْلِسِي هَذَا إِلَى مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالًا بِهَاجَعَلَنَا اللهُ وَإِياكُمْ مِمنْ يَسْعَى بِقَلْبِهِ إِلَى مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ.4

 
 

1- رغبة قاطفها.
2- ما يطالبه الناس من حقوق.
3- الجميلة، الخلابة
4- الخطبة 165.
 
 
 
85

75

الجنّة

 كلمة التوحيد باب لدخول الجنّة

 
ورد في العديد من الروايات أن كلمة التوحيد بابٌ لدخول الجنة، ولكن لكلمة التوحيد شروطها، وإلا فإنها لن تثمر الدخول إلى الجنة والفوز بالرضوان، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله عهد إلي أن لا يأتيني أحدٌ من أمتي بلا إله إلا الله، لا يخلط بها شيئاً إلا وجبت له الجنة، قالوا: يا رسول الله وما الذي يخلط بلا إله إلا الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: حرصاً على الدنيا، وجمعاً لها ومنعاً لها، يقولون قول الأنبياء ويعملون عمل الجبابرة"1.
 
فهي كلمة التوحيد الحقيقية والصادقة، والتي يصدقها عمل الإنسان في هذه الدنيا، فالذي يقول لا إله إلا الله هو الذي يؤمن بالطاعة لله وحده، فلا يطيع الشيطان ولا يحرص على الدنيا.
 
ولذا فإن قوام كلمة لا إله إلا الله أن يأتي بها الإنسان مخلصاً لله عز وجل، بأن لا يشرك بها شيئاً، والمعصية تنافي الإخلاص في كلمة التوحيد، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من قال "لا إله إلا الله" مخلصاً دخل الجنة، وإخلاصه بها أن يحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله"2.
 
الكذب باب للحرمان من الجنّة
 
لا شك في أن اجتناب المعاصي كافة، والمواظبة على الطاعات والواجبات، هي من موجبات دخول الجنة، ولكن ورد في بعض الروايات التحذير من بعض موجبات الحرمان من الجنة، والحث على موجبات دخولها، ومن هذه الأمور:
الكذب: ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة، وبيتٍ
 
 

1- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 ص 195.
2- ثواب الأعمال - الشيخ الصدوق - ص 5.
 
 
 
 
86

76

الجنّة

 في وسط الجنة، وبيتٍ في أعلى الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقاً، ولمن ترك الكذب وإن كان هازلاً، ولمن حسن خلقه"1.

 
إن تجنب الكذب هو باب لتجنب سائر المحرمات، وذلك لأن سائر المعاصي تجر الإنسان إلى الكذب ليتلافى نتائج تلك المعاصي، أو ليستر على نفسه ما اقترفته يداه، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- لما قال له رجل: أستسر بخلال أربع: الزنا، وشرب الخمر، والسرق(ة)، والكذب، فأيتهن شئت تركتها لك – قال صلى الله عليه وآله وسلم: "دع الكذب. فلما ولى هم بالزنا، فقال: يسألني، فإن جحدت نقضت ما جعلت له، وإن أقررت حُدِدتُ، ثم هم بالسرق(ة)، ثم بشرب الخمر، ففكر في مثل ذلك، فرجع إليه فقال: قد أخذت علي السبيل كله، فقد تركتهن أجمع"2.
 
ولعل الكثير من الناس يجتنب الكذب في الأمور الكبيرة، ولكنه يجترئ على الكذب في صغائر الأمور، فيستسهل الكذب في الأمور الصغيرة، وهو لا يعلم بأن الكذب من كبائر الذنوب، وأن العقاب على الكذب لا فرق فيه بين الصغير والكبير، وهو ما يحذر الإمام زين العابدين عليه السلام منه فيقول: "اتقوا الكذب الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير"3.
 
دع الكذب جدّاً وهزلاً
 
ومن الأمراض الاجتماعية المزمنة الكذب مازحاً، أو ما يتداول على الألسن بالكذبة البيضاء، فيسعى بعض الناس لكي يرفه عن نفسه أو عن الآخرين، للكذب على الآخرين، ثم يكشف بعد ذلك عن كذبه، وهذا لا يخرجه عن كونه كاذباً، كما لا يمنع من تحقق التأثير السلبي للكذب عليه وعلى الآخرين، ولذا وردت الروايات بالتحذير من هذا النوع
 
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 68 ص 388.
2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 ص 2674.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 75 ص 136.
 
 
 
87

 


77

الجنّة

 من الكذب، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "لا يجد عبدٌ طعمَ الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده"1.

 
نعم، لا فرق في انعدام الثقة بين الناس بسبب الكذب بين الكذب الجاد والهازل، وهو بعيد عن صفات المؤمنين. ولذا كان الكذب باباً من أبواب الشر، كما ذكرت الروايات، ففي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الصدق صلاح كل شيء، والكذب فساد كل شيء"2.
 
خلف الوعد
 
ومن الأمراض الاجتماعية التي تدخل تحت الكذب، أن تعد أحداً بأمرٍ ما وأنت لا تريد الوفاء بوعدك، فإن هذا من مصاديق الكذب، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس الخلف أن يعد الرجل ومِن نيته أن يفي، ولكن الخلف أن يعد الرجل ومن نيته أن لا يفي"3.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "عِدَةُ المؤمن أخاه نذرٌ لا كفارة له، فمن أخلف فبخلف الله بدأ، ولمقته تعرض، وذلك قوله: "يَا أَيهَا الذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ""4.
 
إن الحرج الذي يسببه خلف الوعد أهون بكثير من الحرج الذي يقع فيه الإنسان متى أخلف بوعده، لأن الأول قد يعذر فيه الإنسان، لعجزه عن الفعل، ولكن الثاني لا يعذر فيه، ولذا على الإنسان أن يحذر من أن يعد أحداً بأمر وهو لا يثق من قدرته على الوفاء بذلك الوعد، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تعدن أخاك وعداً ليس في يدك وفاؤه"5.
 
 

1- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 340.
2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 ص 1572./
3- م.ن. ج 4 ص 3574.
4- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 364.
5- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 75 ص 250.
 
 
 
 
88

78

الجنّة

 وعلى المؤمن أن يحذر من ذلك، سيما مع الأطفال، لما في ذلك من تأثير تربوي سيء في نفوسهم، لأنهم يرونك القدوة، فإذا رأوا منك ذلك لم يتحرجوا من القيام به، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا أن يعدَ الرجلُ ابنَه ثم لا ينجز له، إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار"1.

 
المفاهيم الاساس
 
1-كلمة التوحيد بابٌ لدخول الجنة، إذا صدقها عمل الإنسان.
 
2- الكذب موجبٌ لحرمان دخول الجنة، صغيراً كان أم كبيراً.
 
3- خلف الوعد من مصاديق الكذب، وهو أن تعد الآخر وفي نيتك أن لا تفي له.
 
 

1- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 ص 2675.
 
 
 
 
89

79

الجنّة

 للمطالعة 

 
"الإيمان" و "العمل"
 
في كثير من الآيات القرآنية يقترن ذكر الإيمان بذكر العمل الصالح، حتى كان الاثنين متلازمان دونما افتراق. والحق كذلك، لأن الإيمان والعمل يكمل بعضه الآخر. فلو نفذ الإيمان إلى أعماق النفس، لتجلت آثاره في الأعمال حتماً، مثله كمثل مصباح لو أضاء في غرفة لشع نوره من كل نوافذ الغرفة. ومصباح الإيمان كذلك، لو شع في قلب إنسان، لسطع شعاعه من عين ذلك الإنسان وأذنه ولسانه ويده ورجله. يقول تعالى1﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَناتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا. ويقول2﴿وَعَدَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنهُم فِي الْأَرْضِ.

 

 
فالإيمان بمثابة جذر شجرة والعمل الصالح ثمرتها. ووجود الثمر السليم دليلٌ على سلامة الجذر. ووجود الجذر السليم يؤدي إلى نمو الثمر الطيب. فمن الممكن أن يصدر عملٌ صالحٌ أحياناً عن أفراد ليس لهم إيمان، ولكن ذلك لا يحدث باستمرار حتماً. فالذي يضمن بقاء العمل الصالح هو الإيمان المتغلغل في أعماق وجود الإنسان، الإيمان الذي يضع الإنسان دوماً أمام مسؤولياته.
 
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي- ج 1 ص 131.
 
  

1- الطلاق: 11.
2- النور: 15
 
 
 
 
90

80

النار

 الدرس الحادي عشر

النار
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام 
 
وَاعْلَمُوا أَنهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنكُمْ قَدْ جَربْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدنْيَا أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشوْكَةِ تُصِيبُهُ وَالْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ1 وَالرمْضَاءِ تُحْرِقُهُ2 فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ3 وَقَرِينَ شَيْطَانٍ4 أَعَلِمْتُمْ أَن مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى النارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ وَإِذَا زَجَرَهَا تَوَثبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ5. أَيهَا الْيَفَنُ الْكَبِيرُ الذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ6 كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النارِ بِعِظَامِ الْأَعْنَاقِ7 وَنَشِبَتِ الْجَوَامِعُ8 حَتى أَكَلَتْ لُحُومَ السوَاعِدِ.9
 

1-زلة القدم.
2- الأرض الشديدة الحر.
3-الملازم.
4-الرفيق والصاحب.
5- النهي والنهر.
6-الشيخ الكبير، الذي خالطه الشيب.
7-جمع طوق وهو ما يحيط بالعنق.
8-علقت، والجوامع هي الأغلال، وسميت بذلك لأنها تجمع اليدين إلى العنق.
9- الخطبة 183
 
 
 
 
92

 


81

النار

 وَأَما أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَر دَارٍ وَغَل الْأَيْدِيَ إِلَى الْأَعْنَاقِ وَقَرَنَ النوَاصِيَ بِالْأَقْدَامِ1 وَأَلْبَسَهُمْ سَرَابِيلَ الْقَطِرَانِوَمُقَطعَاتِ النيرَانِ فِي عَذَابٍ قَدِ اشْتَد حَرهُ وَبَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ فِي نَارٍ لَهَا كَلَبٌ وَلَجَبٌ3 وَلَهَبٌ سَاطِعٌ وَقَصِيفٌ هَائِلٌ لَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا4 وَلَا يُفَادَى أَسِيرُهَا وَلَا تُفْصَمُ كُبُولُهَالَا مُدةَ لِلدارِ فَتَفْنَى وَلَا أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى.6

 

1- مقدم الرأس.
2- قمصان، والقطران: مادة كريهة الرائحة تدهن بها الأبل الجرباء.
3- الشدة، واللجب: الصوت المرتفع.
4- لا يخرج منها.
5- لا تكسر أغلالها.
6-الخطبة, 109.
 
 
 
 
 
93

82

النار

 صفات جهنّم

 
إن العذاب الإلهي المقدر للعصاة في هذه الدنيا هو نار جهنم في الآخرة، وقد وردت العديد من الروايات في وصف جهنم ونارها، ومن هذا الوصف ما ورد في هذه الكلمات عن الأمير عليه السلام.
 
إن قِمة الوصف في عذاب جهنم، هو عندما يصبح الإنسان الوقود الذي يشعل النار، ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتقُوا النارَ التِي وَقُودُهَا الناسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدتْ لِلْكَافِرِينَ1.

 

 
ـ القيود والأغلال
 
لقد وصف القرآن الكريم الغل الذي يحيط بالكافر يوم القيامة ﴿خُذُوهُ فَغُلوهُ * ثُم الْجَحِيمَ صَلوهُ * ثُم فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ2.

 

 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم-: "لو أن حلقةً واحدةً من السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً، وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها"3.
 
ـ رحلات داخل جهنم
 
عن الإمام علي عليه السلام وهو يصف أهل جهنم: "فلو رأيتَهم يا أحنف! ينحدرون في أوديتها ويصعدون جبالها، وقد ألبسوا المقطعات من القطران، وأقرنوا مع فجارها وشياطينها، فإذا استغاثوا بأسوأ أُخذ من حريق شدت عليهم عقاربها وحياتها؟"4.
 
 

1- البقرة، 24.
2- الحاقة، 32.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 8 ص 280.
4- م.ن. ج 7 ص 221.
 
 
 
 
94

83

النار

 ـ ثياب أهل النار

 

 

﴿سَرَابِيلُهُم من قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النارُ1.

 

 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أن سربالاً من سرابيل أهل النار علق بين السماء والأرض، لمات أهل الدنيا من ريحه"2.
 
ـ طعام أهل النار
 

 

﴿ليْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِن ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ3.

 

 
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الضريع شيء يكون في النار يشبه الشوك، أمر من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حراً من النار، سماه الله الضريع"4.
 
ـ شراب أهل النار
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿وَيُسْقَى مِن ماء صَدِيدٍ: "يقرب إليه فيكرهه، فإذا أُدني منه شوى وجهه، ووقع فروة رأسه، فإذا شرب قطع أمعاءه، حتى يخرج من دبره، يقول الله عز وجل: ﴿وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطعَ أَمْعَاءهُمْ ويقول عز من قائل: ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ5.

 

 
ـ أبواب جهنم
 
عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لكُل بَابٍ منْهُمْ6: "أن الله جعلها سبع دركات:

 

أعلاها الجحيم، يقوم أهلها على الصفا منها، تغلي أدمغتهم فيها كغلي القدور بما فيها.
 
 

1- ابراهيم، 50.
2-بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج 8 ص 280.
3- الغاشية، 7.
4- بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج 7 ص 169.
5- م.ن. ج 8 ص 244.
6-  الحجر، 44./
 
 
 
 
95

84

النار

 والثانية: لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى. 

 
والثالثة: سقر، لا تبقي ولا تذر، لواحة للبشر، عليها تسعة عشر. 
 
والرابعة: الحطمة، ومنها يثور شرر ترمي بشرر كالقصر، كأنها جمالات صفر...
 
والخامسة: الهاوية، فيها ملأ يدعون: يا مالك أغثنا، فإذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار فيه صديد ماء يسيل من جلودهم كأنه مهل... 
 
والسادسة: هي السعير، فيها ثلاثمائة سرادق من نار... 
 
والسابعة: جهنم، وفيها الفلق، وهو جب في جهنم إذا فتح أسعر النار سعراً، وهو أشد النار عذاباً"1.
 
ـ التكبر باب من أبواب جهنم
 
من أعظم الأمراض الاخلاقية التي تفترس الإنسان فتورده النار، التكبر، والتكبر هو المرض الذي أودى بإبليس إلى النار، قال تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ2.

 

 
وهذا الكبر إذا أصاب الإنسان أحبط كل ما قام به من خير أو يقوم به، فإبليس كان من العابدين ولكنه بسبب كبره هذا أحبط عمله، ففي الرواية الإمام علي عليه السلام: "فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس، إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد... عن كبر ساعة واحدة ! فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته"3.
 
ولذا كان التكبر صفة أخلاقية ذميمة من صفات أهل النار، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة من خلائق أهل النار: الكبر، والعجب، وسوء الخلق"4.
 
أقسام التكبر
 
1- التكبر على الله عز وجل: وذلك بالامتناع عن الإيمان به، والاستكبار عن طاعته
 
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 8 ص 290.
2- الحجر، 30.
3- نهج البلاغة، الخطبة 192.
4-ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 ص 472.
 
 
 
 
96

85

النار

 وعبادته. وهو أفحش أنواع الكفر، وأبشع أنواع التكبر، كما كان عليه فرعون ونمرود وأضرابهما من طغاة الكفر وجبابرة الالحاد.


2- التكبر على الأنبياء: وذلك بالترفع عن تصديقهم والاذعان لهم، وهو دون الأول وقريب منه.

3- التكبر على الناس: وذلك بازدرائهم والتعالي عليهم بالأقوال والأفعال، ومن هذا النوع التكبر على العلماء المخلصين، والترفع عن مسائلتهم والانتفاع بعلومهم وإرشادهم، مما يفضي بالمستكبرين إلى الخسران والجهل بحقائق الدين، وأحكام الشريعة الغراء.

درجات التكبّر

وهكذا تتفاوت درجات التكبر وابعاده بتفاوت أعراضه شدة وضعفاً. 

فالدرجة الأولى: وهي التي كمن التكبر في صاحبها، فعالجه بالتواضع، ولم تظهر عليه أعراضه ومساوئه. 

والدرجة الثانية: وهي التي نما التكبر فيها، وتجلت أعراضه بالاستعلاء على الناس، والتقدم عليهم في المحافل، والتبختر في المشي.

والدرجة الثالثة: وهي التي طغى التكبر فيها، وتفاقمت مضاعفاته، فجن صاحبها بجنون العظمة، والإفراط في حب الجاه والظهور، فطفق يلهج في محاسنه وفضائله، واستنقاص غيره واستصغاره. وهذه أسوأ درجات التكبر، وأشدها صلفاً وعتواً.

علاج الكبر

إن علاج حالة الكبر والخيلاء التي قد يبتلي بها الإنسان هو في تذكر أمور:
1ـ تذكر ما مضى: فإن على الإنسان أن يتذكر نشأته حيث كان عاجزاً لا يملك قوةً ولا حيلة، فكيف يتكبر، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "أم هذا الذي أنشأه في ظلمات الأرحام، وشغف الأستار، نطفة دهاقاً... حتى إذا قام اعتداله واستوى



 
97

86

النار

 مثاله نفر مستكبراً"1.

 
2ـ تذكر ما سيأتي: فإن الإنسان إذا ما تدبر في مستقبله، وأنه سوف يصاب بالعجز عندما يتقدم به السن، فلا يتمكن من أن يقوم بخدمة نفسه، إلا أن يعينه الآخرون على ذلك، علم أنه لا يحق له أن يتكبر على غيره، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "عجبت لابن آدم أوله نطفة، وآخره جيفة، وهو قائم بينهما وعاء للغائط، ثم يتكبر!"2.
 
3ـ التدبر بواقع أمره: فإن الإنسان لا يملك من أمره شيئاً، فهو وفي عز قوته وقدرته وشبابه، ووفرة من ماله، لا يملك من أمره شيئاً، فالمرض إذا حل به أقعده الفراش فصار عاجزاً عن كل شيء، وعجز الأطباء عن شفائه، فلماذا يتكبر، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "عجباً للمختال الفخور! وإنما خُلق من نطفة، ثم يعود جيفة، وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به"3.
 
4ـ أن يتذكر عظمة الله: فعن الإمام الحسن عليه السلام: "لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإن رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا، وعز الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذللوا له"4.
 
5ـ المواظبة على العبادات: فإن العبادات التي شرعها الله لهذا الإنسان، من صومٍ وصلاةٍ وغيرهما، لم تكن إلا لحكمةٍ أرادها الله منها، ومن ذلك معالجة حالة الكبر لديه، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً تخضيعاً لقلوبهم، وإذهاباً للخيلاء عنهم... انظروا إلى ما في هذه الأفعال من قمع نواجم الفخر، وقدع
 
 

1- نهج البلاغة، الخطبة 83.
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 70 ص 234.
3- م.ن. ج 70 ص 230.
4- م.ن.ج 75 ص 105.
 
 
 
98

87

النار

 قطع طوالع الكبر"1.

 
6ـ التفكر بالوعيد بالعذاب الموعود للمتكبر: فقد وردت الروايات توعِد بالعذاب في جهنم للمتكبر، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له سقَر، شكا إلى الله عز وجل شدة حره، وسأله أن يأذن له أن يتنفس، فتنفس فأحرق جهنم"2.
 
المفاهيم الاساس
 
1-وصف جهنم الوارد في الروايات هو لتحذير الإنسان من عظم الذنب الذي يرتكبه في هذه الدنيا.
 
2- التكبر باب من أبواب جهنم.
 
3- أقسام التكبر: التكبر على الله، على الأنبياء، على سائر الناس.
 
ـ علاج التكبر يكون بـ:
1ـ تذكر ما مضى. 
 
2ـ تذكر ما سيأتي. 
 
3ـ التدبر بواقع أمره وأنه لا يملك من أمره شيئاً. 
 
4ـ أن يتذكر عظمة الله. 
 
5ـ أن يواظب على العبادات. 
 
6ـ أن يتذكر العذاب الإلهي.
 
  

1- نهج البلاغة، الخطبة، 192.
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 70 ص 189.
 
 
 
 
99

88

النار

 للمطالعة 

 
إن القرآن يخاطب جميع المسلمين فيقول﴿فَلَا تُزَكوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقَى1. إن مصدر هذا العمل هو الإعجاب بالنفس والغرور، والعجب الذي يتجلى شيئاً فشيئاً في صورة امتداح الذات وتزكية النفس، بينما ينتهي في نهاية المطاف إلى التكبر والاستعلاء على الآخرين. إن هذه العادة الفاسدة- مع الأسف- من العادات الشائعة بين كثير من الشعوب والفئات والأشخاص، وهي مصدر الكثير من المآسي الاجتماعية والحروب وحالات الاستعلاء والاستعمار. إن التاريخ يرينا كيف أن بعض الأمم في العالم كانت تزعم تفوقها على الشعوب والأمم الأخرى، تحت وطأة هذا الشعور والإحساس الكاذب، ولهذا كانت تمنح لنفسها الحق في أن تستعبد الآخرين، وتتخذهم لأنفسها خولاً وعبيداً. لقد كان العرب الجاهليون مع كل التخلف والانحطاط والفقر الشامل الذي كانوا يعانون منه، يرون أنفسهم العنصر الأعلى، بل وكانت هذه الحالة سائدة حتى بين قبائلهم، حيث كان بعض القبائل يرى نفسه الأفضل والأعلى. ولقد تسبب الإحساس بالتفوق لدى العنصر الألماني والإسرائيلي في وقوع الحروب العالمية أو الحروب المحلية. ولقد كان اليهود والنصارى في صدر الإسلام يعانون- أيضاً- من هذا الإحساس والشعور الخاطئ وهذا الوهم، ولهذا كانوا يستثقلون الخضوع أمام حقائق الإسلام، ولهذا السبب شدد القرآن الكريم النكير- في الآية اللاحقة الثانية- على هذا التصور، وشجب هذا الوهم، وهم التفوق العنصري، ويعتبره نوعاً من الكذب على الله والافتراء عليه سبحانه، ومعصية كبرى وذنباً بيناً، إذ يقول سبحانه:

 

 
 

1-النجم: 32. 
 
 
 
100

89

النار

 

﴿انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مبِينًا أي أنظر كيف أن هذه الجماعة بافتعالها لهذه الفضائل وادعائها لنفسها من ناحية، ونسبتها إلى الله من ناحية أخرى، تكذب على الله، ولو لم يكن لهذه الجماعة أي ذنبٍ إلا هذا لكفى في عقوبتهم.


الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي- ج 3 ص 267.
 
 
 
 
101
 

90

جنّة الرضوان

الدرس الثاني عشر

جنّة الرضوان
 
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام 
 
وَسِيقَ الذِينَ اتقَوْا رَبهُمْ إِلَى الْجَنةِ زُمَراً قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ وَزُحْزِحُوا عَنِ النارِ وَاطْمَأَنتْ بِهِمُ الدارُ وَرَضُوا الْمَثْوَى وَالْقَرَارَ الذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدنْيَا زَاكِيَةً وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً تَخَشعاً وَاسْتِغْفَارًا وَكَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلًا تَوَحشاً وَانْقِطَاعاً فَجَعَلَ اللهُ لَهُمُ الْجَنةَ مَآباً وَالْجَزَاءَ ثَوَاباً وَكانُوا أَحَق بِها وَأَهْلَها فِي مُلْكٍ دَائِمٍ وَنَعِيمٍ قَائِمٍ.1
 
 

1- الخطبة، 190.
 
 
 
102

91

جنّة الرضوان

 رضوان الله

 
إن أعظم ما يناله أهل الجنة من النعم المعنوية، رضوان الله عز وجل ولقاء الله الذي هو غاية ما يريدونه من نعيم تلك الجنة.
 

 

﴿وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَناتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيبَةً فِي جَناتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ منَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ1

 

 
وما يقابل ذلك هو العذاب الذي ينتظر من كان مصيره دخول النار، وهو أنه لن ينال لقاء الله عز وجل، ولذا نقرأ في دعاء كميل: "وهبني... صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك".
 

 

﴿أَفَمَنِ اتبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ منَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ2.

 

 
ويعبر القرآن الكريم عن هذا الرضا الذي ينالهم بالفوز العظيم، قال تعالى: ﴿قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَناتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ3.

 

 
الولاية لله ولرسوله
 
قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادونَ مَنْ حَاد اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيدَهُم بِرُوحٍ منْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَناتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِن حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ4.

 

 
 

1- التوبة،72.
2- آل عمران،162.
3- لمائدة،119.
4- المجادلة،22.
 
 
 
104

92

جنّة الرضوان

 لا يجتمع حبان في قلب إنسانٍ واحدٍ، بل إما أن يكون محباً لله عز وجل، وموالياً له ولأوليائه، أو أن يكون محباً للشيطان مطيعاً له ولأوليائه.

 
إن حب الآباء والأبناء والإخوان والعشيرة شيء ممدوح، ودليل على عمق العواطف الإنسانية، إلا أن هذه المحبة حينما تكون بعيدة عن حب الله تعالى، فإنها ستفقد خاصيتها. ومن الطبيعي جداً أن مَن يتعلق بهم الإنسان ليس مختصاً بالأقسام الأربعة التي استعرضتها الآية الكريمة، ولكن هؤلاء أقرب عاطفياً من غيرهم للإنسان، وبملاحظة الموقف من هؤلاء سيتضح الموقف من الآخرين.
 
صفات أهل الرضوان
 
يتطرق القرآن الكريم إلى الجزاء العظيم لهذه المجموعة، التي سخرت قلوبها لعشق الله تعالى، حيث يستعرض خمسة من أوصافهم، والتي يمثل بعضها مدداً وتوفيقاً من الله تعالى:
الأول: يقول تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ. فالإنسان إذا ترك أعداء الله، جاءه الإمداد الإلهي بصورة استقرار الإيمان، حيث عبر عنه بـ كتب. 
 
الثاني: يقول تعالى: ﴿وَأَيدَهُم بِرُوحٍ منْهُ، هذه الروح الإلهية نوع من الحياة المعنوية الجديدة، التي أفاضها الله تعالى على المؤمنين.
 
موجبات نيل رضوان الله
 
1ـ سخط النفس: وذلك لأن النفس الأمارة بالسوء تدعو الإنسان إلى المعصية، وإلى الخروج عن طاعة الله، وفي سخطها طاعة الله ونيل رضوانه، ففي وصية لقمان عليه السلام لابنه: "يا بني من يرد رضوان الله يسخط نفسه كثيراً، ومن لا يسخط نفسه لا يرضى به"1.
 
2ـ الطاعة في الصغيرة والكبيرة: فعن الإمام علي عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرن شيئاً من طاعته
 
 

1- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 ص 1098.
 
 
 
 
105

93

جنّة الرضوان

 فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم"1.

 
3ـ الإحسان إلى الناس: فعن الإمام علي عليه السلام: "أيسرك أن تكون من حزب الله الغالبين؟ اتق الله سبحانه، وأحسن في كل أمورك، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"2.
 
4ـ التمسك بولاية أولياء الله: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ علياً بعدي، وليعادِ عدوه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده، فإنهم خلفائي وأوصيائي... حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله عز وجل، وحزب أعدائهم حزب الشيطان"3.
 
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "بني الإسلام على خمس: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم يُنادَ بشيء كما نودي بالولاية"4.
 
وعن عمرو بن حنظلة، قال: "سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة، أيحل ذلك؟ فقال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً، وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت،وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ5". قلت: فكيف يصنعان؟ قال عليه السلام: "ينظران إلى من كان منكم، ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله"6.

 

 
 

1- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 1 ص 117.
2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 ص 600.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 38 ص 92.
4- الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 18.
5- النساء،60.
6- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 27 ص 137. 
 
 
 
106

94

جنّة الرضوان

 المفاهيم الاساس 

 
1- الفوز العظيم لأهل الجنة هو في نيلهم رضوان الله عز وجل.
 
2- موجبات نيل رضوان الله: سخط النفس، الطاعة في الصغيرة والكبيرة، الإحسان إلى الناس، والتمسك بولاية أولياء الله.
 
3-بيعة الولي الفقيه في عصر الغيبة امتداد لولاية الأئمة عليه السلام.
 
 
للمطالعة 
 
الجزاء المعنويّ لأهل الجنـّة
 
تشير الآية إلى الجزاء المعنوي المعد لهؤلاء، وهو رضى الله تعالى عنهم، المختص بالمؤمنين الحقيقيين، وهو أهم وأعظم جزاء، ويفوق كل النعم والعطايا الأخرى، ورضوان من الله أكبر. إن اللذة المعنوية والإحساس الروحي، الذي يحس ويلتذ به الإنسان عند شعوره برضى الله سبحانه وتعالى عنه، لا يمكن أن يصفه أي بشر، وعلى قول بعض المفسرين، فإن نسمةً ولحظةً من هذه اللذة الروحية تفوق نعم الجنة كلها، ومواهبها المختلفة والمتنوعة واللامتناهية. من الطبيعي أننا لا نستطيع أن نجسم ونرسم صورة في أفكارنا، عن أي نعمة من نعم الحياة الأخرى، ونحن في قفص الحياة الدنيا وحياتها المحدودة، فكيف سنصل إلى إدراك هذه النعمة المعنوية والروحية
 
 
 
 
107

95

جنّة الرضوان

 الكبرى؟ ! نعم، يمكن إيجاد تصور ضعيف عن الاختلافات المادية والمعنوية، التي نعيشها في هذه الدنيا، فمثلاً يمكن إدراك الاختلاف في اللذة، بين اللقاء بصديقٍ عزيزٍ جداً بعد فراق طويل، ولذة الإحساس الروحي الخاص الذي يعتري الإنسان عند إدراكه، أو حله لمسألة علمية معقدة، صرف في تحصيلها والوصول إلى دقائقها الشهور، بل السنين، أو الانشداد الروحي الذي يبعث على النشاط والجد في لحظات خلوص العبادة، أو النشوة عند توجه القلب وحضوره في مناجاة تمتزج بهذا الحضور، وبين اللذة التي نحس بها من تناول طعام لذيذ وأمثالها من اللذائذ، ومن الطبيعي أن هذه اللذائذ المادية، لا يمكن مقارنتها باللذائذ المعنوية، ولا يمكن أن تصل إلى مصافها. من هنا يتضح التصور الخاطئ، لمن يقول بأن القرآن الكريم عندما يتحدث عن الجزاء والعطاء الإلهي، الذي سيناله المؤمنون الصالحون، يؤكد على النعم المادية، ولا يتطرق إلى النواحي المعنوية، لأن الجملة أعلاه- أي: رضوان من الله أكبر- ذكرت أن رضوان الله أكبر من كل النعم، خاصة وأنها وردت بصيغة النكرة، وهي تدل على أن قسماً من رضوان الله أفضل من كل النعم المادية الموجودة في الجنة، وهذا يبين القيمة السامية لهذا العطاء المعنوي. إن الدليل على أفضلية الجزاء المعنوي واضح أيضاً، لأن الروح في الواقع بمثابة الجوهر والجسم بمكان الصدف، فالروح كالآمر والقائد، والجسم كالجندي المطيع والمنفذ، فالتكامل الروحي هو الهدف، والجسم وسيلة، ولهذا السبب، فإن إشعاعات الروح وآفاقها أوسع من الجسم، واللذائذ الروحية لا يمكن قياسها ومقارنتها باللذائذ المادية والجسمية، كما أن الآلام الروحية أشد ألماً من الآلام الجسمية. وفي النهاية أشارت الآية إلى جميع هذه النعم المادية والمعنوية، وعبرت عنها بأن ذلك هو الفوز العظيم.


الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي- ج 6- ص 123
 
 
 
 
108 
 

96

الفهرس

 

1-سكرة الموت

7

تمهيد

9

1 ـ  الموت يأتي فجأة

9

2 ـ صعبة سهلة

9

حواس تتعطل وأخرى تراقب

10

3 ـ حسرة الفوت

11

4ـ قبض الروح

11

5ـ بر الوالدين والتخفيف من سكرة الموت

12

قصة وعبرة

12

برهما بعد الموت

13

ختام

14

المفاهيم الأساس

15

للمطالعة

15

2-ملك الموت

17

تمهيد

19

1ـ موقفان والخيار بيدك!

19

2ـ التولي والتبري مفتاح الاختيار

21

التولي يعني الطاعة

22

طاعة الولي الفقيه من طاعة الأئمة

23

المفاهيم الأساس

24

للمطالعة

24

 

 

110


97

الفهرس

 

3-وحشة القبر

27

لا اختلاف ولا تمييز!

29

دار الغربة، دار الوحشة

30

طريق الخلاص العمل الصالح

30

سوء الخلق، مفسد للعمل

31

المفاهيم الأساس

33

للمطالعة

33

4-سؤال القبر

35

سؤال ولا مفر من الجواب!

37

النتيجة طبقاً للجواب

37

صورة منكر ونكير

38

الصلاة باب لحضور الجواب

39

الصلاة المثمرة

39

المفاهيم الأساس

41

للمطالعة

41

5-البرزخ

43

عالم البرزخ

45

وادي السلام

45

وادي برهوت

46

إياك والغيبة

46

علاج الغيبة

47

تأثير الغيبة على الطاعات

48

المفاهيم الأساس

48

للمطالعة

49

6-صيحة النشور

51

نفختان موت وحياة

53

موقف عسير

53

الدنيا دار تكليف

54

الدوافع نحو الطاعة

54

الطاعة لله وللرسول ولأولي الأمر

55

ثمار الطاعة

55

 

 

 

111


98

الفهرس

 

المفاهيم الأساس

56

للمطالعة

57

7-حساب الأعمال

59

سوء الحساب

61

مَن يدخل الجنة بغير حساب؟

62

كلما ازداد العطاء  عظم الحساب

62

أسرع بمحاسبة نفسك

63

صلة الرحم، تهون الحساب

64

العفو في الدنيا يلازم العفو في الآخرة

64

المفاهيم الأساس

65

للمطالعة

65

8-الصراط

67

حال الناس على الصراط

69

حفظ الأمانة والجواز على الصراط

69

أنواع الأمانة

69

محبة أهل البيت عليهم السلام  جواز على الصراط

71

الأمانة في المحبة

71

المفاهيم الأساس

73

للمطالعة

73

9-المغفرة والشفاعة

75

انتظار المغفرة

77

حسن الخلق والمودة

79

مفسدات الأخوة والمودة

79

المفاهيم الأساس

81

للمطالعة

81

10-الجنّة

83

كلمة التوحيد باب لدخول الجنة

85

الكذب باب للحرمان من الجنة

85

دع الكذب جداً وهزلاً

86

خلف الوعد

87

 

 

 

112


99

الفهرس

 

المفاهيم الأساس

88

للمطالعة

89

11-النار

91

صفات جهنم

93

القيود والأغلال

93

رحلات داخل جهنم

93

ثياب أهل النار

94

طعام أهل النار

94

شراب أهل النار

94

أبواب جهنم

94

التكبر باب من أبواب جهنم

95

أقسام التكبر

95

درجات التكبر

96

علاج الكبر

96

المفاهيم الأساس

98

للمطالعة

99

12-جنّة الرضوان

101

رضوان الله

103

الولاية لله ولرسوله

103

صفات أهل الرضوان

104

موجبات نيل رضوان الله

104

المفاهيم الأساس

106

للمطالعة

106

الفهرس

109

 

 

 

113


100
حياة القلوب